هذه المسألة لا تدخل في حديثنا، لكن نسخ القرآن بالسنة الجمهور على أن السنة لا تنسخ القرآن؛ لأنها دونه في الرتبة، والذي عليه جمع من أهل التحقيق أنه كلها وحي، القران وحي والسنة وحي {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3 - 4) سورة النجم] فعلى هذا ينسخ القرآن بالسنة إذا صحت، ومما يستدل به لهذا حديث عبادة بن الصامت قال: ((خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة، ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) قالوا: هذا ناسخ لآية النساء، ومنهم من يقول على رأي الجمهور أنه مبين وليس بناسخ.
"قال: وفي الباب عن عمر وعلي وحذيفة والمغيرة وبلال وسعد وأبي أيوب وسلمان وبريدة وعمرو بن أمية وأنس وسهل بن سعد ويعلى بن مرة وعبادة بن الصامت وأسامة بن شريك وأبي أمامة وجابر وأسامة بن زيد وابن عبادة ويقال: ابن عمارة أو أبي بن عمارة".
يقول ابن عبد البر في الاستذكار: روى المسح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- نحو أربعين من الصحابة.
وقال الحسن: حدثني سبعون من الصحابة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسح على الخفين، فلا مجال لإنكاره، وإنكار المسح على الخفين من سيما المبتدعة، يعني أهل السنة قاطبة يقولون بالمسح على الخفين، ولم ينكره إلا المبتدعة من الخوارج والروافض، ولذا يدخل في كتب العقائد، في كتب العقائد عند أهل السنة يقولون: ونرى المسح على الخفين؛ لأنه استقل بإنكاره أهل البدع، فصار هذا من بدعهم، وحينئذٍ يكون من أصول الدين.
ما يذكر عن مالك أنه لا يرى المسح على الخفين، ذكر عنه بأسانيد أصح أنه يرى المسح على الخفين.
"قال أبو عيسى: حديث جرير حديث حسن صحيح" وأخرجه الستة، الأئمة كلهم.(22/8)
قال: "ويروى عن شهر بن حوشب" الأشعري الشامي صدوق كثير الأوهام، وسبق الحديث عنه، وأنه مضعف عند أهل العلم، وإن وثقه الشيخ أحمد شاكر، لكن الشيخ تساهل في هذا، وثقه ووثق كثير من الضعفاء، على كل حال هو ضعيف عند الجمهور، وبمقدمة مسلم مقدمة صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: إن شهراً نزكوه، يعني رموه واتهموه، رموه بالنيزك، في بعض النسخ تركوه، المقصود أنه مضعف، وذكرنا قصة الخريطة التي اتهم بها، بسرقتها، ولعلها لا تثبت، ولذا استغلت هذه الحادثة وإن لم تكن صحيحة، استغلت من قبل بعض المغرضين فطعن في جميع القراء من أجل شهر، يعني نبهنا على هذا في دروس سابقة، قال:
لقد باع شهر دينه بخريطة ... فمن يأمن القراء بعدك يا شهر
يعني ألصق التهمة بجميع القراء أنهم سراق، وهذا مثل ما يدور الآن على ألسنة بعض المفتونين أنه إذا حصل أدنى مخالفة من مستقيم، ممن ظاهره الاستقامة، أو من المحسوبين على أهل الخير والصلاح، قال: كلهم على هذه الشاكلة، وطعن في حلقات التحفيظ من أجل أخطاء يسيرة حصلت من بعضهم، ومن يعرى من الخطأ، ومن المعصوم من الوقوع في الزلل، وطعن في أرباب الحسبة، وأصحاب الأمر والنهي، القائمين بهذه الشعيرة العظيمة، طعن فيهم بسبب أخطاء وتصرفات من بعض الأفراد التي قد يعجز في بعض المواقف وفي بعض المواطن يعجز أن يتصرف التصرف الصحيح، فيضيق الوقت عليه، وقد يحصل في خطأ؛ لأنه لا يتمكن من النظر التام، والمنكر يفوت، فإذا حصل اجتهاد في بعض هذه المسائل من بعض الأفراد ألصق بالجميع، وأن هذا ديدنهم وشأنهم، وصار الكتاب يكتبون عن هذا الجهاز، وهذه الشعيرة، وتطاولوا على ما ثبت بالنصوص القطعية.
قال: "ويروى عن شهر بن حوشب قال: رأيت جرير بن عبد الله توضأ ومسح على خفيه فقلت له –أي لجرير- في ذلك –يعني في المسح على الخفين- فقال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ومسح على خفيه" وهذا يشهد له الحديث السابق وهو صحيح "فقلت له: أرأيت ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل المائدة أم بعد المائدة؟ فقال: ما أسلمت إلا بعد المائدة".(22/9)
يقول الترمذي: "حدثنا بذلك قتيبة" يعني ابن سعيد "قال: حدثنا خالد -بن زياد- الترمذي" قاضي ترمذ، وهو صدوق عند أهل العلم "عن مقاتل بن حيان" البلخي، وهو أيضاً صدوق "عن شهر بن حوشب عن جرير" يعني تقديم المتن على الإسناد عند عامة أهل العلم لا إشكال فيه، سواءً تقدم الإسناد على المتن أو تأخر لا فرق، إلا أن ابن خزيمة ينص على أنه إذا قدم المتن، فإنما يقدمه لكلام في الإسناد، لضعف في الإسناد، وهنا قدم المتن ولا إشكال في ذلك، يعني لو قال: حدثنا قتيبة، قال: حدثنا خالد ... إلى آخره، وجاء بخبر ما يفرق عنده.
"قال أبو عيسى: وروى بقية" وهو ابن الوليد الحمصي، ثقة، كثير التدليس، وقال ابن حجر: صدوق، كثير التدليس، شديد التدليس أيضاً، إلا أنه صرح بالتحديث عند البيهقي، هنا صرح بالتحديث عند البيهقي "عن إبراهيم بن أدهم" بن منصور البلخي ثم الشامي، أحد الزهاد الأعلام "عن مقاتل بن حيان عن شهر بن حوشب عن جرير" وهذه متابعة لإبراهيم بن أدهم، من إبراهيم لخالد بن زياد الترمذي، ومداره على شهر، وعلى كل حال الحديث سبق ما يشهد له من الصحيح.
قال: "وهذا حديث مفسر" يعني واضح، لا يحتاج إلى تفسير ولا إلى بيان، ولا إلى مراجعة أحاديث أخرى توضحه وتبينه، هذا حديث مفسر يعني مبين؛ "لأن بعض من أنكر المسح لأن بعض من أنكر المسح" يعني لو كان أحاديث المسح على الخفين المتواترة هذا الحديث يبينها كلها، هذا مفسر بالنسبة لها كلها؛ لأنه لقائل أن يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- صحيح مسح على الخفين، لكن قبل ما. . . . . . . . .، فجاء الحديث -حديث جرير- مفسر، وأنه ما أسلم إلا بعد نزول المائدة.
يقول: "وهذا حديث مفسر؛ لأن بعض من أنكر المسح على الخفين تأول أن مسح النبي -عليه الصلاة والسلام- على الخفين كان قبل نزول المائدة، وذكر جرير في حديثه أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين بعد نزول المائدة".(22/10)
قال ابن المنذر: يختلف العلماء في الأفضل المسح على الخفين أو غسل الرجلين؟ قال: والذي أختاره أن المسح أفضل، المسح على الخفين أفضل؛ لأجل من طعن فيه من أهل البدع من الخوارج والروافض، قال: وإحياء ما طعن فيه المخالفون أفضل من تركه، ومن أهل العلم من يرى أن الغسل هو الأصل فهو أفضل، والخلاف في الرخصة والعزيمة، أيهما أفضل الرخصة أو العزيمة؟ لكل مسألة ما يحتف بها، فالتوقيت أفضل من الجمع، والقصر أفضل من الإتمام، وهنا الأفضل الأرفق بالمكلف، فإن كان لابساً للخف فالأفضل أن يمسح؛ لأن هذا فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان نازعاً للخف فلا يقال: البس من أجل أن تمسح، لا هذا ولا هذا، لكن الأرفق به يفعله.
سم.
عفا الله عنك.
قال الترمذي -رحمه الله تعالى-:
باب: المسح على الخفين للمسافر والمقيم:
حدثنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة عن سعيد بن مسروق عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن المسح على الخفين؟ فقال: ((للمسافر ثلاثة، وللمقيم يوم)) وذكر عن يحيى بن معين أنه صحح حديث خزيمة بن ثابت في المسح، وأبو عبد الله الجدلي اسمه: عبد بن عبد، ويقال: عبد الرحمن بن عبد، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن علي وأبي بكرة وأبي هريرة وصفوان بن عسال وعوف بن مالك وابن عمر وجرير.
حدثنا هناد قال: حدثنا أبو الأحوص عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن صفوان بن عسال -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روى الحكم بن عتيبة وحماد عن إبراهيم النخعي عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت ولا يصح.(22/11)
قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبد الله الجدلي حديث المسح، وقال زائدة: عن منصور كنا في حجرة إبراهيم التيمي ومعنا إبراهيم النخعي فحدثنا إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسح على الخفين، قال محمد بن إسماعيل: أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عسال المرادي.
قال أبو عيسى: وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: يمسح المقيم يوماً وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن.
قال أبو عيسى: وقد روى عن بعض أهل العلم أنهم لم يوقتوا في المسح على الخفين، وهو قول مالك بن أنس.
قال أبو عيسى: والتوقيت أصح، وقد روي هذا الحديث عن صفوان بن عسال أيضاً من غير حديث عاصم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: المسح على الخفين للمسافر والمقيم"
السفر كما جاء في الحديث الصحيح أنه قطعة من عذاب، ففيه المشقة، ومظنة المشقة حاصلة، فخفف عن المسافر في مسائل منها المسح، فجعل له ثلاثة أيام، بدلاً من يوم وليلة للمقيم، وأبيح له القصر والجمع والفطر في رمضان، المقصود أن أحكام المسافر تختلف عن أحكام المقيم، ومنها المسألة التي معنا.
"باب: المسح على الخفين للمسافر والمقيم"
قال: "حدثنا قتيبة" وهو ابن سعيد "قال: حدثنا أبو عوانة" وضاح بن عبد الله اليشكري "عن سعيد بن مسروق" ذكرنا في درس سبق أنه قد يلتبس على بعض الطلاب بأبي عوانة الإسفرائيني صاحب الصحيح المسند، وأبو عوانة وضاح هذا الذي معنا متقدم، وأما بالنسبة لصاحب المسند المستخرج على صحيح مسلم فهو متأخر.(22/12)
"عن سعيد بن مسروق" الثوري والد سفيان وهو ثقة أيضاً "عن إبراهيم التيمي" ثقة أيضاً "عن عمرو بن ميمون" الأودي، ثقة عابد "عن أبي عبد الله الجدلي" الطائي، ثقة أيضاً "عن خزيمة بن ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" يقول: "عن خزيمة بن ثابت" بن الفاكه الأنصاري، ذو الشهادتين، بدري، شهد بدراً، وجعل النبي -عليه الصلاة والسلام- شهادته عن شهادة رجلين؛ لأنه شهد للنبي -عليه الصلاة والسلام- في عقد لم يشهده، والقصة مشهورة "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن المسح على الخفين؟ " أي: عن مدته؟ "فقال: ((للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، وللمقيم يوم وليلة)) " كما في رواية أبي داود، وذكر عن يحيى بن معين أنه صحح حديث خزيمة بن ثابت في المسح؛ لأن السند رجاله كلهم ثقات "وأبو عبد الله الجدلي اسمه: عبد بن عبد، ويقال: عبد الرحمن بن عبد".
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود وابن ماجه وابن أبي شيبة والبزار "قال: "وفي الباب عن علي" أخرجه مسلم "وأبي بكرة" عند ابن خزيمة والدارقطني "وأبي هريرة" عند ابن أبي شيبة والبزار "وصفوان بن عسال" عند الترمذي، الحديث الذي يليه "وعوف بن مالك" عند أحمد في المسند والطبراني والبزار "وابن عمر وجرير" عند الطبراني، كلاهما عند الطبراني.
قال بعد ذلك: "حدثنا هناد قال: حدثنا أبو الأحوص" سلام بن سليم الحنفي مولاهم، ثقة متقن، وجاء في ترجمته عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، وعن هذه تستعمل في غير الرواية، عن ذكر القصة، قصة أبي الأحوص، وليس المراد الرواية عن أبي الأحوص بعد ما قتل هذا لا يتصور.(22/13)
"عن عاصم بن أبي النجود" عاصم بن بهدلة بن أبي النجود، القارئ المشهور، إمام في القراءة، تكلم في حفظه بالنسبة للرواية "عن زر بن حبيش" الأسدي الكوفي، ثقة مخضرم "عن صفوان بن عسال" المرادي صحابي "قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سفْراً" جمع سافر، كصحب جمع صاحب، وركب جمع راكب، أي إذا كنا مسافرين، سفراً من السفور وهو البروز عن البلد والخروج منه، ومنه السفور بالنسبة للنساء إذا أبرزن بعض أو شيئاً من بشرتهن سمي سفوراً "يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم" يعني في الطهارة الصغرى في الحدث الأصغر في الوضوء يمسح على الخفين، وأما بالنسبة للغسل فلا يمسح على الخفين، ولكن من غائط وبول ونوم، عطف على مقدر يدل عليه إلا من جنابة، كما في رواية النسائي: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا مسافرين أن نمسح على خفافنا ولا ننزعها ثلاثة أيام من غائط وبول ونوم إلا من جنابة، وعلى هذا حديث الباب فيه تقديم وتأخير.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الإمام الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والدارقطني والبيهقي، وخرج في كثير من الدواوين إلا أنه لا يوجد في الصحيحين.(22/14)
"وقد روى الحكم بن عتيبة" وهو ثقة ثبت، حجة "وحماد" بن أبي سليمان "عن إبراهيم النخعي عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت ولا يصح" والسبب بينه الترمذي بقوله: "قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبد الله الجدلي حديث المسح" ففيه انقطاع، هناك عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي، حديث حسن صحيح، وهنا إبراهيم النخعي عن أبي عبد الله الجدلي قال: لا يصح؛ لأن فيه انقطاع، قال شعبة: لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبد الله الجدلي حديث المسح، وقال زائدة: قوله: لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبد الله الجدلي حديث المسح هل يدل على أنه لم يسمع منه مطلقاً؟ لا، لا يدل على أنه لم يسمع منه مطلقاً، ولو قيل بأن العبارة تدل على أنه سمع منه بعض الأحاديث إلا أنه لم يسمع منه حديث المسح لكان له وجه، وإلا لقال: لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبد الله الجدلي، فيسكت أو يقول شيئاً، لكن لما قال حديث المسح يفهم منه أنه سمع غير حديث المسح.
"وقال زائدة عن منصور: كنا في حجرة إبراهيم التيمي ومعنا إبراهيم النخعي" في بعض الروايات العكس: كنا في حجرة إبراهيم النخعي ومعنا إبراهيم التيمي "فحدثنا إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون" وهذه المسألة لا يترتب عليها شيء، سواءً كانوا في بيت أو في حجرة إبراهيم التيمي أو النخعي، المقصود أنهما موجودان معناً "فحدثنا إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسح على الخفين"، "حدثنا إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت في المسح على الخفين" فتبين أن هناك واسطة بينهما إبراهيم التيمي والنخعي عمرو بن ميمون.
"قال محمد بن إسماعيل: أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عسال المرادي" إذا كان هناك انقطاع بين إبراهيم النخعي وأبي عبد الله الجدلي فهناك أيضاً انقطاع آخر.
"قال محمد بن إسماعيل -وهو البخاري-: أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عسال المرادي".(22/15)
وقال البخاري أيضاً: لا يعرف للجدلي سماع من خزيمة، وقال يحيى بن معين: هو صحيح، صححه لما يشهد له، لا بمفرد إسناده، وإنما لما يشهد له، وأما البخاري فقد ضعفه بالانقطاع، وإن قال .. ، الإمام البخاري يرى أن حديث صفوان هو أحسن شيء في هذا الباب، يعني في التوقيت، وأما حديث خزيمة ففيه انقطاع في أكثر من موضع.
"قال أبو عيسى: وهو - أي التوقيت - قول أكثر العلماء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا: يمسح المقيم يوماً وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن" وعلى هذا جمهور أهل العلم وهو الحق والصواب؛ لأن الدليل دل عليه.
"قال أبو عيسى: وقد روى عن بعض أهل العلم أنهم لم يوقتوا في المسح على الخفين، وهو قول مالك بن أنس" مالك لا يرى التوقيت، والليث بن سعد كذلك.
يقول ابن العربي في العارضة: سمع مطرف مالكاً يقول: التوقيت في المسح على الخفين بدعة، مطرف بن عبد الله سمع مالكاً يقول: التوقيت في المسح على الخفين بدعة، وروى عنه أشهب كقول الجمهور، التوقيت، لكن مثل هذا يدخله الابتداع؟ يعني أصل المسألة إذا كان الخلاف فيها مع مبتدعة، وهي في الأصل فرعية نقلت إلى مسائل الاعتقاد فصارت أصلية، أصل المسألة، مسألة المسح على الخفين، أما التوقيت فالخلاف فيها بين مالك وبين أئمة كبار، لهم أدلتهم فهي مسألة فرعية، فلا يمكن أن يبدع فيها، إلا على قول من يقول: إن كل مخالفة في العبادات بدعة، وهو الذي يميل إليه الشيخ الألباني -رحمه الله-، لكن هذا القول يلزم عليه لوازم كثيرة أن كل من رجح قولاً مرجوحاً أو عمل بدليل ضعيف أو ارتكب مكروهاً، لو ارتكب مكروه صار مبتدع، فضلاً عن أن يرتكب محرم، وهذا مخالف لقول عامة أهل العلم في تحديد البدعة.
يقول: التوقيت في المسح على الخفين بدعة، وروى عنه أشهب كقول الجمهور.(22/16)
"قال أبو عيسى: والتوقيت أصح" ودليله ما ذكر في الباب، ودليل من يرى عدم التوقيت حديث أبي بن عمارة أنه قال: أمسح يا رسول الله على الخفين؟ قال: ((نعم)) قال: يوماً؟ قال: ((نعم)) قال: ويومين؟ قال: ((نعم)) قال: وثلاثة؟ قال: ((نعم وما شئت)) يعني فلا توقيت، أخرجه أبو داود، وقال: ليس بالقوي، وضعفه البخاري، وقال: لا يصح، ونقل النووي في شرح المهذب اتفاق الأئمة على ضعفه، وعلى كل حال لا يعارض به ما صح من أحاديث الباب.
"وقد روى هذا الحديث عن صفوان بن عسال أيضاً من غير حديث عاصم".
لأن عاصم فيه كلام لأهل العلم من جهة حفظه، فأراد الترمذي أن يبين أن عاصماً لم يتفرد بالحديث بل توبع عليه، ولذلك صححه، يقول النووي: مذهب الشافعي وكثيرين أن ابتداء المدة من حين الحدث بعد لبس الخف، وهذا أيضاً معروف عند الحنابلة، من حين الحدث بعد لبس الخف لا من حين اللبس، ولا من حين المسح، وهو قول أبي حنيفة، ونقل عن الأوزاعي وأبي ثور وأحمد، أنهم قالوا: أن ابتداءها من وقت اللبس، أنه من وقت اللبس، إما من أول حدث أو من وقت اللبس، والمرجح أنه لا هذا ولا هذا، أنه من أول مسح؛ لأنه في الحديث قال: ((يمسح المقيم)) يمسح يوم وليلة، ما قال: يلبس المقيم، قال: ((يمسح المقيم يوماً وليلة)) فدل على أن العدد يبدأ من المسح، وهذا هو الراجح -إن شاء الله تعالى-.
سم.
عفا الله عنك.
قال الترمذي -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله:
حدثنا أبو الوليد الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: أخبرني ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح أعلى الخف وأسفله.
قال أبو عيسى: وهذا قول غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء، وبه يقول مالك والشافعي وإسحاق، وهذا حديث معلول لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم.(22/17)
قال أبو عيسى: وسألت أبا زرعة ومحمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيح؛ لأن ابن مبارك روى هذا عن ثور عن رجاء بن حيوة قال: حُدثت عن كاتب المغيرة مرسل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يُذكر فيه المغيرة.
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفَلِه"
لأن الأعلى بدل من الخفين، بدل بعض والأسفل معطوف عليه، وعلى الخفين مجرور، كما هو معلوم الخفين مجرور، أعلاه وأسفله، ولو قال: أعلاهما وأسلفهما طابق الوصف أو البدل المبدل، تطابق المتبوع مع التابع، والمطابقة مطلوبة إذاً لا بد من تقدير، مع أنه جاء في بعض النسخ: "أعلاهما وأسفلهما" وهنا نحتاج إلى تقدير نقول: باب ما جاء في المسح على كل واحد من الخفين أعلاه وأسفله.
قال: "حدثنا أبو الوليد" أحمد بن عبد الرحمن بن بكار "الدمشقي" صدوق فيما قاله أهل العلم "قال: حدثنا الوليد بن مسلم" القرشي مولاهم، ثقة، مدلس، شديد التدليس "قال: أخبرني ثور بن يزيد" أبو خالد الحمصي، ثقة "عن رجاء بن حيوة" الكندي، ثقة فقيه "عن كاتب المغيرة" جاءت تسميته بأنه وراد، وهو ثقة أيضاً "عن المغيرة بن شعبة" وهو صحابي "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح أعلى الخف وأسفله" وأخرجه أبو داود وابن ماجه وأحمد.
"قال أبو عيسى: وهذا -يعني مسح أعلى الخف وأسفله- قول غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كابن عمر والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء، وبه يقول مالك والشافعي وإسحاق" وقال أبو حنيفة: لا يمسح إلا الأعلى.
قال المؤلف: "وهذا حديث معلول" معلول يعني فيه علة، والتعبير المفضل عندهم أن يقال: معل، لا معلول ولا معلل، إنما يقال: معل، والعلة سبب خفي غامض يقدح في صحة الحديث الذي ظاهره السلامة منها، "معلول لم يسنده -يعني يصله ويرفعه- عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم"(22/18)
"قال أبو عيسى: وسألت أبا زرعة ومحمد بن إسماعيل البخاري" أبو زرعة الرازي، ومحمد بن إسماعيل البخاري "عن هذا الحديث؟ فقالا: ليس بصحيح؛ لأن ابن مبارك روى هذا عن ثور عن رجاء بن حيوة وقال: حدثت عن كاتب المغيرة" وهنا عن رجاء عن كاتب المغيرة بدون واسطة، قال: "لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور" أن ابن المبارك جعل هناك واسطة مجهولة بين رجاء بن حيوة وكاتب المغيرة، بينا الوليد بن مسلم جعله عن رجاء عن كاتب بدون واسطة "قال: حدثت عن كاتب المغيرة بصيغة المجهول مرسل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يذكر فيه المغيرة" مرسل، حدثت عن كاتب المغيرة ولم يذكر فيه المغيرة، فهو مما يرفعه كاتب المغيرة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مع أنه روي عن رجاء بن حيوة بواسطة مجهول، قال: فالحديث ضعيف، فعلى هذا فالحديث ضعيف.
يقول الشارح المباركفوري: لم أجد في هذا الباب حديثاً مرفوعاً صحيحاً خالياً عن الكلام، وصح خلافه عن علي وغيره كما سيأتي في الباب الذي يليه، الباب الذي يليه يقتصر فيه على مسح أعلى الخف، على ظاهر الخف.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المسح على الخفين ظاهرهما:
حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين على ظاهرهما".
قال أبو عيسى: حديث المغيرة حديث حسن وهو حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن المغيرة، ولا نعلم أحداً يذكر عن عروة عن المغيرة على ظاهرهما غيره، وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وأحمد، قال محمد: وكان مالك بن أنس يشير بعبد الرحمن بن أبي الزناد.
هذا يسأل يقول: كيف يكون الوليد بن مسلم ثقة مدلس؟
نعم التدليس وجد عند الأكابر، وجد عن الحسن البصري، تدليسه شديد، ووجد أيضاً على قلة وندرة عند السفيانين، وعلى كل حال التدليس لا ينافي التوثيق، فإذا صرح المدلس بالتحديث فلا يكون له أثر.
هل الرسول -عليه الصلاة والسلام- يفعل المكروه؟ وكيف يكون ذلك؟(22/19)
الرسول -عليه الصلاة والسلام- يأمر بالشيء أو ينهى عن الشيء، ثم يترك ما أمره به لبيان الجواز، يعني لبيان أن الأمر للاستحباب، والصارف هذا الفعل، والترك بالنسبة له تشريع يؤجر عليه، وكذلك إذا نهى عن شيء فإن الأصل في النهي التحريم، لكن إذا فعله يكون النهي للكراهة، مصروف من التحريم إلى الكراهة، والصارف هو فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفعله ليس بمكروه لأنه تشريع.
قال -رحمه الله-: "باب: ما جاء في المسح على الخفين ظاهرهما"
"حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد" القرشي مولاهم، المدني، صدوق، قال: "عن أبيه" عبد الله بن ذكوان أبي الزناد "عن عروة بن الزبير" هنا صرح الترمذي وغيره أيضاً صرح بأنه ابن الزبير، وفي مسند الطيالسي عن عروة بن المغيرة يعني ابن شعبة، عن عروة بن المغيرة لا عروة بن الزبير، وعلى كل حال سواءً كان هذا أو هذا فهما ثقتان، لا يقدح عدم تمييز أحدهما عن الآخر "قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين على ظاهرهما" أي أعلاهما، وهذا دليل من اقتصر على مسح أعلى الخف.
"قال أبو عيسى: حديث المغيرة حديث حسن" وأخرجه أبو داود وسكت عليه يعني فهو صالح؛ لأن ما يرويه أبو داود ويسكت عليه كما قال: وما سكت عنه فهو صالح، ولا شك أنه أصح من حديث المغيرة السابق أنه مسح أعلاه وأسفله.(22/20)
قال: "وهو حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن المغيرة، ولا نعلم أحداً يذكر عن عروة عن المغيرة على ظاهرهما غيره" يعني غير عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، غير عبد الرحمن بن أبي الزناد لا يذكره، فالمسح على الخف يحتاج إلى أن يقال: على ظاهره؟ يعني جاءت صفة المسح وأنها بالأصابع تكون كالخطوط على ظهر الخف، وهنا يقول: على ظاهرهما؛ ليبين ضعف الحديث السابق، والتنصيص على الظاهر لا شك أنه لبيان حقيقة المسح، وإلا لو قلنا: المسح ما جاء بيانه في السنة لاختلف فيه أهل العلم كاختلافهم في مسح الرأس على ما تقدم، من مسح ثلاث شعرات إلى مسح جميع الرأس؛ لأن البدل له حكم المبدل، المسح على الخف بدلاً عن غسل الرجل والرجل يغسل أعلاها وأسفلها وجوانبها، تغسل من جميع جهاتها، إذن المسح كمسح الرأس يمسح من جميع جهاته، لكنه بهذا الحديث يبين ضعف الحديث السابق، وأن المسح إنما هو على الظاهر فقط.
قال: وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وأحمد، يعني وأبو حنيفة، يعني المسح على الظاهر فقط، وقال علي -رضي الله عنه-: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على خفيه ظاهرهما، أخرجه أبو داود، وحسنه الحافظ في البلوغ، وقال في التلخيص: إسناده صحيح، لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه؛ لأنه هو الذي يباشر الأرض، يباشر الأقذار، يباشر الأوساخ، وقد يباشر نجاسات، فيكون أسفله أعلى، لكن الدين دين اتباع، ليس عليك إلا أن تقول: سمعنا وأطعنا، ولا تعارض برأيك.
"قال محمد: وكان مالك بن أنس يشير بعبد الرحمن بن أبي الزناد".
يعني يضعفه، وصحح الترمذي عدة من أحاديثه، وقال في اللباس: ثقة حافظ، فعلى هذا الحديث أقل أحواله أنه حسن، يجب العمل به.(22/21)
يقول الشوكاني في نيل الأوطار: ليس بين الحديثين تعارض يعني الذي يقول: يمسح أعلاه وأسفله والذي يقول: يمسح أعلاه فقط، ظاهره فقط، ليس بينهما تعارض، يقول: غاية الأمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح تارة على باطن الخف تارة على باطن الخف وظاهره، وتارة على ظاهره فقط، ولم يرو عنه ما يقتضي المنع من إحدى الصيغتين فكان جميع ذلك جائز وسنة.
أقول: كلام الشوكاني متجه أنه يخير بينهما لو صح حديث المغيرة في مسح أسفل الخف وأعلاه، لكنه لم يصح، والعبادات توقيف، فلا يتجه كلام الشوكاني حينئذٍ.
المسح على الخفين فرع عن غسل الرجلين، وثبت بالسنة أن الرجل اليمنى تغسل قبل الرجل اليسرى، والبدل له حكم المبدل، وعلى هذا تمسح الخف اليمنى قبل الخف اليسرى، تمسح الخف اليمنى قبل اليسرى، وإذا أدخل الخفين ورجلاه طاهرتان ساغ له أن يمسح، شريطة أن يكونا طاهرتين معاً؛ لأن هذا الأصل في الحال، ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)) وعلى هذا لو غسل الرجل اليمنى ثم أدخلها الخف ثم غسل الرجل اليسرى ثم أدخلها الخف على قول الأكثر لا يصح؛ لأنه أدخل اليمنى حال كون القدمين غير طاهرتين، والمطلوب طاهرتين معاً، حتى قال بعض أهل العلم: لتصحح مثل هذه الصورة إذا غسل اليمنى ثم أدخلها الخف ثم غسل اليسرى ثم أدخلها الخف لتصحيحها أن ينزع الخف اليمنى ثم يلبسها، من غير إحداث غسل، حتى قال من يقول: إن هذا عبث، مجرد يخلع الخف ثم يلبسه ليصحح المسح هذا عبث، لكنه اتباع أيضاً ((دعهما فإني أدخلتهما)) حال كونهما ((طاهرتين)) يعني معاً، مجتمعتين فلا بد أن تتم الطهارة ليسوغ المسح، ثم إذا تمت الطهارة ولبس الخفين وبدأ المسح من أول مسح، بدأت المدة من أول مسح كما تقدم، فإذا انتهت المدة صلى الفجر بالوضوء الكامل، غسل رجليه ولبس الخفين، ثم بعد ذلك لم يمسح عليهما إلا لصلاة الظهر، ينتهي المسح بوضوء الظهر؛ لأنه مسح الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر.(22/22)
الذي يقول من أول حدث يقول: إنه يبدأ المسح إذا جاء من صلاة الصبح وانتقضت طهارته من أول حدث بعد لبس، وهذا قول معروف عند أهل العلم يقول به الشافعية والحنابلة، والذي يقول من اللبس يقول: ما يمسح عليها الفجر؛ لأنه لبسها قبل صلاة الفجر، والقول المرجح أنه من أول مسح، مثل ما ذكرنا أنه في الحديث قال: ((يمسح المقيم)) فالعدة إنما هي للمسح، لا للبس ولا للحدث.
إذا تمت هذه المدة فإنه حينئذٍ لا يسوغ له أن يصلي حتى ينزع الخفين ويتوضأ وضوءاً كاملاً.
قد يقول قائل: إن تمام المدة أو نزع الخفين على الطهارة لم يذكر في نواقض الوضوء، نقول: نعم ليس بناقض للوضوء، لكنه إن صلى بالخفين بعد تمام المدة أو بعد نزعهما ولو لم تتم المدة قلنا: إنه صلى بقدم غير مغسولة، وخف غير مأذون بمسحها، فلا هذا ولا هذا، طهارة ناقصة، يعني الذي استمر وعليه الخف الطهارة لم تنتقض، يعني تمت المدة لصلاة الظهر جاءت صلاة الظهر وهو على طهارة، يقولون: لا يجوز أن تصلي صلاة الظهر حتى تنزع؛ لأن المدة تمت، أذن لك أن تمسح يوم وليلة، ما زاد على ذلك يجوز وإلا ما يجوز؟ لا يجوز، هذا حد من حدود الله لا تتعداه، لا تتعدى ما حد الله لك، فلا يجوز لك أن تتعدى هذه المدة.
يقول قائل: مثل الطهارة ما انقطعت، الطهارة تامة، نقول: هو يصلي بقدم غير مغسولة، هل يستطيع أن يقول: إني غسلت قدمي؟ يستطيع؟ ما يستطيع، هل يقول: إني أصلي بخف مأذون لي فيها؟ غير مأذون لك فيها، مأذون لك أن تمسح يوم وليلة فقط، وإذا خلعها مسح فرض فرضين ثم خلعها، لا يجوز له أن يصلي كذلك؛ لأنه ليس عليه خف ممسوح ولا رجل مغسولة، وعلى هذا المرجح أنه إذا تمت المدة لا يجوز له أن يستمر، وكذلك إذا خلع الخف فإنه لا يجوز له أيضاً أن يصلي ولو كانت الطهارة باقية؛ لأننا لو قلنا: إنه إذا خلع الخف طهارته كاملة، يرد على هذا أنه لو مسح أربعة أوقات ثم نزع الخف المدة ما زالت باقية، المدة المحددة شرعاً مازالت باقية، نزع الخف ثم لبسه، هل يمسح بعد لبسه وقت واحد، أو خمسة أوقات؟ نعم؟ هو بقي له وقت وما زال على طهارته، وأراد أن يلبسها.
طالب:. . . . . . . . .(22/23)
هو الآن مسح أربعة أوقات، قلنا: إنه مسح صلاة الظهر، ثم بعد ذلك صلى الفجر فنزعها، ثم لبسها، القول الذي قررناه أن الطهارة انتهت، الآن لا بد من لبسها على كمال الطهارة، يعني هل نقول بعد نزعه الخف وطهارته لم تنتقض، ومدته لم تنتهِ هل نقول: طهارته كاملة وإلا ناقصة؟ نعم؟ لا يخلو إما أن نقول: طهارة كاملة وإلا ناقصة؟ إن قلنا: ناقصة قلنا: خلاص بطلت، وإن قلنا: كاملة فله أن يلبس الخفين ويمسح خمسة أوقات، ولا قائل بهذا من أحد من أهل العلم، لا يقول بهذا من أهل العلم أحد.
ننتبه لهذه المسألة، يعني الذين يقولون: إنه إذا نزع الخف بعد أن مسح عليه وقتين ثلاثة ولم يحدث يقولون: هو طاهر، كما لو مسح على رأسه ثم حلقه، وهذا ما يقرره شيخ الإسلام -رحمه الله-.
نقول: إذا نزع الخف شيخ الإسلام يقول: طاهر، نقول: يا شيخ الإسلام هل طهارته ناقصة وإلا كاملة؟ لا يخلو إما أن يقول: ناقصة وإلا أن يقول: كاملة، إن قال ناقصة، قلنا: لا يصلي فيها؛ لأنه لا تصح الصلاة بطهارة ناقصة صح وإلا لا؟ إذا قال: كاملة يلزم عليه أنه يلبس الخفين على هذه الطهارة الكاملة ويستقبل خمسة أوقات جديدة؛ لأنه أدخلهما طاهرتين، أدخلهما حال كون الرجلين طاهرتين، وشيخ الإسلام ما يقول بهذا؛ لأنه يلزم عليه أن يمسح تسعة أوقات، هل يقول شيخ الإسلام بهذا؟ ما يقول بهذا، وعلى هذا لو نزع الخفين انتهت الطهارة، صارت الرجل لا مغسولة، وليس عليها خف، وكذلك لو تمت المدة الطهارة ناقصة، الرجل غير مغسولة، والخف غير مأذون بمسحها، وقياس الخف بعد نزعه على مسح الرأس ثم حلقه قياس مع الفارق، نقول: مسح الرأس طهارة أصلية، ومسح الخف على خلاف الأصل طهارة فرعية، ولا يقاس الفرع على الأصل، حتى في كلام شيخ الإسلام لو رجعتم إلى الاختيارات وجدتم أنه لا ينزل الفرع منزلة الأصل، وإن كان يقول: بقياس الخف على الرأس، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، إذا قلنا ... ، لو قال: أدخلتهما طاهرتين، إذا كانت الطهارة كاملة ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)).
طالب:. . . . . . . . .(22/24)
ما يمكن، ما يمكن، إن كانت ناقصة انتهى الإشكال انحلت، وإن كانت كاملة فليلبسهما وليستقبل خمسة أوقات، هذا مفاده ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)) أدخلهما طاهرتين فليستقبل خمسة أوقات، أما أن تلفق من هذا وهذا ما تجي.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين:
حدثنا هناد ومحمود بن غيلان قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: "توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- ومسح على الجوربين والنعلين".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: يمسح على الجوربين وإن لم يكن نعلين إذا كانا ثخينين.
قال: وفي الباب عن أبي موسى.
قال أبو عيسى: سمعت صالح بن محمد الترمذي قال: سمعت أبا مقاتل السمرقندي يقول: دخلت على أبي حنيفة في مرضه الذي مات فيه فدعا بماء فتوضأ وعليه جوربان فمسح عليهما، ثم قال: فعلت اليوم شيئاً لم أكن أفعله مسحت على الجوربين غير منعلين.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين" والجوربان تثنية جورب، يقول في القاموس: الجورب لفافة الرجل، جمعه جواربة وجوارب.
قال ابن العربي: الجورب غشاء للقدم من صوف يتخذ للدفء وهو التسخان، يعني المسح على التساخين يعني الجوارب، والنعلين تثنية نعل، قال في القاموس: النعل ما وقيت به القدم من الأرض جمعه نعال، والمراد هنا إذا كان تحتهما جوربان، أما النعال التي لا تستر الكعبين فإنه لا يجوز المسح عليه، ما لا يستر المفروض لا يجوز المسح عليه.
قال: "حدثنا هناد ومحمود بن غيلان قالا: حدثنا وكيع عن سفيان" وهو الثوري "عن أبي قيس" عبد الرحمن بن ثروان الأودي، صدوق "عن هزيل بن شرحبيل" ثقة مخضرم "عن المغيرة بن شعبة قال: "توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- ومسح على الجوربين والنعلين".(22/25)
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان، وضعفه جمع من أهل العلم، منهم النسائي في الكبرى، وقال أبو داود في سننه: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث به، وقال البيهقي: حديث منكر، ضعفه سفيان الثوري وابن مهدي وأحمد ويحيى بن معين وعلي بن المديني ومسلم بن الحجاج، والمعروف عن المغيرة المسح على الخفين، يعني لا على الجوربين والنعلين، مع أنه جاء عن جمع من الصحابة، وصححه الترمذي كما سمعتم، ولما نقل الشيخ أحمد شاكر أقوال من ضعفه وهم جمع غفير من أهل العلم قال: وليس الأمر كما قال هؤلاء الأئمة، والصواب صنيع الترمذي في تصحيح هذا الحديث، وهو حديث آخر، يعني إذا جعلنا هذا الحديث هو حديث المسح على الخفين قلنا: لا بد من تضعيفه، إذا قلنا: إنه حديث واحد إلا لو جاء الجمع بين مسح على الخفين، والجوربين، والنعلين، قلنا: حديث مشتمل على جمل أفرد بعضها وجمعت أحياناً، لكن من قال: إن حديث المسح على الخفين حديث المغيرة واحد، حديث واحد بجميع ألفاظه فلا شك أن بعض ألفاظه أرجح من بعض، ولذا يقول: وليس الأمر كما قال هؤلاء الأئمة والصواب صنيع الترمذي في تصحيح هذا الحديث، وهو حديث آخر؛ لأنه يلتبس على بعض طلاب العلم، لا يلتبس على الأئمة الذين ذكروا، لا، لكن يلتبس على بعض طلاب العلم أن يرد حديث في الباب عن صحابي ويرد حديث آخر في الباب عن نفس الصحابي، إذا كانت القصة واحدة فالحديث واحد، وإذا كانت القصص متعددة فأحاديث؛ لأن المدار في الجمع والتفريق على الراوي، على المخرج، على الصحابي، يعني إذا روي عدة جمل فمثلاً روى البخاري بإسناده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) وعن أبي هريرة أيضاً قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قام ليلة القدر غفر له ما تقدم من ذنبه)) هل هذه أحاديث ثلاثة أو ثلاث جمل من حديث واحد؟ هل هي أحاديث ثلاثة، أو حديث واحد فرقه البخاري؟ هو مخرجه واحد، الذي عندنا أيضاً مخرجه المغيرة واحد، ويقول أحمد شاكر: وهو حديث(22/26)
آخر، هذا لا يمكن الجزم بقاعدة مطردة أن كل ما جاء من هذا النوع حديث واحد أو أحاديث، بل لا بد من قرائن تحتف بذلك، وهنا الأئمة كلهم جعلوه حديثاً واحداً، وضعفوا هذا اللفظ؛ لأن حديث المسح على الخفين أرجح، فحكموا للراجح بأنه هو المحفوظ، والمرجوح بأنه شاذ.
أحمد شاكر قال: ليس الأمر كما قال هؤلاء الأئمة والصواب صنيع الترمذي في تصحيح هذا الحديث، وهو حديث آخر غير حديث المسح على الخفين، وقد روى الناس عن المغيرة أحاديث المسح في الوضوء، فمنهم من روى المسح على الخفين، ومنهم من روى المسح على العمامة، ومنهم من روى المسح على الجوربين، وليس شيء منها بمخالف للآخر، إذ هي أحاديث متعددة، وروايات عن حوادث مختلفة، نعم إذا أثبتنا أنها حوادث مختلفة لا شك أنها تكون أحاديث، ولو كان الصحابي واحد، والمغيرة صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- نحو خمس سنين، فمن المعقول أن يشهد من النبي -عليه الصلاة والسلام- وقائع متعددة في وضوئه ويحكيها، فيسمع بعض الرواة منها شيئاً، ويسمع غيره شيء آخر، وهذا واضح بديهي.
على كل حال مثل هذا الكلام للشيخ أحمد شاكر هو لا شك من علمه ومعرفته وخبرته واطلاعه على خفايا العلل ودقائقها، لكن قوله لا يقابل أو يقارن بأقوال الأئمة السابقين.
قال: "وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-" قال أبو داود: ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وابن مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد عمرو بن حريث، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس، وقال ابن المنذر: يروى المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأوصلهم ابن القيم إلى ثلاثة عشر صحابياً.
يعني المسح على الجوربين معوله على الحديث، وقد ضعفه من سمعتم من أهل العلم، أو المعول على صنيع هؤلاء الصحابة مجتمعين، وأنهم لا يمكن أن يعملوا؟ علي بن أبي طالب، ابن مسعود، البراء، أنس، أبو أمامة، سهل بن سعد، عمرو بن حريث، عمر بن الخطاب، ابن عباس، هؤلاء تسعة، قال ابن المنذر: يروى المسح على الجوربين عن تسعة من الصحابة، وأوصلهم ابن القيم إلى ثلاثة عشر صحابياً.(22/27)
يعني هؤلاء مجتمعين فيهم القدوة، ومن عمل بالمسح على الجوربين قال: أولاً: عمل هؤلاء الصحابة واحتمال ثبوت الحديث، ولما في الجورب من معنى الخف؛ لأنه يستر القدم ويشق نزعه كالخف.
قال: "وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا: يمسح على الجوربين وإن لم تكن نعلين" يعني وإن لم يوجد نعلان، وإن لم يكن مع الجوربين نعال، فإنه يمسح عليها، أي وإن لم يوجد نعلان أو لم يكن الجوربان منعلين والتنعيل بالنسبة للجورب ليس معنى هذا أنه يلبس الجورب ويلبس النعل فوقه، لا، إنما ينعل من الأسفل، فيوضع الجلد على أسفله.
"إذا كانا ثخينين" أي غليظين، يستران المفروض، فالمخرق الذي لا يستر المفروض أو الخفيف الذي تبدو معه البشرة هذا لا يسمح عليه؛ لأن ما ظهر من محل الفرض فرضه الغسل بخلاف ما خفي، وإذا وجد خرق أو خفة في الجورب تبين معها الرجل وتظهر فإنه حينئذٍ لا يمسح عليه؛ لأن ما برز وظهر محله أو فرضه الغسل.
"إذا كانا ثخينين" أي غليظين، وعلم من هذا القيد أن الجوربين إذا كانا رقيقين لا يجوز المسح عليهما عند هؤلاء الأئمة، وبقولهم قال: صاحبا أبي حنيفة أبو يوسف ومحمد.
"قال: وفي الباب عن أبي موسى" وهو مخرج عند ابن ماجه.
"قال أبو عيسى -يعني هذا المقطع الجاي أربعة أسطر لا توجد في كثير من النسخ زيادة-: "سمعت صالح بن محمد الترمذي قال: سمعت أبا مقاتل السمرقندي يقول: دخلت على أبي حنيفة في مرضه الذي مات فيه فدعا بماء فتوضأ وعليه جوربان فمسح عليهما، ثم قال: فعلت اليوم شيئاً لم أكن أفعله مسحت على الجوربين وهما غير منعلين".
وهذا يدل على أن المسح على الجوربين كان آخر الأمرين من حال أبي حنيفة كقول صاحبيه وقول بقية الأئمة.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة:(22/28)
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن سليمان التيمي عن بكر بن عبد الله المزني عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن أبيه -رضي الله عنه- قال: توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- ومسح على الخفين والعمامة، قال بكر: وقد سمعت من ابن المغيرة، قال: وذكر محمد بن بشار في هذا الحديث في موضع آخر أنه مسح على ناصيته وعمامته، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن المغيرة بن شعبة، ذكر بعضهم المسح على الناصية والعمامة ولم يذكر بعضهم الناصية.
وسمعت أحمد بن الحسن يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان.
قال: وفي الباب عن عمرو بن أمية وسلمان وثوبان وأبي أمامة.
قال أبو عيسى: حديث المغيرة بن شعبة حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم أبو بكر وعمر وأنس وبه يقول الأوزاعي وأحمد وإسحاق قالوا: يمسح على العمامة.
قال أبو عيسى: وسمعت الجارود بن معاذ يقول: سمعت وكيع بن الجراح يقول: إن مسح على العمامة يجزئه للأثر.
فيه تقديم وتأخير، ففي طبعة الشيخ أحمد شاكر قال: "وقال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة، وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي.
قال أبو عيسى: وسمعت الجارود بن معاذ ... إلى آخره.
على كل حال هو سيأتي في النسخ الأخرى، نعم.
عفا الله عنك.
حدثنا هناد قال: حدثنا على بن مسهر عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار.
حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق هو القرشي عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: "سألت جابر بن عبد الله عن المسح على الخفين فقال: السنة يا ابن أخي، قال: وسألته عن المسح على العمامة فقال: أمس الشعر الماء.(22/29)
وقال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين: لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة، وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في المسح على العمامة" العمامة معروفة، وهي ما يوضع على الرأس، ولبسها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال جمع من أهل العلم بسنيتها، وجاء ما جاء في تفضيل الصلاة بالعمامة، وإن كان فيه ضعف.
على كل حال العمامة جاءت بها النصوص الكثيرة، ويختلفون هل هي من باب الاقتداء فتكون سنة أو هي من باب العادات والألبسة مردها إلى العادات والأعراف فلا تكون سنة حينئذٍ إلا إذا عرفت في بلد من البلدان؟
قال: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد -القطان- عن سليمان التيمي عن بكر بن عبد الله المزني -ثقة- عن الحسن -البصري- عن ابن المغيرة بن شعبة -حمزة بن المغيرة بن شعبة- عن أبيه قال: توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- ومسح على الخفين" وهذا أدلته كثيرة "والعمامة" وهو ما يغطى به الرأس، جمعها عمائم.(22/30)
"قال بكر: وقد سمعت من ابن المغيرة" يعني سمعت هذا الحديث من ابن المغيرة أي: بلا واسطة الحسن، يعني مرة سمعه منه بواسطة، ومرة سمعه منه بغير واسطة، قال: وذكر محمد بن بشار في هذا الحديث في موضع آخر أنه مسح على ناصيته وعمامته، والناصية مقدم الرأس، وفي رواية لمسلم: "مسح على الخفين ومقدم رأسه، وعلى عمامته" يعني إذا كان المسح على الناصية والعمامة عند من يقول بإجزاء مسح بعض الرأس كالأئمة الثلاثة ومن يقول بقولهم، هذا ما فيه إشكال، إلا إذا كان الظاهر بعد العمامة أقل من الربع على ما يقوله الحنفية، هم يقولون: بمسح بعض الرأس، جزء من الرأس كقول الشافعية والمالكية، وعلى هذا إذا مسح على الناصية سقط فرضه ومسحه على العمامة استحباب، والذي يقول بوجوب تعميم الرأس بالمسح يقول: المسح على العمامة مقصود شرعي، وحكم شرعي ثبت بمثل هذا الحديث وغيره، أما الذي يقول: بمسح بعض الرأس هذا ما عنده إشكال، لو لم يمسح العمامة ما تأثر وضوؤه، لكن الإشكال فيمن يرى مسح جميع الرأس، فلا بد أن يقول بجواز المسح على العمامة، أو بوجوب نزعها عند الوضوء واستيعاب الرأس بالغسل.
"وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن المغيرة بن شعبة، وذكر بعضهم المسح على الناصية والعمامة ولم يذكر بعضهم الناصية".
ولا شك أن الذاكرين للناصية ثقات حفاظ، فزيادتها مقبولة، ولو اقتصر على العمامة ولم يمسح شيئاً من الرأس لم يجزه عند الثلاثة، وذهب أحمد إلى جواز الاقتصار على العمامة قاله النووي، ويدل لمذهب أحمد حديث الباب، مسح على الخفين والعمامة.
أما حديث مسح على ناصيته وعمامته فلا يدل على مذهب أحمد، وإن دل على مذهب الجمهور، الذين يقولون بالاكتفاء بمسح بعض الرأس.(22/31)
"وسمعت أحمد بن الحسن يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان" إمام من أئمة المسلمين صاحب تحري وتثبت، بل يرمى بالتشديد، على كل حال هو من أئمة المسلمين حتى قال: الإمام أحمد: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان، ويلتبس بأبي الحسن بن القطان الفاسي، يلتبس به؛ لأن أقواله تدور قال ابن القطان، قال ابن القطان في كتب الرجال، في كتب الحديث، يلتبس بهذا، وهذا متقدم وذاك متأخر، أبو الحسن بن القطان الفاسي صاحب (بيان الوهم والإيهام).
قال: "وفي الباب عن عمرو بن أمية وسلمان وثوبان وأبي أمامة".
أما حديث عمرو بن أمية فهو مخرج في المسند والبخاري وابن ماجه، وسلمان في المسند والترمذي، وثوبان في المسند أيضاً وأبي داود، وحديث أبي أمامة عند الطبراني، وكذلك عنده أحاديث خزيمة بن ثابت، وأبي طلحة وأبي ذر وأنس عند البيهقي، وله طرق، وفي الباب أحاديث كثيرة عن جمع من الصحابة يراجع لها نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للزيلعي.
"قال أبو عيسى: حديث المغيرة بن شعبة حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم لكن بزيادة الناصية، ووهم ابن المنذر حيث قال: متفق عليه؛ لأن البخاري لم يخرجه "وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم أبو بكر وعمر وأنس وبه يقول الأوزاعي وأحمد واسحاق قالوا: يمسح على العمامة".
واختلفوا: هل يشترط أن تلبس على طهارة كالخف؟ وهل لها وقت محدد كالخف يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر؟ فقال أبو ثور: يشترط، وبه يقول أيضاً الحنابلة أنها كالخف، يعني غاية أمرها مع الخلاف فيها أنها كالخف، والخف يشترط فيه ذلك، إذاً يشترط فيها ذلك، وورد التوقيت عند الطبراني لكنه ضعيف، "وقال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين: لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة" يعني يكمل مسح الرأس بمسح العمامة "وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي".(22/32)
قال ابن حجر: اختلف السلف في معنى المسح على العمامة فقيل: إنه كمل عليها بعد مسح الناصية، وبه قال الجمهور، وتقدم في كلام الترمذي ذكر القائلين بالاقتصار على مسحها، وأنها كالخف، تمسح على سبيل الاستقلال.
"قال أبو عيسى: وسمعت الجارود بن معاذ يقول: سمعت وكيع بن الجراح يقول: إن مسح على العمامة يجزئه للأثر" يعني للحديث الوارد في ذلك.
قال: "حدثنا هناد قال: حدثنا على بن مسهر عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار".
نعم مسح على الخفين، ومسح على العمامة، لكن كيف يمسح على الخمار والخمار للنساء؟ المراد به ما هو أعم من ذلك، وهو ما يخمر ويغطى به الرأس، فالمقصود به العمامة.
قال: "حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق -بن عبد الله بن الحارث- القرشي" العامري المدني ثقة "عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر" أخو سلمة، وقيل: هو سلمة، مقبول كما قال ابن حجر، قال: "سألت جابر بن عبد الله عن المسح على الخفين؟ فقال: هو السنة يا ابن أخي، قال: وسألته عن المسح على العمامة؟ فقال: أمس الشعر الماء" يعني لا تمسح على العمامة فقط، بل لا بد من الجمع بين العمامة ومسح الشعر.
"فقال: أمس الشعر الماء" قال ابن قدامه: وان نزع العمامة بعد المسح عليها بطلت طهارته.
أمس الشعر: فعل أمر من الرباعي أمس يمس، وجاء: مُس الماء من الثلاثي.
يقول ابن قدامة: وان نزع العمامة بعد المسح عليها بطلت طهارته نص عليه أحمد، يعني كما لو نزع الخف، قال: والتوقيت فيها كالتوقيت في مسح الخف، وفي موطأ محمد: أن المسح على العمامة منسوخ، لكنه لم يذكر المستند، ولا شك أنه ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن هل تمسح على جهة الاستقلال، أو تمسح تكميلاً لمسح الرأس، هذا محل الخلاف، فالحنابلة يقولون: بشروطها: أن تكون محنكة، وأن تكون ذات ذؤابة، تمسح استقلالاً ولو لم يمسح معها شيء من الرأس، والجمهور يقولون: لا بد من مسح جزء من الرأس.
طالب:. . . . . . . . .
يعني مسح على الخفين؟
طالب:. . . . . . . . .(22/33)
هذه ما في شك أن (على) تدل على العلو، لكن لقائل أن يقول: لو لم يرد نص في ذلك لقلنا: إن البدل له حكم المبدل، وما دام الرجل تغسل من جميع الجهات فالخف يمسح من جميع الجهات، وجاء ما يدل على أنه مسح على الخف وأسفله، نعم، وعلى كل حال المرجح أن المسح لأعلى الخف.
يقول: ذكرتم أن دميم الخلقة إذا دعا بتحسين خلقه يعتبر اعتداء في الدعاء، فما تقولون: في حديث الأبرص والأقرع والأعمى؟
هذا في شرع من قبلنا، وعلى كل حال السنن الإلهية لا تتغير، يعني لو دعا أن تنقلب سيارته من كذا إلى كذا؛ لأن بينهما فرق وبون شاسع في القيمة وفي الشكل وفي الاستعمال، أو زوجته تنقلب من كذا إلى كذا، أو بيته ينقلب من كذا إلى كذا، هذا مخالف للسنن الإلهية فلا يدعى به؛ لأنه اعتداء.(22/34)
شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (23)
شرح: باب: ما جاء في الغسل من الجنابة، وباب: هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل؟ وباب: ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة، وباب: ما جاء في الوضوء بعد الغسل، وباب: ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل، وباب: ما جاء أن الماء من الماء.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول ما الدليل على الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الأول؟ وكيف الجمع بينها وبين ما صحت به السنة أنه -عليه الصلاة والسلام- كأنه على الرضف، يعني الحجار المحماة؟
أولاً: صحت به السنة لم تصح به السنة، الحديث ضعيف عند أهل العلم، وأما الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الأول فقال به جمع من أهل التحقيق، وإن كان الجمهور على خلافه، وأن التشهد الأول ينتهي بالشهادة، وما يستدل به بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الثاني يستدل به في التشهد الأول، هذه حجة من يقول: بأنه يصلى على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الأول، ويقول: وكذلك أن الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- من جنس الدعاء لا من جنس التشهد ثم ليتخير من المسألة ما شاء يعني بعد انقضاء التشهد، وعلى كل حال سواء تشهد أو لم يتشهد الأمر فيه سعة -إن شاء الله تعالى-.
فعلى هذا لو أطال الإمام التشهد الأول فهل يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أو يكرر التشهد الأول أو يسكت؟ الذين لا يرون الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الأول وأنها ركن في غير موضعه قالوا: يسكت أو يكرر التشهد، لكن الذين قولون: الأمر في سعة، وأن الدليل الذي يثبت به الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الثاني هو نفسه الدليل الذي يثبت به في التشهد الأول، ومثلما قلنا: الأمر -إن شاء الله- فيه سعة.
قال: ما حكم من يجمع بين قراءتين أو روايتين مثلاً يقرأ بحفص وشعبة في آن واحد؟(23/1)
التلفيق عند جمع من أهل العلم مردود، مردود عند جمع، وإن كانت القراءة كلها متواترة، ومنهم من يرى أنها ما دامت ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بالسند المتواتر، وأنها قراءة تجوز القراءة بها إجماعاً فلا مانع أن يقرأ آية أو كلمة على قراءة والثانية على قراءة أخرى، وعموماً أهل العلم يكرهون مثل هذا التلفيق كراهة شديدة حتى في الحديث، الذي بابه أوسع من القرآن، حتى في الحديث، والمسألة مفترضة فيما يقرأ بينه وبين نفسه أو يقرأ لنفسه أما من يقرأ للناس في الصلاة فلا يجوز التشويش عليهم، والتطرق الخلل إلى معتقدهم في القرآن؛ لأن عامة الناس لا يعرفون هذه الأمور.
يقول: وكذلك لو سمعت إماماً يقرأ بالصلاة ثم أخطأ وهذا الخطأ موافق لقراءة أخرى فهل أرد عليه مثل يعملون وتعملون؟
مثلما قلنا: عند من يمنع ويشدد في المنع وهذا قول معروف عند أهل العلم ترد عليه ما دام ماشي على قراءة وما قرأه في التعقيب: يعملون وتعلمون مخالف لهذه القراءة ترد عليه، وعند ما يسامح في هذا ويتوسع والتشويش على عامة الناس أمر مرفوض، وكان السبب الأول في جمع القرآن هو خشية أن يفتتن الناس؛ لأن هذا الخلاف في أصل من أوصل الدين، الذي هو القرآن فإذا وقع فيه الاختلاف لا شك أن القلوب تتنافر ويحصل الخلل والفرقة؛ لأن أعظم ما يجمع الناس كلام الله -جل وعلا- القرآن الذي لا اختلاف فيه.
يقول: كيف نشأت القراءات ونحن نعلم أن القراءات بعد زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
يعني وجود القراء بعد زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعني أن القراءات بعد زمنه -عليه الصلاة والسلام- بل كل هذه القراءات متلقاة عنه -عليه الصلاة والسلام-، عنه عن جبريل عن رب العزة -جل وعلا-، ما دامت متواترة فهي ثابتة عنه -عليه الصلاة والسلام-، ولا يجوز أن يقال: أنها بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم القراء بعد زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن هم يتلقونها بالأسانيد المتواترة القطعية، تواتر الطبقة جيل عن جيل إلى أن وصلوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: وأن عثمان -رضي الله عنه- جمع القرآن على حرف قريش؟(23/2)
نعم كانت القراءة على الأحرف السبعة توسعة على الناس، لما دخلوا في الإسلام وهم متفاوتون متباينون في السن وفي اللهجات يصعب على القبيلة هذه أن تنطق بهذا الحرف، ويصعب على القبيلة الأخرى أن تنطق بالحرف الآخر، ويصعب على الكبير أن ينطق بما ينطق به الصغير وهكذا؛ لأن كبار السن يصعب عليهم التعلم، وشواهد الأحوال موجودة الآن، لو تأتي بكبير ستين سبعين سنة وتعلمه الحروف وتعلمه القرآن من جديد صعب عليه جداً، بل بعضهم يستحيل تعليمه، بعض كبار السن يستحيل تعليمه، وبعضهم يقبل التعليم على صعوبة، على كل حال هذه توسعة القراءة على سبعة أحرف، ثم لم رأى عثمان -رضي الله عنه- أن جمعهم على حرف واحد هو الذي يجمع قلوبهم على هذا الأصل الأصيل، ووافقه جميع الصحابة لم يخالفه أحد منهم، وثبت هذا بإجماع من الصحابة، والإجماع لا يثبت إلا بدليل يعني يكون له أصل ومستند من مشكاة النبوة، فعلى هذا لا يجوز القراءة على .. ، أو القراءة بقراءة خارجة عن مصحف عثمان، على هذا يقرر أهل العلم.
يقول: في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) فهل هذا يدل على أن العبادات كالنوافل في الصلاة والذكر أفضل من غيرها أم أنه مجرد خبر؟(23/3)
من أهل العلم من يرى أنه مجرد خبر، مجرد خبر كما جاء في النيل والفرات وسيحان وجيحان من أنهار الجنة، مثلها أنها لا مزية لها على غيرها، ولو لم يرد إلا هذا لقلنا: إن هذه الروضة مثل تلك الأنهار، يعني ما يشرع أن الإنسان يذهب إلى النيل أو إلى الفرات يغتسل فيها؛ ليغتسل بينها، لا، لكن ورود مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) يدل على أن هذه الروضة لها مزية، لها مزية وهي من رياض الجنة، ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) وأما تفسير رياض الجنة بأنها حلق الذكر فهذا تفسير بفرد من أفراد العام لا يقتضي التخصيص، كما في قوله -جل وعلا-: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] ((ألا إن القوة الرمي)) يقول -عليه الصلاة والسلام-، تخصيص القوة بالرمي لا يعني أن نقتصر عليه ولا نستعمل غيره مما نتقوى به على الأعداء، فهذا تنصيص على فرد من أفراد العام وهو عند أهل العلم لا يقتضي التخصيص، فروضة من رياض الجنة ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) يبقى مسألة وهي مسألة سد الذريعة، يعني لو كان الشخص ممن ينظر إليه ويقتدى به ويظن بعض الجهال أن لهذا الروضة مزية غير ما يتعبد به من قراءة، من تلاوة، من صلاة، من ذكر، قد يظن أنه يتبرك بها، ولولا أنه يتبرك بها ما جاء إليها هذا الشخص الذي ينظر إليه ويقتدى به، إذا خشي من ذلك أن يضل الناس بسببه يترك سداً للذريعة، وإلا فالأصل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)).
يقول: ماذا عن كتاب إحياء علوم الدين؟(23/4)
إحياء علوم الدين للغزالي كتاب معروف ومشهور ومتداول، وهو في جميع الأقطار الإسلامية له شأن عظيم، هو ديدن عند كثير من المسلمين، في كثير من الأقطار، لكنه فيه شوب البدعة واضحة، والخروج عن منهج السلف الصالح في كثير من المباحث العقدية، وفيه أيضاً أخبار باطلة لا أصل لها، وأحاديث موضوعة، هذا موجود، وفيه فوائد لا سيما ما يتعلق بأمراض القلوب، ومن هنا جاء التشديد في أمره بالنسبة لشيوخنا وشيوخهم إلى أئمة الدعوة كلهم لا يرون القراءة في هذا الكتاب لما فيه من مخالفات عقدية، وفيه أحاديث باطلة، وفيه مسائل معروفة، ومعروف أن الغزالي من حيث الاعتقاد أشعري من الأسماء والصفات وغيرها وهو أيضاً متصوف، قد شاب الزهد الديني بالفلسفة القديمة، فمنهجه في هذا خاطئ وباطل -نسأل الله العافية- وعنده طوام، لكن لا يعني أن طالب العلم الذي يميز بين الحق والباطل يمنع من الإفادة منه، نعم لما كان الأمر على الحيطة والحذر وإمكان تحقيق هذه الحيطة بمنع الكتاب كان لا يوجد في البلد مثلاً إلا نسخة واحدة هذه يمكن منع الإطلاع عليها، لكن الآن كم طبع الكتاب من طبعة؟ وكم من نسخة في كل طبعة؟ وكم من نسخة في بيت كل طالب علم من طلاب العلم الآن؟ هذا لا يمكن منعه، وعلى هذا ينبه على خطأه، وفي تقديري أن لو انبرى له طالب علم بارع متميز وقرأه وعلق عليه وبين الأخطاء التي فيه يمكن أن يستفاد منه، أما في وضعه الحالي فطالب العلم المتوسط قد لا يتخلص من كثير من مخالفاته.
يقول: ما صحت حديث: ((رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعاً))؟
الحديث حسن، فليحرص طالب العلم على هذه الأربع الركعات.
يقول: بيع السواك بين الأذان والإقامة ما حكمه؟
إذا كان خارج المسجد فلا بأس به.
يقول: ما مفهوم قول الإمام أحمد: فقه الحديث أحب إليّ من حفظه؟(23/5)
واضح أن الثمرة العظمى من النصوص هي العمل، هي العمل والعمل لا يتم إلا بعد الفقه والاستنباط، هذا مهم جداً بالنسبة لطالب العلم فهم النصوص والاستنباط من النصوص، العمل بالنصوص هذه هي الثمرة العظمى، وما الحفظ سواء كان في الصدر أو في الكتاب إلا من أجل أن تفهم هذه النصوص، ويستنبط منها، ويعمل بها، لكن لا يعني هذا أننا نقلل من شأن الحفظ، لا، الحفظ هو الذي يسعفك في كل وقت، مثل ما قيل: "من عمدته الحفظ كمن زاده التمر، ومن معوله على الكتاب كمن زاده البر" التمر في أي وقت احتجت إليه تأكله، لكن البر، البر يحتاج إلى طحن، يحتاج إلى طبخ، يحتاج إلى معاناة، فالذي حفظه في كتابه يحتاج إلى مراجعة الكتاب، وأما الذي حفظه في صدره فلا يحتاج، والحافظة موهبة من الله -جل وعلا- قد لا يستطيعها كثير من الناس، لكن الفهم الفهم، مثلما قلنا: إن المعول على هذا التفقه والاستنباط والعمل، التفقه والاستنباط من أجل العمل، فعلى هذا الفقه له شأن عظيم في هذه النصوص.
يقول: هل هناك من جمع اختيارات ابن حجر الفقهية وكذلك الحديثية؟
في بحوث كثيرة جداً حول ابن حجر لا سيما ما يتعلق بالحديث، أما بالنسبة للفقه فهي قليلة.
يقول: هل يجوز النظر إلى المرأة الكبيرة التي لا أجد في النظر إليها فتنة لأجل السلام عليها؟
النظر ممنوع من الرجال إلى النساء، وكونها كبيرة أو لا تشتهى نعم هذا يخفف في المسألة، لكن لا يبيح لك أن تنظر إليها من غير حجاب، يجب عليها الحجاب إلا إذا كانت من القواعد التي لا ترجو نكاحاً فيخفف في أمر حجابها.
يقول: هل قال أحد بطهارة المذي؟
أولاً: حكمه أنه نجس نجاسة مخففة عند أهل العلم يكتفي فيها بالنضح ليست كنجاسة البول، ومنهم من نظر إلى هذا التخفيف الوارد من الشرع فقال بطهارته كالمني.
يقول: إذا أعطيت شخصاً زكاة على أنه يصلي في بيته ثم تبين عدم صحة ذلك يعني أنه لا يصلي البتة -نسأل الله السلامة والعافية-، فهل أعيد دفع الزكاة؟(23/6)
إذا كنت تحريت وبحثت وسألت وأعطيته من أجل أن يستمر على ملازمة العبادة؛ لأنه لا يستطيع الحضور إلى المسجد، أما إذا كان يصلي في بيته وهو يستطيع الحضور إلى المسجد فمثل هذا يهجر، ولا يعطى من الزكاة، ويبين له أن منعه من الزكاة من أجل عدم حضوه الجماعة لعلى ذلك أن يكون رادع له عن معصيته التي ارتكبها؛ لأن الصلاة مع الجماعة واجبة وهو عاصٍ بتركها.
يقول: أليس إذا غسل رجلاً ثم أدخلها ثم غسل الثانية ثم أدخلها في الخف يكون قد أدخلهما طاهرتين؟ فقوله: ((طاهرتين)) حال للثنتين جميعاً وليس لواحدة، فلو قال: إني أدخلتهما طاهرتين أي أحد القدمين صح الاستدلال فما قولكم؟
هذه المسألة، السؤال هذا استعجلنا أو أعجلنا في مسألة بحثها أهل العلم ونذكرها في موطنها -إن شاء الله تعالى-، لكن نشير إليها الآن، يعني إذا غسل العضو ارتفع الحديث عنه وإلا الحدث شيء واحد لا يرتفع إلا إذا اكتملت الطهارة؟ بمعنى أنه لو غسل وجهه وغسل يديه يجوز أن يمس المصحف قبل أن يغسل قدميه؟ يجوز وإلا ما يجوز؟ إذاً لا يرتفع الحدث ولا يصح وصف الرجل بأنها طهارة حتى يغسل الثانية.
يقول: إذا كان من أصول الحنفية أن الزيادة على القرآن نسخ فكيف يرون المسح على الخفين مع أن الآحاد عندهم لا ينسخ القرآن؟
أولاً: المسح على الخفين ورد بالتواتر القطعي، وينسخ به القرآن عند من لا يرى نسخ القرآن بالآحاد، لكن هناك مسائل كثيرة ثبتت بأحاديث آحاد وقالوا بها، مسائل كثيرة لم تثبت إلا أنها وردة بأحاديث ضعيفة وقالوا بها، فبهذا يلزمون، يلزمون بنقض هذه القاعدة.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الغسل من الجنابة:(23/7)
حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، عن خالته ميمونة -رضي الله عنها- قالت: "وضعت للنبي -صلى الله عليه وسلم- غسلاً فاغتسل من الجنابة فأكفأ الإناء بشماله على يمينه فغسل كفيه، ثم أدخل يده في الإناء فأفاض على فرجه، ثم دلك بيده الحائط أو الأرض، ثم مضمض واستنشق، وغسل وجهه وذراعيه، ثم أفاض على رأسه ثلاثاً، ثم أفاض على سائر جسده، ثم تنحى فغسل رجليه".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
وفي الباب عن أم سلمة وجابر وأبي سعيد وجبير بن مطعم وأبي هريرة.
حدثنا بن أبي عمر قال: حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء، ثم غسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يشرب شعره الماء، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
وهو الذي اختاره أهل العلم في الغسل من الجنابة أنه يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفرغ على رأسه ثلاث مرات، ثم يفيض الماء على سائر جسده، ثم يغسل قدميه، والعلم على هذا عند أهل العلم.
وقالوا: إن انغمس الجنب في الماء ولم يتوضأ أجزأه، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في الغسل من الجنابة" الجنابة في الأصل البعد، الجار الجنب يعني البعيد، سمي جنباً لأنه نهي أن يقرب مواضع الصلاة {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} [(43) سورة النساء] ومنهي أن يقرب موضع الصلاة اللي هو المسجد، فعليه أن يبتعد عنه، وقيل: لمجانبته الناس حتى يغتسل، مع أن المسلم طاهر، وفي حديث أبي هريرة أنه لما لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- انخنس، ابتعد عنه؛ لأنه كان جنباً، فالأصل في التسمية هو هذا، وأن الجنب يبتعد عن الناس، ويبتعد عن مواطن الصلاة.(23/8)
والجنب يقع على الواحد والاثنين والجمع المذكر والمؤنث، فتقول: هذا جنب وهذه جنب وهذان جنب وهؤلاء جنب {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} [(6) سورة المائدة] فاللفظ يقع على هذه الأحوال المختلفة في حال الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، مثل طفل ثم إيش؟ {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} [(67) سورة غافر] ما قال: أطفالاً فيستوي في المذكر والمؤنث والمثنى والمفرد والجمع، والجنب المراد به الذي يجب عليه الغسل بجماع أو إنزال.
قال -رحمه الله تعالى-:
"حدثنا هناد" وهو ابن السري مر مراراً "قال: حدثنا وكيع" هو الإمام وكيع بن الجراح الرؤاسي "عن الأعمش" سليمان بن مهران "عن سالم بن أبي الجعد" الأشجعي الكوفي ثقة، وهو من رجال الكتب الستة "عن كريب" بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم، ولى ابن عباس، وهو ثقة أيضاً "عن -عبد الله- ابن عباس" -رضي الله عنه- حبر الأمة، وترجمان القرآن -رضي الله عنهم- "عن خالته ميمونة" بن الحارث الهلالية، زوج النبي -عليه الصلاة والسلام-، تزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- وبنى بها في سرف، وماتت سنة إحدى وخمسين بسرف، نفس المكان "قالت: وضعت للنبي -صلى الله عليه وسلم- غسلاً" يعني ماء يغتسل به، الماء الذي يغتسل به يسمى غسل، كالأكل لما يؤكل {أُكُلُهَا دَآئِمٌ} [(35) سورة الرعد] يعني ما يؤكل "فاغتسل" يعني: أراد الاغتسال، لأنه مر بنا مراراً أن الفعل الماضي يطلق ويراد به الفراغ من الشيء، وهذا هو الأصل، ولذا سمي ماضياً، ويطلق الفعل الماضي ويراد به الشروع فيه، ويطلق ويراد به إرادة الفعل، هنا أراد أن يغتسل "فاغتسل من الجنابة" أو يقال: شرع فيها؟ و (من) في قوله: "من الجنابة" سببية، يعني بسببها "فأكفأ الإناء" يعني أماله، ومثله أصغى "فأكفاء الإناء بشماله على يمينه، فغسل كفيه" يعني أخذ بيمينه فغسل بها الكفين، اليمنى واليسرى، والكف إلى المفصل إلى الرسغ "ثم أدخل يده في الإناء" في الجملة الأولى "فأكفأ بشماله على يمينه فغسل كفيه" ثم بعد ذلك لما غسل كفيه ساغ أن يدخل اليد في الإناء، فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها، إما على سبيل الاستحباب أو على سبيل الوجوب في حالة ما إذا قام من النوم.(23/9)
"ثم أدخل يده في الإناء فأفاض على فرجه" يعني صب الماء على فرجه بيده اليمنى وغسله باليسرى "ثم دلك بيده الحائط" الحائط الجدار "أو الأرض" شك هل دلك بيده؟ أو شكت هل دلك بيده -عليه الصلاة والسلام- الحائط أو الأرض؟ المقصود أنه إذا غسل فرجه يدلك يده بالأرض أو بالحائط ليذهب إن كان فيها شيء علق بها من هذا المكان، ومنهم من يقول: إن هذه من أجل إذهاب الرائحة؛ لأن مثل هذا الدلك يقضي على الرائحة، وإلا فالماء يذهب عين النجاسة "ثم دلك بيده الحائط أو الأرض، ثم مضمض واستنشق" مضمض واستنشق، غسل يديه ثم غسل فرجه وما تلوث بسبب الجماع ثم مضمض واستنشق "وغسل وجهه وذراعيه" يبدأ بالمضمضة والاستنشاق ثلاثاً كما هو السنة في الضوء من كف واحدة "وغسل وجهه وذراعيه" غسل وجهه المعروف الحدود: من منابة شعر الرأس طولاً ومن الذقن إلى الأذن عرضاً "وذراعيه" والذراع يطلق على الكف والساعد "ثم أفاض على رأسه ثلاثاً" ثم أفاض يعني الماء على رأسه ثلاثاً، وظاهره أنه لم يمسح رأسه، لم يمسح رأسه، ولم يكمل وضوءه، يعني غسل يديه وفرجه، ثم مضمض واستنشق، غسل وجهه وذراعيه، ثم بعد ذلك أفاض الماء على رأسه ثلاثاً، وهذه الإفاضة تابعة للوضوء وإلا للغسل؟ للغسل؛ لأنه لو كان وضوءاً لاكتفى بالمسح كما هو شأن الوضوء، فعلى هذا الوضوء كامل وإلا ناقص؟ ناقص "ثم أفاض على رأسه ثلاثاً" وأهل العلم يبحثون مسألة إجزاء غسل الرأس عن مسحه، فمنهم من يقول: إنه مسح وزيادة، فيجزئ، ومنهم من يقول: إن غسل الرأس مردود؛ لأنه على خلاف ما أمر به النبي -عليه الصلاة والسلام- ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) مردود، ولا يجزئ الغسل عن المسح، فمن قال: إن الغسل يجزئ عن المسح قال: إنه توضأ، وأخر غسل الرجلين، وسيأتي ما في هذا من كلام حكم تأخير غسل الرجلين عن الغسل، فجاء ما يدل على تقديمهما، وجاء ما يدل على تأخيرهما، توضأ وضوءه للصلاة، مقتضى هذا أنه توضأ إلى أن غسل رجليه ثم اغتسل فقدم غسل الرجلين، وهنا قال: "ثم أفاض على رأسه ثلاثاً، ثم أفاض على سائر جسده" يعني باقي جسده، والسائر هو الباقي، وقد يستعمل للجميع، وقد يستعمل للجميع، وقد وقع عند البخاري من حديث عائشة ثم(23/10)
يفيض الماء على جلده كله، قال ابن حجر: والتأكيد يدل على أنه عمم جميع الجسد لا غالب الجسد، وهذا يدل على أنه بعد ذلك يعمم جميع بدنه بما في ذلك ما غسل للوضوء، يعني إذا توضأ وضوءه للصلاة ثم بعد ذلك أفاض الماء على رأسه، ثم غسل سائر جسده هل يغسل ذراعيه ورجليه؟ أو لا يغسلهما باعتبار أنه غسل هذه الأعضاء في الوضوء؟ فإذا قلنا: سائر الباقي، أن المراد بسائر هو الباقي قلنا: ما يلزم أن يغسل ذراعيه؛ لأنه غسلهما مع الوضوء، ولا يلزم أن يغسل رجليه؛ لأنه غسلهما مع الوضوء، أو سوف يغسلهما بعد ذلك كما في هذا الحديث، على كل حال قوله: ثم يفيض الماء على جلده كله يشمل أعضاء الوضوء التي سبق غسلها، قال: "ثم تنحى" أي تحول عن مكانه إلى ناحية أخرى "فغسل رجليه" وفي هذا تأخير غسل الرجلين عن بعد الغسل، والانتقال عن مكان أخر، وهو مخالف لحديث عائشة الآتي: "توضأ وضوءه للصلاة" فإما أن يقال: إن حديث عائشة: "توضأ وضوءه للصلاة" يعني في غالبه، محمول على الغالب، وأنه لا يبقى إلا الرجلين تغسل بعد، وإما أن يقال: هذه صورة وهذه صورة، ويمكن حمل الصورتين على حالين بأن يقال: إذا كان المكان نظيفاً ولا يلوث الرجلين فمثل هذا المكان أقول: ففي مثل هذا المكان يتوضأ الوضوء الكامل كما يتوضأ للصلاة ويغسل رجليه قبل الغسل، وإذا كان المكان قد يلوث القدمين بعد الغسل بأن يكون فيه طين وما أشبه ذلك فإنه يتحول عن مكانه ويغسل رجليه.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" هذا حديث حسن صحيح، ورواه الجماعة، رواه الجماعة البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، يعني مخرج في دواوين الإسلام كلها.(23/11)
"قال: وفي الباب عن أم سلمة" وهذا عند مسلم "وجابر" عند ابن ماجه "وأبي سعيد" عند ابن ماجه أيضاً "وجبير بن مطعم" عند البخاري ومسلم وابن ماجه والنسائي "وأبي هريرة" عند ابن ماجه، يعني ابن ماجه خرج كل هذه الأحاديث حديث أم سلمة في مسلم جابر وأبي سعيد وجبير بن مطعم وأبي هريرة كلهم عند ابن ماجه، ما يدل على أن ابن ماجه تفرد بأحاديث لم تذكر عند غيره، فزوائده على الكتب الخمسة كثيرة، زوائده على الكتب الخمسة كثيرة، وهذا هو ما جعل ابن طاهر يجعل ابن ماجه هو سادس الكتب، أول من أدخل ابن ماجه مع الكتب وجعله السادس أبو الفضل بن طاهر لكثرة زوائده على الكتب الخمسة، وهنا هذه الأحاديث التي أشار إليها الترمذي يعني جلها عند ابن ماجه يعني ما في إلا واحد لا يوجد عن ابن ماجه، وخمسة موجودة عنده، مما يدل على أن هذا الكتاب ينبغي أن يعتنى به، ففيه زوائد كثيرة، وإن كان كثير مما يتفرد به ضعيف، لكن يحتاج إليه.(23/12)
"قال: حدثنا بن أبي عمر، قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يغتسل من الجنابة" قلنا: فيما تقدم أن (من) هذه سببية "بدأ فغسل يديه" وفي نسخة: "بغسل يديه"، بدأ بغسل يديه أو بدأ فغسل يديه، وفيه ما تقدم من مشروعية ذلك، إما وجوباً كما في حال الاستيقاظ من النوم على ما تقدم، أو استحباباً، وجوباً واستحباباً، "قبل أن يدخلهما الإناء ثم غسل فرجه" وفي نسخة: "ثم يغسل"، "ثم غسل فرجه ويتوضأ" يعني قوله: "ويتوضأ" مناسب للنسخة الأخرى التي فيها: "ويغسل فرجه"، "ويتوضأ وضوءه للصلاة" وضوءه منصوب على نزع الخافض، يعني توضأ كوضوئه للصلاة، يعني مثل ما في حديث: ((ذكاة الجنين ذكاة أمه)) يعني: كذكاة أمه منصوب على نزع الخافض، هذا على رواية النصب، ويستدل بها من يقول: إن الجنين يذكى مثل ذكاة أمه، وهو قول الحنفية، والجمهور على أن الراوية الراجحة: ((ذكاة الجنين ذكاة أمه)) يعني هي ذكاة أمه فتكفي، فلا تحتاج إلى تذكية "ويتوضأ وضوءه للصلاة" ومقتضى ذلك أنه يغسل رجليه قبل أن يفرغ على أو يفيض على رأسه الماء، وفيه ما تقدم أنه أحياناً يقدم غسل الرجلين كما في حديث عائشة، وأحياناً يؤخر غسل الرجلين كما في حديث ميمونة "ثم يشرب شعره الماء" يشرب من التشريب، يعني يسقي رأسه الماء، يسقي الماء رأسه، "ثم يشرب شعره الماء" كما في قوله تعالى: {وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [(93) سورة البقرة] يعني أدخل في قلوبهم حب العجل، وهنا يشرب شعره الماء، وشعره مفعول أول والماء مفعول ثاني، ليشرب "ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات" ثلاث حثيات يعني: غرفات بيديه واحدها حثية.(23/13)
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" ورواه الشيخان وأبو داود والنسائي، قال: "وهو الذي اختاره أهل العلم في الغسل من الجنابة أنه يتوضأ وضأه للصلاة -كاملاً- ثم يفرغ -أي يصب- على رأسه ثلاث مرات ثم يفيض -يعني يسيل- الماء على سائر جسده"، قال: "ثم يغسل قدميه" يعني على ما جاء في حديث ميمونة، ثم يغسل قدميه، "والعمل على هذا عند أهل العلم وقولوا: إن انغمس الجنب في الماء ولم يتوضأ أجزأه، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق" من وصف غسل النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكروا أنه توضأ وضوءه للصلاة، إجمالاً وتفصيلاً، بعض الأحاديث مجمل توضأ وضوءه للصلاة، وبعضها تفصيل: غسل يديه ثم مضمض واستنشق وغسل وجه إلى أن أكمل الوضوء، فكل من وصف غسل النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر أنه توضأ قبله، كل من وصف غسل النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكروا أنه توضأ قبله، ثم أفاض الماء على رأسه ثلاثاً، ثم أفاض الماء على سائر جسده، وليس فيه تثليث، يعني يغسل شقه الأيمن ثم شقه الأيسر ولم يذكر فيه تثليث، وهذا هو الغسل الكامل، وإن كان بعضهم يرى أنه يفيض الماء على شقه الأيمن ثلاثاً ثم على شقه الأيسر ثلاثاً، يعني لم تأتِ به الرواية، وإنما قالوا: إن التثليث مستحب في الوضوء وفي غسل الرأس في الغسل فينبغي أن يكون مستحباً في الباقي، على كل حال الغسل الكامل هو ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-، والمجزئ هو تعميم الجسد بالماء، ولا يلزم منه أن يتوضأ قبله ولا بعده، قال: وقالوا: إن انغمس الجنب في الماء ولم يتوضأ أجزأه، يعني أن الوضوء ليس بواجب في غسل الجنابة، لماذا؟ لأنه إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد، عبادتان من جنس واحد ليست إحداهما مقضيه والأخرى مؤداة قالوا: دخلت الصغرى في الكبرى، يعني كمن جاء والإمام راكع يكبر تكبيرة الإحرام وتدخل فيها تكبيرة الركوع، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، يعني ابن رجب -رحمه الله- في قواعده ذكر أمثلة كثيرة لهذه القاعدة، "وهو وقول الشافعي وأحمد وإسحاق" وهو قول أبي حنيفة أيضاً وأصحابه، ونقل ابن بطال الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل.(23/14)
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: فرض الله تعالى الغسل مطلقاً لم يذكر فيه شيئاً يبدأ به قبل شيء، فكيف ما جاء به المغتسل أجزأه، إذا أتى بغسل جميع بدنه، والاحتياط في الغسل ما روت عائشة، يعني في حديث الباب: "يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يشرب شعره الماء، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات" ثم بعد ذلك يفيض الماء على بدنه، والاحتياط في الغسل ما روت عائشة، وقال ابن عبد البر: إن لم يتوضأ قبل الغسل ولكن عم جسده ورأسه ونواه فقد أدى ما عليه بلا خلاف، لكنهم مجمعون على استحباب الوضوء قبل الغسل؛ لأن كل من وصف غسل النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر أنه توضأ، لكنهم مجمعون على استحباب الوضوء قبل الغسل، الآن قال: إن لم يتوضأ قبل الغسل ولكن عم جسده ورأسه ونواه فقد أدى ما عليه بلا خلاف، وابن بطال نقل الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل، وتعقب ابن حجر دعوى الإجماع فقد ذهب جماعة بقوله: ذهب جماعة منهم أبو ثور وداود وغيرهما إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء، الغسل لا ينوب على الوضوء للمحدث، انتهى كلام ابن حجر، وقال ابن العربي في العارضة، قال أبو ثور: يلزم الجمع بين الضوء والغسل، كما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعنه ثلاثة أجوبة؛ لأن ابن العربي يري أنه بالإجماع لا يلزم، ولم ذكر كلام أبي ثور أجاب عنه بثلاثة أجوبة.
الأول: أن ذلك ليس بجمع وإنما هو غسل كله، غسل كله يعني كونه غسل يديه وغسل وجهه وذراعيه، وأفاض الماء على رأسه، ثم عمم هذا غسل وليس بوضوء، يعني هذه أبعاض للغسل وليست من الوضوء، أن ذلك ليس بجمع وإنما هو الغسل كله.
الثاني: أنه إن كان جمع بينهما فإنما ذلك استحباب، استحباب بدليل قوله تعالى: {حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} [(43) سورة النساء] وقوله: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} [(6) سورة المائدة] يعني ما ذكر غير الاغتسال، وما ذكر غير التطهر، فهذا هو الفرض، يقول: فهذا هو الفرض.
الثالث: أن سائر الأحاديث ليس فيها ذكر الوضوء، سائر الأحاديث يعني غير ما ذكر من حديث ميمونة وحديث عائشة يقول: ليس فيها ذكر للوضوء، وإنما إذا سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: أن تفعل كذا وكذا، وليس فيه ذكر للوضوء.(23/15)
يقول الشارح المبارك فوري: في كل من هذه الأجوبة الثلاثة عندي نظر، أما الأول فلأن ظاهر حديث ميمونة وعائشة هو الجمع بينهما وهذا ظاهر، يعني أما في حديث عائشة نص ويتوضأ وضوءه للصلاة، وأما الثاني: فلأن المراد بقوله: {حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} [(43) سورة النساء] هو الاغتسال الشرعي المأثور عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وفيه الوضوء، وكذلك التطهر.
وأما الثالث: فلأن عدم ذكر الوضوء في بعض أحاديث الغسل ليس بدليل على أنه ليس بواجب في غسل الجنابة، والله أعلم.
يعني كونه يشرح في غسله -عليه الصلاة والسلام- من الجنابة ثم لا يذكر في نصوص أخرى إما لأن المشروح له الغسل قد علم ذلك فيما قبل، والسنة إذا ثبتت بحديث واحد لا يلزم بيانها في كل مناسبة، كما هو معلوم، فبهذه الأجوبة الثلاثة عن قول ابن العربي في إجابته عن إيجاب أبي ثور للوضوء ومخالفته للإجماع الذي نقلوه.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل؟
حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان عن أيوب بن موسى عن المقبري عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: "قلت: يا رسول الله: إني امرأة أشد ضفر رأسي أفانقظه لغسل الجنابة؟ قال: ((لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء، ثم تفيضي على سائر جسدك الماء فتطهرين)) أو قال: ((فإذا أنتِ قد تطهرتِ)).
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم أن المرأة إذا اغتسلت من الجنابة فلم تنقض شعرها أن ذلك يجزئها بعد أن تفيض الماء على رأسها.
يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-:
"باب: هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل؟ " لأن الشعر إذا ظفر ونسج وأدخل بعضه في بعض قد ينبو الماء عن أصوله، قد لا يصل الماء إلى أصوله، والمطلوب في الغسل أن تروى أصول الشعر، ويشرب الشعر الماء على ما تقدم.(23/16)
يقول: "حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان" هو ابن عيينة كما في رواية أبي داود "عن أيوب بن موسى" بن عمرو بن سعيد بن العاص، الأموي، الفقيه، وهو من رجال الكتب الستة "عن سعيد" بن أبي سعيد "المقبري" وهو ثقة أيضاً "عن عبد الله بن رافع" المخزومي المدني، مولى أم سلمة وهو ثقة "عن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله" أم سلمة هند بنت أبي أمية زوج النبي -عليه الصلاة والسلام-، "قالت: قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي" أشد يعني: أحكم "ضفر رأسي" يعني نسجه وفتله "ضفر رأسي" يعني شعر رأسها "أفانقضه؟ " أي أفرقه ليصل الماء إلى باطنه "لغسل الجنابة" وفي رواية مسلم: "للحيضة والجنابة" لأن هذا الرواية نحتاجها -رواية مسلم- نحتاجها لمناقشة قول من يقول بالتفريق بين غسل الحيض، أقول: نحتاج رواية مسلم: "للحيضة والجنابة" لمناقشة من يقول بالتفريق بين غسل الحيض فينقض له الشعر، وغسل الجنابة فلا ينقض له "أفانقضه لغسل الجنابة قال: ((لا، إنما يكفيك أن تحثين)) " وفي نسخة: "تحثي" يعني تصبي ((على رأسك الماء ثلاث حثيات)) وتحثي معروف أن (أن) تنصب، تنصب الفعل المضارع وتحثين إلغاء لفعلها، وقد جاء إلغاؤها وإثبات النون معها في شواهد كثيرة، منها قول الشاعر:
أن تقرأنِ على أسماء ويحكما ... مني السلام وألا تشعرا أحداً
يعني في صدر البيت ألغاها، ألغى عملها، وفي أخره "وألا تشعرا" أعملها وحذف النون.
((أن تحثين على رأسك ثلاث حثيات من ماء)) بإثبات النون تحثين، كما قرره أهل العلم لغة، يقول ابن مالك في ألفيته:
وبعضهم أهمل (أن) حملاً على ... (ما) أختها حيث استحقت عملاً
يعني أهمل (أن) وجعلها لا تنصب الفعل المضارع كما في البيت.
أن تقرأنِ على أسماء. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(23/17)
((على رأسك ثلاث حثيات من ماء)) مع أنه جاء في نسخ أخرى: ((أن تحثي)) بدون نون على الجادة ((ثم تفيضين)) وفي النسخ التي أشير إليها: ((تفيضي)) بحذف النون ((على سائر جسدك فتطهرين))، قال: ((إنما يكفيك أن تحثين على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفضين)) ليس فيه ذكر للوضوء قبل الغسل ((على سائر جسدك فتطهرين)) لكن قد يقول قائل: إن الحديث جاء إجابة لسؤال، وهو نقض الشعر المضفور يعني المنسوج المدخل بعضه في بعض، فيكون الجواب مطابق للسؤال، وذكر الوضوء قدر زائد على ما جاء في السؤال، وعلى هذا لا يقال: إن مثل هذا بيان ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، هو بيان لشعر الرأس هل ينقض أو لا ينقض؟ وما عدا ذلك ثبت بأدلة أخرى ((فتطهرين)) أو قال: ((فإذا أنت قد تطهرت)).
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" ورواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، يعني رواه الجماعة ما عدا البخاري، "قال: والعمل على هذا عند أهل العلم أن المرأة إذا اغتسلت من الجنابة فلم تنقض شعرها أن ذلك يجزئها بعد أن تفيض الماء على رأسها".(23/18)
"المرأة إذا اغتسلت من الجنابة فلم تنقض شعرها أن ذلك يجزئها بعد أن تفيض الماء على رأسها" وهذا هو مذهب الجمهور لا يلزم نقض ضفر الرأس، الضفائر لا تنقض، وقال الحسن وطاووس: يجب النقض في غسل الحيض دون الجنابة، وهو مروي عن أحمد، التفريق بين الحيض والجنابة، واستدل بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عائشة بنقضه، وحمله الجمهور على الندب لرواية مسلم: "للحيضة والجنابة" في حديث أم سلمة، الآن أم سلمة قيل لها: إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، يعني لا يلزم نقض الرأس وفي حديث عائشة أمرها النبي -عليه الصلاة والسلام- بنقض رأسها، هذه سألت عن الجنابة وعائشة الحيض، أشار الصنعاني في سبل السلام أن غسل عائشة كان للإحرام، لما حاضت كان للإحرام فليس إلا غسل تنظيف ومن لازم التنظيف أن ينقض الشعر، يعني من فرق بين غسل الحيض فينقض وغسل الجنابة لا ينقض، قال: حديث عائشة غسل حيض، وحديث أم سلمة أفانقضه لغسل الجنابة؟ الدليل واضح، يعني لو لم ترد رواية مسلم: "للحيضة والجنابة" في حديث أم سلمة لكان هذا القول متجه، لكن لما ورد عرفنا أن الحيض والجنابة حكمه واحد، فكيف أمرت عائشة ولم تؤمر أم سلمة؟ عائشة أمرت لأن الغسل غسل تنظيف للإحرام، وليس بغسل واجب، وأما غسل أم سلمة فهو معروف أنه للواجب، للحيضة والجنابة، قد يقول قائل: لماذا لا يحتاط للواجب أكثر من غيره؟ فإذا قلنا: بنقضه في الغسل المستحب قلنا: بنقضه في الغسل الواجب من باب أولى، وعلى كل حال عائشة -رضي الله عنها- لا تريد بغسلها رفع الحدث، وإنما تريد التنظف للإحرام، ومعلوم أن الإحرام يسن له الاغتسال ولا يجب، ومن تمام النظافة أن ينقض الشعر ويعتنى به وينظف، منهم من لحظ ملحظ أخر ليفرق بين أمره -عليه الصلاة والسلام- لعائشة وبين قوله لأم سلمة حين قالت له: إني أشد ضفرة رأسي أفانقضه لغسل الجنابة؟ قال: عائشة فتاة صغيرة شعرها كثيف وأم سلمة كبيرة السن وشعرها خفيف، فالعشر الكثيف ينقض والشعر الخفيف الذي يمكن أن يصل الماء إلى أصوله دون نقض لا يحتاج إلى نقض، يقول بعضهم: إن هذا لا دليل عليه، هذا التفريق لا دليل عليه ولم ينقل أن شعر أم سلمة خفيف وشعر عائشة كثيف، لكن هذا هو(23/19)
الغالب أن المرأة كلما تقدم بها السن يخف شعرها، ليست مثل الفتاة الصغيرة، أم سلمة كبيرة جداً لما تزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد أبي سلمة، بينما عائشة مات عنها النبي -عليه الصلاة والسلام- وعمرها ثمان عشرة سنة، ففرق بين شعر امرأة عجوز كبيرة وبين امرأة صغيرة، وعندي أن هذا الوجه وجيه جداً وإن لم ينص عليه أنما يحتاج إليه في مثل هذا الموقف يعني في للتوفيق بين النصوص نحتاج إلى مثل هذا الكلام، ولو لم ينص عليه، ما يحتاج ينص عليه، لماذا؟ للتوفيق بين النصوص، وأهل العلم يسلكون مسالك أضعف من هذا لرفع التعارض بين النصوص، يعني وجوه الجمع كثيرة جداً عند أهل العلم وعند التعارض، فالحازمي ذكر منها أكثر من خمسين وجهاً في مقدمة الاعتبار، والحافظ العراقي -رحمه الله- زاد بها على المائة وجه لرفع الاختلاف بين النصوص، وفي تقديري أن هذا من أفضل ما يجمع به بين هذه النصوص؛ لأن التفريق بين غسل الحيض وغسل الجنابة لا شك أنه قوي لو لم ترد رواية مسلم في سؤال أم سلمة "للحيضة والجنابة" فهذا جعل غسل الحيض أو غسل الجنابة مثل غسل الحيض لا فرق، فلم يبقَ وجه للتفريق بينهما إلا أن يقال: إن عائشة أمرت بنقض شعرها لأنها فتاة صغيرة وشعرها كثيف لم يتساقط بعد، أما العجائز فالغالب أن شعرها يكون خفيفاً متمزقاً متساقطاً وهذا ظاهر، ومثل هذا التفريق وإن لم يرد به نص إنما يستفاد منه رفع الاختلاف بين هذه الأحاديث.
سم.
طالب: عفا الله عنك يا شيخ: هل العلة مشقة النقض بمعنى لو جمعت المرأة شعرها بغير الضفائر هل يلزمها أن تنقض الشعر لأنه لم يكن بضفيرة؟
هو الملحوظ في مثل هذا أن تروى أصول الشعر أن يشرب الشعر الماء، فإذا كان يصل بنفسه لا يحتاج إلى نقض، وإذا كان لا يصل إلا بالنقض لا بد من نقضه، ولهذا التفريق بين المرأة الكبيرة والصغيرة إنما هو من أجل النظر إلى الغالب، الغالب أن النساء الصغار الفتيات شعرهن كثيف، فلا يصل الماء إلى أصوله إلا بنقض، والغالب أن النساء كبار السن شعرها خفيف فلا تحتاج إلى نقض، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لحظة.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا أكثر أكثر.(23/20)
طالب:. . . . . . . . .
نعم تسع وخمسين، يعني بعده، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هي أكبر يوم تزوجها النبي تناهز الأربعين، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه في الغسل لا بد سواء في جنابة أو حيضة خلاف الوضوء، الوضوء ما يحتاج تمسح أعاليه ويكفي.
طالب:. . . . . . . . .
لا أصول لا بد أن يصل البشرة، يعني أطرافه، مقتضى مسحه في الوضوء يلزم بغسله في الجنابة، في الغسل إيه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
النقض؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني هذه مسلك من مسالك الجمع، يمكن أن يقال ... ، أقول: هذا مسلك من مسالك الجمع بأن يقال: أن الأمر في حديث عائشة مصروف إلى الندب بحديث أم سلمة، وعندي أن المسألة مردها إلى تشريب الشعر الماء، بحيث يصل إلى أصوله، فأن وجد ما يمنع من وصله لزم إزالته وإلا فلا، نعم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة:
حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا الحارث بن وجيه قال: حدثنا مالك بن دينار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشر)).
قال: وفي الباب عن علي وأنس.
قال أبو عيسى: حديث الحارث بن وجيه حديث غريب لا نعرفه إلا من حديثه، وهو شيخ ليس بذاك، وقد روى عنه غير واحد من الأئمة، وقد تفرد بهذا الحديث عن مالك بن دينار، ويقال: الحارث بن وجيه، ويقال: ابن وجبة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(23/21)
"باب: ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة" قال: "حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا الحارث بن وجيه" أبو محمد الراسبي البصري، ضعيف عند عامة أهل العلم، قال: "حدثنا مالك بن دينار" البصري الزاهد "عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تحت كل شعرة جنابة)) " مقتضى هذا أنه لو بقيت شعرة لم يصلها الماء بقي شيء من هذه الجنابة بقدر ما بقي من الشعر ((فاغسلوا الشعر)) يعني جميعه ((وأنقوا البشر)) البَشَر ظاهر جلد الإنسان، ((أنقوا البشر)) يعني من الأوساخ التي تمنع من وصول الماء إلى البشرة، ولو بقي شيء يمنع من وصول الماء إلى البشرة لم ترتفع الجنابة.
هذا الحديث أولاً: هو ضعيف، ضعفه وأنكره أهل العلم بالحديث، استدل به من يستدل بالتفريق بين المضمضة والاستنشاق فيوجب الاستنشاق في الغسل، ولا يوجب المضمضة، فما وجه الاستدلال؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم لأن في داخل الأنف في شعر، بخلاف الفم يعني استنباط دقيق جداً لو صح الخبر، هذه نباهة من جهة وغفلة من جهة.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن علي" عند أحمد وأبي داود وابن ماجه، يعني مسألة الاهتمام بالشعر يعني من ترك شيئاً من شعره أو من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل الله به كذا وكذا في النار، قال علي: "فمن ثم عاديت رأسي" وهو صحيح إلى علي -رضي الله عنه-، منهم من يقول: موقوف، لكن لا شك أن أمارات الرفع عليه ظاهرة؛ لأن الوعيد بالنار لا يمكن أن يقوله علي من تلقاء نفسه، حدث علي ثابت إلى علي -رضي الله عنه- عند أحمد وأبي داود وابن ماجه.
وفي الباب أيضاً "عن أنس" عند أبي يعلى والطبراني، لكنه ضعيف.(23/22)
"قال أبو عيسى: حديث الحارث بن وجيه حديث غريب لا نعرفه إلا من حديثه" أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقي، ومداره على الحارث بن وجيه وهو ضعيف جداً حتى عند غير الترمذي إنما يرويه الحاث بن وجيه، قال البيهقي: أنكره أهل العلم بالحديث البخاري وأبو داود وغيرهم، قال: "وهو -يعني الحارث- شيخ ليس بذاك" شيخ ليس بذاك يعني ليس بذاك القوي، كما هو معروف في ألفاظ الجرح والتعديل، لكن قد يقول قائل: إن شيخ تعديل، ومع ذلك هو تعديل ضعيف، وهو أقرب ألفاظ التعديل إلى الجرح، وليس بذاك القوي من ألفاظ التجريح، فلعله من حيث الديانة يستحق بوصف شيخ، ومن حيث الضبط والإتقان ليس بذاك، قال: "وقد روى عنه غير واحد من الأئمة" يعني الجهالة مرتفعة لكن الضعف ثابت "وقد تفرد بهذا الحديث عن مالك بن دينار، ويقال -يعني في اسمه- الحارث بن وجيه، ويقال: ابن وجبة" الحارث بن وجبة، يختلفون في والده هل هو بالياء أو بالباء؟ وعلى كل حال هو ضعيف، والخبر لا يستدل به لضعفه، والحرص على تروية أصول الشعر سواء كانت في الرأس أو في غيره أمر لا بد منه، نعم.
عفا الله عنك
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الوضوء بعد الغسل:
قال: حدثنا إسماعيل بن موسى قال: حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يتوضأ بعد الغسل".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
قال أبو عيسى: وهذا قول غير واحد من أهل العلم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين أن لا يتوضأ بعد الغسل.
يقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في الوضوء بعد الغسل"(23/23)
قال: "حدثنا إسماعيل بن موسى" الفزاري، صدوق يخطأ "قال: حدثنا شريك" يعني ابن عبد الله القاضي صدوق، لكن تابعه زهير كما في رواية أبي داود "عن أبي إسحاق" السبيعي "عن الأسود عن عائشة -رضي الله عنها - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يتوضأ بعد الغسل" يعني في حديثها السابق أنه كان يتوضأ وضوءه للصلاة قبل الغسل، في حديثها هذا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان لا يتوضأ بعد الغسل اكتفاءً بوضوئه الأول، أو باندراج ارتفاع الحدث الأصغر تحت ارتفاع الحدث الأكبر بإيصال الماء إلى جميع أعضائه، الماء وصل إلى جميع أعضاء الوضوء فلا داعي لتكراره بعد ذلك، وأما قبله فالسنة جاءت به، لكن لو طرأ ما يقتضي إعادة الوضوء بعد الغسل، توضأ وضوءه للصلاة ثم اغتسل فمس ذكره أو انتقض وضوؤه بأي ناقض فإنه يلزمه إعادة الوضوء.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأخرجه البيهقي بأسانيد جيدة.
"قال أبو عيسى: وهذا قول غير واحد من أهل العلم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين أنه لا يتوضأ بعد الغسل".
بل لم يختلف فيه العلماء كما صرح بذلك ابن العربي، وابن العربي بحث هنا مسألة مهمة جداً وهي هل يرتفع الحدث عن كل عضو على حدة؟ أو لا يرتفع إلا بعد تمام غسل جميع الأعضاء؟ هل يرتفع الحدث عن كل عضو على حدة أو لا يرتفع إلا بعد تمام غسل جميع الأعضاء؟ معروف أن الحدث هو الوصف القائم بالبدن الذي منه الأكبر والأصغر، الأكبر من الجنابة والحيض، والأصغر من البول والغائط والنوم، والأمور مختلف فيها، أما بالنسبة لما لا تشترط له الطهارة كالنوم مثلاً أو الأكل فإن مثل هذا الجنب يخفف، يخفف الحدث بالوضوء، لكن إذا أراد رفع الحدث ليزاول ما منع منه بسبب الحدث فهل يرتفع الحدث عن كل عضو على حدة؟ أو لا يرتفع إلا بعد تمام غسل جميع الأعضاء؟ بمعنى أنه لو غسل وجه ويديه في الوضوء هل يجوز له أن يمس المصحف بيده باعتبار أنه رفع الحدث عنها أو لا يجوز باعتبار أن الحدث لم يرتفع إلا بعد غسل الرجل اليسرى؟ نعم؟(23/24)
ابن العربي أبطل الاحتمال الأول وهو أن الحدث يرتفع عن كل عضو بغسله، ولو لم يتم الوضوء، أبطله للإجماع على أن الرجل لو غسل وجه ويديه في الوضوء لم يجز له أن يمس المصحف، وإنما غسل الوجه وارتفاع الحدث عنه موقوف مراعاً فيه كمال الوضوء، فإن كمل الوضوء ثبت له الحكم وإن لم يكمل بطل، بدليل أن الموالاة من فروض الوضوء، يعني لو قلنا: إنه يرتفع قلنا: إذا غسل وجه ويديه ثم أجل مسح الرأس وغسل الرجلين، لا يحتاج إلى أن يعيده؛ لأنه ارتفع الوضوء عنهما، لا يحتاج إلى أن يعيد غسل الوجه واليدين لأن الوضوء ارتفع عنهما، ولكن هذا جارٍ عند من يقول: بأن الموالاة ليست من فرائض الوضوء، أما من يقول: أن الموالاة فرض من فروض الوضوء فإن مثل هذا الكلام لا يجري عنده.(23/25)
قال: كركعة من الصلاة، يعني الصلاة ثلاثية أو ثنائية أو رباعية صلى منها ركعة هل نقول: يعتد بهذا الركعة؟ لا يعتد بها؛ لأنها موقوفة على تمام الركعة التي تليها، أو على تمام ما يريده من الصلاة ثنائية أو ثلاثية أو رباعية، وهذا الكلام ينفعنا في مسألة الخف، فإذا غسل رجله اليمنى وأدخلها في الخف، ثم غسل اليسرى وأدخلها في الخف لم يصح عند الحنابلة وجمع من أهل العلم؛ لأنه لا يصح أن يكون أدخلها وهو طاهرة لا منفردة ولا مجتمعة، يعني هذه مسألة يحتاج إليها كثيراً، يعني المنازعة من شيخ الإسلام وغير شيخ الإسلام الذين يقولون: إن مجرد خلع اليمنى ثم لبسها هذا عبث، نقول: لا هذا ليس بعبث ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)) حتى لو غسل اليمنى ما نقول: طاهرة حتى يغسل اليسرى، الوجه ليس بطاهر حتى يغسل الرجل اليسرى، فلا يتحقق قوله: ((فإني أدخلتهما طاهرتين)) حتى تكمل الطهارة، لهذه المسائل التي لشيخ الإسلام فيها قول، وقد اطلع عليه طلاب العلم وعرفوه، ونصره من أهل العلم من يوثق بعلمه ويقتدى به، وتبرأ الذمة بتقليده يعني يحصل فيه مشادة من بعض الإخوان، يعني إذا قررنا مسألة ثم قال شيخ الإسلام يقول: لا يخفى علينا قول شيخ الإسلام ومن يقول بقول شيخ الإسلام، لكن كل إنسان ملزم بما يترجح عنده، ولذلك من الأمس واليوم كمسألة إذا نزع الخف، أو من أين يبدأ؟ أو إذا لبس خف قبل غسل الثانية، يعني كثر فيها السؤال فما له داعي يا الإخوان، كل إنسان يقرر ما يترجح عنده، وأما كون الإنسان يلزم بقوله غيره فهذا ليس بصحيح، يعني لا يظن أن الإخوان يبي يذكرونا بقول شيخ الإسلام، أو أننا بنرجع عن قولنا؛ لأن شيخ الإسلام قال، ما نرجع، إلا إذا .. ، نعم شيخ الإسلام إمام، وقدوة، وتبرأ الذمة بتقليده
وإذا قالت حذامِ فصدقوها ... . . . . . . . . .(23/26)
كثير من الناس إذا سمع لشيخ الإسلام قول خلاص أقفل ذهنه عن الاجتهاد هذا الكلام ليس بصحيح، شيخ الإسلام إمام، لكنه كغيره يخطأ ويصيب، يرجح الراجح في الغالب لكنه قد يرجح مرجوح، يعني مسألة الطهارة الأصلية والفرعية حينما يناقش فيها شيخ الإسلام فيمن خلع الخف واستمر على طهارته ويقيسه على شعر الرأس إذا مسحه ثم خلعه، لو تقرأ المسح على الخفين في الاختيارات رجعت عن هذا القول، وتفريق شيخ الإسلام بين الطهارة الأصلية والفرعية، في كتابه الاختيارات يفرق، ومع ذلك يقول: يقاس القدم على الرأس إذا حلق الشعر، فما أحد يلزم بقول أحد، كما أننا أيضاً لا نلزم الإخوان بترجيح ما رأينه أبداً، المسألة لا حجر لمن لاح له شيء، ليس معنى هذا أن الإنسان إذا ترجح عنده قول أنه هو الصواب ما يلزم، نعم؟
أنا أقول هذا لأنه كثر السؤال يعني واحد يجلس واحد يقوم واحد يصلي معي وواحد يتبعني واحد ... على شان إيش؟ إحنا قررنا هذه المسائل في دروس كثيرة جداً يعني، وكون الإنسان يقول لك: والله الشيخ فلان قال نعم الشيخ قال وهل يخفى علينا قول فلان أو علان؟ ما يخفى.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل:
حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: "إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا".
قال: وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو ورافع بن خديج.
حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل)).
قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح.
قال: وقد روى هذا الحديث عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير وجه: ((إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل)).
وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة والفقهاء من التابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق.
عندك واو، مثل سفيان ها؟
طالب: نعم؟
مثل ...(23/27)
طالب: مثل سفيان الثوري.
في واو؟ نعم؟
طالب: عفا الله عنك.
مثل سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا: إذا التقى الختانان وجب الغسل.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل"
والختان بالنسبة للرجل معروف، وهو واجب لأن الطهارة لا تتم إلا به، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولا مختلف في وجوبه، وأما بالنسبة لختان المرأة ويقال له: الخفاض فمسالة مختلف فيها، فمنهم من أوجبه وأما استحبابه فلا إشكال فيه ((إذا التقاء الختانان وجب الغسل)) ختان وخفاض فقيل: الختانان من باب التغليب، كما يقال: العمران، والقمران، والأبوان.
قال: "حدثنا أبو موسى محمد -بن موسى أبو موسى بن- المثنى" المعروف، العنزي، ثقة، من شيوخ الأئمة، "قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم" بن محمد بن أبي بكر، وهو ثقة "عن أبيه" القاسم بن محمد، أحد الفقهاء السبعة، فقهاء المدينة السبعة.
فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد أبو بكر سليمان خارجة
الفقهاء السبعة.
"عن عائشة قالت: "إذا جاوز الختان الختان" يعني إذا حاذى أحدهما الأخر، والمراد الجماع، وهو تغيب الحشفة "إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل" يعني الاغتسال من هذه الجنابة، يعني ولو لم ينزل.
"قالت عائشة -رضي لله عنها- فعلته" أي ما ذكر من مجاوزة الختان الختان "أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا" والتصريح بمثل هذا لا ينافي الأدب؛ لأن المصلحة راجحة، لكن حينما لا يكون هنالك مصلحة فالتصريح بمثل هذا مخل بالأدب، ومذموم في النصوص، وهو من الرفث الذي جاء النهي عنه، لكن قراءة مثل هذا الحديث في نهار رمضان أو في الحج مثلاً هل هو مخل بالصيام أو مخل بالحج أو لا يخل بهما؟ يقرأ في سنن الترمذي أو في الصحيحين أو في غيرهما؟ يقرأ مجموعة من الشباب حاجين يقرؤون في عرفة مثل هذا الكلام.
طالب:. . . . . . . . .(23/28)
تقول: ليس من الرفث، ابن عباس يخص الرفث بما تواجه به النساء، يعني لو كان الكلام بين الرجال ما يضر، لكن إذا وجهت به النساء فإنه يسمى رفث، مع أنه الرفث ينظر فيه إلى الكلام ذاته، ولو لم يكن بحضرة نساء، فالإسفاف في الكلام رفث، وما يتعلق بأمور النساء وما يقع بينهن مع رجالهن مع أزوجهن كلها رفث، وإن قال ابن عباس ما قال، وذكر عنه في كتب التفسير وكتب اللغة البيت المعروف الذي لا يقال في حال السعة فضلاً عن حال النسك، يذكر هذا عن ابن عباس، والنكارة فيه ظاهرة، يعني يثبتونه، الأئمة كلهم يثبتونه عن ابن عباس.
وهن يمشين بنا هسيسا ... . . . . . . . . .
... البيت، بيت كله رفث، يعني ما يقال في حال السعة فضلاً عن مثل هذه الأوقات.
"إن تصدق الطير" هذا تطير بعد هذا مخالف للمعروف من النصوص، فقراءة مثل هذه الأحاديث يعني إن لم تكن الحاجة داعية إليها فيفضل أن يقرأ غيرها من أبواب العلم في وقت الصيام وفي وقت الحج، وإن دعت إليها الحاجة تقرأ؛ لأنه ليس المقصود الرفث إنما المقصود العلم.
"فعلته أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا" والضمير ضمير المتصل (أنا) يؤتى به لتجويز العطف على ضمير الرفع المتصل، لو قالت: "فعلته ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا هنا لا يجيزون العطف على ضمير الرفع المتصل إلا بفاصل.
وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت ففصل بالضمير المنفصل
يعني كما هنا.
أو فاصل ما وبلا فصل يرد ... في النظم فاشياً وضعفه اعتقد
على كل حال هنا جاءت بضمير الفصل على الجادة، قد يقول قائل: إنها فصلت بضمير نصب المتصل، فصلت بين ضمير الرفع المتصل والمعطوف عليه بضمير نصب "فعلته ورسول الله" يكفي وإلا ما يكفي؟ لأنه يقول: "أو فاصل ما" أي فاصل، يعني ما تقول: جئت وزيد، تقول: جئت أنا وزيد وتقول: جئت اليوم وزيد هذا فاصل، لكن ضمير النصب كما هنا يكفي وإلا ما يكفي؟ "فعلته ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا" مقتضى قوله: "أو فاصل ما" أنه يكفي؛ لأنه وجد الفصل بين ضمير الرفع المتصل وما عطف عليه.(23/29)
"قال: وفي الباب عن أبي هريرة" وهذا مخرج في الصحيحين والمسند "وعبد الله بن عمرو" عند ابن ماجه "ورافع بن خديج" عند الإمام أحمد.
قال: "حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن علي بن زيد" بن جدعان، وهو ضعيف عند جماهير أهل العلم، وإن وثقه الشيخ أحمد شاكر، فقد وثق مجموعة من الضعفاء في حواشيه على المسند، وعلى الترمذي أيضاً يعني في الجزأين وثق أكثر من عشرين جمهور أهل العلم على ضعفهم، ومنهم على بن زيد، ومنهم ابن لهيعة، ومنهم ابن إسحاق، وجمع من الرواة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والإفريقي محمد تقدم هذا عبد الرحمن بن زياد، المقصود أن عشرين أو يزيدون قليلاً أو ينقصون كلهم وثقهم وجماهير أهل العلم على ضعفهم.
"عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل)).
يقول الشوكاني: ورد الحديث بلفظ المحاذاة وورد أيضاً بلفظ الملاقاة، وبلفظ: المجاوزة كما هنا، وبلفظ الملامسة، وبلفظ الإلصاق، والمقصود من ذلك كله أنه إذا أولج فقد وجب الغسل وقد وقت الملاقاة.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأصله في صحيح مسلم بلفظ: ((إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جاهدها فقد وجب الغسل)) وفي بعض الروايات: ((وإن لم ينزل)) يعني الغسل مرتب على مس الختان الختان الذي يعبر به عن الإيلاج.
"قال: وقد روى هذا الحديث عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير وجه: ((إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل)).
وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة والفقهاء من التابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا: إذا التقاء الختانان وجب الغسل".(23/30)
يقول النووي: اعلم أن الأمة مجتمعة الآن على وجوب الغسل مع الجماع وإن لم يكن معه إنزال، يعني كان الخلاف بين الصحابة معروف، قال: اعلم أن الأمة مجتمعة الآن على وجوب الغسل مع الجماع وإن لم يكن معه إنزال، وكانت جماعة من الصحابة على أنه لا يجب إلا بالإنزال، ثم رجع بعضهم وانعقد الإجماع بعد الآخرين، وأردف الترمذي هذه الترجمة بالترجمة: "ما جاء أن الماء من الماء" وكان هذا في صدر الإسلام فهو منسوخ، ونقرأه لصلته بحديث الباب، نعم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء أن الماء من الماء:
حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا يونس بن يزيد عن الزهري عن سهل بن سعد عن أبي بن كعب -رضي الله عنهما- قالا: "إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام، ثم نهي عنها".
حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد مثله.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وإنما كان الماء من الماء في أول الإسلام ثم نسخ بعد ذلك، وهكذا روى غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم أبي بن كعب ورافع بن خديج، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم على أنه إذا جامع الرجل امرأته في الفرج وجب عليهما الغسل وإن لم ينزلا.
حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك عن أبي الجحاف عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "إنما الماء من الماء في الاحتلام".
قال أبو عيسى: سمعت الجارود يقول: سمعت وكيعاً يقول: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك، قال أبو عيسى: وأبو الجحاف اسمه: داود بن أبي عوف، ويروى عن سفيان الثوري قال: حدثنا أبو الجحاف وكان مريضاً.
مرضياً، مرضياً.
عفا الله عنك.
"وكان مريضاً".
قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير وطلحة وأبي أيوب وأبي سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((الماء من الماء)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(23/31)
"باب: ما جاء أن الماء من الماء" وهذا مثل ما تقدم بحثه في تقديم الناسخ على المنسوخ، والترتيب الطبيعي أن يقدم هذا لقدمه في الزمان في الوقت، قال: "باب ما جاء أن الماء من الماء" الماء هو الماء الذي يغتسل به من الماء الذي هو الخارج من الإنسان إثر الجماع، لا ماء إلا من الماء، مقتضاه أنه لا غسل إلا بالإنزال، والترمذي عقد هذه الترجمة لبيان أن هذا الحديث أن الترجمة بلفظ حديث أنه منسوخ لبيان أن ما ورد مما يدل على أن الماء من الماء منسوخ، وقوله: الماء من الماء هذا فيه الجناس التام، يأتي اللفظ واحد والمعنى مختلف.
قال: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا يونس بن يزيد" الأيلي، وهو ثقة "عن الزهري عن سهل بن سعد" بن مالك الأنصاري الخزرجي، له ولأبيه صحبة "عن أبي بن كعب قال: "إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نهي عنها" يعني وفرض الغسل بمجرد الإيلاج، فلا يلزم نزول الماء.
قال: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد مثله، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج عند الإمام أحمد وأبي داود والدارمي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وإنما كان الماء من الماء في أول الإسلام ثم نسخ بعد ذلك، في العلل التي في أخر الجامع لما ذكر الحديث حديث: "الماء من الماء" قال: بينا علته في الكتاب، وعلته أنه منسوخ، ولذا ذكروا من أجناس العلل النسخ، وقالوا: إن الترمذي سمى النسخ علة، ويريدون بهذا الكلام هذا الموضع من الترمذي، قال: إنما كان الماء من الماء في أول الإسلام ثم نسخ بعد ذلك، وحديث أبي صريح في النسخ، وقال في العلل: بينا علته في الكتاب وهي النسخ، فالترمذي سمى النسخ علة، فإن قصده أنها علة مؤثرة في الصحة فلا، الحديث صحيح، وإن قصده أن العلة مؤثرة في العمل بالحديث فصحيح، لو لم نعرف المتقدم من المتأخر، وجاءنا حديث: ((إنما الماء من الماء)) مع حديث: ((إذا التقى الختانان)) فما الذي يقدم منهما؟ نعم؟ أيهما الماء من الماء؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ طيب، ها؟
طالب:. . . . . . . . .(23/32)
نعم جاء حمله على الاحتلام، لكن يبقى أيضاً أنه من حيث ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أنه إيش؟ يعني أنزل أو لم ينزل.
أيضاً حديث: ((إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ولو لم ينزل)) هذا منطوق، ودلالة حديث: ((الماء من الماء)) على عدم الاغتسال من مجرد الإيلاج مفهوم وليس بالمنطوق، منطوق الحديث دلالته في محل نطقه أن الماء الذي هو الاغتسال يجب إذا أنزل، مفهومه أنه لا يجب إذا لم ينزل، منطوق الحديث غير مخالف لمنطوق الحديث السابق، منطوق الحديث غير مخالف، لكن المخالفة بين الحديث السابق مع مفهوم هذا الحديث، والمنطوق مقدم على المفهوم، يعني مثل ما قالوا في حديث القلتين أن ((الماء طهور لا ينجسه شيء)) وحديث القلتين: ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)) قالوا: إن حديث: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) مخصص بحديث: ((إذا بلغ الماء قلتين)) ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) فيه عموم مخصوص بحديث: ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)) قالوا: لكنه تخصيص بالمفهوم، يعني المعارضة بين هذا وهذا ليست منطوق مع المنطوق، إنما هي منطوق مع المفهوم، ولذلك شيخ الإسلام يرى أن حديث القلتين صحيح، لكن دلالته على مراد الشافعية والحنابلة بالمفهوم لا بالمنطوق، ومخالفه منطوق فالمنطوق مقدم على المفهوم، وهنا كذلك، يعني حديث: ((إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل ولو لم ينزل)) هذا منطوقه ظاهر في أنه يلزمه الغسل نعم ولو لم ينزل، وحديث: ((إنما الماء من الماء)) أو الماء من الماء منطوقه أنه يجب الغسل إذا أنزل، مفهومه أنه لا يجب الغسل إذا لم ينزل، المنطوق مع المنطوق ما في مخالفة، المخالفة بين منطوق الحديث الأول ومفهوم الحديث الثاني، وحينئذٍ المنطوق مقدم على المفهوم، مع أن القول بالنسخ واضح كانت رخصة في أول الإسلام، ثم نهي عنها، أيضاً التصريح هنا: "ثم نسخ ذلك" وسيأتي حمله على الاحتلام.(23/33)
"قال: وهكذا روى غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم أبي بن كعب" حديثه تقدم في الباب نفسه "ورافع بن خديج" وروايته خرجها الحازمي في الاعتبار "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم على أنه إذا جامع الرجل امرأته في الفرج وجب عليهما الغسل وإن لم ينزلا".
مسألة تتعلق بالحديث السابق ((إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل)) وهي مما يحتاج إليها، ويسأل عنها، إذا أولج بحائل، مع حائل مثلاً يعني من غير مباشرة لا سيما مع ما يرد على هذه البلاد من مصنوعات قد تستعمل على وجه مشروع أو على وجه غير مشروع، المقصود أنه يوجد حوائل وجودها مثل عدمها، يعني لا تحول دون كمال اللذة، فهل نقول: إن هذا إيلاج بحائل أو مباشرة، إذا جامع بحائل منهم من يقول: إنه إيلاج مطلقاً، ولو كان هذا الحائل خشن يحول دون كمال اللذة، ومنهم من يقول: ليس بإيلاج مطلقاً، ولو كان ناعماً، والصواب التفريق بين الخشن الذي يحول دون كمال اللذة، وبين الناعم الذي لا يحول دون كمال اللذة، فالناعم وجوده مثل عدمه، يعني يكون إيلاج ويجب الغسل من الطرفين، ولو لم يحصل إنزال، بينما الذي يحول دون كمال اللذة من حائل خشن مثل هذا لا يأخذ حكم المباشرة.
أيضاً لو أولج في غير القبل؛ لأن في الحديث: ((إذا التقى الختان)) والدبر ليس فيه ختان، فهل الحكم واحد أو يختلف؟ هذه مسألة من المسائل الكبار ترى ليست سهلة، يعني ولا يعني أن العلماء إذا بحثوا مثل هذه المسألة أنهم يبيحون العمل، لا العمل حرام، يعني سواء كان الإيلاج بالنسبة للمرأة من الدبر أو في اللواط -نسأل الله السلامة والعافية-، كل هذا من عظائم الأمور، لكن يبقى أن له أحكام مترتبة أخرى، هل يلزم اغتسال أو لا يلزم؟ هذه مسألة من كبار المسائل، ولا بد من بحثها، منهم من يقول: ما دام فرج الحكم واحد، ولعل هذا هو الظاهر.(23/34)
قال: "حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا شريك" بن عبد الله القاضي "عن أبي الجحاف" داود بن أبي عوف، كما ذكر الترمذي، وهو صدوق "عن عكرمة عن ابن عباس قال: "إنما الماء من الماء في الاحتلام" إنما الماء من الماء في الاحتلام، يعني لا في الجماع، ولا شك أنه إذا احتلم ولم ينزل فإنه لا غسل عليه، لحديث أم سلمة قالت: "هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ " قال: ((نعم إذا هي رأت الماء)) إذا رأت الماء، إذا رأت الماء يلزم الغسل، مفهومه أنها إذا لم تر الماء فإنه لا غسل عليها.
"قال أبو عيسى: سمعت الجارود" بن معاذ السلمي الترمذي ثقة "يقول: سمعت وكيعاً" الإمام ابن الجراح، "يقول: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك" ومعروف شريك أنه يخطأ، وقال الإمام مسلم في حديث الإسراء الذي رواه من طريقه فقال: إن شريكاً زاد فيه ونقص، وقدم وأخر، وأورد ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد من أوهام شريك في الإسراء، وكذلك الحافظ ابن حجر ما يصل إلى العشرة، عشرة أوهام في حديث الإسراء "يقول: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك" أولاً: هذا الخبر موقوف على ابن عباس واجتهاد منه، الأمر الثاني: أنه سواء كان ثبت عن ابن عباس أو لم يثبت فالقول به من أجل التوفيق بين النصوص لا شك أنه وجه من وجوه رفع التعارض، ومسلك من المسالك التي يسلكها أهل العلم للتوفيق بين النصوص، وهو قول جيد في الجملة، يعني إذا أمكن الجمع فلا يعدل عنه إلى النسخ، ويمكن حمل حديث: ((الماء من الماء)) على الاحتلام، ولا يحتاج إلى أن نقول: إنه منسوخ؛ لأن النسخ يقتضي إلغاء الحديث، رفع الحكم بالكلية، والقول بأنه محمول على صورة خاصة وهو الاحتلام يبقي دلالة الحديث قائمة، وينفي التعارض بينه وبين الأحاديث الأخرى.
قال أبو عيسى: وأبو الجحاف اسمه: داود بن أبي عوف، ويروى عن سفيان الثوري أنه قال: حدثنا أبو الجحاف وكان مرضياً" مرضياً، سفيان الثوري يقول: حدثنا أبو الجحاف وكان مرضياً، وهذه من ألفاظ التعديل المتوسطة، يعني تدل على قبول خبره وإن لم يكن على درجة من التوثيق.(23/35)
"قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير وطلحة وأبي أيوب وأبي سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((الماء من الماء)).
الحديث لم يرد عنهم جميعاً بهذا اللفظ، وإنما وردوا في قصة، وردت أسماؤهم في قصة واحدة عند البخاري، في صحيح البخاري عن يحيى بن أبي كثير قال: أخبرني أبو سلمة أن عطاء بن يسار أخبره أنه سأل عثمان بن عفان فقال: أريت إذا جامع الرجل امرأته فلم يمنِ؟ قال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره، قال عثمان: سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني معناه معنى حديث: ((الماء من الماء)) فسألت عن ذلك علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب فأمروه بذلك، يعني المعنى واحد وليس بلفظ الخبر.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، يعني سبب الورود يرد قول ابن عباس، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لكن قد يلجأ إلى خصوص السبب عند التعارض، فيحمل أو يقصر الخبر على سببه، قول وكيع: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك يدل على أنهم يسمون الأخبار الموقوفة والمقطوعة حديث، يسمون الموقوفات والمقاطيع يسمونها أحاديث، ولذلك هذا ينفع في رفع الإشكال الذي يرد عند ذكر ما يحفظه الأئمة، إذا قيل: الإمام أحمد يحفظ سبعمائة ألف حديث، طيب سبعمائة ألف حديث لو بحثت في الدواوين الموجودة ما وجدت ولا مائة ألف، وين راحت؟ ضاعت على الأمة؟ لا ما ضاعت، كانوا يعدون المكررات أحاديث فربما حديث يرد من مائة طريق يعدونها مائة حديث، يعدون أقوال الصحابة أحاديث كما هنا، نعم، سمى كلام ابن عباس حديث، يعدون أقوال التابعين حديث، فإذا جمعنا هذه الأمور مجتمعة بلغت أضعاف ما يحفظه الإمام أحمد، فلا يقال: إن شيء من الدين قد ضاع على الأمة، يعني الأمة معصومة في أن تفرط في شيء من دينها.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.(23/36)
شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (24)
شرح: باب: ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللاً ولا يذكر احتلاماً، وباب: ما جاء في المني والمذي، وباب: ما جاء في المذي يصيب الثوب، وباب: غسل المني من الثوب، وباب: ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل، وباب: ما جاء في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام، وباب: ما جاء في مصافحة الجنب.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: إذا كان بعض الأئمة يضعفون راوياً وبعضهم يوثقونه أو يحسنونه فيكف يمكن التعامل مع هذا الراوي؟
يمكن التعامل معه على ضوء قواعد الجرح والتعديل، عندهم مسألة هي مسألة تعارض الجرح مع التعديل، وهناك قواعد وضوابط معروفة عند الأئمة يرجحون بها إما الجرح وإما التعديل، والأصل أنه إذا كان الجرح مفسراً فإنه مقدم على التعديل؛ لأن الجارح معه زيادة علم خفيت على المعدل، وعلى كل حال كل راوٍ بحسبه، فقد يكثر عدد الجارحين، وقد يكثر عدد المعدلين، وقد يتساوى العددان، وقد يكون الجرح شديداً والتعديل خفيفاً أو العكس، كل هذه لها أثر في الجنوح والميل إلى التعديل أو الجرح.
هل يقبل حديثه أم لا؟
على حسب ما يترجح من حاله إما القبول وإما الرد.
وهل ينطبق هذا على كل حديث رواه؟
نعم إذا تفرد به انطبق، وإذا توبع عليه ارتقى حديثه إن كان ضعفه غير شديد.
يقول: هل يعد العلامة أحمد شاكر من المتساهلين في الحكم على الرجال أم لا؟ وهل يعتد بحكمه عليهم باعتبار توثيقه لبعضهم .... ؟
لا، الشيخ متساهل جداً، لكن قراءة كتبه لا بد منه لطالب الحديث.
يقول: هل تنصح الطالب المبتدئ في بداية طلبه دراسة الفقه أم دراسة الحديث؟
يدرس العلمين معاً فلا فقه إلا بحديث، ولا فهم للحديث إلا من خلال فهم أهل العلم، لا سيما سلف هذه الأمة فالجمع بين العلمين هو الذي يحقق للطالب فقه النفس.
يقول: يا حبذا لو أعدت الجواب الذي ذكرته بالأمس وهو إذا أطال الإمام الجلوس في التشهد الأول هل يعيد التشهد أو يسكت أو يكمل؟
الأولى أن يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-.(24/1)
يقول: حديث: ((هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي)) هل يستدل به على أن الوضوء ليس من خصائص هذه الأمة، وكذلك قصة سارة مع الظالم يضاف إلى ذلك قصة جرير وأنه توضأ؟
فالوضوء ليس من خصائص هذه الأمة، بل الذي من خصائصها الغرة والتحجيل.
يقول: ما رأيكم في طباعة دار الكتب العلمية؟ وهل تنصحون بها؟
لا، طباعة دار الكتب العلمية ضعيفة، يعني من أضعف المطابع.
يقول: ما أفضل تحقيق للمنار المنيف لأبن القيم؟
أفضل تحقيق هو طبعة حلب تحقيق أبو غدة، يعني استدرك على المؤلف أحاديث كثيرة، فعمله في هذا الكتاب جيد.
يقول: معلوم أن ابن الأثير أكثر من عالم؟
نعم فيهم المحدث أبو السعادات صاحب النهاية وجامع الأصول، وفيهم المؤرخ صاحب الكامل، وفيهم الأديب صاحب المثل السائر.
يقول: لقد قرأت أن هناك عالم يسمى ابن حجر المكي؟
نعم هذا الهيتمي معروف، غير ابن حجر العسقلاني، وهناك أيضاً من يقول له: ابن حجر متأخر جداً، متأخر يعني في أيامنا، لكنه توفي ابن حجر صاحب قطر.
يقول: ما حكم جمع الجمعة مع العصر للمسافر؟
لا يجوز لأن الجمعة فرض مستقل كالفجر، لا تجمع ولا يجمع إليها.
يقول: إذا كان سؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر هل يدخل في ذلك سؤر الفأرة؟
نعم يدخل في ذلك سؤر الفأرة.
هل يحتج بحديث الآحاد بكل شرائع الدين؟
نعم، يحتج بخبر الواحد إذا بلغ درجة الحسن أو الصحيح في جميع أبواب الدين حتى في العقائد.
كيف الرد على من خالفه؟
يرد بأن الدين واحد، جاء من إله واحد، بواسطة جبريل -عليه السلام- على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو واحد متساوي الأقدام كما يقول أهل العلم، فما يثبت في الفضائل يثبت بالعقائد، والتفريق الذي يحتاج إلى دليل.
وهل من مثال لحديث آحاد في السنن أو في المسانيد أو في المعاجم؟
موجودة الأحاديث كلها في الغالب آحاد؛ لأن الضابط في الآحاد ما لم يبلغ درجة التواتر.
قولكم: مرضياً من أوسط صيغ التعديل كيف توفق بينها وبين حديث الصحيحين: ((شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر))؟(24/2)
المسائل الاصطلاحية لا يخلط بينها وبين ما جاء في النصوص هذه مسألة اصطلاحية يعني لو رجعت إلى ألفاظ التعديل وجدت مرضي دون ثقة، فأعلى درجات التوثيق عند ابن حجر في التقريب الصحابة، وعند غيره ما جاء بأفعل التفضيل أوثق الناس أعدل الناس، أصدق من رأيت من البشر، ثم بعد ذلك ما كرر من ألفاظ التعديل، ثقة ثقة، بعد ذلك ما أفرد من ألفاظ التعديل، ثقة فقط، ثم بعد ذلك يأتي ما دونها في التعديل من مرضي ونحوه.
ألا يمكن أن يقال: رواية الحيضة شاذة؟
رواية الحيضة في صحيح مسلم، هي في صحيح مسلم.
يقول: ما صحت حديث: ((إذا مررتم برياض الجنة فرتعوا))؟
هذا الحديث ليس فيه إشكال، ثابت.
ثم لو صح أليس فسره نفسه بتمام الحديث قيل: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: ((حلق الذكر))؟
حلق الذكر، أيضاً فسر قوله -جل وعلا-: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] قال -عليه الصلاة والسلام-: ((ألا إن القوة الرمي)) يعني ما نستعد إلا بالرمي؟ هذا كلام ليس بصحيح، يعني ذكر بعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص.
من مؤلف كتاب: الأربعين المكية؟
الأربعون المكية هذه جمعت من قبل مشروع تعظيم بيت الله الحرام، كتاب معاصر مؤلف حديث من قبل هذه الجمعية ألف هذه الكتاب، ولا أعرف من كلف بهذا التأليف، وعلى كل حال هي موضوعها ما يتعلق بالبلد الحرام.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللاً ولا يذكر احتلاماً:
حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا حماد بن خالد الخياط عن عبد الله بن عمر هو العمري عن عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن عائشة -رضي الله عنها - قالت: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً؟ قال: ((يغتسل)) وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللاً؟ قال: ((لا غسل عليه)) قالت أم سلمة -رضي الله عنها-: يا رسول الله هل على المرأة ترى ذلك غسل؟ قال: ((نعم، إن النساء شقائق الرجال)).(24/3)
قال أبو عيسى: وإنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر عن عبيد الله بن عمر حديث عائشة في الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً، وعبد الله بن عمر ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه في الحديث، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، إذا استيقظ الرجل فرأى بلة أنه يغتسل، وهو قول سفيان الثوري وأحمد، وقال بعض أهل العلم من التابعين: إنما يجب عليه الغسل إذا كانت البلة بلة نطفة، وهو قول الشافعي وإسحاق، وإذا رأى احتلاماً ولم يرَ بلة فلا غسل عليه عند عامة أهل العلم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء فيمن يستيقظ -يعني من نومه- فيرى بللاً ولا يذكر احتلاماً" يعني يرى البلل –الرطوبة- في ثيابه ولا يذكر احتلاماً، الموجب للغسل عند أهل العلم التقاء الختانين على ما تقدم، أو خروج المني من مخرجه إن كان من مستيقظ فلا بد أن يكون بلذة، وإن كان من نائم فلا يلزم ذلك، لا بد أن يتحقق أنه ماء نطفة على ما سيأتي مني، أما إذا وجد ماء وشك فيه، هل هو ماء نطفه ماء المني أو المذي أو غيرهما؟ فإنه لا يجب عليه الغسل؛ لأن الحدث مشكوك فيه، الحدث الأكبر هذا مشكوك فيه والأصل الطهارة، فلا يلزمه فإذا استيقظ فرأى بللاً ولا يذكر احتلاماً فإنه ينظر في هذا البلل فإن كان منياً وجب عليه الغسل، وإن لم يذكر احتلام، وإن كان مذياً فعليه أن يغسله؛ لأنه نجس، ينضحه نجاسة مخففة، وإن كان عرقاً أو ما أشبه ذلك فلا شيء فيه، فعليه أن يتأكد.(24/4)
قال: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا حماد بن خالد الخياط" القرشي أبو عبد الله البصري ثقة "عن عبد الله بن عمر" بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب "العمري" المكبر الأصغر "عن -أخيه- عبيد الله" الأكبر المصغر، يعني أوصاف متضادة، أوصاف متنافرة، عن عبد الله بن عمر هذا المكبر الأصغر، الأصغر سناً وقدراً وهو مكبر في اسمه عبد الله، وأخوه مصغر عبيد الله وهو أكبر منه سناً وقدراً، فلا مانع أن يوصف الإنسان بوصفين متنافرين إذا انفكت الجهة فيقال: عن عبد الله بن عمر المبكر الأصغر، هذه انفكت الجهة مكبر باعتبار اسمه وأخوه مصغر باعتبار الاسم عبيد الله، وهذا باعتبار السن أصغر من عبيد الله، الأصغر في السن هو المبكر، والأكبر في السن هو المصغر، وقل مثل هذا في القَدْر، ومع تنافر هذا اللفظ أو هذين اللفظين مع انفكاك الجهة يجوز إطلاقه، كما تقول: جاء الطويل القصير، يعني طويل في عمره قصير في قامته، ومن ذلك قول الله -جل وعلا-: {فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ} [(4) سورة الحج] انفكت الجهة فلا مانع، وإن كان أهل العلم يقولون: إن المقطوع والمضاف إلى التابعي لا يطلق عليه أنه متصل للتنافر اللفظي، كيف نقول: مقطوع متصل؟ مع أنه إذا استحضرنا مثل هذا الكلام، وأنه إذا انفكت الجهة فلا مانع من إطلاق اللفظين المتنافرين، فهو مقطوع باعتبار الإضافة إلى التابعي، وهو متصل باعتبار أن كل واحد ممن يرويه يرويه عمن فوقه بطريق معتبر من طرق التحمل، فهو متصل من هذه الحيثية، وإن كان أهل العلم يتحاشون أن يجمع بين اللفظين للتنافر.(24/5)
عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المكبر، هذا ضعيف عند أهل العلم، ضعيف، والشيخ أحمد شاكر على عادته في تساهله وثقه، وجمهور أهل العلم على تضعيفه "عن عبيد الله" عن أخيه عبيد الله، وهو أكبر منه سناً وقدراً، وهو ثقة عند عامة أهل العلم "عن عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد" وهو أحد الفقهاء السبعة "عن عائشة قالت: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يجد البلل –الرطوبة- ولا يذكر احتلاماً؟ " والاحتلام افتعال من الحلم وهو ما يراه النائم في نومه، والمراد به –بالاحتلام- الجماع في النوم، يرى أنه يجامع "يجد البلل ولا يذكر احتلاماً" في هذه الحالة إذا وجد البلل "قال: ((يغتسل)) " هذا خبر بمعنى الأمر المراد به ليغتسل، يعني عليه الغسل، يجب عليه الغسل، وجاء في حديث أم سلمة أو أم سليم كما في الصحيح أنها سألت النبي -عليه الصلاة والسلام- أنها ترى في المنام ما يراه الرجل هل على المرأة من غسل إذا هي احتملت؟ قال: ((نعم إذا رأت الماء)) فعلق الغسل بوجود الماء، علق الغسل برؤية الماء، والمراد بالرؤية أعم من أن تكون بصرية؛ لأنه يلزم الأعمى إذا وجد الماء أن يغتسل، المبصر في الظلام لا يرى، لكن إذا تيقن أنه ماء يجب عليه الغسل ولو لم يرَ.(24/6)
وهذا نظير قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من رأى منكم منكراً)) لا يزم أن يكون بعينه، يكفي أن يكون بحاسة من حواسه أو بإخبار ثقة، أذا أخبره ثقة عن وجود منكر عليه أن ينكر، يعني إذا جاء شخص من الثقات إلى آخر وقال: رأيت منكراً في مكان الفلاني يقول: لا يلزمني تغييره؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من رأى منكم منكراً)) لا إذا بلغك بطريق صحيح عليك أن تنكر، يقول لك هذا الذي رأى المنكر: اتصل وبلغ المسولين يقول: والله أنا ما رأيت المنكر، هذا الكلام ليس بصحيح، وإن كان بعضهم يتبناه الآن ويؤكد عليه، أقول: هذا أكثر أحكام الدين إنما لزمت بهذه الطريقة بخبر الثقة، فإذا أخبر ثقة أن هناك منكر، وعرفت من حال هذا الثقة أنه يتثبت ليس من المتعجلين بحيث حصل له مراراً أنه أخبر عن شيء إنما هو عن مجرد إشاعة أو ما أشبه ذلك، فإن مثل هذا إذا كان يصدر عن إشاعات لا عن حقائق مثل هذا لا يقبل خبره ويتثبت في أمره؛ لأنه كم من شخص يأتي ويقول: المنكر الفلاني، رأينا، قرأنا، سمعنا، ثم إذا تؤكد منه فإذا هو ليس بصحيح، يعني قد يكون للخبر أصلاً لكنه ليس على الوجه الذي شرحه، أو قد يكون يحتف به ما يدفعه من دون إنكار، المقصود أن هناك أمور إذا بلغت المكلف بطريق ثابت يعني ما فيه مستنده الحس، يعني أنه رأى يعني من بلغ رأى أو بلغه بطريق يثبت به العلم فإن هذا يكفي في إنكار المنكر، ملزم بإنكار المنكر ولا يلزم أن يراه بعينه، بل إذا أخبره من يثق بخبره ويصدر عن حسن عن يقين، لا عن إشاعات فإن مثل هذا يلزم قبول خبره، وحينئذٍ كأنك رأيت، والنبي -عليه الصلاة والسلام- خوطب بالرؤية في مواضع كثيرة لم يرها {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل] {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [(6) سورة الفجر] لا ترى، الرسول -عليه السلام- ما رأى، لكنه بلغه بخبر يثبت فكأنه رأى، ونسمع من يقول: إن الرؤية لا بد أن تكون بالعين المجردة، إذا لم ترَ منكر بعينك لا تنكر، لكن إذا بلغك بطريق صحيح عن شخص متثبت لا يصدر عن إشاعات فإن عليك أن تنكر عاد بالطريقة المناسبة، وهنا: ((نعم إذا هي رأت الماء)) فإذا رأت الماء(24/7)
ولو كانت عمياء أو كان أعمى راءه بطريق معتبر لا يلزم بالعين المجردة، باللمس، بالشم، بما يثبت به مثل هذا فإنه يجب عليه أن يغتسل، وإلا لو قلنا: إن الرؤية تختص بالعين، قلنا: إن الأعمى ما يلزمه غسل إذا احتلم لأنه ما يشوف، ما رأى، فمثل هذا لا بد من اعتباره، لا سيما وأن مسائل الأمر والنهي يعني عليها كلام كثير في هذه الأيام، نسأل الله أن يحسن العواقب.
"سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يجد البلل -يعني الرطوبة- ولا يذكر احتلاماً، قال: ((يغتسل))، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد بللاً، قال: ((لا غسل عليه)) " فالحكم معلقاً بالماء وجوداً وعدماً، الحكم معلق برؤية الماء وجوداً وعدماً "قالت أم سلمة" وعند أبي داود: فقالت أم سليم: يا رسول الله هل على المرأة ترى ذلك غسل؟ قال: ((نعم)) كالرجل يعني مثل الرجل ((إن النساء شقائق الرجال)) وهذه جملة استئنافية فيها معنى التعليل؛ لأنه إذا كانت المرأة شقيقة الرجل فجيب عليها ما يجب الرجل، فالنساء نظائر الرجال، وأمثال لهم، كأنهن شققن منهم، وإذا نظرنا في أصل الخلقة وأن حواء شقت وخلقت من ضلع آدم -عليه السلام-.
"قال أبو عيسى: وإنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر عن عبيد الله بن عمر" حديث عائشة وهو مخرج عند أبي داود وابن ماجه أيضاً "حديث عائشة في الرجل يجد البلل ولا يرى احتلاماً، وعبد الله بن عمر ضعفه يحيى بن سيعد من قبل حفظه في الحديث" مضعف عند جمهور أهل العلم، يقول الذهبي في الميزان: صدوق في حفظه شيء.(24/8)
وعن ابن معين: ليس به بأس يكتب حديثه، وقواه أحمد، وضعفه النسائي وابن المديني، والسبب أنه غلب عليه الصلاح والعبادة حتى غفل عن حفظ الأخبار قاله ابن حبان، والغالب أن من اتجه إلى شيء غفل عن غيره، اتجه إلى العبادة فضعف في جانب الحفظ والعلم؛ لأنه استغرق وقته في العبادة، حتى شاع على ألسنة أهل العلم أن فلاناً أخذته غفلة الصالحين، الصالحون لأنهم لا يلقون بالهم لكل شيء، فتجد فيهم غفلة عن كثير من الأمور لا سميا التي لا تنفعهم في دين ولا في دنيا، وهذه صفة مدح، بخلاف من ينتبه لكل شيء ولا يفوته شيء سواء كان مما يعنيه أو مما لا يعنيه، مثل هذا وإن كان فيه نباهه ويقظة وينتبه لماذا خرج فلان؟ لماذا قام فلان؟ لماذا قعد فلان؟ الصالحون لا ينتبهون لمثل هذه الأمور، حتى ينسبون إلى الغفلة، يعني تجد الصالح أحياناً يزاول جاره أعمال هو في غفلة عنها، وبينما غيره ممن لا يهتم بعبادة ولا يقضي وقته فيها ولا يستغرق وقته فيها منتبه لكل شيء، هذا متى يخرج؟ وهذا متى يطلع؟ وهذا متى يسافر؟ ومتى يرجع؟ الصالح ما له علاقة بهذه الأمور، إنما هو منصرف لما خلق من أجله وهو تحقيق العبودية، فقولهم: غفلة الصالحين هذه ليست مذمة، إلا إذا شغلت العبادة عما هو أهم منها، العبادة إذا استغرق الإنسان وغفل عن طلب العلم مثلاً أو عن واجب أخر فإن هذه لا شك أنها مفضولة، ومسألة المفاضلة بين العبادات مسألة عظيمة كبرى عند أهل العلم، فلا يوفق لها كثير من الناس، تجده ينشغل بالمفضول ويترك الفاضل، لكن الموفق من يبدأ بالمهم فالمهم، أو بالأهم فالمهم، يرتب، المسألة أولويات، فالواجب مقدم على المستحب، وهكذا فعبد الله بن عمر هذا المكبر اشتغل بالعبادة ووصف كثير من المحدثين أو ممن يروي الحديث بهذا الأمر، وغفل عن حفظ الحديث وعن تذكره، ومدارسته فضعف فيه ساء حفظه فيه، هذا أمر جبلي، الإنسان إذا انصرف عن شيء ضعف فيه، تجد بعض الناس لا يحسن من التجارة شيئاً، وبعض الناس حاذق في التجارة لماذا؟ لأن هذا انشغل بها، وصارت لديه خبرة بها، بينما الأخر لا يرفع بها رأساً، وعلى كل حال هو مضعف عند أكثر أهل العلم، والحديث معروف وله شواهد، وله طرق، فأصل الحديث يعني ما(24/9)
يدل عليه الحديث ثابت بما لا ريب فيه.
قال: "وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين" منهم عطاء والشعبي والنخعي "إذا استيقظ الرجل فرأى بلة أنه يغتسل" وعلى هذا أي بلة إذا وجد أي بلل يغتسل "وهو قول سفيان الثوري وأحمد" يعني وإن لم يتيقن أنها الماء الدافق بدليل المقابلة بالقول الآخر، يعني يلزمه الغسل وإن لم يكن تحقق أنه المني، وقال أحمد: أعجب إلي أن يغتسل، وقال أكثر أهل العلم: لا يجب، يعني من مجرد البلل من مجرد الرطوبة لا يجب، حتى تكون بلة نطفة "وقال بعض أهل العلم من التابعين: إنما يجب عليه الغسل إذا كانت البلة بلة نطفة" يعني مني بخلاف المذي، بخلاف ... ، قد يكون عرق، قد يجد في سراويله عرق فيظنها شيئاً وهي ليست بشيء، فهذه لا يلزم غسلها، ولا يلزم الوضوء منها، ولا الاغتسال، "وهو قول الشافعي وإسحاق" قال: "وإذا رأى احتلاماً ولم ير بلة فلا غسل عليه عند عامة أهل العلم" لأن الاغتسال إنما علق برؤية الماء، هل على المرأة من غسل إذا ... ؟ قال: ((نعم إذا رأت الماء)) وحديث الباب يدل على ذلك، نعم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المني والمذي:
حدثنا محمد بن عمرو السواق البلخي قال: حدثنا هشيم عن يزيد بن أبي زياد " ح" قال: وحدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن يزيد بن زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي -رضي الله عنه- قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المذي فقال: ((من المذي الوضوء، ومن المني الغسل)).
قال: وفي الباب عن المقداد بن الأسود وأبي بن كعب.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي عن علي بن أبي طالب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير وجه، من المذي الوضوء، ومن المني الغسل، وهو قول عامة أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم، وبه يقول سفيان والشافعي وأحمد وإسحاق.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(24/10)
"باب: ما جاء في المني والمذي" المني بتشديد الياء كما هو معروف، والمذي بتخفيفها إسكان الذال وتخفيف الياء، ويقال بالتشديد كالمني، وهناك أمر ثالث، أولاً: المني ماء بالنسبة للرجل أبيض غليظ، وماء المرة أصفر رقيق، والمذي ماء لزج خفيف ليس كالمني يخرج مع المقدمات أو التفكير أو ما أشبه ذلك، والودي ماء أبيض كدر لا رائحة له يخرج بعد البول، ولذا لم يرد فيه ما يدل على حكمه، يعني جاء حكم المني وجاء حكم المذي وأما الودي ما جاء فيه شيء لماذا؟ لأنه مصاحب للبول فله حكمه، يعني إذا انتهى البول خرج هذا السائل الماء الأبيض الكدر فحكمه حكم البول، يعني يجب الاستنجاء منه.(24/11)
قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن عمرو السواق البلخي قال: حدثنا هشيم" بن بشير الواسطي "عن يزيد بن أبي زياد "ح" قال: وحدثنا محمود بن غيلان" (ح) هذه حاء التوحيل من إسناد إلى آخر يستفاد منها الاختصار في الأسانيد بحيث يحذف ما اتفق عليه إسنادان "قال: وحدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا حسين الجعفي عن يزيد بن أبي زياد" القرشي الهاشمي مولاهم ضعيف عن الجمهور، وإن وثقه الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- كعادته في توثيق مثله "عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى" قيل: لم يسمع من علي، مع أنه مولود قبل وفاة عمر، فالمعاصرة حاصلة لعلي -رضي الله عنه-، ومن يقول بالاكتفاء بها مع إمكان اللقاء يصحح مثل هذا الإسناد على قول مسلم وهو قول كثير من أهل العلم "عن علي -رضي الله عنه- قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المذي" فهذا يدل على أن علي -رضي الله عنه- هو الذي سأل بنفسه عن المذي، وفي الصحيحين أنه أمر المقداد، قال: "كنت رجلاً مذاء فاستحييت أن أسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- لمكان ابنته مني فأمرت المقداد" وفي رواية: فأمر عمار، فسأل المقداد النبي -عليه الصلاة والسلام- وجاء أن عمار أيضاً سأل، وهنا يقول: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فإما إن يقال: إنه سأل بالواسطة، أمر من يسأل، وحينئذٍ يصح أن يقول: سألت، كما أن الأمير يصح أن يقال: بنى مسجد وبنى مدرسة وإن لم يبنها بنفسه وإنما أمر بها، واحتمال أخر وهو أنه أمر المقداد فسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم أمر عمار ليتأكد، ثم بعد ذلك سأل بنفسه ليقف على حقيقة الأمر بنفسه ما في ما يمنع إطلاقاً، لا سيما وأن الروايات جاءت بهذا كله.
"سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المذي فقال: ((من المذي الوضوء)) يعني لا الغسل، فهو ناقض للوضوء لا موجب للغسل ((ومن المني الغسل)) وعلى هذا موجب للغسل لكن بشرطه، من المني الغسل من النائم ما يحتاج شيء، إذا وجد مجرد وجوده يكفي للاغتسال؛ لأن الاغتسال علق بمجرد الرؤية وأما من المستيقظ فلا بد أن يكون من مخرجه كما يقول أهل العلم دفقاً بلذة بخلاف النائم.(24/12)
"قال: وفي الباب عن المقداد بن الأسود" المقداد قصته وسؤاله النبي -عليه الصلاة والسلام- في الصحيح عند أبي داود والنسائي وابن ماجه أيضاً "وأبي بن كعب" وأخرجه ابن ماجه وابن أبي شيبة.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان، وأخرجه الشيخان مختصراً، لكن كيف يصححه أبو عيسى وفيه يزيد بن أبي زياد وقد ضعف؟ الترمذي عرفت قاعدته بأنه يصحح بالشواهد، يعني صحح حديث علي الذي فيه يزيد بن أبي زياد حديث الباب لما في الباب من حديث المقداد وأبي ابن كعب وغيرهما، طريقة الترمذي معروفة فلذلك صححه، وأما أحمد شاكر وافق الترمذي على تصحيحه ولم ير فيه طعن لطاعن، لم ير فيه مطعن لماذا؟ لأن يزيد بن أبي زياد ثقة عنده، وابن أبي ليلى ما دام عاصر علي -رضي الله عنه- فتكفي المعاصرة.
قال: "وقد روي عن علي بن أبي طالب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير وجه ((من المذي الوضوء، ومن المني الغسل)) وهو قول عامة أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم" قول عامة أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، يعني لم يوجب أحد منهم الغسل بالمذي، ولم يعفِ أحد منهم من رأى المني من الغسل "وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق" وقال الحافظ ابن حجر: هو إجماع، إجماع أنه إذا رأى الماء الذي هو المني يجب عليه الغسل، وأن من رأى المذي فقط فإن عليه الوضوء لا الغسل، ونقل الإجماع على هذا أكثر من واحد.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المذي يصيب الثوب:
حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن عبيد هو ابن السباق عن أبيه عن سهل بن حنيف -رضي الله عنه- قال: كنت ألقى من المذي شدة وعناء، فكنت أكثر منه الغسل، فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسألته عنه؟ فقال: ((إنما يجزئك من ذلك الوضوء)) فقلت: يا رسول الله كيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: ((يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه أصاب منه)).(24/13)
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، ولا نعرف مثل هذا إلا من حديث محمد بن إسحاق في المذي مثل هذا، وقد اختلف أهل العلم في المذي يصيب الثوب، فقال بعضهم: لا يجزئ إلا الغسل، وهو قول الشافعي وإسحاق، وقال بعضهم: يجزئه النضح، وقال أحمد: أرجو أن يجزئه النضح بالماء.
قال -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في المذي يصيب الثوب" المذي معروف ماء رقيق يخرج عند المقدمات من الملاعبة، ولا يجب فيه الغسل، وهو نجس ناقض للوضوء، وإن كانت نجاسته مخففة يكفي فيه النضح عند جمع من أهل العلم على ما سيأتي، يصيب الثوب هل يجب غسله أو يترك بدون غسل أو ينضح أو يحك ويقرص؟ على ما سيأتي في المني.
قال -رحمه الله-:(24/14)
"حدثنا هناد" وهو ابن السري "قال: حدثنا عبدة" بن سلميان الكلابي وهو ثقة "عن محمد بن إسحاق" صدوق مدلس، لكنه صرح بالتحديث عند أبي داود، يقول: "حدثنا سعيد بن عبيد" وهنا روى الخبر بصيغته عن محمد بن إسحاق عن سعيد، وجمع من أهل العلم ضعفوه، وكلام الإمام مالك فيه شديد جداً، ومنهم من وثقه، وعلى كل حال التوسط في أمره أن يقال: صدوق، وهو أيضاً مدلس لا بد أن يصرح بالتحديث، وقد صرح بالتحديث في رواية أبي داود، والشيخ أحمد شاكر وثقه -رحمه الله- "عن سعيد بن عبيد هو ابن السباق" ثقة "عن أبيه" ثقة أيضاً "عن سهل بن حنيف" بن واهب الأنصاري صحابي بدري "قال: كنت ألقى من المذي شدة وعناء" يعني مثلما كان علي -رضي الله تعالى عنه- يلقى من الشدة، وكل منهما كان يكثر الاغتسال منه، حتى قال بعضهم: أنه تشقق ظهره من كثرة الاغتسال "قال: كنت ألقى من المذي شدة وعناء" يعني مشقة شديدة "فكنت أكثر منه الغسل" يعني بسببه كنت أكثر الغسل "فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسألته عنه" يعني مثل ما سأل المقداد النبي -عليه الصلاة والسلام- لعلي -رضي الله عنه- "فذكرت ذلك لرسول الله -صلى لله عليه وسلم- وسألته عنه" ذكرت هذه المشقة وهذا العناء وهذه الشدة وسألته عن الحكم؟ "فقال: ((إنما يجزئك)) " يعني يكفيك ((من ذلك)) من ذلك أي من خروج المذي ((الوضوء)) الوضوء فاعل يجزيك "فقلت: يا رسول الله كيف بما يصيب ثوبي منه؟ " قال: ((يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح به ثوبك حيث تُرى)) أو تَرى سواء تحققت أو ظننت ((أنه أصاب منه)) لأن تُرى يعني تظن، وتَرى بعينك ((أنه أصابه منه)) فعلى هذا هو نجس، نجس لكنها نجاسة مخففة يكفي فيها النضح، ولا يلزم غسله غسلاً كما يغسل البول ((فتنضح به ثوبك حيث ترى -أو ترى- أنه أصاب منه))
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق في المذي مثل هذا، يعني انفرد بروايته محمد بن إسحاق عن سعيد بن عبيد، والترمذي إنما صححه لما يشهد له من حديث علي وحديث المقداد، من أن المذي ينضح، يعني يرشح كما يرش بول الغلام، يأخذ كف من ماء وينضح هكذا يرش، ولا يلزم غسله وفركه مثل البول.(24/15)
قال -رحمه الله-: "وقد اختلف أهل العلم في المذي يصيب الثوب فقال بعضهم: لا يجزئ إلا الغسل" لماذا؟ لأنه نجس، والنجس يجب غسله؛ ولأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال في حديث علي: ((يغسل ذكره)) وفي رواية: ((وأنثييه ويتوضأ)) والنضح إذا بولغ فيه وصل إلى طريقة الغسل فلا اختلاف، لكن النضح حقيقته غير حقيقة الغسل، النضح والرش حقيقتهما غير حقيقة الغسل، قال: "وقد اختلف أهل العلم في المذي يصيب الثوب فقال بعضهم: لا يجزئ إلا الغسل، وهو قول الشافعي وإسحاق" لأنه محكوم بنجاسته والنجس لا بد من غسله "وقال بعضهم: يجزئه النضح، وقال أحمد: أرجو أن يجزئه النضح بالماء" وذلك استدلالاً بحديث الباب، ورواية الغسل إنما هي في الفرج لا في الثوب الذي هو محل النزاع، لكن هل يمكن أن يركب من القولين قول وهو أنه يغسل في الفرج وينضح في الثوب فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه أصاب منه؟ وقال في حديث علي: ((يغسل ذكره)) وفي رواية: ((وأنثييه)) يعني هل تختلف حقيقته في الثوب عن حقيقته في البدن؟ يعني جاء في حديث علي: ((يغسل ذكره)) وفي حديث الباب: ((فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه أصابه منه)) يعني هل لقول من فرق بين البدن والثوب هل له وجه أو ليس له وجه؟ يعني الجمع بين هذه الأحاديث لو حلمنا حديث علي على حقيقة الغسل قلنا: إنه في البدن يغسل، وفي الثوب ينضح، ولو قال قائل مثلاً: إن العكس أولى، لماذا؟ يعني لو قال قائل من حيث التعليل: إن العكس أولى من هذا القول؛ لأن الثوب يشرب، يتشرب النجاسة والبدن لا يتشرب النجاسة، فغسل الثوب أشد من غسل البدن، والحقيقة واحدة، يعني ما تغير، وطهارة الثوب شرط لصحة الصلاة كطهارة البدن، يعني من فرق بينهما فقال: إنه يغسل في البدن وينضح في الثوب هذا ماشي مع النصوص، لكن لقائل أن يقول: العكس أولى، أولاً: الحقيقة واحدة هو المذي سواء كان في الثوب أو كان في البدن، واحد ما يتغير لكنه في الثوب أشد منه في البدن يتشرب النجاسة والبدن لا يتشرب النجاسة، فلو نضح البدن وسال عليه الماء كفى، لكن الثوب تشرب النجاسة فلا بد من غسله، وهذا من حيث النظر له حظ من النظر بينما الأثر يشهد لضده، وعامة أهل العلم على أنه لا فرق بين الثوب(24/16)
والبدن، فإما أن يغسل أو ينضح، جاء النضح بأدلة صحيحة صريحة وجاء الغسل، فإما أن يقال: إنه نضح يبالغ فيه حتى يصل إلى الغسل، يعني بدايته نضح ونهايته غسل، وإما أن يقال: غسل خفيف شبيه بالنضح، وعلى كل حال جاء بهذا وهذا، وكون نجاسته مخففة أمر لا يشك فيه أحد، فنجاسة المذي ليست كنجاسة البول قولاً واحداً، وما دام حكمه التخفيف فيكفي فيه النضح على ما في حديث الباب، والرش كما في غيره، نعم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المني يصيب الثوب:
حدثنا هناد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال: ضاف عائشة ضيف فأمرت له بملحفة صفراء فنام فيها فاحتلم، فاستحيا أن يرسل بها وبها أثر الاحتلام، فغمسها في الماء ثم أرسل بها، فقالت عائشة: لم أفسد علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه، وربما فركته من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأصابعي.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء مثل سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: في المنى يصيب الثوب يجزئه الفرك، وإن لم يغسل، وهكذا روي عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن عائشة مثل رواية الأعمش، وروى أبو معشر هذا الحديث عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة وحديث الأعمش أصح.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في المني يصيب الثوب" يعني هل يجب غسله أو يكتفي بنضحه كالمذي أو الأمر فيه أخف فيكتفى بحكه أو حته؟
قال: "حدثنا هناد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال: ضاف عائشة ضيف" يعني نزل بها ضيف "فأمرت له بملحفة صفراء" ملحفة يعني ما يلتحف به أو يتغطى به "فنام فيها فاحتلم، فاستحيا أن يرسل بها وبها أثر الاحتلام" استحياء أن يردها لعائشة وبها أثر الاحتلام "فغمسها في الماء ثم أرسل بها، فقالت عائشة: لم أفسد علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه" يعني يكفيه أن يدلكه بأصابعه حتى يذهب أثره "قالت: وربما فركته من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأصابعي"،(24/17)
وفي رواية مسلم عن عبد الله بن شهاب الخولاني قال: كنت نازلاً على عائشة فاحتلمت في ثوبي فغمسته في الماء، فرأتني جارية لعائشة فأخبرتها، ليس معنى أنه كان ضيفاً عندها أنه نام معها في غرفتها إنما في ضيافتها، ولا يلزم أن يكون في منزلها إنما نزل في ضيافتها؛ لأن مثل هذا الخبر قد يتلقفه من يتلقفه من الذين يتبعون الشبهات والشهوات، فيستدل به على أن المرأة وإن كانت بمفردها في البيت يمكن أن ينزل بها رجل ضيف، هذا الكلام ليس بصحيح، قال عبد الله بن شهاب الخولاني: كنت نازلاً على عائشة يعني ضيف عندها فاحتلمت في ثوبي، وهنا يقول: فأمرت له بملحفة، ولا يمنع أن ينسبه إلى نفسه لأنه قد تغطى به، والنسبة تكون لأدنى ملابسة، فاحتلمت في ثوبي فغمسته في الماء، فرأتني جارية لعائشة، فأخبرتها فبعثت إلي عائشة كل هذا يدل على أن عائشة ليست بحضرته وليس بحضرتها، فبعثت إلي عائشة فقالت: ما حملك على ما صنعت بثوبك؟ قال: قلت ... إلى آخره أنه استحيا أن يرسل بها وبها أثر الاحتلام، ثم قالت له: إنما كان يكفيك أن تفركه بأصابعك، تدلك بأصابعك، وربما فركته من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأصابعي.(24/18)
الذي ينزل ضيف لا شك أن مسألة أن يختلط بنسائهم هذا أمر مفروغ منه، مفروغ منه لا يجوز بحال، وكونه يخلو الخلوة محرمة بالنصوص الصريحة الصحيحة، وكونه يحتلم وهو في بيتهم وإن كان بعيداً عنهم لا شك أنه ... ، لا سيما إذا كان فيه نساء من بنات وغيرهن، فيه حرج عليه كبير، حرج كبير فماذا يصنع؟ شيخ الإسلام في مثل هذا الصورة يقول: له أن يتيمم، لئلا يتهم لأنه يعني ما شعور الإنسان وعنده ضيف نائم عنده في المجلس وبناته في غرفهن نائمات، ثم إذا قام صاحب البيت ليوقظ هذا الضيف يجده يغتسل، هذا يقع في نفسه شيء وحرج، والشيطان يحرص حرصاً شديداً أن يوقع في النفوس في مثل هذه المواقف أشياء عظيمة، شيخ الإسلام يقول: إنه في مثل هذه الصورة له أن يتيمم، ليدفع الحرج عن نفسه وعن غيره، ولا شك أن هذه شجاعة من شيخ الإسلام وجرأة، ولكن عنده من العلم بنصوص الدين وقواعده العامة والمصالح والمفاسد يعني عنده بسبب اطلاعه الواسع ما يجعله يقول مثل هذا الكلام، لكن هل لأي عالم أو لطالب علم أن يقول مثل هذا الكلام، والنصوص إنما أباحت التيمم لمن لم يجد الماء، وهذا واجد للماء لا يمكن أن يقول بهذا أحد دفعاً لهذا الحرج والمشقة، يعني له أن يقول: يتوضأ، له أن يحتال، فيتوضأ في بيت هذا الرجل، وله أيضاً أن يوري تورية أنه يريد أن يصلي في مكان آخر له ذلك ثم يذهب فيغتسل، أما أن يقال له: تيمم وأنت واجد للماء هذا ... ، لا شك أن شيخ الإسلام ليس في هذا إلا أجر واحد، يعني أجر الاجتهاد أم أن يتمم وهو واجد للماء فلا، هذا الذي احتلم وهو في ضيافة عائشة أولاً: ليس عنده نساء يتهم بهن احتلم وجاءت الجارية لتحضر له شيء أو تأخذ منه شيء من غير ريبة ولا ظنة ولا تهمة فرأته يفعل ذلك، فرأتني جارية لعائشة فأخبرتها فبعثت إلي عائشة فقالت: ما حملك على ما صنعت بثوبك؟ قال: قلت ... الحديث، وفي رواية مسلم تبين أنه ليس عند عائشة وليس في غرفتها، إنما نزل ضيفاً عليها، والآن بالإمكان أن ينزل الضيف على من يشاء ويضيفه من شاء ولا يحصل شيء من الخلوة، أو شيء من الاختلاط أو شيء من المحظور، وربما فركته من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه،(24/19)
وربما فركته من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو الشاهد من الحديث، وأن المني يصيب الثوب يكفي فيه الفرك، وبهذا يستدل من يقول بطهارته.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه "وهو قول غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء مثل سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: في المنى يصيب الثوب يجزئه الفرك وإن لم يغسل" وهذا على أساس أنه طاهر، فهذه النصوص تدل على أنه طاهر، وهو قول أبو حنيفة إذا كان يابساً، أما إذا كان رطباً فلا بد من غسله، وقال مالك: لا بد من غسله مطلقاً يابساً كان أو رطباً.(24/20)
يقول النووي في شرح مسلم: اختلف العلماء في طهارة المني فذهب مالك وأبو حنيفة إلى نجاسته إلا أن أبا حنيفة قال: يكفي في تطهيره فركه إذا كان يابساً، وهو رواية عن أحمد، وقال مالك: لا بد من غسله رطباً كان أو يابساً، وفرق الحسن بين الثوب والبدن فقال: لا تعاد الصلاة إذا كان في الثوب وتعاد إذا كان في البدن، ونستحضر ما أسلفناه في المذي وأن البدن يختلف عن الثوب على قول، وذهب كثيرون إلى أنه طاهر، روي ذلك عن علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وعائشة وداود وأحمد في أصح الروايتين وهو مذهب الشافعي وأصحاب الحديث، دليلهم ما جاء في فركه، ودليل مالك على نجاسته ووجوب غسله رواية وحديث الغسل على ما سيأتي: أنها غسلت مني من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الآحق، فجاء الفرك وجاء الغسل، والأدنى يقضي على الأعلى، إيش معنى هذا؟ أن الفرك أدنى والأعلى الغسل، وإذا جاز الأدنى صار الحكم له، وأما الأعلى فيمكن تأوليه، الغسل ليس خاص بالنجاسات، الغسل ليس خاص بالنجاسة، فإذا وقع على البدن شيء أو على الثوب شيء مما يُقَذره ويؤثر فيه فإنه يغسل، ولو ترك ما أثر في الصلاة، لكنه نظر لستقذاره يعني كالمخاط والبصاق وما أشبه ذلك يغسل، وكذلك لو وقع على الثوب أو على البدن شيء من الطاهرات، لو أنسكب على ثوبك مرق مثلاً وقيل لك: اغسله، هل الغسل لنجاسته؟ لكن لأنه لوث الثوب ويشوه الثوب وكذلك ما جاء في غسل المني على ما سيأتي محمول على هذا، فإنه يقذر الثوب كالبصاق فإن كان يابساً يحك بالظفر، وأن كان رطباً لا يفيد فيه الحك يغسل على ما سيأتي.(24/21)
قال -رحمه الله-: "وهكذا روي عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن عائشة مثل روية الأعمش" وهذا في صحيح مسلم، رواية منصور في صحيح مسلم "وروى أبو معشر هذا الحديث عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة" الخبر مداره على إبراهيم النخعي، إبراهيم يرويه مرة عن همام ومرة عن الأسود يروي طريق همام منصور، ويروي طريق الأسود أبو معشر، قال -رحمه الله-: "وحديث الأعمش أصح" يعني حديث الباب أصح، أصح من رواية منصور وأصح من رواية أبي معشر، ورواية منصور ورواية أبي معشر في صحيح مسلم، لكن ما الداعي لقوله: أصح هل بين هذه الروايات اختلاف؟ ليس بينها اختلاف ليقال: هذه أصح وهذه أرجح وهذه مرجوحة، ليس بينها اختلاف، ولذا يقول الشارح: ما أدري ما وجه كونه حديث الأعمش أصح فإن الأعمش لم يتفرد برواية الحديث عن إبراهيم وكذلك أبو معشر لم يتفرد بروايته عن إبراهيم بل كلاهما صحيحان، ليس واحد منهما أصح من الآخر.
الشيخ أحمد شاكر علق على قول الترمذي وحديث الأعمش أصح، قال: هكذا قال الترمذي وهو خطأ منه، فإن الحديث ثابت من رواية همام بن الحارث عن عائشة، ومن رواية الأسود عن عائشة وأبو معشر وزياد بن كليب التميمي الحنظلي الكوفي وهو ثقة، قال ابن حبان: كان من الحفاظ المتقنين، ومع ذلك فإنه لم ينفرد برواية الحديث عن إبراهيم عن الأسود، بل تابعه عليه غيره، ومنهم الأعمش نفسه كما سترى، فليس من الصواب ترجيح إحدى الروايتين عن الأخرى، فإن كلتيهما روايتان صحيحتان، لا سيما وأن رواية منصور في مسلم ورواية أبي معشر أيضاً في مسلم، فلا داعي لترجيح هذه الرواية على غيرها، نعم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: غسل المني من الثوب:
حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا أبو معاوية عن عمرو بن ميمون بن مهران عن سليمان بن يسار عن عائشة -رضي الله عنها- أنها غسلت منياً من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.(24/22)
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن ابن عباس، وحديث عائشة أنها غسلت منياً من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس بمخالف لحديث الفرك؛ لأنه وإن كان الفرك يجزئ فقد يستحب للرجل أن لا يرى على ثوبه أثره، قال ابن عباس المني بمنزلة المخاط، فأمطه عنك ولو بإذخرة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: غسل المني من الثوب"
قال: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا أبو معاوية" محمد بن خازم الضرير "عن عمرو بن ميمون بن مهران عن سليمان بن يسار" أحد الفقهاء السبعة "عن عائشة -رضي الله عنها- أنها غسلت منياً من ثوب النبي -صلى الله عليه وسلم-".
وعرفنا أنه استدل به من يقول بنجاسته، استدل به من يقول بنجاسة المني، وهو محمول عند من يقول بطهارته على الاستحباب لئلا يرى الأثر.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وخرجه الأئمة الستة: البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، إضافة إلى الترمذي "وفي الباب عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، وحديث عائشة أنها غسلت منياً من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس بمخالف لحديث الفرك" يعني حديث الغسل المذكور في هذا الباب ليس بينه وبين الفرك اختلاف، ليس بمخالف لحديث الفرك لماذا؟ "لأنه وإن كان الفرك يجزئ فقد يستحب للرجل أن لا يرى على ثوبه أثره، قال ابن عباس: المني بمنزلة المخاط، فأمطه عنك ولو بإذخرة".(24/23)
أمطه يعني: أزله، ولو بإذخرة واحدة الإذخر الذي استثناه النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قال له عباس: إلا الإذخر لما ذكر لا يختلى خلاها، ولا يحش أو يحتش حشيشها قال العباس: إلا الإذخر، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إلا الإذخر)) وهو نبت طيب الرائحة يستعملونه في أسقف البيوت وفي القبور وغير ذلك، ولو بإذخرة يعني بشيء من الشجر يحك به، قال: "فقد يستحب للرجل أن لا يرى على ثوبه أثره" يقول ابن حجر في هذا: ليس بين حديث الغسل وحديث الفرك تعارض؛ لأن الجمع بنيهما واضح، على القول بطهارة المني بأن يحمل الغسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب، وهي طريقة الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث، يعني الذين قالوا بطهارته، وكذا الجمع ممكن على القول بنجاسته بأن يحمل الغسل على الرطب والفرك على اليابس، وهذه طريقة الحنفية، الحنفية يقولون: نجس، لكن إزالة النجاسة إذا زالت عينها بفرك أو بغسل كفى، يعني كما يطهر النعل بالدلك بالتراب، والشمس تطهر الأرض عندهم، ولا يحتاج غسلها، والاستحالة عندهم كافية في ارتفاع النجاسة فعندهم لا يستقل الماء بإزالة النجاسة، يعني عند الحنفية، والجمع ممكن على القول بنجاسته بأن يحمل الغسل على الرطب والفرك على اليابس وهذه طريقة الحنفية، والطريقة الأولى أرجح؛ لأن فيها العمل بالخبر والقياس معاً؛ لأنه لو كان نجساً لكان القياس وجوب غسله دون الاكتفاء بفركه، يعني كالدم وغيره من النجاسات يعني لا يكتفى بفركها، وهم لا يكتفون -يعني الحنفية- فيما لا يعفى عنه من الدم بالفرك، وأما الإمام مالك فالغسل عنده على كل حال، والفرك لا يجزئ، والحك لا يجزئ، كل هذا لا يجزئ لا بد أن يغسل، وأما مالك فلم يعرف الفرك وقال: إن العمل عندهم على وجوب الغسل كسائر النجاسات، وحديث الفرك حجة عليهم، فإما أن يقال: إنه طاهر والفرك علامة عليه، إذا لو كان نجساً للزم غسله على كل حال، أو يقال: إنه نجس نجاسة مخففة كما يقول الحنفية، ويكفي في ذلك الفرك إن كان يابساً، والغسل إن كان رطباً، نعم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل:(24/24)
حدثنا هناد قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينام وهو جنب ولا يمس ماء.
حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق نحوه.
قال أبو عيسى: وهذا قول سعيد بن المسيب وغيره، وقد روى غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يتوضأ قبل أن ينام، وهذا أصح من حديث أبي إسحاق عن الأسود، وقد روى عن أبي إسحاق هذا الحديث شعبة والثوري وغير واحد ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل" الجنب يلزمه الغسل، لكن متى يلزمه الغسل؟ والمحدث يلزمه الوضوء لكن متى يلزمه الوضوء؟ اللزوم إنما هو إذا أراد أن يباشر عملاً لا يصح مع الحدث كالصلاة والتلاوة، إذ أراد أن يباشر الصلاة لا بد أن يغتسل، وإذا كان محدثاً حدث أصغر لا بد أن يتطهر، ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) إذا أراد أن ينام أو أراد أن يؤكل والنوم والأكل لا يشترط لهما طهارة، فماذا يصنع يأكل وهو جنب؟ ينام وهو جنب أما ماذا؟ هل يغتسل أو يخفف الجنابة بالوضوء؟
قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد قال: حدثنا أبو بكر بن عياش" الأسدي الكوفي، ثقة عابد "عن الأعمش" سليمان بن مهران "عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينام وهو جنب ولا يمس ماء"، ينام ولا يمس ماء: واستدل به من قال بجواز النوم للجنب دون وضوء ولا غسل، وهذا الحديث على ما سيأتي فيه مقال.
قال: "حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق نحوه"(24/25)
"قال أبو عيسى: وهذا قول سعيد بن المسيب وغيره" يجوز له أن ينام ولا يمس ماء، يعني لا ماء غسل ولا ماء وضوء ولا غيرهما "وقد روى غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يتوضأ قبل أن ينام" يتوضأ قبل أن ينام، يعني أن هؤلاء غير واحد أكثر من واحد خالفهم أبو إسحاق فرواه باللفظ السابق، ينام وهو جنب ولا يمس ماء "وهذا أصح من حديث أبي إسحاق عن الأسود" يعني حديث الباب حديث أبي إسحاق عن الأسود ينام وهو جنب ولا يمس ماء، والأصح منه فيما رواه غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يتوضأ قبل أن ينام، يعني يخفف، يخفف الجنابة بالوضوء، ومعلوم أن الجنابة ومجالسة الناس على جنابة والنوم على جنابة والبقاء والمكث على جنابة مفضول ليس بفاضل، فالملائكة لا تدخل بيتاً فيه جنب، وعلى أقل الأحوال يخفف هذه الجنابة بالوضوء، وإذا أراد أن يأكل أيضاً خفف هذه الجنابة "وقد روى عن أبي إسحاق هذا الحديث شعبة والثوري وغير واحد، ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق" أبو إسحاق السبيعي هذا ثقة، لكن الثقة قد يغلط.
قال الإمام أحمد هذا ليس بصحيح، يعني ينام ولا يمس ماء بل أمر بالوضوء، وكان يتوضأ قبل أن ينام، قال أحمد: ليس بصحيح، وقال أبو داود: هو وهم، وقال يزيد بن هارون: هو خطأ، وقال ابن مفوز أبو طاهر ابن المفوز: يقول أجمع المحدثون على أنه خطأ يعني ولا يمس ماء، أجمع المحدثون على أنه خطأ،، خطأ من أبي إسحاق، قال الحافظ: تساهل في نقل الإجماع، فقد صحح البيهقي هذا الحديث، صححه البيهقي وقال: إن أبا إسحاق قد بين سماعه من الأسود في رواية زهير عنه.
الذي يخشى أن يكون أبو إسحاق قد دلسه، وأسقط راوياً؛ لأنه معروف بالتدليس ولم يصرح في حديث الباب لكنه قال: صححه البيهقي وقال: إن أبا إسحاق بين أن سماعه من الأسود في رواية زهير، فارتفع ما كنا نخشى أو ما كان يخشى من تدليسه، ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق، ويأتي في الباب الذي يليه إن النبي -عليه الصلاة والسلام- حث على الوضوء، نعم.
عفا الله عنك.
قال الإمام -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام:(24/26)
حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر -رضي الله عنهما- أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: ((نعم إذا توضأ)) قال: وفي الباب عن عمار وعائشة وجابر وأبي سعيد وأم سلمة.
قال أبو عيسى: حديث عمر أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وهو قول غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، وبه يقول: سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: إذا أراد الجنب أن ينام توضأ قبل أن ينام.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام" في الباب السابق جاء في الحديث باب الأصل أنه ينام ولا يمس شيئاً، وذكر الترمذي أنه بهذا اللفظ ضعيف، وأن زيادة: "لا يمس شيئاً" خطأ من أبي إسحاق، وأن الرواة الثقات الإثبات رووه دون هذا اللفظ، ثم أردفه بباب ما يصنعه الجنب إذا أراد أن ينام، فقال: باب: ما جاء في الوضوء للجنب إذا أرد أن ينام.
قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: ((نعم إذا توضأ)) " يعني بهذا القيد، ومفهومه أنه لا ينام قبل أن يتوضأ، واللفظ مشعر بوجوب الوضوء، لكنه عند الجمهور غير واجب بل مستحب؛ لأنه مثلما ذكرنا أن الحدث إنما يطلب رفعه لمباشرة ما يشترط له رفع الحدث، أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: ((نعم إذا توضأ)) اختلف العلماء في حكم الوضوء للنوم فقال الجمهور: غير واجب، واستدلوا بالحديث السابق: "ولا يمس ماء" وفيه ما تقدم من الكلام، وأنه مضعف، وذهب داود وجماعة إلى وجوبه، وجوب الوضوء كما هو مفاد: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: ((نعم إذا توضأ)) يعني بهذا الشرط، وأما بغيره دون هذا الشرط فإنه لا يجوز له أن ينام، وذهب داود وجماعة إلى وجوبه ففي البخاري وغيره: ((ليتوضأ)) هذه لام الأمر ((ليتوضأ ثم لينم)) قال الشوكاني: يجمع بين الأدلة بحمل الأمر على الاستحباب، يجمع بين الأدلة بحمل الأمر على الاستحباب، ولا شك في أن الوضوء مستحب للجنب قبل أن ينام وقبل أن يأكل.(24/27)
((ليتوضأ ثم لينم)) اللام هذه لام الأمر في قوله: ((ليتوضأ)) فماذا عن هذه اللام في: ((لينم))؟ هل نقول: إنها لام الأمر فكما ألزمناه بالوضوء نلزمه بالنوم؟ أو نقول: إن وجود هذه اللام في: ((لينم)) دليل على أن اللام في قوله: ((ليتوضأ)) ليست للأمر، يعني في البخاري ((ليتوضأ)) لما سئل عن الجنب يريد النوم قل: ((ليتوضأ ثم لينم)) قالوا: هذه لام الأمر والأصل في الأمر الوجوب، وإلى هذا ذهب داود وجماعة إلى وجوب الوضوء قبل النوم بالنسبة للجنب لهذه الرواية رواية: ((ليتوضأ)) واللام لام الأمر والأصل في الأمر الوجوب، لكن إذا قلنا: هل يقول: داود وجماعة الجماعة الذين معه مثلما أوجبوا الوضوء يوجبون النوم؟ هل يفعلون هذا؟ ما يوجبون، وإن كان مقتضى اللفظ أنه واجب مثلما ما أوجبوا ((ليتوضأ)) يوجبون ((لينم)) وقال الشوكاني: يجمع بين الأدلة بحمل الأمر على الاستحباب، والصارف له ما عرف من عموم أبواب الطهارة أن الطهارة إنما تطلب للعبادات التي منها القراءة ومنها الصلاة، لا للعادات والنوم عادة، يعني هل نشترط للنوم نية ليصح؟ ما يشترط له نية، نشترط له ما يشترط للصلاة للعبادة؟ ما نشترط له، هل نشترط إخلاص؟ ما نشترط لهذا العادات لا نشترط من شروط القبول شيء لكن مع ذلك إذا أردناها أن تنقلب عبادات نوينا بها التقوي على طاعة الله -عز وجل-، فإذا نوينا بالنوم التقوي على طاعة الله –عز وجل- قلنا: صار عبادة ويؤجر عليه، فإذا تحقق أن رفع الحدث إنما يجب للعبادات دون العادات قلنا: إن الوضوء للنوم مستحب وليس بواجب، حتى ولو جاء بلفظ الأمر، ولو جاء بلفظ بالمضارع المقترن بلام الأمر؛ لأن مما اقترن بلام الأمر أو جاء على صيغة الأمر الصريح ما حمل على الاستحباب، رواية: "ولا يمس شيئاً" ضعيفة لا نستطيع أن نقول: إنها صارفة من الوجوب إلى الاستحباب لضعفها، لكن الضعيف يرجح به أو لا يرجح؟ يعني إذا وجد عندنا في مسألة من المسائل أدلة متكافئة، وعندنا ...
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بين إيش؟
طالب:. . . . . . . . .(24/28)
ما أنا بقول لك في هذه المسألة، عموماً إذا كان عندنا في المسألة أدلة متكافئة فهل نرجح بالضعيف أو لا نرجح بالضعيف؟ ابن القيم -رحمه الله- وهو ممن يرى عدم العمل بالضعيف مطلقاً قال: يرجح بالضعيف، يعني في تحفة المودود أشار إلى أنه قد يرجح بالضعيف، عندنا: ((ليتوضأ)) ((نعم إذا توضأ)) الأسلوب محتمل للوجوب والاستحباب، هذا اللفظ محتمل، وإن كان الأصل الوجوب، والقواعد العامة تدل على عدم الوجوب، القواعد العامة من نصوص الشريعة مجتمعة تدل على أن الوضوء ليس بواجب للنوم، الطهارة عموماً ليست بواجب وإنما هي مستحبة، والحديث ضعيف "ولا يمس ماء" لكن هل نحتاج أن نرجح بهذا الحديث بين هذه الاحتمالات التي ذكرنها؟ أنت أفترض أن الحديث ما وجد أصلاً "لا يمس ماء" وأنت تعرف من قواعد الشرع أن النوم لا يحتاج إلى شروط، لا يحتاج إلى نية ولا يحتاج إلى طهارة، ولا يحتاج إلى شيء بإمكانه أن ينام وهو محدث، مع أنه جاء الحث على النوم على الطهارة، فهل الجنب مثله أو نقول: لا بد أن تخفف الجنابة؟ هل مكث الجنب على جنابته يعني أجنب بعد صلاة الصبح وبيجلس سبع ساعات إلى صلاة الظهر هل نقول: يجب عليك الغسل فوراً؟ أو خفف هذا الغسل يجب عليك؟ إنما الواجب رفع الحدث للصلاة، قراءة القرآن للطواف لما يشترط له الطهارة وأما ما عدا ذلك فعلى سبيل الاستحباب، يعني ينبغي للمسلم أن لا يمكث جنباً، ويدل على ذلك أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه جنب، فهو مسألة استحباب فقط.
قال: "باب: ما جاء في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام"(24/29)
قال: "حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: ((نعم إذا توضأ)) " قد يقول قائل: إن المراد بهذا وضوء لغوي، يغسل يديه ويغسل ما لوث وينام ما يحتاج يتوضأ وضوء كامل؛ لأن هذا الوضوء لا يفيده، هل ينفعه الوضوء؟ لا ينفعه، لا يستطيع أن يقرأ ولا يستطيع أن يصلي ما يستفيد منه، كما لو احتلمت الحائض، ورأت الماء هل نقول: اغتسلي للجنابة؟ وهل تستفيد من هذا الغسل أو لا تستفيد؟ لا تستفيد، لا تستفيد من الغسل، وهل يقال للحائض: توضئي قبل أن تنامي؟ لا يقال لها، إذاً ما معنى أن الجنب يأمر بالوضوء؟ من أجل تخفيف الجنابة والحيض لا يخف، مهما بذلت ما يخف إلا بانقطاع الدم، والمراد هنا الوضوء الشرعي لا اللغوي، بين ذلك في رواية البخاري: ((توضأ للصلاة)) قال ابن حجر: أي توضأ كما لو توضأت للصلاة، يعني وضوء شرعي وليس بوضوء لغوي.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن عمار وعائشة وجابر وأبي سعيد وأم سلمة" عن عمار عند أحمد في المسند والترمذي، وعائشة حديثها عند الجماعة عند السبعة أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود الترمذي النسائي ابن ماجه، وحديث جابر قال الشارح: لم نقف عليه، وأهمل حديث أبي سعيد وأم سلمة عند الطبراني.
"قال أبو عيسى: حديث عمر أحسن شيء في هذا الباب وأصح" عن ابن عمر عن عمر أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وروه أيضاً الجماعة "وهو قول غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين وبه يقول: سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: إذا أراد الجنب أن ينام توضأ قبل أن ينام" لكن الجمهور على أن هذا الوضوء مستحب؛ لأنه لا تترتب عليه آثاره، فلا يستطيع أن يقرأ به، ولا يستطيع أن يصلي به، ولا يستطيع أن يطوف به على القول باشتراط الطهارة، نعم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في مصافحة الجنب:(24/30)
حدثنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان قال: حدثنا حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقيه وهو جنب قال: فانخنست أي فانخنست.
قال قال.
قال: فانخنست.
أي.
أي فنخست فاغتسلت.
ما تجي، ما تجي، صوابها فانبجست أي: انخنست،
عفا الله عنك.
قال: فانبجست أي فانخست فاغتسلت ثم جئت، فقال: ((أين كنت أو أين ذهبت؟ )) قلت: إني كنت جنباً، قال: ((إن المسلم لا ينجس)).
قال: وفي الباب عن حذيفة وابن عباس.
قال أبو عيسى: وحديث أبي هريرة أنه لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو جنب حديث حسن صحيح، وقد رخص غير واحد من أهل العلم في مصافحة الجنب، ولم يروا بعرق الجنب والحائض بأساً، ومعنى قوله: فانخنست يعني: تنحيت عنه.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"باب: في مصافحة الجنب" الجنب محدث، والحدث يطلق على الخارج نفسه، ويطلق على الوصف القائم بالبدن، قيل: يا أبو هريرة ما الحدث؟ قال: "فساء أو ضراط" على ما تقدم، فالحدث كما يطلق على الخارج نفسه يطلق أيضاً على الوصف القائم بالبدن الذي يمنع من هذه العبادات، فعلى كل حال الجنب محدث وعليه حدث، وبه وصف قائم يمنعه من العبادات، فحاله أقل من حال من يتلبس بهذا الوصف.(24/31)
أبو هريرة -رضي الله عنه- رأى أن مقامه وهو جنب لا يليق بمصافحة النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "باب: ما جاء في مصافحة الجنب" قال: "حدثنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان قال: حدثنا حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقيه" يعني لقي أبا هريرة "عن أبي هريرة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لقيه" الأصل أن يقول: لقيني كما في رواية البخاري، عن أبي هريرة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "لقيني" وهو جنب والأصل أن يقول: وأنا جنب، وهذه الجملة حالية، قال أبو هريرة: فانبجست أي انخنست، يعني في الصورة انبجست وانخنست وانحبست كلها متقاربة، ومعنى ذلك تأخرت، الخناس: الذي يتأخر عند الذكر، فإذا أذن المؤذن ولى هارباً، هذا الوسواس الخناس يتأخر عند الذكر، عند التكبير، عند الآذان، على كل حال أبو هريرة انخنس تأخر، العوام يقولون ماذا يقولون؟ إيش؟ ها يا أبو أحمد؟ ما يقولون: "نس"، أبو هريرة -رضي الله عنه- رأى أن مقامه في هذه الحالة وهو متلبس بجنابة دون مقام النبي -عليه الصلاة والسلام- أكمل الخلق وأطهر الخلق، فرأى أنه لا يليق به أنه يصافح النبي -عليه الصلاة والسلام- ويجالس النبي -عليه الصلاة والسلام- ويخاطب النبي وهو على هذه الحالة، "قال: فنخنست فاغتسلت ثم جئت" رأى أن نفسه صالحة الآن للمقابلة والمجالسة "ثم جئت، فقال: ((أين كنت؟ )) " يعني بعض الناس إذا صار مدعو على وليمة وبيحضرها أعيان وتيسر له أن مر البيت قبل ذلك وفعل ما فعل، أو أخذته عينه فنام في مسجده أو في بيته فاحتلم وهو مدعو إلى وليمة فيها أعيان وفيها أخيار يعني هل يليق به أن يذهب بجنابته أو يغتسل؟ لا سيما وأنه يحتمل أن يقتضي المقام أن يقرأ آية وإلا يقرأ شيء أو يستدل بآية، هو عرضة لمثل هذه الأمور والمجالس لا شك -لا سيما مجالس الأخيار- ينبغي أن تكون على أكمل حال "قال: فانخنست فاغتسلت ثم جئت، فقال: ((أين كنت أو أين ذهبت؟ )) قال: إني كنت جنباً، قال: ((إن المسلم)) وفي رواية: قال: ((إن المؤمن)) وهي في البخاري، ((لا ينجس)) المسلم لا ينجس مفهومه أن الكافر نجس نجس(24/32)
العين، قال ابن حجر: تمسك بمفهومه بعض أهل الظاهر فقال: إن الكافر نجس العين وقواه بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة] والجمهور على خلافه؛ لأن الله أباح نساء أهل الكتاب، ومن لازم معاشرة هذه النسوة أن تمس أبدانهن وعرقهن وإذا اغتسلن أمور كثيرة، يعني المخالطة تقتضي المماسة، فما دام نساء الكتاب مباحات للمسلمين إذاً بدن المشرك طاهر، وفي قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة] يقصد به النجاسة المعنوية، نجاسة الشرك، ونقل عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن أعيان الكفار نجسة كالخنزير، وعن الحسن: "من صافحهم فليتوضأ" وهو محمول إن صح على المبالغة في البعد عنهم، والاحتراز منهم، والآية: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة] محتملة، والأصل في النجاسة العينية، وأما النجاسة المعنوية هذه لا شك أن لها ما يؤيدها لكن ليست هي الأصل، في قوله: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة] واليهود والنصارى أبيحت لنا نساءهم، نساء أهل الكتاب مباحة للمسلمين بالنص، فهل نقول: إن اليهود والنصارى يدخلون في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة]؟ وبعبارة أخرى هل اليهود والنصارى مشركون أو ليسوا بمشركين؟ أولاً: هم كفار بالإجماع، ما في أحد يخالف في كفرهم، حتى قال أهل العلم: من شك في كفرهم كفر إجماعاً يعني اليهود والنصارى، لكن هل يقال لهم: مشركون، الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- يقرر أنهم وإن كانوا كفاراً بالإجماع إلا أنهم ليسوا بمشركين، وإنما فيهم شرك، وأحكامهم تختلف عن أحكام المشركين، نعم فيهم شرك، لكنهم ليسوا بمشركين، فمن وافق في وصف لا يمكن أن ينسب، حينما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي ذر: ((إنك امرؤ فيك جاهلية)) هل يعني هذا إن أبا ذر جاهلي؟ لا، ومن كانت فيه خصلة من النفاق لم يكن منافقاً، لكن فيه خصلة من النفاق، وابن رجب يقول: إن اليهود والنصارى فيهم شرك وإن لم يكونوا مشركين، ولذلك لا يحتاجون إلى مخصص لقوله: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ} [(221) سورة البقرة] لا يدخل فيه نساء اليهود والنصارى لأنهن أبحن(24/33)
بالنص، ولا يدخلن في أية المنع لأنهم ليسوا مشركين، ومن قال: إنهم مشركون كغيرهم لا سيما وأن الشرك وقع فيهم، الشرك وقع في اليهود والنصارى لكن ليسوا مثل غيرهم من طوائف الشرك الذين لا يقرون بالتوحيد ولا يعترفون بالله -جل وعلا-، وإن اشتركوا مع غيرهم في جحد الرسالة لذلك الطوائف متفاوتة، منها القريب ومنها البعيد، واليهود والنصارى أقرب من غيرهم، ولذا أبيح منهم ما لم يبح لغيرهم أو من غيرهم.
قال: "وفي الباب عن حذيفة" وهو عند البزار "وابن عباس".
"قال أبو عيسى: وحديث أبي هريرة أنه لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو جنب حديث حسن صحيح" وهو مخرج في الصحيحين وغيرهما "وقد رخص غير واحد من أهل العلم في مصافحة الجنب، ولم يروا بعرق الجنب والحائض بأساً" قال البغوي في شرح السنة: وهو قول عامة العلماء، وفيه جواز تأخير الاغتسال بالجنب، وأنه يسعى في حوائجه، ما في ما يمنع أنه يجنب ويخرج إلى السوق ليشتري ما يريد، ومعنى قوله: فانخنست يعني تنحيت عنه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(24/34)
شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (25)
شرح: باب: ما جاء في المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل، وباب: ما جاء في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل، وباب: ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء، وباب: ما جاء في المستحاضة، وباب: ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، وباب: ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد، وباب: ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: هل للوضوء صفة كاملة وصفة مجزئة؟
لا شك أن الغسلة الواحدة مجزئة كافية وهي كاملة أيضاً لثبوتها عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهي أدنى الكمال، وأعلاه الثلاث.
يقول: لو أن شخصاً أمّ أناس ثم شك في صلاته أنه محدث ثم أكمل الصلاة، وفي آخر الصلاة تيقن أنه محدث، وأكمل بهم الصلاة فما الحكم بالنسبة للمأمومين؟
المأموم إذا كان لا يعلم ببطلان صلاة إمامه فإن بطلان صلاة إمامه لا يؤثر عليه، لكن إذا علم ببطلان صلاة إمامه لا يجوز له متابعته، وإن تابعه فصلاته باطلة.
يقول: ذكرت في الدرس الماضي أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه جنب ما الدليل على ذلك؟
هذا واحد من الإخوان خرج الحديث.
يقول: حديث: ((لا تدخل الملائكة بيت فيه كلب ولا صورة ولا جنب)) يقول: لم يأتِ هذا المعنى عدم دخول الملائكة الذي فيه جنب إلا في هذا الحديث، وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما من عدة من الصحابة أبي طلحة وأبي هريرة وعائشة ولم يذكروا فيه لفظ: ((ولا جنب)) ولم تأتِ هذه اللفظة إلا من حديث عبد الله بن لجين عن أبيه عن علي -رضي الله عنه- عند أبي داود والنسائي وأحمد وابن حبان وغيرهم؟ وعبد الله بن لجين قال عنه البخاري: فيه نظر، قال ابن عدي بعد أن ساق بعض أخباره عن علي قال: أخباره فيها نظر، وقال الدارقطني: ليس بقوي في الحديث، وأما أبو لجين بن سلمة الحضرمي قال عنه الذهبي: لا يعرف، وقال ابن حبان عنه: لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد، ولم يروِ عنه سواء ابنه عبد الله.(25/1)
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند كلامه على ترجمة البخاري: باب كينونة الجنب في البيت إذا توضأ قبل أن يغتسل، قيل: أشار المصنف بهذه الترجمة إلى تضعيف ما ورد عن علي مرفوعاً: ((إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة ولا جنب)) رواه أبو داود وغيره، وفيه لجين بضم النون الحضرمي ما روى عنه غير ابنه عبد الله فهو مجهول، لكن وثقه العجلي، وصحح ابن حبان والحاكم حديثه.
على كل حال الحديث يعني قابل للتحسين، يعني وإن لم يكن على شرط البخاري، ولم يرَ البخاري صحته لكنه مما خرجه أبو داود وسكت عنه فهو صالح على ما سيأتي في درس المصطلح -إن شاء الله تعالى-.
يقول: ما حكم التصفيق في الحفلات خاصة حفلات المراكز الصيفية التي معظمها شباب مستقيمون؟
التصفيق من خصائص النساء، الرجل يسبح، إذا نابه شيء حتى في صلاته يسبح، وأما المرأة فتصفق، وليس التصفيق من أفعال الرجال، وفي قوله -جل وعلا-: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً} [(35) سورة الأنفال] قالوا: المكاء الصفير، والتصدية التصفيق.
يقول: في هذه الإجازة كيف الجمع بين طلب العلم والمركز والأهل؟
التوفيق بين هذه الأمور سهل ويسير، يعني لو خصص لطلب العلم وقت لا يشغل عن حاجة الأهل ومطالب الأهل، والمركز أيضاً له وقت، وغالباً أن المراكز في أخر النهار، وليخصص طلب العلم في أول النهار.
يقول: ما المنهج الصحيح بالنسبة للتدرج في علوم الحديث لمن قرأ البيقونية وحفظها وقرأ نخبة الفكر هل يذهب مباشرة إلى ألفية العراقي أم السيوطي؟
يقرأ قبل ذلك مختصر علوم الحديث للحافظ ابن كثير ينفعه ويفيده، ويكون كالمرقاة لألفية العراقي.
يقول: هل صحيح أن العمل شرط كمال في الإيمان كما قال بعضهم؟ وكيف نفرق بين ذلك؟
العمل شرط عند أهل العلم، والمراد جنسه شرط صحة، والمراد جنسه كما قرر ذلك شيخ الإسلام، وسئل الشيخ ابن باز -رحمه الله- في بعض المناسبات عمن قال: إنه شرط كمال قال: هذا قول المرجئة.
يقول: هل حديث: ((من جلس بعد الصبح يذكر الله ثم صلى ركعتين كان له أجر حجة وعمرة تامة تامة)) صحيح؟(25/2)
هذا الحديث مخرج في السنن لكنه لا يصل إلى درجة الصحة، فيه كلام لأهل العلم، والأقرب أنه حسن.
يقول: ظهر في بعض المراكز الصيفية ما يسمى بالكاميرة المحمولة وهي مسابقة أفضل تصوير للبرامج؟ ما حكم هذا العمل؟
حكم هذا العمل إن كان التصوير لذوات الأرواح فهو محرم، وجاءت به النصوص الصحيحة الصريحة.
أرجو الإجابة والإفادة لأنني محرج عند نصيحة الشباب؟
لا، لا تحرج عند إسداء النصيحة لهم، ولهم أيضاً من يقتدون به ويعملون بقوله، لكن أنت عليك أن تنكر على ما تقرر عندك، وما تدين الله به.
يقول: إذا استفرغ الطفل الصغير الذي لم يبلغ شهرين على أمه هل ينتقض الوضوء؟ وإذا صلت هل تعيد؟
إيش ينتقض الوضوء؟ ينتقض وضوء من؟ نعم لا ينتقض الوضوء إنما على القول بنجاسته يتنجس ثوب أمه وليس بأشد من بوله يكفي النضح في هذه الحالة.
سم.
الحمد رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل:
حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة -رضي الله عنهما- قالت: جاءت أم سليم بنت ملحان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله: إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة -تعني غسلاً- إذا هي رأت في المنام مثل ما يرى الرجل؟ قال: ((نعم إذا هي رأت الماء فلتغتسل)) قالت أم سلمة: قلت لها: فضحت النساء يا أم سليم.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول عامة الفقهاء أن المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل فأنزلت أن عليها الغسل، وبه يقول: سفيان الثوري والشافعي قال: وفي الباب عن أم سليم وخولة وعائشة وأنس.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(25/3)
"باب: ما جاء في المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل" يعني من الاحتلام ترى أنها تجامع، وإذا رأت ما يرى الرجل في المنام ورأت أنها تجامع من قبل زوجها أو من غيره، فلا يخلو الحال إما أن ترى الماء بارزاً، ماء النطفة فإنه حينئذٍ يجب عليها الغسل على ما في حديث الباب وغيره، فهي كالرجل والنساء شقائق الرجال، وإن لم ترَ الماء فهذا من تلاعب الشيطان، ولكن ليس عليها غسل.
قال -رحمه الله-: "حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة" عن أم سلمة عن أمها أم سلمة "قالت: جاءت أم سليم بنت ملحان" وهي أم أنس بن مالك "إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله: إن الله لا يستحيي من الحق" هذه الجملة قدمتها تمهيداً لعذرها في ذكر ما يستحيا من ذكره، فجاءت بهذه المقدمة لتلج إلى الموضوع التي تريده؛ لأن لو سألت مباشرة بدون مقدمات لا سيما عند النساء أو من النساء هذا شيء ينبو عنه السمع والفطرة المستقيمة في مثل هذه الأمور، الحياء الذي يمنع من النطق بهذا الكلام موجود عند النساء أكثر منه عند الرجال، ونساء الأنصار مدحن بهذا؛ لأن الحياء لم يمنعهن من معرفة الحق "قالت أم سليم: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق" بياءين في لغة قريش، وبياء واحدة عند تميم "لا يستحي" ويظهر أثر ذلك في حال الجزم فعند قريش إذا قلت: ((إذا لم تستحي)) بياء واحدة حذفت واحدة من أجل الجزم وأبقيت الثانية، وعلى لغة تميم تقول: ((إذا لم تستحِ)) بكسرة، ((إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت)) والإمام البخاري لم خرج الحديث في كتاب الأدب أورد الحديث بياء واحدة ((إذا لم تستحي)) لأن واحدة حذفت للجزم وبقيت واحدة على لغة قريش، والترجمة قال: ((باب إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت)) على لغة تميم.(25/4)
"إن الله لا يستحيي من الحق" المراد بالحياء هنا المنفي {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً} [(26) سورة البقرة] الله -جل وعلا- كما في هذا الحديث وفي الآية أيضاً "لا يستحي من الحق" ومفاده أنه يستحي من الباطل، وإثبات الحياء لله -جل وعلا- مقرر عند أهل السنة والجماعة على ما يليق بجلاله وعظمته، وإن جاء بصيغة النفي لكن النفي له مفهوم مقرر فإذا كان لا يستحي من الحق فمفهومه أنه يستحي من ضده، وبعضهم يؤوله بالامتناع، هذا لازم الاستحياء الامتناع فلا يمتنع من قول الحق، وإذا جاءت الصفة منفية فإن كان مقابلها مؤكد مجزوم به فهو مراد، كما في ((فإن الله لا يمل حتى تملوا)) الملل من المخلوق مؤكد من صفته الملل ((فإن الله لا يمل حتى تملوا)) فإثبات الملل لله -جل وعلا- من هذا النص وإن كان منفياً إلا أنه مرتب على أمر محقق فأثبته من أثبته من أهل العلم، ومنهم من لم يثبت الملل لله -جل وعلا- وقال: إن معنى الحديث لا يمل وإن مللتم، لا يمل وإن مللتم كما في قولهم: إن فلاناً الخطيب أو الشاعر أو المناظر لا ينقطع حتى ينقطع خصمه، إذا انقطع بعد انقطاع خصمه هل هذه صفة مدح وإلا ذم؟ ليست بصفحة مدح، لكن كونه لا ينقطع وإن انقطع خصمه هذه صفة مدح، وهذا قرره الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في شرح البخاري وغيره من أهل العلم.(25/5)
"إن الله لا يستحيي من الحق" الحياء يطلق على معنى شرعي ومعنى عرفي، فالحياء الشرعي خير كله ولا يأتي إلا بخير، وفي الصحيح أن رجلاً كان يعظ أخاه في الحياء فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير)) والحياء شعبة من شعب الإيمان ولم يرد ما يخصصه دليل على أن الحياء الشرعي ممدوح على كل حال، وهو الذي يبعث على ترك ما يذم به فاعله شرعاً أو عرفاً، وأما ما يمنع صاحبه من قول الحق وإنكار الباطل، والأمر والنهي والدعوة والتعليم هذا يسميه الناس حياء، يقولون: فلان لا يأمر ولا ينهى يستحي، ولا يعظ ولا يعلم يمنعه الحياء، هذا ليس بحياء هذا هو الخجل المذموم هذا خجل مذموم ليس بحياء وإن سمي عرفاً حياء؛ لأنه يمنع، بجامع المنع مع الحياء الشرعي، لكن هذا يمنع مما يمدح به شرعاً فهو مذموم، والحياء الشرعي يمدح مما يذم به شرعاً فهو ممدوح.(25/6)
"إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة -تعني غسلاً- إذا هي رأت في المنام مثل ما يرى الرجل" وفي رواية أحمد: "إذا رأت أن زوجها يجامعها في المنام" إذا رأت أن زوجها يجامعها في المنام تغتسل، يعني المرأة ترى زوجها يجامعها والرجل يجامع زوجته ويرى أنه يجامع زوجته في المنام هذا ما في إشكال؛ لأن قلبه معلق بزوجته دون غيرها، وهذه المرأة معلقة بزوجها دون غيره، لكن من رأى أنه يجامع غير زوجته من امرأة معلومة أو مجهولة هل في هذا ما يذم به؟ أو نقول: إن النائم رفع عنه القلم فلا يؤاخذ؟ أو نقول: إنه ما رأى ذلك حتى ترددت في ذهنه وعلى خاطره في اليقظة؟ لأن هذا يحصل أنه يرى أنه يجامع امرأة أجنبية عنه لا تحل له، وقد تكون من محارمه هل هذا لازم وإلا ليس بلازم؟ هل هذا نتيجة تفكير في حال اليقظة وإلا حصل هكذا اتفاقاً؟ نعم؟ هو ممن يجامع محارمه هذا في الغالب أنه اتفاقاً، لا يوجد نفس سوية تشرئب إلى المحارم بخلاف من مسخت فطرته، أما كونه يجامع امرأة أجنبية ليست من محارمه إذا كانت معلومة بعينها معروفة امرأة الجيران وإلا امرأة تحدثوا عنها في مجلس وإلا كذا ومدحت له ثم رأى أنه يجامعها هذا قد يقول قائل: إن هذا بسبب التعلق الذي هو مجرد حديث نفس في اليقظة يعني لا يؤاخذ عليه في اليقظة وهذا الكلام يجرنا إلى مسألة أخرى وهي مما يكثر السؤال عنه قد تكون زوجته ليست على المستوى الذي يطلبه فلا يمكن أن يعاشرها حتى يتخيل غيرها وهذا موجود ويسأل عنه كثير؛ لأن التفكر والتخيل له نصيب في مسألة الإقدام أو الإحجام على الوطء، هذه يكثر السؤال عنها، أنه يقول: أنا والله لو قصد زوجتي ... ؛ لأن زوجته ليست على المستوى الذي يثيره ويشجعه، يقول: لا بد أن أتخيل كذا إما امرأة رآها أو في شاشة أو في صحيفة أو مجلة إما صورة وإلا حقيقة يقول: يتخيلها فماذا عن مثل هذا التخيل؟ وهل يختلف الحال فيما إذا تخيل امرأة لها حقيقة ولها وجود في الواقع أو تخيل صورة لا حقيقة لها؟ يعني يتخيل أن زوجته على هذه الهيئة أو على هذه الصورة أما إذا كانت لا حقيقة لها فالأمر سهل، أما إذا كانت ذات حقيقة فإن ترديدها في نفسه قد يغريه بها، قد يغريه بها بحيث لو سنحت له(25/7)
فرصة من كثرة هذا التفكر وهذا التذكر يمكن ما يتورع عنها، وعلى كل حال على الإنسان أن يقنع بما رزقه الله، وأن يستعف ليعفه الله -جل وعلا-، وهذه التخيلات ليست من أعمال أهل التحري، إنما هي من أعمال أهل مد النظر إلى النساء، إما بحقائقهن أو صورهن، أما من قصر نظره على زوجته فإن مثل هذا لا يحصل منه، والله المستعان.
"قال: ((نعم إذا هي رأت الماء)) " أي المني الموجب للغسل، إذا رأت ذلك يجب عليها الغسل، وعرفنا فيما تقدم أن الرؤية لا يلزم أن تكون بصرية، إنما تكون بالبصر أو ما يقوم مقامه من لمس أو إحساس يغلب فيه على الظن يكفي مثل هذا، وإلا لو قلنا: إن الرؤية بصرية هنا، لقلنا: إن الأعمى أو العمياء لا يلزمهما غسل في هذه الحالة؛ لأنهما لا يرون، وكذلك المبصر في حال الظلام لا يلزمه لأنه لا يرى.
"فلتغتسل" اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، ففيه دليل على وجوب الغسل على المرأة بالإنزال كالرجل "قالت أم سلمة -أم المؤمنين-: قلت لها -تعني أم سليم-: فضحت النساء يا أم سليم" إذ حكيت عنهن ما يدل على شهوتهن، فالاحتلام لا شك أنه يدل على الشهوة، لكن هذه الفضيحة لا أثر لها ولا قيمة لها مغمورة في جانب المصلحة المرتبة على معرفة الحكم الشرعي.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان "وهو قول عامة الفقهاء أن المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل فأنزلت أن عليها الغسل، وبه يقول: سفيان الثوري والشافعي وأحمد وعامة أهل العلم".
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن أم سليم" يعني من حديثها عند مسلم "وخولة" عند النسائي وأحمد في المسند "وعائشة وأنس" وكلاهما مخرج في صحيح مسلم.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل:
حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن حريث عن الشعبي عن مسروق عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ربما اغتسل النبي -صلى الله عليه وسلم- من الجنابة ثم جاء فاستدفأ بي فضممته إليّ ولم أغتسل.(25/8)
قال أبو عيسى: هذا حديث ليس بإسناده بأس، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين إن الرجل إذا اغتسل فلا بأس بأن يستدفئ بامرأته، وينام معها قبل أن تغتسل المرأة، وبه يقول: سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل" يستدفئ يعني يطلب الدفء، السين والتاء هذه للطلب، يطلب الدفء والحرارة بأن يضع أعضاءه على أعضائها، ولا يلزم أن يكون بغير حائل، يعني لا يلزم أن تكون مجردة وهو مجرد، بل إذا اغتسل ولبس ثيابه ونام معها في فراشها وعليها ثيابها حصل له الدفء، يعني ليس من لازم ذلك أن يكونا مجردين، يعني الجسم لا شك أنه مشتمل على الحرارة، وإذا أصابه الماء انخفضت هذه الحرارة فاحتاج إلى الدفء، لكن لا يلزم من هذا الدفء أن يكون مجرداً وهي مجردة، فالمسألة أعم من ذلك، والأصل أنهما مشتملين بثيابهما، هذا الأصل؛ لأن مس المرأة في هذه الحالة لا يخلو من شهوة، والمس مضى فيه ما مضى من النصوص والخلاف، هل ينقض الوضوء أو لا ينقض؟ مسألة سبق تفصيلها، على كل حال الرجل إذا اغتسل وقد يكون العكس المرأة تغتسل ويتأخر غسل الرجل فستدفئ به، وكل منهما يستدفئ بصاحبه إذا احتاج إلى ذلك {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [(187) سورة البقرة].
قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن حريث" بن أبي مطر فزاري مضعف عند أهل العلم "عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: ربما اغتسل النبي -صلى الله عليه وسلم- من الجنابة ثم جاء فاستدفأ بي فضممته إلي ولم أغتسل" ربما هذه حرف تقليل وإلا تكثير؟ يعني ربما يعني في أحياناً قليلة أو في أحياناً كثيرة؟ يعني الأصل فيها التقليل، {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} [(2) سورة الحجر] هذا قليل وإلا كثير؟ نعم؟ كثير، كثير بل كلهم يتمنون أن لو كانوا مسلمين، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(25/9)
في الآخرة كلهم يتمنون أن لو أسلموا، فالأصل فيها التقليل، وقد ترد للتكثير، ومن يقول بالمجاز أن حقيقتها التقليل ومجازها التكثير، وفي قول الحافظ العراقي في بحث المستخرجات قال:
إذا خالفت لفظ اً ومعنى ربما ... . . . . . . . . .
هي تخالف في اللفظ كثيراً لكن مخالفتها في المعنى قليلة، فقالوا: إنه استعمل اللفظ في حقيقته ومجازه، استعمله في حقيقته في مخالفة المعنى، وهذا قليل استعمله في مجازه في مخالفة اللفظ وهو استعمله في حقيقته في مخالفة المعنى وهو قليل، واستعمله في مجازه في مخالفة اللفظ وهو كثير، وهنا تقول: ربما اغتسل النبي هذا تقليل، هذا على الأصل ربما اغتسل النبي -صلى الله عليه وسلم- من الجنابة ثم جاء فاستدفأ بي، أي طلب الحرارة مني وجعلني بمثابة الثوب فستدفأ بي فضممته إلى ولم أغتسل، يعني لم أغتسل بعد، يعني لم أغتسل للجنابة الأولى أو لجنابة أخرى؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ولم أغتسل، أغتسلُ فعل مضارع وإلا ماضي؟ مضارع، والمضارع للمستقبل وإلا لما مضى من الزمان؟ الأصل فيه أنه للحال أو الاستقبال، لكن اقترانه بـ (لم) نعم، تجعله في الماضي؛ لأن (لم) حرف نفي وجزم وقلب، يعني تقلب الفعل من الاستقبال إلى المضي، يعني لم أغتسل قبل ذلك، وإن كان يلزمها أن تغتسل بعد عن الجنابة، والحديث كما هو في جامع الترمذي مخرج أيضاً في سنن ابن ماجه.(25/10)
"قال أبو عيسى: هذا حديث ليس بإسناده بأس" حريث بن أبي مطر الفزاري ضعيف عند أهل العلم، وأبو عيسى يقول: ليس بإسناده بأس، يقول الملأ علي قاري في مرقاة المفاتيح: سنده حسن، يعني مثل كلام الترمذي: "ليس بإسناده بأس" لكن مثل ما ذكرنا في إسناده حريث بن أبي مطر وهو ضعيف عند أكثر العلماء، وبهذا يكون الخبر ضعيفاً لا يرقى للحجية "وهو قول غير واحد من أهل العلم، من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين إن الرجل إذا اغتسل فلا بأس بأن يستدفئ بامرأته وينام معها قبل أن تغتسل المرأة" هذا الحكم الشرعي ما في إشكال من حيث الحكم لا بأس أن يغتسل لا سيما في الأيام الباردة ثم يندس في فراشه مع زوجته، ويلتصق بها ليستدفئ بها فإن حصل منه ما يوجب الغسل اغتسل ثانية، وإن حصل منه ما يوجب الوضوء توضأ وإلا فهو على طهارته ولا يلزم لهذا الحكم أن يكون خبر الباب ثابتاً فإنه معروف من أدلة أخرى، قال: "وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين أن الرجل إذا اغتسل فلا بأس بأن يستدفئ بامرأته وينام معها قبل أن تغتسل المرأة، وبه يقول: سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق" ومثلما ذكرنا أنه ليس من لازمه أن يكون مجرداً وهي مجردة، وكل على مذهبه في نقض الوضوء بمجرد المس.
سم.
عفا الله عنك يا شيخ أليس المشهور عن الشافعي أن مس المرأة .... ؟
إلا معروف عن الشافعي أن مس المرأة .. ، لكن من حائل هنا ما يلزم أن يكون من غير حائل.
يعني نقله عن الشافعي هنا أنه إذا كان بحائل؟
إيه لا بد، لا بد، الشافعي ولو من غير شهوة، ولذلك الشافعية يتحرجون حرجاً شديداً في المطاف خشية أن تقع يد المرأة أو يد الرجل على الآخر ولو من غير قصد.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء:(25/11)
حدثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلان قالا: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير)).
وقال محمود في حديثه: إن الصعيد الطيب وضوء المسلم قال: وفي الباب عن أبي هريرة وعن عبد الله بن عمرو وعمران بن حصين.
قال أبو عيسى: وهكذا روى غير واحد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر، وقد روى هذا الحديث أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر عن أبي ذر ولم يسمه قال: وهذا حديث حسن، وهو قول عامة الفقهاء أن الجنب والحائض إذا لم يجدا الماء تيمما وصليا، ويروى عن ابن مسعود أنه كان لا يرى التيمم للجنب وإن لم يجد الماء، ويروى عنه أنه رجع عن قوله فقال: يتيمم إذا لم يجد الماء، وبه يقول سفيان الثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء"
التيمم منصوص عليه في موضعين من كتاب الله -جل وعلا-، وفي أحاديث كثيرة من سنته -عليه الصلاة والسلام-، وهو بدل عن طهارة الماء مع فقده، إذا فقد الماء أو تعذر استعماله فلم يجد الماء حقيقة أو حكماً يعني إذا لم يجد الماء حقيقة بأن كان الماء مفقود أو حكماً بأن كان موجوداً إلا أنه لا يستطاع استعماله، إما لمرض أو لجرح لا يستطيع معه مس الماء أو مرض يتأخر برئه أو يزيد، أو لعدم القدرة على تملكه كل هذا يجعله في حكم المعدوم، وفقدان الماء شرط لصحة التيمم {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} [(43) سورة النساء] في الآيتين، ومنهم من يقول: إن المبرر للتيمم أكثر من سبب منها عدم وجدان الماء وهذا متفق عليه، ومنها المرض، ومنها السفر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(25/12)
هذا عامة أهل العلم على أنه مقيد؛ لكن وجد من يقول: إن مجرد السفر مبيح للتيمم، ولو كان الماء عنده، ولو راجعت السير الجرار للشوكاني عرفت أن هناك من يقول بأن مجرد السفر مبرر للتيمم، وهو من رخصها عندهم، لكن عامة أهل العلم على أن فقدان الماء حقيقة أو حكماً هو الشرط لجواز التيمم وصحته، {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} [(43) سورة النساء].
قال: "باب: التيمم للجنب إذا لم يجد الماء" أما بالنسبة للوضوء فمن عليه حدث أصغر فبحث عن الماء ولم يجد فتيمم هذا لا خلاف فيه، لكن بالنسبة للجنب فيه كلام لبعض من تقدم ثم انعقد الإجماع، يعني يذكر عن عمر وابن مسعود أنهما لا يجيزان ولا يبيحان التيمم للجنب، ولعل السبب في قولهما التشديد في أمر الجنابة إذا لم يكن ثم ماء فيجعلان الإنسان لا يتساهل في أمره، إذا لم يكن عنده ماء لا يحرص على الجماع، على الوطأ على ما يوجب الغسل، هذا من جهة، الجهة الثانية أيضاً هو فيه احتياط لطلب الماء، فإذا عرف مثل هذا القول تحرى الإنسان في الموجب للجنابة وتحرى أيضاً في الخروج من تبعتها؛ لأنه لو لم يرد مثل هذا القول عند أهل العلم كان الإنسان يتسامح، يعني يطأ متى شاء ولو لم يكن عنده ماء، وقد يكون الماء عنده قريب ولا يبحث عنه، فإذا وجد مثل هذا القول الذي ظاهره التحري لا شك أن الإنسان تكون عنده وقفة في هذا الباب يعني لا يحرص على تكرار الجنابة مثلاً إلا إذا احتاج إلى ذلك حاجة شديدة، وإذا حصل منه ذلك تحرى في البحث عن الماء؛ لأنه يوجد من يقول بعدم صحة التيمم للجنابة، ومع ذلك انقرض القول بعدم صحته، واتفق العلماء وأجمعوا على أن الجنب يتيمم إذا لم يجد الماء.(25/13)
قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلان قالا: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان" وهو الثوري "عن خالد بن مهران" الحذاء بصري وهو من الثقات من رجال الكتب "عن أبي قلابة" عبد الله بن زيد الجرمي ثقة أيضاً "عن عمرو بن بجدان" عمرو بن بجدان البصري، وثقه ابن حبان والعجلي، وقال ابن حجر: لا يعرف "عن أبي ذر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الصعيد)) {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا} [(43) سورة النساء] ((إن الصعيد الطيب)) والصعيد الأصل فيه ما تصاعد على وجه الأرض أياً كان، الصعيد الطيب يعني الطاهر ((طهور المسلم)) كالماء ((وإن لم يجد الماء عشر سنين)) ((فإذا وجد الماء فليتقِ الله ويمسه بشرته)) كما في بعض الروايات، الصعيد وهو المنصوص عليه في القرآن ما تصاعد على وجه الأرض، فعلى هذا يجوز التيمم بكل ما كان على وجه الأرض أياً كان، كل ما يسمى صعيد يتيمم به، وجميع أجزاء الأرض يتيمم بها ((وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) يعني في حديث الخصائص، وهذا قول المالكية والحنفية، جاء في حديث الخصائص عند مسلم: ((وجعلت ترتبها لنا طهوراً)) مما جعل الحنابلة والشافعية يقولون: لا يتيمم إلا بتراب له غبار يعلق باليد، والقول الأول للمالكية والحنفية بكل ما تصاعد على وجه الأرض مما يسمى أرض، ((جعلت لي الأرض)) هذا من الأمثلة التي يمثل بها للزيادة من الثقة تربتها هذه زيادة، وهل هي زيادة موافقة أو زيادة مخالفة، لا شك أنها موافقة من وجه ومخالفة من وجه، الموافقة باعتبار أن التراب جزء من أجزاء الأرض، وفرد من أفرادها أو وصف من أوصافها، والموافقة من هذه الحيثية والمخالفة في الإطلاق والتقييد أو في العموم والخصوص، يعني مستمسك الحنابلة والشافعية في قولهم: إنه لا يتيمم إلا بتراب له غبار يعلق باليد من هذه الرواية: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) والمالكية والحنفية يقولون: جعلت لي الأرض مع ما في الآيتين من التنصيص على الصعيد، هل في هذا معارضة أو ليس فيه معارضة؟ ذكرنا أن فيه موافقة من وجه ومخالفة من وجه، متى تكون مخالفة؟ هل تكون مخالفة إذا قلنا: إن بين النصين عموم وخصوص؟ أو قلنا: بينهما إطلاق وتقييد؟ لأن الشراح(25/14)
حينما يبحثون مثل هذه الرواية تجده في أول الكلام يقول: تقيد الرواية الأولى بالثانية، وفي أثناء الكلام يقول: يخصص النص الأول أو اللفظ الأول بالثاني مع أن التقييد شيء والتخصيص شيء أخر حقيقة وحكماً، فمن حيث الحقيقة التخصيص تقليل في الأفراد، والتقييد تقليل في الأوصاف، وإذا أردنا أن نحرر هذه المسألة لأن المسألة حصل فيه خلط وفيها أيضاً من بعض الشراح بعض الكلام الذي يقضي بعضه على بعض، فإذا حررت هذه اللفظة أو ما بين اللفظين من نسبة إما عموم وخصوص أو إطلاق وتقييد انتهى الإشكال انحلت عندنا، فإذا قلنا: إنه من باب الإطلاق والتقييد قلنا: يحمل المطلق على المقيد للاتفاق في الحكم والسبب، فيحمل المطلق على المقيد وحينئذٍ يتجه قول الشافعية والحنابلة، وإذا قلنا: إنه من باب العموم والخصوص قلنا: التنصيص على التراب وهو فرد من أفراد العام لا يقتضي التخصيص لماذا؟ لأن الحكم واحد والتنصيص على فرد من أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص إنما يقتضي الاهتمام بشأن الخاص والعناية به، فيكون أولى من غيره من أفراد العام، لكن هذا لا يقتضي تخصيص، ولعل هذا هو معول من يقول بالتيمم بجميع ما على وجه الأرض، هذا عام وخاص وذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي تخصيص، لكن من يقول: إن هذا من باب الإطلاق والتقييد فلا مفر له من أن يقول: التيمم لا يجوز إلا بالتراب، والتراب قيد، لكن إذا نظرنا من حيث الواقع هل التراب وصف من أوصاف الأرض أو فرد من أفرادها؟ فرد من أفرادها، ولذا القول المتجه هو قول الحنفية والمالكية، وأنه يتيمم بجميع ما على وجه الأرض، والنبي -عليه الصلاة والسلام- تيمم من أصل الجدار.(25/15)
((أن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين)) والمراد بهذا الكثرة وطول المدة، لا المدة المقدرة المحددة بحيث لو لم يجد الماء إحدى عشر سنة لا يتيمم لا المراد بذلك تكثير المدة؛ لأنه لا يمكن أن يجلس عشر سنين ما وجد الماء، لكن هذا من باب المبالغة ولا مفهوم للعدد هنا ((وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء)) في بعض الروايات: ((فليتقِ الله)) ولا شك أن التقوى تدعو إلى الاحتياط والتحري والخروج من عهدة الواجب بيقين، الخروج من عهدة الواجب بيقين، ويتساهل كثير من الناس بأمر التيمم، فالماء عندهم أو على مقربة منهم ومع ذلك يتيممون إذا كان الإنسان في مكانٍ الماء قريب منه جداً لكنه يخاف أن يذهب إلى الماء، وهناك خوف محقق، وخوف يغلب على الظن، وتوهم للخوف يعرف أن الأرض أرض مسبعة فإذا ابتعد عن محله السباع موجودة هذا خوف محقق، وهناك خوف دونه بحيث يغلب على ظنه أنه يتعرض للأذى، وهناك خوف موهوم بعض الناس يخاف من مجرد الظلام، وإن جزم أنه ليس هناك شيء، يعني هو في بيته وقام لصلاة الليل فتح الماء ما وجد ماء، المسجد أمتار منه وفيه ماء، لكنها ظلام لا يستطيع أن يخرج، هل ينزل التوهم منزلة الواقع أو منزلة غلبة الظن؟ عند الجمهور لا؛ لأن مجرد التوهم هذا لا يبيح له التيمم، ومن أهل العلم من يقول: إن هذا التوهم عند بعض الناس أشد من الخوف المحقق عند كثير من الناس، بعض الناس يسمع عواء الذئب ويأخذ ما يدفعه به ويخرج، وبعضهم يسمع صياح الديك ولا يخرج، يعني الناس يختلفون يتفاوتون في مثل هذا، يعني بعض الناس خطر عليه أن يجن إذا خرج ولو لم يكن هناك شيء، فلا شك أن الإنسان إذا بلغ به الأمر إلى هذا الحد {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] يتيمم.(25/16)
((إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتقِ الله)) اللام لام الأمر ((وليسمه)) فليمسه أيضاً لام الأمر، فلا بد من الإمساس من إمساسه الماء بشرته يعني جلده ((فإن ذلك)) يعني الإمساس، إمساس الماء ((خير)) خير من عدم الإمساس، والخيرية هذه ليست على بابها، فالإمساس خير بلا شك، والأصل في خير أنها أفعل تفضيل، يقابل هذا الإمساس عدم الإمساس فهل في عدم الإمساس مع وجود الماء خير؟ ليس فيه خير {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [(24) سورة الفرقان] ومستقر أهل النار -نسأل الله العافية- ومقيلهم ليس فيه خير البتة، لكن أفعل التفضيل هذه ليست على بابها ((فليتقِ الله وليمسه بشرته فإن ذلك خير)) فليتق الله وليسمه بشرته، هذا أصابته جنابة فتيمم وصلى الفجر والظهر والعصر، تيمم، يتيمم ويصلي هذه الأوقات لأنه لم يجد الماء، وجد الماء بعد يوم أو يومين أو ثلاثة أو خمسة ((فليتقِ الله وليمسه بشرته)) للحدث الماضي للجنابة الماضية أو لما يستقبل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
للجنابة الماضية أو المستقبلة؟ أو بأسلوب أخر التيمم هل هو مبيح أو رافع؟ وعند من يقول: إنه رافع هل يرفع رفع مطلق أو رفع مؤقت؟ نعم؟
طالب: يعني حينما أنه وجد الماء ...
نعم؟
طالب: حينما وجد الماء لغت الطهارة السابقة وهي التيمم.
بطلت.
طالب: فبقي بدون طهارة.(25/17)
لو افترضنا أنه وضوء أحدث حدث أصغر ثم توضأ ثم وجد الماء توضأ وصلى ثم وجد الماء للطهارة المستقبلة وإلا الماضية؟ ((فإذا وجد الماء فليتقِ الله وليمسه بشرته)) هذا الذي يقول: إنه يرفع رفع مطلق يقول: لا يمسه بشرته خلاص، حدثه وارتفع، والذي يقول: إنه مجرد مبيح يقول: يتقي الله وليمسه بشرته حتى في الحدث الأصغر، والذي يقول: يرفع رفع مؤقت يقول: يتقي الله وليمسه بشرته لما مضى من أحداث كبرى، أما الأحداث الصغرى ارتفعت فإذا وجد الماء بطلت طهارته، فهو رافع رفع مؤقت، وما الذي يترتب على هذا؟ أن هذا الذي أصابته الجنابة في الليل فتيمم لصلاة الصبح تيمم لصلاة الظهر والعصر ثم وجد الماء، إذا قلنا: رفع رفْع مطلق قلنا: خلاص لا يمسه بشرته، ارتفع حدثه إلا لما يستقبل من الأحداث، وإذا قلنا: رفع مؤقت، قلنا: يتقي الله ويمسه بشرته لما مضى من حدث كالجنابة السابقة، وهذا أولى ما يحمل عليه الحديث، أولى ما يحمل عليه الحديث، لماذا؟ لأننا إذا قلنا: إنه رفع مؤقت وليتقِ الله وليمسه بشرته لما مضى قلنا: الحديث مؤسس لحكم جديد، وإذا قلنا: فليتقِ الله وليمسه بشرته لما يستقبل من الأحداث قلنا: الحديث مؤكد، نصوص الطهارة كلها تدل على هذا لو لم يأتِ هذا الحديث ما فقدنا شيء، هذا الحديث ما جاءنا بشيء جديد، كل نصوص الطهارة تقول: إذا وجد الماء عليه أن يتطهر، وإذا قلنا: إنه للحدث الماضي الذي تيمم عنه قلنا: إنه مؤسس لحكم جديد والتأسيس عند أهل العلم خير وأولى من التأكيد، وعلى هذا يكون حكم التيمم أنه رافع، لكنه رفع مؤقت، حتى يجد الماء، فإذا وجد الماء استعمله لما مضى من حدث وما يستقبل، يقول الشوكاني: إذا صلى الجنب بالتيمم ثم وجد الماء وجب عليه الاغتسال بإجماع العلماء، إلا ما يحكى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن الإمام التابعي أحد الفقهاء السبعة أنه قال: لا يلزمه، قال الشوكاني: وهو مذهب متروك بإجماع من بعده ومن قبله وبالأحاديث الصحيحة المشهورة في أمره -صلى الله عليه وسلم- للجنب بغسل بدنه إذا وجد الماء، قال: محمود بن غيلان في حديثه: ((إن الصعيد الطيب وضوء المسلم)) ومحمد بن بشار لفظه: ((إن الصعيد الطيب طهور المسلم)) ومحمود قال: ((وضوء(25/18)
المسلم)) ولا فرق بينهما، فالوضوء والطهور هو الماء الذي يتطهر به ويتوضأ به.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وعمران بن حصين" حديث أبي هريرة عند البزار، وحديث ابن عمرو عند أحمد في المسند، وعمران بن حصين في الصحيحين.(25/19)
"قال أبو عيسى: وهكذا روى غير واحد عن خالد الحذاء" خالد بن مهران الحذاء، ولم يكن حذاء، وإنما كان يجلس عندهم "عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر" وهي الرواية المخرجة في الأصل، الرواية المخرجة في الأصل، عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن وجدان عن أبي ذر هذا الوجه الأول، والوجه الثاني قال: وقد روى هذا الحديث أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر عن أبي ذر ولم يسمه ولعله هو المسمى عمرو بن بجدان، رواه أبو داود في سننه، قال المنذري في مختصر السنة: هذا الرجل من بني عامر هو عمرو بن بجدان المتقدم في الحديث قبله، سماه خالد الحذاء عن أبي القلابة، وسماه الثوري عن أيوب، قال: وهذا حديث حسن صحيح، قال الإمام الترمذي –رحمه الله-: "وهذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، قال الشوكاني في النيل: ورواه ابن حبان والحاكم والدارقطني، وصححه أبو حاتم وعمرو بن بجدان قد وثقه العجلي، قال الحافظ: وغفل ابن القطان فقال: إنه مجهول، أبو الحسن بن القطان صاحب: (بيان الوهم والإيهام) إمام من أئمة هذا الشأن، وإن كان متأخر عن الأئمة لكنه إمام معتبر، قال ابن حجر: وغفل ابن القطان فقال: إنه مجهول، وقال المبارك فوري: وقد غفل الحافظ أيضاً فقال في التقريب: لا يعرف حاله، يعني وقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه ابن القطان، لهذا نظائر يعني الإمام والعالم يحصل منه هذا ليس بمعصوم، يعني الآن يصف ابن القطان بالغفلة؛ لأنه قال: مجهول، وقد قال عنه: لا يعرف حاله، يعني مجهول، ويُذكّرنا بانتقاد الحافظ ابن حجر لصاحب العمدة: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ما عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين)) فلفظة: ((من الإثم)) هذه ليست في الصحيحين إلا في رواية الكشمهني، ووصفه ابن حجر بأنه ليس من الحفاظ، وانتقد الحافظ عبد الغني في العمدة حيث ذكرها، ومع ذلكم ذكرها في البلوغ وقال: متفق عليه، يعني هو ليس بمعصوم يغفل مثل ما يغفل غيره، لكن يعني في مثل هذه الأمور التي ينتقد فيها الغير قد يقول قائل: إنه في وقت الانتقاد، في وقت انتقاده لغيره رأى في نفسه أنه أهل لهذا الانتقاد وأن غيره وهم وأنه تنبه فابتلي، فابتلي وإلا كيف ينتقد ويقع في(25/20)
نفس الخلل؟ نعم إذا طالت المدة ممكن يعني ابن حجر نفسه في فتح الباري قال: عبيد الله بن الأخنس ثقة وهو من رواة البخاري قال: ثقة وشذ ابن حبان فقال: يخطأ، ونفسه ابن حجر في التقريب قال: صدوق يخطأ، فهؤلاء وإن كانوا أئمة وأهل اطلاع واسع وأهل حفظ وعلم متين مؤصل إلا أنهم ليسوا بمعصومين، وبهذا نعرف أن وقوع الخطأ من أهل العلم يعني متوقع فإذا كان هذا من هؤلاء الكبار الحفاظ فكيف يكون اللوم على من دونهم بمراحل؟ ويتفكه بأعراضهم إذا وقعوا في خطأ من يعرى من الخطأ والنسيان كما يقول الإمام أحمد -رحمه الله-، فإذا أخطأ الإنسان يلتمس له وينبه، والحمد لله كل يأخذ من قوله ويرد.
قال –رحمه الله-: "وهو قول عامة الفقهاء في الجنب والحائض" في قول عامة الفقهاء أن أو إن؟ أن أو إن، أما لو قال: قال عامة الفقهاء: إن الجنب هذا ما فيه خيار؛ لأن كسر همزة (إن) بعد القول متعين، فهل القول الذي هو المصدر مثل قال؟ ها؟ يعني موقع الجملة: "أن الجنب" أو "إن الجنب"؟ هل هي مقول للقول أو هي بدل من القول؟ إذا كانت مقول القول لا مفر من كسر همزة (إن) وإذا قلنا: إنها بدل من القول والقول كلمة واحدة وبدلها في حكمها وأن وما بعدها تؤول بكلمة؛ لأن مقول القول لا بد أن يكون جملة، مقول القول لا بد أن يكون جملة، فلا بد أن تكسر همزة إن، وإذا قلنا: إنها بدل من القول الذي هو كلمة وليس مقول للقول قلنا: إن الجنب والحائض، ما الذي عندكم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، الشيخ -رحمه الله- في غاية من الدقة في هذا الباب، الشيخ أحمد شاكر في غاية من الدقة في هذا الباب، ما يقال: أخطأ ما يخفى عليه مثل هذا الأمر، وأن همزة إن لا بد أن تكسر بعد القول لكنه جعلها بدل من القول وليس مقولة للقول، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مقول للقول أو هي القول بدل من القول؟ بدل، لا ما هي مقولة القول، هي القول نفسه، ليست مقولة للقول، لا ليست مقول القول أبداً، ولذلك الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- قال: أن الجنب والحائض يعني كل منهما إذا لم يجدا ماء تيمما وصليا.(25/21)
قال الشوكاني: وقد أجمع على ذلك العلماء ولم يخالف فيه أحد من السلف والخلف، يعني التيمم للحدث الأكبر إلا ما جاء عن عمر وابن مسعود يعني مثلما ذكرنا في أول الباب، والسبب ما ذكرنا عدم التساهل في هذا الباب، لا في السبب الموجب للغسل ولا في كيفية التخلص من عهدة الواجب، وحكي مثله عن إبراهيم النخعي من عدم جوازه للجنب، وقيل: إن عمر وابن مسعود رجعا عن ذلك، وقد جاءت بجوازه للجنب الأحاديث الصحيحة الصريحة "ويروى عن ابن مسعود أنه كان لا يرى التيمم للجنب وإن لم يجد الماء" ينتظر حتى يجد الماء "ويروى عنه أنه رجع عن قوله" قال: يتيمم إذا لم يجد الماء "وبه يقول سفيان الثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق" وعرفنا أنه إجماع.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المستحاضة:
حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع وعبدة وأبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: ((لا إنما ذلكِ عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي)).
قال أبو معاوية في حديثه: وقال: ((توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت)).
قال: وفي الباب عن أم سلمة.
قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، وبه يقول: سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي أن المستحاضة إذا جاوزت أيام أقرائها اغتسلت وتوضأت لكل صلاة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(25/22)
"باب: ما جاء في المستحاضة" المستحاضة مستحاضة: اسم مفعول، فالاستحاضة لا تنسب إليها بخلاف الحيض، فيقال: فلان حاضت ويقال: استحيضت ما يقال: استحاضت لماذا؟ لأن الحيض ينسب إليها شيء كتب الله على بنات آدم، وأما بالنسبة للاستحاضة فلا ينسب إليها لأنها ركضة شيطان على ما سيأتي، فلا تنسب إليها أما الحيض ينسب إليها فيقال: حاضت ولا يقال: استحاضت، إنما يقال: استحيضت المرأة، والمراد بالاستحاضة جريان الدم من عرق في أدنى الرحم، بخلاف الحيض فإنه من عرق في قعر الرحم، فيقال: استحيضت المرأة إذا استمر بها الدم بعد أيامها المعتادة إذا زاد عن وقت عادتها أو استمر بها فلم ينقطع يقال لها: مستحاضة، ويقال لهذا الدم دم فساد، وقد يقول له المتأخرون: نزيف، المقصود أن أحكام الاستحاضة تتخلف عن أحكام الحيض.
قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع وعبدة وأبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض" بصيغة المجهول مثل ما ذكرنا من الفرق بين الاستحاضة وبين الحيض "إني امرأة أستحاض فلا أطهر" أي لا ينقطع عني الدم "أفأدع الصلاة؟ " يعني أترك الصلاة، أفأدعُ أتركُ فعل مضارع ((من لم يدع)) مضارع أيضاً ((لينتهين أقوام عن ودعهم)) مصدر، يعني مستعمل، المادة مستعملة في المصدر وفي المضارع، لكن ماذا عنه في الماضي؟ يقول أهل اللغة: إنه أميت ماضيه، أميت ماضيه يعني فلم يستعمل، لم يستعمل بدل الماضي ودع ترك، وأما قراءة {مَا وَدَعَكَ رَبُّكَ} [(3) سورة الضحى] ويش القراءة يا أبو عمر؟ شاذة؟ نعم شاذة "ما ودعك ربك" قراءة شاذة.(25/23)
"أفأدع الصلاة؟ " يعني لعلمها أن الحائض لا تصلي، فهل حكمي حكم الحوائض أو الحكم يختلف؟ قال: ((لا)) لا تدعي الصلاة ((إنما ذلك)) الذي تشتكينه ((عرق)) يعني دم عرق ((وليست بالحيضة)) بفتح الحاء، قال النووي: إنه متعين، يعني فتح الحاء أو قريب من المتعين؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- أراد إثبات الاستحاضة ونفي الحيض، وإن رجح الخطابي الكسر وقال: ليست بالحِيضة، لكن هو في جميع الروايات في الموضعين بفتح الحاء ((وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة)) يقول ابن حجر: وفي روايتنا بفتح الحاء في الموضعين وجوزه بعضهم بفتح الحاء وكسرها لا سيما الموضع الثاني، الحيضة يعني التي تعرفينها بوصفها أو وقتها، يعني إن كانت معتادة بوقتها، إن كنت مميزة بوصفها ((فدعي الصلاة)) لأن المستحاضة هذه إما أن تكون معتادة يعني عادتها ستة أيام من اليوم السابع إلى الثالث عشر معتادة، فإذا أقبلت عادتها من اليوم السابع إلى اليوم الثالث عشر تجلس؛ لأنها معتادة، وإن كانت مميزة تعرف لون الدم، لون الدم الذي كان يأتيها قبل الاستحاضة، ودم الحيض كما جاء وصفه دم أسود يُعْرِف، يعني له رائحة، له عرف، له رائحة منتنة، ولونه أسود فاجلسي هذه المدة التي يكون فيها الدم بهذه الصفة ((فإذا أقبلت الحيضة)) التي تعرفينها بوصفها أو وقتها ((فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي)) وإذا أدبرت يعني انتهت المدة أو انتهى الدم الذي له لون أسود وله رائحة فاغسلي عنك الدم وصلي يعني بعد الاغتسال؛ لأن حكمها حكم الحيّض بعد الاغتسال تغسل الدم وتغتسل وتصلي، وفي رواية للبخاري: ((ثم اغتسلي وصلي)) "قال أبو معاوية في حديثه: وقال: ((وتوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت)) بعضهم يقول: هذا مدرج، ورده الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وجزم بعضهم بأنه موقوف على عروة، ورد الحافظ أيضاً هذا، وقال: لم ينفرد به أبو معاوية، وفيه أن المرأة إذا انقضت حيضتها فإنها تتوضأ لكل صلاة، هذه الجملة وهي من المرفوع: ((توضئي لكل صلاة)) بخلاف ((اغتسلي لكل صلاة)) على ما سيأتي، وفيه أن المرأة إذا انقضت حيضتها -يعني المستحاضة- فإنها تتوضأ لكل صلاة فلا تصلي به أكثر من فريضة واحدة، وهذا حكم من حدثه(25/24)
دائم فإن وضوءه لا يرفع الحدث؛ لأن الحدث موجود فكيف يرتفع؟ كالمستحاضة ومن به سلسل بول وما أشبه ذلك، فلا تصلي به أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية وبهذا .. ؛ لأنه قال: ((توضئي لكل صلاة)) وعموم (كل) يشمل الفرائض والنوافل، كل ما أردت أن تصلي توضأت، لكن إلزامها بالوضوء لكل صلاة من فرائض ونوافل يلزم منه المشقة، والمشقة تجلب التيسير، والصلاة إذا أطلقت فإنما يراد بها الفريضة، وبهذا قال الجمهور، وعند الحنفية أن الوضوء متعلق بوقت الصلاة، فلها أن تصلي به الفريضة الحاضرة وما شاءت من الفوائت ما لم يخرج وقت الحاضرة فإنها تتوضأ لوقت كل صلاة، إذا دخل الظهر توضأت، ثم تصلي به ما شاءت إلى أن يدخل وقت العصر، فعلى هذا لو كانت تجمع الصلاة مستحاضة تجمع الصلاة على القول الأول تتوضأ بين الصلاتين، وعلى الثاني تتوضأ وضوء واحد؛ لأن الذي يجمع يجمع في وقت واحد، لا يجمع في وقتين، وعند المالكية يستحب الوضوء لكل صلاة ولا يجب إلا بحدث آخر، وهذا على القول بأن وضوء أهل الأعذار ممن حدثه دائم يرفع الحدث، وقال أحمد وإسحاق: إن اغتسلت لكل فرض فهو أحوط كما كانت تفعل أم حبيبة على ما سيأتي.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن أم سلمة" مخرج عند أبي داود والنسائي وابن ماجه وأحمد في المسند "قال أبو عيسى: حديث عائشة -جاءت فاطمة- حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان، متفق عليه "وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، وبه يقول: سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي أن المستحاضة إذا جاوزت أيام أقرائها اغتسلت وتوضأت لكل صلاة" جاوزت أيام أقرائها، يعني هذه المعتادة الذي عادتها معلومة فإنها تجلس ما كانت تجلسه قبل الاستحاضة، وأما إذا كانت مميزة فتعمل بالتمييز، والتمييز يعرف بلون الدم ورائحته، وإذا كانت متحيرة غير مميزة ولا معتادة يأتي كلام أهل العلم فيها، قال: "وبه يقول سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي أن المستحاضة إذا جاوزت أيام أقارئها اغتسلت وتوضأت لكل صلاة" على ما في الحديث السابق، نعم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة:(25/25)
حدثنا قتيبة قال: حدثنا شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في المستحاضة ((تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها، ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة وتصوم وتصلي)).
حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك نحوه، بمعناه، قال أبو عيسى، هذا حديث قد تفرد به شريك عن أبي اليقظان قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فقلت: عدي بن ثابت عن أبيه عن جده جد عدي ما اسمه؟ فلم يعرف محمد اسمه، وذكرت لمحمد قول يحيى بن معين: إن اسمه دينار فلم يعبأ به، وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إن اغتسلت لكل صلاة هو أحوط لها، وإن توضأت لكل صلاة أجزأها، وإن جمعت بين الصلاتين بغسل واحد أجزأها.
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة" وهو ما يدل عليه الحديث السابق.(25/26)
قال: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا شريك عن أبي اليقظان" عثمان بن عمير الكوفي "عن عدي بن ثابت" أبو اليقظان عثمان بن عمير الكوفي ضعيف، وعدي بن ثابت الأنصاري الكوفي ثقة "عن أبيه" ثابت مجهول "عن جده" أي جد عدي "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في المستحاضة" أي في شأنها ((تدع الصلاة أيام أقرائها)) يعني أيام حيضها أو أيام طهرها؟ أيام حيضها، وهذا مما يستدل به الحنابلة والحنفية على أن المراد بالأقراء الحِيَض، ويقول الشافعية والمالكية المراد بالأقراء الطهر، الأطهار ولا شك أن القرء مشترك بين الطهر والحيض، وما في حديث الباب ((تدع الصلاة أيام أقرائها)) من أقوى الأدلة على أن المراد بالأقراء الحِيَض، وما دام مشتركاً ويطلق على هذا ويطلق على هذا فلا بد من مرجح، من أهل العلم من يقول: إن القرء إذا أريد به الحيض جمع على أقراء كما هنا، وإذا أريد به الطهر جمع على قروء، ((دعي الصلاة أيام أقرائك)) تدع الصلاة أيام أقرائها، ما قال قروئها، وإذا أريد به الطهر فإنه يجمع على قروء، واللفظ الواحد قد يتعدد جمعه نظراً لاختلاف معانيه، كما أنه قد يتعدد المصدر تبعاً لذلك، تبعاً لاختلاف المعاني، مثل الفعل رأى، الفعل رأى مصدره رؤية بالبصر، ورؤيا في النوم، ورأي في العلم والعقل، وما أشبه ذلك، وعلى كل حال أدلة الفريقين تكاد أن تكون متكافئة، وهنا لا شك في أن المراد الحِيَض، الأقراء الحيض، تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها قبل الاستحاضة، يعني معلوم أيامها من السادس إلى الثالث عشر من كل شهر، هذا ما في إشكال، استمر معها الدم سواء تغير لونه أو لم يتغير في اليوم السادس تقف لا تصوم ولا تصلي إلى الثالث عشر تغتسل وتصوم وتصلي، التي كانت تحيض فيها قبل الاستحاضة ثم بعد فراغها فراغ هذه الأيام تغتسل يعني مرة واحدة وتتوضأ عند كل صلاة، وتتوضأ على ما تقدم عند كل صلاة، وتصوم وتصلي بعد فراغها، بعد تمام أيام الأقراء تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة، عند كل صلاة هذا ظرف متعلق بتغتسل وإلا بتتوضأ؟ ويش المانع أن يكون للأمرين؟ تغتسل عند كل صلاة تتوضأ عند كل صلاة؟ وكما أن العطف على نية تكرار العامل يكون على نية تكرار المعمول أيضاً،(25/27)
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ثم قال: ((ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة وتصوم وتصلي)) يعني لو المراد أنها تغتسل عند كل صلاة ما احتجنا إلى أن تتوضأ، ما احتجنا إلى أن تتوضأ لكل صلاة، ولا شك أن مثل هذا يرجح أن الظرف (عند) متعلق بالثاني دون الأول، وإذا كان هناك متعلق تابع لجمل متعددة متعلق سواء كان وصف مؤثر أو ظرف أو جار ومجرور أو استثناء متعقب لجمل متعددة هل يكون عوده إلى الأخيرة فقط أو إلى جميع الجمل؟ مثل آية القذف: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(4 - 5) سورة النور] هذا الاستثناء راجع إلى الثلاث الجمل وإلا لا؟ أو إلى الأخيرة فقط؟ أو إلى الأولى والثانية فقط؟ أو إلى الثانية والثالثة فقط؟ يعني رجوعه إلى الأخيرة أمر متفق عليه ما فيه خلاف، ورجوعه إلى الأولى أيضاً متفق عليه أنه لا يرجع إليها، عدم رجوعه إلى الأولى لأنه حق آدمي الجلد ما يسقط بالتوبة، باتفاقهم، الخلاف في قبول الشهادة بعد ذلك، والمسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يقول: إذا ارتفع وصف الفسق قبلت شهادته وقد ارتفع وصف الفسق اتفاقاً؛ لأن رد الشهادة مربوط بالفسق، ومنهم من يقول: إن التأبيد في قوله: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [(4) سورة النور] يدل على أنه لا يرتفع بالتوبة، وتتوضأ عند كل صلاة وتصوم وتصلي، والحديث فيه أبو اليقظان ذكرنا أنه ضعيف لكن له شواهد.(25/28)
قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك نحوه بمعناه" نحوه بمعناه ما يحتاج أن يقول: بمعناه، يحتاج أن يقول: بمعناه ويقول: نحوه؟ لأنهم يفرقون بين مثله إذا قالوا: حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك بمثله، يفرقون بين قولهم: بمثله وبنحوه، بمثله يعني بلفظه وبنحوه يعني بمعناه، فالتصريح بالمعنى زيادة توكيد، وأخرجه أبو داود وضعفه، وأخرجه ابن ماجه أيضاً "قال أبو عيسى: هذا حديث قد تفرد به شريك عن أبي اليقظان، قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فقلت: عدي بن ثابت عن أبيه عن جده جد عدي ما اسمه؟ فلم يعرف محمد اسمه" ومحمد هذا هو الإمام البخاري "وذكرت لمحمد قول يحيى بن معين إن اسمه دينار فلم يعبأ به" يعني لم يلتفت إليه "وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إن اغتسلت لكل صلاة هو أحوط لها، وإن توضأت لكل صلاة أجزأها، وإن جمعت بين الصلاتين بغسل واحد أجزأها" فالاغتسال في كل صلاة ليس بواجب على المستحاضة، وهو قول الجمهور، وقال بعضهم: يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة على ما سيأتي من حديث أم حبيبة، ولكن الراجح قول الجمهور أنه لا يلزمها الغسل إذا اغتسلت مرة واحدة بعد الحكم بطهارتها من الحيض، ومن بعد ذلك يكفيها أن تتوضأ لكل صلاة، نعم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد:(25/29)
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو عامر العقدي قال: حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش قالت: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- أستفتيه وأخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش، فقلت: يا رسول الله إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما تأمرني فيها؟ فقد منعتني الصيام والصلاة، فقال: ((أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم)) قالت: هو أكثر من ذلك، قال: ((فتلجمي)) قالت: هو أكثر من ذلك، قال: ((فاتخذي ثوباً)) قالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجاً، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((سآمرك بأمرين، أيهما صنعت أجزأ عنك، فإن قويت عليهما فأنت أعلم)) فقال: ((إنما هي ركضة من الشيطان، فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي فإذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعاً وعشرين ليلة أو ثلاثاً وعشرين ليلة وأيامها، وصومي وصلي، فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن، فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلين حين تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعاً، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الصبح وتصلين، وكذلك فافعلي، وصومي إن قويت على ذلك)) فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وهو أعجب الأمرين إلي)).(25/30)
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، ورواه عبيد الله بن عمرو الرقي وابن جريج وشريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران عن أمه حمنة إلا أن ابن جريج يقول: عمر بن طلحة، والصحيح عمران بن طلحة، قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن، وهكذا قال أحمد بن حنبل: هو حديث حسن صحيح، وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إذا كانت تعرف حيضها بإقبال الدم وإدباره، فإقباله أن يكون أسود، وإدباره أن يتغير إلى الصفرة، فالحكم لها على حديث فاطمة بنت أبي حبيش، وإن كانت المستحاضة لها أيام معروفة قبل أن تستحاض فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي، وإذا استمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة ولم تعرف الحيض بإقبال الدم وإدباره، فالحكم لها على حديث حمنة بنت جحش، وكذا قال أبو عبيد، وقال الشافعي: المستحاضة إذا استمر بها الدم في أول ما رأت فدامت على ذلك فإنما تدع الصلاة ما بينها وبين خمسة عشر يوماً، فإذا طهرت في خمسة عشر يوماً أو قبل ذلك فإنها أيام حيض، فإذا رأت الدم أكثر من خمسة عشر يوماً فإنها تقضي صلاة أربعة عشر يوماً، ثم تدع الصلاة بعد ذلك أقل ما تحيض النساء وهو يوم وليلة.
قال أبو عيسى: واختلف أهل العلم في أقل الحيض وأكثره، فقال بعض أهل العلم: أقل الحيض ثلاثة، وأكثره عشرة، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، وبه يأخذ ابن المبارك، وروي عنه خلاف هذا، وقال بعض أهل العلم منهم عطاء بن أبي رباح: أقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً، وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد.
يقول -رحمه الله تعالى-:(25/31)
"باب: ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد" يعني تقدم أن المستحاضة إذا ذهبت أيام أقرائها لزمها الغسل كغيرها، إذا انتهى حيضها يلزمها الغسل، وأما أمرها بالغسل لكل صلاة فلم يثبت من قوله -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان أكمل وأتم، وإنما المطلوب منها أن تتوضأ لكل صلاة، فإذا اختارت أن تغتسل للصلوات فلأرفق بها أن تجمع بين هذه الصلوات جمعاً صورياً بحيث تأخر الصلاة الأولى إلى أخر وقتها، وتقدم الصلاة الثانية إلى أول وقتها، فتصلي الصلاتين في وقتيهما، لكنها تقدم الثانية وتؤخر الأولى حتى لا تحتاج إلى غسل ثاني، ما دامت اختارت لنفسها أن تغتسل لكل صلاة كأم حبيبة.(25/32)
قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو عامر العقدي" عبد الملك بن عمرو، ثقة، قال: "حدثنا زهير بن محمد" التيمي، لا بأس به "عن عبد الله بن محمد بن عقيل" الهاشمي، صدوق، تكلم فيه من قبل حفظه "عن إبراهيم بن محمد بن طلحة" التيمي، ثقة "عن عمه عمران بن طلحة" وهو تابعي ثقة "عن أمه حمنة بنت جحش" حمنة هذه كانت تحت طلحة بن عبيد الله، وجاءت منه بعمران "عن أمه حمنة بنت جحش" أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- "قالت حمنة: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة" وفي بعض النسخ: "كبيرة" بدل كثيرة، استحاضُ حيضة الأصل أن تقول: استحاضة، لكن حيضة اسم مصدر، والمصدر استحاضة، كما في قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [(17) سورة نوح] اسم مصدر، وهو الذي تقل فيه حروفه عن حروف فعله، وأما المصدر فهو الإنبات كثيرة في الكمية، شديدة في الكيفية "فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- أستفتيه وأخبره" أستفتيه وأخبره الأصل أن الخبر يكون قبل الاستفتاء، لكن الواو هذه لا تفيد ترتيب، إنما هي لمطلق الجمع وإلا فالأصل أن تقول: أخبره وأستفتيه "فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش -أم المؤمنين- فقلت: يا رسول الله إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما تأمرني؟ " تسأل، فـ (ما) هذه استفهامية "فما تمرني فيها؟ " أي في الحيضة حال وجودها "فإنها قد منعتني الصيام والصلاة" لعلمها أن الحائض لا تصوم ولا تصلي، وعلى زعمها أن المستحاضة مثل ذلك، مثل الحائض، قال -عليه الصلاة والسلام-: ((أنعت لك الكرسف)) أصف لك الكرسف ((فإنه يذهب الدم)) يعني يشرب الدم ويمنع خروجه، يذهب الدم يعني يشربه ويمنع خروجه، فكأنه غير موجود، الكرسف هو القطن، يقول ابن العربي: وصف لها الكرسف مع قلته عندهن، وترك الصوف مع كثرته، يعني في بلاد العرب القطن لا يوجد، بينما الصوف موجود وكثير، لماذا وصف القطن وترك الصوف مع كثرته؟ يقول: لحكمة لسنا لها يقول ابن العربي، لكن الظاهر أنها واضحة ما تبي، القطن يشرب الصوف ما يشرب، والدم والسائل يتخلل الصوف، يمشي ويخرج بينما القطن لا يتخلله، لا يتخلله، فالمسألة ظاهرة، الأمر الثاني: أن القطن لا(25/33)
يؤذي بخلاف الصوف فإنه يؤذي، الحكمة ظاهرة، وإن قال ابن العربي: لسنا لها، لكنها ظاهرة، قد يخفى الشيء الواضح البين على الكبير، وإلا فابن العربي عنده دقة في الاستنباط قل أن توجد عند غيره، ومع ذلك قال: هذه حكمة لسنا لها.(25/34)
((أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم)) قالت: هو أكثر من ذلك" هو تعني الدم أكثر من أن يقف في وجه كرسف أو قطن أو ما أشبه ذلك "قال: ((فتلجمي)) يعني بخرقة تمنع خروج الدم كما يمنع اللجام الدابة، ((فتلجمي)) قالت: هو أكثر من ذلك" ما يفيد لا قطن ولا لجام ولا غيره "قال: ((فاتخذي ثوباً)) -يعني تحت اللجام- قالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجاً" يعني تصب الدم صباً قوياً، والثج: هو الصب بقوة {مَاء ثَجَّاجًا} [(14) سورة النبأ] وأفضل الحج العج والثج، يعني نهر الدم من الهدايا والأضاحي وغيرها "قالت هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجاً، فقال -النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((سآمرك بأمرين، أيهما صنعت أجزأ عنك، فإن قويت عليهما)) يعني قدرت على الأمرين ((فأنت أعلم)) بما تختارين منهما "فقال: ((إنما هي -يعني الاستحاضة- ركضة من الشيطان)) أصلها الضرب في الأرض، الضرب بالرجل، الركظة الضرب بالرجل كما في جاء في قصة أيوب، ((إنما هي ركضة من الشيطان)) يعني للتلبيس على المرأة في عباداتها ((فتحيضي)) يعني أجلسي كما تجلس الحائض ((ستة أيام أو سبعة أيام)) كغالب النساء، غالب السناء تجلس ستة أو سبعة، لكن تنظر إلى أقرب الناس إليها إلى أمها وأخواتها وعماتها وخالاتها فإن كن يجلسن ستة أيام جلست ستة، وإن كن يجلسن سبعة جلست سبعة فتنظر في العدد المناسب لنسائيها وبعضهم يقول: (أو) هذه للشك، ومنهم من يقول: هي للتخيير إن شاء جلست ستة أو سبعة، ويقول النووي: هي للتقسيم، فقسم من النساء يجلس ستة وقسم يجلس سبعة، وعلى هذا تجلس ما يجلسه أقرب نسائها إليها ((في علم الله -أي من أمرك من الست أو السبع- ثم اغتسلي بعد انقضائها فإذا رأيت -يعني علمت- أنك قد طهرت واستنقأت)) طهرت أيضاً وإن كان أصله غير مهموز استنقيتي ويجوز الهمز هنا، وإن قال بعضهم: إنه لحن شاذ، لكن الهمز معروف حتى في القراءة: "النبيئون" نعم؟ إيه الهمز معروف عند العرب، نعم، ((فصلي أربعاً وعشرين ليلة)) يعني إن جلست ست ((أو ثلاثاً وعشرين ليلة)) إن جلست سبع، وأيامها ليس المراد بذلك اليالي فقط ((ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين)) في بعض النسخ بحذف النون في جميع هذه الكلمات، تطهري،(25/35)
وتصلي، تؤخري، تعجلي، تغتسلي، بحذف النون ((وتجمعين بين الصلاتين ففعلي، وتغتسلين مع الصبح وتصلين وكذلك ففعلي وصومي)) يعني في هذه المدة ((إن قويت على ذلك)) لماذا لأن خروج الدم يضعف البدن عن الصيام، يعني كما قيل نظيره في الحجامة ((إن قويت على ذلك)) فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وهو أعجب الأمرين إلي)) أعجب الأمرين إليه، هذا الأمر الثاني هو الجمع بين الصلاتين بغسل واحد، والأمر الأول اللي هو الوضوء لكل صلاة، والأمر الثاني: الجمع بين الصلاتين، وتغتسل ثلاث مرات، بدلاً من خمس، يعني الجمع بين الصلاتين بغسل واحد هذا أعجب الأمرين، ومنهم من يقول: إن الاغتسال لكل صلاة هو الأمر الثاني، وعلى كل حال الشيء المرجح أنه لا يلزمها أن تغتسل لكل صلاة، وإنما تتوضأ لكل صلاة كمن به حدث دائم، وإن جمعت واغتسلت لكل صلاتين فهذه هو الأعجب إليه -عليه الصلاة والسلام-.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود وأحمد وابن ماجه، وفي إسناده ابن عقيل، وقد تكلم فيه من قبل حفظه، لكنه في مرتبة الحسن "ورواه عبيد الله بن عمرو الرقي، وابن جريج وشريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران عن أمه حمنة إلا أن ابن جريج يقول: عمر بن طلحة، والصحيح عمران بن طلحة" ومثل هذا يحصل من هؤلاء الثقات هل هو عمر أو عمران؟ كما حصل من مالك -رحمه الله- حينما قال: عمر بن عثمان وغيره يقول: عمرو بن عثمان.
. . . . . . . . . ... ومالك سمى ابن عثمان عمر(25/36)
"قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن صحيح" قال: "وهكذا قال أحمد بن حنبل: هو حديث حسن صحيح، وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إذا كانت تعرف حيضها بإقبال الدم وإدباره وإقباله أن يكون أسود، وإدباره أن يتغير إلى الصفرة"، يخف فتجلس على تمييزها، تجلس عادتها على تمييزها إذا كانت مميزة، إذا كانت ذات تمييز "فالحكم لها" يعني الحكم العادة بالتمييز على حديث فاطمة بنت أبي حبيش، وفي حديثها: "فإن دم الحيض أسود يعرف"، "وإن كانت المستحاضة لها أيام معروفة قبل أن تستحاض -يعني معتادة- فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي" يعني إذا كانت معتادة عملت بالعادة، إذا كانت مميزة عملت بالتمييز، إذا كانت معتادة ومميزة في آن واحد واتفقت العادة مع التمييز فيه إشكال وإلا ما في إشكال؟ ما في إشكال، لكن الإشكال لو اختلفت العادة مع التمييز، عادتها ستة أيام فجاء في ثلاثة أيام أسود يعرف له رائحة، وهو الذي كان يأتيها قبل ذلك، ثم تغير لونه في الثلاثة الأخيرة، وصار كغيره من أيام الاستحاضة، يعني إذا اختلفت العادة مع التمييز فمنهم من يرجح التمييز؛ لأنه هو الذي يحدد الفرق بين العادة وغيرها، وأما بقية الأيام من غير تمييز فلا فرق بين الخامس والسادس والسابع والثامن ما في فرق بينما هناك فرق بين الأول والثاني والثالث وما بعدها من أيام وما قبلها من أيام، فعلى هذا يعمل بالتمييز على هذا القول، ولا شك أن التمييز قرينة قوية على أن هذه عادتها؛ لأن هذا لونه قبل الاستحاضة "وإن كانت المستحاضة لها أيام معروفة قبل أن تستحاض فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي" يعني إذا كانت معتادة تعمل بعادتها "وإذا استمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة ولم تعرف الحيض بإقبال الدم وإدباره" يعني ليست معتادة ولا ذات تمييز، مالها عادة معينة بأن كانت عادتها مضطربة أو كانت مبتدئة، ولا تمييز لها يعني لا يختلف لون الدم عندها "فالحكم لها على حديث حمنة بنت جحش" يعني فترجع إلى عادة غالب نسائها ستة أو سبعة، ومحصل القول أو حاصل قول أحمد وإسحاق إن كانت معتادة رجعت إلى عادتها سواء كانت مميزة أو غير(25/37)
مميزة هم يقدمون العادة، وإن كانت غير معتادة عملت بالتمييز، وإن كانت غير معتادة ولا مميزة عملت بعادة غالب نسائها، ورجح بعضهم التمييز على العادة، ومنع أبو حنيفة التمييز مطلقاً، يعني ما له قيمة اختلاف الدم عنده، ولا شك أنه جاء به ما يدل عليه.
"وقال الشافعي: المستحاضة إذا استمر بها الدم في أول ما رأت فدامت على ذلك فإنها تدع الصلاة ما بينها وبين خمسة عشر يوماً، فإذا طهرت في خمسة عشر يوماً أو قبل ذلك" فإنها أيام حيض "فإذا رأت الدم أكثر من خمسة عشر يوماً فإنها تقضي صلاة أربعة عشر يوماً، ثم تدع الصلاة بعد ذلك أقل ما تحيض النساء وهو يوم وليلة"
"قال أبو عيسى: واختلف أهل العلم في أقل الحيض وأكثره، فقال بعض أهل العلم -وهو مذهب أبي حنيفة وصاحبيه-: أقل الحيض ثلاثة، وأكثره عشرة" وفيه حديث لكنه ضعيف جداً "وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، وبه يأخذ ابن المبارك، وروي عنه خلاف هذا، وقال بعض أهل العلم منهم عطاء بن أبي رباح: أقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً، وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد" هذا قول الجمهور، واستدل لهذا القول بحديث: ((تمكث إحداكن شطر دهرها لا تصلي)) تمكث إحداكن شطر دهرها ولا تصلي يعني خمسة عشر يوماً هذا نصف الدهر، لكن هذا الحديث لا يثبت، وإذا عرف ضعف الأحاديث من الجانبين، إذا عرف ضعف الأحاديث من الجانبين، لا أحاديث الحنفية ولا أحاديث الجمهور فيرجع في مثل هذا كغيره من المسائل أو من النصوص المطلقة، المسائل والأحكام المطلقة في النصوص يرجع فيها إلى العرف والعادة، فإذا نظر لأقل حيض يقع في الوجود إذا وجد هذا جعل الأقل، وإذا وجد مدة أكثر حيض في الوجود رجع إليه، لكن بعض النساء لا تحيض في الشهرين إلا مرة، هل نقول: إن أقل الحيض في الشهرين مرة أو في الثلاثة الأشهر مرة؟ أو أن ما يخرج عن الحيض في كل شهر نادر جداً لا يعلق عليه أحكام؟ فيجعل حيضها في كل شهر، لكن أقل الحيض عند هؤلاء نظراً للعرف يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً، وإن وجد من تحيض ستة عشر أو سبعة عشر، لكن هذا في غاية الندرة، فلا يلتفت إليه.
سم.
إيه كمل هذا الباب.
عفا الله عنك.(25/38)
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة:
حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة -رضي الله عنه- أنها قالت: استفتت أم حبيبة ابنة جحش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني أستحاض فلا أطهر، أفأدعُ الصلاة؟ فقال: ((لا، إنما ذلك عرق فاغتسلي ثم صلي)) فكانت تغتسل لكل صلاة.
قال قتيبة: قال الليث: لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر أم حبيبة أن تغتسل عند كل صلاة، ولكنه شيء فعلته هي.
قال أبو عيسى: ويروى هذا الحديث عن الزهري عن عمرة عن عائشة قالت: استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال بعض أهل العلم: المستحاضة تغتسل عند كل صلاة، وروى الأوزاعي عن الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة" تقدم أن المرجح أنها تغتسل وجوباً عند انقضاء عادتها سواء كانت معتادة أو مميزة أو عاملة بعدة غالب نسائها، على ما جاء في الأحاديث السابقة، وما جاء أنها تغتسل عند كل صلاة، جاء في هذا الحديث، لكن ليس فيه أمر من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإنما فيه أن أم حبيبة تغتسل عند كل صلاة اجتهاد منها، أو فهماً منها مما لم يفهمه غيرها.(25/39)
قال: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة" ابن شهاب يروي الحديث عن عروة، وأحياناً يرويه عن عمرة، وأحياناً يرويه عن عروة وعمرة، وليس هذا بقادح ولا باضطراب، وإنما هو يرويه على الأوجه الثلاثة، فالوجه الأول: عن عروة عن عائشة أنها قالت: استفتت أم حبيبة ابنة جحش أخت حمنة وكانت أم حبيبة هذه تحت عبد الرحمن بن عوف، وحمنة تحت طلحة، وأختهما زينب أم المؤمنين تحت النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكانت تحت زيد بن حارثة، وبنات جحش الثلاث قيل: إنهن كلهن مبتليات بالاستحاضة، مبتليات بالاستحاضة، بما فيهن زينب أم المؤمنين، وقد ذكر البخاري -رحمه الله تعالى- ما يدل على أن بعض أمهات المؤمنين كانت مستحاضة، فإن صح أن بنات جحش مستحاضات فهي زينب، ومنهم من يقول: سودة، فهي زينب، وقد عد العلماء المستحاضات في عصره -صلى الله عليه وسلم- فبلغن عشر نسوة "استفتت أم حبيبة ابنة جحش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني أستحاض" بالبناء للمفعول؛ لأنه من فعل الشيطان بخلاف الحيض فهو مكتوب على بنات آدم "فلا أطهر" يعني مدة طويلة، تستحيض بعضهن سبع سنين مستحاضة مسكينة، وهذا ابتلاء من الله -جل وعلا- كغيره من المصائب تؤجر عليه، ويكفر به من سيئاتها "أفادع" أتركوا الصلاة "أفأدع مادامت الاستحاضة؟ فقال: ((لا إنما ذلك عرق)) يعني دم عرق انفجر ((فاغتسلي ثم صلي حتى يأتي وقت عادتك)) فكانت أم حبيبة تغتسل لكل صلاة.
والحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما "قال قتيبة: قال الليث: لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر أم حبيبة أن تغتسل عند كل صلاة، ولكنه شيء فعلته هي" يعني اجتهاد منها هي فلا يجب على غيرها.(25/40)
"قال أبو عيسى: ويروى هذا الحديث عن الزهري عن عمرة" هذا الوجه الثاني، الأول الزهري عن عروة، والوجه الثاني الزهري عن عمرة "عن عائشة قالت: استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال بعض أهل العلم: المستحاضة تغتسل عند كل صلاة" وبه قال ابن عمر وابن الزبير والجمهور على أنه لا يجب الغسل إلا مرة واحدة عند انقضاء حيضها، وروي عن علي وابن عباس أنها تغتسل كل يوم غسلاً واحداً، يعني جاء في الحديث: "من الطهر إلى الطهر"، "تغتسل من الطهر إلى الطهر"، ورواه بعضهم: "من الظهر إلى الظهر"، وقال بعضهم: "من الظهر" هذا تصحيف، والأصل: "من الطهر وإلى الطهر" وقال بعضهم: لا من الظهر إلى الظهر ليس بتصحيف، يعني ويش المانع من أن تغتسل في اليوم مرة واحدة، وقال بذلك علي وابن عباس أنها تغتسل غسلاً واحداً، وقال الحسن وسعيد: إنها تغتسل الظهر؛ لأن الظهر أرفق بها؛ لأنه وقت دفء بخلاف غيره من الأوقات، من الظهر إلى الظهر، والمرجح أنه لا يلزمها إلا الغسل الأول بعد انقضاء عادتها "وروى الأوزاعي" يعني الوجه الثالث "عن الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة" كليهما، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(25/41)
شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (26)
شرح: باب: ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة، وباب: ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرأن القرآن، وباب: ما جاء في مباشرة الحائض، وباب: ما جاء في مواكلة الحائض وسؤرها، وباب: ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد, وباب: ما جاء في كراهية إتيان الحائض، وباب: ما جاء في الكفارة في ذلك.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يطلب إعادة قاعدة: التأسيس خير وأولى من التأكيد، في حديث: ((الصعيد الطيب طهور أحدكم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتقِ الله وليمسه بشرته))؟
ذكرنا بالأمس أن يتقي الله وليمسه بشرته عما مضى من حدث أو عما يستقبل؟ إلا أنه إذا قلنا: عما مضى يكون مؤسساً لحكم جديد، وأن التيمم لم يعرف الحدث الأكبر رفعاً مطلقاً، وإنما رفعه رفعاً مؤقتاً، وإذا قلنا: أنه يمسه بشرته لما يستقبل من الأحداث قلنا: الخبر ما جاء بشيء البتة؛ لأن جميع نصوص الطهارة تدل على ذلك، والتأسيس -تأسيس حكم جديد- أولى من تأكيد أحكام ثبتت بنصوص أخرى.
يقول: هل يقبل تفرد محمد بن إسحاق في حديث سهل بن حنيف في نضح الثوب في المذي؟ وهل صحيح أن محمد بن إسحاق لا يقبل تفرده ولو صرح بالتحديث في أحاديث الأحكام؟
أولاً: محمد بن إسحاق إمام في المغازي، وإذا روى في هذا الباب فهو ثقة، وإذا روى في غيره من أبواب الدين فالقول المعتدل من أقوال أهل العلم بين التوثيق المطلق، وبين رميه بالكذب، القول الوسط أنه صدوق، لكنه مع ذلك مدلس لا بد أن يصرح بالتحديث، فإذا صرح بالتحديث أمنا تدليسه، فخبره مقبول.
يقول: هل زيادة: "غسل الأنثيين" ثابتة في حديث علي -رضي الله عنه-؟ وهل يصلح حديث عبد الله بن سعد كشاهد له؟ وما الراجح في المسألة؟
أما من حيث الأثر فالزيادة هذه فيها كلام لأهل العلم، وأما من حيث النظر فأهل العلم يقولون: إن الإنثيين إفراز المادة التي هي المذي منهما، وإذا نضح بالماء وبرد فانقبض عن الإفراز هذا من حيث المعنى، وأهل العلم يقولون بالاستحباب لهذا ولو لم يثبت الخبر.(26/1)
هل يحرم على الجنب قص الأظفار وحلق العانة أو قص الشعر مطلقاً من أي مكان من الجسد؟
لا لا يحرم عليه، بل يندب له أخذ الزايد ولا يجوز له أن يتركه أربعين يوماً.
يقول: هل يباح أكل التمساح ومن على شاكته من الحيوانات البرمائية إن كان ميتاً؟
إذا كان يعيش في البر ويعيش في البحر فإنه لا يجوز أكله؛ لأنه ميتة، والحل ميتته ميتة البحر مخصوص بما لا يعيش إلا في البحر.
يقول: هل يلحق بحيوانات البر من لها ناب بعدم أكلها أو أنه خاص بحيوانات البر؟
يعني ما جاء في حديث: ((الحل ميتته)) يقتضي أن ما مات فيه يجوز أكله مما لا يعيش إلا فيه، والميتة معروف أنها محرمة في البر، فهل يجري هذا على كل محرم في البر أنه يجوز أكل نظيره في البحر؟ ما دامت الميتة وهي أشد المحرمات ولا تباح إلا لضرورة تباح ميتة البحر فهل يقال بجميع ما منع نظيره في البر يباح نظيره في البحر مثل إنسان البحر كلب البحر خنزير البحر يجوز أكله أو لا يجوز؟ عموم الأخبار تدل على جوازها، والذي يدخل هذه المسميات في عموم النصوص الواردة ولا يستثني من ذلك إلا الميتة لا شك أن هذا قول معروف عند أهل العلم {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ} [(145) سورة الأنعام] يعني يدخل خنزير البحر في هذه الآية أو لا يدخل؟ المسألة معروفة عند أهل العلم أن ما حرم نظيره في البر هل يجوز أكله في البحر أو لا يجوز؟ وإطلاق الأحاديث الدالة على حل ميتة البحر ما لا يعيش إلا فيه يدل عل أن كل ما فيه يجوز.
يقول: هل قصة سعيد بن المسيب قوله لمن فتح السين: "سيبونا سيبهم الله"؟ ومن رواها؟(26/2)
المعروف المشتهر المستفيض عند أهل العلم أنه قال: "سيب الله من سيب أبي" فالمسيب أبوه، وعلى كل حال هو المشتهِر، المشهور الفتح ولو نقل عنه ما نقل، المشتهر الفتح، وعلى كل حال من اتقى هذه الدعوة إن ثبتت فالأمر سهل، يعني لو قال: المسيِب يتقي هذه الدعوة بقدر الإمكان، ولا يبعد أن يكون أبوه بالفتح، لكنه رأى أن هذا من التسيب وهو الترك، مثلما أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- تغير اسم جده حزن إلى سهل، فقال جده للنبي -عليه الصلاة والسلام-: السهل يوطأ، وما قبل التغيير هذا، يقول سعيد: ما زالت الحزونة فينا، وأما بالنسبة للتسييب هل ما زال فيهم أو ما زال؟ إن كان سعيد المسيِب فلا بقي أحد، سعيد إمام أئمة المسلمين، عند الإمام أحمد هو أفضل التابعين على الإطلاق، هو أفضل التابعين على الإطلاق عند الإمام أحمد، وإن كان أصحابه من الحنابلة خصوا ذلك بالعلم وإلا فأويس القرني أفضل منه بالنص.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة:
حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن معاذة أن امرأة سألت عائشة -رضي الله عنها- قالت: أتقضي إحدانا صلاتها أيام محيضها؟ فقالت: أحرورية أنتِ؟! قد كانت إحدانا تحيض فلا تؤمر بقضاء.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي عن عائشة من غير وجه أن الحائض لا تقضي الصلاة، وهو قول عامة الفقهاء لا اختلاف بينهم في أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:(26/3)
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة" الحائض لفظ يطلق ويراد به المتلبسة بهذا الوصف، ويطلق ويراد به من بلغت سن المحيض، يطلق ويراد به المتلبسة بالحدث المعروف كما أنه يطلق ويراد به من بلغت سن المحيض "أتقضي إحدانا صلاتها أيام محيضها؟ " يعني أيام تلبسها بالحيض، ولا نزاع في ذلك، وفي قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) معناه المتلبسة بالمحيض، والمراد هنا الحائض ... ، ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) المراد من بلغت سنة المحيض، ولا يقال: إن الصلاة مطلوبة من الحائض لكنها لا بد أن تختمر، المراد بالحائض من بلغت سنة المحيض المكلفة، وليست المتلبسة بحيض، فالصلاة والصيام لا يصحان منها، يعني المتلبسة بالحيض، بل يحرمان عليها أثناء حيضها، وإذا طهرت من محيضها لزمها قضاء الصوم ولا تقضي الصلاة كما هو مفاد هذا الحديث وغيره.(26/4)
قال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب -السختياني- عن أبي قلابة" عبد الله بن زيد الجرمي، وكلهم الثقات الذين مروا "عن معاذة" ثقة أيضاً، بنت عبد الله العدوية "أن امرأة سألت عائشة" امرأة هذا مبهم، يسمونه في علوم الحديث مبهم، والمبهم فيه المؤلفات سواء كان الإبهام في الإسناد أو في المتن، وهنا الإبهام في المتن، ومن أجمع هذه المؤلفات: (المستفاد من مبهمات المتن والإسناد) للحافظ أبي زرعة ابن الحافظ العراقي، جاء تسمية المرأة وبيان هذا المبهم بأنها هي معاذة "عن معاذة أن امرأة سألت عائشة" فأحياناً تقول: سألت عائشة، وأحياناً تقول: إن امرأة سألت عائشة، والإبهام له فوائد: منها: الستر على هذا المبهم؛ لأن الجواب فيه شدة، فأحياناً ينشرح صدرها لتسمية نفسها، وأن هذا لا يؤثر عليها مثل هذا الجواب القوي، وأحياناً تكون النفس دون ذلك، فلا تصرح باسمها، والتسمية أيضاً والبحث عن المبهم عند أهل العلم مهم جداً، ولو لم يكن من فوائده إلا معرفة تقدم هذا الذي ورد ذكره في الخبر أو تأخره، وأحياناً يكون فيه من الصفات والأحوال ما يحمل عليه الخبر، لا سيما إذا عورض، المقصود أن المبهمات بيانها وتمييزها مهم عند أهل العلم "قالت: إن امرأة سألت عائشة قالت" يعني في سؤالها "أتقضي إحدانا صلاتها أيام محيضها؟ " لأنها تجزم أنها لا تصلي وقت المحيض ولا تصوم، وأنها تقضي الصيام، عندها خبر أنها تقضي الصيام، لكن هل الصيام يقاس عليه الصلاة أو أن هذا الحكم يخصه؟ وهي تسأل سؤال المتعلم لا سؤال المتعنت، وإن كان الجواب كأنها عوملت معاملة من يطلب الدليل على ذلك، ويتعنت في سؤاله "فقالت عائشة -رضي الله عنها-: أحرورية أنت؟! " استفهام إنكاري، تنكر عليها هذا السؤال، ولا شك أن مثل هذا السؤال محتمل؛ لئن يكون للإفادة وطلب العلم، وأن يكون للتعجيز، أو يكون لطلب الدليل، أو يكون لأي أمر من الأمور، أو لأن السائل ممن يعتقد ما سأل عنه، ولذا قالت: أحرورية أنت؟! نسبة إلى حروراء بلدة على ميلين من الكوفة، أول ما خرج الخوارج منها، الخوارج انبعثوا في أول الأمر على علي -رضي الله تعالى عنه- منها، فصارت نسبة الخوارج إليها، ولو(26/5)
عاشوا في غيرها، ولو نشوا ووجود في غيرها بناء على أن الأصل منها، أحرورية أنت؟! لأن الخوارج يرون أن الحائض تقضي الصلاة كالصوم، ولا شك أن الذي يشم من سؤاله موافقة المبتدعة يمكن أن يشد عليه في القول، وإن كانت المسألة مسألة دعوة حتى في جانب المبتدع فإن كان إغلاظ القول له أجدى وأنفع وأردع له ولغيره اتجه وإلا فالأصل اللين في الدعوة والرفق بالمدعو كما هي عادته وديدنه -عليه الصلاة والسلام-، "فقالت: أحرورية أنت؟! " وفي بعض الروايات: "قالت: لا" لكني أسأل سؤالاً مجرداً من أجل العلم والفقه في هذه المسألة، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما جاءه من يستأذنه في الزنا رفق به -عليه الصلاة والسلام-، فقال: ((أترضى أن يزنى بأمك؟ )) قال: لا، ((بأختك؟ )) قال: لا ((ببنتك؟ )) قال: لا، لكن مثل ما ذكرنا أن المسألة مسألة علاج لهذا السائل ولهذا المدعو، وأمرنا أن ننزل الناس منازلهم، فإذا فهمنا أن هذا متعنت لا شك أنه يعامل معاملة تختلف عما إذا كان متعلماً مستفهماً، فلكل مقام مقال، ثم قالت عائشة: "قد كانت إحدانا تحيض" يعني في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- "فلا تأمر بقضاء" أي لا يأمرها النبي -عليه الصلاة والسلام- بقضاء، وفي رواية مسلم: "فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" لا نؤمر بقضاء الصلاة؛ لأن الصلاة كما قال أهل العلم تتكرر فيشق قضاؤها، وأما بالنسبة للصوم فإنه لا يتكرر فلا يشق قضاؤه، هذا ما ذكره أهل العلم، والأصل في هذا كله ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-، وليس لأحد كلام ولا نزاع في أن يقول: لماذا هذا يقضى وهذا لا يقضى؟ وإن كنا نسمع ونقرأ بعض من ينبش عن هذه الأمور، ويرى أن الشرع جاء بالتفريق بين المتماثلات والجمع بين المختلفات على حد زعمهم، ونبتت نابتة من يستعملون العقول ويحكمونها في النصوص، هؤلاء لا يلتفت إليهم، هؤلاء قوم مفتونون، لا يلتفت إليهم وإلا فالأصل أن قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، إذا صح الخبر عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، لا مجال للكلام، سمعنا واطعنا، وأما الذين يتبعون المتشابه من أهل الزيغ، ويرون أن هذه المسألة نظيرها كذا وهذه أبيحت وهذه منعت، هذا لا شك(26/6)
أنهم هم أهل الزيغ الذين يتبعون المتشابه، ولذلك تجدوهم في النصوص المحكمة ما يناقشون؛ لأن الرد عليهم سهل، وأما بالنصوص المتشابهة فإنهم يعمدون إليها ويضربون بها المحكم، وهذه طريقة أهل الزيغ من الصدر الأول.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج في الصحيحين وغيرهما "وقد روي عن عائشة من غير وجه أن الحائض لا تقضي الصلاة" يعني الحكم مجمع عليه، نقل عليه ابن المنذر وغيره الإجماع وأن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة إلا ما يذكر عن الخوارج، ولا يعتد بقولهم لا بموافقتهم ولا بمخالفتهم "وهو قول عامة الفقهاء لا اختلاف بينهم في أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة".
ذكر عبد الرزاق عن معمر أنه سأل الزهري عن ذلك فقال: اجتمع الناس عليه، ولا يعرف مخالف إلا عن الخوارج فيما نقله ابن عبد البر وغيره، وأما سمرة بن جندب فكان يقول بالقضاء حتى بلغه الخبر، وهذا لا شك أنه شأن مريد الحق، أنه قد يقول بقول بناء على الأوامر العامة ثم إذا بلغه ما يُخرِج عن هذه الأمور من نصوص خاصة وقف عنده.
سم.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرأن القرآن:
حدثنا علي بن حجر والحسن بن عرفة قالا: حدثنا إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن)).
قال: وفي الباب عن علي.(26/7)
قال أبو عيسى: حديث ابن عمر لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يقرأ الجنب ولا الحائض)) وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا: لا تقرأ الحائض ولا الجنب من القرآن شيئاً إلا طرف الآية والحرف ونحو ذلك، ورخصوا للجنب والحائض في التسبيح والتهليل، قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: إن إسماعيل بن عياش يروي عن أهل الحجاز وأهل العراق أحاديث مناكير كأنه ضعف روايته عنهم فيما ينفرد به، وقال: إنما حديث إسماعيل بن عياش عن أهل الشام، وقال أحمد بن حنبل: إسماعيل بن عياش أصلح من بقية ولبقية أحاديث مناكير عن الثقات، قال أبو عيسى: حدثني بذلك أحمد بن الحسن قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول ذلك.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرأن القرآن" في حال الحيض والجنابة؛ لأن هذا حدث أكبر يمنع عن أشياء أكثر مما يمنع منه الحدث الأصغر، وهذا معروف مفصل في كتب الفروع، وهنا يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثنا علي بن حجر والحسن بن عرفة" بن يزيد العبدي، وهو صدوق "قالا: حدثنا إسماعيل بن عياش" بن سليم الحمصي، حديثه عن الشاميين قوي بخلاف حديثه عن غيرهم من الحجازيين والعراقيين ففيه ضعف، والحديث هنا عن حجازي "عن موسى بن عقبة" إمام أهل المغازي "عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقرأ الحائض)) لا تقرأِ الحائض بناء على أن (لا) ناهية تجزم المضارع، ويكسر هنا من أجل التقاء الساكنين {يَرْفَعِ اللَّهُ} [(11) سورة المجادلة] وإلا فالأصل أن الجر لا يدخل الأفعال، بل هو من علامات الأسماء، والكسر هنا إنما هو لالتقاء الساكنين، وفي بعض النسخ بالرفع: ((لا تقرأُ الحائض)) وعلى أن (لا) نافية، وهو خبر يراد به النهي، وهو أبلغ من النهي الصريح عند أهل العلم ((لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن)) شيئاً نكرة في سياق النفي أو النهي فتعم القليل والكثير، شيئاً لا قليل ولا كثير.(26/8)
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن علي" في المسند وفي السنن الأربعة، قال علي -رضي الله تعالى عنه-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرؤنا القرآن ما لم نكن جنباً" وهو في المسند وفي السنن الأربعة، رواه الخمسة، وفي هذا دليل على أنه لا يجوز للجنب ولا الحائض قراءة شيئاً من القرآن، وفي الباب عدة أحاديث لا تسلم من مقال، ولا شك أن ما جاء في الجنب أكثر مما جاء في الحائض.
قال أبو عيسى .... ، قبل ذلك حديث علي الذي أشار إليه الترمذي عند الخمسة، مخرج عند الخمسة "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرؤنا القرآن ما لم نكن جنباً" مداره على عبد الله بن سلمة وقد ضعف، لكن الذي رجحه ابن حجر أن الحديث لا ينزل عن درجة الحسن، وكما هو واضح لا يدخل فيه الحائض، بل هو خاص بالجنب، والحائض في حديث ابن عمر حديث الباب.
"قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة" موسى بن عقبة حجازي، ورواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وروايته فيها ضعف، ورجح أبو حاتم وقفه، يعني عن ابن عمر يعني من قوله، قال -رحمه الله-: "وهو قول أكثر أهل العلم" يعني منع الجنب والحائض من القراءة هو قول أكثر أهل العلم "من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق" هؤلاء كلهم يقولون: لا تقرأ الحائض ولا الجنب من القرآن شيئاً، وذلكم لأن الحدث أكبر، والكلام عظيم، ولا يناسبه الظرف والحال حال من تلبس بجنابة أو حيض لا يناسب قراءة القرآن هذا الكلام العظيم الذي من قام يقرأه كأنما خاطب الرحمن، فهذا الكلام إنما يليق به الكمال من الطهارة وحسن الهيئة وغير ذلك مما كان يفعله سلف هذه الأمة، مع الحديث فضلاً عن القرآن، الإمام الترمذي -رحمه الله- ما ذكر الإمام مالك مع من يقول بأن الحائض والجنب لا تقرأ القرآن مع أن الإمام مالك معروف أنه كان يتطهر ويتطيب ويستاك ويلبس نظيف الثياب من أجل التحديث، كونه ما ذكر هل يلزم من ذلك أن يكون مذهبه أن الحائض والجنب لا يقرأن القرآن؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(26/9)
لكن أنا أقول: ما دام الإمام مالك احتاط هذا الاحتياط للسنة -للحديث- فماذا عن القرآن؟ والقرآن أعظم كما قال الإمام مالك -رحمه الله-؟ يعني لما جاءه من يطلب منه أن يحدثه من لفظه قال: العرض يجزيك في القرآن ولا يجزيك في الحديث والقرآن أعظم؟! فدل على أن الإمام مالك ما دام يتحرى للسنة –للحديث- فلئن يتحرى للقرآن من باب أعظم، لكن يبقى أنه يمكن أن يقال: إنه يتنظف ويتطيب ويتطهر لقراءة القرآن أكثر مما يحتاط للسنة لكنه لا يوجب ذلك؛ لأن مسألة التعظيم في القلب غير مسألة الحكم بالإلزام والوجوب، وتأثيم الناس بذلك هذا يختلف، يعني كون الإنسان يعظم غير كونه يوجب أو يحرم، يعني عند أهل العلم يجب تعظيم القرآن، هذا أمر مجمع عليه، لكن عندهم أيضاً يجوز وضعه على الأرض، يجوز وضعه على الأرض، ففرق بين هذا وهذا "قالوا: لا تقرأ الحائض ولا الجنب من القرآن شيئاً إلا طرف الآية والحرف ونحو ذلك" يعني بعض آية لا بأس لماذا؟ لأن بعض الآية قد يوافق الكلام العادي، كلام الناس العادي، الناس في كلامهم يقولون: بسم الله، أو بسم الله الرحمن الرحيم، وهي من القرآن، ويوافقون القرآن في كلامهم العادي لكن لا يوافقون في آية كاملة، ولهذا قالوا: لا بأس أن يقرأ شيئاً من الآية طرف الآية بعض الآية طرف الحرف ونحو ذلك، أما قراءة الآية بتمامها فلا يجوز البتة عند هؤلاء "ورخصوا للجنب والحائض والتسبيح والتهليل" الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يذكر الله في سائر أحواله وفي أحيانه كلها، وفرق جماعة بين الجنب والحائض، فقالوا: الحائض تقرأ القرآن والجنب لا يقرأ القرآن؛ لأن الحائض إذا لم تقرأ القرآن نسيته؛ لأن مدة الحيض تطول بخلاف الجنابة إذا احتاج إلى القراءة يغتسل، لكن إذا احتاجت إلى القراءة هل بيدها أن تغتسل قبل أن ينقطع، ليس بيدها أن تغتسل بخلاف الجنابة فمدته -مدة الجنابة- بيد المجنب، وهذا الآن يفتى به أنه إذا احتيج للقرآن من قبل الحائض إما معلمة أو متعلمة أو نسيت خشيت تنسى القرآن فإنهم يرخصون لها بذلك، والحديث دليل على المنع في الطرفين، ومنهم من يرى أن الحائض أولى بالمنع من الجنب، والحيض حدث أشد من الجنابة، كلاهما حدث أكبر لكنه أشد، وجاء(26/10)
في الجنب ما هو أكثر مما جاء في الحائض، لكن يكون الحائض من باب قياس الأولى إن لم يثبت خبر الباب، من باب قياس الأولى، ويروى عن سعيد بن المسيب وعكرمة أنهما كانا لا يريان بأساً بقراءة الجنب القرآن، ولا شك أن أكثر العلماء على تحريم قراءة الجنب للقرآن، وعقد الإمام البخاري -رحمه الله تعالي- في صحيحه باباً يدل على أنه يقول بجواز قراءة القرآن للجنب والحائض، فإنه قال: باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، فدل هذا على أنها تقرأ القرآن؛ لأن ((افعلي ما يفعل الحاج)) الحاج يقرأ القرآن، ولم يستثنَ من ذلك إلا الطواف بالبيت.(26/11)
قال: وقال إبراهيم: لا بأس أن تقرأ الآية ولم يرَ ابن عباس في القراءة للجنب بأساً، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه، قال ابن بطال: مراد البخاري الاستدلال على جواز قراءة الحائض والجنب بحديث عائشة -رضي الله عنها-؛ لأن لم يستثنِ إلا الطواف ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) ومعروف أن الحاج يقرأ القرآن ويذكر الله، لم يستثنِ إلا الطواف وكذلك الجنب؛ لأن حدثها أغلظ من حدثه، شوف الآن لأن حدثها أغلظ من حدثه، يعني يستدل بهذا الكلام للوجهين وللقولين، استدل البخاري على أن الحائض تقرأ القرآن بحديث عائشة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) وقال: من باب أولى الجنب، يعني النص عنده في الحائض الجواز والجنب من باب أولى، وأهل العلم عندهم النص في الجنب في المنع أكثر والحائض من باب أولى؛ لأن حدثها أغلظ، شوف الآن الاستدلال من الطرفين الإمام البخاري عنده خبر الباب لا يثبت لأنه معارض بما هو أقوى منه وليس على شرطه، واستدل لقراءة الحائض القران بحديث عائشة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) وإذا جاز هذه للحائض جاز للجنب من باب أولى؛ لأن حدثها أغلظ، الطرف الآخر الذين يمنعون قراءة الجنب والحائض للقرآن قالوا: حديث الباب دليل على ذلك، وعلى فرض عدم ثبوته فإنه جاء في الجنب أكثر من ذلك مما يدل على أن الجنب ممنوع وهو قول جماهير أهل العلم، والحائض أغلظ منه فتمنع من باب أولى، إذا رجعنا إلى حديث عائشة الذي استدل به البخاري على أن الحائض تقرأ القرآن ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) أهل العلم يقسمون الدلالات إلى دلالة أصلية ودلالة تبعية، دلالة أصلية التي سيق من أجلها الخبر، ودلالة تبعية قد تؤخذ من الخبر ولو من بعد كما هنا، الدلالة الأصلية لا شك أنها هي موضع الاحتجاج من الخبر، والدلالة التبعية يختلف أهل العلم في إفادتها على حكم المدلول، والذي قرره الشاطبي في الموافقات أنه لا يتسدل بها ولا يحتج بها الدلالة التبعية ننتبه لهذا؛ لأنه يأتي من يستدل بشيء لا يخطر على البال، يعني حينما قال: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) هل يخطر ببال إنسان(26/12)
أنها تقرأ القرآن من هذا النص؟ ليست دلالة أصلية دلالة تبعية من بعد، يعني مثلما قال الحنفية: إن وقت صلاة الظهر يمتد إلى أن يصير ظل الشيء مثليه، يعني النص الصريح من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: "ووقت صلاة الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله" قال الحنفية: لا إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه بدليل: ((إنما مثلكم ومثل من قبلكم كمثل من استأجر أجيراً إلى منتصف النهار بدينار، ثم استأجر أجيراً إلى العصر بدينار، ثم استأجر أجيراً من العصر إلى الغروب بدينارين)) فقال أهل الكتاب -احتجوا- قالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً، نعم اليهود الذين عملوا من طلوع الشمس إلى الزوال أكثر عملاً بلا شك من وقت العصر، والذين عملوا من الزوال إلى وقت العصر وهم في الحديث المراد بهم النصارى، قالوا: نحن أكثر عملاً يعني من المسلمين الذين عملوا العصر وأقل أجراً نحن دينار وهم دينارين، ولا يكون الظهر أطول من العصر إلا إذا قلنا: إلى إن يصير ظل الشيء مثليه، فهذا دليل على أن وقت الظهر يمتد إلى أن يصير ظل الشيء مثليه، هل هذه دلالة أصلية أو تبعية؟ تبعية، هذا إذا سلمنا أن وقت الظهر إلى مصير ظل الشيء مثله أقصر من وقت العصر، مع أنه حتى على التنزل معهم أنه يصير لما يصير ظل كل شيء مثله هو أطول أيضاً في كل زمان وفي كل مكان، أطول، فكون الإنسان يستدل بمثل هذه الأمور التي في غاية البعد ويترك أمور أقرب منها هذا ممنوع عند جمع من أهل العلم، والشاطبي يقرر هذا وبقوة أن الدلالة التبعية التي لم يسق الخبر من أجلها لا دليل فيها ولا مستمسك، ونقول: إن فيها دليل، لكن إذا لم تعارض بما هو أقوى منها وأصرح فيها دليل، إذا لم يوجد معارض ففي حديث: ((إنما مثلكم)) معارض بحديث عبد الله بن عمرو في مسلم: "ووقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل الشيء مثله" يعني حتى لو افترضنا أن العصر أطول ما قلنا بقول الحنفية لأن حديث عبد الله بن عمرو صريح، ونص في الباب، سيق لبيان المواقيت، وهنا كون عائشة يقول لها النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) أنها تقرأ القرآن الحاج يصلي نقول: صلِ؟ نعم؟ فهذا الدلالات التبعية(26/13)
البعيدة إذا عورضت بما أقوى وأصرح منها لا يلتفت إليها، وإذا لم تعارض فيحتج بها لأنها كلام من لا يخفي عليه المفاهيم ولو بعدت، يعني كلام البشر العلماء يقررون أن لازم المذهب ليس بمذهب لماذا؟ لأن الإنسان قد يتكلم بكلام لا يحسب لمفهومه حساب، فلا يلزم به، بينما الذي تكلم بالآية وتكلم بالحديث الآية من الله -جل وعلا-، والحديث عما لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(4) سورة النجم] فلا يقال: إنه غفل عن مثل هذا لا، لكن مع ذلك يكون هنا من باب التعارض والترجيح، فيقدم الأقوى ويقدم الأصلح، يقدم ما يساق الخبر من أجله، فالاستدلال بـ ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) على أن الحائض تقرأ القرآن هذا الكلام فيه ضعف؛ لأنه استدلال بالتبعية، بالدلالة التبعية لا بالأصلية، وهذه مسألة كبرى يحتاج إليها في جميع أبواب الدين، فينبغي أن تكون على ذكر من طالب العلم، يعني من استدل بهذا الحديث: ((إنما مثلكم ومثل من قبلكم من الأمم كمثل من استأجر أجيراً)) ... إلى أخره، قال: إن مدة الدنيا تنتهي سنة ألف وأربعمائة من الهجرة لماذا؟ قالوا: لأن وقت العصر الخمس وخمس السبعة الآلف التي هي عمر الدنيا ألف وأربعمائة، يعني هل نقول بثمل هذا؟ بمثل هذه الدلالة؟ مع أن النصوص القطعية في قيام الساعة من الكتاب والسنة لا تحصى، والله -جل وعلا- يقول: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [(15) سورة طه] يعني حتى من نفسي أكاد أخفيها، وإلا فعن غيري فهذا أمر مقطوع فيه لا يعلمها إلا هو، يعني هل هذه دلالة أصلية حينما يساق الحديث ثم يأتي من يقول: إن القيامة تقوم سنة ألف وأربعمائة أو من يقول: إن القيامة تقوم سنة ألف وأربعمائة وسبعة لماذا؟ لأن بغتة {لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} [(187) سورة الأعراف] بغتة في حساب الجمل ألف وأربعمائة وسبعة، كل هذا لا يلتفت إليه، بل هو مردود بالنصوص الصحيحة الصريحة، مجموع ما جاء في الباب لا سيما في الجنب يعارض، مجموع ما جاء في الجنب يثبت، الحائض جاء في هذا الخبر وفيه كلام، ومن أهل العلم من أثبته؛ لأن إسماعيل بن عياش وإن ضعف في الحجازيين والعراقيين ليس معنى أنه فاقد للحفظ، فاقد للضبط، فاقد للتوثيق(26/14)
لا لكنه كثرت أخطاؤه في حديث العراقيين وحديث الحجازيين فترك من أجل هذا يعني ضعف من أجل هذا، لكن لا يعني أنه ما يضبط أي شيء يمر به، لا يلزم منه هذا.
"قال الترمذي: وسمعت محمد بن إسماعيل ... " الآن الجنب والحائض في أذكر وأوراد الصباح والمساء فيها آيات فعلى القول بالمنع يقرؤون هذه الأذكار أو لا يقرؤونها؟ ما تقرأ؛ لأن القرآن قرآن سواء قرئ من المصحف بالتتابع أو قرئ على أساس أنه ذكر، ومنهم من يتسمح في باب الأذكار لا سيما وأن الباب فيه الخلاف الذي سمعتم، والأذكار مهمة ورتب عليها أجور عظيمة، ورتب عليها حفظ للإنسان، فلا ينبغي أن يتركها ولو كانت من القرآن.
قصة عبد الله بن رواحة حينما وقع على جاريته وهي صحيحة، فرأته زوجته بعينها رأته فأنكر، وقالت: إن كنت صادقاً فاقرأ القرآن؟ لأنه متقرر عندهم أن الجنب لا يقرأ القرآن، فجاء بالأبيات المشهورة وصدقته قالت: صدق الله وكذبت عيني، فهذا يدل على أن امتناع الجنب ومنع الجنب من قراءة القرآن أمر معروف ومتقرر عندهم.(26/15)
"قال الترمذي: وسمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: إن إسماعيل بن عياش يروي عن أهل الحجاز وأهل العراق أحاديث مناكير" كأنه ضعف روايته عنهم فيما ينفرد به، يعني ما لم يتابع عليه، وقال: إنما حديث إسماعيل بن عياش عن أهل الشام يعني إنما حديثه الصحيح المحتج به إنما هو عن أهل الشام، عن أهل بلده لماذا يضعف الشخص في بلد ويوثق في بلد؟ يعني هل نقول: إن فلان ثقة في نجد وضعيف في الحجاز والعكس، لا شك أن الإنسان في بلده وبين كتبه لا سيما من حفظه حفظ كتاب أضبط منه في غير بلده، وهذا أمر معروف أن الشخص الذي اعتمد علي كتبه يعني مثل أي شيخ من المشايخ قرأ كتب وعلق عليها ودون فوائدها ومرت مسألة بحثت مثلاً وهو من أهل القصيم أو من أهل الرياض وكتبه في نجد، وبحثت هذه المسألة في مكة مثلاً أو في المدينة فقيل: ما تقول يا فلان قال: أنا أذكر والله إني معلق على كتابي كذا نسيت الآن، لكن إذا رحت أعطيتكم الخبر، وهذا يحصل كثير، يعني أحياناً يطلب فائدة في مسألة ماء ونقول: ذكرها ابن حجر في فتح الباري أو ابن كثير أو غيره، يقول: لو تكرمت نبي الجزء والصفحة، الجزء والصفحة والله على نسختي بالرياض ما هو بالآن، فمن هذه الحيثية الذي ضبطه ضبط كتاب ما هو بضبط صدر حفظه في بلده أكثر من حفظه في غيره، لماذا؟ لأنه يعتمد على الكتب، ما يعتمد على حفظ الصدر، أما الأئمة الحفاظ الذين أناجيلهم في صدورهم ومحفوظاتهم في جنباتهم هؤلاء لا يتأثرون سواء كانوا في بلادهم أو في غيرها.
"وقال أحمد بن حنبل: إسماعيل بن عياش أصلح من بقية" ولبقية بقية بن الوليد أحاديثه كما يقول أهل العلم: "ليست نقية فكن منها على تقية" "ولبقية أحاديث مناكير عن الثقات" هكذا نقل الترمذي عن الإمام أحمد، والذي في الميزان للحافظ الذهبي في ترجمة إسماعيل بن عياش عن الإمام أحمد: "بقية أحب إلي" عكس ما هنا، وكذلك في ترجمة بقية، قال: "بقية أحب إلي" يعني من إسماعيل بن عياش فهو مناقض لما نقله الترمذي.(26/16)
"قال أبو عيسى: حدثني أحمد بن الحسن قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول ذلك" الترمذي يروي بالأسانيد، وإذا أضاف إلى أحد قولاً فإنما يرويه بإسناده، يعني إذا قال: وبذلك يقول أحمد وإسحاق ما يأتي من بالقول مقطوع هكذا إنما يرويه بإسناده عن أحمد وإسحاق هذه طريقته، وقد بين أسانيده، المقصود أن الأقوال لا تثبت لأربابها إلا بالأسانيد، ولذا يكثر الوهم في النقول عن الأئمة لا سيما إذا نقلها من لا خبرة له ولا دربة له بالمذهب، فكم من قول ينسب للإمام أحمد أو قول ينسب للشافعي أو قول تجد مثلاً العيني وهو حنفي يقول: قال أحمد، أو يقول الشافعي، وهذا القول ليس بمعروف عند الحنابلة ولا الشافعية، والعكس تجد مثلاً الحنابلة ينسبون لأبي حنيفة قول موجود عند الحنفية لكن ليس هو قول الإمام وهكذا، فالأقوال إنما تتلقى عن كتب أصحابها، يعني إن أردت أن تنقل قول للإمام أحمد اذهب إلى كتب الحنابلة، للشافعي إذهب إلى كتب الشافعي فهم أعرف بمذاهبهم، والأئمة كان معولهم على الأسانيد ما يعولون على كتب، ولذلك قال: قال أبو عيسى: حدثنا أحمد بن حسن قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول ذلك.
سم.
طالب: عفا الله عنك يا شيخ في مسألة قراءة بعض آية ذكرتم يا شيخ أن التعليل أنه قد يوافق كلام الناس ألا يمكن أن يقيد .... ؟
ولذلك الآية الكاملة ما جاء التحدي بها.
طالب: ألا يمكن أن يقيد بالقصد أحسن الله إليكم يا شيخ يعني إذا قصد القرآن يعني ربما قد يقرأ الإنسان بعض آية ...
نصف آية الدين.
طالب: ويقصد به القرآن.
نصف آية الدين.
طالب: نصف آية الدين، نعم.
هذا ما يمكن أن يوفق لكن الغالب أنهم إذا قالوا مثل هذا قالوا: آية متوسطة، يقرأ بعض آية متوسطة.
طالب: لو قرأ بعض ...
يعني لو قرأ آية كاملة لو قال: {ثُمَّ نَظَرَ} [(21) سورة المدثر] ما أحد يقول: إنه خالف في هذا؛ لأن الناس في كلامهم العادي يقولون: ثم نظر، ولذلك لم يقع التحدي بآية، أقل ما وقع به التحدي سورة؛ لأن الآية قد تتفق مع كلام الناس.
طالب: لكن قد يقرأ -أحسن الله إليكم- في أية متوسطة ويقصد به القراءة كما لو قرأ عنده إنسان وأخطأ فرد عليه هو يقصد القرآن بذاته وهي بعض آية؟
من شعور أو من لا شعور؟(26/17)
طالب: من شعور.
أحياناً يكون الرد من لا شعور فتجد الإنسان يقضي حاجته فيسمع القارئ ويخطي يرد عليه، هذا غير مقصود هذا بلا شك، فإن قصد القراءة لا سيما إذا كانت القراءة متضمنة دعاء، وأراد أن يدعو بها ولا يكملها، يدعو بما يحتاجه منها، الدعاء في نصف الآية مثلاً، وأراد أن يدعو به؛ لأن الأدعية في القرآن منها ما جاء في آية كاملة، ومنها ما جاء في آيات، ومنها ما جاء في بعض آية، لو قال: {رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [(114) سورة طه] يدعو بهذا، لا شك أن القصد مؤثر والأعمال بالنيات هذا أمر ما يختلف فيه، لكن إن قرأ من غير قصد بعض آية هذا يتجاوز عنه.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في مباشرة الحائض:
حدثنا بندار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا حضت يأمرني أن أتزر ثم يباشرني.
قال: وفي الباب عن أم سلمة وميمونة.
قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في مباشرة الحائض" المباشرة الأصل فيها مس البشرة للبشرة مفاعلة من الطرفين بشرة الرجل تمس بشرة المرأة والعكس، فهي مفاعلة ما حكمه إذا كانت المرأة حائض وأرادها زوجها هل يستمتع بها أو لا؟
قال -رحمه الله-: "حدثنا بندار -وهو محمد بن بشار- قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان" وهو الثوري، وذكرنا مراراً القاعدة في تمييز سفيان وهي قاعدة أغلبية بحيث إذا كان بين المؤلف وبين سفيان واحد فهو ابن عيينة، وإن كان بينهما اثنان فهو الثوري؛ لأن الثوري أقدم من ابن عيينة "عن سفيان عن منصور" وهو ابن المعتمر "عن إبراهيم" بن يزيد النخعي "عن الأسود عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا حضت يأمرني أن أتزر ثم يباشرني" والحديث في الصحيحين وغيرهما.(26/18)
"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا حضت" كان تدل على الاستمرار هذا الأصل فيها "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرني إذا حضت يأمرني أن أتزر" أصله أئتزر، الإزار مهموز أئتزر، يقول صاحب المفصل: الإدغام خطأ أتز، لكنه محكي عن مذهب الكوفيين، وعائشة -رضي الله عنها- من فصحاء العرب، فلا ينبغي أن يقال مثل هذا الكلام خطأ، وهناك شيء يقال له: الفك والإدغام المتصل مثلاً أصله المؤتصل، المتصل إدغام، والأصل المؤتصل بالهمز، والعلماء قاطبة إذا وصفوا حديث قالوا: متصل، ولغة الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- وهو إمام حجة في هذا الباب الفك، الهمز مؤتصل، وابن الحاجب في شافيته يقول: مؤتعد ومؤتسر لغة الإمام الشافعي، فكونه ينص على أنها لغة الإمام الشافعي يدل على أن الإدغام أكثر عند أهل العلم أليس كذلك؟ يعني كون الفك والهمز ينسب يقال: هذه لغة الإمام الشافعي ما قالوا: لغة العربي ولا قالوا: لغة قريش، ولا قالوا: لغة تميم، قالوا: لغة الإمام الشافعي؛ لأنه استعملها في كلامه كثيراً، فيدل على أن من عداه من أهل العلم لغتهم الإدغام، فقول صاحب المفصل: الإدغام خطأ، المفصل لمن؟ الزمخشري، من أشهر كتب النحو، من أشهر كتب النحو، وعليه الشروح الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، ومن أعظم هذه الشروح شرح المفصل لابن يعيش، وهذا مطبوع في عشرة أجزاء قديماً ما هو ابن عيش الموجودين عندنا هنا لا ابن عيش من الأندلس، شرح مطول جداً ومتقن ومضبوط، وفيه فوائد لا توجد في غيره، لكن دون تحصيله خرط القتاد، كتاب طويل ومن أين للإنسان أن يقرأ في فن واحد هذا المقدار؟ وإن كان المتخصص لا يستغني عنه، والمفصل أيضاً فيه جودة يعني من بين مختصرات النحو يمكن أن يكون من أفضلها.(26/19)
"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا حضت يأمرني أن أتز" يعني أشد الإزار "ثم يباشرني" والحديث معروف أن الإزار إنما يشد على النصف الأسفل من البدن، الإزار إنما يشد على النصف الأسفل من البدن، ولذا يقول أبو حنفية ومالك والشافعي: يحرم ما بين السرة والركبة، ما بين السرة والركبة حرام من الحائض لهذا الحديث؛ لأن هذه موضع الإزار، وعند الحنابلة ووجه عند الشافعية وهو قول صحابي أبي حنفية المحرم الجماع فقط، لحديث: ((اصنعوا كل شيء إلا النكاح)) ونسب هذا القول ابن حجر في فتح الباري إلى كثير من السلف والثوري وأحمد وإسحاق، وحملوا حديث الباب على الاستحباب جمعاً بين الأدلة، ورجحه النووي والعيني، ومعروف أن النووي شافعي والعيني حنفي، فرجحوا جواز الاستمتاع بما فوق الركبة على ألا يصل إلى الحمى، ولا شك أن الابتعاد عن مواطن الشبة هذا هو المطلوب، لكن لا يقال بتحريمه، إنما المحرم الجماع في محل الحرث، وقد أمرنا باعتزال النساء في المحيض يعني في مكان الحيض.
قال: "وفي الباب عن أم سلمة" عند البخاري وميمونة كذلك مخرج في الصحيح "قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وغيرهما "وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق" لكن المرجح جواز الاستمتاع بالحائض بكل شيء إلا الجماع.
اليهود كانوا إذا حاضت المرأة اعتزلوها فلم يؤكلوها ولم يشاربوها فضلاً عن كونهم يباشرونها، والنصارى بالعكس، وسيأتي في باب مواكلة الحائض ما هو رد على اليهود، وفي منع وطأ الحائض من نصوص الكتاب والسنة ما يرد على النصارى، وديننا وسط ولله الحمد، نعم.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في مواكلة الحائض وسؤرها:
حدثنا عباس العنبري ومحمد بن عبد الأعلى قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن حرام بن معاوية عن عمه عبد الله بن سعد قال: سألت النبي –صلى الله عليه وسلم- عن مواكلة الحائض فقال: ((واكلها)).
قال: وفي الباب عن عائشة وأنس.(26/20)
قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن سعد حديث حسن غريب، وهو قول عامة أهل العلم لم يروا بمواكلة الحائض بأساً، واختلفوا في فضل وضوئها فرخص في ذلك بعضهم، وكره بعضهم فضل طهورها.(26/21)
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في مواكلة الحائض وسؤرها" مواكلة الحائض الأكل معها، الأكل معها وسؤرها البقية من الشراب الذي تشرب منه، بقية شرابها، قال –رحمه الله-: "حدثنا عباس -بن عبد العظيم- العنبري" البصري "ومحمد بن الأعلى" بصري أيضاً الصنعاني ثقة أيضاً "قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن حرام بن معاوية" ويقال: هو حرام بن حكيم بن خالد الأنصاري أو العنسي، ويقال: هما اثنان حرام بن معاوية غير حرام بن حكيم، هما اثنان، وينفع في مثل هذا والوقوف على حقيقة الأمر هل هما واحد أو اثنان كتاب للخطيب البغدادي اسمه: (موضح أسباب الجمع والتفريق) الإمام البخاري يرى أنهما اثنان، والخطيب يستدل بالأدلة التي ثبتت عنده أنهما واحد، والخطيب في هذا الكتاب جعل نفسه حكماً بين الأئمة، فقد يقول البخاري هما اثنان، ويقول أبو حاتم: واحد ثم يحكم بينهما الخطيب، وأتمنى أن لو قرأ كل طالب علم مقدمة هذا الكتاب ليعرف منزلة نفسه ومنازل الأئمة؛ لأن الخطيب استشعر أنه في كتابه هذا نصب نفسه حكماً بين الأئمة فقدم بمقدمة يحسن ويجدر بل يتعين على كل طالب أن يقرأها، ليعرف كيف التأدب مع أهل العلم بكلام لا نظير له، ونحن نسمع ونرى أن بعض طلاب العلم من يسيء الأدب إلى من أحسن إليه أو عليه بالتعليم أو أحسن على الأمة بكاملها بأن فرغ نفسه لتعليم الناس وإفتاء الناس، والفصل بين منازعاتهم، ولا شك أن مثل هذا طالب العلم يحتاج إلى الأدب فيه، ويأتي أحياناً أسئلة في شيء مما ينم على ما في نفس الإنسان من تعالي وترفع وتعالم هذا لا ينبغي، مثل هذا لا شك أنه يحرم بركة العلم والعمل، فالإنسان يأتي بنية التعلم، ولا يوجد ما يمنع من أن المعلم يخطأ، ويخفى عليه ما قد يوجد علي عند بعض الطلاب، لكن ينبغي أن ينبه بالأسلوب المناسب، وهذا كلام يوجه للموافق، أما المخالف هذا أمره سهل يعني، في درس المدينة شرح حديث: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) طال الحديث حول البدع والمبتدعة وتكلمنا في رؤوسهم، وجئنا بكلام لهم تنفر منه الطباع السلمية، وكتب واحد خطاب: اتق الله يا شيخ تطعن في خيار الأمة ابن عربي(26/22)
كذا، وبدأ يمدح ابن عربي وفلان وفلان من رؤوس المبتدعة، هذا ما يلام هذا أمره سهل؛ لأن ما عنده من بدعة أعظم من مثل هذا، لكن الكلام في شخص يتدين بالكتاب والسنة والتزام المنهج الصحيح منهج السلف الصالح، ثم يأتي من أسئلته أشياء ما تليق بطالب علم يعني، والناس يتفاوتون في طباعهم وأخلاقهم، يعني بعد وجد من المشايخ من يعطيه كلمة لا يرفع رأسه بعدها أبداً، يوجد عاد من الطرف الثاني يوجد، لكن ينبغي أن يكون المتبادل بين الطرفين هو التقدير والاحترام وحرص الشيخ على نفع الطالب، وأيضاً الطالب لا يضجر الشيخ أو يأتي بكلام ينفر منه؛ لأنه بشر مهما كان، هو بشر يتأثر بما يتأثر به الناس، فمراجعة كلام الخطيب في مقدمة الموضح، يعني لا بد لطالب العلم من قراءتها، يعني إذا كان الخطيب وهو إمام من أئمة المسلمين حافظ المشرق على الإطلاق يقول مثل هذا الكلام بالنسبة للأئمة، فما بالنا نحن مع شيوخنا وعلمائنا فضلاً عن الأئمة الكبار المتقدمين علماء الإسلام وحفاظ المسلمين، شاباً ما زال في مرحلة الطلب يرد على الأئمة بأساليب لا يقبلها ولا زميله ولا قرينه، وتقال بجانب الأئمة.
قال: "عن حرام بن معاوية" وعساه أن كان هذا أو ذاك فحديثه مقبول؛ لأنه موثق "عن عمه عبد الله بن سعد" وهو صحابي "قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مواكلة الحائض فقال: ((واكلها)) هذا الذي كتب في مسألة البدعة والكلام في المبتدعة قال إن كلام ابن العربي الذي ذكرته لا تفهمه أنت ولا ابن تيمية من قبلك هذا بالمدينة من الوافدين، من الذين يقدسون هؤلاء، أظن ابن عربي الآن يعبد من دون الله على أنه يتصرف "قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مواكلة الحائض فقال: ((واكلها)) أمر من المؤاكلة أي كل معها، وفيه دليل على جواز ذلك، بل هو مجمع عليه بين علماء الأمة سلفها وخلفها.(26/23)
"قال أبو عيسى: وفي الباب عن عائشة" عند مسلم والنسائي وأبي داود "وأنس" عند مسلم وأبي داود، وفيه أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت فلم يواكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوا في البيت، يعني يجتمعون معها فضلاً عن كونهم يطئونها، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((اصنعوا كل شيء إلا النكاح)) فلما سمع اليهود ذلك قالوا: ما أراد هذا الرجل إلا مخالفتنا، ومخالفتهم مطلوبة، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر يحب موافقتهم تأليفاً لهم، ثم لما أيس منهم أمر بمخالفتهم وخالفهم كفرق الشعر وغيره "وهو قول عامة أهل العلم لم يروا بمواكلة الحائض بأساً" بل هذا مما أجمع عليه الناس قاله ابن سيد الناس في شرح الترمذي، ونقله أيضاً –الاتفاق- الطبري، وأما قوله: {فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ} [(222) سورة البقرة] أي مكان الحيض وهو الفرج فقط "واختلفوا في فضل وضوئها" الذي يبقى من الماء الذي تتوضأ به "فرخص في ذلك بعضهم -بلا كراهة-، وكره بعضهم فضل طهورها" والمرجح هو الأول؛ لأنه لا دليل على الثاني، وتقدم في النهي عن الوضوء بفضل المرأة أن تتوضأ المرأة بفضل الرجل أو الرجل بفضل المرأة، وأن من أهل العلم من يرى أن المرأة إذا خلت بالماء تطهرت به طاهرة كاملة عن حدث وقد خلت به فإنه لا يرفع حدث الرجل، ومنهم من خص المرأة بالحائض، وهو الذي أشير إليه هنا، وكره بعضهم فضل طهروها، نعم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد:
حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبيدة بن حميد عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد قال: قالت لي عائشة -رضي الله عنها-: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ناوليني الخمرة من المسجد)) قالت: قلت: إني حائض، قال: ((إن حيضتك ليست في يدك)).
قال: وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة.
قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافاً في ذلك بأن لا بأس أن تتناول الحائض شيئاً من المسجد.(26/24)
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد" يعني فتأخذه منه بيدها من غير دخول تتناول الشيء من المسجد، يعني بالمقابل هذه ممنوعة من دخول المسجد، وبالمقابل المعتكف الذي الأصل فيه أنه لا يخرج من المسجد لا مانع أن يخرج رأسه من المسجد كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يخرج رأسه إلى عائشة فترجله وهي حائض وهو معتكف، فخروج بعض البدن أو دخوله لا يأخذ حكم الجميع، يعني هنا الحائض تمد يدها إلى داخل المسجد فتأخذ مثل هذه الخمرة، وأيضاً النبي -عليه الصلاة والسلام- أخرجه رأسه وهو معتكف، والأصل أن المعتكف لا يخرج من المسجد فترجله وهي حائض، ولو كان النبي -عليه الصلاة والسلام- جميعه في المسجد حتى الرأس وأدخلت يدها وسرحته وهو في المسجد مثل أخذ الخمرة، فهذا وهذا لا يعني حكم البدن الكامل.(26/25)
قال: "حدثنا قتيبة وابن سعيد قال: حدثنا عبيدة" بن حميد، بفتح العين، الحذاء التيمي أو الليثي صدوق "عن الأعمش عن ثابت بن عبيد" وهو ثقة الأنصاري الكوفي "عن القاسم بن محمد" أحد الفقهاء السبعة "قال: قالت لي عائشة" هي عمته أبوه محمد بن أبي بكر، قال: قالت لي عائشة: "قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ناوليني الخمرة من المسجد)) " يعني أعطيني الخمرة من المسجد، المراد به السجادة التي يصلي عليها، ومنهم من يقول: إن الخمرة هي ما كان بقدر الوجه يسجد عليها، وتطلق الخمرة على الكبير والصغير على الكبيرة والصغيرة القطعة الصغيرة والكبيرة "من المسجد، قالت: قلت: إني حائض، قال: ((إن حيضتك)) بفتح الحاء على الصواب فيما قاله عياض وغيره، وصوب الخطابي الكسر وهذا تقدم ((إن حيضتك ليست في يدك)) يعني فيدك ليست بنجسة؛ لأنها لا حيض فيها؛ لأن المتبادر من اللفظ: ((إن حيضتك ليست في يدك)) أنك لا تملكين من أمرك شيء، الحيضة من الله -جل وعلا- ليست منك، شيء كتبه الله على بنات آدم، لكن المقصود هنا أن الحيضة ليست باليد إنما هي في موطنها، في موضعها فلا تتعدى النجاسة عن موضع النجاسة فاليد طاهرة، لو أدخلت اليد وهي طاهرة ما يمنع، وإن كان الذي يفهم أن الحيضة ليست في يدك أن هذا أمر خارج عن إرادتك، هذا يفهم من الخبر لكنه هنا أن يدك ليست بحائض إذاً ليست بنجسة، الحيضة لا تتعدى عن مكانها، يعني النجاسة يعني فرق بين الحدث وبين النجاسة، الحدث في البدن كله، وإن كان موضع الحيض في جزء من البدن، لكن البدن كله متصف بالوصف المانع من هذه العبادات والنجاسة في موطنها الخاص، فاليد طاهرة تتناول الشيء من المسجد ولا تلوث، فلا إشكال في هذا.(26/26)
في حديث التي تفلي النبي -عليه الصلاة والسلام- فجاءها من يكلمها فوقفت، فقال: ((إنك لا تكلمينها بيدك)) يعني بعض الناس إذا حصل له شيء توقف وإن كان هذا لا يقتضي التوقف، فمثلاً لو أن إنسان يقود سيارة ويمشي على سرعة معينة في طريق سريع والسرعة مائة وعشرين ثم اتصل به أحد هدئ السرعة ويش علاقة الكلام بالرجل؟ لها علاقة؟ لكن هذا موجود عند بعض الناس، ولذلك يمكن أن تقول له: أنت لا تكلم برجلك، يعني ألا يوجد من بعض الناس أنه إذا حصل له أدنى شيء يعني لو أتصل عليه بالتلفون وهو يقود السيارة خفف السرعة فيتجه إليه الكلام أنك لا تكلم برجلك، تكلم بيدك وأذنك فالرجل ما لها علاقة، مثل الذي تفلي فكلمت رفعت يدها، تتكلم بلسانها وتسمع بأذنها اليد ما لها علاقة، ولذا قال: ((إن حيضتك ليست في يدك)) يعني لما اعترضت قالت: إني حائض، يعني بأي شيء تتناولين الخمرة؟ باليد، واليد طاهرة ما فيها حيض، نعم هي محدثة الوصف المانع من مزاولة العبادات وأصل إليها يشملها ويعمها، لكنها ليست بنجسة.
قال: "وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة" حديث ابن عمر في المسند للإمام أحمد، وحديث أبي هريرة في النسائي، وفي الباب أيضاً عن أنس وأبي بكرة، كما في مجمع الزوائد للهيثمي.
"قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح" ورواه مسلم "وهو قول عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافاً في ذلك" بأن لا بأس أن تتناول الحائض شيئاً من المسجد.
يعني بيدها، قال البغوي في شرح السنة: في الحديث دليل على أن للحائض أن تتناول شيء من المسجد، وأن من حلف على ألا يدخل داراً أو مسجداً فإنه لا يحنث بإدخال بعض جسده فيه، وهذا يمكن أن يأخذ من هذا الحديث ويأخذ من حديث الاعتكاف.(26/27)
يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أخرج رأسه إلى عائشة ما خرج من المسجد، ولو خرج بعض بدنه، فالذي يحلف ألا يدخل دار فلان لا يحنث بدخول بعض بدنه كما هنا، وفي حديث الاعتكاف، وليس معنا إخراج الرأس لمثل هذه الحاجة بالنسبة للمعتكف، وأنه لا يخل بالاعتكاف أن يستغل المعتكف الفرصة ويفرش عند باب المسجد ورأسه خارج المسجد ليل نهار يتصفح الغادي والرائح يقول: أنا ما زلت في المسجد، أنت ما حققت الهدف الذي من أجله شرع الاعتكاف، لكن شيء يسير لحاجة لا مانع، تمد يدك تأخذ شيء من خارج المسجد تبرز رأسك، تريد أن تنادي فلان أو علان تخرج رأسك وتصوت لا بأس، أما أن تفرش عند باب المسجد ولو كنت في داخل المسجد وتتطلع على الغادي والرائح وتتبع نظرك الناس وهم في أعمالهم وفي محلاتهم هذا ما هو باعتكاف هذا، ولو قلنا: إن البدن في المسجد، والاعتكاف يخل به ما يناقض الهدف الذي من أجله شرع ولو لم تخرج من المسجد، ومع الأسف أن كثير من المعتكفين لا يلاحظون مثل هذا، تجده الجرائد يتابعها باستمرار، والآلات معه ويتابع الأخبار والانترنت، والقيل والقال، يعني وجد هذا من بعض المعتكفين، هذا ينافي الهدف الذي من أجله شرع الاعتكاف، إذا كان أهل العلم من زمن الصحابة إلى يومنا هذا لا يعلمون العلم وقت الاعتكاف ولا يوجهون الناس يعني لا يتكلم بعد الصلاة؛ لأنه معتكف، ويتركون كل شيء في الاعتكاف إلا للتلاوة والذكر والصلاة فقط، وما عدا ذلك فليس مما يشرع في الاعتكاف حتى تعليم العلم سلف هذه الأمة يتركونه، وإذا أقبلت المواسم التي تستغل في العبادات الخاصة اللازمة، المعينة على حياة القلوب يتركون الأمور العامة، والله المستعان، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لكن الحدث موجود ((ناوليني الخمرة)) الخمرة قطعة سجادة تناوله ما في إشكال، لكن الحدث موجود في اليد.
طالب:. . . . . . . . .
المصحف، لا، المصحف لا، يعني لو أنك رجعت إلى ترجمة البخاري في مس المصحف، وقال إبراهيم: لا يحمل المصحف ولا في علاقته، يعني في كيسه.
طالب:. . . . . . . . .
ما يلزم، لا شيئاً المقصود به ما ورد في الخبر، الخمرة وما في حكمها، نعم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:(26/28)
باب: ما جاء في كراهية إتيان الحائض:
حدثنا بندار قال: حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وبهز بن أسد قالوا: حدثنا حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-)).
قال أبو عيسى: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة، وإنما معنى هذا عند أهل العلم على التغليظ، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أتى حائضاً فليتصدق بدينار)) فلو كان إتيان الحائض كفراً لم يؤمر فيه بالكفارة، وضعف محمد هذا الحديث من قبل إسناده، وأبو تميمة الهجيمي اسمه: طريف بن مجالد.
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في كراهية إتيان الحائض" الكراهية هنا كراهية تحريم، كراهية تحريم، ونقل الإجماع عليه، وأن الكراهية هنا تحريم وليست كراهية تنزيه، وإتيان الحياض هو جماعها.(26/29)
"حدثنا بندار" محمد بن بشار قال: "حدثنا يحيى بن سعيد" وهو القطان "وعبد الرحمن بن مهدي وبهز بن أسد" وكلهم أئمة ثقات "قالوا: حدثنا حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم" البصري، وهو لين، والقاعدة في اللين في مقدمة التقريب يقول: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت في حديثه ما يترك من أجله فإن توبع فمقبول وإلا فلين، وهنا لم يتابع حكيم على هذا الخبر، فيبقى لين، والين في الأصل ضعيف حتى يتابع "عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أتى حائضاً)) " يعني جامع حائضاً ((أو امرأة)) يعني وطأ امرأة ((في دبرها)) يعني سواء كانت حائض أو غير حائض ((أو كاهناً)) وهو من يدعي علم المغيبات، ومعرفة الأسرار، والعراف الذي يدعي أنه يعرف مكان الشيء المسروق، ومكان الضالة، وحكمهما واحد، أو أتى كاهناً ((فقد كفر بما أنزل على محمد)) من أتى يعني جامع الحائض، وجماع الحائض محرم بالإجماع، وكذلك وطء المرأة بالدبر محرم، وبعض الناس إذا رأى مثل هذا الحديث وأن فيه كلام لأهل العلم قال: الضعيف لا يحتج به، فنسمع من يقول بأن مثل هذا ما دام فيه حديث ضعيف ما أثبت به حجة فبدلاً من أن يكون محرماً يكون جائزاً؛ لأن الضعيف لا تثبت به حجة مع أن الإجماع قائم على تحريم وطء المرأة في الدبر، ولا يفعله إلا بعض طوائف البدع كما هو معلوم في كتبهم، ومقرر عندهم، لكن مع ذلك هو محرم بإجماع من يعتد بقوله من أهل العلم، ومن يستدل بقوله: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} [(223) سورة البقرة] يعني في موضع الحرث {فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [(223) سورة البقرة] لكن في موضعه، يعني كيف شئتم لكن في موضعه، أين موضع الحرث؟ هو الفرج القبل لا الدبر؛ لأن الدبر ليس بموضع للحرث، وأنصاف المتعلمين تجد منهم من يجرئ على بعض القضايا المجمع عليه، ويظن أنه أتى بما لم تأتِ به الأوائل، مجرد أن الحديث وقد وجد غيره في الباب أحاديث تقويه، ويوجد من عمومات الشريعة وإجماع أهل العلم لا يهدر تجده إذا ضعف عنده الحديث خلاص يعني وجوده مثل عدمه، كما قال بعضهم يقول: كانت الكتب التقليدية تبدأ بالبسملة والحمدلة، يعني وهو ما هو بادئ لا ببسملة(26/30)
ولا بحمدلة ليش؟ لأن الألباني قال: الحديث بجميع طرقه وألفاظه ضعيف ((كل أمر ذي بال)) فما دام الحديث ضعيف ليش يسمي وليش يحمد الله؟ يعني يصل الأمر إلى هذا الحد، كانت الكتب التقليدية تبدأ بالبسملة والحمدلة وما دام الحديث بجميع طرقه وألفاظه ضعيف ليش نبدأ؟ لماذا نبدأ بالبسملة والحمدلة؟ يعني في أحد يتوقع مثل هذا الكلام؟ لا، يعني لو ما عندنا إلا كتاب الله -جل وعلا- مبدوء بالبسملة والحمدلة، خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- مبدوءة بالحمدلة، رسائله كلها مبدوءة بالبسملة، رسائل الأنبياء من قبله مبدوءة بالبسملة {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [(30) سورة النمل] يعني ما يلزم أن يثبت هذا الخبر أو ذاك، إذا كان عندنا أصول نأوي إليها ونعتمد عليها، فأحياناً تسمعون كلام يعني جلسوا إلى طلوع الشمس، اثنان من الشباب جلسا إلى أن طلعت الشمس، قال: تبينا نمشي وإلا تصلي صلاة العجائز صلاة الإشراق بناء على أن الحديث: ((من صلى الصبح في جماعة وجلس في مجلس ثم صلى ركعتين)) بناء على أنه مضعف يعني ضعفه بعض أهل العلم، هب أن الحديث مضعف لكن الجلوس ثابت بفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في صحيح مسلم، إلى أن ترتفع الشمس، صلاة الركعتين هذه اعتبرها صلاة الضحى، وجاء فيها أحاديث كثيرة صلاة الضحى، أوصاني خليلي بثلاث منها ركعة الضحى، أوصى ثلاثة من أصحابه -عليه الصلاة والسلام-، وحديث: ((يصبح أحدكم كل سلامى عليه صدقة ... ويكفي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى)) وصلاة الأوابين إذا رمضت الفصال أحاديث كثيرة في صلاة الضحى، ثم يقول: لأن هذا الحديث ضعف، ما يستوعب ذهنه أكثر من هذا، ويأتي من يقول: إنه ما دام الحديث ضعيف لماذا يحرم إتيان المرأة من دبرها؟ والمسألة مجمع عليها عند أهل العلم.(26/31)
((أو كاهناً)) يعني جاء في الكاهن مجرد الإتيان والعراف وجاء التصديق ((من أتى كاهناً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)) و ((من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)) الإتيان إلى هؤلاء فتنة، والآن ابتلي الناس بهم في بيوتهم، القنوات الفضائية منها قنوات مخصصة للسحر والكهانة، وموجودة في بيوت عوام المسلمين تجدهم يطلعون عليها يقولون: من باب الإطلاع، الإطلاع عليها مجرد فتح القناة وأنت تعرف أنها قناة سحر هذا إتيان للكاهن لا تقبل لك صلاة أربعين يوماً، وإذا صدقت كفرت بما أنزل على محمد، قد يقول قائل: أنا ملزم بالتصديق، لو كذبت نفسي مصدقه لماذا؟ لأنه يقول لك مثلاً ويجيب لك أخبار لم يطلع عليها إلا أنت ويخبرك بها، يعني ذهب واحد إلى كاهن ساحر، وقال له: لا تتكلم أن أعرف قصد ويش أنت جائي له؟ أنت جائي تزوجت في بلد كذا وفي ليلة الدخول دخلت عليكم امرأة ورشتكم بطيب وهذا باقي القارورة اللي رشتكم منه، هذا باقية والمرأة هذه صفتها قال: صدقت، يعني كلام مطابق للواقع، يكفر إذا صدق بكلام مطابق للواقع يكفر ويجب عليه أن يقول: كذبت ولو كان مطابقاً للواقع؛ لأن العبرة بمطابقة الشرع، لا بمطابقة الواقع، ونظير ذلك أنه لو شهد ثلاثة على شخص بالزنا وقالوا: رأيناه يزني كما يفعل الرجل بامرأته، رأيناه رؤية عين هم صادقون فيما يقولون، رأوه رؤية عين، يعني خبرهم مطابق للواقع لكنهم عند الله هم الكاذبون، يعني كذب شرعي ذا ما هو .. ، ولو طابق الواقع كاذبون، ولو رأوه بأعينهم كاذبون، والساحر لو قال لك: هذه هي المرأة التي سحرتك هذه صورتها، وهذا الطيب الذي .. ، نقول: كذبت، ولا يجوز تصديقه، ومن صدقه فقد كفر بما أنزل على محمد، لا بد من اعتقاد مثل هذا، وإلا المسألة رأس المال التوحيد هذا، فمثله هذه الأمور حقيقة مع التساهل بالفتوى بأمر السحر، وأيضاً وجود هذه القنوات تجد أمر السحر هان عند الناس، وبدل من أن يكون مجرماً أثيماً كافراً كفر مخرج عن الملة، الساحر يكون محسن، وينبغي أن يؤذن له ويفتح له محلات لماذا؟ لأنهم يُخلّصون هؤلاء المضطرين المساكين المسحورين، يعني مثل هؤلاء الفتاوى لها أثارها السيئة وكثروا بسبب مثل هذه(26/32)
الفتوى نسأل الله العافية، يعني لا يقول قائل: والله الساحر لو قلت: كذبت بلساني ما أقدر أقول بقلبي: كذبت ليش؟ لأنه جاب لي الطيب اللي أنا أعرف القارورة هذه هي، والمقدار فيها من الطيب أعرفه لونه ولون القارورة، والمرأة هذه صفتها، نقول: كذبت ولو طابق الواقع هو كاذب، ونظيره مثل ما ذكرنا القذفة ثلاثة قد يكونوا من خيار الناس قبل ذلك، وهو صادقون، والداعي إلى ذلك الغيرة على حد زعمهم، لكن {فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [(13) سورة النور] ولو رأوه بأم أعينهم، فالمسألة مسألة شرعية، والله المستعان، المصدق يكفر ما أنزل على محمد ومجرد الذهاب لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، وهنا ((من أتى كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد)) هي مقيد بالتصديق كما في الحديث الثاني، أما مجرد الإتيان لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، وكذلك مثله في الحكم من يفتح القناة التي يعرف أنها قناة سحر، يعرف أنها قناة سحر، ويطلع إلى ما عندهم هذا لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، فإن صدقهم فقد كفر ما أنزل على محمد، والآن يعلن في القنوات على الطبيب الروحاني فلان الذي .. ، فتن شيء رقق بعضها بعضاً، بدأت بالفتوى بجواز حل السحر، ثم بعد ذلك انتهت بهذه القنوات، نسأل الله السلامة والعافية.
"قال أبو عيسى: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم الأثرم " وعرفنا أنه لين "عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة" وإنما معنى هذا عند أهل العلم على التغليظ، قد كفر يعني يكون من نصوص الوعيد التي لا يقصد منها حقيقة الكفر، وإنما يقصد من ذلك التغليظ على فاعل هذه الأمور، وإن كان مستحل لذلك كفر نسأل الله العافية؛ لأنها أمور مجمع عليها، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أتى حائضاً فليتصدق بدينار)) وسيأتي في الباب الذي يليه، يستدل الترمذي بهذا على أن إتيان الحائض ليس بكفر على ظاهره، قال: فلو كان إتيان الحائض كفراً، لم يؤمر فيه بالكفارة، وضعف محمد يعني البخاري هذا الحديث من قبل إسناده، قال البخاري: لم يتابع حكيم ابن الأثرم على حديثه "وأبو تميمة الهجيمي اسمه: طريف بن مجالد" وهو ثقة لكن حكيم الأثرم لين فيحتاج إلى متابع.
سم.
عفا الله عنك.(26/33)
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الكفارة في ذلك:
حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك عن خصيف عن مقسم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الرجل يقع على امرأته وهي حائض قال: ((يتصدق بنصف دينار)).
حدثنا الحسين بن حريث قال: أخبرنا الفضل بن موسى عن أبي حمزة السكري عن عبد الكريم عن مقسم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا كان دماً أحمر فدينار، وإذا كان دماً أصفر فنصف دينار)).
قال أبو عيسى: حديث الكفارة في إتيان الحائض قد روي عن ابن عباس موقوفاً ومرفوعاً، وهو قول بعض أهل العلم، وبه يقول: أحمد وإسحاق، وقال ابن المبارك: يستغفر ربه ولا كفارة عليه، وقد روي نحو قول ابن المبارك عن بعض التابعين منهم سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي، وهو قول عامة علماء الأمصار.
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الكفارة في ذلك" يعني كفارة وطء الحائض، إذا وطأ زوجته حال الحيض فإن عليه كفارة دينار أو نصفه على ما في حديث الباب مع ما فيه من كلام لأهل العلم.(26/34)
قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك" شريك بن عبد الله القاضي، صدوق يخطئ مخرج له في صحيح مسلم وغيره مقرون في حديث الإسراء، وأخطاؤه وأوهامه في حديث الإسراء تبلغ العشرة، أحصاها ابن القيم في زاد المعاد، وابن حجر في فتح الباري، قال: "أخبرنا شريك عن خصيف بن عبد الرحمن" الجزري، قالوا عنه: صدوق سيء الحفظ "عن مقسم بن بجرة" أو نجدة، مولى ابن عباس؛ لأنه ملازم له "عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الرجل يقع" يعني يجامع "يقع على امرأته وهي حائض" الجملة حال، يعني حال كونها حائض، "قال: ((يتصدق بنصف دينار)) " وفي الذي يليه قال: "حدثنا الحسين بن حريث قال: أخبرنا الفضل بن موسى" المروزي ثقة "عن أبي حمزة السكري" ثقة أيضاً، وعلاقته بالسكر لا لأنه يبيعه أو يزرعه وإنما قالوا: لحلاوة كلامه "عن عبد الكريم بن مالك" الجزري ثقة، وليس المراد به عبد الكريم أبو أمية ابن أبي المخارق ذاك ضعيف، وإن كان في طبقته "عن مقسم عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا كان دماً أحمر فدينار، وإذا كان دماً أصفر فنصف دينار)) " حديث الكفارة كفارة الوطء حال الحيض حديث كثر فيه كلام أهل العلم، وفيه اضطراب كبير في متنه وفي إسناده، في سنده وفي متنه، شوف الرواية الأولى يقول: ((يتصدق بنصف دينار)) وفي الثانية يقول: ((إن كان دماً أحمر فدينار، وأن كان دماً أصفر فنصف دينار)) وفي بعضها: ((تصدق بدينار أو نصفه)) على الشك أو التأخير، وهذا كله مما يجعل المتن مضطرباً، وأيضاً إسناده فيه اختلاف كبير، لكن إذا أمكن الترجيح كما هو معروف في مبحث المضطرب ينتفي الاضطراب، يعني الحديث المضطرب هو الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية، أوجه يعني يروى على أكثر من وجه، هذه الأوجه تكون مختلفة لا متفقة، ومتساوية لا يكون بعضها أرجح من بعض، فإن أمكن الترجيح انتهى الاضطراب، روى أبو داود في سننه قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن شعبة قال: حدثني الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: ((يتصدق بدينار أو نصف دينار)) ورواته كلهم مخرج لهم في(26/35)
الصحيح إلا مقسم، مقسم انفرد به البخاري، يعني الرواة كلهم مخرج لهم في الصحيحين إلا مقسم فإنه مخرج له في البخاري، والحديث صححه الحاكم، وصححه ابن القطان، وأقره ابن دقيق العيد، وابن حجر في التلخيص، وفي هذا ما يرد على النووي في قوله في شرح المهذب، وفي شرح مسلم إنه ضعيف بالاتفاق، وقد صححه من سمعتم الحاكم وابن القطان، وأقره ابن دقيق العيد وابن حجر، كلهم صححه، وفي هذا رد على النووي، لكنه مختلف في رفعه ووقفه.
قال ابن سيد الناس: من رفعه عن شعبة أجل وأكثر وأحفظ، من رفعه عن شعبة أجل وأحفظ وأكثر، يعني فالقول قولهم، فالراجح رفعه لا وقفه، مع أن البيهقي ذكر أن شعبة رجع عن رفعه، فقيل له عن ذلك قال: كنت مجنوناً فصححت، يعني لما كنت أرفعه ما أعي ما أقول ولما أفقت وقفته.
يقول هنا في قول ابن عباس: قال إذا كان دماً أحمر فدينار، وإن كان دماً أصفر فنصف دينار يعني الإشكال بعد تثبيت الخبر ((فليتصدق بدينار أو نصفه)) أو هذه للشك أو للتخيير أو للتقسيم، يعني هل شك الراوي؟ هل قال: دينار أو نصف دينار؟ أو للتخيير إن شاء أن يتصدق بدينار فعل، وإن شاء أن يتصدق بنصف دينار فعل، أو للتقسيم للأشخاص أو للحالات، فإذا كان الوطء في أول الحيض في فورته في احمراره فدينار، وإن كان بعد ضعفه واصفرار الدم وقبل التطهر نصف دينار، أو نقول: إن هذا يختلف باختلاف الأشخاص الموسر يتصدق بدينار والمعسر يتصدق بنصف دينار، على كل حال قيل بكل هذه الأقوال، والحديث لا يسلم مقال، واضطرابه معروف عند أهل العلم.(26/36)
"قال أبو عيسى: حديث الكفارة في إتيان الحائض قد روي عن ابن عباس موقوفاً ومرفوعاً" والخلاف في مثل هذا معروف، يعني إذا تعارض الوقف مع الرفع معروف من أهل العلم من يرى أن الحكم للرفع مطلقاً لأن مع الرافع زيادة علم، خفيت على من وقف، ومنهم من يقول: الحكم لمن وقف؛ لأنه هو المتيقن والرفع مشكوك فيه، البيهقي بين في روايته أن شعبة رجع عن وقفه، قال: وهو قول بعض أهل العلم، وبه يقول أحمد وإسحاق والشافعي في القديم، يقولون: يتصدق كفارة، وقال ابن المبارك: يستغفر ربه ولا كفارة عليه، هو ذنب معصية من المعاصي عليه أن يستغفر، وحديث الكفارة لم يثبت، ولا كفارة عليه لاضطراب الحديث، والأصل براءة الذمة، ولا يكلف أحد إلا بشيء ملزم تثبت به الحجة، وبعض أهل العلم قال: وطء الحائض حرام، والصائم الوطء بالنسبة لهم حرام، من وطأ امرأته وهي حائض عليه كفارة ظهار، كما لو وطأها وهي صائم، بجامع التحريم لكل منهما، لكن هذا قول ضعيف.
قال -رحمه الله-: "حدثنا بن أبي عمر قال: حدثنا سفيان" هو ابن عيينة "عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر أن امرأة سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الثوب يصيبه الدم من الحيضة" بفتح الحاء كما تقدم "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((حتيه)) " يعني: حكيه بظفر أو عود ونحوه ((ثم اقرصيه)) أدلكيه بالماء، ويكون هذا الدلك بأطراف الأصابع، بعد الحت بالظفر ((ثم رشيه)) أي صبي عليه الماء ((وصلي فيه)) وقد يحصل كل هذا فيبقى الأثر صفرة في الثوب لا تمكن إزالتها، مثل هذه الصفرة بعد فعل جميع الأسباب من أجل إزالتها فقد جاء ما يدل على أن هذا الأثر لا يضر.(26/37)
قال: "وفي الباب عن أبي هريرة" عن أبي داود والنسائي وابن ماجه "وأم قيس بنت محصن" عند أبي داود "قال أبو عيسى: حديث أسماء في غسل الدم حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان وغيرهما "وقد اختلف أهل العلم في الدم يكون على الثوب فيصلي فيه قبل أن يغسله، فقال بعض أهل العلم من التابعين: إذا كان الدم مقدار الدرهم فلم يغسله وصلى فيه أعاد" وجاء في حديث عند الدارقطني عن أبي هريرة رفعه: ((تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم)) لكنه حديث باطل، وقال ابن حبان هو موضوع، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات، مقدار الدرهم من الدم بعض العلماء جعلوا الفرق بين القليل والكثير القليل الذي يعفى عنه والكثير الذي لا يعفى عنه الدرهم "وقال بعضهم: إذا كان الدم أكثر من قدر الدرهم أعاد الصلاة وهو قول سفيان الثوري ابن المبارك" والحنفية هذه رأي الحنيفة التحديد بالدرهم، فما كان دونه يعفى عنه، وما كان فوقه لا يعفى عنه، ومردهم في ذلك أن الاستنجاء يبقى على محل الخروج، يعني الاستنجاء ما يقطع النجاسة من أصلها، ولذا يقولون: في ضابط الاستنجاء المجزئ ألا يبقى إلا أثر لا يزيله ولا يذهبه إلا الماء، هذا الاستجمار، الاستجمار ضابطه ألا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء، فالاستجمار لا بد أن يبقى أثر، والذي يقضي عليه بالكلية هو الماء.(26/38)
يقول صاحب الهداية من الحنفية: قدر الدرهم وما دونه من النجاسة المغلظة كالدم والبول والخمر وخراء الدجاج وبول الحمار تجوز الصلاة معه وإن زاد لم يجز؛ لأن القليل لا يمكن التحرز منه والتحديد بالدرهم أخذاً عن موضع النجاسة، يعني في حال الاستجمار، يعني الجمع بين الدم والبول والخمر وخر الدجاج وبول الحمار، يعني على القول بأن بول ما يؤكل لحمه وعذرته كلها نجسة عند الحنفية والشافعية جعل رجيع الدجاج مثل البول، مثل بول الحمار، ومعروف أن ما يؤكل لحمه الراجح أن رجيعه طاهر، كما هو معلوم في قصة العرانين أمرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يشربوا من ألبانها وأبوالها، التحديد بالدرهم وقياسه على موضع النجاسة، موضع الخارج حقيقة قياس مع الفارق، هذا جاء به النص، وذاك لم يرد به نص، وأيضاً جعل النجاسات كلها على مستوى واحد وكلها يعفى عن يسيرها بقدر الدرهم هذا أيضاً لا يدل عليه دليل، بل المعروف عند الشافعية والحنابلة وجمهور أهل العلم التشديد في أمر البول، وحديث صاحبي القبرين وأنهما يعذبان وما يعذبان بكبير كان أحدهما لا يستبرئ أو لا يستنزه من بوله، جعل أهل العلم يحتاطون للبول؛ لأنه سبب لعذاب القبر، يحتاطون للبول حتى أن المعروف عند الحنابلة وبعض الشافعية أن البول لا يعفى عن يسيره حتى ما لا يدركه الطرف، كرؤوس الإبر لا يعفون عنه، لا يعفى عن مثل هذا، وحديث الاستبراء والاستنزاه من البول جعل البول أمره شديد، قال: "ولم يوجب بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم عليه الإعادة، وإن كان أكثر من قدر الدرهم" يعني مطلقاً، "ولم يوجب بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم الإعادة، وإن أكثر من قدر الدرهم وبه يقول أحمد وإسحاق، يعني بالنسبة للدم قصة الصحابي الذي أصابه السهم وهو يصلي فاستمر في صلاته، عمر -رضي الله عنه- صلى وجرحه يثعب دماً، وقلنا في هذا ما تقدم من أن هذا حكمه حكم من حدثه دائم، فلا يقاس عليه غيره.(26/39)
وقال الشافعي: يجب عليه الغسل وإن كان أقل من قدر الدرهم، وشدد في ذلك حتى الحنابلة يشددون في شأن البول وأنه لا يعفى عن يسيره ولو كان مما لا يدركه الطرف، حديث الباب ((حتيه ثم اقرصيه)) لم يرد فيه تحديد بين قليل ولا كثير، ولا حدد مقدار الدرهم ولا دونه، لكن حديث عائشة في البخاري أنها تقصعه بريقها يدل على الفرق بين القليل والكثير، وصح عن عائشة في الكثير أنها كانت تغسله، وكان أبو هريرة لا يرى بالقطرة والقطرتين بأساً، مما يدل على أنه يرى بالثلاث بأساً، وعصر ابن عمر بثرة فخرج منها دم فمسه بيده وصلى، وجاء عن بعضهم أنه كان يحرك أنفه فينزل منه الشيء اليسير من الدم ويستمر يصلي ولا ينتقض وضوؤه ولا ينجس بذلك، فالدم لا شك أنه يختلف عن البول، فالدم يعفى عن قليله ولا يعفى عن كثيرة
وبالنسبة للبول لا يعفى عن قليله ولا كثيرة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب:. . . . . . . . .
نعم كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
قالوا: الدرهم البغلي كلام طويل يعني ما ينضبط، ما له أصل فما ينضبط، وقالوا: مقدار الدرهم قدر الظفر يعني قدر حلقة المخرج، قدر الظفر، ثم قالوا عن عمر أنه يعفى عن الظفر وظفر عمر رجل طوال يعني قال الحنفية: إن ظفره بقدر الكف لبعض الناس، كلام ما هو بصحيح ما يمكن، إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، هذا مثل من حدثه دائم، حدثه دائم، يعني ما يمكن، عندهم خياط وإيقاف للدم ما عندهم ينزف إلى أن يموت وينتهي.
اللهم صلِ وسلم على نبينا محمد.(26/40)
شرح سنن الترمذي - أبواب الطهارة (27)
شرح: باب: ما جاء في كم تمكث النفساء؟ وباب: ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد، وباب: ما جاء في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ، وباب: ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء، وباب: ما جاء في الوضوء من الموطأ، وباب: ما جاء في التيمم، وباب: ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً، وباب: ما جاء في البول يصيب الأرض.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: عند زوجتي ذهب وتريد إخراج زكاته وليس عندها مال لتخرج منه هل تبيع منه لتزكي أو أعطيها من مالي فتزكي منه أو عنه؟
أولاً: عند من يقول بوجوب الزكاة في الذهب أن الزكاة تجب في عين المال ولها تعلق في الذمة، هذا عند من يقول بوجوب الزكاة في الحلي المستعمل تزكي منه، وإذا لم يمكن من ذلك فإنه تبيع منه وتزكي، وإن تبرع من لا منة له عليها فأعطها مالاً تزكي منه ملكها إيه ثم أخرجته للزكاة أجزأ.
يقول: هل يجوز نظر النساء إلى الرجال من خلال الشاشات إذا كانوا يلقون المحاضرات والدروس والاستفادة منهم كما في بعض القنوات؟
لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجال؛ بل يجب عليها غض البصر، سواء كانت الصور حقيقية أو ليست حقيقية، المقصود أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجال، وتحدد النظر فيهم، كما أنه لا يجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة، وهذا منصوص في كتاب الله لا يحتاج إلى اجتهاد.
يقول: بالنسبة للنظر في قنوات السحر وقع إشكال في أن النظر فيها ليس إتيان نرجو التفصيل والقول الصواب في المسألة؟(27/1)
الإتيان المقصود به عند من يحتاج إلى الإتيان، ولو كان عندك في مسكن واحد، الساحر عندك في غرفة وأنت في غرفة، وتنظر إليه من غير إتيان إليه هذا يكفي، ولو أمكنك أن تنظر إليه من خلال نافذة وأنت لا تريد الإنكار عليه؛ لأن هذا إطلاع على الشرك على الكفر -نسأل الله العافية-، ولا يجوز الإطلاع عليه إلا لمن أراد أن ينكر؛ الإطلاع على المنكرات والذهاب إليها أو النظر إليها لا يجوز إلا لمن أراد إنكارها، فالإتيان هو في الغالب أنه يحتاج إلى من يأتيه لأنه لا يسكن عند هذا الآتي، وإذا كان لا يتطلب إتيان فمجرد النظر إليه والنظر إلي عمله هذا هو حكمه حكم الإتيان -نسأل الله العافية-، من غير تصديق أما إذا صدقه فالأمر أعظم -نسأل الله العافية-.
يقول: من أدرك الإمام راكعاً ثم كبر تكبيرة واحدة ولم يكبر للركوع؟
تكفي تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع لأنها تدخل فيها على أن ينوي تكبيرة الإحرام.
وكان في حال تكبيرة منحنياً ليس معتدلاً؟
لا تكبيرة الإحرام فرض القيام، لا بد أن يكبر وهو قائم.
يقول: أول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة ومن العبيد بلال ما الفرق بين المولى والعبد؟
الفرق ظاهر المولى قد يكون من صميم من صلبية العرب، قد يكون من قريش إلا أنه حصل عليه أسر أو حصل عليه حلف أو موالاة أو شيء من هذا، أو تبني كما هو شأن زيد بن حارثة، وأما العبد فهو الذي جرى عليه الرق بيع واشتري.
محمد بن أبي بكر ولد في حجة الوداع؟
نعم ولد في المحرم بعد ما خرجوا من المدينة ولد، وتوفي النبي -عليه الصلاة والسلام- وله من العمر ثلاثة أشهر فقط، فهذا يختلف في مثله، إذا كان رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو لم يره، وهل هذه الرؤية معتبرة أو غير معتبرة؟ الأكثر أنها غير معتبرة فليس بصحابي.
يقول: كثير ما أراك تذكر المحدث المعاصر أحمد شاكر ولا نراك تذكر الشيخ المحدث الألباني مع أنني أعتقد أنه من أئمة هذه الشأن فهل من سبب يذكر؟(27/2)
أولاً: المناسبة التي بين أيدينا التعليق لأحمد شاكر، وتعليل الأحاديث ودراسة الأحاديث التي معنا كله للشيخ أحمد شاكر، يعني ليس للشيخ ناصر في الكتاب الذي أدرسه وهو بيدي النسخة التي ... أي جهد، يعني هي طبعة الشيخ أحمد شاكر، وتعليقات الشيخ أحمد، وتعليله للأحاديث واستطراده في ذلك هو الذي جعلنا نذكره، وليس المسألة مسألة مقارنة قد يقول قائل: أنك ما تذكر ولا تصحيح ابن حجر ولا تضعيف أحمد ولا ابن معين، المسألة مسألة مناسبة وليست دراستنا لهذا الحديث دراسة استيعاب أبداً، هي دراسة إمرار كما ترون، ولا نقف عند كثير من المسائل التي تستحق الوقوف؛ فالشيخ الألباني لنا فيه كلام طويل، ولا يختلف أحد في أنه مجدد بالنسبة لهذا العلم.
وأعتذر عن هذا السؤال ولكني أتساءل هل الألباني لا يستشهد بقوله أما ماذا؟
أنا معولي وعمدتي في كثير من الأمور في التصحيح والتضعيف على قوله، لكني ليست بمقلد له، قد أخالفه -رحمه الله-.
يقول: ما تقول في امرأة دورتها الشهرية أكثر من عشرين يوماً والرائحة والصفرة والكدرة هي نفسها كريهة؟
ويش لون الرائحة والصفرة والكدرة؟ مثل هذه مستحاضة، هذه مستحاضة وليست بحائض؛ إنما ترجع إذا كان الدم يتغير، فالدم الأسود المنتن هو الحيض، وما عداه استحاضة، دم فساد لا حكم له، وإن كانت لها عادة سابقة ستة أيام أو سبعة تجلس على عادتها، وما زاد على ذلك تصوم وتصلي، وإن كانت ليست بمميزة ولا معتادة تجلس عادة غالب نسائها كما جاء في النصوص، وهنا أشار إلى الصفرة والكدرة، الصفرة والكدرة في زمن الطهر ليست بحيض كما هو معروف.
يقول: صلاة الفجر تشكو الهجر مني ومن كثير من الشباب فهل من كلمة تعظني وإخواني بها؟(27/3)
صلاة الفجر لا شك أنه جاءت النصوص بالتشديد في أمرها، وهي أثقل الصلاة على المنافقين -نسأل الله العافية-، أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ومن صلى البردين دخل الجنة، يعني تشترك مع صلاة العشاء في نصوص ومع العصر في نصوص، ولا يشترك معها في كثير من النصوص بعض الصلوات، المقصود أن صلاة الفجر هي العلامة على صدق الإيمان عند الإنسان، والتخلي عنها وتركها والتكاسل عنها يخشى على صاحبه من النفاق، وصلاة الفجر من أعظم الأسباب مع صلاة العصر إلى النظر إلى وجه الله -جل وعلا- يوم القيامة في الجنة، الذي هو أعظم ما يتلذذ به أهل الجنة.
مسألة حرم المدينة معروف الحدود وله أحكامه، أما بالنسبة للمسجد فالمضاعفة خاصة به، مضاعفة الصلوات خاصة به، وأما بالنسبة لما ورد في تحريم المدينة وتحريم قطع الشجر، وتحريم الصيد وما أشبه ذلك فإنه محدود بحدود الحرم، ما بين عير إلى ثور، من الشمال إلى الجنوب، وما بين الحرتين من الشرق إلى الغرب.
بأي شيء تدرك الركعة؟
الركعة تدرك بإدراك الركوع مع الإمام، بأن يركع ويدرك الإمام ويطمئن في ركوعه قبل أن يرفع الإمام.
يقول: ما صحة فعل علي -رضي الله عنه- أنه بال في سباطة قوم ثم توضأ ثم مسح على الخفين ثم خلعهما وصلى ألا يكون من الأدلة على أن الخلع بعد لبسه على طهارة لا ينتقض؟
أولاً: الكلام في هذا الأثر كثير، الأمر الثاني: أننا عندنا من الأدلة المرفوعة التي تستند إلى الأدلة المرفوعة على كل حال ما يخالف هذا، والاحتمال يتطرقه أيضاً أن يكون علي -رضي الله عنه- ممن لا يرى الموالاة مثلاً وغسل رجليه بعد خلع الخف أو خلع الخف بعد تمام طهارته ثم بعد ذلك مباشرة غسل رجليه.
يقول: دائماً تذكر الاحتياط كما في كفارة إتيان الحائض فما هو الاحتياط؟ هل هو الأيسر أم الأشد أم ما وافق الشريعة علماً بأن بعض الأشياء أحاديثها ضعيفة؟(27/4)
أما ما كان حديثه ضعيف لا ينتهض ولا صححه أحد من الأئمة هذا لا يلزم منه احتياط، والاحتياط في الإتباع، والاحتياط كما قال شيخ الإسلام: إذا أدى إلى فعل محظور أو ترك مأمور فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط، أما إذا وجد حديث اختلف في تصحيحه وتضعيفه مثلاً، وتوقف الإنسان في حكمه فالاحتياط أن يعمل به، علماً بأن جمهور أهل العلم يعملون بالحديث من باب الاحتياط ولو ضعف، وأما الأخذ بالأيسر أو الأشد فليس من مقاصد الشريعة لا التيسير، الذي لا يسنده نص، ولا التشديد وسيأتي في الحديث: ((إنما بعثتم ميسرين لا منفرين)) و ((إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) وليس معنى ذلك التضييع، بل الدين دين تكاليف، والجنة حفت بالمكاره، دين دين واجب يجب العمل به، دين محرم يجب تركه، وهذه موجودة في الشريعة، أما من يأخذ بالتيسير ويترك النصوص الكثيرة التي تدل على أن الشريعة شريعة تكاليف، ويش معنى التكليف؟ إلزام ما فيه كلفة على المكلف، ويش معنى الجهاد؟ إزهاق النفس، هذا ما في تكليف؟! الحج فيه تكليف شديد، الصيام في الهواجر فيه تكليف، في تشديد على المكلف، المقصود أن سمة الشريعة في جملتها اليسر، ويقول أهل العلم كالشاطبي وغيره: إن المشقة التي تلحق بالعبادة إذا كان نظيرها يلحق بأمور الدنيا تجد الإنسان في أمور دنياه يضرب الفيافي والقفار من أجل أن يكسب شيء من المال، الذي يصيد مثلاً في الصيف ألا يشق عليه ذلك مشقة عظيمة ومع ذلك يتلذذ به، الذي يسافر من أجل التجارة، الذي يزاول التجارة من أول النهار إلى آخره في الأيام الشديدة الحر وهو صائم هذه تكاليف لا تخرج عن المعتاد، أما ما يخرج عن المعتاد، التكليف الذي يخرج عن المعتاد هذا لا يوجد في الشريعة، يعني الذي يشق على المسلم مشقة عظيمة بحيث يخرج عن المعتاد هذا لا تأتي به الشريعة، فالتكاليف التي لا تخرج عن المعتاد ولو شقت عن النفس كثير من التكاليف شاقة، وهي بالنسبة لكثير من الناس ليست بيسر، وإن كانت سمة الشريعة يسر، لكن لا يعني أن الجهاد يعطل لأنه عسر، الحج يعطل لأنه عسر لا، لا بد من .. ، الحج ركن من أركان الإسلام {لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ} [(7) سورة(27/5)
النحل] ليس معنى أن الإنسان يؤخذ بشيء من النصوص ويترك أشياء، ما خير النبي -عليه الصلاة والسلام- بين أمرين إلا أختار أيسرهما هذا قبل استقرار الحكم، لكن إذا استقر الحكم ما في خيار، أما قبل استقرار الحكم يخير النبي -عليه الصلاة والسلام- فيختار الأيسر، إذا استقر الحكم بالتحريم كيف نختار الأيسر؟ لا نستطيع أن نختار الأيسر.
يقول: أحد الشباب سوف يذهب للدارسة في بريطانيا فما حكم إقامته عند امرأة كبيرة في السن حيث أن هذا هو النظام؟
{ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} [(40) سورة النور] الأصل السفر محرم إلا لضرورة، ومع ذلك يسكن عند امرأة.
يقول: إذا ترجح لدي أن الأرض لا تدور ومطالب بتدريس الطلاب المناهج الدراسية وفيها أن الأرض تدور فهل علي إثم؟ وما المخرج من ذلك؟
أولاً: عليك أن تجمع الأدلة على رسو الأرض وإرساء الأرض بالجبال، وتجمع ما قاله أهل العلم هذا وتقرره للطلاب، ثم تذكر لهم أن المنهج فيه كذا، والله المستعان.
يقول: يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ليسلم الصغير على الكبير)) سؤالي نرى بعض طلبة العلم لا يسلم على الأكبر منه سناً بحجة أن الذي أكبر منه أقل علماً منه وعلى ذلك لا يبادر بالسلام؟
لا يا أخي هذا حرمان نسأل الله السلامة والعافية، وعلى المسلم سواء كان ... ، هذا التوجيه النبوي يسلم الصغير على الكبير، وينبغي أن يبادر الصغير على السلام على الكبير، والمار على الجالس، والراكب على الماشي، لكن لو بادر الثاني، بادر الكبير اغتناماً لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) أحياناً يمر الإنسان على شخص جالس، ولكونه من الوافدين من العمال أو من غيرهم لا يبادره بالسلام، يحتقره، وهذا أيضاً من شر أنوع الكبر، هذا غمط الناس، ثم يأتي هذا الوافد ويبادره بالسلام، ثم يقول لصاحبه الذي معه: شوف هذا المسكين جالس وهو اللي يسلم، ما يدري عن الحديث أن الماشي هو اللي يسلم؟ طيب وراك أنت ما تدري بعد؟ هو الذي أخذ الفضل عنك، ((وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) وهو جالس وأنت عندك أنك تعرف الحديث وين أنت عند نفسك؟ وفي الأخير تكون أنت المحروم، فيحرص الإنسان بالمبادرة بالسلام ليكون خير الاثنين.(27/6)
وعلى ذلك لا يبادر بالسلام عليه، وكذلك إذا دعي إلى وليمة يتصدر المجالس مع وجود شيوخ كبار في السن ويقول: بأن الموازين ينبغي أن تكون شرعية، والرسول -عليه الصلاة والسلام- جعل الإمامة في الصلاة للأقرأ؟
يعني الموازين صح يجب أن تكون شرعية، لكن مو بأنت اللي تصدر نفسك؛ لأن قد تكون عند نفسك شيء وأنت عند الله وعند الناس لست بشيء، فإذا ألزموك وصدروك التزم، والله المستعان.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في كم تمكث النفساء؟
حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: حدثنا شجاع بن الوليد أبو بدر عن علي بن عبد الأعلى عن أبي سهل عن مسة الأزدية عن أم سلمة قالت: كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعين يوماً فكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف.
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل عن مسة الأزدية عن أم سلمة واسم أبي سهل: كثير بن زياد.
قال محمد بن إسماعيل: علي بن عبد الأعلى ثقة وأبو سهل ثقة، ولم يعرف محمد هذا الحديث إلا من حديث أبي سهل، وقد أجمع أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي، فإذا رأت الدم بعد الأربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا: لا تدع الصلاة بعد الأربعين، وهو قول أكثر الفقهاء، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، ويروى عن الحسن البصري أنه قال: إنها تدع الصلاة خمسين يوماً إذا لم تطهر.
إذا لم ترَ الطهر.
عفا الله عنك.
ويروى عن الحسن البصري أنه قال: إنها تدع الصلاة خمسين يوماً إذا لم ترَ الطهر.
ويروى عن عطاء بن أبي رباح والشعبي ستين يوماً.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:(27/7)
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في كم تمكث النفساء؟ " يعني مدة النفاس بعد الولادة، والنفاس والنفساء أصله من النفس، وجمعها نفوس، إما لخروج هذه النفس الذي هو الولد، أو يراد بالنفس الدم، كما يقول الشاعر:
تسيل على حد الضبات نفوسنا ... . . . . . . . . .
يعني دماؤنا، ويقول الفقهاء: ما لا نفس له سائلة فهو طاهر، يعني ما لا دم له، والغالب أن النفساء مع الولادة، وبعد الولادة يخرج منها الدم الذي هو النفس، إذا خرج منها الدم بعد الولادة لزمها ما يلزم الحائض، وإذا ولدت بدون دم لا يلزمها المكث بل يجب عليها أن تصلي وتصوم، ولا حد لأقل النفاس؛ لأنه وجد من ولدت بغير دم، ووجد من قطع دمها في اليوم الأول، وبعد ذلك كثير، المقصود أنه لا حد لأقله، وأما أكثره فهو محل الخلاف الذي فيه حديث الباب، فجماهير أهل العلم على أن أكثر النفاس أربعون يوماً وعليه يدل الحديث، ومنهم من يقول: خمسون، ومنهم من يقول: ستون، وجاء فيه ما جاء، ومنهم من يقول: بالنظر إلى الوجود ما وجد أكثر من سبعين، ومثل هذا لا يصحح جميع ما ورد في الباب، وإنما نظر إلى الواقع، فقال: أكثر ما وجد الدم بعد الولادة سبعون يوماً، فهذا أكثر النفاس، لكنه لا يدل عليه دليل، وحديث الباب صالح للاحتجاج، وأغرب ابن حزم حيث زعم أن النفاس كالحيض، أكثره سبعة أيام، أكثر النفاس سبعة أيام مثل الحيض، وهذا لا شك أنه قول غريب لا حظ له من النظر ولا الأثر.(27/8)
قال -رحمه الله-: "حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: حدثنا شجاع بن الوليد أبو بدر" كوفي صدوق "عن علي بن عبد الأعلى" التغلبي الكوفي صدوق أيضاً "عن أبي سهل" كثير بن زياد البرساني، وهو ثقة "عن مُسة الأزدية" مُسة أم بُسة يعني اسمها وكنيتها من الغرائب، وهي مقبولة على ما قال أهل العلم، مقبولة والمقبول مثلما ذكرنا في اللين أمس، القاعدة تفيد كما قال ابن حجر: إنه ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت في حقه ما يترك حديثه من أجله فإن توبع فمقبول وإلا فلين، فهل توبعت مُسة الأزدية على هذا الحديث ليكون حديثها مقبولاً أو تبقى لينة كما لو في حالة ما إذا لم تتابع، هي متابعة، ولذلك وصفت بأنها مقبولة، وإذا نظرنا إلى السند وجدناه قابل للتحسين بذاته "عن أم سلمة قالت: كانت النفساء تجلس" تجلس يعني بعد الولادة "على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعين يوماً" إذا قال الصحابي: كنا نفعل فهو مرفوع، حكمه حكم المرفوع لا سيما إذا أضافه إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- مع أن منهم من يقول: إذا قال: كنا نفعل ولو لم يضفه إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مرفوع، لكن الآن تقول: على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو مرفوع بلا تردد "أربعين يوماً" وهذا في وقت التنزيل، ولو كان شيئاً لا يقر عليه شرعاً لما أقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولما أقره الرب -جل وعلا-، وأنزل فيه ما أنزل، ولذا يقول جابر: "كنا نعزل والقرآن ينزل" ولو كان شيئاً ينهى عنه لنهى عنه القرآن، فمثل هذا يفعل على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- "قالت: فكنا نطلي" يعني نلطخ "وجوهنا بالورس" نبت أصفر، له لون وله رائحة، ينبت باليمن "من الكلف" الكلف لون بين السواد والحمرة فيكون في الوجه، وكأنه حبوب وبثور تخرج في الوجه يكون لونها بين السواد والحمرة.
"قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل" كثير بن زياد البرساني، وهو ثقة، ويقبل تفرده "عن مسة الأزدية عن أم سلمة" وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني والحاكم، وله شاهد من حديث أنس عند ابن ماجه، فالحديث حسن صالح للحجية.(27/9)
قال الترمذي: "واسم أبي سهل كثير بن زياد" على ما ذكرنا، وهو ثقة "قال محمد بن إسماعيل: علي بن عبد الأعلى ثقة وأبو سهل ثقة" إذاً ما عندنا إلا شجاع ومسة، هما الذين ينزلان عن درجة الثقة، لكن حديثهما في حيز القبول فهو حسن "ولم يعرف محمد هذا الحديث إلا من حديث أبي سهل" ولذا قال: غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل، لكن هل سهل هذا وهو ثقة عند أهل العلم .. ؟ يقولون: أبو سهل ثقة، يقوله البخاري -رحمه الله- وغيره يوثقه، هل هذا ممن يحتمل تفرده أو لا يحتمل؟ نعم يحتمل تفرده إذا جاء بحديث لا يخالف عليه، لا يخالفه من هو أوثق منه فتفرده مقبول.
قال: "ولم يعرف محمد هذا الحديث إلا من حديث أبي سهل" ولا يضر الحديث تفرد أبي سهل به لأنه ثقة، يقول: "وقد أجمع أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي" إجماعاً، يعني إذا رأت الطهر بعد أسبوع، بعد أسبوعين، بعد شهر يلزمها أن تغتسل وتصلي، متى رأت الطهر، ولا يقال: إن هذه معتادة أو غير معتادة يعني جاءت بخمسة أولاد كلهم يستوعبون الوقت أربعين يوماً، أو كلهم تطهر لشهر، ثم بعد ذلك زادت عن الشهر في الولد السادس أو السابع، نقول: ما زاد عن العادة حكمه حكم الحيض لا، هو نفاس حتى تطهر ما دامت في حيز الأربعين، فإذا تمت الأربعون ولم تطهر صار البقية دم فساد لا تجز إلا إذا صادف وقت العادة، إذا صادف وقت عادتها أو لون عادتها فنقول: إن هذه عادة.(27/10)
يقول: "تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلى، فإذا رأت الدم بعد الأربعين فإن أكثر أهل العلم يقولون: لا تدع الصلاة بعد الأربعين، وهو قول أكثر الفقهاء" الآن يقول: أجمع أهل العلم، أجمع وهنا يقول: فإن أكثر أهل العلم قالوا: لا تدع الصلاة بعد الأربعين، وهو قول أكثر الفقهاء كيف يكون إجماع ثم يكون قول أكثر الفقهاء؟ هل نقول: إن هذا تساهل في نقل الإجماع أو أن نقول: إن الترمذي -رحمه الله تعالى- يرى أن الإجماع قول الأكثر لا قول الجميع؟ كما عرف ذلك من مذهب الطبري -رحمه الله-، الإجماع عند الطبري قول الأكثر، لا يلزم أن يتفق عليه جميع المجتهدين، إذا قال به الأكثر هذا إجماع عنده، ولذلكم في تفسيره في كثير من الآيات، في القراءات في الأحكام في التوجيهات العربية وغيرها كلها يذكر الإجماع ويذكر مخالف، يقول: وقد اختلف القرأة في قراءة كذا والأكثر .. ، أو وقرأ فلان وفلان وفلان على كذا، وقرأ فلان بكذا، والصوب عندنا في ذلك القول الأول أو من قراءه على كذا لإجماع القرأة على ذلك، فهو يرى أن الإجماع قول الأكثر، ولعل الترمذي ينحو هذا المنحى.
طالب:. . . . . . . . .
نعم أي بعد الأربعين، هنا يقول: قد أجمع أنها تدع الصلاة أربعين.
طالب:. . . . . . . . .
إيه يعني هذه مسألة ثانية أيضاً، مسألة ثانية، وهي: هل الأخذ بالأقل يعد إجماعاً أو لا يعد؟ نعم لو عرفنا أن لزيد على عمرو مبلغ من المال دين، وإحنا عشرة، قلت أنا: الدين ألف ريال، قال الثاني: ألف ومائة، قال الثالث: ألفين، قال الثالث: ثلاثة ألاف، قال كذا، الإجماع كله اتفق على الألف، كلهم يتفقون على الألف، والخلاف فيما زاد مثل مسألتنا، وهذه مسألة خلافية، هل يعد إجماع الأخذ بالأقل أو لا يعد مع وجود المخالف؟ الأكثر على أنه لا يعد إجماعاً، حتى من هذه الحيثية لا يعد إجماعاً، وهذا مسألة أيضاً ينبغي العناية بها؛ لأنها مسألة تمر في كتب الأصول ما يلقي لها بال طالب العلم وهي في غاية الأهمية، ولها فروع كثيرة.(27/11)
"وهو قول أكثر الفقهاء، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق" وهو قول الحنفية أربعون يوماً، قال الشوكاني: والأدلة الدالة على أن أكثر النفاس أربعون يوماً متعاضدة، بالغة إلى حد الصلاحية والاعتبار فالمصير إليها متعين "ويروى عن الحسن البصري أنه قال: إنها تدع الصلاة خمسين يوماً إذا لم تر الطهر" إذا لم تر الطهر خمسين يوماً، وكأن الحسن لم يطلع على هذا الحديث أو لم يثبت عنده، ورأى من النساء من يستمر معها الدم إلى الأربعين؛ لأنه أذا لم يوجد نص إذا لم يوجد دليل يدل على التحديد فالمرجع في ذلك إلى العرف والعادة، فإذا وجدت من تمكث خمسين يوماً مثل ما قال الحسن تمكث خمسين يوماً، منهم من قال: ستين وأكثر ما قيل سبعين، وهذا أكثر ما وجد، فعلى كل حال بعد ثبوت هذا الخبر يتعين المصير إليه، ولا عذر لأحد على القول به إلا من رأى أنه لا يثبت عنده، يعني لو لم يثبت هذا الخبر قلنا: يرجع فيه إلى العادة، والعادة متفاوتة، من النساء من تجلس أقل القليل يوم واحد أو لا تكمل اليوم، ومنهن من تجلس أكثر من ذلك أسبوع، شهر أكثر، وأكثر ما وجد قالوا: سبعون يوماً، وهذا الأكثر عند بعضهم.
"ويروى عن عطاء بن أبي رباح والشعبي: "ستين يوماً" وهو قول الإمام الشافعي، وكل هذا نظراً إلى عادة النساء، وجد من تجلس ستين يوماً ينزل معها الدم ستون يوماً قالوا: أكثره ستون يوماً، وقيل: سبعون يوماً، وهو أكثر ما وجد على ما ذكرنا.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد:
حدثنا بندار -محمد بن بشار- حدثنا أبو أحمد حدثنا سفيان عن معمر عن قتادة عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يطوف على نسائه في غسل واحد.
قال: وفي الباب عن أبي رافع.
قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن صحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يطوف على نسائه بغسل واحد، وهو قول غير واحد من أهل العلم منهم الحسن البصري أن لا بأس أن يعود قبل أن يتوضأ، وقد روى محمد بن يوسف هذا عن سفيان، فقال: عن أبي عروة عن أبي الخطاب عن أنس وأبو عروة هو معمر بن راشد وأبو الخطاب قتادة بن دعامة.(27/12)
قال أبو عيسى: ورواه بعضهم عن محمد بن يوسف عن سفيان عن ابن أبي عروة عن أبي الخطاب وهو خطأ والصحيح عن أبي عروة.
يقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد" يعني من غير فاصل، لا يفصل بين الجماعين بغسل، وليس فيه ذكر للوضوء، هل كان يتوضأ أو لا يتوضأ؟ وهل كان يتوضأ وضوء شرعياً أو لغوياً على ما سيأتي؟
"باب: ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد"(27/13)
قال: "حدثنا بندار -محمد بن بشار- حدثنا أبو أحمد" الزبير بن محمد بن عبد الله الزبيري، من الثقات "حدثنا سفيان" وهو الثوري "عن معمر" بن راشد الصنعاني المعروف "عن قتادة" بن دعامة السدوسي "عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يطوف" يعني يجامع "يطوف على نسائه" هنا فائدة تتعلق بالعربية والتضمين "كان يطوف على نسائه" إيش معنى يطوف؟ إما أن نقول: يقع أو يجامع، لكن كثير من أهل اللغة يرى أن الفعل لا يضمن معنى فعل إلا إذا كان هذا الفعل مثله، فإن كان لازماً يضمن فعل لازم، إذا كان متعدياً يضمن فعل متعدي بنفس الحرف؛ لأن عندنا تضمين حروف وتضمين أفعال، فنحتاج أحياناً إلى تضمين الفعل، وأحياناً نحتاج إلى تضمين الحرف، وشيخ الإسلام يرى أن تضمين الفعل أولى من تضمين الحروف، لمسألة يعاني منها مسألة عقدية شيخ الإسلام -رحمه الله- بيّن ذلك في مقدمة التفسير، على كل حال لو قلنا: يطوف ويش معناها؟ معناها يجامع، يجامع نساءه ما يحتاج إلى حرف متعدي بنفسه، وإذا قلنا: يطوف، يطوف نساءه لا، ما تصلح، فلا بد أن نضمن على هذا القول الفعل المتعدي بالفعل المتعدي، والفعل اللازم بالفعل اللازم، المتعدي بنفسه يعدى بفعل متعدي بنفسه، والفعل المتعدي بالحرف يعدى بفعل متعدي بالحرف ليكون في معناه من كل وجه، لكن ما نرى أهل العلم حينما يضمنون يلتزمون هذا الأمر أبداً يعني {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [(71) سورة طه] يعني ما المضمن هنا الفعل وإلا الحرف؟ الأكثر على أنهم يضمنون الحرف بمعنى (على) أصلبنكم على جذوع النخل، ومنهم من يقول: لا أصلبنكم نضمنه فعل يصلح لأن يتعدى بـ (في) فكأنه قال من شدة الصلب انحفرت هذه الجذوع فدخلوا فيها، كأنه قال: لأدخلنكم في جذوع النخل، هذه مبالغة في الصلب على جذوع النخل.
على كل حال طالب العلم يجعل هذه المسائل في ذهنه وإذا مر عليه يجمع النظائر إلى نظائرها ويستفيد -إن شاء الله تعالى-.(27/14)
"كان يطوف على نسائه في غسل واحد" يعني فيغتسل غسلاً واحداً، إذا فرغ وكان نساؤه أعدادهن متفاوتة، لكن أقلهن التسع، تسع في أخر الأمر التي توفي عنهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسع، اجتمع عنده إحدى عشرة، المقصود أنه يطوف على جميع هؤلاء النسوة بغسل واحد، فقيل لأنس: أو يطيق ذلك؟! قال: "كنا نحدث أنه أعطي قوة ثلاثين" فالحديث دليل على أن الغسل بين الجماعين ليس بواجب وعليه الإجماع، أجمع العلماء على أنه لا يجب أن يغتسل بين الجماعين.(27/15)
وفي هذا الحديث ما يدل على أن القسم ليس بواجب عليه -عليه الصلاة والسلام-، غسل واحد يجمع هذه الوقائع بغسل واحد، وكل واحدة في يومها وإلا في يوم واحد بل في ساعة واحدة؟ هي في ساعة واحدة في ليل أو نهار والغالب أنها العصر، والغالب أنها العصر فإذا لم يتيسر له العصر فبعد صلاة المغرب، هذا المعروف عنه -عليه الصلاة والسلام-، والقسم كما هو معلوم بالنسبة للمعدد واجب، والميل محرم، فلا بد من العدل، والذي لا يستطيع أن يعدل عليه بالواحدة، على أن العدل من كل وجه ليس بالمقدور لكل أحد، بل ليس بالمقدور لأي أحد {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ} [(129) سورة النساء] والذي يميل إلى إحدى زوجاته دون الأخريات هذا يأتي يوم القيامة وشقه مائل كما في سنن أبي داود، القسم واجب، ومثل هذا الذي يحصل منه -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه على قول من يقول: القسم ليس عليه بواجب، وهذا ظاهر ما فيه إشكال، وعلى من يقول: إن القسم واجب يقول: إن هذا بالاتفاق، إذا اتفق مع جميع الزوجات الأمر لا يعدوهن، حتى لو شخص وجد عنده أربع نسوة وقال: العصر ما هو لأحد أبا أمر على الجميع أجلس عند كل واحدة نصف ساعة ووافقوا كلهم على ذلك الأمر لا يعدوهن، لكن لو خالفت واحدة وقالت: أنا لا أرضى يلزمه أن يبقى عندها في نوبتها ولا يمر على أحد من نسائه، وإن اتفق الثلاث فالأمر بينهن يسير ويبقى الرابعة، لكن إن اتفق الجميع برضا الجميع فالأمر لا يعدوهن، قد يكون كما يقول أهل العلم: عمدة القسم الليل، وعلى هذا فالنهار لا يلزمه أن يقسم بين نسائه، لكن لا يجوز له أن يخصص بعض النساء بمرور أو مجيء أو نوم في النهار، ويقول: هذا من حقي لا ليس من حقك، من حقك أن تنام في المسجد، من حقك أن تذهب للنزهة، من حقك أن تسير من شئت، لكن ليس من حقك أن تذهب إلى ضرة؛ لأن بعض الناس قد يصنع مثل هذا، وبعض الناس قد يتذرع بالأولاد يقول: أنا ما أروح للمرأة أنا أروح لأولادها، لا، لا يجوز لك أن تفعل ذلك، فالقسم واجب والعدل فيه متعين إلا فيما لا يملك، فالذي يقول: إن القسم ليس عليه بواجب عليه -عليه الصلاة(27/16)
والسلام- وهو قول معروف عند أهل العلم يقول: يصنع ما شاء يصرف الوقت لمن شاء، والذي يقول: إن القسم عليه واجب لكنه برضا الجميع، وهذا يصوغ له -عليه الصلاة والسلام- ولغيره بالرضا، بعضهم يقول: إن هذا يحصل منه -عليه الصلاة والسلام- عند قدومه من سفر، يعني قبل أن تتحدد صاحبة النوبة، هذا الوقت الذي جاء به من السفر ما هو لأحد فيمر على الجميع، وهذا لمجرد توجيه الحديث مع وجوب القسم، وهذا قاله ابن عبد البر -رحمه الله-، والمسألة ظاهرة يعني إذا كانت برضا فلا إشكال، وإن كان لا يجب عليه القسم فهذا أيضاً من خصائص -عليه الصلاة والسلام- كما قيل.
قال -رحمه الله-: "وفيه عن أبي رافع" عند أبي داود وابن ماجه.
"قال أبو عيسى: حدث أنس حديث حسن صحيح" وأخرجه الجماعة، الجماعة السبعة، البخاري ومسلم وأبي داود الترمذي، النسائي، ابن ماجه، أحمد، صحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يطوف على نسائه بغسل واحد، وسليمان -عليه السلام- طاف على تسع وتسعين امرأة، طاف على تسع وتسعين امرأة، وقال: إنه يطوف لتأتي كل واحدة منهن -وأقسم على ذلك- بولد يجاهد في سبيل الله فلم يستثنِ؛ ما قال: إن شاء الله فلم تأتِ واحدة منهن بشيء إلا واحدة بشق ولد، نصف ولد فالأمور كلها معلقة بالله -جل وعلا-، ولا يدل الإنسان بعلمه أو بعمله ويقول: إنه وصل لحد أنه يقسم على الله لا، عليه أن يكون دائماً متهماً لنفسه هاضماً لحقه، والله المستعان.(27/17)
"وهو قول غير واحد من أهل العلم منهم الحسن البصري ألا بأس أن يعود قبل أن يتوضأ" والحديث ليس فيه ذكر للوضوء، بل فيه نفي للغسل وسيأتي الأمر بالوضوء، والحديث ليس فيه نفي للوضوء فيه نفي للغسل، "وقد روى محمد بن يوسف -الفريابي- هذا عن سفيان فقال: عن أبي عروة عن أبي الخطاب عن أنس" عن سفيان عن أبي عروة عن أبي الخطاب، وهنا عن سفيان عن معمر عن قتادة عن أنس لا اختلاف بينهما، ليس في هذا خلاف "فأبو عروة هو معمر بن راشد" الذي صرح به في الرواية الأولى "وأبو الخطاب هو قتادة بن دعامة" لكن معمر عرف باسمه وقتادة عرف باسمه، والتكنية بالنسبة لمن عرف بالاسم من باب الإغراب، وبعضهم يفعلها تدليساً لا سيما إذا كان الراوي ضعيفاً فيكنيه من أجل ألا يعرف، وهنا أبو الخطاب يندر من يعرف أن كنية قتادة أبو الخطاب، وكذلك معمر بن راشد من يعرف أنه أبو عروة؟ فالمشهور باسمه يذكر باسمه، المشهور بكنيته يذكر بكنيته، المشهور بهما يذكر بهما، المشهور بوصفه كالأعمش والأعرج والمعروف بمهنته كالسمان والزيات والخلال يذكر بما عرف به، فإذا ذكر بما لا يعرف به هذا يسمونه تدليس الشيوخ.
"وأبو عروة هو معمر بن راشد وأبو الخطاب هو قتادة ابن دعامة"، قال أبو عيسى: ورواه بعضهم ... " يعني ابن الترمذي -رحمه الله- ما ساق هذا على أنه وجه من وجوه الاختلاف، هذا مو باختلاف الرواة هم هم ما تغيروا، فلم يختلف فيه رواته على أحدهم لكنه أغرب في هذه الكنى التي لا يعرفون بها.
"قال أبو عيسى: ورواه بعضهم عن محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان عن ابن أبي عروة عن أبي الخطاب" ابن أبي عروة ولا شك أن هذا كما قال الترمذي: خطأ، والصحيح أنه عن أبي عروة، وهي كنية معمر بن راشد والحديث مخرج في الصحيح وغيرهما، نعم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ:
حدثنا هناد حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءاً)) قال: وفي الباب عن عمر.(27/18)
قال أبو عيسى: حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح، وهو قول عمر بن الخطاب، وقال به غير واحد من أهل العلم، قالوا: إذا جامع الرجل امرأته ثم أراد أن يعود فليتوضأ قبل أن يعود، وأبو المتوكل اسمه: علي بن داود وأبو سعيد الخدري اسمه: سعد بن مالك بن سنان.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الجنب إذا أراد أن يعود" يعود إلى موجب الجنابة وهو الوطء، إذا أراد أن يعود مرة ثانية أو ثالثة أو حسب ما يطيق، عرفنا أنه لا يلزمه الغسل بالإجماع، فهل يلزمه الوضوء أو لا يلزمه وضوء أيضاً؟
يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثنا هناد حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل" هناد بن السري معروف من شيوخ الأئمة، وحفص بن غياث أيضاً كذلك ثقة، وعاصم بن سليمان الأحول ثقة عن أبي المتوكل الناجي على بن داود أو ابن دؤاد ثقة أيضاً، الناجي من بني ناجية، قبيلة معروفة، وهناك من يعرف بالناجي وله تعليق على الترغيب والترهيب، وليس من بني ناجية، ليس من بني ناجية، إنما هو انتقل من مذهب الإمام أحمد إلى مذهب الشافعي فقيل له: الناجي؛ لأنه نجا على حد زعم القائل يعني من تشديدات الحنابلة، وما زال في القديم والحديث ينبز بالتحنبل، فإذا رأوا شخصاً متشدداً قالوا: هذا حنبلي، حتى الآن موجود في بعض الأقطار، وما ذلكم إلا لأن المذهب التزم السنة ظاهراً وباطناً، إمام المذهب إمام أهل السنة، فمن ينتسب إليه ينسب إلى التشديد، مع أنه في كثير من المسائل هو مشترك مع الأئمة الأربعة، وبعضها يخالف قد يكون قوله أشد لكن يوافقه مالك، قد يكون قوله أشد يوافقه الشافعي، قد يكون قوله أخف، قد يكون قوله ... إلى أخره المقصود أنه كغيره من المذاهب، لكن قد يلاحظ الملاحظ أن هناك شدة تحري وتثبت في إتباع السنة، من هذه الحيثية وصف هذا المذهب بالتشدد، وقيل: إنه نجا بانتقاله من مذهب الإمام أحمد إلى مذهب الشافعي.(27/19)
واختصم اثنان -هذه من الطرائف- في ولد، كل واحد منهما يدعيه، فاحتكما إلى مغفل، فأحدهما من بني ناجية أو بني طفاوة نسيت الآن، والثاني من بني راسب، فقال هذا المغفل: ارموه في البحر إن نجا فهو من بني ناجية، وأن رسب يعني دخل .. ، يعني غرق في البحر فهو من بني راسب، أظنه من بني طفاوة يقولون: انطفى يعني ارتفع فهو منكم، وإن رسب وغرق فهو من بني راسب، هذه القصة تذكرنا بقصة سليمان مع المرأتين؛ لأنه مع الأسف كتب عنها في الصحف على أنها خرافة، لما جاءت له المرأتان التي تختصمان في ولد، كل واحدة منهما تدعيه كبرى وصغرى، فقال لهما بعد أن أصرتا على الدعوى قال: نأتي بسكين ونشقه نصفين، نشقه بنصفين فكل واحدة نعطيها نصف وينتهي الإشكال، ماذا تقولين؟ يقول للكبرى قالت: افعل، فقال للصغرى: ماذا تقولين؟ قالت: هو لها، ما دام يشق هو لها، فحكم به للصغرى؛ لأن الذي جادت به أن يشق نصفين هذه ليست أم، قطعاً ليست أم، بينما التي تمسكت وقالت: يبقى حي ولو لم يكن لي أسهل هذه هي الأم الحقيقية، كتب عنها واحد في الصحف على أنها خرافة، وهي ثابتة، وهذا من فهم سليمان الذي فهمه الله -جل وعلا-، فهذا الطفل الذي اختصم فيه بنو طفاوة وبنو راسب، لو قضي فيه بقضاء سليمان -عليه السلام- عرف الحق من الباطل، مع أن فيه حكمنا دلالات وقرائن تدل على صاحب الحق من القيافة وغيرها.(27/20)
"عن أبي المتوكل" وهو ثقة "عن أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذ أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما)) يعني بين الوطئين ((وضوءاً)) كوضوء الصلاة، وحمله بعضهم على الوضوء اللغوي، وقال المراد به غسل الفرج، ورد عليه ابن خزيمة بما أخرجه في هذا الحديث: ((فليتوضأ وضوءه للصلاة)) ولا شك أن وضوء الصلاة يخفف الجنابة، والأمر فليتوضأ للاستحباب عند جمهور أهل العلم، وقال الظاهرية: يجب، وقال أبو يوسف: لا يستحب، أقوال متباينة بين قول من يجب وقول لا يستحب، وهذا يذكرنا في قول السعيدين، سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير، يقول سعيد بن المسيب: إذا جاوز الميقات فلا شيء عليه، ويقول سعيد بن جبير: إذا تجاوز الميقات فلا حج له، أقوال متباينة مثل هنا يقول الظاهرية: يجب، ويقول أبو يوسف: لا يستحب، والجمهور .. ، لأن هذا الأمر ثابت مخرج عند الجماعة كلهم إلا البخاري، فأقل أحواله الاستحباب، استدل الجمهور على الاستحباب بما رواه الطحاوي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجامع ثم يعود ولا يتوضأ، واستدل ابن خزيمة على عدم الوجوب بالعلة، العلة: "فإنه أنشط للعود" يعني هذا رفق بالمكلف أنشط له فلا يكون مثل هذا واجباً عليه، وفي العارضة -عارضة الأحوذي- قال: زعم بعضهم أنه منسوخ، أمر به إذ كان الجنب لا يذكر الله، وذهب إليه الطحاوي ليس بصحيح، فإن ذلك لم يكن ولا روي، يعني أن الجنب لا يذكر الله إلا إذا كان المقصود بالذكر القرآن.
قال: "وفي الباب عن عمر" وابنه قال الشارح: لم أقف على من أخرج حديثهما "قال أبو عيسى: حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح" ومثل ما ذكرنا مخرج عند مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه "وهو قول عمر بن الخطاب، وقال به غير واحد من أهل العلم قالوا: إذا جامع الرجل امرأته ثم أراد أن يعود فليتوضأ قبل أن يعود، وأبو المتوكل اسمه: علي بن داود" بتقديم الألف على الواو، ويقال: دواد، بتقديم الواو على الألف "وأبو سيعد الخدري اسمه: سعد بن مالك بن سنان" الخدري الأنصاري الخزرجي، خدرة أو خدارة بطنان من الأنصار كما هو معروف.
سم.
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(27/21)
لا هذاك ما في ذكر لا ذكر ولا .. ، عدم الذكر ليس بذكر، لا يلزم، يعني عدم الذكر ليس بعدم للوجود، لأن هذا ليس بصارف، لكن العلة تصرف، إذا عرفنا أن الشارع أمرنا بهذا رفقاً بنا عرفنا أنه لا يطلبه تديناً تشرعاً، نعم.
سم.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب؟ يغتسل يغتسل من كل ... ، بعدد .. ما يوجد هنا إنما هو في بيان الجواز وإلا الأصل أن يغتسل، يعني مثل ما يقال: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] الأصل أنه كلما قمت إلى الصلاة تتوضأ، لكن صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح الصلوات بوضوء واحد، نعم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء:
حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم قال: أقيمت الصلاة فأخذ بيد رجل فقدمه وكان إمام قومه، وقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء)).
قال: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وثوبان وأبي أمامة.
قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن الأرقم حديث حسن صحيح، هكذا روى مالك بن أنس ويحيى بن سعيد القطان وغير واحد من الحفاظ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم، وروى وهيب وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه عن رجل عن عبد الله بن الأرقم، وهو قول غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، وبه يقول أحمد وإسحاق قالا: لا يقوم إلى الصلاة وهو يجد شيئاً من الغائط والبول، وقالا: إن دخل في الصلاة فوجد شيئاً من ذلك فلا ينصرف ما لم يشغله، وقال بعض أهل العلم: لا بأس أن يصلي وبه غائط أو بول ما لم يشغله ذلك عن الصلاة.(27/22)
يقول المؤلف -رحمه الله-: "باب: ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء" إذا وجد أحد الأخبثين يدافعه ويضغط عليه، بعض الناس يقول: نتحمل ونصبر ونصلي مع الناس، ولا يفوتنا شيء، وبعد ذلك نقضي الحاجة، مع أنه ثبت في الصحيحين وغيرهما: ((لا صلاة في حضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان)) والسبب في ذلك أن هذا يشغل عن الصلاة، وأقل الأحوال أنه يذهب الخشوع، ومنه ما هو شديد بحيث لا يعقل من صلاته شيء، ومنه ما هو متوسط، ومنه ما هو خفيف، فإذا لم يشغله عن صلاته فليصل، وإذا شغله عن صلاته فليبدأ به.
يقول: ((إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء)) يعني يقضي حاجته ثم يرجع وهو عذر في هذه الحالة في ترك الجماعة، يعني لو اعتبرنا أنه سمع الإقامة وذهب المسجد وهو على طهارة ثم أحس بأحد الأخبثين يدافعه، ثم ذهب ليقضي حاجته ويتوضأ ثم فاتته الصلاة ما يلام على هذا، ما يقال: أنت تركت واجب.(27/23)
قال: "حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عبد الله بن الأرقم قال عروة: أقيمت الصلاة فأخذ -عبد الله بن الأرقم- بيد رجل فقدمه ليؤم الناس" لأن الضمائر قد توقع في شيء من اللبس، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم قال: أقيمت الصلاة فأخذ بيد رجل من القائل؟ لو قلنا: إنه أقرب مذكور؟ قلنا: إن المراد عبد الله بن الأرقم، قال عبد الله بن الأرقم: أقيمت الصلاة فأخذ من الذي أخذ؟ المفترض أن يقول: فأخذت بيد رجل فقدمت وكنت إمام قومي، لكن ما دام قال فالمراد عروة: أقيمت الصلاة فأخذ عبد الله بن الأرقم بيد رجل فقدمه ليؤم الناس، وكان عبد الله بن الأرقم إمام قومه، ولو انتظروه لما كان كثير أن يُنتظر الإمام، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد فأقام بلال، فقاموا في الصف فتذكر أن عليه غسل فذهب واغتسل ورجع وهم على قيامهم، كثير من الناس يقولون: هذا النبي يستحق أن ينتظر غيره الناس كثير، لكن إمام الحي الراتب له شأن حتى قال بعض أهل العلم: أنه لو أقيمت الصلاة بدون إذنه ما صحت الصلاة يعيدونها، لكن صحة الصلاة ما فيه إشكال، لكن يبقى أنهم آثمون إذا افتأتوا عليه فهو أحق بالإقامة ولو تأخر ينتظر، لكن الناس الآن ما يطيقون مثل هذه الأمور، ولذلك تجد الإمام يضطر أن يقول للمؤذن: إذا مضى دقيقة أو دقيقتين أقم لا تنتظرني؛ لأن الجماعة لا يحتملون الصبر مع أنهم على خير ينتظرون الصلاة فهم في صلاة، والذي بيده مصحف يزيد عشرة آيات عشرين آية وأجر عظيم، والذي يتنفل يصلي ركعتين خير من الدنيا، لكن مع ذلك الناس لا يطيقون مثل هذا والله المستعان، فإمام الحي الإمام الراتب له شأن في الشرع، لا يفتأت عليه فتقام الصلاة بدونه ولو انتظر ما لم يشق على المأمومين فهذا من حقه.(27/24)
"قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا أقيمت الصلاة)) " ... وبالمقابل أيضاً الإمام اختلف وضعه في العصر الحاضر كان الإمام في المسجد أو في بيته المجاور للمسجد تجده دائماً حول المسجد، أما الآن فتجد المؤذن يؤذن وهو عن المسجد عشرين كيلوا، ثلاثين كيلوا في أقصى حي في بلد ثاني ثم بعد ذلك يأتي مهرع يهرع إلى صلاته، يمشي بسيارته أكثر من السرعة المطلوبة، وقد يتسبب في حوادث كل هذا لأنه فرط وأبعد عن مسجده، ويتساهلون في هذا كثير لا سيما الشباب، الشباب تجده ما يهتم لكونه قرب الصلاة في بيته، والله المستعان.
"قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء)) " يعني الحاجة إليه، إلى قضاء الحاجة ((فليبدأ بالخلاء)) ولو فاتته الصلاة، وهذا أفضل له؛ لأن بعض الناس يقول: أنا والله يصعب عليّ أني بروح للخلاء ثم ارجع ثانية وأصلي والناس قد طلعت، أطلع مع الناس والحمد لله، وبعضهم يجد في نفسه تأثم في أن الناس يصلون وهو تفوته الصلاة، لا سيما إذا كان مما يشار إليه، يعني إما عالم أو طالب علم، يقول: والله ما هو مناسب أني أذهب ثم بعد ذلك أجي وأقضي بعض الصلاة أو كل الصلاة، مع أن التوجيه الشرعي هو الأصل، نعم عليك أن تحتاط لهذا الأمر وتجهز نفسك قبل الصلاة، وهذا يحصل كثيراً عند بعض الناس إذا كان صائم مثلاً والمعدة خالية، ثم بعد ذلك أكثر من الأكل أو الشرب لا سيما السوائل بعد الأذان فإذا جاء لصلاة المغرب تجده يحتاج إلى الدورة، يحتاج إلى الدورة يصير عنده شيء من الإسهال، فمثل هذا يقول: لا أصلي مع الناس وأطلع مرة واحدة، نقول: لا يا أخي ((ولا وهو يدافعه الأخبثان)) أنت لا تعقل من صلاتك شيء قد لا تعقل من صلاتك شيء، وهذا نفعله أحياناً، نسأل الله أن يعفو ويسامح ويتجاوز، لكن التوجيه الشرعي مثلما جاء في أيضاً: ((إذا سمعتم الإقامة فلا تأتوها وأنتم تسعون ... ، عليكم السكينة والوقار)) تجد الإنسان تلقائياً يسرع من أجل أن يدرك الركعة، ولا شك أن إدراك بعض الصلاة مع التزام الأدب النبوي أفضل من إدراكها كلها مع الإخلال بهذا التوجيه.(27/25)
قال: "وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة" .... في قوله: ((إذا سمعتم الإقامة)) يدل على أن الإقامة تسمع، وأنه لا مانع أن يقيم المؤذن في المكبر، وفي هذا إعانة للناس، قد يقول قائل: إن هذا يعين أهل الكسل، خل وليعين أهل الكسل يا أخي، يدرك شيء من الصلاة أحسن مما لا يدرك شيء، والكسلان كسلان يعني سمع أو ما سمع بيتأخر؛ لأن عدم سماعه بيحثه على التبكير؟ لا أبداً لن يحثه على التبكير، من كتب الله عليه التأخير بيتأخر وما زال يتأخر حتى يؤخره الله، مثل هذا بيتأخر سمع أو ما سمع، لكن كونك تقيم بالمكبر ليسمع ويدرك بعض الصلاة أفضل من أن تترك الإقامة بالمكبر فإذا دخل فإذا بالصلاة قد انتهت، وفي قوله: ((إذا سمعتم الإقامة)) يدل على أن الإقامة تسمع.
قال: "وفي الباب عن عائشة" وهو عند مسلم "وأبي هريرة" وهذا لم يقف عليه الشارح "وثوبان" عند الترمذي وأبي داود "وأبي أمامة" عند أحمد وابن ماجه.
"قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن الأرقم حديث حسن صحيح" وأخرجه مالك وأبو داود والنسائي بنحوه.
هكذا روى مالك بن أنس ويحيى بن سعيد القطان وغير واحد من الحفاظ كزهير بن معاوية وابن عيينة وحفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم فلم يزيدوا بين عروة وعبد الله بن الأرقم أحد، يعني رواه عروة عن عبد الله بن الأرقم بدون واسطة، وروى وهيب وغيره كأنس بن عياض وشعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن رجل عن عبد الله بن الأرقم، فزاد هؤلاء بين عروة وعبد الله رجلاً، وفي رواية عبد الرزاق صرح عروة بسماعه من عبد الله بن الأرقم، فإما أن يقال: إن عروة يرويه على وجهين، مرة بدون واسطة، ومرة بواسطة، أو يقال: إن هذا من المزيد في متصل الأسانيد، وهو معروف بحث معروف عند أهل العلم.(27/26)
"وهو قول غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين، وبه يقول أحمد وإسحاق قالا: لا يقوم إلى الصلاة وهو يجد شيئاًَ من الغائط أو البول، وقالا: إن دخل في الصلاة فوجد شيئاً من ذلك فلا ينصرف ما لم يشغله" يعني ما لم يذهب الخشوع، ما لم يذهب عقل صلاته؛ لأنه ليس له من صلاته إلا ما عقل، فإن أذهب الخشوع، والخشوع عند الجمهور سنة صلاته صحيحة، وعند الظاهرية إذا صلى وهو يدافع أحد الأخبثين صلاته باطلة، وابن رجب والغزالي يوجبان الخشوع، فعلى هذا هو آثم، وإن كانت صلاته صحيحة لكنه آثم "وقال بعض أهل العلم: لا بأس أن يصلي وبه غائط أو بول ما لم يشغله عن ذلك" يعني إذا كان لا يشغله عن صلاته بأن كان خفيفاً ليس بشديد الوطأة عليه.
سم.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء في الوضوء من الموطأ:
حدثنا أبو رجاء قتيبة قال: حدثنا مالك بن أنس عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لعبد الرحمن بن عوف قالت: قلت لأم سلمة: إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر فقالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يطهره ما بعده)).
قال: وفي الباب عن عبد الله بن مسعود قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا نتوضأ من الموطأ. قال أبو عيسى: وهو قول غير واحد من أهل العلم قالوا: إذا وطيء الرجل على المكان القذر أنه لا يجب عليه غسل القدم إلا أن يكون رطباً فيغسل ما أصابه.
قال أبو عيسى: وروى عبد الله بن المبارك هذا الحديث عن مالك بن أنس عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لهود بن عبد الرحمن بن عوف عن أم سلمة، وهو وهم، وليس لعبد الرحمن بن عوف ابن يقال له: هود؛ وإنما هو عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أم سلمة وهذا الصحيح.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء من الموطأ" مفعل فيما حققه الشيخ: أحمد شاكر نقلاً عن كتب اللغة، فهو مفعل موطأ وبعض النسخ مضبوطة، موطئ حتى في الأصول العتيقة المخطوطة، موطئ مفعل، والمراد به ما يوطأ في الطريق من الأذى، وأصله الموطوء قاله الخطابي.(27/27)
إذا وطئ الإنسان الأذى برجله أو بثوبه أو بخفه الرجل ما ورد فيها نص فلا بد أن تغسل إذا كان نجساً، إذا كان نجساً رطباً، اليابس لا ينجس اليابس لكن إذا كان رطباً لا بد من غسلها، الذيل الثوب فيه حديث الباب، وفيه الكلام الذي يأتي، وإذا وطأ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب، يعني يدلك هذين الخفين فيكفي الدلك ويصلي بهما، يصلي بخفيه؛ لأن هذا تطهيره؛ لأن التطهير الأصل فيه الماء، لكن ما ورد فيه نص يكتفى بالنص، منهم من يقول: الأذى ما هو دون النجاسة، يدلك وخلاص، وأما النجاسة فلا بد من غسلها، كما هو المستفيض في نصوص الطهارة، وعلى كل حال في حديث الباب شيء من التفصيل.
قال: "حدثنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد قال: حدثنا مالك بن أنس عن محمد بن عمارة" بن حزم المدني صدوق "عن محمد بن إبراهيم" بن الحارث التيمي، راوي حديث: الأعمال بالنيات، ثقة "عن أم ولد لعبد الرحمن بن عوف" وفي الموطأ وأبي داود: "لأم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف" ولا شك أن مال الولد مال لأبيه، فهي ملك لولد الولد لإبراهيم، وكونها تنسب لأبيه لأن الولد وما يملك لأبيه ((أنت ومالك لأبيك)) "قالت" أم الولد هذه واسمها: حميدة كما جاء في بعض الروايات، تابعية صغيرة مقبولة "قلت لأم سلمة: إن امرأة أطيل" من الإطالة "ذيلي" طرف الثوب الذي يلي الأرض، ومعلوم أن ثوب المرأة لا بد أن يكون طويلاً، واستأذن الناس في إطالة الثوب خشية أن تنكشف العورات، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ترخيه شبراً)) قالت: إذاً تنكشف أقدامنا، قال: ((ترخيه ذارعاً)) هذه عادة أهل التحري، أهل الالتزام، أهل الاستقامة، أهل التدين، بخلاف نساء اليوم التي وقعن في تبرج الجاهلة الأولى وضممنا إلى ذلك جاهلية القرن العشرين على ما قالوا.(27/28)
يقول القرطبي في تفسيره عند قوله: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [(33) سورة الأحزاب] من مظاهر تبرج الجاهلية الأولى شق القميص من الجانبين، والآن اذهب إلى الأسواق شوف ويش اللي يعرض بالأسواق؟ كلها إلا من ندر مشقوقة من الجانبين، شق القميص من الجانبين، ثم انظر عاد إذا أرادت المرأة أن تركب في السيارة مع هذا الشق الله المستعان، ومع الأسف أنه يوجد من طالبات علم تنتسب إلى العلم الشرعي، وقد يكون زوجها طالب علم، وقد يكون والدها طالب علم ومع ذلك ((لتتبعن سنن من كان قبلكم)) والصحابية يقول الرسول: ((ترخيه شبراً)) قالت: لا تنكشف أقدامنا، قال: ((ذراع)) وعهدنا النساء إلى قريب من ثلاثين سنة والنساء على هذا، الثوب يسحب ذراع، والآن في أقدس البقاع تجد المرأة تلبس ثوباً رقيقاً كاسية عارية، يظهر ما تحتها أجمل مما لو كانت عارية، والملابس الداخلية كأنها في غرفة النوم ظاهرة، نسأل الله السلامة والعافية، والفتنة إنما تكون بالنساء، فتنة النساء شر من الفتن الأخرى، كثير من الناس يسمع شهوات وشبهات وكذا ويثبت أمام هذه الشهوات وهذه الشبهات، لكن أمام النساء لا يستطيع الثبات، فعلى الإنسان أن يتحمل الأمانة بحق التي حمله الله إياها، ويذكر في مناسبات وأعراس المسلمين شيء لا يطيق الإنسان التحدث به، بل لا يطيق سماعه فضلاً عن مشاهدته، والله المستعان، مع ما جاء أيضاً من الشرور المستطيرة من التصوير وغيره، وكم من عفيفة ابتليت في مثل هذه المناسبات، صورت وكانت مستترة إلا أنها صورت ودبلجت معها صورة عارية وضغط عليها، وضغط على وليها وحصل من ذلك كوارث نسأل الله السلامة والعافية، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه ولمن تحت يده.(27/29)
"قالت: قلت لأم سلمة: إني امرأة أطيل ذيلي" من الإطالة طرف الثوب الذي يلي الأرض "وأمشي في المكان القذر" والقذر أعم من النجس، قد يكون فيه رطوبة، وقد يكون فيه فضلات أطعمه وما أشبه ذلك، أو أشياء رطبة لكنها طاهرة، وقد يكون فيه نجاسة، وهو أعم من نجس "فقالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يطهره ما بعده)) " يعني من الأماكن الطاهرة، لكن المستقر من نصوص الشريعة أن النجاسة لا بد من غسلها، وأن الرطب إذا باشر شيئاً نجساً أو النجاسة رطبة فإنه لا بد من غسلها بالماء.
"فقالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يطهره)) " يعني يطهر الذيل ما بعده من الأماكن الطاهرة، قال الخطابي: كان الشافعي يقول: إنما هو فيما جر على مكان يابس أو على ما كان يابساً لا يعلق بالثوب منه شيء، وأما ما جر على رطب فلا يطهره إلا الغسل، والحديث أخرجه الإمام مالك وأحمد والدارمي وأبو داود، وسكت عنه هو والمنذري، فهو حسن أو صالح على ما سيأتي في شرط أبي داود، وعلى كل حال إذا نظرنا في إسناده وجدنا أنه صالح، يعني ما فيه إلا هذه التابعية مقبولة لا بد من متابعتها، لا بد أن تتابع عليه.
قال: "وفي الباب" يعني له شواهد الحديث "وفي الباب عن عبد الله بن مسعود" عند أبي داود وسكت عنه هو والمنذري وابن ماجه، وصححه الحاكم، قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا نتوضأ من الموطأ، قال الخطابي: إنما أراد بذلك أنهم كانوا لا يعيدون الوضوء، لا نتوضأ من الموطأ، كلام صحيح ولو كان نجساً؛ لأن وطأ النجاسة لا تنقض الوضوء، لا تنقض الطهارة، هذا كلام ما في إشكال، قال الخطابي: إنما أراد بذلك أنهم كانوا لا يعيدون الوضوء للأذى إذا أصاب أرجلهم لأنهم كانوا لا يغسلون أرجلهم ولا ينظفونها إلا من الأذى إذا أصابها، الكلام فيه شوي تقديم وتأخير، قال: إنما أراد بذلك أنهم كانوا لا يعيدون الوضوء، لا يلزم الإعادة من وطأ النجاسة، إنما يجب غسل هذه النجاسة، إنما أراد بذلك أنهم كانوا لا يعيدون الوضوء للأذى إذا أصاب أرجلهم لا أنهم كانوا لا يغسلون أرجلهم ولا ينظفونها من الأذى إذا أصابها.(27/30)
"قال أبو عيسى: وهو قول غير واحد من أهل العلم قالوا: إذا وطيء الرجل على المكان القذر أنه لا يجب عليه غسل القدم إلا أن يكون رطباً فيغسل ما أصابه" كما تقدم نقله عن مذهب الشافعي، والبيهقي حمل الحديث على النجاسة اليابسة، وأنهم كانوا لا يغسلون الرجل من وطأ النجاسة اليابسة، وبوب عليه البيهقي في المعرفة باب: النجاسة اليابسة يطأها برجله أو يجر عليها ثوبه لا تؤثر، يعني لا تأثر فيه.
"قال أبو عيسى: وروى عبد الله بن المبارك هذا الحديث عن مالك بن أنس عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لهود بن عبد الرحمن بن عوف عن أم سلمة وهو وهم" يعني غلط "وليس لعبد الرحمن بن عوف ابن يقال له: هود، وإنما هو عن أم ولد لإبراهيم" والذي في حديث الباب عن أم ولد لعبد الرحمن، وسبق توجيهه "عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أم عن أم سلمة وهذا الصحيح" على كل حال إذا كانت النجاسة رطبة فالنصوص كلها تدل على أنها تغسل، وحديث الباب يمكنه على القذر دون النجاسة إلا أن قوله: ((يطهره)) التطهير إنما أن يكون عن حدث أو نجس، لكنه في لغة العرب معناه التنظيف، والتنظيف كما يكون من النجس يكون من الطاهر أيضاً إذا كان يقذر.
الدلك بالنسبة للخف لا شك أنه جاء في الخبر ((فطهورهما التراب)) ويكفي فيه الدلك إذا كان لا يتشرب النجاسة، ولهذا يقول شيخ الإسلام: إن الشيء الصقيل الذي لا تشربه النجاسة يكفي مسحه كالسكين، يعني ما ذكر عنهم أنهم كانوا يغسلون السكاكين بعد الذبح، الدم المسفوح نجس لكن ما ذكر عنهم .. ، يمسحونه فقط، وما ذكر عنهم أنهم .. ، فلو وقعت هذه النجاسة على شيء صقيل، يقول: يكتفى بمسحه، إذا وقع على شيء يتضرر بالماء, وقعت نجاسة على كتاب إذا غسلته خلاص انتهى مثلاً، مثل هذا يكتفى بمسحه، إذا وقع على شيء ... ، شيخ الإسلام يتسمح في هذا كثيراً، لا سيما فيما يترتب عليه إتلاف، فإذا وقعت النجاسة على ملح مثلاً ما تصنع؟ تغسل المحل يذوب ينتهي، لكن لا ما نع أن يغسل غسل دون غسل، تخفف هذه النجاسة بقدر الإمكان، وكذلك لو وقع على شيء يتلفه الماء فإنه يتسمح فيه على رأي شيخ الإسلام -رحمه الله-.
سم.
عفا الله عنك.(27/31)
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في التيمم:
حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلاس حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار بن ياسر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره بالتيمم للوجه والكفين.
قال: وفي الباب عن عائشة وابن عباس.
قال أبو عيسى: حديث عمار حديث حسن صحيح، وقد روي عن عمار من غير وجه، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، منهم علي وعمار وابن عباس وغير واحد من التابعين منهم الشعبي وعطاء ومكحول، قالوا: التيمم ضربة للوجه والكفين، وبه يقول: أحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم منهم: ابن عمر وجابر وإبراهيم والحسن، قالوا: التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين، وبه يقول: سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي، وقد روي هذا الوجه عن عمار في التيمم أنه قال: الوجه والكفين من غير وجه، وقد روي عن عمار أنه قال: تيممنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المناكب والآباط، فضعف بعض أهل العلم حديث عمار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في التيمم للوجه والكفين، لما روي عنه حديث المناكب والآباط، قال: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي حديث عمار في التيمم للوجه والكفين هو حديث حسن صحيح، وحديث عمار تيممنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المناكب والآباط ليس هو بمخالف لحديث الوجه والكفين؛ لأن عماراً لم يذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم بذلك، وإنما قال: فعلنا كذا وكذا، فلما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره بالوجه والكفين، فانتهى إلى ما علمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الوجه والكفين، والدليل على ذلك ما أفتى به عمار بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- في التيمم لأنه قال: الوجه والكفين، ففي هذا دلالة أنه انتهى إلى ما علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- فعلمه إلى الوجه والكفين، قال: وسمعت أبا زرعة عبيد الله بن عبد الكريم يقول: لم أر بالبصرة أحفظ من هؤلاء الثلاثة: علي بن المديني وابن الشاذكوني وعمرو بن علي الفلاس، قال أبو زرعة: وروى عفان بن مسلم عن عمرو بن علي حديثاً.(27/32)
حدثنا يحيى بن موسى حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا هشيم عن محمد بن خالد القرشي عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه سئل عن التيمم فقال: إن الله قال في كتابه حين ذكر الوضوء:
{فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [(6) سورة المائدة] وقال في التيمم: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [(43) سورة النساء].
فامسحوا؟
الطالب: أيديَكم.
قال في التيمم؟
الطالب: امسحوا بوجوهكم وأيديَكم.
اقرأ، اقرأ، قال: في التيمم.
الطالب: وقال في التيمم: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [(43) سورة النساء].
لا.
الطالب: وقال في التيمم: {فمسحوا بوجوهكم وأي .... }.
أيديَكم أية الوضوء منصوبة، اغسلوا وجهكم وأيديَكم.
الطالب: وأيديَكم نعم.
وأية التيمم؟
الطالب: وأيديَكم.
وأيديكم.
الطالب: وقال في التيمم: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [(43) سورة النساء]، وقال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [(38) سورة المائدة] فكانت السنة في القطع الكفين إنما هو الوجه والكفين يعني التيمم.
الكفان، الكفان، إنما هو الوجه والكفان.
عفا الله عنك.
إنما هو الوجه والكفان يعني التيمم.
قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح غريب.
هذا حديث حسن غريب صحيح، كل الأوصاف موجودة.
طالب: هذا حديث حسن غريب صحيح.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في التيمم" التيمم في لغة العرب: القصد، يقول امرؤ القيس:
تيممتها من أذرعات وأهلها ... . . . . . . . . .
يعني قصدتها، وفي الشرع: قصد الصعيد الطيب لمسح الوجه والكفين عن الطهارتين الكبرى والصغرى.(27/33)
قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلاس" الصيرفي البصري، من أئمة المسلمين وثقاتهم، قال: "حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد" هو ابن أبي عروبة، وهو ثقة "عن قتادة" بن دعامة السدوسي كذلك "عن عذرة بن عبد الرحمن" الخزاعي ثقة أيضاً "عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى" الخزاعي مولاهم "عن أبيه عن عمار بن ياسر أن النبي -صلى الله عليه وسلم-" عن أبيه عبد الرحمن بن أبزى مولى خزاعة، ولي إمرة مكة، في عهد عمر في صحيح مسلم أن عمر قال لنافع بن الحارث: من استعملت على مكة؟ فقال: عبد الرحمن بن أبزى، قال: استعملت عليهم مولى؟! قال: إنه قارئ لكتاب الله، عالم بالفرائض، نقله هذه موجود في صحيح مسلم، وموجود في غيره من الكتب، لكن هو مقدمة لحديث: ((إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين)) يعني مولى يولى على مكة؟! من الموالي يولى على مكة؟! نعم يولى، وليست هذه الولاية العامة التي تشترط لها أن تكون من قريش فهذه ولاية خاصة ليست عامة.
"عن عمار بن ياسر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره بالتيمم للوجه والكفين" وفي رواية البخاري ومسلم: " ((إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا)) ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح بالشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه".
قال: "وفي الباب عن عائشة" عند البزار "وابن عباس" عند الحاكم والبيهقي.(27/34)
"قال أبو عيسى: وحديث عمار حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد وأبو داود وسكت عنه فهو صالح، وهو أيضاً مخرج في الصحيحين، لكن بغير هذا اللفظ "وقد روي عن عمار من غير وجه، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام-" يعني كون التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، وكون اليد إنما يراد بها الكف إلى الرسغ إلى المفصل لا إلى المرفق ولا إلى المنكب "قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم علي وعمار وابن عباس وغير واحد" يعني قول غير واحد "من التابعين منهم الشعبي وعطاء ومكحول قالوا: التيمم ضربة للوجه والكفين، وبه يقول أحمد وإسحاق" ونقله ابن المنذر عن جمهور العلماء، وهو قول عامة أهل الحديث، وقال ابن قدامة: المسنون ضربة واحدة، فإن تيمم بضربتين جاز، لكن المسألة مسألة إتباع، والإتباع إنما يحصل بضربة واحدة "وقال بعض أهل العلم: منهم ابن عمر وجابر وإبراهيم النخعي والحسن البصري قالوا: التيمم ضربة واحدة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين" جاء ما يدل على ذلك، وفيه أيضاً الإلحاق، إلحاق التيمم بالوضوء {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [(6) سورة المائدة] وهذا لا شك أن آية الوضوء مقيدة وآية التيمم مطلقة، آية التيمم مطلقة، ليس فيها قيد، وآية الوضوء مقيدة، والجادة أن يحمل المطلق على المقيد لكن متى؟ إذا اتفقا في الحكم أما إذا اختلف في الحكم فلا يحمل المطلق على المقيد ولو اتحد السبب، وهنا بين آية الوضوء وآية التيمم اتحاد في السبب، السبب الحدث، والحكم هذا غسل وهذا مسح، هذا بالماء وهذا بالتراب، فالحكم مختلف فلا يحمل المطلق على المقيد، هذا من حيث التقعيد، ومن حيث الأثر جاء ما يدل على مسح الكفين فقط.(27/35)
أيضاً آية التيمم مطلقة وآية السرقة مطلقة {فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [(38) سورة المائدة] وآية التيمم: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [(43) سورة النساء] مطلقة، وآية الوضوء مقيدة بالمرافق، وعرفنا أن آية التيمم لا تحمل عليها للاختلاف في الحكم، يعني عند أهل العلم المطلق مع المقيد له أربع صور: إما أن يتفقا في الحكم والسبب يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، أو يختلفا في الحكم والسبب لا يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، يعني كآية السرقة مع آية الوضوء، لا يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، يعني ما تقطع في السرقة إلى المرفق لأن آية الوضوء قيدت لا، اختلف الحكم والسبب فيحمل اتفاقاً.
يختلفان في الحكم دون السبب كآية الوضوء وآية التيمم، والجمهور على أنه لا يحمل المطلق على المقيد في هذه الصورة، وعكسها إذا اتفقا في الحكم واختلفا في السبب، فإنه يحمل المطلق على المقيد عند الجمهور، كما في إطلاق الرقبة في كفارة الظهار، وتقييد الرقبة في كفارة القتل، السبب مختلف هذا قتل وهذا ظهار، لكن الحكم واحد وجوب الإعتاق فيحمل المطلق على المقيد عند الجمهور خلاف للحنفية.(27/36)
قال –رحمه الله-: "وبه يقول سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي" وأبو حنيفة وأصحابه، مالك والشافعي وأبو حنيفة يقولون: إلى المرفقين، استدلوا بحديث ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين)) رواه الدارقطني، قال ابن حجر: وصحح الأئمة وفقه، فلا يتم الاحتجاج به، وقد روي هذا الحديث عن عمار في التيمم أنه قال: للوجه والكفين من غير وجه، يعني من غير طريق يروى يعني من طرق كثيرة يروى عن عمار، قال: "وقد روي عن عمار أنه قال: تيممنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المناكب والآباط" لأن اليد تطلق ويراد به الكف، تطلق ويراد بها إلى المرفق، تطلق ويراد بها إلى المنكب، يعني نهايتها إلى المنكب والإبط، فلما جاء الأمر بمسح اليد فهم أنها إلى الآباط، ومن قال: بالتيمم إلى المرفقين قال: مثل الوضوء تمسح إلى المرفقين "فضعف بعض أهل العلم حديث عمار عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في التيمم من الوجه إلى الكفين لما روي عنه حديث المناكب والآباط" فظن أنه معارضاً له ومخالف وليس الأمر كذلك كما "قال إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي" المعروف بابن راهويه "حديث عمار في التيمم للوجه والكفين هو حديث حسن صحيح، وحديث عمار: تيممنا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى المناكب والآباط ليس هو بمخالف لحديث الوجه والكفين؛ لأن عمار لم يذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم بذلك، وإنما قال: فعلنا كذا وكذا" يعني لو لم يوجد له معارض قلنا: حجة، لماذا؟ لأنه في وقت التنزيل وعهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتيممنا إيش؟ تيممنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المناكب والآباط، يعني لو لم يعارض بما هو أقوى منه لقلنا به، لكن هو معارض بما هو أقوى منه وأصح، قال: ليس هو بمخالف لحديث الوجه والكفين؛ لأن عماراً لم يذكر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرهم بذلك، وإنما قال: فعلنا كذا وكذا، عمار في أول الأمر لما أصابته الجنابة تمعك تمرغ كتمرغ الدابة، فعل هذا في أول الأمر ثم أرشده النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا يبعد أن يتيمم إلى المناكب والآباط "فلما سأل النبي -صلى الله عليه(27/37)
وسلم- أمره بالوجه والكفين، فانتهى إلى ما علمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الوجه والكفين، والدليل على ذلك ما أفتى به عمار بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- في التيمم أنه قال: الوجه والكفين" فدل على أن هذه متأخر عن صنيعه الأول "ففي هذا دلالة على أنه انتهى إلى ما علمه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فعلمه إلى الوجه والكفين" فعلى هذا كان أخر الأمرين من فعلهم هذا آخر الأمر من فعلهم الوجه والكفين، والأول فهموه من إطلاق الآية، والثاني ما انتهوا إليه بتعليم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو الثابت الناسخ.
قال: "وسمعت أبا زرعة الرازي عبيد الله بن عبد الكريم يقول: لم أرَ بالبصرة أحفظ من هؤلاء الثلاثة: علي بن المديني" وهو إمام معروف "وابن الشاذكوني" وهذا حافظ من الحفاظ، لكنه ليس بثقة، هو حافظ عنده الضبط قوي، لكن العدالة عليه ما يؤخذ "وعمرو بن علي الفلاس" الذي جاء ذكره في سند الحديث، قال: حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلاس، إمام من أئمة المسلمين من أئمة الجرح والتعديل "قال أبو زرعة: وروى عفان عن عمرو بن علي حديثاً".
"حدثنا يحيى بن موسى، قال: حدثنا سعيد بن سليمان قال: حدثنا هشيم عن محمد بن خالد القرشي عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه سئل عن التيمم" هذا استنباط من ابن عباس إلا إنه أسنده وأحاله إلى السنة "عن ابن عباس أنه سئل عن التيمم "فقال: إن الله تعالى قال في كتابه حين ذكر الوضوء {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [(6) سورة المائدة] وقال في التيمم: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [(43) سورة النساء] وقال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [(38) سورة المائدة] فكان السنة في القطع الكفين إنما هو الوجه والكفان يعني التيمم" قول الصحابي: من السنة أو السنة حكمه الرفع، وفي هذا عدم حمل المطلق على المقيد كما ذكرنا للاختلاف في الحكم وإن اتحد السبب.(27/38)
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح" جمع له الحسن والغرابة والصحة، وكثير ما يقول: حسن صحيح ولا تنافي وإن كان الكلام كثير في قول الترمذي حسن صحيح بلغت الأقوال إلى بضعة عشر قولاً في المسألة "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح" الإشكال في الجمع بين الغرابة وبين الحسن؛ لأنه يشترط في الحسن أن يروى من غير وجه، والغريب إنما يأتي من وجه أخر، ولا يمنع أن تكون الغرابة غرابة نسبية، بالنسبة لهذا الراوي وأن روي من غيره، إلى أخر ما قيل في هذه المسألة.
سم.
عفا الله عنك.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً:
حدثنا أبو سعيد عبد الله بن سعيد الأشج قال: حدثنا حفص بن غياث وعقبة بن خالد قالا: حدثنا الأعمش وابن أبي ليلى عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً.
قال أبو عيسى: حديث علي هذا حديث حسن صحيح، وبه قال غير واحد من أهل العلم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين قالوا: يقرأ الرجل القرآن على غير وضوء، ولا يقرأ في المصحف إلا وهو طاهر، وبه يقول: سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق.
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً"(27/39)
على كل حال سواء كان متوضأ متطهراً من الحدث الأصغر أو لا، وعلى كل حال من أحواله قياماً وقعوداً وعلى جنبه، وفي سائر أحواله يذكر الله -جل وعلا-، وهذه صفة أولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، والذكر من أفضل الأعمال مع أنه لا يكلف شيئاً، وأعظم الأذكار وأفضلها كلام الله تعالى فليحرص المسلم لا سيما طالب العلم على الإكثار من الذكر، ويكثر من التلاوة على الوجه المأمور به لينال بذلك الأجر العظيم من الله -جل وعلا- فالإكثار من الأذكار من الباقيات الصالحات هي غراس للجنة، كما قال إبراهيم -عليه السلام- للنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((اقرأ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة قيعان وأن غراسها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير)) وجاء في فضل الذكر نصوص كثيرة جداً، يعني وفوائد الذكر لا تحصى، ذكر منها ابن القيم ما يقرب من مائة فائدة في أول كتابه الوابل الصيب.
يقول: "باب: ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً" لم يستثنَ إلا حال الجنابة، وفي حكمها الحيض على ما تقدم، قال: "حدثنا أبو سيعد عبد الله بن سعيد الأشج" الكوفي ثقة، قال: "حدثنا حفص بن غياث وعقبة بن خالد" السكوني ثقة أيضاً، "قالا: حدثنا الأعمش" سليمان بن مهران ثقة أيضاً "حدثنا الأعمش وابن أبي ليلي" محمد بن عبد الرحمن الفقيه إلا أنه رمي بسوء الحفظ "عن عمرو بن مرة" ثقة الجملي، الكوفي "عن عبد الله بن سلمة عن علي قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرئنا القرآن" يعلمنا القرآن ويقرئنا إياه "على كل حال" متوضئ أو غير متوضئ "ما لم يكن جنباً" وتقدم أنه في رواية: "نكن جنباً" وعلى كل حال سواء كانت منه أو منهم الجنابة مانعة من قراءة القرآن، وهو مخصص لحديث عائشة: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه" فهو عام وهذا خاص بالجنابة بالنسبة للقرآن.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وسنده جيد ما فيه إلا عبد الله بن سلمة المراد تغير لكنه توبع وإلا ابن أبي ليلى أيضاً سيئ الحفظ لكنه مقرون مع الأعمش ليس المعول عليه.(27/40)
قال: "وبه قال غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين قالوا: يقرأ القرآن على غير وضوء" يقرأ إذا كان حافظاً يقرأ على غير وضوء، على غير طهارة "لكنه لا يقرأ من المصحف إلا وهو طاهر" يجوز له أن يقرأ من غير أن يمس المصحف، لكنه لا يقرأ في المصحف إلا وهو طاهر أي متوضئ "وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وإسحاق" وأبو حنيفة ومالك، الأئمة كلهم أنه لا يمس القرآن إلا طاهر، وقال في الموطأ: ولا يحمل أحد المصحف بعلاقته ولا وسادة إلا وهو طاهر، يعني ما يشيل المصحف ولا من وراء الجلد ولا في الكيس، هذا على رأي الإمام مالك، ومنهم من يقول: إن المقصود أنه لا يمس القرآن، لا يمس الأوراق التي فيها القرآن، فعلى هذا لو كان المصحف مطبوع مع تفسير ابن كثير، يعني القرآن في الصفحة يعادل العشر أو أقل أو على تفسير بن سعدي مثلاً والقرآن يعادل الربع مثلاً، أو على تفسير الجلالين والقرآن يعادل أقل من النصف قليلاً، يُقرأ في هذه التفاسير أو لا يقرأ؟ يعني إذا حملت الكتاب تقول: معي تفسير الجلالين وإلا معي مصحف؟ تفسير الجلالين، فعلى هذا تقرأ من التفاسير من غير طهارة، ولا تمس المصحف، يعني لا تمس كلام الله المتتابع المبروز، المقصود أن لا تضع يدك على الحروف، وأما بالنسبة لحجمه ما يضر -إن شاء الله-، استدل هؤلاء الأئمة بحديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن البني -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى أهل اليمن وفيه: ((ألا يمس القرآن إلا طاهر)) وهو مرسل لكنه متلقى بالقبول عند أهل العلم، عملوا به وهو حديث مشهور عند أهل العلم مشتهر يستغني بشهرته عن إسناده قاله ابن عبد البر، استدلوا أيضاً بقوله تعالى: {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [(79) سورة الواقعة] والضمير لا يمسه إلى القرآن أو إلى اللوح المحفوظ، فإن كان يعود إلى القرآن فهذا ما فيه إشكال يعني في دلالته على المراد، وإن كان عود الضمير إلى اللوح المحفظ فهذا أيضاً يدل على أنه لا يمس القرآن إلا طاهر، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، يقول: إذا منع الملائكة من مس اللوح المحفوظ وهم مطهرون، إذا منع الملائكة من مس اللوح المحفوظ وهم مطهرون لا يمسه إلا(27/41)
المطرون يعني لا يمسه غيرهم ممن لم يتصف، فلا يمسه غيرهم من غير المتطهرين فلئن يمنع مس المصحف من قبل غير المتطهر من باب أولى، وهذا قرره شيخ الإسلام ابن تيمية، فالمرجح أن المصحف لا يمسه ألا متوضئ، وأما القراءة فيقرأ عن ظهر قلب ولو لم يكن متوضئ شريطة ألا يكون جنباً ولا حائضاً.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في البول يصيب الأرض:
حدثنا ابن أبي عمر وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: دخل أعرابي المسجد والنبي -صلى الله عليه وسلم- جالس فصلى فلما فرغ قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فالتفت إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لقد تحجرت واسعاً)) فلم يلبث أن بال في المسجد، فأسرع إليه الناس، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أهريقوا عليه سجلاً من ماء أو دلوا من ماء)) ثم قال: ((إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)).
قال سعيد: قال سفيان: وحدثني يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك نحو هذا، قال: وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وواثلة بن الأسقع.
قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق، وقد روى يونس هذا الحديث عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة آخر كتاب الوضوء.
يقول -رحمه الله تعالى-: في أخر باب من أبواب الوضوء من أبواب الطهارة، يقول -رحمه الله-: "باب: ما جاء في البول يصيب الأرض" معروف أن النجاسة إذا أصابت ما تصيب فإنه يجب غسلها، والنجاسات متفاوتة، منها النجاسة المغلظة التي تغسل سبعاً كما في ولوغ الكلب، ومنها ما يغسل مرة، ومنها ما ينضح، ومنها ما يغسل ثلاثاً، ومنها ما يدلك بالتراب على ما تقدم، فماذا عن البول يصيب الأرض؟ إذا وقع على الأرض بول إذا بال أحد على الأرض ففي حديث الباب ما يدل على أن هذا البول يكاثر بالماء.(27/42)
قال -رحمه الله-: "حدثنا ابن أبي عمر وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: دخل أعرابي المسجد" الأعرابي واحد الأعراب، والنسبة إلى الجمع كما يقول أهل العلم شاذة، فيجب أن يرد الجمع إلى مفرده، ثم ينسب إليه، لكنه هنا المراد بالأعرابي ساكن البادية، الأعراب جمع والأعرابي الواحد منهم، وليست نسبة إلى الأعراب إنما هو واحد منهم، دخل أعرابي المسجد وقد اختلف في اسمه فقيل: الأقرع بن حابس، وقيل: عيينة بن حصن، وقيل: ذو الخويصرة التميمي أو اليماني "والنبي -صلى الله عليه وسلم- جالساً" الواو واو الحال "فصلى" هذا الأعرابي كما هي السنة لمن دخل المسجد في غير وقت النهي لا سيما المغلظ "فصلى فلما فرغ قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً" أعرابي وهو يظن أن ما عند الله -جل وعلا- مثل ما عند المخلوق إذا كثر الطالبون قل النصيب، لا؛ لأنه يظن لو رحم الخلق كلهم ضاقت به الجنة، لا، إذا كان أخر من يدخل الجنة يخرج من النار ويدخل الجنة أخرهم يقول له: تمن فتضيق به الأماني فيقال له: أتحب أن يكون لك مثل ملك أعظم ملك في الدنيا؟ فيقول: نعم يفرح بهذا، فيقال: لك مثله ومثله ومثله إلى عشرة أمثاله، هذا ظن أن الجنة ما تأخذ إلا اثنين "ارحمني ومحمداً" يعني لو جاءهم ثالث ضاقت، لو جاءهم رابع ضاقت من جهله "فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لقد تحجرت واسعاً)) فلم يلبث -هذا الرجل الأعرابي- أن بال في المسجد، فأسرعوا إليه" أسرع إليه الصحابة؛ لأن هذا منكر، المساجد ما بنيت لهذا؛ إنما بنيت لذكر الله والصلاة، فالبول ينافي مقتضى ما بنيت له المساجد التي أمر ببنائها وتنظيفها وتطيبها، زجروه بناءاً على هذا الأصل، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا تزرموه)) لماذا؟ هل لأن المسجد محل لهذا الأمر؟ لا، وإنما لأنه إذا زجر واضطر إلى أن يقوم قبل تمام بوله انتشرت النجاسة، بدلاً من أن تكون في مكان واحد يمكن غسلها والسيطرة عليها تنتشر في أماكن، ويلوث بدنه ويلوث ثيابه، فقال: ((لا تزرموه)) "فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أهريقوا عليه سجلاً من ماء))(27/43)
صبوا، أهريقوا يعني من أراق الماء يعني صبه، أراق وهراق تبدل الهمزة بالهاء، ويجمع بين البدل والمبدل هنا أهريقوا عليه سجلاً هو الدلو الملآن ماء، من ماء ((أو دلو من ماء)) يعني شك، دلو من ماء "ثم قال: ((إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)) بعثتم ميسرين يعني مسهلين، ولم تبعثوا معسرين يعني مشددين على الناس، وهذا فيما تحتمله النصوص، فما فيه يسر في الشريعة لا يجوز التشديد فيه، كما أن ما فيه تشديد لا يجوز التسهيل فيه، فالأمة أمة إتباع، أمة نص، جاء النص بالتحريم لا بد أن يشدد فيه ويمنع منه، لكن فيما يحتمله النص يحتمل التشديد والتيسير يميل الإنسان إلى التيسير فيما جاء ت النصوص بتسهيله يسهل على الناس، والدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، لكن ليس معنى هذا أنها تضيع أوامر الله وحدود الله بناء على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما خير بين أمرين إلا أختار أيسرهما، المكلف ليس له خيار، ليست له خيرة، إذا قضى الله ورسوله أمراً ليست له خيرة، عليه أن يأتمر وعليه أن ينتهي {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا} [(187) سورة البقرة] {فَلاَ تَعْتَدُوهَا} [(229) سورة البقرة] المقصود أن هذه الحدود لا بد من الوقوف عندها؛ لأن مسألة التيسير والتعسير هذه أمور تطلق بكثرة في زماننا هذا، واتخذت مطية إلى شيء من الإباحية، يعني تحليل حرام أو ترك واجب، هذا لا شك أنه تضليل للناس، فالدين دين تكاليف حلال وحرام، نعم الحلال لا يجوز تحريمه بعثتم ميسرين، كما أن الحرام لا يجوز تحليله، وهذا الحديث مخرج عند الجماعة إلا مسلم "قال سعيد: قال سفيان: وحدثني يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك نحو هذا" وهو حديث في الصحيحين.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن عبد الله بن مسعود" عند أبي يعلى "وابن عباس" أخرجه أبو يعلى والبزار والطبراني "وواثلة بن الأسقع" واثلة بن الأسقع أخر الصحابة موتاً، واثلة بن الأسقع.
طالب:. . . . . . . . .
هذاك أبو واثلة عامر بن الطفيل، لا هذا غيره، واثلة بن الأسقع هذا حديثه عند ابن ماجه والإمام أحمد في المسند.(27/44)
"قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح" أخرجه الجماعة إلا مسلماً كما تقدم "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق" فلا يكون التطهير إلا بالماء، أهريقوا عليه سجلاً من ماء، فلا يكون هذا التطهير إلا بالماء، يعني لا تطهر الأرض بالجفاف، بالريح، بالشمس، خلافاً لأبي حنيفة، واستدلالهم بحديث: ((زكاة الأرض يبسها)) حديث لا أصل له، حديث ضعيف لا أصل له، كما قرر ذلك ابن حجر في التلخيص، فلا بد من غسلها على ما جاء في الحديث، وليس الغسل مثل غسل الثوب، وغسل المتاع أو غسل الإناء إنما يكتفى بصب الماء عليها.
وفي الحديث دليل على تطهير الأرض النجسة بالمكاثرة بالماء، ولا يشترط نقل التراب والحديث بذلك ضعيف، لو ثبت لكتفي به عن صب الماء، يعني الحنفية يقولون: إن كانت الأرض رخوة بحيث أنه ينزل الماء إلى أسفلها يكفي، وإن كنت صلبة لا بد من حفرها ونقل التراب، إذا نقلنا التراب ما نحتاج إلى ماء، والحديث نص معين للماء، لا بنقل التراب ولا بالجفاف ولا بغيره من المطهرات، لا بالشمس ولا بالريح ولا بغيره، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(27/45)
جامع الترمذي - كتاب الصلاة (1)
شرح: باب: ما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
أبواب: الصلاة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
باب: ما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:
حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة عن حكيم بن حكيم وهو ابن عباد بن حنيف قال: أخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال: أخبرني ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أمني جبريل عند البيت مرتين، فصلى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثل ظله، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم، وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب لوقته الأول، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت إليّ جبريل فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين)).
وفي الباب عن أبي هريرة وبريدة وأبي موسى وأبي مسعود وأبي سعيد وجابر وعمرو بن حزم والبراء وأنس -رضي الله عنهم-.
حدثنا أحمد بن محمد بن موسى قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا حسين بن علي بن حسين قال: أخبرني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أمني جبريل)) فذكر نحو حديث ابن عباس بمعناه، ولم يذكر فيه لوقت العصر بالأمس.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، وحديث ابن عباس حديث حسن.(28/1)
وقال محمد: أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحديث جابر في المواقيت قد رواه عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار وأبو الزبير عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو حديث وهب بن كيسان عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
أبواب: الصلاة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
البسملة مع الترجمة لا توجد في بعض النسخ وتوجد في بعض، وتقدم البسملة في بعض النسخ، وتؤخر عن الترجمة في بعضها، الترجمة مع البسملة لا توجد في بعض النسخ، إنما يبدأ مباشرة بقوله: باب ما جاء في مواقيت الصلاة، والمؤلف بنى كتابه على أبواب، الكتاب بالنسبة لغيره يسميه أبواب؛ لأنه يشتمل على أبواب،(28/2)
والجادة عند أهل العلم في تآليفهم سواءً كانت في الحديث أو في الفقه يذكرون كتاب، كتاب الصلاة ثم يدرجون تحت هذه الترجمة الكبرى أبواب، لكن الترمذي جرى على هذا يقول: أبواب الصلاة، أبواب الصلاة، مع أنه هنا ذكر أول ما بدأ في أبواب الصلاة مواقيت الصلاة، مع أن المواقيت من شروطها كالطهارة التي أفردها سابقاً، فلماذا أفرد الطهارة وأدرج المواقيت في أبواب الصلاة؟ أولاً: الطهارة جرى جمهور المؤلفين على إفرادها عن كتاب الصلاة وإن كانت شرطاً لها، وأما بقية الشروط التسعة فهم يذكرونها تحت ترجمة كتاب الصلاة، الطهارة فعل له نوع استقلال، وجاءت الأحاديث بترتيب الأجور على الطهارة، ولها فروع استحقت بها أن تدرج، وأما المواقيت فإنها لا تطلب إلا للصلاة، والطهارة تطلب للصلاة ولغيرها، الطهارة تطلب لقراءة القرآن، تطلب للطواف، ليست خاصة بالصلاة، ولذا أفردت، وجمهور المؤلفين كما ذكرنا في أول أو في أوائل الدروس يبدءون بالطهارة؛ لأهميتها، ولما ذكرنا أنها تطلب للصلاة ولغيرها، وبدأ الإمام مالك بوقوت الصلاة قبل الطهارة؛ لأن الوقوت عنده أهم من الطهارة، وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا استيقظ من نومه متأخراً هل يشتغل بالطهارة ولو خرج الوقت أو يقدم الوقت ويفعل ما يستطيعه من الطهارة؟ لا سيما إذا كان عليه غسل، إن كان الوقت متأخراً يخرج الوقت قبل أن يتمكن من الطهارة، ثم يؤدي الصلاة ويقضي الصلاة بعد خروج وقتها، من يقول بتقديم الطهارة وأن الطهارة أهم من الوقوت يقول: يشتغل بها ولو خرج الوقت، وهذا قول عامة أهل العلم ويستروح من تقديم الإمام مالك لوقوت الصلاة أنه يميل إلى الثاني، وكأنه رأي شيخ الإسلام أيضاً، أن الوقوت أهم من الطهارة جرياً على قاعدة الإمام مالك.
تقديم البسملة على أبواب الصلاة أو تأخيرها هذا جاء نظيره في صحيح البخاري، فأحياناً تقدم البسملة، وأحياناً تقدم الترجمة، فإذا قدمت البسملة فهو الأصل، يبدأ بذكر الله، في هذا الأمر المهم ذي بال، وإن قدمت الترجمة كان في القرآن أسوة، فاسم السورة مقدم على البسملة في القرآن في الكتابة، وسواءً كان هذا أو ذاك فالأمر سهل، ويتم به المقصود.(28/3)
أبواب: الصلاة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
أبواب الصلاة التي تروى أو يروى فيها الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
باب: ما جاء في مواقيت الصلاة:
مواقيت: جمع ميقات، مفعال، وهو القدر المحدد من الزمان أو المكان، هناك مواقيت زمانية للصلاة، وللحج والصيام، وهناك مواقيت مكانية للحج، والمراد به هنا الوقت الذي تؤدى فيه الصلوات الخمس.
"عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" مثل ما قلنا: يعني المروية عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال -رحمه الله- في الحديث الأول من أحاديث المواقيت:
"حدثنا هناد بن السري" تقدم أنه ثقة "قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد" وفيه كلام لأهل العلم "عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة" المخزومي، يقول ابن حجر: صدوق له أوهام "عن حكيم بن حكيم وهو ابن عباد بن حنيف" الأنصاري، صدوق أيضاً فيما قاله ابن حجر، وذكره ابن حبان في الثقات، "قال: أخبرني نافع بن جبير بن مطعم" النوفلي، ثقة فاضل من الثانية "قال: أخبرني ابن عباس" حبر الأمة وترجمان القرآن، عبد الله بن عباس ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أمني جبريل)) " أمني يعني: صلى بي إماماً في اليوم الذي يلي ليلة الإسراء، أمني، واضح من اللفظ أن جبرائيل -عليه السلام- إمام، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- مأموم، يبحث في مثل هذا إمامة المتنفل بالمفترض؛ لأن الصلاة ليست واجبة على جبريل؛ لأن التكليف خاص بالإنس والجن، فيستدل بهذا من يقول بصحة صلاة المفترض خلف المتنفل، لكن في الاستدلال بُعد، لماذا؟ لأنه وإن كانت الصلاة ليست واجبة عليه بالتكليف إنما كلف بتعليم النبي -عليه الصلاة والسلام-، كلف بتعليم النبي -عليه الصلاة والسلام- كيفية الصلاة أو كيفية أوقات هذه الصلوات، فهو مكلف من هذه الحيثية بتعليم النبي -عليه الصلاة والسلام-.(28/4)
((أمني جبريل)) وهذا في اليوم الذي يلي ليلة الإسراء، ((فصلى الظهر)) يعني بدأ بصلاة الظهر، وماذا عن صلاة الصبح؟ يعني ما صليت في وقتها في اليوم الأول؟ الصلاة فرضت ليلة الإسراء، وجبريل أم النبي -عليه الصلاة والسلام- من الغد بدءاً من صلاة الظهر، ولذا تسمى صلاة الظهر الأولى؛ لأنها أول صلاة صلاها جبريل بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فماذا عن صلاة الصبح؟ يعني تركت صلاة الصبح أو قضيت من الغد؟ فرضت الصلاة ليلة الإسراء إجمالاً، وأول ما فرضت ركعتين ركعتين، ثم لما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- أتمت صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر على الفرض الأول، صلى جبريل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة الأولى التي هي الظهر، فماذا عن صلاة الصبح وقد فرضت الصلاة قبلها؟ يعني هل تركها النبي -عليه الصلاة والسلام- أو صلاها من غير اقتداء بجبريل؟ أو نقول: إن المجمل لا يلزم العمل به إلا بعد البيان، فرضت الصلاة ليلة الإسراء، لكن على أي وجه فرضت؟ وفي أي وقت تفعل؟ الله أعلم، ما جاء البيان إلا في وقت صلاة الظهر، والمجمل لا يلزم العمل به إلا بعد البيان، لو قال رجل لولده: اذهب يا بني، اذهب، طيب إلى أين يذهب؟ ولماذا يذهب؟ ما في بيان، اذهب إلى إيش؟ لا بد من البيان، فإذا استفصل من والده ما يقال: إنه لم يطع أمره، وهنا صلاة الصبح وقعت قبل البيان، فلا يقال: إنها تركت بعد فرض الصلاة، ولا يقال: أنها قضيت من الغد؛ لأن البيان إنما حصل من الغد.(28/5)
يقول: ((أمني جبريل -عليه السلام- عند البيت)) يعني عند بيت الله الكعبة، بمكة ((مرتين)) في يومين، ليعرفني الأوقات، مرتين في يومين يعني كل صلاة مرتين، في يومين ليعلمه الأوقات ((فصلى الظهر)) أول ما صلى جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- الظهر، ولذلك تسمى في النصوص الأولى، والثانية العصر، والثالثة المغرب، والرابعة العشاء، والخامسة الفجر، طيب على هذا العدد تكون الصلاة الوسطى المغرب، وقيل بهذا، لكن أرجح ما يقال في الصلاة الوسطى أنها العصر، فإذا كانت الظهر هي الأولى فالعصر الثانية والصلوات خمس، ومعلوم أن الأوسط بالنسبة للخمسة هو الثالث لا الثاني، نقول: وإن سميت الظهر الأولى والعصر الثانية باعتبار إمامة جبريل -عليه السلام- إلا أنها بالنسبة لليوم الشرعي الذي يبدأ بطلوع الصبح تكون العصر هي الثالثة، الأولى هي الفجر بالنسبة لليوم الشرعي، وإن كان اليوم الشامل لليوم والليلة يبدأ من غروب الشمس، فالأولية تطلق باعتبارات، باعتبارات متعددة، وعلى كل حال النصوص الصحيحة تدل على أن الوسطى هي العصر.
((فصلى الظهر في الأولى)) يعني في المرة الأولى، في اليوم الأول، ((منهما)) يعني من المرتين ((حين كان الفيء)) وهو ظل الشمس بعد الزوال، الفيء: ظل الشمس بعد الزوال، ((مثل الشراك)) مثل الشراك: يعني قدر الشراك، والمراد به السير الذي يكون على ظهر القدم من النعل ((مثل الشراك)) والفيء فيء الزوال المعتبر لخروج وقت النهي ودخول وقت صلاة الظهر يختلف باختلاف الأزمان والأماكن، فيكون في مكة قدر الشراك؛ لأنها وقت حينما يقوم قائم الظهيرة الجدران لا ظل لها البتة، والكعبة ليس لها ظل، فإذا مالت الشمس قليلاً تبين الظل من جهة المشرق يسير، بينما في البلدان الأخرى التي تكون عنها من جهة الشمال أو الجنوب، وكل ما بعد الموقع عن مكة زاد فيء الزوال، والزمان أيضاً الزوال يختلف مقداره في الصيف عن مقداره في الشتاء، لماذا؟ لأن الشمس في الصيف تخرج من جهة جنوب المشرق، وتغرب من جهة شمال المغرب، وأما بالنسبة للشتاء فتأتي عمودية من المشرق إلى المغرب؛ لأن النهار أقصر، فلا تحتاج إلى وقت تسير فيه مثل الوقت الذي تسير فيه في الصيف.(28/6)
((حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلى العصر)) في اليوم الأول في المرة الأولى، حين كان ظل كل شيء، أو ((حين كان كل شيء مثل ظله)) مع احتساب ظل فيء الزوال، يضاف إليه فيء الزوال ((ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس)) يعني سقط القرص، واختفت عن الأنظار، واختفى حاجبها الأعلى ((ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم)) يعني دخل وقت الإفطار، ولا يعني أنه تناول المفطر، ما يلزم؛ لأنه إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم يعني ولو لم يأكل، أفطر حكماً ((ثم صلى العشاء حين غاب الشفق)) والمراد به الأحمر، عند مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة، ويرى الإمام أبو حنيفة أن المراد بالشفق هو الأبيض الذي يعقب الحمرة، هذا هو المعروف عند الحنفية، لكن ذكر كثير من الحنفية أن الإمام رجع عن قوله إلى قول الجمهور.
((حين غاب الشفق الأحمر، ثم صلى الفجر حين برق الفجر)) حين برق الفجر: طلع الفجر وسطع، والمراد به الفجر الصادق الذي ينتشر في الأفق يميناً وشمالاً عرضاً، وليس المراد به الفجر الكاذب الذي يبدو مستطيلاً في السماء هذا يسمى فجر؛ لأن النور انفجر فيه، والثاني الصادق يسمى فجر؛ لأن النور برق ولمع فيه وانفجر، لكن الأول لا يترتب عليه أحكام، لا تحل به الصلاة، ولا يحرم به الطعام بخلاف الثاني.
((حين برق الفجر، وحرم الطعام على الصائم)) هذا بالنسبة لليوم الأول، صلى الصلوات في أوائل الأوقات، فصلى الظهر حين زالت الشمس، زالت الشمس إلى جهة المغرب، يعني مالت إلى جهة المغرب، وهو الدلوك {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [(78) سورة الإسراء] هو الدلوك الذي هو الزوال، ويقول أهل اللغة: سمي وقت الزوال دلوكاً لأن الناظر إلى الشمس في هذا الوقت تؤلمه عينه فيضطر إلى دلكها.
هذا بالنسبة لليوم الأول، بعد الزوال مباشرة صلاها، ثم صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم صلى المغرب لما غابت الشمس ووجبت وسقطت، واختفت عن الأنظار، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق الأحمر، وصلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم، هذه هي المواقيت، في أوائلها كما صلى جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الأول.(28/7)
وهناك كلام كثير يثار حول دخول الأوقات ونهايتها، ومطابقة التقويم للواقع وعدم المطابقة، وما زالت الفتوى على التقويم، واختبر من جهة جهات متعددة فوجد الخلاف بين من يقول: إن التقويم متقدم وبين من يقول: إنه مطابق في غالبه يرجع إلى مفهوم الفجر في اللغة، فمن قال: إن المراد به الخيط الذي لا يدركه كثير من الناس قال: إن التقويم مطابق، الخيط الرقيق الذي لا يدركه كثير من الناس، الذي يحرم به الطعام هذا يخفى على كثير من الناس، وأما انفجار الصبح وظهوره للعيان ولجميع الناس لا شك أن هذا يتأخر، ولعله هو معول من يقول: إن التقويم متقدم، وعلى كل حال المسألة ما زالت يعني الكلام فيها كثير، وهناك لجان متعددة كثير منها يؤيد ما جاء في التقويم، وأنه اختبر في أقصى الجنوب من المملكة وفي أقصى الشمال فما وجد فرق بين حقيقة الحال وبين التقويم، وهناك من خرج من طلاب العلم المتبرعين ورأوا أنهم اختبروا في أوقات متعددة وأماكن متعددة فأثبتوا فرقاً، وعلى كل حال ما زالت الفتوى على التقويم، وعموم الناس تبرأ ذمتهم باعتماد المؤذنين الذين يؤذنون على التقويم.(28/8)
قال: ((وصلى المرة الثانية)) يعني في اليوم الثاني ((الظهر حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس)) لوقت العصر بالأمس، مفهومه أنه صلى الظهر في اليوم الثاني في الوقت نفسه الذي صلى به العصر بالأمس، وهذا دليل لمالك في اشتراك الصلاتين في وقت واحد، بمعنى أنه يكون في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر قدر مشترك يسع أربع ركعات تؤدى فيه صلاة الظهر وتؤدى فيه صلاة العصر، واضح من الحديث ((لوقت العصر بالأمس)) وفي حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم: ((ووقت الظهر من زوال الشمس إلى مصير ظل كل شيء مثله ما لم يحضر وقت العصر)) وهذا نص صحيح وصريح في عدم الاشتراك، وأجاب الجمهور عن حديث الباب بأن المراد أنه فرغ من صلاة الظهر عند مصير ظل كل شيء مثله، وشرع في صلاة العصر عند مصير ظل كل شيء مثله فلا اشتراك، يعني يكون فراغه من صلاة الظهر يتلوه مباشرة شروعه في وقت صلاة العصر فلا اشتراك، وأما كونه لوقت العصر بالأمس فلأنه وقت واحد، عند مصير ظل كل شيء مثله، اتصلت الصلاتان، لكنه فرغ من الظهر وشرع في العصر، فلا فاصل بينهما ولا اشتراك، ما في فاصل مثل ما بين صلاة الصبح وصلاة الظهر هذا فيه فاصل، وما بين صلاة العشاء على القول بأن وقت العشاء ينتهي في الثلث أو في منتصف الليل وبين صلاة الصبح، فلا فاصل بينهما، كما أنه لا فاصل بين صلاة المغرب وصلاة العشاء، ينتهي وقت هذه مباشرة يدخل وقت الثانية، في حديث عبد الله بن عمرو: ((ما لم يحضر وقت العصر)) فدل على أنه لا اشتراك.(28/9)
((ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه)) يعني صلى العصر في الوقت الأول في اليوم الأول في المرة الأولى حينما صار ظل كل شيء مثله، وفي اليوم الثاني صار ظل كل شيء مثليه ((ثم صلى المغرب لوقته الأول)) حينما وجبت الشمس، وبهذا يستدل الإمام الشافعي على أن المغرب ليس لها إلا وقت واحد، ليس لها إلا وقت واحد، يعني بمجرد ما تغيب الشمس ويتوضأ ويستتر، يعني يتأهب للصلاة، ثم يؤديها مباشرة، فإذا أخر صلاة المغرب أكثر من ذلك أثم وخرج وقتها؛ لأنه ليس لها إلا وقت واحد، ولذلك قال: ثم صلى المغرب لوقته الأول، ما في وقتين مثل الظهر والعصر والعشاء والفجر، ما في وقتين، وقت واحد، والجمهور على أن صلاة المغرب كغيرها من الصلوات، لها وقتان من غروب الشمس إلى مغيب الشفق، بما يقرب من ساعة ونصف أو ساعة وثلث وما بينهما؛ لأن ذلك يتبع طول الليل وقصره.
((لوقته الأول ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل)) ذهب ثلث الليل، في اليوم الأول في المرة الأولى صلى به -عليه الصلاة والسلام- حين غاب الشفق، وفي اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل، فوقتها يمتد إلى هذا، وثلث الليل يختلف باختلاف طول الليل وقصره، فقد يطول وقد يقصر.(28/10)
وفي حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم: ((ووقت العشاء من مغيب الشفق إلى نصف الليل الأوسط)) فدل على أنه يمتد وقتها إلى نصف الليل، وحديث عبد الله بن عمرو متأخر عن حديث جبريل، وبهذا قال جمع من أهل العلم أن وقت العشاء يمتد إلى نصف الليل، ومنهم من يرى أن ثلث الليل أو نصف الليل وقت اختيار، وأن وقت الاضطرار يمتد إلى طلوع الفجر، ويستدلون بحديث: ((ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى)) فدل على أنه ما لم يدخل وقت الصلاة الأخرى أنه ما زال في وقت ((ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة قبل أن تغرب الشمس من صلاة العصر فقد أدرك العصر)) مع أنه جاء في حديث عبد الله بن عمرو: ((ما لم تصفر الشمس)) فدل على أن وقت الاصفرار ومنتصف الليل اضطرار، يعني هذا وقت الاختيار، ثم يبقى من منتصف الليل إلى طلوع الفجر وقت اضطرار، ومع ذلك يكون أداءً، لكن الحديث حديث: ((ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى)) هذا مخصوص، مخصوص بصلاة الصبح مع الظهر، فإنه لا يمتد وقتها إلى الزوال إجماعاً، وإنما يمتد إلى طلوع الشمس، وهذا مجمع عليه، فليس الحديث على عمومه بل هو مخصوص بصلاة الصبح فليخص أيضاً بصلاة العشاء.
حين ذهب ثلث الليل وحديث عبد الله بن عمرو إلى نصف الليل الأوسط، وفي الحديث الآخر: إلى طلوع الفجر، وهي أقوال لأهل العلم، وأصرح ما في الباب وأصحه حديث عبد الله بن عمرو إلى نصف الليل الأوسط.
((ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض)) حين أسفرت الأرض يعني الوقت يمتد إلى أن تسفر جداً ما لم تطلع الشمس، كما في حديث عبد الله بن عمرو: وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.(28/11)
صلاة الظهر كما مر في الحديث يمتد وقتها من زوال الشمس إلى مصير ظل كل شيء مثله، ويبدأ حينئذٍ وقت صلاة العصر من مصير ظل الشيء مثله إلى غروب الشمس أو إلى الاصفرار هذا للاضطرار وهذا للاختيار، في قول الجمهور، يخالف الحنفية في هذا يقولون: إن وقت صلاة الظهر يمتد إلى مصير ظل الشيء مثليه، ثم يدخل وقت صلاة العصر، ومنهم من يقول: إن وقت صلاة الظهر ينتهي بمصير ظل الشيء مثله، لكن لا يدخل وقت صلاة العصر حتى يكون ظل الشيء مثليه، فهناك فاصل بين الوقتين.
المقصود أنه عند الحنفية لا يدخل وقت صلاة العصر حتى يكون ظل الشيء مثليه، ولذلك تجدون الوافدين من الشرق يؤخرون صلاة العصر، كما أنهم يؤخرون صلاة الصبح، ويوجد هذا في البلدان التي يكثر فيها الحنفية من مناطق المملكة، يؤخرون صلاة العصر، ويؤخرون صلاة الصبح؛ لأن الإسفار عندهم أطول على ما سيأتي، ووقت العصر لا يبدأ إلا من مصير ظل الشيء مثليه، يمكن الآن يبدأ وقت صلاة العصر عندهم، طيب دليلهم؟ حديث جبريل واضح، وحديث عبد الله بن عمرو واضح في الدلالة على أن وقت الظهر ينتهي بمصير ظل الشيء مثله، ووقت العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثله، دلالة واضحة.
طيب دليل الحنفية؟ قالوا: دليل الحنفية جاء في الحديث الصحيح في البخاري وغيره: ((إنما مثلكم ومثل من كان قبلكم كمثل رجل استأجر أجيراً فعمل له نصف النهار بدينار، ثم استأجر أجيراً فعمل له إلى وقت العصر بدينار، ثم استأجر أجيراً إلى غروب الشمس بدينارين، فاحتج أهل الكتاب فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً)).
يقول الحنفية: ما يمكن أن يكون عمل النصارى الذين عملوا من زوال الشمس إلى وقت العصر أكثر من دخول وقت العصر إلى المغرب إلا إذا قلنا: إن وقت الظهر يمتد إلى مصير ظل الشيء مثليه.(28/12)
يعني أحاديث صحيحة صريحة جاءت لبيان مواقيت الصلاة تعارض بمثل هذا؟ أولاً: من المعلوم أن الأنفال يتجوز فيها، يعني لا يلزم المطابقة من كل وجه، الأمر الثاني: كما قال ابن حزم: أن وقت الظهر الذي ينتهي بمصير ظل كل شيء مثله بالنسبة لوقت العصر الذي يبدأ بمصير ظل كل شيء مثله أطول في كل زمان ومكان، يعني الآن وقت صلاة الظهر هنا من اثنا عشر وعشر إلى ثلاث إلا ثلث، كم؟ ثلاث ساعات، كم؟ إلى أربع إلا ثلث، ثلاث ساعات ونصف، ويبدأ وقت صلاة العصر من ثلاث إلا ثلث إلى المغرب كم؟
طالب:. . . . . . . . .
كم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه سبع إلا ربع، كم؟
طالب:. . . . . . . . .
ثلاث، ستة وأربعين اليوم، ثلاث وست دقائق، أيهما أطول؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الظهر من اثنا عشر وعشر إلى أربع إلا ثلث، ثلاث ساعات ونصف، والعصر من أربع إلا ثلث إلى سبع إلا ربع، يعني ثلاث ساعات وخمس دقائق، أيهما أطول؟ الظهر حتى على القول بأن الظهر ينتهي عند مصير ظل كل شيء مثله، على أنه لو كان الظهر أقصر من العصر على سبيل التنزل الأمثال يتجوز بها، ولا تلزم المطابقة من كل وجه، يعني لو تأتي بعاملين واحد يشتغل عندك ساعة ونصف وتعطيه مائة ريال، ويشتغل الثاني عندك ساعة ونصف أو أكثر بقليل وتعطيه المائتين ما يغضب الأول؟ ولو افترضنا أنه اشتغل أكثر، لكنه أكثر بقليل، ما لم يبلغ الضعف، لتكون الأجرة متساوية يغضب الأول، فكون النصارى يقولون: أنهم أكثر عملاً وأقل أجراً، أعطوا دينار، وهذه الأمة أعطيت دينارين، فهم أكثر أجراً وهم أيضاً أقل عملاً، والواقع يشهد بذلك.(28/13)
دلالة حديث إمامة جبريل وحديث عبد الله بن عمرو وما جاء في معناهما في بيان مواقيت الصلاة دلالة يسميها أهل العلم أصلية، أصلية، يعني دلالتها على ما استدل بها عليه أصلية، ودلالة حديث تفضيل هذه الأمة على غيرها من الأمم على المواقيت دلالة تبعية فرعية، وبعض أهل العلم يلغي الدلالة التبعية إلغاءاً تاماً ولا يلتفت إليها، وهذا هو الذي يرجحه الشاطبي في الموافقات، يقول: لا يمكن أن يستدل بدلالة تبعية، لكن القول الوسط في مثل هذا أنها معتبرة ما لم تعارض بما هو أقوى منها من دلالة أصلية، يعني حينما يستدل من يستدل بأن الحائض تقرأ القرآن طيب بأي شيء يستدل؟ بقوله -عليه الصلاة والسلام- لعائشة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) يقول: الحاج يقرأ القرآن، فيستدل بهذا على قراءة الحائض للقرآن، هل هذه الدلالة أو هذا الحديث سيق لقراءة القرآن أو سيق لما يفعل من المناسك؟ دلالته الأصلية من المناسك، يبقى هل لهذه الدلالة معارض أو ليس لها معارض؟ إذا وجد معارض كما عندنا لم يلتفت إلى الدلالة الفرعية، هذا على سبيل التنزل وأن وقت صلاة الظهر أقصر من وقت صلاة العصر على قول الحنفية، فلا شك أن قولهم ضعيف، مصادم للنصوص الصحيحة الصريحة.
((ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه)) الحنفية يقولون: ما يدخل وقت صلاة العصر إلا إذا صار ظل كل شيء مثليه، وقولهم مردود لهذا الحديث، وحديث عبد الله بن عمرو، وفيهما التصريح بأن وقت دخول العصر من مصير ظل الشيء مثله.
وأما نهاية وقت العصر فهي هذا الحديث مصير ظل كل شيء مثليه، لكنه محمول عند عامة أهل العلم على الاختيار ومثله: "ما لم تصفر الشمس" وإلا فجماهير أهل العلم يرون أن وقت العصر يمتد إلى غروب الشمس، ويدل له الحديث الصحيح ((من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)).(28/14)
((ثم صلى المغرب لوقته الأول)) وعرفنا ما فيه، وأنه مستدل الشافعية على قولهم؛ لأن المغرب ليس لها إلا وقت واحد، والجمهور على أن الوقت يمتد إلى مغيب الشفق كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو، والمراد به الشفق الأحمر، كما جاء في حديث ابن عمر: "الشفق الحمرة" ويختلف أهل العلم في رفعه ووقفه، ووقفه على ابن عمر أرجح، وسواء كان الحديث مرفوعاً أو موقوفاً فهو دليل على أن المراد بالشفق الأحمر، لماذا؟ لأن المسالة لغوية، وابن عمر من أقحاح العرب يحتج بقوله إذا فسر كلمة؛ لأنه عربي، ومع ذلكم رجع أبو حنيفة فيما يذكر عنه بعض أصحابه إلى قول الجمهور، ولم يوافقه صاحباه على ذلك.
((ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض)) في اليوم الثاني، ومعلوم أن وقت الصبح يمتد إلى طلوع الشمس، من حديث عبد الله بن عمرو: ((وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس)).
((ثم التفت إلي جبريل فقال: يا محمد هذا -يعني ما ذكر من الأوقات في اليومين- وقت الأنبياء من قبلك)) هذا يدل على أن الأنبياء صلواتهم مثل صلواتنا، وأوقاتهم مثل أوقاتنا، لكن هل الأمر كذلك؟ أو أن التشبيه أن هذا كوقت الأنبياء من قبلك فيه شيء من السعة، وليس فيه شيء من الضيق، وصلواتهم لها أول ولها آخر، يعني لها وقت موسع كما هو الشأن في صلواتكم، وإن لم تكن الصورة مطابقة لما عندنا.
يقول ابن العربي في عارضة الأحوذي: قوله: ((هذا وقت الأنبياء قبلك)) يفتقر إلى بيان المراد به، فإن ظاهره موهم أن هذه الصلوات في هذه الأوقات كانت مشروعة لمن قبله من الأنبياء، يعني صلاة الظهر، صلاة العصر، صلاة المغرب، صلاة العشاء، صلاة الفجر، الوقت الأول لصلاة الظهر، الثاني لها، نهاية وبداية، في الصلوات الخمس، هذا الإجمال: ((هذا وقت الأنبياء من قبلك)) يدل على أن الصورة متطابقة، يقول ابن العربي: قوله: ((هذا وقت الأنبياء قبلك)) يفتقر إلى بيان المراد به، فإن ظاهره موهم أن هذه الصلوات في هذه الأوقات كانت مشروعة لمن قبله من الأنبياء، فهل الأمر كذلك أم لا؟(28/15)
قال: والوجه فيه أن نقول –والله الموفق- ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن جبريل قال له ذلك، والمعنى هذا وقتك المشروع لك، يعني الوقت الموسع المحدود بطرفين أول وآخر، وقوله: ((ووقت الأنبياء قبلك)) يعني ومثله وقت الأنبياء قبلك، أي كانت صلاتهم واسعة الوقت، وذات طرفين، مثل هذا وإلا فلم تكن لهم هذه الصلوات على هذا الميقات إلا لهذه الأمة خاصة، وإن كان غيرهم قد شاركهم في بعضها.
((والوقت فيما بين هذين الوقتين)) يعني هذه الجملة مفهومها أن الصلوات الخمس لا تصلى في الأوقات التي صلى فيها جبريل، لماذا؟ لأنه صلى اليوم الأول في وقت والثاني في وقت، لا تصلي في الوقت الأول ولا في الوقت الثاني كما صلى جبريل، صلي بين هذين الوقتين؛ لأن الوقت فيما بين هذين الوقتين، فهل هذا المراد؟ يعني أننا لا نصلي في الوقت الذي صلى به جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وإنما نصلي من فراغه من الصلاة في اليوم الأول إلى شروعه في الصلاة في اليوم الثاني؛ لأن الصلاة بين هذين الوقتين.
يعني إذا قلنا: السعي بين الصفاء والمروة هل يلزم الرقي على الصفاء وعلى المروة؟ أو نقول: إذا تحققت البينية هذا هو المشروع، فمفهوم الجملة والوقت فيما بين هذين الوقتين أننا لا نصلي الصلاة في أول وقتها، ولا في آخره وإنما نصلي بين هذين الوقتين، لكن هذا ليس بمراد إجماعاً، وإنما المراد الوقت في هذين الوقتين وما بينهما، وإلا لو كان المراد ما بين هذين الوقتين وما في هذين الوقتين تكون صلاته صحيحة وإلا باطلة؟ نعم؟ تكون باطلة إذا قلنا: إن الوقت بين هذين الوقتين، وحينئذٍ تكون إمامة جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وهي من أجل التعليم تكون باطلة، وهذا كلام لا شك في بطلانه، وإنما المراد أن الوقت في هذين الوقتين وما بين هذين الوقتين.(28/16)
"قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي هريرة" عند الترمذي والنسائي والحاكم "وبريدة" عند الترمذي "وأبي موسى" عند مسلم وأبي داود والنسائي "وأبي مسعود" عند الإمام مالك في الموطأ وعند أبي داود "وأبي مسعود الأنصاري وأبي سعيد" عند الإمام أحمد والطحاوي "وجابر" عند الإمام أحمد والترمذي والنسائي، "وعمرو بن حزم" عند إسحاق بن راهويه "والبراء وأنس" البراء حديثه عند ابن أبي خيثمة، وحديث أنس عند الدارقطني.
قال -رحمه الله-: "أخبرني أحمد بن محمد بن موسى قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا حسين بن علي بن حسين" الحسين بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب "قال: أخبرني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله" الأول عن ابن عباس، والثاني عن جابر "عن جابر بن عبد الله عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أمني جبريل)) فذكر نحو حديث ابن عباس بمعناه، ولم يذكر فيه: لوقت العصر بالأمس" التي يستدل بها المالكية على وجود القدر المشترك من الوقت بين الظهر والعصر، ولم يذكر فيه لوقت العصر بالأمس.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب" وحديث ابن عباس حديث حسن صحيح، وأخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن خزيمة والدارقطني والحاكم، وصححه ابن عبد البر وابن العربي حديث ابن عباس هو حديث الباب.
"وقال محمد: أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" حديث جابر الذي ذكره الإمام الترمذي بعد حديث ابن عباس، حديث جابر الذي ذكره بعد حديث ابن عباس، وهو أصح من حديث ابن عباس عند الإمام البخاري "قال محمد -هو محمد بن إسماعيل البخاري-: أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" لأن حديث ابن عباس فيه عبد الرحمن بن أبي الزناد فيه كلام لأهل العلم، وعبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة صدوق له أوهام، وأيضاً حكيم بن حكيم قال فيه ابن حجر: صدوق، وحديث جابر أقوى منه فيما قاله الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-.(28/17)
"أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" هذا رأي الإمام البخاري، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص مخرج في صحيح مسلم، فهو أصح من هذه الحيثية، وهو أيضاً متأخر عن حديث إمامة جبريل، فما فيه مما يخالف ما جاء في حديث إمامة جبريل هو المحكم لأنه هو المتأخر، وما في حديث إمامة جبريل مما يخالف حديث عبد الله بن عمرو فهو منسوخ لأنه متقدم.
حديث جابر، جابر معروف أنه أنصاري، جابر أنصاري، والقصة حصلت في مكة ومتقدمة صبيحة ليلة الإسراء، فجابر لم يدرك هذه القصة، ولم يحضر هذه القصة، وليس فيه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبره به فهو مرسل، ومع ذلكم هو مرسل صحابي، ومرسل الصحابي حجة عند جماهير أهل العلم، بل نقل بعضهم عليه الاتفاق.
أما الذي أرسله الصحابي ... فحكمه الوصل على الصوابِ
طيب حديث ابن عباس وحديث أبي هريرة ابن عباس ليلة الإسراء ولد وإلا ما ولد؟ مولود وإلا ما ولد؟ نعم؟ الإسراء سنة كم؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ عشر؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني قبل الهجرة بقليل، ثلاث سنوات، على كل حال سواءً كانت في أول الهجرة أو في آخرها ابن عباس عمره حين وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ثلاث عشرة سنة، فهل حضر هذه الصلاة؟ قطعاً لم يحضرها، فهو أيضاً مرسل صحابي، وأبو هريرة الذي صححوا حديثه في الباب أيضاً لم يشهد هذه القصة؛ لأنه إنما أسلم سنة خيبر سنة سبع، يعني بعد هذه القصة بسنين، فهو مرسل صحابي أيضاً، لكن جاء ما يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حدثهما به فهو متصل من هذه الحيثية من قوله -عليه الصلاة والسلام-، وعلى تقدير أنه مرسل يقال فيه ما يقال في حديث جابر أنه مرسل صحابي، ومرسل الصحابي حجة عند عامة أهل العلم، بل نقل عليه الاتفاق.
قال: "وحديث جابر في المواقيت، قد رواه عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار وأبو الزبير عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو حديث وهب بن كيسان عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-"(28/18)
حديث جابر في المواقيت قد رواه عطاء بن أبي رباح، لأن الرواية التي أسندها الترمذي قال: أخبرني أحمد بن محمد بن موسى، قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك أخبرنا حسين بن علي بن حسين قال: أخبرني وهب بن كيسان عن جابر، يعني المتابعة لوهب بن كيسان من قبل عطاء بن أبي رباح، سيد من سادات التابعين، وعمرو بن دينار هو أيضاً من ثقات الرواة وأثباتهم، وأبو الزبير هو من خواص جابر بن عبد الله إلا أنه مدلس، لكن ترتفع تهمة التدليس بالمتابعات المذكورة عن جابر بن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو حديث وهب بن كيسان، فهي متابعات لوهب بن كيسان في حديث جابر -رضي الله عنه-.
يقول الشيخ أحمد شاكر: لم أجد من هذه الروايات إلا رواية عطاء بن أبي رباح، فرواها أحمد في المسند من طريق سليمان بن موسى عن عطاء، ورواها النسائي من طريق قدامة بن شهاب، والحاكم والبيهقي من طريق عمرو بن بشر الحارثي كلاهما عن برد بن سنان عن عطاء.
هذا يقول: هل جبريل -عليه السلام- نزل بصورته أم بصورة دحية الكلبي؟
لم يفصل شيء من هذا في الروايات، لكن اللائق بالحال أن يأتي على صورة رجل ((وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً)) وجاء بصورة دحية، وجاء بصورة رجل حينما علم الناس الدين بصورة رجل لا يعرفه أحد شديد بياض الثياب إلى آخره؛ لأنه بصورته التي خلق عليها النبي -عليه الصلاة والسلام- ما رآه إلا مرتين في ليلة الإسراء وفي مرة أخرى رآه على كرسي في الأفق بين السماء والأرض له ستمائة جناح قد سد الأفق، وليست هذه منهما.
الأمر الثاني: أنه لا يتمكن من الصلاة التي يمكن الاقتداء بها فيه إلا إذا كان على هيئة رجل، يعني تصور له ستمائة جناح كيف يقتدى به في سجوده وركوعه؟ يبعد هذا أن يكون على صورته، مع أنه جاء تحديد المرات التي رآه النبي -عليه الصلاة والسلام- على صورته مرتين.
إذا قيل: جبريل، هل يقال: -عليه الصلاة والسلام- أم يقال: -عليه السلام- فقط؟
لا مانع من أن يقال: -عليه الصلاة والسلام- أو يقال: -عليه السلام-.
صلاة العشاء أيهما أفضل أن تصلى في أول الوقت أم تصلى في آخره؟(28/19)
النبي -عليه الصلاة والسلام- أخر صلاة العشاء في ليلة وقال: ((إنه لوقتها لولا أن أشق عليكم)) فتأخيرها ما لم تحصل المشقة أفضل.
حديث: ((الصلاة على وقتها)) هل المقصود به أول الوقت أم آخره؟
لا شك أن الصلوات فعلها في أول الوقت أفضل ما عدا صلاة العشاء وصلاة الظهر في وقت شدة الحر.
هل السنن الرواتب لها علاقة بهذه الأوقات؟ وهل يمتد وقت سنة العشاء إلى الفجر أم إلى نصف الليل؟
لا شك أن الرواتب التابعة للصلوات المفروضة لها ارتباط بهذه الأوقات، فالسنن القبلية تؤدى بعد دخول الوقت وقبل أداء الصلاة، والسنن البعدية تؤدى بعد أداء الصلاة وقبل خروج الوقت.
يقول هذا: في طبعة بشار عواد لم يذكر مقولة قال أبو عيسى فهل الصواب إثباتها أم حذفها؟
هذا بالنسبة لجامع الترمذي النسخ القديمة العتيقة الموجودة والتي عليها خطوط أهل العلم تختلف اختلافاً كثيراً، فبعضها يثبت فيه قال أبو عيسى، وبعضها يحذف منه قال أبو عيسى، ومعلوم أنه إذا قيل: قال فالمراد به المؤلف وهو أبو عيسى الترمذي، فالأمر سهل، لا إشكال فيه، لكن الإشكال في اختلاف النسخ القديمة العتيقة التي على خطوط الأئمة في الأحكام على الأحاديث، هذا الذي فيه إشكال، في بعض النسخ: حسن، وفي بعضها: حسن صحيح، وهذا كثير في نسخ الترمذي، ولذا تجب العناية بجامع الترمذي على وجه الخصوص كما قال ابن الصلاح وغيره بأن تجمع نسخه وتحقق ويخرج إخراجاً علمياً دقيقاً.
يقول: ما هي أصح طبعة لتحفة الأحوذي بعد الطبعة الهندية؟
الطبعة الهندية لا شك أنها هي الأصل وهي الصحيحة، لكن قراءتها لأن كتبت بالخط الفارسي هي باللغة العربية، لكن الخط فارسي لا يستطيع التعامل معه كثير من طلاب العلم، ففيها وعورة في قراءتها عسر على كثير من طلاب العلم طبع عنها تحفة الأحوذي بالمطبعة السلفية بالمدينة في طبعة كثيرة الأخطاء، لكنها أخطاء مدركة يمكن تصحيحها، وعلى كل حال هذه الطبعة تمكن قراءتها وأخطاؤها يمكن تصحيحها من الجداول، جداول الخطأ والصواب الموجودة فيها وإلا ففيها أخطاء، ومثلها عون المعبود الطبعة الهندية صحيحة طبعت بالمطبعة السلفية عن الهندية طبعة فيها بعض الأخطاء، لكنه يمكن إدراكها.(28/20)
يقول: هل تطلق المرأة إذا أتاها الرجل في دبرها؟
لا، لا تطلق، لا تطلق، وإن كان قد أتى كبيرة من كبائر الذنوب، وموبقة من الموبقات، لكنه مع ذلك لا تطلق، والإجماع قائم على تحريم وطأ النساء في أحشاشهن، وما يذكر عن مالك فإنه لا يصح عنه.
وجاء في الباب أحاديث مفرداتها ضعيفة، لكنها بمجموعها تدل على أن لها أصلاً.
يقول: نريد توجيه لبعض الشباب خاصة الملتزمين، وقد أكثروا من المباحات حتى وصل بذلك إلى المحرمات مثل متابعة المواقع الإباحية؟(28/21)
لا شك أن الإكثار من المباحات يجر إلى المكروهات؛ لأن هذا المباح الذي عودت نفسك عليه قد تطلبه النفس فلا تستطيع الوصول إليه إلا من طريق مكروه أو فيه شبهة ثم يتجاوزه الإنسان، ثم بعد ذلك تطلبه النفس مرة أخرى فلا تحصل عليه إلا بطريق محرم، ثم بعد ذلك تستمرئ هذا المحرم وترتكبه، ولا شك أن الاسترسال مع هذه القنوات يجر إلى الوقوع في المواقع والقنوات الإباحية، القنوات الإباحية، ونعرف من طلاب العلم كانوا أهل تحري، ما عندهم ولا راديو، ولا يسمعون ولا أشرطة ولو إذاعة قرآن، ثم بعد ذلك وقعوا في هذه الآلات واستدرجوا، في النهاية صاروا يسمعون الأخبار التي تقدمها نساء، يقولون: ما نسمع إلا الأخبار، ويضعون غطاء على الجهاز، يضعون ستارة إما شرشف وإلا شيء، ثم بعد ذلك يأتي من خلال الأخبار شيء مثير، ثم تنازعه نفسه في كشف هذا الغطاء، وشيئاً فشيئاً إلى أن صار الأمر عادي، ولا شك أن تيسير المحرم يسهل الوقوع فيه، وكان التصوير شأنه عظيم في نفوس الناس، في عوام الناس قبل خواصهم، إلى أن صار أمراً عادياً، تصور الفتيات أمام الكعبة من قبل شباب أجانب برضى الطرفين صار أمر عادي، وتجدون في السطح في بيت الله الحرام عدد كبير من الناس من رجال ونساء فوق السطح يصورون وقت الصلاة، الناس يصلون وهم يصورون ما صلوا، من بداية الصلاة إلى نهايتها، يعني إذا قالوا: إن تصوير الصلاة وهذه المشاهد ونقلها إلى العالم من خلال وسائل الإعلام قالوا: إنه يترتب عليه مصالح وفيه كذا وكذا مما يتعذرون به ويتعللون به، فما المصلحة في كون عشرات من الرجال والنساء فوق سطح بيت الله الحرام يصورون الناس ولا يصلون معهم، السيئة تقول: أختي أختي، يعني إذا ارتكب محرم يجره إلى محرم آخر، وقد يخرج من الدين بالكلية وهو لا يشعر، يعني بني إسرائيل لعنوا، وضربت عليهم الذلة والمسكنة، وكفروا وارتدوا، لماذا؟ {ذَلِكَ بِمَا عَصَوا} [(78) سورة المائدة] أول شيء المعصية، المعصية هذه وإن كانت صغيرة هونت الكبيرة، ثم الكبيرة هونت ما فوقها، وعقوبات بعضها لبعض، فالله المستعان.(28/22)
يعني قبل تيسر هذه الكاميرات مع الناس وجُل الناس في جيبه كاميرا تصوير، يعني المقصود في الأصل الجوال، ومن أهل العلم من أفتى صراحة ونشرت الفتوى من قبل جمع من أهل العلم بتحريم اقتناء الجوال اللي فيه كاميرا لأنه يسهل المعصية، وكم من شخص كان شديداً في التحري والتثبت اقتنى هذه الكاميرا فرأى مناظر لم يصبر عن تصويرها، قد يصبر عن تصوير نفسه، يصبر عن تصوير فلان أو علان أو عن المشهد الفلاني لكن ماذا عن طفله إذا أخذ يحبو، أو أخذ يمشي الخطوات الأولى، هل يصبر عن تصويره؟ يقول: هذا مشهد ما يمكن يتكرر، ثم بعد ذلك يقول: التصوير مختلف فيه، ولو كان محرم ما خرج الشيخ الفلاني في القناة الفلانية والشيخ الفلاني وكذا وكذا، كل هذا بسبب تيسر اقتناء هذه الآلات، والله المستعان.
يقول: كيف جمع في حديث جابر بين الحسن والغرابة؛ لأن الحسن عند الترمذي من مقتضاه أن يروى من غير وجه والغرابة أن تكون من وجه واحد؟
لكن الغرابة عند الترمذي يراد بها الغرابة النسبية وليست الغرابة المطلقة، الأمر الثاني: أن الحسن الذي يشترط فيه تعدد الطرق هو الذي يقول فيه الترمذي: حسن فقط.
سم.
الكتاب الثاني.
طالب:. . . . . . . . .(28/23)
يعني هذا رأفةً بالكسالى؛ لأن بعض الناس إذا انتهى من الدوام نام، ينام ثم يجد مسجد فيه جماعة تقام بعد أن يأخذ قسط من الراحة يكفيه، ولا شك أن التعاون مع مثل هؤلاء يعينهم على الكسل من جهة، لا شك أن فيه إحسان إليهم من جهة، وفيه أيضاً إعانة على الكسل، فالذي لا يرى رأي الحنفية ولا يقتدي بالإمام أبي حنيفة بتأخير هاتين الصلاتين ليس له أن يؤخر لحجة أن يدرك الناس الصلاة، نعم الرفق بالمأمومين مطلوب، فإذا كانت هذه رغبتهم لكن لا يصل إلى هذا الحد، لا يصل إلى هذا، ((أيكم أم الناس فليخفف)) فمن التخفيف على الناس مراعاة الأوقات، وسيأتي في حديث الإسفار أن من أهل العلم من قال: إن الإسفار إنما يكون إذا قصر الليل؛ ليعان الناس على إدراك صلاة الجماعة، هذا قال ... ، وله ما يدل عليه من حديث معاذ حينما بعثه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وسيأتي الكلام فيه، لكن يبقى أنه وإن كان فيه مراعاة لأناس إلا أن فيه ضرر بالنسبة لآخرين، في المنطقة الشرقية والصلاة صلاة الصبح تتقدم فيها عن نجد فضلاً عن الحجاز، تتقدم والليل قصير، والناس مبتلون بالسهر، بعض المساجد يؤخر الإقامة خمسين دقيقة، فدخل وقت ليصلي وهو ما نام الليل كله كل الليل سهران، وجاء رجاء أن تصلى الصلاة على الوقت المعتاد، صبر صبر التفت يمين شمال ما في فائدة، تكلم بكلام شديد وخرج ترك الصلاة، فلا شك أن من الناس من يتضرر، لكن الإجزاء والصحة صحيحة والصلاة في وقتها ما لم تصفر الشمس، ليس فيه وعيد، لكن مع ذلك المطلوب أن تصلى الصلوات في أوائل الأوقات ما عدا الظهر إذا اشتد الحر، والعشاء إذا لم يشق.(28/24)
جامع الترمذي - كتاب الصلاة (2)
شر؛: باب: ما جاء في التغليس بالفجر، وباب: ما جاء في الإسفار بالفجر.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: منه:
حدثنا هناد قال: حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن للصلاة أولاً وأخراً، وإن أول وقت صلاة الظهر حين تزول الشمس، وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر، وإن أول وقت صلاة العصر حين يدخل وقتها، وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس، وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس، وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق، وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق، وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل، وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر، وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس)).
وفي الباب عن عبد الله بن عمرو: سمعت محمداً يقول: حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت أصح من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش، وحديث محمد بن فضيل خطأ أخطأ فيه محمد بن فضيل.
قال -رحمه الله-: حدثنا هناد قال: حدثنا أبو أسامة عن أبي إسحاق الفزاري عن الأعمش عن مجاهد قال: "كان يقال: إن للصلاة أولاً وأخراً" فذكر نحو حديث محمد بن فضيل عن الأعمش نحوه بمعناه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: منه" أي من الباب السابق، وهو بمثابة أصل منه، وموضوعه في مواقيت الصلاة تبعاً. . . . . . . . . وقوله: منه، يعني كالفرع منه، كالفصل منه،. . . . . . . . . باباً مترجماً باب ما جاء في كذا ثم يتبعه بقوله: باب من غير ترجمة، ويقرر أهل العلم أنه في هذه الحالة يكون بمثابة الفصل من الباب الذي قبله، وهنا صرح بأنه منه، وإن وجدت في بعض النسخ دون بعض، ويقول: باب منه، وهذه توجد في أكثر النسخ، وفي بعضها لا يوجد منه، ولو لم تذكر فهي بمثابة الفصل والجزء منه.(29/1)
قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد" هو ابن السري تقدم ذكره مراراً "قال: حدثنا محمد بن فضيل" محمد بن فضيل بن غزوان الضبي مولاهم، صدوق، لكن لا يعني أنه لا يحصل منه الخطأ كما هنا، فيما قرره الإمام البخاري، وإن رأى بعضهم أنه ليس بخطأ، وأن الحديث يروى على الوجهين مرفوعاً وموقوفاً على ما سيأتي بيانه -إن شاء الله تعالى- "عن الأعمش" سليمان بن مهران، الإمام الحافظ، الثقة المعروف "عن أبي صالح" ذكوان السمان، ثقة تقدم ذكره مراراً "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((إن للصلاة أولاً وأخراً)) " هذا الإسناد الذي ذكره الإمام الترمذي يثبت به الخبر؛ لأن أقل ما فيه من قيل فيه: صدوق وهو محمد بن فضيل، والبقية أئمة حفاظ، اللهم إلا ما يخشى من تدليس الأعمش فإنه قال: عن أبي صالح ولم يصرح بالتحديث.
"قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن للصلاة أولاً وأخراً)) " هذا الكلام صحيح، يعني أوقات الصلاة لها أول وآخر، لكن هل كل كلام صحيح مجزوم بصحته تمكن نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لو يقال لك: احلف أن الواحد نصف الاثنين تتردد في الحلف؟ نعم، لا، لكن لو قال لك: قل: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الواحد نصف الاثنين يجوز وإلا ما يجوز؟ لا ما يجوز، هذا وضع، هذا كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- وإن كان الكلام صحيحاً، فالكلام هنا صحيح ((إن للصلاة أولاً وأخراً)) كما تقدم وكما سيأتي، لكن نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ورفعه إليه ينازع فيه الإمام البخاري على ما سيأتي.
((وإن أول وقت صلاة الظهر حين تزول الشمس)) وهذا محل إجماع على ما تقدم، لم يخالف في هذا أحد من أهل العلم أن أول وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس.(29/2)
((وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر)) حين يدخل وقت العصر فلا فصل بين وقت الظهر ولا وصل، فلا فصل ولا اشتراك، يعني لا فصل بين الوقتين كما يقول بذلك الحنفية في قول عندهم أن وقت صلاة الظهر ينتهي من مصير ظل كل شيء مثله، ووقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل كل شيء مثليه، فما بين المثل والمثلين فاصل لا يصلح للظهر ولا يصلح للعصر على هذا القول، ولا اشتراك أيضاً كما قال المالكية أن هناك قدراً مشتركاً في آخر وقت صلاة الظهر، وهو أول وقت صلاة العصر يصلح مقداره أربع ركعات يصلح أن تصلى فيه الظهر أداءً، ويصلح أن تصلى فيه العصر أداء، وهذا سبق الكلام فيه، وأنه كلام مجمل كما جاء في حديث إمامة جبريل، الذي سبق شرحه، وأنه معارض بما هو أصرح منه من حديث عبدالله بن عمرو في صحيح مسلم: ((ما لم يحضر وقت العصر)) فدل على أنه لا اشتراك بينهما، كما أنه لا فاصل بينهما كما يقول الحنفية، ((وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر)) وكأن وقت العصر معلوم عندهم، بُين بأحاديث سابقة، ولذلك قال: ((حين يدخل وقت العصر)).
((وإن أول وقت صلاة العصر حين يدخل وقتها)) كأنه معلوم بداية وقتها معلوم عندهم، ولذلك لم يبين في الخبر، ((وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس)) وهذا هو الوقت المختار، ولا يجوز تأخيرها إلى وقت الاصفرار؛ لأنه جاء الترهيب من ذلك، وإن كان وقت الأداء يستمر إلى غروب الشمس، وقت الأداء الاضطرار يستمر إلى غروب الشمس لحديث: ((من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) وهذا تقدم الكلام فيه.
((وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس)) إذا وجبت الشمس وسقطت وغاب القرص دخل وقت صلاة المغرب.(29/3)
((وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق)) والمراد به الشفق وهو الأحمر عند الجماهير، جماهير أهل العلم على أنه الأحمر، وإن كان الإمام أبو حنيفة في أول الأمر يقول: إنه الأبيض، ومضى ما فيه من كلام، وهذا يدل على أن للمغرب أولاً وأخراً، وأنه يمتد من غروب الشمس إلى مغيب الشفق خلافاً للشافعية الذين يرون أن وقت المغرب مضيق، وأنه لا يتسع لأكثر من التأهب للصلاة بالوضوء بالطهارة، وأداء ثلاث ركعات، ثم بعدها يخرج الوقت على ما تقدم في حديث إمامة جبريل للنبي -عليه الصلاة والسلام- الذي سبق الكلام فيه وأنه صلى المغرب في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه المغرب في اليوم الأول، فدل على أن وقتها واحد، ولا شك أن حديث إمامة جبريل متقدم وهذه الأحاديث متأخرة فهي المحكمة، وحديث إمامة جبريل منسوخ بهذه الأحاديث.
((وإن أول وقت العشاء الآخرة)) في عشاء أولى من أجل أن يقال: عشاء آخرة؟ في مغرب وفي عشاء، وصفها بالآخرة يدل على أن هناك عشاء أولى، أو يكون المراد بالآخرة المتأخرة التي هي آخر صلوات اليوم والليلة، فهي متأخرة عن غيرها، وإلا فليس هناك عشاء أولى ليكون هناك عشاء آخرة إلا أنه باعتبار أنها تكون في وقت العشي، والعشي فيه أكثر من صلاة، فيه أربع صلوات العشي، إحدى صلاتي العشي في حديث ذي اليدين، إما الظهر وإما العصر، فالظهر والعصر في العشي؛ لأنها بعد الزوال، وكذلك المغرب والعشاء، فهي آخر صلوات العشي، ولا يظن بهذا أن المغرب يقال لها: العشاء كما جرى به عرف بعض البلدان، يقولون للمغرب: العشاء، صلينا العشاء يعني المغرب، ويقولون للعشاء: الأخير، وهذا معروف في هذه البلاد، وإن كان يعني يكاد يكون انقرض إلا عند بعض كبار السن، لكن هو معروف على كل حال.(29/4)
((وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق)) يعني يغيب الشفق الأحمر ((وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل)) ومضى الكلام في آخر وقت العشاء، وأنه على حديث إمامة جبريل ينتهي بانتهاء ثلث الليل، فإنه صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل، وقال: الوقت ما بين هذين الوقتين، فدل على أنها لا تؤخر، وفي هذا الحديث كما في حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم: ((إلى منتصف الليل الأوسط)) فوقتها يمتد إلى نصف الليل، وبهذا قال جمع من أهل العلم، والأحاديث صحيحة صريحة، حديث عبد الله بن عمرو يمكن من أصح ما ثبت في المواقيت، وفيه أنه ينتهي بانتهاء نصف الليل، وإن كان الأكثر من أهل العلم يرون أن وقت العشاء يمتد إلى طلوع الفجر، ذكرنا هذا ودليله بالأمس، ودليله حديث عام وهو مخصوص بصلاة الصبح ((ليس في النوم تفريط، وإنما التفريط على من أخر الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى)) أو ((حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى)) فدل على أن العشاء تمتد إلى طلوع الفجر، لكن هذا الحديث مخصوص بصلاة الفجر، فإنها تنتهي بطلوع الشمس بالإجماع، ولا يمتد وقتها إلى مجيء وقت صلاة الظهر.
((وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر)) يبرق الفجر، يطلع الفجر والمراد به الصادق الذي ينتشر في الأفق عرضاً يمنياً وشمالاً، وليس المراد به الأول الكاذب على ما بيناه بالأمس.
((وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس)) وهذا محل إجماع ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) ومفهومه: أن من لم يدرك ركعة قبل طلوع الشمس فإن صلاة الصبح قد فات وقتها، وهذا محل إجماع.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن عبد الله بن عمرو" مخرج في صحيح مسلم، وذكرنا جملاً منه في درس الأمس، وفي درس اليوم، أخرجه مسلم، فهو من أصح ما ورد في الباب، ومن أوضح ما يروى في المواقيت.
"قال أبو عيسى: وسمعت محمداً" يريد محمد بن إسماعيل البخاري، كثيراً ما يعول عليه في الكلام على الرواة، وفي تعليل الأحاديث "وسمعت محمداً يقول: حديث الأعمش عن مجاهد" الآتي بعد هذا مباشرة "في المواقيت أصح من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش، وحديث محمد بن فضيل خطأ أخطأ فيه محمد بن فضيل".(29/5)
حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت أصح، هذه أفعل تفضيل، وإذا قلنا: إنها على بابها قلنا: إن الحديثين صحيحان، حديث مجاهد وحديث محمد بن فضيل عن الأعمش، قلنا: هما صحيحان؛ لأن مقتضى أفعل التفضيل أن يشترك اثنان في وصف يزيد أحدهما على الآخر في هذا الوصف، إذا قلت: زيد أغنى من عمرو هل تفهم من هذا أن عمر فقير أو غني لكن زيد أكثر منه؟ في هذا وصف، هذا الأصل في أفعل التفضيل، لكن أهل الحديث لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها، بل لا ينظرون إلى الوصف أحياناً، وإنما ينظرون إلى مجرد الرجحان، رجحان طرف على آخر، هل يلزم من قول البخاري: حديث الأعمش عن مجاهد أصح هل يلزم منه صحة حديث الأعمش عن مجاهد؟ يعني مقتضى الصيغة نعم، كما أنه يلزم من مقتضى الصيغة أن يكون الحديث الأول حديث محمد بن فضيل صحيح أيضاً، لكن أهل الحديث لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها، ولا يلزم منه صحة الاثنين، فضلاً عن أن يكون أحدهما مبالغاً في تصحيحه، مفضلاً على غيره، فإذا قالوا: حديث صلاة التسابيح أصح من حديث صلاة الرغائب هل يلزم من هذا صحة الحديثين؟ لا يلزم، لماذا؟ لأنهما ضعيفان باتفاق، وأهل الحديث لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها، لو قيل: حديث جبريل الوارد عن عمر في صحيح مسلم أضعف من حديث جبريل حينما جاء يعلم الناس الدين المروي من طريق أبي هريرة، أضعف، هل يقتضي ذلك ضعف الحديث حديث عمر أو ضعف حديث أبي هريرة؟ لا، كلاهما في الصحيح، لكن هذا أرجح باعتباره متفق عليه حديث أبي هريرة وحديث عمر من أفراد مسلم، وإذا قالوا: ابن لهيعة مثلاً أوثق من الإفريقي هل يعني أنهما ثقتان؟ لا، كلاهما ضعيف، لكن ابن لهيعة أمثل منه وإن كان ضعيفاً، وإذا قيل: نافع أضعف من سالم هل يقتضي هذا أن نافعاً أو سالماً ضعيفان؟ أبداً، كلا، كلاهما من أعلى الدرجات في الحفظ والضبط والإتقان، هذا يبين أن أهل الحديث لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها، فلا يعني أن الإمام البخاري يصحح الخبر الثاني ولا يصحح الخبر الأول، لا يلزم منه تصحيح ولا تضعيف، وإنما يلزم منه تقوية أحدهما على الآخر.(29/6)
لكن قوله: أخطأ فيه محمد بن فضيل هذا يدل على أنه يضعف حديث محمد بن فضيل ويحكم عليه بأنه خطأ، لكن هل يلزم منه صحة الحديث اللاحق الذي قال فيه: أصح؟ أخطأ فيه محمد بن فضيل يعني أخطأ في إسناده حيث رواه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، وإنما هو عن الأعمش عن مجاهد موقوفاً عليه.
"قال: حدثنا هناد قال: حدثنا أبو أسامة عن أبي إسحاق الفزاري عن الأعمش عن مجاهد قال" يعني من قوله ليس بالمرفوع ولا موقوف، وإنما يقال فيه: ليس بمرفوع ولا موقوف، وإنما هو .. ، المرفوع ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والموقوف ما يضاف إلى الصحابي، والذي يضاف إلى التابعي يسمى مقطوع، فهذا ليس بمرفوع ولا موقوف وإنما هو مقطوع.
"عن الأعمش عن مجاهد قال: "كان يقال: إن للصلاة أولاً وأخراً" فذكر نحو حديث محمد بن فضيل عن الأعمش نحوه بمعناه".
وهو مخرج في المسند والبيهقي وغيرهما، وبهذا يكون الإمام البخاري أعل الرواية المرفوعة بالمقطوعة، أعل المرفوعة بالمقطوعة، ووافقه أبو حاتم الرازي كما في العلل لابنه، والتعليل بهذه النوع أو بهذه الطريقة محل نزاع ومحل خفاء شديد؛ لأنه يأتي من يقول: إن الطريق المقطوعة المنسوبة إلى مجاهد لا يعل بها الخبر المرفوع، وما المانع أن يكون الحديث مروي على الوجهين؟ فالخبر أحياناً يروى مرفوعاً، وأحياناً يروى موقوفاً، أحياناً يرفعه الصحابي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأحياناً يفتي به من قوله، وعندنا أحياناً يرفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأحياناً يفتي به مجاهد من قوله، ولذا رجح بعضهم -الشيخ أحمد شاكر رجح- أنه يروى على الوجهين وما المانع؟ وكثيراً ما يسلك الشيخ هذا المسلك.(29/7)
وهذه طريقة معتمدة عند المتأخرين، إذا لم يكن هناك تعارض فلا يعل أحدهما بالآخر، بل يكون الحديث مروياً على الوجهين، لكن مثل هذا لا يقول به الأئمة الكبار؛ لأن المتأخرين ليست لديهم من الأهلية ما لدى المتقدمين؛ لأن المتقدمين حفظوا مئات الألوف من الأحاديث، ويجزمون بالصواب على أنه صواب، ويجزمون على الخطأ بأنه خطأ، يحكمون على الخطأ أنه خطأ، وإن لم يتضمن مخالفة، يقولون: أخطأ فيه، وما المانع أن يكون أخطأ؟ هذه طريقة المتقدمين لكن دون المتأخرين والحكم بها خرط القتاد، حتى يكون في مصاف المتقدمين في الحفظ والاطلاع على الروايات.
تعليل البخاري للرواية المرفوعة بالرواية المقطوعة لا يستطيع أن يحكم به أحد من المتأخرين، حتى يكون في مصافهم في الحفظ والإتقان والاطلاع على الطرق والروايات والعلل حتى يكون ممن يكتفي بشم الحديث.
قد يقول قائل: إن الآلات قربت، إذا كان الإمام أحمد يحفظ سبعمائة ألف حديث، فعندنا قرص صغير فيه خمسمائة ألف حديث، وإذا كان الاطلاع على الروايات والطرق ميسور عند المتأخرين بواسطة الأجهزة صار حكمهم حكم المتقدمين، المسألة مسألة حفظ واطلاع، الآن نطلع من خلال لحظة في ضغطة زر على جميع الروايات ونعرف ننظر، لكن هناك فرق بين من تكون الأخبار بين عينيه وبين أن تكون الأخبار في ذاكرته، فرق، الأخبار في الذاكرة رددت ومحصت وفحصت مراراً، وكررها مرات، بخلاف من اطلع على هذه الطرق لأول مرة، حتى ولو أعاد النظر فيها وردد وكرر لن يكون بمثابة المتقدمين الذين حفظوا هذا العلم بالتدريج.(29/8)
الشيخ أحمد شاكر صوب أن يكون الحديث مروي على الوجهين، وهو مسبوق من قبل ابن القطان الفاسي وهو متأخر، يعني في السادس، متأخر بالنسبة للأئمة، لكن عنده من الحفظ والإحاطة ودقة النظر ما يؤهله لمثل هذه الأحكام، لكن بالنسبة للمتأخرين، الأمر في غاية الوعورة، وإن نادى بعض الغيورين على السنة أن ينحو المتأخرون من طلاب العلم منحا المتقدمين، لكن أقول: إن هذا في غاية الصعوبة، إذا وجد من وهبه الله من الحفظ والحذق والضبط والإتقان ما وهب للمتقدمين، وأخذ العلم عن أهله وحفظه ووعاه في قلبه احتمال، أما من اعتمد على الآلات أو ضعف في الحفظ وليس عنده من المحفوظ إلا الشيء اليسير لا يمكن بحال من الأحوال أن يضاهي الأئمة المتقدمين؛ لأن الأئمة المتقدمين قواعدهم ليست كافية لتقليدهم من قبل المتأخرين، هناك قواعد وضوابط مأخوذة من منثور كلامهم، لكنها لا تكفي المتأخر لمحاكاة المتقدمين، إلا بالمران، يعني لو أن شخصاً تخصص في هذا الباب في جمع الطرق والنظر في الأسانيد والعلل، وأفرغ جهده وأوتي من قوة الحفظ والفهم احتمال، لكن هذا كم يوجد في القرن من واحد؟ هؤلاء نوادر، أما بالنسبة للمتقدمين ففيهم كثرة، لماذا؟ لأن الوقت وقت رواية، ووقت حفظ، والرواة متوافرون، يعرف أن هذا الراوي ضبط هذا الحديث، ويعرف ...(29/9)
مالك لما قيل له: أنت تسمي عمرو بن عثمان الأئمة كلهم يقولون: عمرو بن عثمان وأنت تقول: عمر، قال: هذا بيته، هذا بيته، ويش يعني؟ مو مثل الآن ما نتصور هذا الشخص فضلاً عن أن نعرف بيته وإلا ... ، ما عندنا إلا قاله الأئمة، قالوا: عمرو، وقال مالك: عمرو، نرجح بين هذا وهذا، ما نرجح إلا بالكثرة، كثرة من قال عمرو فقط، ما عندنا غير هذا، لكن الأئمة عندهم غير هذا، كل ما مر من عند بيته قال: هذا بيت عمر بن عثمان، الأئمة كلهم يقولون: عمرو، قال: هذا بيته، إيش يعني؟ يعني أنا أعرفه جيراننا يا أخي، يعني لو يذكر لك شخص ما رأيته ولا كذا، ويصحف لك اسمه قليلاً ما تستطيع أن تصل إلى الحقيقة، لكن الذين عاصروه وعايشوه لا شك أنهم يجزمون، أو يأتي بعد خمسين سنة مثلاً شاب يقول لك: قال الشيخ صالح بن عثيمين، وأنت عرفت الشيخ عشت معه عشرين سنة، وعمرك ذاك الوقت سبعين مثلاً، يؤخذ قوله وإلا قولك؟ أنت تعرف الشيخ بعينه عاشرته وعاصرته وسمعت كلامه مراراً، وتردد اسمه على ذهنك ألوف المرات، ويجي واحد من بعد خمسين سنة يقول: الشيخ صالح بن عثيمين؟
هذا حال الأئمة بالنسبة للرواة، وحال من تأخر بعدهم، يعني لو تصحف علينا اسم في بعض الكتب ما استطعنا نصححه إلا من خلال الكتب الأخرى، ما تستطيع والله يقول: ابن أخته يقول: لا، اسمه كذا، ابن عمه يقول: لا، اسمه كذا، وهم أعرف، ما تدري أنت ما أدركته، لا أدركت الراوي ولا أدركت من أدركه، فهذا هو السر في كون الأئمة يحكمون بمثل هذه الأحكام، والمتأخرون من أهل العلم ليس لديهم إلا الموازنة والترجيح بين أقوال الأئمة.(29/10)
الشيخ أحمد شاكر صوب وقال: والذي أختاره أن الرواية المرسلة أو الموقوفة تؤيد الرواية المتصلة المرفوعة، ولا تكون تعليلاً لها أصلاً؛ لأنه من حيث النظر ما فيه ما يمنع إطلاقاً أن الحديث يروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بإسناد صحيح، ويرى عن ابن عباس من قوله بإسناد صحيح؛ لأن ابن عباس أحياناً ينشط فيرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأحياناً يفتي به من رأيه، وكذلك أبو هريرة، لكن إذا اختلف المرفوع عن الموقوف قلنا: العبرة بما روى لا بما رأى، وإن كان بعض أهل العلم يرشح العكس باعتبار أن الموقوف متأكد منه، ابن عباس قال هذا الكلام، لكن هل رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو وقفه على نفسه؟ هذا ليس بمجزوم فيه، في نصب الراية نقل عن ابن الجوزي أنه قال في التحقيق: ابن فضيل ثقة يجوز أن يكون الأعمش سمعه من مجاهد مرسلاً ومن أبي صالح مسنداً، يعني يرويه على الوجهين.
ونقل أيضاً عن ابن القطان قال: ولا يبعد أن يكون عند الأعمش طريقان: إحداهما: مرسلة والأخرى مرفوعة، والذي رفعه صدوق من أهل العلم، وثقه ابن معين، وهو محمد بن فضيل.
قال أحمد شاكر: والذي أختاره أن الرواية المرسلة أو الموقوفة تؤيد الرواية المتصلة المرفوعة، ولا تكون تعليلاً لها، لماذا؟ لأن أحمد شاكر وغيره من المتأخرين ليس بأيديهم إلا هذا، إما أن يقال: محض تقليد، قلد الأئمة، أو يقال: اجتهد في النظر بين أقوال الأئمة، أما أن تحاكي الأئمة في أقوالهم وتكون بمصافهم أو بمنزلة واحد منهم فأظن هذا شبه متعذر إلا في نوادر من الرجال يحفظون كما حفظ الأئمة.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: منه:(29/11)
حدثنا أحمد بن منيع والحسن بن الصباح البزار وأحمد بن محمد بن موسى المعنى واحد، قالوا: حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه -رضي الله عنه- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل فسأله عن مواقيت الصلاة فقال: ((أقم معنا إن شاء الله)) فأمر بلالاً فأقام حين طلع الفجر، ثم أمره فأقام حين زالت الشمس فصلى الظهر، ثم أمره فأقام فصلى العصر والشمس بيضاء مرتفعة، ثم أمره بالمغرب حين وقع حاجب الشمس، ثم أمره بالعشاء فأقام حين غاب الشفق، ثم أمره من الغد فنور بالفجر، ثم أمره بالظهر فأبرد وأنعم أن يبرد، ثم أمره بالعصر فأقام والشمس آخر وقتها فوق ما كانت، ثم أمره فأخر المغرب إلى قبيل أن يغيب الشفق، ثم أمره بالعشاء فأقام حين ذهب ثلث الليل، ثم قال: ((أين السائل عن مواقيت الصلاة؟ )) فقال الرجل: أنا، فقال: ((مواقيت الصلاة كما بين هذين)) هذا حديث حسن غريب صحيح، وقد رواه شعبة عن علقمة بن مرثد أيضاً.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- كما قال. . . . . . . . .
الذي قبله من الباب الأول قال: "حدثنا أحمد بن منيع والحسن بن الصباح البزار" وكلاهما من الثقات "وأحمد بن محمد بن موسى" ثقة أيضاً، حافظ، فكلهم ثقات، يجتمعون في روايته عن إسحاق بن يوسف الأزرق، قال: "المعنى واحد" المعنى واحد يعني وإن كان في بعض الألفاظ شيء من الاختلاف بين هؤلاء الرواة الثلاثة، المعنى واحد مبتدأ وخبر، وأحياناً يقال: كما في سنن أبي داود كثيراً: المعنى بدون واحد، ولا بد من تقدير الخبر، وقد يلتبس صنيع أبي داود حينما يحذف الخبر فلان وفلان وفلان المعنى فالمراد واحد، وأحياناً يأتي بعض الرواة منسوباً إلى معن، فيقال: حدثنا فلان ابن فلان وفلان ابن فلان المعني نسبة إلى معن، وهذا موجود في الرواة، فينتبه طالب العلم لمثل هذا؛ لأنه قد يلتبس عليه وهو نسبته إلى معن، فيظنه زيادة من المؤلف في الإسناد لبيان أن المعنى واحد بين هؤلاء الرواة وإن اختلفت ألفاظهم.
المعنى واحد يعني وإن اختلف اللفظ بعض الشيء مما لا يؤثر في المعنى مما تجوز روايته بالمعنى.(29/12)
"قالوا –يعني الثلاثة- حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق" الإمام مسلم لا يقتصر على قول: المعنى واحد، إنما يقول: واللفظ لفلان، أو يقول: حدثنا أحمد بن منيع والحسن بن الصباح وأحمد بن محمد بن موسى قال أحمد بن منيع: حدثنا إسحاق بن يوسف، فإذا أعاد واحداً من الثلاثة أو من الاثنين دل على أنه هو صاحب اللفظ، الإمام البخاري يروي عن مجموعة، يقول: حدثنا فلان وفلان وفلان، قالوا: حدثنا فلان ولا يبين صاحب اللفظ ولا صاحب المعنى، لكن جرت القاعدة المطردة التي ظهرت بالاستقراء أن اللفظ للأخير منهم.(29/13)
"قالوا: حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق" المخزومي ثقة أيضاً "عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة" تابع سفيان الثوري على روايته عن علقمة بن مرثد شعبة، كما نبه على ذلك المؤلف في آخر الباب "عن سليمان بن بريدة -تابعي ثقة- عن أبيه" بريدة بن الحصيب صحابي "قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل فسأله عن مواقيت الصلاة فقال: ((أقم معنا إن شاء الله)) إن شاء الله هذه ليس فيها معنى التعليق، وإنما هي لمحض التبرك، ما قال: أقم معنا إن شئت ليخيره ويرد الأمر إلى مشيئته، فقال: إن شاء الله، أقم معنا، يعني الصبر على التبليغ، سؤال يقال: أقم معنا يومين، إيش يترتب على الإقامة يومين؟ أنه ينظر إلى سؤال هذا السائل الذي جاء يسأل، ولا ينظر في مصلحة المأمومين بكافة، فيوم يصلي بهم في أول الوقت، وفي اليوم الثاني يؤخرهم إلى آخر الوقت، لكن هل يتحمل الناس التعليم بهذه الطريقة اليوم؟ ولا المسئول، إذا سئل أعطاه الجواب، ما أعطاه نصف جواب وهو يمشي يمكن ما يثبت عليه، ولا شك أن التعليم بالفعل أبلغ من التعليم بالقول، وهذا وصفه -عليه الصلاة والسلام-، البلاغ والبيان، لكن هذه الطريقة لا يكاد أحد أن يحتملها، لو وهو بمفرده لو جاء إلى شخص ساكن بمفرده في مكان وقال: علمني الأوقات، ما يقول له: اجلس عندي يومين، وأصلي بك يوم في أول الوقت، واليوم الثاني في آخر الوقت، ولو لم يترتب على ذلك تأخير للمأمومين، وفي هذا تربية لأهل العلم أن يصبروا على السائل، الموجود الآن يعني مع ضغوط الحياة، يعني كان الناس عندهم فسحة من الوقت، وعندهم شيء من السعة في الصدر، ويستقبلون السائلين، ويجلسون معهم، ويقف في الشارع في حر الشمس، يستثبت من هذا السائل، ويجيبه بكل ما يريد.(29/14)
الآن، الآن كل مشغول، حتى الوظيفة الإلهية التي هي إجابة السائل وعدم كتم العلم والتحذير من ذلك تجده إن أجاب فبنصف جواب، ولا أقول: إن كل أهل العلم على هذه الطريقة لكنه موجود، ويحصل كثيراً منا ومن غيرنا، يجي إلى العالم بيده المصحف يقرأ، يقول: غير هذا الوقت، نعم ينبغي أن يُعلَم طلاب العلم شيء من الأدب؛ لأن بعضهم قد يسيء، كما جاء واحد منهم لا يريد سؤال يبي يقرأ بكتاب والشيخ بيده مصحف ويقرأ، قال: والله أنا مشغول الآن، ثم تحدث في المجالس، الشيخ يقول: مشغول وهو جالس يقرأ قرآن، طيب القرآن ما هو بشغل؟ هذه مشكلة أيضاً من الطرف الآخر.
إذا كان هناك سؤال عابر لا مانع من إجابته أثناء قراءة القرآن، لكن يحضر كتاب بيقرأ وأنت تقرأ القرآن، لا مانع من رده أيضاً، فالأمور تقدر بقدرها.
هذا السائل جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((أقم عندنا)) أقم عندنا يومين، وترتب عليه أنه أجل الصلاة بالنسبة لليوم الأول وفي اليوم الثاني أخر الصلاة، وخلفه من يصلي معه -عليه الصلاة والسلام- من المأمومين، ولا شك أن في هذا مشقة تحصل بسبب التقديم كحصولها بسبب التأخير؛ لأنه بسبب التقديم قد تفوته الصلاة، وبسبب التأخير قد تفوته بعض مصالحه، لكن الناس في الصدر الأول همهم ما خلقوا من أجله، همهم ما خلقوا من أجله، وهو تحقيق العبودية، لكن الآن هل هم الناس الصلاة؟ هل منهم من يقول: أرحنا بالصلاة؟ بل لسان الحال عند كثير من المسلمين: أرحنا من الصلاة، يبي يتأخر الإمام خمس دقائق ما تحمل الناس، تلفت بعضهم على بعض، ثم في الدقيقة الثاني يأخذون في الكلام والسب، لماذا؟ لأن الصلاة ليست هم بالنسبة لهم، ولا يعني هذا أن الإمام يكون على ... ، يأخذ راحته بحيث يتضرر المصلون، مرة يصلي بهم في أول الوقت ومرة في أثنائه، ومرة في آخره من أجل أن يهتم الناس بما خلقوا له بناءً على فراغه وشغله هو، لا، هو عليه أن لا يشق على الناس، لكن إذا عرف من حال الناس أنهم لا يتضررون بهذا، وأنهم يقبلون مثل هذا، ما المانع أن يطبق فيهم السنة؟(29/15)
"فأمر بلالاً فأقام حين طلع الفجر" بمجرد طلوع الفجر هو معلوم أن ركعتي الفجر من آكد السنن، ولا يقال: إنه بعد أن يشق الصبح وطلعت الفجر وأقيمت الصلاة بغلس وما صلى ركعتي الفجر، لا، هذه لا تحتاج إلى تنصيص؛ لأنه جاء فيها نصوص أخرى، نصوص كثيرة، وهي خير من الدنيا وما فيها، ركعتي الفجر "فأقام حين طلع الفجر –يعني بغلس في أول- ثم أمره فأقام حين زالت الشمس فصلى الظهر" يعني في أول الوقت، يعني هذا في اليوم الأول "ثم أمره فأقام فصلى العصر والشمس بيضاء مرتفعة" يعني في أول وقتها "ثم أمره بالمغرب حين وقع حاجب الشمس، ثم أمره بالعشاء فأقام حين غاب الشفق" فصلى الصلوات الخمس في أوائل أوقاتها "ثم أمره من الغد -في اليوم الثاني- فنور بالفجر" يعني ظهر النور، أسفر بصلاة الصبح فصلاها في أواخر وقتها قبل طلوع الشمس "ثم أمره بالظهر فأبرد وأنعم" بالغ في الإبراد، بالغ حتى صلاها في أواخر وقتها "وأنعم أن يبرد، ثم أمره بالعصر فأقام والشمس آخر وقتها فوق ما كانت" يعني كانت حينما صار ظل الشيء مثله في اليوم الأول، وفي الثاني مثليه، قبل أن تصفر الشمس، فوق ما كانت عليه يعني بالأمس، أي حين صار ظل كل شيء مثليه، وقبل اصفرار الشمس بخلاف اليوم الأول، فقد صلاها في أول وقتها حين صار ظل كل شيء مثله "ثم أمره فأخر المغرب إلى قبيل أن يغيب الشفق" أمره أن يؤخر فأخر المغرب إلى قبيل أن يغيب الشفق، وهذا دليل للجمهور على أن وقت المغرب يتسع هذه المدة، يعني ما يقرب من ساعة ونصف "ثم أمره بالعشاء فأقام حين ذهب ثلث الليل" حين ذهب ثلث الليل، ومعلوم أن التعليم في أول الأمر بالفعل كما في هذا الحديث وحديث إمامة جبريل، فهذا الحديث متقدم، ثم بعد ذلك صار يعلم الناس بالقول -عليه الصلاة والسلام-، ثم أمره بالعشاء فأقام حين ذهب ثلث الليل، وهذا يوافق حديث إمامة جبريل وأن وقت العشاء آخره ثلث الليل، وجاء بعده ما يدل على أن آخر وقت العشاء نصف الليل، فأقام حين ذهب ثلث الليل "ثم قال: ((أين السائل عن مواقيت الصلاة؟ )) فقال الرجل: أنا" أي هاهنا، حاضر، يعني في وقتنا حتى السائل لو أجيب إلى ما طلب وصنع الإمام والجماعة كلهم ما تذمر منهم واحد، يمكن السائل(29/16)
ما يصبر، فإذا قيل: أين السائل؟ يمكن ما يجيب، صحيح ما صارت النفوس تتحمل، ما صارت النفوس تتحمل الآن، وإذا أردت أن تختبر الناس انظر إليهم عند الإشارات، لو تجد واقف واحد في آخر الشارع من جهة اليمين ووراه واحد يبي يلف يمين يصبر ثواني؟ ما يصبر، والمسألة ثواني، صحيح أن هذا الذي وقف أخطأ؛ لأن من حق هذا أن يلف يمين بدون إشارة، لكن الصبر أين الصبر؟ يعني في مواطن التجمعات في الصلوات مثلاً في المواسم في الجمع في الأعياد، تجد إنسان وراء الناس لا يصبر حتى يفرغ الطريق له، هذا يشترك فيه جل الناس اليوم، فما صار عند الناس تحمل، صارت النفوس لا تحتمل مثل هذه الأمور، فكيف السائل بيصبر يومين "فقال الرجل: أنا" أي هاهنا حاضر، نعم هو يعني احتمال صبره أكثر من احتمال صبر المأمومين، الذي يصبرون من أجل سؤال غيرهم، لكن مع ذلك في وقتنا ما أتصور أن سائلاً يبي يصبر يومين، مهما كانت حاجته، حين يطلبون الشفاعات ما يصبرون، يطلب شفاعة لنفسه يجي للواحد من أهل العلم مثلاً يقول: اكتب لي شفاعة إلى فلان وإلا علان إلى الجامعة الفلانية وإلا الأمير الفلاني، يقول: انتظر أنا الآن مشغول، صلِّ معنا العصر، طيب إلى متى؟ ما يصبر وبيشيل نفسه، والثاني محسن، ثم بعد ذلك إذا قال له: اترك الموضوع لي، اعطني أوراقك واكتب عليها، صار الشافع كأنه مذنب، والمشفوع له يتحسب عليه، أخرنا أخره الله، هذا واقع الناس اليوم، يا أخي هذا محسن، محتسب، ما على المحسنين من سبيل، متى ما فرغ كتب لك يا أخي، ومن هذا معاناة عند كثير من أهل العلم، تجد بعض الناس من أجل شفاعة يرفع صوته على الشيخ، أخرتنا، ما معك حق، أنت تظن الناس كلهم فاضين، فكيف إذا كان مثل هذا السؤال، يعني هذا فيه تربية لجميع الأطراف، هذه التصرفات من النبي -عليه الصلاة والسلام- القدوة والأسوة هذه تربية لجميع شرائح المجتمع، بدءاً من الإمام الأعظم إلى أقل واحد، نعم قد يقول قائل: إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- بلغ وبين ووضح فلسنا بحاجة إلى مثل هذه التصرفات، لكن هناك لها نظائر، يعني ليس لها أطراف يتضررون ومع ذلك الإنسان لا يصبر.(29/17)
"فقال الرجل: أنا" أي هاهنا حاضر "فقال: ((مواقيت الصلاة كما بين هذين)) " والكاف زائدة، الأصل ما بين هذين الوقتين، ويقال في هذا ما قيل في درس الأمس في حديث إمامة جبريل، وأن المراد أن الصلاة في هذين الوقتين وما بينهما.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح" وهو مخرج في صحيح مسلم، فالخبر صحيح وهو أيضاً عند أحمد النسائي وابن ماجه.
قال: "وقد رواه شعبة عن علقمة بن مرثد أيضاً" وهذه المتابعة من شعبة لسفيان مخرجة عند مسلم أيضاً.
سم.
عفا الله عنك.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في التغليس بالفجر:
حدثنا قتيبة عن مالك بن أنس قال: وحدثنا الأنصاري قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصلي الصبح فينصرف النساء" قال الأنصاري: فيمر النساء متلففات بمروطهن ما يعرفن من الغلس، وقال قتيبة: متلفعات.
وفي الباب عن ابن عمر وأنس وقيلة بنت مخرمة.
حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو الذي اختاره غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- ومن بعدهم من التابعين، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق يستحبون التغليس بصلاة الفجر.
. . . . . . . . .
طالب: لا، أما في نسختنا ما هو موجود، في نسخة ثانية موجود، في هذه النسخة ما هي بموجود يا شيخ.
. . . . . . . . .
وهو اختلاط النور، نور الصبح بظلمة الليل، يقال: جاء في الغلس والدلس، في الاختلاط في الظلمة في أول وقت صلاة الصبح أو بعد غروب الشمس هذا فيه غلس، يعني بعد غروبها في أثناء صلاة المغرب، والمراد بالتغليس في صلاة الفجر المبادرة بها في أول وقتها، بعد أن يتحقق دخول الوقت.(29/18)
قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة" وهو بن سعيد، ثقة، من شيوخ الأئمة "عن مالك بن أنس" الإمام مالك نجم السنن "ح" في بعض النسخ حاء، وهي لا توجد في بعض النسخ، ومعلوم أن هذه الحاء يشار بها إلى تحويل السند، ومرت مراراً ويستعملها الإمام مسلم كثيراً، وأبو داود كذلك، هي توجد عند الترمذي لكنها أقل، وهي عند الإمام البخاري أقل بكثير، التحويل من إسناد إلى آخر، ومنهم من يقول كالمغاربة: أنها إشارة إلى رمز الحديث.(29/19)
"قال: وحدثنا" العادة جرت أنها إذا أثبتت الحاء لا تذكر قال، وإنما يقال: ح وحدثنا، ح وحدثنا فلان، وحدثنا الأنصاري، إسحاق بن موسى الأنصاري "قال: حدثنا معن" وهو ابن عيسى بن يحيى الأشجعي "قال: حدثنا مالك" معن بن عيسى هذا من رواة الموطأ عن الإمام مالك "عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة" فعندنا قتيبة يروي الخبر عن مالك، ويرويه أيضاً الأنصاري عن معن عن مالك فالطريق الأولى أعلى من الطريق الثانية، عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة "-رضي الله عنها- قالت: إن كان" (إن) هذه مخففة من الثقيلة، أي إنه كان "رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" واسمها ضمير الشأن "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصلي الصبح" إن كان ليصلي التأكيد بـ (إن) المخففة من الثقيلة وأيضاً باللام ليصلي، هي لام تأكيد "الصبح فينصرف النساء" فينصرف النساء يعني قبل الرجال أو بعد الرجال، المقصود أنهم لا ينصرفون في وقت واحد، يثبت الرجال في أماكنهم حتى ينصرف النساء، بأمره -عليه الصلاة والسلام- فأين هذا من دعاة الاختلاط واحتجاجهم بأن النساء يصلين مع الرجال؟ وقد جاء قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)) "إن كان -عليه الصلاة والسلام- ليصلي الصبح فينصرف النساء" قال الأنصاري في روايته: "فيمر النساء" رواية الأنصاري هي الثانية، والأولى رواية قتيبة "فيمر النساء متلففات" ورواية قتيبة: "متلفعات" والمعنى واحد، المتلففة والمتلفعة مستترات، قد لفت على بدنها كاملاً من أعلاه إلى أسفله مرط، وهو كساء غليظ من خز أو صوف، متلففات بمروط، أكسية غليظة، ومعلوم أنه إذا كان هذا المرط غليظاً من صوف أو من خز فإنه لا يبين ما تحته لا للرائي، ولا يبين الحجم ولا المفاصل، يعني قد يبين إجمالاً يعرف أنها طويلة أو بدينة، لكن لا يعرف التفصيل ما وراء هذا المرط، وكان النساء إلى وقت قريب يعني قبل ثلاثين سنة يلبسن هذا النوع من العباء، عباءات غليظة، كأنها خيمة، يعني سمكها ثلاثة ملي متر، فقارن بينها وبين ما يلبس اليوم، الذي يشف عما تحت الذي تحته، والله إن هذا الحاصل، ومع الأسف أن يسمى مثل هذه(29/20)
العباءات التي تبدي ما تحتها تسمى عباءة مكة، أو عباءة المدينة، ليضلل بها عوام المسلمين، عباءة مكة شفافة يرى جميع ما تحتها تسمى عباءة مكة، والنساء في عصره -عليه الصلاة والسلام- متلففات ومتلفعات "بمروطهن ما يعرفن من الغلس" أولاً: لا تعرف أعيانهن لغلظ ما لبسنه من المروط، ما يعرف أن هذه فلانة أو فلانة إلا إذا كانت متميزة بطول كما قال عمر -رضي الله عنه-: قد عرفناك يا سودة، وعمر -رضي الله عنه- ما قال هذا الكلام للإساءة إلى أم المؤمنين أبداً، وإنما قاله رغبة في أن يفرض الحجاب، وعلى إثر ذلك فرض الحجاب، قد عرفناك يا سودة، سودة امرأة طوال ضخمة، قد تعرف المرأة من ... ، لكن لا يعرف منها شيء، ولا يستدل بأي أمر يظهر على ما خفي وبطن، وكان النساء يجررن الثياب خلفهن ذراعاً، ذراع الثوب خلفها، ومع الأسف أن الرجال الآن هم الذين يجرون الثياب، والنساء ثيابهن قصيرة، وما قصر من الثياب أكمله فتح القميص من الجانبين، كما قال القرطبي -رحمه الله-: من مظاهر تبرج الجاهلية الأولى شق القميص من الجانبين" كأنه أمر صار عادي ومألوف، يعني إذا أريد إشارة على شيء للرجال صور رجل والثوب يسحبه أو البنطلون يسحبه، وإذا صور هذا علامة على أن هذا مدْرسة بنات وإلا أمر نسائي اللباس قصير ((حذو القذة بالقذة)) مثل ما عند الكفار "ما يعرفن من الغلس، وقال قتيبة: متلفعات" ومتلففات أو متلفعات والمعنى واحد.(29/21)
"قال أبو عيسى الترمذي: وفي الباب عن ابن عمر" وهو عند ابن ماجه وعن "وأنس" بن مالك عند البخاري، "وقيلة بنت مخرمة" عند الطبراني في قصة طويلة، اعتنى بها أهل الغريب؛ لأنها قصة طويلة فيها طرافة وفيها فصاحة ذكرها الحافظ في ترجمتها في التهذيب والإصابة وهي أيضاً موجودة في طبقات ابن سعد، وغيرها يرجع إليها، لكنها حديثة عهد بجاهلية، قالت: قد أقيمت صلاة الغداة تقول: حتى قدمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي بالناس صلاة الغداة قد أقيمت حين شق الفجر والنجوم شابكة في السماء، والرجال لا تكاد تعارف من ظلمة الليل، فصففت مع الرجال، وأنا امرأة حديثة عهد بجاهلية، فقال لي الرجل الذي يليني من الصف: امرأة أنت أم رجل؟ فقلت: لا، بل امرأة، قال: إنك كدت أن تفتنيني، فصلي وراءك في النساء، والآن تصف المرأة بدون حياء بين الرجال في أقدس البقاع في المسجد الحرام، بل جاءت امرأة في العام الماضي أو الذي قبله تدعي أنها فقيهة، وأنها دكتورة في الفقه، وتدرس في جامعة عريقة طلبت أن تصلي خلف الإمام في المسجد الحرام، وأن الخطاب الرجال يعم النساء، والحث على الصفوف الأولى يشملها، فقيل لها: خير صفوف النساء آخرها، لكنها زعمت أنها فقيهة وأن عندها معرفة بشيء من المسائل، أخيراً أجبرت إجبار إلى أن تنصرف على مكان النساء، فإذا كانت هذه تزعم أنها فقيهة، فكيف بالعوام إذا لم يكن هناك توجيه بقيام كل شخص بما أوجب الله عليه؟! العالم يقوم بدوره، الداعية يقوم بدوره، المعلم يقوم بدوره، ولي الأمر يقوم بدوره، الزوج يقوم بدوره، الأب الأخ، أما إذا ترك الحبل على الغارب فالنساء كما جاء في الحديث الصحيح: ((ناقصات عقل ودين)) لا بد من توجيههن، ولا بد من الأخذ على أيديهن، لا يمنع أن يكون فيهن من كملت، وفيهن من تقرب من الكمال، وفيهن العابدات، وفيهن الصالحات، وفيهن العالمات، لكن في الجملة عموم النساء هذا وصفهن، ولذلك تزاحم الرجال من أجل سنة وترتكب محرمات، وتسجد أمام الرجال وقد يسجد بعضهم من شدة الزحام على شيء من بدنها، وقد رأيناها في المطاف، في أيام المواسم، تأتي لطواف الإفاضة وطواف الوداع فتقام الصلاة وهي في المطاف، فتصلي مع الناس(29/22)
من يمينها رجل، وعن يسارها رجل ومن خلفها رجل، وهكذا، هذا خلل، هذا خلل بلا شك، لا بد من الانتباه له.
"قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح" وأخرجه الجماعة، وأيضاً في الباب عن جابر في الصحيحين وأبي بردة وأبي برزة أيضاً في الصحيحين، حديث أبي برزة وأبي مسعود عند أبي داود، فالحديث مروي من طرق متعددة، ولا مجال للنظر في ثبوته؛ لأنه مروي في الصحيحين وغيرهما، وأيضاً جاء عن صحابة منهم من ذكرنا، ابن عمر وأنس وقيلة وجابر وأبي برزة وأبي موسى أو أبي مسعود.
وقد رواه الزهري عن عروة عن عائشة نحوه، روى حديث الباب الزهري عن عروة عن عائشة نحوه.
يقول الشيخ أحمد شاكر: الزيادة من نسخة ورمز لها بعين، وهي زيادة جيدة، ورواية الزهري عن عروة في الصحيحين وغيرهما، وقد رواه الزهري عن عروة وعن عمرة كلاهما عن عائشة والروايتان صحيحتان.
"وهو الذي اختاره غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم أبو بكر وعمر ومن بعدهم من التابعين" اختاره غير واحد من أهل العلم، يعني التغليس بصلاة الصبح والتبكير بها، وفعلها في أول وقتها "وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق يستحبون التغليس بصلاة الفجر" وبه أيضاً يقول الإمام مالك، وأما الإمام أبو حنيفة فيرى الإسفار.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الإسفار بالفجر:
حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر)).
وقد روى شعبة والثوري هذا الحديث عن محمد بن إسحاق، ورواه محمد بن عجلان أيضاً عن عاصم بن عمر بن قتادة.
وفي الباب عن أبي برزة وجابر وبلال -رضي الله عنهم-.
حديث رافع بن خديج حديث حسن صحيح، وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين الإسفار بصلاة الفجر، وبه يقول سفيان الثوري وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: معنى الإسفار أن يضح الفجر فلا يشك فيه، ولم يروا أن معنى الإسفار تأخير الصلاة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(29/23)
"باب: ما جاء في الإسفار بالفجر" الباب الأول في التغليس وفعل الصلاة في أول وقتها بعد التأكد من طلوع الفجر، وهنا الإسفار يعني بعد مضي وقت من صلاة الصبح يسفر فيه الجو ويعرف الإنسان جليسه، بخلاف التغليس الذي لا يعرف فيه جليسه، في الموضع الأول: لا يرى مواضع نبله، وفي الثاني: يرى مواقع نبله، فجاء الإسفار بالحديث المتقدم وبالأحاديث الكثيرة المتظافرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهي عادته وديدنه، وأما الإسفار فجاء من قوله -عليه الصلاة والسلام-.
"باب: ما جاء في الإسفار بالفجر"
قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد" وهو ابن السري "قال: حدثنا عبدة" وهو ابن سليمان "عن محمد بن إسحاق" محمد بن إسحاق إمام أهل المغازي، تكلم فيه أهل العلم بكلام كثير من أوثق الناس إلى دجال من الدجاجلة، كلام أهل العلم فيه كثير جداً، كتب بعضهم فيه وفي ما قيل فيه أكثر من سبعين صفحة، والخاتمة أن الرجل صدوق، لكنه مدلس لا بد أن يصرح بالتحديث، وإذا حدث في المغازي فهو إمام، وفي غيرها من الأبواب فيه كلام لأهل العلم، وغاية ما يقال فيه: إنه صدوق مدلس، لا بد أن يصرح بالتحديث.
"عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة" هنا لم يصرح، الأوسي المدني وهو ثقة من الطبقة الرابعة "عن محمود بن لبيد" صحابي صغير "عن رافع بن خديج" فالحديث يرويه صحابي عن صحابي "عن رافع بن خديج قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر)) ".(29/24)
((أسفروا)) يعني صلوا الفجر إذا ضاء الفجر ووضح ((فإنه أعظم للأجر)) أي الإسفار بالفجر أعظم، والمفضل عليه في أفعل التفضيل هنا إذا كان الإسفار أعظم فما المفضل عليه في أفعل التفضيل هنا؟ التغليس، التغليس الذي كان يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر)) كيف يقال: إن الذي فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- مفضول بالنسبة للإسفار؟ ولذا طعن بعضهم في الحديث، وضعفه بسبب عنعنة ابن إسحاق، لكنه توبع على ذلك فارتفعت وانتفت تهمة التدليس، لكنه من حيث المعنى أعظم للأجر، وبعضهم يقول: إن أعظم هنا بمعنى عظيم، فإن أجره عظيم، وأحياناً يأتي في المفضول ما يظن به فاضلاً، عادته -عليه الصلاة والسلام- وديدنه التبكير، وما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- ليختار لنفسه إلا الأفضل، وقد يفعل المفضول لبيان الجواز، ويكون في حقه أفضل.
يرد في المفضول ما يرفع من شأنه ليدل به على جوازه، الذي أعاد الصلاة بعد أن وجد الماء قيل له: لك الأجر مرتين، لكن الثاني قيل له: أصبت السنة، و ((من عمر شمال الصف كان له كفلان من الأجر)) لكن الحث على يمين الصف لا شك أنه أكثر؛ لئلا يعطل يسار الصف، هذا إن ثبت الخبر عند ابن ماجه وغيره، من أجل أن لا يعطل ويهجر شمال الصف، هل هنا فيه ما يستدعي الحث على تأخير الصلاة عن وقتها؟ الفاضل الذي هو التغليس إلى الإسفار هي في الوقت بلا شك، لكن بعضهم قال: إن المراد الإسفار التحقق من طلوع الفجر؛ لأنه من كثرة ما ورد في التغليس هذا قد يحمل بعض الناس لشدة حرصه على تطبيق السنة أن يصليها قبل طلوع الفجر، فيقال لمثل هذا: أسفر فإنه أعظم للأجر، ونصوص الشرع كما قلنا مراراً: علاج، الذي يؤخر صلاة الفجر يقال له: النبي -عليه الصلاة والسلام- يصليها بغلس، والذي يقدمها ويبادر بتقديمها فيخشى عليه من أن تقع صلاته قبل دخول الوقت يقال له: أسفر فإنه أعظم للأجر.(29/25)
"قال: وقد روى شعبة والثوري هذا الحديث عن محمد بن إسحاق" شعبة والثوري، شعبة لا يروي عن مدلس إلا ما تحقق سماعه قال: "ورواه محمد بن عجلان أيضاً عن عاصم بن عمر بن قتادة" محمد بن عجلان تابع ابن إسحاق، وشعبة روى الخبر عن ابن إسحاق، فمحمد بن إسحاق له متابع، وروى عنه شعبة الذي لا يروي عن المدلسين إلا ما تحقق سماعه.
قال: "وفي الباب عن أبي برزة الأسلمي وجابر وبلال" عن أبي برزة الأسلمي وجابر وبلال يقول الشارح المباركفوري: لم أقف على من أخرج حديثهما، وأخرج البخاري عنهما التغليس، يعني ما وقفت على رواية عن أبي برزة وجابر في الإسفار، لكنهما ذكرا في التغليس، جابر في الصحيحين وأبي برزة في الصحيحين أيضاً، وبلال حديثه عند البزار لكنه حديث صحيح.
"قال أبو عيسى: حديث رافع بن خديج حديث حسن صحيح"، "حديث رافع بن خديج -في الإسفار- حديث حسن صحيح".
"وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين الإسفار بصلاة الصبح" هل يمكن أن يكون حديث رافع بن خديج بسند الترمذي الذي ذكره حسن صحيح إلا أن يكون من تساهل الإمام الترمذي وإلا ففي أبي إسحاق فيه كلام كثير لأهل العلم، وإذا قلنا بالقول المعتدل: أنه صدوق، قلنا: حديث حسن فقط، لكنه بالشواهد التي ذكرها وبالمتابعات يصل إلى درجة الصحيح.
"وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين الإسفار بصلاة الفجر، وبه يقول سفيان الثوري" هو قول الحنفية، عندهم الإسفار بصلاة الصبح أفضل من التغليس عملاً بهذا الحديث.
"وقال الشافعي وأحمد وإسحاق" وهم ممن يرون التغليس، قالوا إجابة عن هذا الحديث: "أن يضح الفجر" يعني يتحقق طلوعه "فلا يشك فيه، ولم يروا أن معنى الإسفار تأخير الصلاة".
بعض أهل العلم حملوا الحديث على الليالي المقمرة؛ لأن أول الصبح لا يتبين فيها، وحمله بعضهم على الليالي القصيرة ليمتد الوقت؛ لأن الليل قصير، فإذا أسفر بصلاة الصبح أدركها من نام ولم يكفه نوم الليل، فمن أجلهم ورفقاً بهم في الليالي القصيرة تؤخر صلاة الصبح، وهذا يفعله بعضهم.(29/26)
وحمله بعضهم على الليالي القصيرة ليدرك النوام الصلاة، وجاء فيه حديث عن معاذ لما بعثه النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى اليمن، وأمره بالتفريق بين ليالي الشتاء وليالي الصيف، وبعضهم قال: إنه يدخل في صلاة الصبح بغلس وينصرف منها حال الإسفار لطول القراءة، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ ما بين الستين إلى المائة من الآيات، فإذا دخل فيها بغلس خرج منها بعد الإسفار.
هذا كلام لبعضهم، لكن المعروف أنهم ينصرفون منها ولا يعرف أحدهم جليسه من الغلس، مع طول القراءة، فدل على أنها تصلى في أول وقتها ((إذا صلى أحدكم بنفسه فليطول ما شاء)) جاء في الحديث الصحيح حديث معاذ: ((أيكم أم الناس فليخفف فإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء)) النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه قرأ في صلاة الليل في ركعة واحدة خمسة أجزاء، قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران.
يقول: أنا أصلي لنفس فاتتني الصلاة وأريد أن أحقق هذا الأمر: ((فليطول لنفسه ما شاء)) أقرأ في الركعة الأولى خمسة أجزاء، وفي الثانية أربعة، يترتب على ذلك أن يخرج الوقت وهو في الصلاة، يشرع فيها هو جاء والناس قد صلوا، وبقي من وقت الصلاة ساعة أو أقل من ساعة، فإذا قرأ في الركعة الأولى خمسة قطعاً خرج الوقت، أو لو قرأ البقرة فقط في الأولى وآل عمران في الثانية على طريقة الرسول يخرج الوقت، والرسول يقول: ((فليطول لنفسه ما شاء)) هل نقول: لا تطول؛ لئلا يخرج الوقت؟ أو نقول: طول لنفسك ما شاء ما دام أدرك ركعة قبل طلوع الشمس فأنت في الوقت؟ هذا الرجل يقول: الرسول يقول: ((فليطول)) هذا أمر، لكن هل هذا الأمر للإلزام أو للإباحة؟ لأنه بعد حظر، بعد منع، إذا كان في جماعة لا يجوز أن يطول عليهم بما يشق عليهم، ثم جاء الإذن له إذا صلى وحده، فيكون للإباحة، لا يكون هو الأفضل، أن يصلي ركعة في الوقت بحجة أنه يطول لنفسه ما شاء، ثم بعد ذلك ركعة بعد الوقت ويكون بذلك قد أدرك الصبح، هو أدرك الصبح بلا شك ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) لكن إخراج الصلاة عن وقتها لا شك أنه مفضول، وإن كان جائزاً في الجملة، والله أعلم.(29/27)
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول: نود توضيح حقيقة وقت الفجر حيث ظهر فتوى بتقديم تقويم أم القرى.
الآن لو نظرنا إلى تقويم أم القرى وصلينا بعد طلوع الفجر حسب التقويم ركعتي الصبح ثم أقيمت الصلاة، الآن يطلع الفجر هنا أربع وسبع دقائق أو ثمان دقائق، افترض أنه أذن أربع وسبع دقائق وفرغ من الأذان أربع وعشر، ثم صلينا الركعتين وأقيمت الصلاة أربع وربع على التقويم، وقرأنا في صلاة الصبح على طريقة قراءة النبي -عليه الصلاة والسلام- بين الستين إلى المائة، هل نخرج منها بغلس أو بإسفار؟ خلونا على هذا التدريج، نخرج بغلس وإلا بإسفار؟ لا شك أننا نخرج بإسفار، وهناك لجان تعمل على تثبيت الوقت الصحيح وشُكل لجنة وراقبت الأوقات في أقصى الشمال -شمال المملكة- وفي أقصى الجنوب، وفي الوسط وفي الشرق والغرب، فكانت نتيجتها أن التقويم قد يتقدم دقيقتين أو يتأخر دقيقة، لما أجريت هذه المراقبة بدقة من ناس لديهم الخبرة والمعرفة والعلم الشرعي فهذه من أواخر اللجان التي خرجت، وهناك لجنة خرجت قبل عشر سنوات اثنا عشر سنة على وقت الشيخ ابن باز وأقرها وأفتى بموجبها ونشرت الفتوى في الصحف، ولا ينكر أنه يوجد من طلاب العلم من خرج لمراقبة الأوقات، وأثبت فرق، هذا لا ينكر، لكن أظن أن مرد الاختلاف إلى فهم دخول الوقت، فالمراد بالخيط الأبيض من الخيط الأسود هو شيء رقيق رفيع لا يدركه أكثر الناس، وطلوع الفجر إذا قلنا: إنه من انفجار الضوء هذا يدركه كل أحد، وقد يكون بين الخيط الأبيض وبين انفجار الصبح قد يكون فيه وقت، وهذا هو الذي أثبته بعضهم، فهل الوقت منوط بالخيط الأبيض من الخيط الأسود كالامتناع من الأكل والشرب أو من انفجار الوقت ووضوحه؟
أظن أن هذا هو محل الاختلاف بين هذه اللجان التي تخرج، ويحصل بينها من الخلاف ما يحصل.(29/28)
جامع الترمذي - كتاب الصلاة (3)
شرح: باب: ما جاء في التعجيل بالظهر، وباب: ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هذا يقول: كيف الجمع بين قول ابن تيمية: "وأما إحاطة واحد بجميع حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهذا لا يمكن ادعاؤه قط، ومن انتقد ذلك فقد أخطأ خطأً بيناً فاحشاً" وبين قول بعض العلماء في ابن تيمية نفسه: "وكل حديث لا يعرفه شيخ الإسلام فليس بحديث" ثم أليست السنة كلها قد حفظت؟ فكيف الجمع بين هذا وهذا؟
قول شيخ الإسلام -رحمه الله- أنه لا يمكن لشخص واحد أن يحيط بجميع ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا كلام صحيح ودقيق أيضاً، لا يمكن يدعى لشخص أنه أحاط بجميع ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بدليل قوله -جل وعلا-: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء] هذا من جهة.
الأمر الثاني: أنه لا يزال يكتشف كتب فيها ما ليس في غيرها، خفيت على من حفظ الكتب التي قبلها، ولا يظن بذلك أن الدين قد ضاع منه شيء في عصر من العصور، كلا، هذه الأحاديث التي توجد في السنة ما يغني عنها، في السنة ما يغني عنها وإن كانت أحاديث على اصطلاح أهل العلم.(30/1)
السيوطي وهو متأخر في أواخر القرن التاسع وأوائل العاشر يقول: إنه يحفظ أكثر من مائتي ألف حديث، وأنه لو وجد أكثر من ذلك لحفظه، هذا وهو متأخر، ويوجد أيضاً في المتأخرين في وقتنا من يحفظ الألوف من الأحاديث، لكن مع ذلك هل يساوى هؤلاء بمثل حفظ الإمام أحمد؟ الذي يحفظ سبعمائة ألف حديث، ومع ذلكم الإمام أحمد خفي عليه من الحديث الشيء الكثير، بدليل أنه أفتى بأقوال الصحابة في مسائل فيها أحاديث خفيت عليه، وبدليل أنه اجتهد في مسائل فيها نصوص، ولم يقل أحد أن هذا الاجتهاد صحيح؛ لأن النص لا يعرفه أحمد، بل قالوا: العبرة بالنص، وقد يخفى على الكبير ما يكون لدى الصغير، وقد خفي على أبي بكر أحاديث وجدت عند بعض صغار الصحابة، وكذلك على عمر، وحفظ عبد الله بن عمرو ما لم يحفظه أبو هريرة وإن كان أحفظ منه وهكذا، الدين لا يمكن أن يحيط به شخص، القرآن نعم قد يحيط بحروفه خلق كما هو الحاصل منذ نزوله إلى يومنا هذا؛ لأنه محصور بين الدفتين، أما السنة فهي منتشرة، وأصغر الكتب الأصلية من كتب السنة بحجم القرآن أو أكثر، مع أن حفظ القرآن ميسر {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] بينما حفظ السنة ليس تيسيره كتيسير حفظ القرآن، والحديث الواحد يروى من مائة طريق، وفي بعض الطرق ما يختلف في لفظه عما في بعض الطرق الأخرى فكيف يحاط بهذه المئات الألوف من الأحاديث من قبل شخص واحد؟! والناس يتفاوتون في حفظهم منهم المقل ومنهم المستكثر، لكن لا يمكن أن يدعى لشخص أنه يحفظ السنة كلها.(30/2)
قول بعضهم في شيخ الإسلام ابن تيمية: كل حديث لا يعرفه شيخ الإسلام فليس بحديث هذا يراد منه أن شيخ الإسلام ممن له عناية بالسنة عناية فائقة، وأن حافظته قوية تسعفه في حفظ ما يقف عليه، لكن هناك من الأحاديث ما لم يقف عليه شيخ الإسلام، ومن الأحاديث ما وقف عليه فحفظه وحدث من حفظه، وأخطأ فيه -رحمه الله- وإن كان قليل نادر، لكن مع ذلك ليس حفظه على طريقة أهل الحديث، يعني يختلف حفظ ابن رجب للحديث عن حفظ شيخ الإسلام ابن تيمية، شيخ الإسلام يهمه حفظ المتون الصحيحة؛ لأن الفائدة العظمى من حفظ السنة هو الاستنباط، وذلك يتم بحفظ المتون مع أنه يحفظ من كتب السنة الأصلية المسندة الشيء الكثير، لكن لا يقال: إنه يحفظ كل ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي باب المبالغة في مدح الشخص في سعة علمه وإحاطته وتشبيهه بالبحر لا شك أنه يتجاوز عن مثل هذا.
السنة كلها قد دونت حفظت بلا شك، ولم يضع منها شيء، فكيف الجمع بين هذا وهذا؟ كون السنة قد حفظت يوجد من الحفاظ ما يفوته بعض الكتب، وقد قيل: إن صحيح البخاري على أهميته وعظمه ما دخل الأندلس إلا متأخر، ولذلك كانت عنايتهم بصحيح مسلم، جامع الترمذي ما رآه كثير من أهل الأندلس حتى قال ابن حزم وهو منهم -من أهل الأندلس- من محمد بن سورة؟ ما عرفوه، فهذا يدل على أن حفظ الحافظ وإن كان متميزاً متصفاً بالحافظة القوية إلا أنه لن يخرج عن قوله -جل وعلا-: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [(76) سورة يوسف].
يقول: صاحب أوجز المسالك شرح الموطأ: "قال الكرماني في الخميس" فما المراد بالخميس؟
المعروف أن كتاب الخميس كتاب سيرة نبوية، تاريخ الخميس من أحوال أنفس نفيس للبكري، وليس للكرماني، كتاب الكرماني الذي ينقل عنه في الشروح هو شرحه للبخاري واسمه: (الكواكب الدراري) فيتحقق من هذه الكلمة.(30/3)
وقد يحصل الوهل والوهم للناظر في النقل، قد يقول صاحب أوجز المسالك: "قال الكرماني في الخميس هو الجيش" يعني هو يفسر الخميس في حديث خيبر: "محمد والخميس" يعني والجيش، فيظنها الناظر كتاب، وما أكثر ما يحصل الوهم بسبب عدم الاعتناء بعلامات الترقيم، أو وضع علامات الترقيم في غير موضعها، يقول قال أبو الحسن الزاز: إن كذا حكمه كذا من فقهاء الشافعية، هذا بحث عن ترجمة أبي الحسن الزازان فما وجدها، وسبب ذلك أن إن في صدر كلامه أدرجت ضمن اسمه، والعناية بعلامات الترقيم من النقطتين بعد ذكر القائل وقبل القول هذه في غاية الأهمية، في مصنفات الإمام المجدد -رحمه الله- في قسم الحديث في حديث اقتناء الكلب، وفي رواية وضع نقطتين له قيراطان، يعني الذي يقتني الكلب ينقص من أجره في كل يوم قيراط، وفي رواية له: قيراطان، في رواية له يعني لمسلم ما هي للمقتني، ينقص من أجره قيراطان بدل قيراط، فيحصل من مثل هذا ويتأكد من هذا النقل.
يقول: كثر في الآونة الأخيرة الكلام عن ختان المرأة فما حكمه؟ لأنه توجد الآن والله المستعان قنوات وبرامج تذكر مثل هذه الأشياء على أنها عادات اجتماعية متخلفة في بعض البلدان فما رأيكم؟
ختان المرأة جاء فيه حديث الفطرة، ولم يفصل فيه بين الذكر والأنثى، مما جعل بعض أهل العلم يرى أن الحكم واحد بين الذكر والأنثى وهو الوجوب، ولا شك أن الأثر المرتب على الختان بالنسبة للذكر يختلف عن الأثر المرتب على الختان بالنسبة للأنثى، فالذكر لا تتم طهارته إلا بالختان، وأما بالنسبة للمرأة فهو مكرمة، وأحظى لها عند زوجها وأنظر، فالعلة لا تدل على الوجوب، بخلاف العلة في ختان الذكر، وعلى كل الأحوال أقل أحواله الاستحباب.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في التعجيل بالظهر:
حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن حكيم بن جبير عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما رأيت أحداً كان أشد تعجيلاً للظهر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا من أبي بكر ولا من عمر".(30/4)
وفي الباب عن جابر بن عبد الله وخباب وأبي برزة وابن مسعود وزيد بن ثابت وأنس وجابر بن سمرة -رضي الله عنهم-.
حديث عائشة حديث حسن، وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم.
قال علي: قال يحيى بن سعيد: وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل حديثه الذي روى عن ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من سأل الناس وله ما يغنيه)) قال يحيى: وروى له سفيان وزائدة ولم ير يحيى بحديثه بأساً.
قال محمد: وقد روي عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تعجيل الظهر.
قال -رحمه الله تعالى-: حدثنا الحسن بن علي الحلواني قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري قال: أخبرني أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر حين زالت الشمس.
هذا حديث صحيح وهو أحسن حديث في هذا الباب، وفي الباب عن جابر -رضي الله عنهما-.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:
فيقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في التعجيل بالظهر" انتهى الكلام على المواقيت إجمالاً، وبدأ الكلام على المواقيت بشيء من التفصيل، فيترجم لكل صلاة بترجمة مستقلة فبدأ بالظهر؛ لأنها هي الأولى، في الحديث الذي بالأمس في الرجل الذي طلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- سأله عن المواقيت، وقال له: ((أقم عندنا)) أو ((أقم معنا)) فصلى به يومين، بدأ بصلاة الصبح، النبي -عليه الصلاة والسلام- بدأ بصلاة الصبح، وجبريل بدأ بصلاة الظهر.
أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل فسأله عن مواقيت الصلاة فقال: ((أقم معنا إن شاء الله)) فأمر بلالاً فأقام حين طلع الفجر، وجبريل بدأ حين أمّ النبي -عليه الصلاة والسلام- بصلاة الظهر، ولذلك يسمونها الصلاة الأولى، وبدأ بها المؤلف في التفصيل، بدأ بالظهر وجعل آخر الأبواب لصلاة الصبح.(30/5)
بدأ أيضاً التغليس في الفجر، و. . . . . . . . . نعم، المؤلف بدأ بصلاة الفجر على ضوء الحديث الثاني حديث الرجل الذي سأل النبي -عليه الصلاة والسلام-، ما بدأ بالصلاة الأولى كبداية جبريل، هل نقول في هذا اضطراب؟ أو نقول: الأصل أن الصلاة أو اليوم تبدأ صلواته من الصبح، فالصبح هي الأولى بالنسبة لليوم ثم الظهر ثم العصر ثم صلوات العشي المغرب والعشاء، وعلى هذا تكون الوسطى هي العصر من غير إشكال، لماذا لم يبدأ المؤلف والنبي -عليه الصلاة والسلام- حينما علم الرجل بدأ بصلاة الصبح والمؤلف بدأ بصلاة الفجر وجبريل بدأ بصلاة الظهر؟ هل يمكن أن يقال: إنه لم توجد فرصة للبداءة بصلاة الصبح ليلة الإسراء وإلا لبدأ بها جبريل؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- نزل من السماء ليلة الإسراء وبالإمكان أن ينزل جبريل في هذه الليلة في آخرها فيؤمه في صلاة الصبح، لكن من أين لهم أن يجتمعوا والنزول في آخر الليل والحكم لا يلزم إلا بعد البيان، وأما بعد أن حصل البيان بدءاً من صلاة الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء ثم الفجر، استقر الأمر على أن الصلاة الأولى بالنسبة لحقيقة الأمر والحال هي صلاة الفجر، وأما بالنسبة لتعليم جبريل هي الظهر ولا اختلاف حينئذٍ.
نقول: إنه لا يمكن أن يجتمع الناس صبيحة ليلة الإسراء لصلاة الفجر، نعم اجتمعوا الضحى، وقص عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- الخبر، وأنها فرضت عليه الصلاة، لكن من أين لهم أن يعلموا أن الصلاة فرضت عليهم في وقت الفجر؟ ولو نزل جبريل يؤم النبي -عليه الصلاة والسلام- ويعلمه الأوقات وبدءاً من صلاة الصبح لفات هذا التعليم أكثر الصحابة، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- لما علم الرجل بدأ بصلاة الصبح والمؤلفون كلهم يبدؤون بصلاة الصبح، لماذا لم يبدؤوا بصلاة الظهر؟ لأن الأصل أن الأولى هي صلاة الصبح، وكونها صارت أولى في إمامة جبريل واستمر هذا الوصف لها، استمر هذا الوصف لها هي الأولى في العرف الشرعي، استمر لها هذا الوصف؛ لأن التعليم في صلاة الصبح غير ممكن؛ لأن الصحابة لم يبلغهم فرض الصلاة وقتئذٍ.
قال -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في التعجيل بالظهر"(30/6)
"حدثنا هناد" ابن السري، ثقة حافظ، تقدم ذكره مراراً "قال: حدثنا وكيع" يعني ابن الجراح الرؤاسي إمام "عن سفيان" وهو الثوري وهو إمام كذلك "عن حكيم بن جبير" وهو مضعف عند أهل العلم "عن إبراهيم" النخعي "عن الأسود عن عائشة قالت: "ما رأيت أحداً كان أشد تعجيلاً للظهر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا من أبي بكر ولا من عمر".
فهذا يدل على أن التعجيل بالظهر هو السنة، لكنه تعجيل نسبي، لا يعني أنها تزول الشمس ثم يقام للصلاة، يؤذن لها ثم يقام بحيث لا يترك فرصة للوضوء، ولا لصلاة أربع ركعات الراتبة، لا، هذا تعجيل نسبي، بحيث إذا تمكن الناس من الوضوء وصلاة أربع ركعات راتبة الظهر القبلية يقام للصلاة.
يقول ابن قدامة في المغني: "لا نعلم في استحباب تعجيل الظهر في غير الحر والغيم خلافاً"، "لا نعلم خلافاً في استحباب تعجيل الظهر في غير حالتي الحر -على ما سيأتي- والغيم" حتى يتأكد من زوال الشمس.
قال الترمذي -رحمه الله تعالى-: "وفي الباب عن جابر بن عبد الله" وهو في البخاري ومسلم "وخباب" ابن الأرت عند مسلم "وأبي برزة" الأسلمي في الصحيحين "وابن مسعود" عند ابن ماجه "وزيد بن ثابت" يقول الشارح: ينظر من أخرجه، يعني لم يقف عليه "وأنس" في الصحيحين "وجابر بن سمرة" عند مسلم.
"قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن" وذكرنا مراراً أن بعض طلاب الحديث ظهر له بالاستقراء من صنيع الإمام الترمذي أنه إذا قال: حسن واقتصر على الحسن فإن الخبر يكون ضعيفاً، مع أن هذا الاستقراء غير مسلم، نعم هو أغلبي، لكنه ليس بكلي.(30/7)
الترمذي حسن الحديث لحال حكيم بن جبير، يحكم على الحديث بأنه حسن، وفيه راوٍ ضعيف، يحكم على الحديث بأنه حسن وفيه شيء من الانقطاع، مما جعل أهل العلم يرمونه بالتساهل، ونص على ذلك الذهبي وغيره، قالوا: إن الترمذي متساهل في أحكامه سواءً كان ذلك بالحسن أو بالصحة، والشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي، وفي مقدمته للكتاب يرى أن الإمام الترمذي غير متساهل، وأن تصحيحه وأحكامه معتبره، ويذهب إلى أبعد من ذلك، فيرى أن تصحيح الترمذي توثيق لرجال الخبر، يعني إذا قال: هذا الحديث حسن صحيح فالرواة كلهم ثقات عنده، لكن الواقع يشهد لهذا الكلام أو يرده؟ الواقع يرد هذا الكلام، فقد قال عن بعض الأحاديث: حسن صحيح، وفيه راوٍ ضعيف، وقد يكون فيه انقطاع، وبالجملة أحكام الترمذي مبنية على المجموع لا على الأفراد، ولذلكم الترمذي يعتني بالشواهد، ولذلك يقول: وفي الباب عن فلان وفلان وفلان وفلان، وحينئذٍ يكون الخبر صحيحاً بالنظر إلى مجموع هذه الأحاديث المروية عن هؤلاء الصحابة لا بالنظر لمفرداتها.
قال: "وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم".
اختاروا التعجيل الظهر اختاروا تعجيل الظهر يعني بعد التأكد من زوال الشمس وبعد التمكن من فعل ما تطلبه الصلاة من شروط، وأداء أربع ركعات، ولو زيد على ذلك قليلاً لما عد تأخيراً؛ لأن الوقت يزيد على ثلاث ساعات، فما دام في النصف الساعة الأولى السدس ليس بكثير، يعني قليل، فيعد حينئذٍ تعجيلاً، لكن لو أخر ساعتين مثلاً وبقيت ساعة، قلنا: أخر الظهر، وهذا وقت مفضول عند جمهور أهل العلم.
قال: "وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم".(30/8)
وبعض الناس قد ينام في وقت القيلولة ثم إذا انتبه فإذا بالناس قد صلوا، ويقول: ما دام الناس صلوا أنا بصلي منفرد في بيتي فلا فرق بين أن أصليها في الساعة الواحدة أو الثانية وأكسب شيئاً من الراحة زيادة على ما مضى، الوقت باقي لا شك، ولا يأثم بهذا، لكنه مع ذلك فوت أجر التعجيل، ولا يأثم إلا إذا فرط بترك الجماعة، ثم إذا تلا ذلك التفريط للوقت بأن أخرج الصلاة عن وقتها فإثمه أعظم حتى قال بعضهم: إنه إذا كان متعمداً فإنه لا يصليها، فصلاتها بعد خروج وقتها كصلاتها قبل دخول وقتها، ونقل ابن حزم الإجماع على ذلك، وأنها لا تقضى، لكن نقل غيره الإجماع على أنها تقضى، وعلى كل حال جماهير أهل العلم على أنها تقضى، وإن أثم بذلك إثماً عظيماً نسأل الله السلامة والعافية.
"قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد" يعني القطان "وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل حديثه الذي روى عن ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من سأل الناس وله ما يغنيه)) "، ((من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو قدوح)) قيل: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: ((خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب)) يعني الغني على هذا الخبر من يملك خمسين درهماً، يعني ربع النصاب، وإذا قلنا: إن النصاب ست وخمسين ريال سعودي فضة، ربع الستة والخمسين أربعة عشر ريال، هذا غني، الذي يملك أربعة عشر ريال غني، نعم قد يكون غنياً قبل خمسين سنة، قد يكون غنياً قبل خمسين سنة اللي يملك أربعة عشر ريال عربي فضة في ذلك الوقت غني، لكن ماذا عمن يملك أربعة عشر ريالاً يعني تعادل الآن قل: ثلاثمائة ريال، هذا غني وإلا ليس بغني؟ لأن الخبر فيه حد للغنى من الفقر، وليس حداً لوقت من الأوقات لو صح الخبر، فالذي عنده هذا المبلغ لا يجوز له أن يسأل، مع أن هذا المبلغ لا يعيشه يوم واحد، يعني في أوساط الأسر لا يكفيهم يوم واحد، هذا الحديث رواه الترمذي -رحمه الله- في باب من تحل له الزكاة، لكنه حديث ضعيف، وآفته حكيم بن جبير الوارد في حديث الباب.(30/9)
"قال يحيى: وروى له سفيان وزائدة" روى له يعني روى عنه سفيان وزائدة مما يخرجه عن دائرة مجهول العين "ولم ير يحيى بحديثه بأساً".
لكن جماهير النقاد على تضعيفه وإن ارتفعت عنه جهالة العين فبقيت جهالة الحال، بل بقي التنصيص على تضعيفه.
"قال محمد" قال محمد ويريد بذلك الإمام البخاري، اسمه محمد، الترمذي اسمه محمد بن عيسى، لكنه لا يقول: قال محمد، وإنما يقول فيما جرت به عادته: قال أبو عيسى، فهو ملازم لكنيته، وإذا ذكر الاسم فيريد به البخاري.
ابن حزم في المحلى كثيراً ما يقول: قال أبو محمد، وكثيراً ما يقول: قال علي مرة بالكنية ومرة بالاسم، لكن الترمذي يلزم الكنية، وإذا قال بالاسم فمراده بذلك شيخه إمام أهل الصناعة الإمام البخاري -رحمه الله-.
"قال محمد: وقد روي عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تعجيل الظهر".
الذي معنا عن حكيم بن جبير عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة، وقد روي عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تعجيل الظهر، فهذه متابعة من سعيد بن جبير لإبراهيم، وإن كانت أعلى من رواية الباب؛ لأن رواية الباب الواسطة بين حكيم وعائشة واحد أو اثنين؟ اثنان، والرواية التي أشار إليها الإمام البخاري وصدرها بصيغة التمريض الواسطة واحد سعيد بن جبير.
قال -رحمه الله-: "حدثنا الحسن بن علي الحلواني" الإمام الترمذي يعني أورد الرواية أو أورد حديث عائشة وفيه حكيم بن جبير وهو ضعيف، وأشار إلى أحاديث صحيحة لا إشكال فيها، بعضها في الصحيحين، وبعضها في أحدهما، وبعضها خارج الصحيحين، فلماذا عدل عن هذه الأحاديث الصحيحة التي لا مطعن فيها ولا مغمز إلى هذا الحديث الذي فيه هذا الراوي وفيه ما سمعتم من الكلام؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(30/10)
الآن عندنا حديث عائشة الذي خرجه الإمام في هذا الباب من طريق حكيم بن جبير وهو مضعف عند أهل العلم، وهناك أحاديث، جابر بن عبدالله في الصحيحين، لماذا لم يخرجه الترمذي؟ ولا يمكن لأحد أن يتكلم فيه ولا في إسناده، حديث خباب في صحيح مسلم، حديث أبي برزة في الصحيحين، حديث أنس في الصحيحين، حديث جابر بن سمرة في مسلم، عدل عن هذه الأحاديث الصحيحة الصريحة في المراد إلى حديث فيه كلام عند أهل العلم، نقول: هذا شأنه وشأن غيره من أهل العلم الذين لم يشترطوا الصحة، هكذا وقع له الخبر، وهو لم يشترط الصحة فلا يلزم برواية غيره، وإلا لو التزم كل مؤلف في السنة أصح ما في الباب لاتفقوا على أحاديث تتابعوا على تخريجها وأهملت وتركت الأحاديث الأخرى، وإلا قد يقول قائل: ما الذي دعا الترمذي أن يخرج لمحمد بن سعيد المصلوب المعروف بالوضع، ولم ينزه كتابه عن هذا؟ ما الذي دعا ابن ماجه أن يكثر من التخريج للضعفاء؟ وما الذي دعا الإمام أحمد لتخريج أحاديث تسعة أو أكثر قيل: إنها أحاديث موضوعة؟(30/11)
كل له منهجه، وبذلك تتكامل السنة، يعني لو كان شرط الأئمة واحداً، لحرمنا من كثير من الأحاديث، لو كان شرطهم كلهم التشديد في الصحيحين لضاع علينا أحاديث كثيرة جداً، ولو كان شرطهم التساهل كالترمذي وابن ماجه لما استطعنا تمييز الصحيح من الضعيف لا سيما في كثير من طبقات المتعلمين، فوجد هذا التفاوت في شروط الأئمة لتتكامل السنة، وبهذا يعلم خطأ من رأى الاقتصار على الصحيحين، وأُلف في هذا (تيسير الوحيين بالاقتصار على القرآن مع الصحيحين) ألف فيه كتاب، الأحكام كلها معتمدة على ما في القرآن والصحيحين، لكن كم يضيع على الأمة من حكم مستنبط من حديث رواه أبو داود وهو صحيح أو حسن يصلح للاحتجاج، أو عند الترمذي أو النسائي أو ابن ماجه أو في مسند أحمد، يصفو من هذه الكتب صحيح كثير، فالاقتصار على الصحيحين كما فعل الشيخ عبد العزيز بن راشد -رحمة الله عليه- فهذا لا شك أن فيه تضييع لقدر كبير من السنة، هذه الدعوة تروق لكثير من الناس، دعوى مريحة، كون الإنسان ما يقرأ إلا في القرآن والصحيحين يمكن الإحاطة بها، ويمكن التفقه بسهولة منها، لكن يبقى أن هناك أحكام كثيرة جداً لا توجد في القرآن ولا في الصحيحين، وبهذا تضيع هذه الأحكام، ويوجد جماعة اسمها: الاقتصار على القرآن مع الصحيحين، كل دعوة تجد من يؤديها، ولو خالفت المعقول والمنقول تجد؛ لأن عقول الناس تتفاوت، فلا يقال: لماذا يخرج الترمذي هذا الحديث ويشير إلى أحاديث أخرى عنده خبر أن الحديث ما روي عن فلان وفلان وفلان بأسانيد صحيحة، لكنه لم يستوعب جميع ما وقع له، وأمر ثاني قد لا يقع له حديث أبي برزة أو حديث أنس بإسناده هو، لكن يعرف أنه جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذه الطرق.
قال -رحمه الله-: "حدثنا الحسن بن علي الحلواني" معروف، تقدم وأنه ثقة حافظ من الحادية عشرة "قال: أخبرنا عبد الرزاق" وهو ابن همام الصنعاني إمام مصنف "قال: أخبرنا معمر عن الزهري قال: أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر حين زالت الشمس.(30/12)
قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح" وقد رواه البخاري، ولما تقدمت الإشارة إليه قال الترمذي: "وهو أحسن حديث في هذا الباب" حديث أنس؛ لأنه أصح إسناد "وفي الباب عن جابر" وهي زيادة كما قال الشيخ أحمد شاكر لا لزوم لها؛ لأن الإشارة إلى حديث جابر تقدمت.
قال: وفي الباب عن جابر بن عبد الله تقدم، وإن كان مراده جابر بن سمرة فقد تقدم أيضاً حيث ذكره الترمذي فيما سبق.
هذا الحديث يدل على تعجيل الظهر، صلى حين زالت الشمس، يقول ابن الهمام وغيره من فقهاء الحنفية: "هو محمول عندنا على زمان الشتاء، أما في أيام الصيف فالمستحب الإبراد" وسيأتي حديث: ((إذا اشتد البحر فأبردوا)) في الباب الذي يليه، ويأتي بيان ما يراد بالخبر.
قال: "وهو محمول عندنا على زمان الشتاء" لا يلزم أن يكون في الشتاء في شدة البرد، في شدة البرد وفي اعتدال الجو وفي الحر المحتمل، بخلاف ما إذا اشتد الحر فالسنة التأخير، فقوله: "محمول على زمان الشتاء" ليس بدقيق، وإنما هو محمول على زمان الشتاء والربيع والخريف وأوائل الصيف، وأواخر الصيف إلا إذا اشتد الحر فالسنة الإبراد.
سم.
عفا الله عنك:
قال المؤلف:
باب: ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر:
حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)).
وفي الباب عن أبي سعيد وأبي ذر وابن عمر والمغيرة والقاسم بن صفوان عن أبيه وأبي موسى وابن عباس وأنس -رضي الله عنهم-.
وروي عن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا ولا يصح.
حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، وقد اختار قوم من أهل العلم تأخير صلاة الظهر في شدة الحر، وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق، وقال الشافعي: إنما الإبراد بصلاة الظهر إذا كان مسجداً ينتاب أهله من البعد، فأما المصلي وحده، والذي يصلي في مسجد قومه فالذي أحب له أن لا يؤخر الصلاة في شدة الحر.(30/13)
ومعنى من ذهب إلى تأخير الظهر في شدة الحر هو أولى وأشبه بالاتباع، وأما ما ذهب إليه الشافعي أن الرخصة لمن ينتاب من البعد والمشقة على الناس فإن في حديث أبي ذر ما يدل على خلاف ما قال الشافعي.
قال أبو ذر: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فأذن بلال بصلاة الظهر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بلال أبرد ثم أبرد)) فلو كان الأمر على ما ذهب إليه الشافعي لم يكن للإبراد في ذلك الوقت معنى لاجتماعهم في السفر وكانوا لا يحتاجون أن ينتابوا من البعد.
قال -رحمه الله-: حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود قال: أخبرنا شعبة عن مهاجر أبي الحسن عن زيد بن وهب عن أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان في سفر ومعه بلال فأراد أن يقيم فقال: ((أبرد)) ثم أراد أن يقيم فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أبرد في الظهر)) قال: حتى رأينا فيء التلول ثم أقام فصلى فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن شدة الحر من فيح جهنم فأبردوا عن الصلاة)) هذا حديث حسن صحيح.
يقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر"
. . . . . . . . .
حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)).
. . . . . . . . .(30/14)
الظهر ساعتين مثلاً هل يدخل البرد؟ هل يحصل البرد؟ هل يخف الحر؟ أو أخرنا ثلاث ساعات قبيل خروج وقتها؟ وهل صلاة العصر تقع في وقت بارد أو حار؟ حار، فهل ينحل الإشكال في تأخير الصلاة إلى آخر وقتها؟ الحديث في الصحيحين وغيرهما ليس لأحد كلام ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة)) وعند البخاري: ((بالصلاة)) يقال: أبرد أي دخل في البرد، وأظلم إذا دخل في الظلام، وأنجد إذا دخل نجد، وأتهم إذا دخل تهامة وهكذا، فهل إذا أخرنا الصلاة إلى آخر وقتها هل نكون أبردنا يعني دخلنا في البرد في الوقت البارد؟ الليل ليس ببارد في الصيف فضلاً عن كوننا نؤخر الصلاة إلى آخر وقتها الحر لا يزول، لكن المراد دفع المشقة الحاصلة على المصلين إذا صليت الظهر في أول وقتها، لماذا إذا صليت في أول وقتها؟ لأنهم سوف يخرجون إلى الصلاة في الشمس، فالحيطان ليس لها ظل، لكن إذا أخرت الصلاة إلى آخر وقتها فإنه يكون للحيطان ظل، وأيضاً بالإمكان أن يكون الخروج للصلاتين مرة واحدة، إذا أخرت الظهر والسنة تعجيل العصر -على ما سيأتي- يكون المصلي يخرج إلى الصلاتين مرة واحدة، فتقل عليه المشقة علماً بأن العلة الأولى كافية، وهي أن يكون للحيطان ظل يستظل به من يخرج إلى صلاة الظهر يتحقق بذلك الإبراد؛ لأن المشي في الظل إبراد بالنسبة للمشي في الشمس ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة)) والمراد بها الظهر ((فإن شدة الحر من فيح جنهم))، ((اشتكت النار إلى ربها فأذن لها بنفسين نفس في الصيف ونفس في الشتاء فأشد ما تجدون من الحر هو من ذلك النفس، وأشد ما يوجد من البرد هو من ذلك النفس)) نفس الشتاء ((فإن شدة الحر من فيح جهنم)) يعني من سعة انتشارها وتنفسها، ومنه مكان أفيح أي متسع، وهذه كناية عن شدة استعارها في هذا الوقت، وإذا اشتد استعارها مع وجود النفس التي تتنفس فيه، لا شك أن الأثر يصل إلى الأرض فيتأذى بذلك أهلها.(30/15)
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن أبي سعيد وأبي ذر" أبي سعيد عند البخاري، وأبي ذر عند البخاري ومسلم "وابن عمر" عند البخاري وابن ماجه "والمغيرة والقاسم بن صفوان" عند أحمد "عن أبيه" عند أحمد في المسند وعند الطبراني "وأبي موسى" عند النسائي "وابن عباس" عند البزار "وأنس" عند النسائي.
المقصود أنه جاء الأمر بالإبراد في أحاديث كثيرة مروية عن عدد من الصحابة، منها ما في الصحيحين ومنها ما هو خارج الصحيحين.
قال -رحمه الله-: "وروي عن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا ولا يصح" رواه البزار وأبو يعلى، وفي إسناده محمد بن الحسن بن زبالة، وهو شديد الضعف، بل نسب إلى الوضع كوضع الأحاديث.
"قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه الجماعة، إضافة إلى الترمذي: البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه "وقد اختار قوم من أهل العلم تأخير صلاة الظهر في شدة الحر" يعني الحديث صحيح وصريح في الأمر بالإبراد، والترمذي يقول: "اختار قوم من أهل العلم تأخير صلاة الظهر في شدة الحر، يعني من مزايا جامع الترمذي التي يمتاز بها عن كثير من كتب السنة الإشارة إلى أقوال أهل العلم وإلا فالعبرة والمعول على أمره -عليه الصلاة والسلام-.
قال: "وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق" وهو قول أبي حنيفة أيضاً "وقال الشافعي -رحمه الله-: إنما الإبراد بصلاة الظهر إذا كان مسجداً ينتاب أهله من البعد، فأما المصلي وحده والذي يصلي في مسجد قومه فالذي أحب له أن لا يؤخر الصلاة في شدة الحر".
هذه المسألة مسألة الرخص، الرخص عند وجود المشقة هل تختص بمن تتحقق فيه العلة وهي المشقة أو أن الرخصة إذا نزلت عمت؟ لو افترضنا أن شخصاً يسكن المسجد، وفي ليلة مطيرة جمع الناس الصلاة بين المغرب والعشاء، هذا الذي يسكن غرفته في المسجد، ولا يتضرر بالخروج إلى الصلاة، نقول: اجمع مع الناس وإلا انتظر؟ نعم؟(30/16)
نقول: إن الرخصة إذا نزلت عمت، ولا يقتصر فيها من يشق عليه وإلا لم تنتظم الأمور؛ لأن الناس يتفاوتون في تقدير هذه المشقة، وذلك تابع لاهتمامهم وحرصهم على أمور دينهم من عدمه من جهة، وتابع أيضاً على قوة تحمل أجسامهم مع عدمه مع عدم هذه القوة من جهة أخرى، فالناس يتفاوتون، الحريص على إبراء ذمته ولو كان عليه خطر يقدم الصلاة في وقتها على هذه المشقة التي يحتملها وإن لم يحتملها غيره، الناس يتفاوتون في تقدير هذه الأمور، فمن الناس من هو حريص على إبراء ذمته فلا يجمع مهما كانت المشقة، ومن الناس من يتذرع بأدنى شيء، إذا رأى الغيم قال: اجمعوا، احتمال أن ينزل المطر في وقت صلاة العشاء، يعني قبل وجود السبب، فهم يتفاوتون، والمنظور إليه في هذه المسألة لا الأول ولا الثاني، المنظور إليه أوساط الناس، سواءً كان في اهتمامهم بأمر دينهم أو تحملهم تبعاً لقوة أجسادهم وضعفها، فالمنظور إليه الوسط.
هذه المشقة اللاحقة بسبب شدة حرارة الشمس قد يقول قائل: إنها الآن لا داعي لها، البيوت مكيفة والسيارات مكيفة والمكاتب في العمل مكيفة والمساجد مكيفة، ما له مبرر هذا، لكن ليس المنظور له المترف، وإن كان الترف صار صفة عامة بل غالبة لجل الناس، والترف جميع ما ورد فيه من النصوص جاءت على سبيل الذم له، فينبغي للإنسان أن يعود نفسه على شيء من المشقة.
هذا المترف إذا لم يجد السيارة في يوم من الأيام عند الباب يمكن ما يصلي في المسجد؛ لأنه عود نفسه على هذا الترف، فعليه أن يعود نفسه على شيء من المشقة فإن النعم لا تدوم، وانظر إلى حالك وحال نظرائك وأقرانك إذا تعطل الكهرباء، يستطيع أحد أن ينام في هذه الأيام بدون كهرباء؟ لا يستطيع، وكانوا ينامون، لكن لما تعودوا على هذا الترف صاروا لا يستطيعون، فعلى الإنسان أن يعود نفسه للظروف الطارئة؛ لأن النعم لا تدوم، وبعضهم يبالغ في استعمال هذه الآلات المريحة يبالغ فيه حتى تنقلب إلى الضد، إلى أن تكون ضارة، فتدخل بعض الأماكن ووجد هذا حتى في المساجد فيمرض بعض الناس بسببها، يعني المسألة مسألة تخفيف لهذا الحر الذي لا يطيقه كثير من الناس، ليس المراد أن يقلب الصيف شتاء، أن يقلب الصيف إلى شتاء.(30/17)
قبل عشر سنوات جاء شخص من أبها إلى الشيخ ابن باز وهو في الطائف -رحمه الله- فقال له: لو جئت يا شيخ إلى أبها لكانت أفضل من الطائف، نسعر النيران في الظهر، ونلتحف البطاطين، قال الشيخ -رحمه الله-: إحنا نتأذى من الشتاء نفرح إذا خرج الشتاء فكيف نذهب إليه وفي مقدورنا أن نجلس هنا في الطائف والطائف جوه متوسط معتدل يعني ما هو مثل نجد وإلا الحجاز مكة فيه حرارة، وليس مثل أقاصي الجنوب وأعالي الجبال برودة شديدة، على أن الحرارة بدأت ترتفع تدريجياً حتى في أبها، أبها الآن تشغل المكيفات، وكثيراً ما يتحدثون عن الاحتباس الحراري، وتبحث المسألة على أعلى المستويات لإيجاد حلول لما يحصل على ما قالوا سنة خمسين، سنة (2050م) يقولون: إنه حر شديد لا يطاق، والله المستعان.
نعم ملاحظ أنه كل سنة أحر من التي قبلها، لا سيما في المصايف، لكن لا يعني هذا أننا نصل إلى هذا الحد في تصديق أعداء الله، سنة خمسين يقولون: السكنى على الأرض لا تطاق، لا بد من إيجاد حلول من الآن، وسئل بعض المهتمين بالإعجاز عن شدة البرد في الشتاء الماضي، في الشتاء الماضي حصل برد شديد أشد من العادة، قال: هذا سببه ما كسبت أيدي الناس، قلنا: هذا الكلام صحيح وطيب {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [(30) سورة الشورى] وبيان ذلك يقول وبيان ذلك: استنزاف خيرات الأرض التي تساهم في دفئها، يقصد استخراج البترول بكثرة، والله لما قال: بما كسبت أيدي الناس قلنا: هذا الكلام صحيح هذه عقوبات، لكن بيانه سيء، سببه استنزاف خيرات الأرض التي تساهم في دفئ الأرض، ويقصد بذلك البترول فيما بينه فيما بعد، يقول: يترك البتول في مكانه وتبقى الأرض دفئ، لكن إذا كان يدفئ في الشتاء ألا يزيد في حرارة الصيف، أو ينقلب تبريد في الصيف؟ كل هذا كلام لا أصل له ولا أساس له ولا يستند لا إلى عقل ولا إلى نقل، أما بما كسبت أيدي الناس فعلى العين والرأس هذا كلام رب العالمين، ويعفو عن كثير، ولا شك أن آثار الذنوب تأتي بمثل هذا وأشد.(30/18)
يقول الإمام الشافعي: "إنما الإبراد بصلاة الظهر إذا كان مسجداً ينتاب أهله من البعد" يعني يأتي إليه أهله من أماكن بعيدة بحيث يتأثرون بحرارة الشمس حتى يصاب بعضهم بما يسمى بضربة الشمس أو ما أشبه ذلك، إذا كان يأتي من بعيد، أما إذا كان يأتي من مسافة قصيرة يخرج من بيته ويدخل المسجد هذا ما يضر، يقول الشافعي: مثل هذا لا يؤخر الصلاة، "إنما الإبراد بصلاة الظهر إذا كان مسجداً ينتاب أهله من البعد فأما المصلي وحده والذي يصلي في مسجد قومه فالذي أحب له أن لا يؤخر الصلاة في شدة الحر" يعني لعدم المشقة ولعدم تأذيه بالحر في الطريق، لكن عامة أهل العلم على أن الرخصة إذا نزلت نزلت للجميع، ولو كان بعضهم لا يتأذى بها، فإذا أخر الناس الصلاة أخر معهم ولو كنت ساكناً في المسجد.
"قال أبو عيسى: ومعنى من ذهب إلى تأخير الظهر" ....
"فأما المصلي وحده -يعني منفرداً- والذي يصلي في مسجد قومه -ولا يحضر من بعد- فالذي أحب له أن لا يؤخر الصلاة في شدة الحر" يعني لعدم المشقة هذا كلام الإمام الشافعي -رحمه الله-، "قال أبو عيسى: ومعنى من ذهب إلى تأخير الظهر في شدة الحر هو أولى وأشبه بالإتباع" لماذا؟ لموافقته ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير تفصيل ومن غير استفصال، ومذهب الشافعي -رحمه الله- الشافعي نفسه معروف عنه الجملة المشهورة: "ترك الاستفصال في مجال الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال" لم يستفصل النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يفصل النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحر الموجود، ما قال هل هو لجميع الناس أو لبعض الناس أو من لم يتضرر به يفعل كذا، أو من تضرر به كذا، لم يقل هذا -عليه الصلاة والسلام- والاحتمال موجود حتى في عهده -عليه الصلاة والسلام- موجود، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- داره الجدار بجدار المسجد، وله باب على المسجد، وأبو بكر له باب من بيته على المسجد، ما قال من كانت داره بعيدة عن المسجد فليؤخر الصلاة هذا ترك للاستفصال مع وجود الاحتمال الإمام الشافعي يقول: ينزل منزلة العموم في المقال، فيعم جميع المصلين، هذا كلام الشافعي نفسه.(30/19)
"وأما ما ذهب إليه الشافعي أن الرخصة لمن ينتاب من البعد والمشقة على الناس" فإنه يرد عليه بالحديث السابق وعدم الاستفصال فيه، وأيضاً يرد عليه بحديث أبي ذر "فإن في حديث أبي ذر ما يدل على خلاف ما قال الشافعي".
"قال أبو ذر: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فأذن بلال بصلاة الظهر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بلال أبرد ثم أبرد)) فلو كان الأمر على ما ذهب إليه الشافعي لم يكن للإبراد في ذلك الوقت معنى لاجتماعهم في السفر، وكانوا لا يحتاجون أن ينتابوا من البعد.
يقول ابن حجر في فتح الباري: "جمهور أهل العلم يستحب تأخير الظهر في شدة الحر إلى أن يبرد الوقت وينكسر الوهج، وخصه بعضهم بالجماعة، فأما المنفرد فالتعجيل في حقه أفضل" يعني شخص معذور في بيته أو امرأة في بيتها تصلي الظهر، هل الأفضل في حقها التعجيل أو التأخير في شدة الحر؟ لا شك أن عموم الخبر يتناول الجميع، لكن العلة: ((فإن شدة الحر من فيح جهنم)) العلة المنصوصة مفقودة بالنسبة للمنفرد من ذكر معذور أو أنثى تصلي في بيتها، ولذا للنظر في هذا مجال، ولو أخروا اتباعاً للأمر النبوي لما يلامون، لا يلامون في مثل هذا.
الإمام الترمذي يرد على الإمام الشافعي بحديث أبي ذر، وفي هذا فوائد فاعتراض الترمذي على الشافعي بحديث أبي ذر يدل على أن الترمذي ليس بشافعي المذهب كما ادعاه الشافعية وترجموا له في طبقاتهم، يدل على أنه ليس بشافعي المذهب، والمرجح في الأئمة كلهم أنهم مجتهدون، أصحاب الكتب الستة عدا أبي داود، فإنه من أصحاب الإمام أحمد، وأما من عداهم فالبخاري ترجم له في طبقات الحنفية مع أنه أشد مخالفة لهم من غيرهم، وترجم له في طبقات المالكية وترجم له في طبقات الفقهاء من سائر المذاهب، وكل يدعيه، ولا شك أن انتمائه لإمام من الأئمة شرف لهذا الإمام، لكن الحاصل والواقع أنه إمام مجتهد في مصاف الأئمة الأربعة، بل عنايته بصحيح السنة قد تكون أبلغ من عنايتهم بها.(30/20)
قال -رحمه الله-: حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود -يعني الطيالسي- قال: أنبأنا شعبة عن مهاجر أبي الحسن" وهذا وثقه الإمام أحمد وابن معين "عن زيد بن وهب" الجهني ثقة مخضرم "عن أبي ذر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان في سفر ومعه بلال فأراد أن يقيم" وفي رواية: أن يؤذن "فقال: ((أبرد)) ثم أراد أن يقيم فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أبرد في الظهر)) قال -يعني فأبرد أكثر مما ذكر لبلال-: "حتى رأينا فيء التلول" جمع تل وهو ما اجتمع من تراب أو رمل كثيب من الرمل ومتى يكون له فيء؟ في وقت متأخر من وقت الظهر؛ لأنه ليس بمرتفع، ليس بشاخص مرتفع يكون له فيء واضح، إنما هو مستوي لكنه فيه ارتفاع؛ لأنه مجتمع بعضه فوق بعض، فإذا كان له فيء لا شك أن الوقت متأخر عن أول الوقت وعن أوسطه أيضاً "حتى رأينا فيء التلول، ثم أقام فصلى فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" والفيء هو الظل "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن شدة الحر من فيح جهنم فأبردوا عن الصلاة)) الكرماني في شرح البخاري وهو شافعي المذهب يرد على الترمذي، الترمذي يقول: هم مجتمعون، معه -عليه الصلاة والسلام- في مكان واحد لا يحتاج أن ينتابوا إلى موضع الصلاة من أماكن بعيدة، على هذا استدل الإمام الترمذي بحديث أبي ذر، لكن الكرماني يقول: العادة في العسكر الكثير تفرقهم في أطراف المنزل للتخفيف وطلب الرعي، يعني ما يجتمعون ويتضايقون في مكان واحد بل يتفرقون، للتخفيف يعني تخفيف الضغط على مكان واحد؛ لأن كثرة الناس في مكان واحد لا شك أن فيه شيء من المشقة والتعب، ولو لم يكن تعب جسدي، لكن الإنسان إذا أبعد الناس أحس بشيء من الراحة، للتخفيف وطلب الرعي فلا نسلم اجتماعهم في تلك الحالة، يقول ابن حجر: وأيضاً لم تجر عادتهم باتخاذ خباء كبير يجمعهم، يعني ما يضرب لهم خباء يجتمعون فيه، فيقال: هم مجتمعون، بل كانوا يتفرقون في ظلال الشجر، وليس هناك كِنٌ يمشون فيه، فليس في الحديث ما يخالف ما قاله الترمذي، يناقشون الترمذي في استدلاله بحديث أبي ذر على ضعف ما ذهب إليه الشافعي، ولا شك أن ما قاله الكرماني وابن حجر ظاهر، يعني الجيش إذا كان كبير يحتاجون(30/21)
إلى أن يجتمع، يعني يعادلون حي من الأحياء، ويتفرقون تبعاً للبحث عن الظلال تحت الأشجار، وتبعاً لإبلهم ومواشيهم في تتبع الرعي، وأيضاً للتنفيس؛ لأن الاجتماع اجتماع العدد الكبير في مكان واحد لا شك أنه يوجد شيئاً من المشقة، فكلامهم ظاهر.
لكن يبقى أن الحديث باقٍ على عمومه لعدم الاستفصال وعدم التفصيل، وسواء كانوا ينتابونه من قرب أو من بعد فالمشقة حاصلة لبعضهم فتنزل الرخصة لجميعهم كما هو مقرر عند أهل العلم.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود.
هذا بالنسبة لصلاة الظهر في شدة الحر فماذا عن الجمعة؟ الجمعة هي في وقت الظهر في شدة الحر، فهل نقول: يبرد بالجمعة كما يبرد بالظهر؟ أو نقول: إن الناس مأمورون بالتبكير لصلاة الجمعة؟ فيعانون بالتعجيل لا بالتأخير، إذا أمروا أن يأتوا في الساعة الأولى أو الثانية أو الثالثة هم مأمورون، وجاء الحث على التبكير، ((من بكر وابتكر)) إلى غير ذلك، هل يلغى هذا في الصيف، هذا الفضل يلغى في الصيف؟ أو هو باقٍ على عمومه في جميع أيام العام، وإذا كان استحباب التبكير باقياً في جميع العام فإنه لا يستحب تأخير الجمعة للمشقة على الموجودين الذين ينتظرون الصلاة، يعني نحن نعين بالتأخير الناس الذين لم يبكروا إلى الجمعة، هم في بيوتهم، نقول: لا تحضرون يعني بالإبراد كأننا نقول: لا تبكروا، لا تبكروا إلى الجمعة، اجلسوا في بيوتكم حتى يبرد الجو، ولذا قال ابن العربي: فرع إذا اشتد الحر فلا يبرد بالجمعة قاله سفيان، واختلف في ذلك أصحاب الشافعي والصحيح عندي مذهبنا؛ لأن الناس يبكرون إلى الجمعة والناس ينتابونها من بعد، فيخفف عنهم بالإسراع بها، قد يقول قائل: هؤلاء الذين بكروا إلى الجمعة جلسوا في المسجد والمسجد مظلل مسقوف، وهؤلاء الذين تأخروا إلى مجيء وقت شدة الحر الذي هو الزوال يقال لهم: تأخروا، فالذين في المسجد في ظل لا يتضررون بحر الشمس، والذين في بيوتهم عليهم أن يتأخروا حتى يُبرِدوا.(30/22)
لكن المشقة في مثل هذا وإن دخل تخفيفها في حديث الباب إلا أن المشقة اللاحقة بمن حضر إلى صلاة الجمعة مبكراً أشد من المشقة اللاحقة بمن جاء إلى الجمعة متأخراً في وقت شدة الحر، والشارع لا يراعي طرف على حساب طرف، لا يمكن أن يراعي الشارع الذين تأخروا على حساب الذين تقدموا، وقد جاءوا بأمر من الشارع، كما أنه في الزكاة لا يراعي مصالح الفقراء على حساب الأغنياء، ولذا جاء في نصوص كثيرة مراعاة أحوال الأغنياء، ((وإياك وكرائم أموالهم)) فالجمعة لا تؤخر عن وقتها، بل تصلى في أول وقتها؛ ليعان أولئك الذين امتثلوا وجاءوا مبادرين مبكرين إلى الجمعة، ولا يؤخرون من أجل الذين تأخروا وخالفوا هذا الأمر، وهذا الحث على التبكير.
نقف على هذا؟(30/23)
جامع الترمذي - كتاب الصلاة (4)
شرح: باب: ما جاء في تعجيل العصر، وباب: ما جاء في تأخير صلاة العصر، وباب: ما جاء في وقت المغرب.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هو السؤال عن المسعى الجديد هل يصح السعي فيه أم لا؟
لا شك أنه أفتى من أفتى بجواز وصحة السعي فيه، وفيهم من تبرأ الذمة بتقليده، فمن اعتمر وسعى في هذا المسعى مقلداً لمن تبرأ الذمة بتقليده مثل الشيخ ابن جبرين، لا سيما إذا كان من عامة الناس الذي ليست لديه أهلية النظر فمثل هذا تصح عمرته؛ لأنه قلد من تبرأ الذمة بتقليده، ومن توقف لتوقف أكثر الكبار في هذا المسعى فلا شك أنه على الجادة، لكن يبقى أن من اعتمر من عامة الناس مقلداً للشيخ ابن جبرين ومن أفتى بالجواز، والشيخ تبرأ الذمة بتقليده، عمرته صحيحة، ولا يلزمه شيء، لا دم ولا غيره.
وأما بالنسبة لرأي المطلوب في هذا السؤال وفي غيره من الأسئلة حقيقة السعي لا يصح إلا بين الصفا والمروة، والبينية لا بد من تحققها، ولا يعرف تحقق هذه البينية إلا من أدرك الجبلين قبل التصرف فيهما، أما من لم يدرك الجبلين قبل التصرف فيهما فهذا ليس له أن يتكلم في هذا الباب؛ لأن أقوال المؤرخين مختلفة ومضطربة، والبحوث التي قدمت في هذا الباب أيضاً فيها اضطراب كبير، لا يتسنى معه القطع والجزم بأن هذا طول الصفا أو هذا طول المروة، فالذي أدرك والشيخ ابن جبرين -حفظه الله- يقول: أنا حججت سنة تسع وستين يعني قبل التصرف بسنين وكان المسعى أوسع من هذا، لكنه في الجملة كلام غير محدد، كونه مجرد أوسع، أوسع من أي جهة؟ أوسع من جهة المسجد أو من الجهة الأخرى؟ الله أعلم.
المقصود أن مثل هذا الذي لم يدرك الجبلين قبل التصرف فيهما لا يسعه في هذا الباب إلا السكوت حتى يجزم بذلك من أدرك، والمسألة يعني منتظرة من قبل الكبار، كبار العلم والسن أنهم يتفقون على شيء معين، ثم يفتى به، وأما بالنسبة لي الآن فأنا متوقف.
يقول: اطلعت أمس على تحقيق لكتاب التلخيص للنووي، والخلاصة لنظر الفريابي ذكر في مقدمته أنه أخرج فتح الباري لابن حجر في تسعة عشر مجلداً ما مستوى تحقيقه لكلا الكتابين؟(31/1)
أما كتاب التلخيص هذا لم أطلع عليه، وأما بالنسبة لفتح الباري فهو موجود ومعروف، وتحقيقه في الجملة من أفضل الموجود، لا يقال: إنه بلغ الغاية، لا، الكتاب ما زال بحاجة إلى مزيد من التحقيق، ما زال بحاجة إلى مزيد من التحقيق فهو صحح بعض الكلمات التي وجدت في الطبعات السابقة، لكنه لم يقف ولم يعتمد مخطوطات، ووقع في أشياء، لكن من ميزة هذه الطبعة أن فيه أكثر من مائة وخمسين مسألة عقدية دونت وعرضت على الشيخ عبد الرحمن البراك -حفظه الله- فعلق عليها، إضافة على تعليقات الشيخ ابن باز، ولا يقال: إن الشيخ عبد الرحمن البراك قرئ عليه الكتاب كاملاً وعلق عليه، هذا الكلام ليس بصحيح، لا، انتقي مسائل فقرئت عليه فعلق عليها، وتعليقاته نافعة.
يقول: إذا كان من شروط البيع العلم بالثمن والمبيع -الثمن والمثمن- فماذا عن حكم ما يسمى بالبوفية المفتوح حيث يدفع الشخص مائة ريال، ويقال: كل حتى تشبع؟
هذا فيه غرر وجهالة، فمن الناس من يأكل بعشرة، ومن الناس من يأكل بثلاثمائة.
يقول: بالنسبة لحديث: ((فإن شدة الحر من فيح جهنم)) ألا يقال: إنه عام حتى للنساء في البيوت من أجل أن العلة هي أن فيه أثر من جهنم في هذا الوقت كما يقال، فالنهي عن الصلاة قبل الزوال من أجل أن جهنم تسجر في هذا الوقت فيكون الإبراد ليس للمشقة وإنما من أجل أثر هذا الحر الذي هو من فيح جهنم؟
على كل حال العلة معقولة وهي شدة الحر: ((إذا اشتد الحر فأبردوا)) فالمرأة وهي بيتها لا يضيرها، لا حر عليها، سواءً كان في أول الوقت أو آخره، والإبراد المراد به أن يكون للجدران ظل يستظل به الخارج إلى الصلاة، والمرأة في بيتها في كن وظل.
يقول: إذا كانت صلاة الجنازة على أكثر من شخص ومعهم أطفال هل ندعو للكبار بالدعاء المعروف: ((اللهم اغفر لهم وارحمهم)) .. إلى آخره، ثم ندعو للأطفال لوحدهم أم نكتفي بدعاء واحد؟
لا، تأتي بالدعاء للكبار ثم تثني بالذكر الوارد والدعاء للصغار.(31/2)
يقول: ما حكم بناء مسجد على عمارة وقف بحيث أن هذه العمارة وقف لصالح مؤسسة خيرية، وهذه المؤسسة تتبنى بناء المساجد ووضع المسجد عليها وصارت العمارة سكن لصالح المسجد، يعني تؤجر لصالح المسجد؟ وهل يصدق على المتبرع أنه بنى مسجد؟
نعم يصدق عليه أنه بنى مسجد، لا سيما إذا كان المسجد له معالمه، له محرابه ومنارته، وله أموره الرسمية بحيث سجل في الأوقاف، ورتب له إمام ومؤذن، مع أن له منارة ومحراب هذا يسمى مسجد، ولا يجوز بيعه بحال حينئذٍ.
يقول: ظهر أن الخطأ مني في نقلي عن الأوجز -يعني أوجز المسالك- وعبارته هكذا: "وفي الخميس أورد الكرماني في مناسكه" ولم أتنبه لقوله: "في مناسكه" وهذا من العجلة؟
نعم ذكرنا بالأمس أن الخميس اسمه تاريخ الخميس من أحوال أنفس نفيس، هذه سيرة نبوية مطبوعة في مجلدين، وينقل عنه، وينقل أيضاً، يقول: أورد الكرماني في مناسكه، مناسك الكرماني غير الكرماني الشارح، والمناسك مطبوعة محققة.
يقول: هل يعمل بحديث الإبراد في زماننا هذا؟ وهل ترك العمل به ترك للسنة؟ وهل إذا حصل فتنة بترك الإبراد ... ؟
في زماننا لا شك أن الأمور رتبت ونظمت، وصار الاختلاف فيها والتقديم والتأخير وإن كان تبعاً للنصوص لا شك أنه يؤثر على كثير من الناس في أمور دنياهم، ومع ذلك المسألة شرعت لدفع المشقة، فإذا وجدت هذه المشقة فتدفع.
يقول: هل في لبس الأولاد للبدلات بنطلون وفنيلة بأس؟ وهل هو تشبه بحجة أنهم يوسخون ثيابهم كثيراً؟
لا، هذا هو التشبه بعينه.
يقول: يشير بعض العلماء إلى أن الحديث إذا كان أصلاً في بابه ولم يخرجه البخاري ومسلم فإن فيه علة، فهل هذا صحيح؟
هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن البخاري ومسلماً لم يعما جميع الصحيح، ولم يستوعباه، بل يوجد من الأحاديث الصحيحة الأصول في كتب السنة غير الصحيحين الشيء الكثير، لكن قال بعضهم: إنه لم يفتهما إلا الشيء اليسير؛ لم يفت الصحيحين إلا الشيء اليسير، وهو قول أبي عبد الله بن الأخرم، وقال النووي: إنه لم يفت الخمسة إلا القليل.
ولم يعماه ولكن قلما ... عند ابن الأخرم منه قد فاتهما
ورد لكن قال يحيى البرُ ... لم يفت الخمسة إلا النزرُ(31/3)
"وفيه ما فيه" أيضاً، يعني حتى قول النووي فيه ما فيه كناية عن ضعفه.
وفيه ما فيه لقول الجعفي: ... أحفظ منه عشر ألف ألفِ
يعني من الصحيح أحفظ مائة ألف، البخاري -رحمه الله-.
يقول: حديث أبي ذر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بلالاً بالإبراد في السفر، فكيف تكون العلة عدم المشقة على الناس في مجيئهم وإيابهم؟ ولكن الذي يظهر -والله أعلم- أن العلة ظاهرة، وهي أنه حين يتأخرون تقل حرارة الشمس، والأرض لم تخزن الحرارة كثيراً.
نقول: لو قيل هذا في وقت الزوال الأرض لم تخزن الحرارة كثيراً كان أقرب من أن تكون في أثناء وقت صلاة الظهر لم تخزن الأرض، الأرض خزنت، الأرض تشبعت بالحرارة حرارة الشمس.
يقول: ما الحكم فيمن خرج عليه وقت الصلاة مسافراً هل يقضيها قصراً أو إتماماً؟
إذا لم يصلها في السفر يعني أدركته في السفر وأراد قضاءها في الحضر أو العكس فإنه يقضيها تامة، هذا قول جمهور أهل العلم.
يقول النووي -رحمه الله-: عبد الله بن مالك بنُ بحينة، عبد الله بنُ مالك بنُ بحينة، ولو قرئ بإضافة مالك إلى ابن لفسد المعنى؟
صحيح.
واقتضى أن يكون مالك ابناً لبحينة وهذا غلط؛ لأنها أمه، هو إنما هو زوجها، نعم مالك هي أم عبد الله، وهي زوجة مالك، كما يقال: عبد الله بنُ أبي بنُ سلول مثله، لكن لو كان الثالث أباً للثاني لتعين الجر.
هل هذا سهو من النووي -رحمه الله-؟ وأن يقصد أنه لا يكون ابن وصفاً لمالك لأنه لا يمكن أن يضاف الاسم إلى ابن؟
يقول: ولو قرئ بإضافة مالك إلى ابن.
لا، الأصل أن ابن إذا وقعت بين علمين فيصح أن تعرب وصف، نعت، ويصح أن تعرب بدل، ويصح أن تعرب عطف بيان، وهي حينئذٍ تكون تابعة لما قبلها.
كيف يتم التمييز في الإسناد إذا جاء اسم سفيان؟ هل هو ابن عيينة أو الثوري؟(31/4)
معلوم أن الثوري متقدم على ابن عيينة، وقد اشتركا في بعض الشيوخ وبعض التلاميذ، اشتركا لكن إذا كان بين سفيان وأصحاب الكتب الستة واحد فقط فالذي يغلب على الظن أنه ابن عيينة، وإذا كان بينهما اثنين فالذي يغلب على الظن أنه الثوري، وهي قاعدة ذكرها الذهبي -رحمه الله تعالى-، في آخر الجزء السابع من سير أعلام النبلاء يمكن التمييز بين السفيانين في الأسانيد كما أنه يمكن التمييز أيضاً بين الحمادين بواسطة هذه القاعدة.
يقول: ما فائدة الخلاف فيما إذا أدرك المصلي ركعة من الوقت قبل خروج الوقت ثم خرج هل هي قضاء أم أداء؟ ما فائدة الخلاف في ذلك مأجورين؟ هل هي قضاء أو أداء؟
إذا قلنا: إنها أداء قلنا: إنه صلى الصلاة في وقتها، وإذا قلنا: صلاها قضاء، قلنا: إنه صلاها بعد خروج وقتها، ومعروف أنه إذا صلاها في وقتها لم يأثم، إذا كانت صلاته أداء في الوقت فإنه لا يأثم بذلك، وإذا صلاها بعد أن خرج وقتها فإثمه عظيم، لا سيما إذا كان متعمداً لذلك، وإذا أدرك ركعة من الوقت قبل خروجه فقد أدرك الوقت، كما جاء في: ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) نعم أدركها على خلاف بين أهل العلم في الإدراك هل تكون كلها أداء أو يكون ما أدركه في الوقت أداء وما أدركه بعد الوقت قضاء؟ لكن قوله: ((فقد أدرك الصبح)) يدل على أنها كلها أداء، وأن الوقت يدرك بإدراك الركعة، وأكثر العلماء على أنه يدرك بإدراك أدنى جزء بدليل من أدرك سجدة كما في بعض الروايات.
يقول: ما هو الأصل في التعامل بين العامل ورب العمل؟(31/5)
الأصل فيه ما يتفقان عليه ويشترطانه بينهما من الشروط الجائزة، والمسلمون على شروطهم إلا ما استثني، فإذا وجد بينهما عقد فيه الشروط بينهما لزم العمل به من الطرفين، إلا شرط ليس في كتاب الله، من الشروط التي تحل الحرام أو تحرم الحلال، أما إذا كانت الشروط جائزة فلا بد من العمل فيها، إلا إذا ظهر أنه لا يمكن تحقيقها، فيتفق على شيء يمكن تحقيقه، ويكون بالنظر إلى هذه الشروط مع الأجرة؛ لأنه قد يشترط صاحب العمل على العامل شروط بأجرة مرتفعة، ثم يتبين أن هذا العامل لا يستطيع تحقيق هذه الشروط فيتفقان على التجاوز عن بعض هذه الشروط مع التجاوز عن بعض الأجرة.
وهل يجوز لرب العمل أن يقول: إنني أبني تعاملي على الشك لا على حسن الظن، دون أن يضع الضوابط اللازمة لحفظ الأموال؟
هذا لا يجوز أن يبني أمره على الشك، لا سيما إذا كان العامل مسلماً، فيبنى التعامل معه على حسن الظن، لكن يبقى أنه إذا بدر منه شيء يخالف ما يقتضي حسن الظن فعلى رب العمل وصاحب العمل أن يحتاط لعمله.
يقول: حضرت زواج لأحد أقاربي الأسبوع الماضي وبعد العشاء أحضروا آلات الطار لأداء ما يسمى بالسامري، وقد أنكرت ذلك عليهم فقال لي أحد طلبة العلم: إن المسألة فيها خلاف قوي ولا وجه لإنكاري وتحريمي ذلك عليهم؟
لا إنكارك عليهم هو الأصل، إنكارك عليهم هو الأصل، ويتجاوز في مثل هذه المناسبات عن استعمال الدف في مثل الأعراس والأعياد، لكن بقدر ما يحقق هذا الأمر من دون توسع، ومن دون استرسال فيه؛ لأن الأصل في المسلم أنه جاد في جميع أموره.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، الأصل أنه للنساء.
يقول: لو صلى مسافر العشاء خلف مقيم أو مسافر يصلي المغرب كيف يصنع هل يتم العشاء أم يقصرها؟
لا بد من إتمامها إذا أتم بمقيم لزمه الإتمام، وكذلك لو صلى خلف من يصلي المغرب لزمه الإتمام.
يقول: ما حكم مسألة التورق؟(31/6)
مسألة التورق هي: أن يحتاج الإنسان إلى مبلغ من المال ولا يجد من يقرضه ولا من يتعامل معه بمعاملة مجمع عليها كالسلم مثلاً، فإذا احتاج إلى ذلك فلم يجد من يقرضه ولم يجد من يتعامل معه بسلم ونحوه من المعاملات المجمع عليها لا مانع حينئذٍ من مسألة التورق، لكن لا بد من مراعاة جميع ما تتطلبه العقود الصحيحة، بأن يكون البائع الأصلي مالك للسلعة ملكاً تاماً مستقراً، يملك السلعة، ثم يأتي هذا المحتاج إلى هذا المالك فيقول له: أنا أريد هذه السيارة، وقد تكون السيارة غير مملوكة للمالك، لكن لا يبرم معه أدنى عقد، لا مانع أن يعده لكن يبرم معه عقد قبل أن يملك السلعة؟ لا، يكون حينئذٍ باع ما ليس عنده، ولا يجوز ذلك، يملك السلعة ملك تام مستقر، ثم يبيعها على هذا المحتاج بثمن أكثر من قيمتها الحالّة إلى أجل، إلى أجل معلوم، ثم يقبضها ويحوزها المشتري الثاني ثم يبيعها على طرف ثالث، وعامة أهل العلم على جوازها، جماهير أهل العلم على الجواز، عمر بن عبد العزيز وقبله ابن عباس وبعده شيخ الإسلام ابن تيمية يقولون بمنعها وتحريمها، وأنها إضافة إلى أنها صورة من صور الربا أنها تحايل عليه، لكن عامة أهل العلم بما فيهم الأئمة الأربعة وأتباعهم كلهم على جوازها، ولا يوجد حل لكثير من احتياجات الناس إلا بها، لكن ينتبه الإنسان إلى أنه لا يحق له أن يأخذ أموال الناس تكثراً، وإنما تكون بقدر الحاجة مع نية الأداء.
ما صحت حديث: التهليل عشراً في الفجر والمغرب؟
نعم هو حديث ثابت، يقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير" عشر مرات بعد صلاة الفجر وبعد صلاة المغرب.
وهل تكون قبل التسبيح أو بعده؟
الظاهر أنها قبل التسبيح؛ لأنه جاء في بعض روايات الحديث أنه وهو ثانٍ رجليه، يعني قبل أن يتحرك مما يدل على المبادرة بها.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف -رحمنا الله وإياه تعالى-:
باب: ما جاء في تعجيل العصر:(31/7)
حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء من حجرتها".
وفي الباب عن أنس وأبي أروى وجابر ورافع بن خديج -رضي الله عنهم-، ويروى عن رافع أيضاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تأخير العصر ولا يصح.
حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو الذي اختاره بعض أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، منهم عمر وعبد الله بن مسعود وعائشة وأنس، وغير واحد من التابعين: تعجيل صلاة العصر وكرهوا تأخيرها، وبه يقول عبد الله ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.
قال -رحمه الله-: حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن: أنه دخل على أنس بن مالك -رضي الله عنه- في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر، وداره بجنب المسجد فقال: "قوموا فصلوا العصر" قال: فقمنا فصلينا، فلما انصرفنا قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً)) هذا حديث حسن صحيح.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،
أما بعد:
فيقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في تعجيل العصر" أي في تعجيل صلاة العصر بعد التحقق من دخول وقتها بمصير ظل الشيء مثله.
قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة" وهو ابن سعيد "قال: حدثنا الليث" وهو ابن سعد "عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة" ابن شهاب محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن خالته عائشة أم المؤمنين "أنها قالت: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء من حجرتها".(31/8)
"والشمس في حجرتها" والشمس الواو هذه حالية، والشمس يعني نورها وضوؤها في حجرتها يعني في داخل حجرتها، لم يظهر الفيء من حجرتها، وكانت حجرتها ضيقة، وجدارها أقل من مساحتها بشيء يسير، جدارها أقل من مساحتها، لأنه لو كان أكثر من مساحتها وقلنا: إن الوقت يدخل حين مصير ظل كل شيء مثله، قلنا: إنه غطى الشمس كاملة، لو قلنا: إن الجدار بمساحة الأرض لكنه أقل منها، فالمستفاد من هذا الحديث تعجيل صلاة العصر في أول وقتها.
"في حجرتها" المراد به في جدارها الشرقي، "لم يظهر" يعني لم يرتفع، لم يرتفع من الظهور وهو العلو، ومنه قوله -جل وعلا-: {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [(33) سورة الزخرف] يعني يرتفعون، فدل هذا على أن الشمس ما زالت في الحجرة، والحجرة صغيرة، ففيه دليل على أن الصلاة تعجل في أول وقتها، وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن أنس" يعني في باب تعجيل صلاة العصر عن أنس، وهو في الصحيحين أيضاً "وأبي أروى" عند البزار "وجابر" بن عبد الله في الصحيحين "ورافع بن خديج" أيضاً عند البخاري ومسلم.
قال الترمذي: "ويروى عن رافع أيضاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تأخير العصر ولا يصح".
"ويروى عن رافع" يعني ابن خديج "أيضاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تأخير العصر ولا يصح" وهو مخرج عند البخاري في تاريخه الكبير والدارقطني والبيهقي في سننهما، وكلهم نصوا على ضعفه، البخاري والبيهقي والدارقطني، كلهم أخرجوه وضعفوه.(31/9)
"قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن صحيح" وعرفنا أنه في الصحيحين وغيرهما "وهو الذي اختاره بعض أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم عمر" يعني التنصيص على بعض الصحابة هل يعني أن من عداهم من الصحابة يرون عكس هذا القول ونقيض هذا القول؟ يعني حينما ينص على عمر -رضي الله عنه- أنه يرى التعجيل فهل معنى هذا أن أبا بكر يرى التأخير؟ عثمان يرى التأخير؟ علي يرى التأخير؟ لا، إنما يذكر من تيسر له ذكره، يذكر من تيسر له ذكره، ولا يعني .. ، إلا إذا نص عليهم قال: وفلان وفلان وفلان يرون التأخير، إنما لا يقال من مفهومه كلامه: أن أبا بكر يرى التأخير، أن عثمان يرى التأخير، أن علياً يرى التأخير، هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأنهم لم يلتزموا بالاستيعاب، لم يلتزموا باستيعاب الأقوال، بل يقتصر على البعض لا سيما من وجد منه نص قولي في المسألة، أو عرف عنه في مسألة اشتهرت أنه عجل أو أخر.
"منهم عمر وعبد الله بن مسعود وعائشة وأنس، وغير واحد من التابعين تعجيل صلاة العصر، وكرهوا تأخيرها، وبه يقول عبد الله ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق" والليث والأوزاعي، وهو الحق الذي دلت عليه النصوص الصحيحة الصريحة من فعله -عليه الصلاة والسلام-.
الحنفية يرون تأخير العصر ويرون أن وقتها لا يبدأ إلا من مصير ظل الشيء مثليه، وسبق ذكر قولهم ودليلهم، وأنهم استدلوا بحديث القيراط ((إنما مثلكم ومثل من قبلكم كمثل من استأجر أجيراً نصف النهار بقيراط، ثم استأجر أجيراً إلى وقت العصر بقيراط، ثم استأجر أجيراً إلى غروب الشمس بقيراطين، فاحتج أهل الكتاب فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً)) فسبق بيانه والاستدلال منه للحنفية، مع أنهم تركوا الأحاديث الصحيحة الصريحة التي دلالتها أصلية في هذا الباب سيقت لبيان المواقيت، وهذا ضرب مثل، ومعلوم أن الأمثال لا يلزم فيها المطابقة من كل وجه.(31/10)
وأيضاً وقت الظهر أطول من وقت العصر في كل زمان ومكان حتى على القول بأنه ينتهي بمصير ظل كل شيء مثله كما سبق تقريره، ذكرنا في درس مضى بالنسبة لوقتنا هذا مثلاً وفي بلدنا هذا، يؤذن للظهر في الثانية عشرة وعشر دقائق، ويؤذن للعصر في الرابعة إلا ثلث، الثالثة وأربعين دقيقة، وبينهما ثلاث ساعات ونصف بينما بين أذان العصر وأذان المغرب ثلاث ساعات فقط أو ثلاث وخمس، ثلاث وأربع دقائق اليوم، أو ثلاث، فالظهر أطول حتى على القول بأن وقت الظهر ينتهي بمصير ظل كل شيء مثله.
محمد بن الحسن في موطئه ينتصر لإمامه أبي حنيفة، ويقول: العصر سميت عصراً لأنها تعتصر ويضيق عليها، هل تعتصر بالكيفية؟ في الكيفية تعتصر؟ يعني بدلاً من أن تصلى الظهر بعشر دقائق تصلى بثلاث دقائق العصر تعتصر أو أربع دقائق؟ لا، ليس هذا المراد، في الكمية بدلاً من أن تصلى أربع تصلى ثلاث؟ لا، لم يبق إلا اعتصار وقتها، هذا كلام محمد بن الحسن في موطئه، ويرون أن وقتها من مصير ظل كل شيء مثليه إلى أن تصفر الشمس فوقتها ضيق جداً.
صاحب الهداية من الحنفية وهو المرغيناني يعلل تفضيل التأخير بتكثير النوافل، لماذا؟ لأن النوافل تنقطع بصلاة العصر، فيقول: لماذا نقطع النوافل بصلاة العصر نؤخر صلاة العصر؟ ولا نزال نصلي نوافل ونكثر من النوافل وحينئذٍ يكون تأخير صلاة العصر أفضل، ومثل هذا الكلام تعارض به النصوص؟ الكلام لا شك أنه من حيث هو صحيح النوافل تنتهي بصلاة العصر، لا صلاة بعد العصر؛ لأن ما بعد أداء صلاة العصر وقت نهي، يقول: بدلاً من أن نصلي بعد مصير ظل كل شيء مثله مباشرة نصلي العصر نصلي بعد مصير ظل كل شيء مثليه، ونستغل هذه الساعة بنوافل، لكن هذا التعليل عليل بالنسبة لما يقابله ويعارضه من النصوص.
قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن أنه دخل على أنس بن مالك" أنس بن مالك في آخر عمره ابتلي بأمراء يؤخرون الصلوات، فكان -رضي الله عنه- يصلي الصلاة في أول وقتها ثم يصلي معهم لعدم الشقاق والنزاع، يصلي الصلاة في أول وقتها ثم يصلي معهم.(31/11)
"عن العلاء بن عبد الرحمن أنه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة حين انصرف -العلاء- من –صلاة- الظهر" يعني صلى الظهر مع هؤلاء الأمراء في آخر وقتها، انصرف من صلاة الظهر فدخل على أنس في بيته، ودار أنس بجنب المسجد بجوار المسجد، قال أنس: "قوموا فصلوا العصر" لماذا؟ لأنهم صلوا الظهر في آخر وقتها "قوموا فصلوا العصر" يعني في أول وقتها، قوموا فصلوا العصر "قال: فقمنا فصلينا، فلما انصرفنا قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تلك صلاة المنافق)) " أي العصر التي تؤخر حتى تصفر الشمس أو تكاد أن تغرب ((تلك صلاة المنافق)) التي أخرت إلى آخر وقتها، وفي هذا تصريح بذم تأخير صلاة العصر، تصريح بذم تأخير صلاة العصر؛ لأنه قال: " ((صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس)) " ينتظرها، وهذه جملة استئنافية فيها بيان للجملة السابقة " ((يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان)) " قربت من الغروب؛ لأن الشمس تطلع وتغرب بين قرني شيطان، ولذا نهي عن الصلاة في هذين الوقتين، وكذلك إذا قام قائم الظهيرة.
((حين كانت بين قرني الشيطان)) لأن الشيطان إذا قربت الشمس من الطلوع أو الغروب قارنها؛ لأن من الناس -من المشركين من الكفار- من يسجد للشمس، فإذا قارنها اكتفى بأن يرى هذا السجود وكأنه له، ولا شك أن سجودهم للشمس طاعة للشيطان، فسواءً سجدوا للشمس أو سجدوا له هي في النهاية طاعة له.
تطلع بين قرني شيطان، وتغرب بين قرني شيطان، إذا كان الإنسان جالس ينتظر ارتفاع الشمس فمرت به آية سجدة، حال بزوغ الشمس الذي هو أشد وقت النهي، أو يقرأ القرآن وهو ينتظر المغرب فمرت به آية سجدة حال غروب الشمس وهي تغرب بين قرني شيطان فهل يسجد أو لا يسجد؟ تطلع بين قرني شيطان، وتغرب بين قرني شيطان، والمشابهة مطابقة بين هذه السجدة المفردة التي هي في الأصل للتلاوة وبين سجود عبدت الشمس لها، فهل يسجد القارئ أو لا يسجد؟(31/12)
عندنا أحاديث النهي: ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)) "وثلاث ساعات كان رسول الله ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب".
الكلام في ذوات الأسباب والتطوع المطلق هذا مضى الكلام فيه مراراً، والذي رجحناه فيما سبق أن الوقتين الموسعين لا مانع من فعل ذوات الأسباب فيها، لكن الأوقات الثلاثة المضيقة لا يفعل فيها شيء من التطوعات ولو كان ذا سبب.
نأتي إلى هذه السجدة المفردة التي توافق وتطابق سجود من يسجد للشمس حينما تطلع بين قرني شيطان، وقت طلوعها وغروبها، هل يسجد أو لا يسجد؟ المشابهة تامة، والنهي إنما هو عن الصلاة "ثلاث ساعات كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي، والسجدة المفردة عند كثير من أهل العلم ليست بصلاة، وابن عمر يسجدها على غير طهارة، فهل نقول: النهي عن الصلاة وهذه ليست بصلاة؟ أو نقول: إذا كان النهي عن الصلاة المشتملة على السجود لعدم المشابهة فالنهي عن السجدة المفردة التي تكون فيها المشابهة تامة من باب أولى؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يسجد وإلا ما يسجد؟ الخلاصة؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(31/13)
اعتبرنا أنه ما هو بصلاة، لكن النهي عن الصلاة لماذا؟ لئلا نشابه الكفار وهم يسجدون، يعني النهي عن عموم الصلاة لوجود السجود فيها، صلى لكن في الأوقات الثلاثة نعم باعتبارها صلاة، الكلام لأهل العلم "وأن نقبر فيهن موتانا" هل يشمل الصلاة أو خاص بالدفن؟ المعروف عند الجمهور أنه على الصلاة، لكن يبقى أن المطابقة إنما تتم بالسجود، والسبب سبب النهي إنما هو السجود، ودخول السبب في الحكم قطعي، دخول السبب في النص المشتمل على الحكم وهو المنع هنا قطعي عند أهل العلم، يعني إذا نهي عن الصلاة وأكثر أفعالها ما في مشابهة، قيام وركوع وجلوس ما في مشابهة، المشابهة في السجود، فهل ينهى عن السجود لتحقق المشابهة بالمطابقة أو نقول: في شرعنا السجدة ليست بصلاة وما دون الركعة لا يسمى صلاة والنهي إنما جاء عن الصلاة؟ ترى الملحظ دقيق في مثل هذه المسألة، يعني من باب التنظير: السعي بين العلمين، السعي الشديد بين العلمين في المسعى سببه امرأة، سعي امرأة، امرأة سعت سعياً شديداً في هذا المكان، والعلماء يقولون: إنه لا يشرع السعي للمرأة، فما دام السبب امرأة لماذا لا يشرع السعي للمرأة؟ في مشابهة بين المسألتين، لماذا لا يشرع للمرأة؟ لئلا تتكشف، والمحافظة على سترها أولى من المحافظة بالإتيان بمثل هذا السعي بين العلمين، وأيضاً السعي لهذه المرأة لم يكن على سبيل التعبد، وإنما هو رغبة أو رهبة، ولذا لو خافت امرأة على نفسها وجرت جرياً شديداً خافت من سبع، خافت من وحش من وحوش سواءً كان البهائم أو البشر فجرت سعت سعياً، تلام وإلا ما تلام؟ ما تلام، ولو ترتب على ذلك انكشاف شيء من بدنها، ما تلام، وهاجر حينما جرت وسعت في الوادي بين العلمين، وإن كان العلمين وضع للدلالة على هذا الوادي، ما سعت على سبيل التعبد، والمحافظة على الستر أولى من المحافظة على تطبيق هذه السنة، هذه مسألة، لكن مسألتنا نعود إليها، وهي هل يسجد الإنسان وقت الطلوع فيشبه أو يشابه الكفار في سجودهم للشمس ووقت الغروب فيشابههم؟ أو نقول: إنما نهينا عن الصلاة والسجود ليس بصلاة؟ من يعتبر السجود صلاة والمعروف عند الحنابلة أنه يشترط لها جميع ما يشترط للصلاة، وتفتتح بالتكبير،(31/14)
وتختتم بالتسليم، هذا أمر واضح ومفروغ منه، لا يسجد، لكن الذي يقول: ليست بصلاة، ولا يمكن أن يطلق على أقل من ركعة صلاة، هذا لا يمتنع عنده أن يسجد.
وأصل السجود سجود التلاوة سنة عند جمهور أهل العلم، فلو اتقاه الإنسان في هذا الوقت لكان أحوط له، لو لم يسجد في هذا الوقت لا سيما وقت بزوغ الشمس أو وقت غروبها لكان أحوط له، والسجود ليس بواجب ولا يأثم بتركه، وإن كان واجباً عند الحنفية، ويرجحه شيخ الإسلام، لكن جماهير أهل العلم على أنه سنة.
((حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً)) قام هذا الشخص الذي يرقب الشمس ويصلي صلاة المنافق يؤخرها إلى آخر وقتها، قام فنقر أربعاً، نقر أربعاً يعني كما ينقر الغراب والطائر الحب حينما يلتقطه من الأرض، إن نظرنا إلى الطائر وهو يلتقط الحب هل يتأخر في أخذ الحب من الأرض أم يأخذه بسرعة؟ بسرعة، ((فنقر أربعاً)) يعني ركعات ((لا يذكر الله فيها إلا قليلاً)) ويراد بذلك التخفيف -تخفيف السجود- بحيث لا يمكث إلا بقدر وضع الغراب منقاره فيما يريد التقاطه.
الإنسان إذا تأخر على شيء فعله بسرعة، يعني لو أن الإنسان أجل الوتر إلى قبيل طلوع الفجر، تجده يصلي ركعة أو ثلاث بسرعة لا يذكر الله فيها إلا قليلاً، ولا يدعو ولا يخشع، لماذا؟ لأنه أخرها إلى هذا الوقت الضيق، وهنا أخر الوقت صلاة العصر إلى هذا الوقت فنقرها، وبعض النقارين يحتج بحديث معاذ حينما طول، حينما قرأ البقرة وقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أفتان يا معاذ؟ أيكم أم الناس فليخفف)) يقول الشيخ سعد بن عتيق: وليس في هذا حجة للنقارين؛ لأن الذي قال: ((فليخفف)) أم الناس بالصافات، وقرأ في المغرب بالطور، وقرأ بقاف واقتربت، وقرأ بسور طوال وسور صغار، لكن مراعاة المأمومين وملاحظتهم أمر لا بد منه، فلا يطيل عليهم بما يشق عليهم.(31/15)
((لا يذكر الله فيها إلا قليلاً)) هذه صفة المنافقين -نسأل الله العافية- {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً} [(142) سورة النساء] وبعض المسلمين لا يقوم إلى الصلاة إلا وهو كسلان، إذا أيقظ لصلاة الصبح تجده يتثاقل ويتلوم ويتبرم ولا يقوم إلا على حد الإقامة أو بعد الإقامة، لا يقوم إلا وهو كسلان، هل نقول: إنه بهذا الوصف صار منافقاً؟ هو أشبه المنافقين، لكن ليس بمنافق، والفرق بينه وبين المنافق أن المنافق لولا رؤية من يراه ما صلى أصلاً، إنما يصلي من أجل الناس، وهذا المسلم يصلي ولو لم يره أحد، لكنه أشبه المنافقين بالتثاقل عنها.
((فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً)) والحديث عند مسلم وأبي داود والنسائي "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج في مسلم وغيره.
سم.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في تأخير صلاة العصر:
حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد تعجيلاً للظهر منكم، وأنتم أشد تعجيلاً للعصر منه".
وقد روي هذا الحديث عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة نحوه، ووجدت في كتابي أخبرني علي بن حجر عن إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج وحدثنا بشر بن معاذ البصري قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن ابن جريج بهذا الإسناد نحوه وهذا أصح.(31/16)
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في تأخير صلاة العصر" تأخير صلاة العصر لا يراد به التأخير الذي يراه الحنفية من اعتصار وقتها إلى آخره قبيل أن تصفر الشمس، ليس هذا هو المراد، وإنما يراد به عدم العجلة والمبادرة في صلاة العصر بعد دخول وقتها مباشرة؛ لأنه في الحديث الأول قد يفهم منه أنه بمجرد مصير ظل كل شيء مثله تقام الصلاة، يؤذن لها ثم تقام، لا، تؤخر قليلاً، تأخيراً نسبياً، والتقديم والتأخير أمور نسبية، فالتعجيل بحيث لا يتمكن المصلي من الوضوء، وصلاة أربع ركعات التي جاء الحث عليها، خلاف هديه -عليه الصلاة والسلام-، هذا التعجيل خلاف هديه -عليه الصلاة والسلام-، لكن التأخير إلى ما يراه الحنفية وغيرهم أيضاً هو خلاف هديه -عليه الصلاة والسلام-، إنما تؤخر بعد دخول وقتها تأخيراً يمكن من الاستعداد لها، وصلاة أربع ركعات، وقراءة شيء يسير من القرآن لمن تعجل، بحيث يلحق من تأخر شيئاً يسيراً، ولا يعد هذا تأخير، وإنما هو تأخير نسبي، وليس التأخير الذي يحتج به الحنفية.
قال -رحمه الله-: "باب: ما جاء في تأخير صلاة العصر".
قال: حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة أنها قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد تعجيلاً للظهر منكم" يعني يبادر بصلاة الظهر وأنتم تؤخرونها، "وأنتم أشد تعجيلاً للعصر منه" والتعجيل والتأخير المذكوران في الحديث لا يعني أنه تعجيل لا يمكن من فعل ما كان يفعله -عليه الصلاة والسلام- ويحث عليه من فعل الرواتب، والتأخير لا يعني أكثر من ذلك، إنما هو تعجيل وتأخير نسبي، أحياناً تجد بعض الأئمة يعجل صلاة بالنسبة لسائر الناس، ويؤخر أخرى بالنسبة لهم.(31/17)
دعونا من بعض الناس الذين يفعلون ذلك تبعاً لظروفهم وفراغهم وشغلهم؛ لأنه يوجد من الناس من يفعل هذا، إذا كان لديه ارتباط وإلا شيء عجل، وإن كان ارتباطه قبل الصلاة أخر، هذا لا عبرة به، لكن بعض الناس يكون عنده ديدن يعجل الظهر مثلاً ويؤخر العصر، لملاحظة بعض الأمور الطارئة التي قد تكون بالنسبة لبعض المصلين معه؛ لأن هناك حدث أمور، ولها أثر، فعند الناس ما كان عندهم دوام يلتزمون به، الناس عندهم دوام الآن، فبعض المسئولين يقول: نؤخر صلاة الظهر إلى قبيل نهاية وقت الدوام، لماذا؟ لأن إقامة الصلاة في أثناء الدوام تخل بالدوام، وما دمنا في الوقت ما المانع أن نؤخرها من أجل أن يجتمع الموظفون وكلهم يصلون ثم ينصرفون؟ وهذا يفعل في بعض المدارس، يؤخرون الصلاة إلى قرب نهاية الدراسة ثم بعد ذلك يصلون فينصرفون، وقد يعجلون العصر مثلاً لا سيما إذا كان الدوام في رمضان لئلا يشق عليهم أن يؤخروا الصلاة بعد وقت الدوام بكثير يصلون ثم ينصرفون إلى بيوتهم ليرتاحوا بعد الدوام.
هناك أمور لا شك أنها أثرت على أداء الصلوات تقديماً وتأخيراً، يعني في إطار الوقت الشرعي، وقد يكون وجد عند هؤلاء ما يقتضي شيئاً من ذلك، فهم يؤخرون الظهر أكثر مما كان يؤخرها النبي -عليه الصلاة والسلام- لأمور اقتضت ذلك، وإذا كانت هناك أعذار تبيح ترك الجماعة عند أهل العلم فلئن يباح تأخير الصلاة شيئاً يسيراً عن وقتها -تأخيراً نسبياً- يكون من باب أولى، نظراً للمصالح الراجحة، وأم سلمة تقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد تعجيلاً للظهر منكم، وأنتم أشد تعجيلاً للعصر منه" يعني أنهم يعجلون العصر، لا يؤخرونها، لكنهم يعجلونها أكثر من تعجيل النبي -عليه الصلاة والسلام- "وأنتم أشد تعجيلاً للعصر منه" بخلاف الظهر.
وقلنا: إن التعجيل والتقديم والتأخير أمور نسبية، ولا يراد بذلك التعجيل إما قبل وقتها أو في أول وقتها الذي لا يمكن معه المصلي من ما ندب إليه أو لا يتمكن من القيام بشروط الصلاة قبلها، هذا التعجيل ليس بمطلوب، وليس من هديه -عليه الصلاة والسلام- أنه يؤذن فيقيم، إلا ما كان في وقت الجمع بين الظهرين بعرفة، والعشاءين بمزدلفة.(31/18)
"قال أبو عيسى: وقد روي هذا الحديث عن إسماعيل بن علية عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة نحوه" عن ابن جريج يعني بدل عن أيوب، عن ابن جريج يعني بدلاً من أيوب، وكلاهما عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة، فهذه متابعة لابن جريج أو من ابن جريج لأيوب السختياني، وكلاهما ثقة.
قال: "ووجدت في كتابي: أخبرني علي بن حجر عن إسماعيل بن إبراهيم -هو ابن علية- عن ابن جريج وحدثنا بشر بن معاذ البصري قال: حدثنا إسماعيل بن علية -بشر بن معاذ متابع لعلي بن حجر- قال: حدثنا إسماعيل بن علية عن ابن جريج بهذا الإسناد نحوه وهذا أصح".
قوله: "وجدت في كتابي" ... إلى آخره، هذه زيادات من نسخة من النسخ يذكر فيها من تابع علي بن جعفر وبشر بن معاذ ومن تابع أيوب وابن جريج.
هذه لا توجد في أكثر النسخ، "وجدت في كتابي" هذا يسمى وجادة وإلا ما يسمى وجادة؟ وجدت في كتابي، الرواية بالوجادة من طرق التحمل المعروفة عند أهل العلم، وإن كان أكثرهم يحكم عليها بالانقطاع، ويقول: إن فيها شوب اتصال، وجدت في كتابي، هل بالضرورة أن يكون قد رواه مباشرة عن شيخه هذا؟ ومن القائل: وجدت في كتابي؟ هل هو الترمذي أو الراوي عنه؟ الذي يظهر أنه في كتاب الراوي عن الترمذي، وجدت في كتابي عن المؤلف -رحمه الله تعالى-، قال: أخبرنا علي بن حجر، فهذه وجادة، فهل رواها عن الترمذي بطريق الإخبار كما في سائر الكتاب أو وجدها وجادة في كتابه من غير رواية بالتحديث أو الإخبار؟ وكثيراً ما يقول عبد الله بن أحمد: وجدت بخط أبي، وهذا موجود في المسند كثير.(31/19)
فالرواية بالوجادة معروفة عند أهل العلم لكنها المحكوم عليها عند أكثرهم بالانقطاع، قالوا: وفيها شوب اتصال، لكن لا بد أن يجد بخط شيخه الذي لا يشك فيه؛ لأنه قد يجد كلام في كتابه أُدخل بغير خط الشيخ، وحينئذٍ لا يجوز له أن يرويه عنه، يعني التعاليق، التعليقات على الكتب من هذا النوع، تجد كتاب عليه تعليق، اشتريته مستعمل وجدت عليه تعليقات بخط شخص لا تشك في خطه تقول: وجدت بخط فلان، وإذا كنت لا تعرف الخط تقول: وجدت بخط أو وجدت على هامش كتاب كذا خط نسبة قول إلى قائل مثلاً، وجدت معلقاً عليه اختار شيخ الإسلام ابن تيمية كذا، هل تنسب هذا القول لشيخ الإسلام أو تذكر أنه وجادة؟ وجدته على حاشية كتاب الترمذي منسوب إلى شيخ الإسلام، فمثل هذا لا يجزم بنسبته حتى تجزم بخط الكاتب وأنه ثقة إذا نسب لا ينسب إلا عن تيقن، أما إذا شككت في الخط فلا تنسب.
وعلى كل حال التثبت في مثل هذا لا سيما فيما يشك فيه مطلوب، أما إذا كان معروف مشهور عن شيخ الإسلام أنه يقول مثل هذا الكلام هذا لا ما يحتاج تطلب له تأكد ولا سند، فما يوجد بحواشي الكتب هل تنسب إلى من نسبت إليه، مثلاً وجدت الترمذي قرئ على الشيخ فلان، وعليه تعليقات، هل تجزم أن هذه التعليقات من الشيخ فلان أو قد تكون اجتهادات من صاحب النسخة؟ منها ما هو اجتهاد؛ لأن بعض الطلاب يجتهد ويراجع الشروح وينقل من الشروح ويعلق، فلا تجزم بنسبة هذا الكلام إلى الشيخ وإن قلت: وجدت بحاشية كتاب الترمذي أو جامع الترمذي المقروء من قبل فلان ابن فلان على فلان، تبين الواقع كما هو؛ لأن من بركة العلم إضافة القول إلى قائله، لكن أسوأ من هذا بكثير أسوأ من ترك الإضافة أن يضاف القول خطأ إلى غير قائله.(31/20)
"وجدت في كتابي قال: أخبرني علي بن حجر" يقول الشيخ أحمد شاكر: هذه الزيادات من أول قوله: "ووجدت في كتابي" من نسخة (ع) وهي زيادات جيدة زاد لنا بها إسنادان لهذا الحديث، زاد بها إسنادان لهذا الحديث، وأراد الترمذي -لأنه قال في الأخير: وهذا أصح- وأراد الترمذي بكل هذا أن إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية روي عنه هذا الحديث من طريقين، أحدهما: عن ابن جريج والآخر عن أيوب، ورجح الترمذي أن الأصح أن ابن علية رواه عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة.
أيوب ثقة حافظ لا مغمز فيه ولا مطعن، وابن جريج كذلك ثقة، لكن ما الذي جعل الترمذي يرجح رواية ابن جريج على رواية أيوب؟ وهل نحن بحاجة إلى هذا الترجيح أو لسنا بحاجة؟ لأنه ما في اختلاف ولا تعارض؟ نعم اختلاف في إسناد، لكن ما في تعارض في المتن، ألا يمكن أن يروى الحديث من طريقين من طريق أيوب عن ابن مليكة ومن طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة؟ هذا مثل ما ذكرنا مراراً أن هذه وظيفة المتأخر، ليس عنده أكثر من هذا، لكن الأئمة قد يحكمون على حديث يرويه أيوب بأنه خطأ، وما تجد فيه مخالفة ولا معارضة، يقول: أخطأ فيه أيوب، وهو ثقة حافظ ثبت، ما في أدنى إشكال، والسبب ما أشرنا إليه في درس الأمس؛ لأن عندهم من القرائن ما يستدلون به على خطأ بعض الرواة، وضبط بعضهم، وإن كان الجميع ثقات، وليس عندنا من القرائن ما نستدل به على مثل ما فعلوا.
يقول الشيخ أحمد شاكر: "وهي زيادات جيدة زاد لنا بها إسنادان لهذا الحديث، وأراد الترمذي بكل هذا أن إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية روي عنه هذا الحديث من طريقين: أحدهما عن ابن جريج والآخر عن أيوب، ورجح الترمذي أن الأصح أن ابن علية رواه عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة".(31/21)
يقول: "وهذا الترجيح عندنا تحكم لا دليل عليه" إن أراد بالدليل الذي نفاه دليل ظاهر يدركه كل أحد فهذا الكلام صحيح، وإن أراد أن الدليل من القرائن الخفية التي تخفى على المتأخر ويدركها المتقدم فكلامه ليس بصحيح، يقول: وهذا الترجيح عندنا تحكم لا دليل عليه؛ لأن علي بن حجر رواه عن ابن علية على الوجهين كما ترى، وعلي بن حجر ثقة حافظ متقن، فلا نرميه بالوهم في روايته عن ابن علية في أيوب إلا لدليل صحيح قوي، ولم يوجد.
مثل ما قلنا: إذا أراد بالدليل الظاهر الذي يدركه كل أحد من متقدم ومتأخر نقول: كلامك صحيح، ما فيه شيء، وإن أراد بالدليل الخفي من القرائن التي لا يدركها إلا من عاش في عصر الرواية، أو ساوى ووازى من عاش في عصر الرواية بكثرة المروي والمحفوظ فنقول: هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن الإمام قد يقول هذا الكلام خطأ، طيب ليش خطأ؟ الله أعلم، ما يذكر لماذا صار خطأ، وهذا أكثر تعليل الأئمة الكبار بهذه الطريقة، ابن أبي حاتم يقول: سألت أبي وأبا زرعة عن كذا فقالا: خطأ، منكر، ويش الدليل؟ ما ذُكر، فمن تأخر عنهم قد لا يدرك بعض هذه الأمور.
قال: وأما رواية بشر بن معاذ وغيره للحديث عن ابن علية عن ابن جريج فإنما تكون تأييداً لرواية ابن حجر الثانية، وإثباتاً لأن ابن جريج حفظه عن ابن علية من الطريق الأخرى، يعني كونه جاء من طريقين، من طريق علي بن حجر وبشر بن معاذ كلاهما عن إسماعيل بن علية عن بن جريج لا يعني أن ما جاء عن علي بن حجر عن إسماعيل بن علية عن أيوب خطأ، هذا ما يريد أن يقرره الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله-.(31/22)
نعود إلى الخبر -خبر أم سلمة- هل خبر أم سلمة مرفوع أو موقوف؟ الخبر مرفوع وإلا موقوف؟ "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد تعجيلاً للظهر منكم، وأنتم أشد تعجيلاً للعصر منه" هي تضيف التعجيل والتأخير إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من فعله فهو مرفوع، تضيف التعجيل لصلاة الظهر والتأخير لصلاة العصر، وعرفنا المراد بالتعجيل والتأخير في مثل هذا تضيفه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مرفوع، قد يكون هذا من اجتهادها، نعم قد تهم في مثل هذا قد يوجد الخطأ في مثل هذا لا سيما إذا طال الزمان، وأم سلمة تأخرت كثيراً عن النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى عاصرت من يؤخر الصلاة شيئاً من التأخير، المقصود أن هذا حكمه الرفع؛ لأنها أضافته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو صحيح على كل حال.
سم.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في وقت المغرب:
حدثنا قتيبة قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب".
وفي الباب عن جابر وزيد بن خالد وأنس ورافع بن خديج وأبي أيوب وأم حبيبة وعباس بن عبد المطلب -رضي الله عنهم-، وحديث العباس قد روي موقوفاً عنه وهذا أصح، والصنابحي لم يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو صاحب أبي بكر -رضي الله عنه-.
حديث سلمة بن الأكوع حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم من التابعين اختاروا تعجيل صلاة المغرب، وكرهوا تأخيرها، حتى قال بعض أهل العلم: ليس لصلاة المغرب إلا وقت واحد، وذهبوا إلى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث صلى به جبريل وهو قول ابن المبارك والشافعي.(31/23)
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في وقت المغرب". . . . . . . . . حديث إمامة جبريل للنبي -عليه الصلاة والسلام- أنه صلى المغرب في أول وقتها حين غابت الشمس، حين وجبت الشمس، تقدم هذا في أحاديث، ثم صلى به في اليوم الثاني في الوقت نفسه، وقلنا: إن في هذا دليلاً لمذهب الشافعي الذي يرى أنه لا وقت لصلاة المغرب أكثر من هذا، من أن يستعد لها بالوضوء، وصلاة ثلاث ركعات، وبعد ذلك يأثم الإنسان إذا أخرها؛ لأنه خرج وقتها؛ لأنه صلاها في اليومين في وقت واحد، مما يدل على أنه ليس لها إلا وقت واحد، والجمهور على أن لها وقتين: أول وآخر كغيرها من الصلوات، وجاء البيان في حديث عبد الله بن عمرو وغيره، ووقت صلاة المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق.
قال: "حدثنا قتيبة -هو ابن سعيد- قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل -المدني ثقة- عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع" تقدم لنا أن الترمذي ليس فيه ولا حديث ثلاثي، وهذا الحديث رباعي فيعد من عواليه، من العوالي، وابن ماجه فيه أحاديث ثلاثية، حديث الترمذي هنا رباعي، ابن ماجه فيه أحاديث ثلاثية يسيرة، وأظن الترمذي فيه حديث أو حديثين نسيت الآن، أبو داود ليس فيه حديث إلا ما ذكر من الاختلاف في حديث أبي برزة في الحوض هل هو ثلاث أو رباعي؟ والصحيح أنه رباعي، القصة ثلاثية والحديث رباعي، هذه الأحاديث العوالي الثلاثيات في البخاري منها: اثنان وعشرون حديثاً، منها حديث الباب، في البخاري ثلاثي؛ لأنه يرويه من طريق المكي ابن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، وأكثر الثلاثيات في صحيح البخاري بهذا الإسناد، المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، وعدتها اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، في ابن ماجه أيضاً شيء يسير، والترمذي أظن فيه حديث أو حديثين نسيت، أبو داود ما فيه إلا حديث أبي برزة مختلف فيه، ومسلم ليس فيه ثلاثيات، عواليه رباعيات، وأما بالنسبة لمسند أحمد لتقدمه ففيه أكثر من ثلاثمائة حديث ثلاثي، المقصود أن الحديث الذي معنا من ثلاثيات البخاري، والمراد بها ما يكون إسناده بين المؤلف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في ثلاثة من الرواة فقط.(31/24)
قال: "عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي المغرب إذا غربت الشمس -يعني مباشرة- وتوارت بالحجاب"، توارت يعني غابت، اختفت بالحجاب الذي يغطيها عن الناظرين، وتوارت بالحجاب هو تفسير للجملة الأولى "إذا غربت الشمس".
"قال أبو عيسى: وفي الباب عن جابر بن عبد الله" وهو عند أحمد في المسند "والصنابحي" وهو عند الطبراني "وزيد بن خالد" عند الطبراني أيضاً "وأنس" بن مالك "ورافع بن خديج" في المتفق عليه "وأبي أيوب" عند أحمد وأبي داود "وأم حبيبة" يقول الشارح: ينظر من أخرجه "وعباس بن عبد المطلب" عند ابن ماجه "وابن عباس" أول حديث في المواقيت، مر بنا، وأيضاً عن أبي هريرة وقد تقدم في الحديث الثالث من أحاديث المواقيت.
يقول: "وحديث العباس" يعني الذي أشار إليه، وهو موجود عند ابن ماجه "قد روي موقوفاً عنه وهو أصح" يعني رفعه مرجوح، الأصح في حديثه أنه موقوف عليه.
"والصنابحي لم يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو صاحب أبي بكر -رضي الله عنه-".
فيكون حديثه مرسلاً، حديث العباس موقوف، وحديث الصنابحي مرسل.
"قال أبو عيسى: حديث سلمة بن الأكوع حديث حسن صحيح" وأخرجه الجماعة إلا النسائي.
قال الترمذي: "وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم من التابعين اختاروا تعجيل صلاة المغرب" لحديث الباب، ولحديث رافع بن خديج الذي أشار إليه في الصحيحين "كنا نصلي المغرب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فينصرف أحداً وإنه ليبصر مواقع نبله" متفق عليه.
إذا انصرفوا من الصلاة يبصرون مواقع النبل حينما ينتبلون بالسهام، فينظرون المكان الذي يقع فيه السهم، هذا دليل على تعجيل صلاة المغرب، ولحديث عقبة بن عامر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تزال أمتي بخير -أو على الفطرة- ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم)) رواه أحمد وأبو داود.(31/25)
قال: "وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم من التابعين اختاروا تعجيل صلاة المغرب، وكرهوا تأخيرها" يعني وإن كان الوقت يمتد إلى مغيب الشفق، لكنه يكره تأخيرها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- واظب على تعجيلها، وإن أجاز تأخيرها إلى مغيب الشفق، وكرهوا تأخيرها، "حتى قال بعض أهل العلم" وهو قول الشافعي على ما تقدم: "ليس لصلاة المغرب إلا وقت واحد" وهو أول الوقت "وذهبوا إلى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث صلى به جبريل" يعني في أول الوقت على ما تقدم في اليومين، "وهو قول ابن المبارك والشافعي" وقال الأكثرون: لها وقتان: أول الوقت غروب الشمس وآخره ذهاب الشفق الأحمر ....(31/26)
جامع الترمذي - كتاب الصلاة (5)
شرح: باب: ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة، وباب: ما جاء في تأخير صلاة العشاء الآخرة، وباب: ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها، وباب: ما جاء من الرخصة في السمر بعد العشاء.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: هل الحديث الوارد في رد السلام بالنسبة للمصلي بالإشارة باليد صحيح؟ وما كيفية ذلك عملياً؟
نعم الحديث صحيح. . . . . . . . .
يقول: من قال بالتوقف في صحة السعي بالمسعى الجديد. . . . . . . . .
. . . . . . . . . وإذا توقف ولم يتبين له حكم فلا يقدم على العبادة إلا ببينة لكن إن ترجح له. . . . . . . . .
هذا يقول: هل يجوز الاستمناء عن طريق يد الزوجة؟ هل هذا جائز؟
أجازه أهل العلم لأنه في إطار أزواجهم التي نص .. التي استثنيت {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [(30) سورة المعارج] هذا من زوجته.
يقول: من كان مسافراً فأدركته صلاة العصر وهو في مطار بلده هل يصليها قصراً أم يتمها؟
هو يتمها لأنه لم يتحقق فيه الوصف المؤثر وهو السفر؛ لأنه لم يسافر بعد، هو ما زال في بلده، ولا يبدأ السفر حتى تقلع به الطائرة، وإذا رجع إلى هذا المطار فإنه يقول: رجعنا إلى بلدنا.
امرأة وضعت مساحيق ومزينات على وجهها وأرادت أن تجمع بين المغرب والعشاء تامة بحجة أنها لا تستطيع أن تتوضأ؛ لأنها لو توضأت زالت هذه المساحيق فهل لها ذلك؟
ما كان مثل هذا السؤال يطرق في بلادنا قبل سنوات، لكن تغيرت البلاد ومن عليها، شخص يسأل قبيل أذان المغرب بخمس دقائق ويقال له: إن الشيخ في أذكار المساء انتظر يقول: لا، ضرورة، ضرورة ملحة، طيب ما دام ضرورة يخشى من موت ونحوه هات السؤال، فإذا به مثل هذا، يقول: زوجتي عندها مناسبة الليلة وتضع المكاييج والأسباغ ولا تستطيع أن تتوضأ لصلاة العشاء فهل لها أن تجمع؟ يعني رخصت الصلاة إلى هذا الحد، التي هي عمود الإسلام؟ والله المستعان.
لا يجوز لها بحال أن تجمع، مهما كلفها مثل هذا الأمر.(32/1)
ما معنى قول الترمذي -رحمه الله تعالى-: "هذا حديث حسن صحيح غريب" هل قوله في بعض الأحاديث أنه غريب فقط يعني أنه ضعيف؟
إذا قيل: إنه إذا قال: حسن فقط فالغالب فيه الضعف، فإذا اقتصر على الغرابة من باب أولى، لكن جمعه بين الصحة والحسن محل كلام طويل لأهل العلم بلغت فيه الأقوال إلى خمسة عشر قولاً، والأقوال المعروفة فيما ذكره ابن حجر في النخبة وشرحها ظاهرة وواضحة، لكن هناك إطلاقات من الترمذي لا بد من تخريجها وهذا كله يحتاجه من يقلد الترمذي في أحكامه، وأما من لا يقلد الترمذي بل لديه أهلية النظر في الأسانيد فإنه يحكم على حديث بما يليق به.
يقول: أبطأ علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث اختصام الملأ الأعلى حتى كدنا نتراءى قرن الشمس ألا يستدل بذلك على جواز تأخير الصلاة إلى هذا الوقت؟
يعني الوقت يمتد إلى طلوع الشمس، ووقت العصر إلى غروبها، والاصفرار لا يجوز انتظاره إلا لأمر ولحاجة ماسة؛ لأنه ينتهي بوقت الاختيار، وأما وقت الاضطرار فيمتد إلى غروب الشمس، وعلى هذا لو فعل الصلاة في هذا الوقت تكون أداءً، وإذا أخرت لمصلحة راجحة كما كان منه -عليه الصلاة والسلام- في إبطائه فلا مانع من ذلك، لكن لا يتخذ هذا عادة وديدن، إنما الحاجة تقدر بقدرها.
قراءة الزلزلة في الفجر مرتين من قال من أهل العلم: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نسي هل يقر على النسيان؟
لا، إذا نسي نبه، وينسى ليسن، وإذا نسي ليسن كان هذا النسيان وما ترتب عليه سنة.
هذا يقول: في كتاب الاختيارات للبعلي من أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية جمعها من كتبه يقول: أقوال نسبها لشيخ الإسلام غريبة، مثل قوله: أن شيخ الإسلام يقول بالدعاء والإنسان متجه تجاه القبر، قبر النبي -عليه الصلاة والسلام- وغيرها كثير؟(32/2)
نعلم أن البعلي التقط هذه الاختيارات من كتب شيخ الإسلام، ومنها ما ألفه في أول الأمر، ومنها ما ألفه في آخر الأمر، وشيخ الإسلام كتبه متفاوتة، منها ما يمثل رأيه الأخير الذي استقر عليه، ومنها ما يكون على طريقته القديمة في اتباعه لمذهب أحمد، قبل أن يخرج عن حيز التقليد إلى الاجتهاد، فلو نظرنا إلى شرح العمدة، شرح العمدة لشيخ الإسلام يختلف كثيراً عما قرره في فتاويه؛ لأن شرح العمدة ألفه متقدم، ففيه أقوال لا تنسب لشيخ الإسلام إلا بالتقييد، ما يقال: هذا رأي شيخ الإسلام؛ لأنه ألفه على طريقة المذهب.
يقول: في حديث عائشة أن الشمس في حجرتها هل يدل على أن بيوتهم لم يكن لها سقوف؟
لا، لها سقوف، لكن فيها نوافذ، فيها تنفذ منها الشمس.
وما الجمع بين ضيق بيوت النبي -صلى الله عليه وسلم- وصغرها وبين حديث: ((من السعادة البيت الواسع)) في الأدب المفرد للبخاري؟
الإنسان قد يحمل نفسه على العزيمة، يرى أن السعة في كذا، والسعادة في كذا، في البيت الواسع لكن يسكن بيتاً ضيقاً؛ لأن هذه الدنيا دار ممر، وليست بدار مقر، فكونه يقرر هذا الأمر نعم هو من السعادة، لكن السعادة في عرف أهل الدنيا، من سعادة الدنيا، وأما كون بيوته في غاية الضيق -عليه الصلاة والسلام- فهذا تبعاً لعيشه -عليه الصلاة والسلام-، الذي ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما وأنه تطلع الأهلة الثلاثة في شهرين لا يوقد في بيته نار -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: المقلد في تصحيح وتضعيف الأحاديث هل يحق له الإنكار على من يعمل بحديث يرى المقلد أنه ضعيف أو المقلد أنه ضعيف؟
يعني هذا قلد إمام من الأئمة، والثاني الذي عمل بهذا الحديث الضعيف قلد إماماً آخر من الأئمة صححه ليس له أن ينكر، نعم له أن يستفهم، أن يقول: هذا الحديث الذي عملت به من صححه من أهل العلم؟ ومن عمل به من أهل العلم؟ أما كونه ينكر فلا.
يقول: نسمع في هذه الدروس فوائد حول ما تتميز به كتب السنة، والفوارق بين هذه الكتب، وما يتميز به كل واحد من هؤلاء الأئمة مما لا يتسنى لطالب العلم أن يجده في الكتب، فهل يتفضل بأن يفرد محاضرة أو دورة في تقريب كتب السنة، وأن يتيسر طبع هذه في كتب ليستفيد منها طالب العلم؟(32/3)
هناك محاضرات ألقيت في هذا الباب وفي هذا الشأن، منها ما يتعلق بالمتون، ومنها ما يتعلق بالشروح، ومنها ما يتعلق بكتب العلم عامة، وكلها مسجلة وموجودة، قد تزيد على عشرين شريطاً.
يقول: ما رأي فضيلتكم في تحاور الأديان؟ وما المقصود منه؟
إن كان هذا الحوار في إطار قول الله -جل وعلا-: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [(64) سورة آل عمران] كما بعث بها النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى هرقل وغيره فهو شرعي ومطلوب، وضرب من ضروب الدعوة، وإن كان من أجل التنازل عن شيء من مسلمات الدين فهذا هو الإدهان {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [(9) سورة القلم] وهو محرم بالإجماع.
مسألة الجمع بين الصلاتين ناقشنا كثيراً من الناس يجمعون بين الصلاتين وكانت حجتهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جمع بين الصلاتين من غير عذر ولا حاجة.
يعني من غير خوف ولا مطر كما جاء في الصحيح، وفي رواية: ولا سفر، لكن الحرج موجود، لوجود الحرج الذي لم يفصح به الراوي، ولذلك لما سئل ابن عباس عن هذا الحديث قال: أراد أن لا يحرج أمته، والإمام الترمذي في علل الجامع في آخر كتابه قال: ليس في كتابي حديث أجمع أهل العلم على ترك العمل به إلا حديث جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، وحديث معاوية في قتل الشارب، شارب الخمر، فدل على أنه لم يعمل به أحد من أهل العلم على إطلاقه.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة:
حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال: حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن بشير بن ثابت عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: "أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصليها لسقوط القمر لثالثة".(32/4)
حدثنا أبو بكر محمد بن أبان قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن أبي عوانة بهذا الإسناد نحوه، قال أبو عيسى: روى هذا الحديث هشيم عن أبي بشر عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير ولم يذكر فيه هشيم عن بشير بن ثابت، وحديث أبي عوانة أصح عندنا؛ لأن يزيد بن هارون روى عن شعبة عن أبي بشر نحو رواية أبي عوانة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة" تقدم أن وقت صلاة العشاء الآخرة من مغيب الشفق الأحمر هذه بدايته، وأما النهاية فقد اختلف فيها أهل العلم على ثلاثة أقوال:
منهم من يقول: إن وقت صلاة العشاء ينتهي بالثلث الأول، بنهاية الثلث، ثلث الليل الأول، استدلالاً بما جاء في حديث أبي هريرة وغيره حين أم جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- صبيحة ليلة الإسراء حيث صلى العشاء في اليوم الثاني حينما ذهب ثلث الليل الأول.
ومنهم من يرى أن وقت صلاة العشاء ينتهي عند منتصف الليل، ينتهي بمنتصف الليل كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو ((ووقت العشاء من مغيب الشفق إلى منتصف الليل الأوسط)) ومنهم من يرى أنه ينتهي بطلوع الفجر كما جاء في حديث: ((ليس في النوم تفريط وإنما التفريط على من أخر الصلاة حتى يأتي وقت الصلاة الأخرى)) وقلنا في ما مضى أن حديث الثلث الليل في إمامة جبريل للنبي -عليه الصلاة والسلام- متقدم، وحديث عبد الله بن عمرو متأخر، والحديث الثالث الذي فيه أن الوقت لا ينتهي إلا بدخول وقت الصلاة الأخرى مخصوص بصلاة الفجر إجماعاً، وأنه لا يمتد وقتها إلى دخول وقت صلاة الظهر فليخص بصلاة العشاء أيضاً كما جاء التصريح بنهاية وقته في منتصف الليل في حديث عبد الله بن عمرو وغيره.(32/5)
قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب" وصف العشاء بالآخرة يدل على أن هناك عشاء أولى ويراد بها المغرب، وكان بعض العرب يسمي المغرب العشاء ويسمي العشاء بالعتمة، وهذا من الأعراب، حتى قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم)) ذكرنا مراراً أن في هذه البلاد أيضاً يسمون المغرب العشاء، ويسمون العشاء الأخير، كما قال هنا العشاء الآخرة، لكن المغرب هي المغرب والعشاء هي العشاء بالتحديد.
قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب" مر بنا مراراً أن هذا من شيوخ الترمذي الذين أكثر عنهم وهو ثقة "قال: حدثنا أبو عوانة" الوضاح بن عبد الله اليشكري، ثقة أيضاً من شيوخ الأئمة، وكتابه صحيح كما نص على ذلك أهل العلم، وبعض المفتونين من المتعصبين لبعض المذاهب الفرعية والعقدية طعن في أبي عوانة بسبب تصحيف وقع في كتاب، اسمه وضاح، قال بعض الأئمة: أبو عوانة ذاك وضاع، يعني صحف الاسم من وضاح إلى وضاع فتمسك بها بعض المفتونين وطعن في هذا الراوي الإمام الجليل المخرج له في الصحاح وغيرها، من أجل حديث يخالف مذهبه، فقال: الإمام فلان وصفه بأنه وضاع، ولم يرد ذلك، كل النسخ الصحيحة تقول: ذاك وضاح، فتصحفت الحاء عين، ومثل هذه يتشبث بها من يتتبع المتشابه، الذين في قلوبهم زيغ يتتبعون مثل هذه التصحيفات.(32/6)
"عن أبي بشر" بن أبي إياس بن أبي وحشية، وهو ثقة أيضاً "عن بشير بن ثابت" الأنصاري مولاهم، ثقة أيضاً "عن حبيب بن سالم" الأنصاري، لا بأس به "عن النعمان بن بشير" صحابي جليل معروف، قال: -رضي الله عنه-: "أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة" يقول هذا الكلام على سبيل الافتخار على غيره والترفع على غيره على سبيل التزكية لنفسه؟ كلا، إنما يقول مثل هذا الكلام من باب التحدث بنعمة الله -جل وعلا-، ومن باب إغراء السامعين على تحمل هذا الخبر عنه، كثيراً ما نسمع لأهل العلم كلام يظنه بعض الناس أنه غرور بالنفس، وإعجاب بها، وليس الأمر كذلك، إنما هو من باب إغراء السامع بالحرص على هذه الفائدة التي لا يجدها عند غيره، فابن القيم لما أتم مقام التوبة في مدارج السالكين بكلام طويل نفيس لا يوجد عند غيره قال -رحمه الله-: "فاحرص على هذا الكلام علك أن لا تجده في مصنف آخر البتة، والله المستعان" هذا الكلام صحيح، لكن لا يراد بذلك أن ابن القيم مغرور بنفسه وبكلامه، نعم قد يوجد في النفس أحياناً ما يحمل على مثل هذا الكلام، لكن العلماء المعروفين بإخلاصهم واقتفائهم لسنن نبيهم وإخلاصهم لله -جل وعلا- لا يظن بهم ذلك، قد يجده الإنسان من نفسه أحياناً.
ابن حجر -رحمه الله تعالى- تتبع طرق حديث ثم حكم عليه بحكم لم يعرف له سابق، يعني ما عرف فيه حكم لأهل العلم، ثم بعد ذلك قال: إني وجدت كلاماً لفلان وفلان من الأئمة الكبار المتقدمين وقع له نفس ما وقع لي، فالحمد لله، ثم الحمد لله، ثم الحمد لله، كررها مراراً، والله المستعان.(32/7)
قال: "أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة" يعني صلاة العشاء "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصليها لسقوط القمر لثالثة" (كان) هذه في الأصل تدل على الاستمرار "لسقوط القمر لثالثة" لثالثة يعني من الشهر، الليلة الثالثة من الشهر، سقوط القمر لثالثة من الشهر هل هو يسقط في وقت يعني يغيب في وقت محدد من كل شهر؟ أو أنه يختلف من شهر إلى آخر؟ وقد يزيد في هذا الاختلاف على ساعة من شهر إلى آخر في ثالثة الشهر، ولذلكم من معه تحقيق الشيخ أحمد شاكر ذكر جدول لأوقات غروب القمر في الليالي الثالثة من شهور سنة كاملة، سنة (1345هـ) ثم أردفها بسنة (1356هـ) بينهما إحدى عشرة سنة، يقول: الليلة الثالثة من محرم سنة خمسة وأربعين القمر يغرب في الساعة الواحدة وسبع وخمسين، مقصوده بالغروبي، بالتقويم العربي القديم، قبل أن نغيره بحساب غيرنا، الساعة الثانية إلا ثلاث دقائق، وصفر، الثالثة من صفر غروب القمر في الواحدة وخمسة وعشرين، وربيع الأول في الواحدة وثلاث وثلاثين، وربيع الثاني في الواحدة وسبع وأربعين، جماد الأولى في الواحدة وواحد وثلاثين، وفي جمادى الثانية في الثانية وست دقائق، وفي رجب في الثانية وواحد وخمسين دقيقة، في شعبان في الثانية وأربعة وعشرين دقيقة، في رمضان في الثالثة وأربع ودقائق، كلها في ثالثة الشهر، وفي شوال في الثانية وتسع وثلاثين دقيقة، وفي ذي القعدة في الثالثة وواحد وعشرين دقيقة، وفي ذي الحجة في الثانية وست وأربعين دقيقة.(32/8)
يعني بين بعض الليالي وبعض واحدة وخمسة وعشرين دقيقة، وعندك في صفر في الواحدة وخمس وعشرين دقيقة، واحدة ونصف إلا خمس، وفي ذي القعدة في الثالثة وواحد وعشرين دقيقة، الفرق قريب من ساعتين، فهل يمكن أن يعول على سقوط القمر في تحديد وقت صلاة العشاء؟ أسماء بنت أبي بكر راقبت القمر ليلة جمع، ليلة عرفة، فلما غاب القمر ارتحلت، فهل نقول بمثل هذا أن القمر ليلة العيد عيد النحر يتفاوت مثل تفاوته في الليلة الثالثة فلا يعول عليه أيضاً؟ أو نقول: إنه ثابت وقد عمل به جمع من أهل العلم ينتظرون مغيب القمر ثم ينصرفون إلى منى، وهذا في حق المتعجل، أما المتأخر المقتدي بفعله -عليه الصلاة والسلام- فإنه يصلي الصبح بجمع ثم يمكث يذكر الله -جل وعلا- حتى يسفر جداً، قبل أن تطلع الشمس يدفع إلى منى.
هنا رأينا هذا الاختلاف إلى ما يقرب من ساعتين، فهل يعول على مثل هذا في تحديد صلاة العشاء؟
النعمان بن بشير يقول: "أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصليها لسقوط القمر" أي مغيب القمر ليلة ثالثة من الشهر، وهذا الحديث مصحح عند أهل العلم، وإن كان فيه من قيل فيه: لا بأس به، حبيب بن سالم قيل فيه: لا بأس به، وحديثه يكون مقبولاً، لكن في حيز الحسن لا في حيز الصحيح.(32/9)
مع أنه مختلف فيه هل بشير بن ثابت مقحم في السند أو أنه ساقط من الرواية الثانية؟ تأتي إشارة الترمذي إلى هذا، لكن إذا عرفنا أن التفاوت في مغيب القمر في الليلة الثالثة بين هذه الأشهر ساعتين فما دون عرفنا أنه لا يمكن أن يحدد بهذا إلا أن يقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- راقبه النعمان بن بشير وهو يصلي عند مغيب القمر من غير تحديد بوقت ثابت، صلاها فعجل بها حينما صلاها عند مغيب القمر لثالثة في الساعة الواحدة وخمس وعشرين دقيقة، وأخرها حينما صلاها عند مغيب القمر لثالثة حينما كان يغرب في الساعة الثالثة وواحد وعشرين دقيقة، فلا يكون لها وقت محدد ثابت في الليالي كلها، وإنما تصلى بين هذين الوقتين، بين الوقت الذي يتقدم فيه مغيب القمر والوقت الذي يتأخر فيه مغيب القمر، ولا يريد النعمان بن بشير أنه يصليها في ساعة محددة في كل ليلة، ولا شك أن الوقت بين أوله وبين آخره كله واقع في وقت صلاة العشاء؛ لأن مغيب الشفق في الليالي القصيرة يغيب في الواحدة وأكثر من عشرين دقيقة، يعني واحد وعشرين أو اثنين وعشرين، فإذا صلاها في خمس وعشرين يكون صلاها في وقتها، وإذا صليت بعد مغيب القمر أو وقت مغيب القمر في الساعة الثالثة وواحد وعشرين دقيقة لا مانع من ذلك، وأن تكون حينئذٍ صليت بعد دخول وقتها بساعتين وهو مضي ثلث الليل في بالنسبة لليالي القصيرة، على كل حال عندنا نصوص واضحة مفسرة محكمة، وأن وقتها يبدأ من مغيب الشفق الأحمر، ثم النهاية يختلف فيها أهل العلم تبعاً لاختلاف ما جاء فيها.
قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو بكر محمد بن أبان قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن أبي عوانة بهذا الإسناد نحوه" يعني بالإسناد المتقدم، نحوه يعني بمعناه، محمد بن أبان قلنا في أبان: المنع والصرف، فمنعه ابن مالك الإمام المعروف من أئمة العربية وصرفه غيره، حتى قال بعضهم: من منع أبان فهو أتان، لذلك أحياناً يقع الحرج من بعض الإخوان إذا سألناهم قلنا: أبان ممنوع وإلا مصروف؟ ثم نأتي بهذا الكلام يقع في حرج بعضهم.
فمن صرفه قال: هو من الإبانة والنون أصلية، ومن منعه قال: هو من الإباء والنون مزيدة مع الألف، والاسم يمنع من الصرف لزيادة الألف والنون.(32/10)
"قال أبو عيسى: روى هذا الحديث هشيم عن أبي بشر عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير" عن حبيب بن سالم من غير ذكر لبشير بن ثابت، أبي بشر عن حبيب بن سالم، والرواية الأصلية رواية أبي عوانة عن أبي بشر عن بشير بن ثابت عن حبيب بن سالم "ولم يذكر فيه هشيم عن بشير بن ثابت، وحديث أبي عوانة أصح عندنا" يعني الذي فيه بشير بن ثابت "لأن يزيد بن هارون رواه عن شعبة عن أبي بشر نحو رواية أبي عوانة".
ولا شك أن متابعة شعبة أمير المؤمنين في الحديث لأبي عوانة تعطيه قوة فيرجح قوله على قول هشيم، لم يذكر فيه هشيم عن بشير بن ثابت، يعني هل نقول: إن هشيماً دلسه لأنه معروف بالتدليس فأسقطه؟ هل نقول: إن هشيماً دلسه؟
وفي الصحيح عدة كالأعمشِ ... وكهشيم بعده وفتشِ
يعني في ذكر المدلسين، هل نقول: إن هشيم دلسه فأسقطه؛ لأنه هنا لم يصرح بالتحديث، من يجيب؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
صحيح، يعني هشيم ما عُرف بتدليس التسوية، وهذا إن رميناه به هو من نوع تدليس التسوية الذي هو شر أنواع التدليس، إنما التدليس المعروف اللي هو أخف بكثير من تدليس التسوية أن يسقط شيخه، وهنا السقط في شيخ الشيخ لا في الشيخ نفسه.
منهم من يقول: إن مثل هذا يسمى من المزيد في متصل الأسانيد، يحكم عليه بأنه مزيد في متصل الأسانيد إذا كان في السند الناقص التصريح بالتحديث، وهنا ليس فيه تصريح بالتحديث فإسقاطه محتمل.
منهم من يقول ويجوز وهذه على طريقة المتأخرين التي يعتمدها الشيخ أحمد شاكر كثيراً أنه يجوز أن بشير بن ثابت رواه عن حبيب بن سالم عن النعمان يعني رواه بواسطة عن النعمان، يعني عن أبي بشر عن بشير بن ثابت عن حبيب بن سالم، يعني رواه أبو بشر عن حبيب بن سالم بواسطة بشير بن ثابت، ثم إنه لقي حبيب بن سالم فرواه عنه بغير واسطة، فصار يحدث به على الوجهين مرة بواسطة ومرة بغير واسطة، وهذه تمشي وتجري على قواعد المتأخرين الذين يتحاشون توهيم الرواة، يتحاشون توهيم الرواة، ولا يجرؤون على التخطئة، تخطئة الثقات، لكن طريق الأئمة المتقدمين التي سلكها الترمذي هنا خطأ هشيم في روايته بإسقاط بشير بن ثابت.
سم.(32/11)
باب: ما جاء في تأخير صلاة العشاء الآخرة:
حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه)).
قال: وفي الباب عن جابر بن سمرة وجابر بن عبد الله وأبي برزة وابن عباس وأبي سعيد الخدري وزيد بن خالد وابن عمر -رضي الله عنهم-.
قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، وهو الذي اختاره أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين وغيرهم، رأوا تأخير صلاة العشاء الآخرة، وبه يقول أحمد وإسحاق.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في تأخير صلاة العشاء الآخرة" الترجمة الأولى في وقتها، وأنه يبدأ من مغيب الشفق، والحديث الذي أورده في الترجمة تحت الترجمة الأولى حديث النعمان بن بشير لا يدل على بداية الوقت، كما أنه لا يدل على نهايته إلا إذا لاحظنا الفروق بين مغيب القمر في ليلة الثالثة من شهر إلى آخر، فقلنا: إنه يغيب القمر في أول الوقت في شهر ويغيب القمر لثالثة في آخر الوقت بالنسبة لشهر آخر، أما هنا فتأخيرها وما حكمه؟ ما جاء في تأخير صلاة العشاء الآخرة يعني ما حكمه؟ هل هو الأفضل أو الأفضل التعجيل كما جاء في الظهر والعصر والمغرب والصبح؟ أو أن الأفضل التأخير كالظهر عند اشتداد الحر؟
قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم))، ((لولا أن أشق)) لولا: حرف امتناع لوجود، امتنع الأمر لوجود المشقة ((لولا أن أشق على أمتي)) وهذا من رحمته ورأفته -عليه الصلاة والسلام- بأمته.(32/12)
((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم)) يعني أمر وجوب وإلا أمر الاستحباب موجود، كما جاء: ((لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) وعند كل وضوء، أمر الاستحباب موجود، لكن المنفي الممتنع لوجود المشقة أمر الوجوب، وبهذا يستدل أهل العلم على أن الأمر عند الإطلاق يقتضي الوجوب وإلا فأمر الاستحباب موجود {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [(63) سورة النور] هذا الوعيد يدل على أن الأمر يقتضي الوجوب.
((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم)) يعني على سبيل الإلزام والوجوب ((أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه)) ولا شك أن في هذا مشقة على بعض الناس الذين يتعبون في النهار، وينتظرون صلاة العشاء من أجل أن يناموا ويرتاحوا من عناء النهار، فالمشقة موجودة، قد يقول قائل: تأخير العشاء الآن أفضل بالنسبة للناس؛ لأنهم يسهرون، وينامون النهار فما في مشقة عندهم، نقول: لا، يبقى الأصل الشرعي والسنة الإلهية في الليل والنهار تبقى هي الأصل، نعم إذا وجد مشقة في شيء يقتضي التقديم أو التأخير فملاحظته من باب رفع المشقة على الناس لا لأنهم خالفوا السنة الإلهية فسهروا بالليل وناموا النهار، بل لأن ذلك يفوتهم بعض مصالحهم الدينية أو الدنيوية كما هو الحاصل بالنسبة لرمضان في تأخير العشاء لمدة نصف ساعة، الناس يريدون أن يتوسعوا بعد إفطارهم، ويفرحوا بهذه النعمة التي أتمها الله عليهم في ما بين العشاءين، يمتد لهم الوقت ينبسطون فيه مع أهليهم، فمثل هذا التأخير لا إشكال فيه.(32/13)
((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه)) لكن إذا لم توجد المشقة، وجد أناس يتفقون جماعة يتفقون على التأخير ولا يشق على واحد منهم، لا سيما إذا كانوا في غير مسجد مرتب ينتابه الناس، إذا كانوا في صحراء مثلاً أو في استراحة لا يستمعون فيها النداء وهم مجموعة لو تواطئوا على تأخير العشاء إلى ثلث الليل كان ذلك أفضل تحقيقاً لهذه الرغبة النبوية ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه)) (أو) هذه شك من الراوي؛ لأن الثلث غير النصف، هكذا قرر جمع من الشراح، ومنهم من يقول: إنها للتنويع، فالأوقات تتفاوت وتتنوع، فليالي الصيف مثلاً تصلى الصلاة في الثلث الأول؛ لأنه لو أخرت إلى النصف ما بقي من الليل ما يكفي الإنسان لنومه، وفي الشتاء لو أخرت إلى النصف كان أولى؛ يبقى من الليل ما يكفي النائم، وكونها للشك أوضح من كونها للتنويع.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن جابر بن سمرة" عند أحمد في المسند وعند مسلم، وأما حديث جابر بن عبد الله فهو في الصحيحين، الذي في الصحيحين حديث "جابر بن عبد الله" وأما حديث جابر بن سمرة فهو عند الإمام أحمد في المسند وعند الإمام مسلم "وأبي برزة" نضلة بن عبيد عند البخاري ومسلم أيضاً "وابن عباس" عند البخاري والطبراني "وأبي سعيد الخدري" عند أحمد وأبي داود "وزيد بن خالد" ينظر من أخرجه، "وابن عمر" عند مسلم.
"قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وهو مخرج عند الإمام مسلم والإمام أحمد في مسنده
قال -رحمه الله-: "وهو الذي اختاره أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين وغيرهم، ورأوا تأخير صلاة العشاء، وبه يقول أحمد وإسحاق" والليث وكثير من محدثي الشافعية؛ لأحاديث كثيرة دلت على التأخير، منها حديث الباب، وما جاء فيه مما أشار إليه الإمام الترمذي.
سم.
باب: ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها:(32/14)
حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا عوف قال أحمد: وحدثنا عباد بن عباد هو المهلبي وإسماعيل بن علية جميعاً عن عوف عن سيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي عن أبي برزة -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها".
وفي الباب عن عائشة وعبد الله بن مسعود وأنس.
قال أبو عيسى: حديث أبي برزة حديث حسن صحيح، وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها ورخص في ذلك بعضهم.
وقال عبد الله بن المبارك: أكثر الأحاديث على الكراهية، ورخص بعضهم في النوم قبل صلاة العشاء في رمضان، وسيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي.
قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:(32/15)
"باب: ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها" والسمر هو السهر، والتحدث بالليل، وترك النوم، ولا شك أن هذا مكروه، منصوص عليه في حديث الباب "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها" وإذا نظرنا إلى حال الناس اليوم وجدنا العكس تماماً، نجد من ينام المغرب، نجد من ينام العصر وتفوته صلاة المغرب، نجد من ينام المغرب وتفوته صلاة العشاء، كل هذا من أجل الاستعداد للسهر مع الأصحاب والأقران، ما يتصبر حتى يصلي العشاء ثم ينام، يخشى أن يفوته شيء من مجلس أصحابه وأقرانه، وليت هذه المجالس تعمر بذكر الله وما ينفع، لكنها مبنية على القيل والقال غالباً، والناس لا سيما في الإجازات يقلبون السنة الإلهية بدلاً من أن يكون الليل سكن يكون فيه السهر إلى طلوع الفجر، ومنهم من يسهر إلى قبيل طلوع الفجر ثم ينام عن صلاة الصبح، وأما بالنسبة لقيام الليل، وقراءة القرآن، وإحياء الليل بما ينفع فهذا لا يوجد إلا ما ندر، ومن يعمر ليله بالقيل والقال في الكلام المباح فضلاً عن المكروه والمحرم تجده لا يعان على قيام الليل، يسهر إلى قبيل الصبح فإن كان من الحريصين على إبراء الذمة نعم يجعل من يوقظه لصلاة الصبح وإلا يعذر نفسه بالنوم؛ لأن القلم رفع عن النائم، ثم لا ينتبه إلا بعدما ينتشر النهار، هذا حال كثير من الناس في هذه الأيام، بعض الأخيار يسهر ويقول: البخاري ترجم على السهر: باب السمر في العلم ونحوه، ونحن تمر في مجالسنا بعض المسائل العلمية، لكنها وإن مرت إلا أنها غير مقصودة، يعني هذه المجالس ما قصدت من أجل إحياء الليل بالعلم، لا، إنما قصدت للقيل والقال، قد يمر بمسألة ليست مقصودة، لكن مثل هذا لا يدخل فيما ترجم عليه البخاري -رحمه الله-، وإنما يدخل في السمر المذموم المكروه، لكن إذا سهر الإنسان وحفظ لسانه عن فضول الكلام مع أنه إذا حفظ لسانه عن فضول الكلام ماذا يستفيد من السهر؟ حفظ اللسان من فضول الكلام يدعوه إلى النوم، ويعينه على القيام، لكن الإشكال إذا لم يستطع حفظ هذا اللسان عن فضول الكلام والاسترسال في الفضول هو الذي يميت القلب، ويمرض القلب، فضول الكلام، فضول الأكل، فضول الخلطة، فضول النوم،(32/16)
فضول البصر، فضول السمع، هذه المنافذ إلى القلب لا شك أنها هي أسباب مرضه ثم موته، فإذا قال: أنا أسهر لكن لا أرتكب محرم، نقول: تسهر لأي شيء؟ قال: نسمر مع الإخوان، ونتجاذب أطراف الحديث المباح، نقول: العادة جرت بأن من يسترسل في الكلام المباح لا بد أن ينجر إلى الكلام المكروه، الذي تركه أولى، ثم بعد ذلك ينفذ هذا الكلام المكروه، ولا بد من الكلام، لا يمكن أن يجلسوا بدون كلام، ثم يضطرون إلى أن يقربوا من الحرام كالراعي يرعى حول الحمى.
وهذا موجود في جميع استعمال المباحات من الكلام والنظر والاستماع والأكل والشرب واللبس والسكن وغيرها، كلها تجر، ولذا يعرف عن سلف هذه الأمة وأئمتها الإعراض عن تسعة أعشار الحلال خشية أن يجرهم إلى الحرام.(32/17)
قال -رحمه الله-: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا هشيم" هو ابن بشير الواسطي ثقة، عرفنا مراراً أنه يدلس، وهنا صرح بالإخبار "قال: أخبرنا عوف" انتفت تهمة التدليس هنا لأنه صرح بالإخبار "قال: أخبرنا عوف" وهو ابن أبي جميلة الأعرابي، وهو ثقة أيضاً "قال أحمد" يعني ابن منيع شيخه "وحدثنا عباد بن عباد هو المهلبي" وهو ثقة أيضاً لكن ربما وهم "وإسماعيل بن علية" إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية، "جميعاً عن عوف" عباد وإسماعيل جميعاً عن عوف، لكن هل معهم هشيم؟ لأن هشيماً يروي عن عوف، لما قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا عوف؛ لأن هشيم معروف بالتدليس، فتصريحه بالإخبار ينفي تهمة التدليس، وعباد بن عباد وإسماعيل بن علية جميعاً عن عوف، يعني بصيغة (عن) ولا يحتاج في مثل هذا إلى تصريح، "عن سيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي" البصري، ثقة "عن أبي برزة" نضلة بن عبيد الأسلمي، صحابي "قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكره النوم قبل العشاء" لأن النوم قبلها قد يؤدي إلى النوم عنها فتفوته الجماعة أو يفوته الوقت المختار وقد يفوته الوقت كله، وإذا تسبب الشيء في فوات مستحب كره، وإذا تسبب في فوات واجب حرم، ولذا قد يقال: إن السهر بالنسبة لبعض الناس مكروه، وبالنسبة لبعض الناس محرم، فالذي يفوته السهر قيام الليل، واستغلال الوقت فيما ينفع أقل ما يقال فيه الكراهة، وإذا فوته السهر صلاة الجماعة أو الصلاة في وقت صلاة الفجر في وقتها فإن هذا يحرم عليه أن يسهر، إذ لا بد من بذل الأسباب للقيام للواجب، ولا بد من انتفاء الموانع، ما يقول: النائم مرفوع عنه القلم وأنا نائم، لا، هل في يوم من الأيام نام عن الامتحان أو نام عن الدوام؟ هذا يندر جداً أن ينام، بينما تجده ينام عن صلاة الفجر في الأسبوع المرتين والثلاث، وقد ينام في الأسبوع الكامل عن صلاة الصبح فضلاً عن كونه يتعمد عدم القيام إلا إلى الدوام أو للدراسة أو نحوها، هذا عاد حكمه آخر، شأنه أعظم، كونه يركب المنبه يضبط المنبه على الدوام والصلاة يمر وقتها من أوله إلى آخره ولا يستيقظ لأدائها، هذا على خطر عظيم، وأفتى فيه بعض أهل العلم بفتوى عظيمة جداً، يعني إذا كان يتعمد ذلك وهذا(32/18)
ديدنه أفتوا بكفره -نسأل الله العافية-، إذا كان يضبط المنبه على الدوام، وحينئذٍ لا يصلي، أقول: لا يصليها بعد وقتها، ما دام تعمد إخراجها عن وقتها لا يصليها كما لو صلاها قبل وقتها، وذكرنا فيما مضى أن ابن حزم نقل الإجماع على هذا أنها لا تصلى إذا أخرجها عن وقتها متعمداً، مع أنه وجد من أهل العلم من ينقل الإجماع على أنه يصليها، وهذا قول جماهير أهل العلم أنه يصليها وإثمه عظيم، إثمه عظيم ولا يكفر بذلك، لكن إثمه عظيم.
"كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكره النوم قبل صلاة العشاء، والحديث بعدها" لأن الحديث بعدها قد يؤدي إلى النوم عن الصبح أو عن قيام الليل.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن عائشة" خرجه ابن ماجه "وعبد الله بن مسعود" أيضاً عند ابن ماجه، "وأنس" يقول الشارح: لم أقف على من أخرجه.(32/19)
"قال أبو عيسى: حديث أبي برزة حديث حسن صحيح" وأخرجه الجماعة، أخرجه الأئمة كلهم في البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وعند أحمد "وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء" لكن إذا كان النوم يخشى منه أن ينام عن الصلاة، وعدم النوم يخشى منه عدم الإقبال على الصلاة والخشوع فيها لمزيد التعب، تعب في نهاره كله، ثم لما صلى المغرب قال: أستعد لصلاة العشاء فأنام قليلاً لأستيقظ نشطاً لأؤديها بقلب حاضر، معروف أن الإنسان إذا صلى وهو متعب لا سيما إذا كان بعد صلاة العشاء تراويح أو تهجد أو ما أشبه ذلك فإنه يحتاج إلى شيء من الاستعداد، فإذا كان هذا هو السبب فالأمور بمقاصدها إذا نام ليستعد للصلاة، إذا نام ليستعد للصلاة على أنه لو نام على مقتضى السنة الإلهية ما احتاج إلى مثل هذا؛ لأن النصوص يساعد بعضها بعضاً، ولا يناقض بعضها بعضاً، أحياناً يؤتى بمقدمات غير شرعية ثم بعد ذلك نتوقع نتائج شرعية، هذا شخص سهر الليل ويقول: لو صليت الفجر في أول وقتها ما أقبلت عليها، فلا بد أن أنام لأستعد لصلاة الفجر، نقول: أصل المقدمة غير شرعية فكيف تطلب النتيجة الشرعية من هذه المقدمة؟ الأصل أن ينام النوم الكافي في الليل، ويضيف إليه ما يحتاج إليه من القيلولة في منتصف النهار، وحينئذٍ لا يحتاج إلى أن ينام العصر أو ينام المغرب، لكن لو عرض له عارض كما يعرض للنبي -عليه الصلاة والسلام- أحياناً ما يشغله عن ذكر أو عن راتبة أو نحوها، يعرض له ذلك، لكن ليس هذه عادة وديدن، وقت المسلم ينبغي أن يكون مرتباً منظماً، فلا يحتاج إلى نوم في وقت الاستيقاظ، ولا يحتاج إلى استيقاظ في وقت النوم، لا نقول: ينام المغرب ليستعد لصلاة العشاء، اللهم إلا إذا جاءه ما يشغله من أمر عارض، أو علة طارئة، ما استطاع معها أن ينام، نقول: نعم، لا مانع من أن ينام، على أن لا يضيع الصلاة مع الجماعة، وحينئذٍ تنتفي الكراهة في حقه؛ لأن الكراهة عند أهل العلم تزول بأدنى حاجة، الكراهة تزول بأدنى حاجة عند أهل العلم، لكن إذا ترتب على فعل المكروه أمر محرم أو ترك واجب فإنه لا يجوز بحال.(32/20)
"وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها ورخص في ذلك بعضهم" يقول ابن حجر: "من نقلت عنه الرخصة قيدت بما إذا كان له من يوقظه" يعني الإيقاظ الذي يترتب عليه الاستيقاظ، بعض الناس لا يستيقظ إلا بمشقة وجهد شديد، فيقول: أنام قبل صلاة العشاء وأركب المنبه، أضبط المنبه، وهو يعرف أنه لن ينتبه بالمنبه، يقول: بذلت السبب والباقي على الله -جل وعلا-، نقول: أنت ما بذلت السبب؛ لأن هذا السبب ليس بكافي، ابذل السبب الذي تترتب عليه آثاره من الاستيقاظ، وأنت تعرف أنك لا تستيقظ بالمنبه لا يكفي هذا السبب.
يقول: "من نقلت عنه الرخصة قيدت بما إذا كان له من يوقظه، أو عرف من عادته أنه لا يستغرق في النوم" يعني بعض الناس نومه خفيف، يعني تجد بعض الطلاب ليالي الامتحان يذاكرون في المساجد، ويجتمعون، فبعضهم يقول: أريد أن أنام عشر دقائق ربع ساعة لأرتاح قليلاً، وتجد بالفعل يضع رأسه ثم بعد ربع ساعة يرفع رأسه، وبعض الناس يريد أن يصنع ذلك فلا يوقظ إلا للامتحان، الناس يتفاوتون، إذا عرف من عادته أنه لا يستغرق في النوم لا مانع؛ لأن المسألة مسألة الخشية على فوات الجماعة، أو الخشية على فوات أمر مطلوب شرعاً.
"ورخص في ذلك بعضهم، وقال عبد الله بن المبارك: أكثر الأحاديث على الكراهية" كراهية النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها "ورخص بعضهم في النوم قبل العشاء في رمضان" استعداداً لصلاة العشاء وما بعدها من قيام الليل، إذا كان النوم من أجل الاستعداد للصلاة فلا شيء فيه، بل قد يكون مطلوباً؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب، إذا كان لا يتسنى له الإقبال على صلاته إلا بالنوم يقال له: نم، لكن لا يترتب على هذا ارتكاب محظور أو ترك مأمور.(32/21)
في بعض النسخ زيادة: "وسيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي" في النسخة التي طبعها الشيخ ذكرها مرتين ولا داعي لها؛ لأنه في الأول عن سيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي، هذه موجودة التفسير هو أبو المنهال موجود في بعض النسخ دون بعض، والذي وجد فيها هذا التفسير وهذا التوضيح لم يوجد فيها ما ذكر في الأخير، وسيارة بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي؛ لأنه حينئذٍ يكون تكراراً، والذي لا يوجد فيها هو أبو المنهال الرياحي، يوجد فيها وسيار بن سلامة هو أبو المنال الرياحي؛ لأنه لا بد من بيانه عند الإمام -رحمه الله تعالى- وحينئذٍ لا يكون فيه تكرار.
أما صنيع الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- فارتكب فيه هذا التكرار، والأصل ألا يكون موجوداً؛ لأنه تكرار كلام بحروفه، فلا داعي له.
سم.
باب: ما جاء من الرخصة في السمر بعد العشاء:
حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما".
وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وأوس بن حذيفة وعمران بن حصين -رضي الله عنهم-.
قال أبو عيسى: حديث عمر حديث حسن، وقد روى هذا الحديث الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عن علقمة عن رجل من جعفي يقال له قيس أو ابن قيس عن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث في قصة طويلة.
وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد صلاة العشاء الآخرة، فكره قوم منهم السمر بعد صلاة العشاء، ورخص بعضهم إذا كان في معنى العلم وما لا بد منه من الحوائج، وأكثر الحديث على الرخصة.
وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا سمر إلا لمصلٍ أو مسافر)).
قال -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء من الرخصة في السمر بعد العشاء" الباب الأول في الكراهية وهي محمولة على إذا لم يكن ثم حاجة داعية للنوم أو السمر، وهنا الرخصة فيما إذا دعت الحاجة إلى ذلك، إلى السمر بعد العشاء، والسهر بعد صلاة العشاء.(32/22)
قال -رحمه الله-: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا أبو معاوية" الضرير محمد بن خازم، وهو من ثقات الرواة "عن الأعمش" سليمان بن مهران "عن إبراهيم" النخعي "عن علقمة" ابن قيس النخعي "عن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمر" وهناك كان يكره، والمعروف والغالب من استعمال كان الاستمرار، وقد تأتي للفعل ولو مرة واحدة، وهنا: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمر" يسمر من باب نصر، يعني في ميزانها الصرفي نصر ينصر، "يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما"
الرسول -عليه الصلاة والسلام- يسمر مع أبي بكر، يعني هل الأولى أن يقال: الرسول يسمر مع أبي بكر أو أن يقال: أبو بكر يسمر مع الرسول؟ لأن المعية تشعر بالتبعية؛ يعني كما قالوا:
وإن يكن لاثنين نحو التزما ... فمسلم مع البخاري هما
قالوا: قدم مسلم؛ لأنه أتبعه بمع، والمعية تشعر بالتبعية، فمسلم تابع للبخاري في مثل هذا التقديم، هنا يقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمر مع أبي بكر" يعني هل الأولى أن يقال مثل هذا أو يقال: كان أبو بكر يسمر مع النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ أما قوله: "وأنا معهما" هذا ما فيه إشكال، المعية تابعة، وأفرد نفسه عنهما ليدل على أن منزلته متأخرة عن منزلتهما، رضي الله عن الجميع، وصلى الله على نبيه وآله وصحبه.
"يسمر مع أبي بكر" يعني هل هذا التعبير أدق أو يقال: كان أبو بكر يسمر مع النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
الآن المقدم في الذكر تقديم النبي -عليه الصلاة والسلام- في الذكر وإن عطف عليه أبو بكر بلفظ المعية إلا أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو المقصود بالاحتجاج فقدم من أجل هذا؛ لأن الحجة في فعله -عليه الصلاة والسلام-، وتقديمه في الذكر من باب عدم التقدم بين يديه، وهذه مصالح ومرجحات فائقة على مجرد المعية التي يفهم منها شيء من التبعية.(32/23)
"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين" يعني للمصالح العامة التي تهم الأمة، ولا شك أن هذه المصالح المتعدية لجميع الأمة عند أهل العلم مقدمة على العبادات الخاصة، فالسمر في مصالح المسلمين بعضهم يرجحه على قيام الليل، مع أن الشرع جاء بالتكامل جاء بالتكامل بين هذا وهذا، فالإنسان كما هو مأمور بالنفع المتعدي هو أيضاً مأمور بالعبادات الخاصة، واتفاقهم على أن المتعدي أفضل من القاصر ليس على إطلاقه، فإذا نظرنا في أركان الإسلام وجدنا أن الصلاة مقدمة على الزكاة، والصلاة نفعها قاصر، والزكاة نفعها متعدي، يعني هذه الإطلاقات من أهل العلم ليست على جهة الإطلاق المطلق، بل فيها إطلاق لكنه مقيد ببعض الصور.
"يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما" ففيه دليل على عدم كراهية السمر بعد العشاء إذا كان لحاجة عامة أو خاصة، قد تكون الحاجة خاصة، لا سيما إذا كانت هذه الحاجة مما يفوت، إذا كانت مما يفوت فإنها حينئذٍ تقدم ثم ينام الإنسان.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن عبد الله بن عمرو" عند أبي داود وابن خزيمة "وأوس بن حذيفة وعمران بن حصين" يقول الشارح: لم أقف عليهما.
"قال أبو عيسى: حديث عمر حديث حسن" الرواة كلهم ثقات حفاظ أثبات إذا نظرنا إليهم واحد بعد واحد كلهم ثقات حفاظ أثبات، لكن أشار المؤلف إلى أن في سنده انقطاع بين علقمة وعمر قال: "وروى هذا الحديث الحسن بن عبيد الله" النخعي، وهو ثقة فاضل "عن إبراهيم -النخعي- عن علقمة عن رجل من جعفي" كذا في الكتاب، فإما أن تحذف (من) فيقال: عن رجل جعفي، أو يقال: عن رجل من جعف، وبعض النسخ فيها (من) وفيها جعف بدل جعفي، وبعض النسخ ليس فيها (من) وفيها جعفي بالنسبة إلى جعف.
البخاري -رحمه الله تعالى- جعفي، لكنه جعفي بالولاء؛ لأن جده أسلم على يد يمان الجعفي، جد عبد الله بن محمد المسندي شيخ الإمام البخاري.
يقول: "وروى هذا الحديث الحسن بن عبيد الله" النخعي، وهو ثقة فاضل "عن إبراهيم -النخعي- عن علقمة" بن قيس النخعي "عن رجل من جعف يقال له: قيس أو ابن قيس" قيس بن أبي قيس، مروان الجعفي الكوفي صدوق.(32/24)
صاحب الجوهر النقي ابن التركماني وهم في هذا الإسناد، في تعليقه على البيهقي قال: إن الإسناد متصل، وخطأ الترمذي، وظن أن علقمة المذكور في الإسناد ليس هو النخعي وإنما هو علقمة بن وقاص الليثي الذي يروي عن عمر بن الخطاب حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) والحديث مخرج عند الأئمة بما فيه البخاري في سبعة مواضع عن علقمة عن عمر، فهو يظنه علقمة بن وقاص الليثي، وهو في الحقيقة علقمة النخعي، علقمة بن قيس النخعي، فوهم في تعليقه على البيهقي في زعمه أن علقمة هو ابن وقاص راوي حديث: الأعمال بالنيات عن عمر.(32/25)
"عن رجل من جعف يقال له: قيس أو ابن قيس عن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث في قصة طويلة" في قصة طويلة هذه القصة رواها الإمام أحمد في مسنده، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: قال جاء رجل إلى عمر -رضي الله عنه-، وهو بعرفة، قال أبو معاوية: وحدثنا الأعمش عن خيثمة عن قيس بن مروان أنه أتى عمر -رضي الله عنه- فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة، وتركت بها رجلاً يملي المصاحف عن ظهر قلبه، فغضب وانتفخ عمر -رضي الله عنه- غيرة على كلام الله أن يخطئ فيه هذا الرجل الذي يملي عن ظهر قلبه، يخشى أن يخطئ هذا الرجل، وليس لكل أحد أن يملي القرآن عن ظهر قلبه، إنما ذلك للحافظ المتقن المجود، وقد نهى الأمام مالك نافعاً القارئ أن يصلي بالقرآن حفظاً في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو من أئمة القراء، لماذا؟ قال: أخشى أن تخطئ فيظنها الناس قراءة، ولا شك أن هذا من الغيرة على كتاب الله، عمر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- غضب وانتفخ، لكن لما عرف القارئ من هو هان عليه الأمر، قال: فغضب وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل، فقال: ومن هو ويحك؟ قال: عبد الله بن مسعود، فما زال يطفأ ويسرى عنه الغضب حتى عاد إلى حاله التي كان عليها، ثم قال: ويحك -والله- ما أعلمه بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه، وسأحدثك عن ذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يزال يسمر عند أبي بكر -رضي الله عنه- الليلة كذاك في الأمر من أمر المسلمين، وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخرجنا معه فإذا رجل قائم يصلي في المسجد، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستمع قراءته فلما كدنا أن نعرفه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من سره أن يقرأ القرآن رطباً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)) قال: ثم جلس الرجل يدعو، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((سل تعطه، سل تعطه)) فقال عمر -رضي الله عنه-: قلت: والله لأغدون إليه فلأبشرنه، قال: فغدوت إليه أبشره فوجدت أبا بكر -رضي الله عنه- قد سبقني إليه فبشره، ولا والله ما سبقته إلى خير قط إلا وسبقني إليه".(32/26)
((من سره أن يقرأ القرآن رطباً)) وفي رواية: ((غضاً كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد)).
وذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في البداية والنهاية من ترجمة الحجاج أنه قال: "وددت أن أحك قراءة ابن أم عبد بضلع خنزير" ابن أم عبد ابن مسعود له قراءات تفسيرية، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يغري بقراءة ابن أم عبد والحجاج يقول هذا الكلام، مع أنه -نسأل الله السلامة والعافية- له عناية بالقرآن، الحجاج له عناية بالقرآن، وله ورد كبير من القرآن في كل ليلة، يقرأ في كل ليلة ربع القرآن، لكن مع ذلك يقول مثل هذا الكلام.
قال -رحمه الله-: "وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد صلاة العشاء الآخرة، فكره قوم منهم السمر بعد صلاة العشاء" يعني قد يقول قائل: يتعجب الإنسان حينما يعرف عن بعض الناس هذه العناية بكلام الله وهو الذي نقط المصاحف، وشكلها، وأعجمها، وله ورد في كل ليلة ربع القرآن يقرأ ثم يقول مثل هذا الكلام، والمسألة إنما هي الفتن تورث مثل هذا وأعظم؛ لأنه ليس مثل هذا بأعجب من قتل الخليفة بين المهاجرين والأنصار في قعر داره، الذي شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- بالجنة، وتستحي منه ملائكة الرحمن، والمهاجرون والأنصار متوافرون في المدينة، ويقتل ويمكث ثلاث ليال ما دفن، وينزل عليه في قبره ويكسر ضلعه يدفن بالليل، هذه هي الفتن، نسأل الله السلامة من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وإلا كيف يقول قائل مثل هذا، مثل هذا الكلام؟! الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من سره أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد)) وهذا يقول: وددت أن أحك قراءة ابن مسعود بضلع خنزير.
المسألة مسألة تدرج، فعلى الإنسان أن يكون راسخاً ثابتاً، لا يتنازل في بداية الطريق ثم يضطر إلى التنازل ثم التنازل إلى أن يجد نفسه لا شيء، يعني من يتصور مسلم يقول: لا إله إلا الله، يقول في سجوده: سبحان ربي الأسفل؟ شيء لا يمر على عاقل فيستسيغه، يعني شيء لا يتصوره مسلم فضلاً عن أن ينطق به، إنما هي الفتن يجر بعضها بعضاً، والسيئة تقول: أختي أختي، ويقول القائل:(32/27)
ألا بذكر الله تزداد الذنوبُ ... وتنطمس البصائر والقلوبُ
والله -جل وعلا- يقول: {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [(28) سورة الرعد] ومع ذلك أمثال هؤلاء تدّعى لهم الولاية، ويصرف لهم بعض أنواع العبادة التي لا يجوز صرفها إلا لله تصرف لهم، يدعون في الملمات وفي قضاء الحوائج من دون الله أمثال هؤلاء، وتدّعى لهم الولاية، والله المستعان.
لا أعني الحجاج، ما في أحد ادعى له الولاية، لكن من قال:
ألا بذكر الله تزداد الذنوبُ ... . . . . . . . . .
هذا قبره يعبد من دون الله الآن، ويقال له: محيي الدين، وقدس سره، وكذا وكذا، وفي بعض الأقطار إذا حصل الجدب أخرجوا كتاباً من كتبه التي فيها إلحاد يستسقون بها، والله المستعان.
"وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد صلاة العشاء الآخرة، فكره قوم منهم السمر بعد صلاة العشاء" واحتجوا بما جاء من الصريح من قوله -عليه الصلاة والسلام-، ومن كراهية الحديث بعدها "ورخص بعضهم إذا كان في معنى العلم وما لا بد منه من الحوائج" وبوب البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه: باب السمر في العلم "وأكثر الحديث على الرخصة"
واحتجوا بما جاء مما يدل على ذلك كحديث عمر في الباب الذي ذكره، وحملوا أحاديث الكراهية على السمر الذي لا مصلحة فيه كما يفعله أكثر الناس اليوم.
"وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا سمر إلا لمصلٍ أو مسافر)) " قال الحافظ ابن حجر: رواه أحمد بسند فيه راوٍ مجهول، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط، فأما أحمد وأبو يعلى فقالا: عن خيثمة عن رجل عن ابن مسعود، هذا هو المجهول الذي أشار إليه ابن حجر، عن رجل عن ابن مسعود، وقال الطبراني: عن خيثمة عن زياد بن حدير، ورجال الجميع ثقات، وعند أحمد في رواية: عن خيثمة عن عبد الله يعني ابن مسعود بإسقاط الرجل، انتهى، يعني: "لا سمر إلا لمصلٍ أو مسافر".
ورواه الضياء المقدسي في المختارة من حديث عائشة مرفوعاً: ((لا سمر إلا لثلاثة: مصلٍ أو مسافر أو عروس)).
على كل حال إذا وجد السبب المقتضي للسمر، السبب المباح المقتضي للسمر فإنه لا مانع منه، وإذا كان السمر في مستحب أو واجب فمن باب أولى، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(32/28)
جامع الترمذي كتاب الصلاة (6)
شرح: باب: ما جاء في الوقت الأول من الفضل.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذه تقول: هل للبخاري جزء مفرد يسمى الاعتصام بالكتاب والسنة؛ لأنه أحال إليه في موضع من صحيحه؟
أنا لا أعرف إلا كتاب الاعتصام من صحيحه الذي هو في أواخر الصحيح، أما كتاب مفرد مثل الأدب المفرد ما أعرف له كتاب بهذا الاسم.
تقول: الرواية الملفقة على فتح الباري رواية من؟
ما تصير رواية شخص بعينه، إذا كانت ملفقة ما تكون رواية شخص بعينه، وتقصد بذلك النسخة المطبوعة مع الشرح؛ لأن الأصل أن فتح الباري ليس معه متن، فاجتهد الطابع وأدخل المتن، وأدخل المتن في الشرح، هذا اجتهاد حقيقة ليس في محله، وإن كان من كبار؛ لأنه خلاف إرادة المؤلف، المؤلف أراده هكذا بدون متن، وليتهم إذ طبعوا وتصرفوا، طبعوا متناً يوافق الشرح، فكثيراً ما تجد في الشرح قوله: كذا، ولا تجدها في المتن، وتجد في المتن أشياء تحتاج إلى شرح ولا تشرح؛ لأن المتن المطبوع لا يوافق الرواية التي اعتمدها الشارح وهي رواية أبي ذر.
تقول: أسماء الحروف الهجائية يذكرها ابن حجر كثيراً في الفتح فيقول مثلاً: جيم مهملة أو تحتانية ساكنة؟
هذه لا تحتاج إلى مرجع.
تقول: فهلا ذكرتم مرجعاً يعرف منه هذه الأسماء للحروف؟
ما تحتاج إلى مرجع؛ لأنه لا يختلف أحد في أن الجيم مهملة، وحينما يقال مهملة يُذكر عند الالتباس، الحاء مهملة؛ لأنها تلتبس كتابتها بالخاء، إذا قيل: بالحاء لا بد أن يقال: مهملة، أما إذا قيل: جيم فلا يحتاج أن يقال ... ، أصل الجيم معجمة وليست ... ، الجيم قد يقال: المعجمة لئلا تلتبس صورتها بالميم، فحينما يقال كتابة الجيم المعجمة لئلا تلتبس كتابة بالميم المهملة، يعني كتابة اسم الحرف إذا قيل: بالجيم المعجمة، السائلة تقول: جيم مهملة هذا كلام ليس بصحيح، الجيم المعجمة خشيت أن تلتبس بالميم، تحتانية ساكنة المراد بها الياء؛ لأنها تلتبس بما يشبهها في الصورة من الباء والتاء ونحوهما.(33/1)
العلماء يهتمون بهذا عناية فائقة، من أجل ضبط الكلام، ولئلا يحدث تصحيف وتحريف، وكم من فهم ضل بسبب التصحيف والتحريف، وكما يضبطون الكلمة بتسمية حروفها وتمييزها عن غيرها يضبطونها أيضاً بتقطيع الحروف، مثلاً: الهجيمي يكتبونها بالحاشية هي تكتب مجموعة في أثناء الكلام لكنها مقطعة تكتب مقطعة في الحاشية، خشية أن تلتبس بغيرها، وأحياناً يضبطون بالنظير، وأحياناً يضبطون بالمقابل بالعكس، بالضد، عن حرام بن عثمان قالوا: بلفظ ضد الحلال، والحكم بن عتيبة تصغير عتبة الدار وهكذا.
هذه السنة الإشارة الأصل أن تكون إلى محسوس حاضر، قد يشار إلى شيء ليس حاضر في الأعيان وإنما حضوره في الأذهان، أما بعد فهذا كتاب نشرح فيه كذا، أو أما بعد فهذه ورقات ندون فيها كذا، المقدمة إن كانت كتابتها بعد التصنيف فالإشارة إلى حاضر في الأعيان، وإن كانت الكتابة قبل التصنيف فالإشارة إلى ما هو حاضر في الذهن، قوله: هذه السنة إشارة نوعية إلى أن هذا من نوع السنة، وليست إشارة شخصية.
يقول: هل يجوز أن يكون في قلب الرجل محبة طبيعية لأبيه الكافر؟ أو هل يجوز لزوج أن يكون في قلبه محبة لزوجته الكافرة؟
هذه لا يمكن أن ينفك عنها، الطبيعية هذه لا يمكن أن ينفك عنها؛ لأن الأب هو سبب الوجود، وهو الذي أحسن إليه حتى ترعرع ونشأ، فلا بد أن يجد نحوه شيء من الميل، لكن المحبة الشرعية لا تجوز له بحال، ويظهر ذلك عند التعارض، حينما يؤمر بأمر شرعي ويأمره أبوه بما يخالف هذا، فإن أطاع أباه فقد قدم محبته على طاعة الله ورسوله، وحينئذٍ يقع في الحرج والإثم العظيم، وإذا عصى أباه وامتثل الأمر الشرعي وإن كان فيه معصية لأبيه فإنه حينئذٍ تكون محبته صحيحة لله ولرسوله.
الزوج لا بد أن توجد المودة والرحمة التي أشار الله إليها -جل وعلا- في كتابه، لكن الكلام فيما إذا تعارضت هذه المحبة مع مراد الله ورسوله.
يقول: ما رأيك في طبعة فتح الباري المصورة عن طبعة بولاق؟ هل هي مثل الأصل أم لا؟
هي مثل الأصل، يعني بحروفها صورة، لا تختلف عنها شيئاً إنما تزيد عليها بالترقيم وبعض الخدمات من التعليقات النافعة.(33/2)
يقول: هل كتاب العلل الكبير للترمذي الذي رتبه أبو طالب أصله هل هو كتاب مستقل للترمذي أو هو ما قاله الترمذي في كتابه السنن في علل الأحاديث؟
الذي يظهر أنه أصل مستقل.
هذا يطلب درس غير ما في الدورة، لكن طلب من أول الأمر واعتذرت لضيق الوقت.
هذا أيضاً يسأل عن شرح ابن الملقن لصحيح البخاري ومنزلته بين الشروح الأخرى من الناحية التفسيرية والحديثية والفقهية؟
ابن الملقن معروف أنه جماع، يعني من أراد أن ينظر لأنموذج من هذا ينظر إلى شرحه لعمدة الأحكام، لكن مع كثرة جمعه تحريره أقل من جمعه، وعلى كل حال يستفيد طالب العلم من النقول الكثيرة فيه، وكونه يقدم على شرح الكرماني في هذا الباب شرح الكرماني معروف أنه مختصر وهذا مطول.
هذا يقول: ما الضابط في متابعة الإمام إن ترك بعض المستحبات أو فعل بعض الأفعال التي نعتقد أنها من البدع كالقنوت في الفجر وغيره؟
ما الضابط في متابعة الإمام؟ الضابط في متابعة الإمام ما نص عليه في الحديث من متابعته في الأفعال التي لها أصل شرعي، أما إذا خالف وفعل أشياء ليس لها أصل شرعي البتة بمعنى أنها نوع بدعة فهذه لا يتابع عليها، وكذلك إن ترك ما له أصل شرعي لا يتابع على الترك، فلو ترك رفع اليدين، أو ترك الجلسة التي يسمونها الاستراحة لا يتابع على ذلك.
القنوت في الفجر، القنوت في الفجر جاء في رسالة الشيخ عبد الله بن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب إلى أهل مكة قال: "ولا نصلي خلف الحنفي الذي لا يطمئن في صلاته، ونصلي خلف الشافعي الذي يجهر بالبسملة" وعلى كل حال القنوت في صلاة الصبح له أصل، وإن كان الراجح غيره، فلو حصل أن إنساناً دخل مع إمام يقنت في صلاة الصبح وتابعه لا شيء عليه، لكن لا يكون هذه عادة وديدن، إذا عرف أنه يقنت في صلاة الصبح باستمرار لا يصلي وراءه.
يقول: بعض أهل العلم ذهب إلى أن حديث المسيء صلاته اقتصر فيه على الأركان والواجبات، فما لم يذكر فيه فهو مستحب، هل هذا الضابط صحيح؟(33/3)
لا، فيه أشياء لم تذكر في حديث المسيء، ولعله مما أحسن فيها حينما صلى أمام النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو لأن صلاته لم تتطلبها لأنها ثنائية، وبقية الصلوات ثلاثية ورباعية، على كل حال فيه أشياء زائدة لم تذكر في حديث المسيء.
هذا يسأل عن طبعات وتحقيقات لكتب: دلائل النبوة للبيهقي؟
معروف أنه طبع منه مجلدان في المطبعة السلفية بالمدينة، ناقص، وأيضاً ما فيهما عناية تذكر، ثم طبع في دار الكتب العلمية كامل، طبعات يعني إلى الآن الكتاب بحاجة إلى مزيد عناية وخدمة.
الأفراد للدارقطني.
أطرافه لابن طاهر حققت تحقيقاً علمياً برسائل ويحرص عليها.
الجواهر والدرر للسخاوي في ترجمة الحافظ ابن حجر.
طبع في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر في ثلاث مجلدات طبعة جيدة.
الضوء اللامع للسخاوي.
لا أعرف له إلا طبعة واحدة هي طبعة القدسي في اثني عشر جزءاً، وهي طبعة في الجملة جيدة.
أفضل الكتب لدراسة مبحث الإيمان بالملائكة؟
يعني كتب العقائد التي تكلمت على مبحث الإيمان أفاضت في هذا، ومنها عقيدة السفاريني مع شرحها لوامع الأنوار، وسلم الوصول مع شرحه معارج القبول، وهناك بحوث مفردة للأشقر وغيره.
ما حكم التسمية بأسماء الملائكة مثل الذي يسمي جبريل أو يسمي ميكائيل أو ما أشبه ذلك؟
التسمية موجودة بين المسلمين من القدم من غير نكير.
يقول: إشكال استوقفني كيف نرد على من احتج على خلق القرآن بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما))؟
أولاً: كأنهما التشبيه لا يلزم فيه المشابهة من كل وجه، الأمر الثاني: أنه لا يبعد في القدرة الإلهية أن تحول المعاني إلى محسوسات، كما أن الحسنات توزن، والمعروف أن الذي يوزن هو المحسوس لا المعنوي.(33/4)
يقول: أرجو الجواب بشيء من التفصيل حول ما يثار في الساحة العلمية في مسألة منهج المتقدمين والمتأخرين بين مدعٍ وجود بيان واختلاف بين منهج المتقدمين والمتأخرين وبين نافٍ لوجود ذلك، بل تبديع من قال بوجوب اختلاف بين المنهجين لأن مؤدى كلامه إهدار جهود المتأخرين في التصحيح والتضعيف فما هو الموقف الصحيح الذي أدين الله به خاصة أنكم من المتخصصين في هذا الباب؟
هذا تكلمنا فيه كثيراً، وفي كل مناسبة نتكلم فيه، لكن من رجع إلى مقدمة تحقيق الرغبة فيه جواب مختصر عن هذا السؤال.
يقول: استمعت لمناظرة في إحدى القنوات فأثر في نفسي بعض الشكوك، ومنها أن أحد المداخلين من الشيعة رد على أحد أهل السنة بأن من هناك من رجال البخاري ومسلم اتهم بالطعن في الصحابة، ونقل نقولات كثيرة من كتب الرجال عند أهل السنة وكلام أهل العلم، واتهام بعض الرجال بأنه ممعن ممن وقع في الطعن ووقع في الشتم، ومع ذلك أخرج له البخاري ومسلم، فقال الشيخ السني عن الأسماء التي ذكرها الشيعي: أنهم من الروافض، فأجاب الشيعي: فماذا يفعلون في البخاري ومسلم؟ فسكت السني فوقع في نفسي الارتياب، فسألت أحد طلبة العلم فقرر منهج السلف في الرواية عن أهل البدع، وذكر أن البخاري ومسلم لا يروون عن غلاة الشيعة في فضل أهل البيت، وعند الرجوع إلى المناظرة ذكر أن في فتح الباري حديث من رواته غلاة الشيعة وهو في فضل علي -رضي الله عنه- أرجو توضيح هذا الأمر، إذ كيف نذم من وقع في الصحابة مع أن أئمتنا يروون عنهم ويوثقونهم، أرجو عرض هذا السؤال للأهمية؟
المبتدعة ليسوا على درجة واحدة وعلى مرتبة واحدة، المبتدعة على درجات، من أراد الفصل بين هذه الدرجات فلينظر إلى أوائل الميزان للحافظ الذهبي، بين المبتدع الذي يروى عنه والذي لا يروى عنه، بكلام واضح بين لا خفاء فيه ولا غموض.
امرأة زنت فحملت فهل يجوز لها الإسقاط؟(33/5)
لا يجوز لها الإسقاط، إذا تعدى الأربعين لا يجوز لها الإسقاط، وقبل الأربعين لا يجوز؛ لئلا يكون ذريعة وتسهيلاً لهذه الجريمة؛ لأنه إذا أفتي بجواز الإجهاض من دون قيد ولا شرط فإنه يسهل على أرباب الفاحشة أن يزاولوها ثم بعد ذلك إذا حصل شيء من الحمل أجهضوه، هذا لا يجوز بحال لأنه يسهل أمر الفاحشة.
هل يجوز الزواج من زانية بشرط إسقاط جنينها الذي هو من الزنا علماً أنه ليس هو الذي زنى بها؟
على كل حال حرم ذلك على المؤمنين، فالزانية ما دامت متصفة بهذا الوصف القبيح لا يجوز نكاحها من مؤمن إلا إذا تابت توبة نصوحاً، وحسنت توبتها فإنها حينئذٍ يجوز ذلك.
هل يجوز لشخص أن يقدم مالاً لزانية حتى تقوم بعملية الإجهاض لأنها قررت أن تنتحر؟
هذا من التعاون على الإثم والعدوان؛ لأنها قررت أن تنتحر، إذا انتحرت فهي المسئولة عن نفسها، أو أن تهرب من البيت.
هل على المرأة الذي زنت وحملت منه أن تبحث عن الزاني وتخبره بأنها حامل منه علماً أنه غير إقامته؟
على كل حال الزاني ليس له أدنى علاقة بالولد، الولد للفراش وللعاهر الحجر، فهو أجنبي بالنسبة لهذا الحمل.
يقول: مسافر لم يدرك مع إمامه إلا التشهد الأخير هل يتم أم يقصر؟
إذا كان الإمام يتم فإن المسافر يلزمه الإتمام حينئذٍ، وإذا كان مسافراً يقصر فإنه يقصر مثله.
يقول: منذ فترة توفي ابني الصغير وبعدها بشهرين تقريباً خطبت أختي وستعمل حفل عرس وقد اعترضت على هذا ولكن أهلي يريدون هذا فهل يجوز لي حضور عرسها أو أقاطعه؟
يعني ما العلاقة بين وفاة ابنه وبين هذا العرس؟ عله أن لا يريد أن يظهر هذا الفرح مثلاً وهو حزين على فقد ابنه، هذا لا ارتباط له، بل عليه أن يحضر إذا لم يكن ثم منكر.
يقول: إذا استأجرت أجيراً لعمل ما ثم لم يتم عمله فهل يلزمني إعطاؤه أجرة الجزء الذي عمل فيه؟ وهل يفرق في هذا بينما إذا كان تركه لإتمام العمل بسببي أو بسببه؟
إذا كان بسببك يلزمك أن تعطيه الأجرة كاملة، وإذا كان بسببه فإنه لا يستحق من الأجرة شيئاً إلا إذا اتفق على ذلك، جزئ العمل أو أردت إبراء ذمتك، تقول: أنا لا أريد أن آكل من حقه شيئاً فهذا هو الورع؛ لأن الإجارة عقد لازم، لا يجوز إلغاؤه من طرف واحد.(33/6)
يقول: كيف نحسب نصف الليل هل هو من غروب الشمس إلى طلوعها أو من غروبها إلى بدء وقت الفجر أو من غروبها ... ؟
الأصل من غروبها إلى طلوع الفجر، اللهم إلا من أراد أن يقوم قيام داود فإنه يحسبه من صلاة العشاء، الذي يمكن فيه النوم؛ لأن داود ينام نصف الليل، ولا يتصور أن ينام الشخص من غروب الشمس.
يقول: أحد الكتاب قال: لا يشعرون بأن الأمة الإسلامية لن تتوحد حتى يتوحد فكرها، وحتى يستيقظ وعيها في كتاب ربها، وما صح من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهل الأمة تتوحد على العقيدة أم على الفكر؟
لعله يريد بذلك العقيدة، ولا بد من التوحد على العقيدة، وأن يكون المصدر واحد، مصدر التلقي الكتاب والسنة، والفهم بفهم سلف هذه الأمة.
يقول: أبو حنيفة هل يشترط النية في العبادات أم لا؟ أم لا يراها من الشروط؟ وهل حمل حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) على تقدير إنما صحة الأعمال، أو إنما كمال الأعمال بالنيات أقصد عند أبي حنيفة؟
أبو حنيفة يشترط النية للمقاصد ولا يشترطها للوسائل، يشترطها للصلاة ولا يشترطها للوضوء، لكنه إذا كانت الوسيلة قوية تقوم بنفسها كالوضوء فإنه لا يشترطها، وإذا كانت لا تقوم بنفسها كالتيمم فإنه يشترط النية، ولذا اعترض عليه بأنه كيف يشترط النية لوسيلة ولا يشترطها لوسيلة؟ هذا مما أخذ عليه، وعلى كل حال كل عمل يتقرب به إلى الله لا بد فيه من النية.
يقول: ظهر عندنا في الفترة الأخيرة أن الشباب يحلقون لحيتهم أو يقصرونها كثيراً من أجل أن يدخلوا في قطاع التعليم وإمامة المساجد وتحفيظ القرآن؛ لأن الحكومة تمنع الذي يظهر عليه السنة في هذه المجالات، وحجة من يدخل في هذه القطاعات أنه يقول: إنه ليس من وسيلة للدعوة للسنة وإظهار العقيدة الصحيحة في المساجد إلا بالتنازل عن هذه السنن مع العلم أن الذي لا ينخرط في هذه المجالات لا يحصل له أذىً ويستطيع إعفاء لحيته ورفع إزاره، نرجو التفصيل لهذه المسألة؟(33/7)
هذه حقيقة المسألة في ليبيا على كل حال، في ليبيا وتوجد في بعض الأقطار الأخرى، ويوجد لها صور يسمونها المزاحمة، المزاحمة يتنازل عن شيء مما أمر به، أو ارتكاب شيء مما نهي عنه لكي يزاحم فيرتكب المحظور المحقق رجاء نفع مظنون، رجاء نفع مظنون، وبعض المسئولين إذا نوقش عن بعض المخالفات، قال: أنتم ما تدرون أنا ندفع شيء كبير بهذا الشيء اليسير، نقول: المقطوع به المجزوم به، المحقق لا يرتكب من أجل أمر مظنون، وقد يعاقب الإنسان إذا ارتكب هذا المحقق أن يبتلى بما وراءه ثم يتحقق، والأصل في هذا ما جاء في قصة موسى مع الخضر، لما خرق السفينة وعليها جمع من الناس لكن موتهم مظنون، ماذا قال له موسى؟ قال: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} [(71) سورة الكهف] لما قتل واحد -وهذا محقق- قال له: {لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا} [(74) سورة الكهف] المظنون قتل مجموعة من الناس، والمجزوم به قتل واحد أيهما أعظم؟ المجزوم به أعظم، ولذا جاء في الحديث الصحيح وهذه أشد لما قتل الغلام، فلا يدفع المظنون وإن كان في تقدير من دفعه كبيراً بارتكاب محظور محقق ولو كان في نظره يسيراً ما دام محرماً بالنص، أما ما يدخله الاجتهاد فهذا أمر ثاني، لكن يبقى أن الأمور المنصوص عليها لا يجوز ارتكابها بأي حال.
يقول: ما هي الطريقة المثلى لحفظ بلوغ المرام وفهم مسائله؟
الحفظ في العلوم كلها واحد، بأن يؤخذ القدر المستطاع المناسب لحافظة من أراد الحفظ، المناسب لحافظته ويردده حتى يحفظه، يردده مع حضور قلب، وإن كان من النوع الذي يصعب عليه الحفظ فليكتب، يكتب هذا القدر ويردده كتابة وقراءة حتى يحفظه، ثم من الغد يردده قبل أن يبدأ بحفظ النصيب الجديد، وفهم مسائله تكون بمراجعة الشروح المطبوعة والمسموعة.
يقول: ما حكم قول المسلم أثناء الكلام: "لا قدر الله"؟
لا قدر الله هذا دعاء ألا يقدر هذا المكروه، دعاء من قبل المتكلم أن لا يقدر ولا يكتب هذا المكروه، وهذا في نظري لا إشكال فيه -إن شاء الله-.
بعضهم يقول: والله لا يقوله، إذا كان كلام منكر فلا شك أن الله لا يقوله.
ما التوجيه الراجح والصحيح لقول الإمام الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح؟(33/8)
هذه أجبنا عنها مراراً، وقلنا: إن الجمع بين الصحة والحسن مشكل عند أهل العلم؛ لأن الحكم بالحسن حكم على الخبر بالمنزلة الدنيا، والحكم له بالصحة حكم له بالمنزلة العليا، فيجمع له بين الدنيا والعليا، وهذا لا شك أنه إشكال، وقلنا مراراً: إن هذا نظير من سئل بعد نجاحه عن تقديره فقال: جيد جداً ممتاز، يجي مثل هذا الكلام وإلا ما يجي؟ ما يمكن يجي هذا إلا على تقدير انفكاك الجهة، بمعنى أنه جيد جداً في التقدير العام وممتاز في التقدير الخاص، ممكن، وهنا نقول: إنه حسن باعتبار طريق، وصحيح من طريق أخرى، حسن باعتبار مفرداته، صحيح باعتبار المجموع، ومنهم من يقول: إن المراد بقوله: حسن صحيح أنه على سبيل التردد، يعني لا يدرى هل بلغ مرتبة الصحة أو لم يبلغها، وأما الحسن فمتحقق، فيقال: حسن صحيح يعني يقصر دون الصحيح، وأما الحسن فمتيقن، ومنهم من يقول: إن هذا سببه التردد عند الإمام الترمذي، وغاية ما هنالك أنه عليه أن يقول: حسن أو صحيح، ومنهم من يقول: إن حسن صحيح مرتبة بين الحسن والصحيح، فيكون صحيح مشرب بحسن، أو حسن مشرب بصحة، كما يقال في الطعوم إذا جئت بالحلو مفرداً قلت: حلواً، وإذا جئت بالحامض قلت: حامض، وإذا خلطتهما قلت: حامض حلو، فهذا قريب منه، وعلى كل حال الأجوبة كثيرة جداً.
وأما الغرابة فهي غرابة نسبية لا يريد بها الترمذي التفرد؛ لئلا تعارض كلمة حسن الذي يشترط له أن يروى من غير وجه، ومع ذلك لو أن راويه تفرد به ولا يعرف إلا عنه، قلنا: إن الترمذي في تعريفه للحسن وشرطه أن يروى من غير وجه إنما هو فيما يقول فيه حسن فقط، دون وصف آخر.
يقول: ماذا يفعل الباحث إذا اختلف الثقات في الحكم على الراوي؟
يعني إذا اختلف الأئمة على راوٍ من الرواة لا شك أن هناك قواعد عند أهل العلم تضبط ما جاء في الرواة من جرح أو تعديل، من أرادها يرجع إليها في كتب أهل العلم، ويكثر من النظر في أحكامهم.
يقول: اختلف العلماء في عدد أحاديث صحيح البخاري ما سبب ذلك؟(33/9)
سببه أمران: أولاً: أنهم لا يعتنون بالعدد بدقة، يعني مسند أحمد قالوا: ثلاثين ألف حديث أو أربعين ألف حديث، يعني ما يهمهم العدد بدقة، والبخاري قالوا: فيه سبعة آلاف وخمسمائة، أو سبعة آلاف وزيادة، وقالوا: بدون المكرر أربعة آلاف، وعده ابن حجر بدون تكرار ألفين وخمسمائة وحديثين، الفرق ليس باليسير، الفرق ليس بالسهل، لماذا؟ لأنهم لا يعنون بالعدد، واحد اثنين ثلاثة أربعة كما يعتني به المتأخرون؛ لأنه بدلاً من أن يعد أحاديث المسند يحفظ مائة حديث، هذا الذي يهمهم، بينما اتجهت همم المتأخرين إلى هذه القشور، تجده يصرف وقت طويل في العدد، وتجد هذا الذي يحفظ من طلاب العلم الذين يحفظون، تجده كلما حفظ حديث عد السابق، ثم إذا حفظ حديث عد السابق مرة ثانية، وهكذا وثالثة وعاشرة ومائة، ويضيع الأوقات بمثل هذا، يعد السابق كم فات؟ وكم بقي؟ في كل جلسة، وزاد الترف عند بعضهم حتى قالوا عن شخص أنه عد حروف القرآن وعد حروف تفسير الجلالين؛ لينظر أيهما أكثر القرآن أو الجلالين.
هذا يقول: إذا كان الشخص إذا اعتزل مع أهل بيته وجيرانه إذا اعتزل معهم أو عنهم؟
أظنه إذا اختلط بهم، نعم إذا اعتزل ما يمكن أن يرد مثل هذا السؤال.
إذا اعتزل يقول: ولعله إذا اختلط مع أهل بيته وجيرانه تأثر بهم لكثرة مخالفتهم وقوة تأثيرهم فهل الأفضل له أن يبحث عن رفقة صالحة ويخالطهم؟
نعم {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [(28) سورة الكهف] والعزلة والخلطة يعني محل بحث ونظر طويل من القدم، من الصدر الأول، وجاء فيها نصوص تفضل العزلة ونصوص تفضل الخلطة، ولا شك أن هذا يختلف باختلاف الأشخاص، فالذي يتأثر ولا يستطيع أن يؤثر هذا العزلة أفضل له، والذي يستطيع أن يؤثر ولا يتأثر هذا الخلطة بالنسبة له أفضل.
يقول: أنا صليت إمام وأثناء الصلاة تذكرت أني على غير وضوء، وأنا جال بالأحكام -لعله وأنا جاهل بالأحكام- أي كيف أتصرف؟ فأكملت الصلاة والحالة هذه صليت الظهر ثم نمت النصف ساعة ولكثرة الزحام لم أستطع أن أتوضأ وصليت هل هذه الصلاة صحيحة؟ أم كيف الحل ... ؟(33/10)
طيب لم استطع أن أتوضأ، يعني لعدم الماء أو لعدم القدرة على استعماله، وتيممت الصلاة صحيحة، وإذا كان مع وجود الماء والحصول إليه يحتاج إلى انتظار أو لشيء من هذا فعليك أن تنتظر، وإذا لم تجد الماء أو لم تستطع استعمال الماء فعليك أن تتيمم وتصلي، وأما صلاتك التي صليت بها فهي باطلة، وصلاة من خلفك باطلة، ما دام تذكرت وأنت في الصلاة.
هل نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- مرسل للجن والإنس؟
نعم؛ لأنهم كلهم مكلفون، وكيف يكلفون إذا لم يرسل إليهم رسول؟ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] والتقى بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- وقرأ عليهم القرآن.
يقول: قد ورد في الأحاديث أن ماء زمزم لما شرب له، فإن أردت شربه لشيء ما هل تكفي النية أم يجب علي النطق أيضاً؟
النية كافية، لكن إن نطقت بذلك فقد نطق به جمع من أهل العلم وعُرف عنهم، وأخبروا به من حولهم أنه شربه لكذا لحفظ كذا، لظمأ يوم النشور ... إلى آخره.
وهل صحيح ما ورد عن بعض العلماء من أنهم كانوا يشربون ماء زمزم على نية الحفظ أو زيادة العلم؟
نعم هذا نقل عنهم.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وبارك له في عمره وفي علمه.
قال المؤلف -رحمنا الله وإياه تعالى-:
باب: ما جاء في الوقت الأول من الفضل:
حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث قال: حدثنا الفضل بن موسى عن عبد الله بن عمر العمري عن القاسم بن غنام عن عمته أم فروة -رضي الله عنها- وكانت ممن بايعت النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- أي الأعمال أفضل؟ قال: ((الصلاة لأول وقتها)).
حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد الله بن وهب عن سعيد بن عبد الله الجهني عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ....
. . . . . . . . .
طالب: سم يا شيخ؟
أعد عن سعيد؟
طالب: عن سعيد بن عبد الله الجهني.
. . . . . . . . .
طالب: سم يا شيخ.
. . . . . . . . .
طالب: عن محمد بن عمر.
. . . . . . . . .
طالب: عن سعيد بن عبد الله.
عن سعيد بنِ.
طالب: ابنِ عبد الله.
. . . . . . . . .(33/11)
طالب: عفا الله عنك.
قال: حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد الله بن وهب عن سعيد بن عبد الله الجهني عن محمد بنِ عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: ((يا علي ثلاث لا تؤخرها: الصلاة إذا آنت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها كفئاً)).
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب حسن.
قال -رحمه الله-: حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا يعقوب بن الوليد المدني عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ....
حدثنا يعقوب بن الوليد.
طالب: ابن الوليد المدني.
قال: حدثنا يعقوب بن الوليد المدني عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الوقت الأول من الصلاة رضوان الله، والوقت الآخر عفو الله)).
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب.
الآخِر.
((والوقت الآخِر عفو الله)).
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب.
وقد روى ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه، قال: وفي الباب عن علي وابن عمر وعائشة وابن مسعود -رضي الله عنهم-.
قال أبو عيسى: حديث أم فروة لا يروى إلا من حديث عبد الله بن عمر العمري وليس هو بالقوي عند أهل الحديث، واضطربوا عنه في هذا الحديث، وهو صدوق، وقد تكلم فيه يحيى بن سعيد من قبل حفظه.
قال -رحمه الله-: حدثنا قتيبة قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن أبي يعفور عن الوليد بن العيزار عن أبي عمرو الشيباني أن رجلاً قال لابن مسعود -رضي الله عنه-: أي العمل أفضل؟ قال: سألت عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((الصلاة على مواقيتها)) قلت: وماذا يا رسول الله؟ قال: ((وبر الوالدين)) قلت: وماذا يا رسول الله؟ قال: ((والجهاد في سبيل الله)).
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
وقد روى المسعودي وشعبة وسليمان هو أبو إسحاق الشيباني وغير واحد عن الوليد بن العيزار هذا الحديث.
قال -رحمه الله-: حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن إسحاق بن عمر عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة لوقتها الآخِر مرتين حتى قبضه الله".(33/12)
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وليس إسناده بمتصل.
قال الشافعي: والوقت الأول من الصلاة أفضل، ومما يدل على فضل أول الوقت على آخره اختيار النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر، فلم يكونوا يختارون إلا ما هو أفضل، ولم يكونوا يدعون الفضل، وكانوا يصلون في أول الوقت، قال: حدثنا بذلك أبو الوليد المكي عن الشافعي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوقت الأول من الفضل" في الوقت الأول يعني في أول الوقت، في بدايته، في أوائله.
قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث قال: حدثنا الفضل بن موسى عن عبد الله بن عمر العمري عبد الله بن عمر العمري" المكبر، وله أخ اسمه: عبيد الله، وتقدم ذكرهما مراراً، وعبيد الله المصغر هو الثقة، وعبد الله المكبر ضعيف عند أهل العلم لسوء في حفظه، وهو الذي معنا، مضعف من جهة حفظه، وإن كان في ديانته لا مطعن فيه على ما سيأتي في كلام الترمذي أنه صدوق، أي صدوق من جهة العدالة، وأما من جهة الضبط فحفظه فيه شيء؛ لأنه اشتغل بالعبادة عن حفظ السنن، فكثر الخطأ في حديثه، فكثر الخطأ في حديثه، قد يقول قائل: هل الاشتغال في العبادة يسبب سوء الحفظ؟ لا شك أن الانشغال عن الشيء يسبب شيء من ذلك، لكن المطلوب من المسلم التوازن؛ لأنه قد ينهمك في عبادته ويترك التعلم، أو لا يوليه إلا عناية لا تليق به قليلة فينسى كثيراً من العلم، هذا إذا اشتغل بما يعين على التحصيل وهو العبادة، فكيف إذا اشتغل بما يصد عن التحصيل وهو أمور الدنيا؟!
الصالحون هؤلاء الذين يشتغلون بالعبادة عن متابعة التحصل لا شك أنه إذا غفلوا عن التحصيل ولم يعطوه ولم يولوه العناية اللائقة به، فإن تحصيلهم يتأثر؛ لأن العلم ينسى؛ لأن العلم ينسى، نعم العمل لا بد منه، وهو الذي يثبت العلم، لكن لا يكون على حساب العلم.(33/13)
تكثر عبارة عند المؤلفين وهي في مثل هذا الراوي ونحوه يقولون: أدركته غفلة الصالحين، نعم الصالحون غافلون عما حرم الله عليهم، غافلون ما لا يليق بهم من الفضول، لكن ما ينفعهم لم يغفلوا عنه، بل هم أشد الناس نباهة، وأشد الناس حرصاً على ما ينفعهم؛ لأن الغفلة في أصلها مذمومة، وكونها تنسب للصالحين يستدل به على أن أهل الصلاح كلهم لديهم غفلة، نعم لديهم غفلة عما لا يليق بهم، عما لا يجدر بهم، ولا يحسن بهم، عما حرم الله عليهم، كما قال حسان:
حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
المحصنات الغافلات عن البحث والنظر إلى الرجال والتطلع إليهم هذا يمدح به، لكن أصل الغفلة مذمومة؛ لأن الغفلة إن كانت عما ينفع فهي مذمومة، وإن كانت عما يضر فهي ممدوحة، لكن لا ينسب للصالحين الغفلة بإطلاق، أدركته غفلة الصالحين إلا إذا كان المراد بها عما يضرهم، لكن إذا كانت الغفلة عما يضرهم ولا يليق بهم فهذه صفة مدح، وهي إنما تساق على جهة التنقص، أدركته غفلة الصالحين في مثل هذا الحال الذي غفل فيها عما يطلب منه من متابعة الطلب.
"عن القاسم بن غنام" البياضي المدني، صدوق مضطرب الحديث، يعني ليس له من الحديث إلا القليل جداً وفيه اضطراب كبير، فكونه يستحق الوصف بصدوق إن كان من جهة العدالة فقد وصف العمري هذا بأنه صدوق على ما سيأتي في كلام الترمذي، وإن كان من جهة الضبط فلا؛ لأنه حديث واحد أو اثنين أو مجموعة أحاديث ومضطربة، منها هذا الحديث الذي معنا فيه اضطراب، فلا يستحق الوصف بصدوق الذي من أجله يحسن حديثه؛ لأن الصدوق بهذا اللفظ اختلف فيه هل هو لفظ تعديل أو لا يقتضي التعديل؟ فمنهم من يقول: إن هذا اللفظ بصيغة المبالغة فعول تعديل، وحديثه مقبول، حديثه حسن، وهذا الذي اعتمده أكثر أهل العلم، ويجعلونها في مراتب التعديل بعد ثقة.(33/14)
ومنهم من يرى أن صدوق لا تقتضي التعديل بالنسبة للضبط وإن اقتضته بالنسبة للعدالة، وعلى هذا فحديثه ضعيف، وهو الذي رجه ابن الصلاح؛ لأنها لا تشعر بشريطة الضبط، وعليه عمل أبي حاتم الرازي، سألت أبي عن فلان، فقال: صدوق، فقلت: أتحتج به؟ قال: لا؛ لأن صدوق لا تشعر بشريطة الضبط، والطرف الآخر يقولون: لا، ما استحق أن يوصف بصيغة المبالغة إلا أنه ملازم للصدق، ومعنى هذا أنه لا يقع الكذب في كلامه لا عن عمد ولا عن غير عمد، وإذا انتفى الكذب في كلامه لا عن عمد وهو الكذب الذي يأثم به، ولا عن غير قصد وهو الخطأ الذي لا يأثم به فعنده ضبط على هذا.
صدوق صيغة مبالغة، نضرب مثال: شخص في مناسبة طرق عليه الباب فأرسل الولد فقال: من؟ جاء إليه الولد قال: فلان، ذهب وإذا به بالفعل فلان، ثم طرق ثانية فقال: فلان، ثالثة عاشرة، وكلها كلامه مطابق للواقع، هذا صدوق وإلا كذوب؟ الولد؟ صدوق؛ لأنه لازم الصدق في جميع أخباره التي قد تزيد على مائة في يوم واحد، فهو يستحق الصيغة صدوق، لكن إذا سأله أبوه بعد يوم واحد فقال: من جاءنا بالأمس؟ فعد واحد اثنين ثلاثة خمسة ووقف عن مائة، هذا ضابط وإلا غير ضابط؟ هل فيه تلازم بين صدوق مع الضبط؟ ما في تلازم؛ لأن الضبط وصف يختلف عن الصدق الذي هو مطابقة الواقع بالكلام، لكن إذا عرفنا أن العرب لا سيما قريش وهو مذهب أهل السنة أن الكذب يشمل المقصود المتعمد وغير المتعمد، فإخباره من الغد عن من حضر وخطأه فيمن بقي، هذا يسمى كذب وإن كان غير متعمد، فمن هذه الحيثية رأوا أن الصدوق بهذا الوصف صيغة المبالغة لا يستحقها إلا من عنده شيء من الضبط؛ لأن من لا ضبط عنده لا بد أن يقع الخطأ في كلامه، وإذا وقع الخطأ في كلامه صح أنه غير صادق؛ لأنه لا يشترط في الكذب التعمد.
"عن عمته أم فروة" يقول ابن حجر: أم فروة صحابية، يقال: هي بنت أبي قحافة، أخت لأبي بكر من أبيه، "وكانت ممن بايعت النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- أي الأعمال أفضل؟ قال: ((الصلاة لأول وقتها)) الصلاة لأول وقتها لكن الحديث ضعيف، الحديث ضعيف على ما تقدم، ولأول وقتها اللام بمعنى (في) يعني في أول وقتها، ولكن الحديث ضعيف.(33/15)
قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد الله بن وهب عن سعيد بن عبد الله الجهني" يقول ابن حجر: مقبول، وسيأتي راوٍ آخر قيل فيه: لين، سيأتي هذا الراوي -إن شاء الله تعالى-، قيل فيه: لين، والذي معنا مقبول، وتكلمنا في الفرق بين الاصطلاحين مراراً، لكن لا مانع من التذكير به.
متى يقال للراوي: مقبول؟ ومتى يقال له: لين؟ ابن حجر في مقدمة التقريب قال: "من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يذكر في حقه ما يترك حديثه من أجله، فإن توبع فمقبول وإلا فلين" يعني ما في فرق بين الراوي المقبول والراوي اللين إلا أن هذا توبع وهذا لم يتابع، وقلت مراراً: إن هذا مشكل، لماذا؟ لأن الحكم يكون على الحديث لا على الراوي، الراوي لا يتغير وضعه، وصفه لا يتغير إذا كنا نحكم على راوي، بغض النظر هل تابعه غيره أو لم يتابعه، الذي يتأثر المروي، فإن توبع راويه ارتقى، لكن الراوي ما يرتقي، وإن لم يتابع بقي في حيز الضعيف.
اللين هذا الذي ضعّف وقيل فيه: لين إن توبع صار مقبول، والمقبول هذا إن لم يتابع في بعض حديثه صار ليناً، فلا شك أن هذا الاصطلاح مشكل؛ لأن الحكم على الرواة لا على المرويات، ومن خلال الحكم على الرواة يأتي الحكم على المروي، نعم قد يقول قائل: إن ضبط الراوي إنما يعرفه أهل العلم بمتابعة الثقات له، وبموافقته لهم.
ومن يوافق غالباً ذي الضبطِ ... فضابطٌ أو نادراً فمخطئ
يعرف ضبط الراوي بمقارنة حديثه لأحاديث الثقات، فإن وافقهم فهو ضابط، وإن خالفهم فهو غير ضابط، لكن مع ذلك الحكم على الراوي بأنه مقبول لا شك أنه حكم على المروي، اللهم إلا إذا كان ليس له إلا هذا الحديث فيتلازم الحكم على الراوي مع الحكم على المروي، لكن قد يكون له عشرة أحاديث توبع على خمسة وخمسة لم يتابع عليها، فهل نقول في الراوي في هذا الموضع: لين، وفي الموضع الثاني: مقبول؟ لا، هذا اضطراب في الحكم.(33/16)
"حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد الله بن وهب عن سعيد بن عبد الله الجهني عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب" طيب علي بن أبي طالب يسمي عمر معروف، وهو ثقة، عمر بن علي، فهل بين عمر وعلي من خلاف؟ هل بينهما من خلاف؟ أو أن المبتدعة أوجدوا هذا الخلاف؟ فكونه يسميه باسمه هذا دليل على محبته أو على كراهيته له؟ على محبته، وعلى إعجابه به، واعترافه بفضله.
"عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب" محمد صدوق، وأبوه عمر بن علي ثقة "عن علي بن أبي طالب: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: ((يا علي ثلاث لا تؤخرها)) " ثلاث، يعني وفي رواية: ((ثلاثةٌ)) من الأشياء، وثلاث نكرة وسوغ الابتداء به الوصف المقدر، سوغ الابتداء به وإلا الأصل أنه لا يبتدئ بنكرة، الوصف المقدر، لا تؤخرها هذا الخبر، ما هي؟ هي: ((الصلاة إذا آنت)) وفي بعض النسخ: ((أتت)) وآنت وحانت يعني دخل وقتها بمعنىً واحد ((والجنازة إذا حضرت)) الجنازة هي الميت أو الميت على السرير أو على النعش، ويفرقون بين الجَنازة والجِنازة، الجَنازة الميت على السرير، والجِنازة السرير بناءً على ما درجوا عليه من أن الأعلى للأعلى والأسفل للأسفل، الجَنازة الفتح أعلى، والجِنازة الكسرة أسفل والأعلى هو الميت والأسفل الذي هو الكسر للنعش لأنه أسفل، كما قالوا في دَجاجة للذكر ودِجاجة بالكسر للأنثى، وقالوا في المايح والماتح، الماتح النقطتين من فوق، والمايح من أسفل، الماتح الذي في أعلى البئر يستقي، ويجذب الرِشا بالدلو، والمايح الذي هو في أسفل البئر يعبي هذا الدلو، لماذا؟ لأن الأعلى للأعلى والأسفل للأسفل، كذا قرر أهل العلم، ولكنه يعني موجود له بعض الأمثلة، لكن لا يعني أنه مطرد، وهذا يذكرونه في ملح العلم لا في متينه كما هو معلوم.(33/17)
في مثلث قطرب ذكر الرَشا والرِشا والرُشا، في مثلث قطرب، الرَشا ولد إيش؟ ولد الغزال، والرِشا الحبل الذي يربط به الدلو لاستخراج الماء، والرُشا جمع رشوة، هذه الألفاظ المثلثة ينبغي لطالب العلم أن يعنى بها، ومثلث قطرب قصيرة جداً، يعني يوجد عشرة أضعافها من المثلث في لغة العرب، فأقل الأحوال أن يعرف طالب العلم مثل هذه، مثل الحَرة والحِرة والحُرة، الحَرة الحجارة، والحِرة الحرارة، والحُرة المختارة من محصنات العربِ.
((والجنازة إذا حضرت)) يعني لا تؤخر؛ لأنا أمرنا بتعجيل تجهيزها والصلاة عليها ودفنها، ((والأيم إذا وجدت لها كفئاً)) الأيم: المرأة دون زوج سواءً كانت بكراً أو ثيباً يقال لها: عزبة، ليس لها زوج، فإذا تقدم لها أحد فلا تؤخر، سواءً كانت بكراً أو ثيباً إذا وجدت لها كفئاً، يقول ابن حجر: هذا الحديث أخرجه الترمذي والحاكم بإسناد ضعيف.(33/18)
الكفاءة بالنسبة للمرأة مع من يخطبها الأصل في ذلك الدين، وترجم الإمام البخاري في كتاب النكاح من صحيحه باب الأكفاء في الدين، وأورد فيه حديث ضباعة بن الزبير: إني أريد الحج وأجدني شاكية، فقال: ((حجي واشترطي، فإن لك على ربك ما استثنيتِ)) طيب ما المناسبة بين هذا الحديث وبين الترجمة كتاب النكاح وباب الأكفاء في الدين؟ ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب بنت عم النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، وكانت تحت المقداد، والمقداد مولى، يعني البخاري -رحمه الله تعالى- لدقة نظره ما أورد الحديث في كتاب الحج، ولا في باب الإحصار، ولا في أي باب من أبواب الحج، ولذلك حكم كثير من الباحثين قبل عهد الآلات والفهارس على أن هذا الحديث بأنه لم يخرجه البخاري، وهو خرجه في كتاب النكاح، من يبحث عن هذا الحديث في كتاب النكاح؟ لا يمكن أن يدور في خاطر الإنسان أن الحديث في كتاب النكاح، حتى أن بعض الكبار حكم على من عزاه للبخاري بالوهم، وهو في البخاري في كتاب النكاح باب الأكفاء في الدين، قد يقول قائل: إن تزويج العربية بغير العربي يترتب عليه مشاكل وعداوات، وقد يصل الأمر إلى ما لا تحمد عقباه، لا شك أن ما يترتب عليه مفاسد أو مضار يمنع من أجل هذه المفاسد مع اعتقاد شرعيته وصحته، لو يتقدم لك شخص من خيار الناس من غير هذه البلاد يريد أن يتزوج ابنتك، والمسألة مسألة عرض وطلب، يعني إذا كانت البنت تقدم بها السن أو أعرض عنها الخطاب لأمر من الأمور فيها نقص يمكن أن تزوج، المسألة عرض وطلب ما أنت مخلٍ بنتك تجلس، لكن إذا كانت ماشية في بلدك هل تزوجها شخص؟ يمكن ما تزوجها شخص، لماذا؟ لا لأنه ليس بكفء، بل لما يترتب على ذلك من وجود أولاد ثم قد يسافر بهم إلى بلد لا ترضى السكنى فيه لبنتك ولا أولادها، فمن هذه الحيثية إذا منعت ما تلام، لكن إذا جاء الكفء، ((إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)) والمسألة نظر في مصالح ومفاسد، لا بد من اعتبار هذه الأمور، يعني لا يلام من منع لما يترتب على ذلك من مفاسد مع اعتقاده وإقراره بأن هذا أمر شرعي، وإن كان من أهل العلم من يرى الكفاءة في النسب، لكن قوله مردود بأحاديث كثيرة {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ(33/19)
أَتْقَاكُمْ} [(13) سورة الحجرات] ((لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى)) لكن يبقى أن النظر في المصالح والمفاسد أمر مقرر في الشرائع وعند عامة العقلاء، يعني ما أفعل فعل ولو كان مباحاً في الأصل من أجل .. ، وقد يترتب عليه مفاسد ومشاكل ومضار، هذا من حقك أن تقول هذا، لكن ليس من حقك أن تقول: ما يجوز.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب" وابن حجر يقول: أخرجه الترمذي والحاكم بإسناد ضعيف، وعرفنا ما فيه، وعلى مقتضى القواعد الجارية عند المتأخرين أنه ما دام مقبول فالمجزوم به أنه توبع، ومحمد بن عمر صدوق، وعمر ثقة ماذا بقي من إسناده؟ الأصل أن يحسن يعني على قواعد المتأخرين، لكن كأن الحافظ ابن حجر نظر إلى أن هذا الذي حكم عليه أنه مقبول أنه لم يتابع عليه فيبقى في حيز الضعيف.
أما معناه فصحيح، من حيث المعنى فصحيح، الصلاة لا تؤخرها إذا آنت، تفعل في أول وقتها، وهذا ديدنه -عليه الصلاة والسلام-، كما سيشير إليه الترمذي فيما بعد، والجنازة إذا حضرت أيضاً لا تؤخر وأمرنا بتعجيلها، والأيم إذا وجد لها الكفء لا يجوز تأخيرها بل هو عدوان عليها وافتئات عليها، وكم من بنات في بيوت المسلمين تأخرن بسبب أولياء الأمور، فمنهم من يتأخر حرصاً على بنته، يريد لها الأفضل، كلما جاءه أحد قال: نريد أفضل، وهذا باعثه الحرص، لكن أحياناً قد يسيء وهو لا يشعر، قد لا يأتيها أحد بعد ذلك، والعادة أن البنت إذا ردد عنها مراراً أنها في الغالب تتأخر في الزواج، ثم بعد ذلك تأتي أسئلة من يتقدم لها، لماذا تأخرت؟ فالمبادرة لا شك أنها هي الأولى، ولو لم يكن الخاطب هو المطلوب من كل وجه، قد يتجاوز عن بعض الأمور نظراً لما تعيشه المجتمعات الإسلامية في الظروف التي نعيشها من مشاكل وكوارث ومصائب ومؤثرات، فإذا جاء الكفء لا تتأخر.(33/20)
قال -رحمه الله-: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا يعقوب بن الوليد المدني" يعقوب بن الوليد المدني كذبه أحمد وغيره، فالخبر ضعيف جداً، ما دام حكم عليه بالكذب فيقرب أن يكون موضوعاً وحكم عليه بالوضع، على كل حال فيه يعقوب بن الوليد المدني وكذبه جمع من أهل العلم، وعبد الله قال: "عن عبد الله بن عمر" العمري ضعيف على ما تقدم "عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الوقت الأول من الصلاة رضوان الله)) (من) هذه بيانية أو تبعيضية، من وقت الصلاة رضوان الله، أي سبب رضوان الله، لما فيه من الاتصاف بالمسارعة، والمسابقة التي جاء الأمر بهما، جاء الأمر {وَسَارِعُواْ} [(133) سورة آل عمران] {سَابِقُوا} [(21) سورة الحديد] هذه مسارعة فهو مقتض لرضوان الله، فهو سبب لرضوان الله ((والوقت الآخر عفو الله)) أي وقت الاضطرار قبل خروج الوقت عفو الله، ولا يوجد العفو إلا بعد وجود إساءة تستحق العفو، وعلى كل حال الحديث ضعيف جداً، وحكم عليه بعضهم بالوضع، وآفته الحقيقية يعقوب بن الوليد المدني، وغفل من ضعفه بعبد الله بن عمر العمري وسكت عن يعقوب بن الوليد على ما سيأتي.
آخر الوقت وقت الاضطرار عفو الله؛ لأن الصلاة تكون أداء قبل خروج وقتها، فأفاد أن الأول أفضل؛ لأن الرضوان للمسارعين، والعفو عن المقصرين.
في (بذل المجهود) للسهانفوري يقول -حقيقة حرف الحديث لأنه حنفي، ويتعصب لمذهبه، ويؤول الأحاديث على مقتضى المذهب، بذل المجهود صاحبه يقول: إن العفو عبارة عن الفضل ((الوقت الأول رضوان الله، والوقت الآخر عفو الله)) يعني فضله، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [(219) سورة البقرة] يعني الفضل، القدر الزائد، ومعنى الحديث أن من أدى الصلاة في أول وقتها فقد نال رضوان الله، وآمن من سخطه وعذابه، ومن أدى الصلاة في آخر الوقت فقد نال فضل الله، ونيل فضل الله لا يكون بدون الرضوان، يعني الفضل قدر زائد على الرضوان، فكانت هذه الدرجة أفضل من تلك".(33/21)
يقول المباركفوري شارح الترمذي: "ليس هذا تفسير للحديث بل هو تحريف له" وهذا الكلام صحيح؛ لأن العفو إنما يكون عن المسيء، والرضوان إنما يكون بالنسبة للمطيع، هذا لا يكاد أن يختلف فيه أحد.
"قال أبو عيسى: هذا حديث غريب" بل ضعيف جداً، وأنكر ابن القطان على عبد الحق صاحب الأحكام، أنكر ابن القطان أبو الحسن ابن القطان الفاسي صاحب بيان الوهم والإيهام، وهذا كتاب في غاية الأهمية لطالب العلم، نعم قد يكون مستواه فوق مستوى المتوسطين لكن يستفاد منه، وأما بالنسبة لطالب العلم المتمكن فلا يمكن أن يستغني عن مثله.
وأنكر ابن القطان على عبد الحق تعليل الحديث بالعمري، عبد الحق قال: ضعيف؛ لأن في إسناده عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف، كيف يقول: فيه العمري وفيه يعقوب الذي ذكرناه سابقاً، يعقوب بن الوليد المدني وهو كذاب، قال أبو حاتم: كان يكذب والحديث الذي رواه موضوع، والعجب من سكوت الترمذي عن يعقوب، المفترض أن يبين حال يعقوب؛ لأن السكوت في مثل هذه الحالة تغرر طالب العلم المبتدئ الذي يقرأ في الترمذي، والعجب أيضاً من الإمام الشافعي الذي استدل به في مواضع من كتبه في الرسالة وفي اختلاف الحديث وفي الأم، استدل به على تفضيل أول الوقت مع أنه موضوع.
"وقد روى ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه، قال: وفي الباب عن علي وابن عمر وعائشة وابن مسعود" وهذه الأحاديث كلها خرجها الترمذي في الباب، في الباب نفسه.
"قال أبو عيسى: حديث أم فروة لا يروى إلا من حديث عبد الله بن عمر العمري وليس هو بالقوي عند أهل الحديث" عرفنا أن في حفظه شيئاً، فيه ضعف حفظه "واضطربوا عنه" يعني في روايته عنه، في هذا الحديث، يقول الزيلعي: ذكر الدارقطني في هذا الحديث اختلافاً كثيراً واضطراباً، ثم قال: والقول فيه من قال: عن القاسم عن جدته عن أم فروة هذا الراجح، القاسم عن جدته عن أم فروة، وهنا يقول: عن القاسم بن غنام عن عمته أم فروة، عن جدته غير أم فروة عن أمر فروة، فيكون فيه سقط وهو جدته ولا يدرى ما حالها، عن جدته عن أم فروة، هكذا قال الحافظ الدارقطني في علله.(33/22)
"واضطربوا عنه في هذا الحديث، وهو صدوق، وقد تكلم فيه يحيى بن سعيد -القطان- من قبل حفظه" قالوا: لأنه ممن غلبت عليه العبادة حتى غفل عن حفظ الأخبار حتى كثر الخطأ في حديثه.
قال -رحمه الله-: "حدثنا مروان بن معاوية الفزاري" قالوا عنه: إنه ثقة حافظ، يدلس أسماء الشيوخ، مروان بن معاوية الفزاري يدلس أسماء الشيوخ، يعني إذا قيل: يدلس يعني يسقط الشيوخ، وإذا قيل: يدلس تدليس تسوية فإنه يسقط من فوق شيخه، لا يسقط شيخه، تدليس إسقاط، لكن يدلس أسماء الشيوخ، بمعنى أنه يسميهم بغير أسمائهم، أو يكنيهم بغير ما اشتهر من كناهم، أو ينسبهم إلى غير ما اشتهر من نسبهم، يقول: حدثنا فلان بن فلان القرطبي، تبحث عن هذا الراوي في تواريخ الأندلس ما تجد، فإذا به منسوب إلى محلة ببغداد مثلاً.
يقول: حدثنا أبو صالح بن هلال، ويريد بذلك الإمام أحمد بن حنبل، هو أبو صالح نعم، لكن اشتهر بأبي عبد الله، وجده هلال، أحمد بن محمد بن هلال، إلى آخره، فكونه يكنيه بما لا يعرف به أو ينسبه إلى ما لم يعرف به ولو كان صحيح ما كذب؛ لأنه لو كذب خلاص ضعف الراوي بسببه وترك، لكن ما كذب، يروي عن شخص عراقي وينسبه إلى بلد مشتهر بالأندلس مثلاً أو بمصر أو بالمشرق؛ لأنه ينتسب إلى محلة ببغداد أو باليمن أو ما أشبه ذلك، هذا تدليس شيوخ، وهو أسهل أنواع التدليس؛ لأنه لم يسقط، السند موجود كامل، لكن هو يوعر ويشدد الوصول إلى معرفة اسم هذا الشيخ، وقد يفعل من أجل التفنن، من أجل التفنن في العبارة يمل الراوي من روايته عن شيخه، حدثنا فلان حدثنا فلان، يكرره ألف مرة؛ لأنه روى عنه ألف حديث بصيغته التي ذكرها المرة، يمل هو ويمل السامع، فتجده يغير في اسمه يقدم ويؤخر وهكذا.(33/23)
البخاري -رحمه الله تعالى- حينما روى عن الذهلي ما سماه باسمه الذي اشتهر به، شيخه محمد بن يحيى بن خالد الذهلي إمام من أئمة المسلمين، لكن البخاري ما سماه باسمه الصريح، إما أن يقول: عن محمد فقط، حدثنا محمد أو حدثنا محمد بن خالد أو حدثنا يكنيه أو ما أشبه ذلك، والبخاري ما عرف بتدليس، بل قال ابن القيم: هو أبعد خلق الله عن التدليس، وصاحب الخلاصة في ترجمة الذهلي قال: روى له البخاري ويدلسه، مع أنه ما عرف بتدليس الإمام البخاري، الإمام البخاري لأن الذهلي إمام حافظ ضابط إمام من أئمة المسلمين ما ترك الرواية عنه، ولم يمنعه ما حصل بينه وبينه من خلاف من الرواية عنه لأنه إمام، لكن حصل بينه وبينه في مسألة اللفظ خلاف قوي شديد أوذي بسببه البخاري ومع ذلك لم يسمه باسمه الصريح لئلا يظن الجاهل أنه يوافقه؛ لئلا يظن أنه يوافقه.
قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن أبي يعفور" اسمه عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس، وثقه أحمد وابن معين، وقال أبو حاتم: ليس به بأس، فالمعتمد أنه ثقة، يعني إذا قال أبو حاتم في راوي من الرواة: ليس به بأس وهو متشدد، يكفي، مع أنه وثقه إمامان من أئمة الجرح والتعديل، أحمد وابن معين.
"عن الوليد بن العيزار" العبدي الكوفي، ثقة أيضاً "عن أبي عمرو الشيباني" الكوفي ثقة مخضرم، يعني أدرك عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يره، ولو رآه لكان صحابياً "أن رجلاً قال لابن مسعود: أي العمل أفضل؟ " في رواية البخاري: أي العمل أحب إلى الله؟ "قال: سألت عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ابن مسعود يقول: سألت عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، رجلاً قال لابن مسعود، هل يضر الإبهام في مثل هذا؟ هل نقول: فيه راوٍ مبهم فهو ضعيف؟ يعني الرجل المبهم هذا من سند الحديث أو من متنه؟ من متن الخبر ليس من سنده؛ لأن أبا عمرو الشيباني يحكي قصة شاهدها، جاء رجل وسأل ابن مسعود، السند متصل ما في إشكال، وليس الرجل المبهم من الرواة ليقال: فيه راوٍ مبهم، فالحديث لا إشكال في صحته، فكون الراوي يروي قصة شاهدها ولو أدى ذلك بصيغة (أن) فإنه يحكم له بالاتصال.(33/24)
. . . ... وحكم أن حكم عن فالجلُ
سووا وللقطع نحا البرديجي ... حتى يبين الوصل في التخريجِ(33/25)
بعضهم يقول: إن (أن) هذه منقطعة، حتى يروي بصيغة (عن) لكن إذا روى قصة شهدها عن عمار أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر به، عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر به النبي -عليه الصلاة والسلام- يختلف عن قوله: عن عمار أنه مر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، محمد بن الحنفية أن عماراً به النبي -عليه الصلاة والسلام- يحكي قصة لم يشهدها فهي منقطعة، بينما قوله: عن عمار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مر به، يحكي قصة عن صاحبها، الذي وقعت له، وهنا أبو عمرو الشيباني يحكي قصة شاهدها، رجل ما يلزم أن نعرف اسم هذا الرجل، كثير من المبهمات وجدت حتى في القرآن ما أثرت، وجدت مبهمات في صحيح السنة ما أثرت؛ لأنه لا يدور عليها ثبوت الخبر، وقد يكون الستر عليها وعدم ذكرها أولى من ذكرها، وهنا يقول: أن رجلاً قال لابن مسعود: أي العمل أفضل؟ وفي رواية البخاري: أحب إلى الله؟ فقال: سألت عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "فقال: ((الصلاة على مواقيتها)) عند البخاري: ((على وقتها)) وفي رواية: ((لوقتها)) "قلت: وماذا يا رسول الله؟ في رواية البخاري: ثم أي يا رسول الله؟ "قال: ((وبر الوالدين)) قلت: وماذا؟ " في الرواية الأخرى: ثم أي "يا رسول الله؟ قال: ((والجهاد في سبيل الله)) " أي العمل أفضل؟ هذا سؤال تكرر من جمع من الصحابة، واختلف الجواب، جواب النبي -عليه الصلاة والسلام- اختلف من شخص إلى آخر، هنا قال: ((الصلاة على مواقيتها)) وأحياناً يقول بعمل آخر، الإيمان بالله، وأحياناً يقدم ويؤخر في الجواب، والجواب عن هذا الاختلاف في الجواب مع اتحاد السؤال أن هذا يختلف باختلاف الزمان والمكان والأشخاص، فقد يكون هذا المكان بحاجة إلى عمل من الأعمال، قد يكون الزمان بحاجة ماسة إلى عمل من الأعمال، يعني إذا كان الناس في حال شدة حاجة قد يقال: الإنفاق في سبيل الله يقدم على الجهاد، يقدم على الصلاة، لا لأن الزكاة أفضل من الصلاة، لا؛ لأن الوقت يحتاج، قد يكون بعض الأشخاص ينفع في مجال ولا ينفع في مجال آخر، أو نفعه في مجال أقوى من نفعه في مجال آخر، يعني يسأل شخص عن أفضل الأعمال تجد فيه قوة ونشاط تقول: الجهاد في سبيل الله؛ لأنه ينفع في هذا الباب، وإذا(33/26)
اختبرته وجدت الحافظة عنده أقل، والفهم عنده أقل، ما تقول له: طلب العلم أفضل، توجهه إلى عمل يجدي فيه أكثر، لكن إذا وجدت شخص لا مال عنده، وليست لديه قوة لا في البدن، ولا في الخبرة العسكرية ولا غيرها ما تقول له: الجهاد، عنده ذكاء، عنده فهم، عنده حفظ، تقول: العلم أفضل، ولا شك أن اختلاف الأجوبة يختلف باختلاف الأحوال والظروف والأشخاص والأماكن والأزمان، ومن هنا جاءت الأجوبة النبوية مختلفة.
وبعضهم يقدر (من) أي العمل أفضل؟ فيقال: من أفضل الأعمال الصلاة على مواقيتها، وإذا قلنا: (من) ما حصل إشكال لأنها كلها (من).
"قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج في الصحيحين وغيرهما.
"وقد روى المسعودي وشعبة وسليمان هو أبو إسحاق الشيباني وغير واحد عن الوليد بن العيزار هذا الحديث" المقصود أن هذا الحديث مروي من طرق.
قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث" قتيبة بن سعيد، والليث هو ابن سعد "عن خالد بن يزيد" الجمحي، المصري، ثقة "عن سعيد بن أبي هلال" الليثي مولاهم المصري، صدوق من رجال الكتب الستة، "عن إسحاق بن عمر" قال الذهبي: تركه الدارقطني، يعني متروك، والمتروك شديد الضعف، ويحكم على الراوي بأنه متروك إذا اتهم بالكذب، يعني ما كذب في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن يتهم، ويتهم إذا كانت أحاديثه تخالف أحاديث الثقات، أو إذا عرف بالكذب في حديثه مع الناس، ولو لم يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- يترك حديثه من أجله.
"عن عائشة قالت: "ما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة لوقتها الآخر مرتين حتى قبضه الله -عز وجل-" الحديث ضعيف؛ لأن فيه إسحاق بن عمر تركه الدارقطني، وفيه أيضاً إسحاق هذا لم يسمع من عائشة، فيه ضعف وانقطاع "ما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة لوقتها الآخر مرتين حتى قبضه الله" يعني نحفظ. . . . . . . . . مرتين، مر بنا أنه صلاها في آخر وقتها مرتين، متى؟ حينما أمه جبريل في اليوم الثاني، وحينما أجاب السائل بالتعليم في اليوم الثاني، صلاها لآخر وقتها، اللهم إلا إذا كان هذا الاستثناء لغير سبب، وما صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- في هاتين المرتين إنما هو لسبب.(33/27)
المقصود أن أول الوقت أفضل من آخره.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وليس إسناده بمتصل" لماذا؟ لأن إسحاق مع ضعفه مع شدة ضعفه لم يسمع من عائشة.
"قال الشافعي: والوقت الأول من الصلاة أفضل" هذا قول الجمهور "ومما يدل على فضل أول الوقت على آخره اختيار النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر، فلم يكونوا يختارون إلا ما هو الأفضل" عرف التأخير عند أمراء وجدوا في آخر عصر الصحابة على ما سيأتي، يؤخرون الصلاة عن وقتها، وأما في الصدر الأول في عهد الخلفاء الراشدين ما عرف تأخير الصلوات عن وقتها "اختيار النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر، فلم يكونوا يختارون إلا ما هو أفضل، ولم يكونوا يدعون الفضل، وكانوا يصلون في أول الوقت" لم يكونوا يدعون يعني يتركون، "قال: حدثنا بذلك" يقول الترمذي: "حدثنا بذلك أبو الوليد المكي عن الشافعي" أنه قال: الصلاة أول وقتها أفضل لما ذكر، ومما يدل على ذلك ... إلى آخره.(33/28)
كلام لابن العربي يقول في عارضة الأحوذي: اتفق أكثر الفقهاء على أن الصلاة في أول الوقت أفضل، ولم يختلف أبو حنيفة وأصحابه في أن تأخيرها أفضل، يقول: وهذا يبنى على خلاف في مسألة أخرى، يعني ما منشأ الخلاف بين الجمهور والحنفية، يقول: وهذا يبنى على خلاف في مسألة أخرى وهي أن الصلاة هل تجب في أول الوقت أم لا؟ الصلاة وقتها موسع هل وجوبها بدخول وقتها أو في آخر وقتها إذا ضاق؟ يعني في الواجب الموسع، ولذا ينكر بعضهم أن يوجد واجب موسع، قد يوجد وقت مستحب ووقت واجب، يعني أول الوقت يكون مستحب وآخره واجب، فلا يكون هناك واجب موسع إلا أن الواجب الموسع إذا كان وقت العبادة أكثر من وقت فعلها، يعني إذا كانت تفعل في عشر دقائق، ووضع لها الشارع ثلاث ساعات هذا مضيق وإلا موسع؟ موسع، لكن إذا طلب منا صيام شهر في وقت محدد من أول الشهر إلى آخره، هذا موسع وإلا مضيق؟ مضيق هذا، والقول بوجود الموسع والمضيق قول عامة أهل العلم، ملحظ الحنفية في تأخيرها يقولون: إن فعلها في وقت وجوبها أفضل من وقت استحبابها؛ لأن الواجب أفضل من المستحب، كيف الواجب أفضل من المستحب؟ يعني هل يختلف أحد في أن الزكاة أفضل من الصدقة؟ وصلاة الظهر أفضل من راتبتها؟ في خلاف؟ ما يختلف أحد في هذا، لكن إذا كان فعل الواجب متضمن للواجب وزيادة، هل يقال: إن ذاك أفضل منه وإلا .. الاقتصار على الواجب فقط أفضل من فعل الواجب وزيادة؟ من توضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل، يعني من جمع بين الوضوء والغسل يعني الواجب الوضوء والغسل مستحب، أيهما أفضل؟ للجمعة الغسل أفضل، هل نقول: إن الوضوء أفضل من الغسل لأن هذا واجب وهذا مستحب؟ لا، لماذا؟ لأن الواجب اشتمل على الواجب وزيادة والمستحب أيضاً، وإذا صلينا الصلاة في وقتها اشتمل فعلنا على الواجب والمستحب أيضاً، وإذا أخرناها إلى آخر وقتها فإننا نكون بذلك فعلنا الواجب فقط، فلا وجه لقول الحنفية، وإن كان الوجوب ينحصر إذا ضاق الوقت.(33/29)
يقول: ولم يختلف أبو حنيفة وأصحابه في أن تأخيرها أفضل، وهذا يبنى على خلاف في مسألة أخرى وهي أن الصلاة هل تجب في أول الوقت أم لا؟ ولو شاء ربك لم يختلف أحد في مثل هذا مع ظهوره، ولكن القلوب والخواطر بيد مالك النواصي، يصرف الكل حيث شاء أو كيف يشاء، وصورة المذهب أن الشمس إذا زالت توجه الخطاب على المكلف بالأمر، وضرب له في امتثاله حداً موسعاً يربو على صورة الفعل، يعني يزيد على صورة الفعل، وأبو حنيفة قد وافقنا على الواجب الموسع في الوقت كالكفارات وقضاء رمضان ولا خلاف بين الأمة فيه، والدليل عليه قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [(78) سورة الإسراء] وأياً ما كان الدلوك الزوال أو الغروب فهو حجة لنا، فإن الخطاب بالأمر يتوجه فيه، فالفاعل يكون ممتثلاً والمسألة أصولية وقد بيناها في كتاب المحصول، وإذا ثبت هذا فالمبادرة إلى امتثال الأمر والمسارعة إلى قضاء الواجب متفق عليه من الأئمة، وإنما يخالف أبو حنيفة وأصحابه في فضل تقديم الصلاة لاعتقادهم أن الصلاة تجب في آخر الوقت، فقالوا: إن وقت الوجوب أفضل وقد بينا فساده، والله أعلم.(33/30)
يقول الشيخ أحمد شاكر: والذي نقله القاضي أبو بكر عن أبي حنيفة وأصحابه ليس معروفاً عندهم، وهو يخالف المنصوص عليه في كتبهم، الذي نقل عنه من التأخير لا شك أن الحنفية يرون تأخير صلاة الصبح، هذا مما لا شك فيه عند أبي حنيفة، وهو معروف في مذهبهم، والعصر أيضاً تؤخر كما قال محمد بن الحسن لأنها تعتصر، أما القول بإطلاق فقد يتجه كلام الشيخ أحمد شاكر، وعلى كل حال المسألة التي أشار إليها ابن العربي في الواجب الموسع هم نظروا إلى المسألة من زاوية وهي أن الواجب أفضل من المندوب بلا شك، لكن إذا انفك الواجب من المندوب، وإذا اجتمع الواجب مع المندوب لا شك أنه أفضل من الواجب فقط، وهنا يجتمع الواجب مع المندوب إذا صلينا الصلاة في أول وقتها، إذا صلينا الصلاة في أول وقتها يجتمع الواجب مع المندوب، وإذا صليناها في آخر وقتها فإنه يكون الواجب فقط دون المندوب، وقلنا هذا بالنسبة للوضوء، الوضوء واجب بل شرط لصحة الجمعة، والغسل مستحب والغسل أفضل كما جاء في الحديث، هل يعني هذا أننا تركنا الشرط وفعلنا المندوب، على رأي الحنفية هذا الذي فعلناه، تركنا شرط من شروط الصلاة وفعلنا مندوب، نقول: لا، فعلنا الشرط وزيادة، وهنا فعلنا الواجب وزيادة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(33/31)
جامع الترمذي - كتاب الصلاة (7)
شرح: باب: ما جاء في السهو عن وقت صلاة العصر، وباب: ما جاء تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام، وباب: ما جاء في النوم عن الصلاة، وباب: ما جاء في الرجل ينسى الصلاة، وباب: ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ؟
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: قد اقترب الشهر -يعني شهر رمضان- ونسمع الخلاف المتكرر عن رؤية الهلال، فهناك قول لأهل العلم وهو اعتماد قول الفلكيين في النفي وليس في الإثبات، فإذا قرر الفلكيين بأنه لا يمكن ولادة الهلال في هذا اليوم، ثم ادعى أناس بأنهم رأوه فإنه يحكم بوهمهم ولا تقبل شهادتهم، فما مدى صحة هذا القول؟ وما هو منشأ الخلاف في المسألة؟ وهل قول الفلكيين يعارض النصوص؟
العبرة في أمور الدين بما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، ولا التفات إلى قول أحد كائن من كان، ما دام الحديث ثبت بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) فصيامنا وفطرنا مرتبط برؤية الهلال، وهذه مقدمة شرعية ينتج عنها حكم شرعي صحيح، طابق الواقع أو خالفه كما هو الشأن في جميع الأحكام القضائية، تبنى على شهادة الشهود، ويحكم بالحق لصاحب البينة، سواء طابقت البينة الواقع أو لم تطابقه، كما جاء من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما أنا بشر أقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقضي له بقطعة من نار فليأخذها وليدعها)) هذا حكم شرعي نافذ، ولو خالف الواقع، ما دامت المقدمات شرعية فالنتيجة شرعية، ومع ذلك يتحرى في الشاهد الذي يشهد برؤية الهلال يتحرى فيه، وفي عدالته، وإذا ثبتت عدالته وما دام يقبل خبره في أمور الدين في إثبات النص فما المانع من أن يقبل خبره في غير ذلك من الأحكام؟(34/1)
على كل حال هذه مقدمة شرعية إذا رآه من تثبت الرؤية بشهادته علينا أن نصوم، ولا نحكم بوهم وخطأ الثقة لمجرد قول الفلكيين أبداً؛ لأننا ما أحلنا عليهم، وإنما أحلنا على الرؤية، والأصل في الرؤية الرؤية بالعين المجردة، ولا نكلف اتخاذ آلات من مناظير ودرابيل وغيرها هذه لم نكلف فيها، لكن إذا وجدت من أجل وضوح الرؤية فلا مانع، لكنها لا تطلب إذا فقدت، ولا تعلق الرؤية بها لا نفياً ولا إثباتاً، وعلى كل حال هؤلاء الذين يشككون في صيام الناس، في حج الناس، هؤلاء حقيقة عليهم أن يتقوا الله -جل وعلا-، وقد سمعنا من يقول: إن الناس وقفوا في غير يوم عرفة؛ لأن الشهود شهدوا قبل ولادة الهلال بساعات، هذا الكلام لا قيمة له في الميزان الشرعي، ((إنا أمة أمية لا نقرأ ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا)) كما بين النبي -عليه الصلاة والسلام- وعلق ذلك بالرؤية.
يقول: هل يصلى خلف من يقول بخلق القرآن؟
الذي يقول بخلق القرآن أتى بدعة عظيمة حكم جمع من أهل العلم بكفر من يقول بذلك، وكفروا ابن أبي دؤاد كالإمام أحمد وغيره؛ لأنه حمل الناس على القول بخلق القرآن، وعلى كل حال هذه بدعة مغلظة لا تجوز الصلاة خلفه قصداً، لكن إذا صلى الإنسان وهو لا يعلم أن هذا ممن يقول بذلك، أو لم يجد غيره فمن صحت صلاته عند أهل العلم صحت إمامته، لكن لا يجوز تقديمه على الأخيار.
ما صحة حديث: ((رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً))؟
هذا الحديث حسن، ينبغي المواظبة على هذه الأربع قبل صلاة العصر.
يقول: أرجو أن تعيد إعراب لفظة: (ابن).(34/2)
(ابن) إذا وقعت بين علمين متوالدين بأن كان الثاني ابناً للأول فإنها حينئذٍ تحذف الألف ألف الوصل، هذه تحذف إذا وقعت بين علمين، ثم تعرب إعراب ما قبلها، إذا كانا متوالدين تعرب إعراب ما قبلها، إما صفة أو عطف بيان أو بدل، لكن إذا وقعت بين علمين غير متوالدين مثل: عبد الله بن مالك بن بحينة؛ لأن بحينة زوجة مالك وهي أم عبد الله، ومثل عبد الله بن أبي بن سلول؛ لأن سلول أم عبد الله وزوجة أبي، أما إذا وقعت بين علمين متوالدين أحدهما والد للثاني فإنها تتبعه في الإعراب، تقول: عبد الله بنُ عباس بنِ عبد المطلب؛ لأن العباس ولد لعبد المطلب فتتبع حينئذٍ العباس في إعرابه.
هذا يقول: أنكر الإمام مسلم -رحمه الله- على من قال بحديث جبريل المشهور شرائع الإسلام، وقال: إن هذا انتصاراً لمذهب المرجئة فما وجه ذلك؟
هذا الكلام ليس بصحيح، مسلم حين ينفي لفظة أو ينكرها بناءً على أنها لم تثبت عنده من قوله -عليه الصلاة والسلام-، ولا يظن به أنه ينتصر لهذا المذهب الفاسد، ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) هذا هو الثابت عنده.
يقول: ما قولكم في التأمين الذي يلزم عليه صاحب السيارة مع العلم أنه لا يعفى منه أحد؟
هذا إذا لم يستطع التحايل على إسقاطه، فإنه يكون حينئذٍ مكرهاً، والمكره معفو عنه.
يقول: سمعت أنكم تقولون: إن كتاب ابن دقيق العيد إذا استطاع طالب العلم قراءته فإنه يسهل عليه قراءة ما سواه من الشروح، فلا يشكل عليه بعده شيء، فأي الكتب تقصدونه؟ وهل هو أصعب من الفتح؟
المقصود شرح العمدة لابن دقيق العيد، واسمه: (إحكام الأحكام) مطبوع في مجلدين، وهما مع حاشية الصنعاني مطبوع في أربعة مجلدات، وهو كتاب عسر على طالب العلم المتوسط، وهو أصعب من جميع الشروح في تقديري، فإذا استطاع طالب العلم أن يهضمه ولا يصعب عليه شيء فإنه حينئذٍ -بإذن الله- لا يحتاج إلى معلم.
يقول: ما صحة قول أبي هريرة لأبي سلمة: "إن استطعت يا أبا سلمة فمت فو الله ليأتين على العلماء زمان الموت أحب إلى أحدهم من الذهب"؟(34/3)
المعنى صحيح، وهذا سيأتي في آخر الزمان، وجاء ما يدل على أن الإنسان يمر على القبر فيقول: يا ليتني كنت مكانه، يعني صاحبه، يعني مكان صاحبه لكثرة الفتن.
يقول: هل حلق اللحية من الكبائر؟ وما صحة غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما رأى رسولي كسرى حالقي لحاهما؟
نعم النبي -صلى الله عليه وسلم- غضب على ذلك، وأمر بمخالفة المشركين، ولا شك أن حلق اللحية كبيرة من كبائر الذنوب، ونقل الاتفاق على ذلك ابن حزم وغيره، على أنها من الكبائر، وعند من يقول: إنها من الصغائر بالإصرار تكون كبيرة، بالإصرار عليها والمجاهرة بها تكون كبيرة.
يقول: أشكل علي في مسألة الانتقال بالنية ما يصح وما لا يصح في الصلاة مثل نقل النية من فريضة العصر إلى الظهر مثلاً أثناء الصلاة، ومن الفرض إلى النافلة والعكس آمل التفصيل؟
الإنسان إذا دخل في الصلاة المعينة لا يجوز له أن ينتقل منها إلى غيرها، إذا دخل في صلاة العصر ثم تذكر أنه لم يصلِ الظهر لا يجوز له أن ينتقل إلى الظهر بنيته، أجازوا لمن صلى الفريضة منفرداً ثم غلب على ظنه وجود جماعة أن يقلب نية الفريضة إلى نفل شريطة أن يكون ذلك في الوقت المتسع.
يقول: يلاحظ أن البعض يسجد على الشماغ يفترش الشماغ ويسجد عليه فهل هذا جائز أم مكروه؟
السجود على حائل لا يخلو إما أن يكون متصلاً بالمصلي أو منفصلاً عنه، فإن كان منفصلاً عنه جاز بلا كراهة، مثل الفرش والسجادة، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على الخمرة وصلى على الحصير، هذا لا إشكال فيه، أما السجود على المتصل كالشماغ فالعلماء يطلقون الكراهة، والكراهة عندهم تزول بأدنى حاجة، لو شك في نظافة الفرش مثلاً أو أحس بأنه تنبعث منه روائح تمنع خشوعه فإنه حينئذٍ له أن يسجد على شماغه.
وما قولكم في التفريق بين المتصل والمنفصل بالنسبة للسجود؟
هذا ما قرره أهل العلم، هذا ما قرره أهل العلم من التفريق بين المتصل والمنفصل.
يقول: نقل ابن مفلح في المبدع إجماع الفقهاء على بطلان الصلاة بالعمل الذي ليس من جنسها إذا طال عرفاً من غير ضرورة ولو سهواً، هل هذا الإجماع صحيح؟
المذاهب كلهم يقولون بأن هذه الأعمال التي ليست من جنس الصلاة إذا طالت فإنها مبطلة.(34/4)
أو لا يشكل عليه حمل النبي -عليه الصلاة والسلام- لأمامة وهو في الصلاة؟ وهل حمله لها ضرورة؟
لا يشكل عليه لأن هذا يسير يحملها، وبإمكانه أن يضع إحدى يديه على الأخرى وهو حامل لها، وإذا ركع وضعها، وإذا قام حملها، وهذا عمل يسير، والدليل على أنه يسير فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- له؛ لأنه لا يتصور منه أن يفعل ما يخل بصلاته، فما كان مثله فحكمه حكم اليسير، مثل القراءة في المصحف، حمل المصحف أثناء الصلاة للحاجة عند أهل العلم هذا مثل حمل أمامة.
يقول: هل الذي يعدد ويتزوج ثانية يدخل تحت حديث: ((ثلاثة حق على الله عونهم)) أم أن هذا في الأولى فقط؟
الحديث يشمل الثانية والثالثة والرابعة بشرطه، أي بشرط العدل.
يقول: بعض الآباء يكون عنده عدة بنات الكبرى لم تتزوج، ولذلك يأبى تزويج البنات حتى تتزوج الكبرى؛ لأجل ألا تتأثر وقد يكون الخطاب لا يريدون الكبرى فما الحل؟
ليس له أن يؤخر تزويج البنات الأخريات من أجل الكبرى، هذا لا يملكه هو وهذا عضل، فمن تقدم إليها أحد من الخطاب تزوج إذا حان وقتها، إذا كانت مطيقة لذلك تزوج، ولا يجوز تأخيرها إذا تقدم لها الكفء.
يقول: في مسجد طريق رأيت جماعة من عمان وكانوا يسدلون أيديهم في الصلاة فهل هم من الإباضية وهل تصح الصلاة خلفهم؟
الذين يسدلون في الصلاة هم الإباضية والمالكية في كثير من أتباع الإمام مالك والرافضة، هؤلاء يسدلون أيديهم، وأنت إذا كنت لا تميز بين هؤلاء الاحتمال أن يكونوا من المالكية، واحتمال أن يكونوا من هؤلاء أو من هؤلاء، وعلى كل حال إذا كنت لا تدري بيقين أنهم من هؤلاء أو من هؤلاء، ولم تجد جماعة غيرهم فهل تصلي خلفهم، لكن إذا غلب على ظنك أنهم من هؤلاء المبتدعة لا سيما وأن الإباضية يقولون بخلق القرآن؛ لأنهم فئة من الخوارج، وأما الرافضة فشأنهم وأمرهم أعظم -نسأل الله السلامة والعافية-، إذا شككت في ذلك وغلب على ظنك فلا تصلي خلفهم، فمع الاحتمال أن يكونوا من المالكية؛ لأن من المالكية، بل كثير من أتباع الإمام مالك يسدلون أيديهم ولا يقبضونها أثناء القيام في الصلاة.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(34/5)
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في السهو عن وقت صلاة العصر:
حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله)) وفي الباب عن بريدة ونوفل بن معاوية.
حديث ابن عمر حديث حسن صحيح، وقد رواه الزهري أيضاً عن سالم عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
. . . . . . . . . صلاة العصر، الترمذي -رحمه الله- حمل حديث الباب الذي تفوته صلاة العصر على الساهي لا على المتعمد، وأما المتعمد فشأنه أعظم، من ترك العصر فقد حبط عمله، فالترمذي -رحمه الله- حمله على الساهي، وهل المراد بالحديث الذي تفوته صلاة العصر يعني يفوته وقت الاختيار أو يفوته وقت الاضطرار بكامله فيقضيه قضاء؟ يأتي الكلام فيه، إذا حملناه على الساهي والسهو عذر، والسهو والنسيان بمعنىً واحد، ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها لا كفارة لا إلا ذلك)) على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
المقصود أنه إذا حملناه على الساهي كما فعل الترمذي فإن المراد بهذا الخلل الذي يقع له ((وكأنما وتر أهله وماله)) لما يحصل له من الأسف والأسى عند معاينة الثواب لمن صلى الصلاة في وقتها أو في أول وقتها، يلحقه من الأسف والأسى مثل أو نظير ما يلحق من فقد أهله وماله، وإذا كان هذا الأسف وهذا الأسى يلحق الساعي فما شأن العامد، ولا شك أن أمره أشد، ولذلك جاء فيه: من ترك العصر فقد حبط عمله، والعصر أمرها شديد، والتشديد فيها مع صلاة الصبح، والترغيب في فعلها في وقتها جاء في أحاديث أكثر من أن تحصر، والعصر هي الصلاة الوسطى على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى- في قول جماهير أهل العلم التي جاء التنصيص على المحافظة عليها عطفاً على العام: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة].
قال -رحمه الله-:(34/6)
"حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الذي تفوته صلاة العصر)) " يقول ابن العربي في عارضته: فواتها أن يدخل الشمس صفرة، يعني ذهاب الوقت المختار مع بقاء وقت الاضطرار، ويروى عن ابن جريج كما يقول ابن العربي: إن فواتها بغروب الشمس.
" ((الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله)) " سلب أهله وماله، بقي بدون أهل ولا مال، فهل نستشعر مثل هذا إذا فاتتنا صلاة العصر؟ ذكر عن كثير من السلف أن من فاتته تكبيرة الإحرام يعاد، يمرض، فكيف بمن فاتته الصلاة مع الجماعة الواجبة أو من فاته وقت الاختيار؟ وبقي الوقت الذي جاء ذم من أخر الصلاة إليه ((تلك صلاة المنافق)) كما جاء في الحديث الصحيح، فكيف بمن أخرج الصلاة عن وقتها؟! وقد حكم جمع من أهل العلم أنه إذا أخرجها عن وقتها متعمداً أنه لا يصلي، ولا تنفعه لو صلى.
" ((الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله)) " سلب أهله وماله، فبقي وتراً فرداً، وهذا عند الترمذي على ما تقدم في الساهي غير المتعمد " ((وتر أهلَه ومالَه)) " ويجوز: "أهلُه ومالُه" لأن (وتر) مبني للمجهول، فالمفعول يكون نائب فاعل.
ينوب مفعول به عن فاعلِ ... فيما له كنيل خير نائلِ
فأول الفعل اضممن. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
الذي هو الواو هنا.
. . . . . . . . . اضممن والمتصل ... بالآخر اكسر في مضي كوصل
((كأنما وتر أهلَه ومالَه)) يجوز أن تقول: "وتر أهلُه ومالُه" يعني سلب الأهل والمال، أو سلب الشخصُ الأهلَ والمالَ، فنائب الفاعل إما أن يكون ضميراً يعود على الذي تفوته أو يكون نائب الفاعل الأهل والمال، يعني كما قيل: ((عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه، وما حدثت به أنفسَها)) أو أنفسُها، فالمتحدث هو الشخص يحدث نفسه أو أن النفس تحدثه ويجوز هذا وهذا.(34/7)
"وفي الباب عن بريدة -عند البخاري- ونوفل بن معاوية" عند البخاري أيضاً، وفي الحديث التغليظ على من تفوته صلاة العصر، وأن ذلك مختص بها، جاء عند ابن حبان بلفظ: ((الصلاة)) بدل العصر ((الذي تفوته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله)) وعلى كل حال من تفوته الصلاة فقد فاته الخير؛ لأن الصلاة عمود الدين، وماذا يدرك من فاتته الصلاة؟ وإذا قارنا بين أمور الدنيا كلها بالصلاة فإننا نرى أنه لا نسبة بينهم ((وركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)) يعني هذه المليارات التي يملكها الناس في جميع الأقطار، وهذه القصور، وهؤلاء الخدم، وهذه المركوبات، وهذه المأكولات والمشروبات كلها لا تقوم في صف ركعتي الصبح، والمراد بذلك النافلة وليست الفريضة، فماذا عن الفريضة؟ وبعض الناس إما أن يقول ذلك مازحاً ساخراً، إذا صلى شخص ركعتين وكثيراً ما يفعل هذا عند من عنده شيء من التغفيل، يقال له: هل تبيع الركعتين بألف؟ يقول: هات، هات يصلي ركعتين بدقيقتين والألف ما يدركه ولا بشهر ولا بشهرين، لا يجوز للطرفين معاً مثل هذا الكلام؛ لأن أمور الدين لا تجوز المساومة عليها ولو مازحاً، وأحياناً يسعى بعضهم في تأثيم أخيه، ويأثم معه؛ لأنه هو المتسبب كل هذا على سبيل المزاح، إذا حج، قال: تبيع الحجة بمائة ألف، يقول: هات نحج ثانية، ولا هو بشاري ولا شيء، لكن يدخل شيئاً من الخلل في قصد هذا الحاج الذي إن كان حجه مبروراً رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ولا شك أن الندم على العبادة يعني على فعلها بعد تمامها لا يبطلها لكنه مع ذلك يخل فيها، يخل في أجرها الثابت لها، يعني لو صلى إنسان وندم أنه صلى، صام وندم أنه صام، الصلاة خلاص مضت يعني بعد الفراغ من العبادة لا يلتفت إلى الشيء، لكن مع ذلك الخلل يحصل بكونه يؤثر هذه الدنيا الفانية على دينه، وركعتا الصبح خير من الدنيا وما فيها، يعني الدنيا لو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء، وأي شيء أدنى من جناح البعوضة، لكننا لا نعرف حقيقة هذه الدنيا؛ لأن حبها أشرب قلوبنا، يعرف حقيقتها سعيد بن المسيب هو الذي يعرف حقيقة الدنيا لما جاءه الواسطة يخطب ابنته لابن الخليفة، وقال له: يا سعيد جاءت الدنيا(34/8)
بحذافيرها، ابن الخليفة يطلب ابنتك، فقال له سعيد: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فما ترى أن يقص لي من هذا الجناح، ثم زوجها أحد طلابه الأشد فقراً، الذي لا يجد شيئاً البتة، والله المستعان.
"قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر "وقد رواه الزهري أيضاً عن سالم عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" ورواه مسلم والنسائي وابن ماجه، فالحديث مروي بأصح الأسانيد، مالك عن نافع عن ابن عمر أصح الأسانيد عند البخاري، وهذا متفق عليه بين الشيخين، رواه البخاري ومسلم، عن مالك عن نافع عن ابن عمر بأصح الأسانيد عند الإمام البخاري، ورواه مسلم من طريق الزهري عن سالم عن أبيه، وهذا هو أصح الأسانيد عند الإمام أحمد.
وخاض فيه قوم فقال مالكُ ... عن نافع بما رواه الناسكُ
مولاه. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
ثم بعد ذلك قال:
وجزم ابن حنبل بالزهري ... عن سالم أي عن أبيه البري
هذه أصح الأسانيد.
سم.
باب: ما جاء تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام:
حدثنا محمد بن موسى البصري قال: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يا أبا ذر أمراء يكونون بعدي يميتون الصلاة فصل الصلاة لوقتها فإن صليت لوقتها كانت لك نافلة، وإلا كنت قد أحرزت صلاتك)).
وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وعبادة بن الصامت -رضي الله عنهما-.
حديث أبي ذر حديث حسن، وهو قول غير واحد من أهل العلم يستحبون أن يصلي الرجل الصلاة لميقاتها إذا أخرها الإمام، ثم يصلي مع الإمام، والصلاة الأولى هي المكتوبة عند أكثر أهل العلم، وأبو عمران الجوني اسمه عبد الملك بن حبيب.
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام"
يعني لا ينتظر الإمام. . . . . . . . .
من الأمراء في أواخر القرن الأول، في أواخر عهد الصحابة من يؤخر الصلوات إلى آخر وقتها، ووجد من يخرجها عن وقتها كالحجاج، وأخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- عما سيحصل في أمته، وهذا من دلائل نبوته -عليه الصلاة والسلام-.(34/9)
"باب: ما جاء في تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام" قال -رحمه الله-:
"حدثنا محمد بن موسى البصري" قال أهل العلم: لين، يقول ابن حجر: لين، وتقدم من الرواة من قال فيه ابن حجر: مقبول، وهو اللين إذا توبع، واللين هو المقبول إذا لم يتابع، وبينا هذا في مناسبات كثيرة، على كل حال اللين في حيز الضعيف ما لم يتابع، فإذا وجد من يتابعه على رواية الحديث صار الحديث في مرتبة الحسن، وحكم عليه الترمذي بالحسن، لكنه مخرج في صحيح مسلم، يعني اللين هذا الضعيف إذا توبع وانتقل من الضعف إلى الحسن، هل نستطيع أن نقول: إن الحديث ينتقل أكثر من درجة ما دام الحديث مخرج في الصحيح، في صحيح مسلم، هل نستطيع أن نقول: إن الحديث صحيح مع أن فيه راوٍ لين؟ طريق الإمام مسلم صحيح، لكن طريق الترمذي -رحمه الله تعالى- وإن حكم عليه بالحسن إلا أن فيه راوٍ لين فهو ضعيف، هذا الضعيف إذا وجد له من يتابعه ... ، إذا وجد لحديثه شاهد أو متابع فإنه يرتقي إلى مرتبة الحسن لغيره، ومنهم من يقول: إذا كان الشاهد أو المتابع في أحد الصحيحين فإن الحديث يرتقي أكثر من درجة فيكون صحيحاً كما قرره الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث، وأكثر أهل العلم على أنه لا يرتقي إلا درجة واحدة، يعني إذا توبع ولو كان الشاهد أو المتابع في الصحيح فإنه يكون حينئذٍ حسناً.(34/10)
قال: "حدثنا محمد بن موسى قال: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي" صدوق زاهد مشهور "عن أبي عمران الجوني" اسمه عبد الملك بن حبيب كما سيأتي في كلام الإمام الترمذي، وهو ثقة من كبار الطبقة الرابعة "عن عبد الله بن الصامت" الغفاري، ابن أخي أبي ذر، أبو ذر يكون عمه "عن عبد الله بن الصامت" وهو ثقة، عن عمه "أبي ذر" الغفاري الصحابي الزاهد المشهور، الذي ألصقت به الاشتراكية، كتب عنه كثيراً عن الاشتراكي الزاهد أبي ذر الغفاري زوراً وبهتاناً، أبو ذر لا شك أنه زاهد، ويرى أن في المال حقوق غير الزكاة، هذا رأيه، واختلف مع ولاة الأمر في وقته حتى أنه نفي إلى الربذة، المقصود أن قوله لا يتفق مع قول الملاحدة والزنادقة الشيوعيين الاشتراكيين، وإن كان له رأي في المال يختلف فيه مع ولي الأمر، وجاء في الحديث: ((ليس في المال حق سوى الزكاة)) وجاء أيضاً عن عائشة: "إن في المال حقاً سوى الزكاة" ولا شك أن هناك حقوق، منها النفقات، ومنها أوقات الضرورات، وغيرها مما جاءت به النصوص من الحقوق التي في مال المسلم عليه، وهو في الأصل مال الله {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النور] نعم أبو ذر زاد على غيره ممن عاصره في وجوب الإنفاق، وأن المال لا يدخر أكثر من الحاجة وهكذا، المقصود أن هؤلاء يتشبثون به، ويدعمون مذاهبهم الباطلة، ويلصقون به ما يوافق آراءهم، والله المستعان.(34/11)
"عن أبي ذر قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-" اسمه: جندب بن جنادة الغفاري "قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يا أبا ذر أمراء يكونون بعدي يميتون الصلاة)) يميتون الصلاة أي يؤخرونها عن وقتها المختار كذا قال النووي، يعني لا أنهم يخرجونها عن وقتها بالكلية، وقال ابن حجر: صح عن الحجاج أنه كان يؤخرها حتى يخرج وقتها، والحجاج معروف وضعه أنه مسرف، مسرف على نفسه في أبواب كثيرة من أبواب الدين، لا سيما الظلم وسفك الدماء، وتأخير الصلوات وغيرها، وإذلال بعض الصحابة كأنس، المقصود أن أمره إلى الله -جل وعلا-، ووجد من أهل العلم من يحكم بكفره، ومنهم من يقول: أمره إلى الله، وكيف يفعل بلا إله إلا الله، المقصود أن مثل هذا أمره إلى الله، والحافظ ابن كثير ذكر كثير من أخباره في ترجمته، وذكرنا منها ما ذكره الحافظ ابن كثير حول قراءة ابن مسعود، وأنه يود لو أنه حكها من المصحف بضلع خنزير، يعني مع اهتمامه وشدة عنايته بالقرآن، والله المستعان، فالإنسان عليه أن يحتاط لنفسه، ولا يتساهل في أمر دينه ولا يتنازل بل عليه أن يأخذ هذا الدين بقوة وحزم وعزم، ولا يتراخى؛ لأنه إذا تراخى وارتكب شيئاً من المحظورات، أو ترك شيئاً من الواجبات، ابتلي وعوقب بما هو أشد منها، ثم بعد ذلك يعاقب بما هو أشد وهكذا، إلى أن يجد نفسه قد خرج من الدين بالكلية.
وذكرنا مراراً أنه لا يتصور من عاقل فضلاً عن مسلم أن يقول: سبحان ربي الأسفل، لكن ما قالها أول كلمة قالها هذه؟ والمعاصي سبب من أسباب الاسترسال في الجرائم والمنكرات إلى أن ينسلخ المرء من دينه بالكلية(34/12)
{ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ} [(61) سورة البقرة] يعني بسبب عصيانهم {وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [(61) سورة البقرة] المقصود أن الإنسان عليه أن يأخذ في دينه بالحزم والعزم، ولا يتراخى ولا يتساهل، ولا يأخذ بالرخص، ولا يتتبع الأقوال الشاذة كما هو حاصل الآن؛ لأنه ما من مسألة إلا وفيها الأقوال التي هي عبارة عن طرفين ووسط، فيها التشديد، وفيها التسهيل الزائد، وفيها القول المتوسط التي تعضده النصوص، فإن أخذ على نفسه بالتشديد في كل شيء، يخشى عليه أن يكون ... ، أن يأخذ برأي الخوارج، وأن يكون متشدداً متطرفاً، وإذا تساهل وتسامح وأخذ بالطرف الآخر يخشى أن يكون مرجئاً ينسلخ من دينه وهو لا يشعر، فعليه بالجادة التي هي الوسط، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة].
((يميتون الصلاة فصل الصلاة لوقتها)) لا تنتظرهم حتى يخرج الوقت المختار، أو يخرجونها عن وقتها، ((فصل الصلاة لوقتها)) يعني إذا عرفت من عادتهم المطردة أنهم يؤخرون الصلاة ((فصل الصلاة لوقتها))، طيب يوجد مساجد في هذا البلد وغيره عرف عن أئمتها أنهم يؤخرون الصلاة يمكن بعد الناس بساعة، لكنها ما زالت في الوقت المختار، وأقول: لا ينبغي قصد هؤلاء هذه المساجد إلا لمن فاتته الصلاة؛ لأن هذا التأخير لا شك أنه مرجوح، والتعجيل أفضل، لكن يبقى أننا إذا وازنا بين هذا التأخير الذي هو ما زال في وقت الاختيار وبين فوات الجماعة قلنا: إن هذا التأخير أسهل من تفويت الجماعة، لكن يبقى أن أولئك الأمراء الذين أشار إليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- تأخيرهم إلى الوقت الذي هو وقت الضرورة، وقت اصفرار الشمس، ولا يجوز للإنسان أن يؤخر العصر إلى أن تصفر الشمس، يأثم بذلك وإن كانت في وقتها الاضطراري، وتسمى أداء وليست بقضاء.(34/13)
((فصل الصلاة لوقتها، فإذا صُليت)) فإذا صُليت يعني: صلاة الأمراء "لوقتها" أي في وقتها "كانت" أي صلاتك معهم "لك نافلة" أن تصلي الصلاة في أول وقتها، فإذا اتفق أنهم صلوها في الوقت، تأخروا لكنهم صلوها بالوقت، كانت لك نافلة، أي صلاتك معهم نافلة، ففي حديث أن الفريضة هي الأولى التي تصليها في أول وقتها، على أي حال كانت سواءً كنت فرداً أو جماعة إذا كانت صحيحة مجزئة مسقطة للطلب كما جاء في حديث الرجلين الذين وجدا في المسجد بعد أن سلم النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلاته، وهما لم يصليا مع الناس، فجيء بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- ترعد فرائصهما، من الهيبة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فسألهما النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالا: صلينا في رحالنا، فقال: ((إذا صليتما في رحالكما ثم جئتما المسجد والناس يصلون فصلوا معهم فإنها لكما نافلة)) يعني إذا صليتم مع الجماعة نافلة، والصلاة الأولى التي صليتموها في رحالكما هي الفريضة، ((فإن صليت)) يعني صلاة الأمراء ((لوقتها)) يعني في وقتها ((كانت لك نافلة)) صلاتك معهم نافلة، وصلاتك الأولى هي الفريضة ((وإلا كنت قد أحرزت صلاتك)) يعني ضمنت صلاتك، أحرزت ضمنت صلاتك، وحصلتها في وقتها، وحصلتها في وقتها المختار.(34/14)
"وفي الباب عن عبد الله بن مسعود" عند أحمد والطبراني "وعن عبادة بن الصامت" عند أبي داود "قال أبو عيسى: حديث أبي ذر حديث حسن" وأخرجه مسلم والنسائي وأحمد "وهو قول غير واحد من أهل العلم" قد يقول قائل: لماذا يصلي معهم ما دام صلى صلاة صحيحة مجزئة مسقطة للطلب؟ لأنه يخشى على نفسه من هؤلاء الأمراء الظلمة ويخشى أيضاً أن يوجد شقاق ونزاع في صفوف المسلمين وبين عامتهم، والخلاف كما قال ابن مسعود: "شر" ولا يعني أن صلاته معهم امتثالاً لهذا الحديث، إنما هي من باب الإقرار لهم على صنيعهم، لا، وإنما هي من أجل أن يضمن عدم أذيتهم، وأن لا يشق العصا الذي اجتمع عليهم، وإن كانوا فساقاً أو فجاراً ما داموا في دائرة الإسلام، ولا يجوز الخروج عليهم حينئذٍ إلا إذا رؤي الكفر البواح، أو أعلنوا ترك الصلاة، إذا كانوا لا يصلون، لا ما صلوا، فما داموا يصلون ولو كانت الصلاة فيها ما فيها مثل هذه الصلاة فإنه لا يجوز الخروج عليهم حينئذٍ، أما إذا رؤي الكفر البواح الذي فيه من الله برهان فيجوز حينئذٍ الخروج عليهم بشرطه عند أهل العلم، والشرط أن توجد القدرة على إزالتهم من غير إراقة دماء، لا بد من صيانة دماء المسلمين، فلا تعرض دماء المسلمين للإراقة بسبب خلع شخص وإقامة آخر، لا يستطاع خلعه إلا بشر عظيم، وضرر مستطير إن هذا لا بد من الصبر عليه، ولو رئي منه ما رئي، كما جاءت بذلك النصوص.
قال -رحمه الله-:(34/15)
"وهو قول غير واحد من أهل العلم يستحبون أن يصلى الرجل الصلاة لميقاتها إذا أخرها الإمام، ثم يصلى مع الإمام، والصلاة الأولى هي المكتوبة عند أكثر أهل العلم" هي المكتوبة عند أهل العلم، وأشرنا سابقاً إلى أنه في بعض الدوائر الحكومية، وفي بعض المؤسسات، وفي بعض المدارس يؤخرون صلاة الظهر إلى نهاية الدوام؛ لئلا يختل نظام العمل، ولا شك أن بعض الناس يتذرع بالصلاة فيقضي أكبر وقت منشغلاً عن العمل باسم الصلاة، قبل الأذان بربع ساعة يقوم ليتجهز على حد زعمه للصلاة، ثم يتلوم ويتأخر إلى قرب الإقامة ثم إذا أقيمت الصلاة ذهب إلى المصلى ثم بعد ذلك جلس على حد زعمه للأذكار أكثر من العادة، العادة هو من السرعان، هو من السرعان في العادة، ولا يأتي إلا متأخر، وأول من يخرج، لكن هذا لأنه في دوام وفي عمل يتحايل على هذا العمل وهذا الدوام علماً بأن وقت الصلاة مستثنىً شرعاً، يعني لو يأتي صاحب عمل بعمال ويأمرهم بالعمل في وقت الصلاة ليس له طاعة هنا، بل لا بد أن يعطل العمل وقت الصلاة، طيب ما بيننا وبينهم في العقد أنهم يتركون العمل وقت الصلاة، لا، لا هذا ما يحتاج إلى استثناء، ولا يحتاج إلى اشتراط هذا مستثنىً شرعاً، لكن بعض الناس يتحين مثل هذه، ويستغل مثل هذه الفرص فيضيع بها العمل، وعادته إذا كان في بيته وبين أهل آخر من يدخل المسجد وأول من يخرج منه، وفي وقت العمل تجده يبادر، وقد يقرأ قرآن بعد الصلاة، ويصلي الرواتب، وراتبة الظهر ركعتان بعدها، ويقول: جاء الحث على أربع، وتجده يتلبث ويتلوم كله من أجل أن يفوت جزءاً من الدوام هذا لا يجوز له بحال.
"وهو قول غير واحد من أهل العلم يستحبون أن يصلى الرجل الصلاة لميقاتها إذا أخرها الإمام، ثم يصلى مع الإمام، والصلاة الأولى هي المكتوبة عند أكثر أهل العلم، وأبو عمران الجوني اسمه: عبد الملك بن حبيب" وهو مشهور بكنيته، قوله: "والصلاة الأولى هي المكتوبة عند أكثر أهل العلم" هذا قول الجمهور، وعليه يدل هذا الحديث، والحديث الآخر الذي سقناه آنفاً.(34/16)
من أهل العلم من يقول: إن هذه الصلاة هي المكتوبة، لو افترضنا أنك صليت الصلاة في أول وقتها منفرداً، ثم وجدت ناس يصلون جماعة صليت معهم، الفريضة هي الأولى في قول الأكثر، من أهل العلم من يقول: لا، الثانية هي الفريضة لأنها أكمل، والله -جل وعلا- يحتسب لعبده الأكمل من صلاتيه، والضمائر محتملة، ((فإنها لكما نافلة)) الضمير يعود على ما صليتما في رحالكما، ولو قال قائل -وقد قيل-: إن الضمير يعود على هذه التي صليت مع الجماعة، لكان له وجه، لكن الأكثر على أن الأولى هي الفريضة، وهي التي صادفت المحل، قال: "وأبو عمران الجوني اسمه: عبد الملك بن حبيب" وهو مشهور بكنيته.
سم.
قال:
باب: ما جاء في النوم عن الصلاة:
حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: ذكروا للنبي -صلى الله عليه وسلم- نومهم عن الصلاة فقال: ((إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها)).
وفي الباب عن ابن مسعود وأبي مريم وعمران بن حصين وجبير بن مطعم وأبي جحيفة وأبي سعيد وعمرو بن أمية الضمري وذي مخبر، وهو ابن أخي النجاشي.
وحديث أبي قتادة حديث حسن صحيح، وقد اختلف أهل العلم في الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ أو يذكر وهو في غير وقت صلاة عند طلوع الشمس أو عند غروبها فقال بعضهم: يصليها إذا استيقظ أو ذكر، وإن كان عند طلوع الشمس أو عند غروبها، وهو قول أحمد وإسحاق والشافعي ومالك، وقال بعضهم: لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(34/17)
"باب: ما جاء في النوم عن الصلاة: لا شك أن النائم مرفوع عنه القلم، ولا يؤاخذ؛ لارتفاع مناط التكليف الذي هو العقل، فلا يؤاخذ النائم ما لم يتسبب في تفويت الصلاة، فإذا تسبب في استغراقه في النوم عن الصلاة فإنه حينئذٍ يأثم على التسبب، فالنائم الذي نام واحتمال أن يمر به وقت صلاة كالنائم في الليل، أو قبل صلاة الظهر، أو قبل صلاة العصر، أو قبل صلاة من الصلوات عليه أن يوجد الأسباب التي تعينه على الاستيقاظ، ويعهد إلى من يوقظه، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما عهد بذلك إلى بلال، لا بد أن يعهد إلى أحد يوقظه سواءً كان آدمياً أو آلة، أو غير ذلك مما يوقظه، ويتم به المقصود، أما ما لا يتم به المقصود فوجوده مثل عدمه.
إذا رأى أنه جرت العادة أنه لا يستيقظ برنة الساعة أو جوال أو ما أشبه ذلك، نقول: لا يكفي، لا بد أن يكون الأمر أبلغ من ذلك، ولا بد أن ينفي الموانع التي تمنعه من القيام عن الصلاة كالسهر مثلاً، أو التعب الشديد الذي يجعله يستغرق في النوم، بحيث لا يحس إذا أيقظ فلا بد من بذل الأسباب للاستيقاظ، ولا بد من انتفاء الموانع وإلا أثم لمخالفته ذلك.(34/18)
قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد عن ثابت -بن أسلم- البناني" وهو ثقة عابد "عن عبد الله بن رباح الأنصاري" وهو ثقة أيضاً، من الطبقة الثالثة، فكلهم ثقات "عن أبي قتادة" الصحابي الجليل الحارث بن ربعي "قال: ذكروا للنبي -صلى الله عليه وسلم- نومهم عن الصلاة" هذا في القصة الطويلة التي نام فيها النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الصلاة، وهم معه، فجعل بعضهم يهمس إلى بعض ما كفارة ذلك؟ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنه ليس في النوم تفريط)) والضمير اسم (إن) هو ضمير الشأن ((إنه ليس في النوم تفريط)) تقصير؛ لأن القلم مرفوع عن النائم ما لم يفرط، فلا يبذل سبب، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- بذل السبب وعهد بالإيقاظ إلى بلال لكنه نام، وأخذ بنفسه الذي أخذ بأنفسهم، فإذا وكل ذلك إلى أحد يوقظه فقد أخذ بالسبب، ولا بد من نفي المانع كما ذكرنا سابقاً، فلا يسهر حتى إذا بقي على الصلاة ساعة قال: أنام وأبذل السبب، أنت بذلت السبب صحيح، لكنك أوجدت المانع من القيام فلا يجوز حينئذٍ السهر في هذه الحالة.(34/19)
((إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة)) يعني في حال اليقظة، في حال التكليف ((فإذا نسي أحدكم صلاة)) يعني تركها نسياناً {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] ((أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها)) ((فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها)) يعني رفع الإثم في حال النسيان {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] هل يعفيه من الصلاة إذا ذكرها؟ في الحديث: ((فليصلها إذا ذكرها)) المأمورات لا بد من الإتيان بها، ولو عذر في تركها نسياناً دون تفريط؛ لأن النسيان عند أهل العلم ينزل الموجود منزلة المعدوم ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود، المؤاخذة والإثم مرفوع {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] قال: قد فعلت، لكن لا يعفى عن فعل ما تركه نسياناً، فالنسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود، شخص صلى بغير طهارة هل نقول: إن صلاته صحيحة لأنه ناسي؟ لا، نقول: النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، ومثله لو صلى الظهر ثلاث ركعات، نقول: لا بد أن يأتي برابعة؛ لأن النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، لكنه نسي وصلى خمس نقول: صلاته صحيحة، لو تعمد بطلت صلاته، لكن هذا ناسي، سهو، زاد خامسة، صلاته صحيحة؛ لأن النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، ((فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها)) يعني بعد النسيان والنوم هكذا رواه الترمذي مختصراً، ورواه مسلم مطولاً، وفيه قصة نومهم عن صلاة الصبح.(34/20)
هم في سفر ثم ناموا قبل صلاة الصبح، ووكل الإيقاظ إلى بلال، فما استيقظوا إلا بحر الشمس، فاستيقظ أبو بكر وعمر، وعرفوا من عادته -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يوقظ حتى يستيقظ، فكبر عمر فرفع صوته بالذكر، فاستيقظ النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم أمرهم -عليه الصلاة والسلام- بالارتحال عن المكان الذي ناموا فيه إلى محل آخر، انتقلوا عن هذا المكان الجمهور قالوا: إنه انتقل عن المكان للعلة المنصوصة في بعض الروايات، وهو أنه مكان حضر فيه الشيطان، والحنفية يقولون: انتقل عن المكان ليخرج وقت النهي، مع أن وقت النهي خرج قبل ذلك؛ لأنهم أيقظهم حر الشمس، ولا يكون للشمس حر إلا وقد انتهى وقت النهي.
انتقلوا من المكان الذي حضر فيه الشيطان، شخص في بيته في غرفته استيقظ بعد طلوع الشمس بساعة هل نقول له: انتقل من هذا المكان الذي حضر فيه الشيطان إلى مكان آخر؟ ولنفترض أن البيت غرفة واحدة كما كان في عصر سلف هذه الأمة، كبيوته -عليه الصلاة والسلام-، البيت غرفة واحدة، نقول له: اخرج من البيت لأنه حضر فيه الشيطان؟ طيب متى يرجع؟ هذا قال جمع من أهل العلم: إن هذا خاص به -عليه الصلاة والسلام-، هو الذي عرف أن هذا المكان حضر فيه الشيطان، وهل كل مكان تفوت فيه الصلاة في مثل هذه الصورة يكون حضر فيه الشيطان؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- تنام عيناه ولا ينام قلبه، تنام عيناه ولا ينام قلبه فكيف نام عن الصلاة وقلبه يقظان؟ نقول: إنه في هذه الحالة نام قلبه -عليه الصلاة والسلام-، وإن كانت العادة جرت أن قلبه لا ينام من أجل التشريع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إنما ينسى ليسن، يسهو في الصلاة من أجل أن يسن، ويكون هذا أكمل في حقه، ونام عن الصلاة من أجل تشريع الصلاة بالنسبة لمن خرج وقتها عليه غير مفرط بنوم أو نسيان.(34/21)
ونومه -عليه الصلاة والسلام- عن الصلاة في هذه الصورة من نعم الله -جل وعلا- على أمته، يعني لو تصورنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما نام ولا مرة عن الصلاة، ماذا يكون للمسلم المتحري المحتاط لدينه؟ هذا لا شك أنه يلحقه من الحزن والأسى شيء قد لا يحتمله، قد يكدر وينكد عليه صلاته، لكن يتسلى بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- فاتته الصلاة بسبب النوم، ويكون يعني أهدأ لباله، وإن كان يناله شيء من الأسى ولا بد؛ لأن هذا لا شك أنه خلاف الأصل، الأصل أن تصلى الصلاة في وقتها.
"وفي الباب عن ابن مسعود" عند أبي داود والنسائي "وأبي مريم" يقول الشارح: لم أقف عليه "وعمران بن حصين" عند البخاري ومسلم "وجبير بن مطعم" يقول: الشارح أيضاً: لم يقف عليه "وأبي جحيفة" واسمه: وهب السوائي عند أبي يعلى والطبراني "وأبي سعيد وعمرو بن أمية الضمري" عند أبي داود "وذي مخبر" "ويقال: ذي مخمر" وبعضهم يصوب الميم، كالأوزاعي، وكان لا يقوله إلا بالميم، ومثله في طبقات ابن سعد، "وهو ابن أخي النجاشي" وحديثه عند أبي داود "قال أبو عيسى: وحديث أبي قتادة حديث حسن صحيح" وهو مخرج في صحيح مسلم مطولاً، ورواه أيضاً أبو داود والنسائي "وقد اختلف أهل العلم" لكن لو كان العكس، إحنا نقول: رواه مسلم مطولاً، لكن لو كان العكس مطول عند الترمذي ومختصر عند مسلم ماذا نقول؟ نقول: رواه الترمذي وأصله في مسلم، يعني أصل القصة موجود في مسلم لا تفصيلها.(34/22)
"وقد اختلف أهل العلم في الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ أو يذكر وهو في غير وقت صلاة عند طلوع الشمس أو عند غروبها" يعني استيقظ وقد بقي على طلوع الشمس دقيقة أو دقيقتان يتمكن من الوضوء فيهما ثم يحرم يكبر تكبيرة الإحرام مع بزوغ الشمس أو مع غروبها في الوقت المضيق الذي نهينا فيه عن الصلاة، استيقظ في هذا الوقت المضيق والصلاة صلاة فجر أو صلاة عصر "وقد اختلف أهل العلم في الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ أو يذكر وهو في غير وقت صلاة -يعني في وقت نهي- عند طلوع الشمس أو عند غروبها، فقال بعضهم: يصليها إذا استيقظ أو ذكر" إذاً حديث الباب: ((فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها)) يعني بمجرد ذكره إياها يصليها، بغض النظر عن الوقت، وتكون الفريضة مستثناة من أحاديث النهي، وبهذا قال أحمد وإسحاق والشافعي ومالك وهو قول الجمهور؛ لأن الفرائض لا تدخل في أحاديث النهي.
"وقال بعضهم: لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب" لأن هذا وقت نهي، ووقت نهي مغلظ، والأحاديث -أحاديث النهي- تشمل الفرائض والنوافل، وبه قال الحنفية، وأدلتهم أحاديث النهي.
لكن حديث: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) الركعة الثانية ستكون وقت بزوغ الشمس في الوقت المغلظ، والركعة الثانية من العصر ستكون وقت غروب الشمس وهو الوقت المغلظ، فماذا يقول الحنفية في مثل هذا؟ يقولون: إذا طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت صلاته ولو صلى ركعة، والحديث حجة عليهم، ولا يقولون مثل هذا في صلاة العصر، إذا غابت عليه الشمس يكملها؛ لأنها إذا طلعت يدخل وقت نهي، وإذا غابت يخرج وقت نهي، فيفرقون بين هذه وهذه، المقصود أن جمهور أهل العلم أن صلاة الفريضة لا تدخل في أحاديث النهي، والحنفية يجعلونها شاملة للنوافل والفرائض، ولا شك أن الراجح هو قول الجمهور، ((فليصلها إذا ذكرها)) وأيضاً: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) وهذا وقت مغلظ، وأمر بإكمالها: ((فليضف إليها أخرى)) كما جاء في بعض الروايات.(34/23)
بالنسبة للكسوف إذا وجد في وقت النهي، في الحديث: ((فإذا رأيتموهما فصلوا)) وعلق الصلاة بالرؤية، ولا ينظر في هذه الرؤية إلى الوقت، لا وقت نهي ولا غيره، لكنها داخلة في الخلاف باعتبار أن جماهير أهل العلم على أن صلاة الكسوف سنة من النوافل وليس من الفرائض، ونقل الإجماع على كونها سنة النووي، قال: أجمع أهل العلم على أن صلاة الكسوف سنة، وترجم أبو عوانة في صحيحه بقوله: باب وجوب صلاة الكسوف، فالذي يراها واجبة يقول: هي مستثناة من أحاديث النهي، والذي يراها مستحبة ومندوبة وسنة مؤكدة يقول: لا تصلى في أوقات النهي إلا من يقول: إن ذوات الأسباب تصلى في أوقات النهي، وسيأتي بحث الأوقات، أوقات الكراهة وما يعارضها -إن شاء الله تعالى- في درس لاحق.
نعم؟
باب: ما جاء في الرجل ينسى الصلاة:
حدثنا قتيبة وبشر بن معاذ قالا: حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها)) وفي الباب عن سمرة وأبي قتادة.
حديث أنس حديث حسن صحيح، ويروى عن علي بن أبي طالب أنه قال في الرجل ينسى الصلاة قال: "يصليها متى ما ذكرها في وقت أو في غير وقت" وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، ويروى عن أبي بكرة -رضي الله عنه- أنه نام عن صلاة العصر فاستيقظ عند غروب الشمس فلم يصلِ حتى غربت الشمس، وقد ذهب قوم من أهل الكوفة إلى هذا، وأما أصحابنا فذهبوا إلى قول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في الرجل ينسى الصلاة" وفيه الحديث السابق: ((فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها)) وهو جزء مما يدخل في الحديث السابق.
"باب: ما جاء في الرجل ينسى الصلاة"(34/24)
قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة -وهو ابن سعيد- وبشر بن معاذ قالا: حدثنا أبو عوانة" وأبو عوانة: الوضاح بن عبد الله اليشكري غير صاحب الصحيح المسند، مسند أبي عوانة المستخرج على صحيح مسلم، هذاك أبو عوانة الإسفرائيني، وهذا أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، هذا متقدم وذاك متأخر "حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها)) " زاد مسلم: ((لا كفارة لها إلا ذلك)) يعني بمجرد ذكره إياها فإنه يصليها، يقول النووي: "لا يجزئه إلا الصلاة" يعني لا يكفر إذا نام عن الصلاة، يقول: نكفر كفارة يمين، أو ما أشبه ذلك، أو عتق رقبة، أو شيء، لا، لا، لا كفارة لها إلا ذلك، لا يجزئه إلا الصلاة، ولا يلزمه مع ذلك شيء آخر، يعني في أصل الشرع لا يلزمه شيء آخر يعني في أصل الشرع، لكن وجد من يلزم نفسه بشيء يشبه به النذر الذي لا يجب عليه بأصل الشرع أنه كلما فاته ركعة في يوم تصدق بصدقة، أو صام عنها يوماً، أو فعل محظوراً أو ارتكب شيئاً فإنه يلزم نفسه بشيء، ووجد من سلف هذه الأمة أن من قال: متى اغتاب شخصاًَ تصدق بدرهم فسهلت عليه الغيبة، مع أنها لا يكفي؛ لأن هذه حقوق العباد، قال: فنذر أنه إن اغتاب شخصاً أن يصوم يوماً فكف عن الغيبة، يعني يتخذ بعض الناس مثل هذا لردع النفس وزجرها عن الاسترسال في المحرم، وإلا فالأصل أن في النصوص ما يكفي ويزجر، والصلاة إذا نام عنها أو نسيها يصليها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك، لكن لو كان من باب الحرص عند شخص من الأشخاص يقول: عدد الركعات المكتوبة في اليوم والليلة سبعة عشر ركعة، كل ركعة أتصدق بعشرة، إن رأى أن هذا المبلغ يردعه استمر عليه وإلا زاد فيه قال: أتصدق عن كل ركعة بمائة، وعلى هذا لو فاتته الركعات كلها فعليه أن يتصدق بألف وسبعمائة، لا شك أنه يردعه، لكن هذا قدر زائد على ما شرع الله -جل وعلا-، وفي مشروعيته نزاع، وإن فعله بعضهم من باب الصيانة والحياطة والاهتمام بشأن الدين، وبعض الناس في المقابل يستوي عنده أن يدرك الصلاة أو تفوته الصلاة، بل بعضهم يقصد ويعمد إلى أن تفوته الركعتان الأوليان لطولهما بالنسبة له، ينتظر(34/25)
حتى تنتهي الركعتان الطويلتان، ولا شك أن هذا من وسواس الشيطان، وهذا إذا استمر على ذلك لا يلبث أن يتساهل في أمر الصلاة كلها، يتساهل في أمر الجماعة، ثم يتساهل في أمر الوقت، ثم يتساهل في أمرها بالكلية؛ لأن التساهل والتنازل لا حد له.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن سمرة" وهو عند الإمام أحمد في المسند "وأبي قتادة" وقد تقدم في الباب الذي قبله "قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن صحيح" وأخرجه الجماعة، الحديث أخرجه الجماعة عند البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، عند الأئمة كلهم "ويروى عن علي بن أبي طالب أنه قال في الرجل ينسى الصلاة قال: "يصليها متى ما ذكرها في وقت أو في غير وقت" يعني في وقت صلاة أو في غير وقت صلاة، يعني وقت نهي "وهو قول الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق" والإمام مالك، وكلهم استدلوا بحديث الباب، وجعلوا أحاديث النهي لا تتناول الفرائض "ويروى عن أبي بكرة" يروى عن علي، ويروى عن أبي بكرة، وهذه عند أهل العلم تسمى صيغة تمريض، يصدر بها الخبر إذا كان مشكوكاً في ثبوته، صيغة تمريض غير مجزوم به "ويروى عن أبي بكرة أنه نام عن صلاة العصر فاستيقظ عند غروب الشمس فلم يصل حتى غربت الشمس".(34/26)
يقول الشارح: لم أقف على من أخرج هذا الأثر أثر أبي بكرة، ولا على من أخرج أثر علي -رضي الله عنه-، وما يراه أو ما يذكر عن أبي بكرة هو قول أبي حنيفة استدلالاً بأحاديث النهي "وقد ذهب قوم من أهل الكوفة إلى هذا" يريد بذلك الإمام أبا حنيفة ومن يقول بقوله "وأما أصحابنا" يريد بذلك أهل الحديث، وإن زعم بعضهم أنه يريد الشافعية، وتقدم أن من الشافعية من زعم أن الترمذي شافعي المذهب، يعني كما قيل في البخاري، لكن الشافعية ترجموا للترمذي في طبقاتهم، وتقدم لنا في صفحة (297) يعني قبل كم حديث؟ في الحديث (157)، يعني قبل عشرين حديثاً، "وأما ما ذهب إليه الشافعي أن الرخصة لمن ينتاب من البعد والمشقة على الناس فإن في حديث أبي ذر ما يدل على خلاف ما قال الشافعي" فقد رد على الشافعي، ولو كان شافعياً لدافع عنه، فدل على أنه يريد "وأما أصحابنا" يريد بهم أهل الحديث "فذهبوا إلى قول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-" من أنها تصلى الفائتة على أي حال وفي أي وقت، سواءً كان وقت نهي أو غير وقت نهي.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ؟
حدثنا هناد قال: حدثنا هشيم عن أبي الزبير عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: قال عبد الله: "إن المشركين شغلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء".
وفي الباب عن أبي سعيد وجابر -رضي الله عنهم-.
حديث عبد الله ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله، وهو الذي اختاره بعض أهل العلم في الفوائت أن يقيم الرجل لكل صلاة إذا قضاها، وإن لم يقم أجزأه، وهو قول الشافعي.(34/27)
وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال يوم الخندق وجعل يسب كفار قريش قال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى تغرب الشمس، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والله إن صليتها)) قال: فنزلنا بطحان فتوضأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتوضأنا، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب".
هذا حديث حسن صحيح.
انقطاع في الصوت من المصدر من 1: 29: 59 إلى 1: 40: 15
قال -رحمه الله-: "وحدثنا محمد بن بشار" المعروف ببندار "قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قال يوم الخندق" يعني في غزوة الأحزاب، والغزوة يقال لها: يوم ولو كانت أياماً؛ لئلا يتعارض هذا الحديث مع الذي قبله.
"أن عمر بن الخطاب قال يوم الخندق وجعل يسب كفار قريش" لماذا؟ لأنهم تسببوا في تأخيرهم الصلاة، تسببوا في تأخيرهم الصلاة عن وقتها المختار كما حصل لعمر؛ لأنه صلى في آخر الوقت، أو بتأخيرها عن وقتها مطلقاً كما حصل لغيره، مما يأتي تفصيله في الحديث، الآن إذا حضر شخص إلى الصلاة فوجد الناس قد سبقوه بركعة أو ركعتين، أو سلم الإمام بعض الناس يسب الإمام هذا الإمام يستعجل، وهذا الإمام لا ينتظر، وهذا الإمام ينقر صلاته وينظر في ساعته، ما مضى الوقت المحدد، ويلقي باللائمة على الإمام، لكنه لو تقدم صارت النظرة غير هذه، هذا الإمام تأخر، وهذا الإمام يطيل الصلاة، وهذا .. ، كل هذا من أجل أن يبرر لنفسه التقصير، والأصل والأولى أن يرجع باللائمة على نفسه لماذا تأخر؟ يلوم الإمام، عليه أن يلوم نفسه.(34/28)
هل في قول أو في سب عمر -رضي الله عنه- كفار قريش مستمسك لمثل هذا؟ لا، النبي -عليه الصلاة والسلام- مع الصحابة ما تأخروا عن الصلاة، لكنهم شغلوا عنها بغير إرادتهم، أما هذا هو المقصر، ثم ينحو باللائمة على الإمام، عجّل الإمام، تقدم الإمام، ثم يأخذ في عرضه، ما انتظر، ونقر الصلاة نقراً، ولم يدرك الصلاة، شوف أكثر من صف يقضون الصلاة كلهم بسبب الإمام، لا، لا هو بسبب تأخرهم، وكل له من خطاب الشرع ما يخصه، قد نلوم الإمام في بعض الصور، لكن لا نعذر من تأخر.
وجعل يسب كفار قريش؛ لأنهم تسببوا في تأخيرهم الصلاة عن وقتها المختار كما حصل لعمر؛ لأنه صلاها في آخر وقتها، أو عن وقتها بالكلية كما حصل لغيره.
"قال: يا رسول الله" قال عمر: يا رسول الله "ما كدت أصلي العصر حتى تغرب الشمس" وكدت من أفعال المقاربة، لا تقترن بـ (أن) بخلاف عسى، حتى تغرب الشمس والمعنى أنه صلاها قرب غروب الشمس؛ لأن كاد إذا أثبتت نفت، وإذا نفيت أثبتت، هنا: ما كدت نفى فدل على أنه صلاها قبل غروب الشمس، لكن لو قال: كدت أصلي العصر قبل أن تغرب الشمس، قلنا: ما صلاها إلا بعد أن غابت الشمس، وماذا عن قوله -جل وعلا- في الساعة: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [(15) سورة طه] يعني على القاعدة أنه أبرزها ولم يخفها، مع أنه في النصوص القطعية من الكتاب والسنة أنه لا يعلمها إلا الله -جل وعلا-، فقال أهل العلم في قوله: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [(15) سورة طه] يعني حتى عن نفسي، أما عن الخلق فهذا مقطوع به، إخفاؤها عن الخلق هذا مقطوع به، إذا أثبتت نفت، لو قال: كدت أصلي العصر قبل أن تغرب الشمس، قلنا: إنه ما صلاها إلا بعد ما غربت، لكن لما قال: ما كدت أصلي العصر حتى تغرب الشمس، قلنا: إنه صلاها قبل أن تغرب الشمس، "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني بعضهم يقول في كاد في معاياة وإلغاز يقول:
إذا نُفيت -واللهُ أعلمُ- أثبتت ... وإن أثبتت قامت مقام جحودِ
وإن أثبتت قامت مقام جحود، كما قيل في (إن) و (إذا) الشرطيتين:
أنا إن شككت وجدتموني جازماً ... وإذا جزمت فإنني لم أجزمِ(34/29)
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والله إن صليتها)) " يعني: والله ما صليتها؛ لأن (إن) هنا نافية، " ((والله إن صليتها)) قال: فنزلنا بطحان" هكذا يضبطه أهل الحديث قاطبة (بُطحان) ويضبطه بعض أهل اللغة بفتح الباء، منهم من يسكن الطاء، ومنهم من يكسرها (بَطْحان) و (بَطِحان) وهو وادٍ في المدينة "فتوضأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتوضأنا، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب، ثم صلى بعدها المغرب.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الإمام البخاري ومسلم فهو متفق عليه، ويشيع عند بعض العامة أن الفوائت تقضى مع نظائرها، امرأة عليها صلوات فوائت فرطت فيها، أو رجل تساهل في صلوات كثيرة فتقضي الصلوات مع نظائرها، إذا صلت الصبح صلت صبح ثانية، إذا كان عليها يوم، إن كان عليها يومين صلت الصبح مرتين بعد الأصل، إن كانت عليها خمسة أيام صلت الصبح خمسة مرات، فإذا صلت الظهر كذلك، وإذا صلت العصر كذلك، هذا الكلام ليس بصحيح، بل قضاء الفوائت فوراً تسرد، يصلى خمس صلوات عن يوم كامل، ثم يتبع بيوم آخر، ثم يتبع بيوم ثالث وهكذا، ما لم يصل إلى حد المشقة، لكن على الإنسان أن يبادر بإبراء ذمته، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(34/30)
جامع الترمذي - كتاب الصلاة (8)
شرح: باب: ما جاء في صلاة الوسطى أنها العصر، وباب: ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر، وباب: ما جاء في الصلاة بعد العصر.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هذا يقول: ذكر الشيخ أحمد شاكر في حاشيته على الترمذي صفحة (331) كلاماً لابن بطال لم أفهمه.
وهذه الصفحة (331) أمامي، يقول: "وقال ابن بطال على حديث الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله، قبله كلام لابن حجر يقول: بوب الترمذي على حديث باب: ما جاء في السهو عن وقت العصر حمله على الساهي، وعلى هذا فالمراد بالحديث أنه يلحقه من الأسف عند معاينة الثواب لمن صلى يلحق من ذهب منه أهله وماله، ويؤخذ منه التنبيه على أن أسف العامد أشد؛ لاجتماع فقدان الثواب، وحصول الإثم، وقال ابن عبد البر: "في هذا الحديث إشارة إلى تحقير الدنيا، وأن قليل العمل خير من كثير منها، يعني قليل العمل بما يتعلق بأمر الآخرة يترتب عليه ثواب من الله -جل وعلا- خير من كثير منها يعني من الدنيا.
وقال ابن بطال: "لا يوجد حديث يقوم مقام هذا الحديث؛ لأن الله تعالى قال: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} [(238) سورة البقرة] فلا يوجد حديث فيه تكييف ومحافظة غير هذا، يعني الأمر المطلق بالمحافظة على الصلاة، بالمحافظة عليها لا يؤخذ منه فعلها في وقتها، لكن في هذا الحديث مع المحافظة عليها الثابت بالكتاب والسنة فيه أن المحافظة تكون عليها في وقتها؛ لأن الذي تفوته صلاة العصر يفوتها عن وقتها هذا كأنه وتر أهله وماله، وفي معناه بل أشد منه حديث: ((من ترك العصر فقد حبط عمله)) هذا الذي يظهر من كلام ابن بطال.
يقول: هل وقت قضاء الصلاة الفائتة موسع أو مضيق؟ ومتى ينتهي الوقت؟
أولاً: الفائتة يجب قضاؤها فوراً، ((فليصلها إذا ذكرها)) يعني بمجرد ذكرها يصليها ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)).
يقول: ومتى ينتهي الوقت مثل النائم إذا قام من نومه وفاتته صلاة متى ينتهي وقت الصلاة بحقه؟(35/1)
إذا قام وفي الوقت بقية، إذا قام من نومه وفي الوقت بقية ينتهي بانتهاء الوقت، وأما إذا قام وقد انتهى الوقت فإن وقتها بالنسبة له يبدأ من استيقاظه، أو من ذكره إذا نسي.
في حديث الأمس قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((والله إن صليتها)) هل يوجد محذوف مقدر في الجملة؟ وما معنى (إن) هنا؟
(إن) هنا نافية، يعني والله ما صليتها، {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} [(159) سورة النساء] يعني ما من أهل الكتاب إلا سيؤمن بعيسى -عليه السلام-.
هل نجاسة الكافر حسية أم معنوية؟
الجمهور على أنها معنوية وليست حسية، ومن أهل العلم من يرى أنها حسية، بمعنى أنه لو سلمت عليه أو مسست شيئاً من بدنه بشيء رطب أنه يتنجس، لكن قول عامة أهل العلم أنها معنوية وليست حسية.
يقول: من المعلوم أنه قد نقل إجماع الصحابة -رضوان الله عليهم- على كفر تارك الصلاة فهل ما وقع من خلاف من بعض الأئمة الأربعة وغيرهم خارق لهذا الإجماع؟
عبد الله بن شقيق يقول: "كانوا لا يرون شيئاً من العمل تركه كفر إلا الصلاة" كانوا ويقصد بذلك الصحابة، وقد يتجوز في مثل هذا بنقله عن من وقف عليه من كلامه منهم، ولا يلزم من ذلك أن يصرح الجميع، مع أنه قد لا ينقل عن شخص وهو غير موافق، المقصود أن أهل العلم الذين يقولون بكفر تارك الصلاة يذكرون هذا أنه نوع من نقل الإجماع، والذين قالوا بعدم كفره لهم أدلتهم، وأنه يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، المقصود أن المسألة خلافية، لكن الراجح من أقوال أهل العلم أنه كفر أكبر مخرج من الملة ((بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)).
يقول: هل الإجماع حجة فيما سوى المسائل الفقهية من العلوم كما قيل: إنه قد أجمع متقدمو أهل الحديث أن شروط الصحيح خمسة، ثم جاء في القرن السادس من قال: إنه لا يكفي اتصال السند وإنما قال: إنما يشترط طول الصحبة بين الراوي وشيخه؟(35/2)
لا شك أن مثل هذا الإجماع ملزم بالنسبة لمن أخل ببعض الشروط، أما من زاد بعض الشروط من أجل الاحتياط للسنة فإن مثل هذا لا يلزمه لوجود الاحتياط من الصحابة -رضوان الله عليهم-، فلو قال قائل: أنا هذا الصحيح، هذا الحديث اكتملت فيه شروط الصحيح، لكن عمر -رضي الله عنه- رد خبر أبي موسى في الاستئذان حتى شهد له غيره، وكان الباعث على ذلك الاحتياط للسنة، كما هو الباعث لعمر -رضي الله عنه-، يعني لو جاءك شخص بخبر، وأوجست في نفسك خيفة من هذا الخبر، وإن كان ناقله ثقة، وطلبت مزيد التثبت فإنك لا تلام على هذا، كما صنع عمر -رضي الله عنه-، ولا يعني هذا أن يكون في ذلك ذريعة لأهل البدع الذين يردون السنن تشبثاً بقول عمر وبصنيع عمر وباحتياط عمر.
جمهور أهل العلم يصححون الخبر المعنعن بالشرط المعروف، بعدم الوصف بالتدليس مع المعاصرة عند مسلم، أو اللقاء عند الإمام البخاري، مع أن العمل عند أكثر أهل العلم على طريقة مسلم، لكن قول البخاري فيه مزيد احتياط للسنة، فلا يلام البخاري على مزيد هذا الاحتياط، طيب لو قال: النحاة كلهم أجمعوا على أنه يجب رفع الفاعل هل معنى هذا أن من نصبه يأثم؟ وجوب اصطلاحي، كما يقول بعضهم في وجوب التجويد، وأهله متفقون عليه أنه يجب، وصرح بعضهم بأن التأثيم إنما هو عند الفقهاء، يعني هذا وجوب اصطلاحي لا يلزم منه الإثم، ودليل ذلك أن من الصحابة من قرأ القرآن في ركعة، هل نقول: إن هذا رتل وجود من قرأ في ركعة؟
وجاء في المسند وسنن الدارمي: ((يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارتق في درج الجنة كما كنت تقرأ في الدنيا هذاً كان أو ترتيلاً)) وإسناده جيد حسن عند أحمد والدارمي، فدل على جواز قراءة الهذ، وأنها محصلة لأجر الحروف، وأما أجر التجويد والتدبر فقدر زائد على ذلك، يعني يفوق ذلك بمراحل، لكن لا يعني أن من قرأه هذاً كما فعله بعض الصحابة حينما ختمه في ركعة أنه يأثم بهذا، وإن أوجبوا التجويد.
ابن الجزري يقول:
. . . . . . . . . ... من لم يجود القرآن آثم
لكن هذا التأثيم صرح كثير من علماء القراءات والتجويد أن التأثيم هذا. . . . . . . . . الفقهاء، الذين لهم الأحكام.(35/3)
هل إذا مضى الزمان على قولين أو ثلاثة للعلماء في مسألة ما لا يجوز لمن أتى بعد إحداث قول جديد إذا كان خارقاً لها لأجل أن نحج ما يسمون بالمثقفين الذين يتلاعبون بحدود الله -سبحانه وتعالى-، ونقول: إن هذا قول محدث الحق في خلافه قطعاً.
إحداث قول ثالث هل يعد خرقاً للإجماع أو لا؟ هذه مسألة معروفة عند أهل العلم في كتب الأصول باعتبار أن هذا الذي أحدث قولاً ثالثاً خالف ما عليه من مضى، ومنهم من يقول: إن هذا لا يعد خرق للإجماع لوجود الخلاف، والملزم من الإجماع هو ما يتفق عليه جميع المجتهدين، وإذا اختلف المجتهدون كان ذلك فيه مندوحة لمن أراد أن يتأمل في النصوص ويخرج بقول متوسط بين القولين أو يزيد قيداً على أحد هذه الأقوال، هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، ولا شك أن الذي يوجد قول لم يسبق إليه فإن كان من أهل العلم الذين لهم عناية بالنصوص وعرفوا بذلك، ولديهم خبرة ودربة في التعامل مع النصوص على طريقة السلف أنه رب مبلغ أوعى من سامع، أما أن يأتي شخص لا في العير ولا في النفير، لا يحسن الوضوء ثم بعد ذلك يفهم من النصوص ما يفهم، ويقال: إن هم رجال ونحن رجال، هذا الكلام ليس بصحيح، هذا تلاعب بالنصوص.
يقول: كيف ذهب البخاري وابن القيم -رحمهما الله تعالى- إلى القول بالنسخ مع إمكان الجمع بالقول بأن صلاة الخوف لا تصلى حضراً، أليس هذا سبيل أهل العلم؟(35/4)
لكن القول بما أشير إليه هنا وهو قول معروف عند أهل العلم أن صلاة الخوف لا تصلى في الحضر، هذا يترتب عليه تأخير الصلوات عن وقتها، والوقت شرط لصحة الصلاة، وصلاة الخوف على الصفة التي جاءت بها السنة في ستة مواطن أو سبعة كما صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- الخلل متطرق للصلاة بلا شك، وصلاة الخوف تشتمل على كثير من الأمور التي تبطل الصلاة في حال الأمن، وهنا يتجاذب المسألة النظران، هل يتجاوز عن الوقت ويقال: تؤخر الصلوات وتؤدى كما أمر الله؟ تؤخر عن أوقاتها يصلي أوقات، أربعة أوقات، خمسة أوقات، يوم يومين ثلاثة إلى أن يحصل الأمن في حال الحضر، ولا تصلى صلاة الخوف على شيء من الخلل في الأركان، واشتمالها على شيء من المبطلات، أو نقول: إن غزوة ذات الرقاع متأخرة عن غزوة الخندق فتشرع صلاة الخوف في وقتها جماعة على شيء من الخلل الذي جاءت به النصوص؟ وهو بالنسبة لصلاة الخوف وإن كان خللاً بالنسبة للأمن إلا أنه في الخوف كمال، محافظة على الوقت، ومحافظة على الجماعة، ولا شك أن صلاة الخوف من أقوى الأدلة على وجوب صلاة الجماعة، يعني تجاوز فيها عن أمور كثيرة، مع أنه يمكن أن يصلي الناس فرادى ويضبطون صلاتهم على الوجه المأمور به محافظة على الجماعة، لا سيما في هذا الموطن، الذي تظهر فيه هيبة المسلمين ضد الأعداء أمر لا بد منه.
وعلى كل حال المسألة خلافية، فمن قال: إن صلاة ذات الرقاع متقدمة على الخندق، قال: إن صلاة الخوف لا تصلى في الحضر ولو ترتب على ذلك تأخير الصلاة عن وقتها كما حصل للنبي -عليه الصلاة والسلام-.
ومن قال: إن غزوة ذات الرقاع متأخرة قال: إنما حصل بغزوة الخندق. . . . . . . . .، والقولان لا شك أنهما متعادلان؛ لأن هذا فيه خلل في الوقت، وهذا خلل في ذات الصلاة.
يقول: كيف الجمع بين قول الله -جل وعلا-: {وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [(33) سورة الرعد] وبين قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [(17) سورة فصلت]؟(35/5)
معلوم أن الهداية نوعان: هداية توفيق وقبول، وهداية دلالة وإرشاد، أما ثمود هداهم الله هداية الدلالة والإرشاد لكنهم ما قبلوا، وهذه لله -جل وعلا- ولنبيه ولكتابه، ولمن يخلف نبيه في الدعوة إلى الله على بصيرة، هؤلاء لهم هداية الدلالة والإرشاد، لكن هداية التوفيق والقبول ليست إلا لله -جل وعلا-.
هذا يقول: أحب أن أسمع رأيك فيمن أراد الذهاب إلى مكة هل يعتمر أو لا؟
ذكرت أنني متوقف في هذه المسألة، وأنني لم أدرك ما. . . . . . . . . به البينية المشترطة لصحة السعي، وليس لمن حاله كحالي يجزم بشيء، والمسألة نسبية، حكم السعي يدرك من خلال النصوص لكن الموقع هل يدرك من خلال النصوص؟ ما يمكن أن يدرك إلا بمعرفة ما تتحقق به البينية وتواريخ مكة كلها مختلفة، والبحوث التي قدمت فيها تعارض وتباين كبير، يوجد شيء من الاضطراب في الحكم.
يقول: التمس الشعرواي حكمة من قول الله تعالى في الحديث القدسي: ((إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)) العبادات كلها يمكن أن تصرف لمخلوق إلا الصوم فلا يمكن أن تصوم لأحد فهل هذا صحيح؟ وما الحكمة إذا كانت غير هذه؟
جاء في الحديث الصحيح القدسي: ((إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)) يعني لأنه سر بين العبد وبين ربه، أما كونه يدخله الرياء يدخله الرياء، يدخله الرياء إلا أنه قد يكون العبد صائماً في وقت ما ثم بعد ذلك يفطر بحيث لا يطلع عليه إلا الله -جل وعلا-؛ لأن الصيام يكون بالنية، ومن نوى الإفطار أفطر، فقد يأكل في خفية من الناس لا يعلم به أحد، ويظن أنه صائم، وأما كونه يدخله الرياء ويصوم من أجل أن يقال: صائم، هذا لا شك أنه يحصل، من أجل أن يقال: إنه صائم، وقد يقوم ليقال: إنه قائم، فأما الاختصاص فلأنه سر بين العبد وبين ربه؛ لأنه قد يتيسر له الفطر ومع ذلك يستمر في صيامه مما يجعل الأمر فيه شيء من الخفاء على كثير من الناس، وقد يصوم الأيام ولا يعلم به، فلا شك أن هذا أمر خفي، أما كونه يمكن أن يدخله الرياء فهو ممكن.(35/6)
وقوله: إن العبادة كلها يمكن أن تصرف لمخلوق إلا الصوم إن أراد بصرفها أنها تفعل عن أحد من المخلوقين نيابة عنه فجاء النهي عن الصلاة ((لا يصلِّ أحد عن أحد)) وجاء أيضاً في الصيام: ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) فهذا الكلام ليس بمطرد، لا في العمل الباطن ولا في العمل الظاهر.
يقول: بدأ يظهر في أوساط طلاب العلم اليوم ظاهرة دراسة الدراسات العليا في دول الغرب الكافرة بحجج واهية فهل هم على صواب ناهيك بأن بعضهم من أعضاء الدعوة والإرشاد فيا ليت شعري أي علم سيجلبونه لنا؟
أولاً: مسألة الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام من أوجب الواجبات، ولم يعذر فيها إلا العاجز، ولم يصرح بحيلة في القرآن إلا في هذا الموطن {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} [(98) سورة النساء] فتجب الهجرة ولو بحيلة، هذا إذا كان ممن وجد في بلاد الكفار بغير طوعه ولا اختياره يجب عليه أن يهاجر إلا إذا عجز، فكيف ينتقل من بلاد المسلمين إلى بلاد الكفار؟! يعني بعض أهل العلم يرخص إذا كانت الدراسة من النوع الذي لا يوجد في بلاد المسلمين والمسلمون بحاجة إليها، يرخص في مثل هذا بعض أهل العلم، والذي يظهر -والعلم عند الله تعالى- أننا لسنا بحاجة إلى الكفار بأي حال من الأحوال، الآن كل شيء موجود عندنا -ولله الحمد-، ولا شك أن التأثر موجود، يتأثرون بالأخلاق، يتأثرون بالأعمال الظاهرة، يتأثرون بالعقائد، يتشبهون بهم شاءوا أم أبوا، والخطر عليهم عظيم، وعلى أولادهم وذراريهم أعظم، وإذا استطاع الشخص بما عنده من علم ودين أن يحافظ على. . . . . . . . . بشيء، يحافظ على شيء مما عنده من العلم والدين فإنه لن يستطيع أن يحافظ على من تحت يده ممن ولي عليه، وكم من الذراري -من ذراري المسلمين- ممن التحق باليهود والنصارى بسبب هذه الأسفار.
يقول: أتحرج كثيراً من حضور المناسبات بسبب وجود التصوير فهل آثم بحضوري؟ وإذا تحرزت من أن أصور فهل آثم بحضوري إذا تحرزت من أن أصور أم حضوري وجلوسي يعتبر إقراراً لهذا المنكر؟(35/7)
التصوير الذي عمت به البلوى الآن، وصار الناس يقتدون بمن صور من أهل العلم، ومن لا يراه من أنواع التصوير، لا شك أنه هون من أمره كثيراً، حتى أنه الآن يوجد من غير نكير في أقدس البقاع، بحيث يترك بعض الناس الصلاة من أجل أن يصور، لا شك أن هذه مصيبة لكن ما دام من أهل العلم من تساهل في هذا الباب وقلده بعض العوام فإن هذا لا سيما إذا قلد من تبرأ الذمة بتقليده لأن .. ، يعني وجد يعني في الواقع من صور وتبرأ الذمة بتقليده يعني من كبار أهل العلم والعمل، لا نقول: إنهم لا عبرة بهم، لا، بهم عبرة، شئنا أم أبينا، يعني لو خالفناهم في الرأي إلا أنهم أهل وعمل، صوروا ومنهم أهل تحري، ومع ذلك العبرة بما دل عليه الدليل، والعامي فرضه التقليد، إذا قلد من تبرأ ذمته بتقليده سواءً كان في الصلاة أو في الصيام أو في غيرها من العبادات أو المعاملات أو هذه الأمور الحادثة لا يلام هذا العامي، لكن الذي يلام من يقصر ممن لديه أهلية النظر والاستدلال، هذا الذي يلام، وتجده من أشد الناس ثم يحصل له ظرف، أو تخطر له خاطرة فيتساهل، يقول: المسألة خلافية، وكثير من الناس صوروا، لا تبرأ ذمتك بقولك: إن الناس صوروا.
أما وجودك في هذه المناسبة مع وجود هذا المنكر الذي تتجاذبه وجهات النظر، ولا سيما إذا ترتب على ذلك قطيعة وما أشبه ذلك فعليك أن تحضر من باب الصلة ولا تتعرض للتصوير.
يقول: هل الذي يطوف بالقبر يعد قد فعل مكفراً أم لا؟ وهل إذا أصر على هذا الفعل ومات على ذلك ما الحكم؟(35/8)
الطواف عبادة من العبادات لا تصرف إلا لله -جل وعلا-، في مكان واحد وهو حول بيته الشريف، ولا يجوز ما عدا ذلك، وصرفه لغير الله شرك، هذا الأصل في الحكم، لكن من يفعل ينظر في حاله هل جهله مطبق؟ وما بلغه حكم؟ وما نبه على ذلك؟ ولا بين له المسألة؟ هذا له حكم في مسألة العذر بالجهل، لكن بعض الناس يبين له الحكم، لكنه لا يرتدع لعدم اقتناعه بمن بيّن، ولما في قلبه من رواسب سابقة عن مذهب معين مع ثقته بشيوخه الذين رآهم يفعلون هذا ويفتون به، نقول: هذا إذا بلغته الحجة لا يعذر، ولو وجد المانع من قبول الحجة، المقصود بلوغ الحجة {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [(15) سورة الإسراء] الذي لم تبلغه الحجة يعذر بجهله، لكن من بلغته الحجة ولو وجد المانع من قبول الحجة بأن يكون مقتدياً بشيخ من هؤلاء الذين يفتون بجواز ذلك أو يفعلونه، فإن هذا لا يكفي، وقد يوجد المانع من قبول الحجة باعتبار أن هناك وقفة أو ردة فعل من هذا المنكِر، أو من مذهب هذا المنكِر.
كثير من المسلمين في الأقطار عندهم بالنسبة لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ردة فعل، وحذروا منها، وشوهت في قلوبهم فصاروا لا يقبلون أي شيء ممن ينتسب إلى هذه الدعوة، هذا لا شك أنه ليس بعذر.
وكيف نتعامل مع من يأخذ تراباً من قبر الميت يقول: يتبرك به؟
لا شك أن مثل هذه بدعة، بدعة منكرة، وبلغ الأمر في بعض بقاع المسلمين أن يوجد ضريح كبير جداً يسمونه ضريح الشعرة، مدفون فيه شعرة، للشيخ عبد القادر الجيلاني، وهناك السدنة، والتراب يباع، والماء له جراية من تحت هذا الضريح، يدخل ماء عادي ثم يخرج ماء مبارك يباع بأغلى الأثمان، والله المستعان، ولا شك أن هذه غربة، إذا وصل الأمر والخلل في التوحيد إلى هذا الحد هذه هي الغربة.
يقول: هل يجوز التعامل مع أهل البدع ومجالستهم من أجل تغيير ذلك عليهم والتدرج معهم؟(35/9)
على كل حال الأمور بمقاصدها إذا كنت تستطيع أن تؤثر فيهم فجالسهم وادعهم إلى الحق، ومن دل إلى هدى فله مثل أجر فاعله و ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) أما إذا كنت لا تستطيع التأثير فيهم، وتخشى على نفسك التأثر بهم فإن مثل هذا لا يجوز لك بحال أن تجالسهم.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في صلاة الوسطى أنها العصر:
حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود الطيالسي وأبو النضر عن محمد بن طلحة بن مصرف عن زبيد عن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة الوسطى صلاة العصر)) هذا حديث حسن صحيح.
حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((صلاة الوسطى صلاة العصر)).
وفي الباب عن علي وعائشة وحفصة وأبي هريرة وأبي هاشم بن عتبة.
قال محمد: قال علي بن عبد الله: حديث الحسن عن سمرة حديث صحيح وقد سمع منه.
حديث سمرة في صلاة الوسطى حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم.
وقال زيد بن ثابت وعائشة: "صلاة الوسطى صلاة الظهر" وقال ابن عباس وابن عمر: "صلاة الوسطى صلاة الصبح".
حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال: حدثنا قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد قال: قال لي محمد بن سيرين: سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ فسألته، فقال: سمعته من سمرة بن جندب.
وأخبرني محمد بن إسماعيل عن علي بن عبد الله عن قريش بن أنس بهذا الحديث.
قال محمد: قال علي: وسماع الحسن من سمرة صحيح، واحتج بهذا الحديث.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(35/10)
"باب: ما جاء في صلاة الوسطى" يعني التي أشير إليها في قوله -جل وعلا-: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة] "باب: ما جاء في صلاة الوسطى" وبعض النسخ: "في الصلاة الوسطى أنها العصر" وهذا قول جمهور أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم "وقد قيل: إنها الظهر" وسيأتي القائل بذلك في كلام الترمذي -رحمه الله تعالى-.
قال -رحمه الله-: "حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود الطيالسي وأبو النضر عن محمد بن طلحة بن مصرف عن زبيد عن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة الوسطى صلاة العصر)) " هذا الحديث مخرج في صحيح مسلم، ومع ثبوته مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يتعين القول بأن الصلاة الوسطى هي العصر، ولا ينظر إلى غيره، وإن كان قائله من الصحابة ومن غيرهم من الأئمة، فالعبرة بما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يلتفت إلى أحد مع قوله كائناً من كان.(35/11)
قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة عن سعيد" هو ابن أبي عروبة، وإن قال الشارح المباركفوري أنه ابن المسيب، لكنه وهم في ذلك، وكتب الأطراف تدل على هذا أنه سعيد بن أبي عروبة، "عن قتادة عن الحسن" البصري، وقتادة بن دعامة السدوسي، عن الحسن البصري "عن سمرة بن جندب" الصحابي "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((صلاة الوسطى صلاة العصر)) " وهذا الحديث من رواية الحسن عن سمرة، وقد اختلف في رواية الحسن عن سمرة أهل العلم، فمنهم من يقول: إنه لم يسمع منه شيئاً، ومنهم من يقول: سمع منه مطلقاً كما سيأتي في كلام علي ابن المديني الذي نقله الترمذي بواسطة البخاري، ومنهم من يقول: إنه سمع منه حديث العقيقة فقط، وفي صحيح البخاري عن حبيب بن الشهيد قال: قال لي ابن سيرين: سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ فقال: سمعته من سمرة، وسيذكره الترمذي -رحمه الله- فيما بعد موصولاً عنده، وعند البخاري معلق، فدل على أنه سمع منه حديث العقيقة، وإذا ثبت سماعه لحديث واحد عند أهل العلم اطرد، لكن الحسن البصري -رحمه الله تعالى- مشكلته في التدليس كبيرة، فقد يقول: حدثنا فلان ويريد بذلك أنه حدث أهل البلد وهو فيهم، هذا مما يجعل أهل العلم يتوقفون في سماعه من سمرة وإن صرح بسماعه منه حديث العقيقة، ولذا أكثر أهل العلم على أن الحسن لم يسمع منه إلا هذا الحديث، والبخاري تبعاً لشيخه علي بن المديني فيما نقله عنه أنه سمع منه مطلقاً، وهذه هي الجادة أنه إذا سمع منه حديث يكفي، إذا ثبت سماعه له فإنه يثبت له سماعه في كل ما يصرح فيه بالسماع إذا كان مدلساً، وإذا انتفت تهمة التدليس عنه لا يلزم أن يصرح أيضاً، ولو أتى بصيغة عن.
"عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((صلاة الوسطى صلاة العصر)) " لأنها تقع بين صلاتين في النهار، وصلاتين في الليل، الصبح والظهر من صلوات النهار، والمغرب والعشاء من صلاة الليل، والعصر بينهما، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد.(35/12)
"قال أبو عيسى: وفي الباب عن علي" عند البخاري ومسلم "وعبد الله بن مسعود" الذي تقدم قبل هذا الحديث، "وزيد بن ثابت" سيأتي عند الترمذي في التفسير، ورواه أحمد وأبو داود، لكن قالا: هي الظهر، يعني ما جاء عن زيد بن ثابت أنها الظهر، وسيأتي في التفسير من جامع الترمذي أنها العصر، فيكون لزيد في المسألة قولان "وعائشة" عند مسلم وأبي داود والنسائي "وحفصة" عند مالك في الموطأ "وأبي هريرة" عند البيهقي، "وأبي هاشم بن عتبة" يقول المعلق: حديث أبي هاشم بن عتبة ذكره ابن حجر في الإصابة من طريق كهيل بن حرملة، قال: قدم أبو هريرة دمشق فنزل على أبي كلثوم الدوسي، فأتيناه فتذاكرنا الصلاة الوسطى فاختلفنا فيها، فقال أبو هريرة: اختلفنا فيها كما اختلفتم، ونحن بفناء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفينا الرجل الصالح أبو هاشم بن عتبة، فقام فدخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان جريئاً عليه، ثم خرج إلينا فأخبرنا أنها العصر، وذكره السيوطي في الدر المنثور بنحوه، ونسبه ابن حجر لأبي داود والترمذي والنسائي والبغوي والحاكم، والحاكم أبي أحمد، ونسبه السيوطي لابن سعد والبزار وابن جرير والطبراني والبغوي، قال أحمد شاكر: وقد بحثت عنه في أبي داود والترمذي والنسائي فلم أجده.
ويؤيد ذلك أن الحافظ الهيثمي ذكره في مجمع الزوائد، وقال: رواه الطبراني في الكبير والبزار، وقال: لا نعلم روى أبو هاشم بن عتبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا هذا الحديث وحديثاً آخر، قلت: ورجاله موثقون، فلو كان مروياً في أحد الكتب الستة كما زعم الحافظ ابن حجر لما ذكره الهيثمي في الزوائد؛ لأن مجمع الزوائد في زوائد المعاجم والمسانيد على الكتب الستة، فلو كان الحديث موجوداً في السنن كما قال أحمد شاكر لما أخرجه الهيثمي في الزوائد.(35/13)
"قال أبو عيسى: قال محمد: قال علي بن عبد الله" محمد هو ابن إسماعيل البخاري، وعلي بن عبد الله هو شيخه علي بن المديني "حديث الحسن عن سمرة بن جندب حديث صحيح، وقد سمع منه"، "قال أبو عيسى: حديث سمرة في صلاة الوسطى حديث حسن" علي بن المديني يقول: صحيح، والترمذي يقول: حسن في هذا الموضع مع أنه صححه في كتاب التفسير، يعني خرجه في كتاب التفسير وصححه.
قال: "وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم" يقول النووي في المجموع: هو الذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة، يعني كون الصلاة الوسطى هي العصر هو الذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة، وإليه ذهب أحمد وأبو حنيفة.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: هو المذهب الذي يتعين المصير إليه، ولا يرتاب في صحته، وعليه تدل النصوص الصحيحة الصريحة، يؤيد ذلك ما جاء في التشديد في صلاة العصر: ((من فاتته العصر)) ((من ترك العصر)) ((من صلى البردين)) ((من حافظ على صلاة في أول النهار وصلاة في آخره)) .. إلى آخره، المقصود أن صلاة العصر لها شأن عظيم، مما يدل على عطفها على الصلاة عموماً {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصلاة الوسطى} [(238) سورة البقرة] وهي داخلة في الصلوات إلا أنها هذا من باب عطف الخاص على العام للعناية بشأن الخاص والاهتمام به.
"وقال زيد بن ثابت وعائشة: "صلاة الوسطى صلاة الظهر" ورواه عن زيد بن ثابت أحمد وأبو داود عنه.
"وقال ابن عباس وابن عمر: "صلاة الوسطى صلاة الصبح" صلاة الوسطى صلاة الصبح لأنها مثل العصر، بعد صلاتين ليلتين وقبل صلاتين نهاريتين، يعني كما قيل في صلاة العصر، وجاء فيها من النصوص نظير ما جاء في صلاة العصر، المقصود أن قول ابن عباس وابن عمر الصلاة الوسطى هي صلاة الصبح، وهو مذهب الشافعي ومالك، ومع ذلك لا يقاوم ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أنها صلاة العصر.(35/14)
قال بعضهم: هي المغرب لأنها وسطى، لماذا؟ بالنسبة لعدد الركعات ليست رباعية ولا ثنائية، ثلاثية متوسطة بين الصبح وبين الظهر والعصر والعشاء، وقيل: العشاء، وجاء فيها ما جاء في صلاة الصبح من أنها أثقل الصلاة على المنافقين، وقيل: أخفاها الله كما أخفى ليلة القدر وساعة الجمعة ليجتهد الناس في الصلوات كلها، ما من صلاة إلا وقد قيل: إنها هي الوسطى، ولكن النصوص الصحيحة الصريحة كما قال النووي وغيره تدل على أنها العصر.
قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال: حدثنا قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد قال: قال لي محمد بن سيرين: سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ فسألته، فقال: سمعته من سمرة بن جندب"
هذا تصريح من الحسن أنه سمع من سمرة حديث العقيقة، فلا إشكال في هذا؛ لأنه صحيح، سمع من سمرة حديث العقيقة، والسن يحتمل، لكن مع ذلك هل يطرد القول بسماعه منه لأنه ثبت سماعه منه لهذا الحديث؟ أو يقال: إنه لم يسمع منه إلا هذا الحديث؟ أو يقال: لم يسمع منه مطلقاً لأن البخاري أورد الخبر تعليق؟ وصله الترمذي، على كال حال "قال أبو عيسى: وأخبرني محمد بن إسماعيل -يعني البخاري- قال: حدثنا علي بن عبد الله" يعني شيخه ابن المديني "عن قريش بن أنس بهذا الحديث، قال محمد: قال علي: وسماع الحسن من سمرة صحيح واحتج بهذا الحديث" وقال شعبة: لم يسمع الحسن من سمرة شيئاً، واختاره ابن حبان، وقال ابن معين: الحسن لم يلق سمرة، وقال ابن معين: الحسن لم يلق سمرة، وقيل: سمع منه مطلقاً كما سمعنا في كلام علي بن المديني، وقيل: سمع منه حديث العقيقة فقط، قاله النسائي والدارقطني والبزار، واختاره عبد الحق، لكن من أثبت كعلي بن المديني والبخاري قالوا: إنه مقدم على من نفى، ولعله اختيار الترمذي؛ فإنه صحح أحاديث من رواية الحسن عن سمرة، ويبقى أنه إن صرح الحسن بالسماع منه قبل وإلا فلا؛ لأن الحسن مدلس، وتدليسه شديد فلا تقبل عنعنته مع هذا الاختلاف، فلا بد أن يصرح.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر:(35/15)
حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا منصور وهو ابن زاذان عن قتادة قال: أخبرنا أبو العالية عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: سمعت غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم عمر بن الخطاب، وكان من أحبهم إلي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس.
وفي الباب عن علي وابن مسعود وأبي سعيد وعقبة بن عامر وأبي هريرة وابن عمر وسمرة بن جندب وعبد الله بن عمرو ومعاذ بن عفراء والصنابحي، ولم يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسلمة بن الأكوع وزيد بن ثابت وعائشة وكعب بن مرة وأبي أمامة وعمرو بن عبسة ويعلى بن أمية ومعاوية -رضي الله عنهم-.
حديث ابن عباس عن عمر حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم، أنهم كرهوا الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، وأما الصلوات الفوائت فلا بأس أن تقضى بعد العصر وبعد الصبح.
قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أشياء: حديث عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، وحديث ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى)) وحديث علي: ((القضاة ثلاثة)).
يقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:(35/16)
"باب: ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر" جاء النهي عن الصلاة في هذين الوقتين في هذا الحديث حديث عمر وهو مروي عن جمع من الصحابة يشير إليهم الترمذي بقوله: وفي الباب ممن سيأتي ذكره، وجاء أيضاً النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة في حديث عقبة بن عامر قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب" فعندنا وقتان وفي حديث عقبة ثلاثة، فتكون الأوقات خمسة، ومنهم من يجعلها ستة فيجعل ما قبل صلاة الصبح وقت، وما بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس وقت، ومن طلوعها إلى ارتفاعها وقت ثالث، ومن وقوفها في كبد السماء حتى تزول رابع، ومن صلاة العصر حتى تتضيف الشمس للغروب خامس، ومن ذلك الوقت إلى أن تغرب وقت سادس، لماذا؟ لأنه اختلف في بداية وقت النهي بالنسبة للصبح هل هو من طلوع الصبح أو من صلاة الصبح؟ مع أنهم يتفقون على أن وقت النهي بالنسبة للعصر إنما يبدأ من صلاة العصر، لا من وقت العصر، فيتطوع المرء بما شاء بين أذان صلاة العصر وبين إقامتها، وقد جاء الحث على أربع ركعات قبل صلاة العصر، فالنهي هل يبدأ من طلوع الصبح إذا طلع الصبح فلا صلاة إلا ركعتي الفجر، أو يبدأ من صلاة الفجر وحينئذٍ يتطوع الإنسان بما شاء حتى يصلي الصبح، فإذا صلى الصبح بدأ وقت النهي، وجاء في الحديث: ((إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر)) وجاء أيضاً بالإجمال كما هنا، قال: "نهى عن الصلاة بعد الفجر" ويحتمل أن يكون بعد طلوعه وبين أداء صلاة الفجر.
فالمسألة كما سمعتم والأكثر على أن الأوقات خمسة، من طلوع الفجر حتى تطلع الشمس هذا واحد، ولا يستثنى من ذلك إلا صلاة الصبح الفريضة، ومعلوم أن الفرائض لا تدخل على خلاف سيأتي مع الحنفية وركعتا الفجر مستثناة.(35/17)
طيب لماذا لا نقول: إن أوقات النهي ثلاثة؟ من طلوع الفجر حتى ترتفع الشمس، ولا نفصل هذا إلى وقتين أو ثلاثة، وحين يقوم قائم الظهيرة إلى أن تزول، ومن صلاة العصر حتى تغرب الشمس ثلاثة، وكلما قلت الأقسام كان الحصر والضبط أقرب، لماذا؟ لأن هذه الأوقات متفاوتة، منها الأوقات الموسعة التي النهي فيها أخف من الأوقات الثلاثة المضيقة بدليل أنه لا يقتصر على النهي عن الصلاة، بل دفن الموتى ممنوع في حديث عقبة بن عامر فهي أوقات قصيرة ثلاثة مضيقة، والنهي فيها أشد من الوقتين الموسعين.
قال: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا منصور وهو ابن زاذان" أبو المغيرة الثقفي الواسطي ثقة "عن قتادة" بن دعامة السدوسي "قال: أخبرنا أبو العالية" رفيع بن مهران الرياحي ثقة، وسيأتي في كلام الإمام الترمذي أن قتادة لم يسمع من أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث وهذا واحد منها على ما سيأتي، "عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم عمر بن الخطاب"، قال: حدثني رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر "وكان من أحبهم إليَّ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة بعد الفجر" يعني بعد صلاة الفجر، أو بعد دخول وقتها سوى ركعتي الفجر على ما قرر عند أهل العلم، وإن كان المرجح أنه بعد طلوع الفجر، النهي يبدأ من بعد طلوع الفجر، فلا صلاة إلا ركعتي الفجر "حتى تطلع الشمس" وهذا الوقت موسع، ومن طلوعها حتى ترتفع هذا وقت مضيق "وعن الصلاة بعد -صلاة- العصر" أي بعد العصر يعني بعد صلاتها بالاتفاق "حتى تغرب الشمس".(35/18)
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن علي" عند أبي داود "وابن مسعود" عند الطحاوي "وأبي سعيد" عند البخاري ومسلم "وعقبة بن عامر" عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم "وأبي هريرة" عند البخاري ومسلم "وابن عمر" عند الشيخين أيضاً "وسمرة بن جندب" قال الشارح: لم يقف على من أخرجه، "وعبد الله بن عمرو" عند الطبراني "ومعاذ ابن عفراء" وهذا ذكره ابن سيد الناس في شرحه بنحو حديث أبي سعيد المتفق عليه "والصنابحي" عند أحمد في المسند وعند النسائي وعند مالك في الموطأ، قال: "ولم يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم-" فخبره مرسل "وسلمة بن الأكوع" يقول الشارح: إنه لم يقف عليه "وزيد بن ثابت" عند الطبراني "وعائشة" عند أبي داود "وكعب بن مرة" عند الطبراني أيضاً "وأبي أمامة" يقول الشارح: إنه لم يقف عليه "وعمرو بن عبسة" عند أحمد في المسند، وعند الإمام مسلم وأبي داود "ويعلى بن أمية" يقول الشارح: إنه لم يقف عليه "ومعاوية" عند البخاري وغيرهم من الصحابة، كثير من الصحابة رووا أحاديث النهي.
"قال أبو عيسى: حديث ابن عباس عن عمر حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، "وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم أنهم كرهوا الصلاة بعد صلاة الصبح" قال: بعد صلاة الصبح مع أن الحديث محتمل للصلاة وللوقت "حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، وأما الصلوات الفوائت فلا بأس أن تقضى بعد العصر وبعد الصبح" ((فليصلها إذا ذكرها)) يعني في أي وقت، والفرائض مستثناة من أحاديث النهي، يقول: قول أكثر الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم كراهية الصلاة في هذه الأوقات مطلقاً، وهو المعروف عند الحنفية والمالكية والشافعية، يعني هو قول الجمهور، وذهب داود إلى جواز الصلاة فيها مطلقاً، وروي عن بعض الصحابة، فلعل هؤلاء لم يبلغهم النهي أو حملوه على التنزيه، ومنهم من قال بأن أحاديث النهي منسوخة، كما ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري، ومنهم من رأى المنع من الصلاة في هذه الأوقات فرضها ونفلها، ومنهم من جوز فعل ذوات الأسباب في هذه الأوقات دون غيرها.(35/19)
قول داود لا عبرة به مع ثبوت هذه الأحاديث، أنه تجوز الصلاة فيها مطلقاً، وقول من يقول بالمنع مطلقاً حتى الفرائض أيضاً مردود بما جاء من السنة الصحيحة الصريحة في استثناء الفرائض من قوله: ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح)) ((من أدرك ركعة من صلاة العصر)) يعني في شدة وقت النهي، فقولهم مردود بهذه الأحاديث، يبقى أن النهي في النوافل، القول بشمول النهي لجميع النوافل سواءً كانت نوافل مطلقة أو ذات سبب هو قول الحنفية والمالكية والشافعية، فلا يتطوع الإنسان بأي صلاة كانت ولو كانت ذات سبب، وأدلتهم أحاديث النهي، ويفرق الشافعية بين ما له سبب وما لا سبب له، فتحمل أحاديث النهي على ما لا سبب له، وأما ما له سبب فلا يدخل في النهي، ويستدلون إذا استدل الجمهور بعموم أحاديث النهي استدل الشافعية بعموم أحاديث ذوات الأسباب، مثل: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) ومثل ما جاء من الصلوات الخاصة مثل الاستخارة، مثل ركعتي الوضوء، يعني في أي وقت كان، مثل ركعتي الطواف، وغيرها من الصلوات.(35/20)
فإذا قال الجمهور أحاديث ذوات الأسباب عامة وأحاديث النهي خاصة والخاص مقدم على العام ((فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) يعني في غير وقت النهي، فمثل هذا عام يخص بأحاديث النهي، قال الشافعية ومن يقول بقولهم كشيخ الإسلام بعكس هذا الكلام، قالوا: إن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة؛ لأنه يسمع من بعض من يفتي أن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة وانتهى الإشكال، يعني مثل ما يقول الشافعية، لكن هل يسلم هذا؟ إذا قالوا هؤلاء هذا الكلام قال غيرهم كلام بمستواه، قالوا: إن أحاديث ذوات الأسباب عامة في كل وقت، وأحاديث النهي خاصة بهذه الصلوات، يعني عندنا عموم وخصوص في الطرفين، أحاديث النهي عامة في الأوقات، عامة في الصلوات خاصة في الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات خاصة بالصلوات عكس أحاديث النهي، وإذا قال هؤلاء كذا قال هؤلاء كذا، والنظران متساويان، فلا يمكن ترجيح أحدهما على الآخر، النظران من حيث القواعد متساويان؛ لأننا نسمع من يقول: أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، ويمرر المسألة كأنها لا شيء، وهي من عضل المسائل، من أعظم المسائل إشكالاً، وتجده يأتي قبل غروب الشمس بخمس دقائق ويكبر ويصلي مرتاح، كأنه يصلي الضحى، بناءً على أن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة والخاص مقدم على العام، طيب القول الثاني؟ عكس ما تقول، أحاديث ذوات الأسباب في أي وقت تدخل المسجد صلي ركعتين إلا في أوقات النهي، أحاديث ذوات الأسباب عامة وأحاديث النهي خاصة، يعني مقابلة تامة بين القولين، مع أن القول بالمنع هو رأي الجمهور، ولم يقل بذوات الأسباب إلا الشافعية ويرجحه شيخ الإسلام، ونجد كثير من الناس يرتاح لهذا القول، لماذا؟ لأن شيخ الإسلام رجحه،
وإذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام(35/21)
بغض النظر عن النظر في النصوص وتطبيق القواعد العلمية عليها، نجلس هكذا؟ بعض العلماء يقول: لا تدخل في وقت النهي، لا تدخل المسجد؛ لئلا تقع في حرج، إن صليت خالفت حديث النهي، وإن ما صليت خالفت حديث: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس)) بعضهم يقول: ادخل المسجد واذكر الله وسبح وهلل وبإمكانك تقرأ قرآن لكن لا تجلس؛ لئلا تقع في حرج، وهذا يدل على إيش؟ على أن هذه المسألة من أدق وأعقد المسائل، ليست المسألة سهلة، كما نرى ونشاهد من بعض طلاب العلم بل من أهل العلم يجلس، يدخل وهو مرتاح، يصلي ركعتين في الأوقات المضيقة، لماذا؟ لأنه رأى رأي الشافعية، ورجحه شيخ الإسلام وانتهت المسألة، لا، طيب، ماذا ... ؟ كيف نصنع؟ نقول: لا تدخل المسجد؟ أو إذا دخلت لا تجلس؟ مع أن النصوص في الطرفين صحيحة، والنظر إلى هذه النصوص في كفتي ميزان متعادلة، والتعادل هو الذي يوجد الحرج، يعني لو رجحت إحدى الكفتين انتفى الحرج، ماذا يقول الجمهور؟ يقول الجمهور: نرجح قولنا بأن الحظر يعني المنع مقدم على الإباحة، بل مقدم على الأمر، لماذا؟ لأن النهي أشد من الأمر، ومخالفة النهي أشد من مخالفة الأمر، كيف؟ ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) ما في خيار النهي، بينما الأمر فيه شيء من الاستثناء، قد يقول قائل: إن هذا الكلام لا يتجه إلى مثل شيخ الإسلام، لماذا؟ لأنه يرى أن ترك المأمور أعظم من فعل المحظور، فلا يتجه إليه مثل هذا الكلام، كيف ارتكاب المحظور أسهل من ترك المأمور؟ قال: نعم؛ لأن معصية آدم ارتكاب محظور ومعصية إبليس ترك مأمور ومعصية إبليس أعظم، ورجح هذا الكلام بعض أهل العلم، لكن الأكثر على العكس أن ارتكاب المحظور أشد من ترك المأمور، وعلى كل حال القول بهذا أو ذاك على الإطلاق ليس بوجيه، نعم عند التكافؤ ممكن، لكن إذا نظرنا إلى كل مسألة بمفردها في تعارض الأمر والحظر ينظر إلى قوة الأمر مع قوة الحظر وحينئذٍ يرجح الأقوى، فمثلاً أيهما أعظم حلق اللحية أو عدم الصبغ؟ تغيير الشيب؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(35/22)
لا، ما هو بالسواد، لا، أقول: تغيير الشيب، ((غيروه)) أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن نغير الشيب، أو حلق اللحية لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن حلقها؟
طالب:. . . . . . . . .
أعظم؟
طالب:. . . . . . . . .
نقول هنا: ارتكاب المحظور أعظم من ترك المأمور، لماذا؟ لأننا نظرنا إلى كل واحد على حدة.
لكن لو كان هذا المأمور عظيم مثل الصلاة مثلاً منعت من الصلاة حتى تأكل شيء من الربا، تتعامل بمعاملة ربوية، ماذا نقول؟ اترك الصلاة؟ أيهما أعظم الآن؟ نقول: ترك المأمور أعظم من فعل المحظور؛ لأن ترك الصلاة كفر، وهكذا ينظر إلى كل مسألة على حدة، والأصل الحديث: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) والمقرر عند الجمهور أن ارتكاب المحظور أعظم من ترك المأمور، فأنت إذا دخلت المسجد وصليت ركعتين ارتكبت محظور، صليت في أوقات النهي وفعلت مأمور، لكن لو جلست ما صليت تركت مأمور ولم ترتكب محظور، قالوا: الحظر مقدم على الإباحة فيرجح من هذه الحيثية.
الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم في صحيحه: باب: الطواف بعد الصبح وبعد العصر، فأورد الأحاديث، أحاديث النهي عن الصلاة، فأورد أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، وقال: صلى عمر ركعتي الطواف بذي طوى، لأنه طاف بعد الصبح وما صلى الركعتين إلا بذي طوى، لما خرج وقت النهي، فالإمام البخاري ماذا يرجح؟ يرجح أننا لا نفعل شيئاً من السنن ولو كانت ذا سبب مثل ركعتي الطواف.
وجاء في حديث جابر في المسند عند أحمد قال: "لم يكونوا يطوفون بعد الصبح وبعد العصر" لكن أقول: لا مانع من الطواف، لكن تؤخر الصلاة حتى يخرج وقت النهي مثل ما فعل عمر، لا إشكال في هذا لأنهم لم يكونوا يطوفون لئلا يصلوا في هذا الوقت؛ لأن الممنوع الصلاة ما هو بالطواف، وجاء في حديث يستدل به من يقول بفعل ذوات الأسباب: ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت أو صلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)) ولذا جاء بعض استثناء مكة -على ما سيأتي- عند بعض العلماء.(35/23)
نعود إلى أصل المسألة، المسألة فيها ما سمعتم، وهي شائكة ودقيقة ومعضلة من عضل المسائل، ليست بالسهلة كما يراها بعض الناس، والجمهور على أنه لا يتطوع بشيء ولو كان له سبب، في مقابل الشافعية الذين يستثنون ذوات الأسباب، وكان المعمول به هو قول الجمهور، إلى أن اطلع الناس على الأقوال، وشهر قول شيخ الإسلام، وقلده الناس، ووجد من يشهر شيخ الإسلام، واختيارات شيخ الإسلام فصاروا يصلون في هذه الأوقات، وإلا كان الناس أبداً، رأينا من يحرف الناس إذا كبر العصر ليصلي تحية المسجد، وكان عمر يضرب الناس إذا صلوا بعد العصر.
الحظر مقدم على الإباحة، بل على الأمر كما جاء في الحديث: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) ورجح به كثير من أهل العلم أن ارتكاب المحظور أشد من ترك المأمور، بهذا يرجح الجمهور قولهم، ومن يرجحه ممن يقلدهم، طيب الشافعية لهم مرجحات وإلا ما لهم مرجحات؟ لهم مرجحات من هذه المرجحات ....
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
حديث إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هذا ما ينفع، هذا دليل، نريد شيء يرجح هذا الدليل.
طالب:. . . . . . . . .
هذا دليل للمسألة، نريد ما يرجح هذه الأدلة على الأدلة الأخرى، إحنا عرفنا أن لهم أدلة، نحن لا نبحث الآن في الأدلة، نريد مرجح خارجي؛ لأنه إذا كان التعارض من باب العموم والخصوص الوجهي نريد مرجح خارجي، لا نرجح بنفس الأدلة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، الجلوس المراد به الأمر، إحداث صلاة، لو انسدح، لو اضطجع ويش يصير؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن هو نهي عن الجلوس لو اضطجع؟ أو المراد إيجاد صلاة؟ المراد إيجاد صلاة في هذا الوقت تحية للمسجد، ولذا لا يكفي أن يصلي ركعة واحدة.
المقصود أنه لا بد من مرجح خارجي؛ لأن الخلاف من باب العموم والخصوص الوجهي الذي هو من أعقد ما يبحث في مسائل الأصول، وعرفنا أن الجمهور رجحوا بترجيح الحظر على الإباحة، هذه قاعدة معروفة ويقول بها الشافعية في كثير من المسائل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(35/24)
هذا من أدلتهم، من الأدلة، الأدلة لا نبحث فيها الآن، نريد مرجح خارجي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا من الأدلة لا أريد أدلة، الأدلة انتهينا منها، هؤلاء لهم أدلة وهؤلاء لهم أدلة، الآن في حال التعارض إذا كان من باب العموم والخصوص الوجهي نريد مرجح خارجي غير هذه الأدلة، لا نريد أفراد الأدلة التي يستدل بها الجمهور أو يستدل بها الشافعية، انتهينا من مسألة الأدلة، نريد مرجح خارجي، نريد قاعدة يستند إليها أهل العلم في الترجيح في مثل هذه المسائل المعضلة، نعم؟
طالب: يقولون: العموم إذا دخل التخصيص أضعفه.
نعم، قالوا: إن عموم أحاديث النهي غير محفوظ، بمعنى أنه دخله مخصصات ((لا صلاة بعد العصر)) و ((لا صلاة بعد الصبح)) و"ثلاث ساعات كان ينهانا" هل يشمل الفرائض أو هذه الأحاديث مخصصة بالفرائض؟ مخصصة بالفرائض، إذاً العموم غير محفوظ، وإذا خصت بالفرائض تخص بذوات الأسباب؛ لأن العموم إذا خصص ضعف، بينما عموم ذوات الأسباب قالوا: محفوظ، محفوظ ما دخله مخصصات، فيكون عموم ذوات الأسباب أقوى من عموم أحاديث النهي، وأولئك يرجحون بالقاعدة المتفق عليها حتى مع الشافعية أن الحظر مقدم، واحد جلس وهو مأمور بصلاة ركعتين، والآخر صلى وهو منهي عن الصلاة، قالوا: النهي أشد ((فأتوا منه ما استطعتم)) أنا لا أستطيع أن أصلي ركعتين في هذا الوقت، وقد نهيت من قبل الشارع عنها، يعني ما هو معنى عدم الاستطاعة أنك لا تقدر على أداء ركعتين؛ لأن عدم الاستطاعة الشرعية أشد من عدم الاستطاعة البدنية، إذا كنت ممنوع شرعاً منها.(35/25)
وعلى كل حال المسألة مثل ما ذكرنا والأدلة متكافئة، والذي أميل إليه وأرجحه أن الوقتين الموسعين أمرهما سهل؛ لأن النهي عن الصلاة فيهما لا لذاتهما، بل إنما خشية أن يستمر الإنسان فيصلي حتى يدخل الوقت المضيق الذي الأمر فيه أشد، النهي فيه أغلظ في الثلاثة الأوقات المغلظة؛ لأن العلة واضحة الشمس تطلع بين قرني شيطان، تغرب بين قرني شيطان، إذا وقفت سجد لها الكفار، إذا طلعت سجد ... ، من أجل هذا نهينا، فإذا جاءت الثلاثة فأمسك عن الصلاة أياً كان سببها إلا الفريضة التي جاء فيها: ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) هذه مستثناة، ما تدخل في هذا على ما سيأتي، يأتي بحثها، فالأوقات الثلاثة المضيقة وهي قصيرة، يعني لا تزيد في الغالب في أطول الأوقات على ربع ساعة.
طالب:. . . . . . . . .
حين يقوم قائم الظهيرة وإيش فيه؟
وقت تسجر فيه جهنم، هذه العلة، حتى قيل: إن الشيطان يتراءى لها إذا قامت مثل طلوعها وغروبها.
المقصود أن الأوقات الثلاثة المضيقة يجتنب فيها المسلم الصلاة أياً كانت إلا الفرائض، وأما بالنسبة للوقتين الموسعين فالأمر فيهما أسهل، ولذا جاء في الحديث الذي يليه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قضى راتبة الظهر بعد صلاة العصر، وأقر من تصدق على هذا بعد صلاة الصبح، وأقر من صلى ركعتي الصبح بعدها، فالأمر فيهما أوسع، بينما الأوقات المضيقة التي جاءت في حديث عقبة بن عامر أمرها شديد، ووقتها قصير، يعني لو انتظر الإنسان ما تأثر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، الجمعة ما في تسجير لجهنم، ولذلك تتابع الصحابة -رضوان الله عليهم- على الصلاة في هذا الوقت حتى يدخل الإمام.(35/26)
"قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث" الترمذي يريد أن يبين أن حديث الباب موصول؛ لأنه من رواية قتادة عن أبي العالية، لم يسمع منه إلا ثلاثة أحاديث منها حديث عمر "حديث عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، وحديث ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى)) " والحديث في البخاري، وفي رواية: ((لا تفضلوني على يونس بن متى)) وذلك لما يخشى على من سمع قصة يونس أن يقع في نفسه شيء من التنقص له، قصة يونس مذكورة في القرآن، فإذا سمعها بعض الجهال قد يقع في نفسه شيء أن مثل هذه التصرفات لا ينبغي أن تحصل من نبي، فنهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن تفضيله على يونس "وحديث علي: ((القضاة ثلاثة)) ".
يقول الشيخ أحمد شاكر: حديث علي هذا لم أجده مع كثرة البحث عنه، ولكن في معناه حديث بريدة، وسيأتي في الترمذي -إن شاء الله تعالى-.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الصلاة بعد العصر:
حدثنا قتيبة قال: حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "إنما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- الركعتين بعد العصر؛ لأنه أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر، ثم لم يعد لهما".
وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وميمونة وأبي موسى، -رضي الله عنهم-.
حديث ابن عباس حديث حسن، وقد روى غير واحد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه صلى بعد العصر ركعتين، وهذا خلاف ما روي عنه أنه نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وحديث ابن عباس أصح حيث قال: لم يعد لهما.(35/27)
وقد روي عن زيد بن ثابت نحو حديث ابن عباس، وقد روي عن عائشة في هذا الباب روايات، روي عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما دخل عليها بعد العصر إلا صلى ركعتين، وروي عنها عن أم سلمة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس والذي اجتمع عليه أكثر أهل العلم على كراهية الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، إلا ما استثني من ذلك مثل الصلاة بمكة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس بعد الطواف، فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخصة في ذلك، وقد قال به قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، وقد كره قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم الصلاة بمكة أيضاً بعد العصر وبعد الصبح، وبه يقول سفيان الثوري ومالك بن أنس وبعض أهل الكوفة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في الصلاة بعد العصر" لما ذكر أحاديث النهي ذكر ما يخالف وما يظن أن فيه مخالفة لأحاديث النهي كعادته، يعني أنه يذكر الباب الأول ثم يذكر ما يضاده في باب ثان يليه.
قال -رحمه الله-:
"حدثنا قتيبة قال: حدثنا جرير" هو ابن عبد الحميد الضبي، ثقة من ثقات الرواة "عن عطاء بن السائب" الثقفي الكوفي، وهو صدوق اختلط في آخر عمره "عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "إنما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- الركعتين بعد العصر؛ لأنه أتاه مال فشغله" يعني جاءه مال من جهة البحرين فانشغل بتوزيعه، مع وفد من عبد القيس من تلك الجهات فانشغل بهم عن الركعتين بعد الظهر، فقضاهما "فصلاهما بعد العصر، ثم لم يعد لهما" يعني ما صلاهما بعد ذلك، في صحيح البخاري من حديث أم سلمة أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى الركعتين وقال: ((شغلني ناس من عبد القيس عن الركعتين بعد الظهر)) فهذا هو السبب، في الحديث: "فصلاهما بعد العصر ثم لم يعد لهما" يعني لم يرجع إليهما فلم يصلهما أخرى بعد ذلك وإنما صلاهما قضاءاً لأنه شغل عنهما.(35/28)
وعلى أي حال قضاء الفوائت من السنن عند أهل العلم تنتهي بخروج وقتها، وبعد وقتها تكون سنة فات محلها، فإن كان تركها تفريطاً فمثل هذا لا يقضيها، إن تركها مشغولاً عنها، شغل عنها فمن أهل العلم من يرى أنها تقضى ولو فات وقتها، تقضى ولو فات وقتها، هذا بالنسبة للرواتب، النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه إذا عمل عملاً أثبته فلم يخل به، صلى هاتين الركعتين؛ لأنه شغل عنهما، ولو تركهما لكان إخلالاً بما اعتاده -عليه الصلاة والسلام- وليس من عادته، قال: ثم لم يعد إليهما أو لهما.
"وفي الباب عن عائشة وأم سلمة -سيأتي ذكرها- وميمونة" عند أحمد والطبراني "وأبي موسى" عند الإمام أحمد "قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن" وأخرجه ابن حبان في صحيحه لكن قال ابن حجر: إنه من رواية جرير بن عبد الحميد عن عطاء وقد سمع منه بعد الاختلاط فضعف بسبب هذا، وإن حسنه الترمذي.(35/29)
قال: "وقد روى غير واحد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه صلى بعد العصر ركعتين" يعني ما جاء في هاتين الركعتين من الروايات كثير، وفيه نوع اختلاف واضطراب، فمن مثبت ومن نافٍ، ومن نفى معه الأصل، وهو النهي عن الصلاة في هذا الوقت، ومن أثبت رجحه بعض العلماء بأن المثبت مقدم على النافي، وأن النافي غاية ما عنده أنه لم يطلع، والمثبت اطلع، فعنده زيادة علم "وهذا خلاف ما روي عنه أنه نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس" ولا شك أن النهي من قوله -عليه الصلاة والسلام-، وصلاة الركعتين بعد العصر من فعله، وفعله لا يعارض قوله؛ لأنه إذا اختلف القول مع الفعل قدم القول بالنسبة للأمة، وحمل الفعل على أنه من خصوصياته -عليه الصلاة والسلام-، وقد قيل بأن صلاة الركعتين بعد العصر من خصائصه على ما سيأتي "وحديث ابن عباس أصح حيث قال: لم يعد لهما" لم يعد لهما، هذا نافي، مع أنه وجد من يثبت، والقاعدة عند أهل العلم أن المثبت مقدم على النافي، نقول: صلاة الركعتين بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- ثابتة، ما فيها إشكال، لكنها من خصائصه؛ لأن الذي يخصنا هو القول، فعله إذا لم يعارض الفعل حجة، وهو القدوة وهو الأسوة، لكن إذا تعارض قوله مع فعله ففعله يحمل على أنه خاص به، وقوله بالنسبة لأمته ظاهر.
"وقد روي عن زيد بن ثابت نحو حديث ابن عباس" رواه أحمد في المسند.(35/30)
يقول الشيخ أحمد شاكر: حديث زيد بن ثابت في المسند ونصه: حدثنا حسن بن موسى قال: حدثنا ابن لهيعة حدثنا عبد الله بن هبيرة قال: سمعت قبيصة بن ذؤيب يقول: إن عائشة أخبرت آل الزبير أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى عندها ركعتين بعد العصر فكانوا يصلونها، قال قبيصة: فقال زيد بن ثابت: يغفر الله لعائشة نحن أعلم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عائشة، إنما كان ذلك لأن أناساً من الأعراب أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهجير فقعدوا يسألونه ويفتيهم حتى صلى الظهر ولم يصل ركعتين، ثم قعد يفتيهم حتى صلى العصر فانصرف إلى بيته فذكر أنه لم يصل بعد الظهر شيئاً فصلاهما بعد العصر يغفر الله لعائشة نحن أعلم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عائشة، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة بعد العصر.
وهذا الحديث خرجه أحمد، وليس في شيء من الكتب الستة.
يقول الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، على أن فيه ابن لهيعة وهو مضعف عند الجمهور، والشيخ أحمد شاكر يقويه.
"وقد روي عن عائشة في هذا الباب روايات" أي مختلفة، بعضها يدل على الجواز، وبعضها يدل على منع الصلاة بعد العصر "روي عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما دخل عليها بعد العصر إلا صلى ركعتين" وهذا مخرج في الصحيح، وتقدم من حديث ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعد لهما، وإذا كانت الصلاة في البيت قدم قول عائشة؛ لأنها تطلع من فعله في بيته -عليه الصلاة والسلام- ما لا يطلع عليه ابن عباس ولا غيره "وروي عنها -عن عائشة- عن أم سلمة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس" وهذا يدل على عدم الجواز، يعني هذا من أدلة المنع، ولذا قال بعضهم: إن صلاة الركعتين من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، وهو من أدلة ... ، قال بعضهم: إن صلاة الركعتين من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، وقد بينا هذا في مسائل كثيرة يتعارض فيها القول مع الفعل، لكن منها ما لا يمكن حمله على الخصوصية.(35/31)
النهي عن استقبال القبلة بالبول والغائط تقدم، وتقدم أن ابن عمر رآه قبل أن يقبض بعام في بيت حفصة يستقبل الشام ويستدبر الكعبة، قالوا: هذا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، نقول: مثل هذا لا يمكن أن يقال: إنه من الخصائص، لماذا؟ لأن عدم الاستقبال والاستدبار كله من باب تعظيم الكعبة، وتعظيم الشعائر من تقوى القلوب، ولا يمكن أن يقال: إن الأمة أليق بها أن تعظم الشعائر أكثر من النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالقول بالتفريق بين البنيان والفضاء أرجح من القول بأن هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- على ما تقدم بيانه.
أيضاً: قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لجرهد: ((غط فخذك، فإن الفخذ عورة)) وفي الصحيح حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فخذه، قالوا: هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-.
تغطية الفخذ والاحتشام وعدم إبداء شيء مما يستحيى من كشفه أليق بالنبي -عليه الصلاة والسلام- أو لا؟ هو أليق بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يمكن أن يقال: هذا من خصائصه، إلا لو كان العكس، لقلنا: هذا أليق بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، فهناك أشياء إذا تعارض فيها القول والفعل قلنا: القول لعامة المسلمين، لعموم المسلمين والفعل خاص به، وقد يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، يفعل الفعل مخالفاً القول لبيان الجواز، أو لأن هذا النهي للكراهة، أو ترك هذا الواجب لبيان أنه للاستحباب لا للوجوب.
على كل حال الأحاديث في هذا كثيرة، وفيها ما يدل على الجواز وعلى عدمه، لكن ما جاء في ما يخص الأمة شيء يدل على الجواز إلا من فعله -عليه الصلاة والسلام- وهو يحتمل الخصوصية، وقد قيل به.
قال: "والذي اجتمع عليه أكثر أهل العلم" اجتمع في بعض النسخ: أجمع عليه أكثر أهل العلم، وهذا فيه شيء من التنافر؛ لأن الإجماع قول الكل لا قول الأكثر، إلا على رأي الطبري كما هو معروف، اجتمع أو أجمع عليه أكثر أهل العلم، يقول الحافظ العراقي:
أجمع جمهور أئمة الأثر ... . . . . . . . . .(35/32)
هذا الكلام فيه تنافر، كيف يقال: أجمع وجمهور؟ وهنا يقول: "والذي اجتمع عليه أكثر أهل العلم" يعني إذا قلنا: اجتمع أسهل من قولنا: أجمع "اجتمع عليه أكثر أهل العلم على كراهية الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس إلا ما استثني من ذلك، من الصلاة بمكة بعد العصر حتى تغرب الشمس" لكن هل في هذا نص خاص بعد العصر أو فيه العموم؟ حديث جبير بن مطعم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)) وهذا أيضاً عموم، يعامل معاملة النصوص العامة التي تقدمت.
الإمام يخطب يوم الجمعة ونرى من يطوف بالبيت فهل الطائف ممن يلزم باستماع الخطبة أو أنه ليس ممن جاء للخطبة فلا يلزم بها؟ يعني لو أن الإنسان سمع وهو بيته خطبة، نقول: يلزمك السكوت، النساء يلزمهن السكوت لاستماع الخطبة؟ لا، ليسوا ممن يخاطب بهذه الخطبة، فهل الذي يطوف بالبيت نراهم ما نقول: يجب منعهم وإلزامهم بالإنصات أو نقول: يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف وصلى بهذا البيت أية ساعة شاء من ليل أو نهار يشمل حتى الطواف أثناء الخطبة؟ لأننا نرى من يطوف وقت الخطبة، فهل يمنعون أو لا يمنعون؟ ما دام دخلوا المسجد يلزمهم الإنصات؛ لأنه في حيز المسجد، أو نقول: إنهم ما جاءوا للخطبة وفي الغالب هم مسافرون لا يلزمهم جمعة فلا نلزمهم باستماع الخطبة؟ إذا كان الإنسان مقيم تلزمه الجمعة ويلزمه الإنصات، هل له أن يطوف في هذا الوقت؟ أو نقول: هذا الحديث مخصوص في مثل هذا الوقت؟ فليخص في أوقات النهي المضيقة، يعني شخص من أهل مكة مقيم جاء إلى المسجد الحرام فذهب إلى المطاف والإمام يخطب وطاف وتحرك وتصرف وكبر وذكر وهلل، تبعاً للطواف ولا أنصت للخطبة، هل نقول: إنه لا يمنع بناءً على حديث جبير بن مطعم؟ وتلزمه الجمعة؟ دعونا من مسافر لا تلزمه الجمعة احتمال ظاهر، لكن مقيم تلزمه الجمعة، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(35/33)
بلا شك يمنع هذا، فيكون حديث جبير بن مطعم مخصوص في مثل هذه الساعة، فيكون عمومه أيضاً ضعف بالمخصص، وعلى كل حال الأوقات الثلاثة المضيقة لا تزيد على ربع ساعة، فمثلها يتقيها الإنسان بقدر الإمكان، وما دامت المسألة كذلك، والأدلة فيها من التعارض ما سمعتم فلا تثريب، يعني الإنسان إذا اقتنع برأي، إما إن كان من باب المشورة يشير على شخص رآه يصلي هذا شيء، لكن يمنعه والمسألة فيها ما سمعتم؟! ليس لأحد أن يمنع، وإذا جلس أحد ليس لأحد أن ينكر عليه؛ لأن له أصل ومعه أدلة، وقول قوي في ... ، يعني قوته مكافئة للقول الآخر، فقد روي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- رخصة في ذلك.
"وقد قال به قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق" احتجاجاً بما ذكره الترمذي بالنسبة لركعتي الطواف، استثنيت بما ذكر من كلام الترمذي ودليله حديث جبير بن مطعم.
"وقد كره قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم الصلاة بمكة أيضاً بعد العصر وبعد الصبح" وذكرنا أن البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم في صحيحه: باب: الصلاة بعد العصر وبعد الصبح، وأورد أحاديث النهي وبعد الترجمة قال: وصلى عمر ركعتي الطواف بذي طوى، مما يدل على أنه يكره الصلاة حتى بمكة بعد الصبح وبعد العصر.
قال: "وبه يقول سفيان الثوري ومالك بن أنس وبعض أهل الكوفة" واحتجوا بعموم النهي، بعموم أحاديث النهي، وحديث جبير بن مطعم مخصوص بما ذكرنا من الطواف في وقت الخطبة لصلاة الجمعة.
بقي على باب الأذان أربعة أحاديث، باب الأذان حقيقة أحاديثه طويلة جداً ومترابطة، نعم ...(35/34)
الأذان فيه ستة وعشرون حديثاً مترابطة كلها في أحكام الأذان والإقامة، فلعلنا في الغد نأخذ ما بقي من الأبواب ونقف على باب الأذان، ويكون بعد غدٍ خالصاً للكتاب الثاني لأنه يضيق عليه الوقت، ومخصص له نصف ساعة، وبالأمس ما بقي له وقت واليوم كذلك، ولعلنا غداً نكمل إلى باب الأذان، ويكون يوم الأربعاء خاص بالكتاب الثاني؛ لئلا ندخل في باب الأذان نأخذ منه أربعة أحاديث أو خمسة ثم بعد ذلك أحكام مترابطة وبعضها يعني بعضها مرتبط ارتباطاً وثيقاً بما قبله وما بعده، فلا نستطيع أن نقف على موقف غير مناسب، فيكون غداً نكمل هذه الأربعة الأحاديث ونقف على باب الأذان، وبعد غدٍ -إن شاء الله- يكون الدرس كله لتنقيح الأنظار، وأما في الأسبوع القادم ففي كتاب الصيام من تقريب الأسانيد للحافظ العراقي، كما هو مقتضى الإعلان، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(35/35)
جامع الترمذي - كتاب الصلاة (9)
شرح: باب: ما جاء في الصلاة قبل المغرب، وباب: ما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، وباب: ما جاء في الجمع بين الصلاتين.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: ذكرتم أن الجمهور عندهم ما يقوي مذهبهم، وهو أن عموم النهي دخله ما يضعفه من تخصيصه بفوائت الفرائض لكن هذا لا يَرِدُ عند الحنفية، إذا أُخذ بقولهم من عدم القضاء حتى الفوائت في أوقات النهي.
الظاهر أن السائل ما فهم أن مذهب الجمهور هو المنع من التطوع في أوقات النهي حتى ما له سبب، هذا قول الجمهور بما فيهم الحنفية، الذين يدخلون بذلك الفرائض، فضلاً عن النوافل ذوات الأسباب فضلاً عن النوافل المطلقة، فهذا السؤال لا يرد على ما قررناه بالأمس، وأن مذهب الجمهور الحنفية والمالكية والحنابلة أنه لا يفعل شيء من التطوعات في هذه الأوقات حتى ما له سبب، وأن القول بأن فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي هو قول الشافعية فقط، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وعرفنا أدلة المذهبين، وما أجاب به كل فريق عن المذهب الآخر، فهذا السؤال ناتج عن فهم ما طُرح بالأمس.
يقول هذا: يريد شراء سيارة بالتقسيط وبيعها والغرض من ذلك شراء أرض ليست للسكنى وإنما للتجارة.
يعني هذا أخذٌ لأموال الناس من أجل التكثر وقد جاء ذمه، وجمهور أهل العلم على جواز مثل هذه المعاملة، وصحة هذه المعاملة، لكن الأولى أن لا يفعلها المسلم بحيث يشغل ذمته من غير حاجة.
هذا يقول: أريد رأيك في فعل تحية المسجد بأوقات النهي وغيرها من الصلوات ذوات الأسباب هل تفعل أو تترك؟
هذا لا يريد الخلاف الذي ذكرناه وبسطناه بالأمس، لكن يريد الخلاصة.
الخلاصة: أن من فعل ذوات الأسباب في الوقتين الموسعين لا تثريب عليه؛ لأن النهي عن الصلاة فيهما ليس لذاتهما، وإنما من أجل أن لا يسترسل الإنسان في الصلاة، حتى يأتي الوقت المضيق الذي جاء التشديد فيه، وأما في الأوقات الثلاثة المضيقة فلا أرى فعل شيء من التطوعات ولو كان له سبب.
يقول: ما قولكم في رواية الحسن عن أبي هريرة؟(36/1)
جاء عن الحسن -رحمه الله تعالى- أنه قال: حدثنا أبو هريرة ولذا أثبت بعضهم سماعه من أبي هريرة بهذا الخبر، قال: حدثنا أبو هريرة، والجمهور على أنه لم يسمع من أبي هريرة، وإنما حدث أهل المدينة وهو فيها ولم يسمعه، كما يقال: خطبنا عتبة بن غزوان وإن لم يحضر الخطبة، ولا شك أن تدليس الحسن شديد، يحتاج إلى مزيد من العناية، والجمهور على أنه لم يسمع من أبي هريرة، وأما روايته عن سمرة فقد مرت بنا في درس الأمس، وأن من أهل العلم من أثبتها كعلي بن المديني، وهو ظاهر سياق كلام علي من قبل الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، وكأن الترمذي يميل إليهم، ما دام ثبت عنه أنه سمع حديث العقيقة، فما المانع أن يسمع غيره من الأحاديث؟ ومنهم من ينفي مطلقاً سماع الحسن من أبي هريرة، وهذا ذكرناه بالأمس، ومنهم من يقول: أنه سمع منه حديث العقيقة فقط، كما جاء في صحيح البخاري، ومر بنا في درس الأمس.
يقول: هل يعتبر البحث في بول النبي -صلى الله عليه وسلم- هل هو طاهر أو نجس من فضول العلم؟
لا ليس من فضول العلم بل من متين العلم؛ لأن هناك أحاديث قد تشكل على القول بنجاسة البول، أو هناك أخبار إذا حُكم بهذا قيل: ارتفع الإشكال، لا يورد على القول بنجاسة بول الآدمي المجمع عليه مثل من شرب بوله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قد قيل: إن بوله -عليه الصلاة والسلام- طاهر.
المقصود أن مثل هذا إذا بحث كان له أصل، وقد بحث أهل العلم طهارة شعره -عليه الصلاة والسلام-، طهارة شعره، وعامة أهل العلم على طهارته، وقول حقيقة عند .. ، وهو قول شاذ عند بعض الشافعية أن الشعر نجس حتى شعره -عليه الصلاة والسلام-، لكن كيف يقال: إنه نجس وقد قسمه بين أصحابه للتبرك؟ وإذا كان شعر غيره من الآدميين طاهر فما شأن شعره -عليه الصلاة والسلام- إلا أن يكون أطهر.
يقول: لمن هذا البيت:
والرب ليس يضيع ما يتحمل ... المتحملون لأجله من شان
لا أعلم، لا أدري لمن هذا البيت.
يقول بعضهم: إن الصلاة على الكرسي للمريض لا أصل لها فيصلي على الأرض؛ لأنه بجلوسه على الكرسي يفوت الجلسة بين السجدتين، ويلزمه حال الركوع أن يؤخر الكرسي ليوازي الصف فما تقولون؟(36/2)
الأصل عدم وجود مثل هذه الكراسي، لكن إذا كانت مما يعين المصلي على أداء صلاته، ويخفف عنه ما يعانيه من عجز عن القيام أو السجود أو الركوع فلا شك أن هذا مما يعين على العبادة فيكون له حكمها، فيكون مطلوباً.
ذكر ابن القصار أن من قال بالنسخ في تأخير الصلاة يوم الخندق دليل على نسخ صلاة الخوف أنه قول من لا يعرف السنن؛ لأن صلاة الخوف أنزلت بعد الخندق فكيف ينسخ الأول الآخر؟
هذا على الخلاف، جمهور أهل السير على أن صلاة ذات الرقاع بعد غزوة الخندق، صلاة ذات الرقاع قبل غزوة الخندق، وهذا الذي جعلهم يقولون: إن صلاة الخوف لا تفعل في الحضر، والذي رجحه الإمام البخاري -رحمه الله- وتبعه ابن القيم أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد الخندق، وعلى هذا تفعل صلاة الخوف في الحضر، ولا يجوز تأخير الصلوات عن وقتها.
يقول: أفضل طبعة موجودة لفتح الباري؟
الآن صورت طبعة بولاق، ورقمت وموجودة -ولله الحمد-، وهي أفضل الطبعات على الإطلاق، لكن يبقى أن من طلاب العلم من ليس لديه الصبر على قراءة هذه الحروف القديمة، لا يصبر على قراءة الحروف القديمة، يقال له: ابحث عن صورة للطبعة السلفية الأولى.
يقول: لم نجد بعد بحث كتاب تقريب الأسانيد للعراقي.
هو مطبوع أكثر من طبعة، طُبع للمرة الأولى في مصر قبل ثمانين سنة بتحقيق محمود حسن ربيع، ثم طبع بعد ذلك طبعات متتابعة، وصور مراراً، وطبع مع شرحه: (طرح التثريب) وآخر طبعاته وهي التي عليها الخدمة المتميزة هي طبعة الشلاحي، خالد بن ضيف الله الشلاحي، طبعته دار الكتب العلمية أيضاً لكنها طبعة لا يعول عليها.
يقول: في الصلة لابن بشكوال قال مالك: سمعت عمرو بن سعيد بن أبي خيثمة يقول: شيخ قديم يعني هو شيخ قديم من أهل اليمن يقول: من علامة قرب الساعة اشتداد حر الأرض.(36/3)
هذا شيخ قديم من أهل اليمن يحتمل أن يكون قد تلقى هذا الخبر من أهل الكتاب، واليمن فيه من أهل الكتاب ما فيه فلا يعول عليه، مع أنهم يبحثون مسألة الاحتباس الحراري، وأنه احتمال في سنة (2050) العيش على الأرض يمكن لا يطاق، وهم يبحثون عن حلول من الآن، يبحثون عن حلول عن هذا الاحتباس الحراري، ولا شك أن هذا من ادعاء علم الغيب، وإن كانت لديهم مقدمات رصد من السنوات الماضية، لكن لا يدل هذا على أن الحرارة في ازدياد، لا يجزم بهذا، لمجرد ما تقدم من السنوات.
يقول: أرجو أن ترشدني إلى الصواب فأنا في حيرة من أمري، والسبب أنني إذا قرأت في سير السلف الصالح من أهل العلم في مظانها أجد في سيرة الواحد منهم مثالاً رائعاً لحياة المسلم الجاد، فتجد في سيرته خبراً عن زهده وورعه وعلمه وعمله وتقواه وبُعده عن الشهرة، وكرمه، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر وغيرها، ثم إذا نظرت في واقع كثير من طلاب العلم فإنك لا تكاد تجد إلا صفة من تلك، قد يكون أصلها جبلي، ثم يقع في نفسي تنقصهم، وعدم الاكتراث بهم، وربما يقولون .. ، بل ربما جعلت جزءاً من الدعوة التشكيك ببعض فتاويهم وآرائهم خشية أن يقتدى بهم فهل فعلي هذا صحيح؟ وبماذا تنصحون؟(36/4)
هذا فعلك ليس بصحيح، وليس المطلوب ألا يخطئ الإنسان، أو أن يكون كاملاً في كل شيء لا، عليه أن ينشد الكمال، وعليه أن يحرص على تطبيق ما أمر به، وأن ينتهي عما نهي عنه، والخير موجود في أمة محمد إلى يوم القيامة، إلى قيام الساعة، ويوجد من الشباب فضلاً عن الشيوخ الكبار من اجتمعت فيه كثير من خصال الخير، تجد بعض الشباب يقرأ القرآن، ويداوم على ورده اليومي من القرآن، ويزاول عمله بإخلاص وأمانة إن كان طالباً، وإن كان معلماً، وإن كان عاملاً، موظفاً، ثم بعد ذلك يتحرى الصلوات على الجنائز واتباعها، ويزور المرضى، ويأمر بالمعروف، ويشارك بقوة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويصل الرحم، وهذه الفضائل وجودها في مثل هذا الزمان يعني خير وبركة، -ولله الحمد-، والعامل في آخر الزمان له أجر خمسين من الصحابة لعدم المعين، نحن نجد أحياناً من يعين -ولله الحمد-، وعلى كل حال اليأس ليس بوارد، والخير في أمة محمد إلى قيام الساعة، ويوجد من أهل العلم والعمل عدد مجزئ وكافي -ولله الحمد-، نعم يوجد من الصنف الآخر من لديه شيء من العلم، ولا يعمل بعلمه هذا موجود، لكنه لا يستحق أن يكون من أهل العلم؛ لأن العلم ما قاد إلى العمل، والله المستعان.
يقول: أنكرت مرة على. . . . . . . . .، يقول: من المحسوبين من أهل العلم أو أنصاف المتعلمين عدم زيارته لعمته لمدة ثلاث سنوات، وهي لها بيت وأولاد، وعمرها ثلاث وثلاثون سنة، فقال: هذا ليس بقطيعة للرحم؛ لأنها ليست بامرأة كبيرة، وأن القطيعة ليست بمجرد عدم الحضور إليها، أرجو بيان ذلك؟
هذه قطيعة، إذا مرت عليك هذه المدة وأنت لم تزرها هذه قطيعة، ولا يكفي إذا كان لا يرضيها إلا الحضور، لا يرفع القطيعة إلا الحضور عندها، وقد يطلب منك أكثر من ذلك من قضاء بعض الحوائج إذا احتاجت إليك.(36/5)
فالصلة شأنها عظيم، والقطيعة أمرها خطير، فهذه هي القطيعة عينها، فلا بد من زيارتها بما يرضيها، وهذه أمور نسبية، بالنسبة لبعض الأشخاص تختلف عن بعض، هذا الذي ليست له إلا عمة واحدة ليس مثل من له عشر عمات، وخمس خالات، وستة أعمام، وأربعة أخوال، وهؤلاء لهم أولاد، وله أجداد، وله كذا، يعني إذا كثروا خف المطلوب، وإذا قلوا زاد المطلوب؛ لأن المسألة مسألة تسديد ومقاربة، علماً أن الله -جل وعلا- لا يكلف نفساً إلا وسعها، وكثير من الناس يتذرع بأعمال وأشغال لا حقيقة لها، تجده يعتذر من عمه أو من خاله، أو من عمته أو خالته، حتى أحياناً من أمه وأبيه بأعمال وأشغال وهي لا حقيقة لها ولا وجود؛ لأنه لو طلب من قبل أصحابه أو أحبابه لبادر إلى الحضور.
يقول: أيهما أفضل في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- خارج الصلاة أو ما جاء النص فيه وذكر فيه لفظ الصلاة الإبراهيمية، أو اللفظ الوارد في القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب]؟
أما امتثال الأمر الذي يبرأ به المكلف من العهدة إذا قال: "صلى الله عليه وسلم" أو "عليه الصلاة والسلام"، بهذا يمتثل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب].
أما الصلاة الإبراهيمية فهي في الصلاة في موضعها، وهي فرد من أفراد العام المأمور به، فإذا صلى الإنسان على النبي -عليه الصلاة والسلام- وسلم عليه، انتهى، ويقول بعض أهل العلم كالنووي: أنه يكره إفراد الصلاة عن السلام وعكسه، لكن الحافظ ابن حجر يقول: "من كان ديدنه هذا" نعم يكره في حقه، يصلي ولا يسلم أو يسلم ولا يصلي، لكن إذا كان يصلي ويسلم أحياناً، أو يصلي أحياناً دون أن يسلم، أو يسلم دون أن يصلي فهذا لا إشكال فيه.(36/6)
إذا زاد على النبي -عليه الصلاة والسلام- الآل لما لهم من حق على الأمة، فهم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلتكن الزيادة أيضاً للصحب، الذين لهم الحق الأعظم في رقابنا وفي أعناقنا، لولاهم ما وصلنا الدين، وفي الأمة ممن هو من غير الآل من هو أفضل من الآل كلهم، مثل أبي بكر وعمر، فإذا زاد أحد الآل فليزد الصحب، ولا يقتصر على أحدهما دون الآخر تشبهاً بالمبتدعة، فالنواصب يقتصرون على الصحب دون الآل، والروافض على العكس.
يقول: إذا كان مصلى النساء بينه وبين مصلى الرجال فاصل كبير مثل فناء المسجد -الصرح- فهل هذا جائز أو لا؟
إذا كانوا في سور المسجد، داخل المسجد فلا بأس.
يقول: متى يبدأ وقت ورد الصباح والمساء؟ ومتى ينتهي؟
يبدأ من بداية الوقت من طلوع الفجر إلى انتشار الشمس، وما دام يسمى الوقت صباحاً فهو كذلك مما يشمل الضحى فهو وقت إلى أنه مفضول؛ لأن الأذكار -أذكار الصباح والمساء- قرنت في كثير من النصوص بطلوع الشمس وغروبها.
ألم يقل أحد بفعل النوافل في أوقات النهي مع التخفيف كراتبة الصبح تقريباً للأقوال؟
لا، من صفة راتبة الصبح التخفيف، حتى كانت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تقول: "لا أدري هل قرأ بفاتحة الكتاب أو لا؟ " هذه من شأنها أن تخفف، وأما فعل ذوات الأسباب عند من يقول به فلا يقول بالتخفيف إلا من أجل ما يحوك في صدره من الخلاف القوي في المسألة.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء.
قال المؤلف -رحمنا الله وإياه تعالى-:
باب: ما جاء في الصلاة قبل المغرب:
حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بين كل أذانين صلاة لمن شاء)).
وفي الباب عن عبد الله بن الزبير.
حديث عبد الله بن مغفل حديث حسن صحيح.(36/7)
وقد اختلف أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة قبل المغرب، فلم يرَ بعضهم الصلاة قبل المغرب، وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا يصلون قبل صلاة المغرب ركعتين بين الأذان والإقامة.
وقال أحمد وإسحاق: إن صلاهما فحسن، وهذا عندهما على الاستحباب.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في الصلاة قبل المغرب" ثم أورد في الباب حديث عبد الله بن مغفل مما يعم هذه الصلاة التي قبل المغرب بين الأذان والإقامة، وما يشمل غيرها من الأوقات.
قوله: ((ما بين كل أذانين صلاة)) يشمل المغرب، ويشمل الصبح، ويشمل العشاء، ويشمل العصر وغيرها من الأوقات، وهل يشمل ما بين الأذانين في يوم الجمعة الأول والثاني أو لا؟ يعني إذا أذن لصلاة الجمعة الأول ثم جلس بين الأذان الأول والثاني ينتظر هل نقول: إنك مطلوب منك أن تصلي بين هذين الأذانين أو لا؟ المقصود بين كل أذانين في الحديث أي الأذان والإقامة؛ لأنها أذان، فهي إعلام بإقامة الصلاة، وإن كانت إعلاماً وإخباراً للحاضرين بخلاف الأذان الذي حقيقته نداء الغائبين إلى الصلاة، وهذه إعلام للحاضرين فهما أذانان، لكن بين الأذانين بالنسبة لصلاة الجمعة، الأول والثاني دعنا من الإقامة؛ لأنه بين الأذان والإقامة، الأذان للجمعة والإقامة لها هل نقول: فيه صلاة أو لا صلاة فيه؟ نقول: ما في صلاة هنا؛ لأن الإنسان عليه أن يشتغل بسماع الخطبة؛ لأن الأذان الثاني بعد دخول الخطيب، ما في صلاة، فهو مستثنىً من هذا.(36/8)
بين الأذان الأول والثاني لصلاة الصبح؛ لأن لها أذانين، مطلوب، وهذا وقت فاضل يتطوع فيه، وبين الأذان الأول والثاني من يوم الجمعة، هذا باعتبار أن الأذان الأول ليس موجوداً على عهده -عليه الصلاة والسلام-، وإنما سنه عثمان -رضي الله عنه-، نقول: إنه لا يتصور أن يدخل في هذا الحديث؛ لأن المتكلم به وهو النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يقصده، ونحن نشاهد في الحرمين أنه إذا أذن الأول ثم فرغ من الأذان قام الناس يتطوعون، والفاصل بينهما بمقدار ركعتين، يعني خمس دقائق لا يزيد، فهل هو داخل في الحديث؟ الحث عليه يؤخذ من الحديث أو لا؟ باعتبار أن الأذان ليس موجوداً على عهده -عليه الصلاة والسلام- لا يتصور دخوله في الحديث، وإن كان الوقت وقت تطوع مطلق، لكنه لا يشمله ما جاء من الحث في هذا الحديث.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"حدثنا هناد" وهو ابن السري، تقدم مراراً "قال: حدثنا وكيع" الإمام وكيع بن الجراح الرؤاسي، إمام من أئمة المسلمين وسيد من ساداتهم "عن كهمس بن الحسن" وثقه أحمد وابن معين "عن عبد الله بن بريدة" تابعي ثقة "عن عبد الله بن مغفل" صحابي جليل "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بين كل أذانين صلاة)) " يعني نافلة، المقصود بالصلاة هنا النافلة، والمراد بالأذانين الأذان والإقامة، وهذا إن نظرنا إلى الإطلاق الاصطلاحي قلنا: هذا من باب التغليب كالعمرين والقمرين، من باب التغليب، وإذا نظرنا إلى الحقيقة اللغوية للفظين فهما أذانان، بمعنى أنهما إعلامان، الأول: إعلام بدخول الوقت، والثاني: إعلام بالقيام إلى الصلاة، فهما أذانان، حقيقة لغوية.
((لمن شاء)) في بعض الروايات: ثلاثاً، ((بين كل أذانين صلاة)) ثلاث مرات، ثم في النهاية قال: ((لمن شاء)) يعني لا على سبيل الإلزام والتأكيد، فليست هذه الصلاة بمثابة السنن الرواتب المؤكدة، وإن كان بعض السنن الرواتب يدخل في هذا من باب التداخل، إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد ليست إحداهما مؤداة والأخرى مقضية، دخلت الصغرى في الكبرى.(36/9)
((بين كل أذانين صلاة)) دخل بعد الأذان لصلاة الصبح فصلى ركعتين، هل يمكن أن يقال له: أي صلاة هذه؟ هل هذه ما جاء في هذا الحديث: ((بين كل أذانين صلاة)) فعليك أن تأتي براتبة الصبح، هل هذه تحية المسجد فتأتي بعدها بما يحقق الرغبة في هذا الحديث: ((بين كل أذانين صلاة)) ثم تأتي براتبة الصبح؟ هذه الصلوات كلها تتداخل، ويصلي ركعتين هما راتبة الصبح؛ لأنها أقوى ما في الباب، يدخل فيها بين كل أذانين صلاة، ويدخل فيها أيضاً تحية المسجد.
والحديث ذكره الإمام الترمذي في هذه الترجمة "باب: ما جاء في الصلاة قبل المغرب" مما يدل على جواز الركعتين بعد أذان المغرب، وقبل صلاته وهو الحق، وبعضهم يمنع من الصلاة بين الأذان وصلاة المغرب؛ لما يترتب عليها من تأخير صلاة المغرب، وصلاة المغرب المطلوب تعجيلها؛ لأن جبريل صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليومين في أول الوقت، فإذا صلى ركعتين ترتب على ذلك أن يؤخر المغرب، نقول: هذا التأخير بصلاة الركعتين لا يسمى تأخير، بل هي مصلاة في أول وقتها، وإن صلى قبلها ركعتين، والقول بأن الحديث منسوخ لا دليل عليه.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن عبد الله بن الزبير" عند ابن حبان، وذكره محمد بن نصر المروزي في كتابه: (قيام الليل)، ولفظهما: ((ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها سجدتين)).
"قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن مغفل حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما "وقد اختلف أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة قبل المغرب، فلم يرَ بعضهم الصلاة قبل المغرب" وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة؛ لأن فعلهما كما تقدم يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها، ولقول ابن عمر: "ما رأيت أحداً على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصليهما" كما في سنن أبي داود، ولا شك أن الحديث دليل على أن هاتين الركعتين قبل صلاة المغرب كغيرها من الصلوات مرغب فيه، وإن لم يكن متأكداً كالرواتب.(36/10)
"وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا يصلون قبل صلاة المغرب ركعتين بين الأذان والإقامة، وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- أنهم كانوا يصلون قبل صلاة المغرب ركعتين بين الأذان والإقامة" أي في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وبحضرته، وبعد وفاته، وكذلك روي عن غير واحد من التابعين، وعن تبعهم بإحسان، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: "كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يبتدرون السواري، حتى يخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم كذلك، يصلون الركعتين قبل المغرب".
يقول ابن العربي في شرح الترمذي عارضة الأحوذي: "الحديث فيه صحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني: ((بين كل أذانين صلاة)) الحديث صحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، في كل صحيح ومسند، واختلف فيه الصحابة، ولم يفعله بعدهم أحد، يعني بالنسبة لصلاة المغرب، وأظن الذي منع منه المبادرة بالإقبال على صلاة المغرب" كذا قال ابن العربي.
يقول المحشي -الشيخ أحمد شاكر-: "وهذا تعليل غريب لمخالفة الأحاديث الصحاح، وهو يعترف بصحتها، وصدق يحيى بن آدم: "لا يحتاج مع قول رسول الله إلى قول أحد" يحيى بن آدم يقول هذا الكلام، ونحن نعاني في أيامنا هذا من مصادمة النصوص الصحيحة الصريحة المرفوعة بأقوال وأفعال لصحابة وتابعين هم منا على العين والرأس، لكن بالنسبة لمخالفة ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يلتفت إلى أقوالهم ولا إلى أفعالهم، وكم عورض قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أعفوا اللحى)) ((أكرموا اللحى)) ((وفروا اللحى)) بفعل فلان وفلان، وغير ذلك من المسائل، يتذرعون بالترخص أو على الترخص بأفعال صحابة، المظنون بهم أنهم لم يبلغهم كلامه -عليه الصلاة والسلام-، وإلا لو بلغهم لما خالفوه.
وضعف صنيع عائشة في جمعها، أو في إتمامها الصلاة في السفر؛ لأنه لا يظن بها أنها تفعل خلاف ما عهدت النبي -عليه الصلاة والسلام- عليه، وهذا كلام شيخ الإسلام، وإن كان السند إليها صحيحاً بأنها أتمت الصلاة، وتأولت كما تأول عثمان، لكن لا عبرة بقول أحد كائناً من كان مع قوله -عليه الصلاة والسلام-.(36/11)
يقول يحيى بن آدم: "لا يحتاج مع قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى قول أحد" يقول ابن حجر في الفتح: "وأما قول أبي بكر بن العربي: اختلف فيها الصحابة ولم يفعلها أحد بعدهم فمردود بقول محمد بن نصر: "وقد روينا عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصلون الركعتين قبل المغرب"، ومعلوم أنه من حفظ فهو حجة على من لم يحفظ" ثم أخرج ذلك بأسانيد متعددة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن بريدة ويحيى بن عقيل والأعرج وعامر بن عبد الله بن الزبير وعراك بن مالك ومن طريق الحسن البصري أنه سئل عنهما فقال: "حسنتين –والله- لمن أراد الله بهما".
وعن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: "حق على كل مؤمن إذا أذن المؤذن أن يركع ركعتين" وفعل ركعتين في دقيقتين أو في ثلاث دقائق لا شك أنه لا يترتب عليه تأخير الصلاة عن أول وقتها، نعم.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس:
حدثنا الأنصاري قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد وعن الأعرج يحدثونه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) وفي الباب عن عائشة، حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح.
وبه يقول أصحابنا الشافعي وأحمد وإسحاق، ومعنى هذا الحديث عندهم لصاحب العذر مثل الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ ويذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها.
يقول الإمام أبو عيسى -رحمه الله تعالى-:(36/12)
"باب: فيما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس" الإدراك: هو الوصول إلى الشيء، الإدراك: هو الوصول إلى الشيء قبل فواته، فالوقت يدرك، والركعة تدرك، والجماعة تدرك، فيدرك الوقت بإدراك ركعة كما في حديث الباب، وتدرك الجماعة بإدراك ركعة كالجمعة على خلاف بين أهل العلم فيما عدا الجمعة، الجمعة تدرك بركعة وغيرها من الصلوات تدرك جماعتها بركعة عند جمع من أهل العلم؛ لأن ما كان أقل من ركعة لا يسمى صلاة، ومنهم من يقول: تدرك الجماعة بإدراك أي جزء منها قبل سلام الإمام، ولذا يقول الحنابلة: ومن كبَّر قبل سلام إمامه التسليمة الأولى، أدرك الجماعة ولو لم يجلس، ومن كبَّر قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس، هذا قول الحنابلة وهو المعروف عند الشافعية، ونسبه النووي للجمهور، وأن الجماعة تدرك بإدراك أي جزء منها قبل سلام الإمام.
من أهل العلم من يرى أن الجماعة لا تدرك إلا بركعة كاملة، وهذا ما يؤيده وينصره شيخ الإسلام؛ لأن ما كان أقل من ركعة فلا يسمى صلاة.(36/13)
وعلى هذا إذا دخل المسبوق والإمام في التشهد الأخير وبين أن يدخل مع الإمام وتحصيله للجماعة مختلف فيه، وبين أن ينتظر من يصلي معه وهذا احتمال فيقال: إن غلب على ظنه ينتظر، وإن لم يغلب على ظنه يدخل مع الإمام، وعلى كل حال لو انتظر من يصلي معه، الجماعة على هذا القول قد فاتت، لكنه يقع في مخالفة ((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام))، ((وما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) ما أدركتم، ما أدركتموه من الصلاة يعني قل أو كثر، ركعة أو أقل أو أكثر، فالمرجح أنه يدخل مع الإمام، ثم إذا صلى الإمام، ثم جاءت جماعة أخرى، إن كان ممن يترجح عنده أنه لم يدرك الجماعة فهو حينئذٍ حكمه حكم المنفرد إذا سلم الإمام، وأهل العلم يقولون: وإن نوى منفرد قلب فرضه نفلاً في وقته المتسع جاز، يعني إذا كان يرى أنه لم يدرك الجماعة فإنه لا مانع أن يقلب فرضه نفلاً ويلتحق بالجماعة الثانية؛ ليدرك الجماعة ويمتثل: ((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) أما أن ينتظر ويترك متابعة الإمام فيما أدركه فيه: ((ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) هذا يقع في مخالفة الحديثين، علماً أن قول الجمهور هو أن الجماعة تدرك بإدراك أي جزء منها قبل السلام، هذا بالنسبة لإدراك الجماعة.
إدراك الركعة يكون بإدراك الركوع مع الإمام إدراكاً مستقراً، لا يعني أنه إذا رأى الإمام يرفع من الركوع ثم ركع قبل أن يقول الإمام: سمع الله لمن حمده هذا لم يدرك الركعة؛ لأن العبرة بالفعل، وبعض الأئمة يتأخر في ذكر الانتقال من تكبير أو تسميع حتى يعتدل من أجل المكبر، ما يقول سمع الله لمن حمده حتى يعتدل، فتجد بعض الناس يركع بعد رفعه ويزعم أنه أدرك الركعة، هذا ما أدرك الركعة، هذا ما أدرك الركعة إذا رفع الإمام قبل استقراره في الركوع.(36/14)
إذا أدرك الركوع أدرك الركعة عند عامة أهل العلم، ومنهم من يرى أنه لا يدرك الركعة حتى يقرأ الفاتحة قبل الركوع، وأن الفاتحة لا تسقط عن المسبوق، وهو معروف من قول أبي هريرة والإمام البخاري، ويرجحه الشوكاني، أن الركعة لا تدرك إلا بإدراك الفاتحة، لا بد أن يقرأ الفاتحة كاملة قبل أن يركع، وإذا فاتته الفاتحة فاتته الركعة، لكن الجمهور يستدلون بحديث أبي بكرة وأن الركعة تدرك بالركوع، حيث ركع دون الصف ثم لحق بالصف، بعد أن ركع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو المرجح عند أهل العلم، هذا بالنسبة للجماعة والركعة، وأما الجمعة فتدرك بإدراك ركعة كاملة، والوقت؟ هو ما في هذا الباب.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء فيمن أدرك ركعة" يعني بقراءتها، بركوعها، بسجودها، ركعة كاملة "أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس" يعني فما حكمه؟ هل يدرك العصر؟ في الحديث: ((فقد أدرك العصر)) وهل تكون صلاته كلها أداء أو قضاء باعتبار أن الأكثر وقع بعد خروج الوقت؟ هو أدرك ركعة من صلاة العصر، وثلاث ركعات بعد خروج الوقت، ومعلوم أن ما يؤدى في الوقت أو ما يفعل في الوقت يسمى أداء، وما يفعل خارج الوقت يسمى قضاء، هذا المعروف عند أهل العلم في التفريق بين الأداء والقضاء، فإذا أدرك ركعة من العصر أدرك ربع الصلاة في الوقت، وثلاثة الأرباع خارج الوقت، هل تكون صلاته قضاء وإلا أداء؟
من أهل العلم من يقول: إنها قضاء باعتبار الغالب، ومنهم من يقول: إنها أداء، وهم الأكثر، هم الجمهور؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((فقد أدرك العصر)) يعني أدرك وقت العصر، فصارت صلاته في وقتها أداءً، ومنهم من يقول: إن ما فعله في الوقت أداء وما فعله بعد خروج الوقت قضاء، لكن المرجح ما يدل عليه الحديث.
قال -رحمه الله تعالى-:(36/15)
"حدثنا -إسحاق بن موسى- الأنصاري قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد" المدني العابد، ثقة جليل "وعن الأعرج" عبد الرحمن بن هرمز، ثقة ثبت أيضاً "يحدثونه عن أبي هريرة" يحدثون من؟ نعم يحدثون زيد بن أسلم "عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك من الصبح ركعة)) " يعني كاملة بركوعها وسجودها " ((قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) " يعني أدرك وقت الصبح، أو أدرك الصبح في وقتها " ((ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) " إذا أدرك ركعة من الصبح أدرك الصبح ويكفي وإلا فليصلّ إليها أخرى كما جاء في بعض الروايات؟ وهذا هو المتعين، لا يمكن أن يقول: أنا أدركت ركعة أدركت الصلاة فلا داعي لتكميلها، لا، لا بد أن تكملها، فليصلّ إليها أخرى " ((ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) " يعني وليضف إليها ثلاث ركعات، فليضف إليها ثلاث ركعات، إذا أدرك ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت عليه الشمس، الجمهور على ما جاء في هذا الحديث برواياته أنه يصلي إليها أخرى ويكملها، ويكون مدركاً لها في وقتها، الحنفية يقولون: يقطعها؛ لأنه دخل عليه وقت نهي، فتبطل الصلاة به؛ لأن عندهم أن النهي يشمل الفرائض والنوافل، والحديث حجة عليهم.
حمله الطحاوي -حمل الحديث الطحاوي- وهو من أئمة الحنفية على إدراك الحائض تطهر قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة، والصبي يبلغ قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة، والكافر يسلم قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة أنه أدرك الوقت وتلزمه هذه الصلاة، تلزمهم هذه الصلاة، وقال ذلك نصرة لمذهبه في أن من أدرك ركعة من الصبح فإن صلاته تفسد فلا يكملها بدخول وقت النهي، والحديث حجة عليهم.(36/16)
((ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) يعني هل في هذا حجة لمن أراد أن يطيل في نومه إلى أن لا يبقى إلا وقت يسير من وقت صلاة الصبح أو وقت صلاة العصر؟ إذا نام الظهر أو جاء من الدوام في الثانية والنصف يقول: لا داعي لأن أقوم لصلاة العصر في الثالثة والنصف، أمد نومتي إلى السادسة والنصف؛ ليتأهب للسهر والسمر، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) يقول: يكفيني أن أدرك ركعة، إذا قمت في السادسة والنصف وبقي على أذان المغرب تسع دقائق يمديني أتطهر وأدرك ولو ركعة، والحديث دليل على صحة صلاته وأنه أدرك الوقت، فلا داعي أن يكلف نفسه ليقوم، نقول: هذا الكلام ليس بصحيح.
يقول الحافظ ابن حجر: نقل بعضهم الاتفاق على أنه لا يجوز لمن ليس له عذر تأخير الصلاة حتى لا يبقى منها إلا هذا القدر، يعني ينام إلى أن لا يبقى من وقت صلاة الصبح إلا دقيقتين وبيدرك ركعة، أو لا يبقى من وقت العصر إلا دقيقتين ليدرك ركعة، ويقول: الحديث صريح فيما أصنع، نقول: لا، نقل بعضهم الاتفاق على أنه لا يجوز لمن ليس له عذر تأخير الصلاة حتى لا يبقى منها إلا هذا القدر.(36/17)
مسألة أخرى متصلة بهذا وهو أن شخصاً لم يؤخر الصلاة دخل الوقت وتأهب للصلاة وصلى الراتبة ثم كبر للفريضة في أول وقتها، فقال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا صلى أحكم بنفسه فليطول ما شاء)) طلع الفجر، صلى الراتبة وقال: الله أكبر، لكن الرسول يقول: ((فليطول لنفسه ما شاء)) أنا أريد أن أقرأ مثل ما قرأ الرسول -عليه الصلاة والسلام- في ركعة، قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران بترتيل بتدبر، يحتاج إلى ساعات، أقل شيء ساعتين، الخمسة الأجزاء بالترتيل والتدبر، تكون الركعة الأولى على صنيعه هذا في الوقت، ثم الركعة الثانية بعدما يخرج الوقت، ماذا نقول لمثل هذا؟ والرسول يقول: ((فليطول لنفسه ما شاء))؟ هو ما عنده جماعة، بمفرده، هل نقول: إنه في محل الاتفاق الذي نقله بعضهم أنه لا يجوز لمن ليس عذر تأخير الصلاة، هو ما أخر الصلاة، وامتثل: ((فليطول لنفسه ما شاء)) يثرب عليه وإلا ما يثرب عليه؟ والركعة الثانية سوف تقع خارج الوقت، ويكون أدرك الصبح بإدراك ركعة، وامتثل: ((فليطول لنفسه ما شاء)) وفي الركعة الثانية يقرأ أربعة أجزاء أو خمسة، ولا ينتهي من صلاته إلا وقد تعالى النهار، يعني بالنسبة لصلاة العصر ((تلك صلاة المنافق يرقب الشمس)) يعني ((فإذا كان في آخر وقتها نقر أربع ركعات لا يذكر الله فيها إلا قليلاً)) هذا ذكر الله فيها كثيراً، وامتثل: ((فليطول لنفسه ما شاء)) ماذا يقال له: أخطأت أو أصبت؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني لمخالفة هديه -عليه الصلاة والسلام-، يعني من هذه الحيثية، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقرأ في الصبح من الستين إلى المائة، لكن يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- قرأ في النافلة البقرة ثم النساء ثم آل عمران، والعلماء يقولون: ما صح في النافلة صح في الفريضة، ويقول: ((من أدرك ركعة من الصبح)) أنا أدركت ركعة من الصبح، يلام وإلا ما يلام؟ وقال الرسول يقول: ((فليطول لنفسه ما شاء)) أنا أطول لنفسي ما شئت، الرسول قرأ خمسة أنا با أقرأ في الأولى خمسة، وفي الثانية تكون أقصر من الأولى أقرأ أربعة بدل ساعتين تصير ساعة ونصف.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(36/18)
أدرك الوقت، نقول: أنا أدركت الوقت بنص الحديث، يقول: أنا أدرك الوقت بحديث صحيح عندنا، يقول: أنا اعتمدت أحاديث، بادرت، كبرت بغلس، في أول الوقت، ((فليطول لنفسه ما شاء)) أنا أطول، تسعة أجزاء، خمسة في الأولى كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في قيام الليل، وأربعة في الثانية لتكون الصلاة على الهدي، الهدي أن الثانية أقصر من الأولى، نعم؟ و ((فليطول لنفسه ما شاء)) و ((من أدرك ركعة من الصبح فقد أدرك ... )) أنا أدركت، طولت لنفسي ما شئت، وامتثلت جميع الأوامر.
طالب:. . . . . . . . .
وقت نهي خلاص ما دام عندنا هذا، هذا نرد به على الحنفية، حينما قال: وقت نهي، بالنسبة للفريضة ما في وقت نهي، وأدرك الصبح وطول لنفسه ما شاء، جميع الأوامر امتثل، نعم خالف الهدي النبوي، ما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الفعل، ولا فعله أحد من الصحابة، لكنه ماشي على جادة، ومقتضى نصوص.
طالب: يا شيخ قول أبي بكر -رضي الله عنه-؟
هاه؟
طالب: قول أبي بكر: "لو طلعت لم تجدنا غافلين"؟
نفس الشيء هو ممتثل نصوص، ومطبق قواعد شرعية، نعم كون النبي -صلى الله عليه وسلم- ما فعل ذلك ولا فعله أصحابه ولو كان خيراً لما سبقونا إليه، لا نقول: إن هذا هو الأفضل، لكن فعله، يقول: إيش تقولون؟ أنا مخطئ وإلا مصيب؟ وصلاتي فيها خلل وإلا ما فيها خلل؟
طالب: يعني ألا يقال: يا شيخ أنه أعني هذا الأمر هو يجوز عند .. ، ليس له تأخيرها بلا حاجة وأنه يجوز عند العذر؟
ما هو مؤخرها، يقول: أنا صليت بعد الأذان بخمس دقائق أو عشر، ما أخرتها، لكن قرأت خمس وطلعت الشمس في الركعة الأولى.
طالب: يعني تعمد إخراجها خارج الوقت هل هو رخصة؟
عندك: ((من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح))، ((فليطول لنفسه ما شاء)) طولت ما شئت، وأدركت ركعة قبل أن تطلع الشمس أدركت الصبح، لا شك في مخالفته لهدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا أمر مفروغ منه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما فعل ذلك ولا فعله أصحابه، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، لكنا نقول: يأثم وإلا ما يأثم؟
طالب:. . . . . . . . .(36/19)
عندنا الوقت مضبوط، عندنا أدرك ركعة أدرك الوقت انتهى الإشكال، أدرك ركعة أدرك الوقت، هذا مخرج. . . . . . . . . بنص الحديث إلا عند من يقول: إنه باعتبار أن أكثر الصلاة وقع خارج الوقت فهي قضاء، وهذا خلاف الحديث، وعند من يقول: إن ما أدركه في الوقت أداء وما أدركه بعد خروج الوقت قضاء، لكن الحديث على خلافه، يقول: أنا معي الحديث، أنا مدرك الوقت، وطولت لنفسي ما شئت، ويش تبون غير هذا بعد؟
طالب: بالنسبة للحديث. . . . . . . . . صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس.
ما لم ... ، لكن الحديث الذي معنا: ((فقد أدرك الصبح))؟
طالب:. . . . . . . . .
يا إخوان المسألة مركبة ما هي من نص واحد، مركبة من نصوص، وكلها صحيحة وثابتة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
((صلوا كما رأيتموني أصلي)) لكن شخص قرأ بمائتي آية، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ بين الستين والمائة، نقول: أخطأت؟ وانصرف منها بربع ساعة نقول: أخطأت؟
إذا تخلصنا من حديث الباب تخلصنا من المسألة من أصلها، وأن حديث الباب في أهل الأعذار خاصة، نعم، في أهل الأعذار يكون مدرك للوقت إذا كان له عذر وهذا ليس له عذر، فلا يجوز له أن يعتمد أن يصلي الصلاة خارج وقتها ولا جزءاً منها، وعلى هذا تكون صلاته وإخراجه للصلاة عن وقتها ولو في بعضها غير مشروع، على غير الهدي النبوي.
قال -رحمه الله-:
"وفي الباب عن عائشة" عند أحمد في المسند، وعند مسلم والنسائي وابن ماجه "قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه الستة، جاء في بعض الروايات عند مسلم وغيره: ((من أدرك من الصبح سجدة، ومن أدرك من العصر سجدة)) وجاء تفسير السجدة بأنها هي الركعة، وإدراك السجدة لإدراك الوقت غير إدراك السجدة لإدراك الجماعة، كيف؟ لأنه في صلاة الجماعة يتصور أن يدرك سجدة بعد أن تفوته الركعة، لكن لإدراك الوقت لا يتصور أن يدرك سجدة إلا وقد أدرك الركعة، صح وإلا لا؟ ولذا قال في الخبر نفسه، والسجدة إنما هي الركعة، يعني ما يمكن أن يقال: والله أدرك سجدة فأدرك الوقت ولم يستطع أن يدرك ركعة، لا يمكن أن يدرك سجدة إلا بعد أن يدرك الركعة، والمراد بالركعة والمراد بالسجدة الركعة الكاملة بركوعها وسجدتيها.(36/20)
السجود يطلق ويراد به الركوع والعكس، والعكس يطلق الركوع ويراد به السجود، إطلاق الركوع وإرادة السجود: {وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [ص: 24] يعني ساجداً بالإجماع أن داود سجد سجدة الشكر، خر راكعاً {وَادْخُلُواْ الْبَابَ} إيش؟ {سُجَّداً} [(58) سورة البقرة] يعني ركوعاً، لا يراد به السجود، كيف يدخلون الباب وهم ساجدون؟ فالسجدة تطلق ويراد بها الركعة، والركعة تطلق ويراد بها السجدة، والسجدة في هذا الحديث يراد بها الركعة بلا نزاع؛ لأنه لا يتصور أن يدرك سجدة قبل أن يدرك الركعة.
"قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه الأئمة الستة "قال: وبه يقول أصحابنا والشافعي" هذه الواو ثابتة في نسختين، به يقول أصحابنا والشافعي "وأحمد وإسحاق" مما يدل على أن المراد بأصحابه هم أهل الحديث لا الشافعية، وإذا قيل: إن مرده بأصحابه الشافعي وأحمد وإسحاق ما صار شافعي، حتى لو كان المراد بأصحابه الشافعي وأحمد وإسحاق هؤلاء هم أهل الحديث، بل من أئمة أهل الحديث خلافاً لمن يقول: إن الإمام الترمذي شافعي المذهب، خلافاً لأبي حنيفة في صلاة الصبح، وأنها تبطل بطلوع الشمس بخلاف العصر "ومعنى هذا الحديث عندهم لصاحب العذر مثل الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ ويذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها" وتقدم نقل كلام الحافظ عن بعضهم الاتفاق على أنه لا يجوز لمن ليس له عذر تأخير الصلاة حتى لا يبقى منها إلا هذا القدر.(36/21)
مفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة هل يقال: إنه يمكن أن يدرك سجدة؟ نعم؟ لا يمكن، لكن هذا كبر تكبيرة الإحرام وقرأ الفاتحة فطلعت الشمس، أو غابت الشمس هذا يصح أنه أدرك أقل من ركعة، أو قرأ الفاتحة وما بعدها ثم ركع، وبعد أن رفع من الركوع رأى الشمس، هذا أدرك أقل من ركعة، فهل يدرك الوقت أو لا؟ أدرك الركوع ولم يدرك ركعة، والمراد بالركعة الكاملة بقراءتها وبركوعها وسجودها، هذا ما أدرك ركعة، وإن أدرك الركوع، قد يكون إدراك الركعة بالركوع كما هو في حال المسبوق، وقد يكون إدراك الركعة بالسجدة الثانية، إدراك الركعة بإدراك السجدة الثانية كما في هذا الحديث في الوقت؛ لأن الركعة قد ينظر إلى أولها، وقد ينظر إلى آخرها، ومفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركاً للوقت، وأن صلاته تكون قضاءً، وإليه ذهب الجمهور، وقال بعضهم: أداء، والحديث يرده.
واختلفوا في إدراك الحائض والمجنون والمغمى عليه والكافر دون ركعة، يعني طهرت الحائض والشمس في مغيبها، قبل أن يسقط القرص، لكن ما يمكن تدرك ركعة في هذا الوقت، أو طهرت قبل أن تطلع الشمس بمقدار أقل من ركعة، أو أسلم الكافر، أو بلغ الصبي، أو أفاق المجنون هل تلزمهم هذه الصلوات؟ اختلف أهل العلم في إدراك الحائض والمجنون والمغمى عليه والكافر، المغمى عليه هل يأخذ حكم النائم أو حكم المجنون؟ هل يؤمر بقضاء ما فاته وقت الإغماء كالنائم أو لا يؤمر كالمجنون؟ أهل العلم يحددون الثلاثة الأيام؛ لفعل عمار -رضي الله عنه-، فإذا كان الإغماء ثلاثة أيام فأقل ألحق بالنائم فيقضي ما فاته، وإذا كان الإغماء أكثر من ثلاثة أيام فإنه يلحق حينئذٍ بمن ارتفع عقله بالجنون، فلا يؤمر حينئذٍ بالقضاء.
اختلفوا في إدراك الحائض والمجنون والمغمى عليه والكافر دون ركعة هل تجب عليه الصلاة أم لا؟ فقال الشافعي وروي عن مالك: لا تجب، عملاً بمفهوم الحديث؛ لأنه لا يصدق عليه أنه أدرك ركعة، والأصح عند الشافعية أنها تلزمه، وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه أدرك جزءاً من الوقت فاستوى قليله وكثيره، وإذا أدرك ركعة وجبت عليه الصلاة باتفاق.
سم.
أحسن الله إليك.
قال -رحمه الله تعالى-:(36/22)
باب: ما جاء في الجمع بين الصلاتين:
حدثنا هناد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: "جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر"، قال: فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: "أراد أن لا يحرج أمته".
وفي الباب عن أبي هريرة.
حديث ابن عباس قد روى عنه من غير وجه، رواه جابر بن زيد وسعيد بن جبير وعبد الله بن شقيق العقيلي، وقد روى عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- غير هذا.
حدثنا أبو سلمة -يحيى بن خلف البصري- قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من جمع الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر)).
وحنش هذا هو أبو على الرحبي، وهو حسين بن قيس، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه أحمد وغيره، والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرفة، ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض، وبه يقول أحمد وإسحاق.
وقال بعض أهل العلم: يجمع بين الصلاتين في المطر، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، ولم يرَ الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين.
يقول الإمام أبو عيسى -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في الجمع بين الصلاتين [في الحضر] " وهذه موجودة في أكثر النسخ، والجمع بين الصلاتين في السفر يأتي، أما المراد بالجمع هنا فهو في الحضر، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في جمعه بالمدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء.(36/23)
قال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا هناد -هو ابن السري- قال: حدثنا أبو معاوية" وهو محمد بن خازم الضرير "عن الأعمش -سليمان بن مهران- عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر" وفي رواية: "من غير خوف ولا سفر" يقول ابن حجر: "اعلم أنه لم يقع مجموعاً بين الثلاثة الخوف والمطر والسفر في شيء من كتب الحديث" إلا أنه يفهم من الرواية التي معنا أن فيها جمعاً بين الثلاثة، فقوله: "بالمدينة" يدل على أن الجمع لا للسفر، وقوله: "من غير خوف ولا مطر" يكون بذلك اجتمع الثلاثة، من غير سفر لأنه بالمدينة، من غير خوف ولا مطر للتنصيص عليهما، علماً بأنه جاء في بعض الروايات: "من غير خوف ولا سفر" وحقيقةً رواية: "ولا سفر" قد يكون ذكرها من باب التصريح بما هو مجرد توضيح، وإلا لا داعي لذكرها؛ لأن كونه بالمدينة يدل على أنه غير مسافر.
"فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ " لماذا جمع النبي -عليه الصلاة والسلام- مع عدم هذه الأعذار؟ والأصل أن الصلاة مؤقتة، مفروضة في أوقات لها أوائل وأواخر، الأوقات مشدد في مراعاتها فكيف يجمع؟ قال ابن عباس: "أراد أن لا يحرج أمته" لئلا يقع الحرج من أمته؛ لأن من الأمة من هو صاحب تحري، وحرص على إبراء ذمته، فقد يمسه الضر ولا يجمع، وقد يضطر إلى الجمع فيقع في نفسه من الحسرة ما يقع، لكن إذا سمع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع من غير هذه الأعذار، وأراد أن لا يحرج أمته أن لا يقع في نفس هذا المتحري المتثبت الحريص على إبراء ذمته شيء من الحسرة، إذا احتاج إلى الجمع لعذر، فنفي الحرج يدل على أن هذا الجمع لوجود حرج، يعني ليس جمعاً غير مبرر، ليس له عذر بالكلية، لا، له عذر لكن غير الأعذار المذكورة، له عذر ولولا هذا الجمع لوقع في الحرج، فدل على أن هناك عذراً غير مصرح به.(36/24)
جاء في بعض الروايات -على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى-، بل جاء في بعض الأحاديث الترخيص للمريض بالجمع، الترخيص للمستحاضة أن تجمع، كل هذا من أجل نفي الحرج، من لا يستطيع الطهارة ممن حدثه دائم لئلا يقع في الحرج، لكن هل يجمع جمعاً حقيقياً بأن يقدم الثانية إلى الأولى أو يؤخر الأولى إلى الثانية أو يجمع جمعاً صورياً بأن يؤخر الأولى إلى آخر وقتها ويقدم الثانية إلى أول وقتها كما جاء في بعض طرق هذا الحديث من القول بالجمع الصوري؟ وعلى ما سيأتي في الجمع بين الصلاتين في السفر حمل أبو حنيفة ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من الجمع على الجمع الصوري، وأنه لم يجمع جمعاً حقيقياً إلا في عرفة وفي مزدلفة، وأن الجمع للنسك لا للسفر، وكل هذا سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
أراد أن لا يحرج أمته -عليه الصلاة والسلام-، ففيه دليل على أن لهذا الجمع سبباً غير ما ذكر، يقتضي تركه الحرج على الأمة، ترك الجمع يقتضي الحرج على الأمة، لهذا العذر الذي جمع من أجله، علماً بأن الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- قال في علل الجامع في علل كتابه في آخره قال: "ليس في كتابي هذا مما أجمع أهل العلم على ترك العمل به إلا هذا الحديث، وحديث: قتل الشارب في المرة الرابعة، إذا شرب المرة الرابعة يقتل، نقل الاتفاق على عدم العمل بهما.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن أبي هريرة -أخرجه مسلم- قال أبو عيسى: حديث ابن عباس قد روى عنه من غير وجه، رواه جابر بن زيد" المعروف بأبي الشعثاء "وسعيد بن جبير وعبد الله بن شقيق العقيلي" ورواية أبي الشعثاء في البخاري ومسلم، ورواية سعيد بن جبير هي رواية الباب عند الترمذي، ورواية عبد الله بن شقيق عند مسلم أيضاً.(36/25)
"وقد روى عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- غير هذا" أي مما يخالف هذا الحديث، وهو قوله: "حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف البصري –صدوق- قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه -سليمان التيمي- عن حنش" وهذا لقب، واسمه: حسين بن قيس الرحبي، وكنيته أبو علي -على ما سيأتي في كلام الترمذي- لكنه متروك الحديث، ضعفه شديد "عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من جمع بين الصلاتين من غير عذر)) " كسفر ومرض ومطر، يعني مما جاءت به الأخبار ((فقد أتى باباً من أبواب الكبائر)) أولاً: الحديث ضعيف، بل شديد الضعف؛ لأن فيه حنش الرحبي هذا، وهو متروك الحديث، لكن {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [(103) سورة النساء] أي مفروضاً في أوقات محددة، جاء بيانها الإجمال جاء في الكتاب، والبيان جاء في السنة، فمن أخر صلاة عن وقتها فقد ارتكب عظيمة من عظائم الأمور، وكذلك من صلاها قبل وقتها فهي باطلة، والحديث وإن كان معناه صحيح من أخرج الصلاة عن وقتها أو قدمها عليها هذا أتى باب من كبائر الذنوب من العظائم وإن كان الخبر ضعيفاً.
تمسك به الحنفية على منع الجمع في السفر، والحديث ضعيف كما سمعنا، والجمع في السفر لعذر والحديث على فرض قبوله فيه هذا القيد من غير عذر، أما من جمع لعذر فقد ثبت الجمع عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في أسفاره في الصحيحين وغيرهما، على ما سيأتي، وأنه جمع حينما جد به السير، وجمع وهو نازل في تبوك.
"قال أبو عيسى: وحنش هذا هو أبو علي الرحبي وهو حسين بن قيس" فيكون اسمه: حسين، ولقبه: حنش، وكنيته: أبو علي، ونسبته: إلى الرحبة، الرحبي "وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أحمد وغيره" يقول البخاري: أحاديثه منكرة، ويقول العقيلي في حديثه: ((من جمع بين الصلاتين فقد أتى باباً من الكبائر)) يعني حديث الباب لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به، ولا أصل له، ضعفه أحمد وغيره، فالحديث ضعيف جداً، ولذا قال بعضهم: إن هذا الحديث لا أصل له.
"والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرفة" السفر هذا قول الجمهور، وبعرفة قول أبي حنيفة.(36/26)
"ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض، وبه يقول أحمد وإسحاق" وقال عطاء: يجمع المريض بين المغرب والعشاء، كذا في صحيح البخاري معلقاً؛ لأنه قد يحتاج إلى النوم فلا يستطيع انتظار صلاة العشاء، فلا مانع من أن يجمع بينهما، وقد يضطره المرض إلى النوم قبل صلاة العشاء أو قبل صلاة المغرب فيؤخرها إلى صلاة العشاء، وهو معذور في هذا، والمشهور عند الإمام الشافعي أن المريض لا يجمع بين الصلاتين.
"وقال بعض أهل العلم: يجمع بين الصلاتين في المطر، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق" والمشهور من مذهب مالك إثباته في المغرب والعشاء، وهو المشهور أيضاً عند الحنابلة أن الجمع بسبب المطر إنما هو بين المغرب والعشاء لا بين العصر والظهر، مع أن الصحيح والمرجح أنه كما يجمع بين المغرب والعشاء يجمع بين العصر مع الظهر، كما في حديث الباب أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بين الظهر والعصر وجمع بين المغرب والعشاء.
"ولم يرَ الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين" وصح الجمع للمستحاضة، والاستحاضة نوع مرض، وبسط ابن القيم -رحمه الله تعالى- في إعلام الموقعين جواز الجمع بين الصلاتين لأهل الأعذار.
يقول الشيخ أحمد شاكر تعليقاً على قوله: ولم يرَ الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين، يقول: حكى الترمذي الأقوال هنا وقال في آخر كتابه في أول العلل: "جميع ما في هذا الكتاب من الحديث فهو معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين، حديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بين الظهر والعصر في المدينة والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر ولا مطر -من مجموع الروايات وإلا لم يثبت الجمع بين الألفاظ الثلاثة كما قال ابن حجر- وحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه)) وقد بينا علة الحديثين جميعاً في الكتاب، وهو هنا لم يبين علة لحديث ابن عباس، بل ذكر حديثاً يعارضه من طريق حنش، وضعفه من أجله، وإنما احتج بالعمل فقط، ونقل أقوال الفقهاء.(36/27)
وقد رد النووي على الترمذي في شرح مسلم فقال: وهذا الذي قاله الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قال، فهو حديث منسوخ، يقول: بينا علته في الكتاب، في العلل يقول: بينا علته في الكتاب يعني الجامع، وعلته النسخ، ولذا في كتب المصطلح يقولون: إن الترمذي سمى النسخ علة، في هذا الموضع سمى النسخ علة، ولا شك أنه وإن كان ليس بعلة بالنسبة لثبوت الخبر بل هو علة بالنسبة للعمل به، الخبر صحيح ثابت، المنسوخ صحيح لكن العلة منعت من العمل به، ولم تمنع من ثبوته.
يقول: وهذا الذي قاله الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قال، فهو حديث منسوخ، دل الإجماع على نسخه، هذا الإجماع الذي ذكره النووي في شرح مسلم متعقب، بل يرى بعضهم أنه محكم، وأن المدمن حده القتل، المدمن يقتل، مدمن الخمر بهذا الحديث، وعمل به بعض العلماء، والجمهور على عدم العمل به؛ لأنه منسوخ.
وشيخ الإسلام وابن القيم يرون أنه ليس بمنسوخ وليس بحد، وإنما هو من باب التعزير، فللإمام أن يقتل المدمن إذا رأى أن الحد لم يردع شارب الخمر، كما فعل عمر -رضي الله عنه-، كان الحد أربعين، فزاده إلى ثمانين من باب التعزير، ويختلفون في الحد هل هو الثمانين أو الأربعين وزيادة تعزير؟ وكل هذا يتبع انتشار هذه الجريمة وهذه المعصية، وهذه الكبيرة من كبائر الذنوب في مجتمع ومع ... أو قلتها، يعني إذا كان الشراب قليل، أو الشارب شرب مرة أو مرتين أو هفوة أو زلة أو زلتين، تختلف معاملته عما إذا كان مدمناً، أو كان هذا المنكر شائع في بلد من البلدان، والحد الأصلي لا يمنع من ارتكابه، فللإمام أن يعزر بما هو فوق ذلك، كما فعل عمر -رضي الله عنه-.
قال: وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به، بل لهم أقوال، منهم من تأوله على أنه جمع بعذر المطر، وهذا مشهور عن جماعة من كبار المتقدمين، وهو ضعيف، لماذا؟ لأن المطر منصوص على نفيه، هو ضعيف بالرواية الأخرى: "من غير خوف ولا مطر" ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم، وبان أن وقت العصر قد دخل فصلاها وهذا أيضاً باطل؛ لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فلا احتمال فيه بالنسبة للمغرب والعشاء.(36/28)
في غيم ما ترى الشمس صلوا الظهر لما انكشف الغيم رأوا أن وقت العصر قد دخل فصلوا العصر بعد صلاة الظهر مباشرة بسبب الغيم، قال: هذا ضعيف، لماذا؟ لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فإنه لا احتمال فيه في المغرب والعشاء، لكن لو قيل بمثله في المغرب والعشاء في غيم، أخروا صلاة المغرب هذا على سبيل التنزل، فلما انكشف الغيم بان أن الشفق قد غاب، صلوا العشاء، هذا الاحتمال أدنى من حيلولة الغيم دون الشمس من احتمال حيلولة الغيم دون الشفق، لماذا؟ لأن الغيم مهما كثف فإنه لا يجعل النهار مثل الليل، نعم قد يغيب الشمس، ويختلط وقت الظهر مع وقت العصر، لكن لا يمكن أن يختلط بسبب الغيم وقت العصر عن وقت المغرب.
قال: ومنهم من تأوله على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاها فيه، فلما فرغ منها دخلت الثانية فصلاها فصارت صلاته صورة جمع، وهذا أيضاً ضعيف أو باطل؛ لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل، وفعل ابن عباس أنه لما صلى العصر جلس يتكلم في مسائل من العلم حتى غابت الشمس، حتى غاب الشفق وهو لم يصلِ المغرب فأورد الحديث مستدلاً به؛ لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل، وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب واستدلاله بالحديث لتصويب فعله وتصديق أبي هريرة له، وعدم إنكاره صريح في رد هذا التأويل.
ومنهم من قال: هو محمول على الجمع بعذر المرض، أو نحوه فيما في معناه من الأعذار، وهذا قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا، واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا، وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث، ولفعل ابن عباس وموافقة أبي هريرة له.
طيب بعذر المرض، يعني إذا تصورنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بعذر المرض فهل الجماعة الذين صلوا خلفه كلهم مرضى؟ نعم؟ ما يلزم، إذاً هذا الجمع أيضاً ضعيف.
وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: "أراد أن لا يحرج أمته" فلم يعلله بمرض ولا غيره.(36/29)
الآن في بعض الأوقات أهل مكة في أوقات المواسم يركب السيارة قبل صلاة المغرب ولا يتسنى له النزول منها إلا بعد دخول وقت العشاء، أو يركب قبل صلاة الظهر ولا يتيسر له النزول منها إلا بعد دخول وقت صلاة العصر، ومثل هذا في البلدان المزدحمة، أحياناً بعض المشاوير في الرياض تأخذ ساعتين ثلاث، لا يستطيع أن ينزل من سيارته بين الزحام في السيارات، ولا يستطيع أن يؤدي الصلاة على وجه ناقص وهو حاضر، وهي فريضة لا تفعل على الراحلة، وإنما الذي يفعل على الراحلة النافلة فيضطر إلى الجمع، إلى تأخير الصلاة الأولى إلى وقت الثانية، وهنا لو قلنا له: صلِ كل صلاة في وقتها للزم على ذلك الحرج الشديد؛ لأن بعض الناس يمكن يقول: أنا اطفي السيارة وأنزل يصير اللي يصير، الصلاة رأس المال، تسحب السيارة، يصنعون ما شاءوا، غرامات ما أدري إيش؟ سجن، يصير ما يصير، الصلاة رأس المال، لكنه حرج شديد هذا، حرج لك وحرج لغيرك، يعني إيقاف السيارة في طريق مزدحم يضاعف الازدحام مرات، وما سبب هذه الازدحامات إلا بسبب وقوف السيارات بحوادث أو غيرها، وإلا لو كانت السيارات سالكة ما صار ازدحام، على كل حال مثل هذا الحرج قد يكون مبرراً للجمع إذا كان من غير طوعه ولا اختياره، ولم يتحرَ الخروج في هذا الوقت، لكن خرج في هذا الوقت ما حسب له حساب، أو وجد حادث في طريقه ما استطاع أن يعبر، أو يروح يمين وشمال ليؤدي الصلاة حينئذٍ يجمع بين الصلاتين رفعاً للحرج.
وكلام الخطابي في المعالم نصه: "هذا حديث لا يقول به أكثر الفقهاء، وإسناده جيد، إنما تكلموا فيه من أمر حبيب، وكان ابن المنذر يقول به، ويحكيه عن غير واحد من أصحاب الحديث، وسمعت أبا بكر القفال يحكيه عن أبي إسحاق المروزي عن ابن المنذر، ولا معنى لحمل الأمر فيه على عذر من الأعذار؛ لأن ابن عباس أخبر بالعلة، وهي قوله: "أراد أن لا تحرج أمته" أو "أراد أن لا يحرج أمته" واللفظ مروي على الوجهين، وعلى كل حال نفيه للحرج يدل على وجود حرج لولا هذا الجمع، فالجمع بعذر، وأما الجمع من غير عذر فلم يقل به أحد من أهل العلم.(36/30)
وحكى عن ابن سيرين أنه كان لا يرى بأساً من الجمع بين الصلاتين إذا كانت حاجة أو شيء ما لم يتخذه عادة، وهذا هو الصحيح الذي يؤخذ من الأحاديث، وأما التأويل بالمرض أو العذر أو غيره فإنه تكلف لا دليل عليه، وفي الأخذ بهذا رفع كثير من الحرج عن أناس قد تضطرهم أعمالهم أو ظروف قاهرة للجمع بين الصلاتين، ويتأثمون من ذلك ويتحرجون، ففي هذا ترفيه لهم، وإعانة لهم على الطاعة، ما لم يتخذ عادة كما قال ابن سيرين.
وعلى كل حال على الإنسان أن يهتم بدينه، وأن يحتاط لصلاته، وأن يراقب الله -جل وعلا- فيها، وأن لا يخرجها عن وقتها، وأن لا يفعلها قبل وقتها إلا لحرج متحقق، بعض الناس إذا كان بيده أدنى عمل يمكن تأجيله قال: الدين يسر، وأراد أن لا يحرج أمته، وجمع بالمدينة من غير كذا وكذا، ويتعذر بمثل هذه الأعذار، بل وجد من يبرر الجمع بين الصلاتين وتأخير الصلاة الأولى إلى وقت الثانية لأن المحاضرة امتدت في الجامعة إلى وقت الثانية، والطالب لا يستطيع الحضور، والمعلم يتذرع بمثل هذه الأعذار، وهي في الحقيقة ليست بأعذار، هذه ليست بأعذار، ما المانع أن تقطع المحاضرة من بداية الأذان إلى أداء الصلاة؟ والعلم لا خير فيه إذا لم يكن عوناً على الدين، العلم لا خير فيه وليس بعلم إذا صد عن الدين، والله المستعان.
يقول: عندي زكاة أريد أن أجعلها في الأقارب.
يا إخوان درس الغد -إن شاء الله تعالى- الآن وقفنا على كتاب الأذان، باب: ما جاء في بدء الأذان، وذكرنا بالأمس أننا لا نستطيع أن نأخذ منه شيء، يعني يمكن فصله عن بقية الكتاب، أبواب الأذان طويلة، وفيها خمسة وعشرون حديثاً، فنأخذها متتابعة، ويكون درس الغد خاص بتنقيح الأنظار.
هذا يقول: عندي زكاة أريد أن أجعلها في الأقارب، لكن في البيت من تجب له النفقة كالوالدين والأخوات، ومن لا تجب له كالأخ وأولاده فكيف أفعل؟
ادفعها لأخيك وأولاده ما دامت لا تجب عليك نفقته، وإذا أكل منها الوالد أو الوالدة أو من لا تصح ولا تجوز له الزكاة فإنها لأخيك صدقة، ولبقيتهم هدية، كما تصدق على بريرة فأكل منها النبي -عليه الصلاة والسلام- وهي لا تحل له الصدقة، فقال: ((هي لها صدقة ولنا هدية)) والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
طالب: وأنا أصلي جيت والإمام يرفع وهو يرفع وأنا أسجد ....
وأنت تركع، هو يرفع وأنت تركع؟ ما أدركت الصلاة، ما أدركت.
طالب: ما أدركت ....(36/31)