((الدُّعَاء مُخُّ العبِادَةَ)) (1) ، فقَلْبُه - صلى الله عليه وسلم - مستغرقٌ بمعرفة الواعدِ (2) ؛ وإنجازِ الموعودِْ، ولسانُه وجوارحُه مستغرقةٌ بالقيامِ بحقِّ عبادةِ (3) المعبودِْ؛ فقام في كلٌ جارحةِ بوظيفتِها، ولكلِّ عبادةٍ بحقيقتهِا (4) . %(1/276)%
وسقوطُ ردائِه - صلى الله عليه وسلم - عن مَنِكبيَهِ (5) أوجبَه غيبتُه عن ظاهرِه بما (6) وجَده في باطنِهِ. وردُّ أبي بكرٍ - رضي الله عنه - رداءَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - على مَنكبيه بعدَ سقوطهِ، أوجبَه مراعاةُ أبي بكرٍ – رضي الله عنه - أحوالَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حتَّى تتحفظَ (7) عليه (8) محاسنُ آدابِه. والتزامُه إيَّاه (9) ، وتثبيتهُ (10) له بما قاله له، أوجبه فرطُ محبتِه وشفقتِه (11) ، وقَصْرُ نظرِه على ظاهرِه، مع ذُهوله بما (12) استغرقه من ذلك عن الالتفاتِ إلى ما ذكرناه من المعاني والأسرار التي لاحت للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في باطنِه.
ولا يظنُّ أحدٌ أنَّ أبا بكرٍ – رضي الله عنه - كان في تلك الحالةِ أقوى من النبيِّ (13) - صلى الله عليه وسلم - وأوثقُ بما وعدهَ الله (14) به من النصرِ؛ فإن ذلك ظنُّ مَنْ لم (15) يعرفْ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - حقَّ معرفتِه، ولا قَدَّرَه حقَّ قدرِه. وكيف يصيرُ (16) إلى غيرِ (17) هذا المعنَى، مَنْ سمع قولَه له (18) في الغارِ ويومَ سراقةَ: {لا تحزن إن الله معنا} (19) ، وكيف يظنُّ ذلك مَنْ يعلمُ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سيدُ ولدِ آدْم (20) ، وأكملُهم وأقواهم، ولو وُزن بجميعِ أمتِه لرَجَحَهم (21) ، وبلا شكِّ أن الأنبياءَ أفضلُ النَّاسِ، وأعلمُهم باللهِ وبحدودِه، ولا شكَّ في (22) أنه - صلى الله عليه وسلم - أفضلُ الأنبياءِ وأكملُهم (23) . وإذا كانت هذه حالُه - صلى الله عليه وسلم - مع =(2/575)=@ الأنبياءِ – عليهم السلام -، فحالهُ مع من ليس بنبيٍّ أعلى وأكملُ، وهو فيها أقوى.
وكيف لا يكونُ في هذه القصةِ حالُه (24) وحدثني أتمَّ وأقوى من حالِ أبي بكرٍ؛ وقبل ذلك الوقتِ (25) بيسيرٍ كان قد أَخبر أصحابَه: بأنَّ الله يَنصرُه على عدوِّه ذلك، حتى (26) أَراهم مصارعَهُم (27) واحدًا واحدًا باسمِه وعينهِ؛ فكان الأمرُ كما ذَكر؛ فثبت (28) ما قلناه. &(3/455)&$
__________
(1) أخرجه الترمذي (5/425-426 رقم3371) في الدعوات، باب ما جاء في فضل الدعاء، عن علي بن حجر، عن الوليد بن مسلم، عن ابن لهيعة، عن عبيدالله بن أبي جعفر، عن أبان بن صالح، عن أنس بن مالك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الدعاء مخ العبادة)). قال الترمذي: ((هذا حديث غريب من هذا الوجه، لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة)).
وقال الألباني في تعليقه على "المشكاة" (2/693 رقم2231): ((إسناده ضعيف، فيه ابن لهيعة، وهو سيِّء الحفظ)).
قلت: الحديث صحيح بلفظ: ((الدعاء هو العبادة ))؛ أخرجه الطيالسي (838)، وابن المبارك في "الزهد" (1298)، وأحمد (18437)، والبخاري في "الأدب المفرد" (714)، وأبو داود (1479)، والطبراني في "الدعاء" (2) من طريق شعبة، عن منصور بن المعتمر، عن ذر بن عبدالله المرهبي، عن يسيع الكندي، عن النعمان بن بشير، به، مرفوعًا. وإسناده صحيح رجاله ثقات .
(2) قوله: ((بمعرفة الواعد)) في (ح): ((بمعرفة المواعد))، وفي (ي): ((بمعرفته المواعيد)).
(3) في (ي): ((العبادة)).
(4) وقال القاضي في "الإكمال" (6/95): ومناشدة النبي ? ليراه أصحابه بتلك الحال؛ فتقوى قلوبهم بدعائه وتضرعه. وقد كان وعده الله تعالى إحدى الطائفتين أنها له، وعلم فوات الواحدة، وقد كان على ثقة من ربه في ذلك، ولم يشك فيما وعده حتى يثبته أبو بكر – رضي الله عنه -.
(5) في (ي): ((منكبه)).
(6) في (ح): ((مما)).
(7) في (م): ((تنحفظ)).
(8) تقرأ في (ح): ((عليهم)).
(9) قوله: ((إياه)) سقط من (ح).
(10) في (ح) و(ي): ((وتنبيه)).
(11) قال القاضي: لم شك النبي ? فيما وعده الله حتى يثبته أبو بكر – رضي الله عنه – بقوله هذا؛ فقوة يقين البني ? فوق قوة أبي بكر بغير مرية، ولهذا أمسك ?، لما قال له أبو بكر ما قال؛ إذ ظهر من قوة يقينة (أي: أبي بكر) وطمأنينة نفسه وما علّمه الله تعالى به جواب دعائه. ونقل الأبي عن ثابت السرقسطي قوله في "الدلائل" بأن ذلك لم يكن من أبي بكر تثبيتًا، وإنما كانت رقة وشفقة لما رأى من تعبه وتضرعه في الدعاء؛ فالمعنى: لم أتعبت نفسك هذا التعب والله قد وعدك بالنصر. وكان أبو بكر رقيق القلب. "الإكمال" (6/95)، و "شرح الأبي" (5/85- 86)، وانظر: "أعلام الحديث" للخطابي (3/1702 – 1703)، و "فتح الباري" (7/289).
(12) كذا في (أ)، وفي سائر النسخ: ((عما)).
(13) في (ب) و(م): ((رسول الله)).
(14) قوله: ((بما وعده الله به)) في (ح): ((بما عند الله به))، وفي (ي): ((بما وعد الله به)).
(15) كذا في (أ) فقط، وفي سائر النسخ: ((لا)).
(16) في (م): ((تصير)).
(17) ((غير)) سقط من (ح) و(ي). ومؤدى العبارة واحد، مع اختلاف المراد بقوله: ((هذا المعنى)) في حالة إثباتها عنه في حالة حذفها.
(18) قوله: ((له)) سقط من (أ) و(ح) و(ي).
(19) سورة التوبة؛ الآية: 40 .
(20) سيأتي في النبوات، باب كونه مختارًا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة.
(21) رُوي من حديث جماعة من الصحابة :
1 – من حديث أبو ذر: أخرجه الدارمي (1/9) في المقدمة، باب كيف كان أول شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والطبري في "تاريخه" (2/390)؛ كلاهما من طريق الطيالسي، عن جعفر بن عبدالله بن عثمان القرشي، عن عمر بن عروة بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله! كيف علمت أنك نبي حين استنبئت؟ فقال: ((يا أبا ذر! أتاني ملكان وأنا ببعض بطحاء مكة، فوقع أحدهما على الأرض، وكان الآخر بين السماء والأرض، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: نعم. قال: فزنه برجل، فوزنت به فوزنته، ثم قال: فزنه بعشرة، فوزنت بهم فرجحتهم، ثم قال: زنه بمائة، فوزنت بهم فرجحتهم، ثم قال: زنه بألف، فوزنت بهم فرجحتهم، كأني أنظر إليهم ينثرون علي من كفة الميزان، قال: فقال أحدهما لصاحبه: لو وزنته بأمته لرجحها)).
جعفر بن عبدالله بن عثمان: وثقه أبو حاتم؛ كما في "الجرح والتعديل" (2/482-483 رقم1963).
وعمر بن عروة: هو عمر بن عبدالله بن عروة، روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/166)، وبيض له البخاري في "تاريخه" (6/167 رقم2056)، وابن أبي حاتم؛ كما في "الجرح والتعديل" (6/117 رقم634)، وفي "التقريب" (ص722 رقم4965): ((مقبول)).
2 – ومن حديث ابن عمر: أخرجه أحمد (2/76)، وعبد بن حميد (ص267-268 رقم850)، وعبدالله بن أحمد في "زوائده على فضائل الصحابة" (1/206-207 رقم228).
ثلاثتهم عن أبي داود الحفري، عن بدر بن عثمان، عن عبيدالله بن مروان، عن أبي عائشة، عن عبدالله بن عمر، فذكره بمعناه .
وفي سنده: عبيدالله بن مروان، لم يرو عنه غير بدر بن عثمان، وذكره البخاري في "تاريخه" (5/400 رقم1290)، وابن أبي حاتم (5/334 رقم1580) وسكت عنه، وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/151).
وأبو عائشة: ترجمه البخاري في "الكنى" (8/60) وقال: وكان رجل صدق .
3 - ومن حديث خالد بن معدان: أخرجه ابن هشام في "السيرة" (1/166) قال: قال ابن إسحاق، وحدثني ثور بن يزيدة عن بعض أهل العلم ولا أحسبه إلا عن خالد بن معدان الكلاعي: أن نفرًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله! أخبرنا عن نفسك؟ ... الحديث .
وهو عند الطبري في "تفسيره" (3/82 رقم2070) مختصرًا .
قال الشيخ أحمد شاكر: ((وهذا الإسناد مرسل؛ لأن خالد بن معدان لم يذكر أنه عن أحد من الصحابة ...، ولكنه ثبت موصولاً، من رواية ابن إسحاق أيضًا، فرواه الحاكم في "المستدرك" (2/600) من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثني ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أنهم قالوا: يا رسول الله! أخبرنا عن نفسك؟ ... فذكر الحديث مختصرًا .اهـ.
وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي .
وقال الألباني في "الصحيحة" (4/59-60 رقم1545): ((وهذا إسناد جيد قوي)).
4 – ومن حديث سفينة: أخرجه البزار (2/223 رقم1567/كشف)، والحاكم (3/71)؛ كلاهما من طريق مؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة مولى أم سلمة رضي الله عنها ..، فذكرته بمعناه .
قال الهيثمي في "المجمع" (5/325): ((رواه البزار، وفيه مؤمل بن إسماعيل؛ وثقه ابن معين وابن حبان، وضعفه البخاري وغيره، وبقية رجاله ثقات)).
ومؤمل هذا، قال عنه الحافظ في "التقريب" (ص987 رقم7078): ((صدوق سيء الحفظ)).
(22) قوله: ((في)) سقط من (ح) و(ي).
(23) في (أ): ((وأجلهم)).
(24) قوله: ((في هذه القصة حاله)) في (ز): ((حاله في هذه القصة)).
(25) قوله: ((الوقت)) سقط من (ح).
(26) قوله: ((عدوه ذلك حتى)) في (ح): ((عدوه وذلك حيث))، وفي (ي): ((عدوه وذلك وذلك حيث)).
(27) سيأتي في باب محاصرة العدو وجواز ضرب الأسير، وطرف من غزوة الطائف .
(28) في (م): ((فتبت)).(3/455)
وقوله: ((كفاك مناشدتك ربك)) هكذا روايةُ العُذْريِّ :((كفاك)) بالفاءِ، وروايةُ الكافةِ: ((كَذَاكَ (1) مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ)). ورواه (2) البخاريُّ: ((حَسْبُكَ)) (3) . وكلُّها متقاربةٌ، إلا أن: ((كَذَاك))، بابُها بابُ الإغراءِ، كـ((إليك)) (4) ؛ كما أنشدوا:
يَقُلْن (5) وَقَدْ تَلَاحَقَتِ الْمَطَايَا ... كَذَاكَ الْقَوْلَ إِنَّ عَلَيْكَ عَيْنَا (6)
%(1/277)%
والروايةُ: ((مناشدتُك)) بالرفعِ على أنه (7) فاعلٌ بما (8) في ((كفاك))، و((كذاك)) (9) من معنى الفعلِ. وقد ضبط عن (10) أبي بحرٍ بالنصبِ على المفعولِ، ويكونُ الفاعلُ مضمرًا في الأمرِ المقدَّرِ الذي ناب (11) ((كذاك (12) )) عنه.
وقوله تعالى: {إذ تستغيثون ربكم} (13) ؛ أي: تَطلبون منه الغَوْثَ، وهو النصرُ. {فاستجاب لكم (14) }؛ أي: أجاب.{ممدُّكم (15) }: مُقَوِّيكم (16) ومعينكم. {مُرْدَفين} بفتحِ الدالِ (17) : اسمُ مفعولٍ؛ أي: أَرْدف اللهُ بهم المسلمين. وبكسرِ الذالَّ: اسمُ فاعلٍ؛ قال أَبو عليِّ: يحتملُ وجهين:
أحدُهما: مردِفين مثلَهم؛ يقال: أردفتُ زيدًا دابَّتي؛ فيكونُ المفعولُ الثَّاني محذوفًا. =(3/576)=@
والثاني: أن يكونَ المعنى: جاءوا بعدَكم؛ تقولُ العربُ: بنو فلانٍ مُردِفونا؛ أي: يجيئون بعدنا (18) .
{من فورِهم (19) }: وَجْهِهم (20) وحِينهم. و{مسوَّمين}- بفتحِ الواو -: اسمُ مفعولٍ؛ أي: معلمين، من السِّيما (21) ، وهي العَلَامةُ؛ أي: قد عُلِّموا بعلامةٍ. وبكسرِ الواوِ: اسمُ فاعلٍ؛ أي: عَلَّموا أذنابَ خيلِهم بصوفٍ أبيضَ، وقيل: أنفسَهم بعمائمَ صَفُرٍ. %(1/278)%
وقوله: ((اقْدُمْ حَيْزُومُ))؛ ضُبِطَ عن أبي بحرٍ بضمِّ الذالِ من: ((اقْدُم))؛ فيكونُ من القُدومِ، بمعنى (22) التقدُّمِ؛ كقولِه تعالى في فرعون:َ {يقدم قومه يوم القيامة} (23) ؛ أي: يَتَقَدمهم إلى النارِ. وقالَه ابنُ دريدٍ بقطعِ الألفِ، وكسرِ الدالِ؛ من &(3/456)&$
__________
(1) في (ب): ((كذلك)). ...
(2) في (أ): ((رواه)) بلا واو.
(3) "صحيح البخاري" (6/99 رقم2915) في الجهاد، باب ما قيل في درع النبي - صلى الله عليه وسلم - والقميص في الحرب، و(7/287 رقم3953) في المغازي، باب قول الله تعالى: { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم...}، و(8/619 رقم4875 و4877) في التفسير باب قوله: {سيهزم الجمع ويولون الدبر}، وباب قوله: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر}.
(4) قوله: ((كإليك)) لم يتضح في (ز).
(5) في (ب) و(م): ((فقلن)).
(6) البيت من بحر الوافر، وهو لجرير بن عطية بن حذيفة الخطفي، الشاعر الأموي، من قصيدة يهجو فيها الفرزدق والبعيث، مطلعها:
عفا قَوٍّ وكان لنا مَحلاً ... إلى جَوَّيْ صلاصلَ من لُبَيْنَى
ألا نادِ ا لظعائن لو لَوَيْنا ... ولولا من يراقب ارْعوينَا
يقلن وقد.
ألم ترني بذلتُ لهن وُدي ... وكذَّبتُ الوشاةَ فما جزينَا
إذا ما قلتُ حان لنا التقاضي ... بَخِلْنَ بعاجلٍ ووَعَدْنَ دينَا
وهذه رواية الديوان، ويروى في عبض المصادر: ((فقلن))، ((أقول))، ((فقلت))، ويروى: ((ترامحت المطايا))، ويروى: ((كفاك القول))، و((كذاك الصوت)).
والشاهد في قوله: ((كذاك)) بمعنى: كُفَّ، أو حَسْبُكَ. وقد ترد بمعنى الإغراء بالشيء؛ قال ابن الأثير: وقيل: حقيقة ((كذاك)) أي: مثل ذاك، ومعناه: الزم ما أنت عليه ولا تتجاوزه. ورواية الديوان: ((يقلن...)) والضمير للظعائن، ترجح معنى الكف والإحساب في البيت، كما ترجحه في الحديث الرواياتُ الأخرى: ((كفاك مناشدتك ربك))، و((حسبك مناشدتك ربك))، و((بعض مناشدتك ربك)).
وذكر القاضي عياض عن بعض العلماء أنها تكون بمعنى ((دون)) في غير الحديث، قال: ويصح هنا أيضًا؛ أي: دون هذا الإلحاح في الدعاء والمناشدة وأقل منه يكفيك. قال ثابت السرقسطي في الدلائل (1/366): بعض الناس يتوهم قول أبي بكر: "كذاك مناشدتك ربك" على الإغراء؛ أي: كن في دعائك، وأنشد قول الأعشى:
كذاك فافعل ما حييت إليهمُ ... واقدم إذا ما أعين الناس تزرق
وتفسيره والله اعلم أن ((كذاك)) يكون في بعض المواضع بمنزلة الكف والإحساب؛ كقولك: حسبك، وهذا من مواضعه؛ لأنه أوى لرسول الله من نصب القيام وطول الدعاء؛ ومما يبين ذلك أنه جاء في غير هذه الرواية قالك ((بعض مناشدتك ربك))؛ قال جرير:
يقلن........................... ... كذاك صوت................
انتهى كلام "الدلائل". وفي "تاج العروس": وقد تكلم ابن مالك على استعمالها (أي: لفظة كذا) مفردة ومركبة ومتعاطفة وبسط فيه... قال: ومن غرائب ((كذا)) أنها تلحقها الكاف فيقال: ((كذاك)) وتكون اسم فعل بمعنى: دع واترك؛ فتنصب مفعولاً؛ قال جرير:
يقلن........................... ... كذاك القول................
أي: دع القول. وهي مركبة من كاف التشبيه واسم الإشارة وكاف الخطاب، وزال معناه التركيبي وضمنت معنى ((دع)).اهـ.
والبيت لجرير في "ديوانه" (ص353)، و "العين" (8/195)، و "الدلائل" (1/366)، و "لسان العرب" (10/327)، و "تاج العروس" (20/394)، و "الروض الأنف" (3/68- 69)، وبلا نسبة في "الخصائص" (3/37)، و "المشارق" (1/1/338)، و "تاج العروس" (13/425)، و "الفتح" (7/289). وانظر: "غريب الحديث" لابن قتيبة (2/38)، و "مشارق الأنوار" (2/356)، و "النهاية" (4/160- 161)، و "شرح النووي" (12/85).
(7) قوله: ((على أنه)) في ((ز)): ((على أنه)).
(8) في (ح) و(ي): ((ما)).
(9) في (ز): ((كذلك)).
(10) في (ح): ((على)).
(11) في (أ): ((تاب)).
(12) سقط من (ي).
(13) سورة الأنفال؛ الآية: 9.
(14) قوله: ((لكم)) سقط من (أ) و(ز).
(15) تقرأ في (ح): ((مملكم)).
(16) قوله: ((مقويكم)) سقط من (ح) وتقرأ في (ز): ((مقربكم)).
(17) وهي قراءة نافع وأبو جعفر ويعقوب والباقون بسكر الدال.
(18) الحجة لأبي علي (4/124). وقرأ بفتح الدال نافع وأبو جعفر ؟؟؟، ويعقوب الحضرمي، وقرأ الباقون بكسرها. وانظر: "السبعة" (ص304)، "النشر" (2/207).
(19) جزء من الآية (125) من سور آل عمران، والتي فيها ((مردفين)) في سورة الأنفال، ولم يذكر مسلم في "صحيحه" آيات آل عمران، وهي قوله تعالى: {إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين}. وقرأ ((مسومين)) بكسر الواو ابن كثير، وأبو عمرو ويعقوب وعاصم، والباقون بفتحها. وانظر: "السبعة" (ص216)، و "النشر" (2/182)، و "الحجة" (3/76- 77).
(20) في (ب): ((ووجههم))، وفي (ح) (ي): ((وجهتهم)). وفي (م): ((ووجهم)).
(21) في (م): ((السما)). و((السيما)) مقصورة، والسيماء، والسِّيمِياء)) ممدودان: العلامة. "الصحاح" (5/1956)، "المقصور والممدود" لأبي علي (ص95، 457).
(22) قوله: ((القدوم بمعنى)) سقط من (أ).
(23) سورة هود؛ الآية: 98.(3/456)
الإقدامِ (1) .
وعندَ الجمهورِ: ((حيزومُ)) بالميمِ (2) ، وهو اسمُ مَلَكٍ. وفي روايةِ العذريِّ: ((حَيْزُونُ)) بالنونِ والأول المعروفُ (3) .
و((خُطِمَ أَنفُه))؛ أي: أَثَّر فيه أثرًا كالخطامِ، وهو الزِّمامُ، إلا أنَّه أرقُّ منه، والخطم والخُرطومُ: الأَنفُ (4) .
وقوله: ((ذلك من مدد السماء الثالثة))؛ أي: من ملائكةِ السَّماءِ الثالثةِ التي أُمدُّوا بهم. وهذا يدلُّ على أنهم كانوا (5) أُمِدُّوا بملائكةٍ من كلِّ سماءٍ. ويدلُّ هذا الخبرُ على أن الملائكةَ قاتلت يومئذٍ، وهو قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ (6) . =(3/577)=@
وقوله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: ((ما ترون في هؤلاء الأسارى))؛ يدلُّ على أنَّه - صلى الله عليه وسلم - ما كان أُوحي إليه في أمرِهم بشيءٍ (7) ، فاستشارهم لينظروا في ذلك بالنظرِ الأصلحِ، فاختلف نظرُ أبي بكرٍ وعمرَ – رضي اله عنهما-. فمال أبو بكرٍ – رضي الله عنه - إلى الإبقاءِ؛ طمعًا في إسلامِهم، وإلى الفداءِ؛ ليكونَ ذلك قوةً عليهم. ومال عمرُ – رضي الله عنه - إلى القتلِ؛ محْقًا %(1/279)% للكفر، وقصاصًا منهم، وردعًا لأهله. فمال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ما قال أبو بكر، على مقتضى رأفتِه ورحمتِه بالمؤمنين؛ ليتقوَّوْا على عدوِّهم، وعلى مقتضى حِرصِه على إيمانِ من أُسر منهم (8) .
وكلٌّ من النظرينِ له أصولٌ تشهد (9) بصحتِه، بل نقولُ: إن نظرَ أبي بكرٍ تشهدُ لصحتِه قضيةُ سرية ِعبدِ الله بنِ جَحْشٍ (10) ، وكانت قبلَ بدرٍ (11) بنحوِ ثلاثةِ أشهرٍ، قُتل فيها ابنُ الحضرميِّ، وأُسر عثمانُ بنُ عُبدِاللهِ، والحَكَمُ بنُ كَيْسَانٍ، وأَخذوا عِيرهَم (12) ، وقَدِموا على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَقِبَلَ (13) فداءَ الأسيرين. ولما عظم على الناسِ قتلُ ابنِ الحضرميِّ في الشهرِ الحرامِ، سألوا النبيَّ (14) - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فأنزل الله تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه (15) } (16) ، الآيةَ، وسوَّغ الله لهم الفداءَ؛ فكان ذلك (17) دليلاً (18) على صحةِ ما اختاره أبوبكرٍ – رضي الله عنه -، ولذلك (19) مال إليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهَوِيَه (20) .
وعندَ هذا (21) يُشْكِلُ مَا جَاء في آخرِ هذا الحديثِ من عَتْبِ الله تعالى لنبيِّه &(3/457)&$
__________
(1) قال القاضي عياض: ((وقوله: ((اُقْدمُ جيزوم)) كذا ضبطناه عن أبي بحر فيك تاب مسم وفي السير؛ بضم الدال من التقدم؛ يقال: ((قدَم القومَ)) – بالفتح في الماضي -: إذا تقدمهم. وضبطناه عن القاضي التميمي.فيها ((أقدِم)) وكذا قيده عن أبي مروان بن سراج، وكذا قيدته أنا عن ابنه أبي الحسين شيخنا: ((أُقِدم)) وكذا قيده عن أبي مروان بن سراج، وكذا قيدته أنا على ابنه أبي الحسين شيخنا: ((أقدِم))، وكذا حكاه ابن دريد؛ وجاء في الخبر: ((اقِدَم حيزوم)) بكسر الهمزة - يريد: وفتح الدال – والوجه ما أنبأتك به. وقال ثابت يقول في أولها: ((ويقال للفرس: ((أقدم)) زجر له؛ كأنه يؤمر بالإقدام هكذا في كلام العرب)).
وقال ابن الأثير: ((هو أمر بالإقدام وهو التقدم في الحرب والإقدام:الشجاعة. وق تكسر همزة ((اقدام)) ويكون أمرًا بالمتقدم لا غير، والصحيح في "الفتح" من ((أقدم)).
انظر: "جمهرة اللغة" (2/675- 676)، و "مشارق الأنوار" (2/174)، و "الإكمال" (6/95)، و "النهاية" (4/26)، و "شرح النووي" (12/85- 86).
(2) قوله: ((بالميم)) سقط من (ب).
(3) قوله: ((وهو اسم ملك)). وفي "جمهرة اللغة" (2/676)، و "المشارق" (1/219)، و "الإكمال" (6/95)، و "النهاية" (1/467)، و "شرح النووي" (21/85): أنه اسم فرس الملك؛ قال ابن الأثير: جاء التفسير أنه اسلم فرس جبريل عليه السلام؛ أراد: ((أقدم يا حيزوم)) فحذف حرف النداء. والياء فيه زائدة.
(4) الخَطْم. من كل طائر: منقاره، ومن كل دابة: مقدم الأنف والفم. والمخطم أيضًا: الأنف. والخطام: قال الأزهري:جبل من ليف أو شعر أو كتان يجعل في أحد طرفيه حلقة يسلك فيها الطريق الآخر حتى يصير كالحلقةن ثم يقلد البعير، ثم يثني على مخطمه. فأما الذي يجعل في الأنف دقيقًا فهو الزمام. وقال ابن قتيبة في معنى ((يخطم أنفه)): يضرب فيجعل له أثر مثل أثر الخطام. وقال الخطابي: والخطام: سمة في عرض الوجه إلى الخد. قال القاضي: أي جاءت الضربة له في موضع الخطام، أو مثل الخطيب هناك، وهي سمة من الكي تجعل – على الأنف والخدين من البعير، أو يكون معناه: ضربه على خطمه، والخطم الأنف. "غريب ابن قتيبة" (1/536)، "غريب الخطابي" (1/374)، "تهذيب اللغة" (؟؟؟/؟؟؟)، "مشارق الأنوار" (1/235)، و "الإكمال" (6/95- 96)، "النهاية" (2/50)، "شرح النووي" (1/172)، (12/86).
(5) سقط من (ز).
(6) قال الحافظ في "الفتح" (7/313): قال الشيخ تقي الدين السبكي: سئلت عن الحكمة في فقال الملائكة مع النبي ?، مع أن جبريل قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناحه؟ فقلت: وقع ذلك لإرادة أ، يكون الفعل للنبي ? وأصحابه، وتكون الملائكة مددًا، على عادة مدد الجيوش؛ رعاية الصورة الأسباب وسننها التي أجراها الله تعالى في عباده، والله تعالى هو قاتل الجميع. والله أعلم.
(7) قال الحافظ في "الفتح" (724): ((روى الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح عن علي قال: جاء جبريل إلى النبي ? يوم بدر فقال: خير أصحابك في الأسرى إن شاءوا القتل، وإن شاء الفداء مع أنه يتل مننهم عامًا مقبلاً مثلهم، قالوا: الفداء ويقتل منا (وسيأتي تخريجه).
(8) قوله: ((على إيمان من أسر منهم)) في (م): ((على من امن منهم)).
(9) في (م): ((يشهد)).
(10) علّقه البخاري في"صحيحه" (1/153-154) في العلم، باب ما يذكر في المناولة، ووصله أبو يعلى (3/102-103 رقم1534)، وابن جرير في "تفسيره" (4/306- 307 رقم4084)، وفي "تاريخه" (3/26)، والطبراني في "الكبير" (2/162-163 رقم1670)، والبيهقي (9/11-12)؛ جميعهم من طريق المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحضرمي، عن أبي السوار، عن جندب بن عبدالله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه بعث رهطًا، وبعث عليهم أبا عبيدة، فلما أخذ لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبعث رجلاً مكانه يقال له عبدالله بن جحش، وكتب له كتابًا، وأمره ألا يقرأ الكتاب حتى يبلغ كذا وكذا، ولا تُكْرِهَنَّ أحدًا من أصحابك على السير معك، فلما قرأ الكتاب استرجع ثم قال: سمعًا وطاعة لأمر الله ورسوله، فخبرهم بالخبر وقرأ عليهم الكتاب، فرجع رجلان ومضى بقيتهم، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه، ولم يدروا ذلك اليوم من رجب أو من جمادى! فقال المشركون للمسلمين: فعلتم كذا وكذا في الشهر الحرام، فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثوه الحديث، فأنزل الله عز وجل: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال في...} إلى قوله: {والفتنة أكبر من القتل}، الفتنة هي الشرك. وقال بعض الذين)) أظنه قال: ((كانوا في السرية: والله ما قتله إلا واحد، فقال: إن يكن خيرًا فقد وليت، وإن يكن ذنبًا فقد عملت)).
قال الهيثمي في "المجمع" (6/295): ((ورواه الطبراني، ورجاله ثقات)). وروي من وجهٍ آخر مرسلاً: أخرجه ابن جرير في "تفسيره" (4/302-305 رقم4082) من طريق ابن إسحاق، عن الزهري، والبيهقيُّ (9/58) من طريق ابن إسحاق، حدثني يزيد بن رومان . وأخرجه أيضًا (9/12) من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري. كلاهما - الزهري، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية ... الحديث .
قال الحافظ في "الفتح" (1/155)- بعد أن تكلم عن إيراد البخاري له معلقًا -: ((والحديث الذي أشار إليه لم يورده موصولاً في هذا الكتاب، وهو صحيح، وقد وجدته من طريقين: إحداهما مرسلة، ذكرها ابن إسحاق في المغازي، عن يزيد بن رومان، وأبو اليمان في نسخته عن شعيب، عن الزهري، كلاهما عن عروة بن الزبير، والأخرى موصولة أخرجها الطبراني من حديث جندب البجلي بإسناد حسن، ثم وجدت له شاهدًا من حديث ابن عباس عند الطبري في التفسير. فبمجموع هذه الطرق يكون صحيحًا)).اهـ.
(11) في (ح) و(ي): ((نجد)).
(12) في (ح): ((غيرهم)).
(13) في (ب): ((فقيل)).
(14) في (ي) و(م): ((رسول الله))، وكتب فوقها في (ي): ((النبي)).
(15) من قوله: ((سألوا النبي ....)) إلى هنا، سقط من (ح). وقوله: ((قتال فيه)) زيادة من (ز) و(ي): فقط.
(16) سورة البقرة؛ الآية: 217.
(17) قوله: ((ذلك)) سقط من (ح) و(ي).
(18) في (ب): ((دليل)).
(19) في (ب) و(ح): ((وكذلك)).
(20) في (ز): ((وصوبه)).
(21) في (ب) و(م): ((ذلك)).(3/457)
- صلى الله عليه وسلم - بقولِه تعالى: {ما كان لنبي أن يكون (1) له أسرى حتى يثخن في الأرض} (2) ، وبقولِه - صلى الله عليه وسلم - : ((لَقَدْ عُرض علي عذابهُم أدنى من هذه الشجرة)). =(3/578)=@
ووجهُ هذا الإشكالِ: أن هذا الاجتهادَ الذي (3) صدر من أبي بكرٍ – رضي الله عنه -، ووافقه عليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : إما أن يكونَ اللهُ قد سوَّغه لهم، أو لا: فإن كان الأولَ (4) ، فكيف يُعاتَبون، ويتوعدون على ما سُوِّغ لهم؟ وإن لم يكن مسوَّغًا، فكيف أقدَموا (5) عليه، لا سيما النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الذي قد بَرَّأَ اللهُ نُطقَه عن الهوى، واجتهادَه عن الخطأِ؟!
ولما أشكلَ هذا اختلفت أجوبةُ العلماءِ عنه، فقيل فيه أقوالٌ: %(1/280)%
أحدُها: أنهم أَقدموا عليه لأنه أمرٌ مَصْلَحِيٌّ دُنْيويٌّ، والأمورُ المصلحيةُ (6) الإقدامُ عليها مسوَّغٌ، ولا بُعْدَ (7) في العتبِ على تركِ المصلحةَ الراجحةَ وإن كانت دنيويةً.
وهذا فاسد من وجهين:
أحدُهما: أن هذا الاجتهادَ منهم إنما كان في أمر شرعيٍّ حُكْميٍّ؛ لأنه يقتضي سفكَ دماءٍ، واستباحةَ أموالٍ، وإرقاقَ أحرارٍ (8) ، وهذه لا تستباحُ إلا بالشرعِ.
وثانيهما: أن العتبَ الشرعيَّ لا يتوجَّهُ على تركِ مصلحةٍ دنيويةٍ لا يَتعلَّقُ بها مقصودٌ شرعيٌّ، كما لم يتوجَّهْ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عتبٌ في قضيةِ إبارِ النخلِ (9) ، وإن كان عَدَلَ فيه عن المصلحةِ الدنيويةِ (10) الراجحةِ، وهذا من نوعِ الأول (11) .
الثاني: أنهم (12) إنما عُوتبوا (13) ؛ لأن قضيةَ بدر عظيمةُ الموقعِ، والتصرفَ في صناديدِ قريشٍ وساداتِهم (14) وأموالِهم بالقتلِ (15) ، والاسترقاقِ، والتملُّكِ، ذلك (16) كلُّه عظيمُ الموقعِ، فكان حقُّهم أن ينتظروا الوحيَ، ولا يَستعجلوا، فلما استعجلوا ولم ينتظروا تَوَجَّه =(3/579)=@ عليهم ما توجه.
وهذا أيضًا فاسدٌ؛ لأنه يلزم (17) منه أن يكونوا أقَدموا على ما لا يَجوزُ لهم (18) شرعًا، ووافقهم على ذلك النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - . وكلُّ ذلك عليهم مُحالٌ بما قدّمناه من وجوب عصمةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عن الخطأِ في الشريعةِ، ومن ظهورِ الأدلةِ (19) المرجحةِ (20) بما (21) قدمناه. &(3/458)&$
__________
(1) في (ز): ((تكون)).
(2) سورة الأنفال؛ الآية: 67.
(3) في (م): ((والذي)).
(4) في (ب) و(ح): ((الأولى)).
(5) في (أ): ((يقدموا)).
(6) في (ح): ((والأمر المصلحي)).
(7) في (أ) و(ز): ((يعد)).
(8) في (ح): ((إرفاق أحوال)).
(9) سيأتي في النبوات، باب عصمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى.
قال في "المصباح" (ص7): ((أَبَرْتُ النخل أبْرًا، من بابي ضرب وقتل: لقحته وأبَّرته تأبيرًا: مبالغة وتكثير. والإبار وزان ((كتاب)): النخلة التي يؤبر بطلعها وقيل: الإبار مصدرٌ كالقيام والصيام.
(10) سقط من (أ) و(ح) و(ي).
(11) قوله: ((وهذا من نوع الأول)) سقط من (أ).
(12) قوله: ((أنهم)) سقط من (ح) و(ي). وفي (ز): ((لأنهم)).
(13) في (ح) و(ي): ((عتبوا)).
(14) في (ح) و(ي): ((سادتهم)).
(15) تقرأ في (ب): ((والقتل)).
(16) في (ي): ((وذلك)).
(17) في (أ) و(ح) و(ي): ((لا يلزم)).
(18) .
(19) في (ب): ((الأمور)).
(20) في (ي): ((الراجحة)).
(21) في (ز): ((لما)).(3/458)
%(1/281)%
الثالثُ: أن ذلك إنما توجَّه على مَنْ أراد بفعلِه عَرَضَ (1) الدنيا، ولم يردِ الدِّينَ، ولا الدَّارَ الآخرةَ؛ بدليلِ قوله تعالى: {تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة} (2) ، ولم يكن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أبو بكرٍ ولا مَنْ نحا نحوهما (3) ممن يريدُ عَرَضَ الدنيا، فالتوبيخُ والوعيدُ (4) متوجِّهان إلى غيرِهم ممن أراد ذلك. وهذا أحسنُها (5) . والله تعالى أعلمُ.
وبكاءُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكرٍ - رضي الله عنه - لم يكن لأنهما دخلا فيمن تُوعِّد بالعذابِ، بل شفقةَ على غيرِهما ممن تُوعِّد بذلك (6) ؛ بدليلِ قولِه - صلى الله عليه وسلم - : ((أَبْكِي لِلَّذِي عُرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابْكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضِ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ))، لا سيما وقد أُوحي إليه (7) : أنه يقتلُ منهم عامًا قابلاً مثلُهم (8) . فبكى لذلك.
وأما قولُه تعالى: {ما كان لنبي أن يكون (9) له أسرى حتى يثخن في الأرض} (10) ، فليس بتوبيخٍ ولا ذمٍّ، وإنما (11) هو من بابِ التنبيهِ على أن القتلَ كان =(3/580)=@ الأَوْلى (12) ، والأردعُ، مع أنه ما كان الله تعالى تقدَّم له في ذلك بشيءٍ (13) ، كما قررناه (14) . وهذا من بابِ قولِه تعالى: {عفا الله عنك لم (15) أذنت لهم} (16) ، فقدَّم العفَو على المعاتبةِ؛ إذ لم يتقدَّمْ له (17) في إذنِهم بشيءٍ (18) ، والله تعالى أعلمُ (19) .
و((الإثخانُ)): إكثارُ القتلِ، والمبالغةُ فيه (20) ، ومنه الثَّخَانةُ في الثوبِ، وهي: غِلَظُهُ وُكثرةُ سُدَاه.
و((الأسرى)): جمعُ أسيرٍ، وأصلُ الأَسْرِ: الشدِّ والرَّبط. وقرأ أبو جعفر: ((أسارى)) (21) . %(1/282)% قال الفَّراءُ: أهلُ الحجازِ يقولون: أُسارى، وأهلُ نجدٍ يقولون: أَسْرى في أكثرِ كلامِهم، وهو أصوبُها في العربيةِ؛ لأنه بمنزلةِ: ((جريح))، و((جَرْحى)) (22) . قال الزَّجَّاجُ: ((فَعْلى)): جَمْعٌ (23) لكلِّ ما أُصيب به الناسُ في أبدانِهم وعقولِهم؛ يقالُ: هالكٌ وهَلْكى، ومريضٌ ومَرْضى. ومن قرأ: {أُسارى} فهو (24) جمعُ الجمعِ؛ لأن جمعَ أسيرٍ: أَسْرى، وجمع أسرى: أُسارى. قال أبو عمرٍو (25) : أسارى (26) في القدِّ، وأسرى في اليدِ.
{والله عزيز (27) } في قهرِ الأعداءِ {حكيم} في عتابِ الأولياءِ. &(3/459)&$
__________
(1) سقط من (ز).
(2) سورة الأنفال؛ الآية: 67.
(3) في (ز): ((نحوهم)).
(4) في (ح): ((فالوعيد والتوبيخ)).
(5) ذكره القاضي في "الإكمال" (6/96).
وقال الطبري: وإنما قال الله جل ثناءه ذلك لنبيه محمد ?، يعرفه أن قتل المشركين الذين أسرهم ? يوم بدر ثم نادى بهم، كان أولى بالصواب من أخذ الفدية منهم وإطلاقهم.
قال ابن القيم:
وقد تكلم الناس، في أي الرأيين كان أصوب، فرجحت طائفة، قول عمر لهذا الحديث، ورجحت طائفةٌ قول أبي بكر، لاستقرار الأمر عليه، وموافقته الكتاب الذي سبق من الله بإحلال ذلك لهم، ولموافقته الرحمة التي غلبت الغضب، ولتشبيه النبي ? له في ذلك بإبراهيم وعيسى، وتشبيهه لعمر بنوح وموسى ولحصول الخير العظيم الذي حصل بإسلام أكثر أولئك الأسرى، ولخروج من خرج من أصلابهم من المسلمين، ولحصول القوة التي حصلت للمسلمين بالفداء، ولموافقة رسول الله ? لأب بكر أولاً، ولموافقة الله له آخرًا حيث استقر الأمر على رأيه، ولكمال نظر الصديق، فإنه رأى ما يستقر عليه حكم الله آخرًا، وغلب جانب الرحمة على جانب العقوبة.
قالوا: وأما بكاء النبي ?، فإنما كان رحمة لنزول العذاب لمن أراد بذلك عرض الدنيا، ولم يرد ذلك رسول الله ?، ولا أبو بكر، وإن أراده بعض الصحابة، فالفتنة كانت تعم ولا تصيب من أراد ذلك خاصة، كما هزم العسكر يوم حنين بقول أحدهم: (ن نغلب اليوم من قلةٍ) وبإعجاب كثرتهم لمن أعجبته منهم، فهزم الجيش بذلك فتنة ومحنة، ثم استقر الأمر على النصر والظفر والله أعلم.
"تفسير الطبري" (14/58)، و "زاد المعاد" (3/100- 101)، و "الفتح" (6/172) (7/325).
(6) في (ز): ((بالعذاب)).
(7) قوله: ((أوحي إليه)) في (م): ((أوحى الله)).
(8) أخرجه ابن أبي شيبة (14/368)، والترمذي (1567)، والنسائي في :الكبرى" (8662)، وابن حبان في "صحيحه" (4795) من طريق هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن علي - رضي الله عنه -.
وأخرجه الحاكم (2/140)، والبيهقي (6/321) من طريق ابن عون، عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن علي.
واختلف عليهما فيه: فرواه محمد بن عبدالله الأنصاري، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن عبيدة مرسلاً. أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (2/22). [كتب بجانب هذا الهامش: يكتب التخريج الذي في ظهر الورقة 255 وفي هذه الورقة لم يكتب أي تخريج].
(9) في (ز) و(ي): ((تكون)).
(10) سورة الأنفال؛ الآية: 67.
(11) في (ح) و(ي): ((إنما)).
(12) في (ح) و(ي): ((أولى)).
(13) في (م): ((شيء)).
(14) في (أ): ((قدرناه)).
(15) قوله: ((عنك لِمَ)) في (أ): ((عتك لم))، وفي (م): ((عنك لما)).
(16) سورة التوبة؛ الآية: 43.
(17) في (ي): ((لهم)).
(18) في (م): ((شيء)).
(19) قوله: ((والله تعالى أعلم)) ليس في (ح) و(ي)، وجاء بدلاً منه فيهما: ((كما قررناه)).
(20) سقط من (ي).
(21) ....
(22) في (أ): ((وقرحا)).
(23) في (ي): ((جميع)).
(24) في (ب): ((فقد)).
(25) في (ح) و(ي): ((عمر)).
(26) سقط من (ح).
(27) قوله: ((والله عزيز)) في (ح) و(ي): ((والله عزيز ذو انتقام عزيز)).(3/459)
وقوله تعالى: {لولا كتاب من الله سبق} (1) ، فيه (2) أربعةُ أقوالٍ:
أحدُها: لولا أنه سبق في أمِّ الكتابِ: أنه سيُحِلُّ (3) لهم الغنائمَ والفداءَ؛ قاله ابنُ عباسٍ (4) . =(3/581)=@
الثاني: لولا ما سبق لأهل بدرٍ من أنه لا يُعذِّبُهم؛ قاله الحسنُ (5) .
الثالثُ: لولا ما (6) سبق من (7) أنه لا يعذبُ من غيرِ أن يَتقدَّم بالإنذارِ؛ قاله ابنُ إسحاقَ (8) .
الرابعُ: لولا ما سبق من أنه يُغفرُ لمن عمل الخطايا ممن تاب؛ قاله الزجَّاجُ.
فيتخرَّج على هذه الأقوال في {الكتابِ} قولان:
أحدُهما: أنه كتابٌ مكتوبٌ.
والثاني: أنه قضاءٌ مَقْضِيٌّ. %(1/283)%
وقد أفاد هذا الحديثُ: أن الإمامَ مُخيَّرٌ في الأسارى بين الفداءِ، والقتلِ، والمنِّ، فإنه قَتَل منهم، وفَدى، ومَنَّ. وقد سوَّغَ اللهُ تعالى لهم (9) كلَّ ذلك. وقد استوفينا هذا المعنى فيما تقدَّم.
وقولُ أبي جهلٍ: ((لو غَيْرُ أكَّارٍ قتلني))؛ الأكَّارُ: الزرَّاعُ (10) ، يغضُّ ممن قتله كِبْرًا وأَنَفَةً، ويتمنَّى أن (11) لو كان قتلُه على يَدَيْ أعظمَ منهم (12) .
و((بَرَدَ)) بمعنى: سكن.
وقوله: ((وهل فوقَ رجلٍ قتلتموه))؛ أي: لا أعظمَ منه. وفي بعضِ طرقِ هذا =(3/582)=@ الحديثِ: ((وهل أَعْمَدُ من رجلٍ قتله قومُه)) (13) ؛ أي: أعظمُ سؤددًا. وعميدُ القومِ: سيدُهم؛ لأنهم يَعتمدون عليه في أمورِهم (14) .
وهذا الحديثُ يدلُّ على أنَّ ابني عفراء قتلا أبا جهلٍ؛ أي: أنفذا مَقَاتِلَهُ، وأنَّ عبَد الله بنَ مسعودٍ أجهز عليه. وفي كتابِ أبي داودَ (15): أن ابن مسعود قتله، ونفله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيفه؛ ويعني بذلك أنه (16) أجهز عليه. وعلى هذا: يرتفغ التناقض بين هذه الأحاديث. والله أعلم. &(3/460)&$ %(1/284)%
__________
(1) سورة الأنفال؛ الآية: 68.
(2) في (أ) و(ب) و(م): ((فيها)).
(3) في (ز): ((ستحل)).
(4) أخرجه ابن أبي حاتم (5/1734 رقم9614) عن أبي صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: قوله: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض}، وذلك يوم بدر أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - المغانم قبل أن يؤمروا به، وكان الله تبارك وتعالى قد كتب في أم الكتاب: المغنم والأسرى حلال لمحمد وأمته، ولم يكن أحله لأمة قبلهم، وأخذوا المغانم وأسروا الأسارى قبل أن ينزل إليهم في ذلك؛ قال الله: {لولا كتاب من الله سبق}؛ يعني في الكتاب الأول أن المغانم والأسارى حلال لكم، {لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم}.
وسنده ضعيف، لضعف عبدالله بن صالح، وللانقطاع بين علي بن أبي طلحة وابن عباس .
وكتب بجانبه راجع المحذوف وكتب: أخرجه ابن جرير في "تفسيره" (14/65 رقم16297) عن ابن سعد، عن أبيه، عن عمه، عن أبيه، عن أبيه، عن ابن عباس.
يعاد النظر في التخريج؛ أخرجه ابن جرير، عن ابن عباس (14/65 رقم16297).
وذكر هذا القول ابن جرير أيضًا عن أبي هريرة (16300، 16301، 16302)، وعن الأعمش (16299)، وعن الحسن (16295، 16296، 16298).
(5) أخرجه ابن جرير (14/69 رقم16313) عن الحارث، عن عبدالعزيز، عن عبدالوارث بن سعيد، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن: {لولا كتاب من الله سبق} قال: سبق ألا يعذب أحدًا من أهل بدر .
وفي سنده: عمرو بن عبيد، المعتزلي المشهور، كان داعية إلى بدعته، اتهمه جماعة مع أنه كان عابدًا؛ كما في "التقريب" (ص74 رقم5106).
وأخرجه ابن جرير أيضًا في الموضع السابق ( رقم16311) عن محمد بن عبدالأعلى، عن محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: {لولا كتاب من الله سبق}، قال: سبق من الله خير لأهل بدر. وسنده صحيح .
وذكره ابن جرير أيضًا عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، (الأرقام: 16309، 16310، 16312، 16314، 16315).
(6) سقط من (ز).
(7) سقط من (ز).
(8) ذكره ابن جرير في "تفسيره" (14/69- 70)، عن محمد بن إسحاق رقم (16317، 16318)، وعن مجاهد رقم (16316).
(9) في (ب) و(ز) و(م): ((فيهم)).
(10) في (ب) و(ح) و(م) و(ي): ((الزارع)).
قال في "المصباح" (ص15): أَكَرْتُ الأرض حرثتها، واسم الفاعل: ((أكَّار)) للمبالغة، والجمع: ((أَكَرَة)) كأنه جمع ((آكر))، وإن ((كفرة)) جمع ((كافر)).
(11) في (م): ((أو)).
(12) قال النووي في "شرح مسلم" (12/160): أشار أبو جهل إلى ابني عفراء اللذين قتلاه، وهما من الأنصار، وهم أصحاب زرع ونخيل.اهـ.
قال القاضي في "الإكمال" (6/175): ووقع مكان الكلام في بعض نسخ مسلم: ((فلو غيرك كان قتلني)) وهو تصحيف من الأول، والأول المعروف.
(13) أخرجه البخاري (7/293 رقم3961) في المغازي، باب قتل أبي جهل .
(14) قال أبو عبيد: قوله: ((أعمد)) يقول: هل زاد على سيد قتله قومه؟ أي: هل كان إلا هذا؛ يقول: إن هذا ليس بعار وكان أبو عبيدة يحكي عن العر: ((أعمد من كَيلِ مُحِقٍّ)) أي: هل زاد على هذا، بلغني ذلك من بي عبيدة.اهـ.
وقال القاضي: قيل: معناه: أعجب. وروي: ((أعذر)) قال القاضي: معناه من المبالغة في الإبلاء والجد؛ أي: أشد رجل بلاءً في أمره قتله قومه؛ يقال: أَعْذَرَ الرجل: إذا أبلى، وعَذَّرَ: إذا قَصَّر. وقال ابن الأثير: وقيل: أعمد بمعنى: ((أغضبُ))، من قولهم: عمدني الأمر فَعَمِدْت؛ أي: أوجعني فوَجِعتُ. والمراد بذلك كله أن يهون على نفسه ما حل به من الهلاكِ، وأنه ليس بعار عليه أن يقتله قومه.
وقال الحافظ: و((أعمد)) أفعل تفضيل من ((عمد)) أي: هلك، يقال: عَمِدَ البعير؛ يَعْمَد عَمَدًا بالتحريك: إذا ورم سنامه من عض القتب. ويكنى بذلك عن الهلاك. ثم ذكر قول أبي عبيد؛ ثم قال: ورجح السهيلي الأول، قال الحافظ: ويؤيد تفسير أبي عبيدة ما وقع بلفظ: ((وهل فوق رجل قتلتموه)). انظر: "غريب أبي عبيد" (5/65- 66)، و "مشارق الأنوار" (2/71- 87)، و "الإكمال" (6/175)، و "النهاية" (3/296- 297)، و "الفتح" (7/294).
(15) أخرجه أحمد (1/444)، وأبو داود (3/166 رقم2722) في الجهاد، باب من أجاز على جريح مثخن ينفَّل من سلبه، وأبو يعلى (9/149 رقم5231)، والطبراني في "الكبير" (9/82-83 رقم8469)؛ جميعهم من طريق أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبدالله قال: نفلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر سيف أبي جهل؛ كان قتله .
قال الهيثمي في "المجمع" (6/102): ((رواه كله أحمد، والبزار باختصار، وهو من رواية أبي عبيدة، عن أبيه، ولم يسمع منه، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح)).
(16) قوله: ((أنه)) سقط من (ح).(3/460)
ومن بابِ المنِّ على الأسُارى
((النَّجْدُ)): المرتفِعُ من الأرضِ، والغَوْرُ: ما انخفض منها. و((اُثالٌ)): أبو ثمامةَ؛ بضمِّ الهمزةِ لا غيرُ فيما أعلمُ (1) .
وقوله: ((فربطوه بساريةٍ من سواري المسجد)) بهذا تمسَّك (2) الشافعيُّ على (3) جوازِ دخولِ الكفارِ المساجدَ، واستثنى من ذلك مسجدَ مكةَ وحَرَمَها. وخصَّ أبو حنيفةَ هذا الحكمَ بأهلِ الكتابِ لا غيرُ.
ومنع مالكٌ - رحمه الله - دخولَ الكفار جميعَ المساجدِ والحرمَ؛ وهو قولُ عمرَ بن عبدِ العزيزِ، وقتادةَ، والمزنيِّ.
ويُستدلُّ لهم بقولِه تعالى: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} (4) ، ووجهُ التمسُّكِ بها: أنه نبَّه على أنَّ منعَهم دخولَ المسجدِ الحرامِ إنما كان =(3/583)=@ لنجاستِهم، وهذا يَقتضي تَنزيهَ المساجدِ عنهم، كما تُنَرَّهُ عن سائرِ الأنجاسِ.
والشافعيُّ يَحملُ النجسَ هنا على عينِ المشرِكِ (5) ، ومالكٌ يحملهُ على أنه نجسٌ بما &(3/461)&$
__________
(1) قال القاضي في "المشارق" (1/62) وثمامة بن أثال بثاء مثلثة في اسمه واسم أبيه. قال الثوري في "تهذيب الأسماء واللغات" (1/148): ((أثال)) بضم الهمزة وتخفيف الثاء المثلثة، وهو معروف بلا خلاف .اهـ. وقال الحافظ في "الفتح" (1/556)، و((ثمامة)) بمثلثة مضمومة. ثم ذكر ضبط ((أثال)) نحو ما سبق، وانظر "الفتح" (8/87).
(2) في (ب) و (م): ((يتمسك)).
(3) في (ب) و (م): ((في)).
(4) سورة التوبة؛ الآية: 28، وقوله بعد عامهم هذا، في (2) فقط.
(5) قال الحافظ في "الفتح" (1/390 - 391): ((وأغرب القرطبي في الجنائز من "شرح مسلم" فنسب القول بنجاسة الكافر إلى الشافعي)) .اهـ.(3/461)
يخالطُه من النجاسةِ؛ إذ كان لا ينفكُّ عنها، ولا يَتحرَّزُ منها.
وبقولِه تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه} (1) ، ودخولُ (2) الكفار فيها مناقِضٌ لتَرْفيعِها. %(1/285)%
وبقوله ?: ((إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ البَوْلِ وَالْقَذَرِ)) (3) . والكافرُ لا يَخلو عن ذلك. وبقولِه ?: ((لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضْ، وَلَا جُنُبٍ)) (4) . والكَافرُ جُنُبٌ (5) ، وإن كانت امرأةً فعليها الغسلُ من الحيضِ، لا سيما إذا قلنا: إنهم مخاطبون بالفروع.
وقد اعتذر أصحابُنا عن حديثِ ثمامةَ بأوجهٍ:
أحدُها: أن ذلك كان متقدِّمًا على قولهِ تعالى: {إنما المشركون نجس} (6) ، وهذا يحتاجُ إلى تحقيقِ نقلِ التواريخِ (7) .
وثانيها: أن النبيَّ ? كان قد علم بإسلامِه. وهذا فيه بُعدٌ؛ فإنه نصَّ في الحديثِ على أنه إنما أسلم بعدَ أن مَنَّ عليه وأطلقه، ثم إنه رجع فأسلم.
وثالثُها: أن هذه قضيةٌ في عين؛ فلا ينبغي أن تُدفعَ (8) بها الأدلةُ التي ذكرناها (9) آنفًا؛ لكونِها مفيدةً (10) حكمَ القاعدةِ الكليةِ.
ويمكنُ أن يقالَ: إنَّ النبيَّ ? إنما ربط ثُمامةَ في المسجدِ لينظرَ حُسْنَ صلاةِ المسلمين، واجتماعَهم (11) عليها، وحسن آدَابهم في جلوسِهم في المسجِد، فيَأنَسَ (12) بذلك ويُسْلمَ، وكذلك كان (13) . ويمكن أن يقالَ: إنهم لم يكنْ لهم موضعٌ يُرَبِطُونه فيه إلا في (14) المسجد. والله تعالى أعلمُ.
وقوله: ((إن تقتل تقتل ذا دم)) (15) ؛ هو بالدالِ المهملةِ (16) ؛ ويعني به: إنه مِمَّن يُشْتَفَى =(3/584)=@ بدمِه (17) ؛ لأنه كبيرٌ في قومِه، وقد سمعتُ (18) من بعضِ النقلةِ أنه يقولهُ (19) %(1/286)% بالذالِ المعجمةِ، &(3/462)&$
__________
(1) سورة النور؛ الآية: 36.
(2) في (ب) و(م): ((فدخول)).
(3) تقدم في الطهارة، باب النهي أن يبال في الماء الراكد .
(4) حديث ضعيف، وقد تقدم تخريجه في الطهارة، باب ما يحل من الحائض .
(5) في (أ): ((خبيث)).
(6) سقط من (ب) و(م).
(7) ذكره القاضي عياض؛ قال: ولعل هذا كان قبل نزول الآية وورد في حاشية النسخة (ب) تعليق نصه: ((حاشية)): التاريخ معروف؛ وذلك أن إسلام ثمامة هذا قبل الفتح بلا خلاف؛ وشاهد ذلك ما ذكره من عمرته وإغاظته لقريش؛ ونزول ((لا يقربوا المسجد الحرام)) (كذا، والآية: فلا يقربوا) في سنة تسع بعد الفتح بسنة فحج أبو بكر رضي الله عنه بالناس، ورد عليه علي رضي الله عنه ((ببراءة)) والله أعلم)) اهـ. قال الحافظ في "الفتح" (8/87)، معلقا على ترجمة البخاري ((باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال)) -: ((وكان وفد بني حنيفة .. في سنة تسعٍ ... وأما ثمامة ... فكانت قصته قبل وفد بني حنيفة بزمان؛ فإن قصته صريحة في أنها كانت قبل فتح مكة ... فكان البخاري ذكر ههنا استطرادًا)).
(8) في (ب)، و(م): ((يرفع))، وفي (ح)و(ي): ((ترفع)).
(9) في (ب) و (م): ((ذكرنا)).
(10) في (م): ((مقيدة)).
(11) في (ح) و(ي): ((واجتهادهم)).
(12) في (أ): ((فيتأس)).
(13) سقط من (ح).
(14) سقط من (ب).
(15) قوله: ((تقتل تقتل ذا دم)) في (م): ((يقتل فقتل ذا ادم)).
(16) قوله: ((بالدال المهملة)) في (ح) : ((بالذال المعجمة)) وفي (ي): ((بالدال المعجمة)).
(17) قوله: ((يشتفي بدمه)) في (أ) و (ز) : ((يستشفي بدمه))، وفي (ح) و(ي): ((يستشفي به)).
(18) في (ح): ((سمعته)).
(19) في (أ): ((يقولها)).(3/462)
وفسَّره بالعيبَ (1) ، وليس بشيءٍ في المعنى، ولا صحيح في الروايةِ، وهو تصحيفٌ؛ ولو أراد به العيبَ لقال: ((ذامٍ)) (2) ، بألفٍ، كما (3) في المثل: ((لا تعدم (4) الحسناء ذامًا)) (5) ؛ أي: عيبًا (6) .
وقولُه ?: ((أطلقوا ثمامة)) دليلٌ على جوازِ المنِّ على الأُسارى، كما قدّمناه .
وقوله: ((فانطَلق الى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد)) هذا يدلُّ: على أنَّ غسلَ الكافرِ كان عندَهم مَشْروعًا، معمولاً به معروفًا. ألا ترى إلى (7) أنه لم يَحْتَجْ في ذلك إلى مَنْ (8) يأمرهُ بالغسلِ، ولا لمن يُنَبِّهُهُ (9) عليه؟!
وقد ورد الأمرُ به من النبيِّ ? من حديثِ ابن عمرَ (10) : أن قيسَ بنَ عاصمٍ - رضي الله عنه - أسلم، فأمره النبيُّ ? أن يغتسلَ. وبه تمسَّكَ من قال بوجوبِ الغسلِ على الكافرِ إذا أسلم؛ وهو قولُ أحمدَ، وأبي ثورٍ. وأما مالكٌ فقال في المشهورِ عنه: إنه (11) إنما يغتسلُ لكونه جُنُبًا. ومن أصحابِه من قال: يغتسلُ للنظافةِ. وقال بسقوطِ الوجوب الشافعيُّ، وقال: أحَبُّ إليَّ (12) أن يغتسلَ. ونحوهُ لابن القاسم. ولمالك أيضًا قولٌ: أنه لا يَعرِفُ =(3/585)=@ الغسلَ؛ رواه عنه ابنُ وهبٍ، وابنُ أبي أويسٍ (13) .
والروايةُ الصحيحةُ في البخاريِّ ومسلمٍ: ((نخل)) بالخاءِ المعجمةِ (14) ، وقال بعضُهم: صوابُه: بالجيم، وهو الماءُ الْمُنْثَعِبُ (15) ، %(1/287)% وقيل: الجَاري. قال (16) ابنُ دريدٍ: النَّجْلُ: هو (17) أولُ مَا ينثعبُ (18) من البئرِ إذا جَرَتْ، واستَنْجَل (19) الوادي: إذا ظهرَ ماؤُه (20) .
وقوله: ((وإن (21) خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فبشره، وأمره أن يعتمر))؛ لا يفهمُ منه أنه لما أراد أن يعتمرَ وهو في الجاهليةِ أنَّ ذلك لزمه، فأمره النبيُّ ? &(3/463)&$
__________
(1) في (ح): ((بالعبت)).
(2) في (ب) و (م): ((ذا ذام)).
(3) في (م): ((كما قال)).
(4) في (م): ((يقدم)).
(5) الذَّيم والذَّام: العيبُ يُضرب في عزةتهذيب الأشياء وخلوِّ( ) عن المعاب. قيل: أول من تكلم به حبي بنت مالك بن عمرو العدوانية، وكانت أجمل النساء، فتزوجها مالك بن غسان، فقالت أمها لتباعها: إن لنا عند الملامسة رشحة فيها هنةٌ، فإذا أردتن إدخاله على زوجها فطيِّبْنها بما في أصدافها. فلما كان الوقت أعجلن زوجُها، فغفلن عن ذلك، فلما أصبح قيل له: كيف رأيت طروقتك البارحة؟ فقال: ما رأيت كالليلة قط، لولا ريحة أنكرتها . فقالت هي من خلف الستر: ((لا تعدم الحسناء ذامًا)). وقد يضرب هذا المثل في غير المنطق أيضا؛ وذلك كالرجل يكون الغالب عليه أفعال الأمور الجميلة، ثم يكون منه الفلتة من الزلل. ((مجمع الأمثال)) (3/178)، ((الزاهر)) لابن الأنباري (2/3 - 4)، ((جمهرة اللغة)) (2/703)، ((الصحاح)) (5/1926)، ((المزهر)) (1/386 - 387).
(6) زاد بعده في النسخة (أ) حاشية نصها:
((رواه بعضهم عن أبي داود: ((ذا ذم)) بالمعجمة، وفسره بالذمام، وصحح بعضهم الأول، وقال: تلك الرواية تقلب المعنى؛ لأن من له ذمام لا يستوجب القتل ولا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قتله، ويحتمل أن يكون معناه: إنني رجل عزيز مطاع؛ إذا عقدت ذمامًا لأحدٍ فلا يتجاسر أحد على التعرض له وانتهاك حرمته، والله أعلم، قاله شيخنا المنذري)) .اهـ . لكنه كتبها داخل المتن.
قال القاضي في ((مشارق الأنوار)) (1/ 258)، (1/272): وقوله: ((وإن تقتل تقتل ذا دم)) أي: صاحب دم يشتفي بقتله ويدرك قاتله به ثأره، فاختصر اقتصارا على مفهوم كلامهم فيه، ورواه بعضهم عن أبي داود في مصنفه: ((ذا ذم)) بالمعجمة، وفسره بالذمام، والصحيح الأول، وتلك الرواية تقلب المعنى؛ لأن من له ذمام لا يستوجب القتل، ولا كان النبي عليه السلام يقتله .اهـ.
قال النووي في "شرح مسلم" (12/ 88) بعد نقله كلام القاضي: وقال آخرون: معناه تقتل من عليه دم ومطلوب به، وهو مستحق عليه، فلا عتب عليك في قتله. ثم ذكر رواية أبي داود ثم قال: قلت : ويمكن تصحيحها على معنى التفسير الأول؛ أي: تقتل رجلاً جليلاً يحتفل قاتله بقتله، بخلاف ما إذا قتل ضعيفًا مهينًا، فإنه لا فضيلة في قتله ولا يدرك به قاتله ثأره. اهـ. قال الحافظ في "الفتح" (8/ 88) بعد حكاية كلام القاضي والنووي: وأَوْجَهُ الجميع الوجه الثاني (أي: من عليه دم مطلوب به)؛ لأنه مشاكل لقوله بعد ذلك: ((وإن تنعم تنعم ما شاكر)).
(7) قوله: ((إلى)) في (أ) فقط.
(8) قوله: ((ذلك إلى من)) في (ح): ((ذاك إلى لمن)).
(9) في (ب): ((يننهه)).
(10) أخرجه عبدالرزاق (6/9 رقم9833) و (10/318 رقم 19225)، وأحمد (5/61)، وأبو داود (1/251-252 رقم355) في الطهارة، باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل، والترمذي (2/502-503 رقم605) في الصلاة، باب ما ذكر في الاغتسال عندما يسلم الرجل، والنسائي (1/109 رقم188) في الطهارة، باب ذكر ما يوجب الغسل وما لا يوجبه، غسل الكافر إذا أسلم، وابن الجارود (1/24-25 رقم14/غوث)، وابن خزيمة (1/126 رقم 254 و 255)، وابن حبان (4/45 رقم1240/الإحسان)، والطبراني في "الكبير" (18/338 رقم866)، والبيهقي (1/171).
جميعهم من طريق سفيان الثوري، عن الأغر بن الصباح، عن خليفة بن حصين، عن جده قيس بن عاصم، قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أريد الإسلام، فأمرني أن أغتسل بماء وسدر. قال الترمذي: ((هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وانظر "تحفة الأشراف" (8/290)، و"العلل" لابن أبي حاتم" (1/24)، و"تهذيب التهذيب" (1/551). ولا ذكر لابن عمر في روايات الحديث.
(11) سقط من (ب) و (م).
(12) سقط من (ز).
(13) انظر "الإكمال" (5/99)، و"شرح النووي" (12/88) وقال النووي من مذهب الشافعي: قال أصحابنا: إذا أراد الكافر الإسلام بادر به، ولا يؤخره للاغتسال، ولا يحل لأحد أن يأذن له في تأخيره، بل يبادر به ثم يغتسل، ومذهبنا أن اغتساله له واجب إن كان عليه جنابة في الشرك، سواء كان اغتسل منها أم لا . وقال بعض أصحابنا إن كان اغتسل أم لا.وقال بعض أصحابنا إن كان اغتسل أجزأه، وإلا وجب، وقال بعض أصحابنا وبعض المالكية: لا غسل عليه ويسقط حكم الجنابة بالإسلام هذا كله إذا كان جنب في الكفر. أما إذا لم يجنب أصلاً، ثم أسلم، فالغسل مستحب له، وليس بواجب هذا مذهبنا ومذهب مالك وآخرين، وقال أحمد وآخرون: يلزمه الغسل)) اهـ . وما ذكره الشارح من مذهب الشافعي تبع فيه القاضي.
(14) في (ز): ((معجمة)).
(15) في (ح) و (ز) و (ي): ((ينبعث))، وفي (أ) كأنه وضع جميع النقط لتقرأ ((ينبعث)) و ((ينثعب))، وانثعب الماء: جرى في المثعب، وثعبت الماء: فجرّته. انظر "الصحاح" (1/92)، و"الجمهرة" (/)
(16) في (ز): ((وقال)). ...
(17) قوله: ((هو)) في (ح)، و(ي) فقط.
(18) في (ح) و(ي): ((المنبعث))، ونقرأ في (ز): ((المنسعب))..
(19) في (ح): ((وانتجل)).
(20) عبارة ابن دريد في "الجمهرة" (1/ 492): ((النجل: أول ما يظهر من ماء البئر إذا حفر، وجمعه: ((نِجَالٌ)) لا غير واستنجل الماء: إذا ظهر في الواد)) ، ونحوه في (2/1193).
وقال النووي بعد نقله بعض كلام القاضي الذي ذكره الشارح هنا -: قلت: بل الصواب الأول؛ لأن الروايات صحت به، ولم يرو إلا هكذا، وهو صحيح لا يجوز العدول عنه .اهـ. قال الحافظ: الجاري قلت ويؤيد الرواية الأولى أن لفظ ابن خزيمة في صحيحه في هذا الحديث فانطلق إلى حائط أبي طلحة . اهـ . و"الحائط" البستان .. اهـ . انظر "الإكمال" (6/ 99) و"شرح النووي" (12/89)، و"الفتح" (1/566).
(21) كذا في (أ) وهو موافق لرواية "كتاب مسلم" والتلخيص، وفي سائر النسخ: ((إن)) دون الواو.(3/463)
بإتمامهِ؛ لأنه لم يَصِرْ أحدٌ من المسلمين إلى أنَّ إرادةَ فعل القربة تُلْزِمُهَا (1) من غيرِ التزامٍ بالنذرِ ولا شروعٍ في العملِ، بل ولو التزم وشَرَع لم يَلْزَمْهُ ذلك في حالةِ (2) كفرِه؛ لأنا وإن قلنا: إنه مخاطبٌ بالفروعِ، فلا يتأتَّى منه قصدُ الالتزامِ، ولا يصحُّ منه الشروعُ؛ إذ لم يفعلْ ذلك على وجهٍ شرعيٍّ، بل هو فاسدٌ؛ لعدمِ (3) شروطِه (4) ، لا سيَّما إذا كان مما (5) يحتاجُ إلى نيةِ القُربةِ (6) . وإنما أمره النبيُّ ? أن ينشئ عمرةً مُبتدَأةً، ليحرزَ فيها له الأجرَ (7) ، وليغيظَ (8) بإسلامهِ كفارَ قريشٍ (9) ، فإنَّ الرجلَ كان عظيمًا في قومهِ وغيرِهم، ولذلك لما قدم مكةَ أظهر إسلامَه، ولم يبالِ بهم (10) ، بل أخبرهم بما ناقضَهم به وأغاظهم (11) ؛ وهو قولُه:((واللهِ (12) ! لا يأتيكم (13) من اليمامة (14) حَبَّةُ حنطة حتى =(3/586)=@ يأذن فيها رسول الله ?)). وأيضًا: فما كانتِ العمرةُ والحجُّ في ذلك الوقتِ مشروعين (15) ، بل شُرِعَا بعدَ ذَلك. والله تعالى أعلمُ. %(1/288)%
ومن بابِ إجلاءِ اليهودِ والنَّصارى من المدينةِ ومن جزيرةِ العربِ
قوله: ((أَسلِموا تَسْلموا))؛ أي: ادْخُلوا في دينِ الإسلامِ طائعينْ (16) تَسْلَموا من القتلِ والسِّباءِ مأجورينُ. وفيه دليلٌ على استعمالِ التجنيسِ، وهو من أنواعِ البلاغةِ. =(3/587)=@ &(3/464)&$
__________
(1) كذا في (ح)، وهي غير منقوطة التاء في (ب)، وفي سائر النسخ: ((يلزمها)).
(2) في (ب) و(م) و(ي): ((حال)).
(3) في (أ): ((لعموم)).
(4) في (ي): ((شرطه)).
(5) في (ي): ((ممن)).
(6) في (أ): ((التقرب)).
(7) قوله: ((فيها له الأجر)) في (أ): ((فيها الأجر))، وفي (م): ((له فيها الأجر)).
(8) في جميع النسخ : ((وليغيض)).
(9) قوله: ((كفار قريش))، في (م): ((الكفار من قريش)).
(10) في (م): ((منهم)).
(11) في (ب) و (ز) و (م): ((وأغاضهم)).
(12) قوله: ((والله)) ليس في (ح) و (ي).
(13) في (ح) و(ز): ((تأتيكم))، وهي غير منقوطة في (ب) و (ي).
(14) تقرأ في (م): ((اليمانية)).
(15) في (ز): ((مشروعتين)).
(16) قوله: ((طائعين)) سقط من (أ).(3/464)
وقولهم (1) : ((قد بلَّغْتَ يا أبا القاسم)) كلمةُ مكرٍ ومُداجَاةٍ (2) ليُدافِعوه بما يُوهمْه (3) ظاهرُها؛ وذلك: أن ظاهرها يقتضي أنه قد بلَّغ رسالةَ ربِّه تعالى؛ ولذلك قال لهم رسولُ الله ?: ((ذَلِكَ أُريدُ))؛ أي: التبليغَ (4) . قالوا ذلك وقلوبُهم مُنكِرةٌ (5) مُكِّذبةٌ. ويحتملُ أن يكونوا قالوا ذلك خوفًا منه، وطيبةً له. والله تعالى أعلمُ.
وقوله: ((اعلموا أن الأرض لله ولرسوله))؛ يعني: مِلْكًا وحُكْمًا. ويعني بها (6) : أرضَهم التي كانوا فيها (7) ؛ أعلمَهم بهذه اللفظة أنه يُجليهم منها، ولا يتركُهم فيها، وأن ذلك حكمُ الله فيهم (8) . %(1/289)%
وقوله: ((من كان له مال فليبعه)) (9) ؛ دليلٌ على أنهم (10) كان لهم (11) عهدٌ على نفوسِهم (12) وأموالهِم، لا على المقامِ في أرضِهم؛ ولذلك أجلاهم منها. وهؤلاء هم يهودُ بني قينقاعَ، وبنو حارثةَ، ويهودُ المدينةِ، المذكورون بعد هذا (13) . =(3/588)=@
وفي قتل النبيِّ ? لبني قريظةَ (14) حين حاربوا؛ دليلٌ على أن من نَقَضَ العهدَ &(3/465)&$
__________
(1) في (أ): ((وقوله)).
(2) المداجاة: المداراة، ويقال: داجاه إذا داراه، كأنه ساتره العداوة. "مختار الصحاح" (1/84).
(3) في (ز): ((توهمه)).
(4) نقل عبارة الشارح هنا، الحافظ في "الفتح" (6/271).
(5) في (ب) و(م): ((تنكره)).
(6) في (م): ((به)).
(7) سقط من (م)، وفي (ي): ((عليها)).
(8) قوله: ((حكم الله فيهم)) في (ز): ((حكم فيهم)).
وقد أعلمهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإجلائه إياهم، بصريح اللفظ حيث قال: ((وأني أريد أن أجليكم من هذه الأرض فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه)).
(9) الرواية في كتاب مسلم والتلخيص: ((فمن وجد بماله شيئا فليبعه)). قال الحافظ في "الفتح" (6/271): ((من الوجدان؛ أي: يجد مشتريا. أو من الوَجد؛ أي: المحبة؛ أي: يحبه. والغرض: أن منهم من يشق عليه فراق شيء، من ماله مما يعسر تحويله، فقد أذن له في بيعه.
(10) قوله: ((على أنهم)) لم يظهر في (ح).
(11) في (ح): ((له)).
(12) في (ز): ((أنفسهم)).
(13) قوله: ((بعد هذا)) في (ز): ((بعدها)).
قال الحافظ في الفتح (6/ 271)، ولم أر من صرح بنسب اليهود المذكورين والظاهر أنهم بقايا من اليهود تأخروا بالمدينة بعد إجلاء بني قينقاع وقريظة والنضير والفراغ من أمرهم لأنه كان قبل إسلام أبي هريرة وإنما جاء أبو هريرة بعد فتح خيبر ... ويحتمل والله أعلم أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن فتح ما بقي من خيبر هم بإجلاء من بقي ممن صالح من اليهود ثم سألوه أن يبقيهم ليعملوا في الأرض فبقاهم أو كان قد بقي بالمدينة من اليهود المذكورين طائفة استمروا فيها معتمدين على الرضا بإبقائهم للعمل في أرض خيبر ثم منعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من سكنى المدينة أصلا والله أعلم . بل سياق كلام القرطبي في شرح مسلم يقتضي انه فهم أن المراد بذلك بنو النضير ولكن لا يصح ذلك لتقدمه على مجيء أبي هريرة وأبو هريرة يقول في هذا الحديث أنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - .
(14) في (م): ((قريضة)).(3/465)
من العدوِّ (1) جاز قتلُه، ولا خلافَ فيه إذا حاربوا، أو (2) عاونوا أهلَ الحربِ. قال (3) أبو عبيدٍ: وكذلك لو تيقَّن غَدْرًا أو غِشًّا (4) . قال الأوزاعيُّ (5) : وكذلك لو أطلع (6) أهلَ الحربِ على عورة المسلمين، أو آوَوْا عُيونَهم. وليس هذا نقضًا عندَ الشافعيِّ. %(1/290)%
وقوله: ((لأُخرِجن اليهود والنَّصارى من جزيرة العرب)) قال الخليلُ: جزيرةُ العربِ: مَعْدِنُها (7) ، ومسكنُها، وإنما قيل لها: جزيرةُ (8) ، لأن بحرَ الحبشِ، وبحر فارسَ، ودجلةَ، والفراتَ (9) ؛ قد أحاطتْ (10) بها. وقال الأصمعيُّ: جزيرةُ العربِ: من أقصى عَدَنِ أَبْينَ إلى ريفِ العراقِ في الطولِ، وأما العرضُ: فمن جُدةَ وما والاها من ساحلِ البحرِ إلى أطرافِ الشامِ (11) . =(3/589)=@
ومن باب إذا نزل العدوُّ على حكمِ الإمامِ
فله أن يردَّ الحكمَ إلى غيرِه (12)
(( ابن العَرِقة))- بالعينِ المهملةِ، وكسرِ الراءِ - هي روايةُ الحفَّاظِ، وضبطُ المتقِنين، واسمُه: حِبَّان - بكسرِ الحاءِ - ابن أبي قيس بن علقمة بن عبد مناف. والعَرِقة (13) : أُمُّه، واسمها: قِلابةُ - بكسرِ القافِ، والباءِ بواحدةٍ- بنتُ سعدِ بنِ سهمِ بنِ عمروِ بنِ &(3/466)&$
__________
(1) قوله: ((من العدو)) سقط من (ب) و (م).
(2) في (ح) و(ي): ((و)).
(3) في (م): ((قاله)).
(4) في (ح): ((غدوًا وغشًّا))، وتقرأ في (ي): ((عدوا وعشيا)).
وكذا وقع في جميع نسخ المفهم وفي مطبوع "الإكمال" (6/ 101) ومخطوطه: ((أبو عبيد)) والصواب: ((أبو عبيدة))؛ قاله في ((مجاز القرآن))، (1/249)، في تفسير قوله تعالى: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء} [الأنفال: 59]، قال: ((معناها : وإما توقنن منهم خيانة؛ أي: غدرًا وخلافا وغشًا ونحو ذلك)). وقد وقع في مطبوع "الإكمال": ((توقعت لهم خيانة))، وفي مخطوطه: ((توقنن ...))؛ كما في ((مجاز القرآن)).
(5) قوله: ((وكذلك لو تيقن غدرًا أو غشا قال الأوزاعي)) سقط من (م).
(6) كذا في النسخ غير (ي)، ففيها: ((أقطع))، وصواب العبارة هنا: ((أطلعوا)). والعبارة كذلك في "الإكمال" (6/101).
(7) في (م): ((معد بها)).
(8) في (ب) و (ح) و (م) و (ي): ((جزيرة العرب)).
(9) في (م): ((والفرا))
(10) في (أ): ((أحطات)). وعبارة "العين" (6/62) وجزيرة العرب: محلتها؛ لأن البحرين: بحر فارس [وبحر] الحبش؛ ودجلة والفرات، قد أحاطت بجزيرة العرب وهي أرضها ومعدنها . اهـ.
قال في "اللسان" (4/133): قال الليث: الجَزْر - مجزومٌ -: انقطاع المد؛ يقال مدَّ البحر والنهر: في كثرة الماء والانقطاع اهـ . قال الخليل في "العين": ((والجزيرة أرض في البحر ينفرج عنها ماء البحر فتبدو، وكذلك الأرض لا يعلوها السيل فيحدقَ بها، فهي الجزيرة اهـ . وقال الجوهري: سميت بذلك لانقطاعها عن معظم الأرض . قال النووي: وأضيفت إلى العرب لأنها الأرض التي كانت بأيديهم قبل الإسلام وديارهم التي هي أوطانهم وأوطان أسلافهم
(11) زاد في (أ) حاشية نصها: ((ويهودُ)) مَعرِفة، وكذلك ((مجوسُ)) والألف واللام فيهما زائدتان؛ لأن الاسم لا يعرف من وجهين ؛ والدليل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((ثبرتكم يَهُودُ)) وغيرُ ذلك، وقول الشاعر: ((كَنَارِ مَجٌوسَ تَضْطَرِمُ اضْطِرَامًا)) قاله المنذريُّ)) اهـ لكنه كتبها داخل المتن.
قال الجوهري في "الصحاح" (2/557): أرادوا باليهود اليهوديين ولكنهم حذفوا ياء الإضافة كما قالوا: زنجي وزنج وإنما عرف على هذا الحد فجمع على قياس شعيرة وشعير ثم عرف الجمع بالألف واللام ولولا ذلك لم يجز دخول الألف واللام عليه لأنه معرفة مؤنث فجرى في كلامهم مجرى القبيلة، ولم يجعل كالحي، وقال الزمخشري في "الفائق" (1/156): والأصل في يهود ومجوس أن يستعملا بغير لام التعريف؛ لأنهما علمان خاصان لقومين كقبيلتين ... وإنما جوز تعريفهما باللام لأنه أجرى يهودي ويهود ومجوسي مجرى شعيرة وشعير وتمرة وتمر.
قال النووي في ((تهذيب الأسماء واللغات)) (3/357 - 358: وقيل اليهود معرب من يهوذا بن يعقوب - عليهما الصلاة والسلام - بالذال المعجمة - عرب ثم نسب الواحد إليه؛ فقيل: يهودي، ثم حذفت الياء في الجمع؛ فقيل: يهود، وكل جمع منسوب إلى جنس فهو بإسقاط ياء النسبة؛ كقولهم: زنجي وزنج، ورومي وروم، هذا الكلام في أصل هذا الحرف ... وفي حديث القسامة؛ ((تحلف لكم يهود)) لفظة ((يهود)) مرفوعة غير منونة؛ فلا تنصرف؛ لأن العرب أجرته اسما للقبيلة؛ فامتنع صرفه لتأنيثه وتعريفه، وكذلك مجوس. قال أبو حاتم السجستاني: يهود ومجوس لا ينصرفان؛ لأنهما اسمان لأمتين كالاسمين للقبيلتين، قال: وأما المجوس واليهود فالمراد: مذهب المجوسي واليهودي .اهـ.
وقد اختلف في حد جزيرة العرب والمراد بها: فقيل: ما بين أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول، وأما في العرض فمن جدة وما والاها إلى أطراف الشام؛ ذكره أبو عبيد عن الأصمعي. وقيل: ما بين حَفَر أبي موسى إلى أقصى اليمن في الطول، وأما في العرض فما بين رمل يبرين إلى منقطع السماوة، ذكره أبو عبيد عن أبي عبيدة. وقال ابن عبد البر في ((التمهيد)) (1/172): ذكر ابن وهب عن مالك قال: أرض العرب مكة والمدينة واليمن، وقال أحمد بن المعذل: حدثني يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري قال: قال مالك بن أنس : جزيرة العرب المدينة ومكة واليمامة واليمن قال: وقال المغيرة بن عبد الرحمن: جزيرة العرب المدينة ومكة واليمن وقرياتها . اهـ . وذكر القاضي عياض في "مشارق الأنوار" (1/169) نحوه عن إسماعيل القاضي عن مالك، وعن البخاري عن المغيرة، قال القاضي: وحكاه (أي قول المغيرة) إسماعيل القاضي عن مالك؛ قال: هو كل بلد لم تملكه الروم ولا فارس .اهـ. ثم ذكر القاضي قول أبي عبيدة والأصمعي.
وقال النووي في ((شرح مسلم)) (10/ 213)، مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب: إخراجهم من بعضها وهو الحجاز خاصة؛ لأن تيماء من جزيرة العرب لكنها ليست منها الحجاز. والله أعلم . اهـ. وقال الحافظ في "الفتح" (6/171)، الذي يمنع المشركون من سكناه منها الحجاز خاصة وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها، لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب؛ لاتفاق الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها مع أنها من جملة جزيرة العرب؛ هذا مذهب الجمهور .اهـ.
وانظر: غريب الحديث لأبي عبيد (3/441 - 442)، وشرح النووي (10/213).
(12) في (ب) و(م) و(ز): ((لغيره)).
(13) تراجع (ح).(3/466)
هُصِيْصٍ. وقيل: اسمهُ: جبَّار (1) بنُ قيسٍ، %(1/291)% أحدُ بني العرقة (2) . قال الدارقطنيُّ: والأولُ أصحُّ.
وقيل: ((العرَقة)) - بفتحِ الراءِ؛ قاله الواقديُّ. وقال: إن أهلَ مكةَ يقولونَه كذلك. والأولُ أصحُّ، وأشهرُ (3) .
والأَكْحلُ: عِرْقٌ معروفٌ. قال الأصمعيُّ: إذا قُطع في اليدِ لم يَرْقَأِ الدمُ، وهو عِرقُ الحياةِ، في كلِّ عضوٍ منه شعبةٌ لها اسمٌ (4) .
وقوله: ((فضرب له رسول الله ? خيمةً في المسجد، يعوده من قريب)) هذا (5) نصٌّ على أن سعدًا كان مقيمًا في المسجدِ (6) في هذه الحالةِ، وقد ذكر في هذا الحديثِ بعدَ هذا: أن رسولَ الله ? أرسل إليه، فأتاه، فلما دنا قريبًا من المسجدِ، =(3/590)=@ قال رسولُ الله ?: ((قُومُوا إِلى سيدكم))، وظاهرهُ: أنه كان خارجًا عن (7) المسجدِ، وأنه أَتى إليه. وهذا إشكالٌ أَوْجبه (8) اعتقادُ اتخاذِ المسجدِ في الموضعين، وأن النبي (9) ? كان قد استدعى سعدًا - رضي الله عنه - لمسجدِه في المدينةِ (10) ، وليس الأمرُ كذلك، بل كان نازلاً على بني قريظةَ، ومنها وجَّه إليه، فيحتملُ أن يكونَ سعدٌ اختطَّ هنالك (11) مسجدًا يصلِّي فيه، فعبَّر الراوي عنه. وقال بعضُ علمائِنا: المسجدُ هنا تصحيفٌ من بعضِ الرواةِ، وإنما اللفظ: ((فلما دنا (12) من النبيِّ ?))؛ بدليلِ ما قد (13) جاء في كتابِ أبي داودَ (14) : ((فلما دنا من رسولِ الله ?))، فكأن الراويَ سمعَ: ((من النبي ?))، فتصحَّف (15) عليه. والله تعالى أعلمُ (16) .
وقوله: ((فلما رجع رسولُ الله ? من الخندق ووضعَ (17) السلاحَ، فاغتسل، فأتاه جبريل ?)) هكذا وقع في الروايةِ: ((فأتاه)) (18) بالفاء %(1/292)% والصوابُ: طَرْحُها؛ فإنه جوابُ ((لما))، ولا تدخلُ (19) الفاءُ في جوابِ ((لما)) (20) ، وكأنها زائدةٌ (21) ؛ كما زيدتِ الواوُ في جوابِها في قولِ امرئِ (22) القيسِ:
فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الْحَيِّ وَانْتَحَىبِنَا بَطْنُ حِقْفٍ ذِي رُكَامٍ عَقَنْقَلِ (23)
&(3/467)&$
__________
(1) في (أ): ((حَبَّار)) ووضع علامة الإهمال تحت الحاء. وفي (ب) و (م): ((حبان)). وانظر التعليق الآتي بعد.
(2) قوله: ((أحد بني العرقة)) سقط من (ز).
(3) زاد هنا في (أ) حاشية كتبها داخل المتن؛ نصها: ((ويقال بنت سعد القرشية السهمية، كنيتها أم فاطمة، وسميت العرقة بطيب ريحها؛ قاله المنذري)).
(4) ذكره القاضي والنووي والحافظ، عن الخليل وعبارة "العين": ((والأكحل عرق الحياة في اليد، وفي كل عضوٍ منه شعبةٌ على حدة)) . وكذلك ذكره الأزهري عن الليث، قال النووي: قال غيره (أي غير الخليل): هو عرق واحد، يقال له في اليد: الأكحل، وفي الفخذ النساء، وفي الظهر الأبهر .اهـ. زاد الفيوم: وفي العنق الوَدَج والوريد، وفي الظهر: النياط، والوتين في البطن،والأبجل في الرِّجل، والصافن في الساق .اهـ. وانظر: ((البين)) (3/ 62)، ((المحكم)) (3/ 43)، و"تهذيب اللغة" (4/ 62)، و"الإكمال" (6/ 106)، و"النهاية" (4/154)، و"شرح النووي" (12:\/94)، (14/ 197 - 198)، و"المصباح" (ص 336)، و"الفتح" (7/ 413).
(5) في (ب): ((وهذا)).
(6) في (م): ((على)).
(7) في (أ): ((من)).
(8) قوله: ((أوجبه)) في (م): ((أوفيه)).
(9) في (ي): ((رسول الله)).
(10) قوله: ((لمسجده في المدينة)) في (ب) و (ز): ((بمسجده بالمدينة)).
(11) في (أ): ((هناك)).
(12) قوله: ((فلما دنا)) سقط من (أ).
(13) سقط من (ح).
(14) في "سننه" (5/390 رقم5216) في الأدب، باب ما جاء في القيام، ولفظه: ((فلما كان قريبًا من المسجد قال للأنصار: قوموا إلى سيدكم)). وقريبًا من هذا اللفظ الذي ساقه المصنف: ما أخرجه البخاري (6/165 رقم3043) في الجهاد، باب إذا نزل العدو على حكم رجل. و(7/411 رقم4121) في المغازي، باب مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم، ولفظه: ((فلما دنا من المسجد، قال للأنصار: قوموا إلى سيدكم)).
(15) في (ي): ((فصحف)).
(16) ذكر نحو هذا القاضي عياض عن ((بعضهم))؛ قال: انظر قوله: ((من المسجد)) وكذا جاء في حديث شعبة في مسلم والبخاري، وأراه وهمًا، فإن كان أراد مسجد النبي ?؛ فقد جاء [منه] سعد بن معاذ وفيه كان، على ما سيأتي تفسيره في الحديث الآخر، والنبي ? إنما كان - حين وجه إليه - نازلا على بني قريظة، ومنها وجه [إلى] سعد ليأتيه، إلا أن يريد مسجدا [اختطه] النبي ? هناك كان يصلي فيه مدة مقامه، قال: والصحيح ما جاء في غير كتاب مسلم: ((فلما دنا من رسول الله ?))، أو : ((فلما طلع إلى رسول الله ? )) كذا جاء في كتاب أبي داود وابن أبي شيبة؛ فيحتمل أن ((المسجد)) تصحيف من لفظة ((النبي)) ?، وأن صوابه: ((فلما دنا من النبي ?))، كما جاء في الحديث الآخر في الأصول: ((فلما دنا من رسول الله ?)).اهـ.
وقد نقل كلام القاضي هذا النووي ولم يتعقبه لكن قال الحافظ: وقوله فلي هذه الرواية: ((فلما بلغ قريبًا من المسجد))، أي: الذي أعده النبي ?؛ أي: الذي أعده النبي ? أيام محاصرته لبني قريظة للصلاة فيه، وأخطأ من زعم أنه غلط من الراوي؛ لظنه أنه أراد بالمسجد: المسجد النبوي بالمدينة: وقال: ن الصواب ما وقع عند أبي داود من طريق شعبة أيضًا بهذا الإسناد بلفظ: ((فلما دنا من النبي ?)) انتهى. وإذا حمل على ما قررته لم يكن بين اللفظين تنافٍ، وقد أخرجه مسلم كما أخرجه البخاري كذلك.
انظر : ("الإكمال" (6/ 104)، و"شرح النووي" (12/93)، "والفتح" (7/ 124)، (7/412).
(17) قوله: ((ووضع)) في (أ) و(ح) و(ي): ((وضع)) دون واو العطف، ورواية المطبوع من "صحيح مسلم"، و"التلخيص" دون الواو، وذكر في الطبعة العامرة أن في نسخة ((ووضع))، وعليها كلام الشارح فأثبتناه؛ لأنه لو حذفت الواو، بطل الكلام على زيادة الفاء أصلاً. وانظر الآتي.
(18) زاد بعدها في (ب) و(م): ((جبريل)).
(19) في (ح): ((يدخل)) وهي غير منقوطة في (ب).
(20) قوله: ((ولا تدخل الفاء في جواب لما)) سقط من (أ).
(21) قال الحافظ في "الفتح" (7/413): قوله: ((فلما رجع النبي ? من الخندق وضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل)) هذا السياق يبين أن الواو زائدة في الطريق التي في الجهاد، حيث وقع فيه بلفظ: ((لما رجع يوم الخندق ووضع السلاح فأتاه جبريل))، وهو أولى من دعوى القرطبيِّ: أن الفاء زائدة ...، ودعوى زيادة الواو في قوله: ((وضع)) أولى من دعوى زيادة الفاء لكثرة مجيء الواو زائدة ووقع في أول هذه الغزاة: ((لما رجع من الخندق ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل)) فمن هنا ادعى القرطبي أن الفاء زائدة))، وانظر في مواضع زيادة الفاء "الأزهية" (ص246 - 248) "ومغني اللبيب" (ص 171 - 173)، وانظر تخريج بيت امرئ القيس الآتي.
(22) في (ي): ((امر))
(23) البيت من معلقة امرئ القيس المشهورة. انظر "المعلقات السبع" (ص24) أضف إليها تعليق على الجهاز.(3/467)
وإنما هو: ((انتحى))، فزاد الواوَ.
وقولُه: ((فقاتلهم رسول الله ? فنزلوا على حكم رسول الله ?، فرد رسول الله ? الحكم فيهم إلى سعد رضي الله عنه)) هذا تفسيرٌ؛ فينبغي أن يحملَ عليه ما ليسَ =(3/591)=@ بمفسَّرٍ مما في الروايةِ الأخرى: أنهم نزلوا على حكمِ سعدٍ، فإنهم إنما نزلوا على حكمِه بعد أن حَكَّمَهُ (1) رسولُ الله ? فيهم. ومن هذا الموضعِ يؤخذُ الحكمُ (2) الذي أشرنا إليه في الترجمةِ، وفيه ردٌّ على الخوارجِ المانعين للتحكيمِ في الدينِ، ولم يصرْ أحدٌ من علماءِ الصحابةِ ولا غيرِهم إلى مَنْعِه سِوى الخوارجِ (3) .
قال القاضي عياضٌ: ((والنزولُ على حكمِ الإمامِ أو غيرهِ جائزٌ، ولهم الرجوعُ عنه ما لم يَحكمْ، فإذا حكم لم يكنْ للعدوِّ الرجوعُ، ولهم أن ينقلوا من حكمِ رجلٍ إلى غيرِه (4) . وهذا كلُّه إذا كان الحَكَمُ ممن يجوزُ تحكيمُه من أهلِ العلمِ والفقهِ والديانةِ، فإذا حَكَم لم (5) يكن للمسلمين ولا للإمامِ المجيز لتحكيمِه نقضُ حكمهِ (6) ؛ إذا حكم بما هو نظرٌ للمسلمين من قتلٍ، أو سباءٍ (7) ، أو إقرارٍ على الجزيةِ، أو إجلاءٍ. فإن حكم بغيرِ هذا من الوجوهِ التي (8) لا يبيحُها الشرعُ لم ينفذْ حكمُه، لا على المسلمين، ولا على غيرِهم)) (9) .
%(1/293)% وقوله: ((قوموا لسيدكم أو خيركم)) استدلَّ بهذا مَنْ قال بجوازِ القيامِ للفضلاءِ والعلماءِ؛ إكرامًا (10) لهم، واحترامًا. وإليه مال عياضٌ، وقال: إنما القيامُ المنهيُّ عنه: أن يقامَ عليه وهو جالسٌ، وهو الذي أنكره النبيُّ ? على أصحابِه؛ حيثُ صلوا قيامًا وهو قاعدٌ للخَدْشِ الذي أصابه، فقال لهم: ((مَا لَكُمْ تَفْعَلُونَ &(3/468)&$
__________
(1) في (ز): ((حكم)).
(2) من قوله: ((سعد فإنهم إنما نزلوا ....)) إلى هنا، سقط من (ح)، و(ي).
(3) قال الحافظ فتح الباري (7/413 - 414):
قوله: ((فنزلوا على حكمه فرد الحكم إلى سعد)) كأنهم أذعنوا للنزول على حكمه ?، فلما سأله الأنصار فيهم رّدَّ الحكمَ إلى سعد، ووقع بيان ذلك عند ابن إسحاق؛ قال: لما اشتد بهم الحصار أذعنوا إلى أن ينزلوا على حكم رسول الله ?، فتواثبت الأوس فقالوا: يا رسول الله، قد فعلت في موالي الخزرج؛ أي بني قينقاع، ما علمت فقال: ((ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟)) قالوا: بلى، قال: ((فذلك إلى سعد بن معاذ)) وفي كثير من السير أنهم نزلوا على حكم سعدْ ويجمعُ بأنهم نزلوا على حكمِه [?] قبل أن يحكَّم فيه سعدٌ، وفي رواية علقمة بن وقاص المذكورة: ((فلما اشتد بهم البلاء قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله، ? فلما استشاروا أبا لبابة قال: ننزل على حكمه سعد بن معاذ. ونحوه في حديث جابر عند ابن عائذ؛ فحصل في سبب رد الحكم إلى سعد بن معاذ أمران؛ أحدهما: سؤال الأوس، والآخر: إشارة أبي لبابة. ويحتمل أن تكون الإشارةُ إثر توقفهم، ثم لما اشتد الأمر بهم في الحصار عرفوا سؤال الأوس، فأذعنوا إلى النزول على حكم النبي ? وأيقنوا بأنه يرد الحكم إلى سعدْ وفي رواية علي بن مسهر عن هشام بن عروة عند مسلم: ((فرد الحكم فيهم إلى سعد وكانوا حلفاءه)).
(4) عبارة القاضي: ((...من حكم رجل قبل حكمه إلى غيره)).
(5) في (ب): ((لمن)).
(6) قوله: ((المجيز لتحكيمه نقض حكمه)) لفظة ((لتحكيمه)) من (ح) و((الإكمال)) فقط، وفي سائر النسخ: ((لتحكيمهم)) ولفظة ((المجيز)) في (أ): ((المجيب))، و((نقض)) في (ح): ((أن ينقض)).
(7) في (ب)، و(م): ((إسار))، و((السِّباء)) - كـ ((كتاب)) - اسمٌ من سَبَى العدو يَسْبيِهِ سَبْيًا، والقصر في ((السباء) لغة. ((المصباح)) (ص 140), ((والإسار)) مصدرٌ لـ ((أسره يأسره))، كـ ((الأَسْر)) و((الإسار)) أيضًا: ما يشد به الأسير ((الصحاح)) (2/578).
(8) في (ب) و (م): ((الذي)).
(9) ((الإكمال)) (6/104).
(10) في (ي): ((وإكرامًا)).(3/468)
فِعْلَ =(3/592)=@ فَارِسَ وَالرُّومِ؛ يقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ)) (1) . وعليه حُمل قولُ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ: ((إن تَقوموا نقمْ (2) ، وإن تقعدوا نقعدْ، وإنما يقومُ الناسُ لربِّ العالمين (3) )). وقد رأيت (4) لعبدِالملكِ جوازَ قيامِ الرجلِ لوالديه، والزوجةِ لزوجِها. ومذهبُ مالكٍ: كراهيةُ (5) القيامِ لأحدٍ مطلقًا. واستُدلَّ له على ذلك بقوله ?: ((مَنْ سَرَّهُ (6) أَنْ يَتَمَثَّلَ (7) لَهُ النَّاسُ (8) قِيَامًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)) (9) . وعليه حُمِلَ قولُ عمرَ بنِ عبدِالعزيزِ، رضي الله عنه. وقد جاء في كتابِ أبي داود مَرْفوعًا: ((لَا تَقُومُوا كَمَا تَقُوُم الأَعَاجِمُ، يُعَظِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا)) (10) . ويعتضدُ هذا: بأن النبيِّ ? لم يكن يَقُوم (11) له أحدٌ (12) ، ولا يقوُم هو لأحدٍ. هذا هو المنقولُ من سيرتهِ، وعليه دَرَجَ الخلفاءُ رضوانُ اللهِ عليهم، ولو كان القيامُ لأحد من العظماءِ مَشْروعًا، لكان أحقَّ الناسِ بذلك رسولُ الله ? وخلفاؤُه. وَلَمْ فلا.
وتأوَّل بعضُ أصحابِنا حديثَ: ((قُومُوا إلىَ سَيدِكُمْ)) على (13) أنَّ ذلك خُصوصٌ بسعدٍ، لما تَقتضيه تلك الحالُ المعيَّنةُ والله تعالى أعلم (14) . وقال بعضُهم: إنما أمرَهم بالقيامِ له (15) ليُنْزِلوه (16) عن الحمارِ لمرضِه، وفيه بُعدٌ (17) . والله تعالى أعلمُ. %(1/294)%
واختلف تأويلُ الصحابةِ فِيمن عَنى النبيُّ ? بذلك؛ هل الأنصارَ خاصةً، أو جميعَ من حضر من الأنصار والمهاجرين، وعلى الجملةِ (18) : فهي قضيةٌ معينةٌ، محتمِلَةٌ، والتمسُّكُ بالقاعدةِ المقرَّرةِ أَوْلى. والله تعالى أعلمُ.
والسيدُ: المتقدِّمُ على قومِه بما فيه من الخصالِ (19) الحميدةِ. =(3/593)=@
وقوله: ((أو خيركم))؛ على جهةِ الشكِّ من الرَّاوي، وفي بعضِ طرقهِ في غيرِ كتابِ (20) مسلمٍ: ((قُومُوا إلى سيِّدكم)) (21) من غيرِ شكٍّ. &(3/469)&$
__________
(1) تقدم في الصلاة، باب إنما جعل الإمام ليؤتم به .
(2) في (ح): ((إن تقولوا تقم)).
(3) ((الإكمال)) (6/ 105). وانظر التعليق آخر كلام الشارح في المسألة.
(4) في (ز): ((رويت)).
(5) في (ح)، و(ي): ((كراهة)).
(6) في (ح)، (ي): ((أحب)).
(7) في (ب): ((يمثل)) وفي (م): ((يثمثل)).
(8) في (ح): ((الناس له)) و((الناس)) سقط من (ي).
(9) أخرجه ابن الجعد في "مسنده" (ص222 رقم1482)، وابن أبي شيبة (5/235 رقم25573) في الأدب، باب في الرجل يقوم للرجل إذا رآه، والبخاري في "الأدب المفرد" (2/441 رقم977)، وأحمد (4/91 و93 و100)، وعبد بن حميد (ص156 رقم413)، وأبو داود (5/397-398 رقم5229) في الأدب، باب في قيام الرجل للرجل، والترمذي (5/84 رقم2755) في الأدب، باب ما جاء في كراهية قيام الرجل للرجل، والدولابي في "الكنى" (1/95)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3/156رقم1127)، وابن أبي حاتم في "العلل" (2/336 رقم3531)، والطبراني في "الكبير" (19/351 و351-352 رقم819 و820 و821)، والبغوي في "شرح السنة" (12/295 رقم3330) من طريق ابن الجعد؛ جميعهم من طريق حبيب بن الشهيد، عن أبي مجلز، عن معاوية، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من سرَّه أن يتمثل له الناس قيامًا، فليتبوأ مقعده من النار)) قال الترمذي: ((هذا حديث حسن)).
وله طرق أخرى: فأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3/154 رقم1125)، والطبراني في "الكبير" (19/362 رقم852)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (13/193)؛ ثلاثتهم من طريق المغيرة بن مسلم، عن عبدالله بن بريدة، عن معاوية، فذكره بمعناه.
وصحح إسناده المنذري في "الترغيب" (3/421 رقم4003)، والألباني في "الصحيحة" (1/694-695 رقم357)، وفي تعليقه على "المشكاة" (3/1332 رقم4699)، وانظر "العلل" لابن أبي حاتم (2/336 رقم3531)، و"الفتح" (11/50).
(10) حديث مضطرب: أخرجه ابن أبي شيبة (5/235 رقم25572) في الأدب، باب في الرجل يقوم للرجل إذا رآه، وعنه أبو داود (5/398 رقم5230) في الأدب، باب في قيام الرجل للرجل، وابن حبان في "المجروحين" (3/159-160)، والطبراني في "الكبير" (8/278-279 رقم8072)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/469 رقم8937). وأخرجه أحمد (5/253)، والرامهرمزي في "المحدث الفاصل" (ص296-297)، والطبراني في "الكبير" في الموضع السابق؛ جميعهم من طريق ابن نمير، وأخرجه تمام (3/416 رقم1186) من طريق يحيى بن هاشم؛ كلاهما - ابن نمير، ويحيى بن هاشم -، عن مسعر - (في رواية: الرامهرمزي: سفيان!)، عن أبي العنبس، عن أبي العدبس، عن أبي مرزوق، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوكئًا على عصا، فقمنا إليه، فقال: ((لا تقوموا كما تقوم الأعاجم، يعظم بعضهم بعضًا)).
وأخرجه أحمد(5/253)، وعبدالغني المقدسي في "الترغيب في الدعاء" (ص76 رقم77)؛ كلاهما من طريق سفيان بن عيينة، عن مسعر بهذا الإسناد. لكن في رواية أحمد: عن أبي، عن أبي، عن أبي، ولم يذكر بقية كُناهم .
وأخرجه أحمد (5/256)، والروياني في "مسنده" (2/312-313 رقم1271)؛ كلاهما من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن مسعر، عن أبي العدبس، عن أبي خلف، عن أبي مرزوق، عن أبي أمامة، فذكره. فسقط من الإسناد: أبو العنبس، وأبو غالب. وزاد ((أبا خلف)). قال أبو حاتم: ((لم يعمل يحيى القطان في هذا شيئًا، إنما هو مسعر، عن أبي العنبس، عن أبي العدبس، عن أبي مرزوق، عن أبي غالب، عن أبي أمامة. "العلل" (2/26-27 رقم2095).
وأخرجه ابن ماجه (2/126 رقم 3836) في الدعاء، باب دعاء رسول الله ? عن علي بن محمد، عن وكيع، عن مسعر، عن أبي مرزوق عن أبي وائل، عن أبي أمامة فذكره. قال لامزي في "تحفة الأشراف" (4/183 رقم 4934) كذا عنده، وهو وهم والصواب الأول - أي: رواية أبي داود من طريق ابن أبي شيبة - ووقع في بعض النسخ المتأخرة: عن أبي مرزوق، عن أبي وائل، عن أبي أمامة، وهو وهم ممن دون المصنف .اهـ.
قال الحافظ في "الفتح" (11/50): ((وأجاب عنه الطبري، بأنه حديث ضعيف مضطرب السند، فيه من لا يعرف)).اهـ.
وقال الألباني في "الضعيفة" (1/521-522 رقم346): ((وفي إسناده اضطراب وجهالة ...، وهذا اضطراب شديد يكفي وحده في تضعيف الحديث، فكيف وأبو مرزوق لين كما قال الحافظ في "التقريب" [(ص1203 رقم8419)] وقال الذهبي في "الميزان" [(4/571-572 رقم1059)]: قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج بما انفرد به)). ثم ساق له هذا الحديث من الطريق الأول، ثم ساقه من طريق ابن ماجه، إلا أنه قال: ((أبي العدبس)) بدل: ((أبي وائل))، ثم قال: وهذا غلط وتخبيط، وفي بعض النسخ: ((عن أبي وائل)) بدل ((عن أبي العدبس)). وأبو العدبس مجهول؛ كما في "الميزان" للذهبي -(4/551 رقم10412)- و"التقريب" لابن حجر -(ص1177 رقم8311)-، وبه أعلَّ الحديث الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (2/181)؛ قال: ((...، والحق: أن الحديث ضعيف، وعلته ممن دون أبي غالب، كما سبق)).اهـ.
ويشهد له ما أورده مسلم، وهو عند المصنف في الصلاة، باب إنما جعل الإمام ليؤتم به برقم (328)، وفيه: ((إن كدتم آنفًا تفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا)).
(11) في (ح) و(ي): ((يقم)).
(12) أخرجه ابن أبي شيبة (5/235 رقم25574) في الأدب، باب في الرجل يقوم للرجل إذا رآه، والبخاري في "الأدب المفرد" (2/398 رقم946)، وأحمد (3/132 و134 و151 و250)، والترمذي (5/84 رقم2754) في الأدب، باب ما جاء في كراهية قيام الرجل للرجل، وأبو يعلى (6/417-418 رقم3784)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3/155رقم1126)، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي ?" (ص58) من طريق أبي يعلى، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/469 رقم8936)، والبغوي في "شرح السنة" (12/294-295 رقم3329)، والضياء المقدسي في "المختارة" (6/13 و13-14 و14 و14- 15 رقم 1958 و1959 و1960 و1961) من طريق ابن أبي شيبة، وأحمد، وأبي يعلى؛ جميعهم من طريق حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس. وفي رواية أحمد (3/134): حماد بن سلمة، عن ثابت أنس، مقرونة مع رواية حميد، عن أنس .
قال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه)). وقال البغوي: ((حسن صحيح)). وقال الألباني في "الصحيحة" (1/698رقم 358): ((وإسناده صحيح على شرط مسلم)).
من طريق ابن الجعد .
(13) سقط من (ب)، و(م).
(14) زاد في (ح): ((والله تعالى أعلم)) زيادة من(ح).
(15) سقط من (ح)، و(ز) و(ي). وفي (أ): ((لهم)).
(16) أخرجه ابن سعد (3/421-423)، وابن أبي شيبة (7/373-374 رقم36785) في المغازي، باب غزوة الخندق، وأحمد (6/141-142)، وابن حبان (15/498-501 رقم7028/الإحسان).
جميعهم من طريق محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبيه، عن جده، عن عائشة قالت: خرجت يوم الخندق أقفو أثر الناس ... الحديث مطولاً، وفيه: فلما طلع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((قوموا إلى سيدكم فأنزلوه)).
قال الحافظ في "الفتح" (11/51): ((وسنده صحيح)). وحسن إسناده الألباني في "الصحيحة" (1/143-145 رقم67).
(17) قال الحافظ في ((الفتح)): نقل المنذري عن بعض من منع ذلك مطلقًا أنه رد الحجة بقصة سعد بأنه ? إنما أمرهم بالقيام لسعد لينزلوه عن الحمار لكونه مريضا، قال: وفي ذلك نظر . قلت: (أي: الحافظ): كأنه لم يقف على مستند هذا القائل، وقد وقع في مسند عائشة بني قريظة وقصة سعد بن معاذ ومجيئه ، مطولا، وفيه: ((قال أبو سعيد : فلما طلع قال النبي ?: ((قوموا إلى سيدكم فأنزلوه)) وسنده حسن [وانظر تخيجه في التعليق السابق]، وهذه الزيادة تخدش في الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه)) . اهـ وقد ذكر ابن رشد في "البيان والتحصيل" للقيام أربعة أحوال: محظور؛ وهو لمن يريد أن يقام إليها تكبرا، ومكروه، لمن لا يتكبر لكنه يخشى دخول ذلك على نفسه. والثالث: جائز؛ وهو الذي على سبيل البر والإكرام لمن لا يريد ذلك، ويؤمن من دخول شيء من الكبر إلى نفسه. والرابع: مندوب وهو لمن قدم من سفر فرحًا بقدومه ليسلم عليه،ولمن تجددت له نعمة ليهنئه بحصولها وقال ابن القيم: القيام على ثلاثة مراتب: قيام على رأس الرجل، وهو فعل الدبابرة، وقيام إليه عند قدومه، ولا بأس به، وقيام له عند رؤيته وهو المتنازع فيه، وقد ألف النووي رحمه الله جزءًا في هذه المسألة مستدلا على جواز القيام، ورد عليه ابن الحاج في "المدخل" وقد ذكر أقوالهما ومناقشتهما الحافظ في "الفتح"، فلتنظر هناك!
وانظر: "البيان والتحصيل" (4/359 - 361)، وشرح النووي (12/93)، و((المدخل)) لابن الحاج (1/158 - 182)، و"حاشية ابن القيم" (8/82 - 83)، (92 - 93)، و"فتح الباري" (11/49 - 54).
(18) قوله: ((وعلى الجملة)) سقط من (ز).
(19) في (ح)، و(ي): ((الخلال)).
(20) سقط من (ح)، و(ي).
(21) أخرجه البخاري (6/165 رقم3043) في الجهاد، باب إذا نزل العدو على حكم رجل .(3/469)
وقوله ?: ((إن هؤلاء نزلوا على حكمك)) إنما قال له هذا بعدَ أن ردَّ له الحكمَ، كما قال في الروايةِ المتقدمةِ.
وقوله :((إني أحكمُ فيهم أن تُقتل المقاتلة، وتُسبى الذريةُ، وتُقسمَ (1) الأموالُ)) إنما (2) حكم (3) فيهم بذلك؛ لعظيمِ جناياتِهم؛ وذلك أنهم نقضوا ما بينهم وبين النبيِّ ? من العهدِ، ومَالَؤُوا عليه قريشًا، وقاتلوه، وسبُّوه أقبحَ سبٍّ؛ فاستحقوا (4) ذلك - لعنهم الله!. فلَمَّا حكمَ فيهم سعد بذلك، أخبره (5) بأنه (6) قد أصاب فيهم حكم الله، تنويهًا به، وإخبارًا بفضيلتِه،وانشراحِ صدرِه، ورَدْعًا للقومِ الذين (7) سألوا رسولَ الله ? في (8) أن يتركَهم، وأن يحسنَ فيهم (9) (10) ، فإنهم كانوا حلفاءَهم (11) . فلما جعل رسولُ الله ? حكمَهم إلى سعد انطلق مواليهم إلى سعدٍ (12) ، فكلَّموه في ذلك (13) ، وقالوا له: أَحْسِنْ في مواليكَ، فلما أَكثروا عليه، قال: أما إنه قد آنَ لسعدٍ ألا تأخذَه في الله لومةُ لائمٍ (14) . فلما سمعوا ذلك يَئِسوا مما (15) طلبوا منه (16) ، وعزَّى بعضهم بعضًا في بني قريظةَ. ومِن ههنا تظهرُ (17) خصوصيةُ سعدٍ بقولهِ – عليه السلام -: ((قوموا إلى سيدكم))، وأن الأولى أنه إنما قال ذلك لقومِه خاصةً دون غيرهم؛ لأن قومَه كلَّهم مالوا إلى إبقاءِ (18) بني قريظةَ، والعفوِ عنهم، إلا ما كان منه - رضي الله عنه - ؛ لا جرم لما مات اهتزَّ له عرشُ الرحمنِ (19) . وسيأتي بيانُ معناه، إن شاء الله تعالى. %(1/295)%
وفيه دليلٌ لمذهبِ مالكٍ في تصويبِ (20) أحدِ المجتهدين، وأنَّ لله تعالى في الوقائعِ (21) حُكْمًا معيَّنًا، فمن أصابه =(3/594)=@ فهو المصيبُ، ومن لم يصبْه، فهو المخطئُ، لكنه (22) لا إثمَ عليه إذا اجتهدَ. وقد تقدَّم هذا المعنى. وغاية (23) ما في هذا الحديثِ: أن بعضَ الوقائعِ فيها حكمٌ معيَّنٌ لله، لكن من أين يلزمُ منه (24) أن يكونَ حكمُ كلِّ واقعةٍ كذلك؟ بل يقال: إنها منقسمةٌ إلى ما لله فيه (25) حكمٌ معيَّنٌ، ومنها (26) ما ليس لله تعالى فيه (27) ذلك، وتكميلُ ذلك في علمِ الأصولِ. &(3/470)&$
__________
(1) في (أ): ((وتسبى)).
(2) في (ب)، و(م): ((وإنما)) وفي (ح)، و(ي): ((أما)).
(3) في (ح) و (ي): ((حكمه)).
(4) في (ز): ((واستحقوا)).
(5) في (ح)، و(ي): ((أخبر)).
(6) في (ز): ((أنه)).
(7) في (ح): ((الذي)).
(8) قوله: ((في)) سقط من (أ).
(9) في (ح): ((إليهم)).
(10) انظر "سيرة ابن هشام" (3/239)، وانظر "الفتح" ().
(11) في (ب): ((حلفاء لهم)) وفي (م): ((خلفاء لهم)).
(12) قوله: ((انطلق مواليهم إلى سعد)) سقط من (ح).
(13) قوله: ((في ذلك)) في (ي): ((فيهم)).
(14) طرف من حديث محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده، عن عائشة. وقد تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.
(15) في (ز): ((ما)).
(16) قوله: ((منه)) مثبتة من (أ) فقط.
(17) في (م): ((يظهر)).
(18) قوله: ((إبقاء)) سقط من (ح).
(19) سيأتي في النبوات، باب فضائل سعد بن معاذ .
(20) في (ح): ((تجويز)).
(21) في (ح)، و(ي): ((الواقع)).
(22) مطموسة في (ح).
(23) في (ي): ((وغايته)).
(24) قوله: ((منه)) سقط من (ح)، و(ي).
(25) قوله: ((ما لله فيه)) في (ز): ((ما فيه)).
(26) في (ح): ((ومن)).
(27) قوله: ((ليس لله تعالى فيه)) في (ز): ((ليس فيه)).(3/470)
وقوله: ((لقد قضيتَ بحكم الملك))؛ الروايةُ فيه (1) بكسرِ اللامِ؛ وهو الله تعالى؛ وكذلك في (2) الروايةِ الأخرى: ((بحكمِ (3) الله)).
وفي غيرِ كتابِ مسلمٍ: ((لَقَدْ حَكَمْتَ بِحْكْمِ اللهِ مِنْ فَوْقِ (4) سَبعةِ (5) أَرْقِعَةٍ)) (6) ، وهي السمواتُ، وهي (7) جمعُ رقيعٍ، كـ((رغيفٍ، وأرغفةٍ)).
والفوقيةُ هنا راجعةٌ إلى أن اللهَ تعالى أظهرَ الحكمَ لمن (8) هناك من ملائكتهِ، أو أثبته في اللوحِ المحفوظِ. ونسبةُ الفوقيةِ المكانيةِ إلى الله تعالى محالٌ؛ لأنه مُنَزَّهٌ عن الفوقيَّةْ (9) ، كما هو منزَّهٌ عن التحتيَّهْ؛ إذ كلُّ ذلك (10) من لوازمِ الأجرامْ، وخصائصِ الأجسامْ، ويتقدّسُ عنها الذي ليس كمثلِه شيءٌ من (11) جميع الأنامْ.
وقوله: ((وتحجَّر كَلْمُهُ للبُرْءِ)) (12) ؛ أي: تجمَّدَ، وتهيَّأ للإفاقةِ، فظنَّ (13) عند ذلك أنها =(3/595)=@ تُفيقُ، فقال عندَ ذلك ما ذَكره من الدُّعاءِ. %(1/296)%
وقوله: ((وإن كنتَ وضعتَ الحربَ بيننا وبينهم فافْجُرْها، واجعلْ موتي فيها))؛ هذا منه تَمَنٍّ للشهادةِ، وشوقٌ لما عندَ الله تعالى، وليس تمنيًا للموتِ؛ لضرٍّ نزل به الذي نهي عنه (14) .
وقوله: ((فانفجرت من لَبتَّه))؛ كذا الرِّواية (15) عن الأسديِّ (16) ، بالباءِ بواحدةٍ. وعن الصَّدفيِّ: ((من لِيتهِ)) (17) بلامٍ مكسورةٍ، وياءٍ باثنتين من تحتهِا (18) ساكنةٍ. وعندَ الخشنيِّ: ((من لَيْلَتِهِ))، قال: وهو الصَّوابُ. والَّلبَّةُ (19) : المَنْحَرُ (20) . واللِّيتُ: صَفْحَةُ العنقِ (21) .
وقوله: ((فإذا سعد جرحه يغِذُّ (22) )) بكسرِ الغينِ وتشديدِ الذالِ عند كافةِ الرواةِ، وعندَ بعضِهم (23) :((يَغْذُو))، ومعناه: يسيلُ، وهما لغتانِ؛ يقال: غَذَّ (24) الجرحُ يَغِذُّو مشدَّدًا، وغذا يغْذو، وأنشدوا (25) : %(1/297)%
بطَعْنٍ كَفَمِ الزِّقِّ غَذَا وَالزِّقُّ مَلآْنُ
&(3/471)&$
__________
(1) قوله: ((فيه)) سقط من (ح).
(2) قوله: ((في)) سقط من (ح)، و(ي).
(3) قال القاضي في "الإكمال" (6/ 105):
كذا رويناه في هذا الكتاب بغير خلاف، وقد ضبطه بعضهن في كتاب البخاري بالوجهين: فتح اللام وكسرها فالمعنى بـ ((الملِك)): الله تعالى . و((الملك)) بفتح اللام – إن صحت هذه الرواية – جبريل، والرواية الأولى أصح؛ لقوله في الحديث الآخر: ((بحكم الله)) .اهـ. وذكره الحافظ في ((الفتح)) أن رواية فتح اللام هي رواية القابس، ورواية الكسر هي رواية الأصيلي، في "صحيح البخاري" .
وانظر "مشارق الأنوار" (1/ 380)، و"النهاية" (4/359 – 360)، و"شرح النووي" (12/94)، و"الفتح" (7/412)، (11/54).
(4) في (ح): ((فوقع))!
(5) في (أ) و (ح) و(ز) و(م): ((سبع))، والمثبت من (ب)، و (م). وبه جاءت الرواية، وقيل في ((الرقيع)) إنه اسم للسماء الدنيا، وكل سماء بعد سماء فهي رقيع، قاله الحربي وأبو عبيد والجوهري، وإذا كانت اسمًا للسماء؛ فإن الأولى هنا تذكير العدد؛ فيقال: ((سبع أرقعة)) أي: سبع سموات. قال الجوهري وفي الحديث: ((من فوق سبعة أرقعة)) فجاء به على التذكير؛ كأنه ذهب به إلى ((السقف)) وذكره نحوه ابن سيده في "المحكم". انظر "المحكم" (1/204)، "الصحاح" (3/1223)، "غريب أبي عبيد" (/)، "غريب الحربي" (3/1031)، "تهذيب الأسماء واللغات" (3/118).
(6) أخرجه ابن إسحاق في "السير" (4/200)، ومن طؤقه الطري في "تاريخه" (2/101)، وفي "التفسير" (21/153) عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبدالرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، عن علقمة بن وقاص الليثي قال: قال رسول الله ...، فذكره .
قال ابن كثير في "تحفة الطالب" (1/458): ((وروى مثله سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في مغازيه، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، عن أبيه، عن معبد بن كعب بن مالك. وقد روي بإسناد جيد من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه)).اهـ.
(7) في (ح): ((وهو)).
(8) في (ز): ((من)).
(9) المؤلف رحمه الله متأثر بمذهب الأشاعرة في تأويل صفة العلو والفوقية لله عز وجل، والفوقية والعلو ثابتة بالكتاب والسنة حقيقة، وعليه اعتقاد أهل السنة والجماعة؛ إذ يثبتون أن الله عز وجل مستو على عرشه فوق سماواته، بائن من خلقه، عاليًا عليهم، يعلم أعمالهم، ويسمع أقوالهم، ويبصر أفعالهم، ويعلم ما تكن صدورهم، وما تخفى نفوسهم، ولا يخفى عليه شيء من أمورهم، والأدلة من الكتاب والسنة متواترة على ذلك ولا مجال لبحثها هنا .
وأما التحتية فالله منزه عنها؛ لأنها صفة نقص، ولأنه لم يرد لها دليل من الكتاب والسنة، ونحن متعبدون بوصف ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير تأويل أو تعطيل أو تشبيه أو تمثيل { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
(10) سقط من (ح) و(ي).
(11) في (ب) و(م): ((في)).
(12) في (ز) و(م): ((كلمته)).
(13) في (ي): ((وظن)).
(14) تقدم في الجنائز، باب النهي عن تمني الموت لضر نزل به، وانظر "الإكمال" (6/107).
(15) في (أ): ((للرواة))، وكانت ((الرواية)) فغيرها إلى ((للرواة)) . وعبارة القاضي عياض في "الإكمال" (6/107): ((كذا روايتنا عن الأسدي))..
(16) في (ز): ((الأسود)).
(17) في (ب): ((ليتته)).
(18) قوله: ((وياء باثنتين من تحتها)) في (ب) و(م): ((مثناة من تحت)).
(19) في (ح): ((والليلة)).
(20) في (ب)، و(م): ((النحر)).
(21) قوله: ((والليت صفحة العنق)) في (م): ((واللبة صفحة العين)).
قال القاضي في "مشارق الأنوار" (1/ 355): وقوله في حديث سعد: ((فانفجرت من لبته)) كذا عند أبي بحر ... وعند الصدفي: ((من ليته)) وهو صفحة العنق؛ بكسر اللام بعدها ياءي باثنتين تحتها: وللباجي: ((ليلته)) وهو إن شاء الله الصواب. وقال نحوه في "الإكمال" (6/ 107)، قال: ((كما جاء في الحديث الآخر))، ونقله عنه النووي في "شرح مسلم" (12/59)، لكن قال الحافظ في "الفتح" (7/415): قوله: ((فانفجرت من لبته)) بفتح اللام وتشديد الموحدة؛ هي موضع القلادة من الصدر، وهي رواية مسلم والإسماعيلي، وفي رواية الكشمهيني: ((من ليلته)) وهو تصحيف؛ فقد رواه حماد بن سلمة عن هشام فقال في روايته: ((فإذا لبته قد انفجرت من كلمة)) أي: من جرحه؛ أخرجه ابن خزيمة؛ وكأن موضع الجرح ورم حتى اتصل الورم إلى صدره، فانفجر من ثَم)).
وانظر "الصحاح" (1/217، 265).
(22) قوله: ((جرحه يغذ)) في (ح)، و(ي): ((يغذ جرحه)) .
(23) لم تتضح في (أ)، وبعدها علامة لحق، ولم يظهر شيء في الحاشية!
(24) في (ي): ((عند)).
(25) في (أ) و(ح) و(ي): ((وأنشد)).(3/471)
وعندَ ابنِ ماهانٍ: (( يَصُبُّ)) مكانَ(( يغذو)) (1) . وهو تفسيرٌ للَّفظِ (2) الأولِ. =(3/596)=@
وقوله (3) في الشعرِ: ((فما (4) فعلت قريظةُ والنضير (5) ))؛ الروايةُ عندَ الكافةِ بالفاءِ (6) هكذا، والصوابُ:((لما فَعَلَتْ قريظة والنضير (7) )) باللامِ المكسورةِ، وقد رواه بعضُهم هنا كذلك، وهي الروايةُ في السيرِ، ليس فيها (8) غيرُها.
وقوله – شعرٌ (9) - : ((تَرَكْتُمْ قِدْركم لا شيء فيهاوقدر القوم حامية تفور))؛ هذا ضربُ مثلٍ لعزَّةِ (10) الجانبِ، وعدمِ الناصرِ. ويريدُ بقولِه: ((تركتم قدركم)): الأوسَ؛ لقتلِ حلفائِهم من قريظةَ. و((قدرُ القومِ)): يعني به: الخزرجَ؛ لشفاعتِها لحلفائِها بني قينقاعِ، حتى مَنَّ عليهم النبيُّ ?، وتركَهم لعبدِالله بن أُبَيٍّ (11) ، وهو: أبو حُبابٍ المذكورُ في الشعرِ.
وقوله: ((كما (12) ثقلت بِمَيطانَ الصخور (13) )). ((مَيطان)): بفتحِ الميمِ (14) ، وبالنونِ، عليه أكثرُ الرواةِ، إلا أن أبا عبيدٍ (15) البكريَّ ضبطه بكسرِ الميمِ. قال: وهو من بلادِ مزينةَ =(3/597)=@ من أرضِ الحجازِ. ووقع في روايةِ العذريِّ: ((بميطار)) بالراءِ مكانَ النونِ. وفي (16) روايةِ ابنِ ماهانٍ:((بحيطان))، بالحاءِ مكانَ الميمِ. قال القاضي (17) عياضٌ – رحمه الله -: والصوابُ ما تقدَّم (18) . %(1/299)% وقائلُ هذا الشعرِ إنما قاله يحرِّض سعدًا على استحياءِ بني قريظةَ وحلفائهِم، ويلومهُ على فعلِه فيهم، ويذكره (19) بفعلِ أبي حبابٍ، عبدِالله بن أُبيٍّ، وشفاعتِه لحلفائه بني قينقاعٍ.
ويستفادُ من ضربِ رسولِ الله ? الخيمةَ لسعدٍ في المسجدِ، مع ما كان عليه من الجراحِ والدَّمِ: أن الضرورةَ أو الحاجةَ إذا دعت إلى مثلِ ذلك، جاز وإن أدَّى (20) إلى تلطيخِ المسجدِ بشيءٍ مما يكونُ (21) من المريضِ، لكنَّ ذلك على حَسَبِ الحاجةِ والضرورةِ. والله تعالى أعلمُ. هذا (22) إن تنَّزلْنا على أنه كان بمسجد مخطوطٍ (23) مباحٍ للمسلمين، وإن تنزلنا على أنه كان بمسجدِ بيتهِ كما تقدَّم لم ينتزعْ منه شيء (24) من &(3/472)&$
__________
(1) في (ح) و(ي): ((يغذ)).
(2) في (ز): ((لللفظ)).
(3) في (ح)، و(ز)، و(ي): ((قوله)).
(4) في (ح) و(ي): ((كما)).
(5) في (ب)، و(ح) و (م) و(ي): ((والنضير)).
(6) في (ي): ((بالكاف))!.
(7) قوله: ((قريظة والنضير)) من (ح) فقط، ووقع فيها: ((والنظير)).
(8) انظر "الإكمال" (6/ 108)، و"المشارق" (2/162)، و"شرح النووي" (12/96).
(9) قوله: ((شعر)) – زيادة من (ز) فقط.
(10) في (أ): ((لفرة)).
(11) أورده ابن هشام في "السيرة" (2/48): قال: قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: فحاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزلوا على حكمه، فقام إليه عبدالله بن أُبَي بن سلول حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد! أحسن في موالي، وكانوا حلفاء الخزرج، قال: فأبطأ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: يا محمد! أحسن في مواليّ .. الحديث، وفيه: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((هُمْ لك)).
ومن طريق ابن إسحاق: أخرجه الطبري في "تاريخه" (3/85).
وعاصم بن عمر بن قتادة: ثقة عالم بالمغازي، كما في "التقريب" ص 473 رقم 3088 وهو من صغار التابعين مات بعد العشرين ومائة. فروايته منقطعة، لكن جرت عادة أهل العلم أنهم يتساهلون في ذكر مثل هذه الروايات في السير والتاريخ .
(12) في (ز): ((فما)).
(13) سقط من (ي).
(14) كتبها في (ي): ((الواو)) ثم صوبها إلى ((الميم)) فوق حروف نفس الكلمة!
(15) في (ح) و(ي): ((عبيد الله)).
(16) في (ح) و(ي): ((وهي))!.
(17) سقط من (أ) و(ب) و(ز) و(م).
(18) وقد ضبطه ياقوت في "معجم البلدان" (5/243) بفتح أوله، وقال: من جبال المدينة مقابل الشوران به بئر ماء، وهو لمزينة وسليم.
(19) انظر "الإكمال" (6/108)، وشرح النووي (12/69)، و"الفتح" (10/415). وانظر قول أبي عبيد البكري عن "ميطار" في "معجم ما استعجم" (4/1484).
(20) كذا في (ب) و(م)، ورسمت في (أ) و(ح) و(ز) و(ي): ((ودى)).
(21) في (ح): ((تكون)).
(22) في (ز): ((وهذا)).
(23) قوله: ((بمسجد مخطوط)) في (ز): ((بمسجد مخصوص))، وفي (ي): ((بمسجده مخطوط)).
(24) في (ز): ((بشيء)).(3/472)
ذلك. والله تعالى أعلمُ (1) .
وقد قدَّمنا: أن المساجدَ الأصلُ فيها الأمرُ بتطييبِها (2) ، وتنظيفِها، ومباعدتِها عن الأنجاسِ والأقذار. ووجههُ الضرورةِ في حديثِ سعدٍ – رضي الله عنه-: أن النبيِّ ? لم يجدْ له موضعًا غيرَ المسجدِ، وكان بالنبيِّ ? حاجةٌ إلى معاهدتهِ، وَتَفَقُّدِ أحوالهِ، فلو حُمل إلى موضعِ بعيدٍ منه، أدَّى (3) إلى الحرجِ والمشقةِ على النبيِّ ?. وعلى هذا المعنى نبَّه الراوي بقولهِ: ((يَعُودُهُ مِنْ قَرِيبٍ)) والله أعلمُ (4) . =(3/598)=@ %(1/300)%
ومِن بابِ أخذِ الطعام والعَلُوفةِ من الغَنيمة من غيرِ تخميسٍ
حديثُ ابنِ مُغَّفلٍ (5) هذا يدلُّ: على جوازِ أخذِ الطعامِ من الغنيمةِ قبلَ القسمةِ؛ ألا ترى أنه ? أقرَّه على أخذِ الجرابِ بمَا فيه من الطعامِ، من الغنيمةِ قبلَ القسمةِ (6) ، وهو مما أجمع المسلمون عليه ما داموا في أرضِ الحربِ؛ على ما حكاه عياضٌ (7) . والجمهورُ على أنه لا يَحتاج في ذلك إلى إذنِ الإمامِ. وحُكي عن الزهريِّ: ((أنه لا يجوزُ إلا بإذنِ الإمامِ)) وإن لم يُوَافَقْ عليه (8) (9) .
ثم اختلفوا في القدرِ الذي يأخذُه الغانم؛ فقال الشافعيُّ (10) : لا يأخذُ منه إلا بقدرِ حاجتِه، فإن أخذ فوقَها أدَّى قيمتَه في المقاسِمِ. وكذلك إن أَخذ ما لا يضطرُّ إليه في القوتِ (11) ، كالأشربةِ، والأدويةِ. وأجاز مالكٌ له أخذَ مَا فَضَلَ عن &(3/473)&$
__________
(1) من قوله: ((هذا إن تنزلنا ....)) إلى هنا، سقط من (ح).
(2) في (ح): ((بتطيينها)).
(3) في (م): ((أدعى)).
(4) قوله: ((ابن مغفل)) في (ز)، : ((ابن معقل)) وفي (م): ((أبي مغفل)).
(5) قوله: ((والله أعلم)) زيادة من (ز) فقط.
(6) قوله: ((من الغنيمة قبل القسمة)) مثبت من (ح) و(ي) فقط.
(7) حكى الإجماع مع ذلك ابن عبد البر في "التمهيد" (2/19)، وذكره القاضي في "الإكمال" (9/114).
(8) قوله: ((وإن لم يوافق عليه)) كذا في (أ)، وهو ساقط وحده من (ب) و(م) و(ز). وضمن سقط آخر في (ح)، و(ي).
والصواب: ((ولم يوافق عليه))؛ أي: لم يوافق الزهري على ما روي عنه؛ وهي عبارة القاضي في "الإكمال" (6/114).
وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (2/ 19) بعد نقله هذه الرواية عن الزهري: وهذا لا أصل له؛ لأن الآثار المرفوعة تخالفه؛ ولم يقل به فيما علمت غيره)).
(9) ((كذا، وفي "معالم السنن" ((المغنم)) وفي الفتح ((المغانم)) ولعلها الصواب، المقاسم تحتمل)).
(10) من قوله: ((لا يجوز إلا بإذن ....)) إلى هنا سقط من (ح) و(ي).
(11) في (م): ((الفوت)).(3/473)
كفايتهِ وأكلهِ في أهلهِ؛ وقاله (1) الأوزاعيُّ، وذلك فيما قلَّ. وقال سفيان وأبو حنيفةَ: يَرُدُّ ذلك إلى الإمامِ. وأجازه الشافعيُّ مرةً. والجمهورُ على منعِ أن يخرجَ بشيءٍ من الطعامِ له قيمةٌ وبَالٌ إلى أرضِ الإسلامِ.
واختلفوا فيما يَحتاجُ إليه من غيرِ الطعامِ؛ كالسلاح والدَّوابِّ والثيابِ؛ ليقاتلَ به (2) ويركبَها (3) في قُفُولِه، ويلبَسَهُ في مُقامِه. فعن مالكٍ وأصحابِه في ذلك قولان: بالمنعِ مطلقًا، وبالجوازِ؛ وبه قال الثوريُّ، والحسنُ. وممن أجاز ذلك في وقتِ الحربِ: الشافعيُّ، وأحمدُ، وأبو حنيفةَ، =(3/599)=@ والجمهورُ. وقال ابنُ المنذرِ والخطابيُّ: إن هذا مما لم يختلِفْ أهلُ العلم فيه، إلا أن الأوزاعيَّ شَرَطَ في هذا إذنَ الإمامِ (4) .
واختلفوا فيما قلَّ قدره مما يحتاجُ إليه؛ كالجلدِ يَقْطَعهُ خِفافًا أو نِعالاً؛ فأجازه مالكٌ وغيرُه، وأحمدُ. ومنع ذلك الشافعيُّ وأصحابُ الرأيِ. وقال %(1/301)% الشافعيُّ: وعليه قيمتُه إن تلف، وأجرةُ استعمالِه، وما نقصه الانتفاعُ (5) . ولم يختلفْ فيما بِيعَ من طعامٍ أو (6) غيرِه؛ أنَّ ثمنَه مغنمٌ (7) .
وتبسُّم رسولِ الله ? إنما كان لما رأى من شدَّةِ حرصِ ابنِ مُغَفَّلٍ (8) على أخذِ الجِرابِ، ومن ضِنَّتِهِ به.
وفيه ما يدلًّ على جوازِ أكلِ شحومِ اليهودِ المحرَّمةِ عليهم؛ وهو مذهبُ أبي حنيفةَ، والشافعيِّ وعامةِ (9) العلماءِ، غير أن مالكًا كَرِهه؛ للخلافِ فيه. وحكى ابنُ المنذرِ عن مالكٍ تحريمَها، وإليه ذهب كُبراءُ أصحابِ مالكٍ. ومتمسَّكُ هؤلاء: أن ذكاتَهم لم تَعْمَلْ في الشحمِ، كما عَمِلتْ في اللحمِ؛ لأن الذكاةَ تتبعَّضُ عندَهم. والحديثُ حجَّةٌ عليهم (10) .
وفيه دليلٌ: على جوازِ ذبائحِ أهلِ الكتابِ، وقد أجمع أهلُ العلمِ على ذلك إذا ذكروا اسمَ الله عليها، وأكثرُ العلماءِ على أن المرادَ بقولِه تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} (11) : ذبائُحهم، إلا ما رُوي عن ابنِ عمَر – رضي الله عنهما - مِن كراهتِها؛ على ما حكاه الداوديُّ عنه (12) ، والمعروفُ عنِ ابنِ عمرَ: لا تؤكلَ ذبائحُهم ما لم يُسمُّوا اللهَ عليها (13) . وقد ذهب مالكٌ، والليثُ، والثوريُّ (14) ، والنخعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، وأصحابُ الرأي: إلى كراهة ما أَهلُّوا به (15) لغيرِ الله؛ من اسمِ المسيحِ، أو كنائسِهم، وأشباهِها.
وأباحه =(3/600)=@ عطاءٌ، ومجاهدٌ، ومكحولٌ، والشعبيُّ. ورأوا (16) : أن آيةَ المائدةِ ناسخة &(3/474)&$
__________
(1) في (ي) والمطبوع من "الإكمال" (6/114): ((وقال)).
(2) في (ح) و(ز) و(ي): ((بها)).
(3) في (أ): ((ويركبه)). وفي العبارة لف ونشر مرتب! وعبارة القاضي في "الإكمال" (6/114): ((ليقاتل عليه، ويركبه في رجوعه، ويلبسه مدة مقامه)).
(4) انظر "الأوسط لابن المنذر" (11/78 – 80))، و((معالم السنن)) (4/37). وانظر "الإكمال" (6/114 – 115).
(5) انظر "الأوسط" (11/73).
(6) في (ز): ((و)).
(7) انظر "الأوسط(11/71).
(8) في (ح): ((معقل)).
(9) في (ب) و(ز) و(م): ((وكافة)).
(10) ذكر النووي في"شرح مسلم" (12/102)، أن هذا قول ابن القاسم وأشهب من أصحاب مالك، وانظر "الإكمال" (6/114)، و"الفتح" (9/937)؛ قال الحافظ: ((وقال ابن القاسم: لأن الذي أباحه الله طعامهم، وليس الشحوم من طعامهم ولا يقصدونها عند الزكاة. وتعقب بأن ابن عباس فسر طعامهم بـ ((ذبائحهم)) ... وإذا أبيحت ذبائحهم لم يحتج إلى قصدهم أجزاء المذبوح، والتذكية لا تقع على بعض أجزاء المذبوح دون بعض، وإن كانت التذكية شائعة في جميعها دخل الشحم لا محالة، وأيضًا فإن الله سبحانه وتعالى نصه بأنه حرم عليهم كل ذي ظفر، فكان يلزم على قول هذا القائل أن اليهودي إذا ذبح ماله ظفر لا يحل للمسلم أكله، وأهل الكتاب أيضًا يحرمون أكل الإبل فيقع الإلزام كذلك)) .اهـ.
(11) سورة المائدة؛ الآية: 5.
(12) القول بأن المراد من الآية: الذبائح، ورد عن عدد من الصحابة والتابعين:
1 - ابن عباس: علّقه البخاري في "صحيحه" (9/636)، ووصله البيهقي من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس (9/282).
2 - علي بن أبي طالب: علّقه البخاري تمريضًا، وأخرجه عبدالرزاق (6/118 رقم10177).
وكأن البخاري رحمه الله ضعف رواية علي السابقة كما قال ابن حجر حيث وردت روايات مخالفة لذلك عن علي أيضًا .
أخرجه البيهقي في "سننه" (9/285)، ونحوه في "سنن الدارقطني" (4/296 رقم97)، وساق ابن حجر بإسناده إلى الشافعي في ذلك أثرًا .
أما كراهة ابن عمر لها فلم أجده من حكاية الداودي. ولعله ما جاء عن عبدالرزاق (6/120 رقم10187) فلينظر فيه .(يراجع التخريج وأسلوبه)
(13) .....
(14) قوله: ((والليث والثوري)) في (أ): ((والثوري والليث)).
(15) قوله: ((به)) سقط من (ح) و(ي).
(16) في (ب): ((ورووا)). وفي هامشها: ((ورأوا)) وفوقها: ((خ)).(3/474)
لآيةِ الأنعامِ، أو مُخصِّصةٌ لها (1) . وقالوا: قد علم الله أنهم يقولون ذلك، وقاله ابنُ حبيبٍ.
واختلفوا أيضًا إذا ذَبح ولم يُسَمِّ شيئًا؛ فمنعه أبو ثورٍ، وهو مذهبُ عائشةَ، وعليٍّ، وابنِ عمرَ (2) . وقال أحمدُ وإسحاقُ: لا بأسَ به.
واختُلف (3) إذا ذَبحوا ما كان لمسلمٍ، وغيرَ ملكِهم؛ فمنعَه ربيعةُ، واختلف فيه عن مالكٍ.والله أعلمُ (4) . %(1/302)%
ومن بابِ كتابِ النبيِّ ? إلى هِرَقْلَ
قولُ أبي سفيان: ((في المدة التي كانت بيني وبين (5) رسول الله ?))؛ يعني به: صلحَ النبيِّ ? مع قريشٍ بالحديبيةِ (6) ، وكانوا تَعاقَدوا على صلحٍ عشرَ سنينَ، فاستمرَّ (7) ذلك إلى أن نَقَضتْ قريشٌ العهدَ (8) ، فكان ذلك سببَ فتحِ (9) .
و((دِحية)): يقال بفتحِ الدالِ وكسرِها. قال ابنُ السِّكِّيتِ: هو بالكسر لا غيرُ. وقال أبو حاتمٍ: هو بالفتحِ لا غيرُ. قال (10) المطرِّز: الدِّحى: الرؤساءُ، واحدُهم: دِحيةَ (11) .
قلت (12) : وعلى هذا فالكسرُ هو الصوابُ، كما قال ابنُ السِّكيتِ؛ لأن: ((دحية (13) ، ودِحًى))، كـ((لحيةٍ، ولِحًى))، و((فِرْية، وفِرى)) (14) ، وهو القياسُ؛ لأن نظيرَه من الصحيحِ: ((قِرْبة &(3/475)&$
__________
(1) في (م): ((بها)). وآية المائدة تقدمت قريبًا، وآية الأنعام قوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه...} الآية (121). والقول بأن آية المائدة ناسخة لآية المائدة أو مستثناة منها، أو مخصصة لها، ذكره الطبري في تفسيره (12/87 رقم 13835) عن عكرمة والحسن.
قال الطبري: والصواب من القول عندنا أن هذه الآية محكمة فيما أنزلت، لم ينسخ منها شيء، وأن طعام أهل الكتاب حلال وذبائحهم ذكية، وذلك عما حرم الله مع المؤمنين أكله بقوله: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} بمعزلٍ، لأن الله إنما حرم علينا بهذه الآية المثبتة وما أهل به للطواغيت، وذبائح أهل الكتاب ذكية سموا عليها أو لم يسموا؛ لأنهم أهل توحيد وأصحاب كتب لله يدينون بأحكامها يذبحون الذبائح بأديانهم، كما يذبح المسلم بدينه، سمى الله على ذبيحته أو لم يسمه، إلا أن يكون ترك من ذكر تسمية الله على ذبيحته الدينونة بالتعطيل أو بعبادة شيء سوى الله، فيحرم حينئذ أكل ذبيحته، سمى الله عليها أو لم يسم.
(2) .....
(3) في (ز): ((واختلفوا)).
(4) قوله: ((والله أعلم)) زيادة من (أ) فقط.
(5) قوله: ((بيني وبين)) سقط من (ح) و(ي).
(6) سيأتي قريبًا في باب صلح الحديبية .
(7) في (ي): ((فاستمرت)).
(8) في (ب): ((العهد)).
(9) سيأتي في باب ما جاء أن فتح مكة عنوة، وقوله ? لا يقتل قرشي حبرا بعد اليوم.
(10) في (ح): ((وقال)).
(11) ذكر هذه الأقوال المازري في ((المعلم)) (3/ 240)، وعنه القاضي في "الإكمال" (6/117)، قال ابن اسيد بعد حكاية ابن السكيت: وحكاه غيره بالفتح، قال أبو عمرو: وأصل هذه الكلمة "السيد" بالفارسية . اهـ. وقال القاضي عياض في "المشارق"، وأصل هذه الكلمة "السيد" بالفارسية .اهـ . وقال القاضي عياض في "المشارق"؛ وقال أبو حاتم والأصمعي هو بالفتح لا غير .اهـ. وذكره في "تاج العروس" قول ابن بري أجاز ابن السكيت في "دحية الكلبي" فتح الدال وكسرها، وأما الأصمعي ففتح الدال وأنكر الكسر .اهـ. وما في "إصلاح المنطق" ذكره ابن السكيت في "باب ما هو مكسور الأول مما فتحته العامة أو ضمته" وقال النووي: هو بكسر الدال وفتحها لغتان مشهورتان اختلف في الأرجح منهما.
قال في "تهذيب اللغة": والدحية رئيس الجند، وبه سمي دحية الكلبي، وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: الدحية: رئيس القوم وسيدهم، بكسر الدال.اهـ. وجزم الجوهري وابن دريد أيضًا بالكسر، وظاهر ما رجحه القاضي عياض الكسر، كما رجح الشارح هنا؛ فإنه قال في "الإكمال": ((إنما هو هنا اسم لا صفة)) انظر "تهذيب اللغة" (5/190) و"جمهرة اللغة" (1/507)، "الاشتقاق" (ص 77 – 78) و"المحكم" (3/329 – 330)، و"مشارق الأنوار" (1/269 – 266)، "المشتبه" (ص284)، "توضيح المشتبه" (4/26)، "الصحاح (6/2334 – 2335)، "الفائق" (1/419)، "غريب ابن قتيبة" (3/736)، و"أدب الكاتب" (ص426)، "تهذيب الأسماء واللغات" (1/184)، "شرح النووي" (2،232) (12/103)، "إصلاح المنطق" (ص175)، "تاج العروس" (19/402) "المصباح" (ص101)، و"النهاية" (2/107)، والمغرب (1/283).
(12) في (ز): ((قال الشيخ))، وفي (ب) و(م): ((قال الشيخ رحمه الله)).
(13) من قوله: ((قلت وعلى هذا ....)) إلى هنا، سقط من (ح).
(14) قوله: ((وفرية وفرى)) كذا في (أ)، و(ب). وفي (ح) و(م): ((وقرية وقرى))، في (ز): ((وفدية وفدى))، وفي (ي): ((وقربة وقرا)). وما في (ز) صوابٌ، موافق أيضًا لما يريده الشارح، أما ما في (ح)، و(م) و(ي)، فلا.(3/475)
وقِرَبٌ)) (1) ، لكن لا يبعدُ أن يقالَ: إنه لما نُقل إلى العلميةِ غُيِّرَ بالفتحِ، كما قد (2) فعلتِ العربُ في كثيرٍ =(3/601)=@ من الأعلامِ (3) .
و((بُصْرى)) بضمِّ الباءِ، وهي من مدنِ الشامِ، وهي مدينةُ ((حَوْرَان)) (4) . و((التَرْجُمَانُ)): هو المعبِّر عنِ القومِ، يقالُ: بضمِّ (5) التاءِ (6) وفتحِها (7) . و(( هِرَقْل))- بكسرِ الهاءِ، وفتحِ الراءِ، وسكونِ القاف؛ وهو اسمٌ لكلِّ ملِكٍ للرومِ؛ ((كالنَّجَاشِي)): اسمٌ لكلِّ ملكٍ للحبشةِ، و((كِسْرَى)) (8) : اسمٌ لكلِّ ملِكٍ للفرسِ (9) . وقد قدَّمنا هذا في كتابِ (10) : ((الجنائز)). %(1/303)%
قلتُ (11) : إذا تأملتَ هذا الحديثَ علمتَ فطنةَ هذا الرجلِ، وجوّدةَ قريحتهِ، وحسنَ نظرِه (12) وسياستِه، وتثبتَهُ. وأنه علمَ صحةَ نًبوَّةِ نبِّينا محمدٍ ? وصِدْقَه. غير أنه ظهر منه بعدَ هذا ما يدلَّ (13) على أنه لم يؤمنْ، ولم ينتفعْ بذلك العلمِ (14) الذي حصل له؛ فإنه هو الذي جيَّشَ الجيوشَ على أصحابِ رسولِ الله ? (15) وقاتلهم، وأَلَّبَ عليهم، ولم يقصِّرْ في تجهيزِ الجيوشِ عليهمْ، وإرسالهِ إليهم (16) الجموعَ العظيمةَ من الرومِ وغيرِهمْ، الكرَّةَ بعدَ الكرَّةِ، فيهزمُهم اللهُ تعالى ويُهلكُهُمْ، ولا يَرجعُ إليهم (17) منهم إلا فَلُّهُمْ (18) ، واستمرَّ على ذلك إلى أن مات وقد فتح الله على المسلمين أكثرَ بلادِ الشام، ثم ولي ولدُه بعدَه، وعليه فُتحتْ جميعُ البلادِ الشامِيَّهْ، وبهلاكهِ هلكتِ المملكةُ الرومِيَّهْ. =(3/602)=@
وقوله: ((فإن كَذَبني فَكذِّبوه))؛ ((كَذَبني (19) )) بفتحِ الذالِ، وتخفيفِها، وبالنون؛ يعني: أنه إن كَذَبَ لي فأَظْهِروا كَذِبَه، وهو مما يُعدَّى بحرفِ الجرِّ وبغيرِه، يُقالُ (20) : كَذَبْتُه، وكذبتُ له. و((كَذِّبوه))- مشدَّد الذالِ-؛ أي: عرِّفوني بكذبهِ، وأَظهروا كذبَه، ولذلك أجلس أصحابَه خلفَه. وإنما سأل عن أقربِهم نسبًا منه؛ لأنه أعلمُ بدُخْلةِ (21) أمرِ صاحبِه في غالبِ الحالِ. وهذه كلُّها التفاتاتٌ من هرقلَ تدلُّ (22) على قوةِ عقلِه. &(3/476)&$
__________
(1) في (م): ((قرية)).
(2) سقط من (م).
(3) ذكره الزمخشري في "الفائق" (1/419)، قال: وروى أبو حاتم عن الأصمعي ((دحية الكلبي))، ولا يقال بالكسر، ولعل هذا من تغيرات الأعلام؛ كـ ((شمس)) و((مَوْهب)) و((الحجاج)). بالإمالة.
(4) قاله البكري، وهي بالقصر؛ قال: هي قصبة كورة حَوران، من أعمال دمشق؛ وانظر: معجم ما استعجم" (1/253، 474)، "معجم البلدان" (1/441)، (2/317، 500)، "الإكمال" (6/118)، "مشارق الأنوار" (1/116)، "تهذيب الأسماء" (3/35)، "شرح النووي" (3/69)، "فتح الباري" (1/38).
(5) في (أ): ((بكسر)).
(6) في (ح): ((الياء)).
(7) هذه إحدى لغات ((الترجمان))؛ فإنه يقال بفتح التاء والجيم معًا، وبضمهما معًا، وبفتح التاء وضم الجيم، قال الحافظ في الفتح: ولم يصرحوا بالرابعة وهي ضم التاء وفتح الجيم .اهـ. واختلف في تائه؛ هل هي أصلية، أو زائدة، فذكره الجوهري في ((رجم))، وقال ابن الأثير: والتاء والنون زائدتان .اهـ.
وقال الأصفهاني في باب ((رجم)): والتَّرجُمان: تَفْعُلان من ذلك: أي من ((المراجعة)) بمعنى المسابة.
واستخدم الفعل "ترجم" منه يدل على أصالة التاء؛ كما قال في "القاموس"، قال ابن جني: والتاء فيمن فتحها أصلية وإن لم يكن في الكلام مثال: ((جَعْفرُ))؛ لأنه قد يجوز مع الألف والنون من الأمثلة ما لولاهما لم يجز؛ من ذلك ((عُنْفوان)) ألا ترى أنه ليس في الكلام: ((فُعْلٌو)) إلا بالهاء، وكذلك ((خِنِظِيَان)) لأنه ليس في الكلام: ((فِعْلِي)) إلا بالهاء.
واختلف أيضًا هل هو عربيٌ، أو معرب ((درغمان))؛ قال الزبيدي: إذا كان معربًا فموضع ذكره هنا (أي في ترجم) لأنه حينئذ لا يشتق من ((رجم)) .اهـ.
وعلى القول بأنه عربي، اختلف في اشتقاقه؛ فقيل: من الرجم بالحجارة، لأن المتكلم يرمي به، وقيل: من الرجم بالغيب، لأن المترجم يتوصل إلى ذلك به؛ قولان لا تنافي بينهما.
وانظر: "المحكم" (7/409)، "تهذيب اللغة" (11/68)، "مشارق الأنوار" (1/120)، "الصحاح" (5/1928)، "الخصائص" (3/193 – 194)، "تهذيب الأسماء" (3/ 38)، "النهاية" (1/186)، "المصباح" (ص 43)، "تاج العروس" (16/ 73 – 74، 273).، و"فتح الباري" (1/34) (8/217)، و"المفردات" (ص346).
(8) قوله: ((وكسرى)) في (ب)، و(م): ((وقيصر وكسرى)) وفي سائر النسخ: ((وقيصر)) فقط. وانظر التعليق التالي.
(9) أما ضبط ((هرقل)) فبوزن ((دِمَشْق)) كما ضبطه الشارح، وذكره الجوهري بوزن ((خِنْدِف)) بكسر الهاء وسكون الراء وكسر القاف. وأما قول الشارح : ((وهو اسم لكل ملك للروم)) فقد ذكره الشارح في كتاب الجنائز – كما ذكر – عن بعض اللغويين، سمَّى منهم القاضي عياضٌ في كتاب الجنائز أيضًا من "الإكمال" ابنَ خالويه والمطرز؛ قال القاضي: وقال المطرز وابن خالويه وغيرها: النجاشي اسم لكل ملك من ملوك الحبشة، وكسرى اسم لملك الفرس، وهرقل اسم لملك الروم، وقيصر كذلك، وخاقان اسم ملك الترك، وتبع اسم لملك اليمن، والعَيْل ملك حمير)) وذكر نحوه ابن الجوزي في غريبه، لكن قال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" : ((وقيصر لقب لكل من ملك الروم... وكان اسم قيصر الذي كان بالشام وكتب إليه النبي ? كتابه: ((هِرَقل))... وتنازع ابنا عبد الحكم في أنه هل يقال له هرقل أم قيصر، وتراضا إلى الشافعي رحمه الله تعالى، فقال: هرقل وهو قيصر؛ فهرقل اسم علم له، وقيصر لقب)).اهـ. وكذلك ذكر الحافظ في "الفتح": أن هرقل اسمه، وقيصر لقب لكل من يملك الروم.
انظر "الصحاح" (5/1849)، "الإكمال" (3/414)، "غريب الحديث لابن الجوزي" (2/275)، "تهذيب الأسماء واللغات" (2/374 – 375)، "فتح الباري" (1/33) (8/216)، و"شرح الأبي" (5/104).
(10) كذا في (ي) فقط، وفي سائر النسخ: ((باب)).
(11) في (ز) ((قال الشيخ رضي الله عنه))، وفي (ب)، و(م): ((قال الشيخ رحمه الله)).
(12) في (ز): ((فكره)).
(13) قوله: ((ما يدل)) سقط من (ز).
(14) قوله: ((العلم)) سقط من (ح) و(ي).
(15) ....
(16) في (ز): ((لهم إليهم)).
(17) في (ح) و(ي): ((إليه)).
(18) في (ز): ((أقلهم))، والهمزة والنقطة الثانية واضح أنها مزيدة بخط مخالف. و((فَلُّ)): منهزمُهم، يستوي فيه الواحد والجمع؛ يقال: رجل فَلٌ، وقوم فَلٌّ، قال الجوهري: وربما قالوا: فُلُول وفِلالٌ. "الصحاح" (5/1793).
(19) قوله: ((كذبني)) سقط من (أ).
(20) سقط من (ب) و(م).
(21) في (ب) و(م): ((بداخلة)) ودَُِخْلةُ الرجلِ وداخلته: نيته ومذهبه وجميع أمره. "القاموس" (3/743).
(22) الرقم مثبت في المتن ولا يوجد تعليق بالهامش.(3/476)
%(1/304)%
وقولُ أبي سفيان: ((وَايْمُ اللهِ)) هي كلمةٌ محذوفةٌ من((أَيْمُنُ اللهِ)) تستعملُها العربُ اسمًا مرفوعًا في القسمِ على الابتداءِ، والخبرُ محذوفٌ. وقد اختلف النحويون فيها:
هل هي اسمٌ مفردٌ وهَمْزته (1) همزةُ وصلٍ، وإنما فُتحت همزتُه لأنه غيرُ منصرِفٍ (2) ، فخالف جميعَ هَمزاتِ الوصلِ، وهو مذهبُ سيبويِه.
أو هل هي جمعٌ ((يمين))، وهمزتُه همزةُ قطعٍ؛ لأنها همزةُ الجمعِ (3) . وهو قولُ الفراءِ، وهي عندَه (4) جمع (5) ((يمينٍ)).
وقولُ سيبويه أشبهُ؛ بدليل أنهم كَسروا همزتَها، وأنهم تصرَّفوا فيها بلغاتٍ مختلفةٍ، منها: ((إِيْمُنٌ الله)) (6) بالكسرِ، وبالفتحِ: ((أَيْمُنٌ))، وبحذفِ النونِ والهمزةِ وضمِّ الميمِ من((مُِ الله)) وكسرِها. وقد أبدل بعضُهم من الهمزةِ(( هاءً))، فقال: ((هيمن (7) الله)). وهذا النحوُ من التصرُّف لم تفعلْه العربُ في صيغِ الجموعِ.
وقوله: ((لولا أن يُؤثَر عَلَيَّ الكذبُ لكذبتُ عليه))؛ يعني: لولا أن يُتحدَّثَ ويُنقلَ عنه الكذبُ. وإنما وقع له هذا في ذلك الوقتِ لشدَّةِ عداوتهِ للنبيِّ (8) ? =(3/603)=@ وحسدِه (9) ، وحرصِه على إطفاءِ نورِه، ويأبى الله إلا أنْ يتمَّ نورَه! وفيه ما يدلُّ على أن الكذبَ مذمومٌ في الجاهليةِ والإسلامِْ، وأنه %(1/305)% ليس من خُلقِ الكرامِْ.
و(( الحسبُ)): الشرفُ. والحسيبُ من الرجالِ: هو الذي يَحْسُبُ لنفسِه آباءً أشرافًا (10) ومآثرَ جميلةً. وهو من الحِسابِ؛ وهو (11) العَدَدُ.
و((السِّجالُ)) مصدرُ: ساجَلَه، يُساجِلهُ (12) ، سِجَالاً: إذا نَاوَأَه (13) وقاومه. وأصله من السَّجْلِ؛ وهو: الدلوُ العظيمةُ التي (14) لا يستقلُّ واحدٌ برفعِها (15) من البئرِ؛ وقد فَسَّر معناه بقولِه: ((يُصِيبُ منَّا، ونُصيبُ (16) منه)) (17) .
وقوله: ((والله ما (18) أمكنني من كلمةٍ أُدخلُ فيها شيئًا غير هذه الكلمة))؛ يعني: أنه كان يعلمُ من خُلُقِ رسولِ الله ? الوفاءَ والصدقَ، وأنه يفي بما عاقدهم (19) عليه، لكن لما كان المستقبلُ غيرَ حاصلٍ في وقتهِ ذلك، لبَّس (20) بتطريقِ الاحتمالِ؛ تمويهًا بما يعلمُ خلافَه. &(3/477)&$
__________
(1) سقط من (ز).
(2) في (ح) و(ي): ((منصرف)).
(3) قوله: ((همزة الجمع)) في (ز): ((همزة جمع))، وفي (م): ((همزة بالجمع)).
(4) في (ح) و(ي): ((عندهم)).
(5) في (ز): ((جميع))
(6) قوله: ((واجد برفعها)) في (ز): ((واجد يرفعها)).
(7) في (ي): ((وهيمن)).
(8) قوله: ((عداومته للنبي ?)) كذا في (ي) فقط، وفي (أ) و (ح) و(ز): ((عداوته له وحده))، وفي (ب) و(م): ((عداوته له)) فقط.
(9) قوله: ((وحسده)) سقط من (ب).
(10) في (ز): ((أشراف)).
(11) قوله: ((الحساب وهو)) سقط من (ح).
(12) في (م): ((نساجله)).
(13) في (ز): ((ناوبه)) وفي (ي): ((ناوله)).
(14) قوله: ((العظيمة التي)) في (أ) و(ح) و(ي): ((العظيمة الذي))، وفي (ز): ((العظيم التي)). وتأنيث (الدلو) أكثر من تذكيرها . انظر "المصباح" (ص 105).
(15) قوله: ((واجد برفعها)) في (ز): ((واجد يرفعها)).
(16) تقرأ في (ي): ((ويصيب)).
(17) قال القاضي: أصله: من المستقيان بالسَّجْل؛ يكون لكل واحدٍ منهما سجل، والسجل الدلو الملأَى. اهـ . قال في "القاموس": السجل: الدلو العظيمة مملوءَةً. انظر "الإكمال" (6/119)، "القاموس" (3/393).
(18) في (ح) و(ي): ((أمكني)).
(19) في (ب) و(ح): ((عاهدهم))، وفي (م): ((عادهم)).
(20) في (ي): ((ليس)).(3/477)
وقولُ هرقل في الضعفاءِ: ((هم أتباعُ الرسل)) إنما كان ذلك لاستيلاءِ الرئاسةِ على الأشرافِ، وصعوبةِ الانفكاكِ عنها، والأنفةِ من الانقيادِ للغيرِ، والضعيفُ خَلِيٌّ (1) عن تلك الموانعِ (2) ، وهذا غالبُ أحوالِ أهلِ الدنيا، وإلا فَقَدْ ظهرَ أن السُّبَّاقَ =(3/604)=@ للإسلامِ كانوا أشَرافًا في الجاهليةِ والإسلامِ؛ كأبي بكرٍ، وعمرَ، وحمزةَ، وغيرِهم من الكبراءِ والأشرافِ. %(1/306)%
وقوله: ((وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها))؛ إنما كان ذلك لما خصَّ اللهُ به الأشرافَ من مكارمِ الأخلاقِ، والتباعدِ عن سَفْسَافِها (3) ، والصدقِ والأمانةِ، ولتنجذبَ النفوسُ إليهم؛ فإن الأبصارَ مع الصورِ، وأقلُّ ما في الوجودِ إدراكُ البصائرِ!.
وقوله: ((وكذلك (4) الإيمان حين يخالطُ (5) بشاشةَ القلوب))؛ هكذا وقعتْ هذه الروايةُ هنا، وفي البخاريِّ: ((حِينَ تُخالِطُ بَشَاشَتُهُ القلوب)) (6) ، وهي أوضحُ (7) . وأصل البشاشةِ: التلطُّفُ والتأنسُ عند اللقاءِ؛ يقال: بَشَّ به، وَتَبَشْبَشَ (8) . ومعنى هذا: أن القلوبَ المنشرحةَ إذا سمعت الإيمانَ وأصغْت إليه، بَشَّتْ له، ورَحَّبتْ بلقائِه، كما يُفعلُ بالغائبِ عندَ اللقاءِ، ثم إذا حلَّ (9) الإيمانُ في القلبِ انكشفتْ له محاسنُه، وتوالتْ عليه أنوارُه، حتَّى يكرهَ أن يعودَ في الكفرِ، كما (10) يكرهُ أن يُقذفَ في النارِ (11) . =(3/605)=@
وقوله: ((وكذلك الرسلُ تبتلى، ثم تكون لهم العاقبة)) ابتلاءُ الرسلِ بنحوِ ما ذَكر إنما هو ترفيعٌ لدرجاتِهم (12) ، وسترٌ لأحوالِهم، حتى لا يصيرَ العلمُ بهم ضروريًّا. والله تعالى أعلم.
و((العاقبة)) و((العقبى)) (13) : الخاتمةُ الحسنةُ. %(1/307)%
وقوله: ((هل قال هذا القولَ أحدٌ قبلَه؟ )) يعني: من عربِ (14) قومِه، وإلا فالرسلُ كثيرٌ، وقد كان في العربِ غيرَ قومِه رسلٌ، كهودٍ، وصالحٍ، كما ذُكر (15) في حديثِ أبي ذرٍّ – رضي الله عنه (16) - ولذلك قال تعالى: {لتنذر (17) قومًا ما أنذر آباؤهم} (18) ؛ أي: لم (19) يُبْعَثْ في آبائِهم المشهورِين عندَهم رسولٌ يُنذِرهُم. وهو قولُ المحقِّقين من &(3/478)&$
__________
(1) في (م): ((جلي)).
(2) في (م): ((المواضع)).
(3) في (ز): ((سفهائها)).
(4) في (أ) و(ي): ((كذلك)).
(5) قوله: ((حين يخالط)) الرواية في مطبوع "صحيح مسلم" و"التلخيص": ((إذا خالط)).
(6) في "صحيحه" (1/31-33 و125 رقم7 و51) في بدء الوحي، باب وفي الإيمان، و(6/109 – 111 رقم 2941)، في الجهاد، باب دعاء النبي ? الناس إلى الإسلام والنبوة...
(7) كذا قال القاضي في "الإكمال"، لكن ظاهر ما ذكره أن هذه الرواية التي رجحها موجودة في "كتاب مسلم"؛ فإنه قال: ((قوله: كذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب)) أصل البشاشة: اللطف بالرجل وتأنيسه؛ يقال: بش وبشش (كذا)، وهذه الرواية أصح من رواية ((بشاشة القلوب)). ولم يذكر النووي اختلافًا في الرواية في "كتاب مسلم"، ولم يُذكر كذلك في الطبعة العامرة اختلاف نسخ.
انظر: "الإكمال" (6/119)، "والمشارق" (1/101)، و"شرح النووي" (12/106)، و"فتح الباري" (1/36 – 37).
(8) كذا في (ب)، و(م)، وفي سائر النسخ: ((وبشبش)) والمثبت موافق لما في "الصحاح" و"القاموس" و"النهاية"، و"غريب ابن قتيبة" و"شرح النووي" ووقع في مطبوع "الإكمال": ((وبشش)).
قال ابن قتيبة في تفسير "يتبشبش": هو من البشاشة، وهو "يتفعّل"، إلا أنهم يستثقلون الكلمة إذا جاءت على هذا الوزن، وذلك لأنه يجتمع فيه ثلاثة أحرف، فيبدلون الأوسط منها" .اهـ.
أي أن أصله – كما قال الجوهري أيضًا – "يبشَّش، فأبدلوا من الشين الوسطى فاءَ الفعل، أي: الباء.
انظر: "غريب ابن قتيبة" (1/414)، "الصحاح" (3/996)، "الإكمال" (6/119)،، "المشارق" (1/101)، و"شرح النووي" (12/106)، "فتح الباري" (1/36 – 37)، النهاية (1/130).
(9) في (ح): ((ثم أدخل)) وفي (م) ((اذا خلى)).
(10) في (ي): ((بما))
(11) طرف من حديث تقدم في الإيمان، باب من يذوق طعم الإيمان وحلاوته .
(12) قوله: ((ترفيع لدرجاتهم)) في (ز): ((لترفيع درجاتهم)).
(13) حُذف الهامش ومثبت الرقم بالمتن
(14) تقرأ في (ز): ((عرف)).
(15) في (ز): ((ذكرنا)).
(16) أخرجه ابن حبان (2/76-79 رقم361/الإحسان)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/166-168)؛ كلاهما من طريق إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني، عن أبيه، عن جده، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس وحده ...، فذكر الحديث بطوله، وفيه: قلت: يا رسول الله! كم الأنبياء؟ قال: ((مائة ألف وعشرون ألفًا))، قلت: يا رسول الله! كم الرسل من ذلك؟ قال: ((ثلاث مائة وثلاثة عشر جَمًّا غفيرًا))، قال: قلت: يا رسول الله! من كان أولهم؟ قال: ((آدم))، قلت: يا رسول الله! أنبي مرسل؟ قال: ((نعم، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلاً))، ثم قال: ((يا أبا ذر! أربعة سريانيون: آدم، وشيث، وأخنوخ؛ وهو إدريس، وهو أول من خط بالقلم، ونوح، وأربعة من العرب: هود، وشعيب، وصالح، ونبيك محمد)).
وسنده ضعيف جدًّا؛ إبراهيم بن هاشم، كذبه أبو حاتم وأبو زرعة، وقال الذهبي: ((متروك، وهو صاحب حديث أبي ذر الطويل)). "الجرح والتعديل" (2/142-143 رقم469)، و"الميزان" (1/72-73 رقم244).
(17) في (ب) و(ح): ((لينذر)).
(18) سورة يس؛ الآية: 6 .
(19) في (م): ((لن)).(3/478)
المفسِّرين (1) . وقد دلَّ عليه قولُه تعالى في آية أخرى: {لتنذرَ قومًا ما أتاهم من نذير من قبلك} (2) .
و((الصلةُ))؛ يعني بها: صلةَ الأرحامِ (3) . و((العفافُ))؛ يعني به: عن الفواحشِ.
وقوله: ((إن يكنْ ما تقولُ (4) حقًّا فإنه نبيٌّ))؛ هذا الكلامُ محذوفُ المقدمةِ الاستثنائيةِ (5) ؛ لدلالةِ الكلامِ عليها؛ وتقديرُها: لكنَّ ما تقولُ حقٌّ (6) فهو نبيٌّ. ويدلُّ =(3/606)=@ على أن هذا مرادُه قطعًا الكلامُ (7) الذي بعدَه؛ فإنه قَطَعَ فيه بنبوَّتِه، فتأملُهُ.
وقوله: ((وقد (8) كنتُ أَعلم أنه خارج))؛ أي بما (9) في الكُتبِ التي اطَّلعَ عليها، والبشائرِ (10) (11) به، والإخبارِ (12) بمجيئهِ، ووقتهِ، وعلاماتِه.
وقوله: ((ولم أكن أظن أنه منكم)) (13) ؛ كأنه (14) استبعد أن يكونَ نبيٌّ من العربِِ؛ لما كانوا عليه من الأعمال الجاهليَّهْ، والطبيعةِ الأميَّهْ، والحالةِ الضعيفةِ الزريَّهْ (15) ، وتمسّكًا بكثرةِ الرسلِ في الملةِ الإسرائيليَّهْ (16) ، وقد كان كلُّ ذلك، لكن جَبَر الله صَدْعَ هذه الأمَّهْ؛ بأن اختصَّهم بهذا الرسولِ العظيمِ الذي شرّفهم بهِ وكرَّمهم حتى صيَّرهم خيرَ أمَّهْ (17) ، والحمدُ (18) للهِ على هذهِ النعمَهْ. %(1/308)%
وقوله: ((ولو أنِّي (19) أعلم أنِّي أخلص إليه لأحببتُ لقاءه))؛ هكذا جاءت هذه الروايةُ عندَ جميعِ رواةِ مسلمٍ، وفيها بُعدٌ. وأوضحُ منها ما جاء (20) في البخاريِّ (21) : ((لتجشَّمتُ لقاءَه))؛ أي: لتكلَّفتُ ذلك على مشقتِه (22) .
وقوله: ((ولو كنتُ عنده لغسلتُ عن قدميه (23) ))؛ أي: إكرامًا واحترامًا وخدمة (24) ؛ فهو على ظاهرِه، ويحتملُ أن يريدَ المبالغةَ في طاعتِه وامتثالِ أمرِه، حتى يكونَ بصورةِ مَنْ يباشرُ هذا الأمرَ (25) .
وقوله: ((وليبلغنَّ مُلْكُه ما تحت قدمي))؛ يعني بذلك أرضَه التي كان فيها، ومملكتَه التي كان عليها وكذلك كان؛ وهذا منه تحقيقٌ لنبوَّتِه ?، وعلمٌ بما يفتحُ (26) &(3/479)&$
__________
(1) قاله قتادة وهو اختيار أكثر المفسرين ومعربي القرآن؛ كالعكبري ومكي والأنباري والزجاج، والزمخشري على أن ((ما)) هنا نافية لا محل لها من الإعراب، ويكون ((آباؤهم)) هم القريبين منهم.
وقيل بإثبات النذارة، ويكون المراد آباؤهم الأولون من ولد إسماعيل، وتكون ((ما)) على هذا: اسمًا موصولاً، أو نكرة موصوفة، أو مصدرية، أو زائدة. انظر: "تفسير الطبري" (20/491 - 492) (ولم يرجح)، و"إعراب النحاس" (3/383)، "مشكل إعراب القرآن" لمكي (2/599)، "تفسير البغوي" (3/632)، "الكشاف" (5/165)، "التبيان" (2/1079) "تفسير القرطبي" (15/11)، "البحر المحيط" (7/310)، "الدر المصون" (9/246)، "اللباب" لابن عادل (16/169 - 170).
(2) سورة السجدة؛ الآية: 3.
(3) في (ز): ((الرحم)).
(4) في (م): ((يقول))، وفي (ي): ((يقوله)).
(5) قوله: ((محذوف المقدمة الاستثنائية)) في (ب) و(ز): ((محذوفا مقدمة الاستثناية))، وفي (م): ((محذوف مقدمة الاستثناء به)).
(6) في (أ) و(ي): ((حقًا)). وفي (م): ((يقول حق)).
(7) سقط من (ح)، وفي (ي): ((للكلام)).
(8) في (ب) و(ز) و(م): ((قد)) دون الواو.
(9) في (أ): ((لما)).
(10) في (ح): ((في البشائر)).
(11) قوله: ((والبشائر)) في (ح): ((في البشائر)).
(12) زاد بعده في (ز): ((والبشائر)).
(13) في (م): ((فيكم)).
(14) في (ح): ((كأن)).
(15) في (ب) و(م): ((الردية))، وفي (ح): ((الرزية)).
(16) قال الحافظ في "الفتح" (8/219): ((وزعم بعض الشراح (لعله يعني أبا العباس القرطبي) أنه كان يظن أن من بني إسرائيل لكثرة الأنبياء فيهم، وفيه نظر؛ لأن اعتماد هرقل كان على ما اطلع عليه من الإسرائيليات وهي طافحة بأن النبي الذي يخرج في آخر الزمان من ولد إسماعيل، فيحمل قوله: ((لم أكن أظن أنه منكم)) أي: من قريش)) .اهـ.
(17) في (م): ((الأمة)).
(18) في (ب): ((الحمد)).
(19) سقط من (ب) و(ز) و(م).
(20) ((جاء)) من (ح) فقط، وليس في سائر النسخ.
(21) في "صحيحه" (1/31-33 رقم7) في بدء الوحي، باب، و(6/109-111 رقم2941) في الجهاد، باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس إلى الإسلام والنبوة .
(22) في (ب)، و(ح)، و(ي)، و(م): ((مشقة)).
وقال القاضي عياض عن رواية البخاري: وهو أصح في المعنى من أحببت. ويحتمل أن ((أحببت)) مغيرة منها. والتجشم هو تكلف الوصول إليه على ما فيه من المشقة عليه؛ لبعد داره ومخالفة حاله، ولكنه رأى أن تخلصه إليه بعيد؛ من كثرة من بينه وبينه ممن كان يختطفه ويحول بينه وبين الوصول إليه، ولما كان من الملك الذي كان يزول عنه، وكأن الإسلام لم يتمكن من قلبه ولم يرد الله سبحانه هدايته كما أراد هداية النجاشي.اهـ. وقال في "المشارق": والأول (أي رواية البخاري) أوجه وأليق بالكلام؛ لأن الحب والنية لا يصد عنها لأنها تملك، كما يصد عن العمل الذي لا يمكل في كل حين .اهـ. قال النووي: ولا عذر له في هذا؛ لأنه قد عرف صدق النبي ?، وإنما شح في الملك ورغب في الرياسة فآثرها على الإسلام.اهـ.
انظر: "الإكمال" (6/121)، و"مشارق الأنوار" (1/160 - 161)، و"شرح النووي" (12/107)، و"فتح الباري" (8/219).
(23) في (أ): ((قدمه)).
(24) في (ز): ((وحرمة)).
(25) من قوله: ((فهو على ظاهره ....))، من (أ) فقط. قال الحافظ في "الفتح" (1/37): ((وفي اقتصاره على ذكر غسل القدمين إشارة منه إلى أنه لا يطلب منه إذا وصل إليه سالمًا لا ولاية ولا منصبًا، وإنما يطلب ما تحصل له به البركة)).
(26) في (ب)، (م): ((فتح)).(3/479)
الله عليه، وبما ينتهي إليه أمرُه. ومع ذلك ففي (1) البخاريِّ (2) : أنه استمرَّ على كفرِه، فنعوذُ باللهِ من علمٍ لا ينفعُ. =(3/607)=@
وقولُه ? في الكتابِ الذي كَتبه (3) إليه: ((إلى هرقل عظيم الروم))؛ أي: الذي تُعظِّمُه الرومُ، وهو مفاتحةٌ (4) بخطابِ استلطافْ، يقتضي (5) التأنيسَ والاستئلافِْ، مع أنه حقٌّ في نفسِه، فإنه كان معظَّمًا في الرومِ، وكان أعظمَ ملوكِهم (6) .
وقوله: ((سلامٌ على من اتبع الهدى))؛ عدولٌ عن السلامِ عليه - لأن الكافرَ لا يُفاتَحُ بالسلامِ - إلى التعريضِ له باتباعِ طريقٍ الهدايةِ (7) ، وقد رأىَ بعضُ أهلِ العلمِ: أن السلامَ على أهلِ الكفرِ والبدعِ (8) هكذا يكونُ.
و((دعايةُ الإسلام)) بكسرِ الدال، وهي في أصلِها: مصدر: ((دعا، يدعو، دعوةً، ودعايةً))؛ كـ((رمى، يرمي، رَمْية، ورِمايةً))، و((شكا، يشكو، شَكْوةً، وشِكاية)). ويعني بها هنا (9) : كلمتَيِ الإسلامِ؛ وهي: شهادةُ أن لا إله إلا اللهُ، %(1/309)% وأنَّ محمدًا رسول الله. وأما روايةُ: ((دَاِعية)) فهي صفةٌ لـ((الكلمةِ)) المحذوفةِ؛ فكأنه قال: بالكلمةِ الداعيةِ للإسلامِ. &(3/480)&$
__________
(1) في (أ): ((في)).
(2) يشير إلى ما ورد في "صحيح البخاري" (1/31-33 رقم7) في بدء الوحي، باب، وفيه: ((إني قلت مقالتي آنفًا أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت، فسجدوا له ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل)).
(3) قوله: ((كتبه إليه)) في (ب): ((كتبه النبي ? إليه)) وفي (م): ((كتب إليه النبي ?)).
(4) في (ح): ((مفاتحته)).
(5) في (ي): ((ويقتضي)).
(6) ولم يقل له ?: ((إلى ملك الروم)) لما تحت هذه الكلمة من المعاني التي لا يستحقها إلا من أوجبه له الإسلام، ولما فيه من التسليم له بالمِلْكِ لهم))؛ قال القاضي عياض، قال الحافظ: وذكر المدائني أن القارئ لما قرأ: ((من محمد رسول الله إلى عظيم الروم)) غضب أخو هرقل واجتذب الكتاب، فقال له هرقل: مالك؟ فقال: بدأ بنفسه وسماك صاحب الروم!، فقال هرقل: إنك لضعيف الرأي، أتريد أن أرمي كتابًا قيل أن أعلم ما فيه؟!، لئن كان رسول الله إنه لأحق أن يبدأ بنفسه، ولقد صدق؛ أنا صاحب الروم، والله مالكي ومالكهم)). "الإكمال" (6/123)، و"الفتح" (8/220).
(7) قوله: ((التعريض له باتباع طريق الهداية)) كذا في (أ) و(ب) و(م). وفي (ح) و(ي): ((التعريض باتباع الهداية))، وفي (ز): ((التعريض باتباع طريق الهدي)).
(8) قوله: ((أهل الكفر والبدع)) في (ح): ((أهل البدع والكفر)).
(9) في (ح): ((هاهنا)).(3/480)
وقوله: ((أسلمْ تسلم))؛ يعني: اُدْخُلْ في دينِ (1) الإسلامِ تَسلمْ في الدنيا من الخزيِ، وفي الآخرة من العذابِ، وهو من التجنيسِ البديعِ.
وقوله: ((يؤتك الله أجرك مرتين))؛ يعني: باتباعهِ لدينِ عيسى، وباتباعهِ لدينِ محمدٍ صلى الله عليهما وسلم، وهذا كقوله ?: ((ثَلَاثَةٌ (2) يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ، ثُمَّ أَدْرَكَ النَّبِيَّ ? فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، فَلَهُ أَجْرَانِ)) (3) .
قلتُ (4) : وهذا إنما يتحصَّلُ للكتابيِّ إذا كان مُتَّبعًا لدينِ (5) نبيِّه من (6) الاعتقادِ الصحيحِ، والعملِ على مقتضَى شريعتهِ. أما لو اعتقد في عيسى أو في الله تعالى ما لم تجئْ به شريعتُه، فلا يحصلُ له أجرانِ إذا أسلم، بل أجرُ الإسلام خاصةً؛ =(3/608)=@ لأنه لم يكنْ على شريعةِ عيسى، ولا على غيرِها (7) (8) ، فلم يتبْعه؛ فلا يحصلُ له أجرٌ (9) .
وقوله: ((فإن توليت فإن عليك (10) إثم الأريسيين))؛ يروى: ((الأريسيين)) (11) بالهمزةِ، وبالياءِ (12) مكانَ الهمزةِ؛ فيقال: ((اليريسيين)) (13) : فأما بالهمزةِ: فقيل: همُ الملوكُ (14) ، وقيل: الأَكَّارون، وهم الفَّلاحونَ. قال ابنُ الأعرابيِّ: ((أَرس، يأرس (15) ، أرسًا: إذا صار رَئيسًا. فيكونُ معناه: أنه إن أعرضَ عن الدخول في الإسلامِ كان عليه إثمٌ من اتبعَه من رؤساءِ مملكتِه ورعاياه. قال أبو عبيدٍ: ليس الفلاحون الزارعينَ (16) فقطْ، لكن أراد بهم &(3/481)&$
__________
(1) قوله: ((دين)) سقط من (ح)، (ي).
(2) في (ز): ((ثلاث)).
(3) تقدم في الإيمان، باب مضاعفة أجر الكتابي إذا آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وشدة عذابه إذا لم يؤمن .
(4) في (ب) و(م): ((قال الشيخ))، وفي (ز): ((قال الشيخ رضي الله عنه))
(5) في (ز): ((لذين)).
(6) في (ح) و(ي): ((في)).
(7) في (أ) و(ح) و(ي): ((غيره)).
(8) في (أ) و (ح): ((غيره)).
(9) نقل الحافظ في "الفتح" (1/191)، بعض كلام الشارح هنا، ثم قال: ويشكل عليه أن النبي ? كتب إلى هرقل: ((أسلم يؤتك الله أجرك مرتين)) وهرقل كان ممن دخل في النصرانية بعد التبديل. وقال في (1/38): ويحتمل أن يكون تضعيف الأجر له من جهة إسلامه ومن جهة أن إسلامه يكون سببًا لدخول أتباعه)).
(10) قوله ((فإن عليك)) في (ح) و(ي): ((فعليك)).
(11) سقط من (أ).
(12) في (ب) و(ح) و(م) و(ي): ((والياء)).
(13) قوله: ((فيقال اليريسيين)) من (أ) فقط.
(14) في (ب): ((فأما بالهمزة فهم الملوك))، قوله: ((فقيل هم الملوك)) في (ي)، (ح): ((فهم الملوك)).
(15) في (أ) و(ح) و (ي): ((يرس)).
(16) كذا في (أ) و(ح) و(ي)، وفي (ب): ((الزراعون)) وفي (م): ((الزارعون)) وفي (ز): ((الزراعين)).(3/481)
جميعَ أهلِ مملكتِه؛ لأن كلَّ من يزرعُ عندَ العربِ فلاحٌ. وأمَّا من رواه بالياءِ، فقد قيل فيه ما تقدم؛ فتكون (1) لغتين. وقال بعضُهم: يكونُ من التبختُرِ؛ يقال: رَاس، يَريس، رَيْسًا، وَرَيَسَانًا: إذَا (2) تبختر. وراس يَرُوس، رَوْسًا، أيضًا (3) . %(1/310)%
قلتُ (4) : وعلى هذا فيكونُ المرادُ به: أن عليه إثمُ من تكبَّرَ على الحقِّ، ولم يدخلْ فيه مِنْ أهلِ مملكتِه.
و(( أهل (5) الكتاب)): اليهودُ والنصارى، نسبوا إلى الكتابَيْنِ المنزلينِ على موسى وعيسى صلى الله عليهما وسلم.
(( تعالوا)) بمعنى (6) : أجيبوا إلى ما دُعيتم إليه؛ وهو (7) الكلمةُ العادلةُ المستقيمةُ، التي ليس فيها ميلٌ عن الحقِّ، وقد فسَّرها بقولِه: {ألاَّ نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله} (8) .
((أربابٌ)) جمع: ربٍّ. وقد تقدَّم تفسيرُه. و((دون)): هنا (9) بمعنى: ((غير)). {فإن تولوا}: أَعرضوا عمَّا دُعوا إليه. {فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}؛ أي: مُتَّصفون بدينِ الإسلامِ، منقادون لأحكامِه، مُعترفون بما لله علينا في ذلك من المِنَنِ والإنعامِ. =(3/609)=@
وفيه دليلٌ على جوازِ مَسِّ الجُنبِ، والكافرِ، كُتُبِ التفسيرِ والفقهِ وإن كان فيها قرآنٌ؛ لأن القرآنَ فيها تابعٌ لغيرِه (10) ، فجاء ضِمنًا؛ بخلاف ما إذا كان القرآنُ وحدَه؛ فلا يجوزُ للجنبِ، ولا للكافرِ (11) أن يمسَّ
ا (12) منه شيئًا، قليلاً كان أو كثيرًا. ومن هنا قال مالكٌ رحمه الله: إن (13) المصحفَ إذا كان في عِدْلٍ أو خُرْجٍ ليس مخصوصًا بالمصحفِ، جاز للجنبِ والنصرانيِّ أن يحملاه في خُرْجِه أو عِدْلِهِ. وأما جوازُ قراءةِ الجنبِ الآياتِ اليسيرةَ للتعوُّذِ، فلا يستثمر (14) من هذا الحديثِ، فتأمَّلْه.
و(( اللغط)): اختلافُ الأصواتِ واختلاطها، وهو السَّخَبُ أيضًا، كما وقع في البخاريِّ (15) . %(1/311)%
وقولُ أبي سفيان: ((لقد أَمِرَ أَمْرُ ابن أبي كبشة؛ إنه ليخافه ملك بني الأصفر))؛ أَمِر أي: علا وعَظُمَ، وهو من: أَمِرَ القومُ: إذا كَثُروا. ومنه قوله تعالى: &(3/482)&$
__________
(1) في (ح) و(ي): ((فيكون)).
(2) في (ب): ((إذ)).
(3) من قوله: ((إذا تبختر وراس ....)) إلى هنا سقط من (ح).
(4) في (ز): ((قال الشيخ))، وفي (ب) و(م): ((قال الشيخ رحمه الله)).
(5) كذا في (أ)، وفي سائر النسخ: ((أهل)) دون الواو.
(6) في (م): ((يعني)).
(7) في (ح) و(ي): ((وهي)).
(8) سورة آل عمران؛ الآية: 64.
قال الراغب الأصفهاني: ((وتعال)) قيل: أصله أن يدعى الإنسان إلى مكان مرتفع، ثم جُعل للدعاء إلى كل مكان. قال بعضهم: أصله من العلو، وهو ارتفاع المنزلة، فكأنه دعا إلى ما فيه رفعة. "المفردات" (ص584).
(9) كثا في (أ)، وفي سائر النسخ: ((هي)).
(10) قوله: ((القرآن فيها تابع لغيره))، في (ز): ((القرآن تابع)).
(11) قوله: ((للجنب ولا للكفار)) في (ز): ((للكافر ولا للجنب)).
(12) في (ب) و(م): ((يمس)).
(13) سقط من (ز).
(14) كذا في (ز)، وهي غير منقوطة الياء في (ي). وفي (أ) و(ب): ((تستثمر))، وفي (ح): ((يستمر))، وفي (م): ((تستمر)) والصواب: ((يُسْتَمَدُّ)).
(15) (6/128 رقم2978) في الجهاد، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((نصرت بالرعب مسيرة شهر ...)). ولفظه: ((فلما فرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب)).(3/482)
{أَمَرْنا مترفيها} (1) ، فيمن (2) قرأه بالتخفيفِ على أحدِ الوجوه (3) .
ونسبةُ النبيِّ ? لابنِ أبي كبشةَ؛ قال فيه أبو الحسنِ الجرجانيُّ النسَّابةُ: نسبتهُم إياه لابن أبي كبشةَ عداوةٌ له؛ إذ لم يمكنهمُ الطعنُ في نسبهِ الشهيرِ، وكان وهبُ بنُ عبدِ منافِ (4) بنِ زهرةَ جدُّه أبو أمِّه، يكنى أبا كبشةَ، وكذلك عمرُو بنُ زيدِ بنِ أسدٍ النجَّاريِّ أبو سلمى أمِّ عبدِالمطلبِ؛ كان يُدعى أبا كبشةَ، وكذلك أيضًا في أجدادِه مِن قبلِ (5) أمِّه أبو كبشةَ جُزْءُ بنُ غالبِ بنِ الحارثِ (6) ، وهو أبو قَيْلةَ (7) أمِّ وهبِ بنِ عبدِ مناةَ (8) أبي آمنةَ أمِّه ?، وهو خزاعيٌّ، وهو الذي كان يَعْبُدُ الشِّعرى (9) . وكان أبوه من الرضاعة يُدعى =(3/610)=@ أبا كبشة (10) ، وهو الحارثُ بن عبدِ العزَّى (11) السَّعديُّ. وقال مثلَ هذا كلِّه محمدُ بنً حبيبٍ البغداديُّ. وزاد أبو (12) نصرِ بنُ ماكولا؛ وقال (13) : أبو كبشةَ: عمُّ (14) والدِ حليمةَ مرضعتِه. وقيل: إنما نسَبوه لأبي كبشَة لأنه خرجَ من دينِ العربِ، كما فعل أبو كبشةَ الذي عَبَدَ الشِّعرى العَبورَ (15) ، وإنما عَبدها؛ لأنه رآها تَقْطَعُ السَّماءَ عَرْضًا بخلافِ سائرِ النجومِ. %(1/312)%
وفي تسميةِ الرومِ بـ((بني الأصفر)) قولان:
أحدُهما: ما قاله ابنُ الأنباريِّ؛ أن جيشًا من الحبشةِ غلبوا على ناحيتِهم في بعض الدهرِ، فوطئوا نساءَهم، فَوَلَدْنَ أولادًا صُفْرًا (16) .
والثاني: قاله أبو إسحاقَ الحربيُّ (17) ، وهو أنهم نُسبوا إلى جدِّهم (18) الأصفرِ بنِ الرومِ بن عِيصُو بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ. وهذا أشبهُ من القولِ الأولِ (19) .
وقوله: ((شكرًا لما أبلاه))؛ أي: أنعم عليه به (20) . وأصلُ الابتلاءِ: الاختبارُ. وفيه لغتان؛ ثلاثيًّا، ورباعيًّا؛ يقال: بَلاَ، وَأَبْلَى. وقد جَمع بينهما زهيرٌ فقال:
فَأَبْلَاهُمَا خَيْرَ الْبَلَاءِ الَّذِي يَبْلُو (21) .
وقيل: ((أبلى)) في الخيرِ، و(( بلا (22) )) في الشرِّ. والأولُ أشهرُ (23) . =(3/611)=@ &(3/483)&$
__________
(1) سورة الإسراء؛ الآية: 16.
(2) في (م): ((فمن)).
(3) قوله: ((على أحد الوجوه)) سقط من (أ)، وقراءه ((أمرنا)) بتخفيف الميم وفتحها قراءة الجمهور، وروي عن نافع وابن كثير: ((آمرنا)) بمد الهمزة وهي قراءة يعقوب، وروي عن أبي عمرو: ((أمَّرنا)) مشددة الميم وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر وعكرمة: ((أمرْنا)) بقصر الهمزة وكسر الميم.
أما ((أَمَرْنا)) مقصورة الهمزة مفتوحة الميم خفيفة، فاختلف في معناها: فقيل: كثرْنا، قال: أَمَر الله القومَ؛ كثرهم، فأمِرُوا: فكثروا، وأما ((أمِرْنا)) معناه أيضا: ((كثرنا)). وأما ((أمَّرْنا)) فإما أن يكون أيضًا بمعنى ((كثَّرْنا))، أو يكون بمعنى ولَّيْنا انظر: "مجاز القرآن" (1/373)، "غريب الحديث" لأبي عبيد (3/369 – 370)، "غاية الاختصار" (2/545)، "المفردات" (ص 88 – 89)، "الدر المصون" (7/325 – 330)، "المحتسب: (2/15 – 17)، "المبسوط في القراءات العشر" (ص 268)، "النشر" (2/230)، "السبعة" (ص 379)، "إعراب القراءات الشواذ" (1/780 – 781) "التبيان (2/815 – 816) "البحر المحيط" (6/15 – 18)، "الحجة" للفارس (5/91 – 93) وتفسير الطبري ().
(4) قوله: ((بن عبد مناف)) في (م): ((بن أبي عبد مناف)).
(5) في (ح): ((أهل)).
(6) وسمها في (ب) دون الألف التي بعد الحاء ودون فقط الثاء، وتقرأ هكذا: ((الحارث)) أيضًا، لكن نقلها عنه في (م): ((الحرب)).
(7) في (م): ((قتلة)).
(8) في (ح) و(ي): ((مناف)).
(9) كوكب نير يقال له المرزم، وهما الشعريان: العبور التي في الجوزاء، والغميصاء التي في الذراع، نجم من نجوم الجوزاء. يحقق .
(10) قوله: ((أبا كبشة)) في (ز): ((بالكبشة)).
(11) تقرأ في (ب): ((المعزى)).
(12) سقط من (أ).
(13) سقط من (ز)، وفي (أ): ((وقيل)).
(14) كذا في (ب) و(م)، وفي (أ) و(ح) و(ي): ((عمر)) وفي (ز): ((عمرو)).
(15) في (ب): ((الغيور)).
(16) "الزاهر في معاني كلمات الناس" (2/162).
وعبارته: ... لأن حبشيًّا (كذا) غلب على ناحيتهم في بعض الدهور، فوطئ نساءَهم، فولدن أولادًا فيهن (كذا) من بياض الروم وسواد الحبشة، فكن (كذا) صفرًا لُعْسًا، فنسب الروم إلى الصفر والأصفر لذلك. اهـ.
(17) في (ز): ((الحرمي)).
(18) قوله: ((جدهم)) سقط من (أ) فقط.
(19) حكاه عن الحربيِّ القاضي عياضٌ في "المشارق" (2/49)، و"الإكمال" (6/122 – 123)، ونقله عن القاضي النوويُّ في "شرحه" (12/111) وكذا قال ابن الأثير في "النهاية" (3/37) لكنه جعل "الأصفر" لقبًا لجدهم روم بن عِيصُو بن إسحاق، وليس ابنًا له. ونسب الحافظ في "الفتح" (1/40) إلى ابن الأنباري القول بأن هم سُمُّوا بذلك لأن جدهم روم بن عيصو تزوج بنت ملك الحبشة فجاء لون ولده بين البياض والسواد فقيل الأصفر. قال الحافظ: وقال ابن هشام في "التيجان": إنما لقب الأصفر لأن جدته سارة زوج إبراهيم حلته بالذهب.
(20) قوله: ((به)) سقط من (ح).
(21) تقرأ في (م): ((يبلوه)) وهذا .... اكمل من الجهاز
(22) في (ز): ((وأبلى)).
(23) قوله: ((والأول أشهر)) سقط من (ب) و(م) والمراد: أن الأشهر استعمال الثلاثي المجرد والمزيد بالهمزة، في الخير والشرِّ معا، دون فرق بين فعليهما؛ قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} [ : ]؛ ذكره ابن سيده وابن الأثير وذكر الفرق بين الفعلين ابن قتيبة في "أدب الكاتب"؛ قال: وبلاه الله يبلوه بلاءً: إذا أصابه ببلاء، ... وأبلاه يبليه إبلاءً حسنًا: إذا صنع به جميلاً، ثم ذكر بيت زهير، وحمل قوله: ((يبلو)) الثلاثي على معنى الاختيار؛ قال: أراد الذي يختبر به عباده .اهـ. قال القاضي عياض: والابتلاء ينطلق على الخير والشر، وأصله الاختبار، وأكثر ما ينطلق مطلقًا في المكروه، ويأتي في الخير مقيدًا.
قال ابن القطاع: بلاه الله بالخير والشر بلاء: اختبره به، وصنعه له، وأبلاه الله بلاء حسنًا: فعله به، ... وبلاه أيضًا: أحسن إليه .اهـ.
"المشارق" (1/89 – 90)، و"الإكمال" (6/124)، "أدب الكاتب" (ص337)، "الأفعال" لابن القطاع (1/ ص 103)، و"النهاية" (1/155)، "وشرح النووي" (12/111)، و"تهذيب اللغة" (15/280).(3/483)
%(1/313)%
ومن بابِ كُتُب النبيِّ ? إلى الملوكِ يَدْعوُهُمْ
وقوله: ((وليس (1) بالنجاشي (2) الذي صلَّى عليه النبيُّ ?))؛ هذا تَحَرُّزٌ من الراوي؛ لئلا يظنَّ أن النجاشِيَ المسمَّى: "أَصْحَمَةَ" (3) ؛ الذي هاجرَ إليه أصحابُ رسولِ الله ? (4) هو هذا، وليس كذلك؛ لأن هذا احتاج في إسلامِه إلى أن يدعُوَه النبيُّ ? إلى الإسلامِ (5) ، ويِكاتبَهُ في ذلك، ولم يحتْج أصحمة - رضي الله عنه - إلى شيءٍ من ذلك، بل بنفسِ ما سمع القرآنَ من جعفرٍ وأصحابِه الذين هاجروا إلى أرضهِ، وأُخبر بقواعدِ الإسلامِ (6) ، وبمحاسنهِ، ورأى ما كان (7) الصحابةُ، رضي الله عنهم، عليه أحب دينَ الإسلامِ، وانقاد إليه، وصَرَّحَ بأنه على اعتقادِ المسلمين في عيسى عليه السلام، وعَرض على أهلِ مملكتِه الدخولَ في الإسلامِ، فلما رأى نُفْرَتَهُم (8) وَيئِس منهم، كَتَمَ إِسلامَه تَقِيَّةً على نفسِه، منتظرًا التخلُّصَ (9) منهم، إلى أن تُوفِّيَ على الإسلامِ والإيمانِ بشهادةِ =(3/612)=@ رسولِ الله ? له بذلك، حيثُ نَعاه لهم، وقال: ((إِنَّ أخًا لَكُمْ (10) بِأَرْضِ الحْبَشَةِ قَدْ مَاتَ، فَقُومُوا، فَصَلُّوا عَلَيْهِ))؛ كما تقدَّم في الجنائزِ (11) ، وإنما النَّجّاشِي الذي كَاتَبه رسولُ &(3/484)&$
__________
(1) في (ب) و(م): ((ليس)) دون الواو.
(2) في (ح) و(ي): ((وقوله كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي وليس بالنجاشي)).
(3) أخرجه مسلم (2/657 رقم952/64) - (65) من حديث جابر رضي الله عنه، ولفظه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلَّى على أصحمة النجاشي فكبر عليه أربعًا. وفي لفظ: ((مات اليوم عبد لله صالح: أصحمة)).
قال القاضي عياض: بفتح الهمزة وسكون الصاد بعدها حاء مهملة مفتوحة، وهو قول ابن إسحاق وغيره، ومعناه بالعربية: ((عطية)) .اهـ.
أما ((النجاشي)) بفتح النون وتخفيف الجيم، وفي الياء لغتان التخفيف والتشديد، والتخفيف أعلى وأفصح؛ كما حكاه الصنعاني والمطرزي ، وصوبه ابن الأثير؛ قال الزبيدي: لأنها ليس للنسب.
قال الفيروزابادي: وتكسر نونه أو هو أفصح. قال الزبيدي: وهو اختيار مقلب .اهـ. وقال في الجمهرة: النجاشي كلمة حبشية؛ يقال للملك منهم: نجاشي؛ كما يقال: كسرى وقيصر.اهـ.
انظر: "المحكم" (7/178)، "المشارق" (1/63)، (2/35)، "التكملة" (3/ 515 - 516)، "المغرب" (2/290)، "تاج العروس" (9/204)، "الجمهرة (1/478)، "التنبيه" (ص 97).
(4) "صحيح مسلم"(4/1946-1947 رقم2502 و2503) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأهل سفينتهم ( .
(5) قوله: ((إلى الإسلام)) سقط من (ح).
(6) في (ز): ((الأم)) ولعلها مصوبة!.
(7) بعده في (ح): ((من)).
(8) في (ي): ((ويتبين))
(9) قوله: ((منتظرًا التخلص)) في (أ): ((منتظر التخلص)) وفي (ب) و (ز) و(م): ((منتظرا للتخلص)).
(10) قوله: ((رسول الله)) في (ز): ((أخاكم)).
(11) باب الأمر بالصلاة على الميت، وكيفية الصلاة عليه، وكم التكبيرات .(3/484)
الله (1) ? آخرُ غيرُ هذا من ملوكِ الحبشةِ، إمَّا في جهةٍ أخرى، أو بعدَ موتِ أصحمة. والله تعالى أعلمُ.
وهذه الأحاديثُ كلُّها تدلُّ (2) على جوازِ مفاتحةِ الكفارِ بالمكاتبةِ، وهو حكمٌ لم يختلفْ فيه. والله أعلمُ (3) . %(1/314)%
ومن بابِ غزوةِ حنينٍ
كانتْ غزوةُ حنينٍ (4) بعد فتحِ مكةَ بأيامٍ؛ وذلك أن مكةَ فُتحت لعشرٍ بَقِين من رمضانَ سنةَ ثمانٍ من الهجرةِ، وكانت وقعةُ هَوَازِنَ يومَ حنينٍ في أولِ شوَّالٍ من =(3/613)=@ تلك السَّنةِ. و((حُنَينٌ)): موضعٌ معروفٌ، سُمِّي (5) باسمِ رجلٍ لازَمَهُ، ويُصْرَفُ ولا يُصرفُ. وَأَنْشدَ في ((الصِّحاح)) (6) :
نَصَرُوا نَبِيَّهُمُ وَشَدُّوا أَزْرَهُ بَحُنَيْنَ يَوْمَ تَوَاكُلَ الْأَبْطَالُ
والأغلبُ عليه الصرفُ (7) . &(3/485)&$
__________
(1) قوله: ((رسول الله)) في (ب) و(ز) و(م): ((النبي)).
(2) في (م): ((قول))!
(3) قوله: ((والله أعلم)) زيادة من (ز) فقط.
(4) قوله: ((كانت غزوة حنين)) سقط من (ح).
(5) في (م): ((مسمىًّ))
(6) ذكره ابن منظور في "لسان العرب" (13/133) ونسبه إلى حسان بن ثابت رضي الله عنه. على الجهاز.
(7) قال في "الصحاح": إن قصدت به البلد والموضع ذكرته وصرفته، وإن قصدت به البلدة والبقعة أنثته ولم تصرفه .اهـ. قال البكري: وهو واد بين قريب من الطائف بينه وبين مكة بضعة عشر ميلاً .اهـ.
الصحاح (5/2105)، "معجم ما استعجم" (2/471 – 472) "فتح الباري" (8/27)، "معجم البلدان" (2/313).(3/485)
و((فَروة بن نُفاثة)) صوابه: بالنونِ المرفوعةِ، والفاءِ، والثاءِ المثلثةِ؛ كذا لجميعِ الرواةِ، وقد قيده (1) بعضُهم (2) : ((نُباتة (3) )) بالنونِ والباءِ بواحدةٍ (4) ، والتاءِ باثنتين من فوقِها، وكأنه تصحيفٌ، وقد رواه مسلمٌ (5) من حديثِ معمرٍ عن ابنِ شهابٍ. فقال: ((فروة بن نعامة (6) ))، والأولُ أشهرُ (7) . واختُلف في إسلامهِ (8) .
وفي "البخاريِّ" (9) : أن مُهدِيَ البغلةِ للنبيِّ ? ملكُ (10) أَيٍلَةَ، واسمُه فيما ذكره ابنُ إسحاقَ: يُحَنَّة (11) بن رُوبَةَ (12) ، وقَبُولُه (13) ? هديةَ فروةَ يعارضُه قولُه ?: ((إِنِّي نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ (14) الْمُشْرِكِينَ)) (15) ، وامتنعَ مِن قَبُولِ هديتِهم.
وقد اختَلف في هذين الحديثينِ؛ فمن %(1/315)% العلماءِ مَنْ ذهب إلى أنَّ حديثَ فروةَ ناسخٌ للحديثِ الآخرِ. ومنهم من رام الجمعَ بينهما؛ فقالَ: حيثُ قَبل فإنما (16) قبلَ استئلافًا وطمعًا في إسلامِ الْمُهدِي، وحيث رَدَّ لم يطمعْ في =(3/614)=@ ذلك. وقيل: إنما ردَّ حيث لم تكنْ (17) فيه مصلحةٌ للمسلمين، وقبل حيثُ كان فيه ذلك (18) . وقيل: إنما رد (19) ما أُهدي له في خاصةِ نفسهِ، وقبل (20) ما عَلم منه خلافَ ذلك؛ قاله (21) الطبري؛ قال (22) : ولا حجةَ لمن احتجَّ (23) بنسخِ أحدِ الحديثينِ للآخرِ؛ إذ لم يأتِ في ذلك بيانٌ (24) . وقيل: إنما قبلَ هديةَ أهلِ الكتابِ؛ إذ قد أبيح لنا طعامُهم، ورَدَّ هدايا المشركين؛ إذ لم يُبح لنا ذلك منهم. وأشبهُ هذه الأقوالِ قولُ مَنْ قال بالاستئلافِ والمصلحةِ، والكلُّ مُحتَمَلٌ. والله تعالى أعلمُ (25) .
ورُكوبهُ ? البغلةَ في ذلك الموطنِ مبالغةٌ في الثباتِ والصبر، ويدلُّ على &(3/486)&$
__________
(1) في (ز): ((شذ)).
(2) سقط من (ب) و (م).
(3) في (ز): ((بأنه)).
(4) في (أ): ((الواحدة)).
(5) "مسلم" (77/1775).
(6) في (ز) ((نغامة)).
(7) وكذا ذكره القاضي عياض في "الإكمال (6/126)، و"المشارق" (2/35)، وانظر "شرح النووي" (12/113 – 114)، و"فتح الباري" (6/75).
(8) قال النووي نقلا عن القاضي: واختلفوا في إسلامه فقال الطبري أسلم وعمرَّ عمرًا طويلاً، وقال غيره (وهو أبو عمر بن عبد البر): لم يسلم. وانظر "الإكمال" (6/126)، و"شرح النووي" (12/114)، و"شرح الأبي" (5/105).
ذكره القاضي أن الطبري قال بأنه أسلم وعمر عمرًا طويلاً، وأن أبا عمر بن عبد البر ذكر أن الذي أسلم غيره . انظر "الإكمال" (6/126)، و"شرح النووي" (12/114)، و"شرح الأبي" (5/105).
(9) في "صحيحه" (3/343-344 رقم1481) في الزكاة، باب خرص التمر. و(6/266 رقم3161) في الجزية والموادعة، باب إذا وادع الإمام ملك القرية، هل يكون ذلك لبقيتهم؟.
قال القاضي عياض: قوله: ((على بغلة له بيضاء)) وفي الحديث: ((بغلته الشهباء)) [عند مسلم برقم: 1776] وهي تلك المسماة ((دلدل)) لا يعرف له سواها. اهـ. ونقله عنه النووي. قال الحافظ: ((وتعقب بأن الحاكم في "المستدرك" عن ابن عباس أن كسرى أهدى للنبي ? بغلة فركبها بحبل من شعر ثم أردفني خلفه ... الحديث، وهذه غير دلدل، ويقال: إن النجاشي أهدى له بغلة، وأن صاحب دومة الجندل أهدى له بغلة، وأن ((دلدل)) إنما أهداها له المقوقس، وذكر السهيلي أن التي تحته يوم حنين تسمى ((فضة)) وكانت شهباء)) وقال في موضع آخر: ((وقد أغرب النووي فقال: وقع عند مسلم: ((على بغلته البيضاء)) وفي أخرى: ((الشهباء)) وهي واحدة ولا يعرف له بغلة غيرها، وتعقب بـ ((دلدل))؛ فقد ذكرها غير واحد، لكن قيل: إن الاسمين لواحدة)). وقال في موضع ثالث: ((ومما ينبه عليه هنا أن البلغة البيضاء التي كان عليها في يوم حنين غير البغلة البيضاء التي أهداها له ملك أيلة؛ لأن ذلك كان في تبوك، وغزوة حنين كانت قبلها، وقد وقع في مسلم من حديث العباس أن البغلة التي كانت تحته في حنين أهداها له "فروة بن نفاثة" بضم النون بعدها فاء خفيفة ثم مثلثة، وهذا هو الصحيح، وذكر أبو الحسين بن عبدوس أن البغلة التي ركبها يوم حنين دلدل وكانت شهباء أهداها له المقوقس، وأن التي أهداها له فروة يقال لها "فضة" ذكر ذلك ابن سعد وذكر عكسه والصحيح ما في مسلم)).
انظر"الإكمال" (6/126)، و"شرح النووي" (12/113)، و"فتح الباري" (3/345 – 346)، (6/75)، (8/31).
(10) في (م): ((تلك)).
(11) في (ب) و(م): ((تحية)).
(12) في (ب) و(م): ((روزبة))، وفي (أ): ((رورنة)) وفي (ز): ((روزنة)).
أما ((يحنة)) فاتفقت النسخ على رسمه هكذا، واختلفت في نقطه؛ ففي (ب) و(م): ((تحية)) بالقاء والياء، وفي سائر النسخ: ((يحنة)) بالياء والنون. وأما ((روبة)) فهكذا وقع في (ح) و(ي)، وفي (أ): ((روربة)) وفي (ب) و(م): ((روزبة))، وفي (ز): ((روزنة)).
ووقع في المطبوع من "الإكمال" : ((بحينة بن ريبة)) وكانت "رؤية)) وغيرها المحقق تبعًا لما وقع في "شرح الأبي". ونقل النووي عن القاضي: ((يحنة بن روبة)). وقد ضبط اسمه الحافظ في "الفتح" فقال: و((يوحنا)) بضم التحتانية وفتح المهملة وتشديد النون، و"روبة" بضم الراء وسكون الواو بعدها موحدة. انظر "الإكمال" "الإكمال" (6/126)، و"شرح النووي" (12/114)، و"فتح الباري" (3/345)، و"شرح الأبي" (5/105).
(13) في (ح) و(ي): ((وقوله)).
(14) في (ب) و(ز): ((ربد)). و((الزَّبْد)) بفتح الزاي المعجمة وسكون الباء الموحدة: الرِّفْد، وهو العطية، والمعاونة. "المصباح" (ص122، 131)، "فتح الباري" (5/231).
(15) ..... مرفق للصياغة .
(16) في (م): ((إنما)).
(17) في (م): ((يكن)).
(18) في (ب) و(م): ((تلك)). وهذا القول قال عنه القاضي: وهو قول الأوزاعي ومحمد بن الحسن، وابن القاسم وابن حبيب من أصحابنا، وحكاه ابن حبيب عمن لقيه من أهل العلم. قال القاضي: وذهب آخرون إلى أنها له خاصة، وهو قول أبي يوسف، وبه قال أشهب وسحنون من أصحابنا.
(19) من قوله: ((حيث لم تكن ....)) إلى هنا، سقط من (ح)، و(ي).
(20) في (ز) و(ي): ((وقيل)).
(21) في (ز): ((قال)).
(22) كتبها في (ز) ثم ضرب عليها!
(23) في (ب)، و(م): ((يحتج)).
(24) انظر: "الإكمال" (6/126)، و"شرح النووي" (12/114).
(25) قوله: ((والله تعالى أعلم)) ليس في (ح) و(ي).
قوله: ((والله تعالى أعلم)) ليس في (ح)، و(ي). وانظر تفصيلاً في المسألة وزيادة في "التمهيد" (2/12 – 17)، "وفتح الباري" (5/230 – 231).(3/486)
العزمِ (1) على عدم الفِرار؛ كما قد فعل حين انهزم الناسُ عنه، وهو مقبلٌ على العدوِّ، يَرْكُضُ بغلتَه نحوهَم. وقد زاد على ذلك - كما ذكر في الرواية الأخرى – أنه (2) نزل بالأرضِ؛ على عادةِ الشجعانِ في المنازلةِ (3) . وهذا كلُّه يدلُّ على أنه ? كان أشجعَ الناسِ وأثبتَهم في الحربِ؛ ولذلك قالت الصحابة - رضي الله عنهم - : ((إن الشُّجَاعَ منا للذي (4) يلوذُ بجانبِهِ)) (5) .
و((السَّمُرة)): هي شجرةُ الرِّضوان التي بايعَه تحتَها أصحابُه (6) بيعةَ الرِّضوانِ (7) بالحديبيةِ. وكانوا بايعوه على ألاَّ يفرُّوا، فلما سمعوا النداءَ، تذكَّروا العهدَ؛ فارتجعوا رجعةً واحدةً، كرجلٍ واحدٍ، وهمْ يُلَبُّون النبيَّ ?، %(1/316)% ولسرعةِ رجعتهِم =(3/615)=@ واجتماعِهم شَبَّهَهم (8) بَعَطْفَةِ (9) البَقَرِ على أولادِها. وهذَا كلُّه يدُّل على قربِهم من النبيِّ ? إذ ذاك، وأن انهزامَهم لم يكنْ إلى بُعْدٍ، ولا من جميعهِم، بل المنهزمُ إنما كان (10) أكثرهُم من أهلِ مكةَ والطلقاءِ، ومَنْ في قلبهِ مرضٌ، ولذلك كان بعضُهم يقولُ في حالِ انهزامهم (11) : لا يردُّهم إلا البحرُ (12) .
وقوله: ((فاقتتلوا والكفارَ)) بنصبِ الراءِ على أن تكونَ الواوُ بمعنى((مع))، وهو أولى؛ لما يلزمُ في الأحسنِ من توكيدِ الضميرِ المرفوعِ حينَ يُعطفُ عليه (13) .
وقوله ?: ((هذا حين حميَ الوطيسُ)) يجوز في ((حين)) البناءُ على الفتحِ؛ لأنه مضافٌ إلى جملةٍ مبنيةٍ، ويجوزُ فيه الضمُّ، على أن يكونَ((الحينُ)) خبرَ المبتدأِ، وهذا على نحوِ قول الشاعر (14) :
عَلَى حِيِنَ عَاتَبْت (15) المشَيِبَ عَلَى الصِّبَا (16)
رُوي بالخفضِ والفتحِ.
و((حمي)): استَعر (17) واتَّقَد. و((الوطيسُ)): موضعُ =(3/616)=@ وَقود النارِ، واستعارَه هنا لشدةِ الحربِ، وهذا (18) نحوُ قولِه (19) تعالى: {كلما %(1/317)% أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله} (20) . وهذه الاستعارةُ العجيبةُ لا يُعرفُ مَنْ تكلَّم (21) بها قبلَ النبيِّ ? من العربِ، ومنهُ تلقِّيَتْ، فصُيِّرتْ مثلاً في الأمر إذا اشتدَّ؛ &(3/487)&$
__________
(1) قوله: ((على العزم)) سقط من (ب) و(م).
(2) سقط من (أ)
(3) في (م): ((النازلة)).
(4) في (ز): ((الذي)).
(5) نص الرواية في "صحيح مسلم" و"التلخيص": ((وإن الشجاع منا لَلَّذي يُحاذي به؛ يعني النبي ?)).
(6) في (ز) و(ي): ((أصحاب)).
(7) "صحيح مسلم" (3/1483 رقم1856) وما بعده، كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عن إرادة القتال ... .
(8) في (ز): ((يشبههم)).
(9) في (ح): ((برجعة)).
(10) سقط من (ح)، و(ي).
(11) كذا في (ي)،، وفي سائر النسخ: ((انهزامه))، وانظر التعليق التالي.
(12) قاله أبو سفيان صخر بن حرب، وكان إسلامه حينئذ مدخولاً، وكانت الأزلام معه في كنانته؛ أخرجه الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) بسنده عن جابر بن عبد الله قال: لما انهزم الناس يوم حنين، جعل أبو سفيان بن حرب يقول: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ... إلخ، وكذلك أخرجه الطبري في "تاريخه"، بسنده عن جابر بن عبد الله أيضًا، وقال اليعقوبي: وأبدى بعض قريش ما كان في نفسه، فقال أبو سفيان ... فذكره.
انظر "تاريخ الطبري" (3/316)، "شرح مشكل الآثار" (6/412)، "الكامل" (2/137)، "تاريخ اليعقوبي" (2/41).
(13) قال القاضي عياض: قوله: ((فاقتتلوا والكفار))، كذا للسجزي ورواة البخاري، وسقطت الواو لغيرهم، ولا وجه له، ولغيره: ((اقتلوا)) وهو وهم، و((الكفار)) بنصب الراء على المفعول معه، وبالرفع على العطف على الضمير. ((المشارق)) (2/171 – 172، 299، 356 – 357).
والعطف على الضمير المرفوع المتصل دون توكيده حائز سائغ عند الكوفيين في اختيار الكلام، وعند البصريين لا يجوز إلا على قبح في ضرورة الشعر، وأجمعوا على أنه إذا كان هناك توكيد أو فصل فإنه يجوز العطف من غير قبح. انظر: ((كتاب سيبويه)) (1/278 – 279)، "الإنصاف في مسائل الخلاف" (2/474 – 478)، و"اللمع" لابن جني (ص 96) و"أوضح المسالك" (3/346).
(14) قوله: ((قول الشاعر)) في (أ): ((قوله)).
(15) تقرأ في (ح) و(ي): ((عاينت)).
(16) على الجهاز
(17) في (أ): ((استعار)).
(18) في (ب): ((وهو)).
(19) قوله: ((نحو قوله)) في (ز): ((كقوله)).
(20) سورة المائدة؛ الآية: 64.
(21) في (ح) و(ي): ((يتكلم)).(3/487)
قاله ابنُ الأعرابيِّ. وقال الأصمعيُّ: ((الوطيسُ: الحجارةُ المُحْمَّاةُ. وعلى هذا فهو جمعُ ((وطيسةٍ)). وقال أبو عمرَ المطرّزُ (1) : ((هو التَّنُّورُ)). وحينئذٍ لا يكونَ جمعًا.
ورميهُ ? في وجوهِ الكفارِ بالترابِ، وإصابتُه أعينَ جميعِهم من أعظمِ مُعجزاتهِ؛ إذ ليس في قوةِ البشرِ إيصالُ ذلك إلى أعينهِم، ولا يسعُ كفُّه ما (2) يعمُّهم، وإنما كان ذلك من صنعِ الله تعالى لنبيِّه ?؛ ولذلك قال تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} (3) . وكذلك قولُه: ((انهزموا (4) وربِّ الكعبةِ)) قبلَ وقوعِ الهزيمة، هو (5) من معجزاتهِ الخبريَّةِ؛ فإنه (6) خبرٌ عن الغيبِ.
وقولُه: ((شاهت الوجوه))- على ما في حديث سَلَمَةَ -: خبرٌ معناه الدعاءُ؛ أي: اللهمَّ شَوِّهْ وجوهَهم. أو هو خبرٌ عمَّا يحلُّ بهم من التشويهِ عندَ القتلِ والأسرِ والانتقامِ. %(1/318)% و((الُحسَّرُ)): جمع حاسرٍ، وهو الذي لا دِرْعَ معه (7) ، ولا شيءَ يتقي به النبلَ. =(3/617)=@
و(( الأخِفَّاء)): المسرعون المستعجلون. وقد رواه الحربيُّ (8) ، والهَرَويُّ (9) : ((جُفَاءٌ مِنَ النَّاس)) بجيمٍ مضمومةٍ مخففةٍ والمدِّ وفسَّره المهدويَّ (10) بالسِّراعِ، شبَّههم بجُفاءِ السيلِ، وهو غُثاؤُه. قال (11) غيرُه: إنما أراد به أخلاطَ الناسِ، وضعفاءَهم ممن لم يقصدِ القتالَ، بل الغنيمةَ، وفي قلبِه مرضٌ، شبههم بغُثاءِ السيلِ؛ وهو ما (12) احتمله السيلُ (13) .
و(( استنصر))؛ أي: سأل النصرَ ودعا به.
وقوله: ((أنا النبيُّ لا كذبْ، أنا ابنُ عبدُالمطلبْ))؛ أي: أنا النبيُّ المعروفُ عندَ علماءِ الكتابِ، المنعوتُ في كتبهِم حقًّا بلا كذبٍ.
وانتسابُه لعبدِالمطلبِ؛ لأنه بذلك كان شُهر (14) عندَهم؛ لأن أباه عبدَالله مات وتركه حَمْلاً (15) ، فُولِدَ (16) ، ونشأ في حِجْرِ جَدِّه عبدِ المطلبِ، ثم إن عبدَالمطلبِ أحبَّه حبًّا شَديدًا، بحيثُ كان يفضِّلُه على أولادِه؛ لما كان يظهرُ (17) له من بركاتهِ وكراماتِه، فكان يلازمهُ لذلك، فعُرف (18) به؛ ولذلك ناداه ضِمامُ بنُ ثعلبةَ: يا بنَ عبدِالمطلبِ (19) ، فانتمى هو عندَ الحربِ (20) على &(3/488)&$
__________
(1) في (أ): ((المطرس))، وفي (ي): ((المطرز))، وكذا وقع هنا نسبة هذا القول إلى المطرز، وفي "الإكمال": ((قال أبو عمر المطرز: الوطيس شبه التنور يُخبر فيه ... وقال غيره الوطيس: التنور نفسه)) وأثبت المحقق فرقًا بين النسخ في قوله: ((أبو عمر المطرز)) وأن موضعه في نسخة: ((أبو عمرو)) فهنا خطآن: في القول والقائل؛ وعبارة القاضي عياض هي ذاتها عند الأنباري في "الزاهر في معاني كلمات الناس" وفيه: ((قال أبو عمرو ... وقال غير أبي عمرو...)) الخ. وممن ذكر ((الوطيس)) بمعنى ((التنور)) نفسه الجوهري، وقال أبو عبيد: هو شيء مثل التنور. يراجع في الجهاز ويوثق
(2) في (م): ((مما)).
(3) سورة الأنفال؛ الآية: 17.
(4) في (ز): ((وانهزموا)).
(5) في (أ) و(ح): ((وهو)).
(6) في (ح) و(ي): ((فمعناه)).
(7) كانت في (ح): ((له)) ثم صوبها إلى ((معه)) وترك اللام، فصارت: ((لمعه))!..
(8) في (ح): ((البخاري)) ورواية البخاري كما في مسلم، وانظر الآتي.
(9) في (أ) و (ح) و(ز) و(ي): ((المغربي))، والمثبت من (ب) و(م)، وهو ما في "الإكمال" (6/130)؛ قال القاضي: وروى أبو إسحاق الحربي وأبو عبيد الهروي...)). وذكره أبو عبيد في كتابه ((الغربيين)) (1/347).
(10) كذا في النسخ إلا (ح) و(ي) ففيهما: ((المهدي))، وكلا الكلمتين محرف عن ((الهروي))؛ ففي "الإكمال" (6/130): ((وفسره القتبي والهروي...)).
وعبارة ابن قتيبة في ((غريب الحديث)) له (2/401): الجفاء ههنا سَرَعان الناس، شبههم بجفاء السيل)) وعنه نقل الهروي. قال ابن الأثير بعد نقله كلام الهروي: هكذا جاء في كتاب الهروي، والذي قرأناه في كتاب البخاري ومسلم: ((اخفاء)) جمع خفيف .اهـ. وقد نقل كلام القاضي هنا النووي في "شرح مسلم" (12/117 – 118). وانظر "النهاية" (1/281)، و"الغريبين" (1/347).
(11) في (ح) و(ب): ((وقال)).
(12) في (م): ((مما)).
(13) هذا من كلام القاضي عياض، وقد عبر الشارح عنه هنا بقوله: ((قال غيره))!. وعبارة القاضي: إن صحت هذه الرواية فإنما معناها ما تقدم من خروج من خرج معهم من أهل مكة ومن انضاف إليهم ممن لم يستعد للقتال، وإنما خرج للغنيمة من النساء والصبيان والضعفاء، ومن في قلبه مرض من مسالمة الفتح، فهؤلاء شبه جفاء السيل الذي لا ينتفع به ويرميه بجانبه، وهو الغثاء أيضًا .اهـ.
(14) في (ح): ((اشهر)) وفي (ي): ((اشتهر)).
(15) "الطبقات" لابن سعد (1/99-100)، ورجحه ابن سعد بعد أن ذكر روايات أخرى .
(16) في (ح): ((فولدت)).
(17) كذا في (أ)، وفي سائر النسخ: ((ظهر)).
(18) في (ز): ((يعرف)).
(19) أخرجه البخاري (1/148-149 رقم63) في العلم، باب ما جاء في العلم، وقوله تعالى: {وقل رب زدني علمًا}.
(20) في (ز): ((العرب)).(3/488)
عادةِ الشجعانِ في انتسابِهم لمن كانوا يعرفون (1) به. وقيل: إنما كان ذلك منه =(3/618)=@ تنبيهًا على ما قال سيفُ بنُ ذِي يَزَنَ لعبدِالمطلبِ حين قَدِم عليه في وفدِ قريشٍ، حيثُ %(1/319)% بَشَّره بأنه يكونُ من ولدهِ نبيٌّ يَقتلُ أعداءَه (2) . ولم يكن ذلك منه ? على جهةِ الافتخارِ بآبائِه؛ فإن ذلك من خُلقِ الجاهليةِ (3) التي قد نَهى عنها النبيُّ ?، وحرَّمها، وذمَّ من انتمى إليها.
لا يقال: فكيف (4) يصحُّ أن ينسبَ هذا الشعرُ للنبيِّ (5) ? مع قولِه تعالى: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له} (6) ؛ لأنا نُجيب عن ذلك بأوجهٍ:
أحدُها: أَنَّ هذا قُصد به السجعُ لا (7) الشعرُ، فليس بشعرٍ؛ بل (8) قد قال الأخفشُ: إن هذا رَجزٌ، والرَجزُ ليسَ من الشعرِ.
والثاني: أنه ? لم يقصدْهُ (9) نَظْمًا ووَزْنًا (10) ؛ فيكونَ شعرًا (11) ، فقد يأتي (12) في الكلامِ والقرآنِ ما يتزن بوزنِ الشعرِ وليس بشعرٍ؛كقولِه تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} (13) ، وقولُه: {نصر من الله وفتح قريب} (14) ، وكثيرًا ما يقعُ للعوامِّ في كلامِهم الكلامُ (15) المقفَّى (16) الموزونُ، وليس بشعرٍ، ولا يسمَّى قائلهُ شاعرًا؛ لأنه لم يقصدْه ولا شَعَر به، والشِّعر إنما سُمي (17) بذلك لأن قائلَه يَشْعُر به ويقصدُه نظمًا، ووزنًا، ورَوِيًّا، وقافيةً، ومعنًى.
والثالثُ: على تسليمِ أن هذَا (18) شعرٌ؛ فلا يلزمُ منه أن يكونَ النبيُّ ? عالِمًا بالشعرِ، ولا شاعرًا؛ فإن التمثُّلَ (19) بالبيتِ النذر، وإصابةُ القافيتين (20) من الرجزِ وغيرِه، لا يوجبُ (21) أن يكونَ قائلُها عالمًا بالشعر، ولا يسمَّى (22) شاعرًا باتفاقِ العقلاء (23) . وأما الذي نفى (24) الله تعالى عن نبيِّه ? فهو العلمُ بالشعرِ وأصنافِه %(1/320)% وأعاريضِه وقوافِيه؛ =(3/619)=@ والاتصافُ بقولِه، ولم يكنْ موصوفًا بشيءٍ من ذلك بالاتفاقِ؛ ألا ترى أن قريشًا &(3/489)&$
__________
(1) قوله: ((كانوا يعرفون)) كذا في (ح) و(ي)، وفي سائر النسخ: ((كان يعرف)).
(2) ذكره ابن حجر في "الفتح" (8/31) بنحوه. وابن منده في "الإصابة" كما في "الإصابة" لابن حجر (5/43 رقم3818)، وفي موضع آخر من "الصحابة" (7/326 رقم6718) وانظر "الإكمال" (6/132) "وشرح النووي" (12/119 – 120).
(3) تقدم في الجنائز، باب التشديد في النياحة، وما جاء في اتباع الجنائز برقم (803).
(4) في (أ): ((كيف)).
(5) في (م): ((إلى النبي)).
(6) سورة يس؛ الآية: 69.
(7) في (ح): ((لأن)).
(8) في (ز): ((قيل)).
(9) كذا في (أ) فقط، وفي سائر النسخ: ((يقصد)).
(10) قوله: ((نظْمًا ووزنًا)) في (ح) و(ي): ((نظمًا وزنًا)) .
(11) في (ب) و(م): ((شعر)).
(12) في (ح): ((تأتي)).
(13) سورة آل عمران؛ الآية: 92. وقد وافقت ألفاظ الآية الكريمة وزن بخر الرمل، ((فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن)) وهو هنا من مجزوئه المذيَّل: ((فاعلاتن فاعلاتن * فاعلاتن فاعلاتان)).
(14) سورة الصف؛ الآية: 13. ووافقت ألفاظ الآية الكريمة، شطر بيت من بحر السريع ((مستفعلن مستعلن مَفْعُلاتْ)). وقد أفاض الحافظ في ((الفتح)) (10/542) في التمثيل لما وافق أوزان الشعر من آيات القرآن الكريم.
(15) سقط من (ح).
(16) تقرأ في (م): ((المنقا)).
(17) في (ب) و(م): ((يسمى)).
(18) في (م): ((بشعر)).
(19) في (ح) و(ي): ((التمثيل)).
(20) في (ب) و(م): ((القافية)).
(21) في (ح): ((توجب)).
(22) سقط من (ح) و(ي).
(23) قال النووي في ((تهذيب الأسماء واللغات)) (3/163 – 164): قال ابن القطاع في كتابه "الشافي في علم القوافي": ((قد رأى قوم منهم الأخفش – وهو شيخ هذه الصناعة بعد الخليل – أن مشطور الرجز ومنهوكه ومشطور السريع ومنهوك المنسرح، ليس بشعر؛ لقول النبي ?: ((الله مولانا ولا مولى لكم)) [من الرجز] وقوله ?: ((هل أنت إلا أصبع دميت * وفي سبيل الله ما لقيت)) [من الرجز] وقوله ?: ((أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب)) وقوله ?: ((لا هم إن الدار دار الآخرة)) [من الرجز] وقوله ?: ((الجار قبل الدار)) [منهوك الرجز] قال ابن القطاع: وهذا الذي زعمه الأخفش وغيره غلط بيِّن؛ وذلك أن الشاعر إنما سمي شاعرًا لوجوه؛ منها: أنه شَعَرَ القولَ؛ وقصده وأراده، واهتدى إليه، وأتى به كلامًا موزونًا على طريقة الضرب [كذا، والصواب: ((العرب))] مقفى، فأما إذا خلا من هذه الأوصاف أو بعضها، فلا يستحق أن يسمى شاعرًا، ولا قوله شعرًا، بدليل أن كثيرًا من الناس يأتون بكلام موزون مقفًّى غير أنهم ما شعروا به ولا قصدوه ولا أرادوه، فلا يستحقون التسمية بذلك ... والنبي ? لم يقصد بكلامه ذلك الشعر ولا شعر له ولا أراده، ولا يعد ما وافق الموزون شعرًا لذلك وإن كان كلامًا موزونًا؛ ألا ترى أنه جاء في كتاب الله تعالى من هذا شيء كثير، فهو جار مجراه؛ فموافقة الإنسان الشعر في الوزن مع عدم القصد من قائله والإرادة له، لا حكم له)) فهذا مختصر ما ذكره ابن القطاع وقد بسطه بسطًا كثيرًا في آخر كتابه المذكور وبه ختم كتابه.
وذكر هذا الجواب الحافظ في "الفتح" (8/31) وقال: وهذا أعدل الأجوبة. وانظر "غريب الحديث" لابن قتيبة، (1/451 – 452)، وشرح النووي (12/118 – 120)
(24) في (م): ((يعني)).(3/489)
تراوَضَتْ (1) فيما يقولون (2) للعربِ فيه إذا قدموا عليهم الموسمَ، فقال بعضُهم: نقول (3) : إنه شاعرٌ (4) ، فقال أهلُ الفطنةِ منهم: والله لتَكُذَّبَنَّكم (5) العربُ؛ فإنهم يَعرفون أصنافَ الشعرِ، فوالله ما يشبهُ (6) شيئًا منها (7) ، وما قولُه بشعرٍ. وقال أُنَيْسٌ أخو أبي ذرٍّ: لقد وضعتُ قولَه على أَقْراءِ (8) الشعرِ فلم يلتئمْ أنه شعرٌ. وكان أُنيسٌ من أشعرِ العربِ. وهذا الوجهُ هو المعتمدُ في الانفصالِ. والله تعالى أعلمُ. &(3/490)&$
__________
(1) في (ح): ((تروضت)).
(2) سقط من (ح).
(3) في (ز): ((يقول، وفي (ي): ((يقولون)).
(4) لا يوجد تعليق بهذا الهامش
(5) في (ح) و(ي): ((لتكذبنهم))، وفي (م): ((ليكذبنكم)).
(6) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
(7) في (م): ((منه)).
(8) في (ز): ((أقوال)).(3/490)
وفائدةُ قولِهِ ?: ((أنا النبي لا كذب...)) إلى آخره - جوازُ الانتماء عندَ الحربِ؛ كما قال سلمةُ بنُ الأكوعِ: ((خُذْهَا وأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ)) (1) . وقد روي ذلك عن جماعةٍ من السَّلفِ. وقال ابنُ عبدِالحكمِ من أصحابِنا: إنما يُكره أن يكونَ ذلك على وجهِ الكِبْرِ، والافتخارِ (2) ، كما كانتِ الجاهليةُ تفعلُ.
وقوله - أعني البراءَ -: ((كنا إذا احمر البأس نتقي (3) به)) (4) ؛ هذا كنايةٌ عن شدةِ الحربِ؛ إما لحمرةِ (5) دمِ الجرحى والقتلى، وإما لتشبيهِ (6) ذلك بحمرةِ جَمْرِ النار (7) . و (8) ((البأسُ)) (9) هنا: الحربُ. %(1/321)%
وقوله: ((ولكن رسول الله ? لم يفرَّ))؛ هذا هو (10) المعلومُ من حالِه، وحالِ الأنبياءِ،صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين (11) ؛ من إقدامِهم، وشجاعتِهم، وثقتِهم بوعدِ =(3/620)=@ الله تعالى، ورغبتهِم في الشهادةِ وفي لقاءِ الله تعالى. ولم يثبتْ قطُّ عن واحدٍ منهم أنه فرَّ، ولا انهزم، ومن قال ذلك عن النبيِّ ?، فقال: فرَّ أو انهزم؛ قُتل، ولم يُستَتَبْ؛ لأنه صار (12) بمنزلةِ من قال: إنه ? كان أسودَ، أو أعجميًّا (13) ، فأَنكر ما عُلم من وصفِه قَطْعًا، وكَذَّبَ بهِ (14) ، وذلك كُفرٌ، ولأنه قد أضاف إليه نقصًا وعيبًا. وقد حكى أصحابُنا الإجماعَ (15) على قتلِ من أضاف إليه نقصًا أو عيبًا. وقيل: يُستتابُ، فإن تاب، وإلا قُتل (16) . &(3/491)&$
__________
(1) سيأتي في باب غزوة ذي قرد، وما تضمنته من الأحكام برقم (1320).
(2) من قوله: ((من أصحابنا...)) إلى هنا، سقط من (م).
(3) في (م): ((نتغنى))!.
(4) في (ب): ((هذه)).
(5) في (أ): ((لحرمة))، وفي (ح): ((الحمرة)).
(6) في (م): ((لنسبة)).
(7) قال أبو عبيد في "غريب الحديث" (4/371 – 372): قال الأصمعي: يقال: هو الموت الأحمر والموت الأسود. قال: ومعناه الشديد، قال: وأرى أصله مأخوذًا من ألوان السباع؛ يقول: كأنه من شدته سبع إذا أهوى إلى الإنسان... قال أبو عبيد: فكأن عليًّا أراد بقوله: ((احمرَّ البأس)) أنه صار في الشدة والهول مثل ذلك . ومن هذا حديث عبد الله بن الصامت قال: ((أسرع الأرض خرابًا البصرة ومصر، قيل: ومال يخربهما؟ قال: القتل الأحمر والجوع الأغبر)). قال الأصمعي: يقال: ((هذه وطأة حمراء)): إذا كانت جديدة، و((وطأة دهماء)): إذا كانت دارسة... فكأن المعنى في هذين الحديثين الموت الجديد مع ما يشبه به من ألوان السباع.
(8) قوله: ((النار و)) سقط من (ح). الهامش مثبت والرقم محذوف
(9) قوله: ((بحمرة جمر النار والبأس...)) كذا في (أ) و(ب) و(م). وفي (ح) وفي (ي): ((بحمرة جمرة البأس...)) ، وفي (ز): ((بحمرته جمر النار والبأس...)) وفي (ي): ((بحمرة النار جمرة البأس...)).
(10) سقط من (ح).
(11) لم ترد الصلاة على النبي والأنبياء في (ي)، واختلفت سائر النسخ في صيغتها، والمثبت ملفق منها.
(12) سقط من (ز).
(13) في (م): ((عجميا)).
(14) سقط من (ز).
(15) قوله: ((الإجماع)) سقط من (أ).
(16) انظر للمزيد في هذه المسألة كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية "الصارم المسلول على شاتم الرسول ?" وانظر: "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" للقاضي عياض (ص760 – 808).(3/491)
وقولُ سلمة: ((ومررتُ على رسول الله ? مُنْهزمًا)) يُفهم (1) منه ثبوتُ النبيِّ ?، وتوجُّهُه نحوَ الكفارِ، بل كان يَرْكُضُ بغلتَه نحوَهم، ولما غشيه القومُ، نزل عن البغلةِ وثبت لهم قائمًا، حتى تراجعَ الناسُ إليه عندَ نداءِ العباسِ. ولم يُسمعْ لأحدٍ من الشجعانِ مثلُ هذا. والله تعالى أعلمُ (2) . =(3/621)=@ %(1/322)%
وقوله: ((ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف)) هذا من أنس تقديرٌ لا تحقيقٌ، إن لم يكنْ غلطًا (3) من بعضِ الرواةِ (4) . وأصحُّ من هذه الروايةِ الروايةُ (5) الأخرى التي قال (6) فيها: ((إنهم كانوا عشرةَ آلافٍ غيرَ الطلقاءِ)). وسُمُّوا (7) بذلك؛ لأن النبيَّ ? أطلقهم عندَ فتحِ مكةَ، وهم غيرُ العُتقاءِ. والعُتقاءُ: هم السبعونَ أو الثمانون من أهلِ مكةَ (8) الذين راموا أن يَغْدِرُوا (9) بالنبيِّ ? وبعسكرِه يومَ الحديبيةِ؛ فأُخذوا فأُعتقوا (10) ، فَسُمُّوا ((العتقاء)) بذلك؛ قاله أبو عمرَ بنُ عبدِالبرِّ (11) .
وقول أنسِ بنِ مالكٍ (12) : ((هذا حديثُ عَميِّهْ)) (13) ؛ يعني: ((عَمِّي))، وزاد هاءَ السكتِ =(3/622)=@ التي تثبتُ في الوقفِ. يعني بذلك أن نداءَ رسولِ الله ?: ((يالَ المهاجرين)) (14) إنما رواه عن عمه (15) .
وقوله: ((فايمُ (16) الله ما أتيناهم حتى هزمهم الله))؛ يعني بذلك: أنه (17) ما رجع أوَّلُ (18) المنهزمةِ حتى هزم الله تعالى العدوَّ على أيدي المتسارعين (19) إلى النداءِ من %(1/323)% المهاجرين والأنصار الذين قاتلوا بين يَدَيْ رسولِ الله ?؛ حين تطاولَ (20) عليهم وقال: ((الآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ))، وبعد أن رمى الحصا في وجوههِم، وقال: ((شَاهَتِ الوجوهُ))؛ كما تقدم. &(3/492)&$
__________
(1) في (ز): ((يلزم)).
(2) قال النووي: قال العلماء: قوله((منهزمًا)) حال من ابن الأكوع كما صرح أولا بانهزامه، ولم يرد أن النبي ? انهزم... إلخ "شرح النووي" (12/122)، وانظر "الإكمال" (6/134).
(3) في (أ): ((غلطٌ)).
(4) قال بأنها وَهْمٌ من الراوي عن أنس، القاضي عياض، في "الإكمال" (3/603)، و"المشارق" (1/382، 385)، وانظر "شرح النووي" (7/153 – 154) و"فتح الباري" (8/55).
(5) سقط من (ي).
(6) ((قال)) مثبتة من (ب) و (م) فقط.
(7) في (أ): ((سموا)).
(8) من قوله: ((وهم غير العتقاء ....)) إلى هنا سقط من (ح) و(ي).
(9) في (ح): ((يغدوا)).
(10) في (ح) و(ي): ((واعتقوا)).
(11) ذكر ابن هشام عن ابن إسحاق، أن قريشًا بعثت أربعين رجلاً منهم أو خمسين لينالوا من عسكر رسول الله ?، فأتي بهم إلى النبي فعفا عنهم، وخلَّى سبيلهم، وما ذكره الشارح هنا ابن عبد البر لم نقف عليه عنه، ولكن ذكره القرطبي صاحب "التفسير". عن ابن هشام عن وكيع. انظر "سيرة ابن هشام" (3/143)، "تفسير القرطبي" (16/28).
(12) قوله: ((بن مالك)) مثبت من (ح) و(ي) فقط.
(13) في (م): ((عميد)).
(14) كذا وقع في جميع نسخ "المفهم"، قال النووي في "شرح مسلم" (7/154) قوله: ((يال المهاجرين، يال المهاجرين، ثم قال: يال الأنصار، يال الأنصار)): كذا في جميع النسخ في المواضع الأربعة ((يال)) بلام مفصولة مفتوحة، والمعروف وصلها بلام التعريف التي بعدها .اهـ. وقد سأل علي الفارسي ابنَ جني عن ألف "يا" في قول الشاعر [من الوافر]:
فخيرٌ نحن عند الناس منكم * إذا الداعي المثوِّبُ قال: يالا
هل هي أصلية أو منقلبة؛ بل هي الآن محكوم عليها بالانقلاب؛ لأنها كألف ((ما)) و((لا)). قال أبو علي: بل هي الآن محكوم عليها بالانقلاب؛ كألف ((باب)) و((دار)) قال ابن جني: فسألته عن علة ذلك فقال: لما خُلطت بها لام الجر من بعدها وحسن قطعها والوقوف عليها والتعليق لها في قوله: ((يالا)) أشبهت هذه الكلمة الثلاثية التي عينها ألف، فأوجب القياس أن يحكم عليها بأنها كـ ((باب)) و((ساق)). قال ابن جني: وهذا الحديث الذي نحن الآن عليه هو الذي سونح عندي أن يكتب. نحو قول: ((يال بكر أنشروا لي كليبًا)) ونحو ذلك مفصولة اللام الجارة عما جرَّته؛ وذلك أنها حيزت إلى ((يا)) من قبلها حتى صارت ((يال)).
ومذهب الكوفيين في هذه الكلمة أنها بقية ((يا آل)) حذفت الهمزة تخفيفًا، وإحدى الألفين، وضعفه البصريون بأنه يقال فيما لا يصلح أن يقال فيه ((آل))؛ نحو: ((يا الله))، و((يا للدواهي)) ونحوه، فهي عندهم أيضا تكتب مفصولةً.
وانظر: "الزاهر في معاني كلمات الناس" (1/137)، وة"الخصائص" (1/276 – 277)، (2/375)، (3/288 – 230)، و((خزانة الأدب)) (2/6 – 8).
(15) زاد بعده في (أ) وحدها: ((واسمه)) ثم ترك بعدها بياضًا.
وما ذكره الشارح هنا هو أحد الأوجه في ضبط لفظة ((عميه)) وتفسيرها، وهو بفتح العين وكسر الميم المشددة وتخفيف الياء وبعدها هاء السكت؛ أي: هذا حديثهم. قال صاحب ((العين)) العم الجماعة. وأنشد عليهم ابن دريد في "الجمهرة":
((أفنيت عما وجبرت عما))
قال القاضي: وهذا أشبه بالحديث. والوجه الثاني: ((عمية)) بكسر العين والميم وتشديد الميم والياء، قال القاضي: كذا روينا هذا الحرف عن عامة شيوخنا، قال: وفسر بالشدة والوجه الثالث: ((عمية)) كذلك إلا أنه بضم العين. والرابع: مثل الأول إلا أنه بتشديد الياء، وهو الذي ذكره الحميدي صاحب ((الجمع بين الصحيحين)) وفسره بعمومتي؛ أي: هذا حديث فضل أعمامي، أو هذا الحديث الذي حدثني به أعمامي كأنه حدَّث بأول الحديث عن مشاهدة، ثم لعله لم يضبط هذا الموضع لتفرق الناس، فحدثه به من شهده من أعمامه أو جماعته الذين شهدوه؛ ولهذا قال بعده: قال: قلنا: لبيك يا رسول الله . والله أعلم. وما نقله القاضي عن صاحب "العين" لم نقف عليه في "العين".
وانظر "الإكمال" (3/603)، و"مشارق الأنوار" (2/89)، و"شرح النووي" (7/154، 155)، و"جمهرة اللغة" (1/157). و"تهذيب اللغة" (1/88)، و"إصلاح المنطق" (1/60)، و"اللسان" (12/427).
(16) في (م): ((فأتم)).
(17) قوله: ((أنه)) سقط من (ح) و(ز)..
(18) في (أ) و(ح): ((أولى)).
(19) في (م): ((المسارعين)).
(20) في (ز): ((تطاولوا)).(3/492)
وقوله (1) في الروايةِ الأخرى: ((فأدبروا عنه حتى بَقي وحدَه))؛ يعني به (2) : المقاتلين، وإلا فقد ثَبت أنه كان بَقِي (3) معه العباسُ وأبو سفيان.
وقوله: ((فنادى يومئذٍ ندائين))؛ هذان النداءان من النبيِّ ? إنما كانا (4) بعدَ =(3/623)=@ أن رجعَ إليه المهاجرون والأنصارُ بنداءِ (5) العباسِ (6) حين (7) نادى: ((يا (8) أصحاب السَّمُرةِ))؛ كما تقدم. وقد تقدم في كتابِ الزكاةِ الكلامُ على باقي (9) ما في هذا الحديثِ. والله أعلمُ (10) . %(1/324)%
ومن بابِ محاصرةِ العدوِّ
قوله: ((حاصر رسولُ الله ? أهلَ الطائفِ)) (11) ؛ كان هذا الحصارُ بعدَ هزيمةِ هَوَازن؛ وذلك أنه لجأ إليهَا فَلُّهم، واجتمع بها شوكتُهم ورماتُهم مع رماةِ =(3/624)=@ ثقيفٍ. وكان النبيُّ ? لما رأى جِدَّهم وامتناعَهم قال لأصحابه: ((إنَّا قافلون غدًا إن شاء الله (12) ))؛ على جهةِ الرفقِ بهم والشفقةِ عليهم؛ فعظم عليهم أن يَرجعوا ولم يَفْتتحوا (13) ذلك الحصنَ، ورأوا أن هذا العرضَ من النبيِّ ? على جهةِ (14) المشورةِ، &(3/493)&$
__________
(1) في (ي): ((وقال)).
(2) سقط من (ز).
(3) قوله: ((بقي)) سقط من (ح).
(4) كذا في (أ) فقط، وفي سائر النسخ: ((كان)).
(5) تقرأ في (ب): (فدا) ولعلها مصوبة.
(6) في (أ): ((عباس)).
(7) في (ح): ((حتى)).
(8) سقط من (ي).
(9) قوله: ((على باقي ما)) في (م): ((على ما يأتي ما))!.
(10) قوله: ((والله أعلم)) زيادة من (ز) فقط.
(11) قوله: ((أهل الطائف)) في (ب) و(م): ((أهل حصن الطائف)). ولعله ضرب عليها في (ب)، والرواية؟؟؟؟؟؟؟؟؟
(12) قوله: ((إن شاء الله)) سقط من (أ) في (ح) فقط، وكأنه ضرب عليه، وقد قال الرسول ? هذا القول في الحديث مرتين، الأولى: ((إنا قافلون إن شاء الله)) والثانية: ((إنا قافلون غدًا)) ومراد الشارح هنا: المرة الأولى وهي التي فيها ((إن شاء الله))..
(13) في (ح): ((يفتحوا)) وفي (ز): ((يفتح)).
(14) وفي (ي): ((سبيل)).(3/493)
فلما رأى رسولُ الله ? جِدَّهم في هذا وما ظهر لهم، قال لهم: ((اغْدُوا على القتال))، فلما أصابتهم الجراحُ، وقُتل منهم جماعةٌ؛ على (1) ما ذكر أهلُ التواريخِ، قال لهم: ((إنا قافلون غدًا))، فأعجبهم ذلك؛ لما أصابهم من شدةِ الحالِ ولما لقوا، فضحك النبيُّ ? لما رأى من %(1/325)% اختلاف قولِهم عند اختلافِ الحالين، ورجوعِهم إلى الرأيِ السديدِ، لكن بعدَ مشقةِ.
وفيه من الفقهِ: جوازُ محاصرةِ العدوِّ والتضييق عليهم، ومشاورةُ الإمامِ أصحابَه، وعرضُه عليهم ما في نفسِه، وسلوكُه بهمُ طريقَ الرفقِ والرحمةِ.
و((القافلُ)) هو الراجعُ من السفرِ. والجماعةُ: القافلةُ، ولا (2) يقالُ لهم في ابتداءِ (3) سيرِهم: ((قافلة)). بل: ((رفقة)) (4) .
ومشاورةُ النبيِّ ? أصحابَه حين بلغه (5) إقبالُ أبي سفيان، وإعراضُه عن =(3/625)=@ تكليمِ المهاجرين؛ إنما كان ليستخرجَ ما عندَ الأنصارِ من خروجِهم معه للحربِ؛ وذلك أنهم إنما كانوا بايَعوه ليمنَعوه من الأحمرِ والأسودِ، ولم يأخذْ عليهم أن يَخْرجوا معه؛ فأراد أن (6) يعلمَ ما عندَهم من ذلك، فعرض عليهم ذلك، فأجابوه بالجوابِ الذي ذكره سعدُ بنُ عبادةَ - رضي الله عنه - الذي حصل لهم به المقامُ المحمودُ، والشرفُ المشْهودُ (7) .
و(( بَرْك الغِمَاد)): موضعٌ بأقصى (8) هَجَرَ، بينه وبينهم بُعدٌ عظيمٌ. والروايةُ &(3/494)&$
__________
(1) قوله: ((على ما)) في (ز): ((كما)).
(2) في (ب) و(م): ((لا)).
(3) في (ز): ((الابتداء)).
(4) انظر ما تقدم في كتاب "الحج" باب ما يقال عند الخروج إلى السفر وعند الرجوع.
(5) في (ي): ((بلغهم)).
(6) في (ي): ((وأن)).
(7) روي من حديث جابر، وكعب بن مالك، وعبادة بن الصامت، ومرسل الشعبي :
1 - حديث جابر رضي الله عنه: أخرجه أحمد (3/322-323 و323 و339-340)، والبزار (2/307-308 رقم1756/الكشف)، وابن حبان (14/172 – 174 رقم 6274/ الإحسان) و(15/474-476 رقم7012/ الإحسان)،والحاكم (2/624-625)، والبيهقي (8/146) و(9/9)، وفي "الدلائل" (2/442-443). جميعهم من طريق عبدالله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبدالله: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لبث عشر سنين يتتبع الناس في منازلهم في الموسم ومجنة، وعكاظ، وفي منازلهم بمنى، يقول: ((من يؤويني وينصرني حتى أبلغ رسالات ربي وله الجنة ...))، فذكر الحديث بطوله، وفيه: ((تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا يأخذكم في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم، وتمنعوني ما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم فلكم الجنة)).
قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد، جامع لبيعة العقبة، ولم يخرجاه)). ووافقه الذهبي .
وحسن إسناده الحافظ في "الفتح" (7/222).
وقال البزار: ((قد رواه غير واحد عن ابن خثيم، ولا نعلمه عن جابر إلا بهذا الإسناد)).
وقال الهيثمي في "المجمع" (6/56): ((رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح)). وقد صرح أبو الزبير بالتحديث عند أحمد، والبيهقي، فانتفت شبهة تدليسه .
2 - حديث كعب بن مالك: أخرجه أحمد (3/460- 462) وابن حبان (15/471 – 474 رقم 7011 الإحسان)، والطبراني في "الكبير" (19/87-91 و91 رقم174 و175)، والحاكم (3/441)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(2/444-449) من طريق الحاكم. جميعهم من طريق محمد بن إسحاق، قال: حدثني معبد بن كعب بن مالك، عن أخيه عبيد الله بن كعب، وكان من أعلم الأنصار، حدثه: أن أباه كعب بن مالك، وكان كعب ممن شهد العقبة، وبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكر الحديث بمعناه .
وأورده ابن هشام في "السيرة" (1/440-443) عن ابن إسحاق بهذا الإسناد .
قال الهيثمي في "المجمع" (6/54): ((رواه أحمد والطبراني بنحوه، ورجال أحمد رجال الصحيح، غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع)).
قال ابن هشام (1/446): ((قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري، أخو بني سالم بن عوف: يا معشر الخزرج! هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم. قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس ...)).
3 - حديث عبادة بن الصامت: أخرجه أحمد (5/325)، والبيهقي في"الدلائل" (2/451-452).
4 - مرسل الشعبي: أخرجه أحمد (4/119-120)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(2/450-451 و451)، كلاهما من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن عامر قال: انطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - معه العباس عمه إلى السبعين من الأنصار عند العقبة تحت الشجرة ... الحديث.
ووصله أحمد (4/120)، والطبراني في "الكبير" (17/256 رقم710). كلاهما من طريق مجالد عن عامر الشعبي، عن عقبة بن عمرو أبي مسعود، فذكره .
قال الهيثمي في "المجمع" (6/58): ((رواه أحمد هكذا مرسلاً، ورجاله رجال الصحيح، وقد ذكر الإمام أحمد بعده سندًا إلى الشعبي عن أبي مسعود عقبة بن عمرو، وقال بنحو هذا، قال: وكان أبو مسعود أصغرهم سنًّا، وفيه مجالد، وفيه ضعف، وحديثه حسن إن شاء الله)).
وقوّى الحافظ في "الفتح" (7/223) مرسل الشعبي، وقال: ((ووصله الطبراني من حديث أبي موسى الأنصاري)) كذا قال، ولعل الصواب: ((أبو مسعود الأنصاري)) .
(8) في (أ): ((بأقصى)).(3/494)
المشهورةُ فيه(( بَرْك)) بفتحِ الباءِ بواحدةٍ وسكونِ الراءِ، و((الغِمَاد)) بكسرِ الغينِ المعجمةِ. وقيده شيوخُ أبي ذرٍّ في البخاريِّ بكسرِ الباءِ. وقال بعضُ اللغويين: هو الصوابُ. وضبطه الأصيليُّ: بفتح الراءِ %(1/326)% وسكونِها؛ أعني: راءَ (1) ((بَرْك)). وحكى ابنُ دريدٍ: الكسرَ، والضمَّ في غين(( الغماد))، والصحيحُ المشهورُ؛ الأولُ (2) .
وفي ضربِ الصحابةِ للغلامِ، وإقرارُ النبيِّ ? إيَّاهم عليه - ما يدلُّ على جوازِ ضربِ الأسيرِ، وتعزيرِ المتهمِ إذا كان هنالك سببٌ يقتضي ذلك، وأنه يضربُ في التعزيرِ فوقَ العشرةِ، خلافًا لمن أبى ذلك، وقال (3) : لا يضربُ فوقَ العشرةِ. وستأتي المسألةً إن شاء الله تعالى. =(3/626)=@
واختُلف في إقرارِ المتهمِ عندَ الضربِ: فعندَ (4) الشافعيِّ – رحمه الله - وكثيرٍ من أصحابِه: لا يقبلُ إقرارُه حتى يتمادى؛ سواءٌ عُيِّنَ ما أَقرَّ به من سرقةٍ أو قتلٍ، أو لم يعيِّنْ (5) . ومن أصحابنا مَنْ أَلْزمه ذلك (6) إذا عيَّن المقَرَّ به وإن رجع عن إقرارِه، ومنهم من أجازه وإن لم يعيِّن، ومنهم من منعه وإن تمادى عليه؛ لأن خوفَه أن يعادَ عليه العذابُ باقٍ.
وقوله ?: ((والذي نفسي بيدِه لتضربوه (7) إذا صدقكم، وتتركونه إذا كذبكم))؛ إخبارٌ عن غيبٍ؛ فهو من أعلام نبوتهِ (8) ، وكذلك قوله: ((هذا مَصْرع فلان، وفلان))؛ إذ (9) قد وقع ذلك، ووُجد كما أخبر عنه.
وقوله (10) : ((فما ماط أحدُهم موضع يده ?))؛ أي: ما تباعد؛ يقال: ماط &(3/495)&$
__________
(1) في (م): ((راي)).
(2) أما ((برك)) فحكي في بائها الفتح والكسر، مع الاتفاق على سكون الراء، إلا ما حكي عن الأصيلي من فتحها، وضعفه النووي. وأما ((الغماد)) ففي غينها الضم والكسر، ونص صاحب "القاموس" أنها مثلثة. واختلف في موضع ((برك الغماد))؛ فقيل: موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن، وقيل: هي أقاصي هجر، وقيل: هو في أقصى اليمن، وقيل: هو بقعة في جهنم. وانظر "جمهرة اللغة" (2/670)، و"الاشتقاق" (ص492)، و"مشارق الأنوار" (1/115)، (2/143)، و"الإكمال" (6/136)، و"معجم ما استعجم" (1/243 – 244)، (3/1001)، و"معجم البلدان" (1/399 – 400)، و"شرح النووي" (12/124 – 125)، و"فتح الباري" (7/232)، و"النهاية" (1/121)، و"تاج العروس" (5/125).
(3) في (ز): ((قال)).
(4) في (ب) و(م): ((فقال)).
(5) في (ب) و(م): ((تعين)).
(6) سقط من (ح) و(ي)، وفي (أ): ((في ذلك))..
(7) كذا في (ب) و(م): ((لتضربوه)) دون النون، وكذلك وقعت الرواية في "صحيح مسلم" دون الواو، في الموضعين: ((لتضربوه ... ولتتركوه)). ووقع هنا في باقي النسخ في الموضع الأول: ((لتضربونه))، وفي الموضع الثاني في جميع النسخ: ((ولتتركونه)) بالنون.
قال النووي: وهكذا وقع في النسخ: ((تضربوه)) و((تتركوه)) بغير نون، وفي لغة؛ أعني: حذف النون بغير ناصب ولا جازم. اهـ. وقال في موضع آخر؛ وهي لغة صحيحة وإن كانت قليلة الاستعمال)).
وذكر ابن مالك أن علتها التخفيف، وقد حُذفت الضمة أيضًا للتخفيف، والنون نائب عن الضمة، فلو لم تعامل النون معاملة الضمة في جواز حذفها؛ لفضِّل النائب عن المنوب عنه؛ وانظر: "شرح التسهيل" (1/51 – 53)، و"شواهد التوضيح" (228 – 230)، "ارتشاف الضرب" (2/845). "شرح النووي" (2/36)، (12/126)، (17/207).
(8) في (ح) و(ي): ((النبوة)).
(9) في (م): ((أو)).
(10) في (ز): ((وقال)).(3/495)
الرجلُ: إذا تباعد، وأماطَ غيرَه: إذا باعدَه. وقيل: ماط الرجلُ، وأماط: إذا تباعدَ، لغتان (1) . والله أعلم (2) . =(3/627)=@ %(1/327)%
ومن باب ما جاء أنَّ فتحَ مكةَ عَنْوةٌ
قولُه: ((كان كل (3) رجلٍ منَّا يصنع (4) طعامًا يومًا لأصحابه، فكانت نوبتي (5) ))؛ هذه المناوبةُ في الطعامِ كانت منهم (6) على جهةِ المكارمةِ والمطايبةِ، والتبركِ بالمؤاكلةِ والمشاركةِ فيها، لا على جهةِ المعاوضةِ والمشاحَّةِ؛ ولذلك قال أبو هريرة للذي دعاه: ((سبقتَني))؛ ففيه ما كان السلفُ عليه من حُسنِ التودُّدِ والمزاورةِ والمواصلة، والمكارمةِ. و((لو)) هي هنا (7) للتمنِّي؛ أي: ليتَكَ حَدَّثْتَنا. و(( أدركَ طعامُنا))؛ أي: انتهى إلى النُّضْجِ. =(3/628)=@
وقولُه: ((وجعل أبا عبيدةَ على البياذقةِ)) البياذقة: هم الرَّجَّالَةُ. وأصلُه بالفارسيَّةِ: أصحابُ ركابِ (8) المَلكِ (9) . وقد رواه بعضُهم :((السَّاقة)) وفيها بُعدٌ. وبعضُهم قال: ((الشَّارفة))؛ أي: المُشْرِفةُِ، وهي تصحيفٌ. والأُولى هي (10) الصوابُ. وفي روايةٍ &(3/496)&$
__________
(1) قال في "المصباح" (ص 303): ومنهم من يقول: الثلاثي والرباعي يستعملان لاومين ومتعدديين، وأنكره الأصمعي، وقال: الكلام ما تقدم. أي: أن ماط لازم، يتعدي بالهمزة وحرف الجر.. وانظر مشارق الأنوار (1/191)، "النهاية" (4/381).
(2) قوله: ((والله أعلم)) زيادة من (ز) فقط.
(3) قوله: ((كل)) سقط من (ح) و(م) و(ي).
(4) في (ز): ((يضع)).
(5) سقط من (ي).
(6) في (م): ((تنوبني)).
(7) قوله: ((هنا)) سقط من (ح) و(ي).
(8) في (ب) و(م): ((ركابة)).
(9) أصله بالفارسية: ((بِيَادَه)) ومعناه: الرَّاجل. قال الجواليقي: البيذق بالفارسية "بيذه"، وجمعه "بياذِق)) .اهـ. قال ف. عبد الرحيم: قول المؤلف: إن أصله بالفارسية "بيذه" ليس بصحيح، والصحيح أن أصله "بياده" كما قال الزبيدي، هذا بالفارسية الحديثة، ويكون بالفهلوية "بيادك" معرب" بياذَق" بفتح الذال، ثم كسرت كما كسرت في "الباذق" و"الدانق" وغيرهما فأصبح "بياذِق" فوافق "فَعالِل"، وهو بناء من أبنية الجمع فظنوه جمعًا وقالوا للفرد: ((بيذق)). ((المعرب)) (ص 210 – 211) وانظر "الإكمال" (6/138 – 139)، "مشارق الأنوار" (1/108)، "شرح الندوي" (12/ 132)، و"قصد السبيل" (ص 315)، و"تاج العروس" (13/17 – 18).
(10) في (ح) و(ي): ((هو)).(3/496)
أُخرى: ((الحسَّر))، مكانَ ((البياذقة)) وهو جمعُ ((حاسرٍ))؛ وهو هنا (1) : الذي لا درعَ معه. وهذا الوصفُ صادقٌ على الرَّجَّالةِ؛ فإنهم كذلك غالبًا. وقد صحَّفه بعضُهم فقال :((الحُمْس)) مكانَ ((الحسَّرِ)) (2) . %(1/328)%
وقوله: ((وبطن الوادي)) منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ؛ أي: وجعل طريقَه بطنَ الوادي، كما جاء مفسَّرًا في الروايةِ الأخرى (3) ، ولا يجوزُ خفضُه؛ لأنه يلزمُ منه أن يكونَ النبيُّ ? جعل أبا عبيدةَ على سكانِ بطنِ الوادي، وذلك غيرُ مرادٍ قطعًا (4) .
ونداؤه ? للأنصارِ (5) خاصةً: إما لأنَّ المهاجرين كانوا حُضورًا معه؛ فلم يَحْتَجْ إلى ندائِهم، وإما ليُظْهِرَ لهم شدةَ اعتنائِه بهم، وتعويلَهِ عليهم. ويظهرُ لي أن اختصاصَه بالأنصارِ في هذا الموضعِ، وقولُه: ((لا يأتيني إلا أنصاريٌّ))؛ كما جاء في الروايةِ الأخرى - إنما كان لأنه وصَّاهم (6) بقتل مَنْ تعرَّض (7) لهم من قريشٍ؛ إذ لا قرابةَ ولا رحمَ بينهم، فلا مُوجِبَ للعطفِ عليهم، بخلافِ المهاجرين؛ فإن بينهم قراباتٍ وأرحامًا؛ فلا جَرَمَ لما سمعتِ الأنصارُ أَمْرَهُ مَضَوْا لذلك، فلم يتعرَّضْ لهم أحدٌ (8) إلا أناموه؛ أي: قَتَلُوه، فصيَّروه كالنائمِ. والله تعالى أعلمُ.
و((أوباشُ قريشٍ)): أخلاطُهم. وفي الروايةِ الأخرى: ((ووبشت (9) قريشٌ أوباشًا (10) لها))؛ أي: جَمَّعَتْ جُمُوعًا (11) من قبائلَ مختلفةٍ. ويقالُ: أوباشٌ وأوشابٌ. بمعنًى =(3/629)=@ واحدٍ.
و(( الحصد)): القَطْعُ، وأصلُه في الزرعِ، واستعارَهُ هنا للقتلِ لما كانتِ (12) الرؤوسُ والأيدي تُقطَعُ (13) فيه. &(3/497)&$
__________
(1) سقط من (ب) و(م).
(2) قوله: ((وقد صحفه بعضهم فقال: ((الحمس)) مكان المحسر)) مثبت من (أ) فقط . وهو في "الإكمال" (6/139)، لكن وقع في المطبوع ((الحبيشي)). وما في المخطوط يمكن أن يقلرأ ((الحبس)) كما نص عليه الحميدي في "تفسير غريب ما في الصحيحين"؛ قال: وروى بعض أصحاب الغريب أنه بعث أبا عبيدة على "الحبس" بالباء قبل السين، وقال: هم الرجالة سموا بذلك لتحبسهم عن الركبان وتأخرهم، قال: وأحسب الواحد "حبيسًا" فعيلٌ بمعنى ((مفعول))، قال: ويجوز أن يكون ((حابشا)) كأنه يحبس من يسير من الركبان بمسيره. اهـ.
وانظر "شرح النووي" (12/112).
(3) قوله: ((الأخرى)) من (ز) فقط، وهي عند مسلم قبل الحديث الذي ذكره الشارح هنا، ورقمه في مسلم (1780).
(4) ؟؟؟؟؟؟؟؟ لا يوجد تعليق.
(5) في (ب) و(م): ((الأنصار)).
(6) في (ح): ((أوصاهم)).
(7) في (ب): ((يعرض)).
(8) في (ي): ((أحدًا)).
(9) في (د): ((أووبشت)) وفي (م): ((ووبشت)).
(10) قوله: (أوباشًا)) رسمها في (م): ((أوماهنا)) وهذه الرواية عند مسلم برقم (1780).
(11) في (ح) و(ي): ((جموعها)).
(12) في (ح): ((كان)).
(13) في (ب): ((يقطع)) وفي (ز): ((نقطع)).(3/497)
%(1/329)%
وقوله: ((وأحفى بيده ووضع يمينه على شماله))؛ كذا صحيحُ الروايةِ؛ بالحاءِ المهملةِ؛ معناه: اسْتأصَل؛ أي: أشار إلى ذلك. وبعضُهم رواه: ((وَأَكْفَى)) بالكاف؛ أي: مال بيدِه؛ فكأنه ? وضع يُمناه على يُسراه، وأمرَّها عليها مشيرًا إلى الاستئصالِ. والله تعالى أعلمُ.
وقولُه: ((موعدُكم الصفا))؛ ظاهرُه خطابهُ للأنصارِ؛ فكأنه ? سَلكَ الطريقَ الأعلى من مكةَ، وسلكتِ (1) الأنصارُ من أسفلِها، حتى اجتمعوا عندَ الصفا. و((الموعِدُ)) هنا: موضعُ الوعْدِ، وقد يأتي (2) كذلك في الزمانِ؛ كقوله تعالى: {إن موعدَهم الصبح أليس الصبحِ بقريب} (3) ، ويأتي كذلك للمصدرِ، وهو في كلِّ ذلك مكسورُ العينِ.
وقولُ أبي سفيان: ((أُبيدت خضراءُ قريشٍ))؛ أي: أُفنيت وأُذهبت. وفي روايةٍ أخرى : (( أُبيحت))؛ من الإباحةِ. وكلاهما متقاربٌ. و((خضراءُ قريشٍ)): معظمُها، وجموعُها.
وقوله: ((لا قريشَ بعدَ اليوم))؛ أي: لا وجودَ لقريشٍ بعدَ هذا؛ وذلك لما رأى من هولِ الأمرِ، والغلبةِ والقهرِ، والاستطالةِ (4) ، والاستيلاءِ عليهم.
وهذا الحديثُ لمالك نصٌّ على أن النبيَّ ? دخلَها عَنْوةً وقهرًا. وهو =(3/630)=@ الذي صار إليه جمهورُ العلماءِ والفقهاءِ (5) ؛ مالك وغيرُه، ما عدا الشافعيَّ؛ فإنه قال: فُتحت (6) صُلْحًا. وقد اعتذرَ (7) بعضُ أصحابِه عنه (8) في ذلك %(1/330)% بأن قال: أراد الشافعيُّ بقولِه: إنه ? دخلَ مكةَ صُلحًا؛ أي: فعل فيها (9) ما يفعله (10) مَنْ صالح؛ فَمَلَّكهم أنفسَهم، ومالَهم (11) ، وأَرَضِيهم. &(3/498)&$
__________
(1) في (ح): ((وسلك)).
(2) في (ي): ((تأتي))
(3) سورة هود؛ الآية: 81.
(4) في (ح) و(ي): ((الاستصالة)).
(5) قوله: ((والفقهاء)) سقط من (ح).
(6) في (ح): ((فتحها)).
(7) قوله: ((عنه)) سقط من (ح) و(ي).
(8) في (ز): ((قال الشيخ))، وفي (ب) و(م): ((قال الشيخ رحمه الله)).
(9) قوله: ((فيها)) سقط من (ح) و(ي).
(10) في (ز): ((يفعل)).
(11) في (ح): ((وأموالهم)).(3/498)
قلت (1) : والكلُّ متفقون على أن النبيَّ ? لما دخل مكةَ أَمَّنَ أهلَها ولم يَغْنَمْهُم، وتركَ لهم (2) أموالَهم، وَذَرَاريَّهم، وأَرَضِيهم (3) ، ولمْ يُجْرِ عليها (4) حكمَ الغنيمةِ، ولا حكمَ الفيءِ، فكان ذلك أمرًا خاصًّا بمكةَ؛ لشرفِها وحرمتهِا، ولا يساويها في ذلك غيرُها من البلادِ بوجهٍ من الوجوهِ. والله تعالى أعلمُ.
وقد تقدَّم الكلامُ في بَيْعِ دُورِ مكةَ وإجارتِها.
وقولُ الأنصارِ: ((أما الرَّجلُ فقد أخذته رأفةٌ بعشيرتِه، ورغبةٌ في قريته))؛ هذا القولُ ليس فيه تنقيصٌ ولا تصغيرٌ (5) ، وإنما هم - لما رأوا (6) منه ما تَقتضيه (7) خُلُق الكرامِ وجِبِلَّاتُ الفضلاءِ؛ من الرأفةِ (8) على العشيرةِ، والصَّغْو للوطنِ والحنينِ له - خافوا أن يُؤْثِرَ المُقامَ فيها على المقامِ بالمدينةِ؛ فحملَهم شدةُ محبتهِم له، وكراهةُ =(3/631)=@ مفارقتِه، أو (9) مفارقةِ (10) أوطانِهم، على أن قالوا هذا الكلامَ، وقد بيَّنوا عُذْرَهم عن هذا؛ حيثُ قالوا: ((ما قلناه إلا ضنًّا برسولِ (11) الله ?))؛ أي: بخلاً. %(1/331)% وإخبارُه ? إيَّاهم (12) بما قالوا (13) ، معجزةٌ من معجزاته.
وقولُه ?: ((ألا فما اسمي إذن؟ )) قيل: إنما قال ذلك تنبيهًا على صدقِه لما (14) ظهرتْ معجزتُه (15) بإخبارِه عمَّا غاب عنه، كما كان يقولُ عندَ ظهورِ الخوارقِ (16) على يديه: ((أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ)) (17) . وقيل: إنما قال ذلك مُنبِّهًا على أنَّ صِدْقَ اسمه((محمدٍ)) عليه، يَمْنَعهُ (18) من نقضِ العهدِ وتركِ القيامِ بحقِّ مَنْ له حقٌّ، فكأنه قال: لو فعلتُ ذلك لما استحقَقْتُ أن أُسمَّى: ((محمدًا))، ولا: ((أحمد))؛ إذ كلاهما (19) مأخوذٌ من الحمدِ (20) . ويدلُّ على صحةِ هذا التأويلِ قولُه: ((المحيا محياكم، والممات مماتكم))؛ أي: لا أفارقُكم &(3/499)&$
__________
(1) في (ب): ((تجر)).
(2) سقط من (أ)، وفي (ح) و(ي): ((اليوم)).
(3) في (أ): ((وأرضهم)).
(4) في (أ): ((عليهم)).
(5) في (ب) و(م): ((تقصير)).
(6) في (ز): ((رأوه)).
(7) في (ح) و(ز): ((يقتضيه)).
(8) زاد بعدها في (م): ((والرحمة)).
(9) في (ب) و(م): ((و)).
(10) قوله: ((مفارقته أو مفارقة)) سقط من (ز).
(11) قوله: ((برسول)) في (م): ((يا رسول)).
(12) قوله: ((إياهم)) سقط من (ح).
(13) في (ح): ((قالوه)).
(14) في (ح) و(ي): ((ولما)).
(15) في (ز): ((معجزاته)).
(16) رسمها في (ح) و(ي): ((الحق ارق))!
(17) تقدم في الإيمان، باب لا يغتر بعمل عامل حتى ينظر بما يختم عليه.
(18) في (م): ((تمنعه)).
(19) قوله: ((أحمد إذ كلاهما))، في (ح) و(ي): ((أحمدًا كلاهما)).
(20) ذكر التأويلين القاضي في "الإكمال" (6/145).(3/499)
حياتي ولا موتي (1) . وبكاءُ الأنصارِ إنما كان فرحًا وصبابةً برسولِ الله ?. =(3/632)=@
و((سيةُ القَوْسِ)): طرفُها المنحنِي. وله سِيتان (2) . وقد قال في طريقٍ أخرى (3) : ((وَأَخَذَ (4) بِعُودٍ في يَدَيْهِ))، يُريدُ به (5) القوسَ.
وقوله: ((كان حولُ الكعبةِ ثلاثمائةٍ وستون صنمًا)) إنما (6) كانت بهذا (7) العددِ؛ لأنهم كانوا يعظِّمون في كلِّ يومٍ صنمًا، ويَخُصُّون أعظمَها بيومينِ. %(1/332)%
وقوله: ((فجعل يطعنُها بعودٍ في يده))؛ يقال (8) : كانتْ مثبتةَ بالرَّصاصِ، وأنه كلما طعنَ منها (9) صنمًا في وجههِ خَرَّ لقفاه، أو في قفاهُ خَرَّ لوجههِ (10) . ذكر هذا القولَ عياضٌ في كتابِ"الشفاء (11) ".
وقوله ?: ((لاَ يُقتلُ قرشيٌّ صبرًا بعدَ اليوم إلى يومِ القيامةِ))؛ أصلُ الصبرِ: الحَبْسُ. فمعنى: قُتِلَ صبرًا؛ أي: قُتِلَ (12) محبوسًا مَأسورًا، لا (13) في معركةٍ، ومنه: المصبورةُ المنهيُّ عن قتلِها (14) .
قال الحميديُّ: وقد تأوَّلَ بعضُ العلماءِ هذا الحديثَ &(3/500)&$
__________
(1) في (ي): ((مماتي)).
(2) قال في "المصباح" (ص 156): ((سية القوس، خفيفة الياء ولامها محذوفة وترد في النسبة فيقال: ((سِيَوِيّ)) والهاء عوض عنها، ويقال لسيتها العليا: يدُها، ولسيتها السفلى: رجلها.
(3) قوله: ((طريق أخرى)) في (ي): ((طريق آخر))، وفي(م): ((طرق أخرى))، وفي (ح): ((طريق)) فقط.
(4) قوله: ((وأخذ)) مثبت من (ح) فقط.
(5) سقط من (ح) و(ي).
(6) في (ح): ((أي)).
(7) في (ب) و(م): ((هذه)).
(8) قوله: ((يده يقال)) في (ح): ((يديه يقال))، وفي (ي): ((يديه قِفِال)).
(9) سقط من (م).
(10) قوله: ((خر لوجهه)) سقط من (ز).
(11) قوله: في كتاب "الشفا" في (ح): في "الشفا"، وفي (ي): في"شفاه".
(12) سقط من (م).
(13) قوله: ((مأسورًا لا)) في (ي): ((مأسورًا إلا)).
(14) سيأتي في الصيد والذبائح، باب النهي عن صبر البهائم .(3/500)
على معنى: أنه لا يقتلُ قرشيٌّ مُرْتدًّا ثابتًا على الكفرِ صَبْرًا (1) ؛ إذ قد وُجد مَنْ قُتل منهم صبرًا (2) في القتالِ وغيرِه (3) ، ولم يوجدْ من قُتل منهم صَبْرًا وهو ثابتٌ على الكفرِ (4) . =(3/633)=@
وقال (5) القاضي (6) عياضٌ: هذا (7) إعلامٌ منه ? أنهم (8) يُسلمون كلُّهم، كما كان، وأنهم لا يَرْتدُّون بعدَه كما ارتدَّ غيرهم ممن حُورب وقُتل صَبْرًا.
وقوله: ((لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ مِنْ عُصَاةِ قُرَيْشٍ غَيْرِ مُطِيع بْنِ الأسْوَدِ))؛ قال القاضي (9) عياضٌ (10) : ((عصاةٌ)) هنا: جمعُ ((العاصي)) (11) ، من الأسماءِ، لا من الصفاتِ؛ أي: لم يُسلمْ ممن كان اسمُه(( العاصي))؛ كالعاصي بنِ وائلٍ السهميِّ، والعاصي بنِ هشامِ بنِ (12) البَخْتَريِّ، والعاصِي بنِ سعيد (13) بنِ العاص بن أميَّةَ، والعاص بنِ هشامِ بنِ المغيرةِ (14) المخزوميِّ، والعاصي بن %(1/333)%ِمُنَبِّهِ بنِ الحجاجِ، وغيرهم - سوى العاصيِ بنِ الأسودِ العدويِّ، فغيَّر النبيُّ ? اسمَه، فسماه: ((مطيعًا)). وإلا فقد أسلم عصاةُ قريشٍ وعُتَاتُهم، والحمدُ لله. لكنَّه قد ذُكر: أن (15) أبا جندل بنَ سهيلِ بنِ عمرٍو، وهو (16) ممن أَسْلم: واسمُه: ((العاصي)) (17) . فإذا صحَّ هذا فيحتملُ أن هذا (18) لَمَّا غَلَبَتْ عليه (19) كنيتُه، وصار اسمُه كأنه غيرُ معروفٍ؛ فلم (20) يَستثنِه كما استثنى مطيعَ بنَ الأسودِ (21) . والله تعالى أعلمُ. =(3/634)=@
ومن بابِ صلحِ الحديبيةِ
((جُلُبان السلاحِ)) بضمِّ الجيمِ واللامِ. وذكره الهرويُّ: بإسكانِ اللامِ، وصوَّبه &(3/501)&$
__________
(1) في (ح): ((شبرصا)).
(2) قوله: ((صبرًا)) سقط من (أ). وانظر ما يأتي في باب فيما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - من أذى قريش .
(3) قوله: ((في القتال وغيره)) كذا في النسخ، والذي في كتاب الحميدي: ((في الفتن وغيرها)) وهو أليق!
(4) انظر "تفسير غريب ما في الصحيحين" للحميدي (ص 462).
(5) في (ح) و(ي): ((قال)) وفي (م): ((وقد قال)). ...
(6) قوله: ((القاضي)) سقط من (أ) و(ب) و(ز) و(م).
(7) في (ح) و(ي): ((وهذا)).
(8) في (ب) و(م): ((أنه)) وفي (ز): ((بأنهم)).
(9) قوله: ((القاضي عياض وفي (أ) و(ز): ((القاضي)) فقط، وفي (ب) و(م): ((عياض)) فقط.
(10) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ رقم الهامش مثبوت والهامش محذوف من الأسفل
(11) ((العاصي)) لأنه اعتصى بالسيف أي أقام السيف مقام العصا، وليس هو من العصيان؛ كذا حكاه الآمدي عنه. قلت: (أي: الحافظ): وهذا إن مشى في العاصي بن وائل، لكن لا يطرد؛ لأن النبي ? غيَّر اسم العاص بن الأسود والد عبد الله فسماه مطيعًا؛ فهذا يدل على أنه من العصيان. ((تبصير المنتبه)) (3/889 – 890).
(12) في (ح) و(ز) و(ي): ((أبي)).
(13) في (ح) و(ي): ((سعد)).
(14) في (أ) و(ز) و(م): ((مغيرة)).
(15) سقط من (ح) و(ي).
(16) في (أ): ((هو)).
(17) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ مضاف رقم هامش دون تعليق
(18) قوله: ((فيحتمل أنه)) في (ب) و(م): ((فيحمل هذا على أنه)).
(19) سقط من (ب) و(ز) و(م).
(20) في (ب) و(م): ((لم)).
(21) ذكر أن اسم أبي جندل: العاص، الزبير بن بكار في "جمهرة نسب قريش" (2/930)، ونقله عنه النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" (2/492)، وانظر "الإكمال" (6/174)، و"الإصابة" (7/69).(3/501)
ثابتٌ. وهو مثلُ الجُلُبانِ من القَطانِيِّ، وَقَاله (1) بعض المتقنين بالراءِ: ((جُربان)) بدلَ اللامِ. وَجربان السيف والقميص. وفي البخاريِّ (2) : ((بجُلُبِ (3) السَّلاحِ)). ولعله (4) جمعُ ((جلبان)). وقد فَسَّرَ الجلبانَ في الحديثِ: بالسيفِ وما هو فيه، وهو شبهُ الجرابِ من الأَدَمِ، يُوضعُ (5) فيه السيفُ مَغْمودًا، ويُطرحُ %(1/334)% فيه السوطُ (6) .
وفائدةُ اشتراطِهم ذلك: ألا يدخلَ عليهم على حالةِ المحاربين وهيئتهم، فيظنَّ أنه دخلَها عليهم قهرًا (7) .
وقوله ?: ((هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله))؛ أي: ما (8) صالح عليه (9) . وفيه (10) حجَّةٌ لأربابِ الوثائقِ على افتتاحِهم الوثائقَ التي لها بالٌ بهذا؛ كقولِهم: ((هذا ما اشترى))، و((هذا ما أعتق))، و((هذا ما أصدق)). وعلى تقديم الرجلِ الكبيِر في صَدْرِ الوثيقةِ، بَائعًا كان أَوْ مُبْتاعًا.
وَ((يَمْحاها (11) )): يُذْهبهُا وَيُزيلُهَا (12) ؛ يعني: الكلمةَ التي نازعَه فيها؛ يقال: مَحَوْتُ الشيءَ، ومَحَيْتُه (13) ، أَمْحُوه وَأمحاه (14) ، مَحْوًا، وَمَحْيًا.
وامتناعُ عليٍّ – رضي الله عنه - من المحوِ، مع أمرِ النبيِّ ? بذلك - إنما كان لأنَّه لم (15) يَفْهَمْ من ذلك الأمرَ الجزمَ، ولا الإيجابَ، وإنما فهم أن النبيَّ ? أمره بذلك =(3/635)=@ على جهةِ المصلحةِ في موافقتِهم على ما طلبوه، لكن خَفِيَ عَلَى عليٍّ وعمرَ وغيرهما – رضي الله عنهم - وَجْهُ المصلحةِ في ذلك؛ ولذلك عَظُمَتْ عليهم تلك الحالُ، واشتدتْ (16) عليهم، حتى قال عمرُ ما قال، وحلف عليٌّ ألا يمحوَ ما أَمره بمحوِه؛ تعظيمًا (17) لمحوِ اسمِ الرسالةِ عن النبيِّ ?، والنبيُّ ? في كلِّ ذلك (18) مُقْبِلٌ على ما أراه الله تعالى، وممتثلٌ أمرَ الله تعالى، ساكنَ الجأشِ، واثقًا بأنَّ الله لا يُضيعُه، وأن الله (19) سيجعلُ لهم في ذلك خيرًا وفَرَجًا، وكذلك كان حالُ أبي بكرٍ – رضي الله عنه - من سُكونِ الجأشِ، والثقةِ بالله تعالى! حتى قال لعمر – رضي الله عنهما - ما قال؛ مما دل على موافقتِهِ رسولَ اللهِ ? ظاهرًا وَباطنًا، حتى نصَّ على عمرَ ما قاله له (20) رسولُ الله ? حرفًا حرفًا، حَسَبَ ما نصَّه في حديثِ سهلِ (21) بن حُنَيْفٍ. &(3/502)&$
__________
(1) قوله: ((القطافي)) وقاله في (ز): ((القطان وقال)). و((القطاني)) جمع القِطْنيَّة؛ وهي اسم جامع للحبوب التي تطيخ؛ مثل العدس والباقلاء واللوبياء والأرز. "المصباح" (ص263).
(2) (5/304 رقم2700) في الصلح، باب الصلح مع المشركين .
(3) في (م): ((بجلت)).
(4) قوله: ((ولعله)) سقط من (ح).
(5) في (ح) و(ي): ((ويوضع)).
(6) تقرأ في (ي): ((السيوط)).
(7) ذكر القاضي سببًا آخر؛ وهو أن كون السلاح في القراب آمن [من] التقلد بها وحبسها في الأيدي لسرعة السلت والمبادرة بها لأوله ؟؟؟ ؟؟؟؛ أي: أنه إن عرضت فتنة أو نحوها يكون في الاستعداد بالسلاح صعوبة. انظر: "الإكمال" (6/153)، "شرح النووي" (12/236).
(8) سقط من (ح) و(ي).
(9) سقط من (ب) و(ز) و(م).
قال القاضي في "الإكمال" (6/148): معنى ((قاضى))؛ أي: فَاصَلَ، وأمضيا أمرهما عليه وأتماه، ومنه قضى القاضي، أي: فصل الحكم وأمضاه؛ ولهذا سميت تلك السنة ((عام المقاضاة)) و((عمرة القضاء)) و((عمرة القضية)). وانظر: "شرح النووي" (12/135)، و"النهاية" (4/78)، و"فتح الباري" (5/343).
(10) في (ح): ((وهو)).
(11) في (م): ((وتمحاها)).
(12) في (ح) و(ي): ((يزيلها ويذهبها)).
(13) في (ب) و(م): ((ومحيت)).
(14) سقط من (ح).
(15) في (ز): ((لا)).
(16) في (ي): ((واشتد)).
(17) في (ب) و(/): ((تعظيم)).
(18) قوله: ((في كل ذلك)) سقط من (ح) و(ي).
(19) قوله: ((وأن الله)) في (أ): ((وأنه)).
(20) قوله: ((له)) سقط من (ح). ومن قوله: ((رسول الله ? ظاهرًا...)) إلى هنا، سقط من (ح).
(21) في (م): ((سهيل)).(3/502)
%(1/335)%
وقوله: ((أَرِني مكانَها، فأراه، فمحاها وكتب)) ظاهرُ هذا أنه ? مَحَا تلك الكلمةَ التي هي ((رسول الله ?)) بيدِه، وكتب (1) مكانها :((ابن عبد الله (2) ))، وقد رواه البخاريُّ (3) بأظهرَ من هذا فقال: فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ ? الكتابَ، فكتب (4) )). وزاد في طريقٍ =(3/636)=@ أخرى: ((وَلَا يُحْسِنُ أَنْ يَكْتُبَ)) (5) . فقال جماعةٌ بجوازِ هذا الظاهر عليه، وأنه كتب (6) بيده؛ منهم السمناني (7) ، وأبو ذرٍّ، والباجيُّ، ورأوا أن ذلك غيُر قادحٍ في كونِه أمِّيًا، ولا معارضٍ (8) لقولِه (9) تعالى: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك} (10) ، ولا لقولِه: ((إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ)) (11) ؛ بل رأوه زيادةً في معجزاتِه، واستظهارًا على صدقِه وصحةِ رسالتِه؛ وذلك: أنه كتب من غيرِ تعلمِ الكتابةِ (12) ، ولا تعاطٍ لأسبابِها، فكان ذلك خارقًا للعادةِ، كما أنه ? عَلِم عِلْمَ الأولين والآخِرين من غيرِ تعلُّمٍ (13) ولا اكتسابٍ؛ فكان ذلك أبلغَ في معجزاتِه، وأعظمَ في فضائلِه،، هذا لو فُرض أنه عَلِمَ الكتابةَ كلَّها، ودام (14) عليها، فكيف وَلم يُرْو عنه قطّ أنه (15) كتب في غيرِ ذلك الموطنِ الخاصِّ! بل لم يفارقْ (16) ما كان عليه من عدمِ معرفتِه (17) بالكتابِة حالةَ كتابتِه تلك، وإنما أَجْرى الله تُعالى على يدِه وقلمِه (18) حركاتٍ كانتْ عنها (19) خطوطٌ، مفهومُها: ((ابن عبدالله)) لمن قرأها (20) .
ثم هل كان عالِمًا في تلك الحالِ (21) بنظمِ تلك الحروفِ الخاصةِ؟! كلُّ ذلك محتملٌ.
وعلى التقديرين: فلا يزولُ عنه اسمُ الأميِّ بذلك؛ ولذلك قال الراوي عنه في هذه الحالةِ: ((وَلَاَ يُحْسِنُ أَنْ يَكْتُبَ))؛ فبقي عليه اسمُ الأميِّ مع كونِه قال (22) : %(1/336)% ((كَتَبَ)).
وقد أنكر هذا كثيرٌ من متفقِّهةِ (23) الأندلس وغيرِهم، وشدَّدوا النكيرَ (24) فيه، ونسبوا قائلَه إلى الكفرِ،، وذلك دليلٌ على عدمِ &(3/503)&$
__________
(1) في (ي): ((وكبت)).
(2) قوله: ((ابن عبد الله)) في (م): ((محمد بن عبد الله)).
(3) (5/303-304 رقم2699) في الصلح، باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان ابن فلان، فلان بن فلان.
(4) في (ي): ((فكبت)).
(5) البخاري في "صحيحه" (7/499 رقم4251) في المغازي، باب عمرة القضاء .
(6) في (ي): ((كبت)).
(7) في (ب) و(م): ((السمتاني))، وفي (ز): ((المسمنان))! ووقع في مطبوع "الإكمال" (6/151): ((الشيباني))، تابع فيه محققه ما وقع في "شرح الأبي" (5/124)، وهي في مخطوط "الإكمال" واضحة: ((السمناني)). وعبارة القاضي عياض: وإلى جواز ذلك ذهب الباجي وحكاه عن الشيباني وأبي ذر غيرهما.اهـ. وههما من شيوخ الباجي، والسمنانيُّ بكسر السين وسكون الميم، نسبة إ لى ((سِمْنان)) العراق، وضبطه في "الأنساب" بفتح الميم، وهو أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمود، فقيه حنفي، متكلم أشعري، أخذ عنه أبو الوليد الباجي علم الكلام، توفي 444هـ. انظر: "الأنساب" (1/246)، (3/306)، "معجم البلدان" (3/251)، "تاريخ بغداد" (2/217- 218)، "تاج التراجم" (ص256)، "الجواهر المضية" (3/1192)، وانظر "شرح النووي" (12/137)، و "فتح الباري" (7/504).
(8) قوله: ((ولا معارض)) في (ب) و(م): ((ولا معارضًا))، وفي (ح) و(ي): ((والمعاريض))!، والمثبت من (أ) و(ز)، وهو الصواب.
(9) في (ح): ((كقوله)).
(10) سورة العنكبوت؛ الآية: 48. ووقع في (ب) و(م): ((ما كنت...)) دون الواو.
(11) تقدم في الصوم، باب فصل شهر رمضان، والصوم والفطر لرؤية الهلال .
(12) في (أ): ((لكتابة)).
(13) في (م): ((تعليم)).
(14) في (ح) و(ي) و(ز): ((وداوم)).
(15) قوله: ((قط أنه)) في (ز): ((أنه قط)).
(16) قوله: ((بل لم يفارق)) في (ب) و(م): ((ففارق)).
(17) في (ي): ((معرفة)).
(18) في (ح) و(ي): ((وقلبه)).
(19) في (م): ((عليها)).
(20) قوله: ((لمن قرأها)) سقط من (ح).
(21) في (ح): ((الحالة)).
(22) سقط من (م).
(23) في (أ): ((متفقة)).
(24) في (م): ((التكبر)).(3/503)
العلومِ النظريةِ، وعدمِ التوقُّفِ في تكفيرِ المسلمين، ولم يتفطنوا (1) أن تكفيرَ المسلمِ كقتلِه (2) ، =(3/637)=@ على ما جاء عنه ? في "الصحيحِ" (3) ، لاسيما رَمْيُ مَنْ شَهد له أهلُ عصرِه بالعلمِ والفضلِ (4) ، والإمامةِ (5) . على أن المسألةَ ليست ْقطعيةً، بل مستندُها ظواهُر أخبارِ آحادٍ صحيحةٍ، غيرَ أن العقلَ لا يُحيلها (6) ، وليسَ في الشريعِة (7) قاطعٌ يحيلُ وقوعَها على ما تقدَّم (8) .
وقولُه في الروايةِ الأخرى لعليٍّ – رضي الله عنه -: ((اكتبْ: من محمدِ بنِ عبدِالله))؛ ليس معارضًا للروايةِ التي (9) تقدَّم ذكرُها؛ إذ ليس فيها: أنَّ عليًّا كتبَ بيدهِ، وإنما فيها: أنه ? أَمره (10) بالكتابةِ كما أمَره (11) بالمحوِ، فلم يمحُ عليٌّ، ولم يكتبْ، فلما امتنع عليٌّ منهما جميعًا؛ للوجهِ الذي ذكرناه، قال له ?: ((أَرني مكانَها))؛ فأراه إيَّاه، فمحاه النبيُّ ?، وكتب بيدِه، على ما تقرَّر من المذهبِ الأولِ، وعليه تجتمعُ الرواياتُ المذكورةُ (12) المخَتلفةُ. %(1/337)%
وقوله: ((فاشترطوا عليه: أن من جاء منكم لم نرده عليكم (13) ، ومن جاء منا رددتموه علينا))؛ لا خلافَ بين الرواةِ والمتأوِّلين: أن الرجالَ داخلون في هذا اللفظِ العامِّ، واختلفوا: هل دَخَل فيه النساءُ؟
فمنهم من منع ذلك، واستدلَّ بما جاء في البخاريِّ في (14) كتاب الشروط (15) ، في هذا الحديثِ، وهو (16) أنه قال: ((وَلَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ =(3/638)=@ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا)). وهذا نصٌّ؛ وعلى (17) هذا فلا يحتاجُ إلى اعتذارٍ عن حبسِ النبيِّ ? النساءَ اللاتي أسلمْنَ وهاجرْنَ إلى المدينة، ولا أن نقولَ (18) في قولِه تعالى: {فلا ترجعوهن إلى الكفار} (19) : إنه (20) ناسخٌ.
والأكثرُ على أنهنَّ دَخَلْنَ في ذلك العمومِ. وقد رُوي أن سبيعةَ الأسلميةَ بنتَ الحارثِ (21) جاء &(3/504)&$
__________
(1) فَطَن للأمر يفطن، من بابي تعب وقتل، ويتعدَّى بالتضعيف؛ فيقال: فطنته للأمر، و((تفطَّن)) مطاوع للمتعدي. وانظر "المصباح" (ص247).
(2) في (ب): ((كقبله)). وفي (أ): ((كقلته))!.
(3) الذي ورد في الصحيح: ((لعن المؤمن كقتله))، وقد تقدم في الإيمان، باب من قتل نفسه بشيء عذب به برقم (86). ولعل المصنِّف أراد قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر))، وقد تقدم في الإيمان، باب إثم من كفر مسلمًا برقم (53).
(4) في (م): ((والعقل)).
(5) يعني ما وقع لأبي الوليد الباجي لما قال بذلك؛ إذ شنع علماء الأندلس ورموه بالزندقة وأن الذي قاله مخالف للقرآن، قال الحافظ: حتى قال قائلهم:
برئت ممن شرى دنيا بآخرة ... وقال إن رسول الله قد كتبا
فجمعهم الأمير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة وقال للأمير هذا لا ينافي القرآن بل يؤخذ من مفهوم القرآن لأنه قيد النفي بما قبل ورود القرآن فقال وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك وبعد أن تحققت أميته وتقررت بذلك معجزته وأمن الارتياب في ذلك لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة أخرى وذكر بن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك منهم شيخه أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء إفريقية وغيرها واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه بن أبي شيبة وعمر بن شبة من طريق مجاهد عن عون بن عبد الله قال ما مات رسول الله ? حتى كتب، وقرأ: قال مجاهد فذكرته للشعبي فقال صدق قد سمعت من يذكر ذلك ومن طريق يونس بن ميسرة عن أبي كبشة السلولي عن سهل بن الحنظلية أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر معاوية أن يكتب للأقرع وعيينة فقال عيينة أتراني اذهب بصحيفة المتلمس، فأخذ رسول الله ? الصحيفة فنظر فيها، فقال: ((قد كتب لك بما أمر لك)) قال يونس فنرى أن رسول الله ? كتب بعد ما أنزل عليه قال عياض وردت آثار تدل على معرفة حروف الخط وحسن تصويرها كقوله لكاتبه: ((ضع القلم على إذنك فإنه أذكر لك))، وقوله لمعاوية: ((ألق [كذا، ولعلها: أنق] الدواة وحرف القلم، وأقم الباء، وفرِّق السين، ولا تعور الميم وقوله لا تمد بسم الله قال وهذا وان لم يثبت أنه كتب فلا يبعد أن يرزق علم وضع الكتابة فإنه أوتي علم كل شيء.
وأجاب الجمهور بضعف هذه الأحاديث وعن قصة الحديبية بأن القصة واحدة والكاتب فيها علي وقد صرح في حديث المسور بأن عليًّا هو الذي كتب فيحمل على أن النكتة في قوله: ((فأخذ الكتاب وليس يحسن يكتب)) لبيان أن قوله: ((أرني إياها)) أنه ما احتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها إلا لكونه كان لا يحسن الكتابة، وعلى أن قوله بعد ذلك: ((فكتب)) فيه حذف؛ تقديره: فمحاها فأعادها لعلي فكتب وبهذا جزم بن التين وأطلق ((كتب)) بمعنى أمر بالكتابة وهو كثير؛ كقوله: ((كتب إلى قيصر)) و((كتب إلى كسرى)). وعلى تقدير حمله على ظاهره فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم وهو لا يحسن الكتابة أن يصير عالمًا بالكتابة ويخرج عن كونه أميًّا فإن كثيرًا ممن لا يحسن الكتابة يعرف تصور بعض الكلمات ويحسن وضعها بيده وخصوصًا الأسماء ولا يخرج بذلك عن كونه أميًّا ككثير من الملوك ويحتمل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ وهو لا يحسنها، فخرج المكتوب على وفق المراد فيكون معجزة أخرى في ذلك الوقت خاصة ولا يخرج بذلك عن كونه أميًّا، وبهذا أجاب أبو جعفر السمناني أحد أئمة الأصول من الأشاعرة وتبعه بن الجوزي وتعقب ذلك السهيلي وغيره بأن هذا وإن كان ممكنًا ويكون آية أخرى لكنه يناقض كونه أميًّا لا يكتب وهي الآية التي قامت بها الحجة وأفحم الجاحد وانحسمت الشبهة فلو جاز أن يصير يكتب بعد ذلك لعادت الشبهة وقال المعاند كان يحسن يكتب لكنه كان يكتم ذلك قال السهيلي والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضًا والحق أن معنى قوله: ((فكتب)) أي أمر عليًّا أن يكتب. انتهى. وفي دعوى أن كتابة اسمه الشريف فقط على هذه الصورة تستلزم مناقضة المعجزة وتثبت كونه غير أمي نظرٌ كبيرٌ، والله أعلم.
"الفتح" (7/503- 504)، "الإكمال" (6/151- 152)، و "شرح النووي" (12/137- 138). [يراجع هل يوجد كلام الشيخ سعد].
(6) في (ز): ((يحملها)).
(7) في (م): ((الشرع)).
(8) قوله: ((على ما تقدم)) سقط من (ب) و(م).
(9) في (أ): ((الذي)).
(10) في (ح) و(ز) و(ي): ((أمر)).
(11) في (ز): ((أمره)).
(12) قوله: ((المذكورة)) مثبت من (م) فقط.
(13) في (ي): ((إليكم)).
(14) في (ز): ((من)).
(15) (5/329-333 رقم2731 و2732) في الشروط، باب الشروط في الجهاد ... .
(16) سقط من (ي).
(17) في (ز): ((على)).
(18) في (ح): ((تقول)).
(19) سورة الممتحنة؛ الآية: 10.
(20) في (ز): ((على أنه)).
(21) قوله: ((سبيعة الأسلمية بنت الحارث)) كذا في (أ)، وفي سائر النسخ: ((سبيعة بنت الحارث الأسلمي)).
قال الحافظ في "الفتح" (9/419- 420): وذكر ابن الطلاع في ((أحكامه)) أن سبيعة الأسلمية هاجرت فأقبل زوجها في طلبها، فنزلت الآية، فرد على زوجها مهرها والذي أنفق عليها ولم يردها. واستشكل هذا بما في الصحيح أن سبيعة الأسلمية مات عنها سعد بن خولة - وهو ممن شهد بدرًا – في حجة الوداع؛ فإنه دال على أنها تقدمت هجرتها وهجرة زوجها. ويمكن الجمع بأن يكون سعد بن خولة إنما تزوجها بعد أن هاجرت ويكون الزوج الذي جاء في طلبها ولم ترد عليه آخر لم يسلم يومئذٍ.اهـ. وقد أخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" في "تفسيره" (10/3350 رقم18866) عن مقاتل بن حيان، قال: كان بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أهل مكة عهد، شرط فيه أن يرد النساء، فجاءت امرأة تسمى سعيدة، وكانت تحت صيفي بن الراهب، وهو مشرك من أهل مكة، وطلبوا ردَّها، فأنزل الله: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات}.(3/504)
زوجُها صَيْفيٌّ يَطلبُها، وكانت أسلمت، وهاجرت (1) ،، وكذلك أمُّ كلثوم بنتُ عقبةَ، فجاء زوجُها: مسافرٌ يطلبُها بالشَّرطِ (2) (3) ؛ فأنزل الله تعالى هذه (4) الآيةَ في النهيِ عن رَدِّهنَّ، ورأوا أن هذه الآيةَ ناسخة لما تقرَّر بالشرطِ المتقدِّمِ؛ الذي هو ردُّهنَّ إلى الكفارِ. والطريقةُ الأولى أحسنُ، وأبعدُ عن الإشكالِ؛ إذ لم يدخلْنَ (5) في الشرطِ (6) .
ثم اختلفوا: فيما إذا صُولح العدوُّ على مثلِ هذا الشرطِ:
فذهب الكوفيُّون: إلى أن ذلك لا يَجوزُ؛ لا (7) في الرجالِ ولا في النساءِ، ورأوا أن كلَّ (8) ذلك منسوخٌ. ونحوَهُ حَكَى مكيٌّ (9) في "الناسخِ والمنسوخِ" له، عن المذهبِ.
وذهب مالكٌ في المشهورِ عنه - وحُكِي عن أصحاب الشافعي - إلى (10) جواز ذلك، ولزومه في الرجال دون النساء، لكن بشرط أن يكونوا مأمونين (11) على دمه (12) .
وقيل: إنما فعل النبيُّ ? ذلك لضعفِ المسلمين عَن مقاومةِ %(1/338)% عدوِّهم في ذلك الوقتِ؛ وذلك (13) لأنه إنما ردَّ مَنْ رد ممن (14) جاء مسلمًا لآبائِهم وذوي أرحامِهم؛ لعطفِهم عليهم ولحبِّهم فيهم، ولصحةِ إسلامِ مَنْ أسلم منهم (15) ، وللذي (16) علمه النبيُّ ? من حالِ مَنْ رَدَّ: أنه سيجعلُ الله لهُ فَرَجًا ومخرجًا، وكذلك كان. وكلُّ هذه (17) الأمورِ معدومةٌ (18) في حقِّ غيرِه ?، فلا يحتجُّ بتلك القضيةِ (19) على جوازِ ذلك. والله تعالى أعلمُ. =(3/639)=@
وقولُ سهلِ بن حنيفٍ، رضي الله عنه: ((أيها الناس اتهموا أنفسَكم))، وفي الأخرى: ((رأيَكم))؛ يعني به: التثبتَ فيما كانوا فيه، والتبصرَ (20) ، ولا يستعجلوا (21) في (22) أمرِهم. ووجهُ استدلالِه بها: أن تلك الحالةَ كان ظاهرُها مكروهًا لهم صعبًا عليهم، فلما &(3/505)&$
__________
(1) ؟؟؟
(2) في (أ): ((بالشروط)) ويظهر أنه كشط الواو.
(3) البخاري (5/312 رقم2711 و2712) في الشروط، باب ما يجوز من الشروط في الإسلام، والأحكام، والمبايعة. و(7/453-454 رقم4180 و4181) في المغازي، باب غزوة الحديبية ... .
(4) ((هذه)) من (أ) فقط، وليست في سائر النسخ.
(5) في (ز): ((يدخل)).
(6) قال الحافظ في "الفتح" (9/419): اختلف في ترك رد النساء: هل نسخ حكم النساء، أو لم يدخلن في أصل الصلح، أو هو عام أريد به الخصوص؛ قال: وتمسك من قال بالثاني بما وقع في بعض طرق، ثم ذكر ما ذكره الشارح هنا عند البخاري، قال الحافظ: وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق مقاتل بن حيان أن المشركين قالوا للنبي ?: ((رد علينا من هاجر من نسائنا، فإن شرطنا أن من أتاك منا أن ترده علينا))، فقال: ((كأن الشرط في الرجال ولم يكن في النساء)). وهذا لو ثبت كان قاطعًا للنزاع، لكن يؤيد الأول ؟؟؟؟ لما هاجرت جاء أهلها يسألون ردها فلم يردها لما نزلت: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات...} الآية والمراد منها قوله فيها: {فلا ترجعوهن إلى الكفار}.
(7) قوله: ((لا)) سقط من (أ) و(ب) و(ز) و(م).
(8) سقط من (ي).
(9) ذكره عنه القاضي في "الإكمال" (6/149). و[يراجع كتابه!]
(10) سقط من (ز).
(11) في (ي): ((مأمومين)).
(12) في (ب) و(م): ((دينه)) ولعله صوبها في (ب).
(13) قوله: ((ذلك)) سقط من (أ).
(14) في (م): ((من)).
(15) في (م): ((فيهم)).
(16) في (ي): ((والذي)).
(17) سقط من (ي).
(18) في (م): ((معروفة)).
(19) في (ح) و(ي): ((الصفة)).
(20) في (ح) و(ي): ((والتبصر)).
(21) في (ح) و(ي): ((تستعجلون))، وفي (م): ((تستعجلوا))
(22) قوله: ((في)) سقط من (أ).(3/505)
تثبَّتوا في أمرِهم (1) وأطاعوا رسولَ الله ? جعل اللهُ لهم من أمرِهم فَرَجًا ومَخْرجًا، فكأنه (2) يقولُ لهم: إن صبرتُمْ على المكروهِ، وتثبتُّم في أمرِكم، واتقيتُم اللهَ، جعل الله لكمَّ من هذه الفتنِ مَخْرجًا، كما جعلَه لأصحابِ رسولِ الله ? يومَ الحديبيةِ!.
وقال (3) القاضي عياضٌ: إنما قال ذلك سهلُ بن حنيفٍ لما ظهر في أصحابِ عليٍّ – رضي الله عنه - من كراهةِ شأنِ التحكيمِ (4) ، ومراوضةِ الصلحِ، وكان الظفرُ لهم، حتى رفع (5) لهم أهلُ الشامِ المصاحفَ، ودعَوْهم إليها، ورَغِبوا في المصالحةِ (6) (7) .
وقولُ عمرَ – رضي الله عنه -: ((لِمْ نُعْطِي (8) الدنيَّةَ في ديننا))؛ يعني بالدنيةِ: الحالةَ الخسيسةَ، ويعني به: الصلحَ على ما شَرَطوا. ولم يكنْ ذلك من عمرَ – رضي الله عنه - شكًّا ولا معارضةً، بل كان استكشافًا لما خَفِيَ عنه، وحثًّا على قتالِ أهلِ الكفرِ وإذلالِهم، وحرصًا على ظهورِ المسلمين على عدوِّهم. وهذا على %(1/339)% مقتضَى ما تعالى كان عندَه من القوةِ في دينِ الله، والجرأةِ والشجاعةِ التي خصَّه الله تعالى بها. وجوابُ النبيِّ ? وأبي بكرٍ – رضي الله عنه - بما جاوباه (9) به، يدلُّ على أن عندَهما من علمِ باطنةِ (10) ذلك، وعاقبةِ (11) أمرِه ما ليس عندَ (12) عمرَ – رضي الله عنه -؛ ولذلك لم يسكنْ عمرُ حتى بَشَّره النبيُّ ? بالفتحِ، فسكن جأشُه، وطابتْ نفسُهُ. =(3/640)=@
وقول سهلُ بن حُنيفٍ (13) : ((ما وَضَعْنا سيوفنَا على عواتِقنا إلى أمرٍ قطُّ إلا أسهلْنَ بنا إلى أمرٍ نعرفه، إلا أمركم هذا))؛ ((وضعْنا)): رفعنا، هنا (14) ؛ أي: وضعناها على عواتِقنا. والعواتقُ: جمعُ عاتقٍ، وهو من (15) المَنْكِبِ وما يليه إلى العنقِ، وهو الكَاهِلُ، والكَتِدُ، والثَّبَجُ.
و((أَسْهَلْن))؛ أي: حملتنا إلى أمرٍ سهلٍ، وهو من: &(3/506)&$
__________
(1) في (ز): ((أمورهم)).
(2) في (ح) و(ي): ((فكان)).
(3) في (ب) و(ز) و(م): ((قال)).
(4) في (ب) و(م): ((التحكم)).
(5) في (ز): ((دفع)).
(6) في (ح) و(ي): ((المصلحة)).
(7) "الإكمال" (6/154)، وانظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3/32)، و(4/254)، و"فتح الباري" (8/588)، و(12/283-284) وغيرها.
(8) في (ب) و(م): ((نعط)).
(9) في (ح) و(ي): ((جاوبا)).
(10) في (ي): ((باطن)).
(11) في (م): ((وعاقبته)).
(12) في (ب) تقرأ: ((يجيز)) وكأنه صوبها لكن ترك النقط!.
(13) قوله: ((بن حنيف)) مثبت من (ح) و(ي).
(14) قوله: ((رفعنا هنا)) في (ز): ((رفعناها))، وفي (أ) و(ح) و(ز): ((رفعنا)).
(15) سقط من (م) و(ب).(3/506)
((أَسْهَل)): إذا دخل سَهْلاً من الأرضِ؛ كـ((أنجد))، و((أشأم)) (1) ، و((أعرق)): إذا دخل تلكَ المواضعَ.
ويعني بهذا الكلامِ: أنَّ كلَّ قتالٍ قاتلَ فيه ما رفع سيفَه فيه إلا عن بصيرةٍ (2) لعاقبةِ أمرِه، فسَهُل عليه بسببِها ما يلقاه من مشقاتِ الحروبِ، غيرَ تلك الأمورِ التي كانوا فيها، فكانوا كلَّما لاح %(1/340)% لهم منها (3) مصلحةٌ وعاقبةٌ حسنةٌ ظهر لهم نقيضُها. ويدلُّ (4) على صحةِ هذا قولُه (5) : ((ما فتحنا منها (6) مِنْ خُصْمٍ إلا انفجر علينا منه (7) خصمٌ)). أصلُ الخُصْمِ: طرفُ الشيءِ وجانبهُ الذي يؤخذُ به. وخصم الراويةِ: طرفُها. وخُصم العِدْل: جانبهُ الذي يؤخذُ به (8) . =(3/641)=@
وقوله: ((ما فتحنا)) وَهْمٌ من بعضِ الرواةِ، وصوابهُ: ((ما سَدَدْنا))؛ لأنه مقابلُ: ((انفجر علينا))، وكذا وقع في البخاريِّ:((سددنا)) (9) مكان: ((فتحنا )) (10) .
وهذا الحديثُ يدلُّ على جوازِ الصلحِ على ما شَرَطه العدوُّ عند (11) ضعفِ المسلمين عن مقاومةِ عدوِّهم، وعندَ الحاجةِ إلى ذلك، ولا خلافَ في جوازِ الصلحِ عند ذلك، إلا ما ذُكر من الخلافِ في رَدِّ من جاء مسلمًا،، وكذلك لو صُولحوا &(3/507)&$
__________
(1) في (ب) و(م): ((وأتهم)).
(2) في (م): ((بصرة)).
(3) في (ح) و(ز): ((فيها)).
(4) في (ح): ((وتدل)).
(5) سقط من (ي).
(6) سقط من (ح).
(7) في (ب) و(ز) و(م): ((منها)).
(8) قال القاضي: الخصم بضم الخاء وسكون الصاد. وأصله: خُصم القربة وهو طرقها. ولهذا استعاره هنا مع ذكر التفجر كما يتفجر الماء من نواحي القرية.
قال المازري: ومنه قيل للخَصْمين خَصْمان؛ لأن كل واحد منهما يأخذ في ناحية من الدعوى غير ناحية صاحبه. "المعلم" (3/28)، و "الإكمال" (6/156)، و "المشارق" (1/243)، وانظر: "شرح النووي" (12/143).
(9) البخاري (7/457 رقم4189) في المغازي، باب غزوة الحديبية ... .
(10) انظر: "الإكمال" (6/156)، و "المشارق" (2/؟؟؟)، و "شرح النووي" (12/143).
(11) في (أ): ((وعند)).(3/507)
على مالٍ يؤُخذ منهم.
فأما إن لم تَدْعُ (1) حاجةٌ ولا ضرورةٌ إلى ذلك، ولم يكنْ للعدوِّ قوةٌ، إلا لما بذلوه من المالِ (2) ، فأجاز ذلك جماعةٌ منهم الأوزاعي، ومنع ذلك مالكٌ وأصحابُه، وعلماءُ المدينةِ (3) .
واختُلف في مقدارِ مدةِ الصلحِ حيث يجوزُ (4) : فقال مالكٌ: ذلك مفوَّضٌ إلى اجتهادِ الإمامِ (5) . وحدَّ الشافعيُّ أكثرَه بعشرةِ أعوامٍ (6) ؛ بناءً منه على صلح الحديبيةِ؛ =(3/642)=@ فإنه كان عشرَ سنين (7) . واختلف فيها؛ فقال عروةُ بنُ الزبيرِ: كانت أربعَ سنين. وقال ابنُ جريجٍ: ثلاثَ سنين. والأولُ أشهرُ. %(1/341)%
ومن باب التحصُّنِ وحفرِ الخنادقِ
الأحزابُ: جمعُ حِزْبٍ، وهو (8) الجماعةُ من الناسِ، والجملةُ من الشيءِ. وتحزَّب (9) الناسُ: اجتمعوا. والحزبُ من القرآنِ: جملةٌ مجتمعةٌ منه.
ويومُ الأحزابِ: عبارةٌ عن غزوةِ (10) الأحزابِ، وهي غزوةُ الخندقِ (11) . وكانت في السنةِ الخامسةِ من الهجرةِ في شهرِ شوالٍ، وكان (12) سببُها أنَّ نفرًا من رؤساءِ اليهودِ &(3/508)&$
__________
(1) في (م): ((يدع)).
(2) أي: ولكن يصالحون من أجل أن يفيد المسلمون مما يبذلوا الكفار من مالٍ.
(3) لما فيه من ضيعة الثغور تلك المدة، ولأن يؤخذ من الكفار في الغارة عليهم أكثر مما يؤخذ في الصلح غالبًا. ذكره القاضي في "الإكمال" (6/153)، وانظر: "شرح الأبي" (5/123).
(4) في (ي): ((تجوز)).
(5) في (؟؟؟): ((الأمرِ)).
(6) قوله: ((بعشرة أعوام)) في (ي): ((بعشر سنين)).
(7) تقدم في باب كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام .
(8) في (ب) و(م): ((وهم)).
(9) في (ب): ((وتحزف)).
(10) في (م): ((غزو)).
(11) انظر "الدرر" لابن عبدالبر (1/169)، و"تاريخ الطبري" (2/90). [أشير لها بسهم وكتب (9أم90)؟]
(12) في (م): ((كان)).(3/508)
انطلقوا إلى مكةَ مُؤَلِّبين على رسولِ الله ? ومشجِّعين (1) عليه، فجَمَّعوا الجموعَ، وحزَّبوا الأحزابَ، فاجتمعتْ قريشٌ وقادتُها، وغطفانُ وقادتُها، وفَزَارةُ (2) وقادتُها، وغيرُهم من أخلاطِ الناسِ. وخرجوا بحَدِّهم وجِدِّهم في عَشَرةِ آلافٍ حتى نزلوا (3) المدينةَ، ولما سمع رسولُ الله (4) ? بهم (5) شَاوَر أصحابَه، فأشار سلمانُ (6) - رضي الله عنه - بالخندقِ (7) ، فَحفروا الخندقَ (8) ، وتحصَّنوا به، ثم إنَّ رسولَ الله ? خرج من المدينةِ (9) بمن معه من المسلمينَ في ثلاثِة آلافٍ، فبَرزَ، وأقام على الخندقِ (10) ، وجاءتِ الأحزابُ، ونزلت من الجانبِ الآخرِ، ولم يكن بينهم حربٌ إلا الرميُ بالنبلِ، غيرَ أن فوارسَ (11) من قريشٍ اقتحموا الخندقَ، فخرج عليُّ بن أبي طالب – رضي الله عنه - (12) في فرسانٍ (13) من المسلمين، فأخذوا عليهم الثغرةَ التي اقتحموا منها، فقتل عليٌّ – رضي الله عنه - عمرَو بنَ وُدٍّ مبارزةً، واقتحم الآخرون =(3/643)=@ بخيلِهم الخندقَ منهزمين إلى قومِهم. ونقضتْ قريظةُ ما كان بينها وبينَ رسولِ الله ?، وعاوَنوا الأحزابَ عليه (14) ، واشتدَّ البلاءُ على أصحابِ رسول الله (15) ?؛ إذ جاء عدوُّهم من فوقِهم، ومن أسفلَ منهم، %(1/342)% فأقام المسلمون على تلك الحالِ قريبًا من شهرٍ، إلى أن خذَّل الله بين قريشٍ وبين بني (16) قريظةَ على يدَيْ نُعَيْمِ بن مسعودٍ الأشجعيِّ (17) ، فاختلفوا (18) ، وأرسل الله تعالى عليهم ريحًا عاصفةً في ليالٍ شديدةِ البردِ، فجعلتْ تَقْلِبُ أبنيتَهم (19) ، وتُطفئ نيرانَهم، وَتكْفأُ قدُورَهم، حتى أَشْرفوا على الهلاكِ؛ فارتحلوا متفرِّقين في كلِّ وجهٍ، لا يَلْوي أحدٌ على أحدٍ، وكفى الله المؤمنين القتالَ! ثم إنَّ رسول الله ? خرج إلى بني قريظةَ، فحاصَرهم حتى نزلوا على حكمِ سعدِ بن معاذٍ – رضي الله عنه -، كما تقدَّم.
وقولُه: ((فأَنزِلَنْ سكينةً (20) علينا))؛ السَّكينةُ: السُّكون والثَّباتُ، والطُّمأنينةُ.
وقوله: ((إن الأُولى قد بَغَوْا علينا (21) ))؛ كذا صحَّتِ الروايةُ: ((الأولى)) بالقصرِ، فيحتملُ أن يريدَ به مؤنَّثَ (22) ((الأولِ)) (23) ، ويكونَ معناه: إن الجماعةَ السابقةَ بالشرِّ بَغَوْا علينا. ويحتملُ أن تكونَ ((الأُلى)) هي الموصولةَ بمعنى ((الذين))، كما قال (24) أبو ذؤيبٍ (25) : &(3/509)&$
__________
(1) في (ز): ((ومنتجعين)).
(2) في (م): ((ونزارة)).
(3) قوله: ((حتى نزلوا)) موضعه في (ح) كلمة واحدة كأنه صوبها إلى ((خرجوا)) أو ((جاءوا)) أو نحوها.
(4) قوله: ((رسول الله)) في (ب) و(م): ((النبي)).
(5) سقط من (ز).
(6) في (ح): ((سليمان)).
(7) انظر "طبقات ابن سعد" (2/66)، و"فتح الباري" (7/392-393).
(8) قوله: ((فحفروا الخندق)) سقط من (ز).
(9) قوله: ((من المدينة)) سقط من (ح).
(10) قوله: ((فبرز وأقام على الخندق)) في (م): ((فبرزوا على الأخندق)).
(11) في (ز): ((الفوارس)).
(12) قوله: ((رضي الله عنه)) في (ز): ((كرم الله وجهه ورضي عنه)).
(13) في (م): ((فارسين)).
(14) سقط من (ي).
(15) قوله: ((رسول الله))) في (ب): ((النبي)).
(16) سقط من (ي).
(17) من قوله: ((قريبًا من شهر ....)) إلى هنا، سقط من (ح).
(18) في (ح) و(ي): ((واختلفوا)).
(19) في (ح): ((أبليتهم)).
(20) قوله: ((فأنزلن سكينة)) في (ز): (فأنزل الله تعالى سكينته)).
(21) قوله: ((قد بغوا علينا)) مثبت من (أ) فقط.
(22) تقرا في (ز): ((مؤنة)).
(23) في (م): ((الأولى)).
(24) ؟؟؟.
(25) قوله: ((أبو ذؤيب)) مثبت من (أ) فقط.(3/509)
وَيَأْشِبُنِي فيهَا الْأُلَى لَا َيُلوَنَهَا ... وَلَوْ عَلِمُوا لَمْ يَأْشِبُونِي بِبَاطِلِ (1)
=(3/644)=@ وقَالَ ابنُ دريدٍ (2) :
إِنَّ الأولى فَارَفْتُ عَنْ غيْرِ قِلًى ... مَا زَاغَ قَلْبيِ عَنْهُمُ وَلَا هَفَا
%(1/343)%
ويكون خبرُ(( إنَّ)) محذوفًا، تقديرُه: إن الذين بغوا علينا ظالمون. وقيل: إنَّ هذا تصحيف من بعضِ الرواةِ، وإنَّ صوابهَ: ((أُولاءِ)) ممدودةً (3) ، التي لإشارةِ الجماعةِ، وهذا صحيحٌ من جهةِ المعنى والوزنِ. والله تعالى أعلمُ (4) .
وغيرُ خافٍ ما في هذا الحديثِ من الفقِه؛ من جوازِ التحصُّن والاحترازِ من المكروهات، والأخذِ بالحزمِ، والعمل في العاداتِ بمقتضاها، وأن ذلك كلَّه غيرُ قادحٍ في التوكُّلِ ولا مُنْقِصٌ (5) منه (6) ؛ فقد كان النبيُّ ? على كمالِ المعرفةِ بالله تعالى والتوكُّلِ عليه والتسليمِ لأمره، ومع ذلك فلم يَطرَحِ الأسبابَ ولا مقتضَى العاداتِ، على ما يراه جُهّالُ المتزهدِّين أهلُ الدَّعاوى المُمَخْرقين.
وقد يَستِدلُّ بإنشادِ النبيِّ ? وأصحابِه هذه الأسجاعَ وأشباههَا، أهلُ المجونِ والبدعِ من المتصوّفة على إباحة ما أحدثوه من السَّماع المشتملِ على مناكرَ لَا يرَضى بها أهل المروءات، فكيف بأهل الدياناتِْ؟! كالطاراتِ والشباباتْ،ِ واجتماعِ المغاني وأهلِ الفسادِ والشُّبَّانْ، والغناءِ بالألحانْ، والرقصِ بالأكمامْ،ِ وهزِّ (7) الأقدام، كما يفعلُه (8) الفَسَقةُ الْمُجَّانِْ، ومجموعُ ذلك يُعلمُ فسادُه وكونُه معصيةً من ضرورةِ الأديانِْ، فلا يحتاجُ في إبطالِه إلى إقامةِ دليلٍ ولا برهانٍْ. وقد كتبنا في ذلك جزءًا حسنًا سميناه: "كَشْفَ القناعِْ، عن حُكمِ مسائلِ الوجْدِ والسَّماعِ". &(3/510)&$
__________
(1) قال ابن منظور في "لسان العرب"(1/215): ((هذا البيت في الصحاح: بباطل، والصحيح: بطائل)).
(2) قوله: ((وقال ابن دريد)) في (ز): ((وقيل ابن دريد)).
(3) ؟؟؟
(4) وفي بعض روايات هذا الرجز:
إن الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا
خبر ((إن)) الجملة الشرطية: إن أرادوا فتنة أبينا خبر ((إن)) الجملة الشرطية: ((إذا أرادوا)) و((الألي)) بمعنى ((الذين))، وقد وقع في بعض الروايات مصرحًا به:
إن الذين قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا
- يخرج "مشارق" أي في ظهر الورقة السابقة.
(5) في (ب): ((ينقص)).
(6) في (ي): ((له)).
(7) في (ح) و(م) و(ي): ((وضرب)).
(8) في (م): ((تفعله))، ونقطها في (ز) بالياء والتاء معًا.(3/510)
%(1/344)%
وقولهم (1) :
((نَحْن الذين بايعوا محمدَا ... على الجهاد ما بقينا (2) أبدَا))
تذكيرٌ منهم (3) =(3/645)=@ لأنفسِهم بعهدِ البيعةِ، وتجديدٌ منهم لها، وإخبارٌ منهم له (4) بالوفاءِ بمقتضاها. ولما سمع منهم ذلك (5) ، أجابَهم ببشارةٍ: ((لا عيش إلا عيش الآخره))، وبدعاءٍ: ((فاغفر (6) للأنصار والمهاجره (7) )).
و((المهاجرةُ)) أَجْراها صفةً مؤنثةً على موصوفٍ محذوفٍ؛ فكأنه قال: للجماعةِ المهاجرةِ (8) . الرواية: ((والمهاجرة (9) )) بألفٍ بعدَ الواوِ وقبلَ اللامِ (10) ، وهو غيرُ موزونٍ؛ لأنه سجعٌ، ولا يشترطُ فيه الوزنُ، ولو اشتُرط فإنَّ الله تعالى قال: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له} (11) ، ولو قال: و((للمهاجرة (12) ))بلامينِ، لاتَّزن، إذا نقلَ حركةَ ((الأنصار)) إلى الساكنِ (13) .
وقول الرجل: ((لو أدركتُ رسولَ الله ? قاتلتُ معه فأَبليتُ))؛ أي بالغتُ في ذلكِ واجتهدتُ فيه حتى يظهرَ مني ما يُبتلى؛ أي: ما (14) يُختبرُ. وقد تقدَّم (15) : أن أصلَ هذا اللفظِ: الاختبارُ. وأن فيه لغتين جمعُهما زهيرٌ في قولِه:
فَأَبْلَاهُمَا (16) خَيْرَ الْبَلَاءِ الَّذِي يَبْلُو
%(1/345)%
وقد قيل: إن(( بلا)) في الخيرِ، و(( أبلى)) في الشرِّ (17) .
ولما قال هذا الرجلُ هذا الكلامَ ولم يستثنِ (18) فيه، فهم منه حذيفةُ الجزمَ والقطعَ بأنه كذلك كان يفعلُ، فأنكر =(3/646)=@ ذلك عليه، وأخبره بما يَفهمُ منه أن أصحابَ رسولِ الله ? كانوا أقوى في دينِ الله، وأحرصَ على إظهارِه، وأحبَّ في رسول الله ?، وأشجع؛ منك، ومع ذلك فقد انتهتْ بهم الشدائدُ، والمشاقُّ إلى أن حصل منهم (19) ما ذكره، وإذا كان هذا فغيرُهم بالضعفِ أولى (20) . وحاصله: أن الإنسانَ ينبغي له (21) ألا يتمنى الشدائدَ والامتحانَ؛ فإنه لا يدري كيف يكونُ حالهُ فيها (22) . فإن ابتُلي صبر، وإن عُوفي شكر. &(3/511)&$
__________
(1) في (ح) و(ز) و(ي): ((قولهم)).
(2) في (أ): ((يقينا))، وفي (ز): ((بقين)).
(3) سقط من (ي).
(4) في (ي): ((أنه)).
(5) في (ب): ((منهم ذلك))، وفي (أ): ((ذلك منهم))، وفي (ب): ((منهم ذاك)).
(6) في (أ): ((فاغفره)). [شطب في الهامش ولم يشطب من المتن]
(7) في البخاري (2679) أن النبي ? بقوله: ((اللهم إن العيش عيش الآخره، فاغفر للأنصار والمهاجرة)) لما رأى ما بهم من النصب ولجوع، فقالوا مجيبين له:
نحن الذين بايعوا محمدَا ... على الجهاد ما بقينا أبدا
وفيه أيضًا (2801) كما ذكره الشارح هنا، أنهم قالوا ذلك فأجابهم النبي ? وفيه: ((فأكرم الأنصار والمهاجره)) وفي (3584): ((فأصلح...)). وعند مسلم (524، 1805): ((فانصر الأنصار والمهاجره)).
(8) من قوله: ((والمهاجرة أجراها ....)) إلى هنا، سقط من (ح).
(9) سقط من (ز).
(10) قوله: ((وقبل اللام)) سقط من (ح).
(11) سورة يس؛ الآية: 69.
(12) في (ز): ((والمهاجرة)).
(13) يتزن على ما قاله الشارح على بحر الرجز ((مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مُتَفْعِلُن)) على الخرم زيادة سبب خفيف في أدله، وبداية وزن البيت من اللام الثانية في ((اللَّهم )). أما على رواية: (( لا عيش إلا عيش الآخره)) فلا يتنزن. وقوله: ((اللهم إن الخير خير الآخرة)) على الرجز متزن أيضًا لكن فيه .
(14) قوله: ((ما)) سقط من (أ).
(15) في آخر كتاب النبي ? إلى هرقل.
(16) ؟؟؟
(17) في (م): ((الشعر))! ويمكن أن تقرأ كذلك في (ب).
(18) في (ح) و(ي): ((يستتر)) وهي غير منقوطة في (ح).
(19) في (ح): ((مني)).
(20) في (ح): ((أولى بالضعف أولى)).
(21) سقط من (ح) و(ي).
(22) في (ي): ((فيهما)).(3/511)
وقوله ?: ((مَنْ يأتيني بخبر القوم؟)) يتضمنُ إخبارَه ? بسلامِة المارِّ، ورجوعِه إليه.
وقوله: ((جعله الله معي في الجنة))؛ أي: مصاحبًا لي وملازمًا حَضْرتي. وكلُّ واحدٍ منهما على منزلتِه في الجنِة، ومنزلةُ النبيِّ ? لا يَلْحقُه فيها أحدٌ. %(1/346)%
وقوله: ((ولا (1) تَذْعَرْهُم علي))؛ الذُّعْر: الفَزَع؛ أي: لا تُفْزعِهم، فتَهِيجَهم عليَّ. و((يَصْلِي ظهره))؛ أي: يُسخِّنُه بالنار (2) ، ومصدرُه: ((الصِّلاء (3) )) - مكسورًا، ممدودًا - والصَّلى- مفتوحًا، مقصورًا (4) -. =(3/647)=@
وقولُه: ((كأنما أمشي في حَمَّامِ (5) ))؛ أي: لم يُصبه شيءٌ من ذلك البردِ ببركةِ طاعةِ رسولِ الله ?، وهي من كراماتهِ، ألا ترى أنه لما فَرَغَ من ذلك العملِ أخذه البردُ كما كان أولَ مرةٍ؟ !
و(( كَبِدُ (6) القوسِ)): وسَطُها، حيثُ يقبضُ الرامي؛ قال الخليلُ: &(3/512)&$
__________
(1) في (ح) و(ي): ((لا)).
(2) في (ح) و(ي): ((بالقار)).
(3) تقرا في (ب): ((المصلا)).
(4) في (أ) و(ح) و(ي): ((مقصور))، ووضع في (أ) فوق ((مفتوحًا)) و((مقصورٌ)) كلمة ((صح)) مؤكِّدًا لضبطها هكذا.
وهذا الضبط يعني أنه مجرد تنبيه على أن مفتوح الصاد مقصور. ومراد الشارح يقتضي الضبط الذي أثبتناه، وهو أن مصدر صَلَى يصلي: تكسر صاده وتفتح، فإذا كسرت مُدَّ، وإ،ذا فُتحت قُصِر، ويوضح ذلك عبارة القاضي في "الإكمال" (6/161) قال: وهو الصلاء ممدود مكسور، وهو الصلى أيضًا مفتوح مقصور.اهـ. قال أبو علي القالي: والصلا ء من النار إذا كسرت الصاد منه مُدَّ وقصر والاختيار المد... وقال أبو بكر (بن الأنباري): قال الأصمعي: لا أعرف كسر الصاد مع القصر؛ إنما القصر مع فتح الصاد "المقصور والممدود" (ص288- 444).
(5) قوله: ((كأنما أمشي في حمام)) في (ح): ((كلماته ألا ترى في حمام))!. وفي (م): ((كلما أمشي في حمام))!.
(6) في (ح): ((وكبدة)).(3/512)
كَبِدُ كلِّ شيءٍ: وسطه (1) . و((قَرَرْتُ))؛ أي: أصابني القُرُّ (2) ، وهو: البردُ. و((العَباءة))- بفتحِ العينِ والمدِّ -: هي الشَّمْلَةُ (3) ، وهي كِساءٌ يُشْتمَلُ به؛ أي: يُلْتَفُّ فيه. و((نَوْمَانُ)): كثيرُ النومِ؛ نسبه (4) إلى ذلك لأنه نام حتى دخل عليه وقتُ صلاةِ الصبحِ. ولا يُستعملُ إلا في النداءِ خاصةً (5) .
ومن بابِ اقتحامِ الواحدِ على جمعِ (6) العدوِّ
((رَهِقُوهُ))؛ أي: غَشُوه ولَحِقُوه، وهو مكسورُ العينِ (7) ثلاثيًّا، وقد جاء رباعيًّا بمعنًى. ومنه قولهُ تعالى: {ولا ترهقني من أمري عسرًا} (8) . قال ابنُ الأعرابيِّ: رَهِقْتُه، وأَرْهقَتُه (9) : بمعنًى واحدٍ (10) . =(3/648)=@ %(1/347)%
وقولُه (11) : ((لصاحبيه (12) ))؛ يعني بهما: القرشييَّنِْ (13) المذكورَيْن في أولِ الحديثِ. وقولُه ?: ((ما أنصفنا أصحابنا))، الروايةُ: ((أَنصفْنا (14) )) بسكونِ الفاءِ. ((أصحابنا)) بفتحِ الباءِ؛ يعني بهم: السبعةَ الذين قُتلوا.
قال عياضٌ: أي: لم نُدِلْهُم (15) القتالَ حتى قُتلوا هم (16) خاصَّةً، وقد رواه بعضُ شيوخِنا (17) : ((ما أنصفَنا أصحابُنا))- بفتحِ الفاءِ (18) ، وضمِّ الباءِ مِن ((أصحابُنا))- وهذا (19) يرجعُ إلى مَنْ فرَّ عنه وتَركه (20) .
و((اِلمجَنُّ)): التُّرْسُ؛ لأنه يُستجَنُّ به؛ أي: ُيستَتُر.
و((الرَّباعية)) بفتح الراء (21) ، وتخفيف الياء (22) ، وهي (23) : كل سنٍّ بعدَ ثَنيَّهٍ، و((هُشمت)): كُسرت. و((سَلَتَ الدمَ عنه)): نَزَعَه (24) بيدِه. =(3/649)=@
وقوله: ((كيف يُفلح (25) قوم شَجُّوا نبيَّهم؟)) هذا منه ? استبعادٌ لتوفيقِ مَنْ فعل ذلك به (26) . وقولُه تعالى: {ليس لك من الأمر شيء} (27) ، تقريبٌ لما استبعدَه، وإطماعٌ في إسلامهِم. ولَمَّا أُطمع في ذلك، قال ? (28) : ((اللَّهُمّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ %(1/348)% لَا يَعْلَمُونَ)) (29) . وإذا تأمَّل الفَطِنُ هذا الدعاءَ في مثلِ تلك الحالِ، علم معنَى قولهُ تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} (30) ؛ فإنه ? لم يَدْعُ عليهم فينتصرَ، ولم &(3/513)&$
__________
(1) "العين" (5/333)، وفيه: ((والكبد كبد القوس وهو مقبضها حيث يقع السهم على كبد القوس ، وقوس كبدا: غليظة الكبد.
(2) في (ح) و(ي): ((القرة)).
(3) في (م): ((البغلمة)).
(4) في (م): ((نسبه)).
(5) قوله: ((ولا يستعمل إلا في النداء خاصة)) من (أ) فقط، وزاد موضعه في (ز) فقط: ((والله أعلم)).
وانظر "المحكم" (10/525)، وقال ابن الأثير في "النهاية" (5/129): ((وأكثر ما يستعمل في النداء)). وفي "تهذيب اللغة" (15/373): ((ورجل نومان كثير النوم)).
(6) في (ي): ((جميع)).
(7) ألحق في هامش (ب) بإزائها: ((الهاء)).
(8) سورة الكهف؛ الآية: 73.
(9) في (أ): ((أهقته)).
(10) قال القاضي في "المشارق" (1/301): ولا يستعمل إلا في المكروه. وقال ثابت: كل شيء ودنوت منه فقد رهقته. انظر: "الأفعال" (2/29).
(11) في (ح): ((قوله)).
(12) في (ح) و(ي): ((لصاحبه)).
(13) في (ح): ((القرينين)). وتقرأ في (ي): ((القريتين)).
(14) سقط من (ي).
(15) في (ب): ((يذلهم))، وفي (ح) و(م): ((يدلهم))، وفي مطبوع "الإكمال" (6/163): ((يدلهما))ز وهي غير واضحة في مخطوط "الإكمال". قال النووي: ومعناه ما أنصفت قريش الأنصار؛ لكون القرشيين لم يخرجا للقتال، بل قاتلت الأنصار واحدًا بعد واحدٍ.اهـ.
وقد نقل الأبي معنى كلام القاضي قائلاً: أي: قدمناهم للقتال حتى قتلوا هم خاصة.اهـ. ولعله من ((الإدالة)) و((الإكمال)) أي: لم نتناوب معهم القتال فقاتلوا وحدهم حتى قتلوا.
قال الأبيُّ: هو ? غير داخل في نفي الإنصاف، وإنما خلط نفسه في ذلك على سبيل التنزل والإيناس للقرشيين ثم إن الأظهر أعدم إنصافهما إنما هو لترك مندوب؛ لأنه ? لا يجب عليه أن يدفع عن نفسه، إلا إذا لم يكن معه أحد، وأما إن كان معه أحد فالدفع إنما يجب على من معه، ثم الدفع إنما هو فرض كفاية وقد قام به السبعة فهو في حق القرشيين مندوب.اهـ.
انظر: "شرح النووي" (15/147- 148)، و "مشارق الأنوار" (3/16، 357)، و "شرح الأبي" (5/132).
(16) قوله: ((قتلواهم)) في (ز) ومطبوع "الإكمال" (6/163) ((قتلوهم)) والمثبت من باقي النسخ... و؟؟؟ "الإكمال".
(17) في (ح): ((بعض الناس شيوخنا)). [شطب هذا الهامش وبقى في المتن]
(18) في (ز): ((الحاء)).
(19) في (ب) و(م): ((وهو)).
(20) وقال القاضي عياض في "المشارق" (2/357): والصواب الرواية الأولى، ومساق الخبر يدل على ترجيح هذه الرواية.
(21) في (ب) و(م): ((الباء)).
(22) في (ح) و(ز): ((الباء)).
(23) في (أ) و(ب): ((هي)).
(24) سقط من (ز).
(25) في (م): ((تفلح)).
(26) قوله: ((به)) سقط من (ح).
(27) سورة آل عمران؛ الآية: 128.
(28) من قوله: ((استبعاد لتوفيق...)) إلى هنا، سقط من (ي).
(29) أخرجه الفسوي في "تاريخه" (1/؟؟؟)، وابن حبان (3/254 رقم973/الإحسان)، والطبراني في "الكبير" (6/120 رقم5694)؛ جميعهم من طريق إبراهيم بن المنذر، عن محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن الزهري، عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد: ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)). قال الهيثمي في "المجمع"(6/170): ((رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح)).
وفي سنده: محمد بن فليح بن سليمان؛ قال ابن معين: ((فليح بن سليمان، ليس بثقة، ولا ابنه)). وقال أبو حاتم: ((ما به بأس، ليس بذاك القوي)). وقال العقيلي: ((مدني، لا يتابع في بعض حديثه)). ووثقه الدارقطني. "تهذيب الكمال" (26/ 299-301 رقم5549) مع حاشيته. وفي "التقريب" (ص889 رقم6268): ((صدوق يهم)). وأحاديثه عند البخاري متابعةٌ أكثرها. انظر "هدي الساري" (ص442).
(30) سورة القلم؛ الآية: 4.(3/513)
يقتصرْ على العفوِ حتى دعا لهم، ولم يقتصرْ على الدعاءِ لهم حتى أضافَهم لنفسِه على جهةِ الشفقةِ، ولم يقتصرْ على ذلك حتى جعل لهم جهلَهم بحالِه كالعذرِ، وإن لم يكن عذرًا. وهذا (1) غايةُ الفضلِ والكرمِ التي لا يُشارَكُ فيها (2) ولا يوصلُ إليها (3) . =(3/650)=@
وقوله: ((اشتدَّ غضبُ الله على قومٍ كَسروا رَبَاعِيَةَ نبيِّهم))؛ يعني (4) بذلك المباشرَ لكسرِها ولشجِّه، وهو: عَمْرو بن قَمِئَة؛ فإنه لم يُسلمْ، ومات كافرًا (5) . فهذا (6) عمومٌ والمراد به (7) الخصوصُ، وإلا فقد أسلم جماعةٌ ممن شَهِد أحُدًا كافرًا (8) ، ثم أسلموا وَحَسُنَ إِسلامُهم.
قوله: ((اشتدَّ غضبُ الله على رجلٍ قتله رسولُ الله ?))؛ خصوصٌ، والمراد به العمومُ في كلِّ كافرٍ قتله نبيٌّ من الأنبياءِ على الكفرِ؛ فيستوى في هذا الأنبياءُ كلُّهم. وقد جاء هذا نصًّا فيما ذكره البزَّارُ (9) عن ابنِ مسعودٍ %(1/349)% مرفوعًا: ((أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ رَجُلٌ قَتَلَ نَبِيًّا، أَوْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ، أَوْ إِمَامُ ضَلَالَةٍ)).
وقولُ عبدِالله: ((كأني أنظرُ إلى رسولِ الله ? يَحكي نبيًّا من الأنبياءِ...)) إلى آخره النبيُّ ? هو الحاكي، وهو المحكيُّ عنه، وكأنه أوحي إليه بذلك قبلَ وُقوعِ قضيةِ (10) يومِ أحدٍ، ولم يُعيَّنْ له (11) ذلك النبيُّ، فلما وقع ذلك له (12) تَعَيَّنَ أنه هو (13) المعنيُّ بذلك والله أعلم (14) . =(3/651)=@ &(3/514)&$
__________
(1) في (ب) و(م): ((وهذه)).
(2) في (ز): ((فيهما)).
(3) في (ز): ((إليهما)).
(4) في (ح): ((تعني)).
(5) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/130-131 و131 رقم7596 و7597) من طريق حفص بن عمر بن ميمون، عن ثور بن يزيد، عن مكحول وراشد بن سعد، عن أبي أمامة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رماه عبد الله بن قمئة بحجر يوم أحد فشجه في وجهه وكسر رباعيته، وقال: خذها وأنا ابن قمئة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يمسح الدم عن وجهه: ((ما لك أقمأك الله!))، فسلط الله عليه تيس جبل، فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة.
قال الهيثمي في "المجمع" (6/169): ((رواه الطبراني، وفيه حفص بن عمر العدني، وهو ضعيف)).
وحفص هذا كذبه أبو حاتم؛ في "الجرح والتعديل" (3/183 رقم789).
قال الحافظ في "الفتح" (7/366): ((وأخرج ابن عائذ في "المغازي" عن الوليد بن مسلم، حدثني عبدالرحمن بن يزيد، عن جابر، فذكر نحوه منقطعًا)).اهـ.
وقيل: إن الذي كسر رباعيته - صلى الله عليه وسلم - السفلى، وجرح شفته السفلى: عتبة بن أبي وقاص. وأن الذي شجه في جبهته: عبدالله بن شهاب الزهري، وأن ابن قمئة جرح وجنته ? فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته ?. انظر "سيرة بن هشام (2/79-80 و86).
(6) في (ح) و(ي): ((وهذا)).
(7) قوله: ((والمراد به)) في (ح): ((والرواية))!.
(8) في (م): ((كفارًا)).
(9) أخرجه أحمد (1/407)، والبزار (2/238 رقم1603/كشف). كلاهما من طريق عبد الصمد بن عبدالوارث، عن أبان بن يزيد، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله: أن رسول الله ? قال: ((أشد الناس عذابًا يوم القيامة رجل قتل نبيًّا، أو قتله نبي، وإمام ضلالة)).
قال الألباني في"الصحيحة" (1/569 رقم281): ((هذا إسناد جيد)). وصححه المناوي في "فيض القدير" (1/517)، ونقل عن العراقي أنه قال: ((إسناده صحيح)).
(10) في (ح): ((قصة)).
(11) سقط من (ي).
(12) سقط من (ب) و(م).
(13) سقط من (ب) و(م).
(14) قوله: ((والله أعلم)) زيادة من (ز) فقط.
قال الحافظ في "الفتح" (6/521): ((وأغرب القرطبي فقال: [أشر بسهم إلى جانب الورقة هنا ثم كتب نقل كلام الشارح هنا ثم قال]: ((ويعكر عليه أن الترجمة لبني إسرائيل [أي: البخاري، وهي قوله: ؟؟؟]، فيتعين الحمل على بعض أنبيائهم))، ثم قال: ((وجدت في "مسند أحمد" من طريق عاصم، عن أبي وائل، ما يمنع تأويل القرطبي، ويعين الغزوة التي قال فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، ولفظه: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائم حنين بالجعرانة، قال: فازدحموا عليه، فقال: ((إن عبدًا من عباد الله بعثه الله إلى قومه، فكذبوه وشجوه، فجعل يمسح الدم عن جبينه ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. قال عبدالله: فكأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح جبهته يحكي الرجل)). قال الحافظ: ولا يلزم من هذا الذي قاله عبدالله أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح أيضًا، بل الظاهر أنه حكى صفة مسح جبهته خاصة كما مسحها ذلك النبي، وظهر فساد ما زعمه القرطبي)).اهـ.(3/514)
ومن بابِ ما لقي النبيُّ ? من أذى المشركين
الجَزورُ من الإبلِ: ما يُجزر؛ أي: يُقطع. والجَزرة من الشاءِ، و((سلاها)) مقصورًا (1) ، مفتوحَ السينِ (2) : هي الجلدةُ التي يكونُ فيها الولدُ، كاللِّفافِة؛ يقال لها من سائرِ البهائمِ: سَلًى، ومن بني آدمَ: المَشِيمةُ. %(1/350)%
وقوله: ((فاسُتْضحكوا)) بضمِّ التاء (3) ، وكسرِ الحاءِ (4) ؛ مبنيًّا لما لم يسمَّ فاعلُه؛ أي: أُضْحكوا (5) ، ومال بعضُهم على بعضٍ مبالغةً في الضحكِ والاستهزاءِ. و((منْعة)) بسكونِ النونِ؛ أي: مَنْعٌ وقوةٌ (6) ؛ وإنما قال ابنُ مسعودٍ – رضي الله عنه - ذلك؛ لأنه لم تكن (7) له عشيرةٌ فيهم؛ لأنه من هُذيلٍ، فلم (8) يكن له قومٌ يمتنِعُ بهم، ولا يمنعُ غيرَه. وقد رُوي: ((ومنَعةٌ)) بالفتحِ: جمعَ مانعٍ، كـ((كاتبٍ)) وكتبةٍ (9) .
واستمرارُ النبيِّ ? على سجودِه والنجاسةُ عليه، يدلُّ لمن قال: إن إزالةَ النجاسةِ ليستْ بواجبةٍ؛ وهو =(3/652)=@ قول أشهبَ من أصحابِنا، كما تقدَّم في الطهارةِ. على أن بعضَ علمائنا قال: إن السَّلى لم تكن (10) فيه (11) نجاسةٌ محقَّقةٌ. ومنهم من قال بموجَبِه، ففرَّق بين ابتداءِ الصلاةِ بالنجاسةِ (12) ؛ فقال (13) : لا يجوزُ، وبينَ طُروئها على المصلِّي في نفسِ الصلاةِ فقال: يَطْرحُها (14) عنه وتصحُّ صلاته (15) ، إذا (16) لم يمكنْ طرحُها؛ بناءً على أن إزالتَها واجبةٌ.
وإقبالُ فاطمةَ – رضي الله عنها - على أشرافِ قريشٍ وكبرائِهم تَسبُّهم وتَلعنُهم دليلٌ على قوةِ نفسِها من صِغَرِها، وعلى عزتِها وشرفِها في قومِها. &(3/515)&$
__________
(1) في (ح) و(ي): ((مقصور)).
(2) في (ح) و(ي): ((العين)).
(3) في (ي): ((الياء)).
(4) في (م): ((الخاء)).
(5) في (أ): ((ضحكوا)).
(6) في (ز): ((وقوعه)).
(7) في (ح) و(م) و(ي): ((يكن)).
(8) في (ب) (م): ((ولم)).
(9) قوله: ((بالفتح جمع مانع ككاتب وكتبة)) ليس في (ي) وجاء بدلاً منه: ((بسكون النون أي: منع وقوة)) مكرر مما سبق!.
(10) في (م): ((يكن)).
(11) في (ح): ((فيها)).
(12) في (ي): ((النجاسة)).
(13) في (ب) و(م): ((وقال)).
(14) في (ب) و(م): ((يطردها)).
(15) قوله: ((فقال يطرحها عنه وتصح صلاته)) ألحق في حاشية (أ) ولم يتضح في التصوير.
(16) في (ي): ((إذ)).(3/515)
%(1/351)%
وخوفُهم من دعوةِ النبيِّ ? دليلٌ على علمِهم بفضلِه وبصحةِ حاله، ومكانتِه عندَ الله تعالى، وأنه (1) من الله تعالى بحيثُ يُجيبهُ إذا دعاه، ولكن لم ينتفعوا بذلك؛ للحسدِ والشقوةِ الغالبةِ عليهم.
ووقع هنا في أصلِ "كتابِ مسلمٍ": ((الوليدُ بن عقبة)) عندَ جميعِ رواتِه (2) ، وصوابهُ: ((الوليد بن عتبة)) كما قال في الرواية الأخرى.
وقول أبي إسحاق: ((لم أحفظِ السابعَ)) ذكر البخاريُّ (3) : أنه عُمارةُ بن الوليدِ، وكذلك (4) ذكره البرقانيُّ.
وقولُ ابنِ مسعودٍ – رضي الله عنه -: ((لقد رأيتُ الذين (5) سَمَّى صرعى يوم بدر))؛ يعني به: أكثرَهم، وإلا فعمارةُ بنُ الوليدِ ذكر أهلُ السِّيرِ (6) أنه هلك في أرضِ الحبشةِ حين =(3/653)=@ اتَّهمه النجاشِي فنفخ في إحليلهِ سِحْرًا، فهام على وجهِه في البِّرَّيةِ فهلك. ويدلُّ على ذلك أيضًا: أن عقبةَ بنَ أبي معيطٍ لم يقتلْ ببدرٍ، بل حُمل منها أسيرًا حتى (7) قتله النبيُّ ? بعرق (8) الظبيةِ صَبْرًا (9) .
و(( القليبُ)): البئرُ غيرُ المطويةِ. &(3/516)&$
__________
(1) في (م): ((آية)).
(2) في (ح) و(ي): ((الرواة)).
(3) (1/594 رقم520) في الصلاة، باب المرأة تطرح عن المصلي شيئًا من الأذى .
(4) في (ز): ((وكذا)).
(5) في (ح) و(ي): ((الذي)).
(6) "سيرة ابن إسحاق" (2/148).
(7) في (ز): ((حين)).
(8) في (ح) و(ي): ((بعرف)).
(9) أخرجه البيهقي (9/64) من طريق الشافعي، أنبأ عدد من أهل العلم من قريش وغيرهم من أهل العلم بالمغازي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسر النضر بن الحارث العبدي يوم بدر وقتله بالبادية أو الأثيل صبرًا، وأسر عقبة بن أبي معيط فقتله صبرًا .
قال الألباني في "الإرواء" (5/39): ((وهذا مفصل كما ترى)).اهـ
لكن أخرج أبو داود (3/135-136 رقم2686) في الجهاد، باب قتل الأسير صبرًا .
والبيهقي (9/65) كلاهما من طريق عبد الله بن جعفر، عن عبيدالله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن إبراهيم قال: لما أراد الضحاك بن قيس أن يستعمل مسروقًا، فقال له عمارة بن عقبة: أتستعمل رجلاً من بقايا قتلة عثمان – رضي الله عنه -؟ فقال له مسروق: حدثنا عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه - وكان في أنفسنا موثوق الحديث -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أراد قتل أبيك قال: ((من للصبية؟)) قال: ((النار))، قد رضيت لك ما رضي لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال الألباني في "الإرواء" (5/40): ((وهذا إسناد جيد، ورجاله ثقات كلهم رجال الشيخين)).اهـ(3/516)
وإجابة الله تعالى لنبيِّه ? في مثلِ هذا الدعاءِ من أدلةِ نبوَّتهِ، وصحِتها.
و((سُحِبوا)): جُرُّوا (1) على وُجوهِهم. و((يومُ العقبة)): هو اليومُ الذي لقيَ فيه ابنَ عبدِ ياليل بنِ عبدِ كلالٍ في آخرين، فكذَّبوه وسبُّوه، واستهزؤوا به، فرجع عنهم، فلقيه سفهاءُ قريشٍ، فرمَوْه بالحجارةِ حتى أَدْمَوْا رِجْليهِ، وآذوْهُ أذًى كثيرًا (2) . %(1/352)%
وقولُه: ((ولم (3) أستفقْ))؛ أي: لم أفُق - مما كان غَشِيَه من الهمِّ (4) - إلا بـ((قَرْنِ الثعالبِ))؛ أي: لم يشعرْ بطريقهِ إلا وهو في هذا الموضع، وهو قريبٌ من ((قَرْنِ المنازلِ))، الذي هو ميقاتُ أهلِ العراقِ، وهو على يومٍ من مكةَ.
و((الأخشبان)): جبلا (5) مكةَ. و((أُطْبِق))؛ أي: أجعلُهما عليهم كالطبقِ. وإذا تأملتَ هذا الحديثَ انكشف لك من حالِه ? معنى قولِه تعالى (6) : {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (7) !. =(3/654)=@
وقوله ?: ((هل أنتِ إلا إصبعٌ دميتِ، وفي سبيل الله ما لقيت)). &(3/517)&$
__________
(1) في (ز): ((أي: جروا)).
(2) من قوله: ((هو اليوم...)) إلى هنا، مطموس في (أ).
(3) في (ح) و(ي): ((لم)).
(4) قوله: ((أي لم أفق مما كان غشيه من الهم)) سقط من (ح).
(5) في (م): ((جبل)).
(6) قوله: ((قوله تعالى)) سقط من (أ) و(ز).
(7) سورة الأنبياء؛ الآية: 107.(3/517)
%(1/353)% هذا البيتُ أنشده النبيُّ ? وهو لغيرِه؛ قيل: إنه للوليدِ بن المغيرةِ، وقيل: لعبدِالله (1) بنِ رواحةَ. ولو كان من قولِه فقد تقدَّم العذرُ عنه في غزوةِ حنينٍ.
وقوله: ((كان النبيُّ ? في غارٍ فنُكبت إصبعه))؛ أي: أصابتْها نَكبةٌ دَمِيَتْ لأجلِها. وفي الروايةِ الأخرى: أنه كان في بعضِ المشاهدِ (2) . وفي البخاريِّ (3) : فبينا (4) النبيُّ ? يمشي إذ أصابه حجرٌ، فقال البيتَ المذكورَ (5) . ظاهرُ هاتين (6) الروايتين =(3/655)=@ مختلفٌ، وأنهما قضيتان، ولكنَّ العلماءَ حملوا الروايتينِ على أنهما قضيةٌ واحدةٌ. فقال القاضي أبو الوليدِ: لعلَّ قولَه: ((في غار)) مصحَّفٌ من (7) ((غزوٍ)).
وقال (8) القاضي عياضٌ: قد يرادُ بالغارِ هنا: الجيشُ والجمعُ، لا واحدُ ((الغِيران)) (9) التي هي (10) الكهوفُ؛ فيتوافق (11) قولُه: ((في بعضِ المشاهدِ)). وقوله: ((يمشي)). ولا يُعدُّ (12) ذلك وهمًا.
قلت (13) : وهذا ليس بشيءٍ؛ إذ الغارُ ليس من أسماءِ الجيشِ (14) .
ومن بابِ دعاءِ النبيِّ ? إلى الله تعالى
((الإكافُ)) للدابةِ: كـ((الرحلِ)) للبعيرِ، و((السَّرْجِ)) للفرسِ. و((القطيفةُ)): كساءٌ غليظٌ. و((فَدَكِية)) منسوبةٌ إلى ((فَدَكَ))؛ لأنها تُعملُ فيها. و((عَجَاجة الدابة)): ما ارتفع =(3/656)=@ &(3/518)&$
__________
(1) في (أ): ((لزيد)).
(2) من قوله: ((وفي الرواية الأخرى ....)) إلى هنا، سقط من (أ).
(3) (10/537 رقم6146) في الأدب، باب ما يجوز من الشعر، والرجز والحداء، وما يكره منه .
(4) في (أ): ((بينا)).
(5) في (م): ((المذكور)).
(6) من هنا حتى أول باب غزوة ذي قرد، توجد كلما وعبارات واضحة في (ز)، ولعله بسبب التصوير للنسخة.
(7) في (م): ((بن)).
(8) في (أ): ((قال)).
(9) في (أ): ((غيران))، وفي (ح) و(ي): ((للغيران)).
(10) في (ح): ((هو)).
(11) في (ب) و(ح): ((فيوافق)).
(12) قوله: ((يمشي ولا يعد)) في (م): ((نمشي ولا نعد)).
(13) في (ب) و(م): ((قال الشيخ))، وفي (ز): ((قال الشيخ رضي الله عنه)).
(14) من قوله: ((قلت...)) إلى هنا، سقط من (أ).(3/518)
من غبارِها. و(( العَجَاج)): الغبارُ المتطايرُ المتراكبُ.
و((خَمَّر %(1/354)% أنفه))؛ أي: غطَّاه. و((أن يتواثبوا))؛ أي: يثبَ بعضُهم إلى بعضٍ مناولةً، ومقاتلةً (1) ؛ من: الوَثْبِ. و((يخفضهم)): يسكنُهم (2) ، ويسهل أمرَهم. و((البُحَيرة (3) )): صحيحُ الروايةِ فيه بضمِّ الباءِ مصغرةً، وقد رُوي في غير "كتاب مسلم" (4) : ((البَحِيرة (5) )) بفتحِ (6) الباءِ وكسرِ الحاءِ. وقيل: هما بمعنًى واحدٍ، وأراد به هنا: المدينةَ، والبحارُ: القُرى؛ قال الشاعر (7) :
وَلَنَا الْبَدْوُ كُلُّهُ وَالْبِحَارُ
و((يُتوِّجوه))؛ أي: يُعمموه بعمامةِ الملوكِ (8) ، فإن العمائمَ تيجانُ العربِ (9) . و((يُعصِّبوه بِعصابةِ الملوكِ (10) ))، كما جاء في روايةِ ابنِ إسحاقَ: ((لقد جاءنا اللهُ بك وإنا لنَنْظِمُ (11) له (12) الخَرزَ (13) ؛ ليتوِّجوه)) (14) . فكأنهم كانوا ينظمون لملوكِهم عصابةً فيها خَرزٌ، فُيُعمِّمونه (15) بها؛ تشريفًا وتعظيمًا. وهذا أولى من قولِ من قال: أن ((يعصبونه (16) )) بمعنى: ((يملِّكونه)) ويعصبون به أمورهم؛ لأن ذلك كله يبعده (17) قولهم: أن يعصبوه بالعصابة (18) .
و((شرق)): اختنق. يقال: شرق بالماء، وغص باللقمة، وشجي بالعظم، وجرض بالريق عند الموت. وأنشدوا على ((شرق)) (19) : =(3/657)=@ &(3/519)&$
__________
(1) في (ز): ((ومقابلة)).
(2) في (ح): ((يسكتهم)).
(3) في (م): ((والبحيرة)).
(4) ورد في "البخاري": ((البحرة)) نسخة ابن حجر. انظر "الفتح" (8/232)، ولم يذكر غيرها وغير (( البُحيرة)) بالتصغير. وكذلك "مقدمة فتح الباري" (ص85).
(5) من قوله: (( فيه بضم الباء مصغرة ....)) إلى هنا، سقط من (ح).
(6) في (م): ((بكسر)).
(7) ....
(8) في (ح): ((الملك)).
(9) ورد في ذلك عدة أحاديث، ولا يصح منها شيء. انظر "فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب" (1/69-72 رقم46).
(10) من قوله: ((فإن العمائم تيجان...)) إلى هنا، سقط من (ح).
(11) في (ح) و(ي): ((لنظم)).
(12) سقط من (م).
(13) أخرجه ابن إسحاق في "سيرة ابن هشام" (3/131) قال: وحدثني الزهري، عن عروة، عن أسامة به، في قصة. وإسناده صحيح .
(14) قوله: ((ليتوجوه)) سقط من (أ).
(15) في (أ): ((يعممونه)).
(16) في (ح) و(ز): ((يعصبوه)).
(17) في (ب) و(م): ((بعده)).
(18) في (ح) (أ): ((العصابة)).
(19) ...(3/519)
%(1/355)%
لَوْ بِغَيْرِ المَاءِ حَلْقِي شَرِقٌ ... كَنْتُ كَالْغَصَّانِ بِالمَاءِ اعْتِصَارِي
وفي هذا الحديثِ من الفقهِ: جوازُ الابتداءِ بالسلامِ على مسلمين وكفارٍ في مجلسٍ واحدٍ، وينَبغي أن ينويَ المسلمين.
وفيه: الاستراحةُ ببثِّ الشكوى للصاحبِ، ولمن يُتسلَّى بحديثهِ، ويُنتفعُ برأيِه. و((الأرضُ السَّبِخةُ)): التي لا تُنبت (1) شيئًا لِملْحٍ أرضِها. والطائفةُ التي غضبتْ لعبدِالله كان منها منافقون على رأي عبدالله، ومنها مؤمنون حملَهم على ذلك بقيةُ حَمَّيةِ الجاهليةِ ونزغةُ الشيطانِ، لكن لطف الله تعالى بهم (2) ، حيث أبقى (3) عليهم اسم المؤمنين بقولِه تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} (4) ، ليراجعوا بصائرهم، ويطهِّروا ضمائرَهم. =(3/658)=@ %(1/356)%
وقول سعدٍ للنبيِّ ? ما قال في عبدالله، إنما كان على جهة الاستلطافِ والاستمالةِ؛ ليستخرجَ منه ما كان في خُلُقِه الكريمِ من العفوِ والصفحِ عن الجُهَّالِ، فلا جرمَ عفا حتَّى تم له ما أراد، وصفا (5) وصبرَ حتى ظفر، ? تسليمًا كثيرًا (6) إلى يومِ الدينِ (7) . والله أعلم (8) . &(3/520)&$
__________
(1) في (ي): ((ينبت)).
(2) في (ح) و(ي): ((لكن الله تعالى لطف بهم)).
(3) في (ز): ((بقى)).
(4) سورة الحجرات؛ الآية: 9.
(5) قوله: ((وصفا)) سقط من (ب) و(م).
(6) قوله: ((? تسليمًا كثيرا)) من (ح) و(ي) فقط.
(7) قوله: ((إلى يوم الدين)) من (ح) فقط.
(8) قوله: ((والله أعلم)) من (ز) فقط.(3/520)
ومن بابِ جوازِ إعمالِ الحيلةِ في قتلِ الكفارِ
قوله: ((مَنْ لِكعبِ بنِ الأشرفِ))؛ كعب (1) هذا رجلٌ من بني نبهان من طيِّىءٍ، وأمُّه من بني النضيرِ (2) ، وكان شاعرًا، وكان قد عاهده النبيُّ ? ألا يعينَ عليه، =(3/659)=@ ولا يتعرضَ لأذاه، ولا لأذى (3) المسلمين، فنقض العهدَ، وانطلق إلى مكةَ إِثْر وقعةِ بدرٍ، فجعل يَبْكي مَنْ قُتل مِن الكفارِ، ويحرضُ على رسولِ الله ?، وهو الذي أغَرى قريشًا وغيرَهم حتى اجتمعوا لغزوةِ أحدٍ، ثم إنه رجع إلى بلدِه، فجعل يَهجو رسول الله ?، ويؤذيه والمسلمين. فحينئذٍ قال رسولُ الله ?: ((مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرِفِ، فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ))، فأغرى بقتلِه، ونبَّه على علةِ ذلك، وأنه مستحِقٌّ للقتلِ، ولا %(1/357)% يَظُنُّ أحدٌ: أنه قُتل غَدْرًا، فمن قال ذلك قُتل (4) ، كما فعله عليُّ بنُ أبي طالبٍ – رضي الله عنه -؛ وذلك أنَّ رجلاً قال ذلك في مجلسِه، فأمر عليٌّ – رضي الله عنه - بضرب عنقهِ، وقاله آخرُ: في مجلسِ معاويةَ، فأنكر ذلك محمدُ بن مسلمةَ، وأنكر على معاويةَ سكوتَه، وحلف ألا يظلَّه وإيَّاه سقفٌ أبدًا (5) ، ولا يخلوَ بقائلِها إلا قتلَه (6) . &(3/521)&$
__________
(1) سقط من (ي).
(2) في (ح) و(ي): ((النظير)).
(3) في (ح): ((أذى)).
(4) في (ح) و(ي): ((يقتل)).
(5) في (ح) و(ي): ((ألا يظله سقفه أبدًا)).
(6) أخرجه ابن وهب في "جامعه" ومن طريقه أخرجه الخطابي في "أعلام الحديث"، ومن طريقه القزويني في "أخبار قزوين" (3/48) عن ابن عيينة، عن عمر بن سعيد الثوري، عن أبيه، عن عباية قال: ذكر قتل كعب الأشرف عند معاوية فقال ابن يامين كان قتله غدرًا، فقال محمد بن مسلمة: يا معاوية! أيُغدَّر عندك رسول الله ? ثمَّ لا تنكر؟! والله! لا يظلني وإيَّاك سقف بيت، ولا يخلو لي دم هذا إلا قتله.(3/521)
قلتُ (1) : ويظهر ُلي أنه يقتلُ ولا يستتابِ؛ لأن ذلك زندقةٌ إن نَسب الغدر َللنبيِّ ?. فأما لو نسبه (2) للمباشِرين لقتلِه؛ بحيثُ يقولُ: إنهم أَمَّنوه، ثم غَدَروه. لكانت هذه النسبةُ كذبًا محضًا؛ لأنه (3) ليس في كلامِهم معه ما يدلُّ على أنهم أَمَّنوه، ولا صَرَّحوا له بذلك، ولو فعلوا ذلك لما كان أمانًا؛ لأن النبيَّ ? إنما وجههم لقتِله (4) لا لتأمينِه (5) ، ولا يجارُ على الله ولا على رسولِه. ولو كان ذلك لأدَّى إلى إسقاطِ (6) الحدودِ، وذلك لا يجوزُ بالإجماعِ.
وعلى هذا فيكونُ في قتلِ مَنْ نَسب ذلك لهم (7) نظرٌ وتردُّدٌ. وسببهُ: هل يلزمُ من نسبةِ الغدرِ لهم نسبتهُ للنبيِّ ?؛ لأنه قد صوَّب فعلهم ورضِيَ به، فيلزم منه (8) : أنه قد رَضي بالغدرِ (9) ، ومن صرَّح بذلك قُتل،، أو لا (10) يلزمُ ذلك لأنه لم يُصرِّحْ به؛ وإنما هو لازمٌ على قولِه، ولعلَّه لو تنبَّه لذلك الإلزام (11) لم يصرِّحْ بنسبةِ الغدرِ إليهم، ويكونُ هذا من بابِ التكفيرِ بالمآلِ (12) ، وقد اختلف فيه.
والصحيحُ: أنه لا يُكَّفُرُ بالمآلِ (13) ، ولا بما يلزمُ علىِ المذاهبِ، إلا إذا صُرِّح بالقولِ اللازمِ. وإذا قلنا: إنه لا يقتلُ فإنه لا بدَّ من تنكيلِ ذلك (14) القائلِ، وعقوبتِه بالسجنِ، والضربِ الشديدِ والإهانة العظيمةِ. =(3/660)=@ %(1/358)%
وقوله: ((إن هذا الرجلَ قد أراد صدقةً، وقد عَنَّانا))؛ هذا الكلامُ ليس فيه تصريحٌ بأمانٍ (15) ، بل هو كلامٌ ظهر لكعبِ (16) منه: أن محمدَ بن مسلمةَ ليس محقّقًا، ولا مُخْلِصًا في اتباع النبي ? ولا في الكون معه، ولذلك أجابه بقوله: وأيضًا (17) والله لتمَلُّنَّه. وكلامُ محمدٍ من بابِ المعاريضِ، وليس فيه من الكذبِ ولا من الباطلِ شيءٌ، بل هو كلامُ حقٍّ، فإن محمدًا ? رجل (18) ، لكن أيُّ رجلٍ! وقد أراد صدقةً من أمته، وأوجبها (19) عليهم، وقد عنَّاهم بالتكاليفِ (20) ، أي: أتعبهم (21) ، لكن تعبًا (22) حصل لهم به خيرُ الدنيا (23) والآخرِة. وإذا تأملتَ كلامَ محمدٍ هذا؛ علمتَ أن محمدَ بن مسلمةَ من أقدرِ الناسِ على البلاغةِ، واستعمالِ المعاريضِ (24) ، وعلى إعمالِ الحيلةِ، وأنه من أكملِ الناسِ عقلاً ورأيًا. &(3/522)&$
__________
(1) في (ب) و(ز): ((قال الشيخ))، وفي (م): ((وقال الشيخ)).
(2) في (أ): ((فأما إن نسبة)).
(3) سقط من (أ).
(4) في (ز): ((لقتاله)).
(5) في (أ): ((لتأمنه)).
(6) في (ب) و(ح) و(ز) و(ي): ((لإسقاط)).
(7) في (ح) و(ي): ((إليهم)).
(8) قوله: ((منه)) سقط من (أ).
(9) في (ح) و(ي): ((بالكفر)).
(10) في قوله: ((أو لا)) في (أ): ((ولا)).
(11) قوله: ((لذلك الإلزام)) في (ز): ((على ذلك الإلزام)).
(12) قوله: (( التكفير بالمآل)) في (أ): ((التكفير))، وفي (ح): ((التكثر بالبال))، وفي (ي): ((التكفير بالبال)).
(13) في (ي): ((بالبال)).
(14) قوله: ((ذلك)) سقط من (ح).
(15) في (أ): ((لأمان)).
(16) بعده في (ي): ((بن الأشرف)).
(17) قوله: ((وأيضًا)) سقط من (ح) و(ي).
(18) في (ز): ((رجلا)).
(19) في (ب) و(م): ((أوجبها)).
(20) في (أ) و(ب) و(م): ((بالتكليف)).
(21) في (م): ((أتعنهم)).
(22) في (م): ((تعنا)).
(23) في (ب): ((الدنا)).
(24) في (م): ((المعارض)).(3/522)
وقوله: ((يُسَبُّ ابنُ أحدِنا)) من السَّبِّ، وهو الصوابُ، وصحيحُ الرواية، وقد قيده الطبري: ((يَشِبُّ)) من الشبابِ، بالشينِ المعجمةِ، وهو تصحيفٌ. وإنما عيَّن السلاحَ للرَّهْنِ؛ لئلا ينكرَها إذا جاؤوا بها.
وقولُ امرأةِ كعبٍ: ((إني (1) لأسمعُ صوتًا كأنه صوتُ دم))؛ أي: صوتُ طالب =(3/661)=@ دمٍ. كانت هذه المرأةُ من شياطينِ الإنسِ، أو تكلَّم (2) على لسانِها %(1/359)% شيطانٌ؛ كما قال تعالى: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم} (3) ، وإلا فَمِنْ أين أدركتْ هذا؟! بل هذا من نوعِ ما وقع للزَّبّاءِ في قصتِها مع قصِيرٍ (4) ، حين جاءها (5) بالصَّناديقِ فيها الرِّجالُ، وأَوْهمها (6) أن فيها تجارةً، فلما رأتها أنشدتْ (7) : ...
مَا لِلْجِمَالِ مَشْيُهَا وَئِيدَا (8) ؟! ... أَجَنْدَلاً يَحْمِلْنَ أَمْ حَدِيدَا؟!
أَمْ صَرَفَانًا (9) بَارِدًا شَدِيدا (10) ؟َ ... أمِ الرِّجَالَ جُثَّمًا قُعُودَا؟!
وكذلك كان!.
وقولُه: ((إنما هو محمدٌ ورضيعُه وأبو نائلة))؛ هكذا صحتِ الروايةُ فيه على أنَّ أبا نائلة غيرُ رضيعِ محمدٍ، وقد رواه أهلُ السيرِ بإسقاطِ الواوِ (11) على أنه بدلٌ من((رضيعهُ)). وفي البخاريِّ (12) : ((ورضيعي أبو نائلة)) على أن يكونَ أبو نائلةَ (13) رضيعَ كعبٍ. والمعروفُ أنه رضيعُ محمدٍ. والله تعالى أعلمُ. &(3/523)&$
__________
(1) قوله: ((إني)) سقط من (ح).
(2) في (ز): ((يكلم)).
(3) سورة الأنعام؛ الآية: 121. وقوله: ((ليجادلوكم)) من (ح) و(ي) فقط.
(4) قوله: ((مع قصير)) سقط في (ح).
(5) في (ز): ((جاء)).
(6) في (ح): ((فأوهمها)).
(7) ذكرها أبو الفرج في "الأغاني" (15/310)، و"مجمع الأمثال" (1/236).
(8) في (ح) و(ي): ((رويدا)).
(9) في (ح): ((صرفا)).
(10) في (ب): ((شديد)).
(11) قوله: ((الواو)) سقط من (أ).
(12) (7/336-337 رقم4037) في المغازي، باب قتل كعب بن الأشرف، وفيه: ((فجاء ليلاً ومعه أبو نائلة، وهو أخو كعب من الرضاعة)).
(13) قوله: ((يكون أبو نائلة)) سقط من (ي) وقوله: ((أبو نائلة)) سقط من (ح).(3/523)
وقوله: ((نزل وهو متوشِّحٌ))؛ أي: بثوبٍ جعله (1) على أحدِ منكبيه، وأخرج الآخرَ. و((دونَكم)) منصوبٌ على ا لإغراءِ؛ أي: بادروا إلى قتلِه ولازموه. والله أعلمُ (2) . =(3/662)=@ %(1/360)%
ومن بابِ غزوةِ خيبرَ
قولُه: ((ألا تُسمعنا من هُنيَّاتك (3) ؟)) أي: من أراجيِزكَ، وهو تصغير: ((هَنَّة))، و((هَنَّة (4) )): كنايةٌ عن النكراتِ. وفيه ما يدلُّ على الشعر استنشادِ الشعرِ على جهةِ التنشيطِ على الأعمالِ الشاقةِ والأسفارِ، وترويحِ النفوسِ من الغمِّ، لكن إذا سَلِم (5) من الآفاتِ التي قدّمنا (6) ذكرَها، ثم على [القلةِ، والنُّدورِ (7) .
و((الحَدْوُ (8) )) أصلُه (9) : الشَّوْقُ، ولما كان إنشادُ الشعرِ في السفرِ (10) ] يَسُوقُ [الإبلَ سُمّي: حَدْوًا] (11) .
وقولُه: [((اللهم لولا أنت ما اهتدينا (12) ))]؛ كذا الروايةُ هنا مخزومًا - بالزاي (13) - =(3/663)=@ [أي (14) زائدًا فيه حرفٌ (15) (16) ]. وصوابهُ (17) من جهة الوزن: لَا هُمَّ، أو تَاللهِ (18) ، أو: واللهِ، [كما جاء في الحديثِ] الآخرِ: ((والله لولا اللهُ ما اهتدينا)). &(3/524)&$
__________
(1) في (م): ((جعلها)).
(2) قوله: ((ولازموه)) في (ز): ((ولازمو)). وقوله: ((والله أعلم)) من (ز) فقط.
(3) في (أ) و(ح) و(ي) و(ز): ((هنيهاتك)).
(4) في (ب) و(ز): ((هن))، وفي (ح) و(ي): ((وهي)).
(5) في (ي): ((لسلم)).
(6) قوله: ((قدمنا)) لم يتضح في (ز).
(7) في (أ): ((والنذور)).
(8) في (أ): ((الحدو)) بدون الواو . وفي (ب): ((والخذو)).
(9) في (ح): ((والجد وأصله)).
(10) ما بين المعقوفين: بياض في (ز). وقوله: (الحديث)) سقط من (ي).
(11) ما بين المعقوفين: بياض في (ز). وقوله: (الحديث)) سقط من (ي).
(12) ما بين المعقوفين: بياض في (ز). وقوله: (الحديث)) سقط من (ي).
(13) في (ب): ((مخروما بالراء)).
(14) قوله: ((أي)) سقط من (م).
(15) ما بين المعقوفين: بياض في (ز). وقوله: (الحديث)) سقط من (ي).
(16) قوله: ((مجزومًا بالزاي أي زائدًا فيه حرف)) سقط من (أ).
(17) في (ب) و(م): ((فصوابه)).
(18) في (م): ((يا الله)).(3/524)
%(1/361)%
وقوله: [((إنا إذا صيح بنا] (1) أبينا (2) )) من الإباء، و(( أتينا)) من الإتيانِ؛ الروايتان صحيحتان، [ومعناهما] (3) : إذا (4) صاح بنا (5) أعداؤنا أبينا الفرارَ، وثَبتْنا لا يهولُنا صياحُهم. وعلى الأخرى: إذا صُرخ بنا أتينا للنُّصْرةِ، أو إذا (6) صاح بنا أعداؤُنا أَتيناهم مسرعين غيرَ مُتربِّصين ولا مُتوقِّفين.
وقوله: ((فاغفر فِداءٌ لك (7) ما اقتفينا)) الروايةُ هنا بكسرِ الفاءِ من((فِداء)) وبالمدِّ، وقد رواه بعضُهم بفتحِ الفاءِ والمدِّ، وقد حكاه الأصمعيُّ. وحكى الفراءُ: ((فَدًى)) مفتوحًا مقصورًا؛ وهو- أعني في البيت - مرفوعٌ بالابتداءِ، وخبرهُ: ما اقتفينا، ومفعولُ ((اغفرْ)) محذوفٌ؛ أي: ذنوبَنا. ويجوزُ أن يكون(( ما اقتفينا)) مفعولَ ((اغفرْ (8) ))، وخبرُ المبتدأِ محذوفٌ؛ أي: فداءٌ (9) لك نفوسُنا (10) (11) .
ومعنى ((اقتفينا)) أي: اكتسبنا. وأصلُه: من القَفا (12) . وكأنَّ المكتسِبَ للشيءِ يَجْري خلفهَ حتى يصلَ إليه. وهذا الكلامُ إنما يقالُ لمن يجوز عليه لحوقُ المكارهِ (13) والمشقَّات، فإذا قاله أحدُنا لجنسِه، كان معناه: أنَّ نفسي (14) وقايةٌ لك من المكارهِ؛ أي: تصيبُني ولا تصيُبك. وهذا المعنى لا يليقُ بالله تعالى، فيحتملُ أن يكونَ إطلاقهُ هذا اللفظَ على الله تعالى بحكمِ جَريان ذلك (15) على ألسنتِهم من غيرِ قصدٍ، كما قالوا: ((قاتَله الله)). و((تربت يمينك)). على (16) ما قدمناه في كتابِ الطهارةِ. ويحتملُ أن يحملَ على الاستعارِة؛ ووجهها: أنه لما كان الفداءُ مبالغة (17) في رضا المفدَّى عبَّر بالفداءِ عن الرضا. أو يريدُ بذلك: فداء لدينِك. أو: لطاعتِك؛ أي: نجعلُ نفوسنا فداءً لإظهارِهما (18) .
وقوله: ((وألِقيَنْ سكينةً علينا))؛ أي (19) : سكونًا وتثبيتًا في أوقاتِ الحروبِ، =(3/664)=@ وصبرًا في مواطنِ المشقاتِ. %(1/362)%
وقوله: ((وبالصِّياح عوَّلوا علينا (20) ))؛ أي: ليس عندَهم إلا الصياحُ، فلا نبالي (21) بهم. &(3/525)&$
__________
(1) ما بين المعقوفين: بياض في (ز). وقوله: (الحديث)) سقط من (ي).
(2) في (ي): يشبه أن تكون ((أيبنا)).
(3) ما بين المعقوفين: بياض في (ز). وقوله: (الحديث)) سقط من (ي).
(4) في (ي و(أ) و(ب) وفي (ح): ((إنا إذا))، وفي (م): ((أن إذا)).
(5) في (ز): ((فذاك نفوسنا)).
(6) في (أ): ((أو إذا)).
(7) في (ز): ((بذلك)).
(8) من قوله: ((وخبره ما اقتفينا...)) إلى هنا سقط من (ز).
(9) في (ب) و(م): ((فداؤك)).
(10) قوله: ((أي فداء لك نفوسنا)) سقط من (ز).
(11) من قوله: ((ومفعول اغفر ....)) إلى هنا سقط من (أ).
(12) في (ز): ((الفقا)).
(13) في (ح) و(ي): ((المكان)).
(14) في (م): ((يقعي)).
(15) في (ي): ((حريان العادة على)).
(16) في (ز): ((كما)) بدل ((على ما)).
(17) في (م): ((انفدا متالفة)).
(18) في (ح): ((لإظهارها))، وفي (ب): ((لاصهارهما)).
(19) في (أ): ((أي سكينة علينا أي)).
(20) قوله: ((عولوا علينا)) لم يتضح في (ز).
(21) في (ي) و(م) و(ب): ((نبالي)).(3/525)
[وقولُ الرجل: ((وجبت))؛ أي: الرحمة التي دعا له (1) بها (2) النبيُّ ?، وكان هذا الرجل من أهلِ العلمِ بحالِ رسول الله ?؛ وذلك أنه] (3) علم أنَّ دعوتَه مستجابةٌ لمكانتِه عندَ ربِّه [تعالى، وفَهِمَ أن تلك الرحمةَ] (4) تُعَجَّلُ (5) للمدعوِّ له، فقال :((لولا متعتنا به))؛ أي: هلَّا [دعوت الله في أن] (6) يمتعَنا ببقائِه.
و((المخمصة (7) )): الجوعُ الشديدُ. وقوله ?: ((إن الله عز وجل فَتَحها عليكم))؛ أي: يفتحُها علِيكم (8) ؛ فوضع الماضيَ موضعَ المستقبلِ لما (9) كان أمرًا محقَّقًا (10) عندَه. أو يكون أَخبر عما علم الله مِنْ فَتْحِها.
و((أَنَسيَّة)) روي بفتح الهمزةِ والنونِ؛ قال البخاري (11) : كان ابن أبي (12) أُويس يقولُ: ((الأَنسية))- بفتحِ الألفِ والنونِ؛ وأكثرُ رواياتِ الشيوخِ فيه (13) : ((الإِنْسِية)) بكسرِ =(3/665)=@ الهمزةِ وسكونِ النونِ؛ وكلاهما صحيحٌ. والأَنَسُ- بالفتح ِ-: التأنُّسُ (14) . %(1/363)%
قال الشيخ – رضي الله عنه -: فهو (15) بالفتحِ منسوبٌ إلى الأنسِ، بمعنى التأنُّسِ، وبالكسرِ إلى الإِنسِ &(3/526)&$
__________
(1) قوله: ((له)) سقط من (ب) و(م) وفي (ي): ((ادعى له)).
(2) قوله: ((بها)) سقط من (م).
(3) ما بين المعقوفين: بياض في (ز).
(4) ما بين المعقوفين: بياض في (ز).
(5) في (ح) و(ي): ((التي تعجل)).
(6) ما بين المعقوفين: بياض في (ز).
(7) في (م): ((الخمصة)).
(8) قوله: ((عليكم)) سقط من (ح) و(أ) و(ي).
(9) في (ز): ((ما)) بدل ((لما)).
(10) في (م): ((مخففًا)).
(11) (5/121 رقم2477) في "المظالم، باب هل تكسر الدنان التي فيها خمر، أو تحرْق الزقاق .
(12) قوله: ((أبي)) سقط من (أ).
(13) في (ب) و(م): ((فيها)).
(14) في (ب) و(م): ((الناس)).
(15) في (ح) و(ي): ((وهو)).(3/526)
الذي هو نوعُ الإنسانِ. وقيل: إن كليهما منسوبٌ إلى الإنسِ (1) ، لكنَّ الأولُ (2) على غيرِ قياسٍ، والأولُ أولى. والله تعالى أعلم.
وقوله (3) : ((أَهْريقوها واكسروها))؛ الضميرُ (4) في((أهريقوها)) للُّحومِ. وفي((اكسِروها)) للقُدورِ، وإن لم يَجْرِ لها ذكر، لكنها تدلُّ عليها (5) الحالِ. والهاءُ الأولى (6) في ((أهريقوها)) زائدةٌ؛ لأن أصلَه: أراق، يُريق. وقد يُبدلون من هذهِ الهمزةِ ((هاءً)) فيقولون: هرَاقَ الماء، وهَرِقْ ماءَك، كما يقول (7) : أَرَاق، وأَرِقْ.
وفيه دلالةٌ (8) على تحريمِ (9) لحومِ الحمرِ الإنسيةِ، وسيأتي في الأطعمةِ إن شاء الله تعالى (10) .
وقوله: ((أو ذاك)) ساكنةَ (11) الواوِ، إشارةٌ (12) إلى إجازةِ غَسلِ القدورِ، وتخييرٌ (13) بينه وبين الكسرِ المأمورِ به أولاً. وهذا (14) يدلُّ لمن قال: إنَّ النبيَّ ? كان أُبيح له الحكمُ بالرأيِ والاجتهادِ.
و((قفلوا)): رَجَعوا. و((شاحبًا)): متغيِّرًا. و((حَبِط)): بَطَلَ. و((كَذَبَ (15) )) هنا (16) : أَخْطأ. =(3/666)=@ %(1/364)%
وقوله: ((لما (17) كان يوم خيبر (18) قاتل أخي قتالاً شديدًا))؛ القصةُ (19) مخالفةٌ (20) لما [ذكره في الرواية المتقدَّمة، ولما يأتي (21) ] بعدُ في (22) أن هذه القصةَ (23) إنما (24) وقعت [لعمِّه عامرِ (25) بن] (26) الأكوعِ، وهو الصحيحُ، ولعلَّ (27) سلمةَ أطلق على عمِّه اسم الإخوةِ لرضاعٍ كان بينهما، أو لمؤاخاةٍ، وإلا فهو وَهْمٌ من بعضِ الرواةِ. والله تعالى أعلمُ. &(3/527)&$
__________
(1) من قوله: ((بمعنى التأنس وبالكسر....)) إلى هنا سقط من (ح).
(2) في (ح): ((الأولى)).
(3) في (أ): ((قوله)).
(4) في (ح): ((والضمير)).
(5) في (أ) و(ب) و(ح) و(ي): ((لهما ذكر لكنهما تدل عليهما)). وفي (ز): ((لهما ذكره لكنهما تدل عليهما)). وفي (م): ((لكنها يدل عليهما)).
(6) في (ي): ((والأولى)).
(7) في (ح) و(ز): ((تقول)).
(8) في (م): ((دليل)).
(9) في (ي): ((والأولى)).
(10) قوله: (( وسيأتي في الأطعمة إن شاء الله)) سقط من (أ).
(11) في (ز): سالته.
(12) في (ز) و(م) و(ب: ((إشارة)) وفي (ي): ((أو إشارة)) وكأنه ضرب على ((أو)).
(13) في (ب) وفي (ي) و(م): ((وتخيير)).
(14) في (م): ((هذا)) بلا واو.
(15) في (ي): ((وكذا)) بدل ((وكذب)).
(16) قوله: ((هنا)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(17) قوله: ((هنا أخطأ وقوله لما)) لم يتضح في (ز).
(18) في (ح) و(ب) و(ي) و(ز): ((يوم خيبر)) و(أ).
(19) قوله: ((القصة)) لم يتضح في (ز).
(20) في (ح): ((مخالف)) و(أ) و(ي) و(ب) و(م).
(21) ما بين المعقوفين: بياض في (ز).
(22) في (ب) و(ح) و(م) و(ي) و(ز): ((من)).
(23) في (ب) و(م) و(ي): ((القضية)).
(24) قوله: ((إنما)) سقط من (ح) و(ي).
(25) في (أ): ((عابد)).
(26) ما بين المعقوفين: بياض في (ز).
(27) في (ب) و(ح) و(م) و(ي) و(ز): ((فلعل)).(3/527)
وقوله: ((إنه لجاهِدٌ مُجَاهِدٌ (1) )) الروايةُ الصحيحةُ المشهورةُ (2) : بكسرِ الهاءِ فيهما، وضمِّ الذال وتنويِنها فيهما (3) ، وضمِّ الميمِ. وعندَ ابن (4) أبي (5) جعفر: ((لَجَاهَدَ مَجَاهِدَ (6) (7) ))، بفتحِها (8) كلِّها، إلا هاءَ ((مَجَاهِدَ)) فإنها بالكسرِ، على أن (9) يكونَ الأولُ: فعلاً ماضيًا، والثاني جمعًا لا نظيرَ له في الآحادِ، فلم يصرفْه، وكذلك رواه (10) بعضُ رواةِ البخاريِّ. والصوابُ الأولُ. ومعنى (11) : جَاهِدٌ جادٌّ في أمرِه؛ قاله ابن دريد. والثاني: تكرارٌ على جهةِ التأكيدِ. قال ابنُ الأنباري: العربُ إذا بالغتْ في الكلامِ اشتقتْ من اللفظةِ الأولى لفظةً على غيرِ بنائِها (12) ، زيادةً في التوكيدِ؛ فقالوا (13) : جادٌّ مُجِدٌّ (14) ، وليلٌ (15) لائلٌ، وشِعْرٌ شاعرٌ. قال غيرُه: وقد يكونُ ((جاهِد))؛ أي: مبالغٌ في سُبلِ (16) الخيرِ، و((مُجاهِدٌ)) لأعدائِه (17) .
قال الشيخ: ويظهرُ لي أن هذا القولَ أحسنُ بدليلِ قولِه في الروايةِ الأخرى: ((مَاتَ جَاهِدًا مُجاهِدًا؛ فله أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ))؛ فأشار بفاءٍ (18) التعليلِ إلى الجهتين اللتين يُؤجَرُ (19) منهما، وهما: ((جاهد مجاهد))؛ فمعنى أحدِهما غيرُ الآخرِ (20) . والله تعالى أعلمُ (21) . %(1/365)%
وقوله: ((قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى (22) بِهَا مِثْلَهُ))؛ أكثرُ الرواياتِ على أن (( مشى)) مفتوحَ =(3/667)=@ الميمِ على أنه فعلٌ (23) ماضٍ، و((بها)) بغيرِ تنوينِ الهاءِ، على أنه جارٌّ ومجرورٌ. وللفارسيِّ (24) وحدَه: (( مُشابِهًا))- بضمِّ الميمِ، وتنوينِ الهاءِ (25) ؛ من المشابهة. وفي البخاري (26) لبعض الرواة: ((نشأ بها)) من النشء. وكل بعيدٌ (27) في المعنى والعربيةِ، والصوابُ روايةُ الجماعةِ، والضميرُ في(( بها)) قيل: إنه (28) عائدٌ على الأرضِ، وقيل: على الحربِ.
قال الشيخ رضي الله عنه: ويحتملُ أن يعودَ على الشهادةِ والحالةِ الحسنةِ التي مضى بها (29) إلى الله تعالى (30) . وهذا (31) يَعضدُه المعنى، ومساقُ (32) الكلامِ (33) . والله تعالى أعلمُ (34) . =(3/668)=@ &(3/528)&$
__________
(1) في (ح) و(ي): ((مجاهدة)).
(2) في (ح) و(ي): ((المشهورة الصحيحة)).
(3) في (م): يشبه أن تكون ((فيها)).
(4) قوله: ((ابن)) سقط من (م).
(5) في (ي): ((لي)) بدل ((أبي)).
(6) في (ح) و(ي): ((مجاهدة)).
(7) في (م): يشبه أن تكون ((تجاهد)).
(8) في (ز): ((بفتح)).
(9) في (ح): ((على أن لا)).
(10) في (ح): ((رواية)).
(11) في (أ) و(ب) و(ز): ((ومعنى)).
(12) في (م): ((بيانها)).
(13) في (ح) و(ي): ((فقال)).
(14) في (ز): ((محيد)).
(15) في (ح) و(ي): ((وذيل)).
(16) في (ز): ((سبيل)).
(17) قوله: ((لأعدائه)) تكرر في (ح) بسبب وجود بعض الكلام في الهامش.
(18) قوله: ((بفاء)) لم يتضح في (ز) وفي (م): ((بهاء)).
(19) في (ز): ((يؤخذ)).
(20) في (أ) و(ح): ((الأمر)).
(21) في (ي): ((ماض وبها بغير تنوين الهاء)) بدل ((غير الآخر والله تعالى أعلم)).
(22) في (ب) و(م): ((يمشي)). وفي (أ): ((مشاي)) كذا رسمت.
(23) في (ي): ((ماض وبها بغير تنوين الهاء)) بدل ((غير الآخر والله تعالى أعلم)). ***راجع المخطوط***
(24) في (ز): ((للفارس)) بلا واو.
(25) من قوله: ((على أنه جار...)) إلى هنا سقط من (م).
(26) (7/463-464 رقم4196) في المغازي، باب غزوة خيبر، و(10/537-538 رقم6148) في الأدب، باب ما يجوز من الشعر والرجز، والحداء وما يكره منه .
(27) في (م): ((يعتد)).
(28) قوله: ((قيل أنه)) من (أ) و(ب) وليس في (ي).
(29) قوله: ((مضى بها)) لم يتضح في (ز).
(30) من قوله: ((قلت: ويظهر لي أن هذا القول أحسن....)) إلى هنا غير واضح في (ح) بسبب التصوير.
(31) في (ح) و(ي): ((وهذه)).
(32) في (ز): ((وسياق)).
(33) قوله: ((الكلام)) لم يتضح في (ز).
(34) زاد في (ز) بعدها: ((في الصواب)).(3/528)
%(1/366)%
ومن باب غزوة ذي قرد
((الحديبية (1) )) يقال (2) بتخفيف الياء وتشديدها؛ لغتان. وهو موضعٌ فيه ماءٌ على قربٍ (3) من (4) مكةَ، كما تقدَّم. والروايةُ الصحيحةُ المشهورة (5) : ((جَبَا الرَّكيةِ)) بالفتحِ في الجيمِ والباءِ بواحدةٍ (6) مقصورًا، وهو جانبُ البئرِ. و((الركيَّةُ)) البئرُ غيرُ المطويةِ، فإذا طُويت فهي (7) : الطَّوِيُّ (8) . وللعُذري: ((جُبِ ركية (9) )) بضمِّ (10) الجيمِ وكسر الباءِ (11) . والْجُب: البئرُ (12) ليستْ بعيدةَ القعرِ. و((جاشت))؛ أي: ارتفعت؛ يقال: جاش الشيءُ، يجيش (13) جَيْشًا: إذا ارتفع. =(3/669)=@
وقوله: ((حجفة (14) أو درقة)) على الشكَّ من الراوي. والحجفةُ: التُّرسْ، وإنما يكون (15) من عِيدانٍ، والدَّرقَ (16) من الجلُودِ. واختصاصُه ? سلمةَ (17) بتكرارِ البيعةِ (18) ثلاثًا؛ تأكيدٌ (19) في حقِّه، لما عَلم ? من خصالِه ? (20) ، وكثرةِ غَنائه، كما قد ظهر منه على ما يأتي (21) . &(3/529)&$
__________
(1) قوله: ((ذي قرد الحديبية)) بياض في (ز) وفي (م): ((الحذيبية)).
(2) قوله: ((يقال)) سقط من (ي) وفي (م): ((تقال)).
(3) في (أ): ((القرب))، والألف واللام زائدة بخط مغاير.
(4) قوله: ((من)) سقط من (ح).
(5) قوله: ((المشهورة)) سقط من (ب).
(6) في (ب): ((في الجيم والموحدة والصحيح على الموحدة)).
(7) في (ح): ((سميت)).
(8) في (أ): ((الطوا)).
(9) قوله: ((ركية)) سقط من (أ).
(10) في (أ): ((بكسر)).
(11) في (ز): ((الياء)).
(12) في (م): ((بئر)).
(13) في (ح): ((تجيش)).
(14) في (ز): ((ججفة)).
(15) في (ب): ((وإنها تكون)).
(16) قوله: ((والدرق)) لم يتضح في (ز).
(17) في (أ): ((أبا سلمة)).
(18) في (م): ((البقعة)).
(19) في (ب) و(ح): ((تأكيدًا)).
(20) في (ز) و(ب) و(ي) و(م): ((? من خصاله)).
(21) قوله: ((على ما يأتي)) سقط من (ب) و(ز) و(م).(3/529)
%(1/367)%
و((عزلاً (1) )) الروايةُ فيه هنا وفي الحرفِ الآتي بعدَه: بفتحِ العينِ وكسرِ الزاي. قال (2) بعضُ اللغويين: الصوابُ: أَعْزل، ولا يقال: عَزِل. وقيده بعضُهم: ((غُزُلاً))- بضمِّ العينِ والزاي، وكذا ذكره الهرويُّ، كما يقال (3) : ناقة عُلُطٌ (4) ، وجمل فُنُقٌ (5) . والجمعُ: أَعْزال. كما يقال: جُنُبٌ وأجناب (6) ، وماء سُدُمٌ، ومياه أَسْدام (7) . والأعزل: الذي لا سلاحَ معه (8) .
و((أَبْغِني)): أعطني. يقال: بَغَيْتُ الشيء من فلان فأبغانيه؛ أي: أعطاني ما طلبتُه.
وقوله: ((ثم إن المشركين راسلونا الصلح)) هذه روايةُ (9) العذريِّ، وهي من الرسالةِ. ورواه جماعةٌ من رواة مسلمٍ: ((راسُّونا)) بسينٍ (10) مهملةٍ مشددةٍ (11) مضمومةٍ، =(3/670)=@ وهو من: رَسَّ الحديثَ، يَرُسُّه: إذا ابَتدأه. ورَسَسْت بين القومِ: أصلحتُ بينهم. ورسَا لك الحديثَ رَسْوًا: إذا ذَكر لك منه طرفًا. وروي: ((رَاسَوْنا)) بفتحِ السينِ لابن ماهان. قال عياضٌ (12) : ولا وجهَ لها (13) . %(1/368)%
وقوله (14) : ((كنتُ تبيعًا لأبي طلحة))؛ أي: خديمًا له. وهو من: تبعت الرَّجل (15) : إذا سرتُ خلفه. و((أحسه)) أَنفض عنه (16) التراب. والحسُّ (17) : الحك. و((كسحت (18) شوكها)): [كنسته. و((الضغث)): القبضةُ من الحشيشُ] (19) وغيره. و(( العَبْلات)) بطنٌ من بني عبدِ شمس، نُسبو إلى أمٍّ لهم تسمى: عَبلة (20) بنت عبيد، من البراجم. و((الفرس المجفف)): الذي عليه تِجْفاف - بكسرِ التاء - وهو الجُلُّ (21) . و((بدء (22) الفجور)): أولُه، والفجُور ضد البرِّ. و((ثِنَاه)): عُوده، وهو (23) بكسرِ الثاء المثلثةِ (24) ، مقصورًا. وهي الرواية =(3/671)=@ المشهورة، ولابن ماهان: ((وثُنْياه)) بضمِّ الثاءِ، وهو بالمعنى الأولِ. والفجور هنا هو (25) : نقضُ العهدِ، ورَوْم غِرةِ المسلمين، وكان هذا في صلحِ الحديبيةِ. وعفوُ النبيِّ ? عن هؤلاء السبعين ليتم (26) أمرُ الصلحِ. والله تعالى أعلم. &(3/530)&$
__________
(1) في (ز): ((عزلاً)) بلا واو.
(2) في (ح) و(ز): ((وقال)).
(3) في (أ): ((قال)).
(4) في (ح) و(م): ((غلط)). والعلط: الذي لا خطام له، والفنق: السمينة الفتية اللحمية. وفي (ي): ((غلظ)).
(5) في (م): ((فيق)).
(6) في (ي): ((خبث وأخباث)).
(7) قوله: ((ومياه أسدام)) سقط من (ح).
(8) في (ي): ((له)) بدل ((معه)).
(9) في (ي): ((الرواية)).
(10) في (ب) و(م): ((بالسين)).
(11) قوله: ((مشددة)) سقط من (ح).
(12) في (ز): ((عياض من لا)).
(13) في (ي): ((له)) بدل ((لها)).
(14) في (ي): ((قوله)) بلا واو.
(15) قوله: ((الرجل)) مطموس في (ز).
(16) في (ي): ((وأخسبه أنفض عليه)).
(17) في (أ): ((الجس)).
(18) قوله: ((وكسحت)) لم يتضح في (ز).
(19) ما بين المعقوفين: بياض في (ز).
(20) قوله: ((نسبوا إلى أم لهم تسمى عبله)) لم يتضح في (ز).
(21) في (ز): ((لحبل)) كذا رسمت.
(22) في (ز): ((وبدو)) و(ي) و(م).
(23) قوله: ((وهو)) سقط من (ز).
(24) من قوله: ((من: رس الحديث، يرسه... إلى هنا)) لم يتضح في (ح) بسبب التصوير في السطور الأولى من اللوحة.
(25) قوله: ((هو)) سقط من (أ) و(ب) و(ز) و(ي) و(م).
(26) في (ح) و(م) و(ي) و(ز) و(ب): ((ليتم)) ولم تنقط التحتية.(3/530)
%(1/369)%
وقد (1) اختلف في سبب نزول قوله تعالى: {وهو الذي كف أيدهم عنكم (2) } (3) على أقوالٍ هذا أحدُها، وهو أصحُّها.
وقوله: ((وهم المشركون)) بضمِّ الهاء وتخفيفِ الميمِ، وهي ضميرُ الجمعِ. وقد ضبطه بعضُ الشيوخِ: ((وهَمَّ)) بفتح (4) الهاءِ والميمِ وتشديدِها؛ على أنه فعلٌ ماضٍ. و((المشركون)) فاعلٌ به.
قال عياض: معناه: همَّ النبيُّ ? والمسلمين (5) أمرُهم لئلا يَغْدِروهم (6) ، ويُبيِّتُوهم (7) لقربِهم منهم. يقال: هَمَّني الأمرُ، وأَهمني. ويقال: همَّني: آذاني (8) ، وأهمَّني: غَمَّني.
قال الشيخ: والأقربُ أن يكون معناه: هم المشركون بالغدرِ (9) ، واستشعر المسلمون منهم بذلك. =(3/672)=@
و((الظَّهر)): الإبل التي تُحمل (10) على ظهورِها الأثقالُ. و((أُنَدِّيه مع الظهر))؛ أى: أُورده الماءَ فيشرب (11) قليلاً، ثم أرعاه وأُورده. وهي (12) التَّنْدِيَة (13) ، وأصلُها للإبل. وقد تكونُ التنديةُ في الفرسِ بمعنى: التضميرِ، وهي (14) : أن يُجرى (15) الفرسُ حتى يَعْرقَ. ويقال لذلك (16) العرقِ: الندى؛ قاله (17) الأصمعي.
و((استاقه))؛ أي: حمله، والتاءُ زائدةٌ للاستفعالِ. و((السَّرح)): الإبلُ التي تَسْرحَ في المرعى. و((الأَكَمة)): الجُبيلُ (18) الصغيرُ. %(1/370)%
وقوله: ((يا صباحاه)) هاؤه ساكنة (19) ، وهو يُشبه (20) المنادى المندوبَ، ولييس به. ومعناه (21) هنا: الإعلام (22) بهذا (23) الأمرِ المهمِّ الذي قد دَهمهم في الصباحِ. &(3/531)&$
__________
(1) قوله: ((قد)) سقط من (ب) و(ز) و(م).
(2) زاد في (ي) بعدها: ((وأيدكم عنهم))، وفي (ب): ((أيديكم عنكم))، وفي (م): ((أيديكم عنهم)).
(3) سورة الفتح؛ الآية: 24.
(4) في (ب): يشبه أن تكون ((بالفتح)).
(5) قوله: ((والمسلمين)) سقط من (م).
(6) في (ز): ((يغدر م هم)). [وتراجع].
(7) في (ح): ((ويبيتونهم))، وفي (ي): ((ويثبتوهم)).
(8) في (أ): ((أذاني)) ولم تتضح في (ح).
(9) قوله: ((بالغدر)) لم يتضح في (ز).
(10) في (م): ((يحمل)).
(11) في (ب): ((فشرب)).
(12) في (ح) و(ي): ((وعن)).
(13) في (ي): ((البدية)).
(14) في (ز): ((وهو)).
(15) في (ي): ((تجري)).
(16) في (ح): ((ويقال العرق الذي لذلك)). وفي (ي): ((ويقال العرق الذي لذلك الفرس الندى)).
(17) في (ح) و(ي): ((قال)).
(18) في (ح) و(ي): ((الجبل)).
(19) في (ز): يشبه أن تكون: ((فساكنه)).
(20) في (م): ((شبه)).
(21) في (ي): ((ومعناها)).
(22) في (ب) و(م): ((بالإسلام)).
(23) في (م): ((لهذا)).(3/531)
وقوله: ((وأنا ابن الأكوع)) الكُوَعُ: اعوجاجٌ في اليد من قبل (1) .الكُوع،، والوَكَعُ في الرِّجْلِ: أن (2) تميلَ إبهامُها (3) على أصابِعها. واسمُ الأكوع: سنانُ بن عبدالله بن [بشير،] (4) وهو أبوسَلَمة على؛ [ما ذكره محمد بن سعد (5) . وقيل: اسم] (6) أبي سلمة: عمرو بن الأكوع، وهو [جدُّ سلمة] (7) ، فنسُب (8) إليه.
وقوله: ((واليوم (9) يوم الرُّضع)): الرُّضع (10) : جمعُ راضعٍ، وهو اللَّئيمُ. وأصله: أن البخيلَ كان يَرْضَعُ الإبلَ ولا يحَلُبها؛ لئلا يُسمَع صوتُ الحلبِ فيُقْصَدَ، فعبَّروا =(3/673)=@ عن كلِّ لئيمٍ بذلك. وعليه (11) قالوا في المثلِ: ((لئيمٌ راضع)). وقيل: لأنه يرتضع (12) اللؤمَ من أمِّه، وهو مطبوعٌ عليه. وقيل: معناه: اليوم يظهرُ من أرضعته (13) كريمةٌ أو لئيمةٌ. وقيل: اليوم يعرفُ من أرضعْته الحربُ من صِغرِه. %(1/371)%
وقوله: ((فأصك (14) سهمًا في رَحْله (15) ، حتى خلص نصلُ السهم إلى كتفه))؛ كذا روايتنا فيه، بالحاءِ (16) المهملةِ (17) ؛ ويعني به: أن سهمَه أصاب آخرةَ رَحْلِه (18) فنفذها، ووصل إلى كتفِه. وفي بعض النسخ: ((فأصكه سهمًا في رجله حتى خَلَصَ إلى كعبه))، والأول (19) أشبهُ. و((أُصِكَّ)): أَضْرَبَ. و((ألحق)) و((أصك)): مضارعان، ومعناهما: ا لمضي. &(3/532)&$
__________
(1) في (ز): ((اليدين قبل)).
(2) قوله: ((الكوع والوكع في الرجل أن)) مطموس في (ح).
(3) قوله: ((أن تميل إبهامها)) لم يتضح في (ز).
(4) ما بين المعقوفين: بياض في (ز).
(5) "الطبقات" (4/302)، وفيه: ((قشير)) بدل (( بشير)) وهما قولان في اسمه .
(6) ما بين المعقوفين: بياض في (ز).
(7) ما بين المعقوفين: بياض في (ز).
(8) في (ز): يشبه أن تكون: ((تنسب)).
(9) في (أ): ((اليوم)) بلا واو.
(10) في (ز): ((الرضيع)).
(11) قوله: ((وعليه)) سقط من (أ). وفي (ي): لم تتضح
(12) في (ح): ((يرضع)).
(13) في (أ): ((ارتضعه)).
(14) في (ب) و(م): ((فأصكه)). [وأشير لها بسهم وكتب قبالتها في المتن كذا في (ح): فأصك].
(15) في (م): ((رجله)).
(16) في (ز) و(م): ((بالخاء)).
(17) قوله: ((المهملة)) سقط من (ب) و(م).
(18) في (ز): ((أخوه جله)) [وتراجع]. وفي (م): ((أخرة رجله)).
(19) في (أ): ((والأولى)).(3/532)
وقوله: ((فما زلت أرميهم وأعقر بهم (1) ))؛ أي: أرميهم بالسهام. ((وأعقر بهم)) خيلهم، ومنه ((فُعقر بعبدالرحمن فرسُه))، ويحتمل أن يكون معناه: أَصيحُ بهم، من (2) قولهم: رفع =(3/674)=@ عَقيرته؛ أي: صوتَه. و((يتضحَّون))؛ يتغدَّون. وأصله: يأكلون عندَ الضّحى. و((يُقْرَوْن)): يُضافون (3) . أخبرهم ? بأنهم قد (4) وصلوا إلى بلادهم، وأنهم قد فاتوهم. و((الآرام)): بألف ساكنةٍ من غيرِ همزٍ: الأعلامُ من الحجارةِ؛ قال الشاعرُ (5) :
وَبَيْداءَ نَحْسَبُ (6) آرامَها ... رِجالَ إيَادٍ بأَجْيَادِهَا (7)
%(1/372)%
يعني: بأشخاصها. و(( الأرآم)) بهمزِ الألفِ (8) : الظباءُ. و((القرن (9) )): جبلٌ صغيرٌ منفردٌ منقطعٌ من جبلٍ كبيرٍ. و((البَرْح (10) )) مفتوحةَ الباءِ، ساكنةَ الراءِ، يعني به: المشقةَ الشديدةَ.
وقوله: ((أنا أظنُّ)) أي: أتيقَّن؛ كما قال تعالى: {إني ظننت أني ملاقٍ حسابيه} (11) ؛ أي: تحققت وأيقنت (12) . ويُحتملُ البقاءُ على أصلِ الظن الذي هو تغليبٌ (13) لأحدٍ المحتمَلَين، وقد اقُتصر عليها ولم يُذكر لها هنا مفعولٌ،، ويُحتملُ أن يكونَ (14) حُذفَ مفعولُها للعلم به (15) ، وهو ((ذاك)) الذي (16) هو إشارةٌ إلى (17) أن (18) المصدر الذي يكتفى به عن المفعولين، كما تقول (19) : ظننت ذاك (20) . والله أعلم.
و((أعدو (21) على رِجْلي))؛ أي: أشتدُّ (22) في (23) الجري. و((حليتهم (24) )) كذا وقع في رواية القاضي بالياء، وقال: أصلُه الهمزُ فسُهّل. =(3/675)=@ &(3/533)&$
__________
(1) قوله: ((وأعقر بهم)) سقط من (ي).
(2) في (ح) و(ي): ((فمن)).
(3) في (ي): ((ويضافون)).
(4) قوله: ((قد)) سقط من (ح).
(5) الأعشى. انظر "أدب الكاتب" (1/387).
(6) في (ب) و(ح) و(ز): ((تحسب)).
(7) في (ب) و(ح)و(م) و(ي) و(ز): ((بأجلادها)).
(8) في (أ): ((بالهمز)).
(9) في (م): ((والغزل)).
(10) في (ح) و(ي): ((والبر)).
(11) سورة الحاقة؛ الآية: 20.
(12) في (م): ((وايتقنت)).
(13) في (ح): ((تعلبة)).
(14) قوله: ((أن يكون)) لم يتضح في (ز).
(15) قوله: ((للعلم به و)) بياض في (ز).
(16) قوله: ((هو ذاك الذي)) لم يتضح في (ز).
(17) قوله: ((إلى)) سقط من (أ).
(18) قوله: ((أن)) سقط من (ب) و(ح) و(م) و(ي).
(19) في (م): ((كما يقول)).
(20) في (م): ((كما يقول)).
(21) في (م): ((وأغدو)).
(22) في (ح): ((أشد)).
(23) قوله: ((في)) بياض في (ز).
(24) ف (ز): ((وجليتهم)).(3/533)
%(1/373)%
قال الشيخ رضي الله عنه: وصوابهُ: الهمزُ، وهو أصلُه، وهذا تسهيلٌ لا يقتضيه القياسُ، وروايتي فيه بالهمزِ على الأصلِ. ومعناه: طردتُهم عن الماءِ (1) .
و((الثنية (2) )): الطريقُ في الجبلِ. وقوله: ((يا ثَكلتْه أمُّه)) يا (3) : للنداءِ (4) ، والمنادى (5) محذوفٌ ويشبه أن يكونَ المحذوفُ (( مَن)) الموصولةُ متصلةً (6) بـ((ثكلته (7) أمه (8) ))، كأنه (9) قال: يا مَنْ ثكلته أمُّه، =(3/676)=@ فحذفها للعلمِ بها. ويحتمل غير هذا، وهذا أشبهُ. والثكل: الفقدُ. والثكلى (10) : المرأةُ الفاقدةُ (11) ولدَها، الحزينة عليه. ومنه قولهم: ((ثِكلٌ (12) خيرٌ من عقوقٍ))، وكأنه دعا عليه بالفقدِ والهلاكِ. %(1/374)%
وقوله: ((أكوعه بكرةَ)) الضميرُ في ((أكوعه)) يعودُ على المتكلِّمِ على تقديرِ الغيبةِ، كأنه قال: أكوع الرجل المتكلم، وقد فهم منه هذا سلمة؛ حيث أجابه بقوله: ((أكوعك بكرة))، فخاطبه بذلك و((بكرة)) منصوبٌ غيرُ منون ٍ، على الظرفِ؛ لأنه لا ينصرفُ للتعريفِ والتأنيثِ؛ لأنه أريد بها بكرةٌ معينةٌ (13) ، وكذلك: ((غدوة)). وليس (14) ذلك لشيءٍ (15) من ظروفِ الأزمنِة سواهما فيما علمتُ. &(3/534)&$
__________
(1) في (ب): ((المياه)).
(2) في (ي): ((والثنية)).
(3) من قوله: ((في الجبل... إلى هنا مطموس في (ح).
(4) في (ز): ((بالنداء)).
(5) في (ز): ((والمنادى)) بلا واو.
(6) في (ب) و(ح) و(م) و(ي) و(ز): ((متعلقة)).
(7) في (م): ((بثكليه)).
(8) قوله: ((أمه)) سقط من (ح).
(9) في (ح): ((وكأنه)).
(10) في (ي): ((والثكل)).
(11) في (ح): ((العاقد)). وفي (ي): ((الفاقد)) وفي (م): ((العاقدة)).
(12) في (م): ((بكل)).
(13) قوله: ((معينة)) مطموس في (ز).
(14) في (ز): ((يشبه أن تكون ((ولبسله)).
(15) في (ز): ((بشيء)).(3/534)
وقوله (1) : ((وأرذوا (2) فرسين))، روايتي فيه بالذالِ المعجمةِ (3) ، ومعناه: تركوا فرسين معيبين (4) لم يقدرا (5) على النهوضِ من الضعفِ والكَلالِ. والرذية (6) : المعيبة (7) ، وجمُعها: رذايا (8) ، ومنه قول الشاعر (9) :
فَهُنٌ (10) رَذَايَا (11) فِي الطَّرِيقِِ (12) وَدَائِعُ
وقد رُوي بالدالِ المهملةِ ((أردوا (13) ))؛ أي: تركوهما هلكى (14) ، من الردى، وهو (15) الهلاك، والأول أوجه؛ لأنه قال: ((فأقبلت بهما أسوقهما))؛ فدل على أنهما لم يَهْلِكا، وإنما ثقلا (16) كلالاً وإعياءً.
و((السَّطيحة)): إناءٌ من جلودٍ يُسطَّحُ (17) بعضُها فوق َبعضٍ. و((المَذْقَة)) (18) : القطرةُ من اللبنِ الممزوجِ بالماءِ. و((المِذَق)): مَزْجُ اللبنِ بالماءِ، وقد تقدَّم القولُ في النواجِذ (19) ، وأن المراد بها - هنا (20) -: الضَّواحك. =(3/677)=@ %(1/375)%
وقوله: ((أعطاني سهمين (21) : سهم الفارس، وسهم الرَّاجل))؛ أما سهمَ الرَّاجل فهو حقُّه، وأما سهمُ (22) الفارس فإنما (23) أعطاه النبيُّ ? إيَّاه (24) لشدَّة غَنَائِه (25) ، ولأنه هو الذي استنقذ تلك الغنائمَ، وهو الذي تنزل (26) منزلةَ الجيش فيما (27) فعل، ولم يُسمعْ بمن فعل مثلَ فعلِه (28) – رضي الله عنه - في تلك الغَزَاةِ، ثم لعل (29) النبيَّ ? إنما أعطاه سهمَ الفارسِ من الخُمس، فإن كان أعطاه من الغنيمةِ فذلك خصوصٌ به لخصوصِ فِعلِه.
وقوله: ((ألا مسابِقَ؟)) ((ألا مسابِق)): قيدناه مفتوحًا بغير تنوين؛ لأنها ((لا)) التي للنفيِ والتبرئةِ، زيدتْ عليها همزةُ الاستفهامِ، وأُشربت معنى التمني (30) ؛ كما قالوا: ألا سيفَ صارمًا (31) ، ألا ماءَ باردًا (32) ؛ بغيرِ تنوينٍ على ما حكاه سيبويه، وأنشد (33) :
ألا طِعَانَ، ألا فُرْسانَ عاديةً (34) ... إلا تجشُّؤُكُمْ (35) عِنْدَ التَّنانِيرِ (36) =(3/678)=@
&(3/535)&$
__________
(1) قوله: ((وقوله)) ألحقها بهامش (ب) ولم تتضح بسبب التصوير.
(2) في (ح) و(ز) و(ي): ((وأردوا)) بالدال المهملة.
(3) قوله: ((المعجمة)) سقط من (أ) و(ح) و(م) و(ي) و(ز).
(4) في (أ): ((معييين)).
(5) في (ح): ((يقدروا)).
(6) في (ح) و(ي): ((والرديه)) بالدال المهملة.
(7) في (ح): ((المعيبة)).
(8) في (ح) و(ي): ((ردايا)) بالدال المهملة.
(9) ...
(10) في (ز): ((فمن)).
(11) في (ح) و(ي): ((رداي)) بالدال المهملة.
(12) في (ح): ((بالطريق)).
(13) في (ح) تشبه أن تكون ((أرذوا)).
(14) في (ي): ((اتركوهما هلكًا)).
(15) قوله: ((هو)) سقط من (ز).
(16) في (ز): ((نقلاً)).
(17) في (ب): ((سطح)).
(18) في (ح) و(ي): ((المرقة)) بالدال المهملة.
(19) في (ح) و(ي): ((النواجد)) بالدال المهملة.
(20) قوله: ((هنا)) سقط من (ح).
(21) كتب في نسخة (م) فوقها ((منه)).
(22) قولهم ((أما سهم)) بياض في (ز).
(23) في (ح) و(ي): ((فأما)).
(24) قوله: ((إياه)) سقط من (ح) و(ي).
(25) في (ز): ((عنائه)).
(26) في (م): ((ينزل)).
(27) في (أ): ((مما)).
(28) في (ح): (( من فعل كفعله)).
(29) في (أ): ((لعل أن)).
(30) في (م): ((النهي)).
(31) في (ب) و(ح) و(م) و(ز): ((صارمًا)).
(32) في (ب) و(ح) و(ز) و(م): ((باردًا)).
(33) القائل: حسان بن ثابت - رضي الله عنه - . "ديوانه" (1/215).
(34) في (ح) و(ي): ((إلى فرسان غادية)).
(35) في (ز): ((تجسؤكم))، وفي (ي): ((تخشوكم))، وفي (م): ((نخشوكم)).
(36) في (ح): ((التناتير))، وفي (ي): ((التباثير)). القائل حسان بن ثابت – رضي الله عنه – "ديوان حسان" (1/215).(3/535)
%(1/376)%
و (1) يجوزُ الرفعُ على أن تكون((ألا)) استفتاحًا (2) ، ويكون (3) ((مسابق (4) )) مبتدأً خبرهُ محذوفٌ، تقديره: ألاَ هنا مسابق (5) ، أو نحوه.
وقول سلمة للرَّجل (6) : ((أَمَا تُكَرمُ (7) كريمًا، ولا تَهابُ شريفًا؟)) يدلُّ على أنه فهم من قولِ الرَّجل: ((ألا مسابق)) النفيَ (8) ؛ فكأنه قال: لا أحدَ يسبقني؛ فلذلك أنكر عليه سلمةُ (9) .
و((ذرني (10) ))؛ أي: دَعني (11) ((فلأسبقَ)) منصوبٌ بلام كي، على زيادةِ الفاء. و((طفرت (12) )): وثبتُ وقفزتُ. و((ربطت عليه)): شددتُ عليه. ((شرفًا أو شرفين))؛ يعني: طَلَقًا أو طَلَقين. ((أستبقي)) أبقي. ((نَفسي)) رويناه بفتحِ الفاءِ وسكونِها. ففي (13) الفتحِ يعني به: التنفسَ. يريد: أنه رفق في جريه مخافةَ ضيقِ النفسِ (14) . وبالسكونِ يعني به (15) : أُروح نفسِي وأُجمُّها لجريٍ آخرِ.
وقوله: ((ثَمَّ إني رفعت))؛ أي: زدتُ في السير. ويروى: ((دفعت)) بالدَال؛ أي: دفعتُ (16) دفعةً شديدةً من الجري، وكلاهما قريبٌ في المعنى. =(3/679)=@ %(1/377)%
وقوله: ((اذهب إليك))؛ قيدناه على من يُوثقُ بعلمِه على الأمرِ؛ أي: انفذ لوجهِك (17) وخذ في الجري؛ يقوله (18) سلمةُ (19) وهو راكبٌ خلف النبيِّ ? للرَّجلِ الذي قال: ((ألا مسابق)). ولذلك قال: ((وثنيت رجلي)) أي: نزلت عن ظهرِ العضباءِ. و((إليك)) على (20) هذا معمولٌ (21) لـ((اذهب))؛ أي: انفذ لوجهِك.
وقوله: ((فوالله (22) ! ما لبثنا إلا ثلاثَ ليالٍ حتى خرجنا إلى خيبر))؛ ظاهر (23) هذا الكلامِ (24) : أن غزوةَ خيبرَ كانت على إثرِ غزوةِ ذي قردِ؛ إذ لم يكن بينهما إلا هذا الزمانُ (25) اليسير، الذي هو ثلاث ُليالٍ، وليس كذلك (26) عند أحدٍ من أصحابِ السِّيرِ والتواريخِ؛ فإن غزوةَ ذي قرد كانتْ في جمادى الأولى من السَّنةِ السادسةِ من &(3/536)&$
__________
(1) قوله: ((و)) بياض في (ز).
(2) في (ب) و(م): ((استفهامًا)).
(3) في (ح): ((نكون)).
(4) في (ي): ((متقارب)).
(5) في (ز): ((سابق)). [وتراجع].
(6) في (ب): ((الرجل)).
(7) في (م): ((نكرم)).
(8) في (ز): ((النقي)).
(9) في حاشية (ب) وفي أصل (م) ما نصه: ((ولو كان عَرضًا فقط لم يكن فيه ما ينكره))، وهو ليس في (أ).
(10) في (ز): ((وذربي)).
(11) قوله: ((دعني)) لم تتضح في (ب).
(12) في (ح) و(ي): ((فطفرت)).
(13) في (م): ((وفي)).
(14) في (ح) و(ي) و(ز) و(م): ((النفس)).
(15) قوله: ((به)) سقط من (ب) و(م).
(16) في (م): ((دفعة دفعة شديدة)).
(17) في (ح): ((وجهك)).
(18) تحتمل في بعض النسخ بقوله: فراجع؟ منها (ح) ففيها يشبه أن تكون ((بقوله)): وكذلك (أ).
(19) في (أ) و(ز): ((أبو سلمة)).
(20) في (ي): ((عن)) بدل ((على)).
(21) في (ب): ((معمولاً)).
(22) في (ح) و(ي): ((والله))، وفي (ز) لم يتضح.
(23) في (ي): ((وظاهر)).
(24) قوله: ((الكلام)) سقط من (ي).
(25) في (ح): ((الزمن)) و(ي).
(26) في (ح): ((ذلك)).(3/536)
الهجرةِ، ثم غزا بعدَها بني المصطلقِ في شعبانَ من تلك السنةِ، ثم اعتمر عمرةَ الحديبيةِ في ذي القعدةِ من تلك السنةِ، ثم رجع إلى المدينةِ، وأقام بها ذا الحجَّةِ وبعضَ المحرمِ، وخرج في بقيةٍ منه إلى خيبرَ، هكذا (1) ذكره أبو عمرَ بنُ عبدِالبرِّ (2) وغيرهُ، ولا يكادون يختلفون (3) في ذلك. وهذا الذي وقع في هذا الحديثِ وَهْمٌ من بعضِ الرُّواةِ (4) (5) ، ويحتملُ أن يكونَ النبيُّ (6) ? أغزى سريةً فيهم سلمةُ إلى خيبَر قبلَ فتحِها، فأخبر سلمةُ عن نفِسه وعمَّن خرج معه. وقد ذكر ابنُ إسحاقَ في كتابِ &(3/537)&$
__________
(1) في (أ): ((هذا)).
(2) "الدرر في اختصار المغازي والسير" (1/196).
(3) في (م): ((مختلفون)).
(4) في (ب): ((الوواة)).
(5) قال الحافظ في "الفتح" (7/460- 461): ((قال القرطبي شارح مسلم في الكلام على حديث سلمة بن الأكوع: لا يختلف أهل السير: أن غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبية فيكون ما وقع في حديث سلمة من وهم بعض الرواة، قال: ويحتمل أن يجمع بأن يقال يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أغزى سرية فيهم سلمة بن الأكوع إلى خيبر قبل فتحها فأخبر سلمة عن نفسه وعمن خرج معه؛ يعني حيث قال: خرجنا إلى خيبر. قال: ويؤيده أن ابن إسحاق ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أغزى إليها عبدالله بن رواحة قبل فتحها مرتين انتهى. وسياق الحديث يأبى هذا الجمع؛ فإن فيه بعد قوله حين خرجنا إلى خيبر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل عمر يرتجز بالقول، وفيه: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ السائق، وفيه مبارزة علي لمرحب وقتل عامر وغير ذلك مما وقع في غزوة خيبر حين خرج إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ فعلى هذا ما في "الصحيح" من التاريخ لغزوة ذي قرد أصح مما ذكره أهل السير، ويحتمل في طريق الجمع أن تكون إغارة عيينة بن حصن على اللقاح وقعت مرتين الأولى التي ذكرها بن إسحاق وهي قبل الحديبية، والثانية بعد الحديبية قبل الخروج إلى خيبر، وكان رأس الذين أغاروا عبدالرحمن بن عيينة؛ كما في سياق سلمة، مسلم ويؤيده أن الحاكم ذكر في الإكليل: أن الخروج إلى ذي قرد تكرر، ففي الأولى خرج إليها زيد بن حارثة قبل أحد، وفي الثانية خرج إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - في ربيع الآخر سنة خمس، والثالثة هذه المختلف فيها انتهى. فإذا ثبت هذا قوى هذا الجمع الذي ذكرته والله أعلم)).اهـ.
(6) قوله: ((النبي ?)) ليس في (ز).(3/537)
"المغازي (1) " له (2) أنه ? أغزى إليها (3) عبدَالله بنَ رواحةَ (4) قبلَ فتحِها مرتين. والله أعلم (5) .
و((ذو (6) قرد)) المشهور فيه (7) بفتح (8) القافِ والرَّاءِ. وقد قيل فيه (9) بضمِّهما (10) . والقَرَدُ في اللغِة هو: الصوفُ الرديءُ. يقال (11) في المِثل: ((عَثَرتْ على الغَزْل %(1/378)% بأَخَرَة (12) فلم تَدَعْ =(3/680)=@ لعنز (13) قَرَدة. وهو في الحديثِ: موضعٌ معروفٌ؛ حكى هذا كلَّه السهيليُّ.
وقول عمر – رضي الله عنه -: ((يا رسولَ الله! لولا متَّعْتَنَا به)) أي: هلّا دعوتَ الله أن يمتعنا ببقائه. و((يخطر بسيفه))؛ أي: يهزُّه متكبرًا، ومُرْهبًا للعدوِّ (14) . و((شاكي السلاح)) هو الذي جَمَع عليه سلاحَه (15) . يقالُ فيه (16) : شاكي السلاحِ (17) ، و((شاكِ)) بالكسر، و((شاكُ)) بالرفعِ، و((شائك)) (18) ، وهذا أصوبُ (19) ، وما (20) قبله مقلوب. والشِّكة، والشوكة: السلاحُ. و((مجرَّب)) روايتنا فيه &(3/538)&$
__________
(1) في (م): ((الغازي)).
(2) قوله: ((له)) سقط من (ي).
(3) في (ح): ((أهلها)).
(4) في (أ): ((أغزى عبدالله بن رواحة إليها)).
(5) قوله: ((والله أعلم)) سقط من (ز).
(6) في (أ): ((ذو)) بدون الواو الأولى .
(7) في (م): ((منه)).
(8) في (ز): ((فتح)).
(9) في (م): ((فيهما)).
(10) في (ي): ((بضمها)).
(11) في (ز): ((هو الصوت الذي يقال)).
(12) في (ز): ((باجرة)).
(13) في (ز): ((لغز)).
في النسخ: ((لعنز))؟ والتصويب من "مجمع الأمثال" (2/5)، و"جمهرة الأمثال" (2/48)، و"المستقصى في الأمثال" (2/157)، وهو مثل يضرب في المفرط مع الإمكان ثم الطلب بعد فوات الأوان، وأصله في المرأة تدع الغزل وهي تجد ما تغزله من قطن وكتان وغيره، حتى إذا فاتها ذلك تتبعت القَرد في القمامات فتلتقطه وتغزله، والقَرد: ما تمعط عن الإبل والغنم من الصوف والوبر والشعر من غيرِ جزٍّ. انظر "جمهرة الأمثال" الموضع السابق.
في (ح): ((لعنز)) وهو الصواب إذ العنز هي التي عليها الصوف ((الشعر)) وهي التي يجز صوفها لتغزله الغازلة ويمكن أن يشار لام في "مجمع الأمثال" و"جمهرة الأمثال" بـ لعل الصواب:... [تراجع]
(14) قوله: ((ومرهبًا للعدو)) سقط من (ب) و(ح) و(ي) و(ز) و(م).
(15) في (ز): ((بسلاحه)).
(16) قوله: ((فيه)) سقط من (ح)، وفي (ب) و(م): ((منه)).
(17) قوله: ((السلاح)) سقط من (ب).
(18) في (م): ((ومشابك)).
(19) في (ي): ((أصوب)).
(20) أشير لها بسهم وكتب [تراجع كذا في (ح)].(3/538)
بفتحِ الراءِ على أنه اسمُ (1) مفعولٍ؛ يعني: أنه جُرِّبت حروبُه، وعُلمت. ويصحُّ أن يقالَ بالكسرِ على أنه اسمُ فاعلٍ، يعني: أنه جَرَّبَ الحروبَ بنفسِه، فخَبَرَها.
وقول عامر: ((بطل مغامر))؛ البطلُ: الشجاعُ؛ يقال: بَطَلٌ بيِّنُ البطولةِ والبَطَالةِ. و((المغامرُ)): اسمُ فاعلٍ مِن: غَامَر؛ يعني (2) : أنه يأتي (3) غَمَراتِ (4) الحروبِ ويقتحمُها (5) . وأصلُه من الغَمْر، وهو الماءُ الكثيرُ. و(( يسفّل (6) )) بسيفه؛ أي: يختِل أن يضربَه (7) به، من أسفلِه. =(3/681)=@ %(1/379)%
وقول علي – رضي الله عنه -: ((أنا الذي سمتني (8) أمي حيدره))؛ حيدرة (9) : من أسماءِ الأسدِ، وله أسماءٌ كثيرةٌ. وكان علي – رضي الله عنه - سماه أبوه عليًّا، وسمته أمه أسدًا باسم أبيها، فغلب عليه ما سماه به أبوه، فذكر الآن ما سمتْه به أمُّه لمناسبةِ ما بين الحربِ وصوْلةِ الأسدِ. والهاء في((حيدره)) وفي ((المنظره)) زائدةٌ (10) للاستراحةِ. والمنظرة: النظر. ويعني: أنه كريه النظر في عين عدوِّه؛ لأن موت عدوه مقرونٌ بنظرِه إليه.
و((ليث)) من =(3/682)=@ أسماءِ الأسدِ. و((الغابات)): جمع غابةٍ، وهي %(1/380)% ملتفُّ الشجرِ؛ لأنها يغيبُ (11) فيها من يَدْخلُها. و((السَّندرة)) (12) : مكياٌل واسعٌ. قال القتبي (13) : ويحتمل أن يكونَ أُخذ من &(3/539)&$
__________
(1) قوله: ((اسم)) سقط من (ح) و(ي).
(2) قوله: ((يعني)) سقط من (ح). وفي (أ): ((أي يعني)) وفي (ب): ((نعني)).
(3) في (أ): ((يأخذ)).
(4) في (ح): ((غمران)). وفي (ز) و(ب) و(م): ((السندرة)).
(5) في (ح) و(ي): ((ويفتحها)). وفي (ز): ((ويفتحهما))
(6) في (ب): ((وسفل)).
(7) في (ح): ((يجبل أي يضرب)). وفي (ز) و(ب) و(م): ((يحتل أن يضربه من أسفله))، وفي (ي): ((يخيل أي يضرب به)).
(8) في (أ): ((سمتنِ)).
(9) أشير لها بسهم وكتب [يراجع] (حيدر).
(10) في (ز): ((زائد)).
(11) في (ح) و(ي): ((تغيب)). وفي (ز): ((بها يغيب)).
(12) في (ز): ((وللسندرة)).
(13) في (ب) و(م) و(ز): ((القتيبي)).(3/539)
السِّدرةِ (1) وهي شجرةٌ يُعملُ (2) منها النبلُ (3) والقِسيُّ. قال صاحبُ "العين": كيلُ السندرةِ: ضربٌ من الكيلِ، ومعناه: أقتلهُم قتلاً واسعًا. وقيل: السندرةُ: العَجَلةُ؛ أي: أقتلهُم قَتْلاً عجلاً عاجلاً.
وفي هذا الحديثِ من معجزاتِ رسولِ الله ? أربعٌ، ومن الفقه والأحكامِ ما فيه كثرةٌ لا تخفى على فطنٍ، من أهمها: جوازُ استقتالِ (4) المرءِ نفسَه في سبيلِ الله إرادةَ الشهادةِ. واقتحامُِ الواحدِ على الجمعِ؛ إذا كان من أهلِ النجدةِ. وجوازُ المبارزةِ بغيرِ إذنِ الإمامِ. وهو حجَّةٌ على مَن كرهها مطلقًا؛ وهو الحسنُ، وعلى &(3/540)&$
__________
(1) في (ب): ((السندرة)).
(2) في (ز): (((تعمل)).
(3) في (ي): ((التبنل)).
(4) في (ح): ((استقبال)).(3/540)
مَن اشترط في جوازها إذنَ الإمام؛ وهو إسحاقُ، وأحمد (1) ، والثوريُّ. ثم هل يعانُ المبارزُ أم لا؟ أجازها أحمدُ وإسحاقُ، ومنعها الأوزاعيُّ، وفسَّر الشافعيُّ فقال: إن شرط المبارزُ عدمَها لم يجز، وإن لم يشترطْ جاز.
وظاهرُ هذا (2) الحديِث: أن الذي قَتَل مَرْحبًا هو عليٌّ - رضي الله عنه - . وقد روي: أن الذي قتله محمد (3) بن مسلمة (4) . وحكى محمدُ بن سعدٍ: أن الذي قتله، محمدٌ، وذفَّفَ (5) عليه عليٌّ رضي الله عنهما. =(3/683)=@ %(1/381)% ومن باب: خروج النساء في الغزو
((الخنجر)) بفتح الخاء: السكين، ويقال بكسرها. و((بقرت (1) بطنه)): شققته، ووسعته. و((الطلقاء)) أهل مكة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - منَّ عليهم، وأطلقهم يوم فتح مكة. و((من بعدنا))؛ أي: من وراءنا. &(3/541)&$
__________
(1) في (م): ((ونقرت)).
__________
(1) في (ز): ((أحمد وإسحاق)).
(2) قوله: ((هذا)) سقط من (ب) و(م).
(3) في (ي): ((قتله هو محمد)).
(4) أخرجه أحمد (15134)، وأبو يعلى (1861)، والحاكم (3/436)، والبيهقي (9/131) من طريق ابن إسحاق: حدثني عبدالله بن سهل،عن جابر بن عبدالله به.
(5) في (ح): ((ودفق)) [وتراجع ل140أ]، والتذفيف: الإجهاز على الجريح وتحرير قتله، ويروى بالدال المهملة؟ "ألنهاية" (2/162).(3/541)
وقولها (1) : ((انهزموا بك))؛ أي: انهزموا حتى اتصلتْ (2) هزيمتُهم بك، أو انهزموا (3) عنك، بمعنى: فرُّوا، مُنْكرة ذلك عليهم، ومقبحة لما فعلوا، ظانَّة: أنهم يستحقون القتل على ذلك، وبأنهم (4) لم يتحققوا في الإسلام.
وقوله: ((إن الله قد كفى وأحسن))؛ أي: كفانا مؤنة (5) العدو، وأغنانا (6) عمَّن فرَّ، وأحسن في التمكين (7) من العدوّ والظفر به (8) .
و((يستقين (9) الماء))؛ أي: يحملنه (10) على ظهورهن فيضعنه بقرب الرجال، فيتناوله الرجال بأيديهم فيشربون. و((يداوين))؛ أي: يهيئن (11) الأدوية للجراح ويصلحنها، ولا يلمسن من الرجال ما (12) (13) لا يحل.
ثم =(3/684)=@ أولئك النساء إمَّا متجالاّت (14) ، فيجوز لهن كشف وجوههن، وإمَّا شوابُّ (15) ، فيحتجبن. وهذا كله على عادة نساء %(1/382)% العرب في الانتهاض، والنجدة، والجرأة (16) ، والعفة. وخصوصًا نساء الصحابة.
و((مجوِّبٌ عليه (17) بحجفة (18) ))؛ أي: مُترِّسٌ عليه بها تقيه (19) الرمي. و((النَّزع)): الرمي الشديد. و((بأبي أنت وأمي))؛ أى: أفديك بهما، و((أنت)): مبتدأ، وخبره محذوف؛ أي: مفدًى. و((بأبي)) متعلق (20) به. و((الْخَدَم (21) )) هنا: جمع خَدَمة، وهي &(3/542)&$
__________
(1) في (م): ((وقوله)).
(2) في (ي): ((وصلت)).
(3) في (ي): ((وانهزموا)).
(4) في (ي): ((وأنهم)).
(5) في (ب): ((مؤونة)).
(6) في (ح): ((وأغنانيا)).
(7) في (ب) و(م): ((التمكن)).
(8) قوله: ((به)) سقط من (ز).
(9) في (ز) و(م) و(ي): ((ويسقين)).
(10) في (ح) مهملة الأول.
(11) في (ح): ((يهبن)).
(12) في (ح): ((من)). و(أ) و(ي) و(ب).
(13) أشير لها بسهم وكتب [تراجع كذا في (ز)].
(14) في (ح) و(ي): ((متجللات)). والمتجالَّة: المرأة العجوز الكبيرة الطاعنة في السن. "النهاية" (1/288).
(15) في (ز): ((الشواب)).
(16) في (م): ((والمجزاة)).
(17) قوه: ((عليه)) سقط من (ح). و(أ) و(ز) و(ي) و(ب) و(م).
(18) في (أ): ((بجحفته))، وفي (ح) و(ز) و(ي): ((بحجفته)).
(19) في (ب) و(م): ((يقيه)). وفي (ز): ((بقيه)).
(20) في (ح) و(ي): ((يتعلق)).
(21) في (ح): ((والجدم)).(3/542)
الخلخال، و((سوقهما)): جمع ساق. وقيل في الخدم: هي سيور (1) من جلود تُجعل في الرِّجل، وقيل: أريد به ها هنا: مخرج الرِّجل من السراويل. ومنه: فرس مُخَدَّم؛ إذا كان أبيض الرُّسغين. وكان هذا منهن (2) لضرورة ذلك العمل في (3) ذلك الوقت. ويحتمل أن يكون ذلك قبل نزول الحجاب. وقد يتمسك (4) بظاهره من يرى (5) =(3/685)=@ أن تلك المواضع ليست بعورة من %(1/383)% المرأة، وليس بصحيح؛ فإن (6) النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أم سلمة؛ الذي رفعه أبو داود حين سئل (7) : ما تصلي فيه المرأة؟ فقال (8) : ((تصلي في الدرع السابغ الذي يغطي (9) ظهور قدميها)) (10) . وقد أمرت المرأة أن ترخي ثوبها شبرًا، فإن خافت أن
تنكشف (11) أرخته ذراعًا (12) .
و((النُّعاس)): ما يكون في الرأس، والسِّنة: في العين، وقد تقدَّم ذلك. وكان طنين هذا النعاس الذي ألقي عليهم في يوم أحد لطفًا بهم من الله تعالى بهم (13) ، أزال (14) به خوفهم، واستراحوا به من شدَّة التعب، وقويت به نفوسهم. وهكذا فعل الله تعالى بهم يوم بدر. &(3/543)&$
__________
(1) في (م): ((ستور)).
(2) في (ز): ((مبين)).
(3) في (أ) و(ب) و(ز): ((وفي)).
(4) في (ز): ((وهو متمسك)).
(5) في (ح) و(ي): ((يريد)).
(6) في (ح): ((لأن)).
(7) في (أ): ((سل)).
(8) في (ح): ((قال)).
(9) في (ح) و(أ) و(ي) و(ز) و(م) و(ب): ((يغيب)).
(10) يرويه محمد بن زيد بن قنفد، واختلف عليه في رفعه ووقفه :
فأخرجه أبو داود (1/420-421 رقم640) في الصلاة، باب في كم تصلي المرأة، والدارقطني (1/62) من طريق أبي داود، وغيره، والحاكم (1/250)، والبيهقي (1/233) من طريق الحاكم، وغيره؛ جميعهم من طريق عثمان بن عمر، عن عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار، عن محمد بن زيد بن قنفذ، عن أم محمد بن زيد، عن أم سلمه: أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - : أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: ((إذا كان الدرع سابغًا يغطي ظهور قدميها)).
وأخرجه مالك (1/420 رقم36) في صلاة الجماعة، باب الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار. وعنه أبو داود (1/420 رقم639) في الموضع السابق. وأخرجه البيهقي (2/232) من طريق ابن وهب، عن مالك وابن أبي ذئب وهشام بن سعد وغيرهم: أن محمد بن زيد القرشي حدثهم عن أمه: أنها سألت أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - : ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ فقالت: في الخمار والدرع السابغ الذي يغيب ظهور قدميها .
وقد رجح الموقوف جماعة:
قال أبو داود في "سننه" (1/421): ((روى هذا الحديث مالك بن أنس، وبكر بن مضر، وحفص بن غياث، وإسماعيل بن جعفر، وابن أبي ذئب، وابن إسحاق، عن محمد بن زيد، عن أمه، عن أم سلمة، لم يذكر أحد منهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قصروا به على أم سلمة رضي الله عنها)).
وقال ابن عبدالبر في "التمهيد" (6/367): ((والذين وقفوه على أم سلمة أكثر وأحفظ)).
وقال ابن عبدالهادي في "تنقيح التحقيق" (1/748): ((عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار روى له البخاري في "صحيحه"، ووثقه بعضهم، لكنه غلط في رفع هذا الحديث، والله اعلم ... وقد سئل الدارقطني عن هذا الحديث في "العلل"، فقال: يرويه محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ، عن أمه، عن أم سلمة، واختلف عنه في رفعه، فرواه: عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار عنه مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتابعه هشام بن سعد، عن رواية مالك بن سعد ؟؟؟. وخالفه ابن وهب فرواه عن هشام بن سعد موقوفًا، وكذلك رواه مالك، وابن أبي ذئب، وابن لهيعة، وأبو غسان، ومحمد بن مطرف، وإسماعيل بن جعفر، والدراوردي، عن محمد بن زيد، عن أمه، عن أم سلمة موقوفًا، وهو الصواب)).
وقال عبدالحق في "الأحكام الوسطى" (1/317): ((هذا هو الصحيح أنه من قول أم سلمة، وقد ذكر بعضهم فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - )).
وقال الحافظ في"التلخيص الحبير" (1/506): ((وأعله عبدالحق بأن مالكًا وغيره رووه موقوفًا، وهو الصواب)).
وقال الألباني في تعليقه على "المشكاة" (1/238 رقم763): ((الصواب موقوف، على أنه لا يصح إسناده لا مرفوعًا ولا موقوفًا)).
وله شاهد يأتي في الذي بعده .
(11) في (ح): ((ينكشف)).
(12) يرويه نافع، واختلف عليه: فأخرجه أحمد (2/55)، و(6/293 و315)، وأبو داود (4/365 رقم4118) في اللباس، باب في قدر الذيل، وابن ماجه (2/185 رقم3580) في اللباس، باب ذيل المرأة كم يكون؟ والنسائي (8/209 رقم5339) في الزينة، باب ذيول النساء، وفي "ألكبرى" (5/495 و496 رقم9743 و9744)، وأبو يعلى (12/316 رقم6890).
جميعم من طريق عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة، قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كم تجر المرأة من ذيلها؟ قال: ((شبرًا))، قلت: إذًا ينكشف عنها. قال: ((ذراع لا تزيد عليه)).
وأخرجه مالك في "الموطأ" (2/915 رقم13) في اللباس، باب ما جاء في إسبال المرأة ثوبها ،عن أبي بكر بن نافع، وعنه أبو داود (4/364-365 رقم4117) في الموضع السابق. وابن حبان (12/265-266 رقم5451/الإحسان)، والبغوي (12/13-14 رقم3082).
وأخرجه أحمد (6/295-296 و309)، والدارمي (2/279) في الاستئذان، باب في ذيول النساء، والنسائي في "الكبرى" (5/495 رقم9741)، وأبو يعلى (12/411 -412 رقم6977)، والطبراني في "الكبير" (23/358 رقم840)، والبيهقي (2/233). جميعهم من طريق محمد بن إسحاق .
النسائي (8/209 رقم5338) في الموضع السابق، وأبو يعلى (12/316-317
رقم6891)، أخرجه الطبراني في "الكبير" (23/416-417 و417 رقم 1007 و1008). ثلاثتهم من طريق أيوب بن موسى .
ثلاثتهم - أبو بكر بن نافع، ومحمد بن إسحاق، وأيوب بن موسى -، عن نافع، عن صفية بنت أبي عبيد، عن أم سلمة به .
وأخرجه النسائي في "الكبرى" (5/494-495 رقم9739) عن عمرو بن عثمان، عن الوليد بن مسلم، عن حنظلة بن أبي سفيان، عن نافع، حدثني بعض نسوتنا، عن أم سلمة، به. ولا خلاف بين قول نافع: عن صفية بنت أبي عبيد، وبين قوله: حدثني بعض نسوتنا. وبقي الترجيح بين روايتي سليمان بن يسار، عن أم سلمة، ورواية صفية بنت أبي عبيد، عنها .
فذهب الإمام الدارمي إلى ترجيح رواية سليمان بن يسار، فقال عقب إيراده الحديث من طريق صفية بنت أبي عبيد: ((الناس يقولون: عن نافع، عن سليمان بن يسار)).
قال الألباني في "الصحيحة" (4/478-479 رقم1864) تعقيبًا على كلام الدارمي: ((إن صح هذاالقول، فلا مناص من تصحيح الوجه الأول - أي: طريق صفية بنت أبي عبيد - أيضًا، لا تفاق ثلاثة ثقات عليه كما تقدم، فيكون لنافع فيه إسنادان عن أم سلمة)).
(13) في (ز): ((بهم من الله))، وفي (ب): ((من الله الكريم بهم)).
(14) في (ب) و(م) و(ي) و(ز): ((زال))، وفي (ح): ((ثم زال)).(3/543)
وهو الذي دلّ عليه قوله تعالى: {إذ يغشيكم (1) النعاس أمنة منه (2) } (3) . =(3/686)=@ %(1/384)%
ومن باب لا يسهم (4) للنساء (5) من الغنيمة
((نجدة)) هذا هو ابن عامبر (6) الحروري، نسب إلى حروراء، وهي (7) موضع بقرب الكوفة، خرج فيه (8) الخوارج على (9) علي - رضي الله عنه - ، وفيه (10) قُتلوا، وكان نجدة هذا منهم وعلى رأيهم؛ لذلك استثقل (11) ابن عباس مجاوبته، وكرهها، لكن أجابه مخافة (12) جهل يقع له، فيفتي (13) ، ويعمل به.
وقول ابن عباس – رضي الله عنهما -: ((إن النساء كن يُحْذَين (14) من الغنيمة، ولا يسهم لهن منها))؛ هذا مذهب جمهور العلماء: أن المرأة لا يضرب لها بسهم (15) وإن قاتلت، ما خلا الأوزاعي؛ فإنه قال: إن قاتلت أسهم (16) لها. وقد مال إليه ابن حبيب من أصحابنا. وهل يحذين (17) ؛ أي: يعطين (18) من الغنيمة بغير تقدير. فالجمهور على أنهن (19) يرضخ (20) لهن. وقال (21) مالك: لا يرضخ لهن (22) ، ولم يبلغني ذلك.
وكذلك (23) الخلاف في العبد سواء؛ غير أن القائل: بأنه (24) يسهم له إن قاتل؛ هو الحكم، وابن سيرين، والحسن، وإبراهيم. وقد تقدَّم: أن اليتيم (25) في بني آدم من قبل فقد الأب، وفي البهائم من قبل فقد (26) الأم. &(3/544)&$
__________
(1) في (ح) و(ي): ((يغشاكم)).
(2) قوله: ((منه)) سقط من (أ).
(3) سورة الأنفال؛ الآية: 11.
(4) في (أ): ((سهم)).
(5) في (م): ((لنساء)).
(6) في (ح): ((عامر)). و(أ) و(ز) و(ي) و(ب) و(م).
(7) في (ز): ((وهو)).
(8) في (ب) و(م) و(ز): ((منها)).
(9) في (ز): ((إلى علي بن أبي طالب)).
(10) قوله: ((وفيه)) سقط من (ح)، وفي (ب): ((وفيها)) و(م).
(11) في (ح): ((استثقل)).
(12) في (ز): ((مجافة)).
(13) قوله: ((فيفتي)) لم تتضح في (م). [وتراجع].
(14) في (ب): ((يحذين كن)). وفي (ز): ((كن يجزين)) وفي (م): ((يحذين ركن من)).
(15) في (م): يشبه أن تكون ((سهم)).
(16) في (ز): ((سهم)).
(17) في (ز): ((يحرين)).
(18) في (ب): يشبه أن تكون ((تططين)).
(19) في (أ): ((أنهم)).
(20) في (ح): ((يرضح)).
(21) في (ز): ((قال)) بلا واو.
(22) قوله: ((لهن)) سقط من (أ).
(23) في (أ): ((وكذا)).
(24) في (ح): ((بأن)).
(25) في (ح) و(ب) و(ي): ((اليتم)).
(26) قوله: ((فقد)) سقط من (أ).(3/544)
وقوله: ((متى ينقضي يتم اليتيم؟)) أي: متى ينقضي حكم اليتم عنهم، فيسلم لهم مالهم؛ هذا مما اختلف فيه. فمقتضى كلام ابن عباس هذا، %(1/385)% ومذهب =(3/687)=@ مالك، وأصحابه، وكافة العلماء: أن مجرد البلوغ لا يخرجه عن اليتم، بل حتى يؤنس رشده، وسداد تصرفه. وقال أبو حنيفة: إذا بلغ خمسًا وعشرين سنة، دفع إليه ماله وإن كان غير ضابط له.
وهل من شرط رفع الحجر عنه العدالة، أو يكفي في ذلك حسن الحال، وضبط المال؛ الأول للشافعي، والثاني للجمهور. وهو مشهور مذهب مالك. ثم إذا كان عليه مقدَّم، فهل بنفس صلاح حاله (1) يخرج من الولاية، أو لا يخرج منها (2) إلا بإطلاق حاكم أو وصي، في كل واحد منهما قولان عن مالك والشافعي، غير أن المشهور من (3) مذهب مالك: أنه لا يخرج منها (4) إلا بإطلاق من (5) حاكم أو وصي. وكافة السَّلف، وأهل المدينة، وأئمة الفتوى على أن (6) الكبير السفية يحجر عليه الحاكم، وشذ أبو حنيفة فقال: لا يحجر عليه. وقد حكى ابن القصَّار في المسألة الإجماع، ويعني به: إجماع أهل المدينة. والله تعالى أعلم.
وقوله: وكتبت (7) تسألني (8) عن الخمس، لمن هو؟ وإنا كنا (9) نقول: هو لنا، فأبى علينا قومنا))؛ هذا الخمس المسؤول عنه هو خمس الخمس، لا خمس الغنيمة، =(3/688)=@ ولا &(3/545)&$
__________
(1) في (أ): ((الحال)).
(2) في (ب) و(م): ((عنها)).
(3) أشير بسهم وكتب [كذا في (ح)].
(4) قوله: ((منها)) سقط من (أ) و(ب) و(ز) و(م).
(5) قوله: ((من)) سقط من (ح) و(ي).
(6) في (ي): يشبه أن تكون ((أنه)).
(7) في (ب) و(ح) و(ي) و(ز): ((كتبت)) بلا واو.
(8) في (م): يشبه أن تكون ((سألني)).
(9) قوله: ((كنا)) ليست في النسخ و(ح) و(ز) و(ي) و(ب) و(م).(3/545)
يقول ابن عباس، ولا غيره: إن خمس الغنيمة يصرف في القرابة، %(1/386)% وإنما يصرف إليهم خمس الخمس على قول من يقسم خمس الغنيمة على (1) خمسة أخماس (2) ؛ على ما تقدَّم من مذهب الشافعي، وهو الذي أشار إليه ابن عباس، وهو مذهب أحمد بن حنبل.
وقوله: ((فأبى علينا قومنا))؛ كأنه (3) قال: هو لبني هاشم، وقال (4) بنو المطلب: هو لنا. قاله أبو الفرج ابن (5) الجوزي وقد قدَّمنا مذهب مالك في هذا، وحجته عليه.
وقوله: ((وكتبت تسألني عن قتل الصبيان، فلا تقتل (6) الصبيان))؛ هذا مذهب كافة العلماء: أن الصبيان (7) لا يقتلون إلا أن يبيت العدو، فيصاب (8) صبيانهم معهم. وقد تقدَّم: أن الصبيان لا يقتلون (9) لأنهم (10) لا يكون منهم قتال (11) غالبًا، ولأنهم (12) مال.
وقوله: ((إلا أن تكون تعلم (13) منهم ما علم (14) الخضر))؛ يعني: أن قتل الخضر؛ =(3/689)=@ لذلك الصبي كان بأمر الله تعالى له بذلك، وبعد أن أعلمه الله تعالى: أن قتل (15) ذلك الغلام مصلحة لأبويه. وهذا (16) النوع من العلم متعذر (17) %(1/387)% على السائل وغيره (18) ممن (19) لا يُعلمه الله بذلك، فلا يحل قتل صبي بحال من الأحوال. هذا معنى (20) كلامه.
وقوله: ((لولا أن أرده عن نتنٍ يقع فيه))؛ أي (21) : عن فعل فاحش يستقبحه (22) من سمعه من العلماء، ويستخبثه (23) كما يستخبث الشيء المنتن. وفي الرواية الأخرى: ((لولا أن (24) يقع في أُحْمُوقةٍ)) (25) ؛ أي: في فعل من أفعال الحمقى (26) . يعني به: العمل على غير العلم (27) . &(3/546)&$
__________
(1) قوله: ((على)) سقط من (أ).
(2) في (ح) و(ي): ((أقسام)).
(3) في (ب) و(م): ((فإنه)).
(4) في (م): يشبه أن تكون ((قالوا بنوا)) .
(5) قوله: ((ابن)) سقط من (أ) و(ح) و(ز) و(ي).
(6) في (م): ((يقتل)).
(7) من قوله: ((هذا مذهب ....)) إلى هنا سقط من (ح) و(ي).
(8) في (ي): ((فيضاف)) وفي (م): ((فتصاب)).
(9) قوله: ((أن الصبيان لا يقتلون)) سقط من (ب) و(م).
(10) في (ز): ((لأنه)).
(11) في (ح): ((قتال منهم)).
(12) في (ز): ((لأنهم)) بلا واو.
(13) في (م): ((يكون يعلم)).
(14) أشير لها بسهم وكتب [كذا في (ح)].
(15) في (ب) و(ح) و(ي) و(م): ((قتله)).
(16) في (ي): ((هذا)) بلا واو.
(17) أشير لها بسهم وكتب [كذا في (ح)].
(18) وقوله: ((وغيره)) سقط من (م).
(19) في (ب) و(م): يشبه أن تكون ((لمن)).
(20) قوله: ((معنى)) لم يتضح في (ي). [وتراجع].
(21) قوله: ((أرده عن نتن يقع فيه أي)) مطموس في (ح).
(22) في (أ): ((يستفحشه)).
(23) في (ب) و(م): ((أو يستخبثه)).
(24) في (أ) و(م) و(ب) و(ز): ((أنه)) بدل ((أن)).
(25) مسلم (3/1445 رقم1812/139) في الجهاد والسير، باب النساء الغازيات يرضخ لهن ولا يسهم، والنهي عن قتل صبيان أهل الحرب.
(26) في (م): ((الحمقة)).
(27) في (م): ((الحلم)).(3/546)
وقوله (1) : ((ولا نُعْمَةَ عينٍ))، الرواية بضم النون، وفيها لغات: نَعمة - بفتح النون -، ونعم عينٍ (2) ، ونِعمْ، ونُعْمَى عين (3) ، ونُعامى عين (4) ، ونعيم عين (5) ، ونعام. وكل ذلك بمعنى واحد؛ أي (6) : لا (7) أنعم عينه، ولا أريها (8) ما يسرها. وهي منصوبة على المصدر.
و((البأس)): الحرب. ومنه قوله تعالى: {سرابيل (9) تقيكم الحر (10) وسرابيل تقيكم (11) بأسكم} (12) ، وأصل البأس: الشدة، والمشقة. والله تعالى أعلم (13) (14) (15) . =(3/690)=@ %(1/388)%
ومن باب عدد غزوات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قول زيد بن أرقم - رضي الله عنهما -: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا تسع (16) عشرة غزوة))، وقول بريدة: ((سبع عشرة، قاتل في ثمان منهن (17) ))؛ مخالف لما عليه أهل التواريخ (18) والسِّير. قال محمد بن سعد في كتاب "الطبقات" (19) ، له (20) : إن غزوات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسليمًا كثيرًا سبع وعشرون غزوة (21) ، وسراياه ست وخمسون. وفي رواية: ست وأربعون. والتي قاتل فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بدر، وأحد، والمريسيع، والخندق، وخيبر، وقريظة، والفتح، وحنين، والطائف. قال ابن سعد: هذا الذي اجتمع (22) لنا عليه. وفي بعض الروايات: أنه قاتل في بني النضير (23) ، وفي وادي القرى؛ مُنصرفه من خيبر، وفي الغابة.
قال الشيخ - رحمه الله-: وعلى هذا: فقول زيد بن أرقم وغيره: أنه غزا تسع عشرة غزوة (24) ، أو سبع عشرة، أو ست عشرة؛ إنما أخبر كل واحد (25) منهم عما في علمه، أو شاهده. والله تعالى أعلم. &(3/547)&$
__________
(1) أشير لها بسهم وكتب [كذا في (ح)].
(2) في (ز): ((غين)).
(3) قوله: ((عين)) سقط من (أ) و(ح) و(ز) و(ي).
(4) قوله: ((عين)) سقط من (أ) و(ح) و(ز) و(ي).
(5) قوله: ((عين)) سقط من (أ) و(ح) و(ز) و(ي).
(6) في (ح): ((أن)).
(7) في (ز): ((فلا)).
(8) في (ز): ((أربها)).
(9) في (ح): ((وسرابيل)) و(أ) و(ي).
(10) قوله: ((سرابيل تقيكم الحر)) ليس في (ز) و(ب) و(م).
(11) قوله: ((الحر وسرابيل تقيكم)) (ح) فقط وليس في (أ).
(12) سورة النحل؛ الآية: 81.
(13) قوله: ((والله تعالى أعلم)) سقط من (ح) و(أ) و(ي) و(م).
(14) زاد بعدها في (ز): ((تم الجزء الثاني من كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ويتلوه بعده المجلد الثالثة من كتاب الجهاد وهو باب عدد غزوات رسول الله ? ووافق الفراغ منه على يدي أضعف عباد الله وأحوجهم إليه العبد المذنب الفقير إلى رحمة ربه محمود بن عبد الغفور بن يوسف بن عبد العزيز بن عمر العجمي حامدًا لله تعلى ومصليًّا على رسوله محمد ? وعلى آله وصبحه وسلم وذلك بالقدس الشريف في أواخر شهر الله المبارك رمضان سنة ست وتسعين وستمائة أحسن الله خاتمتها آمين آمين آمين رَبّ العالمين)).
(15) إلى هنا انتهت المقابلة من نسخة (ز).
(16) في (ب): ((عثرة)).
(17) في (ح) و(م) و(ب) و(ي): ((منهن كله مخالف)).
(18) .
(19) (2/5-6).
(20) قوله: ((له)) سقط من (ب) و(م).
(21) قوله: ((غزوة)) سقط من (أ) و(ب) و(م).
(22) في (ي): ((أجمع)).
(23) في (ح) و(ب) و(ي): ((النظير))و(أ).
(24) قوله: ((غزوة)) سقط من (أ) و(ب) و(م).
(25) قوله: ((واحد)) سقط من (ب) و(ح) و(ي) و(م).(3/547)
وقول زيد بن أرقم (1) : ((إن أول غزوة غزاها ذات العشير))؛ يقال (2) بالشين =(3/691)=@ والسين. ويزاد عليها((ها))، فيقال (3) : العشيرة. وهو موضع بقرب الينبوع سكن بني مدلج، بينه وبين المدينة تسعة برد. وهذا مخالف لما قاله (4) أهل %(1/389)% التواريخ (5) والسير. قال محمد بن سعد: كان قبل غزوة العشيرة ثلاث (6) غزوات؛ يعني: غزاها بنفسه. وقال أبو عمر بن عبد البر: أول غزوة غزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة ودّان، غزاها بنفسه في صفر، وذلك: أنه وصل إلى المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، وأقام (7) بها (8) بقية ربيع الأول، وباقي العام كله إلى صفر من (9) (10) سنة اثنتين (11) من الهجرة، ثم خرج في صفر المذكور، واستعمل على المدينة سعد بن عبادة حتى بلغ ودّان، فوادع بني ضمرة، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربًا، وهي المسماة: بغزوة الأبواء، ثم أقام بالمدينة إلى ربيع الآخر من السنة المذكورة، ثم خرج منها، واستعمل على المدينة السَّائب بن عثمان بن مظعون، حتى بلغ بواط من ناحية رضوى، ثم رجع، ولم يلق حربًا، ثم أقام (12) بها بقيه ربيع الآخر، وبعض جمادى الأولى (13) ، ثم خرج (14) غازيًا، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبدالأسد، وأخذ على طريق ملل (15) إلى العشيرة، فأقام بها بقية (16) جمادى الأولى، وليالي (17) من جمادى &(3/548)&$
__________
(1) قوله: ((بن أرقم)) سقط من (أ) و(ح) و(ي) و(ب) و(م).
(2) في (م): ((تقال)).
(3) في (ي): ((فقال)).
(4) في (ح): ((نقله)).
(5) في (م): ((التاريخ)).
(6) في (ب): ((بثلاث)).
(7) في (أ): ((أقام)).
(8) قوله: ((بها)) سقط من (ح).
(9) قوله: ((من)) سقط من (ب) و(م).
(10) قوله: ((العام كله إلى صفر من)) مطموس في (ح).
(11) في (م): ((اثنين)).
(12) في (ب) و(م): ((وأقام)) بدل ((ثم أقام)).
(13) في (ح) و(ي): ((الأول)).
(14) في (ي): ((خزح)).
(15) في (ب) و(ح) و(م): ((سلك)). وفي (ي): ((ملك)).
(16) قوله: ((بقية)) سقط من (ي).
(17) في (ح) و(ي): ((وليالٍ)).(3/548)
الآخرة، ووادع فيها بني مدلج، ثم رجع، ولم يلق حربًا، ثم كانت بعد ذلك غزوة بدر الأولى بأيام قلائل. هذا الذي لا يشك (1) فيه أهل التواريخ (2) والسّير، فزيد بن أرقم إنما أخبر عما عنده، والله تعالى أعلم.
وقول جابر - رضي الله عنه - : ((لم أشهد بدرًا ولا أُحدًا))؛ هذا هو الصحيح، وقد ذكر ابن الكلبي (3) : إنه شهد أُحدًا، وليس بشيء.
وقوله: ((منعني أبي))، سبب منعه له: أنه كان لجابر أخوات، ولم يكن لأبيه =(3/692)=@ عبدالله من يقوم عليهن غيره، فحبسه عن الغزو لذلك، كما جاء في الرواية الأخرى، وقتل أبوه يوم أحد (4) ، وهو عبدالله بن عمرو (5) ابن حرام الأنصاري (6) . %(1/390)%
ومن باب غزوة ذات الرِّقاع
كانت هذه الغزوة في جمادى الأولى من السنة الرابعة من الهجرة، وذلك: أنه خرج - صلى الله عليه وسلم - من المدينة في الشهر المذكور، واستعمل على المدينة أبا ذر، وقيل: =(3/693)=@ &(3/549)&$
__________
(1) في (ب): ((تشك)).
(2) في (م): ((التاريخ)).
(3) في (م): ((الكليبي)).
(4) في (ب) و(م): ((يومئذ)).
(5) قوله: ((ابن عمرو)) سقط من (ح).
(6) قوله: (( وهو عبدالله بن عمرو بن حرام الأنصاري)) إلى هنا سقط من (ب) و(م).(3/549)
عثمان بن عفان، وغزا نجدًا يريد بني محارب، وبني ثعلبة بن سعد بن غطفان، فتوافقوا ولم يكن بينهم قتال، وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ صلاة الخوف.
وفي تسمية هذه الغزوة بذات الرّقاع أربعة أقوال:
أحدها: كما (1) قاله جابر.
والثاني: لأنهم رقعوا راياتهم.
والثالث (2) : لشجرة (3) هنالك (4) كانت تدعى: ذات الرقاع، وكان المشاة يجعلون عليها رقاعًا.
والرابع: لجبل (5) كان هناك، كانت أرضه ذات ألوان.
وفي هذا الحديث ما يدل على ما كانوا عليه من شدة الصبر والجلد، وتحمل تلك الشدائد (6) العظيمة، وإخلاصهم في أعمالهم، وكراهية إظهار أعمال البر، والتحدث بها (7) إذا لم تدع إلى ذلك حاجة. والله أعلم (8) . =(3/694)=@ %(1/391)%
ومن باب ترك الاستعانة بالمشركين
قوله: ((فلما كان بحرَّة الوَبرة))؛ هو بفتح الباء والراء، وهي الرواية المعروفة، وقيده بعضهم بسكون الباء، وهو موضع على أربعة أميال من المدينة. &(3/550)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): ((ما)).
(2) في (ي): ((والثالث)).
(3) في (أ): ((بشجرة)).
(4) قوله: ((هنالك)) سقط من (أ) و(ح).
(5) في (أ): ((بجبل)).
(6) إلى هنا انتهت المقابلة من نسخة (م).
(7) قوله: ((بها)) سقط من (ح).
(8) قوله: ((والله أعلم)) سقط من (أ) و(ح).(3/550)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((ارجع، فلن أستعين بمشرك))، بظاهر هذا الحديث قال كافة العلماء؛ مالك وغيره، فكرهوا الاستعانة بالمشركين في الحرب. وقال مالك وأصحابه: لا بأس (1) أن يكونوا نواتيه (2) وخدَّامًا.
واختلف في استعمالهم برميهم (3) بالمجانيق، فأجيز وكُرِه. وأجاز (4) ابن حبيب: أن يستعمل من سالم (5) منهم في قتال من حارب منهم. وقال بعض علمائنا بجواز ذلك، ويكونون (6) ناحية من (7) عسكر المسلمين. وقالوا: إنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك في وقت مخصوص، ولرجل مخصوص، لا على العموم. وظاهر الحديث حجَّة عليهم. ثم إذا قلنا: يُستعان بهم. فهل يسهم لهم أو لا؟ قولان. وإلى الأول ذهب الزهري والأوزاعي. وإلى الثاني ذهب (8) مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، =(3/695)=@ وأبو ثور. وقال الشافعي مرة: لا يعطون من الفيء شيئًا، ويعطون من سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقال قتادة: لهم ما صالحوا عليه.
ومن باب السن الذي يجاز في القتال
قول ابن عمر رضي الله عنهما: ((إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجزه يوم (9) أحد، وهو ابن أربع عشرة &(3/551)&$
__________
(1) قوله: ((بأس)) سقط من (ح).
(2) النواتي: الملاحون في البحر الذين يجرون السفن ويعالجونها، وكان أكثرهم علوجًا أعداءً للمسلمين."غريب الحديث" (2/68).
(3) في (أ) و(ي): ((في رميهم)). وفي (ب): ((في زمتهم)).
(4) قوله: ((فأجيز وكره وأجاز)) مطموس في (ح).
(5) كتب فوق: ((سالم)) في (أ): ((صالح)).
(6) في (ح): ((ويكونوا)).
(7) في (ب): ((بين)).
(8) قوله: ((ذهب)) سقط من (ح) و(ي).
(9) في (ي): يشبه أن تكون ((هوم)).(3/551)
سنة (1) ، وأجازه في الخندق، وهو ابن خمس عشرة سنة (2) ))؛ ظاهر كلام ابن عمر هذا: أنه كان بين غزوة أحد وغزوة الأحزاب سنة، وليس كذلك، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى أحد في شوال سنة ثلاث من الهجرة، وكانت غزوة الخندق- وهي (3) غزوة الأحزاب- في شوال من السنة الخامسة، فكان بينهما سنتان، ولذلك قال بعض العلماء: إن =(3/696)=@ ذكر الأحزاب هنا وهم، وإنما كانت غزوة ذات الرقاع، فإنها كانت في الرابعة من الهجرة، كما قدمناه آنفًا.
قال الشيخ - رحمه الله -: ويمكن أن يقال: لا وهم في ذلك؛ لإمكان أن يكون ابن عمر في غزوة أحد دخل في أول سنة أربع عشرة من حين مولده، وذلك في شوال في غزوة أحد، ثم كملت له سنة (4) أربع عشرة في شوال من السنة الآتية، ثم دخل في (5) الخامسة (6) عشر (7) إلى شوالها الذي كانت فيه غزوة الأحزاب، فأراد (8) : أنه (9) كان في غزوة أحد في أول الرابعة، وفي غزوة الأحزاب في آخر الخامسة. والله تعالى أعلم.
وقد تمسكت طائفة من العلماء بهذا الحديث: على أن خمس عشرة سنة (10) سن (11) (12) بلوغ لمن لم يحتلم (13) ولا حاضت، وهو قول الشافعي، والأوزاعي، وابن حنبل، وابن وهب من أصحابنا (14) . وأبى ذلك مالك، وأبو حنيفة، وغيرهما من الحجازيين، والمدنيين، والكوفيين. قال مالك: لا يحكم لمن لم يحتلم بحكم البلوغ حتى يبلغ ما لا يبلغه أحد (15) إلا احتلم، وذلك: سبع عشرة. ورأوا: أن حديث ابن عمر إنما موجبه الفرق بين من يطيق القتال، ويسهم (16) له، وهو ابن خمس عشرة سنة (17) ، ومن (18) لا يطيقه، فلا يسهم (19) له، فيجعل في (20) العيال. وهذا هو الذي فهم (21) عمر بن عبدالعزيز من الحديث.
ولم يختلف في: أن الحلم والحيض بلوغ، واختلفوا في الإنبات البيِّن. فمنهم من قال: يستدل به على البلوغ، وبه قال أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وروي عن القاسم، وسالم. وقاله مالك مرَّة. وقال الزهري وعطاء: لا حدّ على من لم يحتلم. وهو قول الشافعي، ولم يراع الإنبات، ومال إليه مالك مرَّة، وقال به بعض أصحابه. =(3/697)=@
وعلى الاختلاف في هذا الأصل اختلفوا في نكاح (22) اليتيمة بمجرد الإنبات. وروي عن الشافعي: أن الإنبات يحكم به في الكفار، فيقتل من أنبت، ويجعل &(3/552)&$
__________
(1) قوله: ((سنة)) سقط من (ب).
(2) قوله: ((سنة)) سقط من (أ).
(3) في (ب): ((هي)) بلا واو.
(4) في (ب): ((ثم كملها سنة)).
(5) قوله: ((في)) سقط من (أ).
(6) في (أ): ((خامسة))، وفي (ح) و(ي): ((الخامس)).
(7) في (ب) و(ح) و(ي): ((عشرة)).
(8) في (ب): ((فإن أراد)).
(9) في (ي): ((به)) بدل ((أنه)).
(10) قوله: ((سنه)) غير واضح في (ح) ويشبه أن يكون: ((بلسنة)).
(11) أشير لها بسهم وكتب [تراجع النسخ؟].
(12) قوله: ((سن)) سقط من (ح) و(أ) و(ي) و(ب).
(13) في (ي): ((لا يحتلم)).
(14) في (ب): ((أصحابيا)).
(15) في (أ): ((أحدًا)).
(16) في (ي): ((فيسهم)).
(17) قوله: ((سنة)) سقط من (أ) و(ب).
(18) في (ح): ((وبين)). وفي (ي): ((وبين من لا يطيقه)).
(19) في (ح) و(ي): ((يقسم)).
(20) قوله: ((فيجعل في)) مطموس في (ح).
(21) في (ب): ((فعل)).
(22) في (م) و(ب): ((إنكاح)).(3/552)
من لم ينبت في الذراري والعيال، ولا يقتل، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في بني قريظة (1) ، وكما يروى فيه مرفوعًا: ((اقتلوا من جرت عليه المواسي)) (2) .
ومن باب النهي عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو (3) ))؛ يعني (4) بالقرآن: المصحف، وقد جاء مفسَّرًا في بعض الطرق (5) . وظاهر هذا النهي: تحريم السفر به =(3/698)=@ مطلقًا، فتستوي فيه الجيوش والسرايا. وهو مذهب مالك، وقدماء (6) أصحابه، وسحنون، وابن حبيب. وذهب أبو حنيفة وغيره: إلى الفرق بين الجيوش العظام فيجاز ذلك فيها (7) ، وبين الصغار فيمنع ذلك فيها (8) ؛ نظرًا إلى العلة التي نص عليها في الحديث، حيث قال: ((فإني لا آمن أن يناله العدو))؛ ونيل (9) العدو له في الجيوش العظام نادر. ولأصحاب القول الأول بعد تسليم العلة المذكورة التمسك بسدّ الذريعة، وبأن نسيانه، وسقوطه ليس نادرًا.
وقوله :((فإني لا آمن أن يناله العدو))؛ ظاهره: أنه من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه متصل بما تقدَّم من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك رواه (10) جماعة من الحفاظ الثقات متصلة به، ومن كلامه - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك رواه عبدالرحمن بن مهدي، وابن وهب عن مالك، غير أن يحيى بن يحيى الأندلسي، ويحيى بن بكير روياها من قول مالك (11) ، وموقوفة عليه. ويمكن (12) حمل هذه الرواية على أن مالكًا عرض له شك في رفعها فوقفها عليه، والظاهر رواية الجماعة المتقدمة. &(3/553)&$
__________
(1) أخرجه عبدالرزاق (10/179 رقم18742 و18743)، والحميدي (2/394 رقم888)، وابن أبي شيبة (6/487 و546-547 رقم33114 و33688) في السير، باب من يُنهى عن قتله في دار الحرب، وباب الغزو بالغلمان، وأحمد (4/310 و383)، و(5/311-312)، والدارمي (2/223) في السير، باب حد الصبي متى يقتل؟ وأبو داود (4/561 رقم4404 و4405) في الحدود، باب في الغلام يصيب الحد، وابن ماجه (2/849 رقم2541 و2542) في الحدود، باب من لا يجب عليه الحد، والترمذي (4/132 رقم1584) في السير، باب ما جاء في النزول على الحكم، والنسائي (6/155 رقم3430) في الطلاق، متى يقع طلاق الصبي، و(8/92 رقم4981) في قطع السارق، باب حد البلوغ ...، والطحاوي (3/216 و217)، والطبراني في "الكبير" (17/163 و163-164 و164 و165 رقم428- 438)، والحاكم (2/123)، و(3/35)، و(4/390)، والبيهقي (9/63). جميعهم من طريق عبدالملك بن عمير، قال: حدثني عطية القرظي، قال: كنت من سبي قريظة، كانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قتل، ومن لم ينبت الشعر لم يقتل، وكنت فيمن لم ينبت .
وفي لفظ: قال: فكشفوا عانتي فوجدوها لم تنبت، فجعلوني في السبي.
وقد رواه عن عبدالملك بن عمير جماعة، وهم: سفيان بن عيينة، والثوري، وزهير، وشعبة، وأبو عوانة، وهشيم، ومعمر، وشريك، وحماد بن سلمة، وعبيدالله بن عمرو، ويزيد بن عطاء، ومحمد بن يوسف. قال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح)). وقال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وله طرق عن عبدالملك بن عمير، منهم: الثوري، وشعبة، وزهير))، ووافقه الذهبي .
(2) هو: حُكْم سعد بن معاذ على بني قريظة، وله حكم المرفوع حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لقد حكم فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سموات)). أخرجه النسائي في "ألكبرى" (2823)، والبزار (1091)، وعبد بن حميد (149)،والحارث في "مسنده -زوائد) (693) من طريق سعد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: حكم سعد بن معاذ يومئذ أن يقتل من جرت عليه المواسي. الحديث .
(3) قوله: ((قوله - صلى الله عليه وسلم - ....)) إلى هنا سقط من (ح) و(ي).
(4) في (ح): ((ويعني)).
(5) أخرجه أحمد (2/76)، وابن أبي داود في "المصاحف" (ص206 و207-208).
(6) قوله: ((قدماء)) سقط من (أ).
(7) قوله: ((فيها)) سقط من (ح).
(8) قوله: ((فيها)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(9) في (ح): ((وقيل)). [تراجع].
(10) في (أ): ((رواها)).
(11) قال الحافظ في "الفتح"(6/133-134): ((وأورده ابن ماجة من طريق عبدالرحمن بن مهدي عن مالك، وزاد مخافة أن يناله العدو رواه بن وهب عن مالك، فقال: خشية أن يناله العدو. وأخرجه أبو داود القعنبي عن مالك فقال: قال مالك: أراه مخافة، فذكره. قال أبو عمر: كذا قال يحيى بن يحيى الأندلسي، ويحيى بن بكير، وأكثر الرواة عن مالك جعلوا التعليل من كلامه ولم يرفعوه ، وأشار إلى أن بن وهب تفرد برفعها، وليس كذلك لما قدمته من رواية بن ماجه، وهذه الزيادة رفعها ابن إسحاق أيضًا كما تقدم، وكذلك أخرجها مسلم، والنسائي، وابن ماجه، من طريق الليث، عن نافع، ومسلم من طريق أيوب بلفظ: فإني لا آمن أن يناله العدو، فصح أنه مرفوع وليس بمدرج، ولعل مالكًا كان يجزم به، ثم صار يشك في رفعه، فجعله من تفسير نفسه)).اهـ.
(12) في (ب): ((ويحتمل))، وكتب فوقها: ((يمكن)).(3/553)
وفي هذا الحديث ما يدل على أنه لا يمكن العدو من المصحف، ولا من بعضه؛ لئلا يستهزئ (1) بذلك، ويستخفوا (2) به. وأيضًا فإنهم على نجاسة وجنابة، ولا يعترض هذا بكتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لهرقل (3) (4) ، لما قدَّمناه في حديثه.
وقول أيوب: ((فقد (5) ناله العدو وخاصموكم به))؛ يعني به (6) : أنكم لما خالفتم ما قال (7) لكم نبيكم، فمكنتم عدوكم من المصحف نالوه، وتوجهت حجتهم (8) عليكم، من حيث مخالفتكم نبيكم، وأيضًا: فلما وقفوا عليه وجدوا فيه ما (9) يشهد عليكم بالمخالفة، مثل قوله تعالى: {إن يكن منكم عشرون صابرون} الآيتين (10) ، وغير ذلك من (11) الآيات التي ترك العمل بها. =(3/699)=@
ومن باب المسابقة بالخيل
قوله: ((سابق بالخيل التي قد (12) أضمرت من الحفياء (13) ))؛ المسابقة مفاعلة، ولا تكون إلا من (14) اثنين، وذلك: أن المتسابقين إذا جعلا غاية، وقصدا نحوها، فإن خيل كل واحد منهما يسابق صاحبه إليها. وإضمار الخيل: هو أن تسمن وتصان، ثم يقلل علفها، ثم تُجرى على التدريج، وتجلل ليجف (15) عرقها، فتتصلب بفعل ذلك بها، حتى يذهب لحمها، وتبقى (16) فيها (17) القوة. والموضع الذي تضمر فيه يسمى مضمارًا (18) .
و((الحفياء)): موضع. و((الأمد)): الغاية. وبين الحفياء وثنيه الوداع خمسة أميال أو ستة على ما قاله سفيان. وقال ابن &(3/554)&$
__________
(1) في (ب): ((يستهزوا)).
(2) في (ي): ((ويستخف)).
(3) في (ح): ((إلى هرقل)).
(4) تقدم في كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام .
(5) في (ح): ((وقد)).
(6) قوله: ((به)) سقط من (ح).
(7) في (ب) و(ح): ((ما قاله)).
(8) في (ح): ((حجته)).
(9) قله: ((عليه وجدوا فيه ما)) مطموس في (ح).
(10) سورة الأنفال ، الآية: 65-66 .
(11) قو: ((وغير ذلك من)) مطموس في (ح).
(12) قوله: ((قد)) سقط من (ي).
(13) في (ي): يشبه أن تكون ((من الحيفا)).
(14) في (أ): ((بين)) بدل ((من)).
(15) في (ي): ((ليخف)).
(16) قوله: ((تبقى)) بالياء والتاء معًا في (أ)، وفي (ب): ((فتبقى)).
(17) في (ح): ((فيه)).
(18) من قوله: ((والموضع...)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ي).(3/554)
عقبة (1) : ستة أميال، أو سبعة. وسميت ثنية الوداع بذلك: لأن الخارج منها يودع مشيعهُ (2) عندها، وهي التي قالت فيها نساء الأنصار: طلع البدرعلينا من ثنيات الوداع (3) فيما يحكى (4) ؛ يعنون بذلك رسول الله (5) - صلى الله عليه وسلم - . وبين الثنيه ومسجد بني زريق (6) ميل واحد. و((زريق)) بتقديم الزاي وهو (7) الصواب. =(3/700)=@
ولا خلاف في جواز تضمير الخيل والمسابقة بها على الجملة، وكذلك المسابقة (8) الإبل، وعلى (9) الأقدام، كما جرى (10) فى حديث سلمة بن الأكوع (11) ، وكذلك المراماة (12) بالسهام، واستعمال الأسلحة، ولاشك في جواز شيء من ذلك؛ إذا لم تكن (13) هنالك (14) مراهنة؛ لأن ذلك كله مما ينتفع به في الحروب، ويحتاج إليه. وإنما (15) اختلفوا: هل ذلك من باب الندب (16) ، أو من باب الإباحة إذا لم يحتج (17) إلى ذلك، فإن احتيج إلى شيء من ذلك كان حكمه بحسب الحاجة. وأما المراهنة: فأجازها (18) على الجملة مالك، والشافعي في الخفّ والحافر، والنصل، وذلك على ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((لا سبق إلا في خف، أو حافر، أو نصل)) (19) ، على أنه لا يروى هذا الحديث بإسناد صحيح، وهو مع (20) ذلك مشهور عند العلماء، متداول بينهم. وقد منع (21) بعض العلماء الرهان في كل شيء (22) إلا في &(3/555)&$
__________
(1) في (ح): ((ابن عيينة)).
(2) في (ي): يشبه أن تكون ((نشيعه)).
(3) أخرجه البخاري (6/191 رقم3083) في الجهاد، باب استقبال الغزاة، و(8/126 و126-127 رقم4426 و4427) في المغازي، باب كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى وقيصر، من حديث السائب بن يزيد قال: أذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ثنية الوداع مقدمه من غزوة تبوك. ليس فيه: طلع البدر علينا وما اشتهر من قول النسوة عند قدوم النبي ? من مكة إلى المدينة مهاجرًا:
طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع، فلا يصح.
قال الحافظ في "الفتح" (8/129): ((وقد روينا بسند منقطع في "الحلبيات" قول النسوة لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع، فقيل: كان ذلك عند قدومه في الهجرة، وقيل: عند قدومه من غزوة تبوك)).اهـ. لكن لا شك أن ما ورد في البخاري أصح .
(4) قوله: ((فيما يحكى)) ورد في (ب) و(ح) و(ي) قبل قوله: ((طلع البدر علينا)).
(5) في (ي): ((النبي ?)).
(6) في (ح): ((رزيق)).
(7) في (ب) و(ح) و(ي): ((هو)) بلا واو.
(8) ليست في (ح) و(أ).
(9) في (ب): ((ولا على)).
(10) قوله: ((جرى)) سقط من (ب) وفي (ي): لم تتضح.
(11) تقدم في باب في غزوة ذي قرد وما تضمنه من الأحكام .
(12) في (ح): ((المرامات)).
(13) في (ح): ((يكن)).
(14) قوله: ((هنالك)) سقط من (أ).
(15) في (ح): ((إنما)).
(16) في (ي): ((المندب)).
(17) قوله: ((لم يحتج)) لم يتضح في (ي).
(18) قوله: ((فأجازها)) لم يتضح في (ي).
(19) 1 - أخرجه ابن الجعد (ص405 رقم2759 و2760)، وأحمد (2/474)، وأبو داود (3/63-64 رقم2574) في الجهاد، باب في السبق، والترمذي (4/178 رقم1700) في الجهاد، باب ما جاء في الرهان والسبق، والنسائي (6/226 رقم3585 و3586) في الخيل، باب السبق، والطحاوي في "مشكل الآثار" (5/148-149 و149 رقم1888-1892)، وابن حبان (10/544 رقم4690 /الإحسان)، والطبراني في"الصغير" (1/52 رقم50)، والبيهقي (10/16)، والبغوي في "شرح السنة" (10/393 رقم2653). جميعهم من طريق ابن أبي ذئب،عن نافع بن أبي نافع، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل)). قال الترمذي: ((حديث حسن)). قال الألباني في "الإرواء" (5/333): ((وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات)).
2 - وأخرجه أحمد (2/256 و385 و424-425)، وابن ماجه (2/960 رقم 2878) في الجهاد، باب السبق والرهان، والنسائي (6/227 رقم3589) في الموضع السابق، والطحاوي في "مشكل الآثار" (5/146 و148 رقم 1884 و1887)، والبيهقي (10/16). جميعهم من طريق محمد بن عمرو، عن أبي الحكم مولى بني ليث، عن أبي هريرة، به .
وأبوالحكم: مقبول، كما في "التقريب" (ص1136 رقم8119). وقد توبع كما ترى.
3 - وأخرجه أحمد (2/358)،والطحاوي في "مشكل الآثار" (5/147 رقم1885). كلاهما من طريق أبي الأسود، عن سليمان بن يسار، عن أبي صالح مولى الجندعيين، عن أبي هريرة، به . وأبو صالح لم ينسب في رواية أحمد.
وأخرجه البخاري في"التاريخ الكبير" (4/277) عن ابن بكير، عن الليث، عن خالد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي الأسود، عن صالح مولى الجندعيين.
لكن ذكر ابن أبي حاتم في "بيان خطأ البخاري في "تاريخه" (ص49 رقم220) أن صوابه: أبو صالح مولى الجندعيين، كما حكاه عن أبيه.
وأخرجه البخاري في "الكنى من التاريخ الكبير" (8/48)، والنسائي (6/226-227 رقم3587) في الموضع السابق. كلاهما من طريق الليث، عن عبيدالله بن جعفر، عن محمد بن عبدالرحمن، عن سليمان بن يسار، عن أبي عبدالله مولى الجندعيين، عن أبي هريرة، به .
قال ابن عبدالبر في "الاستغناء" (3/1355 و1376 و1377 رقم1970 و2024): ((وقد اختلفوا في الإسناد، فقال بعضهم عن أبي عبد الله مولى الدندعيين، وقال بعضهم: عن أبي صالح مولى الجندعيين)).اهـ. بتصرف.
وقال الحافظ في"التهذيب" (4/548): ((قال الذهلي: أبو عبدالله هذا، هو نافع بن أبي نافع، الذي روى عنه نعيم المجمر، وابن أبي ذئب، وقد سمع من أبي هريرة)).
قال الألباني في "الإرواء" (5/334): ((فإن صح هذا، فهذه الطريق والأولى واحدة)).
والحديث صححه ابن القطان ،وابن دقيق العيد، كما في "التلخيص الحبير" (4/297).
(20) قوله: ((مع)) لم يتضح في (ي).
(21) في (ح): ((يمنع)).
(22) قوله: ((شيء)) سقط من (ي).(3/555)
الخيل؛ لأنها التي كانت عادة العرب المراهنة عليها. وروي عن عطاء: السبق في كل (1) شيء جائز. وقد تأول عليه؛ لأن حمله على العموم في كل شيء يؤدي إلى إجازة القمار. وهو محرم باتفاق. ثم إن الذين أجازوا الرهان شرطوا فيها شروطًا، وذكروا لها صورًا منها متفق على جوازها، ومنها متفق على منعها، ومنها مختلف فيها. فالمتفق عليها: أن يخرج (2) الإمام أو غيره (3) متطوَّعًا سبقًا ولا فرس له في الحلبة (4) ، فمن سبق فله ذلك السبق (5) . وأما المتفق على منعه: فهو (6) أن (7) يخرج كل واحد من المتسابقين سَبقًا، ويشترط أنه إن سبق أمسك سبقه، وأخذ سبق صاحبه. فهذا قمار، فلا (8) يجوز باتفاق؛ إذا لم يكن بينهما محللاً. فإن أدخلا بينهما محلل (9) يكون له السبق، ولا يكون عليه شيء إن سُبق. فهذه مما اختلف فيها (10) ، فأجازها =(3/701)=@ ابن المسيب، والشافعي، ومالك مرَّة، والمشهور عنه: أنه لا يجوز.
قال الشيخ رحمه الله: والصحيح: جوازه إن كان المحلل لا يأمن أن يُسبق؛ لما خرَّجه أبوداود (11) عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أدخل فرسًا بين فرسين، وهو لا يأمن أن يُسبق فليس بقمار، ومن أدخله وقد أمن أن يُسبق فهو قمار)). وأما إذا لم يكن بينهما محلل لم يجز؛ لأن مقصودهما المخاطرة، والمقامرة. وهو مذهب الزهري، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق. وقد حُكي فيها الاتفاق، فلو كان للوالي أو غيره فرس في الحلبة، فيخرج سبقًا له (12) على أنه إن سبق هو حبس سبقه، وإن سُبق أخذ السبق السابق؛ فأجازها الليث، والشافعي، والثوري، وأبو حنيفة، وهو أحد أقوال مالك؛ لأن الأسباق على ملك أربابها، وهم فيها على ما شرطوه. ومنع ذلك مالك (13) في قول آخر، وبعض أصحابه، وربيعة، والأوزاعي، وقالوا: لا يرجع إليه شيء (14) ، وإنما يأكله من حضر إن سبق مُخرجه، إن (15) لم يكن مع المتسابقين ثالث. &(3/556)&$
__________
(1) في (ي): ((لأن حله في كل شيء)).
(2) قوله: ((يخرج)) مطموس في (ح).
(3) قوله: ((أو غيره)) مطموس في (ح).
(4) في (أ): ((الجلبة)).
(5) في (أ) بعد هذا فراغ بمقدار سطر ونصف. هل الكلام متصل؟ يراجع
(6) قوله: ((فهو)) سقط من (أ).
(7) في (أ): ((فأن)).
(8) في (أ) و(ب): ((لا)).
(9) أشير لها بسهم وكتب [كذا في (ح)].
(10) قوله: ((فيها)) سقط من (ح). وفي (ي): ((فهذه مختلف فيها)).
(11) أخرجه أحمد (2/505)، وأبو داود (3/66-67 رقم2579) في الجهاد، باب المحلل، وابن ماجه (2/960 رقم 2876) في الجهاد، باب السبق والرهان، وأبو يعلى (10/259 رقم5864)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (5/155 و156 رقم 1897 و1898)، والدارقطني (4/111 و305)، والحاكم (2/114) والبيهقي (10/20)، والبغوي في "شرح السنة" (10/395-396 رقم2654) من طريق ابن الجعد. جميعهم من طريق سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، فذكره مرفوعًا .
وقد توبع سفيان على روايته:
فأخرجه أبو داود (3/67 رقم2580) في الموضع السابق، وابن عدي (3/372)، والحاكم (2/114)، والبيهقي (10/20)، والطبراني في "الصغير" (1/285 رقم470). جميعهم من طريق هشام بن خالد، عن الوليد بن مسلم، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، به .
قال الطبراني: ((لم يروه عن قتادة إلا سعيد، ولا عنه إلا الوليد، تفرد به هشام بن خالد)). قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد، فإن الشيخين وإن لم يخرجا حديث سعيد بن بشير، وسفيان بن حسين، فهما إمامان بالشام والعراق، وممن يجمع حديثهم، والذي عندي أنهما اعتمدا حديث معمر على الإرسال، فإنه أرسله عن الزهري)). ووافقه على ذلك الذهبي.
وليس كما قالا، فإن سفيان بن حسين، ضعيف في روايته عن الزهري. قال أحمد بن حنبل: ليس بذاك في حديثه عن الزهري، وقال ابن معين: ليس به بأس، وليس من كبار أصحاب الزهري، وقال أيضًا: وحديثه عن الزهري ليس بذاك، إنما سمع منه بالموسم .
وفي "التقريب" (ص393 رقم2450): ((ثقة في غير الزهري باتفاقهم)).
وأما متابعة سعيد بن بشير، فقد قال عنها ابن عدي: ((والحديث عن سعيد بن بشير، عن الزهري، أصوب من سعيد بن بشير، عن قتادة؛ لأن هذا الحديث في حديث قتادة ليس له أصل، ومن حديث الزهري له أصل، قد رواه عن الزهري سفيان بن حسين أيضًا)).
قال الألباني في "الإرواء" (5/341): ((وما قاله ابن عدي أن الحديث عن سعيد بن بشير عن الزهري هو الصواب، وذكر قتادة فيه خطأ من هشام بن خالد الأزرق على الوليد بن مسلم، فقد رواه هشام بن عمار ومحمود بن خالد، عن الوليد على الصواب. وخلاصة القول: أنه اتفق سفيان بن حسين وسعيد بن بشير على روايته عن الزهرىِ به)).اهـ. وقال أشار إلى إعلاله أبو داود فقال عقب روايته: (( رواه معمر، وشعيب، وعقيل، عن الزهري، عن رجال من أهل العلم، وهذا أصح عندنا)). اهـ.
وقال أبو حاتم - كما في "العلل" لابنه (2/319 رقم2471): ((وأرى أنه كلام سعيد بن المسيب)).
وقال الحافظ في "التلخيص"(4/300): ((وقال أبو حاتم: أحسن أحواله أن يكون موقوفًا على سعيد بن المسيب، فقد رواه يحيى بن سعيد، عن سعيد قوله، انتهى، وكذا هو في "الموطأ" عن الزهري، عن سعيد قوله، وقال ابن أبي خيثمة: سألت ابن معين عنه؟ فقال: هذا باطل، وضرب على أبي هريرة، وقد غلَّط الشافعي سفيان بن حسين في روايته عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، حديث: ((الرجل جبار))، وهو بهذا الإسناد أيضًا)).اهـ.
وحديث "الموطأ" الذي أشار إليه الحافظ: أخرجه مالك (2/468 رقم46) في الجهاد، باب في الخيل والمسابقة بينهما، والنفقة في الغزو، عن يحيى بن سعيد: أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: ليس برهان الخيل بأس، إذا دخل فيها محلل. فإن سَبق أخذ السبق، وإن سُبِق لم يكن عليه شيء .
وانظر"الإرواء" (5/340-342 رقم1509).
(12) قوله: ((له)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(13) قوله: ((مالك)) سقط من (ي).
(14) في (ح) و(ب) و(ي): ((سبقه)) و(أ).
(15) في (ي): ((وإن)).(3/556)
والمسابقة عقد لازم كالإجارة (1) ، فيشترط في السَبق ما يشترط في الأجرة من انتفاء الغرر والجهالة. ومن شرط جوازها: أن تكون الخيل متقاربة في النوع والحال. فمتى جهل (2) حال أحدها، أو كان مع غير نوعه، كان السبق قمارًا باتفاق.
وقول ابن عمر رضي الله عنهما: ((فجئت سابقًا، فطفف بي الفرس المسجد))؛ أي: زاد على =(3/702)=@ الغاية المفروضة. وأصل التطفيف: العلو (3) ومجاوزة الحد. ومنه قالوا: طفّ (4) كذا؛ أي: علا. وإناء طفان؛ أي: علا (5) ما فيه. ومنه: التطفيف في الكيل؛ فإنه إذا أخذ لنفسه فقد علا (6) على الحق. وإذا نقص غيره فقد أعلى حقه على حقه.
وقوله: ((الخيل (7) معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة (8) ))؛ هذا الكلام جمع من أصناف البديع ما يعجز عنه كل بليغ، ومن سهولة الألفاظ ما يعجب (9) ، ويستطاب.
و((النواصي)): جمع ناصية، وهي: الشعر المنسدل على الجبهة. ويقال (10) : ناصية وناصاة لغتان، والمراد بنواصي الخيل هنا: ذات الخيل نفسها عبّر بالجزء عن الجملة (11) .
و((إلى يوم القيامة)) متعلق بـ((معقود))، ويُفهم منه: دوام حكم الجهاد إلى يوم المعاد مع البر والفاجر (12) . و((الأجر والغنيمة)) تفسير للخير المذكور. وهو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف. وهذا المعنى هو الذي عبّر عنه بالبركة في حديث أنس (13) .
ولَىُّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ناصية فرسه بيده؛ ليحسنها، ويتعاهدها، ويكرمها بذلك، كما قال (14) : ((ارتبطوا الخيل، وامسحوا بنواصيها، وأكفالها، وجلودها)) (15) . =(3/703)=@
وقول أبي هريرة – رضي الله عنه -: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكره الشكال من الخيل))؛ يحتمل أن يكون كره اسم الشكال من جهة اللفظ؛ لأنه يشعر بنقيض ما تُراد الخيل له (16) . وهذا كما قال: ((لا أحبُّ العقوق)) (17) ، ويحتمل أن يكرهه لما يقال: إن حوافر المشكل وأعضاءه ليس فيها من القوة ما فيما ليس كذلك. وقد جاء الشكال مفسَّرًا في تلك الرواية تفسيرًا ليس معروفًا عند اللغويين. قال أبو عبيد: الشكال: أن تكون منه (18) ثلاث قوائم محجلة وواحدة مطلقة، أو تكون ثلاث قوائم مطلقة وواحد (19) محجلة. ولا يكون الشكال إلا في الرِّجل، لا (20) يكون في اليد. وقال ابن دريد: &(3/557)&$
__________
(1) في (أ): ((كالإجازة)).
(2) في (ب) و(ح) و(ي): ((علم)).
(3) في (ح): ((العلو))) و(ي). [تراجع].
(4) في (ح) و(ي): ((طفف)).
(5) في (ي): ((غلى)).
(6) في (ي): ((غلى)).
(7) في (ب) و(خ) و(ي): ((والخيل)).
(8) قوله: ((إلى يوم القيامة)) سقط من (أ) و(ح) و(ي).
(9) في (ي): ((ما يعذب)).
(10) في (أ): ((يقال)) بلا واو.
(11) من قوله: ((ويقال ناصية...)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(12) قوله: ((مع البر والفاجر)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(13) زاد بعد ذلك في (أ) نصًّا ضرب على بعضه وبقى منه: ((لكن الجمع بينه وبين هذا بأن يكون الشؤم في غير هذه التي ارتبطت للجهاد وقيل في الشؤم أن معناه على اعتقاد الناس في ذلك لا أنه خبر من النبي ? في إثبات الشؤم وقد قالت عائشة رضي الله عنها إنما كان رسول الله ? يحدث عن أقوال الجاهلية)).
(14) في (ي): ((كما قالوا)).
(15) أخرجه أحمد (4/345)، وعنه الطبراني في "الكبير" (22/380-381 رقم949)، والبيهقي (6/330). وأخرجه أبو داود (3/53 رقم2553) في الجهاد، باب إكرام الخيل، وارتباطها، والمسح على أكفالها، والنسائي (6/218-219 رقم3565) في الخيل، باب ما يستحب من شية الخيل ،وأبو يعلى (13/ 114-115 رقم7170)، والدولابي في "الكنى والأسماء" (1/59)، وابن الأثير في "أسد الغابة" (6/329). جميعهم من طريق محمد بن المهاجر، عن عقيل بن شبيب، عن أبي وهب الجشمي - وكانت له صحبة - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((ارتبطوا الخيل، وامسحوا بنواصيها وأعجازها، أو قال: أكفالها، وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار)).
وفي سنده: عقيل بن شبيب، مجهول. كما في "التقريب" (ص686 رقم4694).
واختلف في صحبة أبي وهب الجشمي، فأثبت له الصحبة: ابن الأثير في "أسد الغابة" (6/329)، وابن عبدالبر في "الاستيعاب" (12/182-183/بهامش الإصابة"، وابن السكن، وأبو أحمد الحاكم، كما في "الإصابة" (12/93)، والمزي في "تهذيب الكمال" (34/394 رقم7694)، وتبعه الحافظ في "التقريب" (ص1221 رقم8507).
ومال أبو حاتم إلى أنه أبو وهب الكلاعي، صاحب مكحول، فقد قال ابن ابي حاتم في "العلل"(2/312-313 رقم2451): قال أبي: سمعت هذا الحديث من فضل الأعرج، وفاتني من أحمد، وأنكرته في نفسي، وكان يقع في قلبي أنه أبو وَهْب الكلاعي صاحب مكحول، وكان أصحابنا يستغربون، فلا يمكنني أن أقول شيئًا لما رواه أحمد، ثم قدمت حمص فإذا قد حدثنا بن المصفى، عن أبي المغيرة؛ قال: حدثني محمد بن مهاجر؛ قال: حدثني عقيل بن سعيد، عن أبي وهب الكلاعي؛ قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - . وأخبرنا أبو محمد: قال: وحدثنا به أبي مرَّة أخبرنى قال: حدثنا هشام عن عمار بن يحيى بن حمزة، عن أبن وَهْب، عن سُلَيْمان بن موسى؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال أبي: فعلمت أن ذلك باطل، وعلمت أن إنكاري كان صحيحًا، وأبو وَهْب الكلاعي هو صاحب مكحول الذي يروي عن مكحول، واسمه عبيدالله بن عُبَيْد، وهو دون التابعين، يروي عن التابعين وضربه مثل الأوزاعي ونحوه، فبقيت متعجبًا من أحمد بن حنبل كيف خفي عليه، فإني أنكرته حين سمعت به قبل أن أقف عليه .
قلت لأبي: هو عقيل بن سعيد، أو عقيل بن شبيب؟ قال: مجهول لا أعرفه .اهـ.
ومال الحافظ في "الإصابة" (12/93) إلى ما قاله أبو حاتم. والحديث ضعفه الألباني في تعليقه على "المشكاة" (2/1139 رقم3881) وانظر "بيان والوهم والإيهام" (4/381-383).
(16) في (ب): ((له الخيل)).
(17) تقدم تخريجه في باب استغراق الليل بالنوم من آثار الشيطان، من كتاب الصلاة .
(18) في (ي): ((مثله)).
(19) في (أ) و(ب) و(ي): ((وواحدة)).
(20) في (ح) و(ي): ((ولا)).(3/557)
هو أن يكون تحجيله في يد ورجل من شق واحد، فإن كان مخالفًا قيل: شكال مخالف. وقال أبو عمر المطرز: هو بياض (1) الرِّجل اليمنى واليد اليمنى. وقيل: بياض الرجل اليسرى (2) واليد اليسرى. وقيل: بياض الرجلين. وقيل: بياض اليدين والرجل الواحدة. وقيل: بياض الرجلين ويد واحدة (3) . وهذه أقوال اللغويين، وليس فيها ما يوافق ذلك التفسير إلا ما حكاه (4) ابن دريد من قوله (5) : الشكال: =(3/704)=@ المخالف (6) ، فإن صح أن ذلك من قول النبي (7) - صلى الله عليه وسلم - فهو أحق (8) . والله تعالى أعلم (9) .
وإن كان ذلك من قول بعض الرواة فالمعروف عند اللغويين ما قدَّمته من قول أبي عبيد.
ومن باب الترغيب في الجهاد
قوله: ((فهو عليّ ضامن))؛ قيل فيه: هو بمعنى مضمون. كما قالوا: ماء دافق؛ أي: مدفوق (10) ، و: لا عاصم اليوم (11) ؛ أي: معصوم. وقيل معناه: ذو ضمان. كما قال في الحديث الآخر :(( تكفل الله))؛ أي: ضمن. وهذا كله عبارة عن أن هذا الجزاء لا بد منه؛ إذ قد سبق هذا في علمه ونافذ حكمه. وعن هذا المعنى عبَّر بقوله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} (12) الآية (13) ؛ لأن من اشترى شيئًا تعين عليه ثمنه، وكذلك من ضمنه. &(3/558)&$
__________
(1) في (ح): ((هو ما بين)).
(2) قوله: ((واليد اليمنى وقيل الرجل اليسرى)) سقط من (ح). وقوله: ((واليد اليمنى وقيل بياض الرجل اليسرى)) سقط من (ي).
(3) في (ح) و(ي): ((واليد الواحدة)).
(4) في (أ): ((قاله)).
(5) قوله: ((قوله)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(6) في (أ): ((شكال مخالف)).
(7) في (ب): ((قول الرسول ?)).
(8) في (ب): ((أحسن))، وفي (ح) و(ي): ((حق)).
(9) في (أ) و(ي) و(ح) و(ب): ((والله ورسوله أعلم)).
(10) قوله: ((أي مدفوق)) سقط من (ح) و(ي).
(11) قوله: ((اليوم)) سقط من (أ) و(ب) و(ي).
(12) سورة التوبة؛ الآية: 111.
(13) أشير لها بسهم وكتب: [كذا في (ح)].(3/558)
وقوله: ((أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه))؛ يعني: أن الله تعالى =(3/705)=@ ضمن له إحدى الحسنيين؛ إما الشهادة، فيصير إلى الجنة حيًّا يرزق فيها، وإما الرجوع إلى وطنه بالأجر والغنيمة.
وقوله: ((نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة))؛ كذا لأكثر الرواة، بـ((أو)) وهي هنا بمعنى الواو الجامعة على مذهب الكوفيين، وأنشدوا (1) :
نال (2) الخلافة أو كانت له قدرًا ... كما أتى ربه موسى على قدر
وقد دلَّ على هذا المعنى رواية أبي داود لهذه اللفظة، فإنه قال فيها: ((من أجر وغنيمة (3) )) (4) بالواو الجامعة. وقد رواه بعض رواة كتاب مسلم بالواو. وذهب بعض العلماء إلى أنها(( أو)) على بابها لأحد الشيئين، وليست بمعنى الواو. وقال: إن الحاصل لمن لم يستشهد من الجهاد أحد الأمرين: إما الأجر؛ إن لم يغنم، وإما الغنيمة ولا أجر. وهذا ليس بصحيح؛ لما يأتي من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أنه قال: ((ما من غازية تغزو فيصيبوا ويغنموا إلا تعجلوا بثلثي (5) أجرهم (6) من الآخرة، ويبقى لهم الثلث)) (7) ، وهذا نص في: أنَّه يحصل له (8) مجموع الأجر والغنيمة. فالوجه: التأويل الأول (9) . والله تعالى أعلم.
وقوله: ((ما من كلم (10) يكلم في سبيل الله))؛ أي: ما من جرح يجرح في الجهاد الذي يبتغى به وجه الله.
وقوله: ((إلا جاء يوم القيامة كهيئته (11) حين كلم))؛ فيه دليل: على أن (12) الشهيد لا يغسل. وهو قول الجمهور. وقد (13) تقدم في الجنائز. =(3/706)=@
وقوله: ((لونه (14) لون دم، وريحه (15) ريح مسك (16) ))، وفي الرواية الأخرى: ((وجرحه (17) يثعب دمًا))؛ أي: يسيل. وقد يستدل بهذا على أن تغير (18) ريح الماء بالمخالط &(3/559)&$
__________
(1) أي: جرير، انظر "ديوانه" (ص300).
(2) في (ح): ((نالت)). [تراجع في (ح) ل145 أ].
(3) في (ح): ((أو غنيمة)).
(4) أخرجه أبو داود (3/16-17 رقم2494) في الجهاد، باب فضل الغزو في البحر، والطبراني في "الكبير" (8/100-101 رقم7493). كلاهما من طريق سليمان بن حبيب، عن أبي أمامة الباهلي، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثلاثة كلهم ضامن على الله عز وجل ...))، فذكره .
وصححه ابن حبان (2/251-252 رقم499) لكن ليس فيه موطن الشاهد. وصححه الحاكم (2/73-74)، ووافقه الذهبي. وصححه الحافظ في "الفتح" (6/8)، والألباني في "صحيح الأدب المفرد" (ص422 رقم1094)، وتعليقه على "المشكاة" (1/226-227 رقم727).
(5) في (ب): ((ثلثي)).
(6) في (ح): ((أجورهم)).
(7) سيأتي في باب الغنيمة نقصان من الأجر، وفيمن مات ولم ينو الغزو، وفيمن تمنى الشهادة .
(8) في (ي): ((لهم)).
(9) قال الحافظ في "الفتح" (6/8): ((قوله: ((مع أجر أو غنيمة))؛ أي مع أجر خالص إن لم يغنم شيئًا، أو مع غنيمة خالصة معها أجر، وكأنه سكت عن الأجر الثاني الذي مع الغنيمة لنقصه بالنسبة إلى الأجر الذي بلا غنيمة، والحامل على هذا التأويل أن ظاهر الحديث؛ أنه إذا غنم لا يحصل له أجر وليس ذلك مرادًا بل المراد أو غنيمة معها أجر أنقص من أجر من لم يغنم؛ لأن القواعد تقتضي أنه عند عدم الغنيمة أفضل منه وأتم أجرًا عند وجودها، فالحديث صريح في نفي الحرمان وليس صريحًا في نفي الجمع. وقال الكرماني: معنى الحديث أن المجاهد إما يستشهد أو لا، والثاني لا ينفك من أجر أو غنيمة مع إمكان اجتماعهما، فهي قضية مانعة الخلو لا الجمع، وقد قيل في الجواب عن هذا الإشكال إن (( أو)) بمعنى الواو، وبه جزم ابن عبدالبر والقرطبي ورجحها التوربشتي، والتقدير بأجر وغنيمة. وقد وقع كذلك في رواية لمسلم من طريق الأعرج، عن أبي هريرة، رواه كذلك عن يحيى بن يحيى، عن مغيرة بن عبدالرحمن، عن أبي الزناد. وقد رواه جعفر الفريابي وجماعة عن يحيى بن يحيى فقالوا: أجر أو غنيمة بصيغة (( أو))، وقد رواه مالك في "الموطأ" بلفظ: أو غنيمة، ولم يختلف عليه إلا في رواية يحيى بن بكير عنه فوقع فيه بلفظ: وغنيمة. ورواية يحيى بن بكير عن مالك فيها مقال. ووقع عند النسائي من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة بالواو أيضًا، وكذا من طريق عطاء بن ميناء عن أبي هريرة، وكذلك أخرجه أبو داود بإسناد صحيح عن أبي أمامة بلفظ: بما نال من أجر وغنيمة، فإن كانت هذه الروايات محفوظة تعين القول بأن (( أو)) في هذا الحديث بمعنى الواو، كما هو مذهب نحاة الكوفيين، لكن فيه إشكال صعب؛ لأنه يقتضي من حيث المعنى أن يكون الضمان وقع بمجموع الأمرين لكل من رجع وقد لا يتفق ذلك، فإن كثيرًا من الغزاة يرجع بغير غنيمة، فما فر منه الذي ادعى أن ((أو)) بمعنى الواو وقع في نظيره؛ لأنه يلزم على ظاهرها أن من رجع بغنيمة رجع بغير أجر، كما يلزم على أنها بمعنى الواو أن كل غاز يجمع له بين الأجر والغنيمة معًا. وقد روى مسلم من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص مرفوعًا: ((ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة، ويبقى لهم الثلث، فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم))؛ وهذا يؤيد التأويل الأول، وأن الذي يغنم يرجع بأجر لكنه أنقص من أجر من لم يغنم، فتكون الغنيمة في مقابلة جزء من أجر الغزو، فإذا قوبل أجر الغانم بما حصل له من الدنيا وتمتعه به بأجر من لم يغنم مع اشتراكهما في التعب والمشقة كان أجر من غنم دون أجر من لم يغنم، وهذا موافق لقول خباب في الحديث الصحيح الآتي :" فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئًا " الحديث)).اهـ.
(10) قوله: ((كلم)) ليس في (ح).
(11) في (ح): ((كهيته)).
(12) قوله: ((أن)) سقط من (ي).
(13) قوله: ((وقد)) تكرر في (أ).
(14) في (ح): ((لون)).
(15) قوله: ((وريحه)) مطموس في (ح).
(16) قوله: ((مسك)) مطموس في (ح).
(17) في (ح): ((وحرجه)).
(18) في (ي): ((تعين)).(3/559)
النجس لا يخرجه عن أصله، كما لم يخرج الدم عن كونه دمًا استحالة رائحته إلى رائحة المسك، وهو قول عبدالملك في رائحة الماء أنها لا تفسده، ولا تخرجه عن أصله. وقد استدل به أيضًا على نقيض ذلك، وهو: أن تغير الرائحة يخرجه (1) عن أصله، كما هو مذهب الجمهور (2) . ووجة هذا الاستدلال: أن الدم لما استحالت رائحته إلى رائحة المسك خرج عن كونه مستخبثًا نجسًا، وأنه (3) صار مسكًا، وأن المسك بعض دم الغزال، فكذلك (4) الماء إذا تغيرت رائحته. وأخرج البخاري هذا (5) الحديث في: المياه (6) . وتأول (7) له كلا (8) التأويلين.
وقوله: ((والله أعلم بمن يكلم في سبيله))؛ تنبيه على: وجوب الإخلاص في الجهاد، وتنويه بالمخلص فيه، واستبعاد للإخلاص، وإشعار بقلته.
وقوله: ((وتصديق كلماته))؛ بالجمع. وفي غير كتاب مسلم: ((كلمته (9) )) (10) ، =(3/707)=@ وكله متقارب في المعنى؛ ويعني به: كلام الله تعالى الذي أخبر به عن ثواب الجهاد، وفضل الشهادة.
وسُمى الشهيد شهيدًا؛ لأنه حي يرزق، ويشاهد الجنة، وما أكرمه الله تعالى به. وقيل: لأنه ممن يشهد على الأمم يوم القيامة. وقيل: لأن الله تعالى وملائكته شهدوا له بالرضا والرضوان. فعلى هذا يكون فعيل بمعنى: مفعول؛ أي: مشهود له. وعلى التأويلين الأولين بمعنى: فاعل.
وقوله: ((ما يعدل الجهاد (11) ))؛ أي: ما يعادله ويماثله (12) في الثواب عند الله تعالى.
وقوله: ((لا تستطيعونه (13) ))؛ أي: لا تطيقون (14) أن تفعلوا ما يساوي ثواب &(3/560)&$
__________
(1) في (ي): ((تخرجه)).
(2) قوله: ((الجمهور)) تكرر في (أ).
(3) في (ح) و(ب) و(ي): ((فإنه)).
(4) في (ب): ((وكذلك)).
(5) في (ح): ((في هذا)).
(6) "صحيح البخاري" كتاب الصيد، باب المسك رقم (5533).
(7) في (ي): ((وتأوبل)).
(8) في (ح) و(ي): كتبها بالمقصورة.
(9) في (ح): ((كلمه)) و(أ) و(ي) و(ب).
(10) البخاري (13/444-445 رقم7463) في التوحيد، باب قول الله تعالى: {قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي لنفد البحر...}.
(11) قوله: ((الجهاد)) سقط من (ح).
(12) من قوله: ((له وعلى التأويلين...)) إلى هنا سقط من (ي).
(13) في (ي): ((لا يستطيعونه)).
(14) في (أ): ((يطيقون)).(3/560)
الجهاد. ووجهه: أن كل ما يصدر من المجاهد في حالتي نومه ويقظته، وسكونه (1) وحركته هو عمل صالح يكتب له ثوابه دائمًا، بدوام أفعاله، إذ لا تتأتى (2) الفترة (3) فيه؛ لأنه على كل حال في الجهاد، وملابس أحواله، وذلك: أن المجاهد إما أن ينال من العدو، أو يغيظه، أو يروّعه، أو يكثر سواد المسلمين، أو يصيبه نصب أو مخمصة. وكل ذلك أعمال كثيرة لها أجور عظيمة، كما قال تعالى: {ذلك بأنهم =(3/708)=@ لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئًا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدوٍّ نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين} (4) ، وعلى هذا نبه النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: ((مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم، القائم، القانت بآيات الله، الذي (5) لا يفتر من صلاة ولا صيام (6) حتى يرجع المجاهد في سبيل الله)) (7) . فشبه المستغرق في أفضل العبادات التي هي الصوم والصلاة، الخاشع فيها؛ الذي لا يفتر بالمجاهد؛ لذلك المعنى الذي ذكرناه (8) آنفًا (9) .
و((القائم (10) ))؛ يعني به: في الصلاة. و((القانت)): الخاشع فيها. و((الغدوة))- بفتح الغين -: واحدة المشي في الغدوِّ. وبضم (11) الغين: وهو &(3/561)&$
__________
(1) في (ي): ((ويقضته وسكوته)).
(2) في (ي): ((يتأتى)).
(3) أشير له في هامش المورقة وكتب [كذا في (ح) و(أ)].
(4) سورة التوبة؛ الآية: 120.
(5) قوله: ((الذي)) سقط من (أ) و(ح) و(ي).
(6) في (ح): ((صيام)).
(7) أخرجه مالك (2/461)، والبخاري (2803)، ومسلم (1876)، وغيرهم .
(8) في (ح) و(ي): ((ذكرنا)).
(9) قوله: ((آنفًا)) سقط من (أ) و(ب).
(10) في (ح) و(ي): ((ثم)) بدل: ((والقائم)).
(11) في (ب) وفي (أ): ((بضم)) بلا واو.(3/561)
البكور. و((الروحة)): المشية في الرواح، وهو الرجوع بالعشيّ (1) . وأول العشي: الزوال. وقد تقدَّم هذا في الجمعة.
وقوله: ((خير من الدنيا وما فيها))، وفي الرواية الأخرى: ((مما طلعت عليه الشمس))؛ يعني: أن الثواب الحاصل على مشية واحدة في الجهاد خير لصاحبه من =(3/709)=@ الدنيا كلها لو جمعت له بحذافيرها. وهذا كما قال في الحديث الآخر: ((وموضع قوس أحدكم أو سوطه (2) في الجنة (3) خير من الدنيا وما فيها)) (4) . وهذا (5) منه - صلى الله عليه وسلم - إنما هو على ما استقر في النفوس من تعظيم ملك الدنيا. وأما على التحقيق فلا تدخل الجنة مع الدنيا تحت ((أفعل)) إلا كما يقال: العسل أحلى من الخل. وقد قيل: إن معنى ذلك - والله تعالى أعلم- أن ثواب الغدوة والروحة أفضل من الدنيا وما فيها لو ملكها مالك، فأنفقها في وجوه البر والطاعة غير الجهاد. وهذا أليق، والأول أسبق.
وقوله: ((من رضي بالله (6) ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ رسولاً، وجبت له الجنَّة))؛ أي: من مات على ذلك فلا بدَّ له من دخول الجنَّة قطعًا، ولو أدخل (7) النار في كبائر عليه فمآله إلى الجنة على كل حال.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((وأخرى يرفع بها العبد مائة درجة))؛ أي: خصلة أخرى. والدرجة: المنزلة الرفيعة، ويراد بها غرف الجنة ومراتبها؛ التي أعلاها الفردوس، كما جاء في الحديث (8) . ولا يظن من هذا: أن درجات الجنة محصورة بهذا العدد، =(3/710)=@ بل هي أكثر من ذلك، ولا يَعلم حصرها ولا (9) عددها إلا الله تعالى، ألا تراه قد &(3/562)&$
__________
(1) من قوله: ((في الغدو وبضم...)) إلى هنا سقط من (ي).
(2) في (ح): ((أحدكم وسوطه)).
(3) في (ب): ((الحته)).
(4) أخرجه البخاري في "صحيحه" (2792 و2796 و6568).
(5) في (ح) و(ي): ((هذا)).
(6) في (أ): ((من رضي الله بالله)).
(7) في (ح) و(ي): ((دخل)).
(8) البخاري (6/11 رقم2790) في الجهاد، باب: درجات المجاهدين في سبيل الله و(13/404 رقم7423) في التوحيد، باب: وكان عرشه على الماء.
(9) قوله: ((لا)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).(3/562)
قال في الحديث الآخر: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)) (1) ؛ فهذا يدل: على أن في الجنة درجات على عدد آي القرآن، وهي نيف على ستة آلاف آية، فإذا اجتمعت للإنسان فضيلة الجهاد مع فضيلة القرآن، جمعت له تلك الدرجات كلها. وهكذا ما زادت أعماله زادت درجاته. والله تعالى أعلم =(3/711)=@
قال شيخنا أبو محمد عبد العظيم المنذري: قوله: ((مئة درجة)) يحتمل أن يكون الحديث على ظاهره، وأن الدرجات: المنازل التي بعضها أرفع من بعض في الظاهر، وكذلك منازل الجنة، كما جاء في حديث (2) (3) أصحاب الغرف أنهم يراهم من هو أسفل منهم، كالكوكب الدُّري، ويحتمل أن يكون المراد الرفعة المعنوية من عظيم الأجسام، وكثرة النعيم، وأن أنواع النعيم على المجاهد، وثوابه، يتفاضل تفاضلاً كثيرًا، ومثل ذلك تفاضله في البعد بما بين السماء والأرض من البعد. ورجح بعضهم الأول (4) .
ومن باب فضل القتل في سبيل الله تعالى
قوله: ((إن الإيمان والجهاد أفضل الأعمال))؛ الإيمان هنا: هو المذكور في حديث جبريل ? (5) ، ولا شك في أنه أفضل الأعمال؛ فإنه (6) راجع إلى معرفة الله تعالى ورسوله، وما جاء به، وهو المصحح لأعمال الطاعات كلها، المتقدم عليها في الرتبة والمرتبة، وإنما قرن به الجهاد هنا في الأفضلية، وإن لم يجعله من جملة مباني الإسلام التي ذكرها في حديث ابن عمر رضي الله عنهما (7) ؛ لأنه لم يتمكن من إقامة تلك المباني على تمامها وكمالها، ولم يظهر دين الإسلام على الأديان (8) كلها إلا بالجهاد، فكأنه أصل في إقامة الدِّين والإيمان، أصل في تصحيح الدِّين، فجمع بين الأصلين في الأفضلية. والله تعالى أعلم.
وقد حصل من مجموع هذه الأحاديث: أن الجهاد أفضل من جميع العبادات العملية، ولا شك (9) في هذا عند تعيينه (10) على كل مكلف =(3/712)=@ &(3/563)&$
__________
(1) حديث صحيح، وقد خرجته في تحقيقي لسنن سعيد بن منصور (1/62- 63).
(2) قوله: ((حديث)) سقط من (أ).
(3) سيأتي في ذكر الموت وما بعده، باب في غرف الجنة وتربتها وأسواقها .
(4) من قوله: ((قال شيخنا أبو محمد ....)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(5) تقدم في أول كتاب الإيمان .
(6) في (ي): ((وإنه)).
(7) تقدم في الإيمان، باب مباني الإسلام .
(8) في (ي): ((الدين)).
(9) في (ب) و(ح) و(ي): ((ولا يشك)).
(10) في و(ي) في (أ) و(ح): ((تعينه)).(3/563)
يقدر عليه، كما كان في أوّل الإسلام، وكما قد تعيَّن في هذه الأزمان (1) ؛ إذ قد استولى على المسلمين أهل الكفر والطغيان، فلا (2) حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأمَّا إذا لم يتعين فحينئذ تكون الصلاة أفضل منه، على ما جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه (3) ؛ إذ سُئل عن أفضل الأعمال فقال: ((الصلاة على مواقيتها)).
وقول السَّائل: ((أرأيت إن قتلت في سبيل الله؛ أيكفر (4) عني خطاياي (5) ))؛ هذا بحكم عمومه يشمل جميع الخطايا، ما كان من حقوق الله تعالى، وما كان من حقوق الآدميين. فجوابه بـ((نعم)) مطلقًا (6) يقتضي تكفير جميع ذلك، لكن الاستثناء الوارد بعد هذا يبيّن أن هذا الخبر ليس على عمومه؛ وإنما يتناول حقوق الله تعالى خاصَّة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((إلا الدَّين)). وذكره الدَّين تنبيه على ما في معناه من تعلق حقوق الغير بالذمم، كالغصب (7) ، وأخذ المال بالباطل، وقتل العمد، وجراحه، وغير ذلك من التبعات (8) ، فإن كل هذا أولى بأن لا يغفر بالجهاد من الدَّين، لكن هذا كله إذا امتنع من أداء الحقوق مع تمكنه منه، وأما إذا لم يجد للخروج من ذلك سبيلاً؛ فالمرجو من كرم الله تعالى إذا صدق في قصده، وصحت توبته أن يُرضى الله تعالى خصومه عنه، كما قد جاء نصًّا في حديث أبي سعيد الخدري المشهور في هذا (9) ، وقد دلَّ على صحة ما ذكرناه (10) (11) قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة...))، الحديث، وسيأتي (12) إن شاء الله تعالى. ولا يلتفت إلى قول من قال: إن هذا الذي ذكره (13) من الدَّين إنما كان قبل قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((من ترك دينًا أو ضياعًا فعليَّ...)) (14) ، الحديث؛ يشير بذلك إلى (15) أن ذلك المعنى منسوخ. فإنه قول &(3/564)&$
__________
(1) في (ح): ((الأوقات)).
(2) في (أ): ((ولا)).
(3) لم أجده عن أبي ذر، ولكن ورد من حديث ابن مسعود، وتقدم في الإيمان، باب أي الأعمال أفضل؟
(4) في (ح) و(ي): ((أتكفر)).
(5) في (ب): ((خطاياتي)).
(6) في (أ): ((مطابقًا))، وقوله: ((فجوابه بنعم مطلقًا)) مطموس في (ح).
(7) في (ب): ((كالنصب)). في (أ): ((كالغضب)).
(8) في (أ): ((اتبعات)).
(9) أخرج البخاري (2387) من حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله)). ملحوظة: قال المصنف من حديث أبي سعيد وليس من حديث أبي هريرة؟؟؟ تراجع؟
وأخرج احمد (6/74 و154)، وأبو يعلى (4838)، وعبد بن حميد (1522)، وابن راهوية (1063)، والبيهقي (7/22) من طريق الزهري، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من حمل من أمتي دينًا وجهد في قضائه، فمات قبل أن يقضيه فأنا وليه)). وإسناده صحيح.
(10) في (ي): ((ما قلناه)) بدل ((ما ذكرناه)).
(11) زاد بعدها في (أ): ((صح)).
(12) في باب من استطال حقوق لناس من كتاب البر والصلة .
(13) قوله: ((ذكره)) سقط من (ي).
(14) سيأتي في باب من ترك مالاً فلورثته وعصبته، في الوصايا والفرائض .
(15) قوله: ((إلى)) سقط من (ب).(3/564)
باطل =(3/713)=@ مفسوخ؛ فإن المقصود من هذا الحديث بيان أحكام الديون في الدنيا، وذلك: أنه كان من أحكامها دوام المطالبة، وإن كان الإعسار. وقال بعض الرواة: إن الحر كان يباع في الدين (1) . وامتنع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة على من مات وعليه دينار (2) ولم يجد (3) وفاءً له. فهذه الأحكام وأشباهها هي التي يمكن أن تنسخ، والحديث الأول لم يتعرض لهذه الأحكام؛ وإنما تعرض (4) لمغفرة الذنوب فقط. هذا إن (5) قلنا: إن هذا ناسخ. فأما إذا حققنا (6) النظر فيه فلا يكون ناسخًا، وإنما غايته: أن تحمل النبي - صلى الله عليه وسلم - على مقتضى كرم خلقه عن المعسر دينه (7) ، وسدّ ضيعة الضائع. وقد دل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث بعينه: ((أنا أولى بكل مؤمن من نفسه (8) ، وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم))؛ فعلى هذا يكون هذا التحمل خصوصًا به، أو من جملة تبرعاته لما وسّع الله تعالى عليه، وعلى المسلمين. وقد قيل في معنى (9) هذا الحديث: إن معنى ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام بذلك من مال الخمس والفيء ليبين أن للغارمين ولأهل الحاجة حقًّا في بيت مال (10) المسلمين، وإن الناظر لهم يجب عليه (11) القيام بذلك لهم، والله تعالى أعلم. =(3/714)=@
وفيه من الفقه: جواز تأخير الاستثناء قدرًا قليلاً؛ لأنه أطلق أولاً، فلما ولى (12) دعاه، فذكر له الاستثناء، وقد يجاب عنه: بأنه لما أراد أن يستثني أعاد اللفظ الأوّل، ووصل الاستثناء به (13) في الحال (14) ، فلا يجوز التأخير، ويدل على ذلك: أن الاستثناء والتخصيص وغيرهما الصادرة عنه - صلى الله عليه وسلم - كلٌّ من عندالله تعالى، لا من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاجتهاد، وقد تقدَّم (15) الاختلاف في هذا الأصل.
وقول مسروق: ((سألنا عبدالله عن هذه الآية))؛ هو عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، &(3/565)&$
__________
(1) في (أ): ((يباع بالدين)).
(2) أخرجه البخاري (4/466-467 و474 رقم2289 و2295) في الحوالة، باب إن أحال دين الميت على رجل جاز. وفي الكفالة، باب من تكفل عن ميت دينًا، فليس له أن يرجع .
(3) في (ب): ((يجدوا)).
(4) في (ب) و(ح) و(ي): ((يتعرض)).
(5) في (ح) و(ي): ((إذا)).
(6) في (ي): ((خفضنا)).
(7) في (ي): ((بدينه)).
(8) طرف من حديث: من ترك دينًا أو ضياعًا فعليّ، المتقدم تخريجه في هذا الباب .
(9) قوله: ((معنى)) سقط من (أ).
(10) في (ي) و(ب): ((المال)).
(11) في (ي): ((عليهم)).
(12) وضع تحت كلمة فلما ولى وكلمة تأخير التي شطبت خط وكتب قبالته في الهامش [تراجع].
(13) في (ي): ((ينه)) بدل ((به)).
(14) في (ب): ((الخال)).
(15) قوله: ((وقد تقدم)) تكرر في (ح).(3/565)
وهكذا وقع (1) في رواية أبي بحر: ((سألنا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه)) (2) ، ومن قال فيه: عبدالله بن عمرو فقد أخطأ (3) .
وقول عبدالله: ((أما إنا سألنا عن ذلك فقال))؛ كذا صحَّت الرواية، ولم يذكر فيها(( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ))، وهو المراد منها (4) قطعًا. ألا ترى قوله: (( فقال))؛ وأسند الفعل إلى ضميره، وإنما سكت عنه للعلم (5) به، فهو مرفوع، وليس هذا المعنى الذي في هذا الحديث مما يتوصل إليه بعقل ولا قياس، وإنما يُتوصل إليه بالوحي، فلا يُقال: هو موقوف على عبدالله بن مسعود.
وقد تضمَّن هذا الحديث تفسير قوله تعالى: {بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون} (6) ، وأن معنى حياة الشهداء: أن لأرواحهم من خصوص الكرامة ما ليس لغيرهم (7) ، بأن جعلت في أجواف (8) طير، كما في هذا الحديث، أو في حواصل طير خضر (9) ، كما في الحديث الآخر، صيانة لتلك الأرواح، ومبالغة في إكرامها، لإطلاعها على ما في الجنة من المحاسن والنعم، كما يطلع الراكب المظلل عليه بالهودج الشفاف؛ الذي لا يحجب عما وراءه. ثم يدركون (10) في تلك الحال التي يسرحون فيها من روائح الجنة، وطيبها، ونعيمها، وسرورها ما يليق بالأرواح مما ترتزق وتنتعش به. وأما اللذات الجسمانية فإذا أعيدت تلك الأرواح إلى أجسادها استوفت من النعيم جميع ما أعدَّ الله تعالى لها، ثم إن أرواحهم بعد سرحها في =(3/715)=@ &(3/566)&$
__________
(1) قوله: ((وقع)) سقط من (ح).
(2) من قوله: ((وهكذا وقع ....)) إلى هنا سقط من (أ).
(3) قال المازرى: ((كذا جاء عبدالله غير منسوب، قال أبو على الغساني: ومن الناس من ينسبه فيقول: عبدالله بن عمرو، وذكره أبومسعود الدمشقى في مسند ابن مسعود، قال القاضى عياض: وقع في بعض النسخ من"صحيح مسلم":عبدالله بن مسعود، قلت: وكذا وقع في بعض نسخ بلادنا المعتمدة، ولكن لم يقع منسوبًا في معظمها وذكره خلف الواسطى والحميدى وغيرهما في مسند ابن مسعود وهو الصواب)).اهـ. "شرح النووي"(13/30).
قلت: وكذا المزي في "تحفة الأشراف" ذكره في مسند ابن مسعود .
(4) في (ب): ((هنا)).
(5) في (ح): ((عند العلم)).
(6) سورة آل عمران؛ الآية: 169.
(7) في (ب) و(أ) و(ي) و(ح): ((لغيرهم وذلك بأن)).
(8) في (ح): ((جوف)).
(9) أخرجه الطيالسي (289)، والدارمي (2454) من طريق شعبة قال: سمعت عبد الله بن مرة يحدث عن مسروق قال: سألنا عبد الله عن أرواح الشهداء من الحديث.
(10) في (ب): ((يرزقون))، وكتب فوقها: ((يدركون))، وكتب بينهما: ((مع)).(3/566)
الجنة ترجع تلك الطير بهم إلى مواضع مكرَّمة مشرَّفة منوَّرة عبّر عنها بالقناديل (1) ؛ لكثرة أنوارها، وشدّتها. والله تعالى أعلم.
وهذه الكرامات كلها مخصوصة بالشهداء كما دلت عليه الآية وهذا الحديث، وأما حديث مالك الذي قال فيه: ((إنما (2) نسمة المؤمن طائر تعلّق في ثمر الجنة)) (3) ؛ فالمراد بالمؤمن هنا: الشهيد. والحديثان واحد في المعنى، وهو من باب حمل المطلق على المقيد. وقد دل على صحة هذا قوله في الحديث الآخر: ((إذا مات الإنسان عرض عليه مقعده بالغداة والعشي من الجنة والنار (4) ، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة)) (5) ؛ فالمؤمن غير الشهيد هو الذي يُعرض عليه مقعده بالغداة والعشي (6) من الجنة وهو في موضعه من القبر أو الصور، أو حيث شاء (7) الله تعالى غير سارح في الجنة، ولا داخل فيها؛ وإنما يدرك منزلته (8) فيها بخلاف الشهيد؛ فإنه يباشر ذلك ويشاهده وهو فيها، على ما تقدَّم، وكذلك أرواح الكفار تشاهد ما أعد الله لها من العذاب عند عرض ذلك عليها، كما قال تعالى في آل فرعون: {النار يعرضون عليها غدوًّا وعشيًّا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} (9) ، وعند هذا العرض تدرك روح الكافر من الألم، والتخويف، والحزن، والعذاب بالانتظار ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. نسأل (10) الله العافية. كما أنه يحصل للمؤمن عند عرض عليه (11) الجنة من الفرح، والسرور، والتنعم بانتظار المحبوب ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت (12) ، ولا خطر على قلب بشر (13) . فإذا أعيدت (14) الأرواح إلى الأجساد استكمل كل فريق منهم ما أعد الله له. وبهذا الذي ذكرناه تلتئم الأحاديث، وتتفق. والله الموفق. =(3/716)=@ &(3/567)&$
__________
(1) عدلت الكلمة بهامش الورقة قبالتها ثم كتب [كذا في (ح)].
(2) في (ي): ((إنها)).
(3) يرويه الزهري، واختلف عليه: فأخرجه مالك (1/240 رقم49) في الجنائز، باب جامع الجنائز، وعنه أحمد (3/455)، والنسائي (4/108 رقم2073) في الجنائز، باب أرواح المؤمنين، والطبراني في "الكبير" (19/64 رقم120)، والبيهقي في "البعث والنشور" (ص133 رقم224)، والبخاري في "تاريخه الكبير" (5/306) تعليقًا.
وأخرجه الحميدي (2/385 رقم873)، وأحمد (6/386)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (5/306) تعليقًا، والترمذي (4/151 رقم1641) فضائل الجهاد، باب ما جاء في ثواب الشهداء. جميعهم من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار.
وأخرجه أحمد (3/455)، وعبد بن حميد (147 رقم376)، والطبراني في "الكبير" (19/63-64 رقم119). جميعهم من طريق عبدالرزاق، عن معمر ..
وأخرجه أحمد (3/455)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (5/306) تعليقًا، والبيهقي في "البعث والنشور" (ص133 رقم223). جميعهم من طريق يونس .
وأخرجه ابن حبان (10/513 رقم4657/الإحسان طريق يزيد بن موهب، عن الليث. وأخرجه الطبراني في "الكبير" (19/65 رقم123) من طريق الأوزاعي. وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (5/306) تعليقًا عن الليث، عن عقيل .
وأخرجه أحمد (3/456)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (5/306) تعليقًا، والبيهقي في "البعث والنشور" (ص133 رقم225). جميعهم من طريق شعيب .
- مالك، وعمرو بن دينار، ومعمر، ويونس، والليث، والأوزاعي، وعقيل، وشعيب -، عن الزهري، عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه، فذكره .
قال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح)).
وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (8/27): ((وهذا إسناد عظيم، ومتن قويم)).
وقال الألباني في "الصحيحة" (2/694-695 رقم995): ((وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين)).
وخالفهم صالح بن كيسان، وأبو أويس، والحارث بن فضيل :
أما رواية صالح: فأخرجه أحمد (3/455)، والطبراني في "الكبير" (19/65-66 رقم124) كلاهما من طريق صالح، عن الزهري، عن عبدالرحمن بن عبدالله بن كعب، أنه بلغه: ان كعب بن مالك قال ...، فذكره .
وأما رواية أبي أويس: فأخرجها أحمد (3/460)، والطبراني في "الكبير" (19/64 رقم121) كلاهما من طريق أويس، عن الزهري، عن عبدالرحمن بن عبدالله بن كعب: أن كعب بن مالك كان يحدث ...، فذكره. كذا عند أحمد. ورواية الطبراني: عبدالرحمن بن كعب، كباقي الروايات .
وأما رواية الحارث بن فضيل: فأخرجها ابن ابي شيبة في "مسنده" (1/337 رقم495)، وعنه الطبراني في "الكبير" (19/ .. رقم122). وأخرجها ابن ماجه (1/466 رقم1449) في الجنائز، باب ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حُضر. والبيهقي في "البعث والنشور" (ص134 رقم226)؛ جميعهم من طريق محمد بن إسحاق، عن الحارث بن فضيل، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه قال: لما حضرت كعب الوفاة، أتته أم مبشر بنت البراء بن معرور، فقالت: يا أبا عبدالله: إن لقيتم ابني فلانًا، فاقرأ عليه السلام مني. فقال: يغفر الله لك يا أم مبشر، نحن أشغل من ذلك، قالت يا أبا عبدالله، أو ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن أرواح المؤمنين ...)) الحديث .
وهذه الطريق مخالفة لباقي الروايات، فجعلت الحديث من مسند أم مبشر، قال الألباني في "الصحيحة" (2/694): ((وهذا سند ضعيف، رجاله ثقات، وإنما علته ابن إسحاق، فقد كان يدلس، والظاهر أنه تلقاه عن بعض الضعفاء ثم أسقطه، فقد رواه معمر، عن الزهري، عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك...)).
لكن ابن إسحاق صرح بالسماع عند البيهقي في "البعث والنشور"، وعليه فهذه الرواية شاذة، لمخالفتها لرواية الثقات من كبار أصحاب الزهري .
(4) سيأتي في باب إذا مات المرء عرض عليه مقعده، وما جاء في عذاب القبر في ذكر الموت وما بعده .
(5) "حاشية السندي على النسائي" (4/108).
(6) قوله: ((بالغداة والعشي)) سقط من (أ) و(ح) و(ي).
(7) في (ي): ((شاه)) بدل ((شاء)).
(8) في (ب): ((منزله)).
(9) سورة غافر؛ الآية: 46.
(10) في (ح) و(ي): ((فنسأل)).
(11) قوله: ((عليه)) سقط من (ح) و(ي) وفي (أ) و(ب): ((عند عرض الجنة عليه)).
(12) قوله: ((ولا أذن سمعت) تكرر في (ح).
(13) من قوله: ((المحبوب ....)) إلى هنا ضمن كلام محلق بالهامش ولم يظهر بسبب التصوير في (أ).
(14) في (ي): ((أعبدت)).(3/567)
وقد حصل من مجموع الكتاب والسُّنه. أن الأرواح باقية بعد الموت، وأنها منعمة (1) ، أو معذبة إلى يوم القيامة.
وقد اختلف الناس قديمًا وحديثًا في الأرواح (2) ما هي؟ وعلى أي حال هي؟ اختلافًا كثيرًا، واضطربوا فيها اضطرابًا شديدًا؛ الواقف عليه يتحقق أن الكل منهم على غير بصيرة منها؛ وإنما هي أقوال صادرة عن ظنون (3) متقابلة، ولا يشك (4) في أنه مما انفرد الله تعالى بعلم حقيقته. وعلى هذا المعنى حمل أكثر المفسرين قوله تعالى: {يسألونك عن الروح (5) قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} (6) ، فليقطع العاقل طمعه من علم حقيقته، ولينظر هل ورد في الأقوال الصادقة ما يدل على شيء من صفته، وعند تصفح ذلك، واستقراء (7) ما هنالك يحصل للباحث: أن الروح أمر (8) ينفخ في الجسد، ويقبض منه، ويتوفى بالنوم وبالموت (9) ، ويؤمن، ويكفر، ويعلم، ويجهل، ويفرح، ويحزن، ويتنعم، ويتألم، ويخرج، ويدخل، والإنسان يجد من ذاته بضرورته قابلاً للعلوم وأضدادها، وللفكر وأضدادها، ولغير ذلك من المعاني، فيحصل من مجموع تلك الأمور على القطع: أن الروح ليس من قبيل الأعراض لاستحالة كل ما ذكر عليها، فيلزم أن يكون الروح من قبيل ما يقوم بنفسه، وأنه قابل للأعراض.
وهل هو متحيز أو ليس بمتحيز (10) ؟ ذهبت (11) طوائف من الأوائل، ومن نحا نحوهم من الإسلاميين، إلى أنه قائم بنفسه غير متحيز، . وذهب (12) أكثر أهل الاسلام إلى أن ذلك من أوصاف الحق سبحانه وتعالى الخاصة به (13) ، وأنه لا تصح مشاركته في ذلك لأدلة تذكر في علم الكلام، وأن (14) الروح قائم بنفسه متحيز، فهو من قبيل الجواهر. ثم اختلف (15) ، هل هو (16) يقبل الانقسام فيكون جسمًا أو لا يقبله فيكون جوهرًا =(3/717)=@ فردًا (17) .
فذهبت طائفة من جلّة علماء (18) أهل السنة إلى أنه جسم لطيف مشابك جميع (19) أجزاء البدن، أجرى الله العادة ببقائه في الجسم ما دام حيًّا، فإذا أراد الله تعالى إماتة الحيوان نزعه منه، وأزال اتصافه (20) بالحياة، وأعقبها الموت (21) . وأطبق معظم المتكلمين من أهل السنة على (22) أنه جزء فرد من أجزاء القلب، أو غيره مما يكون في الإنسان، أجرى الله العادة بحياة ذلك الجسم ما دام ذلك الجزء (23) متصلاً به. والله تعالى أعلم، وأحكم، والتسليم أولى وأسلم. &(3/568)&$
__________
(1) في (ح): ((متنعمة)).
(2) في (ح) و(ي): ((وقد اختلف الناس في الأرواح قديمًا وحديثًا)).
(3) قوله: ((ظنون)) مطموس في (ح).
(4) في (ب): ((ولا شك)).
(5) قوله تعالى: {يسألونك عن الروح} ليس في (ح) و(أ) و(ي) و(ب).
(6) سورة الإسراء؛ الآية: 85.
(7) في (أ): ((واستقرار)).
(8) قوله: ((أمر)) ليس في (ح) و(أ) و(ي) و(ب).
(9) في (ح): ((والموت)).
(10) في (ب): ((متحيزًا)).
(11) في (ب): ((وذهب))، وفي (ح): ((وذهبت)).
(12) من قوله: ((طوائف من الأوائل ....)) إلى هنا سقط من (ح) و(ي).
(13) وصف الربِّ عز وجل بأنه متحيز أو غير متحيز من الألفاظ المحدثة، التي لم يأت بها نص من الكتاب والسنة لا نفيًا ولا إثباتًا، ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابة أو التابعين في ذلك شيء، وهذا الوصف لا يصح وصف الله به، وقد يكون معناه صحيحًا وقد يكون باطلاً، فإن قصد بمتحيز أنه يحيط به شيء من مخلوقاته فهذاباطل، وإن أراد جهة العلو فهذا صحيح، وكذا غير متحيز إن أراد أن الله بائن من خلقه مستو على عرشه فوق سمواته فهذا صحيح، وإن أراد نفي جهة العلو لله عز وجل فهذا باطل، واستخدام الألفاظ الشرعية أولى وأفضل .
(14) في (ب): ((فإن)).
(15) في (ي) و(ب): ((اختلف هؤلاء)).
(16) قوله: ((هو)) سقط من (ي) و(ب).
(17) في (ح) و(ي): ((إذًا)). بدل ((فردًا)).
(18) قوله: ((علماء)) سقط من (ي).
(19) في (أ) و(ب) و(ي): ((لجميع)).
(20) في (ب) و(ح) و(ي): ((اتصاله)).
(21) في (ح) و(ي): ((بالموت)).
(22) في (أ): ((إلى)).
(23) صوبت هذه الكلمة في هامش الورق المطبوع ثم كتب [التصويب من (ح)].(3/568)
والذي اتفق أهل التحقيق عليه: أنه محدث مخترع؛ لأنه متغير، وكل متغير محدث على ما يُعرف في موضعه، ولا يلتفت لقول من قال: إن الروح قديم؛ إذ لا قديم إلا الله تعالى (1) ، على ما يُعرف في موضعه، ولا يلتفت أيضًا لقول التناسخية (2) القائلين أن (3) الأرواح تنتقل إلى أجساد أخر، فأهل (4) السعادة ينقلون إلى أجساد حسنة مشرفة (5) مرفهة، فتتنعم فيها (6) ، كما جاء في هذه الأحاديث، وأهل الشقاء (7) تنقل أرواحهم إلى أجسام (8) خسيسة قبيحة، فتعذب فيها (9) ، حتى إذا استوفت بذلك (10) عقابها رجعت إلى أحسن بنية (11) ، وهكذا أبدًا. وهذا معنى الإعادة والثواب والعقاب عندهم. وهو قول مناقض لما جاءت به الشريعة، ولما أجمعت (12) الأمة عليه، ومعتقده يكفر قطعًا، فإنه أنكر ما عُلم قطعًا من إخبار الله تعالى، وإخبار نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن أمور الآخرة، وعن تفاصيل أحوالها، وأن الأمر ليس على شيء مما قالوه. وأيضًا (13) فالتناسخ والقول به باطل، محال عقلاً، على ما يُعرف في علم الكلام.
وقوله: ((فاطلع إليهم (14) ربهم اطلاعة))؛ أي: تجلى لهم برفع الحجب عنهم (15) ، وكلمهم مشافهة بغير واسطه، مبالغة في الإكرام، وتتميمًا للإنعام. =(3/718)=@
وقولهم (16) : ((نريدُ أن تَرُدَّ أرواحَنا في أجسادنا))؛ دليل على أن مُجرَّد الأرواح هي المتكلِّمة، ويدلُ على أن (17) الروحَ ليس بِعَرَض خلافًا لمن ذهب إلى ذلك. وفيه رد على التناسخيه، وأن أجوافَ الطير ليس (18) أجسادًا لها، وإنما هي مُودعة فيها على سبيل الحفظ والصيانة والإكرام، على ما قدََّمناه. وهذا كلُه يدلُّ على أن لمنزلة الشهادة من خصوص الإكرام ما ليس لغيرها من أعمال البِرّ، كما قال في الحديث الآخر: ((ليس أحد له عند الله خير يتمنى أن يرجعَ إلى الدنيا إلا الشهيد؛ لما يرى من فضل الشهادة)) (19) . =(3/719)=@ &(3/569)&$
__________
(1) التعليق على وصف الله تعالى بهذه الصفة، صفة القدم .
(2) قوله: ((أيضًا لقول التناسخية)) لم يتضح في (ح).
(3) في (ح) و(ي): ((بأن)).
(4) في (ب): يشبه أن تكون ((كأهل)) وتراجع.
(5) في (ب) و(ح): ((مشرقة)).
(6) في (ح): ((فيتنعم بها)). وفي (ي): ((فتتنعم بها)).
(7) في (ب): ((الشقاوة)).
(8) في (ح) و(ي): ((أحساد)).
(9) في (ي): ((بها)).
(10) في (ب) وفي (ح) و(ي): ((أمد)).
(11) في (ي): ((نبته)).
(12) في (ب): ((اجتمعت)).
(13) قوله: ((وأيضًا)) سقط من (ح) و(ي).
(14) في (أ): ((لهم)).
(15) في (ب): ((حجبهم عنه))، وفي (ح) و(ي): ((حجبهم)) بدون (( عنهم)).
(16) في (أ): ((وقوله)).
(17) قوله: ((أن)) سقط من (ح).
(18) في (ب) و(ح) و(ي): ((ليست)).
(19) تقدم في باب فضل القتل في سبيل الله تعالى .(3/569)
ومن باب قوله تعالى: {أجعَلتم سِقَايَةَ الحاجِّ وَعِمَارَةَ المسجدِ الحرامِ كَمَنْ ءَامَنَ باللهِ واليَوْمِ اَلآخِرِ (1) } الآية (2)
((السقاية)): مصدر كالسِعاية والحِماية، وهو على الحذف؛ أي: أجعلتم صاحبَ سقاية الحاج مثل مَن آمَنَ بالله، وجاهَدَ في سبيله؛ ويصح أن يقدَّر الحذفُ في: {من آمن}؛ أي: أجعلتم عمل سقي (3) الحاج كعمل مَن آمن. و{الحاج}: اسم جنس الْحُجّاج (4) . و{عمارة المسجد الحرام}: معاهدته، والقيام بمصالحه. وظاهِرُ هذه الآية أنَّها (5) مبطلة قولَ من افتخر من المشركين بسقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام، كما ذكره السُّدِّي (6) . قال: افتخر عباسٌ بالسقاية، وشيبة (7) بالعمارة (8) ، وعلي بالإسلام والجهاد، فصدَّق اللهُ تعالى عليًّا (9) وكذبهما، وهذا واضح (10) . وأما حديثُ النعمان هذا (11) فمشكل على مساق الآية، فإنه يقتضي أنها إنما نزلت (12) عند اختلافِ المسلمين في الأفضل من هذه الأعمال، وحينئذ لا يصلحُ أن يكون قولُه &(3/570)&$
__________
(1) قوله: ((واليوم الآخر)) سقط من (أ) و(ب).
(2) سورة التوبة؛ الآية: 19.
(3) في (ي): ((سقاية)).
(4) في (ي): ((جميع الحجاج)).
(5) قوله: ((أنها)) سقط من (ح) و(ي).
(6) أخرجه الطبري (14/172 رقم16565) عن محمد بن الحسين، عن أحمد بن المفضل، عن أسباط، عن السدي:{ أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ...}، قال: افتخر علي وعباس وشيبة بن عثمان، فقال العباس: أنا أفضلكم، أنا أسقي حجاج بيت الله، وقال شيبة: أنا أعمر مسجد الله، وقال علي أنا هاجرت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأجاهد معه في سبيل الله، فأنزل الله: {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله} إلى: {نعيم مقيم}. وإسناده ضعيف معضل.
أسباط، هو ابن نصر الهمداني: توقف فيه أحمد، ووثقه ابن معين. وقال النسائي: ((ليس بالقوي))، وكان أبو نعيم يضعفه، ويقول: ((أحاديثه عامته سقط مقلوب الأسانيد)). وقال مرّة: ((لم يكن به بأس، غير أنه كان أهوج))، ونقل ابن حجر عن البخاري أنه قال في "التاريخ الأوسط": ((صدوق)). "تهذيب الكمال" (2/357-359 رقم321)، "ميزان الاعتدال" (1/175-176 رقم712)، "تهذيب التهذيب" (1/109)، وفي "التقريب" (ص124 رقم323): ((صدوق كثير الخطأ يغرب".
(7) من قوله: ((قول من افتخر من المشركين...)) إلى هنا تكرر في (ح).
(8) في (ي): ((بعمارة المسجد الحرام)).
(9) في (ح): ((علي)).
(10) قوله: ((واضح)) مطموس في (ح).
(11) قوله: ((هذا)) سقط من (ب).
(12) في (ح) و(ي): ((أنزلت)).(3/570)
تعالى: {أجعَلتم سِقَايَةَ الحاجِّ وَعِمَارَةَ المسجدِ الحرامِ كَمَنْ ءَامَنَ باللهِ واليَوْمِ اَلآخِرِ وَجَاهَدَ في سبيلِ اللهِ لا يستَوونَ عِندَ اللهِ}؛ نزل جوابًا لذلك (1) ، فإن أولئك =(3/720)=@ المسلمين لم يختلفوا (2) في (3) أن الإيمانَ مع الجهاد أفضل من مجرَّد السقاية والعمارة، وانَّما اختلفوا في أي الأعمال أفضل بعد الإسلام، وقد نصّوا على ذلك في الحديث. وأيضًا: فلا يليقُ أن يقالَ لهم في هذا الذي اختلفوا فيه: {والله لا يهدي القوم الظالمين}، كما قال (4) في آخر الآية. وأيضًا: فإن الآيات التي قبل هذه الآية من قوله تعالى: {مَا كانَ لِلمشركِينَ أن يَعْمُرُوا مسَاجدَ (5) الله} (6) إلى هذه الآية تدلُ (7) على أن الخطاب مع المشركين، فتعيّن الإشكال، فلينظر في التخلص (8) منه. ويمكن أن يتخلص منه (9) بأن يقال: إن بعضَ الرُّواة تسامَحَ في قوله: فأنزل الله الآية. وإنما قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - على عُمَرَ الآيةَ حين سأله، فظن الرَّاوي أنها نزلتْ حينئذ، وإنما (10) استدلَ بها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن (11) الجهادَ أفضل مما قال أولئك الذين سمعهم عُمر – رضي الله عنه - (12) ، فاستفتى لهم، فتلا عليه ما قد كان (13) أنزل عليه في المشركين، لا أنها نزلت (14) في هؤلاء. فيبقى أنْ يقال: فكيف (15) يُستدلُ بما أنزل في المشركين في حالةٍ مخصوصة على مثل ذلك المعنى في المسلمين، وهم مخالفون لهم في تلك الحال (16) .
والجواب: أن هذا لا بُعْدَ فيه. فقد ينتزعُ مما أنزل في المشركين أحكام تليقُ بالمسلمين، كما قد فعله عمر، حيث قال: أما إنا لو شئنا لاتخذنا سلائق وشواء وتوضع صحفةٌ، وترفع أخرى، ولكنَّا سمعنا قول الله تعالى (17) : {أذْهَبتُم طيباتكم في حياتِكُمُ الدنيا واسْتَمْتَعتم بِها} (18) (19) ، وهذه الآية نصٌّ في أنها في الكفار (20) ، ومع ذلك ففهم منها عمر – رضي الله عنه - (21) الزجرَ عما يناسبُ أحوالهم بعض المناسبة، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، فيمكن أن تكونَ (22) هذه الآيةُ من هذا النوع، والله تعالى أعلم. =(3/721)=@
وقوله: ((أي الناس أفضل؟)) أي: أيّ (23) الناس المجاهدين؛ بدليل أنه أجابه بقوله: ((رجل مجاهِد بنفسه وماله)). ثم ذكر بعده مَن جاهد بنفسه بالعُزْلة عن &(3/571)&$
__________
(1) قوله: ((نزل جوابًا لذلك)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(2) في (ب): ((لا يختلفون)).
(3) قوله: ((في)) سقط من (ح).
(4) قوله: ((قال)) سقط من (أ) و(ب).
(5) في (ح): ((مسجد)).
(6) سورة التوبة؛ الآية: 17-18.
(7) في (ي): ((يدل)).
(8) في (أ): ((التخليص)).
(9) قوله: ((منه)) سقط من (أ).
(10) قوله: ((إنما)) سقط من (ب) و(ح).
(11) في (ب) و(ي) و(أ) و(ح): ((على أن)).
(12) كتب تعليقًا على الهامش في جانب الورقة [موجودة في (ح)].
(13) في (ح): ((ما كان قد)).
(14) في (ي): ((أنزلت)).
(15) في (ح): ((وكيف)).
(16) في (أ) و(ب) و(ي): ((الحالة)).
(17) في (ح): ((قوله تعالى)).
(18) سورة الأحقاف؛ الآية: 20.
(19) أخرجه ابن المبارك في "الزهد والرقائق" (ص204-205 رقم579)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (3/279-280)، وعمر بن شبة في "تاريخ المدينة" (2/696-697)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/49).
جميعهم من طريق جرير بن حازم، قال: سمعت الحسن يقول: قدم على أمير المؤمنين عمر وفد من أهل البصرة مع أبي موسى الأشعري، قال: فكنا ندخل عليه وله كل يوم خبز يلت، وربما وافيناه ما دوم بسمن، وأحيانا بزيت، وأحيانا باللبن، وربما وافقنا القدائد اليابسة قد دقت، ثم أغلى بماء، وربما وافقنا اللحم الغريض وهو قليل، فقال لنا يومًا: إني والله! لقد أرى تعذيركم وكراهيتكم طعامي ، وإني والله! لو شئت لكنت أطيبكم طعامًا، وارقكم عيشًا، أما والله! ما أجهل عن كراكر واسنمه، وعن صلاء، وعن صلائق وصناب - قال جرير: الصلاء الشواء، والصناب: الخردل، والصلائق: الخبز الرقاق -، ولكني سمعت الله تعالى عير قومًا بأمر فعلوه، فقال: {اذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا فاستمتعتم بها}، قال: فكلمنا أبو موسى الأشعري، فقال: لو كلمتم أمير المؤمنين ففرض لكم من بيت المال طعامًا تأكلونه، قال: فكلمناه، فقال: يا معشر الأمراء! أما ترضون لأنفسكم ما أرضى لنفسى؟ قال: فقلنا: يا أمير المؤمنين! إن المدينة أرض العيش بها شديد، ولا نرى طعامك يغشى ولا يؤكل، وإنا بأرض ذات ريف، وإن أميرنا يغشى، وإن طعامه يؤكل، قال: فنكس عمر ساعة، ثم رفع رأسه فقال: قد فرضت لكم من بيت المال شاتين وجريبين، فإذا كان بالغداة فضع إحدى الشاتين على أحد الجريبين فكل أنت وأصحابك، ثم ادع بشراب فاشرب - قال ابن صاعد: يعني الشراب الحلال -، ثم اسق الذي عن يمينك، ثم الذي يليه، ثم قم لحاجتك، فاذا كان بالعشى فضع الشاة الغابرة على الجريب الغابر فكل أنت وأصحابك، ألا وأشبعوا الناس في بيوتهم، وأطعموا عيالهم، فان تجفينكم للناس لا يحسن أخلاقهم، ولا يشبع جائعهم، ووالله! مع ذلك ما أظن رستاقًا يوخذ منه كل يوم شاتان وجريبان إلا يسرع ذلك في خرابه .
وهذا منقطع، الحسن لم يسمع من عمر بن الخطاب، فقد ولد لسنتين بقيتا من خلافته. وكذلك روايته عن أبي موسى، قاله أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان، وعلي المديني. انظر "المراسيل" لابن أبي حاتم(ص37 رقم116و117و118)،و"جامع التحصيل" (ص162).
وله طريق أخرى: فقد أخرجه عمر بن شبة في تاريخ المدينة (2/695-696) عن حبان بن هلال، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: حدثني حفص بن أبي العاص قال: كان عمر - رضي الله عنه - يغدينا بالخبز والزيت والخلّ ... الحديث بمعناه.
وفي سنده: مبارك بن فضالة: صدوق يدلس ويسوّي، كما في "التقريب" (ص918 رقم6506). وقد تُكلم في روايته عن الحسن، فقال أحمد: ((كان مبارك بن فضالة يرفع حديثًا كثيرًا، ويقول في غير حديث عن الحسن:" قال:حدثنا عمران "، قال :"حدثنا ابن مغفل "، وأصحاب الحسن لا يقولون ذلك، وغيره)).
وقال ابن مهدي: لم نكتب للمبارك شيئًا إلا شيئًا يقول فيه: سمعت الحسن)).
وحفص بن أبي العاص: أورده ابن أبي حاتم في "ألجرح والتعديل" (3/185 رقم802)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً .
وللحديث طرق أخرى: منها ما أخرجه ابن أبي شيبة (7/116 رقم34460) في الزهد، باب كلام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، عن سفيان بن عيينة، عن أبي فروة، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: قدم على عمر ناس من أهل العراق ... فذكره بمعناه. وهذا سند رجاله ثقات، إلا أنه منقطع، فابن أبي ليلى لم يسمع من عمر. قاله أبو حاتم، وابن معين. "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص125رقم450 و451).
أبو فروة: هو عمرو بن الحارث الهمداني، ثقة .
ومنها ما أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1/49) من طريق ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن موسى بن سعد، عن سالم بن عبدالله: أن عمر بن الخطاب كان يقول ... فذكره بمعناه. وهذا سند ضعيف: موسى بن سعد، مقبول كما في "التقريب" (ص980 رقم7014).
ورواية سالم بن عبدالله، عن عمر مرسلة. قاله أبو زرعة، كما في المراسيل لابن أبي حاتم (ص81 رقم291).
(20) في (ح): ((للكفار)).
(21) في (ح) و(ي): ((عمر منها)).
(22) في (ب): ((يكون)).
(23) قوله: ((أيّ)) سقط من (أ) و(ي).(3/571)
الناس؛ إذ كل واحد من الرَّجُلَين مجاهد. فالأول للعدوِّ الخارجيِّ، والآخر للداخليِّ؛ الذي هو: النفس والشيطان، فجاهدهما (1) بقطع (2) المألوفات، والمستحسنات من الأهل، والقرابات، والأصدقاء، والأوطان، والشهوات المعتادات. وكل ذلك فرارٌ (3) بدينه، وخوف عليه. وهذا هو الجهادُ الأكبر؛ الذي من وصل إليه فقد ظفر بالكبريت الأحمر. غير أن العزلةَ إنما تكونُ مطلوبة إذا كفى المسلمون عدوَّهم، وقام بالجهاد بعضهم. فأما مع تعيّن (4) الجهاد؛ فليس غيرُه بمراد، ولذلك بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث ببيان (5) أفضلية الجهاد على العزلة ولما (6) قدَّمناه في الباب الذي قبل هذا.
قوله (7) : ((مِن خير معاش الناس لهم))؛ المعاشُ: مصدر بمعنى المعيشة أو =(3/722)=@ العيش؛ أي: مِن أشرفِ طُرُق المعاش الجهاد. ففيه دليلْ على جواز نية أخذ المغانم والاكتساب بالجهاد، لكن إذا كان أصلُ النيه في الجهاد أن يجاهدَ لتكون (8) كلمةُ الله هي العليا. ولهذا أشار (9) ? في هذا الحديث بقوله: ((رجل مُمسِك بعِنان فرسه في سبيل الله))، وبقوله: ((يبتغي القتلَ مظانَّه)). ومتنُ الفرس وغيره: ظَهْرُه. و((الهيعة)): الفزعة. يقال: هاع، يهيع، هيوعًا، وهيعةً؛ إذا جَبُن (10) . و: هاع، يهاع (11) ؛ إذا جاع، وإذا تهوع. و((مظانَّه))؛ أي: في الأوقات التي يظن القتل فيها. وهو منصوب هنا على الظرف.
و((السَّعَفة (12) )) - بفتح العين (13) غير معجمة -: واحدة السُّعَف (14) ، وهي رؤوسُ الجبال. و((اليقين)) هنا: هو المتيقن، وهو الموت. =(3/723)=@ &(3/572)&$
__________
(1) في (أ) و(ب): ((فجهادهما)).
(2) في (أ): ((يقطع)). [تراجع؟]
(3) في (ح) و(ي): ((فرارًا بدنيه وخوفًا عليه)).
(4) في (أ): ((تعيين)).
(5) قوله: ((ببيان)) سقط من (ح) و(ي).
(6) في (ح): ((لما)) بلا واو.
(7) في (ح): ((وقوله)) و(أ) و(ي) و(ب).
(8) في (ب): ((ليكون)).
(9) في (ي) و(ب): ((أشار النبي ?)).
(10) في (ح) و(ي): ((خاف)).
(11) في (ح): ((هاع)).
(12) في (ح): ((والشعفة)).
(13) في (ب): ((الغين)).
(14) في (ح): ((الشِعَف)) و(أ) وفي (ب): ((السغف)).(3/572)
ومن باب رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة
قوله: ((يضحك (1) الله إلى رجلين (2) ))؛ قد تقدَّم الكلامُ في الإيمان على الضحك المنسوب إلى الله تعالى، وأنه عبارة عن الرضا بالمضحوك منه، وإكرامه، والإقبال عليه (3) . ويحتمل أن يكون من باب حذف المضاف؛ أي: يضحك رسول (4) الله وملائكته ممن ذكر عند قبض أرواحهم. والله تعالى أعلم (5) ؛ كما يقال قتل السلطان فلانًا؛ وإنما قتله رجاله (6) .
وقوله: ((لا يجتمع كافر وقاتلُه في النار أبداً))؛ ظاهِرُ هذا: أنَ المسلِمَ إذا =(3/724)=@ قتل كافرًا (7) لم يدخل النَّارَ بوجهٍ من الوجوه. ولم يقيده في هذا الطريق بقيدٍ ؛ لكن قال في الرِّواية الأخرى: ((ثم سَدد))، وقد استشكل بعضُ الأئمة (8) هذا اللفظ. وجهةُ الإشكال: أن مآلَ (9) السَّداد هو الاستقامة على الطريقة من غير زيغ، ومَن كان هذا حالُه فإنه (10) لا يدخل النار؛ قتل كافراً أو لم يقتله. وسلك (11) في الانفصال عن هذا الإشكال (12) أن حمل((سدد)) على((أسلم))، بمعنى: أن القاتلَ كان كافراً، ثم أسلم، وصرفه للحديث الآخر؛ الذي قال فيه: ((يضحك الله لرجلين)).
قال الشيخ رحمه الله: وهذا الإشكالُ إنما وقع لهذا القائل من حيث فسَّر السَّداد بما ذكر، &(3/573)&$
__________
(1) في (ي): ((فيضحك)).
(2) في (أ): ((لرجلين)).
(3) الضحك من الصفات الفعلية الثابتة لله عز وجل في أحاديث كثيرة هذا واحد منها، والصحيح فيها إثبات صفة الضحك لله عز وجل ضحكًا يليق بجلاله، لا يشابهه فيه أحد من خلقه، بلا تأويل ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل، ولا يعلم حقيقته وكنهه إلا الله .
(4) في (ح): ((رسل)) و(أ) و(ي). وفي (ب): ((تضحك رسل الله)).
(5) تراجع في (ح) (ل150أ).
(6) من قوله: ((كما يقال ....)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(7) في (ب) و(ح) و(ي): ((الكافر)).
(8) في (ح) و(ي): ((الرواة)).
(9) في (أ) و(ي): ((قال)).
(10) قوله: ((فإنه)) سقط من (ح).
(11) في (ب): ((مسلكه)).
(12) قوله: ((الإشكال)) سقط من (ب).(3/573)
والذي يظهرُ لي: أنه ليس المراد بالسَّداد هنا ما ذكر؛ بل بعض ما ذكر، وهو أن يسدد حالَه في التخلص من حقوق الآدميين؛ التي تقدَّم الكلامُ عليها في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((القتل (1) في سبيل الله يكفر كل شيءٍ إلا الدَّين)) (2) ، فإذا لم تكفر (3) الشهادةُ الذينَ كان أبعد أن يكفره قتل الكافر. ويحتملُ أن يقالَ: سدد بدوام الإسلام حتى الموت. أو باجتناب الموبقات التي لا تُغفر إلا بالتوبة، كما تقدَّم في الطهارة. والله تعالى أعلم.
وقوله في الطريق الآخر: ((لا يجتمعان في النار اجتماعًا يضرُّ أحدُهما (4) الآخر))؛ مخالف للرواية الأولى (5) ، فإن ظاهرَ تلك الرواية (6) : نفي الاجتماع مطلقًا. وظاهرُ هذه: نفي اجتماع مخصوص. فتعارض الظاهران. ووجهُ الجمع: حملُ المطلق على المقيَّد. بمعنى: أنَّ من قتَل كافرًا ثمَّ مات مرتكبَ كبيرةِ، غير تائبٍ منها، فامرُه إلى الله تعالى؛ إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه بها (7) ، وأدخل (8) النار. ثم إن أدخل (9) النار فإنما يدخل حيث يدخلُ المؤمنون المذنبون، لا حيث يدخل الكافرون. فلا يجتمعُ ذلك المؤمنُ مع مقتوله الكافر أبدًا، ولا يلقاه حتى يخاصمه، كما قد جاء: =(3/725)=@ أن بعضَ الكفار يجتمعُ ببعض المؤمنين في النار، فيقولون لهم: ما أغنى عنكم إيمانكم ولا عبادتكم؛ إذ أنتم معنا (10) . فيضجُ المؤمنون إلى الله تعالى حتى يخرجوا (11) ، فإذا خرجوا (12) ، وتفقدهم (13) الكافرون، فلم يروهم، قال بعضُهم لبعضِ: {مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالاً كنا نَعُدُّهُم مِنَ الأَشْرَارِ * اتَّخذَنَاهُمْ سُخْرِيًّا أم زَاغَتْ عنْهُمُ الأَبْصَار} (14) . وقيل في الآية غير هذا. والله تعالى أعلم. &(3/574)&$
__________
(1) في (ي): ((الفتل)).
(2) تقدم في باب فضل القتل في سبيل الله تعالى .
(3) في (ب): يشبه أن تكون ((يكفر)).
(4) قوله: ((أحدهما)) سقط من (ح).
(5) في (أ): ((الأخرى)).
(6) قوله: ((الرواية)) سقط من (أ) و(ح) و(ي).
(7) قوله: ((بها)) سقط من (ح) و(ي).
(8) في (ح): ((وأدخله)) و(ي).
(9) في (ح): ((دخل)) و(ي).
(10) انظر الورق المرفق ص310.
(11) في (ب): ((تخرجوا)).
(12) في (ب): ((أخرجوا)).
(13) في (أ): ((ويتقدهم)).
(14) سورة ص؛ الآية: 62-63.(3/574)
ومن باب فضل الحمل (1) في سببل الله
قوله :((جاء رجل بناقةٍ مخطومةٍ))؛ أي: عليها خطامها؛ أي: زمامها (2) .
وقوله (3) - صلى الله عليه وسلم - : ((لك بها يوم القيامة سبعمئة ناقة، كلها (4) مخطومة))؛ هذه الحسنةُ =(3/726)=@ مما ضوعفت (5) إلى سبعمائة ضعف، وهو أقصى الأعداد المحصورة؛ التي تضاعف الحسنات إليها. وهذا كما قال (6) تعالى: {كمثل حبَّة أنبتت سبع سنابل في سنبلة مائة حبة} (7) ، وبقي بعد هذا (8) المضاعفة من غير حصر، ولا حدّ (9) ، وهي مفهومة من قوله تعالى: {والله يضاعف لمن يشاء}(2).
وقوله: ((إني أبدع بي))؛ أي: هلكت (10) راحلتي، وانقطع بي، وهو رباعي، مبني لما لم يسم فاعله. وقد وقع لبعض الرواة: ((بُدِّعَ بي (11) )) على فُعِّل مشدد العين. وليس بمعروف في اللغة.
وقوله: ((احملني (12) ))؛ أي: أعطني ما أتحمل عليه، أي: أحمل رحلي (13) ، وأرتحل عليه.
وقوله: ((من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله))؛ ظاهر هذا اللفظ: أن للدَّال &(3/575)&$
__________
(1) في (ح) و(ي): ((الجهاد)).
(2) في (ح): ((هذا ها)).
(3) في (ي): ((قوله)) بلا واو.
(4) قوله: ((كلها)) سقط من (ب).
(5) في (ح) و(ي): ((ضوعف)).
(6) في (ب): ((كمال)).
(7) سورة البقرة؛ الآية: 261.
(8) في (ب) و(ي): ((هذه)).
(9) في (ب): يشبه أن تكون ((ولا جد)).
(10) في (ح): ((أهلكت)).
(11) قوله: ((بي)) سقط من (أ) و(ح) و(ي).
(12) في (أ): ((واحملني)).
(13) في (ي): ((رجلي)).(3/575)
من الأجر ما يساوي أجر الفاعل المنفق. وقد ورد مثل هذا في الشرع كثيرًا؛ =(3/727)=@ كقوله: ((من قال مثل ما يقول المؤذن كان له مثلُ أجره)) (1) ، وكقوله فيمن (2) توضأ وخرجَ إلى الصلاة فوجد الناس قد صلَّوا: ((أعطاه الله من الأجرِ مثل أجر من حضرها، وصلاَّها)) (3) . وهو ظاهرُ قوله تعالى: {وَمَن يخرج مِن بيتهِ مُهاجرًا إلى اللهِ وَرَسُوله ثم يدركه الموت فَقَد وقَعَ أجْرٌه على الله} (4) ، وهذا المعنى يمكنُ أن يقال به (5) ، ويصار إليه بدليل: أن الثوابَ على الأعمال إنما هو تفضل (6) من الله تعالى، فيهبه (7) لمن يشاء على أي شيءٍ صدر عنه، وبدليل: أنَّ النية الصادقة هي أصلُ الأعمال، فإذا صحَّتْ في فعل طاعةٍ فعجز (8) عنها لمانعٍ منع منها فلا بُعدَ في مساواة أجر ذلك العاجز (9) لأجر القادر الفاعل، أو يزيد عليه، وقد (10) دلَّ على هذا: قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((نيه المؤمن خير من عمله)) (11) ، ولقوله ?: ((إن بالمدينة أقوامًا (12) ما سرتم (13) مسيرًا، ولا قطعتم واديًّا إلا كانوا معكم، حبسهم العذر)) (14) . وأنصّ (15) ما في هذا الباب حديث أبي كبشة الأنماري (16) ؛ الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((إنَّما الدنيا لأربعة نفر: رجل آتاه الله تعالى مالاً وعلمًا، فهو يتقي فيه ربَّه، ويصل (17) فيه (18) رحمه، ويعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأفضل المنازل. ورجل آتاه الله علمًا ولم يؤته مالاً، فهو يقولُ: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعَمَلِ فلانٍ، فهو نيته (19) ، فأجرهما سواء، ورجلٌ آتاه الله مالاً ولم يؤته علمًا (20) ؛ =(3/728)=@ فهو لا يتقي فيه ربَّه، ولا يصل فيه (21) رحمه، ولا يعلم لله فيه حقًّا، فهذا &(3/576)&$
__________
(1) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (19/346 رقم802) من طريق إسماعيل بن عياش، عن عمارة بن غزية، عن هلال بن يساف؛ أنه سمع معاوية يحدث أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من سمع المؤذن فقال مثل ما يقول، فله مثل أجره)).
ولم يعزه صاحب "كنز العمال" (7/701 رقم21002) إلا للطبراني .
وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/255 رقم389): (( رواه الطبراني في "الكبير" من رواية إسماعيل بن عياش، عن الحجازيين، لكن متنه حسن، وشواهده كثيرة)).
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/92 رقم1870): ((رواه الطبراني في "الكبير" من رواية إسماعيل بن عياش، عن الحجازيين، وهو ضعيف فيهم)). وضعفه الشيخ الألباني في "ضعيف الجامع" (5633).
(2) في (ب): ((فمن)).
(3) تقدم تخريجه في باب من أدرك ركعة من فعل الصلاة، من كتاب الصلاة .
(4) سورة النساء؛ الآية: 100.
(5) في (ح) و(ي): ((فيه)).
(6) في (ي): ((رجلي)).
(7) في (م) يشبه أن تكون ((يهبه)).
(8) في (ب): ((يعجز)).
(9) قوله: ((العاجز)) مطموس في (ح).
(10) في (ب): ((فقد)).
(11) تقدم تخريجه في باب كراهية سرد الصوم، من كتاب الصيام .
(12) في (ب) و(ح) و(ي): ((قومًا)).
(13) قوله: ((سرتم)) مطموس في (ح).
(14) سيأتي في باب الإخلاص وحسن النية في الجهاد .
(15) في (ح): ((وأنص)): و(أ).
(16) تقدم تخريجه في باب في قوله عز وجل: {ولله ما في السموات وما في الأرض} من كتاب الإيمان .
(17) قوله: ((يصل)) مطموس في (ح)، ولم يظهر إلا حرف اللام .
(18) في (ح): ((به)).
(19) في (أ) و(ب) و(ي): ((نيته)).
(20) في (ي): ((فيه علمًا)).
(21) قوله: ((فيه)) سقط من (ح) و(ي).(3/576)
بأخبث المنازل. ورجل لم يؤته الله مالاً ولا علمًا؛ فهو يقول: لو أن لي (1) مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو نيته (2) ، فوزرهما سواء)).
وقد ذهب بعض الأئمة إلى أن المثل (3) المذكور في هذه الأحاديث إنما هو بغير تضعيف. قال: لأنه تجتمع في تلك الأشياء أفعال أخر، وأعمال من البر كثيرة (4) ، لا يفعلها الدَّال الذي ليس عنده إلا مجرد (5) النية الحسنة. وقد قال - صلى الله عليه وسلم - للقاعد: ((أيُّكم خلف الخارج في أهله وماله بخير فله مثل (6) نصف أجر الخارج))، وقال: ((لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر (7) بينهما)) (8) .
قال الشيخ: ولا حجة في هذا الحديث لوجهين:
أحدهما: إنا نقول بموجبه، وذلك أنه لم يتناول محل النزاع، فإن الدعوى إنما هي (9) : أن الناوي للخير المعوق عنه هل (10) له مثل أجر الفاعل من غير تضعيف. وهذا الحديث إنما اقتضى مشاركة ومشاطرة في المضاعف، فانفصلا.
وثانيهما: أن القائم على مال (11) الغازي، وعلى أهله نائبٌ عن الغازي في عمل (12) لا يتأتى للغازي غزوه (13) إلا بأن يكفي ذلك العمل، فصار كأنه يُباشر معه الغزو، =(3/729)=@ فليس مُقتصرًا على النية فقط، بل هو عامل في الغزو، ولما كان كذلك كان له مثل أجر الغازي كاملاً، وافرًا، مضاعفًا، بحيث إذا أضيف ونسب إلى أجر الغازي كان نصفاً له، وبهذا يجتمعُ (14) معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((من خلف غازيًا في أهله بخيرٍ فقد غزا))، ويبين (15) معنى قوله في اللفظ الأول: ((فله مثل نصف أجره))، والله تعالى أعلم.
وعلى هذا يحمل قوله: ((والأجر بينهما (16) )) لا أن النائبَ يأخذ نصف أجر الغازي، ويبقى للغازي النصف، فإن الغازيَ (17) لم يطرأ عليه ما يوجبُ تنقيصًا &(3/577)&$
__________
(1) قوله: ((لي)) سقط من (ي).
(2) كتب بجانب الورقة [كذا في (ح) فهو ((نيته))].
(3) في (ب): ((العمل)).
(4) في (ح): ((كثيرة من البر)). وفي (ي): ((وأعمال كثيرة من البر كثيرة)).
(5) أشير لها بسهم وصححت وكتب بجانبها كذا في (ح).
(6) قوله: ((مثل)) سقط من (ح) و(ي).
(7) في (ي): يشبه أن تكون ((والأخر)).
(8) سيأتي في باب في البعوث ونيابة الخارج عن القاعد.
(9) في (ب) و(ح) و(ي): ((فإن المطلوب إنما هو)).
(10) قوله: ((المعوق عنه هل)) سقط من (أ).
(11) في (ب): ((أجر)).
(12) قوله: ((في عمل)) سقط من (ب).
(13) في (ب): ((في غزوة)).
(14) في (ي): ((يجمع)).
(15) في (ب): ((بين)).
(16) في (ب): ((بينكما)).
(17) في (ح): ((المغازي)).(3/577)
لثوابه، وإنَّما هذا كما قال: ((من فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجر الصائم، لا ينقصه من أجره شيء)) (1) . والله تعالى أعلم.
وعلى هذا فقد صارت كلمةُ ((نصف (2) )) مقحمةً هنا بين ((مثل)) و((أجر)) وكأنها زيادةٌ مِمَّن تسامَحَ في إيراد اللفظ، بدليل قوله: ((والأجر بينهما))، ويشهد له ما ذكرناه، فَليُتنبَّه له، فإنه حَسَن. وأمَّا من تحقق عجزه، وصدقت نيتُه، فلا ينبغي (3) أن يختلف في: أن أجره مضاعف كأجر العامل المباشر؛ لما تقدَّم، ولما خرَّجه النسائيُّ (4) من حديث أبي الدرداء – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من أتى فراشه، وهو ينوي أن يقومَ يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى يصبح (5) ؛ كان له ما نوى، وكان نومُه صدقة عليه (6) )).
و((جهاز الغازي)): ما يحتاج إليه في غزوه من العدّة والسلاح والنفقة وغير ذلك. =(3/730)=@
ومن باب البعوث ونيابة الخارج عن القاعد (7) (8)
((البعوث (9) )): جمع بعثِ، وهم السَّرايا، أو العساكر (10) الذين يبعثهم الإمامُ للغزو. &(3/578)&$
__________
(1) أخرجه عبدالرزاق (4/311 رقم7905)، وابن أبي شيبة (4/236 رقم19548) في الجهاد، باب ما ذكر في فضل الجهاد والحث عليه، وابن ماجه (1/555 رقم1746) في الصيام، باب في ثواب من فطر صائمًا، والنسائي في "الكبرى" (2/256 رقم3330)، وابن خزيمة (3/277 رقم2064)، والطبراني في "الكبير" (5/255 و256 رقم5267 و5268 و5269 و5270 و5271) من طريق عبدالرزاق وغيره، والبيهقي (4/241).
جميعهم من طريق محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى .
وأخرجه أحمد (4/114-115 و116)، و(5/192)، والدارمي (2/7) في الصيام، باب الفضل لمن فطر صائمًا، وابن ماجه (1/555 رقم1746) في الموضع السابق، والترمذي (3/171 رقم807) في الصوم، باب ما جاء في فضل من فطر صائمًا، و(4/145 رقم1630) في فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل من جهز غازيًّا، ولم يسق لفظه، والنسائي في "الكبرى" (2/256 رقم3331)، وابن خزيمة (3/277 رقم2064)، وابن حبان (8/216 رقم3429/الإحسان)، و(10/491 رقم4633/الإحسان)، والطبراني في "الكبير" (5/256 و256-257 و257 رقم5272 و5273 و5274)، والبيهقي (4/241)، والبغوي في "شرح السنة" (6/377 رقم1818)، وأبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب والترهيب" (2/354-355 رقم1762). جميعهم من طريق عبدالملك بن أبي سليمان .
وأخرجه ابن ماجه (1/555 رقم1746) في الموضع السابق، من طريق حجاج بن أرطأة، وأخرجه الطبراني في "الكبير" (5/257 رقم5276)، والبيهقي (4/241). كلاهما من طريق معقل بن عبيدالله .
وأخرجه الطبراني في "الكبير" (5/257 رقم5276 و5277) من طريق يعقوب بن عطاء، وعمرو بن قيس. جميعهم (محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، وعبدالملك بن أبي سليمان، وحجاج بن أرطاه، ومعقل بن عبيدالله، ويعقوب بن عطاء، وعمرو بن قيس) عن عطاء بن أبي رباح، عن زيد بن خالد، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من فطّر صائمًا كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجورهم شيء)).
قال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، كما تقدم، وصححه البغوي)). قال الألباني في تعليقه على "المشكاة" (1/621 رقم1992): ((إسناد جيد)). وصححه في تعليقه على "الترغيب" (ص451 رقم1072)، وقد حكم ابن المديني على رواية عطاء بن أبي رباح، عن زيد بن خالد الجهني بالإرسال. انظر "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص155 رقم567).
وسماع عطاء من زيد بن خالد، محتمل جدًّا، فقد توفي عطاء سنة أربعة عشر ومائة، وله ثمان وثمانون سنة،فيكون مولده سنة ست وعشرين، ووفاة زيد بن خالد سنة ثمانون وسبعين، وقيل: ثمان وستين، ثم عطاء مكي، ويبعد جدًّا عدم لقائه لزيد بن خالد في حجٍّ أو عمرة. ولعل هذا هو الحامل للأئمة على تصحيح حديثه.
(2) في (ب): ((النصف)).
(3) أشير لها بسهم وكتب [تراجع؟ كذا في (ح)].
(4) تقدم تخريجه في باب: فيمن غلب عن حزبه، من كتاب الصلاة .
(5) في (ب): ((تصبح)).
(6) من قوله: ((وأما من تحقق عجز...)) إلى هنا سقط من (أ).
(7) من قوله: ((ومن باب البعوث... إلى هنا)) ليس في (ح) و(ي) و(ب).
(8) وضعة دائرة حول العنوان وأشير بسهم إلى جانب الورقة وكتب هل هذا العنوان في أحد النسخ؟ نعم في (أ).
(9) في (ب): ((والبعوث)).
(10) في (ي): ((والعساكر)).(3/578)
وقوله: ((آل بني لحيان))- بكسرِ اللام -، وهو: لحيان بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، بطن يُنسب إليهم نَفرٌ من أهل العلم. ويقال في النسب إليه: اللحياني (1) . =(3/731)=@
وقوله (2) : ((حُرمةُ (3) نساء المجاهدين كحرمة أمَّهاتهم))؛ يعني: أنه يجبُ على القاعدين مِن احترامهن (4) ، والكفّ عن أذاهن، والتعرض (5) لهن مثل (6) ما يجبُ عليهم في أمهاتهم.
وقوله: ((فما ظنكم))؛ يعني: أن المخونَ في أهله إذا مُكن مِن أخْذ حسنات الخائن لم يُبْقِ له منها شيئًا، ويكون مصيرُه إلى النار. وقد اقتُصِرَ على (7) مفعولي الظن.
وظَهَرَ مِن هذا الحديث: أن خيانةَ الغازي في أهله أعظمُ من كل خيانةٍ ؛ لأن لم ما عداها لا يخير في أخذ كل (8) الحسنات؛ وإنما يأخذُ بكلّ خيانةٍ قدرًا (9) معلومًا من حسنات (10) الخائن. =(3/732)=@ &(3/579)&$
__________
(1) من قوله: ((وقوله آل بني لحيان ....)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(2) قوله: ((وقوله)) سقط من (أ).
(3) في (ب): ((حرمت)) كذا رسمت.
(4) أشير إلى جانب الورقة وكتب [تراجع النسخ كذا في (ح)].
(5) في (أ): ((تعرض)).
(6) قوله: ((مثل)) سقط من (ح) و(ي).
(7) في (ب): ((على أحد مفعولي)).
(8) قوله: ((كل)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(9) قوله: ((قدرًا)) سقط من (ب).
(10) في (ح): ((حسناته)) ثم حاول تصحيحها إلى ((حسنات)) ولم يوفق.(3/579)
وأما أهل الأعذار فإن هؤلاء لهم أجورهم مضاعفة موفورة على ما قدمناه لصدق نيتهم في الجهاد والخير ورغبتهم فيه، وتألم قلوبهم بسبب أعذارهم التي أوجبت قعودهم عنه، وقد نص في كتاب النسائي على مثل هذا المعنى، فقال: عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من أتى فراشه وهو ينوي أن يقومَ يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى يصبح؛ كان له ما نوى، وكان نومُه صدقة عليه من ربه (1) )) (2) .
باب في قوله تعالى: {لا يستوي القاعدون} الآية (3)
وقوله: {وكلاًّ وعد الله الحسنى}؛ أي: الموفقين المحقّقين في إيمانهم المجاهدين وغيرهم. وقيل: القاعدين من أولي الأعذار والمجاهدين. و{الحسنى}: الجنة، كما (4) قال تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} (5) ، و{الحسنى (6) }: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله تعالى (7) ؛ كما قاله رسول (8) الله - صلى الله عليه وسلم - (9) . =(3/733)=@
وقوله: {درجات} (10) بدل من {أجرًا عظيمًا} (11) ، وهذه الدَّرجاتُ هي المئةُ الدرجة التي أعدَّها الله تعالى للمجاهدين، كما تقدَّم في حديث أبي سعيد – رضي الله عنه - (12) . &(3/580)&$
__________
(1) من قوله: ((وأما أهل الأعذار ....)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(2) تقدم هذا الحديث وتخريجه قريبًا في باب فضل الحمل في سبيل الله والجهاد.
(3) سورة النساء؛ الآية: 95، ومن قوله: ((باب في قوله تعالى...)) إلى هنا ليس في (ح) و(أ) و(ي) و(ب).
(4) في (أ): ((لما)).
(5) سورة يونس؛ الآية: 26.
(6) في (أ) و(ب): ((فالحسنى)).
(7) في (ح): ((الكريم)).
(8) في (أ) و(ب): ((الرسول ?)).
(9) تقدم في الإيمان، باب ما جاء في رؤية الله تعالى في الدار الآخرة .
(10) سورة النساء؛ الآية: 96 .
(11) سورة النساء؛ الآية: 95.
(12) تقدم تخريجه في باب الترغيب في الجهاد وفضله .(3/580)
ومن باب بعث (1) العيون في الغزو
((بُسَيسَة (2) ))- بضم الباء بواحدةٍ (3) ، وفتح السين، وياء التصغير -؛ هكذا رواه جميعُ رواة الحديث، وكذا وقع في كتاب مسلم وأبي داود (4) . والمعلومُ في كتاب السِّير: ((بَسْبَس)) بفتح الباء غير مصغرٍ -؛ وهو: بَسْبَسُ بن عمرو (5) . ويقال: ابن بشرٍ من الأنصار، وقيل: حليفهم. وأنشد ابنُ إسحاق في خبره (6) (7) :
أقِم لها صُدُورَهَا يَابَسبَسُ ... أن تَرِدَ الماءَ بِمَاءِ أكيَسُ (8)
=(3/734)=@ و((العين)) هنا: الجاسوس؛ يُسمي (9) بذلك لأنه يعاينُ فيخبرُ مرسلَه بما (10) يراه، فكأنه عينُه. و((العير)): الإبلُ التي عليها الأثقال.
و((ظُهرانهم (11) ))- بضم الظاء -: جمع (12) ظهر، وقيل: جمع (13) ظهير، كقضيب وقُضبان، وكثيب وكُثبان. وهو البعيرُ الذي ركب ظهره.
و((بخ بخ)): كلمة تقال لتفخيم الأمر، وتعظيمه، والتعجب منه. وتقال (14) بسكون الخاء، وكسرها مُنوّنة (15) .
وقوله (16) : ((قوموا إلى جنة عرضُها السَّموات والأرض))؛ أي: كعرض السَّموات (17) والأرض. كما قال تعالى (18) في سورة الحديد (19) : {وجنَّة عرضها كعرض السماء والأرض (20) }؛ شبَّه سعة (21) الجنة بسعة السَّموات والأرض، وإن كانت الجنة أوسعَ، مخاطبةً لنا بما شاهدنا؛ إذ لم نشاهدْ أوسعَ (22) من السموات والأرض. وهذا أشبهُ ما قيل في هذا المعنى. &(3/581)&$
__________
(1) قوله: ((بعث)) سقط من (ح) و(ي).
(2) في (ح): ((بسيبة)).
(3) في (ب): ((بضم الموحدة)).
(4) في "سننه" (3/88 رقم2618) في الجهاد، باب في بعث العيون .
(5) أورده الحافظ في "الإصابة" (1/242-243) وذكر أن صوابه: بَسْبَسَة بن عمرو، على وزن: فعللة .
(6) في (ي): ((حين)).
(7) "سيرة ابن هشام" (1/643)، و"البداية والنهاية" (3/305)، وفيه:
أقم لها صدورها يا بسبس ... ليس بذي الطلح لها وعرَّسُ
وفيه أن القائل: عدي بن أبي الزغباء .
(8) في (أ): ((أحبس)).
(9) في (ب): ((سمي)).
(10) في (ب) و(ح) و(ي): ((ما)).
(11) في (ي): ((وظهرانيهم)).
(12) في (ب): ((جميع)).
(13) في (ب): ((جميع)).
(14) في (ب) و(ح): ((يقال)).
(15) قوله في (أ): ((مؤنثة)) وفي (ي): ((منوية)).
(16) قوله: ((وقوله)) سقط من (أ).
(17) في (ح) و(ي): ((السماء)).
(18) في (ب): ((قال الله تعالى)).
(19) سورة الحديد؛ الآية: 21.
(20) قوله: ((السماء والأرض)) ليس في (أ).
(21) قوله: ((سعة)) سقط من (ح) و(ي).
(22) من قوله: ((مخاطبة لنا بما شاهدنا...)) إلى هنا سقط من (ي).(3/581)
وقوله: ((لا والله! إلا رجاءَ))؛ رويته بنصب الهمزة من غير تاء (1) تأنيثٍ (2) على أن يكونَ مفعولاً من أجله. والأولى فيه الرفع، على أن يكونَ فاعلاً بفعلٍ مضمر، يدلُّ عليه قولُه: ((ما يحملُك على قولك: بخ بخ؟)) لأنَه جوابُه؛ أي: لا يحملُني (3) على قولي: بخٍ بخٍ (4) إلا رجاءُ أن أكون من أهل الجنة. وقد رواه كثير من المشايخ :((إلاَّ رجاءة)) بتاء التأنيث، وهو مصدرُ الرَّجاء، لكنه محدود. قال المبرّدُ: تقولُ العربُ: فعلته رجأتك؛ أي: رجاءك؛ من الرَّجاء، وهو الطمَعُ في تحصيل ما فيه عْرضٌ ونَفعٌ. =(3/735)=@
وقوله: ((فأخرج تمرات من قَرَنِه))- بفتح القاف والرَاء -، وهي جَعبةُ السهام. وهكذا روايتنا فيه، وأمَّا من رواه من قُرْبِه (5) بضم القاف، وسكون الراء، وكسر الباء. و((قَرْقَرِهِ)) فتغيير، وإن كانت لهما أوجه بعيدة.
وقوله: ((الجنَّةُ تحت ظلالِ السُّيوف))؛ من الاستعارة البديعة، والألفاظ السَّهلة البليغة؛ التي لا يُنسَجُ (6) على منوالها، ولا يقدِرُ بليغ أن يأتيَ بمثالها (7) . يعني بذلك: أن من خاض (8) غمراتِ الحروب، وباشرَ حالَ المسايفة كان له جزاء الجنة. وهذا من باب قوله: ((الجنَّة تحت أقدام الأمَهات)) (9) ؛ أي: مَن تذلَّل لهنَّ، وأطاعهنَّ وَصَل إلى الجنة، ودخلها. &(3/582)&$
__________
(1) قوله: ((تاء)) سقط من (أ).
(2) في (ب): ((التأنيث)).
(3) في (ي): ((لا تحملني)).
(4) في (ب): ((بخ)) مرة واحدة .
(5) قوله: ((من قربة)) سقط من (ح) و(ي).
(6) في (ب): ((تُنسجُ)).
(7) في (ح) و(ي): ((بمثلها)).
(8) في (أ): ((خاص)).
(9) تقدم تخريجه في باب النهي عن تمني لقاء العدو .(3/582)
وفي هذين (1) الحديثين دليل على جواز استقتال (2) الرجل نفسه في طلب الشَهادة، وإن علم أنه يقتَل (3) . وقد فعله كثير من الصحابة (4) والسَّلف وغيرهم – رضي الله عنهم -. وروي عن عمر (5) وأبي هريرة (6) رضي الله عنهما، وهو قولُ مالك، ومحمد بن الحسن، =(3/736)=@ غير أنَّ العلماءَ كرهوا فِعلَ ذلك لرأس الكتيبة؛ لأنه إن هلك هلك جيشُه. وقد روي عن عمر (7) أيضًا كراهية (8) الاستقتال، وقال (9) : ((لأن أموتَ على فراشي أحبُّ إليَّ من أن أقتل بين يدي صفٍ)). يعني: يستقتل (10) . ورأى بعضُ العلماء هذا الفعلَ مِن إلقاء اليد للتهلكة المنهي عنه.
قال الشيخ رحمه الله: وفي هذا بُعْدٌ من وجهين:
أحدهما: أن أحسنَ ما قيل في الآية؛ أنها فيمن ترك الإنفاق في الجهاد (11) .
وثانيها (12) : أن عملاً يُفضي بصاحبه إلى نيل (13) الشَّهادة ليس بتهلكة، بل التهلكةُ: الإعراضُ عنه، وتركُ الرَّغبة فيها (14) . ودلَّ على ذلك الأحاديث المتقدِّمة كلها، فلا يُعدل عنها. =(3/737)=@ &(3/583)&$
__________
(1) في (ح): ((هذان)).
(2) في (ي): ((استقبال)).
(3) قال الحافظ في "الفتح" (8/185-186): ((وأما مسألة حمل الواحد على العدد الكثير من العدو، فصرح الجمهور بأنه إن كان لفرط شجاعته وظنه أنه يرهب العدو بذلك، أو يجريء المسلمين عليهم، أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة فهو حسن، ومتى كان مجرد تهور فممنوع، ولا سيما إن ترتب على ذلك وهن في المسلمين، والله أعلم)).
(4) منهم البراء بن مالك: أخرجه بقي بن مخلد في "مسنده"- كما في"الإصابة" (1/
236)- قال: حدثنا خليفة، حدثنا أبو بكر، عن أبي إسحاق قال: زحف المسلمون إلى المشركين يوم اليمامة حتى ألجئوهم إلى حديقة فيها عدو الله مسيلمة، فقال البراء بن مالك: يا معشر المسلمين! ألقوني إليهم، فاحتُمل حتى إذا أشرف على الجدار اقتحم، فقاتلهم على الحديقة حتى فتحها المسلمين، ودخل عليهم المسلمين، فقتل الله مسيلمة .
ومن طريق بقي بن مخلد: أخرجه ابن عبدالبر في"الاستيعاب" (1/287/بهامش الإصابة)، لكن قال: عن خليفة بن خياط، عن بكر ين سليمان .
(5) أخرجه ابن أبي شيبة (4/214 رقم19349) في الجهاد، باب ما ذكر في فضل الجهاد والحث عليه، والبيهقي (9/45-46) كلاهما من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن مدرك بن عوف الأحمسي: أنه كان جالسًا عند عمر - رضي الله عنه - ، فذكروا رجلاً شرى نفسه يوم نهاوند، فقال: ذاك والله يا أمير المؤمنين خالي؛ زعم الناس أنه ألقى بيديه إلى التهلكة، فقال عمر - رضي الله عنه - : كذب أولئك؛ بل هو من الذين اشتروا الآخرة بالدنيا .
وصححه الحافظ في "الفتح" (8/185).
(6) لم أقف عليه .
(7) لم أقف عليه .
(8) في (ب): ((كراهة)).
(9) في (ب): ((قال)) بلا واو.
(10) في (ح): ((مستقتل)) وفي (ي): ((مستقبل)).
(11) أخرجه البخاري (8/185 رقم4516) في التفسير، باب {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.
(12) في (ب): ((وثانيهما)).
(13) قوله: ((نيل)) سقط من (ح) و(ي).
(14) في (ح): ((فيه)).(3/583)
ومن باب قوله تعالى: {رِجَالٌ صَدقُوا مَا عاهَدُوا الله عليه} الآية (1)
قول أنس – رضي الله عنه -: ((عمِّي سُمِّيت به))؛ أي: سُميت باسمه، فإن عمَّه اسمه (2) : أنس بن النضر.
وقوله: ((وإن (3) أشهدني اللهُ مشهدًا فيما بعد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليرينَّ اللهُ ما أصنع))؛ هذا الكلامُ تضمَّنَ أنه ألزمَ نفسه إلزامًا مؤكدًا، وهو (4) : الإبلاءُ في الجهاد، والانتهاض فيه، والإبلاغُ في بذل ما يقدر عليه منه، ولم يصرِّح بذلك مخافةَ ما يتوقَّع من التقصير في ذلك، وتبرُئًا مِن حوّله وقوته؛ ولذلك قال: ((فهاب أن يقول غيرها))، ومع ذلك فنوى بقلبه، وصمم على ذلك، بصحيح (5) قصدُه، ولذلك سمَّاه الله تعالى عهدًا في الآية حيث قال: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه (6) } (7) ، فسمَّاه عهدًا (8) . =(3/738)=@
وقوله: ((واهًا لريح الجنة))؛ أي: عجبًا منه، فهي هنا تعجب، وقد تأتي للترحُم، والتلهف، والاستهانة. &(3/584)&$
__________
(1) سورة الأحزاب؛ الآية: 23.
(2) قوله: ((اسمه)) سقط من (ح) و(ي).
(3) في (أ): ((إن))، وفي (ح): ((وإني)) و(ي).
(4) قوله: ((وهو)) سقط من (أ).
(5) في (ح): ((فصحّ)). وفي (ي): ((فصحح)).
(6) قوله: ((عليه)) سقط من (أ).
(7) سورة الأحزاب؛ الآية: 23.
(8) من قوله: ((في الآية ....)) إلى هنا سقط من (ح).(3/584)
وقوله: ((أجده دون أُحُدٍ))؛ ظاهرُه الحملُ على: أنه وجده حقيقةً، كما جاء في الحديث الآخر: ((إن ريح الجنة يوجدُ (1) على مسيرة خمسمائة عامٍ)) (2) ، ويحتملُ أن يكون قاله على معنى التمثيل (3) ؛ أي: إن القتلَ دون أُحُد موجب لدخول الجنة، ولإدراك ريحها ونعيمها.
وقوله: ((فقاتلهم حتى قتل))؛ ظاهره: أنه قاتلهم وحده. فيكون فيه دليل على جواز الاستقتال، بل على نَدبه (4) ؛ كما تقدم.
وقولها: ((فما عرفَتُه إلا ببنانه))؛ أي: بأصابعه. ومنه قوله تعالى: {عَلَى (5) أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَه} (6) ، وقوله: {فَمِنْهُم مَن قَضَى نَحْبَهُ} (7) ؛ أي: وفَّى بنذره. يقال: نحب، ينحُب إذا نذر، ومنه قول الشاعر (8) :
إذا (9) نحبت كلبٌ على الناس إنَّهم (10) ... أحقّ بناجِ (11) الماجد المتكرِّم
وقال آخر (12) :
ألا تَسْأَلانِ المرءَ ماذا يُحاولُ ... أنحبٌ فيُقضي أم ضلالٌ وباطل (13)
وقيل: قضى أجله على ما عاهد عليه. قال ذو الرمَّة (14) :
عَشِيَّةَ فرَّ الحارِثُيونَ (15) بَعْدَما ... قَضَى نَحبَهُ في مُلتَقى الجيشِ (16) هَوْبَرُ
=(3/739)=@ وقوله: {ومنهم من ينتظر}؛ أي: الوفاء بما نذر أو (17) الموت على ما عاهد (18) .
وقوله: {وما بدلوا تبديلاً}؛ أي: استمرُّوا على ما التزموا، ولم يقع منهم نقض لما أبرموا.
وقوله ((قال (19) : فكانوا يرون أنها نزلت فيه (20) وفي أصحابه))؛ هذا القائلُ هو: ثابت. والله تعالى أعلم؛ ويعني به: أن (21) الصَّحابةَ - رضي الله عنهم - كانوا يظنون: أنَها نزلتْ فيمن ذكر. وقد (22) قيل: نزلت في السَّبعين الذين بايعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم، وأبناءهم، فوفُّوا بذلك؛ قاله الكلبيُّ. وقد قيل غير هذا (23) . &(3/585)&$
__________
(1) في (ح): ((توجد)).
(2) أخرج مالك في "الموطأ" (2/913) عن مسلم بن أبي مريم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: أنه قال: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة سنة.
وأخرج ابن ماجه (2611) من طريق عبد الكريم الجزري، عن مجاهد، عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة سنة)). وإسناده صحيح. وأخرجه أحمد (؟؟؟) إلا أنه قال: ((سبعين عامًا)) وإسناده صحيح.
وأخرج النسائي في "الكبرى" (8744) من طريق الحجاج، عن حماد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن، عن أبي بكرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من قتل نفسًا معاهدة بغير حقها لم يجد رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة خمسمائة عام)).
وأخرجه أحمد (20506) من طريق علي بن زيد بن جدعان، عن عبدالرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة به.
وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" (موارد1530) من طريق مخلد بن الحسين عن هشام، عن الحسن، عن أبي بكرة قال فذكره .
وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (431) من طريق محمد بن سعيد القرشي، ثنا شبيب بن شبة السعدي، ثنا الحسن، فذكره. ومحمد هذا: هو المصلوب .
وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (2923) من طريق محمد بن عبدالرحمن العلان، عن محمد بن سوار، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي بكرة به. ومحمد العلان: غير معروف.
وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (4938)، و"الصغير" (408) من طريق الربيع بن بدر، ثنا هارون بن رئاب الأسيدي، عن مجاهد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((تراح ريح الجنة من مسيرة خمسمائة عام، ولا يجد ريحها منان بعمله، ولا مدمن خمر، ولا عاق)).
والربيع بن بدر هذا متروك، وقد تفرد به عن هارون .
(3) في (ب): ((التمثل)).
(4) في (ح): ((ندبيته)) و(أ) و(ي) و(ب).
(5) قوله: ((على)) سقط من (أ).
(6) سورة القيامة؛ الآية: 4.
(7) سورة الأحزاب؛ الآية: 23.
(8) الفرزدق. والبيت في "ديوانه" (529) ضمن قصيدة طويلة .
(9) في (أ) و(ب) و(ي): ((وإذ)).
(10) في (ح): ((كلهم)).
(11) في (ح) و(ي): ((بتاج)). وفي (ب): ((تناج)).
(12) لبيد. انظر "لسان العرب" (1/751)، و"غريب الحديث" للحربي .
(13) من قوله: ((قال آخر...)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(14) "الأغاني" (13/365)، وجاء في بعض المصادر: الخيل، والقوم .
(15) أشير إليها وكتب [تراجع؟ كذا في (ح)].
(16) في (أ): ((الحين)).
(17) قوله: ((أو)) سقط من (ح).
(18) في (ح): ((عاهدوا)).
(19) في (ي): ((وقال)).
(20) قوله: ((فيه)) سقط من (ا).
(21) في (ي): ((ويعني بأن)).
(22) قوله: ((قد)) سقط من (ب).
(23) في (ح): ((ذلك)).(3/585)
وقوله: ((فبعث إليهم سبعين رجلاً))؛ هؤلاء السبعون هم الذين استشهدوا ببئر معونة، غَدَرَ بهم (1) قبائلُ من سليم مع عدوِّ الله عامر بن الطفيل، فاستصرخوا عليهم، فقتلوهم عن آخرهم غير (2) رجلين، ولم يُصَب النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ولا المسلمون بمثلهم – رضي الله عنهم -.
و((الصُّفَّة)): بيت في المسجد مُقتَطَع عنه (3) . وفيه دليل (4) على جواز استيطان (5) الغرباء والفقراء مكانًا من (6) المسجد، وعلى وضع الماء فيه للشُرب وغيره، وعلى =(3/740)=@ الاجتماع على قراءة (7) القرآن ومدارسة (8) العِلم، وعلى أنَّ المتفرغ للعبادة ولطَلَب (9) العلم لا يُخِل بحاله، ولا ينقصُ توكلَه اشتغالُه بالنظر في مطعمه، ومشربه، وحاجته (10) ؛ كما يذهب (11) إليه بعضُ جُهَّال المتزهدة.
وفيه دليل على أن أيد (12) الفقراء غير (13) المتفزغين للعبادة فيما يكسبه (14) بعضهم ينبغي أن تكون واحدة، ولا يستأثر (15) بعضهم على الآخر بشيءٍ.
وقولهم: ((إنا قد (16) لقيناك))؛ أي: قد وصلنا إلى ما أنعمت به من الجنَّة، والكرامة (17) ، ومنزلة الشهادة؛ لأن لقاءَ الله ليس على ما تعارفنا من لقاء بعضنا لبعض. &(3/586)&$
__________
(1) في (ب): ((غدرتهم)).
(2) في (ح): ((إلا)).
(3) في (أ): ((عليه)).
(4) قوله: ((دليل)) مكرر في (ح).
(5) في (ح): ((الستيطان)).
(6) في (أ): ((في)).
(7) في (ب): ((لقراءة)).
(8) في (ب): ((ومدارسته)).
(9) في (ح): ((وطلب)). وفي (ي): ((وطابت)).
(10) في (ح) و(ي): ((وجماعة)).
(11) في (ي): ((كما ذهب)).
(12) في (ي): ((أبدي)).
(13) قوله: ((غير)) سقط من (أ) و(ب).
(14) في (ب): يشبه أن تكون يكتسبه.
(15) في (ي): ((واخدة ولا يسثاتز)).
(16) في (ح): ((لقد)) بدل ((إنا قد)).
(17) في (ب): ((والكرامات)).(3/586)
وقولهم (1) : ((فرضينا عنك))؛ أي: بما أوصلتنا إليه من الكرامة والمنزلة الرفيعة. و((رضيت عنا))؛ أي: أحللتنا محل مَن يرضى عنه، فأُكْرِمَ غاية الإكرام، وأُحْسِنَ إليه غاية الإحسان. وعلى هذا: فيكون رضا الله تعالى من صفات الأفعال. ويصح أن يعبّر بالرضا في حق الله تعالى عن إرادة الإكرام والإحسان؛ فيكون من صفات الذات.
وقول حرام عندما طُعن: ((فُزتُ ورب الكعبة))؛ أي: بما أعدَّ الله للشُهداء. =(3/741)=@ وظاهره: أنه عاين (2) منزلته في الجنة في تلك الحالة. ويحتملُ أن يقول ذلك محققًا لوعد الله ورسوله الحقّ الصدق، فصار كأنه عاين. والله تعالى أعلم.
ومن باب الإخلاص وحسن النية في الجهاد
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((من قاتل لتكون كلمةُ الله هي العليا؛ فهو في سبيل الله))؛ يعني بـ((كلمة الله)): دين الإسلام. وأصله: أن الإسلامَ ظهر بكلام الله تعالى؛ الذي أظهره الله تعالى (3) على لسان رسوله (4) - صلى الله عليه وسلم - . ويُفْهَمُ من هذا الحديث: اشتراط الإخلاص في الجهاد، وكذلك هو شرطٌ في جميع العبادات؛ لقوله تعالى: {وَمَاَ أمِرُوا إلا لِيعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِينَ} (5) . &(3/587)&$
__________
(1) في (ب) و(ح) و(ي): ((وقوله)).
(2) في (ي): ((عارض)).
(3) قوله: ((الله تعالى)) سقط من (أ).
(4) في (ي): ((نبيه ?)).
(5) سورة البينة؛ الآية: 5.(3/587)
والإخلاص: مصدر من: أخلصت العسل وغيره: إذا صفيته، وأفردتُه من شوائب كدره؛ أي: خلصته منها. فالمخلِصُ في عباداته هو الذي يُخلصها من شوائب الشركِ والرياء. وذلك لا يتأتى له (1) إلا بأن (2) يكون الباعثُ له على عملها قصدَ التقرب إلى الله تعالى، وابتغاء ما عنده. فأما إذا كان الباعثُ عليها غير ذلك من أعراض (3) الدُّنيا؛ فلا تكونُ عبادة، بل يكون مصيبة موبقة لصاحبها، فإما كفرٌ، وهو: الشرك الأكبر، وإما رياء، وهو: الشركُ الأصغر. ومصيرُ صاحبه إلى النار، كما جاء في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - (4) في الثلاثة المذكورين فيه. هذا إذا كان الباعثُ على تلك =(3/742)=@ العبادة الغرضَ الدنيوي وحده، بحيث لو فُقِد ذلك الغرضُ (5) لتُرِك العمل. فأما لو انبعث لتلك العبادةِ (6) بمجموع الباعثَينِ - باعث الدنيا وباعث الدين -؛ فإن كان باعثُ الدنيا أقوى، أو مساويًا الحق القسم (7) الأول في الحكم بإبطال (8) ذلك العمل (9) عند أئمة هذا الشأن، وعليه يدل قولُه - صلى الله عليه وسلم - حكاية عن الله تبارك (10) وتعالى: ((مَن عَمِل عملاً أشركَ معي فيه غيري تركتُه وشريكه)) (11) . فأما لو كان باعثُ الدِّين أقوى؛ فقد حكم المحاسبي رحمه الله بإبطال ذلك العمل (12) ؛ متمسكًا بالحديث المتقدِّم، وبما (13) في معناه، وخالفه في ذلك الجمهور، وقالوا بصحة ذلك العمل، وهو المفهومُ من (14) فروع مالك. ويُستدلُ على هذا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((إن (15) من خير معاش (16) الناس لهم رجل ممسك (17) بعنان (18) فرسه في سبيل الله (19) ))، (20) ، فجعل الجهاد مما يصح أن يُتخذ للمعاش، ومن ضرورة ذلك أن يكونَ مقصودًا (21) ، لكن لما كان (22) باعثُ الدِّين على الجهاد هو الأقوى والأغلب، كان ذلك الغرض مُلغى، فيكون معفوًّا عنه؛ كما إذا توضأ قاصِدًا رَفع الحدث والتبرُّد، فأما لو انفرَّد باعثُ الدِّين بالعمل، ثم عرض باعث الدنيا في أثناء ذلك (23) العمل فأولى بالصحة. وللكلام في هذا موضع آخر، وما ذكرناه كافٍ هنا. =(3/743)=@ &(3/123)&$
__________
(1) قوله: ((له)) سقط من (ح).
(2) في (ح): ((الإيمان يكون)) بدل: ((إلا بأن يكون)).
(3) في (ب): ((أغراض)).
(4) يأتي في باب: إثم من لم يخلص في الجهاد وأعمال البر .
(5) قوله: ((الغرض)) سقط من (أ).
(6) في (ح) و(ي): ((الحالة)).
(7) في (ي) و(ب): ((بالقسم)).
(8) في (أ): ((بإطال)).
(9) قوله: ((العمل)) سقط من (ح).
(10) قوله: ((تبارك)) ليس في (أ) و(ي) و(ب).
(11) سيأتي في البر والصلة، باب التحذير من الرياء والسمعة .
(12) في (أ): ((المعنى)).
(13) في (أ): ((وما)).
(14) قوله: ((المفهوم من)) مطموس في (ح).
(15) قوله: ((إن)) سقط من (ح) و(ي).
(16) في (ح) و(ي): ((معايش)).
(17) في (ب) و(ح): ((رجلاً ممسكًا)).
(18) قوله: ((بعنان)) سقط من (أ) و(ح) و(ي).
(19) قوله: ((في سبيل الله)) سقط من (ب).
(20) تقدم في باب في قوله تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام}.
(21) في (ب): ((مقصوًا)).
(22) في (ح): ((لكن المكان)).
(23) قوله: ((ذلك)) سقط من (أ) و(ح) و(ي).(3/588)
588
وقوله: ((فرفع رأسَه إليه، وما رفع رأسه إليه (1) إلا أنه كان قائمًا))؛ فيه دليل على جواز سؤال السائل القائم (2) للعالم وهو قاعد؛ إذا دعتْ إلى ذلك (3) حاجة، أو عذر، وإلا فالأولى بالسَّائل الجلوسُ، والتثبُّت؛ كما في (4) فعل جبريل (5) (6) ، حيث سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله: ((إنما الأعمالُ بالنيَّات))؛ أي: الأعمال المتقرَّب بها إلى الله تعالى، بدليل بقية الحديث. وهذا الحديث بحكم عمومه يتناولُ جميعَ أعمال الطَّاعات، فيدخل في ذلك الوضوء، والغُسل، وغير ذلك. فيكون حُجَّة على مَن خالف (7) في ذلك، كما تقدَّم في الطهارة. ووجه التمسُّك به: أنه عموم مؤكَّد(( إنَّما)) الحاصرة، فصار في القوة كقوله: لا عمل إلا بنية، فصار ظاهرًا في نفي الأجزاء والاعتداد بعملٍ لا نية له. ولا يقال: فهو مخصصٍ بدليل إخراج العبادات المعقولة المعنى، كغسل النجاسة (8) وما في معناها؛ لأنا نقول: اللفظُ العام محمول على عمومه بعد إخراج المخصص، كما قد (9) تقدَّم غير ما مرَّةٍ (10) .
وقوله: ((وإنَّما لامرئٍ ما نوى))؛ تحقيق (11) لاشتراط النية، والإخلاص في العمل (12) . وقد زاده وضوحًا قوله: ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله))؛ أي: فهجرتُه (13) مقبولةً عند الله تعالى، وثوابها عليه، ((ومن =(3/744)=@ كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوَّجها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه))؛ أي: ليس له من هجرته إلا ما قصده. وهذا كما قال في الحديث (14) الآخر: ((مَن أتى المسجد لشيءٍ فهو حظه)) (15) . وإنما ذُكِرَتْ (16) في الحديث الهجرةُ؛ لأنه جَرَى سَبَبُها (17) ، &(3/589)&$
__________
(1) قوله: ((إليه)) سقط من (ح) و(ي).
(2) قوله: ((السائل)) سقط من (أ)، وفي (ح) و(ي): ((القائم السائل)).
(3) قوله: ((في)) ليس في (أ) و(ي) و(ب).
(4) في (ب): ((لذلك)).
(5) في (ح): ((كما في حديث جبريل)).
(6) تقدم في كتاب الإيمان، باب معاني الإيمان والإسلام والإحسان شَرعًا.
(7) في (ح): ((خالفه)).
(8) في (أ) و(ح) و(ي): ((الجنابة)).
(9) قوله: ((قد)) سقط من (ب).
(10) في (أ) و(ي): ((غير مرة)).
(11) في (ي): ((تحقق)).
(12) في (ب): ((والأعمال))، وفي (ح) و(ي): ((في الأعمال)).
(13) في (ح): ((أي كانت هجرته)). وفي (ي): ((ورسوله ومن أي فهجرته)).
(14) في (ي): ((كما قال تعالى الحديث)).
(15) أخرجه أبو داود (1/320 رقم472) في الصلاة، باب في فضل القعود في المسجد، عن هشام بن عمار، عن صدقة بن خالد، عن عثمان بن أبي العاتكة الأزدي، عن عمير بن هانئ العنسي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من أتى المسجد لشيء فهو حظه)).
وحسن إسناده الألباني في تعليقه على "المشكاة" (1/227 رقك730).
(16) في (ب): ((ذكر)).
(17) في (ي): ((بسببها)).(3/589)
وذلك: أنَّ رجلاً هاجر إلى المدينة ليتزوَّج امرأةً بها (1) ، تُسمَّى: أم قيس، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث (2) ، وسُمِّي الرجل: مهاجر أم قيس. على ما ذكر أئمتنا. وظاهرُ حال هذا الرجل بسبب هذه الإضافة التي (3) غلبتْ على اسمه أنه لم تكن (4) له في الهجرةِ الشرعية رغبة، ولا نية فسلبها، ونسب إلى ما نواه، وقَصَده. والله تعالى أعلم.
وقوله: ((إن بالمدينة لرجالاً (5) ما سرتم مسيرًا، ولا قَطَعتُم واديًا إلا كانوا معكم (6) ، حَبَسَهُمُ المرض))؛ يدل على ما ذكرناه (7) : من أنَّ (8) الناوي لأعمال البرِّ؛ الصادق النية فيها؛ إذا منعه من ذلك عذر كان له مثلُ أجر المباشر مضاعفًا، كما قدَّمناه. وقد دلَّ عليه من هذا الحديث (9) ذكر قطع الوادي، والمسير، فإن هذا (10) إشارة إلى قوله تعالى: {ذلَكَ بأنَّهُمْ لا يُصِيبهُم ظَمَأ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخمَصَةٌ في سَبيل اللهِ} إلى قوله تعالى: {وَلا يقطَعُونَ وَاديًا إلا كُتِبَ لَهُم ليَجْزَيهُمُ اللهُ أحْسَنَ مَا كَانُوا يعمَلُونَ} (11) ، ولما كان القاعدون لأجل العُذر قد صحَّت نيَتهم في مباشرة =(3/745)=@ كل ما باشره إخوانهم المجاهدون؛ أعطاهم الله تعالى مثل أجر مَن باشر كما قدَّمناه في حديث أبي كبشة الأنماري (12) رضي الله عنه (13) (14) . &(3/590)&$
__________
(1) قوله: ((بها)) سقط من (ب).
(2) أخرجه الطبراني في "الكبير" (9/103 رقم8540) من طريق سعيد بن منصور، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن شقيق قال: قال عبدالله: من هاجر يبتغي شيئًا فهو له، قال: هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها: أم قيس، وكان يُسمى مهاجر أم قيس .
قال العراقي في تخريج"الإحياء"(6/2384 رقم3796/استخراج الحداد): ((إسناد جيد)).
وقال الحافظ في "الفتح" (1/10): ((وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، لكن ليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك، ولم أر في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك)).
وقال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (ص12): ((وقد اشتهر أن قصة مهاجر أم قيس كانت سبب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : من كانت هجرته ...، وذكر ذلك كثير من المتأخرين في كتبهم ولم نر لذلك أصلاً يصح، والله أعلم)).
(3) في (أ) و(ب): ((التي قد)).
(4) في (ح) و(ي): ((يكن)).
(5) في (ب): ((رجالاً)).
(6) قوله: ((معكم)) تكرر في (أ).
(7) في (ح): ((ذكرنا)).
(8) قوله: ((أن)) سقط من (ب).
(9) قوله: ((من هذا الحديث)) سقط من (ح) و(ي).
(10) في (ب): ((هذه)).
(11) سورة التوبة؛ الآية: 120-121.
(12) في (أ): ((الأنصاري)). وأشير لها وكتب: [تراجع النسخ؟ كذا في (ح) و(ي) و(ب)].
(13) زاد بعدها في (ب): ((والله أعلم)).
(14) تقدم في باب فضل الحمل في سبيل الله .(3/590)
ومن باب إثم (1) من لم يُخلص في الجهاد وأعمال البر
قد تقدم: أن الإخلاصَ في الطاعات (2) واجب، وأن الرِّياء يفسدها.
وقوله: ((إن أول (3) الناس يُقضى عليه (4) يوم القيامة رجل استُشْهِد، ورجل تعلم العلم، ورجل أنفق ماله))؛ هذا يخالفُه (5) قوله (6) : ((أول ما يحاسب به العبد المسلم من عمله صلاته)) (7) ، الحديث (8) ، وقوله: ((أول ما يقضى فيه بين الناس في الدِّماء)) (9) . قد يسبق (10) إلى الوهم أن هذه الأحاديثَ متعارضة من حيث الأولية =(3/746)=@ المذكورة في كل (11) حديث منها؛ وليس كذلك؛ فإنه إنَّما كان يلزم ذلك لو أريد بكل أول منها أنه أوَّلٌ بالنسبة إلى كل ما (12) يُسأل (13) عنه، ويقضى فيه، وليس في شيءٍ من تلك الأحاديث ما ينصُّ على ذلك، وإنما أراد - والله أعلم-: أن كل واحد من تلك الأوليات أوَّلٌ بالنسبة إلى ما في &(3/591)&$
__________
(1) قوله: ((إثم)) سقط من (أ).
(2) في (أ): ((الطاعة)).
(3) في (ح): ((أو)).
(4) في (أ): ((عليها)).
(5) في (ب): ((يخالف)).
(6) قوله: ((قوله)) سقط من (ح).
(7) جاء هذا الحديث من حديث أبي هريرة، وتميم الداري، وأنس بن مالك، وابن مسعود .
أما حديث أبي هريرة: فأخرجه أحمد (7902)، والترمذي (413)، والنسائي (1/232)، وابن ماجه (1425 طرق مختلفة مضطربة. انظر "العلل" للدارقطني (8/248)، و"تهذيب الكمال" للمزي (3/346).
وأحسن طرقه رواية حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس، عن يحيى بن يعمر، عن أبي هريرة، به: أخرجه إسحاق بن راهوية (506)، والنسائي (1/233)، وأحمد (4/65 و103) ولم يسم أبا هريرة عند أحمد .
وأما حديث تميم الداري: فأخرجه أحمد (16959)، والدارمي (1355)، وأبو داود (866)، وابن ماجه (1426)، والطحاوي في "المشكل" (2552)، والحاكم (1/262- 263)، والبيهقي (2/387). كلهم من طريق حماد بن سلمة، عن داود بن أبي هند، عن زرارة بن أوفى، عن تميم الداري به .
وأما حديث أنس بن مالك: فأخرجه أبو يعلى (3976) من طريق أشعث بن سوار، عن سلمة بن كهيل، عن عامر، عن أنس به مرفوعًا . وأشعث بن سوار ضعيف .
وأما حديث ابن مسعود: فأخرجه أبو يعلى في "مسنده" (5414)، والنسائي في "المجتبى" (3991) من طريق شريك، عن عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود به مرفوعًا .
(8) قوله: ((الحديث)) سقط من (أ).
(9) يأتي في كتاب القسامة، باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث .
(10) في (ي): ((سبق)).
(11) قوله: ((كل)) أسقط من (ي).
(12) في (ح): ((كلما)).
(13) في (ح): ((سئل)).(3/591)
بابه (1) ، فأول ما يحاسبُ به من أركان الإسلام الصلاة، وأول ما يحاسب به من المظالم الدِّماء، وأول ما يحاسب به مما ينتشر فيه (2) صِيتُ فاعله تلك الأمور. وهذا أوَّلُ (3) ما يقاربه ويناسبه، وهكذا تعتبر كل (4) ما يردُ عليك من هذا الباب، والله تعالى أعلم.
و((الجريء)) بالهمز. هو: المقدامُ (5) على الشيء، لا ينثني عنه، وإن كان هائلاً (6) ، مأخوذٌ من الجرأة.
و((سحب على وجهه))؛ أي: جُرّ (7) . و((الجواد)): الكريم، وهو الكثيرُ العطاء. والجود: الكرم. =(3/747)=@
ومن باب الغنيمة نقصان من الأجر
قوله: ((ما من غازيةٍ تغزو في سبيل الله، فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم، ويبقى لهم الثلث، وإن لم يصيبوا غنيمة تَمَّ لهم أجرُهم)). قوله (8) : ((ما من &(3/592)&$
__________
(1) في (ح) و(ي): ((بالنسبة التي في بابه)).
(2) في (أ) و(ي): ((به)) بدل ((فيه)).
(3) في (ح): ((وهذا أول))، وفي (أ): ((أو)) وسقطت اللام. وفي (ي) و(ب): ((هذا أو ما يقاربه)) بلا واو.
(4) قوله: ((كل)) سقط من (أ) و(ح) و(ي).
(5) في (ح): ((المقدم)).
(6) أشير إليها وكتب: [تراجع النسخ كذا في (ح)].
(7) في (ي): ((خر)).
(8) في (أ): ((وقوله)).(3/592)
غازية)) هو صفة لموصوفٍ محذوفٍ للعلم به؛ أي: ما من جماعةٍ ، أو سريه. و((تغزو (1) )) بالتأنيث والإفراد: راجع إلى لفظ غازية (2) . و((فيصيبون (3) )) بالتذكير والجمع: راجع إلى معناها. وقد ذهب غيرُ واحدٍ: إلى (4) أن هذا الحديثَ معارضٌ بحديث أبي هريرة؛ الذي قال فيه: ((نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة)) (5) ؛ على ما تقدم. وظاهِرُ هذا الحديث - أعني حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما- أَنَّ له مجموعَ الأمرين، أو قد اجتمع لأهل بدرٍ – رضي الله عنهم - سهمهم (6) (7) . ولما صح عند هؤلاء هذا (8) التعارض، فمنهم من ردَّ هذا (9) الحديث، وضعفه، فقال (10) : في إسناده حُميد بن هانئ، وليس بمشهور، ورجحوا الحديثَ الأول عليه لشهرته. =(3/748)=@
قال الشيخ رحمه الله: وهذا ليس بشيء، فلا يُلتَفَتُ إليه؛ لأن البخاري (11) قد ذكر حميد بن هانئ هذا (12) فقال: هو مصري (13) ، سمع أبا عبدالرحمن الْحُبُلِي (14) ، وعمرو بن مالك، وسمع منه حيوة بن شُريح، وابن وهب. ومنهم مَن رام الجمع بأن قال: إن الأولَ محمول على مجرد النية والإخلاص في الجهاد، فذلك هو (15) الذي ضمن الله له إمَّا الشهادة، وإمَّا رده إلى أهله مأجورًا غانِمًا. ويحمل الثاني على ما إذا نوى الجهادَ، ولكن مع نية نيل (16) المغنم؛ فلما انقسمتْ نيته انحط أجرُه عن (17) الأول.
قال القاضي أبو الفضل (18) : وأوضحُ من هذا عندي: أن أجرَ الغانم بما فتح الله تعالى عليه (19) من الدنيا وحساب ذلك عليه، وتمتّعه به في الدنيا، وذهاب شظف عيشه في غزوه وبعده؛ إذا قوبل بمن أخفق ولم يصب شيئًا، وبقي على شظف عيشه، والصبر على حالته، وجد أجر هذا وافيًا مُوفرًا بخلاف الأول. ومثله قوله (20) &(3/593)&$
__________
(1) في (ب): ((تغزو)) بلا الواو .
(2) في (ح) و(ي): ((غزية)).
(3) في (ح) و(ي): ((ويصيبون)). وفي (ب): ((فيصيبون)) كذا رسمت.
(4) قوله: ((إلى)) سقط من (ي).
(5) تقدم في باب الترغيب في الجهاد وفضله .
(6) زاد في (أ) و(ب) و(ي) بعدها: ((وأجرهم كما قد ضرب النبي ? لجماعة ممن حبسهم العذر عنها بأجرهم وسهمهم)).
(7) قوله: ((وأجرهم كما قد ضرب ....)) إلى هنا سقط من (ح). [علق على هذا الهامش وكتب: أين هذا القول أصلاً لا يوجد في (ح). سقط حسب السياق المثبت].
(8) قوله: ((هذا)) سقط من (ب).
(9) قوله: ((هذا)) سقط من (ي).
(10) في (ب) و(ح): ((وقال)).
(11) في "التاريخ الكبير" (2/353).
وحميد هذا: قال أبو حاتم: ((صالح))، وقال النسائي: ((ليس به بأس))، وقال ابن عبدالبر: ((هو عندهم صالح الحديث، لا بأس به)). وقال الدارقطني: ((مصري، لا بأس به، ثقة)). وقال ابن شاهين: ((هو أكبر شيخ لابن وهب، رفع به أحمد بن صالح المصري)). وذكره ابن حبان في "الثقات" في التابعين. "تهذيب التهذيب" (1/500)، وفي "الكاشف" (1/355 رقم1260): ((ثقة))، وقال الحافظ في "الفتح" (6/9): ((وهذا مردود؛ لأنه ثقة يحتج به عند مسلم، وقد وثقه النسائي، وابن يونس وغيرهما، ولا يعرف فيه تجريح لأحد)).
(12) قوله: ((هذا)) سقط من (ح).
(13) في (ح): ((مضري)).
(14) في (ح) و(ب): ((الجيلي)). وفي (ي): ((الحبلي)).
(15) قوله: ((هو)) سقط من (ب).
(16) قوله: ((نيل)) سقط من (ح). وفي (ي): ((معه نية المغنم)). وفي (ب): ((مع نيته نيل)).
(17) في (ح): ((أمره من)). وفي (ي): ((أجره من)).
(18) في (ح) و(ي): ((القاضي عياض)).
(19) في (ح): ((عنه)).
(20) قوله: ((قوله)) سقط من (ب) و(ي).(3/593)
في الحديث الآخر (1) : ((فمنَّا من مضى (2) لم يأكل من أجره شيئًا، ومنا من أينعت له ثمرته، فهو يَهْدِبُها (3) )) (4) ، ويدل على صحة (5) هذا التأويل قولُه: ((إلا تعجَّلوا بثلثي (6) أجرهم)).
قال الشيخ رحمه الله: ويحتملُ أن يقال: إن هذه التي أخفقتْ إنما (7) يُزَادُ في أجرها لشدَّة ابتلائها، وأسفها على ما فاتها (8) من الظفر والغنيمة (9) . والله تعالى أعلم.
وقوله: ((تخفق))؛ أي: تخيب. يقال: أخفق الصائد، إذا خاب، وكذلك =(3/749)=@ كل طالب حاجةٍ إذا لم تحصل له.
وقوله: ((من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه مات على شُعبةٍ من النفاق))؛ فيه ما يدل على أن من لم يتمكن من عمل الخير فينبغي له أن يعزمَ على فِعله إذا تمكن منه وأن ينويه (10) ، فيكون ذلك بدلاً من فعله في ذلك (11) الحال. فأما (12) إذا أخلى نفسه عن ذلك العمل ظاهرًا وباطنًا عن نيته؟ فذلك حالُ المنافق الذي لا يعملُ الخير، ولا ينويه. وخصوصاً: الجهاد الذي به أعز اللهُ الإسلام، وأظهر به الدِّينَ حتى علا على كل الأديان، ولو كره الكافرون.
وقوله: ((شعبة من نفاق))؛ أي: على خُلُقٍ من أخلاق المنافقين. وقد تقدَّم ذِكرُ الشعَب في كتاب الإيمان.
وقول عبدالله بن المبارك: ((فَنُرَى ذلك كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ))؛ يعني: حيث كان الجهادُ واجبًا، وحمله على النفاق الحقيقي. ويحتمل أن يحمل (13) على جميع الأزمان، ويكون معناه: أن كل (14) من كان كذلك أشبه المنافقين وإن لم يكن كافرًا. والله تعالى أعلم. =(3/750)=@
وقوله: ((من سأل الله الشَهادة بصدق بلَّغه الله تعالى منازلَ (15) الشُهداء؛ وإن &(3/594)&$
__________
(1) في (ي): ((القول الآخر)).
(2) في (أ): ((مات)).
(3) في (أ): ((يهذبها)).
(4) تقدم في كتاب الجنائز، باب في تكفين الميت وتسجيته .
(5) في (ح): ((صحته)).
(6) في (ب): ((ثلثي)).
(7) في (ب): ((إنها)).
(8) في (أ): ((جاتها)).
(9) في (ب): ((بالغنيمة)).
(10) في (ح) و(ي): ((وإن لم ينويه)).
(11) في (ح) و(ي): ((تلك)).
(12) في (ب): ((وأما)).
(13) في (ح) و(ي): ((يجمع)).
(14) قوله: ((كل)) سقط من (أ) و(ب).
(15) في (ي): ((بلغه منازل)).(3/594)
مات على فراشه))؛ هذا يدلُّ على صحة ما أصَّلناه في الباب الذي قبل هذا، وهو: أنَّه مَن نوى شيئًا من أعمال البرِّ، ولم يتفق له عملُه لعذرٍ كان بمنزلة مَن باشر ذلك العملَ، وعَمِلَه.
ومن باب الغزو في البحر
قوله: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدخلُ على أمِّ حرام بنت مِلْحان))؛ أمّ حرام هذه هي أخت أم سليم أم أنس بن مالك، وكان اسمُ أم حرام: الرميصاء. وقيل: الغميصاء، وإنما الرميصاء أمُّ سليم. وكذا ذكره البخاري (1) .
و((الرميصاء)): من =(3/751)=@ الرمص، وهو القذى الذي (2) يجتمع على (3) مآقي العين وأهدابها.
و((الغمص)): استرخاءٌ فيها (4) وانكسار، وهما اسمان لهما (5) ، ويجوزُ أن تكون (6) ذلك صفتين، ولعل الغمصَ هو الذي كان غالبًا على نساء الأنصار، وهو الذي عنى به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حيث قال لجابر (7) : ((فإن في عيون الأنصار شيئًا)) (8) . &(3/595)&$
__________
(1) قال الحافظ في "الفتح" (11/72): ((ويردُّه ما أخرج أبو داود بسند صحيح عن عطاء بن يسار، عن الرميصاء أخت أم سليم، فذكر نحو حديث الباب)).
وقال في "الإصابة" (13/193)- فقال في ترجمة أم حرام -: ((ويقال أنها الرميصاء بالراء، أو بالغين المعجمة، كذا أخرجه أبو نعيم، ولا يصح، بل الصحيح أن ذلك وصف أم سليم، ثبت ذلك في حديثين لأنس وجابر عند النسائي، وقال أبو عمر في أم حرام: لا أقف لها على اسم صحيح)).
وأشار في "الفتح" (11/76) أن كلاً منهما يقال لها: الرميصاء .
وفي البخاري (7/40) في فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب، من حديث جابر قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((رأيتني دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة ...)).
قال الحافظ (7/44): ((هي أم سليم)).
(2) قوله: ((الذي)) سقط من (ب).
(3) في (ح) و(ب) و(ي): ((في)).
(4) في (ب): ((فيهما)).
(5) في (ح): ((لها)).
(6) في (ح) مهملة الأول.
(7) قوله: ((لجابر)) سقط من (أ). وفي(ب): بياض وكتب مكانه ((صح)).
(8) سيأتي في النكاح، باب النظر إلى المخطوبة.(3/595)
ودخولُ النبي - صلى الله عليه وسلم - على أم حرام؛ لأنها كانتْ إحدى خالاته من الرَّضاعة، كما قال ابنُ وهب. وقال غيرُه: بل (1) كانت خالته (2) لأبيه، أو لجدِّه؛ لأن أم عبد المطلب بن هاشم (3) من بني النجار.
وقوله: ((وكانت تحت عُبادة بن الصامت))؛ ظاهرُه: أن أم حرام كانت زوجًا لِعُبادة في الوقت الذي دخل عليها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، ورأى تلك الرؤيا، وليس الأمرُ كذلك، بل تزوَّجها عُبادةُ رضي الله عنهما بعد ذلك بمدةٍ ، كما قال (4) في الرواية الأخرى: فتزوَّجها عبادةُ بَعْدُ، فغزا في البحر. فهذا (5) يدلُّ على تعقيب تزويجها (6) بغزوهم (7) ، وكان ذلك الغزو في زمان (8) معاوية، إمَّا وهو (9) أميرُ الجيش (10) ، أو أمير المؤمنين، على ما في ذلك من الخلاف (11) .
وفي قوله: ((فأطعمته (12) ))؛ دليل على جواز تصرُّف المرأة في إطعام الضيف من طعام زوجها؛ لأن (13) الأصل في أطعمة الدَّار إنما هي مال الزوج.
وفيه دليل على خلوة الرَّجل بذات محرم، والتبسُّط (14) معها، والقرب منها، لا سيما على رواية من =(3/752)=@ روى: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - وضع رأسه على فخذها (15) . ويمكن أن يقال: إنه ? كان لا يستتر منه النساء؛ لأنه كان معصومًا بخلاف غيره. وضحكه ? يكن (16) حين استيقظ إنما كان فَرَحًا مما (17) اطلع عليه من أحوال من يكون كذلك حالُه من أمته يكون (18) بعده.
و((ثبج البحر)): ظهره، كما قال في الرواية الأخرى. وأصل الثَّبج: ما يلي الكتفين.
وقوله: ((ملوكًا على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة))؛ هو شكّ من بعض الرواة، وقد ورد في طريقٍ أخرى: ((كالملوك على الأسرَّة)) (19) ، بغير شكِّ، &(3/596)&$
__________
(1) في (ب): ((أنها)).
(2) في (ب) و(ح): ((خالة)). وفي (ي): ((خالة لأمه)).
(3) قوله: ((ابن هاشم)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(4) في (ح): ((قاله)).
(5) في (ب): ((وهذا)). وفي (ح): ((لهذا)).
(6) في (ب) و(ح): ((تزوجها)).
(7) زاد بعدها في (ب): ((تعقبه زوجها وغزوهم وكان)).
(8) في (ي): ((رمضان)).
(9) في (ي): ((وهو)) بلا واو.
(10) في (ح) و(ب) و(ي): ((جيش)).
(11) في (ي): ((من خلاف)).
(12) في (ح): ((أطعمته)).
(13) في (ي): ((لكن)).
(14) في (أ): ((والبسط)).
(15) أخرجه مسلم (3/1519 رقم1912/161) كتاب الإمارة، باب فضل الغزو في البحر .
(16) قوله: ((يكن)) ليس في (ح) و(أ) و(ي) و(ب).
(17) في (ب) و(ح): ((بما)).
(18) قوله: ((يكون)) ليس في (ح) و(أ) و(ي) و(ب).
(19) أخرجه البخاري (2799)، ومسلم (1912).(3/596)
ويحتمل أن يكون خبرًا عن حالهم في غزوهم. ويحتملُ أن يكونَ خبرًا عن حالهم في الجنة، كما قال تعالى في صفة أهل الجنَّة: {على سُرُرٍ مَصْفُوفَة} (1) ، و{على سُرُرٍ مَوْضُونَة * مُتَّكئِينَ عَلَيهَا مُتَقابلِين} (2) .
وفيه دليل على ركوب البحر في الغزو. ويلحقُ به ما في معناه من الحج وغيره؛ وهو مذهبُ جمهور الصحابة والعلماء، غير أنه قد (3) روي عن عمر بن الخطاب (4) – رضي الله عنه - وعمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه - منع ركوبه مطلقًا. وقيل: إنما (5) منعاه للتجارة، وطلب الدنيا، لا للطاعات (6) . وكره مالك ركوبه (7) للنساء (8) مطلقًا، لما يخاف عليهن من أن يُطلع منهن على عورةٍ ، أو يطلعن على عورات المتصرِّفين. قال الأصحابُ: هذا فيما صَغُر من السُّفن، فأمَّا ما كَبُر منهن (9) ، بحيث يستترن (10) بأماكن يختصصن بها، فلا بأس.
وقولها (11) في الثانية: ((ادع الله أن يجعلني منهم))؛ كأنها ظنَّتْ أن المعروضين =(3/753)=@ عليه ثانيًا مساوون للأولين في الرتبة، فسألت رتبتهم ليتضاعف لها الأجر، ولم تشك في إجابة دعاء (12) النبي - صلى الله عليه وسلم - لها في المرة الأولى.
وقوله: ((أنت من الأولين))؛ أي: من الزمرة التي رآها أولاً. وهذا يدل: على أن المرئيين ثانيًا ليسوا الأولين، وكأن (13) الطائفة (14) الأولى غزاة أصحابه في البحر. والثانية (15) : غزاة التابعين فيه. والله تعالى أعلم.
وقوله: ((فركبت البحر في زمان (16) معاوية))؛ ظاهره: في زمان خلافة (17) معاوية. وقال به بعض أهل التاريخ. والأشهر من أقوالهم: إن ذلك إنما كان في خلافة عثمان بن عفان (18) - رضي الله عنه - ، وفيها كان معاوية قد غزا قبرص (19) سنة ثماني (20) وعشرين، ومعه &(3/597)&$
__________
(1) سورة الطور؛ الآية: 20.
(2) سورة الواقعة؛ الآية: 15-16 .
(3) قوله: ((قد)) سقط من (ح) و(ي).
(4) أخرجه عبدالرزاق (5/283 رقم9623) عن الزهري، عن ابن المسيب - أو غيره، قال: كان عمر يكره أن يحمل المسلمين غزاة في البحر .
وسنده ضعيف، إلارساله، ولجهالة الراوي عن عمر، إذا لم ... ابن المسيب.
(5) في (ب): ((إنهما))، في (ب) وفي (ح) و(ي): ((إن معناه)).
(6) في (ب): ((لطاعات)).
(7) في (أ): ((ركوبهن)).
(8) في (ب): ((ل للنساء)) كذا رسمت.
(9) في (ب) و(ح) و(ي): ((منها)).
(10) في (ي): ((يستترون)).
(11) في (أ): ((وقوله)).
(12) في (ي): ((دعوة)).
(13) في (ح): ((وكانت)).
(14) في (ب): ((الطاغته)).
(15) في (ح): ((والثاني)).
(16) في (ي): ((زمن)).
(17) في (ح): ((خلافته)). وفي (ي): ((خلافيه)).
(18) قوله: ((ابن عفان)) سقط من (ب).
(19) في (ي) و(ب): ((قبرس)).
(20) في (ح) و(ب): ((ثمان)).(3/597)
زوجته فاختة (1) بنت قريظة من بني عبد مناف، قاله خليفة بن خياط (2) وغيره (3) . وأن فيها (4) ركبت أم حرام البحر مع زوجها إلى قبرص (5) ، وبها توفيت حين صرعتها دابتها، ودفنت بها.
وعلى هذا فيكون قوله في زمان (6) معاوية؛ أي في زمان غزوه البحر (7) والله تعالى أعلم (8) .
وفيه دليل: على صحَّة نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى صدقه، فإنه قد وقع ما أخبر عنه من الغيب على نحو ما أخبر عنه. =(3/754)=@
وفيه دليل: على أن من مات في طريق الجهاد من غير مشاهدته ومباشرته؛ له من الأجر والرتبة (9) مثل ما للمباشر (10) . كما قدَّمناه، والله أعلم (11) .
ومن باب فضل الرِّباط، وكم الشهداء؟
الرِّباط: مصدر رابط، يرابط، رباطًا: إذا أقام (12) في ثغر من ثغور الإسلام حارسًا له من العدو. وأصله: من ربط الخيل فيها.
وقوله: ((وإن مات))؛ يعني: في حالة الرِّباط جرى عليه عمله؛ أي: أجر عمله ((الذي كان يعملها (13) )) في حال رباطه (14) ، وأجر رباطه. وقد جاء في غير &(3/598)&$
__________
(1) أشير لها بسهم وكتب [تراجع النسخ. كذا في (ح) و(ي)].
(2) "تاريخ خليفة بن خياط" (ص160).
(3) من قوله: ((وفيها كان معاوية ....)) إلى هنا سقط من (أ).
(4) في (ب) و(ح) و(ي): ((وفيها)) بدل: ((وأن فيها)).
(5) في (ي) و(ب): ((قبرس)).
(6) في (ي): ((زمن)).
(7) في (أ) و(ي) و(ب): ((في البحر)).
(8) من قوله: ((وعلى هذا ....)) إلى هنا سقط من (ح).
(9) في (أ): ((والمرتبة)).
(10) في (أ): ((مثل المباشر)).
(11) قوله: ((والله أعلم)) سقط من (أ) و(ح) و(ي).
(12) في (ح): ((قام)).
(13) في (ح): يشبه أن يكون: ((فيه)) بدل: ((يعملها)). وفي (أ) و(ي) و(ب): ((يعمله)).
(14) قوله: ((في حال رباطه)) مطموس في (ح).(3/598)
مسلم =(3/755)=@ بأوضح من هذا؛ قال: ((كل ميتٍ يختم على عمله إلا المرابط، فينمو له عمله)) (1) .
وقوله: ((وأجري (2) عليه رزقه))؛ يعني (3) به - والله تعالى أعلم-: أنه يرزق في الجنة كما يرزق الشهداء؛ الذين تكون أرواحهم في حواصل الطير (4) ، تأكل من ثمر (5) الجنة، كما تقدَّم في الشهيد.
وقوله: ((وأمِنَ الفتَّان))؛ روى (6) عن الأكثر من الرواة: بضم الفاء، جمع فاتن، ويكون للجنس؛ أي: يؤمن من (7) كل ذي فتنة. ورواه الطبري (8) (9) : بفتح الفاء (10) ؛ يعني به: فتان القبر (11) . وكذلك رواه أبو داود (12) مفسرًا بالإضافة إلى القبر.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - في مؤخر غصن الشوك: ((فشكر الله له))؛ أي: رضي فعله (13) ذلك (14) ، وأثابه عليه بالأجر، والثناء الجميل. وقد تقدَّم: أن أصل الشكر: الظهور (15) .
وقوله: ((الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق (16) ، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله (17) ))، وقال مالك من حديث جابر (18) بن عتيك: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - =(3/756)=@ قال: ((الشهداء سبع (19) ، سوى القتل (20) في سبيل الله))، وذكر نحو ما تقدَّم، وزاد: ((وصاحب ذات الجنب، والحريق، والمرأة تموت بجمع))، ولا تظن (21) : أن بين قوله: ((الشهداء خمسة))، و((الشهداء سبعة))، تناقضًا؛ لأنهما حديثان مختلفان، أخبر بهما في وقتين مختلفتين. ففي وقت أوحي إليه أنهم خمسة. وفي وقت آخر أوحي إليه أنهم أكثر. والله تعالى أعلم.
فأما (22) المطعون؛ فهو الذي يموت بالطاعون، وهو: الوباء. وقد فسَّره فى &(3/599)&$
__________
(1) أخرجه سعيد بن منصور (2/160 رقم2414)، وأحمد (6/20)، وأبو داود (3/20 رقم2500) في الجهاد، باب في فضل الرباط، والترمذي (4/142 رقم1621) في فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل من مات مرابطًا، وابن حبان (10/484 رقم4624/الإحسان)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (6/86 رقم2316)، والطبراني في "الكبير" (18/311 و311-312 رقم802 و803)، والحاكم (2/79 و144). جميعهم من طريق أبي هانئ الخولاني، عن عمرو بن مالك، عن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((كل ميت يموت يختم على عمله إلا من مات مرابطًا في سبيل الله، فإنه ينمو له عمله، وأمن من فتنة القبر)).
قال الترمذي: ((حسن صحيح)).
وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2/837 رقم4562)، وتعليقه على "المشكاة" (2/1124 رقم3823).
وفي الباب من حديث عقبة بن عامر: أخرجه أحمد (4/150 و157)، والدارمي (2/211)، والطبراني في "الكبير" (17/307-308 رقم848). ثلاثتهم من طريق ابن لهيعة، عن مشرح بن هاعان، قال: سمعت عقبة بن عامر يقول ...، فذكره. وفي سنده ابن لهيعة، لكن إحدى روايات الحديث من طريق عبدالله بن يزيد، فتصلح في الشواهد.
ومشرح بن عاهان: وثقه ابن معين، والفسوي، والعجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: يخطئ ويخالف، ثم ذكره في المجروحين، وقال: يروي عن عقبة بن عامر أحاديث مناكير، لا يتابع عليها، والصواب في أمره ترك ما انفرد من الروايات، والاعتبار بما وافق الثقات. وقال ابن عدي في "الكامل" (6/47) أرجو أنه لا بأس به وقال الذهبي في "الميزان" (4/117 رقم8549): صدوق. وكذا قال عثمان بن سعيد الدارمي، كما في "الكامل" (6/469)، وفي "التقريب" (ص944-945 رقم6724): مقبول.
لكن الحديث صحيح لغيره بشاهده المتقدم .
(2) في (ح): ((فأجرى)). وفي (ي): ((فأجزى)).
(3) في (ي): ((ويعني)).
(4) تقدم في باب فضل القتل في سبيل الله.
(5) في (ي): ((ثمار)).
(6) في (ح) و(ي): ((يروى)).
(7) قوله: ((من)) سقط من (ب).
(8) في (ح): ((القصرى)). [وتراجع ل156 أ].
(9) ....
(10) في (ح): ((بفتح الباء)).
(11) في (ح): ((الكبر)).
(12) في "سننه" (2500) كتاب الجهاد، باب في فضل الرباط .
(13) في (ح) و(ي): ((بفعله)).
(14) قوله: ((ذلك)) سقط من (ب)، وفي (ح): ((وذلك)).
(15) في (ح): ((المظهور)).
(16) في (ح): ((الغرق)) و(أ) و(ي) و(ب).
(17) لفظ الجلالة ليس في (أ).
(18) أخرجه مالك (1/233-234 رقم554) في الجنائز، باب النهي عن البكاء على الميت، عن عبدالله بن عبدالله بن جابر بن عتيك، عن عتيك بن الحارث، أنه أخبره أن جابر بن عتيك أخبره: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء يعود عبدالله بن ثابت فوجده قد غلب عليه، فصاح به فلم يجبه، فأسترجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال: غلبنا عليك يا أبا الربيع، فصاح النسوة وبكين، فجعل جابر يسكتهن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية))، قالوا: يا رسول الله! وما الوجوب؟ قال: ((إذا مات))، فقالت ابنته: والله! إن كنت لأرجو أن تكون شهيدًا فإذا كنت قد قضيت جهازك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إن الله قد أوقع أجره علي قدر نيته، وما تعدون الشهادة؟ )) قالوا: القتل في سبيل الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحرق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد)).
ومن طريق مالك أخرجه أحمد (5/446)، وأبو داود (3/482-483 رقم3111) في الجهاد، باب في فضل من مات في الطاعون، والنسائي (4/13-14 رقم1846) في الجنائز، باب النهي عن البكاء عن الميت، وابن حبان (7/461-462 و463-464 رقم3189 و3190/الإحسان)، والطبراني في "الكبير" (2/191 رقم1779)، والحاكم (1/351-352).
قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي .
وفي سنده: عتيك بن الحارث، لم يرو عنه إلا عبدالله بن عبدالله بن جابر بن عتيك، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال عنه الذهبي: تابعي مجهول. "تهذيب الكمال" مع حاشيته (19/333 رقم3790)، وفي "التقريب" (ص659 رقم4479): مقبول.
وأخرجه ابن أبي شيبة (4/227 رقم19468) في الجهاد، باب ما ذكر في فضل الجهاد والحث عليه .
وعنه ابن ماجه (2/937 رقم2803) في الجهاد، باب ما يرجى فيه الشهادة، والطبراني في "الكبير" (2/192 رقم1780). وأخرجه النسائي (6/51-52 رقم3194) في الجهاد، باب من خان غازيًا في أهله. كلاهما من طريق أبي عميس، عن عبدالله بن عبدالله بن جابر، عن أبيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد جابرًا، فلما دخل سمع النساء يبكين .... فذكره .
(19) في (ب) و(ح) و(ي): ((سبعة)).
(20) في (ح): ((القتيل)).
(21) في (ب) و(ح) و(ي): ((يظن)).
(22) في (ب): ((وأما)).(3/599)
الحديث الآخر؛ إذ قال فيه: ((الطاعون شهادة لكل مسلم)) (1) ، ولم يُرد المطعون بالسَّنان، لأنه هو المقتول في سبيل الله، المذكور من جملة الخمسة.
و((المبطون (2) )): هو الذي يموت من علَّة البطن، كالاستسقاء، والحفن (3) - هو (4) : انتفاخ الجوف -، والإسهال.
و((الغرق))؛ يروى بغير ياء، كحذر (5) . ويروى بالياء (6) ، وهو للمبالغة كعليم (7) .
و((صاحب الهدم)): هو الذي يموت تحت الهدم.
و((الحريق)): هو الذي يموت بحرق النار. وهؤلاء الثلاثة إنما حصلت لهم مرتبة الشهادة لأجل تلك الأسباب؛ لأنهم لم يفرّوا (8) بنفوسهم (9) ، ولا فرّطوا في التحرز، ولكن (10) أصابتهم تلك الأسباب بقضاء الله وقدره. فأما من غرر، أو فرط في التحرز حتى أصابه شيء من ذلك فمات، فهو عاصي (11) ، وأمره إلى الله؛ إن شاء عذب، وإن شاء عفا.
وأما صاحب ذات الجنب: فهي قرحة في الجنب، وورم شديد، ويُسمى (12) : الشوصة. =(3/757)=@
وأما المرأة تموت بجمع، ويُقال: بضم الجيم وكسرها، وهي (13) المرأة تموت حاملاً، وقد جمعت ولدها في بطنها. وقيل: هي التي (14) تموت في (15) نفاسه وبسببه. وقيل (16) : هي التي تموت بكرًا لم تفتض (17) . وقيل: بكرًا لم تظهر لأحد. والأول أولى وأظهر (18) . والله تعالى أعلم.
وقوله: ((ومن مات في سبيل الله فهو شهيد (19) ))؛ يعني: أنه يموت شهيدًا وإن لم يباشر الحرب، ولم يشاهده، كما قدَّمناه. =(3/758)=@ &(3/600)&$
__________
(1) أخرجه البخاري في "صحيحه" (2830 و5732)، ومسلم (1916).
(2) في (ب): يشبه أن تكون ((والمبطعون)).
(3) في (ب): ((والحبن))، وفي (ح) و(ي): ((والحبق)).
(4) في (ح) و(ب): ((وهو)).
(5) في (ب): ((بحذر)). وفي (ح): ((لحذر)).
(6) في (ح): ((بالباء)).
(7) في (ب): ((لعلم)).
(8) في (ح): ((يغرروا)).
(9) في (ي): ((بأنفسهم)).
(10) في (ي) و(ب): ((لكن)) بلا واو.
(11) في (أ) و(ب): ((عاصي)).
(12) في (ب) و(ح): ((وتسمى)).
(13) في (ي): ((فهي)).
(14) قوله: ((التي)) سقط من (ب).
(15) في (أ): ((من)).
(16) قوله: ((قيل)) سقط من (ي).
(17) في (أ) و(ب): ((تقتضي)).
(18) قوله: ((وأظهر)) سقط من (ب).
(19) قوله: ((في سبيل الله فهو شهيد)) مطموس في (ح).(3/600)
ومن باب قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} (1)
القوَّة: التقوى بإعداد ما يحتاج (2) إليه من الدروع، والمجان، والسيوف، والرِّماح، وسائر آلات الحرب، والرَّمي (3) ، إلا أنه لما كان الرَّمي أنكاها في العدو، وأنفعها فسرها وخصصها بالذكر وأكدها ثلاثًا (4) ، ولم يرد أنها (5) كل العدّة، بل أنفعها. ووجه أنفعيتها (6) : أن (7) النكاية بالسِّهام تبلغ العدو من الشجاع وغيره، بخلاف السيف والرمح، فإنه لا تحصل (8) النكاية بهما إلا من الشجعان الممارسين للكرِّ والفرِّ، وليس كل أحد كذلك. ثم: إنها أقرب مؤنة، وأيسر محاولة وإنكاء. ألا ترى أنه قد يرمي رأس الكتيبة (9) فينهزم أصحابه؛ إلى غير ذلك مما يحصل منه (10) من الفوائد، والله تعالى أعلم. =(3/759)=@
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((ستفتح عليكم الأرضون، ويكفيكم الله))؛ أي: أمر العدو بالظهور عليه، وبالتمكين منه، وقد كان كل ذلك، وهذا من دلائل صحة نبوته ?. فإنه وقع ما أخبر به قبل (11) كونه على نحو (12) ما أخبر عنه. &(3/601)&$
__________
(1) سورة الأنفال؛ الآية: 60.
(2) في (ب) و(ح): ((التقوى بما يحتاج)).
(3) في (ب) و(ح) و(ي): ((والرمي وسائر آلات الحرب)).
(4) قوله: ((ثلاثًا)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(5) في (ب) و(ح) و(ي): ((بها)).
(6) في (ب): ((أنفعها)).
(7) في (ب): ((إلى)).
(8) من قوله: ((النكاية بالسهام تبلغ...)) إلى هنا سقط في (ب).
(9) في (أ): ((الكثيبة)).
(10) في (ب) و(ح): ((به)).
(11) من قوله: ((وبالتمكين منه...)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح).
(12) قوله: ((نحو)) سقط من (ح). وقوله: ((على نحو)) سقط من (ب).(3/601)
وقوله: ((فلا يعجز أن يلهو أحدَّكم بأسهمه))؛ أي: يجعل الرَّمي بدلاً من اللهو، فيدوم (1) عليه، ويشتغل به حتى لا ينساه، ولا يغفل عنه فيأثم (2) ، على ما جاء في حديث عقبة بن عامر، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن الله عز وجلَّ يدخل بالسَّهم الواحد ثلاثة نفر الجنَّة (3) : صانعه يحتسبه (4) في صنعه (5) الخير، ومنبله (6) ، والرامي به. وأن ترموا (7) أحبّ إليّ من أن تركبوا. ليس من اللهو إلا ثلاث: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله (8) . ومن ترك الرمي بعدما تعلمه (9) رغبة عنه فإنها (10) نعمة تركها -أو قال: كفرها-)). خرَّجه (11) أبو داود (12) . ويدل عليه حديث فقيم (13) المذكور في الأصل على ما يفسر بعد (14) .
وقوله: ((من علم الرمي ثم تركه فليس منا، أو قد عصى))؛ هذا شك من =(3/760)=@ بعض الرواة في أي (15) اللفظين قال - صلى الله عليه وسلم - . فهو (16) ظاهر في ذم من ترك الرمي بعد أن علمه. وسبب هذا الذم: أن هذا الذي تعلم الرمي حصلت له أهلية الدفاع عن دين الله، والعناء (17) فيه، والنكاية في العدو. فقد تعيّن لأن يقوم بوظيفة الجهاد، فإذا ترك ذلك حتى يعجز عنه فقد فرط في القيام بما تعين عليه، فذم على ذلك. وهذا مثل ما تقدَّم في كتاب الصلاة (18) ؛ فيمن تعلم القرآن فنسيه.
وقوله (19) : ((وليس (20) منا))؛ أي: ليس على طريقتنا، ولا سنتنا، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ((ليس &(3/602)&$
__________
(1) في (ب) و(ح) و(ي): ((فيندرج)). وكتب في هامش (ي): ((فيروح)) ووضع (خ). [يراجع (ب) و(ح) كذا في (ح)].
(2) قوله: ((فيأثم)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(3) قوله: ((نفر الجنة)) سقط من (ب).
(4) في (ب): ((يحسب)). في (ي): يشبه أن تكون ((يحتسبه)).
(5) في (ب) و(ح) و(ي): ((صنعته)).
(6) في (أ): ((ومنيله)).
(7) في (ب) و(ح) و(ي): ((تراموا)).
(8) في هامش (ب) كتب بخط مغاير: ((فإنهن من الحق)).
(9) في (ب) و(ح) و(ي): ((علمه)).
(10) في (ب) و(ي): ((فإنه)).
(11) في (أ): ((رواه)).
(12) يرويه أبو سلام، واختلف عليه:
فأخرجه سعيد بن منصور (2/171 رقم2450)، وعنه الفسوي (2/501)، وأبو داود (3/28-29 رقم3513) في الجهاد، باب في فضل الرمي، والطبراني في "الكبير" (17/342 رقم942). وأخرجه ابن أبي شيبة (4/222 رقم19426) في الجهاد، باب ما ذكر في الرمي والحث عليه، وعنه الطبراني في "الكبير" في الموضع السابق، وأخرجه الفسوي في الموضع السابق، وعنه والبيهقي (10/218)، والخطيب في "الموضح" (1/113-114).
وأخرجه أحمد (4/146 و148)، والنسائي (6/28 و222-223 رقم3146 و3578) في الجهاد، باب ثواب من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل، وفي الخيل، باب تأديب الرجل فرسه، وابن الجارود (3/314-315 رقم1602/غوث)، والحاكم (2/95)، وعنه البيهقي (10/13).
جميعهم من طريق عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي سلام، عن خالد بن زيد ويقال: ابن يزيد، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إن الله عز وجل يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير والممد به، والرامي به، وارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا، وليس من اللهو إلا ثلاثة: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته امرأته، ورميه بقوسه ونبله، ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة كفرها)).
وفي سنده: خالد بن زيد لم يرو عنه غير أبي سلام ،وأورده البخاري في "تاريخه" (3/150 رقم515)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (3/331 رقم1488) ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً. وأورده الفسوي في "ثقات التابعين"، وفي "التقريب" (ص286 رقم1644): مقبول .
والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي .
وقد توبع عبدالرحمن بن يزيد على روايته: تابعه يحيى بن أبي كثير، واختُلف عليه :
فأخرجه الطيالسي (ص135 رقم1006 و1007)، وعنه البيهقي (10/13-14)، وأخرجه أحمد (4/144 و148)، والدارمي (2/204-205) في الجهاد، باب في فضل الرمي والأمر به، وابن ماجه (2/940 رقم1637) في فضائل الجهاد، باب الرمي في سبيل الله، والفسوي (2/502)، والترمذي (4/149 رقم2811) في الجهاد، باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1/270-271 رقم295)، والطبراني في "الكبير" (17/341 رقم941)، والبيهقي (10/218).
جميعهم من طريق هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلام، عن عبدالله بن زيد الأزرق، به. وقد صرح يحيى بالسماع في إحدى روايات أحمد .
لكن أخرجه الطبراني في الموضع السابق، برقم (940) من طريق هشام، عن يحيى، قال: حدثت أن أبا سلام قال: حدثني عبدالله بن زيد ... فذكره .
وخالفه معمر: فأخرجه عبدالرزاق (10/409 رقم19522)، و(11/461-462 رقم21010) عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام به .
ومن طريقه أحمد (4/148)، وابن خزيمة (4/113 رقم2478)، والطبراني في "الكبير" (17/340 رقم939)، والحاكم (1/417-418)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (4/44-45 رقم4301). لكن في سنده عبدالله بن الأزرق، لم يرو عنه غير أبي سلام، وذكره ابن حبان في الثقات (5/15-16) وقال: يروي عن عوف بن مالك، عداده في أهل دمشق، وكان قاصًّا لمسلمة بن عبدالملك بالقسطنطينية، روى زيد بن سلام، عن أبي سلام، عنه.
وفرّق البخاري في "تاريخه" (5/93 رقم256و257)، وابن أبي حاتم في"الجرح والتعديل" (5/58 رقم269 و270) بينهما. فقال البخاري: ((عبدالله بن زيد الأزرق، ويقال: خالد بن زيد، قاله عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، ومعاوية، عن أبي سلام، قال يحيى بن أبي كثير، عن زيد عن أبي سلام، عن عبدالله بن زيد الأزرق، سمع ابن عقبة)).
وكذا قال ابن أبي حاتم، وصوَّب صنيعهما الحافظ في "التهذيب" (2/340) على أنهما لم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً. وفي "التقريب" (ص508 رقم3354): مقبول .
قال الألباني في تخريج "فقه السيرة" (ص225-226): ((في سنده اضطراب))، كما قال الحافظ العراقي في"تخريج الإحياء"(6/252)، وبيانه أنه رواه عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي سلام، عن خالد بن زيد، عن عقبة، به ... وخالفه يحيى بن أبي كثير فقال: حدثنا أبو سلام، عن عبدالله بن الأزرق، عن عقبة بن عامر ...، وقال الترمذي: حديث حسن، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهي، وكأنهم لم يقفوا على هذا الاضطراب الذي نبه عليه الحافظ العراقي رحمه الله، وأيضًا فإن له علة أخرى، هي جهالة خالد بن زيد، وعبدالله بن الأزرق، وهو ابن زيد الأزرق. فسواء كانت الرواية عن هذا أو ذاك ن فهي معلولة للجهالة. اهـ.
(13) أشير لها وكتب [تراجع هذه الكلمة في النسخ؟].
(14) في (أ): ((بغير إلا)).
(15) في (أ): ((وأي)).
(16) في (ب) و(ح): ((وهو)).
(17) في (أ): ((والغناء)). يراجع
(18) في أبواب فضائل القرآن، باب الأمر بتعاهد القرآن .
(19) قوله: ((وقوله)) سقط من (ي).
(20) في (أ): ((ليس)) بلا واو.(3/602)
منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب)) (1) . و((ليس منا من دعا بدعوى الجاهلية)). و((من غشنا فليس منا)) (2) ، وهو ذم بلا شك.
وأما قوله: ((فقد عصى))، فنص في الوجوب.
وقوله: ((لم أعانه))؛ أي: لم أكابده، ولم أقاسيه (3) ، ولم أقم به (4) .
ومن باب قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين
قوله: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين (5) ))؛ الطائفة: الجماعة، وهم =(3/761)=@ العصابة (6) في الحديث الآخر، وهم الذين قال الله تعالى في حقهم (7) : {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} (8) .
و((ظاهرين)): منصورين غالبين (9) ، كما قال في الحديث الآخر: ((يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خذلهم (10) ))؛ أي: من لم ينصرهم من الخلق.
و((أمر الله)): الساعة كما قد جاء مفسَّرًا في الرواية الأخرى. =(3/762)=@
وقد اختلف في: من هذه الطائفة، وأين هم؟ فقال علي بن المديني: هم &(3/603)&$
__________
(1) قوله: ((وشق الجيوب)) سقط من (أ).
(2) تقدم في كتاب الإيمان، باب في من تبرأ منه - صلى الله عليه وسلم - .
(3) في (ب) و(ي): ((أقاسه)).
(4) قوله: ((ولم أقم به)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(5) قوله: ((من أمتي ظاهرين)) سقط من (أ).
(6) قوله: ((وهم العصابة)) مطموس في (ح).
(7) في (أ) و(ي): ((فيهم)).
(8) سورة الأعراف؛ الآية: 181.
(9) في (أ): ((وظاهرون منصورون غالبون)).
(10) في حاشية (ب) بخط مغاير: ((وفي رواية: من خالفهم)). وكتب فوقها ((صح)).(3/603)
العرب (1) ، واستدل برواية من روى (2) : ((وهم أهل الغرب)) (3) ، وفسَّر((الغرب)) بالدلو العظيمة. وقيل: أراد بالغرب: أهل القوة، والشدَّة، والحدِّ. وغرب كل شيء حدَّه (4) . وقيل: أراد به: غرب الأرض. وهو ظاهر حديث سعد بن أبي وقاص (5) ، وسعد بن مالك (6) . وقد روى الدارقطني في "فوائده" حديث سعد بن أبي وقاص (7) ، وقال (8) فيه: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق في الغرب (9) حتى تقوم السَّاعة))، ورواه عبد (10) بن حميد (11) الهروي، وقال (12) فيه: ((لا يزال (13) أهل المغرب (14) ظاهرين على الحق حتى تقوم السَّاعة (15) ، أو (16) يأتي أمر الله)). ورواه بقي (17) بن مخلد في "مسنده" (18) كذلك: ((لا يزال أهل المغرب)) كذلك (19) .
قلت: وهذه الروايات تدل على بطلان (20) التأويلات المتقدَّمة، وعلى أن المراد به أهل المغرب في الأرض، لكن أول المغرب بالنسبة إلى المدينة - مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ إنما هو الشام، وآخره: حيث تنقطع الأرض من المغرب الأقصى وما بينهما، كل ذلك يقال عليه (21) : مغرب. فهل أراد المغرب كله، أو أوله؟ كل ذلك =(3/763)=@ محتمل (22) ، لا جرم قال (23) معاذ في الحديث الآخر (24) :((هم أهل الشام)) (25) . ورواه الطبري وقال :((هم ببيت (26) المقدس)) (27) . وقال أبو بكر الطرطوشي في رسالة بعث بها إلى أقصى المغرب، بعد أن أورد (28) حديثًا في هذا المعنى؛ قال- والله تعالى أعلم-: هل أرادكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أراد بذلك جملة أهل (29) المغرب؛ لما هم عليه من التمسُّك (30) بالسُّنة والجماعة، وطهارتهم من البدع والإحداث في الدِّين، والاقتفاء لآثار من مضى من السَّلف الصالح؟ والله تعالى أعلم. &(3/604)&$
__________
(1) في (ب): ((بالعرب)).
(2) في (ب): ((يروي)). إلتصقة نقطة النون بالراء.
(3) وهي رواية الحديث الآتي بعده .
(4) في (ي): ((حذه)).
(5) وهي رواية الحديث الآتي بعده .
(6) سعد بن أبي وقاص هو سعد بن مالك، ولم أقف عليه من حديث أبي سعيد الخدري سعد بن مالك .
(7) من قوله: ((وسعد بن مالك ....)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(8) في (ب): كتب فوقها: ((موهم)). تراجع.
(9) قوله: ((في الغرب)) سقط من (ب) و(ح). وفي (ي): ((في المغرب)).
(10) في (ي): ((عبيد)) بدل ((عبد)).
(11) في (أ): ((أحمد)).
(12) في (ب): كتب فوقها ((إلى مقدم)). وتراجع.
(13) في (ح): ((لا تزال)).
(14) في (ب): ((الغرب)).
(15) في (ب): كتب فوقها: ((إلى)).
(16) كتب في حاشية (ب): ((حتى)).
(17) في (ي): ((تقي)).
(18) هذه الرواية التي أشار إليها المصنف عند الدارقطني وعبد بن حميد وبقي بن مخلد لم أقف عليها، وإنما أخرجها بهذا اللفظ: أبو عوانة في "مستخرجه" (7510 و7511 و7512)، وأبو بنعيم في "الحلية" (3/96)، وأبو عمرو الداني في "الفتح" (362)، وغيرهم، من طرق عن داود بن أبي هند به .
(19) قوله: ((كذلك)) سقط من (ب) و(ح). وفي (ي): ((الحديث)) بدل: ((كذلك)).
(20) في (أ): ((إبطال)).
(21) في (ب): ((فيه)).
(22) في (ي): يشبه أن تكون ((يحتمل)) ولم ينقط الحرف الأول .
(23) في (ب): ((قول)).
(24) قوله: ((الآخر)) سقط من (أ) و(ي)، وفي (ب): كتب فوقها ((فمن)).
(25) أخرجه البخاري (6/632 رقم3641) في المناقب، بابٌ، و(13/442 رقم7460) في التوحيد، باب قول الله تعالى: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه}.
(26) في (ب): ((هم بيت))، وكتب فوقها بخط مغاير: ((أهل)).
(27) أخرجه أحمد (5/269) من حديث أبي أمامة. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/288): ((رجاله ثقات)). وأخرجه الطبراني في "الكبير" (20/317) من حديث مرّة البهزي. وأخرجه الطبراني في "الأوسط" من حديث أبي هريرة. قال الهيثمي (7/288): ((وفيه الوليد بن عباد وهو مجهول)).
(28) في (ب): ((أراد)).
(29) في (ب): ((أهله)).
(30) في (أ): ((التملك)).(3/604)
قلت: وفي هذا الحديث دلالة على صحَّة الإجماع؛ لأن (1) الأمة إذا أجمعت فقد دخلت فيهم هذه العصابة المحقَّة (2) ، فكل الأمة مُحق فاجماعهم حق. ويفيد هذا المعنى أيضًا قوله تعالى: {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} (3) . ولا تعارض بين هذا الحديث وبين قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تقوم السَّاعة إلا على شرار الخلق)) (4) ، وبين قوله: ((لا تقوم السَّاعة وفي الأرض من يقول: الله، الله)) (5) ؛ لما يأتي في حديث عقبة بن عامر وعبد الله بن عمرو، فإنه - صلى الله عليه وسلم - بيّن ذلك فيه بيانًا شافيًا، فتأمله، فلا مزيد (6) عليه. =(3/764)=@ &(3/605)&$
__________
(1) في (ب) و(ي): ((أن)).
(2) في (ب) و(ي) و(ح): ((المختصة)).
(3) سورة الأعراف؛ الآية: 181.
(4) تقدم في الإيمان، باب كيف بدأ الإسلام وكي في عود. يراجع
(5) تقدم في الإيمان، باب كيف بدأ الإسلام وكي في عود .
(6) في (أ): ((يزيد)).(3/605)
ومن باب آداب السَّفر
قوله: ((إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها (1) من الأرض))؛ أي: ارفقوا بها في الرَّعي حتى تأخذ منه ما يمسك قواها، ويرد شهوتها، ولا (2) تعجّلوها فتمنعوها المرعى مع وجوده، فيجتمع عليها ضعف القوى مع ألم كسر شهوتها (3) .
وقوله: ((وإذا (4) سافرتم في السَّنة فأسرعوا عليها السير))؛ السَّنة (5) : الجدب (6) ، ضد الخصب. وإنما أمر بالإسراع بها في الجدب (7) لتقرب مدة سفرها، فتبقى قوتها الأولى، فإنها (8) إن رفق (9) بها طال سفرها، فهزلت وضعفت؛ إذ لا تجد مرعى تتقوَّى به. وإلى هذا أشار - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((بادروا بها نقيها))؛ والنقي: مخ العظام، وهو بكسر النون.
و((التعريس)): النزول من آخر الليل. وهذه الأوامر من باب الإرشاد إلى المصالح والندب إليها. =(3/765)=@
وقوله: ((السَّفر قطعة من العذاب))؛ أي: لما فيه من المشقات، والأنكاد، ومكابدة الأضداد، والامتناع من الراحات، واللذات (10) .
و((النهمة))- بفتح النون-: بلوغ الغرض، والوصول إلى (11) المقصود.
وقوله: ((فليعجل إلى أهله))؛ أي: يسرع بالرجوع إلى أهله (12) ليزول عذابه، ويطيب له طعامه وشرابه، وتزول مشقته. &(3/606)&$
__________
(1) في (ي): ((حقها)).
(2) في (ب): ((فلا)).
(3) في (أ): ((شهواتها)).
(4) في (ب): ((إذا)) بلا واو. وفي (ي): ((فإذا)).
(5) قوله: ((السنة)) مطموس في (ح).
(6) في (ب) (ي): ((الجذب)).
(7) في (ب) (ي): ((الجذب))
(8) في (ب) و(ح): ((فإنه)).
(9) في (ب): ((أرفق)).
(10) في (ح): ((الملذات)).
(11) قوله: ((والوصول إلى)) سقط من (ب).
(12) قوله: ((إلى أهله)) سقط من (ب) و(ح).(3/606)
وقوله: ((فلا يأتينَّ أهله طُرُوقًا))- بضم الطاء -؛ يعني: ليلاً، وهو مصدر: طرق، طروقًا، كخرج (1) خروجًا. والطارق: الآتي ليلاً. ومنه سُمي النجم: طارقًا. ومنه: {والسماء والطارق} (2) .
و((تستحد)): تفتعل (3) ؛ أي (4) : تستعمل =(3/766)=@ الحديدة في حلق الشعر.
و((المغيبة)): التي غاب عنها زوجها. وهو (5) من (6) : أغابت، تغيب، فهي: مغيبة. و((الشعثة))؛ التي علاها الشعث. وهو: الغبار، والوسخ في الشعر؛ يعني بذلك: أن المرأة في حال غيبة زوجها متبذلة، لا تمتشط (7) ، ولا تدَّهن، ولاتتنظف، فلو بغتها (8) زوجها من سفره، وهي على تلك الحال، استقذرها، ونفرت نفسه منها (9) ، وربما يكون (10) ذلك (11) سبب (12) فراقها، فإذا قدم نهارًا سمعت بخبر قدومه؛ فأصلحت من شأنها، وتهيأت له، فحسنت الحال، وأمنت النفرة المذكورة.
وفيه من الفقه: أن المرأة ينبغي لها أن تتحسَّن، وتتزيَّن، وتتطيَّب وتصنَّع للزوج بما أمكنها، وتجتهد في ألا يرى منها زوجها ما (13) تنفر نفسه منها بسببه؛ من الشعث والوسخ، وغير ذلك.
وأما نهيه - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر عن الطروق: فلمعنًى آخر، وهو: أن يظن بهن (14) خيانة في أنفسهن، أو فيما في أيديهن مما أمَّنهن عليه. وهو ظنّ لا يحل، وتخمين منهي عنه. فصار النهي (15) عن طروق الرجل أهله معللاً بعلتين، بالأولى، وبالثانية. والله تعالى أعلم. =(3/767)=@ &(3/607)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): ((أي خرج)).
(2) سورة الطارق؛ الآية: 1.
(3) قوله: ((تفتعل)) سقط من (ب) و(ح).
(4) قوله: ((أي)) سقط من (ح). شطب على هذا الهامش وكتب [لعلها في نسخة أخرى].
(5) في (ب) و(ح) و(ي): ((وهذا)).
(6) أشير لها وكتب كذا في (ح).
(7) في (ب): يشبه أن تكون ((تمشط)).
(8) في (ب): ((جامعها)).
(9) في (أ): ((منها نفسه)).
(10) في (أ): ((كان)).
(11) قوله: ((ذلك)) سقط من (ب).
(12) في (ي): ((بسبب)).
(13) في (ي): ((بما)).
(14) في (أ): ((بهم)).
(15) في (ب) و(ح): ((الطروق)) بدل ((النهي)).(3/607)
المفهم
لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم
الجزء الرابع
كِتَاب الإِمَارَةِ وَالبَيْعَةِ
بَاب اشْتِرَطِ نَسَبِ قُرَيْشٍ فِي الْخِلافَةِ
1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (1) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : ((النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ، مُسْلِمُهُمْ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ لِكَافِرِهِمْ)).
وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ (2) : ((النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ)).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن باب الإمارة (3)
قوله: ((النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ))؛ يعني به (4) : شأنَ الولايةِ، والإمارةِ؛ وذلك أنَّ قريشًا كانت في الجاهلية رؤساءَ العرب وقادتَها؛ لأنَّهم أهلُ البيت والحرم، حتى كانت العرب تسمِّيهم: أهلُ اللهِ، وإليهم كانوا يرجعونَ في أمورِهم، ويعتمدون عليهم فيما ينوبُهم؛ ولذلكَ توقَّف كثيرٌ من الأعرابِ عن الدُّخولِ في الإسلامِ قبل أن تدخل فيه (5) قريشٌ، فلمّا أسلموا ودخلوا فيه، أطبقت العرب على =(4/5)=@ الدُّخول في الدِّين؛ بحكم أنَّهم كانوا لهم تابعينَ، ولإسلامهم منتظرين. كذا ذكره ابنُ إسحاق وغيره. فهذا معنى تَبَعِيَّةِ النَّاسِ لهم في الجاهلية.
ثم لَمَّا جاء الإسلام استَقر أمر الخلافة والملك في قريش شرعًا (6) ووجودًا؛ ولذلك قالت قريشٌ يومَ السَّقِيفَةِ للأنصار: نحن الأمراء، وأنتم الوزراء (7) . وقال (8) عمر في كلامه: ((إنَّ هذا الأمر لا تعرفه الناس إلا لهذا الحيِّ من قريش))، فانقادوا لذلك (9) ، ولم يخالف فيه أحدٌ. وهو إجماع السَّلف والخلف، ولا اعتبار بقول النَّظَّام، ولا ضرار (10) بن عمرو، وأهل البدع من الخوارج وغيرهم؛ حيث قالوا بصحة جوازها (11) &(4/3)&$
__________
(1) أخرجه البخاري (6/526 رقم3495) كتاب المناقب، باب قوله الله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى...} الآية، ومسلم (3/4115 رقم1818) كتاب الإمارة، باب الناس تبع قريش.
(2) أخرجه مسلم (3/1415 رقم1819).
(3) كذا في (أ)، وفي (ب) و(ح) و(ي): ((كتاب الإمارة))، وهو أشبه.
(4) قوله: ((به)) سقط من (ب).
(5) في (ب) و(ح): ((فيهم)).
(6) تراجع في (ح) ل/158/أ.
(7) أخرجه البخاري (7/19 رقم3666) فضائل الصحابة.
وقول القرطبي: وقال عمر في كلامه...، صوابه: أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - .
(8) في (ب) و(ح) و(ي): ((قال)) بلا واو.
(9) انظر الحديث السابق، وهو من كلام أبي بكر وليس من كلام عمر رضي الله عنهما.
(10) في (أ): ((وضرار))، وسقط قوله: ((لا)). وكتب ((صحيح)) فوق قوله: ((ضرار)).
(11) في (ب) و(ح): ((إذ قالوا بجواز صحتها)).(4/3)
لغير قريش؛ لأنَّهم إمَّا مُكَفَّرٌ، وإما مُفَسَّقٌ، ثم إنهم مسبوقون بإجماع السَّلف، ومُحْجُوجون بهذه الأحاديث الكثيرة الشهيرة. ويعني((بالخير)) في الرِّواية الأخرى: ((ولاية قريش في الإسلام)).
2 - وَعَنْ عَبْدِاللهِ (1) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : ((لا يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْ النَّاسِ اثْنَانِ)).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله: ((لا يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْ النَّاسِ اثْنَانِ))؛ هذا خبرٌ عن المشروعية (2) ؛ أي: لا تنعقدُ الولايةُ (3) الكبرى إلاَّ لهم مهما (4) وجد منهم أحدٌ (5) ، وفي (6) =(4/6)=@ حديث آخر: ((الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ)) (7) . وقد استدلَ (8) بهذا (9) اللَّفظ وما في معناه من قوله: ((قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلا تَتَقَدَّمُوها)) (10) كُبراء أصحاب الشافعي رحمه الله على ترجيح مذهب الشافعي على غيره؛ من حيث أنه قرشيٌّ، ولا حُجَّة فيه؛ لأنَّه (11) لا يصحُّ الاحتجاج به إلاَّ حتى تُحْمَل (12) الإمامةُ فيه على العموم في كل شيء يُحتاج إلى الاقتداء فيه: من الإِماَمةِ الكُبْرى، وإمامة الفَتْوى، والقضاء، والصَّلاة، وغير ذلك من الولايات. ولا يصح ذلك؛ للاجماع على خِلافِه؛ إذ قد أجمعت الأمة على أن جميع الولايات تصحُّ لغير قريش، ما خلا الإمامة الكبرى، فهي المقصودة بالحديث قَطْعًا. وقد قدَّم النبيّ غير قريش على قريش، فإنه قدَّم زيد (13) بن حارثة، وولده أسامة (14) (15) ، ومعاذ بن جبل (16) ، وقدَّم (17) سالِمًا مولى أبي حُذيفة على الصلاة بقباء (18) ، فكان يَؤُمُّهُم وفيهم أبو بكر وعمر وغيرهم من كبراء قريش، ثم إن الشافعي رحمه الله أول من ترك عموم تلك (19) الأخبار. فإنَّه قد اقتدى بمالك، واسْتَفْتَاهُ (20) ، ومالكٌ ليس بقرشيٍّ، وإنما هو: أَصْبَحيٌّ صَرِيْحًا. وأيضًا: فإنَّه لم يُرو عنه أنه منع من تقليد من ليس بقرشي. فدلَّ هذا كُلُّه على أن الْمُسْتَدلَّ بذلك &(4/4)&$
__________
(1) أخرجه البخاري (6/533 رقم3501) كتاب المناقب، باب مناقب قريش، و(13/114 رقم7140) كتاب الأحكام، باب الأمراء من قريش، ومسلم (3/1452 رقم1820) كتاب الإمارة، باب الناس تبع قريش.
(2) في (أ): ((المشرعية)).
(3) في (ب) و(ي): ((الإمامة)).
(4) في (ب) و(ح) و(ي): ((متى)).
(5) في (ب) و(ح) و(ي): ((واحدٌ)).
(6) في (ب) و(ح) و(ي): ((في)) بلا واو.
(7) أخرجه الطيالسي (2133) عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الأئمة من قريش، إذا حكموا عدلوا، وإذا عاهدوا وفوا، وإن استرحموا رحموا، فمن لم يفعل ذلك منهم، فعليه لعنة الله وملائكته والناس أجمعين، لا يقبل منهم صرف، ولا عدل)).
ومن طريق الطيالسي، أخرجه البزار (1578/كشف)، وأبو نعيم في "الحلية" (3/171)، وقال: ((هذا حديث مشهور ثابت من حديث أنس)).
وقال الألباني في "الإرواء" (2/520): ((وإسناده صحيح على شرط الستة، فإن إبراهيم بن سعد، وأباه، ثقتان من رجالهم)).اهـ.
وللحديث طرق أخرى عن جماعة من الصحابة قد ساق الألباني حديثهم في المصدر السابق، وتكلم عليها، وأصله في مسلم، كما في أحاديث الباب. وعند البخاري (6/532-533 رقم3500و3501/الفتح) في المناقب، باب مناقب قريش، و(13/113-114 رقم7139و7140/الفتح) في الأحكام، باب الأمراء من قريش. وقال الحافظ في "الفتح" (7/32): ((وقد جمعت طرقه عن نحو أربعين صحابيًّا)).
(8) في (ي): ((استدرك)).
(9) في (ي): ((هذا)).
(10) روي مرسلاً من حديث الزهري، ومرفوعًا من حديث عبدالله بن السائب، وعلي، وجبير بن مطعم، وأنس.
أما المرسل: أخرجه الشافعي (2/429/ترتيب السندي)، عن ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب، أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قدموا قريشًا ولا تتقدموها وتعلموا منها ولا تعلموها، أو ولا تعالموها))؛ شك ابن أبي فديك.
ومن طريق الشافعي، أخرجه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (1/154) و(4/211).
وأخرجه أبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" (206) من طريق إسماعيل بن عياش، عن ابن أبي ذئب، به.
وروي من وجه آخر موصولاً :
أخرجه عبدالرزاق (11/54-55 رقم 19893)، وابن أبي شيبة (8/168)، وابن أبي عاصم في "السنة" (2/622 رقم1515) مختصرًا، والبيهقي (3/121)؛ جميعهم من طريق معمر، عن الزهري، عن ابن أبي حثمة، فذكره.
وقد وقع التصريح باسم ابن أبي حثمة، في رواية ابن أبي شيبة وابن أبي عاصم: سهيل ابن أبي حثمة، وهو صحابي صغير، وقد ذكر المزي في ترجمته، أن رواية الزهري، عنه مرسلة، ولذا قال البيهقي: وروى موصولاً، وليس بالقوي.
وذهب الألباني في "الإرواء" (2/297) إلى أن ابن أبي حثمة هو أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة - قال: وهو تابعي ثقة -، وممن روى الزهري، عنه.
لكن وقوع التصريح باسمه في بعض الروايات يمنع من قبول ذلك.
وروى مرفوعًا متصلاً:
أخرجه الطبراني في "الكبرى" من حديث عبدالله بن السائب، كما في "المجمع" (10/25)، قال الحافظ في "التلخيص" (2/36): وأبو معشر ضعيف. ولم أجده في "المعجم الكبير". ولكن أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (1518 و1519).
ورواه البزار في "مسنده" (465) من حديث علي - رضي الله عنه - ، وفي "مسنده": عدي بن الفضل وهو متروك.
ورواه أبو نعيم في "الحلية" (649) من حديث أنس - رضي الله عنه - ، وفي سنده: محمد بن يونس الكديمي، وهو متهم بالكذب، ومحمد بن سليمان بن مسحول، وهو ضعيف.
ورواه ابن أبي عاصم في "السنة" (1517 و1521) عن جبير بن مطعم، وسنده ضعيف.
ورواه أبو نعيم أيضًا (9/64) من حديث جبير بن مطعم.
وقد ذهب فضيلة العلامة الألباني رحمه الله إلى تصحيح الحديث بقوله: ((فإن مجيئه مرسلاً بسند صحيحٍ - كذا قال - كما سبق، مع اتصاله من طرق أخرى يقتضي صحته اتفاقًا، كما هو مقرر في مصطلح الحديث [وقد أشار الحافظ في "الفتح" (13/105) إلى صحة الحديث، والله أعلم.اهـ.]، والله أعلم)).اهـ.
والذي يظهر - والعلم عند الله تعالى - أن الحديث لا يثبت بهذا اللفظ؛ لأن المرسل لا يصح، لا كما ذهب الشيخ إلى تصحيحه، وأما الآثار المرفوعة، فهي لا تخلو من متهم في كل أسانيدها، ومثل هذه الآثار، لا تصلح في الشواهد، وأما تصحيح الحافظ لهذا الحديث، فلم أجده تصريحًا من الحافظ، فلا أدري كيف حكم الشيخ الألباني بأن الحافظ ذهب إلى تصحيحه ! انظر "الفتح" (13/118).
(11) في (ي): ((فيه لهم لأنه)).
(12) في (ب): ((يحمل)).
(13) أما زيد بن حارثة، فقد وقع تأميره في غزوة مؤته، أخرجه البخاري (7/510 رقم4260/"الفتح") في المغازي، باب غزوة مؤتة من أرض الشام؛ عن ابن عمر، ولفظه: ((أمَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة مؤتة زيد بن حارثة...)) الحديث.
(14) قوله: ((أسامة و)) سقط من (ب).
(15) وأما ولده أسامه، فقد وقع تأميره قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فسيأتي في النبوات، باب فضائل زيد بن حارثة، وأسامة بن زيد برقم (146و147). وتقدم برقم (80).
(16) وأما معاذ بن جبل: تقدم في الإيمان، باب أول ما يجب على المكلفين برقم (10)، وسيأتي قريبًا في الإمارة برقم (7).
(17) في (أ): ((وقدما)).
(18) أخرجه البخاري (2/184 رقم692) في الأذان، باب إمامة العبد والمولى....
(19) في (أ): ((ترك)).
(20) في (ب): ((واستقناه)).(4/4)
الحديث على تقديم مذهب الشافعي صَحِبَتْهُ غَفْلَةٌ (1) قارنها من تَصْمِيم التَّقْليد طَيْشَةٌ، وربما رووا ألفاظًا رفعوها؛ كقوله: ((تَعَلَّمُوا من قريش ولا تُعَلِّمُوها)) (2) . وذلك لا يصحُّ نَقْلاً، ولا معنىً؛ بما (3) تقدَّم، والله تعالى أعلم (4) . =(4/7)=@
3 - وَعَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ (5) قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَعَ غُلامِي نَافِعٍ: أَنْ أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيَّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ جُمُعَةٍ عَشِيَّةَ رُجِمَ الأَسْلَمِيُّ يَقُولُ: ((لا يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ)).
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((عُصَيْبَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيْتَ الأَبْيَضَ بَيْتَ كِسْرَى، أَوْ آلِ كِسْرَى.
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ كَذَّابِينَ، فَاحْذَرُوهُمْ)).
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((أَنَا الْفَرَطُ عَلَى الْحَوْضِ))، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((إِذَا أَعْطَى اللَّهُ أَحَدَكُمْ خَيْرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ)).
وفي رواية: ((لا يَزَالُ الإِسْلَامُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ)).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله:((لا يَزَالُ (6) الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمْ اثْنَا (7) عَشَرَ خَلِيفَةً))؛ يعي (8) بالدِّين: دين الإسلام، وهو الظاهر. ويعني بقوله: ((قائمًا))؛ أي: عزيزًا ممتنعًا، كما جاء مفسرًا في الرواية الأخرى.
وقوله: ((أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمْ))، قَيَّدْناه على من يُوثَقُ بِتَقَيِّيدِه (9) بالنَّصب، وتكون((أَوْ)) بمعنى: ((إلى أن))؛ كقوله:
فَقُلْتُ لَهُ: لا تَبْكِ عَيْنَكَ ... إِنَّما نُحَاوِلُ مُلْكًا أَوْ نَمُوتَ فَنُعْذَرَا (10)
وقد دلَّ على هذا (11) ، الرِّواية الأخرى، وهي قولُهُ: ((لا يَزَالُ الإِسْلَامُ هَذا الأَمَر عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ))؛ يعني به: أنه لا تزال (12) عزَّةُ دين الإسلام قائمة إلى اثني عشر (13) خليفة من قريش، وقد اختُلف فيهم على ثلاثة أقوالٍ:
أحدها: أنهم خلفاء العَدْلِ؛ كالخلفاء الأربعة، وعمر بن عبدالعزيز. ولا بُدَّ من ظهور من يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَتُهم في إظهار الحق والعدل، حتى يَكْمُل ذلك العدد، وهو أولى الأقوال عندي (14) .
وثانيها (15) : أنَّ هذا إخبارٌ عن الولايات الواقعة بَعْدَهُ وبَعْدَ أصحابه، وكأنه أشار بذلك إلى مدة ولاية بني أُمَيَّه، ويعني بالدِّين: الملك والولاية، وهو شرح الحال =(4/8)=@ في استقامة السَّلْطَنَةِ لهم، لا على طريق المدح.
وقد يقال: الدِّينُ على الْمُلْكِ؛ كما قال :
لَئِنْ حَلَلْتَ بِجوٍّ في (16) بني أسدٍ ... فِي دِينِ عمرٍو وحَالتْ (17) بيننا فَدَكُ (18)
وقيل ذلك في قوله تعالى: {ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك (19) } (20) . ثم عدّد هذا القائل ملوكهم فقال (21) : أَوَّلُهم يزيدُ بنُ معاوية، ثم ابنه (22) معاويةُ &(4/5)&$
__________
(1) في (ب): ((علقة)).
(2) هو جزء من الحديث الذي سبق تخريجه قبل قليل: ((قدموا قريشًا...)).
(3) في (ب) و(ح) و(ي): ((لما)).
(4) قوله: ((والله أعلم)) ليس في (أ). وفي (ب): ((والله أعلم)).
(5) أخرجه مسلم (3/1453 رقم1822) كتاب الإمارة، باب الاستخلاف وتركه.
(6) في (ب) و(ح): ((ولا يزال)) بزيادة واو، ولفظُ الرواية بدونها.
(7) في (ح) و(ي): ((اثني)).
(8) في (ي) و(ب) و(أ) و في (ح): ((يعني)).
(9) في (ب): ((بتقيد)).
(10) في (ب) و(ي): ((إِنَّما تُحَاوِلُ مُلْكًا أَوْ تَمُوتَ فَتُعْذَرَا)). وكذلك في (ح) إلا أنه كتب ((نحاول)) بالنون، والبيت لامرئ القيس. انظر "ديوانه" (ص 65).
(11) في (ب) و(ح): ((هذه)).
(12) في (ب) و(ي) و(ح): ((لا يزال)).
(13) في (ب): ((عشرة)).
(14) قوله: ((وهو أولى الأقوال عندي)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(15) في (أ): ((وثاني)).
(16) في (ب) و(ح) و(ي): ((من)).
(17) في (ب): ((حالت)) بدون واو.
(18) البيت لزهير بن أبي سُلمى. وجَوٌّ: وادٍ. ودين عمرو: طاعتُه. وفَدَك: أرضٌ. انظر "شرح ديوانه" لثعلب (ص146).
(19) من قوله: ((وقيل ذلك...)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(20) سورة يوسف؛ الآية: 76.
(21) في (ي): ((وقال)).
(22) في (ب) و(ح) و(ي): ((أتبعه)).(4/5)
بن يزيد - قال (1) : ولم يذكر ابن الزبير لأنه صحابي، ولا مروان لأنه غاصب لابن الزبير -، ثم عبد الملك، ثم الوليد، ثم سليمان، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم يزيد بن عبد الملك، ثم هشام بن عبد الملك، ثم الوليد بن يزيد، ثم يزيد بن الوليد (2) ، ثم إبراهيم بن الوليد (3) ، ثم مروان بن محمد. فهؤلاء اثنا عشر (4) . ثم خرجت الخلافة (5) منهم إلى بني العباس.
وثالثها: أن هذا خبر عن اثني عشر خليفة (6) من قريش، مجتمعين (7) في زمان واحد في أفاق مختلفة؛ كما قد (8) وقع. فقد كان بالأندلس (9) منهم في عصر واحد بعد أربعمائة (10) وثلاثين سنة ثلاثة كلهم يَدَّعيها، وتَلَقَّب (11) بها. ومعهم (12) صاحبُ مصر، وخليفة بغداد، فكذلك يجوز أن يجتمع الاثنا عشر خليفة في العصر الواحد. وقد دلّ على هذا قوله ?: ((سيكون خلفاء (13) فتكثر)) (14) ، وكلٌّ محتمل (15) ، والأول أولاها؛ لبُعْده عن الاعتراض. =(4/9)=@
وقوله: ((عُصَيْبَةٌ من المسلمين يفتتحون (16) البيت الأبيض: بيت كسرى))؛ العُصَيْبَة (17) : تصغير العِصابة، وهي: الجماعة من الناس. قيل: أقلهم أربعون. ويحتمل أن يكون هذا التصغير للمفتتحين لقلة من باشر (18) فتح البيت - أعني: بيتَ كسرى - فإنه يروى: أن سعد بن أبي وقاص خاض (19) دجلة - وهي مطلع إلى دار كسرى - فما (20) بلغ الماء إلى حزام الفرس، وما ذهب للمسلمين شي، ووجدوا قبابًا مملوءة سلالاً فيها آنية الذهب والفضة، ووجدوا كافورا كثيرًا فظنوه ملحًا، فعجنوا به، فوجدوا مرارته. وكان في بيوت أموال (21) كسرى ثلاثة الآف ألف ألف ألف دينار (22) - ثلاث مرات (23) -.
ويحتمل أن يكون (24) تصغيرهم (25) بالنسبة إلى عدوهم، ويحتمل أن يكون تصغيرهم على جهة التعظيم، كما قالوا:
دُوَيْهِيَّة (26) تَصْفَّرُ منها الأنامل (27)
&(4/6)&$
__________
(1) أشير له بسهم وكتب [كذا في (ح) بدون واو].
(2) قوله: ((ثم يزيد بن الوليد)) سقط من (ي) .
(3) قوله: ((ثم إبراهيم بن الوليد)) سقط من (ب) و(ح).
(4) زاد بعد ما في (ي): ((خليفة منهم)).
(5) قوله: ((منهم)) سقط من (ي).
(6) من قوله: ((ثم خرجت الخلافة منهم...)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح).
(7) في (ب) و(ح) و(ي): ((يجتمعون)).
(8) قوله: ((قد)) سقط من (ب).
(9) في (ب) و(ح) و(ي): ((في الأندلس)).
(10) في (ب): ((مائة)).
(11) في (ب): ((ويلقب))، وفي (ح): ((مهملة في أولها)).
(12) في (ب) و(ح) و(ي): ((وهم)).
(13) في (ب): ((خلقًا)).
(14) سيأتي في باب الأمر بالوفاء ببيعة الأول ويضرب عنق الآخر.
(15) في (ح): يشبه أن تكون : ((محتمل)).
(16) في (ب): ((يفتتحون)).
(17) في (ب): ((العصبة)).
(18) في (ب) و(ح) و(ي): ((يباشر)).
(19) قوله: ((خاض)) سقط من (ب).
(20) في (ب) و(ح) و(ي): ((فلما)).
(21) قوله: ((أموال)) سقط من (ب) و(ح).
(22) قوله: ((ألف دينار)) سقط من (أ).
(23) في (ح) و(ي) و(ب): ((ثلاثة ألف ألف ألف ألف ألف ثلاث مرات)).
(24) في (ب): ((تكون)).
(25) قوله: ((تصغيرهم)) ليس في (ح).
(26) في (ب) و(ح): ((ذويهية)). وفي (ي): ((دوهيه)).
(27) البيت للبيد. وصدره: وكل أناس سوف تدخل بينهم. انظر "ديوانه" بشرح الطوسي (ص145).(4/6)
ووصف بيت كسرى بالأبيض (1) لأنه كان مبنيًا بالجص، ومزخرفًا بالفضة، والله تعالى أعلم (2) .
وقوله: ((إن بين يدي السَّاعة كذابين))؛ هذا يفسّره (3) الحديث الآخر الذي قال فيه: ((لا تقوم السَّاعة حتى يخرج ثلاثون كذّابون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين)) (4) . =(4/10)=@
وقوله: ((إذا أعطى الله (5) أحدكم خيرًا فليبدأ بنفسه وأهل بيته))؛ خيرًا: يعني به: مالاً، وهذا كما قال في الحديث الآخر: ((ابدأ بمن تعول)) (6) ، وكقوله في و حديث آخر: ((إذا أنعم الله على عبد نعمة (7) أحبَّ أن يرى أثر نعمته عليه)) (8) .
ومعنى هذا الأمر: الابتداء (9) بالأهم فالأهم، والأولى فالأولى. وقد بينّا هذا المعنى في كتاب الزكاة.
وقوله: ((أنا الفرط على الحوض))- بفتح الراء -؛ وهو: المتقدّم إلى الماء ليهيئه ويصلحه. وهو الفارط أيضًا. و الفَرْطُ - بسكون الراء (10) -: الشَّبْق والتقدّم. =(4/11)=@ &(4/7)&$
__________
(1) في (ي): ((كسرى الأبيض)).
(2) قوله: ((ومزخرفًا بالفضة والله تعالى أعلم)) سقط من (أ).
(3) في (ب) و(ح) و(ي): ((تفسير)).
(4) سيأتي في الفتن وأشراط الساعة، باب أمور تكون بين يدي الساعة برقم (1434).
(5) في (ب): ((أُعطي أحدكم)) بالبناء للمفعول.
(6) تقدم في الزكاة، باب أي الصدقة أفضل، وفضل اليد العليا والتعفف عن المسألة برقم (902).
(7) قوله: ((نعمة)) سقط من (أ) و(ي).
(8) أخرجه أحمد (3/473) و(4/137)، وأبو داود (4/333 رقم4063) في اللباس، باب في غسل الثوب وفي الخلقان، والترمذي (4/320 رقم2006) في البر والصلة، باب ما جاء في الإحسان والعفو، والنسائي (8/180-181 و196) في الزينة، ((باب الجلاجل، وباب ذكر ما يستحب من لبس الثياب، وما يكره منها)). جميعهم من طرق عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص - عوف بن مالك، عن أبيه - مالك بن نضلة، قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا قشيف الهيئة... الحديث، وفيه، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ((فإذا آتاك الله عز وجل مالاً، فليُر عليك)). وإسناده صحيح، فقد رواه شعبة عند أحمد، عن أبي إسحاق وفيه التصريح بسماع أبي إسحاق من أبي الأحوص، فأمنَّا تدليسه، وأيضًا شعبة ممن سمع من أبي إسحاق قبل اختلاطه.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقال الحاكم: ((صحيح الإسناد))، ووافقه الذهبي.
وقال الألباني في "غاية المرام" (75): ((وهو كما قالا)).
(9) في (ي) و(ب) و(أ) و(ح): ((بالابتداء)).
(10) في (أ): ((بالراء)).(4/7)
ومن باب جواز ترك الاستخلاف
قوله: ((ونوساتها تنطف))؛ النّوسات: ما تحرك من شعر (1) أو غيره متدليًا. والنَّوْسُ: تحرُّك الشيء متذبذبًا (2) . يقال منه: ناس ينوس نوسًا، ونوْسانًا. ومنه: ذو نواس، سُمِّي بذلك لذؤابته، كانت تنوس على ظهره.
ونطف الشَّعْرُ وغيره، ينطِف وينطُف: إذا قطر. وليلةٌ نَطُوف (3) : دائمةُ القطر. وكأنَّه دخل عليها وقد اغتسلت.
وقول ابن عمر: ((كأنما أحمل بيميني جبلاً))؛ يعني: أنه وجد ثقلاً بسبب خوفه من الحنث في يمينه؛ لأنها كانت على إثباتٍ، فهو في الحال على حنث؛ لأنه مخالف لما حلف عليه. وأراد ابن عمر (4) ، أنه وجد من الثقل بسبب اليمين التي حلفها كثقل مَنْ يحمل جبلاً، وهو تشبيه (5) واستعارة.
وقوله: ((زعموا أنك غير مستخلف))؛ هذا إنما قاله الناس حين (6) طُعن عمر، وسقوه اللبن فخرج من طعنته – رضي الله عنه -، فيئسوا منه، وعلموا أنه هالك، فجرى ذلك (7) .
وقوله: ((لو كان راعي غنم...)) إلى آخر الكلام؛ فيه من الفقه استعمال =(4/12)=@ القياس، فإنه قَرَّرَ على (8) الأصل المعلوم، وهي رعاية الغنم والإبل، ثم حمل عليه &(4/8)&$
__________
(1) في (ح): ((شعير)).
(2) قوله: ((متذبذبًا)) لم يتضح في (ب)، ووضع عليها الناسخ ثلاث نقاط، وكأنه يشير إلى عدم تحررها لديه.
(3) في (ب): ((قطوف)).
(4) من قوله: «كأنما أحمل بيميني جبلاً...» إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(5) أشير لها بسهم في جانب الورقة وكتب [كذا في (ح)].
(6) في (ب): ((كفلين)) بدل ((حين)).
(7) قوله: ((ذلك)) سقط من (ب).
(8) قوله: ((على)) سقط من (أ).(4/8)
رعاية الناس، ورأى أنها أولى، فكأنَّ ذلك إلحاق مسكوتٍ عنه بمنطوقٍ به على طريق الأَوْلى، وهو نوع من أنواع الإلحاق، كما يعرف في (1) موضعه.
وقوله: ((فوافقه (2) قولي))؛ يعني: أنه مال إليه، ونظر فيه، ولذلك (3) وضع عمر رأسه يفكر في المسألة، ثم لَمَّا لاح له نَظَرٌ آخر أخذ يُبْدِيه (4) ، فرفع رأسه وقال: ((إن الله يحفظ (5) دينه)). وإنما قال ذلك للذي قد (6) علمه من قوله تعالى: {ليظهره على الدين كله} (7) ، ومن (8) قوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم (9) وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض} (10) ، وبغير (11) ذلك مما بشر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من استيلاء المسلمين، ومايفتح الله تعالى عليهم من المشارق والمغارب؛ ومن (12) قوله: ((إنَّ الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أُمَّتِي سيبلغ ما زوى لي منها)) (13) ، وغير ذلك.
وقوله: ((فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يستخلف))؛ أي: لم ينصّ على خليفة، لا على أبي بكر، ولا على غيره، وهذا هو مذهب جماعة من (14) أهل السُّنة، والصحابة (15) ، ومن بعدهم. وقد ذهب بكر ابن أخت عبد الواحد (16) : إلى أن تقديم أبي بكر كان بالنص من النبي - صلى الله عليه وسلم - . وذهب ابن الراوندي: إلى أنه نصّ على العباس. وذهب (17) الشيعة والرافضة (18) : إلى أنه نصّ على عليّ. وكل ذلك أقوال باطلة قطعًا (19) ؛ إذ (20) لو كان ذلك: لكان المهاجرون والأنصار أعرف بذلك، فإنهم اختلفوا في ذلك يوم السَّقيفة، وقال كل واحد منهم ما عنده في ذلك من النظر، ولم ينقل منهم أحدٌ نصًّا على =(4/13)=@ رجل بعينه، ولو كان عندهم نصٌّ لاستحال السكوت عليه (21) في مثل ذلك الوقت العظيم، والخطب المهم الجسيم (22) ، والحاجة الفادحة (23) ، مع عدم التقية والتواطُؤ من ذلك الجمع على الكتمان. ومدعي (24) النص في ذلك كاذب قطعًا، فلا يُلْتَفَتُ إليه. وكل من ذكر له خلاف في هذه المسألة لا يُعْتَدُّ بخلافه، &(4/9)&$
__________
(1) قوله: ((في)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(2) في (ب): ((فتوافقه)).
(3) في (ب): ((وكذلك)).
(4) في (أ) و(ي) و(ب): ((بيديه)).
(5) في (ي): ((ليحفظ)).
(6) قوله: ((قد)) سقط من (ب) و(ح).
(7) سورة التوبة؛ الآية: 33 ، والفتح: 28 ، والصف: 9.
(8) في (ب) و(ح) و(ي): ((من)) بلا واو.
(9) قوله: ((منكم)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(10) سورة النور؛ الآية: 55.
(11) في (ب) و(ح) و(ي): ((ولغير)).
(12) في (ح) و(ي) و(ب) و(أ): ((من)) بلا واو.
(13) سيأتي في الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، وحتى يكثر الهرج، وجعل بأس هذه الأمة بينها، برقم (2787).
(14) قوله: ((من)) سقط من (أ) و(ي) وعليه طمس في (ح) وأثبته من (ب).
في (ح) و(ي) و(ب) و(أ): ((من)) بلا واو.
(15) في (أ) و(ي): ((الصحابة)) بلا الواو.
(16) في (أ) و(ي) و(ب): ((بكر بن أخت بن عبد الواحد)) وتشبه كذلك في (ح).
(17) في (ي): ((وذهبت)).
(18) في (أ): ((والروافض)).
(19) في (ب): ((أقوال قاطعة)). بدل: ((أقوال باطلة قطعًا)).
(20) في (ب) و(ح) و(ي): ((ولو)) بدل: ((إذ)).
(21) في (ي): ((عنه)) بدل: ((عليه)).
(22) في (أ): ((الجسيم المهم)).
(23) في (ب): ((القادحة)).
(24) في (أ): ((ومدع)).(4/9)
فإنه إما مُكَفِّر وإما مُفَسِّق مُبَدَّع (1) ، ومن كان كذلك لا يعتد بخلافه (2) . والمسألة إجماعية قطعية، والله الموفق (3) .
وقوله: ((وإن أستخلفْ فإن أبا بكر قد استخلف))؛ يعني: أن (4) أبا بكر استخلفه، ونصّ عليه، وعيَّنه، وهذا لا خلاف في أن الأمر كذلك وقع، ولا في أنَّ هذا طريق مشروع في الاستخلاف. ثم إن عمر - رضي الله عنه - سلك طريقة (5) بين طريقتين (6) ، جمعت له الاقتداء (7) بهما، فاقتدى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أنه لم ينصّ (8) على واحدٍ بعينه، فصدق عليه أنه غير مستخلف. واقتدى بأبي بكر من حيث أنه لم يترك أمر المسلمين مهملاً، فإنه جعل الأمر شورى في (9) ستة ممن يصلح للخلافة، وفوّض التعيين لاختيارهم.
وقوله: ((راغب وراهب))؛ هذا خبر مبتدأ (10) محذوف؛ أي: أنتم على هذين =(4/14)=@ الحالين، أو مبتدأ وخبره محذوف؛ أي: منكم راغب، ومنكم راهب (11) . ثم ما الذي رغبوا فيه، ورهبوا منه؟ فظاهره (12) : أنه الثناء المتقدّم الذي أثنوا عليه؛ أي: منهم من رغب في الثناء لغرض له. ومنهم من رغب عنه لما يخاف منه. وقيل: راغب في الخلافة لنيل منصبها، وراهب منها لعظم (13) حقوقها وشدّتها (14) . وقيل: تقديره: أنا راغب في الاستخلاف؛ لئلا يضيع المسلمون، وراهب منه (15) ؛ لئلا يفرّط المستخلَف ويقصر فيما (16) يجب عليه من الحقوق. وكلٌّ محتمل، والله تعالى أعلم.
وقد حصل من هذا الحديث: أنَّ نَصْبَ الإمام (17) لابدَّ منه، وأن لنصبه طريقين: &(4/10)&$
__________
(1) في (ي): ((مبتدع)).
(2) من قوله: ((فإنه إما مكفر وإما مفسق...)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح).
(3) قوله: ((والله الموفق)) تكررّ في (ب) و(ح).
(4) قوله: ((أن)) تكرر في (ب) .
(5) في (ب) و(ح) و(ي): ((طريقًا)).
(6) في (ب) و(ح) و(ي): ((طريقين)).
(7) في (ب) و(ح): ((الإعداء)).
(8) في (ي): ((لم تنص)).
(9) في (أ): ((بين)).
(10) في (أ): ((ابتداء)).
(11) في (ب) و(ح): ((ومنكم وراهب)).
(12) في (ب): ((وظاهره)).
(13) في (ب) و(ح) و(ي): ((لعظيم)).
(14) في (ب): يشبه أن تكون ((فإنه)).
(15) في (ب) و(ح): ((منها)).
(16) في (ب): ((مما)).
(17) في (أ): ((إمام)).(4/10)
أحدهما: اجتهاد أهل الحل والعقد، والآخر: النصُّ؛ إما على واحدٍ بعينه، وإما على جماعة بأعيانها، ويفوّض التخيير إليهم في تعيين واحد منهم. وهذا مما أجمع عليه السَّلف الصالح، ولا مبالاة بخلاف أهل البدع في بعض هذه المسائل، فإنهم (1) مسبوقون بإجماع السلف، وأيضًا: فإنهم لا يُعتدُّ بخلافهم على ما تقدَّم. =(4/15)=@
ومن باب النهي عن سؤال الإمارة
قوله: ((لا تسل الإمارة)): هو (2) نهيٌ، وظاهره التحريم، وعلى هذا يدلّ قوله بعد (3) هذا: ((إنَّا والله لا نولي على هذا العمل أحدًا يسأله أو حرص عليه))؛ وسببه: أن سؤالها والحرص عليها، مع العلم بكثرة آفاتها، وصعوبة التخلص منها؛ دليلٌ على أنه يطلبها لنفسه، ولأغراضه. ومَنْ كان هكذا أوشك (4) أن تغلب عليه نفسه فيهلك (5) . وهذا معنى قوله: ((وُكِلَ إليها)). ومن أباها (6) لعلمه بآفاتها، ولخوفه من التقصير في حقوقها، فرَّ منها، ثم إن (7) ابتلي بها؛ فَيُرْجَى له ألا تغلب عليه نفسه، للخوف الغالب عليه (8) ، فيتخلّص من آفاتها، وهذا معنى قوله: ((أُعِينَ عليها)).
وهذا كلّه محمول على ما إذا كان هنالك جماعة ممن يقوم (9) بها، ويصلح لها. فأما لو لم يكن هنالك ممن يصلح لها (10) إلا واحد لتعيَّن ذلك عليه، ووجب أن يتولاها، ويسأل (11) على (12) ذلك، ويخبر بصفاته التي (13) يستحقها به (14) من العلم والكفاية وغير &(4/11)&$
__________
(1) في (ب): يشبه أن تكون ((فإنه)).
(2) في (ي): ((وهو)).
(3) قوله: ((بعد)) سقط من (ب)، وكتب في (ح) ثم ضرب عليه.
(4) في (أ): ((هكذا وشك)).
(5) في (ب): ((مهلك)).
(6) في (ب): ((أتاها)).
(7) قوله: ((إن)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(8) قوله: ((عليه)) سقط من (ب).
(9) في (ب) وفي (ح) مهملة الأول: ((تقوم)) وفي (ي): ((يقول)).
(10) قوله: ((لها)) سقط من (ب).
(11) في (ح): ((وقيل)).
(12) قوله: ((على)) سقط من (أ).
(13) في (ب): (الكنى)).
(14) في (ح) و(ي): ((بها))، وفي (ب): ((يستحق بها)).(4/11)
ذلك؛ كما قال يوسف عليه السلام: { (1) اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم} (2) . =(4/16)=@
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((ما تقول يا أبا موسى!)) استفهامُ استعلامٍ عمَّا عنده من إرادة (3) العمل، أو من معونته (4) لهما على (5) استدعائهما (6) العمل، فأجاب بما يقتضي: أنه لم يكن عنده إرادة ذلك، ولا خبر من إرادة الرجلين. فلمَّا تحقق النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك: ولاَّه العمل؛ إذ لم يسأله، ولا حرص (7) عليه. ومنعه الرَّجلين لحرصهما (8) ، وسؤالهما؛ على ما تقرر آنفًا: من أن الحريص عليها محذول، والكاره لها معان. ومما جرى من الكلام بهذا المعنى (9) مجرى (10) المثل قولهم (11) : الحرص على الأمانة (12) دليل الخيانة.
و((قَلَصَتْ شَفَتُه)): تقبَّضتْ (13) وقَصُرتْ، وكأنَّ السَّواك (14) كان فيه قَبْضٌ، أو يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قبض شفته (15) ليتمَكَّن من تسويك أسنانه.
وقوله: ((فبعثه على اليمن، ثم أتبعه معاذ بن جبل))؛ ظاهر هذا: أنه - صلى الله عليه وسلم - وَلَّى معاذًا على أبي موسى، ولم يعزل أبا (16) موسى. وعلى هذا يدل تنفيذ (17) معاذ الْحُكم بقتل المرتد وإمضاؤه. ويحتمل أن يكون - صلى الله عليه وسلم - وَلَّى (18) كلّ واحد منهما (19) على عمل غير عمل الآخر، فإما في الجهات، وإما في الأعمال (20) ، وهذا هو الصحيح؛ =(4/17)=@ بدليل ما وقع في الصحيحين (21) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولَّى معاذًا على مخلاف من اليمن، وأبا موسى على مخلاف. والمخلاف: واحد المخاليف، وهو (22) : الكُوَرُ (23) . &(4/12)&$
__________
(1) مكان هذا الهامش (كلمة قال) وشطبت وأشير له في جانب الصفحة وكتب [ليس في الأصل وليست في (ح)].
(2) سورة يوسف؛ الآية: 55.
(3) في (ح): ((إرادته)).
(4) في (ب): ((معونة)).
(5) قوله: ((على)) غير واضح في (ح) ويشبه أن يكون: ((مع)).
(6) في (ب): ((استدعابهما))، وفي (ح): ((استذعابما)).
(7) في (ب): ((حرض)).
(8) في (ب): ((بحرصهما)).
(9) في (ب) و(ح): ((المجرى)).
(10) في (ي): ((يجري)).
(11) قوله: ((قولهم)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(12) في (ي): ((الإمارة)).
(13) قوله: ((تقبضت)) غير واضحة في (ب) ولم تنقط بعض حروفها. وفي (ي): ((قبضت)).
(14) في (ي): ((السوال)).
(15) في (ي): ((شقته)).
(16) في (ب): ((أبي)).
(17) في (ب) و(ح) و(ي): ((تنفيل))، وصوبها ناسخ (ح) إلى((تنفيذ)).
(18) قولهك ((وَلَي)) سقط من (ب) .
(19) في (ب): ((كل واحدًا))، وسقط قوله: ((منهما)).
(20) قوله: ((فإما في الجهات، وإما في الأعمال)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(21) في (ب) و(ح) و(ي): ((الصحيح من البخاري)).
(22) في (ح): ((وهي)). ثم صوبها إلى ((هو)). وفي (ي): ((وهي)).
(23) من قوله: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ...» إلى هنا سقط من (أ).(4/12)
وقوله (1) : ((لا أجلس حتى يُقتل. قضاء الله ورسوله))؛ يدل بظاهره: على أن المرتدّ لا يستتاب، وأنه يقتل من غير استتابة. وبه قال الحسن، وطاووس، وبعض السَّلف، وحُكي عن عبد العزيز بن أبي سلمة، وهو قول أهل الظاهر، وحكاه الطحاوي عن أبي يوسف. قالوا: وتنفعه (2) توبته عند الله تعالى، ولكن لا تدرأ (3) (4) عنه القتل، وفرَّق عطاء بين من ولد مسلمًا فلم يستتبه (5) ، وبين من أسلم ثم ارتد. وجمهور الأئمة والفقهاء على استتابته. وحكى ابن القَصَّار إجماع الصحابة على استتابته، ثم اختلف هؤلاء في مدة (6) الاستتابة، وهل (7) يضرب لها أجل؛ فقال أحمد وإسحاق: ثلاثةُ أيام. واستحسنه مالك وأبو حنيفة. وقاله (8) الشافعي مرةً. وحكى ابن القصَّار عن مالك فيه قولين: الوجوب، والاستحباب. وقال الزهري: يُدعى إلى الإسلام ثلاث مرات (9) ، فإن أبى قُتِلَ. وقاله (10) الشافعي مرةً. وقال المزني: يُقتل مكانه إن لم يتب. وعن عليّ - رضي الله عنه - : أنه يستتاب شهرًا (11) . وقال النَّخعي: يستتاب أبدًا، وقاله الثوري. وعن أبي حنيفة: يستتاب ثلاث مرات، أو ثلاث جُمع، أو ثلاثة أيام؛ مرة في كل يوم أو جمعة. والرَّجل والمرأة عند الجمهور سواء. وفرَّق أبو حنيفة فقال: تُسجن المرأة ولا تقتل (12) . وشذَّ قتادة والحسن فقالا: تُسْتَرَقُّ ولا تقتل. ورُوي مثله عن علي (13) . وخالف أصحاب الرأي في الأَمَةِ، فقالوا: تُدْفَعُ إلى سيدها، ويجبرها على الإسلام. =(4/18)=@
وَقَتْل المرتد بالسيف عند الجمهور. وذهب ابن سُريج من أصحاب الشافعي: إلى أنه يُقتل بالخشب ضربًا؛ لأنه أبطأُ لقتله، لعله يُراجع التوبة أثناء ذلك. &(4/13)&$
__________
(1) في (أ): ((قوله)).
(2) في (ب) و(ح): ((وينفعه)). وفي (ي): ((وتيفعه)).
(3) أشير لها بسهم قبالتها في جانب الورقة وكتب [تراجع].
(4) في (ح): يشبه أن تكون: ((تدوأ) وفي (ب): ((تدروا)) كذا رسمت.
(5) في (ح): ((نسبتتبه)). وفي (ي): ((يستنيبه)).
(6) في (ي): ((هذه)).
(7) في (ب): ((هل)) بلا واو.
(8) في (ب) و(ح) و(ي): ((وقال)).
(9) في (ب) و(ح) و(ي): ((مرار)). وزاد في (ب): ((أو ثلاث جُمع، أو ثلاثةٍ أيام مرة؛ في كل يوم))، وهذا قول أبي حنيفة الآتي بَعْدُ؛ فالظاهر أن النصَّ مكرر لأن المنقول عن الزهري: أن المرتد يُستتاب ثلاثًا، دون تقييدٍ بمدّة؛ فقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (5/562 رقم28989) بسنده عن ابن شهاب - وقد سُئل عن المرتد - قال: ((يُدعى إلى الإسلام ثلاث مرات، فإن أبى ضرُبت عُنقه)). ورواه أيضًا في (6/441 برقم (32756) مثله، لكنه قال: ((ثلاث مرار)).
ورواه عبدالرزاق في "المصنف" (10/164 رقم18693)، ولفظُه: ((عن ابن شهاب أنه قال: ((إذا أشرك المسلمُ دُعي إلى الإسلام ثلاث مرار، فإن أبى ضُربتْ عُنقه)).
(10) في (أ): ((وقال)).
(11) أخرجه عبدالرزاق (18691) ومن طريقه ابن حزم في المحلى (11/191). أخبرنا عبدالرزاق، عن عثمان، عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي العلاء، عن أبي عثمان النهدي: أن عليًّا استتاب رجلاً كفر بعد إسلامه شهرًا، فأبى فقتله. هكذا أخرجه من فعل علي – رضي الله عنه -.
انظر "فتح الباري" (12/270)، و"شرح النووي" (12/208). --- يراجع
(12) في (ح): ((ولا يقتل))..
(13) لم أجد أثرًا ينص على ذلك، وإنما قال النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم" (12/209): ((تُسجن المرأة ولا تقتل. وعن الحسن وقتادة أنها ستتترق إنها تسترق، وروي عن علي...)). وقال ابن حجر في "الفتح": (12/268): ((... قال الجمهور تقتل المرتدة، وقال علي تسترق)).اهـ. ولم يعزواه لأي مصدر.
وأخرج الدارقطني في "سننه" (3/200) ما ينص على أن عليًّا قال: تستاب المرتدة ولا تقتل. قال الدارقطني: حدثنا محمد بن مخلد الصاغاني، نا عمرو بن عاصم، نا حماد بن سلمة، نا قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن علي - عليه السلام - قال: المرتدة تستأنى - هكذا وردت هذه الكلمة في المطبوع من "السنن" - ولا تقتل. ثم قال: خلاس عن علي لا يحتج به لضعفه.
وأشار الزيلعي في "نصب الراية" (3/458) إلى هذا الحديث، إلا أنه قال: عن خلاس بن عمرو، عن علي قال: المرتدة تستاب ولا تقتل. ولعل كلمة تستأنى محرف من كلمة تستتاب. وانظر "المصنف" لابن أبي شيبة (32772). [أشير لها وكتبت: ليس في الأصل].(4/13)
وفيه حُجّة على أن لولاة (1) الأمصار إقامة الحدود في القتل، والزنى (2) ، وغير ذلك، وهو مذهب كافة العلماء: مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وغيرهم.
واختُلِفَ في إقامة ولاة المياه وأشباههم كذلك (3) . فرأى أشهب: ذلك لهم، إذا جعل ذلك لهم الإمام. وقال ابن القاسم نحوه. وقال الكوفيون: لا يقيمه (4) إلا فقهاء الأمصار، ولا يقيمه عامل (5) السَّواد.
واختُلِفَ في القضاة إذا كانت ولايتهم مطلقة غير مقيّدة بنوع من الأحكام، فالجمهور على أن جميع ذلك لهم؛ من إقامة الحدود، وإثبات الحقوق، وتغيير المناكر، والنظر في المصالح، قام بذلك قائم، أو اختص (6) بحق الله تعالى. وحكمُه عندهم حكم الوصيِّ المطلق اليد في كل شيء، إلا ما يختصّ بضبط (7) بيضة الإسلام من إعداد الجيوش وجباية الخراج.
واختلف أصحاب الشافعي: هل له نظر في مال الصدقات، والتقديم للجُمَع والأعياد (8) ، أم لا (9) ؟ على قولين. وذهب أبوحنيفة: إلى أنه لا نظر له في إقامة حدٍّ (10) ، ولا في مصلحةٍ إلا لطالب مُخَاصِمٍ. وحكمه عنده (11) حكم الوكيل.
وقوله: ((ثم تذاكرا (12) قيام الليل))؛ أي: فضل قيام الليل. هل الأفضل قيامُه كله، أو قيام بعضه؟ فكأنّ أبا موسى ذهب إلى أن قيامه (13) كله لمن قَوِيَ عليه =(4/19)=@ أفضل، وهذا كما وقع لعبدالله بن عمرو في حديثه المتقدّم (14) . وكأنّ معاذًا رأى أن قيام بعضه ونوم بعضه (15) أفضل. وهذا كما (16) أشار إليه (17) النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عبدالله بقوله: ((إنك إذا (18) فعلت ذلك هجمتْ عينُك، ونفهت نفسك))، وكما قاله في &(4/14)&$
__________
(1) في (ب): ((الولات)) كذا رسمت.
(2) في (ي): ((وللزنا)).
(3) في (أ): ((وأشباهم لذلك))، وفي (ح) و(ي): ((وأشباههم لذلك)). منهج الناسخ أنه لا يضع يد الكاف وعليه لا يعتبر هذا فرقًا.
(4) في (ب): ((تقيمه)).
(5) في (ب): ((على عامل)).
(6) في (ب): ((واختص)). ... ...
(7) في (ب): ((فضبط)).
(8) قوله: ((للجمع والأعياد)) مطموس في (ح).
(9) قوله: ((لا)) سقط من (ب).
(10) قوله: ((إقامة حد)) لم يتضح في (ح).
(11) في (ب) و(ح) و(ي): ((عندهم)).
(12) في (ي): ((تذاكروا)).
(13) في (ب): ((قيام)).
(14) في الصيام، باب كراهية سرد الصوم.
(15) قوله: ((ونوم بعضه )) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(16) قوله: ((كما)) سقط من (ب).
(17) قوله: ((إليه)) سقط من (أ)، وتوجد علامة إلحاق ولم يظهر شيء في الهامش. وفي (ب) كأنه ضرب عليها.
(18) في (أ): ((إذ)).(4/14)
حديث البخاري المتقدم (1) : ((أمَّا أنا فأقوم وأنام))، وقال في آخره: ((فمن رغب عن سنتي فليس مني)).
وقوله: ((وأرجو في نومي (2) ما أرجوه في قَوْمَتِي))، إنما كان ذلك؛ لأنه كان ينام ليقوم؛ أي: يقصد بنومه الاستعانة على قيامه، والتنشيط عليه، والتفرُّغ من شغل النوم عن فهم (3) القرآن: فكان نومه عبادة يرجو فيها من الثواب ما يرجوه في القيام. ولا يتفطّن لمثل هذا إلا مثل معاذ الذي يسبق العلماء يوم (4) القيامة برتوة (5) (6) ؛ أي: برمية (7) قوس؛ كما قاله ?.
وعلى هذا: فما من مُباحٍ إلا ويمكن أن يقصد فيه وجة من وجوه الخير، فيصير قُرْبَةٌ بحسب القصد الصحيح، والله تعالى أعلم. =(4/20)=@
وقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر: ((إنك ضعيف))؛ أي: ضعيف (8) عن القيام بما يتعّين على الأمير؛ من مراعاة مصالح رعيته الدنيوية والدينية. ووجْهُ ضعف أبي ذر عن ذلك: أنّ الغالب عليه كان الزهد، واحتقار الدنيا (9) ، وترك الاحتفال بها. ومَنْ كان هذا حاله لم يعتن بمصالح (10) الدنيا، ولا بأموالها الذَيْن بمراعاتهما تنتظم (11) مصالح الدين، ويتم أمره. وقد كان أبو ذر أفرط في الزهد في الدنيا، حتى انتهى به الحال إلى أن يُفْتِيَ بتحريم الجمع للمال وإن أُخْرِجَتْ زكاته، وكان يرى: أنه الكنز الذي توَعَّد اللَّهُ عليه بِكَيِّ الوجوه والجنوب والظهور. وقد قدّمنا ذلك في كتاب الزكاة (12) . فلما علم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - منه هذه الحالة: نَصَحَهُ، ونهاه عن الإمارة، وعن ولاية مال الأيتام، وأكَّد النصيحة بقوله: ((وإنّي أحبُّ لك ما أحبُّ لنفسي))، وغلَّظَ الوعيد (13) بقوله: ((وإنّها - أي: الإمارة - خزيٌّ وندامة))؛ أى: فضيحة قبيحة على مَنْ لم يؤدِّ في (14) الأمانة حقّها، ولم يقم لرعيته برعايتها. وندامة على (15) تقلّدها، وعلى تفريطه &(4/15)&$
__________
(1) سيأتي في النكاح، باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل.
(2) في (ح): ((نومتي)) و(أ) و(ب) وفي (ي): ((وأرجو أن في نومتي)).
(3) في (أ): ((تفهم)).
(4) في (ي): ((ليوم)).
(5) في (ح): ((برنوة))
(6) حسن لغيره. انظر "مختصر استدراك الذهبي" (4/1917-1923 رقم676)، وانظر "سنن سعيد بن منصور" آخر سورة النحل.
(7) في (ب) و(ح): ((رمية)).
(8) قوله: ((أي ضعيف)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(9) رسمت في (ب) و(ح): ((الزما)) ولم تتضح.
(10) في (ح): ((يعني)).
(11) في (ب): ((بمراعتها ينتظم)).
(12) تقدم في الزكاة، باب وجوب الزكاة في البقر والغنم وإثم مانع الزكاة.
(13) في (ب) و(ح): ((التوعيد)).
(14) قوله: ((في)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(15) في (ي): ((على من تقلدها)).(4/15)
فيها. وأمّا من عدل فيها، وقام (1) بالواجب منها {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين (2) وحسن أولئك رفيقًا} (3) ، وهو من السبعة الذين يظلهم الله في =(4/21)=@ ظله (4) يوم لا ظل إلا ظله (5) . وقد شهد بصحة ما قلناه قوله في الحديث نفسه: ((إلا من أخذها (6) بحقها، وأدَّى الذي عليه فيها)).
ومن باب فضل الإمام المقسط وإثم القاسط
و((المقسطون (7) )): جمع مُقْسط (8) ، اسم (9) فاعل من أقسط (10) ؛ أي: عدل (11) . ومنه قوله تعالى: {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} (12) .
و((قَسَطَ)): إذا جَارَ، واسم الفاعل منه: قاسط. ومنه: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبًا} (13) . وقد فسَّر المقسطين في آخر الحديث؛ فقال: ((الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)).
و ((المنبر (14) )): سُمِّي بذلك لارتفاعه؛ يقال: نَبَرَ الجرح وانتبر؛ أي: ارتفع وانتفخ. ويعنى (15) به: مجلسًا رفيعًا يتلألأُ نورًا. ويُحتمل أن يُعبَّر (16) به عن المنزلة الرفيعة المحمودة؛ ولذلك قال: ((عن يمين الرحمن)). وقال ابن عرفة: يقال (17) (11): أتاه عن يمين: إذا أتاه من الجهة المحمودة (18) .
وقال المفسرون في قوله تعالى: {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين} (19) ؛ أي: أصحاب (20) المنزلة الرفيعة (21) . وقيل غير هذا في الآية.
وقد شهد العقل والنقل: أن الله تعالى منزه عن مماثلة الأجسام، وعن =(4/22)=@ &(4/16)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): ((وأقام)).
(2) أشير لها بسهم وكتب [كذا في (ح)].
(3) سورة النساء؛ الآية: 69.
(4) قوله: ((في ظله)) سقط من (ب).
(5) تقدم في الزكاة، باب من أحصى أُحصي عليه، والنهي عن احتقار قليل الصدقة، وفضل إخفائها.
(6) في (أ): ((اخترها)).
(7) في (ب) و(ح) و(ي): ((المقسطون)) بلا واو.
(8) في (ب) و(ح): ((مقسوط)).
(9) في (ب) ((ثم)) بدل ((اسم)). وفي (ح): يشبه أن تكون: ((إثم)).
(10) قوله: ((ثم فاعل من أقسط)) تكرر في (ح).
(11) في و(ح): ((أي: عدل من أقسط أي عدل)). وقوله: ((من أقسط أي عدل)) مكرر في (ب)
(12) سورة الحجرات؛ الآية: 9.
(13) سورة الجن؛ الآية: 15.
(14) في (ب) و(ح): ((المنبر)) بلا واو.
(15) في (ب): ((معنى)).
(16) في (ب) و(ح) و(ي): ((أن يكون عَبَّر)). ...
(17) في (ب) و(ح): ((فقال)).
(18) والواجب اثبات اليمين لله تعالى،وكذلك اليد؛ كما يليق به سبحانه دون المماثلة والمشابهة، والتعطيل الملاحظ من كلام المصنِّف الذي أدى إليه هذا التأويل الفاسد.
(19) سورة الواقعة؛ الآية: 27. ...
(20) في (ي): ((وأصحاب)).
(21) في (ب): ((الرقيعة)).(4/16)
الجوارح المركَّبة من الأعصاب والعظام، وما جاء في الشريعة مِمّا يوهم شيئًا من ذلك فهو توسُّعٌ، واستعارة حسب عادات مخاطباتهم (1) الجارية (2) على ذلك.
وقد توسَّعت العرب في اليمين، فأطلقوه ولا يريدون به يمين الجارحة، بل الجهة المحمودة، والظفر بالخصلة الشريفة المقصودة؛ كما قال شاعرهم :
إذا ما رايةٌ رُفِعتْ لِمَجْدٍ ... تلَّقاها (3) عُرابةُ باليمين (4)
والْمَجْدُ: الشرف. ورايتُه: عبارةٌ عَمَّا يظهرُ مَن خِصَالَه، وهما معنويان؛ فاليمين التي تتلَقَّى (5) به تلك الراية: معنويّ (6) لا محسوس (7) ، فأشَبَهُ ما يُحْمَلُ (8) عليه اليمين في هذا الحديث ما قاله ابن عرفة: إنه عبارة عن المنزلة الشريفة والدرجة المنيفة (9) . وقد قدّمنا: أن اشتقاق اليمين من اليُمْن، وأن كل ذلك (10) راجع إلى اليُمْن والبركة (11) .
وقوله: ((وكلتا يديه يمين)) تحرّز عن (12) توهم نقصٍ وضعفٍ فيما أضافه إلى (13) الحق سبحانه وتعالى وتعالى مِمّا قصد به (14) الإكرام والتشريف (15) على ما مَرَّ، وذلك: أنه لما كانت اليمين في حقِّنا تُقابلها (16) الشمال - وهي أنقص منها رتبةً وأضعف حركةً، وأثقل لفظًا-: حَسَمَ تَوهُّم مثل هذه في حق الله تعالى، فقال: ((وكلتا يديه يمين))؛ أي: كُلَّ ما نُسِبَ إليه من ذلك شريف، محمود، لا نقص يُتوهم فيه، ولا قصور (17) . =(4/23)=@
وقول عائشة رضي الله عنها لعبدالرحمن بن شُمَاسَة: ((كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذه؟)) اختُلِفَ في اسم هذا الصاحب، من هو؟ فقيل: كان عمروبن &(4/17)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): ((مخاطبتهم)).
(2) أشير لها وكتب [من (ح)].
(3) أشير لها وكتب [من (ح)].
(4) البيت للشّماخ، يمدح به عُرابة الأَوْسي. انظر "لسان العرب" (13/462)، مادة: ((يمن)). وتعليق الشيخ محمود شاكر على "تفسير ابن جرير" (21/31).
(5) في (ب): ((إلى تلقي)).
(6) في (ب) و(ح) و(ي): ((معنوية)).
(7) في (ي): ((لا محسوسة)).
(8) في (ي): ((تحمل)).
(9) كذا في (أ).
(10) قوله: ((ذلك)) سقط من (ي).
(11) كل هذا الحوار حتى يبتعد المؤلف - عفا الله عنه - من إثبات اليد لله تعالى كما يليق بجلاله وعظمته. نعم قد يحمل معنى اليمين على اليمن والبركة والجهة المحمودة، لكن لا ينافي إثبات اليمين واليد لله تعالى كما يليق به سبحانه. ...
ويؤخذ على المصنِّف حمل معنى الحديث هنا على كلام ابن عرفه.وانظر الاضطراب الآتي في تأويل كلام المصنِّف لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((وكلتا يديه يمين)).
(12) في (ب) و(ح) و(ي): ((من)).
(13) قوله: ((إلى)) سقط من (ب) و(ح).
(14) قوله: ((به)) سقط من (ب).
(15) في (ب): ((الشريف)).
(16) في (ب): ((يقابلها)).
(17) تأويل المصنِّف اليمين بما ذَكَرَ: ممنوع؛ لا مُوجب له، ومذهب السلف في هذه الصفات وأمثالها: الإقرار مع الإمرار؛ وعلى هذا فيقال: صفةُ اليمين من صفاته تعالى الذاتية، الثابتة له - أزلاً وأبدًا - وإضافة اليمين إلى الله تعالى - كما في حديث الباب - هو من إضافة الصفة إلى المتصف بها، وليس استعارة ولا توسعًا على عادة العرب في مخاطباتها، فلا يلزم على القول بذلك: نسبة الجوارح إلى الله تعالى، أو توهّم نقصٍ في حقِّه سبحانه، أو تشبيهٍ ما. فكان في التّمسّك بمذهب السلف - في هذا الباب -: مندوحة عن ارتكاب مثل هذا التأويل، بل مثل هذاالتحريف الباطل، والقول على الله بلا علم. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.(4/17)
العاصي. قاله (1) خليفةُ بن خَيَّاط. وقيل: معاويةُ بن حُدَيْج (2) التَّجيبي، فيما قاله الهمداني (3) .
واختُلِفَ في كيفية قتل محمد بن أبي بكر. فقيل: قُتل في المعركة. وقيل (4) : جيء به أسيرًا، فقُتل. وقيل: دخل بعد الهزيمة خِرْبةً فوجد فيها حمارًا ميتًا فدخل في جوفه، فأُحرق فيه. =(4/24)=@
وقوله: ((إن من شرِّ الرّعاء (5) (6) الْحُطَمَة (7) )): الرّعاء (8) : جَمْع راعٍ، كقاضٍ وقضاةٍ، ورامٍ ورُماةٍ؛ وهو: الْمُراعي للشيء، والقائم بحفظه (9) .
و((الحطمة)) هنا؛ يعني به (10) : الذي يشق على رعيته، ويُلْقي بعضًا (11) على بعض (12) ، ومنه (13) سُميت جهنم الحطمة. وأصله (14) من الْحَطْمِ؛ وهو: كسر (15) الحطام. وقيل: هو الأكول؛ يقال: رجل حطمة، إذا كان (16) كثير (17) الأكل. وهذا الكلام من عامر (18) بن عمرو، وعظ، ونصيحة، وذكرى، لو صادفت مَنْ تنفعه (19) الذكرى، لكنها صادفت غليظ الطبع، والفهم، ومن إذا قيل له: اتق الله: أخذته العزة بالإثم. فلقد غلب عليه (20) الجفاء (21) والجهالة؛ حتى جعل فيمن اختاره الله تعالى لصحبة نبيه ? الحثالة، ونسبهم إلى النُّخالة، والرُّذالة. فهو معهم على الكلمة التي طارت وحلْت (22) : رمتني بدائها وانسلّتْ. ولقد أحسن عائِذْ في الردّ عليه، حيث أسمعه من الحق ما ملأ قلبه، وأصمَّ أُذنيه. فقال - ولم يبال بهجرهم (23) -: وهل كانت النخالة (24) إلا بعدهم وفي غيرهم. وحثالة (25) الشيء ورُذَالتُهُ وسقطُهُ: شِرارُهُ.
وقوله: ((إنما الإمام جُنَّة)): الْمَجَنُّ، والْجُنَّةُ (26) ، والْجَانُّ (27) ، والْجَنَّةُ، والْجِنَّةُ (28) : كله راجع إلى معنى السِّتر، والتَّوَقِّي؛ يعني (29) : أنه يُتَّقى بنظره ورأيه في الأمور =(4/25)=@ العظام، والوقائع الخطيرة، ولا يُتَقدّم على رأيه، ولا يُنفرد دونه بأمر مهم حتى يكون هو الذي يشرع في ذلك. &(4/18)&$
__________
(1) قوله: ((قاله)) غير واضح في (ح).
(2) في (ب) و(ح): ((خديج)). بالخاء المعجمة. والمثبت هو الصواب، وانظر "الإصابة" (6/147)، و"فتح الباري" (3/102)، و"تقريب التهذيب" (6750).
(3) في (ي): ((الهمداني)).
(4) في (ي): ((وقيل به جيء به)).
(5) في (ب): ((الرعاة)).
(6) في (ح): ((الرعاة)). وفي (أ) و(ي).
(7) قوله: ((الحطمة)) سقط من (ب) و(ح).
(8) في (ح): ((الرعاة)). وفي (أ) و(ي).
(9) في (ب): ((يحفظه)).
(10) قوله: ((به)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(11) ؟؟؟.
(12) في (ب) و(ح) و(ي): ((بعضها عن بعض)).
(13) في (ب) و(ح) و(ي): ((وبه)).
(14) في (ب) و(ح) و(ي): ((وأصلها)).
(15) في (ب): ((كثير)).
(16) قوله: ((كان)) سقط من (ب).
(17) في (ب): ((أكثر)).
(18) في (ب) و(ح): ((عائذ)) وفي (ي): لم تتضح.
(19) في (ب): ((ينفعه)).
(20) في (ي): ((غلبه)) بدل ((غلب علبه)).
(21) في (ب) و(ح): ((الشقاء)).
(22) في (ب) و(ح): ((وخلت)).
(23) في (ح): ((لهجرهم)).
(24) في (ب) و(ح): ((الحثالة)).
(25) في (ب): ((حثالة)).
(26) في (ب): ((والمجنة)).
(27) في (ب): ((والجنان)). وفي (ح) كتبها: ((الجني)) ثم صوابها كما هو مثبت.
(28) قوله: ((ولاجنة)) سقط من (ب).
(29) في (ي): ((يعني به أنه)).(4/18)
وقوله: ((يُقاتل من ورائه))؛ أي: أمامه. ووراء (1) : من الأضداد، يقال: بمعنى: خلف، وبمعنى: أمام. وعلى هذا (2) حمل (3) أكثر المفسرين قوله تعالى: {وكان وراءهم ملك} (4) ؛ أى: أمامهم. وأنشدوا (5) قول الشاعر:
أترجو بنوا مروان سمعي وطاعتي ... وفؤمي تميم والفَلاة ورائيا (6) ؟!
وأصله أن كل ما توارى عنك؛ أي غاب، فهو وراء. وهذا خبر منه (7) - صلى الله عليه وسلم - عن (8) المشروعية، فكأنه قال: الذي يجب، أو يتعيَّن: أن يقاتل أمام الإمام (9) ، ولا يترك يباشر القتال بنفسه؛ لما فيه من تعرّضه للهلاك (10) ؛ فيهلك كل من معه. ويكفي دليلاً في هذا المعنى: تعبئة (11) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه يوم بدر (12) وغيره. فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان في (13) العريش، في القلب، والمقاتِلة أمامه (14) .
وقد تضمن هذا اللفظ - على إيجازه - أمرين:
أحدهما: أن الإمام يُقتدى برأيه (15) ، ويُقاتل بين يديه. فهما خبران عن أمرين متغايرين. وهذا أحسن ما قيل في هذا الحديث، على أن ظاهره: أنه يكون أمام الناس في القتال وغيره. وليس الأمر كذلك، بل (16) كما بينَّاه، والله تعالى أعلم.
وقوله: ((فإن أمر بتقوى الله وعدل كان له (17) بذلك (18) أجر))؛ أى: أجر عظيم. فَسَكَتَ عن الصفة: للعلم بها (19) . وقد دلّ على ذلك ما تقدَّم من قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((إن المقسطين على منابر من نور)) (20) ، وقوله في السبعة الذين يظلهم الله في ظله: ((وإمام عادل)). (21) ، =(4/26)=@ وقوله: ((وإن يأمر بغيره كان عليه منه)) أي: إنْ أمر بجور (22) كان عليه الحظ &(4/19)&$
__________
(1) في (ي): ((وراء)) بلا واو.
(2) قوله: ((هذا)) سقط من (ي).
(3) قوله: ((حمل)) سقط من (ب) و(ح).
(4) سورة الكهف؛ الآية: 79.
(5) في (ب) و(ح): ((فأنشدوا)).
(6) القائل هو: سَوَّار بن الْمُضرِّب. انظر "لسان العرب" (15/390). وفي (ب): ((ورانيا)).
(7) في (أ): ((من النبي)).
(8) قوله: ((عن)) سقط من (ب).
(9) في (أ): ((الأمامَ والإمامُ)).
(10) في (ب): ((معرضة الهلال)).
(11) في (ب): ((تعينه)).
(12) في (ب) و(ح): ((أهل بدرأصحابه يوم بدر)).
(13) في (ب) و(ح) و(ي): ((على)).
(14) في (أ): ((إمامه)).
والحديث أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (2/15) في قصة بدر مطولاً، وأصل الحديث في "صحيح البخاري" (4875) عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو في قبةٍ يوم بدر: ((اللهم ! إني أنشدك عهدك ووعدك...)) الحديث. قال ابن حجر في "الفتح" (70/289): ((المراد بالقبة العريش الذي اتخذه الصحابة لجلوس النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه)).
(15) في (ي): ((يفندي به)).
(16) قوله: ((بل)) سقط من (ب) و(ح).
(17) في (ي): ((حقله)) بدل ((له)).
(18) قوله: ((بذلك)) سقط من (ب).
(19) في (ي): ((به)) بدل ((بها)).
(20) تقدم في باب فضل الإمام المقسط، وإثم القاسط. وقوله: ((كلكم راع)).
(21) تقدم في الزكاة، باب من أحصى أُحصي عليه.
(22) قوله: ((بجور)) سقط من (ب) و(ح).(4/19)
الأكبر (1) من إثم الجور. و((من)) هنا للتبعيض؛ أي: لا يختص هو بالإثم، بل الْمُنَفِّذ لذلك الْجَوْر يكون عليه أيضًا حظه من الإثم، والراضي به، فالكل يشتركون في إثم الْجَوْر، غير (2) أن الإمام أعظمهم حظًّا منه؛ لأنه مُمْضِيه، وَحَامِلٌ عليه.
وقوله: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته))؛ قد تقدَّم: أن الراعي: هو الحافظ للشيء (3) المراعي لمصالحه. وكل من ذكر في هذا الحديث قد كُلِّف ضبطَ ما أُسند إليه من رعيته، واؤتُمِنَ عليه، فيَجِبُ عليه أن يجتهد في ذلك، وينصح (4) ، ولا (5) يفرط في شيء من ذلك. فإن وفَّى ما عليه من الرعاية حصل له (6) الحظ الأوفر، =(4/27)=@ والأجر أكبر (7) . وإن كان غير ذلك طالبه كلُّ واحدٍ من رعثمه بحقِّه، فكثر (8) مُطالبوه، وناقشه محاسبوه؛ ولذلك (9) قال - صلى الله عليه وسلم - : ((مَا مِنْ أمير عشرة فما فوقهم، إلا ويُؤتى (10) به يوم القيامة مغلولاً، فإما أن يفكّه العدلُ، أو يُوبقُه الجوْر)) (11) . وقد تقدّم قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((من استرعي رعيه فلم يجتهد لهم، ولم يتصح لم يدخل معهم الجنّة)) (12) . &(4/20)&$
__________
(1) في (ب): ((الأكثر)).
(2) في (ب): ((وغير)).
(3) في (ي): ((الشيء)).
(4) في (ب): ((ولينصح)).
(5) في (ي): ((لا يفرط)) بلا واو.
(6) في (أ): ((على)) بدل: ((له)).
(7) في (أ) و(ي) و(ب): ((الأكبر)).
(8) في (ب) و(ح) و(ي): ((وكثر)).
(9) في (ب): ((وكذلك)).
(10) في (ب) و(ح) و(ي): ((يؤتى)) بلا واو.
(11) صحيح لغيره، انظر "سنن سعيد بن منصور (1/87-100 رقم18).
(12) تقدم في الإيمان، باب من استرعى رعية فلم يجتهد لهم ولم ينصح لهم لم يدخل الجنة، ومن نم الحديث لم يدخل الجنة.(4/20)
ومن باب تغليظ أمر الغلول
وهو في الأصل: الخيانة مطلقًا، ثم صار بحكم العرف عبارة عن الخيانة في المغانم. قال نَفْطَوِيه: سِّمي بذلك؛ لأن الأيدي تغل عنه؛ أى: تُحبس. يقال: غل غلولاً، وأغل إغلالاً.
وقوله: ((لا أُلْفِيَنَّ أحدَكم يوم القيامة يجيء على رقبته بعير))؛ كذا (1) صحيح الرواية: بمد((لا ألفين)) بالفاء. بمعنى: لا أجدنَّ (2) ، ومعناه: لا يأخذنَّ أحدٌ شيئًا من المغنم (3) فأجده يوم القيامة على تلك الحال. وهذا مثل قول العرب (4) : لا أرينَّك ها هنا؛ أي: لا تكن ها هنا (5) فاراك. وقد رواه العذري بالقاف، من اللقاء. وله وجةٌ. وجاء في الحديث الآخر: ((لا أعرفنَّ)) والمعنى متقارب. وبعض الرواة يقوله (6) : ((لأعرفنَّ)) بغير مدٍّ، على أن تكون لام القسم. وفيه بُعدٌ. والأول أوجه وأحسن. =(4/28)=@
و((الرُّغَاء)) للإبل، و((الثُّغاء (7) )) للغنم، و((النُّهيق (8) )) للحمير، و((النُّعاق)) للغراب، و((اليُعار)) للمعز خاصة؛ ومنه: شاة تيعر، و((الْحَمْحَمَةُ)) للفرس، و((الصِّياح)) للإنسان؛ كل ذلك أصواتُ مَنْ أُضيفتْ إليه.
وقوله: ((ورقاع (9) تخفق))؛ أي: تحركها الرياح فتضطرب، وتصفق فيها. و ((الصَّامت)): الذهب والفضة. &(4/21)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): ((هكذا)). وفي (ي): ((هذا)).
(2) في (ي): ((لاجدنَّ)).
(3) في (ح) و(ي): ((المغانم)).
(4) من قوله: «ومعناه لا يأخذن...» إلى هنا سقط من (ب).
(5) في (أ): ((لا تكن هنا)). وقوله: ((تكن)) نقطها في (ب) باثنتين من فوق ومن تحت.
(6) في (ي): ((الرواية يقول)).
(7) في (ب): ((والرغاء)).
(8) في (ح): ((النهاق)) و(أ) و(ب) و(ي).
(9) أشير لها بسهم وكتب [راجع ورقاع].(4/21)
وكأنّ هذا الحديث تفصيلُ ما أجمله قولُه تعالى: {ومن يغلل يأت بما غلَّ (1) يوم القيامة} (2) ؛ أي: يأتي (3) به مُعذَّبًا بحمله وثقله (4) ، ومرعوبًا (5) بصوته، ومُوَبَّخًا بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد؛ وهذا يدلُّ: على أن الغلول كبيرة من الكبائر.
وأجمع العلماء على (6) أن على الغالّ أن يردّ الغلول إلى المقاسم قبل أن يتفرَّق الناس، فأما إذا تفرَّقوا وفات (7) الردُّ؛ فذهب معظمهم: إلى أنه يدفع خمس ما أغلَّ للإمام، ويتصدق بالباقي؛ وهو قول الحسن، ومالك، والأوزاعي، والثوري، والليث. ورُوي معناه عن معاوية، وابن مسعود (8) وابن عباس (9) ، وأحمد بن حنبل – رضي الله عنهم -. وقال الشافعي – رضي الله عنه -: ليس له الصدقة بمال غيره.
ثم (10) اختلفوا فيما يُفعل بالغالّ؛ فالجمهور على أنه يعزّر (11) بقدر اجتهاد الإمام، =(4/29)=@ ولا يحرّق رَحْلُهُ. ولم يثبت عندهم ما روي عن ابن عمر، من أنه يُحرّق رحلُهُ، ويُحْرم سهمه (12) ؛ لأنه مما انفرد به صالح بن محمد، عن سالم، وهو ضعيف؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُحرِّق رَحْلَ (13) الذي وجد عنده الخرزة (14) والعباءة (15) . وقال قوم بمقتضى ذلك الحديث: يُحَرَّقُ رحلُه ومتاعُه كله، وهو (16) قول مكحول، والحسن، والأوزاعي؛ وقال: إلا سلاحه وثيابه التي عليه. وقال الحسن: إلا الحيوان والمصحف. قال الطحاوى: ولو صحّ حديث ابن عمر لَحُمل على أنه كان ذلك لَمَّا كانت العقوبة في الأموال، وذلك كله منسوخ.
وقوله: ((لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك))؛ أي: لا أملك لك مغفرةً، ولا شفاعةً إلاَّ إذا أذن الله له (17) في الشفاعة. فكأنَّ هذا القول منه (18) أبرزه غضب وغيظ؛ ألا ترى قوله: ((قد أبلغتك))؛ أي: ليس لك عذر بعد الإبلاغ (19) . &(4/22)&$
__________
(1) في (ي): ((غل به يوم القيامة)) .
(2) سورة آل عمران؛ الآية: 161.
(3) في (ح): ((يأت)).
(4) قوله: ((وثقله)) سقط من (ي).
(5) في (ب): ((مرعونًا)).
(6) قوله: ((على)) سقط من (ي).
(7) في (ب) و(ح): ((ففات)). وفي (ي): ((فات)) بلا واو.
(8) في (أ): ((مسيعود)).
(9) قال ابن عبدالبر في "التمهيد" (2/23): ((ذكر سُنيد: حدثنا أبو فضالة، عن أزهر ابن عبدالله قال: غزا مالك بن عبد الله الخثعمي أرض الروم، نفَلَّ رجل مائة دينار، فأتى بها معاوية بن أبي سفيان، فأبى أن يقبلها، وقال: قد نفر الجيش وتفرق، فخرج فلقي عبادة بن الصامت؛ فذكر ذلك له، فقال: إرجع إليه فقل له: خذ خمسها أنت، ثم تصدق أنت بالبقية، فإن الله عالم بهم جميعًا، فأتى معاوية فأخبره، فقال: لأن كنت أنا أفتيتك بهذا كان أحب إليّ من كذا وكذا)). وقول المصنِّف ابن مسعود وابن عباس. فقد قال ابن عبدالبر في "التمهيد" (2/23) بعد أن ساق الرواية السابقة: ((وهو يشبه مذهب ابن مسعود وابن عباس؛ لأنهما كانا يريان أن يتصدق بالمال الذي لا يعرف صاحبه)).اهـ.
(10) في (أ): ((مم)).
(11) في (ب): ((يعرز)).
(12) أخرجه سعيد بن منصور (2729) وعنه الدارمي (2/231). وابن أبي شيبة: (33542)، وأبو داود (3/157 رقم2713).
وأخرجه أحمد (1/22)، والترمذي (4/50 رقم1461) في الحدود، باب ما جاء في الغال ما يصنع به، وابن عدي (4/...)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/584). جميعهم من طرق عن عبدالعزيز بن محمد الدراوردي، عن صالح بن محمد بن زائدة، عن سالم بن عبدالله بن عمر، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من وجدتموه غلَّ فاضربوه وأحرقوا متاعه)).
وإسناده ضعيف؛ لضعف صالح بن محمد بن زائدة. قال الترمذي في "العلل" (1/238): ((ضعف هذا محمد هذا الحديث وقال: قد روي عن النبي ? غير حديث خلاف هذا. حديث أبي هريرة في قصة مدعم، وحديث زيد بن خالد: أن رجلاً غلّ خرزات، وذكر أحاديث فلم يذكر في شيء منها أن النبي ? أمر أن يحرق متاع من غلّ، قال: وصالح بنمحمد بن زائدة هو أبو واقد منكر الحديث، لا أروي عنه هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من هذاالوجه)). وقال البخاري في "التاريخ الصغير" (2/96) عن هذاالحديث: ((صالح هذا لا يتابع عليه)). وقال عن صالح: ((تركه سليمان بن حرب، منكر الحديث)). ونقل ابن الجوزي عن الدارقطني قوله: ((أنكروا هذا الحديث عن صالح، وهو حديث لم يتابع عليه، ولا أصل له من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )). وقال الجوزقاني في "الأباطيل" (588): ((هذا حديث منكر)).
وضعفه أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" (1/144)، والألباني في "ضعيف الجامع" (717).
ورواه أبو داود من وجه آخر موقوفًا (4/271) فقال: ((حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى، عن أبي إسحاق، عن صالح بن محمد، قال: غزونا مع الوليد بن هشام، ومعنا سالم بن عبدالله بن عمر، وعمر بن عبدالعزيز، ففلَّ رجل متاعًا، فأمر الوليد بمتاعه فأحرق، وطيف به، ولم يعطه سهمه. ...
قال أبو داود: وهذا أصح الحديثين ،رواه غير واحد: أن الوليد بن هشام أحرق رحل زياد بن سعد، وكان قد غلّ وضربه.
ومن طريق أبو داود، أخرجه البيهقي (9/103).
(13) في (ب) و(ح) و(ي): ((على)).
(14) في (ح) و(ي): ((الخزر)).
(15) أما حديث الذي غلَّ العباءة، فأخرجه البخاري (6/187 رقم3074/الفتح) في الجهاد، باب القليل من الغلول.
وأما حديث الذي غلّ الخرز : فأخرجه الحميدي (815)، وأحمد (4/114) و(5/192)، وأبو داود (3/155 رقم2710) في الجهاد، باب تعظيم الغلول، وابن ماجه (2/950 رقم2848) في الجهاد، باب الغلول، والنسائي (4/64) في الجنائز، باب الصلاة على من غلّ، وابن الجارود (1081)، وابن حبان (4853/الإحسان)، والحاكم (2/127). جميعهم من طريق عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن أبي عمرة، عن زيد بن خالد، قال: مات رجل بخيبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((صلوا على صاحبكم إنه غلَّ في سبيل الله، ففتشنا متاعه، فوجدنا فيه خرزًا من خرز يهود ما يساوي درهمين)).
وفي سنده أبو عمرة الأنصاري: لم يرو عنه غير محمد بن يحيى بن حبان -قاله الذهبي-، قال الألباني في "الإرواء" (3/175): ((فهو مجهول العين)).
وقع عند أحمد في هذه الرواية: ابن أبي عمرة.
(16) قوله: ((هو)) لم يتضح في (ي).
(17) قوله: ((له)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(18) في (ب): ((لمن))، وفي (ح): ((لمنه)).
(19) في (ب): ((البلاغ)).(4/22)
ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - بما قد جبله الله تعالى عليه من الرأفة والرَّحمة والخلق الكريم؛ لا يزال يدعو (1) الله تعالى، ويرغب إليه في الشفاعة، حتى يأذن الله تعالى له فيها (2) ، فيشفع في جميع أهل الكبائر من أمته حتى تقول (3) خزنة النار: ((يا محمد! ما تركت لربك في أمتك من نقمة)) (4) . كما قد صحّ عنه. وفي هذا الحديث ما يدلّ: على أن العقوبات في الآخرة تناسب الذنوب المكتسبة في الدنيا، وقد تكون على المقابلة، كما (5) يحشر المتكبرون (6) أمثال الذر في صور الرجال (7) . =(4/30)=@
ومن باب ما جاء في هدايا الأمراء
((اللُّتبيَّة (8) )) بضم (9) اللام، وفتح التاء هي الرواية المعروفة هنا. قال القاضي (10) أبو الفضل عياض: وصوابُه: ((الأُتْبيَّة (11) )) بسكون التاء، باثنتين (12) من فوقها. قال: و((لُتْب (13) )) بضم اللام وسكون التاء (14) : بطنٌ من العرب. قلت: وقد جاء في الرواية الأخرى: ((الأُتْبِيَّة)) (15) ، وكلاهما صحيح الرواية، جائز. &(4/23)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): ((يدعوا)).
(2) في (ب) و(ح): ((في الشفاعة )).
(3) في (ي): ((يقول)).
(4) هذه اللفظة قطعة من حديث رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "حسن الظن بالله" (ص70 رقم61) فقال: حدثنا سعيد بن محمد الجرمي، حدثنا أبو عبيدة الحداد، حدثنا محمد بن ثابت البُناني، عن عبيدالله بن عبدالله بن الحارث بن نوفل، عن أبيه، عن عبدالله بن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ...، ثم ساق الحديث.
ومن طريق سعيد بن محمد الجرمي به، أخرجه كلّ من: الإمام ابن خزيمة في "كتاب التوحيد" (2/598-599)، والطبراني في "الكبير" (10/317 برقم10771)، وفي "الأوسط" (3/208 رقم2937)، والحاكم في "المستدرك" (1/65-66)، والدقاق في "مجلس إملاء في رؤية الله" (ص218)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (4/55/من المطبوع)، والذهبي في "سير النبلاء" (13/82-83).
وعزاه الحافظ ابن كثير - كما في "البداية والنهاية (2/204-205) إلى كتاب "الأهوال" لابن أبي الدنيا، ولم أجده في المطبوع، فلعل فيه نقصًا.
وزاد المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/241)، والمتقي الهندي في "كنز العمال" (14/415) نسبته إلى كتاب "البعث" للبيهقي، لكن لم أجده في المطبوع منه !!
وزاد في "كنز العمال"(14/415) أيضًا نسبته إلى ابن النجار.
والحديث صححه المصنف – كما ها هنا - فلعلّه اغتر بتصحيح الحاكم له في "المستدرك" (1/66)، فإنه قال عقب إخراجه: ((هذا حديث صحيح الإسناد، غير أن الشيخين لم يحتجا بمحمد بن ثابت البُناني، وهو قليل الحديث؛ يُجمع حديثه. والحديث غريب في أخبار الشفاعة، ولم يخرجاه)).اهـ.
وتعقبه الذهبي فقال في "التلخيص" (1/66): ((ضعّفه غيرُ واحدٍ - يعني محمد بن ثابت البُناني - والحديث منكر)). وقال أيضًا بعد روايته له: ((هذا حديث منكر غريب منكر، تفرد به محمد بن ثابت، أحد الضعفاء؛ قال البخاري: فيه نظر، وقال يحيى بن معين: ليس بشيء، وروى له الترمذي وحده)). "سير النبلاء" (13/83).
وكذا ضعفه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/380) فقال - بعد أن عزاه لـ"الكبير" و"الأوسط" للطبراني-: ((... وفيه محمد بن ثابت، وهو ضعيف)).
تنبيه: قد يُغتر بقول الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/344) عن هذا الحديث: ((وليس في إسنادها من تُرك))، فيظن أنه لا يستضعفه، وليس كذلك فإنه قد صدّره بقوله: ((رُوي))، وهذا معناه تضعيفه للحديث، فقد قال رحمه الله: ((فيكون للإسناد الضعيف دلالتان: تصدّره بلفظة: رُوي، وإجمال الكلام عليه في آخره)). انظر المرجع السابق (1/51).
فالخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(5) في (ب) و(ح): ((وكما)).
(6) في (ب): ((المتكيرون)).
(7) أخرجه الحميدي (598)، وأحمد (2/179)، والترمذي (4/565 رقم2492) في صفة القيامة والرقائق والورع، باب منه. من طريق داود بن شابور، ومحمد بن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.
وسنده صحيح.
وقال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح)).
وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (8040).
(8) في (ح): ((اللتيبة)).
(9) في (ب): ((نصم)).
(10) قوله: ((القاضي)) سقط من (ب).
(11) في (ب): ((الأبتية)).
(12) في (ب): ((باثنتين)).
(13) في (ب) و(ي) و: ((ولبت)). ويشبه أن تكون كذلك في (ح).
(14) في (ب) و(ح) و(ي): ((الباء)).
(15) في (ب): ((الأبتية)). وفي (أ): ((الآتيبية)) وفي (ي): ((الأبتيبة)).(4/23)
وهذا الحديث يدلّ دلالة صحيحة واضحة على أن هدايا الأمراء والقضاة وكل من ولي أمرًا (1) من أمور المسلمين العامَّة لا تجور (2) ، وأن حكمها حكم الغلول في التغليظ والتحريم؛ لأنها أكل المال بالباطل، وَرُشًا. وهو قول مالك وغيره بتفصيل يعرف في الفقه (3) .
وقوله: ((أفلا قعد في بيت أبيه (4) وأمه حتى ينظر (5) أيُهدى إليه (6) أم لا؟))؛ يعني: أن الذي يستخرج الهدايا من الناس للأمير، إنما هو رهبة منه فيداريه (7) ، أو (8) رغبة فيما فى يديه، أو (9) في يدي غيره، ويستعين به عليه، فهي رشوة. =(4/31)=@
و((العُفْرة)): بياض يضرب إلى الصفرة. قاله الأصمعي: ويفهم (10) من تكرار (11) : ((اللهم ! هل بلغت)) ومن هذه الحالة (12) : تعظيم ذلك، وتغليظه. وليس لأحدٍ أن يتمسك في استباحة هدايا الأمراء؛ بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل الهدية (13) ، ولا بما (14) يروى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أباح لمعاذٍ الهدية حين وجَّههُ إلى اليمن (15) .
وأما (16) الجواب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فبوجهين (17) :
أحدهما: أنه كان لا يقبل الهدية إلا ممن يعلم أنه طيب النفس بها، ومع ذلك فكان يكافئ عليها بأضعافها (18) غالبًا. &(4/24)&$
__________
(1) قوله: ((أمرًا)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(2) في (ب): ((يجوز)). وفي (ح) و(ي): ((تجوز)).
(3) من قوله: «وهو قول مالك...» إلى هنا سقط من (أ).
(4) في (ح): ((أمبيه)).
(5) في (ب) و(ح) و(ي): ((يبصر)).
(6) في (ب) و(ح) و(ي): ((له)).
(7) قوله: ((فيداريه)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(8) في (ب): ((و)).
(9) في (ب): ((و)).
(10) في (ب): ((ومنهم)).
(11) في (ي): ((تكراره)).
(12) في (أ): ((الحالة فيها)).
(13) أخرجه البخاري (5/210 رقم2585) في الهبة، باب المكافأة في الهبة.
(14) في (ب) و(ح) و(ي): ((ما)) بد ل ((بما)).
(15) أخرجه الترمذي (3/621 رقم1335) في الأحكام، باب ما جاء في هدايا الأمراء من طريق داود بن يزيد الأودي، عن المغيرة بن شبل، عن قيس بن أبي حازم، عن معاذ بن جبل، قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن، فلما سرت أرسل في إثري. فردُدت، فقال: ((أتدري لِمَ بَعثتُ إليك ؟ لا تصيبن شيئًا بغير إذني، فإنه غلول. ومن يغلل يأت بما غلَّ يوم القيامة، لهذا دعوتك، فامض لعملك)).
وفي سنده داود الأودي: ضعيف، لكن له شاهد من حديث عدي بن عميرة، سيأتي برقم (17)، وغيره. فهو حسن بشواهده.
وقال الترمذي: ((حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه)).
(16) في (أ): ((أما)) بلا واو.
(17) في(ب) و(ح): ((فمن وجهين))، وفي(ح): ((لمن وجهين)) وفي حاشيتها: ((فلوجهين أحدهما))، في نسخة أخرى وفي (ي): ((فمن جهتين)) وكتب في الحاشية ((فلوجيهن)) ووضعف فوقها (خ).
(18) أشير لها بسهم وكتب: [كذا في (ح)].(4/24)
والثاني: أنه - صلى الله عليه وسلم - معصوم عن (1) الجور والميل الذى يُخاف منه على غيره =(4/32)=@ بسبب الهدية.
وأما عن (2) حديث معاذ: فلأنه لم يجئ في الصحيح، ولو صحَّ لكان ذلك (3) مخصوصًا بمعاذ؛ لما عَلِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من حاله، وتحقُّقه من فضله ونزاهته، ما لا يشاركه فيه غيره (4) ، ولم يُبح ذلك لغيره؛ بدليل هذه الأحاديث الصّحاح، والله تعالى أعلم.
وقوله: ((من استعملناه على عمل فليجئ بقليله (5) وكثيره))؛ يدلّ على أنه لا يجوز له أن يقتطع منه شيئًا لنفسه، لا أجرة ولا غيرها، ولا لغيره إلا أن يأذن له الإمام الذي تلزمه (6) طاعته.
و((الْمِخْيَطُ)): الإبرة. =(4/33)=@
ومن باب قوله تعالى:{ أطيعوا (7) الله وأطيعوا الرسول
وأولي الأمر منكم} (8)
وقول (9) ابن عباس: ((بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية))؛ كلام غير تام. وتتميمه (10) : أن &(4/25)&$
__________
(1) في (ب): ((من)).
(2) في (ب) و(ح): ((من)).
(3) قوله: ((ذلك)) سقط من (ب).
(4) قوله: ((غيره)) سقط من (ب).
(5) في (ب): ((بقلبه)).
(6) في (ب): ((يلزمه)).
(7) في (أ): ((وأطيعوا)).
(8) سورة النساء؛ الآية: 59.
(9) في (ب) و(ح) و(ي): ((قول)) بلا واو.
(10) في (ح): ((وتتمتمه)).(4/25)
عبدالله بن حُذَافَةَ أمرهم بأمر (1) فخالف بعضهم، وأَنِفَ على عادة العرب: فأنهم (2) كانوا يأنفون من الطّاعة. قال الشافعي: كانت العرب تأنف من الطّاعة للأمراء، فلمَّا أطاعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بطاعة الأمراء. وقال أبو العالية: نزلت الآيةُ بسبب عمَّار بن ياسر، خرج في سرية؛ أميرهم خالد بن الوليد، فأجار عَمَّار رجلاً، فأبى خالد أن يُجِيزَ أمانَهُ، فأخبر بذلك النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأجاز أمان عَمَّار، ونهى أن يُجار على الأمير (3) .
قلت: وقول ابن عباس أشهر، وأصح، وأنسب. وعلى هذا: فأولو الأمرِ في الآية: هم الأمراء. وهو أظهر من قول (4) من قال: هم العلماء؛ قاله الحسن =(4/34)=@ ومالك، وله وجة. وهو (5) : أن الأمراء شرطهم أن يكونوا آمرين بما يقتضيه (6) العلم، وكذلك كان أمراءُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وحينئذ تجب طاعتهم. فلو أمروا بما لا يقتضيه (7) العلم حَرُمَتْ (8) طاعتهم. فإذًا (9) : الحكم للعلماء والأمرُ لهم بالأصالة (10) ، غير أنهم لهم الفتيا من غير جبر، وللأمير الفتيا والجبر. وهذان القولان أشبه ما قيل في هذه (11) الآية.
وقوله: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} (12) الآية. ((تنازعتم)): اختلفتم، وأصله: التجاذب (13) ، والتعاطي. ومنه سُمِّي المستقيان: متنازعين (14) ؛ لأنهما يتجاذبان (15) الدّلو بالحبل، ولا شك أن المواجه بهذا الخطاب: الصحابة.
وعلى هذا: فالمراد بقوله: {فردُّوه إلى الله والرسول}؛ أي: &(4/26)&$
__________
(1) في (ب): ((بأكبر)).
(2) في (ح): ((أنهم)).
(3) أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/498-499 رقم9861) عن محمد بن الحسين، عن أحمد بن مفضل، عن أسباط، عن السدي، قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية عليها خالد بن الوليد... الحديث.
وهو مرسل.
وقال ابن كثير (2/303): ((وهكذا رواه ابن أبي حاتم، من طريق عن السُّدي، مرسلاً، ورواه ابن مردويه من رواية الحكم بن ظهير، عن السدي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، فذكره بنحوه)).
(4) قوله: ((من قول)) سقط من (ب).
(5) رسمت في (ب): ((وهوا)).
(6) في (ي): ((تقتضيه)).
(7) في (ي): ((تقتضيه)).
(8) في (ح) و(ي) و(ب): ((حرم)).
(9) في (ب) و يشبه أن تكون: ((وإذًا)).
(10) في (ب): ((بالإضافة)).
(11) قوله: ((هذه)) سقط من (أ).
(12) ؛ الآية: 59. سورة النساء.
(13) في (ب): ((التخاذب)).
(14) في (ب): ((متنازعان)).
(15) في (ي): ((متجاذبان)).(4/26)
انتظروا (1) أن يُنزل الله فيه قرآنًا، أو يبيّن فيه رسول (2) الله - صلى الله عليه وسلم - سُنَّة.
وقيل: المراد: الصحابة وغيرهم. والمعنى: أنَّ المرجع عند التنازع كتاب الله، وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ؛ قاله قتادة.
وقوله: {ذلك خير}؛ أي: الردُّ إلى كتاب الله تعالى وسُنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - خير من الردّ إلى التحكّم بالهوى، و { خير} للمفاضلة التي على منهاج قولهم: العسل (3) أحلى من الخل. ومنه قوله تعالى: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرًا وأحسن مقيلاً} (4) . و { خير} هنا بمعنى: الواجب؛ أي: ذلك الواجب عليكم، و{ تأويلاً}؛ أى: مآلاً، ومرجعًا؛ قاله قتادة وغيره.
وقوله: ((من أطاعني فقد أطاع الله))؛ هذا مُنْتَزَعٌ من قوله تعالى: {من يطع الرسول (5) فقد أطاع الله} (6) ، وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا كان مُبَلِّغًا أمر الله، وحُكْمَهُ (7) ، وأمر الله بطاعته؛ فمن أطاعه فقد أطاع أمر الله (8) ، ونفّذ حكمه. =(4/35)=@
وقوله: ((ومن أطاع الأمير، أو أميري فقد أطاعني))؛ وَوَجْهُهُ: أنّ أمير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما هو مُنَفِّذٌ أَمْرَهُ، ولا يتصرف إلا بأمره، فمن أطاعه فقد أطاع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (9) ، وعلى هذا: فكل من أطاع أمير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد أطاع الرسول؛ ومن أطاع الرسول (10) فقد أطاع الله. فينتج: أنَّ مَنْ أطاع أمير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد أطاع الله. وهو حق، صحيح. وليس هذا الأمر خاصَّا بمن باشره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتولية الإمارة، بل هو عام في كل أمير للمسلمين عدل، ويلزم منه نقيض ذلك في المخالفة والمعصية (11) .
وقوله: ((عليك السَّمع والطَّاعة))؛ بالنصب على الإغراء، ويلزم منه (12) الوجوب. ولا خلاف في وجوب طاعة أمراء المسلمين على الجملة. وسيأتي تفصيله.
و((المنشط والمكره)): مصدران؛ ويعني بذلك: أنَّ طاعة الأمير واجبة (13) على كل حال، سواء كان المأمور به موافقًا لنشاط (14) الإنسان، وهواه، أو مخالفًا له (15) . &(4/27)&$
__________
(1) في (ب): ((انتظروا)).
(2) قوله: ((رسول)) مكرر في (ب).
(3) قوله: ((العسل)) سقط من (ب) و(ح).
(4) سورة الفرقان؛ الآية: 24.
(5) في (ي): ((من يطع الله الرسول)).
(6) سورة النساء؛ الآية: 80.
(7) في (ب): ((وأحكمه)).
(8) في (ي): ((فمن أطاعه أطاع الله)).
(9) من قوله: ((إنما هو منفذ أمره...)) إلى هنا سقط من (ب).
(10) في (ي): ((أطاع رسول الله ?)).
(11) في (أ): و((المعضية)).
(12) من قوله: ((نقيض....)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح).
(13) في (ب): يشبه أن تكون ناجبه.
(14) في (ي): ((المنشط)).
(15) قوله: ((له)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).(4/27)
وقوله: ((وأَثَرَةٍ عليك))؛ رويناه بفتح الهمزة، وفتح الثاء المثلثة. ورويناه =(4/36)=@
أيضًا: بضم الهمزة، وإسكان الثاء. وكلاهما بمعنىً. والمعنى: أنّ الطاعة للأمراء واجبة وإنْ استأثروا بالأموال دون الناس، بل وعلى أشد من ذلك؛ فإنه (1) - صلى الله عليه وسلم - قال لحذيفة: ((فاسمع وأطع، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك)) (2) .
قوله (3) : ((وإن كان عبدًا حبشيًّا مجدَّع الأطراف))، الْجَدْعُ: القطُع. وأصله في الأنف. و((الأطراف)): الأصابع. وهذا مبالغة في وصف هذا العبد بالضعفة (4) والخسّة؛ وذلك أن العبد إنما تنقطع أطرافه من كثرة العمل والمشي حافيًا. وهذا منه ? على جهة الإغياء، على عادة العرب في تمكينهم المعاني وتأكيدها. كما قال النبي (5) ?: ((من بنى مسجدًا لله ولو مثل مِفْحَصِ قطاةِ بنى الله له بيتًا في الجنَّة)) (6) ، ومفحص القطاة (7) لا يصلح لمسجد، وإنما هو تمثيل للتصغير (8) على جهة الإغياء، فكأنَّه قال: أصغر ما يكون (9) من المساجد. وعلى هذا التأويل لا يكون فيه حجة لمن استدل به (10) على جواز تأمير العبد فيما دون الإمامة الكبرى. وهم بعض أهل الظاهر فيما أحسب، فإنه قد اتُّفِقَ على أن الإمام الأعظم، لا بُدَّ أن يكون حرًّا؛ على ما يأتي. ونص أصحاب مالك على أن القاضي لا بُدَّ أن يكون حرًّا.
قلت: وأمير الجيش (11) والحرب في معناه، فإنها مناصب دينية يتعلّق (12) بها تنفيذ =(4/37)=@ أحكام شرعية، فلا يصلح لها العبد؛ لأنه ناقص بالرِّقِّ مَحْجُورٌ عليه، لا يستقلُّ بنفسه، ومسلوبُ أهليةِ الشهادة (13) والتنفيذ، فلا يصلح للقضاء، ولا للإمارة. وأظنّ: أنَّ جمهور علماء المسلمين على ذلك. وقد ورد ذكر العبد في هذا الحديث مطلقًا، وقد قيَّده بالحديث الآتي بعد هذا، الذي قال فيه: ((ولو استعمل عليكم عبد (14) يقودكم بكتاب الله)). &(4/28)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): ((لأنه)).
(2) سيأتي قريبًا برقم (1426) في باب يصبر على أذاهم وتؤدى حقوقهم.
(3) في (أ) و(ب): ((وقوله)) .
(4) في (ي) و(ب) و(أ) و(ح): ((بالضعة)) وهو أنسب للسياق.
(5) قوله: ((النبي)) ليس في (أ).
(6) مرفق التخريج.... كتب بجانب هذا الهامش [التخريج خلف الورقة يراجع الشيخ سعد وبعده وكتب أيضًا: تقدم تخريجه في كتاب الإيمان، باب: يقاتل الناس حتى يوحدوا اله... مستفيض هناك... وهناك ورق مرفق به "مسند أحمد الأرناؤوط" (4/54- 55)، "مسند الطيالسي التركي" (4/344)، و "مشكل الآثار" للطحاوي (4/213)، "مسند أبي يعلى" الموصلي (4/48)، و"مسند الطيالسي التركي" (1/369- 370)، "صحيح ابن حبان" ت شعيب الأرناؤوط ص490 ومرفق مع الورق ورقة فيها شجرة للرواة].
(7) في (ب) و(ح): ((قطاة)).
(8) في (أ): ((للصغر)) وفي (ي): ((للصغير)).
(9) في (أ): ((يمكن)).
(10) قوله: ((به)) سقط من (ب) و(ح).
(11) في (ي): ((الجيوش)).
(12) في (ب) و(ح): ((تتعلق)).
(13) في (ب): ((الإشهادة)).
(14) قوله: ((عبد)) ليس في (ب)، وفي (ح): ((عبدًا)).(4/28)
ومن باب إنما تجب طاعة الإمام ما لم يأمر بمعصية
قوله (1) عليه السلام: ((على المرء المسلم السَّمع والطاعة))؛ ظاهر في وجوب السمع والطّاعة للأئمة، والأمراء، والقضاة. ولا خلاف فيه إذا لم يأمر بمعصية. فإن أمر =(4/38)=@ بمعصية فلا تجوز طاعته (2) في تلك المعصية قولاً واحدًا، ثم إن كانت تلك المعصية كفرًا: وَجَبَ خَلْعُه على المسلمين كلهم. وكذلك (3) : لو ترك إقامة قاعدة من قواعد الدين؛ كإقام الصلاة، وصوم رمضان، وإقامة الحدود، ومَنَع (4) من ذلك. وكذلك لو أباح شرب الخمر، والزنى (5) ، ولم يمنع منهما (6) ، لا يختلف في وجوب خَلْعِهِ. فأمَّا لو ابتدع بدعة، ودعا النَّاس إليها؛ فالجمهور: على أنه يُخْلَع.
وذهب البصريون إلى أنه لا يُخْلَع، تمسُّكًا بظاهر قوله (7) عليه الصلاة والسلام: ((إلا أن تروا (8) كفرًا بواحًا (9) عندكم من الله فيه برهان)). وهذا يدلّ على استدامة ولاية المتأوّل وإن كان مبتدعًا. فأمَّا لو أمر بمعصية مثل أخذ مال بغير حق أو قتل أو ضرب بغير حق؛ فلا يطاع في ذلك، ولا ينفذ أمره، ولو أفضى ذلك إلى ضرب ظهر المأمور وأخذ ماله؛ إذ ليس دم أحدهما، ولا ماله، بأولى من دم الآخر، ولا (10) ماله. وكلاهما يحرم (11) شرعًا؛ إذ هما مسلمان، ولا يجوز الإقدام على واحد منهما، لا للآمر (12) ، ولا للمأمور؛ لقوله ? (13) : ((لاطاعة لمخلوق (14) في معصية الخالق)) (15) ؛ كما ذكره الطبري، ولقوله هنا: ((فإن أمر بمعصية فلا سمع، ولا طاعة)). فأمَّا قوله في حديث حذيفة: ((اسمع وأطع، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك))؛ فهذا أمر &(4/29)&$
__________
(1) في (ب): ((وقوله)).
(2) في (ح): ((طاعت)).
(3) في (ب) وفي (ح): ((ولذلك)).
(4) في (ب) و(ح): ((في ومنع)).
(5) في (ب) و(ح): ((والربا)).
(6) في (ب) و(ح): ((منها)).
(7) في (ب) و(ح) و(ي): ((تمسكًا بقوله)).
(8) في (ب): ((يروا)).
(9) في (ب): ((بواجًا)).
(10) قوله: ((ولا)) سقط من (ب) و(ح).
(11) في (أ) و(ي): ((محرم)).
(12) في (ب) و(ح): ((للأمير)).
(13) في (أ): ((ولقوله)).
(14) في (ب) و(ح) و(ي): ((للمخلوق)).
(15) بهذا اللفظ أخرجه ابن أبي شيبة (33717) عن الحسن مرسلاً، ووصله الطبراني في "الكبير" (381) من طريق يحيى بن سليم، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن عمران بن حصين به، مرفوعًا.
وهشام بن حسان في روايته عن الحسن مقال؛ لأنه يرسل عنهما. لكن رواه حماد بن يحيى الأبح - وهو صدوق -، عن ابن سيرين، عن عمران به، أخرجه القضاعي في "مسند الشهاب" (873).
والحديث أخرجه البخاري (7257)، ومسلم (1840) وغيرهما من حديث علي بن أبي طالب بلفظ: ((لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف)).(4/29)
للمفعول به ذلك بالإستسلام، والانقياد، وترك الخروج عليه مخافة أن يتفاقم الأمر إلى ما هو أعظم من ذلك.
ويحتمل أن يكون ذلك خطابًا لمن يُفعل به ذلك بتأويل يسوّغ للأمير بوجهٍ يظهر له، ولا يظهر ذلك للمفعول به. وعلى هذا يرتفع التعارض بين (1) الأحاديث، ويصحّ الجمع، والله تعالى أعلم.
وقول عليٍّ: ((واستعمل (2) عليهم رجلاً من الأنصار))؛ ظاهر في أنه (3) ليس =(4/39)=@ عبدالله بن حُذَافة، فإنه مهاجريٌّ، وذلك أنصاريٌّ، فافترقا. وقضية عبدالله بن حُذَافة هي التي ذكر منها ابن عباس (4) رضي الله عنهما طرفًا؛ كما تقدَّم. فلا معنى لقول من قال: إن هذا الذى حكى عنه عليُّ بن أبي طالب – رضي الله عنه - هو عبد الله بن حُذَافة. وكذلك (5) لا معنى لقول من قال: إنَّ ذلك الأمير إنما أمرهم بدخول النار ليختبر طاعتهم (6) له (7) . وقد قال في هذه الرواية: إنهم أغضبوه. وقال: وسكن غَضَبُهُ له عليهم (8) . فأراد عقوبتهم بذلك (9) . [وهذه نصوص في أنه إنما حمله على ذلك غضبه عليهم].
وقوله: ((لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة))؛ ظاهر في: أنه تَحْرُمُ الطاعةُ في المعصية المأمور بها، وأنَّ المطيع فيها يستحق العقاب.
وقوله: ((للآخرين قولاً حسنًا))؛ يدلّ على مدح المصيب في المجتهدات. كما أنّ القول الأول يدلّ على ذمِّ المقصر المخطىء وتعصيته (10) ، مع أنه ما (11) كان تقدّم لهم في مثل تلك النازلة (12) نصٌّ (13) ، لكنهم قصروا حيث لم ينظروا في قواعد الشريعة الكلية ومقاصدها المعلومة الجليّة. =(4/40)=@
وقوله: ((إنّما الطاعة في المعروف))؛ إنّما هذه للتحقيق والحصر؛ فكأنَّهُ قال: لا تكون (14) الطّاعة إلا في المعروف. ويعنى بالمعروف هنا: ما ليس بمنكرٍ، ولا معصية، فتدخل فيه (15) الطاعات الواجبة، والمندوب إليها، والأمور الجائزة شرعًا. فلو أمر بجائزِ لصارت طاعته فيه واجبة، ولما حَلَّتْ مخالفتُه. فلو أمر بما زجر الشرع عنه زَجْرَ تنزيهٍ لا تحريمٍ؛ فهذا مُشْكِلٌ. والأظهر: جواز المخالفة تمسَّكًا &(4/30)&$
__________
(1) قوله: ((التعارض بين)) سقط من (ب).
(2) في (ي): ((وإسمعيل)).
(3) قوله: ((أنه)) تكرر في (ب).
(4) في (ي): ((ابن عباس منها)).
(5) في (ب) و(ح): ((ولذلك)).
(6) داء بعد هذا في (ي) و(ب) و(ح): ((وهذه نصو في أنه أنما في (ي): ((حملهم)) على ذلك غضبه عليهم)). وهي الجملة الآتية في آخر هذه الفقرة.
(7) قوله: ((له)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(8) قوله: ((له عليهم)) سقط من (أ).
(9) قوله: ((فأراد عقوبتهم بذلك)) ورد في (أ) بعد قوله: ((غضبه عليهم)) الآتية.
(10) في (ي): ((وتغضيبه)).
(11) قوله: ((ما)) سقط من (ي).
(12) في (ب): ((النار لهم)).
(13) في (أ): ((بنص)).
(14) في (ب): ((يكون)).
(15) في (ح): ((فيها))، وفي (ب) و(ي): ((فيدخل فيها)).(4/30)
بقوله: ((إنما الطاعة في المعروف))، وهذا ليس بمعروف إلا أن يخاف على نفسه منه، فله أن يمتثل (1) ، والله تعالى أعلم.
تنبيه: هذا الحديث يَرُدُّ حكايةً حُكيت عن بعض مشايخ (2) الصوفية، وذلك أن مريدًا له قال له يومًا: قد حمي التنورُ فما أصنع؟ فتغافل عنه، فأعاد عليه القول، فقال له: ادخل فيه. فدخل المريد في (3) التنور، ثم إن الشيخ تذكّر فقال: الحقوه، فإنه كان (4) عقد على نفسه ألا يخالفني، فلحقوه، فوجدوه في التنور لم تضره النار. وهذه الحكاية أظنها (5) من الكذب الذى كُذِبَ به على هذه الطائفة الفاضلة، فكم قد كَذَبَ عليها الزنادقةُ، وأعداءُ الدين. وبيان ما يحقق ذلك: أنَّ هذا الشيخ إمّا أن يكون قاصدًا لأمر ذلك المريد بدخول التنور (6) أم لا (7) . فإن كان قاصدًا كان قَصْدُهُ ذلك معصيةً، ولا طاعة فيها بنصِّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، ويكون امتثال المريد لذلك (8) معصيةً. وكيف =(4/41)=@ تظهر الكراماتُ على العصاة في حال معصيتهم؟! فإنَّ الكرامةَ تدلُّ على حُسْن حال من ظهرتْ على يديه (9) ، وأنه مطيع لله تعالى في تلك الحالة، مع جواز أمرآخر (10) يكون في المستقبل. وإن كان ذلك الشيخ غير قاصدٍ لذلك، ولا شاعرٍ (11) بما صدر (12) عنه، فكيف يحلُّ للمريد أن يُلْقي نفسه في النار بأمر غلطٍ، لا حقيقةَ له؟! ثم هذا المريد عاصٍ بذلك الفعل، ولا تظهر (13) على العاصي كرامةٌ في حال ملابسته للمعصية (14) ، ولو جاز ذلك لجاز (15) للزَّناة وَشَرَبَةِ (16) الخمر والفَسَقَة أن يدَّعوا الكرامات وهم ملابسون لفسقهم. هذا ما لا يجوز إجماعًا. وإنما تُنْسب (17) الكراماتُ لأولياء الله تعالى؛ وهم أهل طاعته، لا إلى أولياء الشيطان؛ وهم أهل الفسق والعصيان.
والأولى (18) في هذه الحكاية وأشباهها مما لا يليق بأحوال العلماء والفضلاء (19) الطعن على الناقل لا على (20) المنقول عنه، والله تعالى أعلم.
فإن قيل: إن الشيخ لم يكن &(4/31)&$
__________
(1) قوله: ((فله أن يمتثل)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(2) في (ب) و(ح): ((المشايخ)).
(3) قوله: ((في)) سقط من (ب) و(ح).
(4) في (أ) و(ي) و(ح): ((فإنه كان قد))، وفي (ب): ((فإنه قد عقد)).
(5) في (ب): ((إظهار)).
(6) كتب في حاشية (ح): ((النار)).
(7) في (ب) و(ح) و(ي): ((أوَّلاً أَوْ لا)).
(8) في (ب): ((بذلك)).
(9) في (ب) و(ح): ((عليه)). وأشير له بسهم وكتب فوقها [توضح] وكتب: في (ح) و(ي): ((حال من ظهرت عليه)).
(10) قوله: ((آخر)) سقط من (ب).
(11) في (ب): ((ولا شاعر بذلك الفعل)) وكأنه ضرب على قوله: ((بذلك الفعل)).
(12) في (ي): ((قصده عنه)).
(13) في (ب): يشبه أن تكون ((يظهر))، وفي (ي): ((يظهر)).
(14) في (أ): ((المعصية)).
(15) في (ي): ((تجاز)) بدل ((لجاز)).
(16) في (ب): ((شرب)).
(17) في (أ): ((تنسبت)).
(18) في (أ) و(ي): ((فالأولى)).
(19) في (ب) و(ح) و(ي): ((الفضلاء والعلماء)) بالتقديم والتأخير.
(20) في (ي): ((عن)) بدل ((على)).(4/31)
قاصدًا لإدخال المريد نفسه النار، وإنما صَدَر ذلك منه على جهة التأديب والتغليظ؛ لكونه أكثر عليه من السؤال، وكأنَّه (1) قَطَعَهُ عمَّا كان أولى به في ذلك الحال، والمريد لصحة (2) اعتقاده في شيخه، وللوفاء (3) بما جعل (4) له عليه من الطاعة، وترك المخالفة، ولاعتقاده: أنه لا يأمره إلا بما فيه مصلحة دينية، ثم إنه قد صحَّ توكّل هذا المريد على الله تعالى، وصِدْقِه في حاله، فحصل (5) له من (6) مجموع ذلك: أن الله تعالى ينجيه من النار، ويجعل له في ذلك فرجًا (7) ومخرجًا (8) .
فالجواب (9) : أن نقول (10) مَنْ يُجوّز (11) الإقدام على تلك الحالة، بتلك القيود المذكورة: يلزمُه أن يُجوز (12) (13) ما هو محرّم إجماعًا. بيانُ ذلك: أنه لو قال له على تلك الحال (14) ، بتلك القيود: اقتل فلانًا المسلم، أو: ازن بفلانة، أو: اشرب الخمر؛ =(4/42)=@ لم يجز الإقدام على شيء من ذلك بالإجماع (15) ، ولو توفرت (16) (17) له تلك القيود كلها. ولا فرق بين صورة الحكاية المذكورة وبين هذه الصور التي ذكرناها؛ إذ الكل (18) مُحرَّمٌ قطعًا، وإن جُوِّزَ انخراق العادة في: أن النار لا تحرق، والسيف لا يحز (19) الرقبة، والمدية لا تقطع الحلق، لكن هذه التجويزات لا يُلتفت إليها، ولا تُهَدُّ القواعدُ الشرعية لأجلها. فلو أقدم على شيء من تلك (20) الأمور لأجل أمر الشيخ؛
لكان عاصيًا، فكذلك إذا ألقى نفسه في النار، ولا فرق.
ثم نقول: إنَّ (21) التوكل (22) على الله تعالى لا يصحّ مع المخالفة والمعصية. وذلك أن التوكل على الله تعالى هو: الاعتماد عليه والتفويض إليه فيما يجوز الإقدام عليه، أو فيما يخافُ وقوعه، أو يُرتجى (23) حصوله، وقد يُفْضِي التوكّل بصاحبه إلى (24) ألا (25) &(4/32)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): ((فكأَنَّ)).
(2) في (ب) و(ح) و(ي): ((بصحة)).
(3) في (ب) و(ح) و(ي): ((والوفاء)).
(4) في (أ): ((جعله)).
(5) في (ب) و(ح) و(ي): ((فيحتمل)).
(6) قوله: ((من)) سقط من (ب).
(7) قوله: ((فرجًا و)) سقط من (ي).
(8) قوله: ((ومخرجًا)) سقط من (ب) و(ح).
(9) في (ب) و(ح) وي): ((والجواب)).
(10) في (ب): ((يقول)).
(11) في (ي): ((يجوز له الإقدام)).
(12) أشير لها بسهم وكتب: [في الأصل يُجوّر ص87].
(13) في (ح): ((يجوز)).
(14) في (أ): ((الجهة)).
(15) وأشير له بسهم وكتب: [كذا في (ح)].
(16) وأشير له بسهم وكتب: [كذا في (ح)].
(17) في (ي): ((وله توفرت له)).
(18) في (ب): ((إلى لكل)).
(19) في (ب): ((لا يحسم))، وفي (ح): ((تحز)).
(20) في (ب): ((ذلك))، ولم تتضح في (ح).
(21) في (ب): ((إن يقول)).
(22) في (ب) و(ح): ((المتوكل)).
(23) في (ب) و(ح) و(ي): ((يترجى)).
(24) قوله: ((إلى)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(25) زاد في (ب): ((بالله تعالى وبأحكامه وملازمة أن)).(4/32)
يخاف شيئًا إلا الله، ولا يرجو سواه؛ إذ لا فاعل على الحقيقة إلا هو (1) . وهذه الحالة إنما تثمرها (2) المعرفة بالله تعالى وبأحكامه، وملازمة الطاعة والتقوى والتوفيق الخاص الإلهي.
وعلى هذا فمن المحال حصول هذه الحالة مع المعصية والمخالفة. والصحيح ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لو دخلوها ما خرجوا منها))؛ وهذا هو الحق المبين، ولو كره أكثر الجاهلين. ومن نوع هذه الحكاية: حكاية أبي حمزة الذي وقع في البئر، ثم جاء قوم وغطّوا البئر وهو في قعره ساكت لم يتكلم؛ متوكلاً على الله تعالى، إلى أن غطّوا البئر عليه (3) ، وانصرفوا. وللكلام في هذا موضع آخر. =(4/43)=@
ومن باب البيعة
وهي مأخوذة من البيع؛ وذلك أن المبايع للإمام: يلتزم أن يقيَهُ بنفسه وماله، فكأنّه قد بذل نفسه وماله لله تعالى، وقد وعده الله عزّ وجلّ على ذلك بالجنة، فكأنّه قد حصلت له (4) المعاوضة، فصدق على ذلك اسم البيع والمبايعة والشراء؛ كما قال تعالى: {إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} إلى أن &(4/33)&$
__________
(1) قول المصنِّف: ((إذ لا فاعل على الحقيقة إلا هو)) يعني: الله. ظاهر كلامه رحمه الله تقرير مذهب الأشاعرة في القدر؛ فإنهم قد خبطوا في هذه المسألة واختبطوا، وأتوا فيه بالمحالات؛ فقالوا بالكسب الذي يَؤُول إلى جبريةٍ خالصةٍ، بل القول بالكسب غير مُتَصّورٍ، وفي هذا قول من قال :
مما يُقال ولا حقيقة تحقة ... معقولة تدنو إلى الأفهام
الكسب عند الأشعريِّ والـ ... حال عند البهشمي وطفرة النظام
والمتقرر عند أهل السنة والجماعة: أن أفعال العباد: فعلٌ لهم على الحقيقة؛ مخلوقةٌ لله تعالى، وليس كونها مخلوقة له تعالى، أنه هو فاعلها، بل أفعالُ العباد معلومةٌ له، ومخلوقةٌ له؛ فهو الذي خلقها، وأقدرهم عليها.
فالحاصل: أنّ إسناد الأفعال إلى العباد وإضافتها إليهم هي إضافة حقيقية، وليست مجازيّة. وإضافتها إلى الله - بمعنى الخلق والتقدير -: إضافة حقيقية أيضًا، فلا تعارض بين الإضافتين لانفكاك الجهة. والله أعلم.
(2) في (ب): ((يثمرها)).
(3) قوله: ((عليه)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(4) قوله: ((له)) سقط من (أ) و(ب).(4/33)
قال: {فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به} (1) ؛ وعلى نحوٍ من (2) هذا قال النبي ? لصهيب: ((ربح البيع أبا يحيى)) (3) ، وكانت (4) قريشُ تبعثه ليردّوه (5) عن هجرته (6) ، فبذل لهم ماله في تخليص نفسه؛ ابتغاء ثواب الله تعالى؛ فسمَّاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بيعًا. وهذا أحسن ما قيل في المبايعة. ثم هي واجبة على كل مسلم لقوله ?: ((من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)) (7) ، غير أنّه مَنْ (8) كان مِن أهل الحل والعقد والشهرة: فبيعته بالقول والمباشرة باليد؛ إن كان حاضرًا، وبالقول والإشهاد عليه إن كان غائبًا، ويكفي مَنْ لا يُؤْبَهُ لَهُ، ولا يُعْرَف: أن يعتقد دخوله تحت طاعة الإمام، ويسمع ويطيع له في السرّ والجهر، ولا يعتقد خلافًا لذلك، فإن أضمره فمات: مات ميتة جاهلية؛ لأنه لم يجعل (9) في عنقه بيعة.
وقوله: ((بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة))؛ هذه البيعة تسمَّى بيعة =(4/44)=@ الأمراء. وسُمّيت بذلك؛ لأن المقصود بها تأكيد السمع والطاعة على الأمراء. وقد كان عُبَادَةُ بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيعة النساء (10) ، وسُمّيت بذلك؛ لأنه لم يكن فيها ذِكْرُ حربٍ (11) ، ولا قتال. وقد بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بيعة الرِّضوان (12) ؛ وسُمّيت بذلك لقول الله تعالى: {لقد رضي الله عن (13) المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} (14) ، وسيأتي ذِكْرُهَا.
وقوله: ((وعلى أَثَرةٍ علينا))، قد تقدّم القول في تقييد ((أثرة))، وفي معناه، وكأنَّ هذا القول خاصٌّ بالأنصار. وقد ظهر أثر ذلك يوم (15) حنين، حيث آثر (16) النبي - صلى الله عليه وسلم - قريشًا بالفئ ولم يُعْط الأنصار شيئًا، فجرى من الحديث ما تقدّم في كتاب الزكاة (17) . وهناك قال لهم - صلى الله عليه وسلم - (18) : ((اصبروا حتى تلقوني على الحوض)). فقالوا: سنصبر إن شاء الله تعالى. وفيه أيضًا: تنبيه لهم على أن الخلافة في غيرهم. وقد صرّح &(4/34)&$
__________
(1) سورة التوبة؛ الآية: 111.
(2) قوله: ((من)) سقط من (ح) و(ب) و(ي).
(3) أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (3/228) ومن طريق ابن عساكر في"تاريخ دمشق" (24/228). وأخرجه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" زوائد (677) ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" (1/151).
وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (2/368-369)، وابن كثير في "تفسيره. (1/361). جميعهم من طرق عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب قال: أقبل صهيب مهاجرًا نحو النبي - صلى الله عليه وسلم - فاتبعه نفر من قريش، فنزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته، ثم قال: يا معشر ! قريش قد علمتم أني من أرماكم رجلاً، وأنتم والله لا تصلون إليّ حتى أرمي كل سهم في كنانتي، ثم أضرب بسيفي مابقي في يدي منه شيء، ثم افعلوا ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي وقنيتي بمكة وخليتم سبيلي، قالوا: نعم، فلما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع))، قال: ونزلت: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد}.
وزاد السيوطي في "الدر المنثور" (1/575-576) نسبته إلى ابن المنذر. وأخرجه ابن عساكر في المصدر السابق (24/229) من طريق حماد به مثله مختصرًا جدًّا.
وأخرجه ابن سعد (3/227-228)، وابن مردويه - كما في "تفسير ابن كثير" (1/361)، وابن عساكر في المصدر السابق (24/226) ثلاثتهم من طريق عوف، عن أبي عثمان النهدي، عن صهيب قال: لما أردت الهجرة من مكة... وذكر نحوه مختصرًا وقال في آخره: ((ربح صهيب، ربح صهيب))، مرتين.
وأخرجه ابن سعد (3/228-229) ومن طريقه ابن عساكر في المصدر السابق (24/230) عن محمد بن عمر الواقدي قال: حدثني عبدالله بن جعفر، عن عبدالحكيم بن صهيب، عن عمر بن الحكم قال: قدم صهيب... وذكره بمعناه مطولاً، وفيه قصته.
وأخرجه الطبراني (7296) وعنه أبو نعيم في "الحلية" (1/152)، والحاكم (3/400) ومن طريقه البيهقي في "دلائل النبوة" (2/522-523)، وعن البيهقي أخرجه ابن عساكر في المصدر السابق (24/226-227) كلاهما - الطبراني والحاكم - من طريق محمد بن يعقوب الزهري، ثنا حصين بن حذيفة بن صيفي بن صعيب، حدثني أبي وعمومتي، عن سعيد بن المسيب به نحوه بمعناه.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (6/75) رواه الطبراني وفيه: جماعة لم أعرفهم.
وأخرجه الطبراني (7308) وعنه أبو نعيم في الموضع السابق من طريق محمد بن الحسن بن زبالة، حدثني علي بن عبدالحميد بن زياد بن صيفي بن صهيب، عن أبيه، عن جده، عن صهيب - رضي الله عنه - به. وذكر نحوه بمعناه، وفيه زيادة.
وقال الهيثمي في المصدر السابق [وضع بجانب هذه الكلمة نجمه وكتب: (6/64) رواه الطبراني، وفيه: محمد بن الحسن بن زبالة، وهو متروك. وأخرجه ابن عساكر في المصدر السابق (24/230)....] (24/230) من طريق أبي بكر بن أبي خيثمة قال: أخبرني مصعب بن عبدالله قال: هرب صهيب من الروم ومعه مال كثير فنزل بمكة. وذكر فداءه بماله مقابل هجرته، وقال في آخره: فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((ربح البيع...)).
(4) في (ب): ((وكاتب)).
(5) في (ي): ((تبعته لهجرته لترده)).
(6) في (ب) و(ح): ((تبعثه لهجرته لتردّه عن هجرته)).
(7) سيأتي في رقم (9و14).
(8) قوله: ((من)) سقط من (ب).
(9) في (ي): ((يحصل)).
(10) هو حديث الباب.
(11) في (أ): ((جرب)).
(12) سيأتي قريبًا برقم (39و41و42و43) في باب متابعة الإمام على عدم الفرار وعلى الموت.
(13) في (ب): ((رضي الله على عن المؤمنين)) وكأنه ضرب على قوله: ((الله على)).
(14) سورة الفتح؛ الآية: 18..
(15) في (أ): ((كيوم)).
(16) في (أ): ((آثره)).
(17) باب إعطاء المؤلفة قلوبهم برقم (926، 927).
(18) في (ب) و(ي): ((النبي ?)).(4/34)
بذلك في قوله: ((وعلى (1) ألا ننازع الأمر أهله)). وكذلك (2) فعلوا لَمّا علموا أهلية أبي بكر للخلافة، أذعنوا وسلّموا، وسمعوا، وأطاعوا.
وقوله: ((إلا أن تروا كفرًا بواحًا))؛ كذا روايةُ هذه اللفظة بالواو عند كافة الرّواة، وهي من: باح الرجل بالشيء، يبوح به بوحًا وبواحًا: إذا أظهره (3) . وقال ثابت: رواه النسائي: ((بُؤَاحًا، أو بَؤُوحًا (4) )). وهي بمعناه، إلا (5) ما زادت من معنى =(4/45)=@ المبالغة. وقد رواها أبو جعفر: بَرَاحًا (6) - بالراء - من قولهم: بَرِحَ الْخَفَاءُ؛ أي: ظَهَرَ.
وقوله: ((عندكم من الله فيه برهان))؛ أي: حُجة بيّنة، وأمرٌ لاشك فيه، يحصل به اليقين أنه كفر، فحينئذ يجب (7) أن يخلع من عُقِدَتْ له البيعة على ما قدّمناه.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - للمبايعين: ((فيما (8) استطعتم))؛ رفعٌ لِمَا يخاف من التحرّج (9) ؛ بسبب مخالفة تقعُ غلطًا، أو سهوًا، أو غلبة. فإنَّ ذلك كله غير مُؤاخذٍ به. ولا يُفهم من هذا: تسويغُ المخالفة فيما يشقّ (10) ويثقل؛ مما (11) يأمر به الإمام فإنه قد نصّ في الأحاديث المتقدّمة على خلافه، حيث قال: ((على المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره؛ في المنشط والمكره، والعسر واليسر)) (12) . وقال: ((فاسمع وأطع، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك (13) )) (14) ، ولا مشقة أكثر (15) من هذه. =(4/46)=@ &(4/35)&$
__________
(1) في (ي): ((على)) بلا واو.
(2) في (ب): ((ولذلك)).
(3) في (ي): ((إذا ظهره)).
(4) في (ب) و(ح) و(ي): ((بؤحًا)). ولم أجده عند النسائي.
(5) قوله: ((إلا)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(6) ذكر القاضي عياض في "إكمال المعلم" (6/246)، والنووي في "شرح صحيح =
= مسلم"(12/228-229) إلى أنه وقع في بعض نسخ "صحيح مسلم": ((بَرَاحًا))- بفتح الباء -، وهو بمعنى((بواحًا))؛ أي: كفرًا ظاهرًا.
ونقل الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح" (13/8) كلام الإمام النووي المتقدم وأورد الخلاف في ضبط كلمة((بواحًا))، وساق بعض الروايات لهذه اللفظة، لكنه لم يشر رحمه الله إلى من أخرجه بلفظ((براحًا)).
وقد وقعتْ الروايةُ بهذا الحرف عند عبدالرزاق في "المصنف" (11/331 رقم20686) قال: أخبرنا معمر، عن منصور، عن مجاهد، عن جُنادة بن أبي أمية: أن عبادة بن الصامت قال له: ((ادن حتى أخبرك بما لَكَ، وما عليك، إنّ عليك السمع والطاعة، في عسرك ويسرك، ومكرهك ومنشطك، والأثرة عليك، وألا تنازع الأمر أهله، إلا أن تؤمر بمعصية الله براحًا، فإن أُمرت بخلاف مما في كتاب الله، فاتبع كتاب الله)).
وهذا إسناد صحيح، رواته عن آخرهم ثقات، أخرج لهم الجماعة، على أوهامٍ وقعتْ لعبدالرزاق وشيخه: معمر بن راشد، غير أن عبدالرزاق كان أعلم الناس، وأحفظهم لحديث معمر. انظر "سير النبلاء" (9/566-567).
وعبدالرزاق إنما يروي عن معمر من كتبه. انظر المصدر السابق (7/12).
قال الإمام الذهبي: ((ما نزال نحتج بمعمرٍ حتى يلوح لنا خطؤه بمخالفة من هو أحفظ منه، أو تَعُدُّه من الثقات. "الرواة الثقات المتكلم فيهم..." (ص166).
وقال عنه أيضًا: ((أحد الأعلام الثقات له أوهام معروفة احتملت له في سعة ما أتقن)). "ميزان الاعتدال" (4/154).
وعبدالرزاق الصنعاني، قال عنه الذهبي: ((إمام له مايُنكر)). "الرواة الثقات" (ص135). وقال ايضًا: ((لعبدالرزاق أحاديث ينفرد بها، قد أُنكرت عليه...)). "المغني في الضعفاء" (2/393).
والحديث أخرجه عبدالرزاق (11/331 رقم20687) عن معمر، بسند آخر، بمثل الرواية السابقة. وفيه الحرف المذكور؛ فرواه عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: قال عُبادة بن الصامت...)).
وهذا إسناد ظاهر الصّحة، لكنه معلّ بالإرسال؛ لأن أبا قلابة: عبدالله بن زيد الْجَرْمي لم أجد من نصّ على سماعه من عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أو نفاها؛ فعبادة بن الصامت توفي سنة (34هـ) كما في "التقريب" (293/3157)، وأبو قلابة توفي سنة (104هـ) أو بعدها؛ كما في المرجع السابق (304/3333)؛ فالفرق بين وفاتيهما سبعون سنة، أو قريب منها، وهذا الفرق يبعد معه أن يكون سمع منه، إلا أن يكون أبو قلابة ممن عمّر، لكن لم أجد من ذكر ذلك عنه. ثم إن عبادة كان بالشام، ومعاوية بن أبي سفيان كذلك؛ كان بالشام. وقد نصّوا أن أبا قلابة لم يسمع من معاوية - رضي الله عنه - . انظر"جامع التحصيل" (ص211). ومعاوية تأخرت وفاته إلى سنة (60هـ)؛ كما في "التقريب" (537/6758).
فما دام أن السماع لم يثبت - كما هو الراجح - فالسند مرسل.
والحديث أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/464 رقم37258) عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - بمثل الروايات المتقدمة وفيه الحرف المذكور: ((حدثنا عبدالله بن إدريس، عن محمد بن عجلان، عن بكير بن عبدالله بن الأشج، قال: قال: عبادة بن الصامت...)).
وهذا إسناد رجاله ثقات؛ خلا محمد بن عجلان، ففيه كلام، لكن لا ينحط به عن رتبة الحسن. قال الذهبي في "سير النبلاء" (6/322): ((... وقد ذكرت ابن عجلان في "الميزان"، فحديثه إن لم يبلغ رتبة الصحيح، فلا ينحط عن رتبة الحسن)).
لكن هذا الإسناد ظاهر الإعضال؛ فقد جاءت رواية بكير بن عبدالله في "الصحيحين" متصلة، وسقط من إسناده عند ابن أبي شيبة: بسر بن سعيد، وجنادة بن أبي أمية؛ فلعل ابن بكير كان ينشط فيُسنده تارة، وتارة لا. والله أعلم.
(7) في (أ): ((يجوز)).
(8) في (ب) و(ح): ((إذا))، وفي (ي): ((فما)).
(9) في (ب): ((الحرج)).
(10) في (ي): يشبه أن تكون ((يشيق)).
(11) في (ب) و(ح): ((ما)) بدل ((مما)).
(12) تقدم برقم (1420) في باب في البيعة على ماذا تكون ؟
(13) في (ب): ((ملك)).
(14) سيأتي قريبًا برقم (1426) في باب يصبر على أذاهم وتؤدى حقوقهم.
(15) في (ب) و(ح): ((فلا مشقة أكبر)). وفي (ي): ((ولا مشقة أكبر)).(4/35)
ومن باب الوفاء ببيعة الأول وضرب عنق الآخر
قوله (1) : ((كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء عليهم من الله الصلاة والسلام (2) ، كلما هلك نبيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ)). إسرائيل هو: يعقوب - عليه السلام - ، وبنوه: أولاده. وهم (3) الأسباط، وهم كالقبائل (4) في أولاد إسماعيل. قال ابن عباس (5) : ((إسرا (6) )) هو عبد، و((إيل)) هو الله تعالى. فمعناه: عبدالله. وفيه لغات. وقيل: هو عِبْرِيٌّ، اسم واحد بمعنى: يعقوب. ويعني بهذا الكلام: أنّ بني إسرائيل كانوا إذا ظهر فيهم فساد، أو تحريفٌ في أحكام التوراة - بعد (7) موسى - بعث الله تعالى لهم نبيًّا يقيم لهم أمرهم، ويصلح لهم حالهم، ويزيل ما غيّرَ وبُدِّلَ (8) من التوراة وأحكامها. فلم يزل أمرهم كذلك إلى أن قتلوا يحيى وزكريا (9) عليهما الصلاة والسلام، فقطع الله تعالى ملكهم، وَبَدَّدَ شملهم ببختنصر وغيره. ثم جاءهم عيسى، ثم محمد صلى الله عليهما وسلم، فكذبوهما {فباءوا بغضبٍ على غضبٍ وللكافرين عذابٌ مهين} (10) ؛ وهو في الدنيا: ضَرْبُ الجزية، ولزوم الصَّغار والذلة { ولعذاب الآخرة أشق} (11) ، ولما كان نبيُّنا صلوات الله عليه (12) آخر الأنبياء بعثًا، وكتابه (13) لا يقبل التغيير أسلوبًا ونظمًا، وقد تَوَلَّى الله تعالى كلامه (14) صيانةً وحفظًا، وجعل علماء أمته قائمين ببيان مشكله، وحفظ حروفه، وإقامة أحكامه، وحدوده، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل =(3/47)=@ الجاهلين)) (15) .ويروى عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((علماء أمتي كأنبياء بني &(4/36)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): ((وقوله)).
(2) قوله: ((عليهم من الله الصلاة والسلام)) سقط من (أ) وفي (ي): ((عليهم السلام)).
(3) في (ب): ((هم)).
(4) في (ي): ((القبائل)).
(5) أخرجه ابن جرير في "تفسيره" (1/553 رقم798) تحقيق أحمد شاكر: ((حدثنا ابن حميد، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن عمير مولى ابن عباس، عن ابن عباس: أن إسرائيل كقولك: عبدالله)).
ورواه بالسند نفسه في (2/390 رقم1622) بأتم من الأول.
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: ((هذا إسناد صحيح)) !! هكذا قال رحمه الله، وليس كذلك؛ فالأثر من هذا الوجه ضعيف جدًّا؛ لعلتين :
الأولى: ابن حميد الرازي، متهم بالكذب، وقد أضجع بعض الأئمة القول فيه. انظر "سير النبلاء" (11/503 وما بعدها ).
الثانية: الأعمش، فهو معروف بالتدليس مع ثقته، وإمامته، وقد عنعن في هذا الإسناد.
وباقي رجال الإسناد ثقات.
والأثر له عن الأعمش طرق فمنها: ما أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/182/964) من طريق سفيان، عن الأعمش بالإسناد المتقدم، بلفظ: ((جبر: عبد، وإيل: الله)).
وسند الرواية إلى ابن عباس صحيح، لولا ما يخشى من عنعنة الأعمش؛ فإنه مدلس كما سبق.
تنبيه: سقط من المطبوع من "تفسير ابن أبي حاتم" بتحقيق أسعد محمد الطيب - في الموضع المحال إليه - مَنْ بعد الأعمش، والاستدراك من "تفسير بن أبي حاتم" بتحقيق د.أحمد العماري (1/292 رقم270)، ومن "تفسير ابن كثير" (1/190/طبعة الشعب).
وتابع سفيان عن الأعمش به: أبومعاوية الضرير - وهو أحفظ الناس لحديث الأعمش - وروايته من هذا الوجه أخرجها ابن أبي حاتم في "التفسير" (1/182 رقم693)، والحربي في "غريب الحديث" كما في "تغليق التعليق" (4/175).
تنبيه: وقع في المطبوع في الموضع المحال إليه من "تغليق التعليق" خطأ في: وهو قوله: ((حدثنا معاوية)) والصواب: [ثنا أبو معاوية].
والبيهقي في "الشعب" (1/182 رقم165/تحقيق زغلول)، و(1/443 رقم163/تحقيق عبدالعلي حامد). ووقع خطأ في المطبوع من "الشعب"، وهو قوله: ((عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، وعن عمير مولى ابن عباس))، والصواب: ((عن إسماعيل بن رجاء عن عمير مولى ابن عباس)).
وسنده هذه الرواية – أيضًا - صحيح، لولا ما يخشى من تدليس الأعمش، وأحمد بن عبدالجبار الواقع في سند البيهقي فيه ضعف، لكنه لم ينفرد به.
وقد روي عن ابن عباس من وجهين آخرين؛ فأخرجه ابن جرير في "التفسير" (2/390 رقم1621) تحقيق أحمد شاكر: ((حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: جبريل: عبدالله، وميكائيل: عبيد الله، وكل اسم إيل، فهو الله)).
وابن حميد متروك - كما مضى - وباقي رجال الإسناد ثقات.
وأخرجه ابن جرير في "التفسير" (2/390 رقم1621) تحقيق أحمد شاكر: ((حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جابر بن نوح الحمّاني، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، قال: قال ابن عباس: جبريل، وميكائيل، كقولك: عبدالله)).
والأثر ضعيف لضعف جابر بن نوح الحمّاني. انظر "التقريب"(136 رقم876).
والأعمش مضى أنه مدلس، ولم يصرح بالتحديث في أيٍّ من الطرق السابقة.
وفي معنى ما تقدم عن ابن عباس آثار أخرى عن السلف، فانظرها في "الدر المنثور" (1/225-226).
(6) في (ي) و(ب): ((اسر)).
(7) في (ب) و(ح): ((وبعد)).
(8) في (ب) و(ي): ((وما بُدِّلَ)).
(9) في (ب) و(ح): ((يحيى بن زكريا)).
(10) سورة البقرة؛ الآية: 90.
(11) سورة الرعد؛ الآية: 34.
(12) وأشير له بسهم في جانب الورقة وكتب [?].
(13) قوله: ((بعثًأ وكتابه)) مطموس في (ح).
(14) قوله: ((كلامه)) مطموس في (ح).
(15) الحديث سبق تخريجه في كتاب الإيمان، باب الإيمان يمان والحكمة يمانية.(4/36)
إسرائيل)) (1) . ولَمّا كان أمر هذه الأمّة كذلك؛ اكتفى بعلمائها عمَّا كان من توالي الأنبياء هنالك.
وقوله: ((وإنه لا نبي بعدي))؛ هذا النفي عامٌ في الأنبياء والرُّسل؛ لأن الرَّسول نبيٌّ وزيادة. وقد جاء نصًّا في كتاب الترمذي قوله: ((لا نبي بعدى، ولا رسول)) (2) . وقد قال الله تعالى: {ولكن رسول الله وخاتم النبيين} (3) ، ومن أسمائه نفسه في الكتب المتقدمة (4) ، وفيما أطلقته هذه الأمَّة: خاتم الأنبياء. ومما سمى به نفسه: العاقب، والمُقَفِّي (5) . فالعاقب (6) : الذى يَعْقُبُ الأنبياءَ، والْمُقَفِّي: الذى يقفوهم؛ أى: يكون بعدهم.
وعلى الجملة: فهو (7) أمرٌ مجمع عليه، معلوم من دين هذه الأمَّة، فمن ادَّعى أنَّ بَعْدَهُ نبيّ أو رسول؛ فإن كان مُسِرًّا لذلك واطّلع عليه بالشهادة المعتبرة قُتل قِتْلة زنديق. فإن صرَّح بذلك فهو مرتد، يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتِل قِتْلة مُرتدٍّ.
وقوله (8) : ((وستكون خلفاء فتكثر))؛ هذا منه - صلى الله عليه وسلم - إخبار عن غيب وقع على نحو ما أخبر عنه (9) ، ووُجد كذلك في غير ما وقت؛ فمن ذلك: مبايعة الناس لابن الزبير =(4/48)=@ بمكة، ولمروان بالشام، ولبني العباس بالعراق، ولبني مروان بالأندلس، ولبني عبيد بمصر، ولبني... (10) باليمن (11) ، ثم لبني عبد المؤمن بالمغرب (12) .
وقوله: ((فُوا ببيعة الأوّل فالأوّل))؛ دليل على وجوب الوفاء ببيعة الأول. وسكت في هذا الحديث عمَّا يحكم به على الآخر. وقد نصَّ عليه في الحديث الآتي (13) حيث قال: ((فإن جاء آخر (14) ينازعه فاضربوا عنق الآخر)). وفي رواية: ((فاضربوه بالسيف كائنًا من كان)). وهذا الحكم مجمعٌ عليه عند تقارب الأقطار، وإمكان استقلال واحد بأمور المسلمين وضبطها. فأمَّا لو تباعدت الأقطار وخيف &(4/37)&$
__________
(1) قال الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص286): ((قال ابن حجر والزركشي: لا أصل له، وروي بسند ضعيف: «أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد». اهـ. انظر "الضعيفة" (466).
(2) أخرجه الترمذي (2272)، وكذا أخرجه أحمد (13824)، والحاكم (4/433) والضياء في "المختارة" (2645). وإسناده صحيح.
(3) سورة الأحزاب؛ الآية: 40.
(4) في (ب) و(ح): ((القديمة)).
(5) سيأتي في النبوات، باب عدد أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - برقم (2263-2264).
(6) في (ب) و(ح) و(ي): ((والعاقب)).
(7) في (ب) و(ح): ((هو)).
(8) في (ب) ويشبه أن تكون كذلك في (ح): ((فيسر إليه)). [يراجع]
(9) في (ب) و(ح): ((به)).
(10) بياض في (أ).
(11) قوله: ((ولبني... باليمن)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(12) في (ب): ((بالغرب)).
(13) في (ي): ((الآخر)).
(14) في (ب) و(ح): ((أحد)).(4/37)
ضَيْعَةُ البعيد من المسلمين، ولم يتمكن الواحد من ضبط أمور من بَعُدَ عنه؛ فقد ذكر (1) بعضُ الأصوليين: أنهم يُقيمون (2) لأنفسهم واليًا يدبرهم، ويستقلُّ بأمورهم. وقد ذكر: أنَّ ذلك مذهب الشافعي في "الأم".
قلت: ويمكن أن يقال: إنهم يقيمون من يدبّر أمورهم على جهة النيابة (3) عن الإمام الأعظم، لا أنّهم يخلعون (4) الإمام المتقدم حكمًا، ويُوَلُّونَ هذا بنفسه مستقلاً، هذا ما (5) لا يوجد نصًّا عن أحدٍ ممن يُعتبر قوله. والذى يمكن أن يُفعل في مثل هذا؛ إذا تعذر الوصول إلى الإمام الأعظم: أن يُقيموا لأنفسهم من يدبّرهم ممن يعترفُ للإمام بالسَّمع والطَّاعة، فمتى أمكنهم (6) الوصول إلى الإمام فالأمر له في إبقاء ذلك أو عَزْلِه.
ثم للإمام أن يفوض لأهل الأقاليم (7) البعيدة التفويض العام، ويجعل للوالي عليهم الاستقلال بالأُمور كلِّها؛ لتعذر المراجعة عليهم، كما قد (8) اتفق لأهل الأندلس وأقصى بلاد العجم. فأمَّا لو عُقِدتْ البيعةُ لإمامين معًا في وقتٍ واحدٍ في بلدين متقاربين: =(4/49)=@ فالإمامة لأرجحهما. وهل قرابة أحدهما من الإمام المتوفى موجبة للرجحان أم لا؟ اختلفوا فيه؛ فمنهم من قال: يُقَدّم (9) الأقعد فالأقعد به؛ كولاية النكاح. ومنهم من لم يعتبر (10) ذلك، وفرَّق بين الولايتين، والفرق واضحٌ. فأمَّا لو تساويا من كل وجه فَيُقْرَعُ بينهما. والفرض في اثنين كل واحد منهما كامل أهلية الإمامة (11) باجتماع الشروط المعتبرة المنصوص عليها (12) في كتب أئمتنا المتكلمين.
وقوله: ((وأعطوهم حقهم))؛ يعني به: السَّمع، والطاعة، والنصيحة والذَّبَّ (13) عنهم عِرضًا ونفسًا، والاحترام، والنُّصرة له على مَنْ بغى عليه.
وقوله: ((ومنا من ينتضل (14) ))؛ أي: يرمي بالسهام تَدرُّبا ومداومةً. والمناضلةُ: المراماة بالسهام. &(4/38)&$
__________
(1) في (ي): ((ذكر الشافعي بعض)).
(2) في (ب): يشبه أن تكون ((يقيمون)).
(3) في (ب): يشبه أن تكون ((النياب)).
(4) في (ب): ((لأنهم يخعلون)).
(5) في (ب) و(ح) و(ي): ((مما)).
(6) في (ب): ((أملنهتم)) كذا رسمت.
(7) في (ب): ((الإقليم)).
(8) قوله: ((قد)) ليس في (ب).
(9) في (ب) و(ح): ((تقدّم)).
(10) في (ب): ((من لم يعتبر الرجحان ذلك)).
(11) في (ب) و(ح) و(ي): ((الولاية)).
(12) في (ب): ((عليهما)).
(13) قوله: ((والذَّبّ)) سقط من (ب) و(ح).
(14) في (أ): ((ينتظل)).(4/38)
وقوله: ((ومنَّا من هو في جشره (1) )). قال أبو عبيد: الجشر (2) : قوم يخرجون إلى المرعى بدوابهم. قال الأصمعي: وهم يبيتون فيه، فربما رأوا ذلك (3) سفر (4) تُقْصر فيه الصلاة؛ وليس كذلك. ولذلك (5) قال في حديث عثمان: ((لا يغرَّنكم (6) جَشَرُكُم (7) من صلاتكم)) (8) ؛ يعني: لا تَقْصُروا صلاتكم فيه. وقول منادي رسول الله ?: ((الصلاة جامعة))؛ خبرٌ بمعنى الأمر؛ كأنَّه قال: =(4/50)=@ اجتمعوا للصلاة. وكأنَّهُ كان وقت صلاة، فلمَّا جاءوا صلّوا معه، وسكت الراوي عن ذلك، وإلاَّ فمن الْمُحال أن يناديَ منادي (9) الصَّادق بالصلاةِ ولا صلاةَ.
وقوله (10) - صلى الله عليه وسلم - : ((إنَّه لم يكن نبيٌّ إلاَّ كان حقًّا عليه أن يدلّ أُمَّته على خير ما يَعْلَمُه لهم))؛ أي: حقًّا واجبًا؛ لأن ذلك من طريق النصيحة والاجتهاد في التبليغ والبيان.
وقوله (11) : ((وإن أمتكم هذه جُعِلَ عافيتها (12) في أولها، وسيصيب آخرها بلاءٌ وأمورٌ تنكرونها))؛ يعني بأوّل (13) الأُمَّة: زمانَه وزمانَ الخلفاءِ الثلاثة إلى قتل (14) عثمان. فهذه الأزمنة كانت أزمنة اتفاق هذه الأمَّة، واستقامة أمرها، وعافية دينها، فلما قتل عثمان ماجت الفتن موج (15) البحر، وتتابعت كقطع الليل المظلم، ثم لم تزل ولا تزال متواليةً إلى يوم القيامة. وعلى هذا فأول آخر هذه الأمة - الْمَعْنِيُّ في هذا الحديث - مقتل (16) عثمان، وهو آخر بالنسبة إلى ما قبله من زمان الاستقامة والعافية. وقد دلّ على هذا قوله: ((وأمور تنكرونها ))، والخطاب لأصحابه؛ فدلّ على أن منهم (17) من يدرك أول (18) ما سَمَّاه آخرًا، وكذلك كان.
وقوله: ((وتجيء (19) الفتنةُ فَيَدْفِقُ (20) بعضها بعضًا))؛ الرواية (21) : ((يدفق (22) )) بالتخفيف، وفتح الياء، هذه رواية الطبري عن الفارسي ومعنى: فيدفق (23) : يدفع، والدَّفْقُ: الدَّفْعُ. =(4/51)=@ ومنه: الماء الدَّافِق. ويعني: أنها كموج البحر الذي يدفق بعضه بعضًا. &(4/39)&$
__________
(1) في (ب): ((حسرة)).
(2) في (ح): ((الحشر)). وفي (ب): ((الحسر)).
(3) أشير لها بسهم وكتب: [كذا في (ح)].
(4) في (أ) و(ي) و(ب): ((سفرًا)).
(5) قوله: ((ولذلك)) سقط من (ب).
(6) في (ي): ((لا تغرنكم)).
(7) في (ب): ((جشرتكم))، وجاء في حاشية (أ): ((الجشْر مأخوذ من البُعد؛ ومنه يُقال للأعزب: جشر، وجشير؛ لبُعدِه عن النساء. وفي الحديث: من ترك قراءة القرآن شهرين فقد جشره؛ أي: بَعُدَ عنه)).
والحديث نسبه ابن الأثير في "النهاية" (1/273) إلى أبي الدرداء، وكذا قال ابن منظور في "لسان العرب" (4/137) ولم أقف عليه.
(8) أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في "غريب الحديث" (2/121) عن ابن علية، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: حدثني من قرأ كتاب عثمان، أو قُرئ عليه كتاب عثمان أنه قال: بلغني أن ناسًا منكم يخرجون إلى سوادهم، إما في تجارة، وإما في جباية، وإما في جشر، فيقصرون الصلاة، فلا تفعلوا، فإنما يقصر الصلاة من كان شاخصًا، أو يحضره عدو.
وسنده ضعيف؛ لجهالة الواسطة بين أبي قلابة، وعثمان.
لكن أخرجه...، وفيه: عن أبي المهلب، قال: كتب عثمان...، فارتفعت الجهالة. وإسناده صحيح.
(9) قوله: ((منادي)) سقط من (ب).
(10) في (ب): ((قوله)).
(11) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(12) في (أ): ((عاقبتها)).
(13) في (ي): ((بأول بأول)) مكرر.
(14) في (ب): ((قبل)).
(15) في (ب) و(ح): ((كموج)).
(16) في (ب): ((بقتل)).
(17) في (ح) و(ب): ((فيهم)).
(18) زيادة من (ح) وليس في (ب).
(19) قوله: ((وتجيء)) لم يتضح في (ب).
(20) في (ي): ((فتدفق)).
(21) في (أ): ((الراوية)).
(22) في (ي): ((تدفق)).
(23) قوله: ((فيدفق)) سقط من (ب) و(ح).(4/39)
وشُبِّه المؤمنُ في هذه الفتن بالعائِم الغريق بين (1) الأمواج، فإذا أقبلت عليه موجة قال: هذه مهلكتي. ثم تروح عنه تلك، فتأتيه أخرى فيقول: هذه، هذه. إلى أن يغرق بالكلّية. وهذا تشبيه واقع. ورواه أكثر الرُّواة: ((يُرَقِّقُ)) بالراء المفتوحة، والقاف الأولى المكسورة؛ أي: يُسَبِّبُ (2) بعضها بعضًا، ويشيرُ إليه؛ كما قالوا في المثل: ((عن صَبُوحٍ ترَقِّقُ (3) )) (4) .
و((يُزَحْزَح (5) عن النار)): يُنَحَّى (6) عنها، ويُؤخّر (7) منها.
وقوله: ((وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن (8) يؤتى إليه))؛ أي: يجيء إلى للناس (9) بحقوتهم (10) ؛ من: النصح، والنيّة الحسنة، بمثل الذي يحبُّ أن (11) يُجَاءَ إليه به. وهذا مِثْلُ قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب (12) لنفسه)) (13) . والنَّاسُ هنا (14) : الأئمة والأمراء. فيجب (15) عليه لهم من السمع، والطاعة، والنُّصرة، والنَّصيحة، مثل ما لو كان هو الأمير؛ لكان يحب أن يُجاءَ له به.
وقوله: ((ومن بايع (16) إمامًا فأعطاه صَفْقَةَ يده، وثمرةَ فؤاده))؛ يدلّ: على أن البيعة لا يُكتفى (17) فيها بمجرّد عقد اللسان فقط، بل لا بد من الضرب باليد؛ كما &(4/40)&$
__________
(1) في (ح): ((من)).
(2) في (ب): ((يسببت)) وفي (ي): ((يسيب)).
(3) في (ب) (ي): ((يرقق)).
(4) ومَوْردُ هذا المثل: أن رجلاً اسمه جابان نزل بقوم ليلاً، فأضافوه، وغَبَقُوه، فلما فرغ قال: إذا صَبَحْتُموني كيف آخذ في طريقي وحاجتي ؟ فقيل له: عن صبوح تُرَقِّقُ.
أما مَضْرب هذا المثل: فيُضرب لمن كَنى عن شيء وهو يريد غيره؛ كما أن الضيف أراد بهذه المقالة أن يوجب الصّبوح عليهم.
انظر "مجمع الأمثال" للميداني (2/348).
(5) في (ب) و(ح): ((وتزحزح)).
(6) في (ب) و(ح): ((تنحَّى)).
(7) في (ب) و(ح): ((وتؤخّر)).
(8) في (أ): ((أي)).
(9) في (ب) و(ح): ((إلى الناس))، وهكذا كانت في (أ) فأصلحها الناسخ وضرب على كلمة إلى.
(10) في (أ) و(ح): ((بحقوقهم)) ولعل المثبت خطأ مطبعي .
(11) من قوله: ((يؤتى إليه أي...)) إلى هنا سقط من (ي).
(12) في (ب): ((ما يجبه)).
(13) تقدم في الإيمان برقم (32)، باب لا يصح الإيمان حتى تكون محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راجحة على كل محبوب من الخلق.
(14) قوله: ((هنا)) سقط من (ي).
(15) في (ب) و(ح): ((فتجب)).
(16) في (ب): ((بلع)).
(17) في (ي): ((لا يكفي)).(4/40)
قال تعالى: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم} (1) ، ولكن =(4/52)=@ ذلك للرجال فقط على ما يأتي. ولا بُدَّ من التزام البيعة بالقلب، وترك الغش والخديعة، فإنها من أعظم العبادات، فلا بُدَّ فيها (2) من النية والنصيحة.
و((الصفقة (3) )) أصلها: الضرب بالكفِّ على الكفِّ، أو بأصبعين على الكفّ، وهو: التصفيق. وقد تقدَّم في كتاب الصلاة. واستحلاف (4) عبدالرحمن زيادة في الاستيثاق (5) ، لا أنه كذَّبَهُ، ولا اتّهمه. وما ذكره عبدالرحمن عن معاوية: إغْيَاءٌ في الكلام على حسب ظنه وتأويله، وإلاَّ فمعاوية - رضي الله عنه - لم يُعْرفْ مِنْ حاله، ولا من سيرته شيء (6) مما قاله له (7) ، وإنما هذا كما قالت طائفة من الأعراب: ((إنَّ ناسًا من الْمُصَّدِّقين يظلموننا )) (8) ؛ فسمّوا أخذ الصدقة: ظُلْمًا؛ حسب ما وقع لهم.
وقول ابن عمر: ((أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية (9) ))؛ هذا (10) كما قاله - صلى الله عليه وسلم - : ((فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)) (11) . =(4/53)=@
ومن باب يُصْبَرُ على أذاهم وتؤدَّى حقوقهم
قوله - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: ((اصبروا حتى تلقوني على الحوض))؛ بشارة (12) لهم بأنهم يَردُون عليه الحوض. ولعلّهم المشار إليهم بقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((إني لأذود الناس عن &(4/41)&$
__________
(1) سورة الفتح؛ الآية: 10.
(2) قوله: ((فيها)) سقط من (ب) و(ح).
(3) قوله: ((والصفقة)) لم يتضح في (ي).
(4) في (ي): ((واستخلاف)).
(5) في (ب): ((الاشتياق)).
(6) في (ي): يشبه أن تكون ((بشيء)).
(7) قوله: ((له)) سقط من (ب).
(8) الحديث تقدم تخريجه في الزكاة، باب دعاء المصدق لمن جاء بصدقته.
(9) في (ي) و(ب) و(أ) و(ح): ((معصيته)).
(10) في (ب) و(ح): ((وهذا)).
(11) تقدم برقم (23).
(12) في (ب): يشبه أن تكون ((عشارة)).(4/41)
حوضي بعصاي لأهل اليمن)) (1) ، فإن المدينة يمانية، وأهلها سبَّاق أهل اليمن إلى الاسلام، وهم الأنصار. وسكوتُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن السائل حتى كرّر السؤال ثلاثًا، يُحتمل أن يكون لأنه كان ينتظر الوحي، أو: لأنه كان (2) يستخرج من السائل حرصه على مسألته واحتياجه إليها، أو: لأنه كره تلك المسألة؛ لأنها لا تصدر - في الغالب - إلا من قلب (3) فيه تشوّف لمخالفة الأمراء، والخروج عليهم. =(4/54)=@
وقوله (4) : ((عليه ما حُمّل (5) ، وعليكم ما حملتم))؛ يعني: أن الله تعالى كلَّف الولاة العدل وحسن الرعاية، وكلّف الْمُوَلَّى عليهم، الطاعة وحسن النصيحة. فأراد (6) : أنه إن (7) عصى الأمراءُ اللهَ فيكم، ولم يقوموا بحقوقكم (8) (9) : فلا تعصوا الله أنتم فيهم، وقوموا بحقوقهم، فإن الله تعالى مُجازٍ كل واحدٍ من الفريقين بما عمل.
وقول (10) حذيفة: ((كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر))؛ يعني: أنه كان أكثر مسائل الناس عن الخير، وكانت أكثر مسائله عن الشر، وإلاَّ فقد سأل غيره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كثير من الشر. وقد كان حذيفة أيضًا يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كثير من الخير. والخير والشر (11) المعْنِيان (12) في هذا الحديث إنما هما: استقامة أمر دين هذه الأمة، والفتن الطارئة عليها؛ بدليل باقي (13) الحديث وجواب النبي - صلى الله عليه وسلم - له بذلك (14) .
وقوله (15) : ((مخافة أن يدركني))؛ يدل: على حزم حذيفة، وأخذه بالحذر. وذلك: أنه كان يتوقع موت النبي - صلى الله عليه وسلم - فيتغير الحال، وتظهر الفتن، كما اتفق. وفيه دليل: على فرض المسائل، والكلام عليها (16) قبل وقوعها إذا خيف فَوْتُ (17) العالم.
وقوله (18) : ((فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم))، يعني به: الفتن الطارئة، بعد (19) انقراض زمان الخليفتين والصدر من زمان عثمان كما تقدّم. =(4/55)=@ &(4/42)&$
__________
(1) سيأتي في النبوات، باب في عظم حوض النبي - صلى الله عليه وسلم - ومقداره وكبره وآنيته رقم (27).
(2) قوله: ((كان)) سقط من (أ) و(ي).
(3) في (ي): ((قلبه)).
(4) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(5) في (ب) و(ح) و(ي): ((عليهم ما حملوا)).
(6) في (ب) و(ح): ((فأرادوا)).
(7) قوله: ((إن)) سقط من (ب).
(8) قوله: ((ولم يقوموا بحقوقكم)) مطموس في (ح).
(9) في (ب): ((بحقكم بحقوقكم)).
(10) قوله: ((وقول)) مطموس في (ح). وفي (ي): ((وقوله)) بدل ((وقول)).
(11) في (ب): ((عن كثير الخير والشر)) وفي (ي): ((عن كثير من الخير والشر)).
(12) في (ي): ((المعينان)).
(13) في (أ): ((بدليل ما في)).
(14) من قوله: ((والفتن الطارئة عليها...)) إلى هنا سقط من (ي).
(15) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(16) في (أ): ((فيها)).
(17) أشير له بسهم وكتب: [كذا في (ح)].
(18) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(19) في (ب) و(ح): ((وبعد)).(4/42)
وقوله (1) : ((فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن))؛ بفتح الدال والخاء لا غير، وهو عبارةٌ عن الكدر. ومنه قولهم: هُدْنَةٌ على دخنٍ. حكى معناه أبو عبيد. وقيل: هي لغة في الدُّخان. ومنه الحديث: وذكر فتنة فقال: ((دَخَنُهَا تحت قدمِي، رَجُلٍ من أهل بيتي (2) )) (3) . وقيل: إنَّ خبر حذيفة هذا إشارةٌ إلى مُدَّة (4) عمر بن عبدالعزيز. قلت: وفيه بُعْدٌ، بل الأولى: أن الإشارة بذلك إلى مُدّة خلافة معاوية، فإنها كانت تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر (5) ، وهي مدّة الهدنة التي كان فيها الدَّخن؛ لأنه لما بايع الحسن معاوية (6) واجتمع الناس عليه: كره ذلك كثير من الناس بقلوبهم، وبقيت الكراهة فيهم، ولم تُمكِنُهم المخالفة في مدة معاوية، ولا إظهارها إلى زمن يزيد بن معاوية، فأظهرها كثير من الناس. ومدة خلافة معاوية كان الشرّ فيها قليلاً والخير غالبًا، فعليهم (7) يصدق قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((تعرف منهم وتنكر)). وأمَّا خلافة ابنه، فهي أول الشرِّ الثالث. ويزيد (8) وأكثر ولاته، ومن (9) بعده (10) من خلفاء بني أميةَ هم الذين يَصْدُق عليهم أنّهم: ((دُعَاةٌ على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها (11) ))، فإنهم لم يسيروا (12) بالسَّواء، ولا عدلوا في القضاء؛ ويدل (13) على ذلك تَصَفُّحَ أخبارهم، ومطالعة سِيَرهم، ولا يُعْتَرضُ (14) على هذا بمدة خلافة (15) عمر بن عبدالعزيز، بأنها (16) كانت خلافة عدل؛ لقصرها، وندورها (17) في بني أمية، فإنها (18) كانت سنتين وخمسة أشهر، فكأنَّ هذا الحديث لم يتعرض لها، والله تعالى أعلم.
و((دعاة)): جَمْعُ داعٍ، كقضاة وقاض. و((قذفوه)): رموه؛ يعني بذلك: أن =(4/56)=@ مَنْ وافقهم على آرائهم (19) ، واتبعهم على أهوائهم كانوا قائديه إلى النار. &(4/43)&$
__________
(1) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(2) قوله: ((رجل من أهل بيتي)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(3) أخرجه أحمد (2/133)، وأبو داود (4/442-443 رقم4242) في الفتن والملاحم، باب ذكر الفتن ودلائلها، والحاكم (4/466-467)، وأبو نعيم في "الحلية" (5/158)، والبغوي (4226).
جميعهم من طرق عن أبي المغيرة، عن عبدالله بن سالم، عن العلاء بن عتبة الحمصي، عن عمير بن هاني العنسي، قال: سمعت عبدالله بن عمر، يقول: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قعودًا، فذكر الفتن، فأكثر في ذكرها، حتى ذكر فتنة الأحلاس، فقال قائل: يا رسول الله ! وما فتنة الأحلاس ؟ قال: ((هي فتنة هرب وحَرَب، ثم فتنة السراء، دخلها أو دخنها من تحت قدمي، رجل من أهل بيتي، يزعم أنه مني، وليس مني...)) الحديث.
قال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي ! وقال أبو نعيم: غريب من حديث عمير والعلاء، لم نكتبه مرفوعًا إلا من حديث عبدالله بن سالم.
وقال أبو حاتم فيما نقله عنه ابنه في "العلل" (2/417): ((روى، هذا الحديث: ابن جابر، عن عمير بن هانئ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً، والحديث عندي ليس بصحيح،كأنه موضوع.
وصحح إسناده الأرناؤوط في تعليقه على شرح السنة ! والألباني في "الصحيحة" (974).
(4) قوله: ((مدة)) سقط من (ب) و(ح).
(5) قوله: ((أشهر)) سقط من (ب).
(6) انظر البخاري (5/306-307 رقم2704/الفتح) في الصلح، و(13/61 رقم7109/ الفتح) في الفتن، كلاهما باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للحسن بن علي رضي الله عنهما: ((إن ابني هذا سيد...)).
(7) في (ب) و(ح) و(ي): ((فعليه)).
(8) في (ب): ((يزيد)) بلا واو.
(9) في (ب) و(ح): ((من)) بلا واو.
(10) في (ب) و(ح): ((بعد)).
(11) يعلق على كلام المصنف هذا.
(12) في (ي): ((يشيروا)).
(13) في (أ): ((يدل)) بلا واو.
(14) في (ب) و(ح): ((يعرض)).
(15) قوله: ((هذا بمدة خلافة)) مكانه بياض في (ح).
(16) في (ب) و(ح) و(ي): ((فإنها)).
(17) في (ح): ((ونذورها)).
(18) قوله: ((أمية فإنها)) مطموس في (ح).
(19) في (ب) و(ح) و(ي): ((رأيهم)).(4/43)
وقوله (1) : ((هم قوم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا))؛ يعني أنهم (2) ينتمون إلى نَسَبِهِ، فإنهم من قريشٍ، ويتكلمون بكلام العرب. وكذلك كانت (3) أحوال بني أُميَّة.
وقوله (4) : ((تلزم (5) جماعة المسلمين وإمامهم))؛ يعني: أنه (6) متى اجتمع (7) المسلمون على إمامٍ، فلا يُخرج عليه وإنْ جَارَ؛ كما تقدّم، وكما قال في الرواية الأخرى: ((فاسمع (8) ، وأطع)). وعلى هذا: فتُشهد (9) مع أئمة الْجَوْر الصلوات، والجماعات، والجهاد، والحج، وتُجْتَنَبُ (10) معاصيهم، ولا يطاعون فيها.
وقوله: ((فإن لم تكن (11) لهم جماعة ولا إمام))؛ هذه إشارة إلى مثل الحالة التي اتفقت للناس عند موت معاوية بن يزيد بن معاوية (12) ، فإنه توفي لخمسٍ بقين من ربيع الأول سنة أربع وستين، ولم يَعْهَدْ لأحدٍ، وبَقِي الناس بعده بقية ربيع الأول وجماديين (13) وأيامًا من رجب من السَّنة المذكورة ولا (14) إمام لهم، حتى بايع الناس بمكة لابن الزبير، وفي الشام لمروان بن الحكم.
وقوله (15) : ((فاعتَزِلْ تلك الفرق كلَّها))؛ هذا أمرٌ بالاعتزال عند الفتن، وهو على جهة الوجوب، لأنه لا يَسْلَمُ الدِّينُ إلاَّ بذلك. وهذا الاعتزال عبارة عن ترك الانتماء (16) إلى من لم تتم إمامته من الفرق المختلفة. فلو بايع أهل الحل والعقد =(4/57)=@ لواحدٍ موصوف بشروط الإمامة لانعقدت (17) له الخلافة، وحرمت على كل أحدٍ المخالفة، فلو اختلف أهل الحل والعقد، فعقدوا لإمامين،كما اتفق لابن الزبير ومروان؛لكان الأول هو الأرجح كما تقدَّم.
وقوله (18) : ((يكون بعدي أمراء قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس (19) ))؛ هذا خبرٌ عن أمرٍ غيب وقع موافقًا لمخبره (20) ، فكان دليلاً على صحة رسالته وصدقه - صلى الله عليه وسلم - (21) .
و((الشياطين)): جمع شيطان، وهو المارد من الجن، الكثير الشر. وهل هو مأخوذ من: شَطَنَ؛ أي: بَعُدَ عن الخير والرحمة، أو من: شَاطَ يَشِيطُ، إذا &(4/44)&$
__________
(1) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(2) في (ب) و(ح): ((بأنهم)).
(3) قوله: ((كانت)) ليس في (ب).
(4) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(5) في (ي): ((يلزم)).
(6) قوله: ((أنه)) سقط من (ب).
(7) في (ي): ((أجمع)).
(8) في (ب): ((اسمع))، وفي (ح): ((واسمع)).
(9) في (ب) و(ح): ((فيشهد)).
(10) في (ح): ((ويجتنب)).
(11) في (ب) و(ح): ((يكن)).
(12) قوله: ((بن معاوية)) سقط من (ب) و(ح).
(13) في (ح) تشبه أن تكون: ((أو)).
(14) في (أ): ((لا)).
(15) في (ب) و(ح): ((قوله)) بلا واو.
(16) في (ب): ((الايتماء)).
(17) في (أ): ((انعقدت)).
(18) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(19) في (ب) و(ح): ((الإنس)). وفي (ب): ((الإنسان)).
(20) في (ب) و(ح): ((ما بمخبره أن جبره)). وفي (ي): ((لما خبر به)).
(21) في(ب): ((صدقه رسول ?))، فالظاهر كلمة: ((رسول)) مقحمة.(4/44)
احتدَّ واحترق غيظًا (1) ؟ اختلف فيه النحويون؛ وعلى الأول: فالنُّونُ (2) أصلية، فيُنْصَرفُ وَاحِدُهُ (3) ، وعلى الثاني: فهي غير (4) أصلية فلا ينْصَرِف. والجثمان، والشخص، والآل (5) ، والطَّلَلُ (6) كلُّها: الجسم، على ما حكاه اللغويون. =(4/58)=@
ومن باب إثم من خلع يدا من طاعة
قوله: ((من خرج عن الطاعة، وفارق الجماعة، فميتته جاهلية))؛ يعني بالطاعة: طاعة ولاة الأمر (7) ، وبالجماعة (8) : جماعة المسلمين على إمام، أو أمر تُجْمِعُ (9) عليه. وفيه دليل على وجوب نصب الإمام، وتحريم مخالفة إجماع المسلمين، وأنَّه واجب الاتباع. ويُسْتَدلُ بظاهره من كَفَّر بخرق الإجماع مطلقًا.
والحق: التفصيل، فإن كان الإجماع (10) مقطوعًا به (11) فمخالفته، وإنكاره كفر، وإن كان مظنونًا فإنكاره ومخالفته معصية، وفسوق. ويعني بميتة (12) الجاهلية: أنهم كانوا فيها لا يبايعون إمامًا، ولا يدخلون تحت طاعته. فمن كان من المسلمين لم يدخل تحت &(4/45)&$
__________
(1) في (ب): ((غيضًا)). أين الفرق لأن في رسم الخط في المخطوطات يكتب بكليهما أي (ض وظ).
(2) في (ب): ((فالتق)) هكذا رسمت ووضع الناسخ فوقها ثلاث نقاط، فالظاهر أنها لم تتحرر لديه.
(3) في (ب): ((واحدة)).
(4) في (ب): ((عين)).
(5) في (ي): ((والتشخيص والأول)).
(6) في (ب): ((والظل)).
(7) في (ب) و(ح): ((الأحور)).
(8) في (ي): ((وبالجملة)).
(9) في (ب) و(ح): ((مجتمع)). وفي (ي): ((تجتمع)).
(10) في (ب): ((الاجتماع)).
(11) قوله: ((به)) سقط من (ب) و(ح).
(12) في (ي): ((بميتته)) كذا رسمت.(4/45)
طاعة إمام فقد شابههم في ذلك، فإن مات على (1) تلك الحالة مات على مثل حالتهم (2) ، مرتكبًا كبيرةً من الكبائر، ويخاف عليه بسببها ألاَّ يموت على الإسلام (3) .
وقوله: ((ومن قاتل تحت راية عمّية))؛ رويته (4) بكسر العين، وتشديد الميم والياء. ويقال: بضم العين. قال بعضهم: العَمِّية: الضلالة. وقال أحمد بن حنبل: هو الأمر الأعمى كالعصبية (5) ، لا يستبين ما وَجْهُهُ. وقال إسحاق: هذا في تهارج القوم، وقتل بعضهم بعضًا، كأنَّه من التعمية، وهو التلبيس (6) .
وقوله (7) : ((يغضب (8) لعصبية، أو ينصر عصبية))؛ هكذا رواية الجمهور بالعين والصاد المهملتين؛ من التَّعصُّب. وقد رواه العذري بالغين والضاد المعجمتين، من =(3/59)=@ الغضب. والأوَّل أصحّ وأبْيَن، ويَعضُدُهُ تأويلُ أحمد بن حنبل المتقدم. ولرواية العذري وَجْهٌ، وهو: أنّه يريد به (9) الغضب الذي يحمل عليه التعصب.
وقوله: ((من خرج على أُمَّتي يضرب بَرَّها وفاجرها))؛ البَرُّ: التقي، والفاجر: الْمُسيء. وفيه دليلٌ على أن (10) ارتكاب المعاصي، والفجور، لا يخرج عن الأمّة.
وقوله (11) : ((ولا ينحاش (12) عن مؤمنها))؛ أي: لا يجانب، ولا يميل. يُقال: انحاش إلى كذا؛ أي: انضم إليه ومال (13) . وفي الرِّواية الأخرى: ((ولا يتحاشى)) من المحاشاة؛ بمعنى ما تقدَّم.
وقوله (14) : ((ولا يفي لذى عَهْدٍ بعهده))؛ يعني به: عَهْد البيعة والولاية.
وقوله (15) : ((فليس (16) مني، ولستُ منه)) هذا التَّبَرِّي ظاهره: أنه ليس بِمُسلم. وهذا صحيحٌ إن كان معتقدًا (17) لحِلِّيَّة ذلك، وإن كان معتقدًا لتحريمه: فهو عاصٍ من العصاة (18) ، مرتكب كبيرة، فأمره إلى الله تعالى. ويكون معنى التَّبَرِّي على هذا؛ أي: ليست له ذمّة ولا حرمة، بل (19) إن ظُفِر به قُتِل، أو عُوقب، بحسب حاله وجريمته. ويحتمل أن يكون معناه: ليس على طريقتي، ولست أرضى طريقته. &(4/46)&$
__________
(1) في (ي): ((على مثل تلك)).
(2) في (ب) و(ح): ((حالهم)).
(3) من قوله: ((فإن مات على تلك....)) إلى هنا تكرر في (ب).
(4) في (ب): ((ورويته))، وفي (ح): ((روته)).
(5) في (ب): ((كالعصية)) وفي (ي): ((كالعصيبة)).
(6) في (ب): ((التلبس)).
(7) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(8) في (ب) و(ح): ((ويغضب)).
(9) قوله: ((به)) ليس في (ب) و(ح) و(ي).
(10) قوله: ((أن)) سقط من (ب).
(11) في (ب): ((قوله)): بلا واو.
(12) في (ح) و(ي): ((يتحاش)) وفي (ب): ((تنحاش)).
(13) في (ب): ((وميال)).
(14) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(15) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(16) في (أ) و(ح) و(ي): ((ليس))، وفي (ب): ((وليس)).
(17) في (ي): ((منعقدًا)).
(18) قوله: ((من العصاة)) سقط من (ب).
(19) قوله: ((بل)) سقط من (ب) و(ح).(4/46)
كما تقدم أمثال هذا. وهذا الذي ذكره (1) في هذا الحديث: هي (2) أحوال المقاتلين (3) على الْمُلك، والأغراض الفاسدة، والأهواء الركيكة (4) ، وحمية الجاهلية. وقد أبْعَدَ مَنْ قال: إنهم الخوارج؟ فإنهم إنما حملهم على الخروج: الغَيرة للدِّين (5) ، لا شيء من العصبية (6) والملك، لكنهم أخطؤوا التأويل، وحَرَّفوا (7) التنزيل. =(4/60)=@
وعبد الله بن مطيع كان أميرًا على المدينة عند قيام ابن الزبير على يزيد بن معاوية في جماعة من (8) أبناء المهاجرين والأنصار، وبقية من مشيختهم (9) ، وجمع من الصحابة، وعلى يديه كانت وقعة الحرَّة في الجيش الذي وَجَّه به يزيد بن معاوية لحربهم، فهزموا (10) أهل المدينة، وقتلوهم، واستباحوها (11) ثلاثة أيام، وقُتِل (12) فيها عدة من (13) بقية (14) الصَّحابة (15) من أبناء المهاجرين والأنصار، وعطلت الصلاة، والأذان في مسجد (16) النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الأيام. قاله القاضي عياض. وقال غيره من أهل التاريخ: إن الذي وجهه يزيد بن معاوية (17) إلى المدينة، - وكانت على يديه وقعة الحرَّة - هو مسلم بن عقبة المرّي (18) . والله تعالى أعلم.
وتحديثُ ابن عمر لابن (19) مطيع بالحديث الذي سمعه (20) من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (21) إنَّما كان &(4/47)&$
__________
(1) قوله: ((وهذاالذي ذكره)) مكرر في (ب).
(2) في (ب): ((وهي)).
(3) في (ب): ((المتقاتلين)).
(4) في (ب): ((الركية)).
(5) في (ب) و(ح) و(ي): ((في الدين)).
(6) في (ب): ((المعصية)).
(7) في (ي): ((حرموا)).
(8) قوله: ((من)) سقط من (ب).
(9) في (ح): ((مشيخهم)).
(10) في (ب): ((فهزبوا)).
(11) في (ب) و(ح): ((واستباحوا المدينة))، ويوجد طمس على كلمة: ((المدينة))، وفي (ي): ((واستباحوا ثلاثة)).
(12) قوله: ((ثلاثة أيام وقتل)) مطموس في (ح).
(13) قوله: ((من)) سقط من (ب).
(14) قوله: ((بقية)) ليس في (ح).
(15) في (ب): ((عدة بقية من الصحابة)).
(16) قوله: ((والآذان في مسجد)) مطموس في (ح).
(17) قوله: ((بن معاوية)) سقط من (أ).
(18) في (أ): ((المدني)) يشبه أن يكون : ((المزني)).
(19) في (ب) و(ح): ((ابن)). وفي (ي): ((وتحديث عمر بن مطيع)).
(20) في (ب) و(ح) و(ي): ((يسمعه)).
(21) في (ب) و(ي): ((من النبي ?)).(4/47)
ليبين له: أنه لم ينكث بيعةَ يزيد، ولم يخلعها من عنقه، مخافة هذا الوعيد، الذي تضمنه هذا الحديث، والله أعلم. =(3/61)=@
وقوله (1) : ((لا حجة له (2) ))؛ أى: لا يجد حُجَّةً يحتجّ (3) بها عند السؤال، فيستحق (4) العذاب والنكال؛ لأن رسول (5) الله - صلى الله عليه وسلم - قد (6) أبلغه ما أمره الله بإبلاغه من وجوب السمع والطاعة لأولي الأمر، في الكتاب، والسنة.
ومن باب حكم من فرَّق أمر هذه الأمّة
((هنات)): جمع هنة، وهي كناية عن نكرة؛ أي شيء كان كما تقدَّم، ويعني به (7) : أنَّه ستكون (8) أمور منكرة، وفتن عظيمة، كما قد ظهر، ووجد.
وقوله: ((فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمّة وهي جميع))؛ أي: مجتمعة على إمام واحد (9) ، =(4/62)=@ وقد بيَّنه في اللفظ الذي بعد هذا.
وقوله: ((فاضربوه بالسيف كائنًا من كان))؛ أي: لا يحترم لشرفه، ونسبه، ولا يهاب لعشيرته ونشبه (10) ، بل يبادر لقتله قبل شرارة (11) شره، واستحكام فساده، وعدوى عرِّه (12) . &(4/48)&$
__________
(1) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(2) قوله: ((له)) سقط من (ب) و(ح) و().
(3) في (ح): ((لا تجد حجة تحتج)). وفي (ي): ((لا تجد حجه نحتج)).
(4) في (ب): ((فيستحوا)).
(5) في (أ): ((لأن الرسول ?)).
(6) قوله: ((قد)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(7) قوله: ((به)) سقط من (أ).
(8) في (ب) و(ح) و(ي): ((سيكون)).
(9) من قوله: ((وقوله من أراد ...)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح).
(10) في (ب): ((ونسبه)). ...
(11) في (ب): ((شراوة)).
(12) في (ب) و(ح): ((عزه)). وفي (ي): ((اغره)) والعَرُّ - بالفتح -: الْجَرَبُ، وبالضم: قُروح بأعناق الفُصلان؛ يقال: عُرَّت، فهي معرورة. انظر "لسان العرب" (4/555 ومابعدها)، مادة: ((عرر)).(4/48)
وقوله (1) : ((إذا بويع لخليفتين (2) فاقتلوا الآخر منهما (3) ))؛ فيه من الفقه تسمية الملوك بالخلفاء، وإن كانت الخلافةُ الحقيقيَّةُ إنَّما صَحَّتْ للخلفاء الأربعة - رضي الله عنهم - . وفيه: أنَّه لا يجوز نَصْبُ خليفتين، كما تقدم. =(4/63)=@
ومن باب الإنكار (4) على الأمراء وبيان خيارهم وشرارهم (5)
قوله: ((ستكون أمراء فتَعْرِفُون (6) وتُنْكِرُون))؛ أي: تعمل (7) الأمراءُ أعمالاً منها ما تعرفون كونه معروفًا، ومنها ما تعرفون (8) كونه منكرا، فتنكرونه.
وقوله (9) : ((فمن عرف برئ))؛ أي: من عرف المنكر، وكرهه بقلبه؛ بدليل الرواية الأخرى، فتُقَيَّدُ إحداهما (10) بالأخرى؛ يعني: أنَّ مَنْ كان كذلك فقد برئ؛ أي تبرَّأ من فعل المنكر، ومن فاعله.
وقوله: ((ومن أنكر فقد سلم))؛ أي: بقلبه؛ بدليل تقييده بذلك (11) في الرواية الأخرى؛ أي: اعتقد الإنكار (12) بقلبه، وجزم عليه بحيث لو تمكن من إظهار الإنكار لأنكر (13) . ومَنْ كان كذلك فقد سَلِم من مؤاخذة الله تعالى على الإقرار على &(4/49)&$
__________
(1) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(2) في (ب): ((الخليفتين)).
(3) في (ي): ((الآخر بالسيفهما)) كذا رسمت.
(4) في (ب): ((ومن وقوله الإنكار)).
(5) قوله: ((وشرارهم)) سقط من (أ) و(ب) و(ي) و(ح).
(6) في (ب): ((يعرفون وينكرون))، وفي (ح): ((تعرفون)).
(7) في (ب) و(ي): ((يعمل)).
(8) في (ب): ((يعرفون)).
(9) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(10) في (ب): ((أحدهما)).
(11) قوله: ((بذلك)) سقط من (ب) و(ح).
(12) في (ب) و(ي): ((للإنكار)).
(13) في (ب) و(ح): ((لأنكره)).(4/49)
المنكر. وهذه الرتبة (1) هي رتبة من لم يقدر على تغيير المنكر لا باللسان، ولا باليد، وهي التي قال فيها - صلى الله عليه وسلم - : ((وذلك أضعف الإيمان، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل (2) )) (3) . وقوله: ((ولكن مَنْ رضي وتابع (4) ))؛ أي: من رضي المنكر، وتابع (5) عليه هو المؤاخذ، والْمُعَاقَبُ عليه، وإن لم يفعله. =(4/64)=@
وقوله (6) : ((خيار (7) أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلُّون عليهم ويصلُّون عليكم))؛ أي: تدعون (8) لهم في المعونة على القيام بالحق والعدل، ويدعون لكم في الهداية والإرشاد، وإعانتهم (9) على الخير، وكل فريق يحب الآخر لما بينهم من المواصلة، والتراحم، والشفقة، والقيام بالحقوق، كما كان ذلك (10) في زمن (11) الخلفاء الأربعة، وفي زمان (12) عمر بن عبدالعزيز – رضي الله عنهم -، ونقيض ذلك في الشر (13) ؛ لترك كل فريق منهما (14) القيام بما يجب عليه من الحقوق للآخر، ولاتّباع (15) الأهواء، والْجَوْرِ، والبُخل، والإساءة (16) . فينشأ عن ذلك التباغض، والتَّلاعن، وسائر المفاسد.
وقوله: ((أفلا ننابذهم بالسيف؟)) أي: أفلا ننبذ إليهم عهدهم؛ أي: ننقضه؛ كما قال تعالى: {فانبذ إليهم على سواء} (17) ، ونخرج (18) عليهم بالسيف، فيكون (19) المجرور متعلقًا بمحذوف دلّ عليه المعنى، وحُذف إيجازًا واختصارًا (20) .
وقوله: ((لا (21) ما أقاموا (22) فيكم الصلاة))؛ ظاهره: ما حافظوا على الصلوات =(4/65)=@ المعهودة بحدودها، وأحكامها، وداموا على ذلك، وأظهروه. وقيل معناه: ما داموا على كلمة الاسلام؛ كما قد عبَّر بالمصلين عن المسلمين (23) ؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم - : &(4/50)&$
__________
(1) في (ب) و(ي): ((المرتبة)). ويشبه أن تكون كذلك في (ح).
(2) في (ح): ((خرذل)).
(3) تقدم في الإيمان، باب تغيير المنكر من الإيمان برقم (35).
(4) في (ب) و(ح) و(ي): ((وبايع)) بالباء الموحدة، والياء المثناة، والمثبت من (أ) وهو الموافق لما وقفت عليه من نسخ "صحيح مسلم". ولم أجد أحدًا من الشراح أشار إلى وروده بلفظ: ((بايع))، والله أعلم.
(5) في (ب) و(ح): ((وبايع)). وفي (ي): ((بالمنكر وبايع)).
(6) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(7) في (ي): ((خياركم)).
(8) في (ب): ((يدعون)).
(9) في (ب) و(ح) و(ي): ((وإعانتكم)).
(10) قوله: ((والقيام بالحقوق كما كان ذلك)) مطموس في (ح).
(11) في (أ): ((زمان)).
(12) في (أ): ((زمن)).
(13) في (ب) و(ح): ((الشرار)).
(14) في (ب) و(ح) و(ي): ((منها)).
(15) في (ب): ((للاتباع)).
(16) في (ي): ((الإساه)).
(17) سورة الأنفال؛ الآية: 58.
(18) في (ب): ((ويخرج)).
(19) في (ي): ((فتكون)).
(20) في (ب): ((واختارًا)).
(21) في (ي): ((الا)) كذا رسمت.
(22) أشير لها بسهم وكتب: [كذا في (ح)].
(23) في (ب) و(ح): ((عن المصلين بالمسلمين)).(4/50)
((نهيتُ عن قتل المصلين)) (1) ؛ أي: المسلمين. والأوَّل أظهر. وقد تقدَّم التنبيه على ما في هذا الحديث من الأحكام والخلاف.
ومن باب مبايعة الإمام على (2) عدم الفرار
((الحديبية)): ماء قريب من مكة، نزله النبي (3) - صلى الله عليه وسلم - حين أراد العمرة، فصَدَّته قريش، فوجَّه إليهم عثمان بن عفان ليخبرهم: بأنه جاء معتمرًا، ولم يجيء لقتال، فأبطأ عليه، فأُرْجِفَ بأنه قُتل، فبايع (4) النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه هذه البيعة المسماة ببيعة الرُّضوان. وقد تقدّم ذِكْرُها.
وقول جابر: ((كنَّا في الحديبية ألفًا وأربعمائة))؛ قد روي (5) : أنَّهم كانوا ألفًا وخمسمائة (6) ، وإنما اختلف قوله لأنَّ ذلك العدد كان عنده تخمينًا، لا تحقيقًا، إن لم يكن غلطًا من بعض الرواة. =(4/66)=@
وقوله (7) : ((بايعناه على ألا نفرَّ، ولم نبايعه (8) على الموت))؛ مخالفٌ لما قاله &(4/51)&$
__________
(1) أخرجه أبو داود (5/224 رقم4928) كتاب الأدب، باب في الحكم في المخنثين، ومن طؤيقه البيهقي في "السنن" (8/224)، وفي "شعب الإيمان" (6/86- 87)، واخرجه الدارقطني (2/54- 55) من طريقين. والبيهقي في "السنن" في الموضع السابق. ثلاثتهم من طرق عن أبي أسامة، عن مفضل بن يونس، عن الأوزاعي، عن أبي يسار القرشي، عن أبي هاشم، عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى بمخنثٍ قد خضب يده ورجليه بالحناء فقال النبي ?: ((ما بال هذا ؟)) فقيل يا رسول الله! يتشبه بالنساء، فأمر به فنفي إلى النقيع، فقالوا: يا رسول الله! ألا نقتله ؟ فقال: ((إني نهيت عن قتل المصلين)).
قال المنذري في "عون المعبود" (13/276) في إسناده أبو يسار القرشي، سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال: ((مجهول، وأبو هاشم قيل: هو ابن عم أبي هريرة)).
وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3063)، ثم قال: ((قال الحافظ: رواه أبو داود عن أبي يسار القرشي، عن أبي هاشم، عن أبي هريرة، وفي متنه نكارة، وأبو يسار هذا لا أعرف اسمه، وقد قال أبو حاتم الرازي لما سئل عنه: مجهول، وليس كذلك، فإنه قد روى عنه الأوزاعي والليث، فكيف يكون مجهولاً، والله أعلم)).
لكن الحديث حسن لشواهده، وقد صححه الشيخ الألباني رحمه الله في "صحيح الجامع" (1/491) وذكر من شواهده حديث عبدالله بن عدي عند ابن حبان (5971) وحديث أبي أمامة عند أحمد(5/433) وحديث أبي سعيد عند أبي نعيم.
(2) أشير لها بسهم وكتب: [كذا في (ح)].
(3) قوله: ((النبي)) ليس في (ي).
(4) قوله: ((فبايع)) مكرر في (أ).
(5) في (ي): ((روي عنه أنهم)).
(6) قال الحافظ في "فتح الباري" (7/440-441):((الحديث الرابع حديث البراء في تكثير ماء البئر بالحديبية ببركة بصاق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها، ذكره من وجهين عن أبي إسحاق، عن البراء، ووقع في رواية إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء: كنا أربع عشرة مائة. وفي رواية زهير عنه: أنهم كانوا ألفًا وأربعمائة، أو أكثر. ووقع في حديث جابر الذي بعده من طريق سالم بن أبي الجعد عنه: أنهم كانوا خمس عشرة مائة، ومن طريق قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: بلغني عن جابر أنهم كانوا أربع عشرة مائة، فقال سعيد: حدثني جابر: أنهم كانوا خمس عشرة مائة، ومن طريق عمرو بن دينار، عن جابر: كانوا ألفًا وأربعمائة، ومن طريق عبدالله بن أبي أوفى: كانوا ألفًا وثلاثمائة. ووقع عند ابن أبي شيبة من حديث مجمع بن حارثة: كانوا ألفًا وخمسمائة.
والجمع بين هذا الاختلاف: أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، فمن قال: ألفًا وخمسمائة جبر الكسر، ومن قال: ألفا وأربعمائة: الغاه؛ ويؤيده قوله في الرواية الثالثة من حديث البراء: ألفًا وأربعمائة، أو أكثر. واعتمد على هذا الجمع النووي، وأما البيهقي فمال إلى الترجيح، وقال: إن رواية من قال: ألف وأربعمائة أصح، ثم ساقه من طريق أبي الزبير، ومن طريق أبي سفيان؛ كلاهما عن جابر كذلك، ومن رواية معقل بن يسار وسلمة بن الأكوع والبراء بن عازب، ومن طريق قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قلت: ومعظم هذه الطرق عند مسلم. ووقع عند ابن سعد في حديث معقل بن يسار: زهاء ألف وأربعمائة، وهو ظاهر في عدم التحديد. وأما قول عبد الله بن أبي أوفى: ألفا وثلاثمائة، فيمكن حمله على ما اطلع هو عليه واطلع غيره على زيادة ناس لم يطلع هو عليهم، والزيادة من الثقة مقبولة، أو العدد الذي ذكره جملة من ابتدأ الخروج من المدينة والزائد تلاحقوا بهم بعد ذلك، أو العدد الذي ذكره هو عدد المقاتلة والزيادة عليها من الأتباع من الخدم والنساء والصبيان الذين لم يبلغوا الحلم.
وأما قول بن إسحاق: إنهم كانوا سبعمائة فلم يوافق عليه؛ لأنه قاله استنباطًا من قول جابر: نحرنا البدنة عن عشرة، وكانوا نحروا سبعين بدنة، وهذا لا يدل على أنهم لم ينحروا غير البدن؛ مع أن بعضهم لم يكن أحرم أصلاً. وسيأتي في هذا الباب في حديث المسور ومروان: أنهم خرجوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بضع عشرة مائة، فيجمع أيضًا بأن الذين بايعوا كانوا كما تقدم، وما زاد على ذلك كانوا غائبين عنها؛ كمن توجه مع عثمان إلى مكة، على أن لفظ البضع يصدق على الخمس والأربع، فلا تخالف. وجزم موسى بن عقبة: بأنهم كانوا ألفا وستمائة، وفي حديث سلمة بن الأكوع عند ابن أبي شيبة: ألفًا وسبعمائة، وحكى ابن سعد: أنهم كانوا ألفًا وخمسمائة وخمسة وعشرين، وهذا إن ثبت تحرير بالغ، ثم وجدته موصولاً عن ابن عباس، عند ابن مردويه، وفيه ردّ على ابن دحية حيث زعم: أن سبب الاختلاف في عددهم: أن الذي ذكر عددهم لم يقصد التحديد، وإنما ذكره بالحدس والتخمين والله أعلم)).اهـ.
(7) في (ب): ((وقوله)) بلا واو.
(8) في (ب) و(ح): ((يبايعه)).(4/51)
سلمةُ: أنهم بايعوه في ذلك اليوم على الموت. وكذلك قال عبد الله بن زيد: وهذا خلاف لفظيٌّ، وأمَّا المعنى فمتَّفق عليه؛ لأن من بايع على ألا يفرَّ حتى (1) يفتح (2) الله عليه، أو يُقتل؛ فقد بايع على الموت، فكأنَّ جابرًا لم يسمع لفظ الموت، وأخذ (3) غيرُه الموتَ من المعنى، فعبَّر عنه. ويشهد لما ذكرته: أنَّه قد روي عن ابن عمر في غير (4) كتاب مسلم: أن البيعة كانت على الصبر. وكان هذا الحكم خاصًّا بأهل الحديبية، فإنه مخالف لما في كتاب الله تعالى من إباحة الفرار عند مِثْلَيْ العدد، كما قد (5) نصَّ عليه في سورة الأنفال (6) ، وعلى مقتضى بيعة الحديبية: لا فرار أصلاً، فهذا حكمٌ خاصٌّ بهم (7) ، والله أعلم؛ ولذلك قال عبدالله بن زيد : ((لا أبايع على هذا أحدًا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )). ثم إنَّ الناس اختلفوا في العدد المذكور في آيتي الأنفال (8) .
فحمله جمهور =(4/67)=@ العلماء على ظاهره من غير اعتبار بالقوة والضعف (9) ، والشجاعة والجبن. وحكى ابن حبيب عن مالك وعبد الملك: أنَّ المراد بذلك: القوة، والتكافؤ (10) ، دون لفظ العدد (11) . وقال (12) ابن حبيب: والقول الأول أكثر، فلا تفرَّ المائة من المائتين؛ وإن كانوا أشد جلدًا، وأكثر سلاحًا (13) .
قلت: وهو الظاهر من الآية.
قال عياض: ولم يختلف: أنه متى جهل منزلة بعضهم من (14) بعض في مراعاة العدد لم يجز (15) الفِرارُ. =(4/68)=@ &(4/52)&$
__________
(1) في (ح): اكنت ((فقد)) وكتب فوقها ((حتى)).
(2) قوله: ((يفتح)) سقط من (ب).
(3) في (ح): ((وأخذه)).
(4) قوله: ((غير)) سقط من (ب).
(5) قوله: ((قد)) سقط من (ب) و(ح).
(6) يعني قوله: {فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين}[الأنفال 66].
(7) قوله: ((بهم)) مطموس في (ح).
(8) يعني قوله: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفًا من الذين كفروا...} [الأنفال 65]، وقوله: {فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله...}[الأنفال 66].
(9) أشير لها بسهم وكتب: [كذا في (ح) و(ب)].
(10) في (ح): ((التكافي)).
(11) في (ب) و(ح) و(ي): ((دون تعيين العدد)).
(12) في (أ) و(ي): ((قال)) بلا واو.
(13) قوله: ((وأكثر سلاحًا)) سقط من (ب) و(ح).
(14) في (ب) و(ح) و(ي): ((على)).
(15) في (أ): ((يجوز)).(4/52)
ومن باب لا هجرة بعد الفتح
قوله: ((لا هجرة))؛ أى: لا وجوب هجرة بعد فتح مكة، وإنما سقط فرضها إذ ذاك (1) ؛ لقوة المسلمين، وظهورهم (2) على عدوهم، ولعدم فتنة أهل مكة لمن كان بها من المسلمين، بخلاف ما كان قبل الفتح؛ فإنَّ الهجرة كانت واجبةً؛ لأمور: سلامة دين المهاجر (3) من الفتنة، ونُصرة (4) النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتعلُّم الدين وإظهاره (5) . وقد تقدّم: أنه لم يختلف في وجوب الهجرة على أهل مكة من المسلمين، واختلف في وجوبها على من كان بغيرها. فقيل: هي (6) واجبة على كل من أسلم، تمسُّكًا بمطلق الأمر بالهجرة، وذم من لم يهاجر، وببيعة النبي - صلى الله عليه وسلم - على الهجرة، كما جاء في حديث مجاشع. وقيل: بل كانت مندوبًا إليها في حق غير أهل مكة. حكاه أبو عبيد. ويُستدلُّ لهذا القول: بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للأعرابيِّ الذي استشاره في الهجرة: ((إن شأنها لشديد))، ولم يأمره بها، بل أَذِنَ له في ملازمة مكانه، كما يأتي. وبدليل: أنَّه لم &(4/53)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): ((ذلك)).
(2) في (ب): ((ولظهورهم)).
(3) في (ب) و(ح) و(ي): ((المهاجرين)).
(4) في (ح): ((وقصده)).
(5) في (ي): ((النبي ? على الهجرة الدين وقد تقدم)).
(6) في (ب) و(ح) و(ي): ((كانت)).(4/53)
يأمر الوفود عليه قبل الفتح بالهجرة. وقيل: إنما كانت واجبة على من لم يسلم جميعُ أهلِ بلده؛ لئلا يبقى تحت أحكام الشرك، ويخاف الفتنة على دينه.
قلت: ولا يختلف (1) في أنه لا يحل لمسلم المقام في بلاد الكفر مع التمكن من الخروج منها؛ لجريان أحكام الكفر عليه، ولخوف الفتنة على نفسه. وهذا حكم ثابت مؤبَّد إلى يوم القيامة. وعلى هذا: فلا يجوز لمسلم دخول بلاد الكفر (2) =(4/69)=@ لتجارة (3) ، أو غيرها (4) مما لا يكون ضروريًّا في الدِّين، كالرُّسل، وكافتكاك المسلم. وقد أبطل مالك - رحمه الله تعالى - شهادة من دخل بلاد الهند للتجارة.
وقوله (5) : ((ولكن جهاد ونية))؛ أي: ولكن يبقى جهاد ونية. أو (6) جهاد ونية باقيان؛ أي: بنية (7) في الجهاد، أو في فعل الخيرات (8) . وهو (9) يدلّ على (10) استمرار (11) وجوب (12) حكم الجهاد إلى يوم القيامة، وأنه لم ينسخ، لكنه يجب على الكفاية، وإنما يتعين إذا دَهَمَ العدوُّ بلدًا من بلاد المسلمين، فيتعين (13) على كلِّ مَنْ تمكن (14) من نصرتهم، وإذا استنفرهم (15) الإمام تعيَّن على كل من استنفره (16) ؛ لنصِّ هذا الحديث على ذلك. وهو أمرٌ مُجْمَعٌ عليه.
وقوله: ((إن الهجرة قد مضت (17) لأهلها))؛ أي: ثبتت (18) (19) لمن هاجر قبل الفتح، وفازوا بها، وسقطت عن غيرهم؛ لرفع وجوبها عنهم.
وقوله: ((ولكن على الإسلام والجهاد والخير))؛ أي: ولكن بايع (20) على (21) ملازمة الإسلام، والجهاد، وفعل الخير، أبدًا دائمًا. =(4/70)=@ &(4/54)&$
__________
(1) في (ب): يشبه أن تكون ((ولا تختلف)).
(2) قوله: ((الكفر)) سقط من (ب).
(3) في (أ): ((بتجارة)).
(4) في (ب): يشبه أن تكون ((أو غيره)).
(5) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(6) قوله: ((جهاد ونية؛ أي: ولكن يبقى جهاد ونية. أو)) سقط من (ب) و(ح). قووله: ((جهاد ونية أو)) سقط من (ي)
(7) في (ح) و(ب) و(ي): ((نية)).
(8) من قوله: ((أي بنية....)) إلى هنا سقط من (أ).
(9) في (ي): ((وهذا)).
(10) في (ب): ((وهذا يدل على أن)).
(11) في (ح): ((كتب ((أن)) ثم صوبها إلى ((استمرار)).
(12) قوله: ((وجوب)) سقط من (ح) و(ب) و(ي).
(13) في (ب): ((فتعين)).
(14) في (ب): ((يمكن)).
(15) في (ب): يشبه أن تكون ((استنفرهم)).
(16) في (ب): ((استنفزه)).
(17) قوله: ((مضت)) مطموس في (ح).
(18) أشير لها وكتب: [كذا في (ح)].
(19) في (ب) و(ي): ((تثبت)).
(20) قوله: ((بايع)) سقط من (ي).
(21) قوله: ((والخير أي ولكن بايع على)).(4/54)
وقول الْحَجَّاج لسلمة بن الأكوع: ((أرتددْتَ؛ تَعَرَّبت (1) ؟)) استفهامٌ على جهة الإنكار عليه؛ أنه (2) خرج من محل هجرته؛ التي هي المدينة إلى البادية؛ التي هي موطن الأعراب، لما كان المعلوم من حال المهاجر أنه يحرم عليه الانتقال منها إلى غيرها، لا سيما إنْ رجع إلى وطنه؛ فإنّ ذلك محرم بإجماع الأمَّة، على ما حكاه القاضي عياض. وربما أطلق على ذلك رِدَّة، كما أطلقه الحجاج هنا، فأجابه سلمة: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن له في ذلك، فكان ذلك (3) خصوصًا في حقه.
و ((تَعَرَّبت (4) ))؛ أي: سكنت مع أعراب البادية. والبدو: البادية (5) . وسُمَّيت بذلك؛ لأنه (6) يبدو ما فيها ومن فيها؛ أي: يظهر. أو لأن من خرج إليها من الحاضرة بدا؛ أي: ظهر. والحاضر أصله: النازل على الماء، كما قال:
مِنْ سَبَأَ الحاضرين مَأْرِبَ (7) إذ ... يَبْنُونَ مِنْ دون سيْلِهِ العَرِمَا
وسُمِّي به أهل القرى والحصون؛ لأنهم (8) لا (9) يخلون (10) (11) عن مياهٍ يجتمعون عليها.
وسؤال الأعرابيّ عن الهجرة إنما كان عن وجوبها عليه، فأجابه النبي (12) - صلى الله عليه وسلم - =(4/71)=@ بقوله: ((إن شأنها لشديد))؛ أي: إن (13) أمرها صعبٌ، وشروطها عظيمة. ثم أخبره بعد ذلك بما يدلّ على أنها ليست واجبة عليه.
قلت: ويحتمل أن يكون ذلك خاصًّا بذلك الأعرابيِّ، لما علم من حاله، وضعفه عن المقام بالمدينة، فاشفق عليه، ورحمه: {وكان بالمؤمنين رحيمًا} (14) .
وصدقة الإبل: زكاتُها. وقوله (15) : ((هل تحلبها يوم وِرْدِهَا؟)) يعني: أنهم كانوا إذا اجتمعوا عند ورود &(4/55)&$
__________
(1) في (ب) و(ي): ((تعريب)).
(2) في (ب): ((لأنه)).
(3) قوله: ((فكان ذلك)) سقط من (ب).
(4) في (ب): ((وتعريب)).
(5) قوله: ((والبدو البادية)) سقط من (ب).
(6) في (ب) و(ح): ((لأنها)).
(7) قوله: ((مأرب)) سقط من (أ) و(ب) و(ح) و(ي)، والاستدراك من "ديوان أمية بن أبي الصلت" (ص77)؛ فالبيت له.
(8) أشير لها وكتب: [كذا في (ح)].
(9) قوله: ((لا)) سقط من (ب).
(10) في (ح): ((يحلون)).
(11) في (ب): ((يحاون)) رسمت هكذا.
(12) قوله: ((النبي)) سقط من (أ) و(ي).
(13) قوله: ((إن)) سقط من (ب).
(14) سورة الأحزاب؛ الآية: 43.
(15) في (ب): ((قوله)) بلا واو.(4/55)
المياه حَلَبُوا مواشيهم، فسقوا المحتاجين والفقراء المجتمعين على المياه. وقد تقدَّم في كتاب الزكاة.
و((البحار)) هنا يُراد بها: القُرى. وقد تقدَّم ذِكْرُ ذلك.
وقوله: ((لن يَتِرَكَ))؛ أي: ينقصك. ومعنى ذلك: أنَّه إذا قام بما يتعيّن عليه من الحقوق، وبما يفعله من الخير؛ فإن الله تعالى يثيبه على ذلك، ولا يضيع (1) شيئًا من عمله (2) أينما كان من الأرض، ولا بُعْدَ في أن يُحصِّل الله له (3) ثوابَ مهاجرٍ بِحُسْنِ نِيّته، وفعْلِهِ الخير، والله تعالى أعلم. =(4/72)=@
ومن باب بيعة النساء والمجذوم
((يُمْتَحَنَّ)): يُخْتَبَرْن. والامتحان: الاختبار. وقوله (4) : {ولا يقتلن أولادهن} (5) . قال بعض المفسرين: بالوأْد والإزلاق (6) .
قلت: واللفظ أعم مما ذكره؛ إذ يتناوله وغيره (7) .
وقوله (8) : {ولا يأتين ببهتان يفترينه (9) بين أيديهن وأرجلهن} (10) ، قيل في البهتان هنا هنا (11) : إنه السِّحْرُ. وقيل: النميمة. وقيل: الولد من غير الزوج بالالتقاط، أو الزنى، فتنسبه إلى الزوج. وقيل: النياحة، وخَمْش الوجه، وشق الجيب، والدعاء بالويل. قال الكلبي: هو عام في كل أمرٍ. قلت: وهو الصحيح؛ لعموم لفظ البهتان فإنَّه نكرة في سياق النهي. &(4/56)&$
__________
(1) وأشير له وكتب [كذا في (ح)].
(2) في (ب) و(ح): ((ذلك)) بدل: ((عمله)).
(3) قوله: ((له)) سقط من (ب) و(ح) و(ي): ((يحصل له)).
(4) في (أ): ((قوله)).
(5) سورة الممتحنة؛ الآية: 12.
(6) المراد بالإزلاق: الإجهاض؛ وعن الليث: أزلقت الفرسُ ولدها؛ إذا ألقتْ ولدها تامًّا. وعن الأصمعي: إذا ألقتْ الناقة ولدها قبل أن يستبين خلقه، وقبل الوقت، قيل: أزلقت، وأجهضت. وقول الأصمعي هذا نَصَرَه أبو منصور الأزهري. انظر "لسان العرب" (10/144) مادة: زلق.
(7) في (ب): ((غيره)) بلا واو.
(8) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(9) في (ح): ((تفترينه )).
(10) سورة الممتحنة؛ الآية: 12.
(11) وأشير له وكتب: [كذا في (ح)].(4/56)
ونسبته إلى ما بين الأيدي والأرجل كناية عما يفعل بجميع (1) الأعضاء والجوارح من البهتان وخص الأيدى والأرجل؛ لأنهما الأصل في أعمال الجوارح. =(4/73)=@
وحكى أهل التفسير: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فتح مكة جلس على الصَّفا، وبايع النساء، فتلا عليهنَّ الآية، فجاءت هند - امرأة أبي سفيان - متنكرة، فلمَّا سمعت: {ولا يسرقن} قالت: قد سرقت من مال هذا الشيخ. قال أبو سفيان: ما أصبت فهو لك. ولَمَّا سمعت: {ولا يزنين} قالت: وهل تزني الحرَّة؟ فقال عمر: لو كانت قلوب نساء العرب على قلب هند ما زنت امرأة منهنَّ. ولَمَّا سمعت: {ولا يقتلن أولادهن}، قالت: ربيناهم صغارًا فقتلتموهم كبارًا. ولَمَّا سمعت: {ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن (2) }: {ولا يعصينك (3) في معروف}، قالت: ما جلسنا هنا (4) وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء (5) . والمعروف (6) هنا: الواجبات الشرعية التي يعَصَّى من تركها.
وقوله تعالى: {فبايعهن}؛ أي: بالكلام، كما فعل. { واستغفر لهن الله (7) }؛ أي: سل الله لهن المغفرة (8) ، فإنه غفور بتمحيق (9) ما سلف. رحيم بتوفيق ما ائتُنِفَ (10) .
وما قالته عائشة - رضي الله عنها - من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما مَسَّت يده يد امرأة إلاَّ امرأة (11) يملكها، وإنّما يبايع النساء بالكلام، هو الحقّ، والصدق. وإذا كان =(4/74)=@ النبي - صلى الله عليه وسلم - يمتنع (12) من ذلك كان غيره أحرى وأولى بالامتناع منه، فيبطل قول من قال: إن عمر كان يأخذ بأيدي النساء عند هذه المبايعة (13) . وليس بصحيح لا نقلاً، ولا عقلاً. وفيه: التباعد من النساء ما أمكن، وأَن كلام المرأة فيما نحتاج إليه من غير تزيُّن، ولا تصنُّع، ولا رفع صوت: ليس بحرام، ولا مكروه.
وقول عائشة رضي الله عنها: والله ما أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النساء قط إلا بما أمره الله تعالى؛ تعني به: آية (14) المبايعة المذكورة، يتلوها عليهن، ولا يزيد شيئًا آخرمن قِبَلِهِ.
وقوله (15) - صلى الله عليه وسلم - للمجذوم: ((اذهب فقد بايعناك))، ولم يأخذ بيده عند المبايعة، &(4/57)&$
__________
(1) قوله: ((بجميع)) لم يتضح في (ي).
(2) من قوله: ((ولا يأتين ببهتان....)) إلى هنا سقط من (أ) و(ي).
(3) من قوله: ((يفترينه...)) إلى هنا سقط من (ح).
(4) قوله: ((هنا)) ليس في (ب) و(ح).
(5) أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (23/341-342) ومن طريقه ابن كثير في "تفسيره" (8/124-125) من طريق محمد بن سعد العوفي قال: ثني أبي، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس به. ضمن حديث طويل وفيه قصة. وذكر الطبري في "تاريخ الأمم" (3/303-304) بلاغًا بدون سند. وزاد السيوطي في "الدر المنثور" (8/140) نسبته إلى ابن مردويه.
وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (18872)، وابن كثير في "تفسيره" (8/125) كلاهما من قول مقاتل بن حيان بدون سند.
وأخرجه ابن منده في "معرفة الصحابة" كما في "تلخيص الحبير" (4/99-100) قال: ((وروى ابن مندة في "معرفة الصحابة" من طريق يعقوب بن محمد، عن عبدالله بن محمد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: قالت هند لأبي سفيان: إني أريد أن أبايع محمدًا....))، إلى أن قال: فقالت إنا ربيناهم صغارًا، وقتلتهم كبارًا...))، وذكر مثله. ثم قال:((وقال أبو نعيم في "المعرفة" أيضًا: تفرد به عبدالله بن محمد بهذا السياق، قال ابن حجر: قلت وهو ضعيف جدًّا. ثم قال: قال أبو حاتم: الراوي متروك الحديث، ونسبه ابن حبان إلى الوهم)).اهـ.
وقال ابن حجر في هذه الطريق أيضًا في "الإصابة" (13/165): ((وهو من رواية هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وشذّ عبدالله بن محمد بن عروة فقال: عن هشام، عن أبيه، عن هند)).اهـ.
وأخرجه ابن سعد (8/9): أخبرنا عبدالله بن جعفر الرقي، أخبرنا أبو المليح، عن ميمون بن مهران: أن نسوة أتين النبي - صلى الله عليه وسلم - ...، وفيه: قالت - أي هند -: وهل تركت لنا ولدًا إلا قتلته يوم بدر.
وأخرجه ابن سعد أيضًا (8/5)، والحازمي في "الاعتبار" (513) كلاهما عن الشعبي مرسلاً بمعناه. ورواية ابن سعد مختصرة جدًّا.
وزاد السيوطي في "الدر المنثور" - فيما تقدم - نسبته إلى سعيد بن منصور. وصحح الحافظ ابن حجر في "الإصابة (13/165) إسناد مرسل الشعبي هذا، ومرسل ميمون بن مهران المتقدم، فقال: ((...ما أخرجه ابن سعد بسند صحيح مرسل عن الشعبي، وعن ميمون بن مهران)). اهـ.
(6) في (ي): ((شيء من المعروف هنا)).
(7) لفظ الجلالة ليس في (أ).
(8) في (أ) و(ي): ((سل الله في المغفرة لهن))، وفي (ح): ((سل الله لهن المغفرة لهن)).
(9) أشير لها وكتب [كذا في (ح) و(أ)].
(10) تراجع في (ح) ل/172/أ.
(11) قوله: ((امرأة)) ليس في (ب) و(ح) و(ي).
(12) في (ب): يشبه أن تكون ((ممتنع)).
(13) أخرجه أحمد (5/85) و(6/408)، وأبو داود (1/676-677 رقم1139) في الصلاة، باب خروج النساء في العيد، والطبري في "تفسيره" (23/345-346)، وابن خزيمة (1722-1723).
جميعهم من طرق عن إسحاق بن عثمان الكلابي، عن إسماعيل بن عبدالرحمن بن عطية الأنصاري، عن جدته أم عطية، قالت: لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة جمع نساء الأنصار في بيت، ثم بعث إليهن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، قام على الباب فسلم، فرددن عليه السلام، فقال: أنا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكن،.... وقال: تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئًا...؟ قلنا: نعم، فمددنا أيدينا من داخل البيت، ومدَّ يده من خارج البيت، ثم قال: ((اللهم اشهد...)) الحديث.
وإسناده ضعيف، إسماعيل بن عبدالرحمن بن عطية، لم يرو عنه إلا إسحاق بن عثمان الكلابي، وذكره ابن حبان في الثقات، وفي "التقريب" مقبول: ((وليس له إلا هذا الحديث)).
(14) في (ب): ((أنه)).
(15) في (ب): ((قوله)) بلا واو.(4/57)
تخفيف عن المجذوم والناس؛ لئلا يشق عليه (1) الاقتحام معهم، فيتأذى هو في نفسه، ويتأذى به الناس.
وقد روى الترمذيُّ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنَّه أكل مع مجذوم فقال: ((بسم الله توكلاً على الله)) (2) . وقد جاء عنه في الصحيح أنه قال: ((فرَّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد)) (3) . وهذا الخطاب إنما هو لمن يجد في نفسه نفرة طبيعية لا يقدر على الانتزاع منها، فأمره بالفرار؛ لئلا يتشوّش (4) عليه (5) ويغلبه (6) وَهْمُهُ. وليس ذلك خوفًا =(4/75)=@ لعدوى، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ((لا يُعدي شي شيئًا)) (7) . وقال: ((لا عدوى)). وقال للأعرابيِّ: ((فمن أعدى الأول)) (8) . ويفيد هذا الحديث: إباحة مباعدة أهل الأسقام الفادحة، المستكرهة إذا لم يؤد ذلك إلى إضاعتهم، وإهمالهم، والله تعالى أعلم. &(4/58)&$
__________
(1) في (ب) و(ح) و(ي): ((عليهم)).
(2) أخرجه ابن عدي في "الكامل" (6/409 رقم1891) من طريق مفضل بن فضالة عن حبيب بن الشهيد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، به.
وأخرجه عبد بن حميد (1092)، وابن ماجه (2/1172 رقم 3542) كتاب الطب، باب الجذام، وأبو داود (4/239 رقم3925) كتاب الطب، باب في الطيرة، والترمذي (3/404-405 رقم1817) كتاب الطعمة، باب ما جاء في الأكل مع المجذوم، وفي "العلل الكبير" (563)، وأبو يعلى (1822)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/309)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (1835)، وابن حبان (6120)، والحاكم (136-137)، والبيهقي (7/219).
جميعهم من طرق عن يونس بن محمد، عن المفضل بن فضالة، عن حبيب بن الشهيد عن محمد بن المنكدر، عن جابر به مثله. وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يونس بن محمد عن المفضل بن فضالة والمفضل بن فضالة هذا شيخ بصري. والمفضل بن فضالة شيخ آخر مصري أوثق من هذا وأشهر. وقد روى شعبة هذا الحديث عن حبيب ابن الشهيد، عن ابن بريدة: أن عمر أخذ بيد مجذوم.- في "ضعفاء العقيلي": سلمان، ويرى الشيخ الألباني أنه خطأ، وإنما الصواب: ابن عمر، وبشار عواد يرى أنه عمر، وليس ابنه -.
وحديث شعبة أشبه عندي وأصح.
وقال العقيلي عقب ذكره لحديث شعبة الذي قال عنه الترمذي أنه أشبه وأصح، عقب الحديث المتقدم: هذا أصل الحديث وهذه الرواية أولى، والمفضل ليس بمشهور بالنقل، قال يحيى: ليس هو بذاك.
وقال ابن عدي: ولم أرى في حديثه أنكر من هذا الحديث الذي أمليته، وباقي حديثه مستقيم.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
والحديث ذكره الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" برقم (1144) وحكم عليه بالضعف، وأورده أيضًا في ضعيف "سنن الترمذي" (307)، وعقب في "السلسلة على الحاكم في تصحيحه لإسناد الحديث وموافقة الذهبي له، ووصفه بالبعد.
(3) قلت: ثبت في الصحيح ما يخالفه، فقد قال البخاري في "صحيحه" (5707) في الطب: باب الجذام: وقال عفان: حدثنا سليم بن حيَّان، حدثني سعيد بن ميناء قال. سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر من الأسد))، قال الحافظ في "الفتح" (10/167): عفان: هوابن مسلم الصّفار، وهومن شيوخ البخاري، لكن أكثر ما يخرج عنه بواسطة، وهو من المعلقات التي لم يصلها في موضع آخر... وقد وصله أبونعيم من طريق أبي داود الطيالسي، وأبي قتيبة مسلم بن قتيبة، كلاهما عن سليم بن حيان شيخ عفان فيه.
وأخرج أحمد (4/389و390)، ومسلم في "صحيحه" (2231)، والنسائي (7/150)، وابن ماجه (3544) من طريق عمرو بن الشريد، عن أبيه قال: قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل مجذوم من ثقيف ليبايعه، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذكرت ذلك له، فقال: ((ائته فأخبره أني قد بايعته فليرجع)). لفظ أحمد. وفي "الموطأ" (1/424) عن عبدالله بن أبي بكربن حزم، عن ابن أبي مليكة: أن عمر بن الخطاب مر بامرأة مجذومة وهي تطوف بالبيت فقال لها: يا أمة الله ! لا تؤذي الناس، لوجلست في بيتك، فجلست. وأخرج أحمد (1/233)، وابن ماجة (3543)، والطيالسي (2601) من حديث ابن عباس رفعه: ((لا تديموا النظر إلى المجذومين)). وسنده حسن.
(4) في (ب): ((يشوش)).
(5) قوله: ((عليه)) سقط من (أ).
(6) في (ب): ((ويغلبه)).
(7) أخرجه الحميدي (1117) عن سفيان، عن عمارة بن القعقاع، وأخرجه أحمد (2/327)، والطحاوي (4/308) من طريق عبدالله بن شبرمة.
كلاهما - عمار بن القعقاع، وعبدالله بن شبرمة، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة، مرفوعًا.
ورواه عمارة بن القعقاع من وجهٍ آخر، فأخرجه أحمد ( ؟؟؟/440)، والترمذي (4/392 رقم2143) في القدر، باب ما جاء: لا عدوى ولا هامة ولا صفر، والطحاوي (4/308). جميعهم من طريق سفيان، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، قال: حدثنا صاحب لنا... فذكره.
قال الشيخ الألباني في "الصحيحة" (1152)- بعد أن صحح كلا الإسنادين -: ((ولعل هذا الرجل الذي لم يسمّ من أصحابه، هو أبو هريرة، كما في الرواية الأولى، وعليه، فأبو زرعة يروي الحديث عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تارة بدون واسطة، وأخرى عنه، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، ولأبي هريرة حديث آخر، بلفظ: لا عدوى)).اهـ.
(8) سيأتي في الرقي والطب، باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول. برقم (35-36).(4/58)
ومن باب وفاء الإمام بما عقده (1) غيره
قول حذيفة: ((خرجت أنا وأبى: حُسَبْل (2) ))؛ روي بالتصغير، والتكبير؛ أعني (3) : حِسْلاً (4) ، وهو اسم لوالد (5) حذيفة. واليمان لقب له، غالبٌ عليه. وقيل: هو اسمٌ لأحد أجداد حذيفة (6) (7) ، وهو: حذيفةُ بن حسل بن عامر بن ربيعة بن عمرو بن جِرْوَة (8) . وهو (9) اليمان. وكان جروةُ هذا قد أصاب دمًا في قومه (10) ، فهرب إلى المدينة، فحالف بني عبد الأشهل، فسمَّاه قومه اليماني؛ لأنه حَالَفَ (11) اليمانية. =(4/76)=@ &(4/59)&$
__________
(1) في (ي): ((عقد)).
(2) في (ي) و(ب) و(أ) و(ح): ((حسيل)).
(3) في (ب) و(ح): ((أي)).
(4) تراجع في (ح) ل/172/ب. وفي (ي): ((حسيلاً)).
(5) في (ب): يشبه أن تكون ((لوالده)).
(6) قوله: ((غالب عليه وقيل هو اسم لأحد أجداد حذيفة)) مطموس في (ح).
(7) في (ب): ((أجداده)) بدل ((أجداد حذيفة)).
(8) في (ب): ((جعفر))، وبعد حرف الراء، يشبه أن تكون راءٌ أخرى، لكنها غير واضحة في (أ). وفي (ح): ((جعفروه))، وكلاهما تحريف، والصواب: ((جِرْوَة))، وانظر جرَّ نَسَبه في "الاستيعاب" (2/318/المطبوع بذيل الإصابة)، و"تهذيب الكمال" (5/495-496).
(9) في (ب) و(ح) و(ي): ((ابن)).
(10) في (ب): ((ثوبه)).
(11) في (ب) و(ح) و(ي): ((خالف)).(4/59)
وقوله (1) : ((انصرفا (2) ، نَفِي لهم بعهدهم))؛ هكذا وقع ها هنا ((نفي)) بنونٍ في أول الفعل. وعلى هذا: فيكون هو - صلى الله عليه وسلم - الذي وفَّى بما عهده حذيفة وأبوه للمشركين. وقد وقع في "الجمع بين الصحيحين " للحميدى (3) : ((تفيا (4) )) بتاء (5) باثنتين من فوقها، وألف الاثنين (6) بعد الياء المفتوحة؛ وعليه فيكون هما اللذان وفّيا بما عقداه، إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمْضَاهُ.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - بعد خطبته لضماد: ((أما بعد))، ولم يذكر جوابَ أمَّا؛ سكت عنه؛ لأن ضمادًا قطع عليه ما أراد أن يقول (7) حين قال له: ((أعد عليّ كلماتك هذه)) فاشتغل بإعادته عن الجواب. ثمّ إنّ ضمادًا لَمّا (8) كان عالِمًا بأصناف الكلام البليغ، ووجد عنده ما حصل له من (9) العلم بذلك (10) ، قطع بأن (11) لا يصدر مثل ذلك إلا =(5/77)=@ من (12) نبيٍّ، وأنه مُحِقٌّ في قوله، فأسْلَم، وحَسُنَ إسلامه، وضمن عن قومه الإسلام، حتى قدم عليهم فاسْلَمُوا، فلم يحتج النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد خطبته (13) لإنشاء كلام يكون جوابًا((لأمَّا)).
و((قاموس (14) البحر)): قَعْرَهُ. وقد مضى تفسيره وتفسير ما شابه هذه الصيغة (15) . وهذا القول من ضمادٍ يُحتمل أن يُحمل (16) على الاغياء (17) ؛ يعني: أنَّه لو كان في قعر البحر أحدٌ لبلغت ووصلت إليه، ويكون الماضي بمعنى المستقبل. ويحتمل أن يتجوّز بالبحر ويعبِّر به (18) عن قلبه؛ لأنه كثير المعارف والفضائل، ولسعته (19) لكل ذلك. &(4/60)&$
__________
(1) في (ح) و(ي): ((قوله)) بلا واو.
(2) في (ي): ((فانصرفا)).
(3) في (ح): ((قنا)).
(4) قوله: ((للحميدي)) سقط من (ي).
(5) قوله: ((بتاء)) سقط من (ب) و(ح). وفي (ي): مكانها بياض.
(6) في (ح): ((والألف للاثنين)). وفي (ب): ((والألف للأثنتين)). وفي (ي): ((والألف الأثنين)).
(7) في (ب) و(ح): ((يقوله)).
(8) قوله: ((لما)) سقط من (أ).
(9) في (أ): ((به)).
(10) قوله: ((بذلك)) سقط من (أ).
(11) في (أ): ((قطعًا أنه)). وفي (ي): ((قطع بأنه)).
(12) في (ب) و(ح): ((عن)).
(13) قوله: ((بعد خطبته)) سقط من (أ).
(14) في (أ): ((وقاموص)) بالصاد.
(15) في (ب) و(ح): ((الصفة)).
(16) في (ب) و(ح): ((يكون)).
(17) في (ب): ((الأعباء)).
(18) في (ب) و(ح) و(ي): ((عنه)).
(19) في (ب): ((ولبيعته)).(4/60)
فكأنَّه قال: بلغت كلماتك قعر قلبي. وتكون (1) هذه الاستعارة، كما قال - صلى الله عليه وسلم - في الفرس: ((وإن وجدناه لبحرًا)) (2) . =(4/78)=@
ومن باب جواز أمان المرأة
قول (3) أمِّ هانئ: ((زعم ابن أمي علي))، ولم تقل: ابن أبي، مع أنه شقيقها؛ لما يقتضيه رحم الأمِّ من الشفقة، والحنان (4) ، والتعطّف؛ كما قال الشاعر :
يا ابن أُمِّي وَيَا شُقَيَّق نَفْسِي (5) ... أَنْتَ خَلَّيْتَنِي لِدَهْرٍ شَدِيد (6)
فكأنها قالت: عليٌّ - مع شفقته ورحمته - أراد أن يخفر ذمّتي، فيقتل فلانًا الكافر؛ الذي أجرتُه. وقوله (7) - صلى الله عليه وسلم - : ((قد أجرنا من أجرت))؛ دليل: على جواز أمان المرأة، على ما ذهب إليه مالك وغيره. وقد تقدَّم. وقد (8) وقع (9) الاستدلال بهذا الحديث على (10) منع أمان المرأة إلا بإذن الإمام؛ بأن قال (11) : لو (12) لم يُجز النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أمانها لَمَا جاز. ولا يُسمع (13) هذا؛ لأن موضع احتجاجنا به إنَّما هو قوله: ((مَنْ أَجَرْتِ))، فسمَّى جوارها جوارًا حقيقيًّا. وهذا يقتضي نفوذه منفردًا أو (14) مضمومًا إليه غيره. ثم قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((قد أجرنا)) ليس هو إنشاء جوارٍ، وإنّما (15) هو موافقةٌ لها على ما أجارت (16) ، وعملٌ بمقتضى ما عَقَدتْ، والله تعالى أعلم (17) . =(4/79)=@ &(4/61)&$
__________
(1) في (ب): ((ويكون)).
(2) سيأتي تخريجه في كتاب النبوات، باب شجاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - . وإمداده بالملائكة برقم (2219).
(3) قوله: ((قول)) سقط من (ي).
(4) في (ي): ((والأمان)).
(5) هكذا في (ح) و(ي) ولكنه كتب في الهامش: ((ويا شقيقا لنفسي)).
(6) هذا البيت نسبه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (13/129/تحقيق أحمد ومحمود شاكر) إلى أبي زُبَيْد الطائي، وكذا نَسَبَهُ إليه ابن منظور في "لسان العرب" (10/182)، ونسبه إليه غيرهما. وانظر تعليق محمود شاكر - رحمه الله - على هذا البيت في تحقيقه تفسير ابن جرير (13/129-130) حاشية رقم (4).
(7) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(8) قوله: ((وقد)) سقط من (ب).
(9) في (ب) و(ي) و(أ) و(ح): ((دفع)).
(10) في (ح) و(ي) و(ب) و(أ): ((من)) بد ل ((على)).
(11) في (ب): ((قوله)). وفي (ح) و(ب) و(ي): ((قالوا)).
(12) قوله: ((لو)) سقط من (ب).
(13) في (ب): ((تسمع)).
(14) في (ب) و(ح) و(ي): ((و)) بدل ((أو)).
(15) في (ب) و(ح): ((إنما)) بلا واو.
(16) في (ح): ((أجازت)).
(17) في (أ) زيادة بعد هذا: ((كمل كتاب الإمارة من الكتاب المفهم للمشكل الواقع في كتاب مختصر مسلم)).(4/61)
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا محمد (1)
كتاب النكاح
حقيقة النكاح: الوطءُ، وأصله: الإيلاج؛ وهو الإدخال. وقد اشتهر إطلاقه على العقد؛ كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} (2) ؛ أي: إذا عقدتم عليهن. وقد يُطلق النكاح ويُراد به العقد (3) والوطء؛ كما قال تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} (4) ؛ أي: لا تعقدوا عليهن حتى يؤمن (5) ، ولا تطؤوهن.
وقوله (6) : ((ألا نزوجك جاريةً شابةً؟)) ((ألا)): عرض وتحضيض (7) . و((الجارية)) هنا (8) : =(4/80)=@ المعصر (9) وما قارب ذلك. والبِكْرُ: الذي لم يتزوج من الرِّجال والنِّساء؛ يقال: رجلٌ بِكْرٌ، وامرأةٌ بِكْرٌ - بكسر الباء (10) - والبكر أيضًا: أوّلُ الأولاد - بالكسر -؛ كما قال الشاعر:
يا بِكْرَ بِكْرَيْنِ (11) ويَاخِلْبَ (12) الكَبِدِ ... أصبحتَ مِنِّي كذِراعٍ مِنْ عَضُد (13)
&(4/62)&$
__________
(1) البسملة والصلاة ليستا في (ب) و(ح).
(2) سورة الأحزاب؛ الآية: 49.
(3) قوله: ((العقد)) سقط من (ب).
(4) سورة البقرة؛ الآية: 221.
(5) قوله: ((حتى يؤمن)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(6) في (أ): ((قوله)).
(7) في (ب): ((عرضًا وتحضيضًا))، وفي (ح): ((عرضًا)) ثم صوبها في محلها: ((عرض))، وكتب بعدها: ((وتخصيص)).
(8) قوله: ((هنا)) سقط من (أ).
(9) في (أ): ((المعسر))، وفي (ب): ((التصغير))، وفي (ح) تشبه أن تكون: ((النغير)) أو نحوها. والصواب: ((الْمُعْصِر)) بميم، ثم صاد مهملة؛ وهي التي دنتْ من الحيض. وفي (ي): يشبه أن تكون ((المعصير)) ويقال: هي التي أدركت. انظر "لسان العرب" (4/576-577). مادة (عصير) و"غريب الحديث" لابن قتيبة (2/360).
(10) في (ب): ((الباء والكسر))، وقوله: ((الكسر)) مقحمة.
(11) في (ب): ((بكربن)).
(12) في (ح): تشبه أن تكون ((حليه)).
(13) القائل هو: الكميت. انظر "اتفاق المباني وافتراق المعاني" (1/235).(4/62)
وفي مقابلة البكر: الأيِّم، وسيأتي ذِكْرُها إن شاء الله تعالى.
وقوله: ((لعلها تذكرك بعض مامضى من زمانك))؛ أي: زمان نشاطك وغُلْمتك. وقد (1) قال في الرواية الأخرى: ((لعلها (2) ترجع (3) إليك ما كنت تعهد من نفسك))، وكان عبدالله قد قلَّت رغبته في النساء؛ إما للاشتغال بالعبادة، وإمّا للسِّنِّ (4) ، أو لمجموعهما، فحرّكه (5) عثمان لذلك (6) .
و((الباءة))- بفتح الباء، والمد -: النِّكَاح (7) . وأصله: الْمَنْزِل؛ يقال: باءةٌ، ومباءة، ومبوَّأ. ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في المدينة حين أطلَّ عليها: ((هذه المبوَّأ))؛ أي: المنزل (8) . ثم قيل للتزويج: باءة؛ لأن من تزوَّج امرأة بوَّأها منزلاً. قال الأصمعي: وفيه لغتان: باهٌ، وباءٌ. قال (9) : هو الغشيان. وإن شئتَ (10) جمعتَ بالتاء، فقلتَ: باءات (11) . قال غيره: فيه أربعُ لغاتٍ، وزاد: باهة، فابدل من (12) الهمزة هاءً، وباه (13) - بالقصر والهاء -.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((من استطاع))؛ أي: مَنْ وَجَدَ ما به (14) يتزوج. و((من لم يستطع))؛ =(4/81)=@ أي: من لم يجد ذلك. ولا يُراد به هنا: القدرة على الوطءِ؛ لقوله: ((فعليه بالصوم، فإنه (15) له وِجَاء)).
وقوله: ((فليتزوج)) أمرٌ، وظاهره: الوجوب. وبه قال داود ومَنْ تابعه. والواجب عندهم العَقْدُ لا الدخول، فإنه إنما يجب عندهم مرة في العمر. والجمهور: على أن التزويج مندوب إليه، مُرَغَّبٌ فيه على الجملة. وقد اعتبره بعض علمائنا بالنظر إلى أحوال النَّاس، وقسَّمه بأقسام الأحكام الخمسة. وذلك واضحٌ. وصرف الجمهورُ ذلك الأمرَ عن ظاهره لشيئين:
أحدهما: أن الله تعالى قد خيَّر بين التزويج والتَّسَرِّي بقوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع (16) } (17) ، ثم قال: {أو ما ملكت أيمانكم} (18) ، والتَّسرِّي ليس بواجب إجماعًا، فالنكاح لا يكون &(4/63)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): ((فقد)).
(2) قوله: ((لعلها)) سقط من (أ).
(3) في (أ): ((يرجع)).
(4) في (ب) و(ح) و(ي): ((السن)).
(5) في (ي): ((يحركه)).
(6) في (ب) و(ح) و(ي): ((بذلك)).
(7) في (ي): ((للنكاح)).
(8) ومنه قوله تعالى:{ ولقد بوأنا بنى إسرائيل مبوأ صدق} الآية [93 سورة يونس]. [شطب هذا الهامش من المكتب وأشير له وكتب: ليس في الأصل].
(9) في (ي) و(أ) و(ب) و(ح): (وقال)).
(10) قوله: ((شئت)) سقط من (ب).
(11) في (ح): ((باءت)). وفي (أ): ((ياآت)).
(12) قوله: ((من)) سقط من (ب) و(ح).
(13) في (ب) و(ح) و(ي): ((وباهًا)).
(14) قوله: ((به)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(15) في (ب): ((فإن)).
(16) قوله: ((وثلاث ورباع)) سقط من (أ). وقوله: ((ورباع)) سقط من (ي)
(17) سورة النساء؛ الآية: 3.
(18) سورة النساء؛ الآية: 3.(4/63)
واجبًا؛ لأن التخيير بين الواجب (1) وبين ما ليس بواجب يرفع وجوب الواجب. وبَسْطُ هذا في الأصول.
وثانيهما: قوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون إلاَّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} (2) ، ولا يقال في الواجب: إن فاعله (3) غير ملوم. ثم هذا الحديث لا حجَّة لهم فيه لوجهين:
أحدهما: إنَّا نقول (4) بموجبه في حق الشابّ المستطيع الذي يَخافُ الضررَ على نفسه ودينه من العُزْبة، بحيث لا يرتفع عنه إلاَّ بالتزويج، وهذا لا يُختلف في وجوب التزويج عليه.
والثاني: أنهم قالوا: إنّما يجب العقد لا الوطء. وظاهرُ الحديث: إنّما هو الوطء، فإنّه لا يحصل شيءٌ من الفوائد التي أرشد إليها في ذلك الحديث؛ من =(4/82)=@ تحصين الفرج، وغَضِّ البصر (5) بالعقد. بل: إنّما يحصل كلُّ (6) ذلك بالوطء، وهو الذي يحصل دفع الشَّبق إليه بالصوم. فما (7) ذهبوا إليه لم يتناوله الحديث. وما تناوله الحديثُ لم يذهبوا إليه. وذلك دليل على سوء فهمهم، وقلّة فطنتهم.
ولا حُجَّة لهم في قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء...} (8) الآية (9) ؛ فإنَّه (10) أمرٌ (11) قُصِدَ به بيانُ ما يجوز الجمع بينه من أعداد النساء، لا أنَّه قصد به (12) بيان حكم أصل القاعدة.
ولا حجَّة لهم في قوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم} (13) ؛ فإنَّه أمرٌ للأولياء بالإنكاح، لا للأزواج بالنِّكاح.
وأ غض: أسدُّ (14) . وأحصن: أمنع.
وقوله: ((فعليه بالصوم))؛ قال الإمام أبو عبدالله: فيه إغراءٌ بالغائب، ومن أصول (15) النحويين ألا يُغري بغائبٍ (16) ، وقد (17) جاء شاذًّا (18) قولُ بعضهم (19) : عليه رجلاً &(4/64)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): ((واجب)).
(2) سورة المؤمنون؛ الآيتان: 5-6.
(3) قوله: ((غير)) سقط من (ب) و(ح): ((إنه غير ملوم)).
(4) في (ب): ((أن تقول))، وفي (ح) و(ي): ((أن نقول)).
(5) في (ب): ((وغض وغظن)).
(6) قوله: ((كل)) سقط من (ب).
(7) في (ب): ((مما)) بدل ((فما)).
(8) سورة النساء؛ الآية: 3.
(9) قوله: ((الآية)) سقط من (أ).
(10) في (ب) و(ح): ((لأنه)).
(11) في (ب): ((زمن)).
(12) قوله: ((به)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(13) سورة النور؛ الآية: 32.
(14) في (ب) و(ح) و(ي): ((أشد)).
(15) في (ب) و(ح): ((أحوال)). وهي مشوشة ببعض الطمس في (ح).
(16) في (ي): ((يغرا بالغائب)) وفي (ب): ((يغرا بغائب)).
(17) قوله: ((ألا يرغي بغائب وقد)) مطموس في (ح).
(18) في (ي): ((شواذًا)).
(19) قوله: ((قول بعضهم)) سقط من (ب) و(ح). [شطب كلمة بعضهم والهامش وبقي حاشيتها ولم تشطب من الحواشي].(4/64)
ليسني (1) ؛ على جهة الإغراء (2) . قال القاضي: أبو الفضل عياض: هذا الكلام موجود (3) لأبي محمد بن قتيبة والزَّجَّاجي وبعضهم، ولكن على قائله أغاليط ثلاثة:
أولها: قوله: لا يجوز الإغراء بالغائب، وصوابه: لا يجوز إغراء الغائب (4) ، أو لا يُغْرَى غائبٌ. فأمَّا الإغراء بالشاهد والغائب فجائزٌ. وهكذا نصَّ أبو عبيد في هذا الحديث، وكذلك كلام سيبويه ومَنْ بعده من أئمة هذا الشأن قالوا: وإنَّما يؤمر بمثل هذا الحاضر، والمخَاطَب، ولا يجوز: دونه زيدًا، ولا: عليه زيدًا - وأنت تريد غير المخاطب -؛ لأنه (5) ليس بفعل له (6) ، ولا تصرّف (7) تصرّفه. وإنما جاز =(4/83)=@ للحاضر؛ لما فيه من معنى الفعل، ودلالة الحال. فأمَّا الغائب فلا يوجد ذلك فيه (8) ؛ لعدم حضوره، وعدم معرفته بالحالة الدالة على المراد.
وثانيها: عدُّ قولهم: عليه رجلاً ليسني (9) من إغراء الغائب. وقد جعله سيبويه والسّيرافي منه. ورأوه (10) شاذًّا. قال القاضي: والذي عندي: أنه ليس المراد بها حقيقة الإغراء (11) ، وإن كانت صورته، فلم يُرِدْ هذا القائلُ تبليغ هذا الغائب (12) ، ولا أمره بإلزام غيره (13) ، وإنما أراد الإخبار عن (14) نفسه لقلة (15) مبالاته بالغائب، وأنَّه غير متأتٍّ له منه ما يريد، فجاء بهذه الصورة تَدَلُّ (16) على ذلك. ونحوه قولهم (17) : إليك عنّي؛ أى (18) : اجعل شغلك بنفسك عنِّي، ولم يُرِدْ أن يغريه (19) به، وإنّما مرادُه: دَعْني، وكن كمن شُغِلَ عَنِّي.
وثالثها: عدُّهم (20) هذه اللفظة (21) في الحديث (22) ؛ من إغراء النائب (23) .
قال القاضي: والصَّواب: أنه ليس في هذا الحديث إغراء الغائب جملة. والكلام كلُّه والخطابُ للحضور، الذين خاطبهم - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((من استطاع منكم الباءة))، فالهاء (24) هنا ليست للغائب، وإنّما هي لمن خصَّ (25) من الحاضرين لعدم (26) الاستطاعة؛ إذ لا يصح خطابُه بكاف الخطاب (27) ؛ لأنه لم يتعيّن منهم، ولإبهامه بلفظة ((من)) وإن كان حاضرًا. وهذا النحو كثيرٌ في القران؛ كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا &(4/65)&$
__________
(1) قوله: ((ليسني)) سقط من (ب) و(ح).
(2) في (ي): ((الإعزاء)).
(3) قوله: ((موجود)) سقط من (ب) و(ح).
(4) عقل الناسخ في هامش (ح): بقوله: ((الجواب عن هذا الاعتراض أن الباء في قوله: بالغائب ليست كالباء في قوله... زيدًا... بل هي [يراجع باقي الكلام ل174أ].
(5) في (أ): ((أنه)).
(6) قوله: ((له)) سقط من (أ).
(7) قوله: ((تصرف)) سقط من (ب).
(8) قوله: ((فيه)) سقط من (ب).
(9) في (ب) و(ح): ((ليس)).
(10) في (ب): ((ورواه)).
(11) علق الناسخ في هامش (ح) بقوله: ((الجواب عن هذا أن اللفظ موضوع للإغراء وأنه يجوز... المعنى الذي قاله ومثله الحديث أتشهد على هذا غيري فإن وضعه للأمر فالإشهاد ثم إن المراد هنا أنه عليه السلام لا يشهد على ذلك لأنه جور فإذا قبل أن... هنا... [يراجع باقي الكلام ل174أ].
(12) أشير له وكتب [كذا في (ح) و(أ)]. وفي (ي): ((الإعزاء)).
(13) قوله: ((غيره)) مطموس في (ي).
(14) قوله: ((عن)) مطموس في (ي).
(15) في (ب) و(ح): ((بعدم)).
(16) في (ح): ((يدل)).
(17) في (ب): ((قوله)).
(18) قوله: ((أي)) سقط من (ي).
(19) في (ب): ((تغريه)).
(20) في (ب): ((عدم)).
(21) في (ب): ((اللقطة)).
(22) في (ي): ((في هذا الحديث)).
(23) في (ب) و(ي) و(م) و(ح): ((الغائب)).
(24) في (ب): ((والهاء)).
(25) في (ب): ((خص به)).
(26) أشير له وكتب: كذا في (ح) و(م).
(27) علق الناسخ في هامش (ح) بقوله هذا الاعتراض الثابت لم يستأثر به بل ذكره بعض النحويين منه ابن الصائغ في سرج الجمل وهو عندي بعد ذلك فاسد؛ لأن النحويين لم يمنعوا إغراء الغائب لكونه غائبًا بل لأن فعل الأمر الموجه للغائب لابد من التصريح معه بلام الأمر تقول هم للمخاطب فإذا أردت للغائب قلت:... فلو قلت: عليه بهذا يكون أصله . [ويراجع باقي الكلام في هامش (ح) ل174/أ].(4/65)
كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر (1) } إلى قوله: {فمن عفي له من أخيه شيءٌ} (2) ، وكقوله: {كتب عليكم الصيام} إلى قوله: {فمن تطوع خيرًا فهو خيرٌ له} (3) ، وكقوله: {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحًا نؤتها أجرها مرتين (4) } (5) ، فهذه الهاءاتُ كلّها ضمائرُ للحاضر لا للغائب، ومثله: لو قلتَ =(4/84)=@ لرجلين: من قام الآن منكما فله درهم (6) . فهذه الهاء لمن قام من الحاضرين.
قلت: اختصرتُ كلام القاضي في هذا الفصل من غير تبديل، ولا زيادة، وهو (7) حسن جيّدٌ، فلذلك نقلته بلفظه.
وقوله: ((فإنه له وِجَاء)) - بكسر الواو، والمد - وهو: غض (8) الأنثيين، أو رضهما (9) بحجر ونحوه. وأصله: الغمز، والطّعن. ومنه (10) : وَجَأَ في عُنُقِه، وَوَجَأَ بَطْنَهُ بالخنجر. وقال بعضهم: الوَجْءُ (11) : أن توجأ العروق والخصيتان باقيتان بحالهما (12) . والخصاء: شق (13) الخصيتين، واستئصالهما. والْجَبُّ: أن تحمى الشفرة، ثم تستأصل بها (14) الخصيتان. وقد قاله بعضهم: ((وجأ)) بفتح الواو، والقصر (15) . وليس بشيء؛ لأن ذلك هو: الحفا في ذوات الْخُفِّ (16) .
قال الخطابي: وفيه دليل: على جواز المعاناة لقطع الباءه بالأدوية. وعلى أن مقصود النكاح: الوطء. وعلى وجوب الخيار في العنّة (17) .
و((النَّفَر)) (18) : الجماعة من الناس، وأقلهم ثلاثة وهم كذلك =(4/85)=@ هنا. وقد ذكر البخاري حديث أنس هذا على سياق أحسن من هذا، وأتم، فقال: جاء ثلاثة رهطٍ (19) إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادته، فلمّا أخبروا كانهم تقالُّوها. فقالوا: وأين (20) نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. فقال (21) أحدهم: أمَّا أنا فإني (22) أصلي الليل أبدًا، وقال الآخر: أمَّا أنا فأصوم الدَّهْرَ &(4/66)&$
__________
(1) قوله: ((الحر بالحر)) سقط من (أ) و(ي).
(2) سورة البقرة؛ الآية: 178.
(3) سورة البقرة؛ الآية: 183-184.
(4) قوله: ((أجرها مرتين)) سقط من (أ).
(5) سورة الأحزاب؛ الآية: 31.
(6) من قوله: ((فهذه الهاءات....)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(7) في (ح): ((وهي)).
(8) في (ح): ((عض)).
(9) في (ح): ((رضها)). و(أ) و(ي) و(ب).
(10) قوله: ((ومنه)) مطموس في (ح).
(11) في (أ) و(ب) و(ي): ((الوجاء)).
(12) في (ب): ((على حالهما)).
(13) قوله: ((والخصاء شق)) رسمت في (ب) هكذا: ((والخاسو)).
(14) في (ب): ((بهما)).
(15) في (ب): ((ولا قصر)).
(16) قوله: ((الخف)) سقط من (ب).
(17) في (ي): ((الغنة)).
(18) في (أ) و(ب): ((النفر)).
(19) في (ي): ((نفر)).
(20) في (ب) و(ح) و(ي): ((أين)) بلا واو.
(21) في (ب) و(ح): ((قال)).
(22) قوله: ((فإني)) سقط من (ب)، وفي (ح) و(ي): ((فأصلي)).(4/66)
ولا أفطر. وقال الآخر: وأنا أعتزلُ النساء، فلا أتزوّج أبدًا. فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أنتم (1) القائلون كذا وكذا (2) ؟ أَمَا والله إني لأخشاكم (3) لله، وأتقاكم له، لكنِّي (4) أصوم وأُفطر، وأصلي وأرقد (5) ، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سُنَّتِي فليس مني)).
قلت: فهؤلاء القوم حَصَلَ عندهم أنَّ الانقطاعَ عن ملاذِّ الدُّنيا من النساء والطَّيِّب من الطَّعام والنوم، والتَّفرغ لاستغراق الأزمان (6) بالعبادات أولى، فلما سألوا عن عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعبادته (7) ، ولم (8) يدركوا من عبادته ما وقع لهم: أبْدَوْا (9) فارقًا بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - : بأنَّه مغفورٌ له. ثمَّ أخبر كلّ واحد منهم بما عَزَمَ على فعله، فلما بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - أجابهم (10) ببيان المعنى (11) الفارق بقوله: ((إني أخشاكم لله))؛ وتَقْرِيرُ (12) ذلك: إني وإن كنت مغفورًا لي فخشية الله وخوفه يحملني (13) على الاجتهاد وملازمة العبادة، ولكن (14) طريق العبادة (15) ما أنا عليه، فمن رغب عنه وتركه (16) ؛ فليس على طريقي في العبادة.
قلت: ويوضح هذا المعنى ويُبيِّنَه (17) : أنَّ عبادة (18) الله تعالى إنَّما هي امتثالُ أوامره الواجبة والمندوبة، واجتناب نواهيه المحظورة (19) والمكروهة، وما من زمان من الأزمان إلا وتتوجَّهُ (20) على المكلَّف فيه أوامر أو نواهٍ، فمن قام بوظيفة كل وقت فقد أدَّى العبادة، وقام بها. فإذا قام بالليل مصلِّيًا: فقد قام بوظيفة ذلك الوقت. فإذا احتاج إلى النوم لدفْع ألم السّهر، ولتقوية النفس على العبادة، ولإزالة تشويش (21) =(4/86)=@ مدافعة النوم المشوِّش (22) للقراءة، أو لإعطاء الزوجة حقَّها من المضاجعة: كان نومُه ذلك عبادةً (23) كصلاتِه، وقد بيّن هذا المعنى سلمان الفارسي لأبي الدرداء بقوله (24) : لكنِّي أقوم وأنام (25) ، وأحتسب في نومتي ما أحتسبه في قَوْمتي. وكذلك القول في الصيام. &(4/67)&$
__________
(1) في (أ): ((ءأنتم)).
(2) قوله: ((وكذا)) سقطت من (ب) و(ح) و(ي).
(3) في (ب) و(ح): ((أخشاكم)).
(4) في (ي): ((ولكني)).
(5) في (ب) رسمت هكذا: ((وان قد)).
(6) في (ي): ((الزمان)).
(7) في (ي): ((وعادته)).
(8) في (ب) و(ح) و(ي): ((لم)) بلا واو.
(9) في (ب): ((أبداوا)).
(10) قوله: ((أجابهم)) سقط من (ب).
(11) في (ح): ((ألغا)). في (ي) و(ب): ((بأن ألغا)).
(12) في (ب): ((وتقدير)).
(13) في (أ) و(ح) و(ي) ,(ب): ((تحملني)). [وأشير له وكتب: في الأصل تحملني].
(14) في (أ): ((لكن)).
(15) قوله: ((لكن طريق العبادة)) سقط من (ي).
(16) قوله: ((وتركه)) سقط من (ي).
(17) في (ب): ((وبينه)).
(18) في (ب): ((عباد)).
(19) قوله: ((المحظورة)) مطموس في (ح).
(20) في (ب) و(ي): ((ويتوجه))، وفي (ح): ((فيتوجه)).
(21) في (ب): ((تشوش)).
(22) في (ب) و(ح): ((المشوشة)).
(23) في (ي): ((كان ذلك نومه كله عبادة)).
(24) في (ي): ((بقوله له)).
(25) قوله: ((وأنام)) ليس في (ب).(4/67)
وأمَّا التزويج فيجري فيه مثل ذلك وزيادة نيَّة تحصين الفرج، والعين، وسلامة الدين، وتكثير نسل المسلمين. وبهذه القصود الصحيحة تتحقق فيه (1) العبادات العظيمة.
ولذلك (2) اختلف العلماء في: أيَّ الأمرين أفضل؟ التزويج أم التفرُّغ منه للعبادة؟ كما هو معروف في مسائل الخلاف. وعلى الجملة: فما من شيء من المباحات (3) المستلذات وغيرها، إلا ويُمكن لمن شرح الله صدره أن يصرفه إلى باب العبادات والطاعات بإخطار (4) معانيها بباله، وقصد نية (5) التقرّب بها، كما قد (6) نصَّ عليه المشايخ في كتبهم، كالحارث المحاسبي وغيره. ومَنْ فَهِمَ هذا المعنى وحصَّلَهُ تحقَّق: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد حَلَّ من العبادات أعلاها؛ لانشراح صدره، وحضور قصده، ولعلمه بحدود الله تعالى، وبما يُقرّب منه، فلما (7) لم ينكشف هذا المعنى للنّفر السائلين عن عبادته استقلُّوها (8) بناءً منهم على أن العبادة إنما هي استفراغ الوسع في الصلاة (9) ، والصوم، والانقطاع عن الملاذّ. وهيهات بينهما ما بين الثريَّا والثَّرى، وسُهيل والسُّها. وعند الوقوف على ما أوضحناه من هذا الحديث: يتحقق أنَّ فيه ردًّا على غلاة المتزهدين، وعلى أهل البطالة من المتصوفين؛ إذ كُلُّ فريقٍ منهم قد عَدَلَ عن طريقه، وحاد عن تحقيقه.
وقوله (10) : ((وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراشٍ))، قال البخاري بدل (11) هذا الكلام: أما أنا فأصوم ولا أفطر. وهذا المساق أحسن؛ =(4/87)=@ لأنه ? أجابهم في الروايتين بقوله: ((لكني أصوم وأفطر))، ولم يرو فيه مسلم جوابًا عن الأكل والنَّوم على الفراش (12) بأكثر من قوله: ((لكنِّي أصوم وأفطر))، فبقي أكل اللحم، والنوم على الفراش بغير جواب، فكان مساق البخاري أولى، والله تعالى أعلم.
وقوله: ((ردَّ على عثمان التَّبَتُّل))، وهو هنا: الانقطاع عن النساء. وأصله: &(4/68)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): ((نية)). وأشير له وكتب [تراجع].
(2) في (ب): ((وكذلك)).
(3) في (ب) و(ح): ((فما من شيء العبادات)). وفي (ي): ((شيء من العبادات)) وكتب في الهامش ((المباحات)).
(4) في (ي): ((بإحضار)).
(5) في (ب): ((وقد ونية)) كذا رسمت.
(6) قوله: ((قد)) سقط من (ب).
(7) في (ب) و(ح) و(ي): ((ولما)).
(8) في (ب): ((استلقوها)).
(9) في ي): ((الصلوات)).
(10) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(11) في (ب) و(ح): ((يدل على هذا)).
(12) في (أ): ((والنوم والفراش)).(4/68)
الانقطاع (1) مطلقًا. يقال: تَبَتَّلَ (2) إلى كذا؛ أي: انقطع إليه. وَتَبَتَّل عن كذا؛ أي: انقطع عنه. ومنه: بَتَلْتُ (3) الأمرَ. والبتلة (4) والعذراء: البتول؛ أي: المنقطعة عن الرجال (5) إلى عبادة الله تعالى (6) . وردُّ التَبتل: عبارة عن أنَّه لم يأذن له فيه، ولم يُجِزْهُ له؛ كما قال: ((لا رهبانية في الإسلام))؛ أي: لا تَبَتُّل.
وقوله (7) : ((ولو أجاز (8) له ذلك لاختصينا)). قد بيَّنَّا: أن الخصاء هو شَقُّ الخصيتين وانتزاعهما. وقد يقال: من أين يلزم من (9) جواز التبتل عن النساء جواز =(4/88)=@ الاختصاء (10) ؟ وهو قطع عضوين شريفين بهما قوام النسل، وفي قطعهما ألم عظيم لا يجوز لأحد أن يُدْخِلَهُ على نفسه، وضررٌ عظيم ربما يفضي بصاحبه إلى الهلاك، وهو محرمٌ بالاتفاق (11) .
والجواب: أَن ذلك لازم من حيث أن مطلق التبتل (12) يتضمنه، وكأنَّ قائل ذلك وقع له: أنَّ التبتل (13) الحقيقي الذي تؤمن معه شهوة النساء هو الخصاء. فكأنّه أخذ بأكثر مما (14) يدل عليه الاسم. وقولكم (15) : هو ألم عظيم مُسَلَّم، لكنه مُغتفرٌ في جنب صيانة الدّين، فقد يُغتفر الألم العظيم في جنب ما هو أعظم منه، كقطع اليد الآكلة (16) ، وكالكيِّ، والبَطِّ، وغير ذلك. وقولكم: هو مُفْض إلى الهلاك غالبًا، غير (17) مُسلَّم، بل نقول: وقوعُ الهلاك منه نادرٌ، فلا يُلْتَفتُ إليه، وخصاء البهائم يشهد بذلك (18) . وما ذكرناه إنما هو تقدير ما وقع لسعدٍ، ولا يُظَنُّ (19) : أن ذلك يجوز لأحدٍ اليوم، بل هو محرّم بالإجماع. وكلُّ ما ذكرناه (20) مبنيٌّ على الأخذ بظاهر: ((لاختصينا))، ويحتمل أن يريد به سعدٌ (21) : لمنعنا أنفسنا من النساء، منع المختصي. والظاهر هو الأول، والله أعلم (22) .
وحديث أنس وسهلٍ يدلان على أن التزويج أفضل من التفرغ للعبادة. وهو أحد القولين المتقدمين. ويمكن أن يقال: كان ذلك (23) في أول الإسلام، لما كان النساء عليه من المعونة على الدِّين والدنيا، وقلّة الكلف، &(4/69)&$
__________
(1) قوله: ((وأصله الانقطاع)) مطموس في (ح).
(2) قوله: ((يقال تبتل)) مطموس في (ح).
(3) في (ب) و(ح) و(ي): ((تبتلت)).
(4) في (أ): ((البتة)).
(5) في (ب) و(ح) و(ي): ((الرجل)).
(6) في (ب): ((عباد الله)).
(7) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(8) في (ح): ((ولو لو الأ رحام))، وكذا في (ب) ثم صُوبت كما هو مثبت من (أ).
(9) قوله: ((من)) سقط من (ب).
(10) في (أ): ((الخصاء)).
(11) في (؛): ((وبالاتفاق)).
(12) جاء بعد هذا في (ب): ((أن ذلك لازم أن مطلق التبتل)). وهو تكرار مخل.
(13) في (ب): يشبه ((التيتل)).
(14) في (ب) و(ح) و(ي): ((ما)).
(15) في (ب): ((قوله)) بدل: ((وقولكم)).
(16) في (ب) و(ح) و(ي): ((للأَكِلة)). والمثبت من (أ) هو الصحيح؛ لأنه قد تأتي صيغة فاعل مرادًا بها اسم المفعول قليلاً، كقوله تعالى {في عيشة راضية}؛ أي: مرضية. انظر "شذا العرف في فن الصرف" (ص78). وجاء في حاشية (أ) ما نصه: ((آكلة بمعنى مأكولة)).
(17) قوله: ((غير)) سقط من (ب).
(18) في (ب): ((تشهد لذلك))، وفي (ح) و(ي): ((لذلك)).
(19) في (ح): ((نظن)).
(20) في (ب) و(ح): ((وكل ما ذكره)). وفي (ي): ((ذكروه)).
(21) في (ب): ((سعدًا)).
(22) في (ب) و(ح) و(ي): ((والله الموفق)).
(23) في (ي): يشبه أن تكون ((ذلك)).(4/69)
والتعاون على البر والتقوى، والحنوّ، والشفقة على الأزواج. وأمَّا في (1) هذه الأزمان فنعوذ بالله من =(4/89)=@ الشيطان والنسوان. فوالله الذي لا إله إلا هو لقد حلَّت (2) العزلة والعزبة (3) ، بل وتعيّن الفِرار من فتنتهنَّ، والرحلة، ولا (4) حول ولا قوة إلا بالله.
ومن باب ردّ ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة
قوله: ((رأى امرأة))؛ أي: وقع بصره عليها فجاة، وكان - صلى الله عليه وسلم - لا تحتجبُ (5) النساء منه، وكان إذا أعجبته امرأة فرغب فيها حَرُمَ على زوجها إمساكها، هكذا ذكره أبو المعالي وغيره (6) .
وقوله (7) : ((وهي تَمْعَسُ منيئةً (8) لها)) (9) ؛ أي: تدبغ جلدًا. قال أبو عبيد: الجلد أول ما يُدبغ يسمّى: منيئة (10) ، على وزن فعيلة (11) ، ثم هو: أَفِيق، وجمعه: أَفَقٌ (12) ، ثم يكون أدِيْمًا.
وقوله (13) : ((إن المرأة تقبل في صورة شيطان))؛ أي: في صفته من الوسوسة (14) ، &(4/70)&$
__________
(1) في (ب): ((وأما ما في)).
(2) قوله: ((حلت)) سقط من (أ)، وتوجد إشارة إلحاق ولم يظهر شيء في التصوير.
(3) في (ب) و(ح) و(ي): ((العزبة والعزلة)).
(4) في (ح) و(ي): ((فلا)).
(5) في (أ): ((لا يحتجب)).
(6) يُعلق على قول المصنف؟
(7) في (أ) و(ب): ((قوله)) بلا واو.
(8) تراجع في (ح) ل175 ب وفي (ي): ((منية)).
(9) جاء في حاشية (أ): ((المعْسُ: الدّلكُ، والعَرْكُ. فقوله: تمعس منيئة؛ أي: تحرك الأديم في دباغه. والمنيئة الجِلْدُ ما دام في الدباغ.
(10) في (ي): ((منية)).
(11) في (ب): ((فعلبة)).
(12) الأُفِيق: الجلد الذي لم يدبغ، وقيل: هو الذي لم تتم دباغته، وقيل غير ذلك. انظر "لسان العرب" (10/6-7) مادة أفق.
(13) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(14) قوله: ((في صفته من الوسوسة)) مطموس في (ح).(4/70)
والتحريك للشهوة؛ بما (1) يبدو منها من المحاسن المثيرة للشهوة النفسية، والميل الطبيعي، وبذلك تدعو (2) إلى الفتنة التي هي أعظم من فتنة الشيطان، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : =(4/90)=@ ((ما تركت في أمتي فتنة أضر (3) على الرجال من النساء)) (4) ، فلمّا (5) خاف - صلى الله عليه وسلم - هذه المفسدة على أمته أرشدهم إلى طريق بها تزول وتنحسم، فقال: ((إذا أبصر أحدكم المرأة فاعجبته فليأت أهله))، ثم أخبر بفائدة ذلك، وهو قوله: ((فإن ذلك يردّ ما في نفسه)). وللردّ وجهان:
أحدهما: أنَّ المنَّي إذا خرج؛ انكسرت الشهوة، وانطفأت (6) ، فزال تعلُّق النَّفْس بالصّورة الْمَرئية (7) .
وثانيهما (8) : أن محل الوطء والإصابة متساوٍ من النساء كلِّهن، والتفاوت إنما هو من خارج ذلك، فليُكْتَف بمحلِّ الوطء، الذي هو المقصود، ويُغْفَل عمَّا سواه، وقد دلّ على هذا ما جاء في هذا الحديث في غير "الأم" بعد قوله: ((فليأت أهله)): ((فإن معها مثل الذي معها)) (9) .
تحذير: لا (10) يُظنُّ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا فعل ذلك - ميلُ نَفْسٍ، أو غلبة شهوة - حاشاه عن ذلك، وإنما فعل ذلك لِيَسُنَّ، وليُقتدى به، وليحسمَ (11) عن نفسه ما يتوقع وقوعه. =(4/91)=@ &(4/71)&$
__________
(1) في (ب) و(ح) و(ي): ((لما)).
(2) في (ب) و(ح) و(ي): ((وذلك يدعو)).
(3) في (ب) و(ح): ((أعظم)).
(4) أخرجه البخاري (9/138 رقم5096) باب ما يتقى من شؤم المرأة، ومسلم (4/2097 رقم2740) باب أكثر أهل الجنة الفقراء.
(5) في (ح): ((ولما)).
(6) في (ح): ((وانطفت)) و(أ) و(ي). [وأشير له في المتن بسهم وكتب: في الأصل وانطفت].
(7) تراجع في (ح) ل176/أ. وفي (ي) و(ب): ((المرية)).
(8) في (ب): ((وثاينها)).
(9) أخرجه الترمذي (3/464 رقم1158) باب ما جاء في الرجل يرى المرأة تعجبه، وابن حبان (12/384) من حديث عبدالأعلى بن عبدالأعلى، حدثنا هشام بن أبي عبدالله، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبدالله، فذكره مرفوعًا.
قال أبو عيسى: حديث جابر حديث صحيح حسن غريب)). اهـ.
وله شاهد من حديث ابن مسعود عند الدارمي (2/146) من حديث سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبدالله بن حلّام عنه، قال: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة فأعجبته، فأتى سودة وهي تصنع طيبًا، وعندها نسوة فأخلينه، فقضى حاجته، ثم قال: ((أيما رجل رأى امرأة تعجبه فليقم إلى أهله، فإن معها مثل الذي معها)).
وعبدالله بن حلام ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" (5/69)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (5/40) ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً.
(10) في (ي): ((ولا يظن)).
(11) في (ي): ((ولتحسم)).(4/71)
ومن باب ما كان أبيح في أول الإسلام من نكاح المتعة ونسخه
قوله: ((كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس لنا نساء))؛ هذا الحديث، وأكثر أحاديث هذا الباب تدلّ على أن نكاح المتعة، إنما أُبيح في السفر لحال الضرورة، في مدة قصيرة، كما قال ابن أبي عمرة: إنما (1) كانت رخصة (2) في أول الإسلام (3) ، لمن اضطر إليها، كالميتة، والدّم، ولحم الخنزير.
وقد اختلفت (4) الروايات واضطربت في وقت إباحتها، وتحريمها، اضطرابًا شديدًا، بحيث يتعذر فيها التلفيق، ولا يحصل معه تحقيق، فعن ابن أبي عمرة (5) : أنها كانت في أول الاسلام، كما تقدَّم.
ومن رواية سلمة: أنها كانت عام أوطاس (6) .
ومن رواية سبرة: إباحتُها يوم الفتح(@)، وهما متقاربان، ثم تحريمها حينئذ في حديثهما (7) .
ومن (8) رواية علي: تحريمها يوم خيبر (9) . وهو قبل الفتح. وفي غير كتاب مسلم (10) عن عليّ: نهيه - صلى الله عليه وسلم - عنها في غزوة تبوك. وقد روى أبو داود من حديث الرّبيع بن سَبْرَة (11) : النهي عنها في حجَّة الوداع.
وروي أيضًا من حديث سَبْرَة نحوه (12) .
وروي أيضًا (13) عن الحسن البصري (14) : أنها ما حلّت قطُّ إلا في عمرة القضاء. وروي هذا عن سبرة أيضًا.
قلت: ولما اختلفت هذه الروايات اختَلفَ العلماءُ في ذلك على وجهين: =(4/92)=@
أحدهما: ترجيح بعض هذه الروايات على بعض.
وثانيهما: أن إباحة ذلك وتحريمه تكرَّر (15) في مواطن. &(4/72)&$
__________
(1) في (ي): ((إنها)).
(2) من قوله: ((في السفر لحال....)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(3) سيأتي في باب نسخ نكاح المتعة.
(4) في (ي): ((اختلقت)).
(5) في (ب): ((ابن عمرة)).
(6) سيأتي في الباب القادم.
(7) من قوله: ((ومن رواية سلمة....)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح).
(8) في (ب) و(ح) و(ي): ((وفي)).
(9) أخرجه البخاري (7/481 رقم4219) باب غزوة خيبر، وسيأتي عند مسلم في الباب القادم.
(10) قال الحافظ في "الفتح"(9/169): ((قال السهيلي: وقد اختلف في وقت تحريم نكاح المتعة، فأغرب ما روى في ذلك رواية من قال في غزوة تبوك...))، ثم قال الحافظ: ((فأما رواية تبوك فأخرجها إسحاق بن راهويه وابن حبان من طريقه من حديث أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نزل بثنية الوداع رأى مصابيح، وسمع نساء يبكين، فقال: ما هذا ؟ فقالوا: يا رسول الله ! نساء كانوا تمتعوا منهن، فقال: هدم المتعة النكاح والطلاق والميراث. وأخرجه الحازمي من حديث جابر قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة تبوك، حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام جاءت نسوة قد كنا تمتعنا بهن يطفن برحالنا، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرنا ذلك له، قال: فغضب وقام خطيبًا، فحمد الله وأثنى عليه، ونهى عن المتعة، فتوادعنا يومئذ، فسميت ثنيَّة الوداع)).اهـ.
أما حديث أبي هريرة فهو عند ابن حبان (9/456) من طريق إسحاق بن إبراهيم - وهو ابن راهويه - قال: أخبرنا المؤمّل بن إسماعيل، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثنا سعيد المقبري، عن أبي هريرة...، فذكره.
وفي سنده مؤمل بن إسماعيل: صدوق سيء الحفظ، كما في"التقريب".
وأما حديث جابر فعند الحازمي في "الاعتبار" (140) من حديث هناد بن السري، حدثنا عبدالرحيم بن سليمان، عن عباد بن كثير، حدثني عبدالله بن محمد بن عقيل، سمعت جابر بن عبدالله يقول...، فذكره.
وفي سنده عباد بن كثير: هو الثقفي البصري، قال الحافظ في "التقريب": ((متروك، قال أحمد: روى أحاديث كذب. وقال في "الفتح" (9/170): ((وأما حديث جابر فلا يصح فإنه من طريق عباد بن كثير، وهو متروك.اهـ.
(11) أخرجه أبو داود (2/558-559 رقم2072) باب في نكاح المتعة من حديث إسماعيل بن أمية، عن الزهري، قال: كنا عند عمر بن عبدالعزيز فتذاكرنا متعة، فقال له رجل يقال له ربيع بن سبرة: أشهد على أبي أنه حدَّث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها في حجة الوداع.
(12) قوله: ((وروي أيضًا من حديث سَبْرَة نحوه)) سقط من (ب) و(ح) وفي (ي): ((ونحوه)).
(13) قوله: ((أيضًا)) سقط من (أ) و(ي).
(14) قال الحافظ في "الفتح" (9/170): ((أما عمرة القضاء فلا يصح الأثر فيها لكونه من مرسل الحسن ومراسيله ضعيفة؛ لأنه كان يأخذ عن كل أحد....)).
(15) في (ي): ((تكرار)).(4/72)
قلت: وعلى الجملة: فالروايات كلُّها متفقة على وقوع إباحة الْمُتعة، وأن ذلك لم يَطُل (1) ، وأنه نُسخ، وحُرِّم تحريمًا مؤبدًا.
وأجمع السَّلف والخلف على تحريمها، إلا ما روي عن ابن عباس (2) ، ورُوي عنه (3) : أنَّه رجع عنه (4) ، وإلاَّ (5) الرافضة، ولا يُلْتَفَتُ لخلافهم (6) ؛ إذ ليسوا على طريقة المسلمين.
وأجمعوا: على أنَّ (7) نكاح المتعة متى وقع فسخ قبل الدّخول وبعده، إلا ما حُكي عن زُفَر، فإنه يُلْغي الأجل، ويصحَّحُ العقد، وكأنَّه رأى: أنه متى فسد لشرطه (8) ألغي الشرط (9) ؛ وَحَكَمَ بالصحة. وهو خلافٌ شاذٌّ.
واختلف أصحابنا إذا دخل في نكاح المتعة هل يُحَدُّ ولا يُلْحَقُ به الولد؟ أو يُدْفَعُ الْحَدُّ الشبهة (10) ، ويُلْحَقُ الولدُ؟ على قولين، ولكن (11) يُعَزَّر ويُعاقب. وإذا تقررت (12) هذه المقدِّمة فلنبحث (13) عن ألفاظ الأحاديث الواقعة في هذا الباب.
وقوله (14) : ((ألا نستخصي (15) ))؛ أي: نستدعي (16) من يفعل الخصاء، أو نحاول (17) ذلك بأنفسنا. وقد تقدَّم تفسير الخصاء.
وقوله (18) : ((فنهانا عن ذلك))؛ هذا النهي على التحريم. ولا خلاف في تحريم ذلك في بني آدم؛ لما فيه من الضرر (19) وقطع النّسْل، وإبطال معنى الرجولية. وهو في غير بني آدم ممنوع أيضًا في الحيوان، إلا لمنفعة حاصلة في ذلك، كتطييب اللحم، أو قطع ضرر ذلك الحيوان. وسيأتي لهذا مزيد تفصيل (20) . =(4/93)=@
وقوله (21) : ((رخَّصَ (22) لنا أن ننكح (23) المرأة بالثوب إلى أجل))، وفي حديث جابر (24) : ((بالقبضة من التمر والدقيق))، ليس (25) في هذا حجه لمن قال: إن الصداق لا يتقدّر أقلُّه بمقدار (26) ، وهو قول (27) الشافعي؛ لأن هذا الحديث كلَّه منسوخ؛ ولأن ذلك للضرورة وعدم الوجدان لأكثر منه، ولإمكان أن تساوي (28) القبضةُ من الدّقيق أو &(4/73)&$
__________
(1) في (ب) و(ح) و(ي): ((يصل)).
(2) وانظر الحديث رقم (1454و1457) من أحاديث "التلخيص" .
(3) قوله: ((عنه)) سقط من (أ).
(4) أخرجه الترمذي (1122)، والبيهقي (7/205) من طريق موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس بلفظ: ((إنما كانت المتعة في اول الإسلام كان الرجل يقدم البلد ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شيئه حتى إذا نزلت الآية: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} قال ابن عباس: فكل فرج سوى هذين فهو حرام)).
وموسى بن عبيدة قال عنه ابن حجر في "التقريب": ضعيف. وأخرجه البيهقي (7/205) من طريق الليث – وهو ابن أبي سليم – في ختنه عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال في المتعة: ((هي حرام كالميتة والدم ولحم الخنزير)). وليث ابن أبي سليم قال عنه ابن حجر في "التقريب" ((صدوق اختلط جدًّا ولم يتميز حديثه فترك)). و؟؟؟ لم أعرفه.
(5) في (ي): ((إلا)) بلا واو.
(6) في (ب) و(ح): ((بخلافهم)).
(7) في (ي): ((وأجمع أن نكاح)).
(8) قوله: ((شرطه)) سقط من (ح) و(ي) و(ب).
(9) في (أ): ((وكأنه رأى مما فسد لشرطه فألغي الشرط)).
(10) في (أ): ((للشبهة)). وأشير لها بسهم وكتب: [كذا في (ح)].
(11) في (ي): ((لكن)) بلا واو.
(12) في (ب): ((انفردت)).
(13) في (ب) و(ي): ((فليبحث)).
(14) في (ب) و(أ) و(ح): ((قوله)) بلا واو.
(15) في (ب) و(ح) و(ي): ((استخصي)).
(16) في (ب) و(ح) و(ي): ((استدعي)).
(17) في (ب) و(ي): ((تحاول)).
(18) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(19) في (أ) و(ي): ((الإضرار)).
(20) في (أ): ((بيان)).
(21) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(22) في (أ) و(ب) و(ي): ((ثم رخص)).
(23) في (ي): ((تنكح)).
(24) تقدم في باب ما كان أبيح في أول الإسلام من نكاح المتعة.
(25) في (ب) و(ح): ((وليس)).
(26) قوله: ((أقله بمقدار)) تكرر في (ب) وفي (ي): ((لا يتقدر إلا بمقدار)).
(27) قوله: ((قول)) سقط من (ي).
(28) في (ب): ((أي ييتساوى)).(4/73)
التمر أقل الصداق على قول من يحدّده؛ لأن تلك الأوقات أوقات المجاعات والشدائد، وكان نكاح المتعة ينفسخ بحلول الأجل، من غير طلاق (1) ، ولا يجب به ميراث. وقد قدّمنا الكلام على هذا في باب المتعة في الحج.
واستدلال عبدالله بن مسعود على إباحته بقوله: {لاتحرموا طيبات ما أحل الله لكم} (2) ، لا حجّة فيه؛ لأن الله تعالى هو الذي حَرَّمَ نكاح المتعة لا نحن. وكأنَّه ما كان إذ ذاك بَلَغَه الناسخ، وبعد ذلك بلغه، ورجع (3) عن ذلك.
وقول جابر: ((كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على (4) عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر - في رواية -: وعمر))؛ ظاهر هذا: استمرار العمل عندهم، وفي أعصارهم =(4/94)=@ على نكاح المتعة، واشتهار ذلك إلى أن نهى عنه عمر. وهذا مخالفٌ لأكثر أحاديث هذا الباب، كما ذكرناه (5) . والصحيح الأوّل، كما ذكرناه (6) . وهذا محمول من جابر على إخباره عمن لم يبلغه الناسخ كابن عباس، فاستمر على التمسك بالإباحة الأولى في هذه الأعصار، إلى أن أوضح عمر وعبد الله بن الزبير أن ذلك منسوخ، وتقدما في ذلك، وتوعَّدا عليه بالرجم، فتبين الصبح لذي عينين، وضاءت الشمس لسليم الحاسّتَيْن (7) . وكان شأن (8) عمرو بن حريث: أنّه (9) تزوج امرأةً نكاح (10) المتعة، وأنه استمر عليها (11) إلى زمان خلافة عمر؛ لأنه لم يسمع الناسخ، فحملت منه، فأُنْهِيَ (12) أَمْرُهُ إلى عمر، فنهي عن ذلك. وقد تقدّم القول على قول جابر: ((فعلناها (13) مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )) في باب متعة الحج. =(4/95)=@ &(4/74)&$
__________
(1) في (ي): ((خلاف)).
(2) سورة المائدة؛ الآية: 87.
(3) في (ي): ((فرجع)).
(4) في (ب) و(ي) و(أ) و(ح): ((الأيام على عهد)).
(5) في (ب) و(ح) و(ي): ((كما ذكره)).
(6) في (ي): ((كما ذكرته)).
(7) في (ب): ((الحاسين)).
(8) قوله: ((شأن)) سقط من (ب).
(9) قوله: ((أنه)) ضرب عليها الناسخ في (ب).
(10) في (ب): ((بنكاح)).
(11) في (ب) و(ح) و(ي): ((عليه)).
(12) في (ي): ((فانتهى)).
(13) في (ب) و(ح) و(ي): ((فعلناهما)).(4/74)
ومن باب نسخ نكاح المتعة (1)
وغزوة أوطاس هي (2) : غزوة حنين، على ما قاله أبو عمر، وكانت (3) غزوة حنين بعد فتح مكة بأيام (4) ، وذلك: أن فتح مكة كان لعشر بقين من شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة، وكانت (5) وقعة حنين في أول شوال من السنة المذكورة (6) .
وقوله: ((رخَّصَ لنا في المتعة ثلاثًا))، وفي حديث سبرة: ((فكنّ معنا ثلاثًا))؛ يدلُّ على قِصَرِ هذة (7) الرخصة، وأنه لم تكن (8) إلا ثلاث (9) ليال لا غير.
و((الدَّمامةُ))- بالدال المهملة - هي: دِقة في الْخَلق، وقُبْحٌ في (10) المنظر (11) . =(4/96)=@ و((الجديد)): الغضُّ الذي عليه نضارة الجدَّة، وغضارتها. والغضُّ من التفاح: الطَّريّ، المتناهي طيبًا. ((البكرة)) (12) : الفتيَّة من الإبل؛ شبهها بها لقوتها، وعبالتها. و((العَنَطْنَطَة)) (13) : الطويلةُ (14) العنق باعتدالٍ وحُسنٍ، وهي: العيطاء أيضًا؛ كما جاء في الرواية الأخرى. والعنقاء، والعطبول نحوه. وفي "الأم": ((بُرْدُ هذا خَلقٌ مُحٌ)) بالميم والحاء المهملة المشددة، وهو الدَّارس، المتغير من القدم. و((العِطف)) بكسر العين: الجانب. وكأنها تتبختر، وتُزْهَى بنفسها.
وقوله (15) : ((فلم أخرج حتى حرَّمها))؛ يعني: من مكة، وهذا نصٌّ صريح (16) في التحريم بعد الإباحة. &(4/75)&$
__________
(1) قوله: ((ومن باب نسخ نكاح المتعة)) ليس في (ح) و(أ) و(ي) و(ب).
(2) في (ب) و(ح): ((وهي)).
(3) في (ي): ((وكان)).
(4) قوله: ((بأيام)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(5) في (ب): ((وكان)).
(6) من قوله: ((وذلك أن فتح مكة....)) إلى هنا سقط من (أ).
(7) في (ي) و(ب): ((مدة)).
(8) في (ب): ((يكن)).
(9) في (ي): ((فثلاث)).
(10) قوله: ((في)) ليس في (ح) و(ب).
(11) جاء في حاشية (أ): ((تتميم: الدَّمامة - بالدال المهملة - في الْخَلْقِ، وبالمعجمة في الْخُلُقِ. وقد قيل: الدَّمامة تختصُّ بالوجه)).
(12) في (ي): ((والبكرة)).
(13) في (ح) و(ي): ((العطنطة)). [تراجع فلعلها: ((العطنظة)) ل177/أ]
(14) قوله: ((الطويلة)) تكرر في (أ).
(15) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(16) قوله: ((صريح)) سقط من (ب).(4/75)
وقوله (1) : ((ثم أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفراقهن))، وفي الرواية الأخرى: ((من كان =(4/97)=@ عنده منهنّ شيءٌ فلْيخلِّ سبيلها))؛ هذا ردٌّ على زُفْر؛ إذ صَحَّح العقد، وأبطل (2) الشرط، وهو حجة للجمهور على قولهم: ((إنه يُفْسخُ على كل حال)).
وقوله (3) : ((ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا))؛ يعني: لأنهن قد استحققن (4) ذلك (5) بالدّخول عليهن.
وقوله (6) : ((بين الركن والباب))؛ يعني: الحجر الأسود. وهذا كان يوم الفتح كما قاله (7) في الرواية الأخرى. ويمكن أن يقال: لا (8) تناقض بين هذا وبين ما رُوي من تحريم نكاح المتعة يوم حنين (9) ، وفي حجّة الوداع، ويوم الفتح، وفي غزوة تبوك؛ لأن ذلك محمولٌ على أنّه كرَّر تحريمها (10) في هذه المواطن كلها توكيدًا لها، وزيادة في الإبلاغ.
وقوله (11) : ((يُعَرِّضُ بِرَجُلٍ))؛ يعني به: ابن عباس، وكان إذ ذاك قد عَمِي، وكان هذا من عبدالله زمن إمارته، وإنما قَذَعَه ابنُ الزبير بهذا القول؛ لظهور الناسخ لنكاح المتعة، وشهرة الأحاديث في ذلك، فكأنَّه نسبه إلى التفريط. وكان =(4/98)=@ عبدالله بن عبَّاس في آخر عمره (12) قَلَّ ما يُصغي لمن يحدّث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كما تقدّم (13) من قوله: ((فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ (14) من الناس إلا ما نعرف (15) )). وكان قد عرف الإباحة فاقتصر عليها، ولم يُصْغِ إلى غيرها. كما قال بعد (16) : ((كانت تفعل على (17) عهد إمام المتقين رسول رب العالمين (18) ، رسول (19) الله - صلى الله عليه وسلم - )).
و((الجِلْفُ)) و (20) ((الجافي)) هما بمعنى واحد؛ قاله ابن السكيت وغيره (21) . &(4/76)&$
__________
(1) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(2) في (ب): ((وبطل)).
(3) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(4) في (ب): ((استحقين)).
(5) قوله: ((ذلك)) سقط من (ح) و(ب).
(6) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(7) في (ب) و(ح) و(ي): ((قالوه)).
(8) في (ي): ((أن لا)).
(9) في (أ): ((خيبر)).
(10) انظر: "فتح الباري" (9/169- 171).
(11) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(12) في (أ) و(ي): ((أمره)).
(13) في (أ): ((قد تقدم))، وفي (ب): ((كما نقل)).
(14) في (ب): ((يأخذ)).
(15) في (ب) و(ح) و(ي): ((يعرف)).
(16) أشير لها وكتب: [كذا في (ح)].
(17) في (ب): ((في)).
(18) قوله: ((رسول رب العالمين)) سقط من (أ) و(]).
(19) في (ب): ((العالمين يريد رسول الله ?)).
(20) حرف الواو سقط من (أ).
(21) في (ي): ((وغيرها)).(4/76)
وكرَّرَهما لفظًا (1) لاختلافهما على عادة العرب في ذلك، وعليه حملوا: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} (2) ، و{حتى تكون (3) حرضًا أو تكون من الهالكين} (4) وأصل الجلف: الشاة المسلوخة بغير رأس ولا قوائم، قاله القُتبي والهروي.
و((التائه)): الحائد عن مقصوده، الحائر. &(4/77)&$
__________
(1) قوله: ((لفظًا)) سقط من (أ).
(2) سورة يوسف؛ الآية: 86.
(3) نقط نا سخ (ب) قوله: ((يكون)) باثنتين من فوق ومن تحت.
(4) أشير لها وكتب: [كذا في (أ)].(4/77)
وقوله (1) : ((لئن فعلتها لأرجمنَّك بأحجارك))؛ حُجَّةٌ لأحد القولين المتقدمين في أن من نكح نكاح المتعة أقيم عليه الحدّ. ويحتمل أن يُحمل على الإرهاب والتغليظ. وكِنَايَتُهم عن ابن عباس في هذه المسألة بـ((رجل)) سترٌ منهم له؛ لأجل هذه الفتيا التي صدرت عنه (2) ، فإنها ما كانت تليق بعلمه، ولا بمنصبه في الفضل والدين. وإنكار علي، وابن الزبير، وغيرهما، وإغلاظهم عليه، ولا منكر عليهم، يدلُّ على أن تحريم ذلك كان عندهم معلومًا. =(4/99)=@
وقول ابن عباس: ((لقد فُعِلَتْ على عهد إمام المتقين))؛ تنبيه منه: على أنه (3) لو كانت المتعة مِمّا تُتَّقَى (4) : لكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أولى بتقاةِ ذلك، فإنه (5) أتقى لله (6) ، وأخوف من كل مُتِّقٍ.
وقول ابن أبي عمرة هو الحق الصريح، كما شهدت له الأحاديث الصحيحة المتقدمة. وقول عليّ - رضي الله عنه - : ((إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المتعة يوم خيبر (7) ، وعن أكل لحوم الحمر الأَنَسِيَّة))؛ إلى (8) ظاهر هذا ذهب (9) جمهور العلماء، فحكموا بتحريم المتعة على ما قدّمناه، وبتحريم الحمر الأهلية؛ إلا أنه رُوي عن =(4/100)=@ ابن عباس، وعائشة (10) ، وبعض السَّلف إباحة ذلك؛ أعني: الحمر (11) . وقد اختلف عنهم في ذلك. واختلف عن مالك، هل ذلك النهي محمول على التحريم، أو على الكراهة (12) ؟ وسيأتي استيفاء هذا المعنى في كتاب الأطعمة، إن شاء الله تعالى.
و((الأَنَسِيَّةُ))؛ جمهور الرواة على فتح الهمزة والنون، ورواه جماعة: بكسر الهمزة وسكون النون، قال القاضي: والأنس - بفتح الهمزة -: الناس، وكذلك بكسرها. قلت: وعلى هذا فتكون (13) النسبتان (14) قياسيتين، ودَّل على ذلك قول الجوهري: الإنس: البشر، الواحد: إِنْسِيٌّ، وأَنَسِي (15) . وهذا هو الصحيح. &(4/78)&$
__________
(1) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(2) في (أ) تشبه أن تكون: ((منه)).
(3) في (أ): ((أنها)).
(4) أشير لها بسهم وكتب: [كذا في (ح) و(أ)].
(5) في (أ): ((فاته)).
(6) في (ي): ((الله)) بدل ((لله)).
(7) في (أ): ((حنين)).
(8) في (ب) و(ح) و(ي): ((وإلى)).
(9) في (أ) و(ي): ((صار)).
(10) في البخاري (9/654 رقم5529) عن عمرو بن دينار، قلت لجابر بن زيد: يزعمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حُمر الأهلية، فقال: قد كان يقول ذاك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة، ولكن أبى ذلك البحر ابن عباس وقرأ: {قل لا أجد فيما أوح إليَّ محرمًا}.
ذكره عن عائشة ابن حزم في "المحلى" (9/407) وقال: ((لم يبلغها التحريم، ولو بلغها لقالت به كما فعلت في الغراب، وليس مذكورًا في هذه الآية)).اهـ.
(11) قوله: ((أعني الحمر)) سقط من (أ).
(12) في (ح): ((الكرهة)).
(13) في (ب) و(ح): ((فيكون)).
(14) في (ب): ((النسيان)).
(15) ومنه قوله تعالى: {وأناسيَ كثيرًا}.[الفرقان].(4/78)
ومن باب (1) تحريم الجمع بين المرأة وعمتها
قوله: ((لا يُجْمعُ (2) بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها)). لا يجمع (3) - برفع العين - هي الرواية على الخبر عن المشروعية، فيتضمّن النهي عن ذلك. وهذا الحديث مجمع على العمل به في تحريم الجمع (4) بين (5) من ذكر فيه بالنكاح. وكذلك: أجمع (6) المسلمون على تحريم الجمع بين الأختين بالنكاح؛ لقوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين (7) } (8) ، وأمَّا بملك اليمين؛ فروي عن (9) بعض السَّلف جوازه، وهو خلاف شاذٌّ استقر الإجماع بعده على خلافه. وأجاز الخوارج الجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمتها، وخالتها. ولا يُعتد بخلافهم؛ لأنهم =(4/101)=@ مرقوا من الدِّين، وخرجوا منه؛ ولأنهم مخالفون للسُّنة الثابتة (10) في ذلك (11) .
وقول ابن شهاب: ((فنرى خالة أبيها، وعمة أبيها في تلك المنزلة))؛ إنما صار ابن شهاب إلى ذلك؛ لأنه حمل الخالة والعمّة على (12) العموم، وتَمَّ له ذلك؛ لأن العَمَّة: اسم لكل امرأة شاركت أباك في أصْلَيْه، أو في أحدهما. والخالة: اسم لكل أنثى شاركت أمك في أصليها، أو في أحدهما.
وقد عقد علماؤنا فيمن يحرمُ الجمع بينهما (13) عقدًا حسنًا، فقالوا (14) : كل امرأتين بينهما نسب (15) ؛ بحيث لو كانت إحداهما (16) &(4/79)&$
__________
(1) قوله: ((باب)) تكرر في (ب).
(2) في (ي): ((لا تجمع)).
(3) في (ي): ((لا تجمع)).
(4) قوله: ((الجمع)) سقط من (ب).
(5) في (ب): يشبه أن يكون ((من)) بدل ((بين)).
(6) قوله: ((أجمع)) سقط من (ب).
(7) زاد ي (ي) بعدها: ((إلا ما قد سلف)).
(8) سورة النساء؛ الآية: 23.
(9) قوله: ((عن)) سقط من (ب).
(10) في (ب): ((الثابية)) .
(11) قوله: ((في ذلك)) سقط من (ب) و(ح).
(12) قوله: ((العمة على)) سقط من (ب).
(13) في (أ): ((بينهم)).
(14) في (ب): ((فقال)).
(15) قوله: ((بينهما نسب)) سقط من (ب)، وقوله: ((نسب)) ليس في (ح).
(16) في (ب): ((أحدهما)). وفي (ح): ((إحديهما)).(4/79)
ذكرًا لحرمت عليه الأخرى، فلا يجمع بينهما. وإن شئت أسقطَّت بينهما نسب.
وقلت بعد قولك: لو (1) كانت إحداهما (2) ذكرًا لحرمت عليه الأخرى من الطرفين. وفائدة هذا الاحتراز مسألةُ نكاح المرأة وربيبتها (3) ؛ فإن الجمع بينهما جائز، ولو قدرت امرأة الأب رجلاً لحلّت له الأخرى. وهذا التحرّز (4) هو (5) على مذهب الجمهور المجيزين للجمع بين المرأة وربيبتها (6) ، وقد منعه الحسن، وابن أبي ليلى، وعكرمة. وعلّل الجمهور (7) منع الجمع بين من ذكرناه؛ لما يُفْضِي إليه الجمع من قطع جمع (8) الأرحام القريبة؛ بما (9) يقع بين الضرائر من الشَّنَئان والشرور بسبب الغَيْرة.
وقد شهد لهذا التعليل (10) ما ذكره أبو محمد الأصيلي في "فوائده"، وأبو عمر بن عبد البر، عن ابن عباس قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوج الرجل المرأة على العَمَّة، أو على =(4/102)=@ الخالة. وقال: ((إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم)) (11) . ومن (12) مراسيل أبي داود عن حسين بن طلحة (13) قال: ((نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تنكح المرأة على أخواتها (14) مخافة القطيعة)) (15) . وقد طرد بعض السلف هذه العلة، فمنع الجمع بين بنتي العمَّتين أو الخالتين (16) ، وبنتي الخالين أو العمّين (17) . وجمهور السلف وأئمة الفتيا (18) على خلافه، وقصر التحريم (19) على ما ينطلق عليه لفظ العمّات والخالات. وقد روى الترمذي حديث أبي هريرة هذا (20) وقال فيه: ((إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تُنكح المرأة على عمتها، أو العمّة على ابنة (21) أخيها، والمرأة على خالتها، أو الخالة على ابنة (22) أختها، ولا تنكح الصغرى على الكبرى، ولا الكبرى على الصغرى)) (23) . وقال: حديث حسن صحيح. وهو مَسَاق حسن بيِّن، غير أن فيه واوًا اقتضت إشكالاً، وهي التي في قوله: ((ولا تنكح الصغرى (24) على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى (25) ))، وذلك: أنَّه قد ذكر العَمَّة؛ وهي الكبرى، وابنة أختها وهي الصغرى، والخالة وهي الكبرى، وابنة أخيها وهي الصغرى، ثم أتى بالنهي عن إدخال إحداهنَّ على الأخرى (26) ، طردًا وعكسًا.
ويرتفعُ الإشكال بأن تُقدَّر (27) الواو زائدةً. ويكون الكلام (28) الذي بعدها مؤكِّدًا لما قبلها، ومؤيدًا (29) له. &(4/80)&$
__________
(1) قوله: ((لو)) ليس في (ب) و(ح) و(ي).
(2) في (ب): ((أحدهما)). وفي (ح): ((إحديهما)).
(3) في (ب): ((ربيبتها)) بلا واو.
(4) في (ب) و(ح) و(ي): ((التحري)).
(5) قوله: ((هو)) سقط من (ب).
(6) في (ب): ((ربيبتها)) بلا واو.
(7) في (أ): ((للجمهور)).
(8) قوله: ((جمع) ليس في (ح) و(ي) و(ب). وأشير لها بسهم وكتب: ليس في الأصل.
(9) أشير لها بسهم وكتب: كذا في (ح).
(10) في (ب): ((لصحة ذلك التعليل))، وفي (ي): ((لصحة هذا التعليل))، وفي (ح): ((لصحة ذلكذا التلعيل)).
(11) أخرجه عبدالرزاق في "المصنف" (6/263) عن معمر، عن رجل، عن عكرمة قال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها، فإنهن إذا فعلن ذلك قطعن أرحامهن.
وسنده مرسل، وفيه راوٍ مجهول.
وأخرجه ابن حبان (9/426) من حديث المعتمر بن سليمان قال: قرأت على الفضيل، عن أبي حريز: أن عكرمة حدثه، عن ابن عباس قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تزوج المرأة على العمة والخالة، قال: ((إنكن إذا فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن)).
وأخرجه ابن عبدالبر في "التمهيد" (18/277-278)، والطبراني في "الكبير" (11/266-267) من حديث معتمر بن سليمان به.
وفي الإسناد أبو حريز - بفتح أوله، وآخره زاي - وتصحف في "التمهيد" (18/278) إلى: ((جريز)) - اسمه عبدالله بن حسين، قاضي سجستان، صدوق يخطئ، كما في "التقريب"[وضع بجانب كلمة التقريب نجمة وكتب: في أسفل الصفحة وفضيل هذا ابن ميسرة: صدوق، وباقي رجاله ثقات. والحديث أصله...] أصله متفق عليه، عدا قوله: ((إنكن إذا فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن)).
(12) قوله: ((من)) سقط من (ب).
(13) قوله: ((بن طلحة)) سقط من (ب) و(ح).
(14) في (ب) و(ح) و(ي): ((قرابتها)).
(15) أخرجه أبو داود في "المراسيل" (208) من حديث سفيان الثوري، عن خالد بن سلمة المخزومي، عن عيسى بن طلحة. ورجاله رجال الصحيح.
(16) قوله: ((والخالتين)) سقط من (ب)، وفي (ح): ((والخالتين)). وفي (ي): ((ووالخالتين)).
(17) في (أ): ((الخالتين أو العمتين)).
(18) في (ب) و(ح) و(ي): ((الفتوى)).
(19) في (ي): ((التحريم)).
(20) قوله: ((هذا)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(21) في (ب) و(ي): ((ابن)).
(22) في (ي): ((ابن)).
(23) أخرجه أحمد (2/426)، وأبو داود (2/553-554 رقم2065) باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء، والترمذي (3/433 رقم1126) باب ما جاء لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، والنسائي (6/98) (3296) تحريم الجمع بين المرأة وخالتها - مختصرًا عند النسائي -. كلهم من طرق عن داود بن أبي هند: حدثنا عامر، عن أبي هريرة مرفوعًا به.
قال أبو عيسى: أدرك الشعبي أبا هريرة وروى عنه.
وسألت محمدًا عن هذا، فقال: صحيح. قال أبو عيسى: روى الشعبي عن رجل عن أبي هريرة.اهـ.
وقد صرح الشعبي بالرواية عن أبي هريرة عند ابن حبان (9/427) من طريق عبدالوهاب الثقفي قال: حدثنا داود بن أبي هند، قال: حدثنا الشعبي، قال: حدثنا أبو هريرة...، فذكره مرفوعًا عدا قوله: ولا تنكح الصغرى... وانظر "الفتح" (9/160-161).
غير أن فيه واوًا اقتضت إشكالاً، وهي التي في قوله: ((ولا تنكح الصغرى على الكبرى، ولا الكبرى على الصغرى))، وذلك أنه قد ذكر العمّة وهي الكبرى وابنة أخيها وهي الصغرى....
أخرجه الإمام أحمد (2/426) من طريق إسماعيل بن علية، قال: حدثنا دواد بن أبي هند به، وليس في روايته الواو ولفظه: ((... لا تنكح الكبرى على الصغرى...)) الحديث، فارتفع الإشكال وجاء هذا الكلام مؤكدًا لما قبله، كما قال القرطبي في الشرح، والله أعلم.
(24) في (ح): ((الكبرى)).
(25) من قوله: ((تنكح الصغرى....)) إلى هنا سقط من (أ). ومن قوله: وقال حديث حسن....)) إلى هنا، وضع ناسخ (ح) و(ي) حرف((إلى)) على أوله وآخره، إشارة إلى الضرب عليه. وسقط هذا الكلام من النسخة (ب). [كتب بجانب هذا الهامش: يراجع مع المثبت فعلل ما في إحدى النسخ هو الصواب].
(26) من قوله: ((والخالة وهي الكبرى....)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(27) في (ب) و(ح) و(ي): ((تعد)).
(28) في (ب): ((اللام)).
(29) في (أ) و(ي): ((مبينًا)).(4/80)
وفي كتاب أبي داود من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: نهى أن يجمع بين العَمَّة (1) والخالة، وبين العمتين والخالتين (2) . قال ابن النحاس: الواجب على لفظ هذا الحديث: ألا يجمع بين امرأتين، إحداهما (3) عمة الأخرى (4) ، =(4/103)=@ والأخرى خالة الأخرى (5) .
وهذا يخرج (6) على وجه صحيح (7) . وهو: أن يكون رجل وابنه تزوجا (8) امرأة وابنتها؛ تزوج (9) الأب البنت والابن الأم، فولدت كل واحدة منهما بنتًا، فابنة الأب عمة ابنة الابن، وابنة الابن خالة ابنة الأب.
وأما الخالتان: فأن يتزوج (10) كل (11) رجل ابنة (12) رجل، ويتزوج الثاني ابنة الأول، فيولد لكلِّ واحدٍ (13) منهما ابنة، فابنة كل واحد منهما خالة للأخرى (14) .
وأما العمتان: فأن يتزوج (15) رجل أم رجل، ويتزوج الآخر أم الآخر، ثم يولد (16) لكل واحد منهما ابنة، فبنت كل واحد منهما عمة الأخرى.
وقوله: ((ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ (17) صحفتها (18) ))؛ قال (19) الهروي (20) : تكتفئ: تفتعل، من كفأتُ القدر: إذا فرّغتها. وهذا مثلُ لإمالة الضرّة حق صاحبتها من زوجها إلى نفسها. وقال الكسائي: أكفأت الإناء (21) : كَبَبْتُه. وكفأته: أملتُه. وقيل: هو كناية عن الجماع، والرغبة في كثرة الولد. والأول أولى.
وقوله: ((ولتنكح، فإنما لها ما كتب الله لها))؛ يعني (22) أنها تنكح ولا تشترط طلاق الضرّة، فإن الله تعالى إن كان قد (23) قدر أن تنفرد (24) بذلك الزوج وصلت إلى ذلك، وإن لم يقدّره لم ينفعها الشرط. فقد يطلق (25) الضّرّة، ثم يردّها، فلا يحصل للمشترطة مقصودها.
وقوله: ((لا (26) ينكح المحرم، ولا يُنكح (27) ، ولا يخطب))؛ لا خلاف في منع =(4/104)=@ الْمُحْرم من الوطء. والجمهور على منعه من العقد لنفسه، ولغيره، ومن الخطبة كما هو ظاهر (28) هذا (29) الحديث، وكما دلّ عليه قوله تعالى: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث} (30) ؛ على أحد التأويلات المتقدمة (31) في كتاب الحج. وذهب &(4/81)&$
__________
(1) في (ب): ((المعمة)).
(2) أخرجه أحمد (1/217)، وأبو داود (2/554 رقم2067) من حديث خصيف عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعًا به.
وفي سنده خُصيف - بالصاد المهلملة، آخره فاء مصغرة - بن عبدالرحمن الجزري، قال الحافظ في "ألتقريب"(../..): صدوق سئ الحفظ، خلط بآخره، ورمي بالإرجاء.
وتابعه أبو حريز، أخرجه أحمد (1/372)، والترمذي (3/432 رقم1125) باب ما جاء لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها من طريقه عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعًا بنحوه. باختصار، وبين العمتين والخالتين، وأبو حريز هو عبدالله بن حسين الأزدي، صدوق يخطئ، كما في "التقريب".
(3) في (ب) و(ح): ((أحدهما)). وفي(ي): ((أحديهما)).
(4) في (ي): ((للأخرى)).
(5) قوله: ((والأخرى خالة الأخرى)) سقط من (ب).
(6) في (ي): ((تخريج)).
(7) في (أ): ((وصحيح)).
(8) في (أ): ((تزوج)).
(9) في (أ): ((فزوج)).
(10) في (ب): ((تزوج)). وفي (ح): ((تتزوج)).
(11) قوله: ((كل)) سقط من (أ) و(ي).
(12) في (ب) و(ح): ((بنت)).
(13) وأشير لها وكتب: [كذا في (ح)].
(14) في (ب) و(ح): ((الأخرى)).
(15) في (ب): ((تزوج)).
(16) في (ب): ((تولد)).
(17) في (ب) و(ح): ((لتكفئ)).
(18) في (ح): ((صحتها)).
(19) في (ب) و(ح) و(ي): ((وقال)).
(20) في (أ): ((الهري)).
(21) في (ب): ((الإباء)).
(22) في (ي): ((تعني)).
(23) قوله: ((قد)) سقط من (أ) و(ب) و(ي).
(24) في (ب): ((ينفرد)).
(25) في (ب): ((تطلق)).
(26) في (ب) و(ح): ((ولا)).
(27) قوله: ((ولا ينكح)) سقط من (ي).
(28) قوله: ((ظاهر)) غير واضح في (ح).
(29) في (ي): يشبه أن تكون ((لهذا)).
(30) سورة البقرة؛ الآية: 197.
(31) قوله: ((المتقدمة)) عليه طمس في (ح) وظاهر في مكانه فحرف (د) قبله مد.(4/81)
بعضهم: إلى أنه يجوز للمحرم ذلك تمسُّكًا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة وهو محرم (1) . وهذا لا حجة فيه لأوجه: أحدها: أن هذا الحديث مما انفرد به ابن عباس (2) دون غيره من كبار (3) الصحابة ومعظم (4) الرواة.
وثانيها: إنكار ميمونة لهذا، وإخبارها بأنه - صلى الله عليه وسلم - تزوج بها وهو حلال، وهي أعلم بقصَّتها منه.
وثالثها: أن بعض أهل النقل والسِّير حكوا (5) : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث مولاه (6) أبا رافع من (7) المدينة، فعقد نكاحها بمكة بوكالة النبي - صلى الله عليه وسلم - له على ذلك (8) ، ثم وافى النبي - صلى الله عليه وسلم - محرمًا، فبنى بها بسَرِف (9) حلالاً، وأشتهر (10) تزويجها بمكة (11) عند (12) وصوله إليها. =(4/105)=@
ورابعها (13) : أن قول ابن عباس: ((وهو محرم))؛ يحتمل أن يكون دخل في (14) الحرم، فإنَّه يقال: أحرم؛ إذا دخل في (15) الحرم، واسم الفاعل منه: مُحْرِم؛ كما يقال: أَنْجَد، وأتَّهَمَ. وهو مُنْجِد، ومُتْهِم؛ إذا دخل ذلك.
وخامسها (16) : تسليم ذلك كلّه، وادعاء الخصوصية بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقد ظهرت تخصيصاته في باب النكاح بأمور كثيرة؛ كما خُصَّ بالموهوبة، وبنكاح (17) تسعٍ، وبالنكاح من غير ولي، ولا إذن الزوجة؛ كما فعل مع زينب، إلى غير ذلك. &(4/82)&$
__________
(1) أخرجه البخاري (9/165 رقم5114) باب نكاح المحرم.
(2) قال الحافظ في "الفتح" (9/166): ((حديث ابن عباس جاء مثله صحيحًا عن عائشة وأبي هريرة، فأما حديث عائشة؛ فأخرجه النسائي من طريق أبي سلمة عنه، وأخرجه الطحاوي والبزار من طريق مسروق عنها، وصححه ابن حبان، وأكثر ما أعلّ بالإرسال، وليس ذلك بقادح فيه. قال النسائي: أخبرنا عمرو بن علي، أنبأنا أبو عاصم، عن عثمان بن الأسود، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة مثله. قال عمرو بن علي: قلت لأبي عاصم: أنت أمليت علينا من الرقعة ليس فيه عائشة ؟ فقال: دع عائشة حتى انظر فيه، وهذا إسناد صحيح لولا هذه القصة، لكن له شاهد قوي أيضًا. وأما حديث أبي هريرة؛ أخرجه الدارقطني، وفي إسناده كامل أبو العلاء، وفيه ضعف لكنه يعتضد بحديثي ابن عباس وعائشة، وفيه ردٌّ على قول ابن عبدالبر: أن ابن عباس تفرد من بين الصحابة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج وهو محرم...)).
(3) في (ب) و(ح) و(ي): ((كبراء)).
(4) في (ب): ((معظمهم)).
(5) في (ب) و(ح) و(ي): ((ذكر)).
(6) في (أ): ((بعث أبا رافع مولاه)).
(7) في (أ): ((إلى)).
(8) أخرج أحمد (2/392-393)، والترمذي (3/200 رقم841) باب ما جاء في كراهية تزويج المحرم، والدارمي (2//38)، والبيهقي (5/66)، وابن سعد في "الطبقات" (8/134)، وابن حبان (9/438) من حديث حماد بن زيد، عن مطر الورّاق 0 ووقع في "طبقات ابن سعد": مطرف ! وهو خطأ طابع -، عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن، عن سليمان بن يسار، عن أبي رافع، قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة حلالاً، وبنى بها حلالاً، وكنت الرسول بينهما.
وفي سنده مطر الورّاق، وهو ابن طهمان، قال الحافظ في "التقريب" (../..): ((صدوق كثير الخطأ، حديثه عن عطاء ضعيف)).اهـ.
وقد رواه مالك في "الموطأ" (1/348) عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن، عن سليمان بن يسار مولى ميمونة مرسلاً: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا رافع مولاه ورجلاً من الأنصار فزوجاه ميمونة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة قبل أن يخرج.
وما رواه مالك أرجح لضبطه وإتقانه. وقد أعلّ ابن عبدالبر الرواية الموصولة بالإنقطاع أيضًا فلم يسمع سليمان بن يسار من أبي رافع، ولد سليمان بن يسار سنة أربع وثلاثين، وقيل: سنة سبع وعشرين، ومات أبو رافع بالمدينة بعد مقتل عثمان بيسير، وكان قتل عثمان في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين.
(9) سَرِف - بفتح السين، وكسر الراء المهملتين، وبعدها فاء -: موضعٌ على نحو ثلاثة أميال من مكة، وقيل: ستة، وقيل: سبعة، وقيل غير ذلك. انظر "معجم البلدان" (3/212)، و"تحفة الأحوذي" (4/4)، و"عون المعبود" (4/58).
(10) في (ح) و(ي): ((وأشهر)) .
(11) قوله: ((بمكة)) موجود (ح) ولكن الناسخ ضرب عليه.
(12) قوله: ((عند)) سقط من (ب).
(13) في (ب): ((وأرفعها)).
(14) قوله: ((في)) سقط من (أ).
(15) قوله: ((في)) سقط من (أ).
(16) في (ب) تشبه أن تكون: ((وجا منها)).
(17) في (ب) و(ح): ((ونكاح)).(4/82)
وسادسها: أن هذه حكاية حال واقعة معينة، تحتمل أنواعًا من الاحتمالات المتقدّمة.
والحديث المقتضي للمنع ابتداء تقعيد (1) قاعدة وتقريرها (2) ، فهو أولى على كل حال، والله الموفق. =(4/106)=@
ومن باب النهي عن خِطْبَةِ الرجل على خِطْبَةِ أخيه
الخِطْبة - بالكسر -: هي استدعاء التزويج والكلام فيه، يقال منه: خطبت المرأة خطبة - بالكسر -: طلبتها منه (3) . والْخُطْبة -بالضم -: هي كلام الخطباء. ومن كلام علمائنا: تستحب (4) الْخُطبةُ - بالضّم - عند الخِطْبة - بالكسر -.
وهذه الأحاديث التي جاء فيها النهي عن خطبة الرجل على (5) خطبة أخيه ظاهرها العموم، لكن قد خصَّصها أصحابنا بحديث فاطمة بنت قيس الذي (6) يأتي ذكره في الطلاق (7) . وذلك: أنها لَمّا انقضت عدتُها أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أبا جهم بن حذيفة ومعاوية خطباني. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما سيأتي ذِكْرُه.
وهذا يدلّ: على جواز الخِطبة على الخِطبة (8) ، لكن جمعَ أئمتنا بين الحديثين بان حملوا النهي على ما إذا تقاربا وتراكنا. وحملوا حديث الجواز على ما قبل ذلك. وهي طريقة حسنة؛ =(4/107)=@ فإن فيها إعمال كل واحد (9) من الحديثين، ومراعاة للمعنى. فإن المفسدة إنما تحصل عند التراكن (10) .
واختلف أصحابنا في التراكن ما هو (11) ؟ فقيل: هو مجرّد الرِّضا بالزوج، والميل إليه، وقيل: تسمية (12) الصَّداق. وهذا عند أصحابنا محمول (13) على ما إذا كانا شكلين. قال &(4/83)&$
__________
(1) في (ب): ((بقعيد)).
(2) في (ب): يشبه أن تكون ((وتقديريها)).
(3) من قوله: ((يقال منه خطبت....)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(4) في (ح): ((فتسّحب)).
(5) قوله: ((خطبة الرجل على)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(6) في (ب) و(ح) و(ي): ((التي)).
(7) سيأتي غي الطلاق، باب فيمن قال: إن المطلقة البائن لا نفقة ولا سكنى لها.
(8) قوله: ((على الخطبة)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(9) قوله: ((واحد)) سقط من (ب) و(ح).
(10) قوله: ((عند التراكن)) عليه طمس في (ح).
(11) قوله: ((ما هو)) سقط من (ب) و(ي)، وقوله: ((التراكن ما هو)) غير واضح في (ح).
(12) في (ب) و(ح) و(ي): ((بتسمية)).
(13) قوله: ((أصحابنا محمول)) غير واضح في (ح).(4/83)
ابن القاسم: لا أرى الحديث إلا في الرجلين المتقاربين، فأمَّا صالِحٌ وفاسقٌ فلا. قال ابن العربي: لا ينبغي أن يُختلف في هذا (1) . وقال الشافعي: إنما النهي فيما إذا أذنت المرأة لوليها أن ينكحها من رجل مُعيَّن.
قلت: وهذا فيه بُعدٌ، فإنه حمل العموم الذى قُصِد به تقعيد (2) قاعدة على صورة نادرة. وهذا مثل ما أنكره الشافعي على أبي حنيفة؛ إذ حمل قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا نكاح إلا بولي)) (3) على المكاتبة. وتحقيقه (4) في الأصول.
والقول في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا يبع أحدكم على بيع أخيه))؛ محمول على مثل ما تقدّم في قوله: ((لا يخطب أحدكم (5) على خطبة أخيه)).
وقد حمله بعض العلماء على ظاهره وعمومه، حتى كره بيع المزايدة خوفًا من الوقوع في ذلك. وهذا ليس بصحيح؛ فإن (6) الله تعالى قد أحل البيع مطلقًا، وقد باع النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه بيع المزايدة على ما في كتاب أبي داود (7) : إذ (8) أخذ في يده حِلْسًا (9) وقَدَحًا كانا لرجل سأله صدقة، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ((من يشتري مني (10) هذا بدرهم؟)) فقال رجل: هو لي بدرهم. فقال: ((من يشترى مني (11) هذا بدرهمين؟)) فقال آخر: هو لي بدرهمين (12) . فباعه منه، ثم دفعهما (13) لصاحب الحِلْسِ والقدح. وسيأتي الحديث في كتاب (14) البيوع إن شاء الله تعالى. =(4/108)=@
فإذا (15) خرج بيع المزايدة عن المنع، فلم يبق إلا أن يحمل على ما إذا تقاربا وتراكنا.
واختلف فيما إذا وقعت الخِطبة على الخِطبة، والبيع على البيع. فذهب جُلُّ أصحابنا، والكوفيون (16) إلى إمضاء العقد. وذهب داود وبعض أصحابنا إلى &(4/84)&$
__________
(1) قوله: ((هذا)) ليس في (ح). وفي (ب): ((ذلك)).
(2) في (ب) يشبه أن تكون: ((قيعد)).
(3) أخرجه أحمد (4/394 و413)، وأبو داود (2/568 رقم2085) باب في الولي، والترمذي (3/407 رقم1101) باب ما جاء لا نكاح إلا بولي [وضع بجانبها نجمة وكتب في أسفل الصفحة: وابن ماجة (1/605) (1881) باب: لا نكاح إلا بولي]، والدارمي (2/137)، والبيهقي (7/107)، وابن حبان (9/395)، والحاكم (2/169-170) من طرق عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى مرفوعًا به.
وقال الحاكم (2/170): ((هذه الأسانيد كلها صحيحة))... ووافقه الذهبي.
وانظر "المستدرك" للحاكم (2/169-172) فقد استوعب طرق الحديث، رحمه الله.
(4) في (ي): ((وتحقيق))، وفي (ب): يشبه ((وتحصيفه)).
(5) أشير لها بسهم وكتب: ليس في الأصل.
(6) في (ب) و(ح) و(ي): ((لأن)).
(7) في (ب) و(ح): ((المزايدة خوفًا من الوقوع أبي داود)). وهو خطأ.
(8) قوله: ((إذ)) سقط من (ب) و(ح).
(9) الحِلْسُ: كساء، يكون على ظهر البعير تحت البَرْذعة، ويُبْسط في البيت تحت حُرِّ الثياب، وجمعه: أَحْلاس. "الفائق" (1/304). وانظر "غريب الحديث" للخطابي (2/352).
(10) في (ب) و(ح): ((مني هذا)). كذلك في (ح) فأين الفرق؟!
(11) في (ب) و(ح): ((مني هذا)).
(12) قوله: ((فقال آخر هو لي بدرهمين)) سقط من (ب).
(13) في (ب) و(ح): ((دفعها)).
(14) قوله: ((كتاب)) سقط من (أ).
(15) في (ي): ((فإذًا)).
(16) في (ب): ((الكوفون)).(4/84)
فسخه. وقد رُوِيَ القولان (1) لمالك والشافعي- رحمهما الله - على ما شرح من مذهبه.
وقول ثالث فى النكاح: الفسخ فيه (2) قبل البناء، والامضاء بعده. وهو لأصحابنا (3) . ولا خلاف في أن فاعل ذلك عاصٍ (4) ، آثم.
وقوله: ((لا يبع)) و((لا يَسُمْ))؛ قد يصحُّ أن يحملا على معنى واحد. فيقال: سُمْت؛ بمعنى: بعت، ويصحّ أن يحمل: سُمْتُ على اشتريت، فيكونان متغايرين؛ أعني: بعتُ، وسمتُ. على أنَّ: بعتُ واشتريتُ يدخل كل واحد منهما على الآخر؛ فيقال: بعتُه؛ بمعنى: اشتريته، وشريْتُه؛ بمعنى: بِعْتُه. وكذلك (5) : سُمْتُ. وسيأتي لهذا مزيد بيان في البيوع إن شاء الله تعالى.
وقوله: ((الْمُؤْمن أخو الْمُؤْمن، فلا يحل له أن يبتاع على بيع أخيه))، تنبيه على صحة هذا (6) المعنى الذي أبديناه، فإنه أتى فيه بالأخوة الإيمانية، ثم علَّق فَاءَ التعليل بها.
و((يذر (7) ))؛ أي: يترك. وهو من الأفعال التي لم يستعمل (8) منها إلا لفظ المضارع والأمر. فلا يقال: وَذِرَ، ولا: وَذْرًا، ولا: واذِرًا (9) . اكتفوا عن ذلك بـ((تَرَكَ))، وفيه (10) =(4/109)=@ إشعارٌ بصحة ما قلناه من التعليل بالرُّكون، فإنه لا يترك الشيء إلا من تشبّث به. وأوّل التشبث بهذه العقود التراكن من المتعاقديْن، أو أحدهما.
وقوله: ((نهى عن الشِّغار)). الشِّغار: مصدر: شاغر، يشاغر، شغارًا. وهو مفاعلة مما لا يكون إلا بين اثنين. قال بعض علمائنا: إن الشغار كان من أنكحة الجاهلية، تقول (11) : شاغِرْنِي وَلِيَّتي بوليّتك (12) ؛ أي (13) : عاوضني جماعًا بجماع. وقال أبو زيد: شغرت المرأة: رفعت (14) رجليها (15) عند الجماع. قال ابن قتيبة: كُلُّ واحدٍ منهما: يشغر: إذا نكح. وأصله: الكلب إذا رفع رِجْلَه ليبول. وقيل: إنه مأخوذ من: شَغَرَ البلد: إذا بَعُد. وقيل: من: شَغَر البلدُ: إذا (16) خلا. &(4/85)&$
__________
(1) في (ي): ((القولان عن لمالك)).
(2) قوله: ((الفسخ فيه)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(3) قوله: ((وهو لأصحابنا)) مكرر في (ي) وفي (ب): ((وهو لا لأصحابنا)).
(4) قوله: ((عاصٍ)) سقط من (ب).
(5) في (ب): ((وكذا وكذلك)).
(6) قوله: ((هذا)) سقط من (أ) و(ي).
(7) قوله: ((التعليل بها ويذر)) مطموس في (ح).
(8) في (ب) و(ح): ((تستعمل)).
(9) في (ب) و(ح): ((واذر)). وانظر "النهاية" (5/171).
(10) في (ب): ((ومنه)).
(11) في (ب) و(ي): ((يقول)).
(12) في (ب): ((فوليتك)).
(13) في (ي): ((أو)) بدل ((أي)).
(14) في (ي): ((وقعت)).
(15) في (ب): ((رجلها)).
(16) في (ب) و(ح): ((بمعنى)).(4/85)
قلت: وتصح (1) ملاحظة هذه المعاني في الحديث، وحملُه عليها. لكن منها ما يبعد عن صناعة الاشتقاق (2) . ومنها ما يقرب. وأقربها القول الأول.
ولا خلاف بين العلماء في منع الإقدام عليه، لكن اختلفوا فيما إذا وقع، هل يفسخ أبدًا وإن دخل؟ فحكى ابن المنذر ذلك عن الشافعي، وأحمد، واسحاق، وأبي ثور، وهو (3) أحد قولي مالك. أو هل يصحُّ وإن لم يدخل؟ وهو قول عطاء، وعمرو بن دينار، ومكحول، والثوري، والزهري، وأصحاب الرأي قالوا: يصحّ =(4/110)=@ ويُرجع فيه إلى صداق المثل. وهل (4) يُفسخ قبلُ ويفوت (5) بالدخول فيثبت (6) بَعد؟ وهو قول (7) الأوزاعي، وأحد قولي مالك.
وموجب هذا الخلاف (8) : اختلافهم في: هل هذا النهي راجع لعين العقد؛ فيكون فاسدًا أبدًا (9) ؛ لأن كل واحد من الزوجين معقود عليه، ومعقود به. وهما متناقضان؟ أو هو راجع إلى إخلاء العقد من الصداق؟ وهو أمر يُتدارك بفرض صداق المثل، كنكاح التفويض؟ وأمّا وجه الفرق (10) فهو: أن إيقاع العقد على غير الوجه المنهي عنه ممكن قبل (11) الدخول فيفسخ، فيستأنفان عقدًا جائزًا. فأما إذا دخل؛ فقد فات، فيُرجع فيه إلى صداق المثل.
وقوله (12) : ((لا شغار في الإسلام (13) ))؛ أي: لا صحة لعقد الشغار في الإسلام، وهو حُجَّةٌ لمن قال بفساده على كل حال، وهو ظاهر هذه الصيغة؛ كقوله: ((لا صيام لمن لم يبيت الصيام)) (14) ، و: ((لا عمل إلا بنية))، و: ((لا رجل (15) في الدار))؛ فإن الظاهر من هذه الصيغة (16) نَفْي الأصل والصحة، ونَفْي الكمال محتمل فلا يصار إليه إلا بدليل (17) ، كما بيَّنَّاه في قوله (18) : ((لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)) (19) . =(4/111)=@ &(4/86)&$
__________
(1) في (ب) و(ح) و(ي): ((ويصح)).
(2) في (ب): ((الاشفاق)).
(3) قوله: ((وهو)) مكرر في (ب).
(4) في (ب) و(ح) و(ي): ((أو هل)).
(5) في (أ): ((ويفون)) وفي (ي): ((وبفوت)).
(6) في (ح) و(ب): ((ويثبت)).
(7) في (ي): ((قولي)).
(8) قوله: ((الخلاف)) لم يتضح في (ي).
(9) في (ب): ((أيدا)).
(10) في (أ) يشبه أن تكون: ((المفرق)).
(11) قوله: ((قبل)) تكرر في (أ).
(12) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(13) قوله: ((في الإسلام)) سقط من (أ).
(14) أخرجه أبو داود (2/329 رقم2454) باب النية في الصيام، والترمذي (3/108 رقم730) باب ما جاء لا صيام لمن لم يعزم من الليل، والنسائي (4/196 رقم2333) باب ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة في ذلك، وابن ماجه (1/542 رقم1700) باب ما جاء في فرض الصوم من الليل، والطحاوي (1/325).
كلهم من ابن لهيعة ويحيى بن أيوب، عن عبدالله بن أبي بكر بن حزم، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبدالله، عن أبيه، عن حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذكره مرفوعًا، وعندهم عداالطحاوي: ((يجمع)) بدل((يبيت)).
وقال الحافظ في "التلخيص الحبير" (2/361):((واختلف الأئمة في رفعه ووقفه، فقال ابن أبي حاتم، عن أبيه: لا أدري أيهما أصح؛ يعني: رواية يحيى بن أيوب، عن عبد الله بن أبي بكر، عن الزهري، عن سالم. ورواية إسحاق بن حازم عن عبدالله بن أبي بكر، عن سالم بغير وساطة الزهري. والوقف أشبه. وقال أبو داود: لا يصح رفعه. وقال الترمذي: الوقف أصح، ونقل في "العلل" عن البخاري أنه قال: هو خطأ، وهو حديث فيه اضطراب، والصحيح عن ابن عمر موقوف. وقال النسائي: الصواب عندي موقوف ولم يصح رفعه...)).اهـ.
(15) في (ب): ((زيد)).
(16) قوله: ((من هذه الصيغة)) مطموس في (ح). وسقط من (ب).
(17) في (أ): ((بالدليل)).
(18) في (أ): ((كقوله)).
(19) روي من حديث أبي هريرة وجابر وعلي موقوفًا.
حديث أبي هريرة :
أخرجه الدارقطني (1/420)، والحاكم (1/246)، وعنه البيهقي (3/57) من طريق يحيى بن إٍحاق، عن سليمان بن داود اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، مرفوعًا.
وإسناده ضعيف جدًّا، سليمان بن داود اليمامي: قال عنه البخاري: ((منكر الحديث))، وقال ابن معين: ((ليس بشيء))، وقال ابن حبان: ((متروك [وضع بجانبها نجمة وكتب بأسفل الصفحة: قال الذهبي: قال البخاري:من قلت فيه: منكر الحديث فلا....] فلا تحل رواية حديثه)). وقال الزيلعي (4/413): ((قال ابن القطان في كتابه: وسليمان بن داود اليمامي، المعروف بأبي الجمل، ضعيف، وعامة ما يرويه بهذا الإسناد لا يتابع عليه)). وقال الألباني في "الإرواء" (491): ((ضعيف)).
حديث جابر :
أخرجه الدارقطني (1/419-420) من طريق محمد بن سكين الشقري، عن عبدالله بن بكير الغنوي، عن محمد بن سوقة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، مرفوعًا، وفيه زيادة. وإسناده ضعيف جدًّا. محمد بن سكين: قال الذهبي في "الميزان" (3/567): ((لا يُعرف، وخبره منكر))، وقال البخاري: ((في إسناد حديثه نظر)).
حديث علي موقوفًا عليه :
أخرجه عبدالرزاق في "المصنف" (1/497 رقم1915)، وابن أبي شيبة (1/303 رقم3469) في الصلاة، باب من قال إذا سمع المنادي فليجب، والبيهقي (3/57 و174). جميعهم من طريق أبي حيان، عن أبيه، عن علي – رضي الله عنه - موقوفًا عليه.
قال الألباني في "الإرواء" (2/254): ((وهذا إسناد ضعيف، علته والد أبي حيان، واسمه سعيد بن حيان، قال الذهبي: لا يكاد يعرف، وعنه ولده، روى له الترمذي حديثًا عن علي، وقال فيه: غريب)).
وأخرجه الدارقطني (1/420) من طريق الحارث الأعور، عن علي.
وإسناده ضعيف، والحارث ضعيف، لا يحتج به.
والحديث قال عنه الحافظ في "التلخيص" (2/66): ((مشهور بين الناس، وهو ضعيف، ليس له إسناد ثابت)).(4/86)
وقد جاء تفسير الشِّغار في حديث ابن عمر من قول نافع، وجاء في حديث أبي هريرة من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي مساقه. وظاهره: الرفع إلى النبي (1) - صلى الله عليه وسلم - . وبحتمل أن يكون من تفسير (2) أبي هريرة، أو غيره من الرواة، أعني: في حديث أبي هريرة. وكيفما كان فهو تفسير صحيح موافق لما (3) حكاه أهل اللسان (4) . فإن كان من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو المقصود، وإن كان من قول صحابي فمقبول؛ لأنهم أعلم بالمقال، وأقعد بالحال (5) .
وقوله: ((إن أحق الشروط (6) أن يُوفَّى (7) به (8) ما استحللتم به الفروج))؛ لا تدخل (9) في هذا الشروط الفاسدة؛ لأنها لا يستحل (10) بها شيء؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط)) (11) ؛ فإذًا: المراد من الشروط: ما كان جائزًا، ثم هي (12) على ضربين (13) : ما يرجع إلى الصَّداق، وما يكون خارجًا عنه.
فالأول (14) لا بدّ من الوفاء به؛ كشَّورة (15) ، ووَصِيف (16) (17) ، وغير ذلك.
والثاني و (18) هو (19) : ما يكون خارجًا عنه؛ مثل: ألا يخرجها من بلدها، أو لا يتزوّج عليها، أو لا (20) يفرق بينها وبين أولادها، وما أشبه ذلك (21) .
فهذا النوع إن علَّقه على طلاق أو عتق لزم اتفاقًا عند (22) من يقول بتنفيذ (23) الطلاق والعتق الْمُعَلَّقَيْن على التزويج والْمِلك. وهو مشهور مذهب مالك. فإن لم يعلَّق عليه ذلك؛ فقيل هو لازم يُخبر عليه من أَبَاهُ للحديث. وقيل: يُستحبُّ الوفاء به، ولا يُجبر (24) عليه، وهو مذهب مالك (25) .
واختلفوا فيما إذا اشترط (26) المنكح حباءً (27) لنفسه غير (28) الصداق، وهو المسمى عند &(4/87)&$
__________
(1) قوله: ((إلى)) مكرر في (ب).
(2) قوله: ((من تفسير)) مطموس في (ح).
(3) في (ب): ((لها)) بدل ((لما)).
(4) قوله: ((حكاه أهل اللسان)) مطموس في (ح).
(5) في (ب): ((وأفقه بالمجمال)).
(6) في (ب) و(ح): ((مالشروط)).
(7) في (ح): ((توفى)) وفي (ي): ((توفوا)).
(8) قوله: ((به)) سقط من (ب) و(ح).
(9) في (ب) و(ي): ((لا يدخل)).
(10) في (ي): ((مستحل)).
(11) سيأتي في العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق.
(12) في (ب) و(ح): ((هم)).
(13) أشير لها بسهم وكتب: كذا في (ح).
(14) من قوله: ((كان جائزًا ثم...)) إلى هنا سقط من (ي).
(15) الشَّورة - بفتح الشين -: المتاع، وما يحتاج إليه البيت، وهو أيضًا: الجهاز للتجمّل به. انظر "مواهب الجليل" (4/185)، و"جواهر العقود" للمنهاجي، و"لسان العرب" (4/436) مادة: شور.
(16) في (ح): ((ورصيف)).
(17) الوَصيفُ: الخادم غلامًا كان أو جارية، والجمعُ: الوصفاء. انظر "مختار الصحاح" (ص302)، و"النهاية" (5/190).
(18) أشير لها وكتب: كذا في (ح).
(19) في (ب): ((وهو)).
(20) في (أ): ((ولا)) وفي (ي): ((أو أن لا يفرق)).
(21) قوله: ((وما أشبه ذلك)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(22) في (ب) و(ح): ((عنه)).
(23) في (ي): ((بنفوذ)).
(24) في (ي): ((يجير)). وأشير لها بسهم وكتب: كذا في (ح).
(25) قوله: ((وهو مذهب مالك)) سقط من (ي).
(26) في (أ) و(ب) و(ي): ((شرط)).
(27) والحباء: العطية للغير أو للزوج زائدًا على مهرها. انظر "عون المعبود" (6/116).
(28) في (ب): ((عين)) وكتب فوقها ((في)).(4/87)
العرب: بالحلوان. فقال قوم (1) : هو للمرأة مطلقًا. وبه قال عطاء، وطاووس، =(4/112)=@ وعكرمة، وعمر بن عبدالعزيز، والثوري، وأبو عبيد.
وقال آخرون: هو لمشترطه. وبه قال علي بن الحسين، ومسروق، وشرطَ عشرة آلاف؛ يجعلها (2) في الحجّ، والمساكين لَمّا زوج ابنته. وقيل: هذا مقصورٌ على الأب خاصة للتبسُّط (3) في مال ولده (4) .
وقال الشافعي: لها مَهْرُ مثلها. وقال مالك: إن كان هذا الاشتراط (5) في حال العقد، فهو للمرأة لاحقٌ بصداقها. وإن كان بعده فهو لمن وهب له. وفيه تفريعٌ يُعْرفُ في كتب أصحابنا.
ويشهد لمذهب مالك ما خرَّجه أبو داود عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أيُّما امرأة نكحت على صَّداق أو (6) حباء، أو عدة (7) ، قبل عصمة النكاح فهو لمن أعطيه، وأحق ما أكرم عليه الرَّجل ابنته أو أخته)) (8) ؛ يعني: فمن يعطيه (9) المرأة؛ بدليل قوله: ((على صَّداق))، فإن الصَّداق لا يكون إلا للمرأة، وكذلك (10) ما ذكر معه من الحباء والعدة.
وقوله: ((أحق ما أكرم عليه الرَّجل ابنته))؛ استئناف كلام يقتضي الحضَّ على إكرام الوليّ تطييبًا لنفسه، والله تعالى أعلم (11) . =(4/113)=@ &(4/88)&$
__________
(1) قوله: ((قوم)) سقط من (أ).
(2) في (ب) و(ح): ((جعلها)).
(3) في (ب): ((للبسط)).
(4) جاء في هامش (أ): ((الولد هنا يعني به الأنثى)).
(5) في (ب): يشبه أن تكون ((الا شرط)).
(6) في (ب) و(ح) و(ي): ((و)) بدل ((أو)).
(7) في (أ): ((أو غيره)).
(8) أخرجه عبدالرزاق (6/257 رقم10739)، وعنه أحمد (2/182)، وأخرجه أبو داود (2/597-598 رقم2129) في النكاح، باب في الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئًا، وابن ماجه (1/628-629 رقم1955) في النكاح، باب الشرط في النكاح، والنسائي (6/120) في النكاح، باب التزويج على نواة من ذهب، والطحاوي في "مشكل الآثار" (4471)، والبيهقي (7/248).
جميعهم من طرق عن ابن جريج، عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبدالله بن عمرو بن العاص: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أيُّما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها، مما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطاه، وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته)).
وهذا إسناد حسن، فقد وقع تصريح ابن جريج بالتحديث عند النسائي والطحاوي، فانتفت شبهة تدليسه، وذهب الألباني في "الضعيفة" (1007) إلى تضعيفه لأجل عنعنة ابن جريج.
(9) في (ح): ((أعطيه)). وفي (ي): ((فيمن أعطته)).
(10) في (ب): يشبه ((ولذل)).
(11) من قوله: ((يعني لمن يعطيه المرأة....)) إلى هنا سقط من (أ).(4/88)
ومن باب (1) استئمار (2) الثيب (3)
قوله: ((الأيِّمُ (4) أحقُّ بنفسها من وليِّها))؛ اتفق أهل اللغة على أن الأيِّم في الأصل (5) : هي المرأة التي لا زوج لها بكرًا كانت أو ثيبًا. ومنه قوله تعالى: {وأنكحوا (6) ألأيامى منكم} (7) . تقول العرب: تَأَيَّمَت المرأة: إذا أقامت لا تتزوّج. ويقال: أيِّمٌ بَيِّنَةُ (8) الأيْمَةِ، وقد آمَتْ هي، وإمْتُ أنا. قال الشاعر:
لقد إمْتُ حتى لامنِي (9) (10) كُلُّ صاحب ... رجاء (11) سُلَيْمَى أن تَئِيمَ (12) كما إِمْتُ
قال أبو عبيد: يقال: رجل أَيِّمٌ، وامرأة (13) أَيِّم. وأكثر ما يكون في النساء، وهو كالمستعار (14) في الرِّجال.
قلت: والأيّم في هذا الحديث هي: الثَّيِّب (15) ؛ بدليل الرواية المفسِّرة التي جعل =(4/114)=@ فيها الثَّيب مكان الأيِّم (16) ، وبدليل: أنها قوبل بها البكر (17) ، وفُصِلَ بينهما، فأُعْطيت كلُّ واحدة منهما حكمهما (18) . وهذا واضح جدًّا.
وعليه: فلا مبالاة بما يقوله الكوفيون، وزفر، والشعبي، في (19) هذا الحديث؛ من أنَّ المراد بالأيَّم: التي لا زوج لها بكرًا كانت أو ثيبًا. مستدلين به على أن الولي ليس بشرط في النكاح، بل للمرأة أن تُنْكِح نفسها بغير ولي، بكرًا كانت أو ثيبا إذا بلغت. وحملوا قوله ? (20) : ((أحق)) على العقد؛ أي: هي (21) أحقُّ من وليها (22) بالعقد عليها.
وهذا لا يصح؛ لما ذكرناه؛ ولأن مقصود الحديث بيانُ حكم الثَّيب والأبكار بالنسبة إلى سماع الإذن. فالثيب تُعْرِبُ عن نفسها؛ أي: تنطق بنفسها (23) مرادها، ولا يُكتفَى منها بالسكوت. والبكر يُكتفَى منها بالسكوت. فقوله (24) : ((أحق بنفسها))؛ أي: تنطق بنفسها، ولا ينطق الوليُّ عنها.
ثم نقول: بل هذا الحديث حُجَّةٌ للجمهور في اشتراط الوليِّ؛ بدليل صحة ما وقعتْ فيه المفاضلة. وبيان ذلك: أنَّ ((أَفْعَلَ مِنْ كذا))، لا بدَّ فيها من اشتراك (25) في شيء مما وقع فيه التفاضل؛ فإنك إذا قلت: فلان أعلم من فلان. اقتضى ذلك اشتراكهما في أصل العلم، وانفراد (26) أحدهما بمزية (27) فيه؛ وكذلك قوله: ((أحق)) لا بدَّ فيه (28) أنّ يشاركها الوليُّ في حَقِّيَّةٍ (29) ما، فإذًا: له مدخل. ثم وجدنا في الشريعة مواضع كثيرة تدلّ (30) على أن ذلك المدخل هو شرط في صحة النكاح: &(4/89)&$
__________
(1) قوله: ((من باب)) سقط من (ب).
(2) في (ب): ((اسمرار)).
(3) قوله: ((ومن باب استئمار الثيب)) سقط من (ي).
(4) في (ح): ((الأتم)).
(5) قوله: ((في الأصل)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(6) في (ب): ((فأنكحوا)).
(7) سورة النور؛ الآية: 32.
(8) قوله: ((إذا أقامتلا تتزوج. ويقال: أيم بينة)) مطموس في (ح).
(9) في (ب): ((لامتى)).
(10) قوله: ((لقد إمت حتى لا مني)) مطموس ف ي(ح).
(11) في (ب) و(ح) و(ي): ((وجاء)).
(12) قوله: ((تئيم)) غير واضح في (ح) وفي (ي): ((يئم)).
(13) في (أ): ((وامرأمة)).
(14) في (ب): ((كالمشعار)).
(15) في (ب): ((البنت)).
(16) في (ب): ((الأم)).
(17) في (ب) و(ح): ((والبكر)).
(18) في (ب) و(ح): ((حكمًا)). وفي (ي): ((حكمها)).
(19) في (ي): ((من)) بدل ((في)).
(20) قوله: ((قوله ?)) سقط من (ي).
(21) قوله: ((هي)) سقط من (ب) و(ح).
(22) في (ب): ((قبلها)).
(23) في (أ): ((تبين بالكلام)).
(24) في (ب): ((وقوله)).
(25) في (ب) و(ي) و(ح): ((إشراك)).
(26) في (ب) و(ح) و(ي): ((وانفرد)).
(27) في (ب) و(ح) و(ي): ((بمزيد)).
(28) قوله: ((فيه)) سقط من (أ).
(29) في (ب) و(ح) و(ي): ((حقيقة)).
(30) في (ح): ((يدل)).(4/89)
فمنها قوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم} (1) ، ووجه الاستدلال بها: أنه خطابٌ للأولياء والسَّادة بالعقد على من يكون عليهم، وقد سَوَّى (2) بينهما بالخطاب (3) . فكما أنه لا ينعقد النكاح على أَمَةِ الغير إلا بولاية سيدها، فكذلك لا ينعقد نكاح الحرَّة إلا بإذن وليّها؛ ضرورة التسوية بين (4) النوعين في حكم الخطاب. وهو واضح جدًّا (5) . =(4/115)=@
ومنها (6) قوله تعالى: {فلا (7) تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف} (8) ، والاستدلال بها من وجهين:
أحدهما: نهيه عن العَضْل. فلولا أن له مدخلاً في الولاية لَمَا صح له العَضْل.
وثانيهما (9) : تعليقُ النَّهي عّن العَضْل على تراضي (10) الأزواج بالمعروف. فإنْ لم يتراضوا به فللولي العضل. وسيأتي الكلام على هذه الآية عند ذكر حديث معقل بن يسار (11) (12) – رضي الله عنه -، وفيه: لما أنزل الله الآية قال معقل: الآن (13) أفعل. فزوَّجها إيَّاه، مع أنها كانت مدخولاً بها.
ومنها: الحديث الذي (14) ذكره الدارقطني، وصحّحه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - مرفوعًا (15) : ((لا تزوِّج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها (16) ، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها)). قال: هذا صحيح.
ومنها: ما خرَّجه (17) أبو داود من حديث أبي موسى مرفوعًا (18) ، قال: ((لا نكاح إلا بوليّ)).
وفيه (19) : عن عائشة – رضي الله عنها - (20) قالت: قال رسول الله ?: ((أيُّما امرأة نكحت &(4/90)&$
__________
(1) سورة النور؛ الآية: 32.
(2) في (ب): ((بينوا)).
(3) في (ي) و(ب): ((في الخطاب)).
(4) في (ب): ((من)).
(5) قوله: ((جدًّا)) سقط من (ب) و(ح).
(6) قوله: ((منها)) سقط من (ي).
(7) في (ح) و(ب) و(ي): ((ولا)).
(8) سورة البقرة؛ الآية: 232.
(9) في (ب): ((وناثيهما)).
(10) في (أ): ((تراض)).
(11) قوله: ((يسار)) سقط من (ب) و(ح).
(12) أخرجه البخاري (8/192 رقم4529) كتاب التفسير، باب {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن}. و(9/183 و482 رقم5130 و5330-5331) كتاب النكاح، باب من قال: لا نكاح إلا بولي.
(13) في (ب): ((الا إن أفعل)).
(14) قوله: ((الذي)) مطموس في (ح).
(15) أخرجه ابن ماجه (1/605-606 رقم1882) في النكاح، باب لا نكاح إلا بولي، والدارمي (3/227و228)، والبيهقي (7/110).
جميعهم من طرق عن جميل بن الحسن العتكي، عن محمد بن مروان العقيلي، عن هشام ابن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال رسول الله ?: ((لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها)).
قال الألباني في "الإرواء" (1841): ((صحيح دون الجملة الأخيرة...))، وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات، غير محمد بن مروان العقيلي، قال الحافظ في "التقريب": ((صدوق له أوهام)).
قلت: لكنه قد توبع، فرواه مسلم بن عبدالرحمن الجرمي، ثنا مخلد بن الحسين، عن هشام بن حسان، به.
أخرجه الدارقطني (3/228)، والبيهقي (7/110).
قلت: وهذا سند رجاله ثقات غير الجرمي هذا، وهو شيخ، وقد أورده ابن أبي حاتم (8/188)، فقال: ((من الغزاة، روى عن مخلد بن الحسين. روى عنه المنذر بن شاذان الرازي)).اهـ.
(16) قوله: ((المرأة نفسها)) مطموس في (ح).
(17) قوله: ((ما خرجه)) سقط من (ب).
(18) روي من حديث جماعة من الصحابة وهم: أبي موسى، وابن عباس، وجابر بن عبدالله، وأبي هريرة.
1 - أما حديث أبي موسى، فيرويه أبو إسحاق، عن أبي بردة عنه، مرفوعًا به.
أخرجه أبو داود 2085)، والترمذي (1/203-204)، والدارمي (2/137)، والطحاوي (2/5)، وابن أبي شيبة (7/2 رقم2)، وابن الجارود (702)، وابن حبان (1243)، والدارقطني (ص380)، والحكم (2/170)، والبيهقي (7/107)، وأحمد (4/394و413)، والطيالسي (523)، وتمام الرازي في "الفوائد" (ق 291/2)، وأبو الحسن الحربي في جزء من حديثه (35/1) من طرق عن إسرائيل
ابن يونس، عن أبى إسحاق به.
وقد تابعه يونس بن أبى إسحاق، عن أبى إسحاق به.
أخرجه أبو داود (2085)، والترمذي من طريقين عنه. وأخرجه أحمد (4/413 و418) من طريقين عن يونس بن أبى إسحاق، عن أبى بردة به، لم يذكر فيه أبا إسحاق.وكذلك أخرجه ابن الجارود (701)،والحاكم من طريق ثالثة عن يونس به.
وتابعه شريك عن أبى إسحاق به.
أخرجه الترمذي والدارمى وابن حبان (1245)، وأبو علي الصواف في "الفوا ئد"، والبيهقي (3/169 رقم2).
وتابعه أبو عوانة: ثنا أبو إسحاق به.
أخرجه ابن ماجه (1881)، والطحاوي والحاكم والبيهقى والطيالسي (523).
وتابعه زهير بن معاوية عنه به.
أخرجه ابن الجارود (703)، وابن حبان (1244)، والبيهقى والحاكم.
وتابعه قيس بن الربيع.
أخرجه الطحاوي والبيهقي والحاكم. وتابعه أخيرًا شعبة، عن أبي إسحاق به.
أخرجه الدارقطني (381)، والرازي في "الفوائد" (219/2)، وأبو علي الصواف في "الفوائد" (3/169رقم2). أخرجاه عن سفيان أيضًا.
لكن المحفوظ عن شعبة وسفيان، عن أبى إسحاق، عن أيى بردة مرسلاً.
قال الترمذي عقب الحديث: ((وحديث أبى موسى حديث فيه اختلاف، رواه إسرائيل وشريك بن عبدالله وأبو عوانة وزهير بن معاوية وقيس بن الربيع، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبى موسى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وروى أبو عبيدة الحداد،عن يونس بن أبى إسحاق، عن أبى بردة، عن أبى موسى، نحوه. ولم يذكر فيه "عن أبى إسحاق"، وقد روي عن يونس بن أبى إسحاق، عن أبى إسحاق، عن أبى بردة، عن أبي موسى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضًا. وروى شعبة والثوري، عن أبي إسحاق، عن
أبى بردة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : « لا نكاح إلا بولي ». وقد ذكر بعض أصحاب سفيان عن أبى إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، ولا يصح.
ورواية هؤلاء الذين رووا، عن أبي إسحاق، عن أبى بردة، عن أبى موسى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، عندي أصح؛ لأن سماعهم من أبي إسحاق في أوقات مختلفة، وإن شعبة والثوري أحفظ وأثبت من جميع هؤلاء الذين رووا عن أبى إسحاق هذا الحديث، فإن رواية هؤلاء عندي أشبه؛ لأن شعبة والثوري سمعا هذا الحديث من أبي إسحاق في مجلس واحد، ومما يدل على ذلك - ثم ذكر بسنده الصحيح عن - شعبة قال: سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق: أسمعت أبا بردة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا نكاح إلا بولي »؟ فقال: نعم. فدلّ أن سماع شعبة والثوري عن أبي إسحاق - الأصل: مكحول ! - هذا الحديث في وقت واحد. وإسرائيل هو ثقة ثبت في أبى إسحاق. سمعت محمد بن المثنى يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما فاتني من حديث الثوري عن أبى إسحاق الذي فاتني، إلا لما اتكلت به على إسرائيل؛ لأنه كان يأتى به أتم)).
وأقول: لا شك أن قول الترمذي أن الأصح رواية الجماعة عن أبى إسحاق، عن أبى بردة، عن أبى موسى، مرفوعًا، هو الصواب، فظاهر السند الصحة، ولذلك صححه جماعة منهم علي بن المديني ومحمد بن يحيى الذهلي، كما رواه الحاكم عنهما، وصححه هو أيضًا ووافقه الذهبي، ومنهم البخاري كما ذكر ابن الملقن في "الخلاصة" (ق 143/2)، ولكن يرد عليهم أن أبا إسحاق - وهو السبيعي - كان قد اختلط ولا يُدرى هل حدث به موصولاً قبل الاختلاط أم بعده ؟
نعم قد ذكر له الحاكم متابعين منهم ابنه يونس، وقد سبقت روايته، وقال: ((لست أعلم بين أئمة هذا العلم خلافًا على عدالة يونس بن أبى إسحاق، وأن سماعه من أبي بردة مع أبيه صحيح، ثم لم يختلف على يونس في وصل هذا الحديث)).
ثم وصله الحاكم من طريق أبي بكر بن عياش، عن أبى حصين، عن أبى بردة.
قلت: وفي إسناده ضعف. لكن إذا لم يرتق الحديث بهذه المتابعة إلى درجة الحسن أو الصحة، فلا أقل من أن يرتقي إلى ذلك بشواهده الآتية، فهو بها صحيح قطعًا، ولعل تصحيح من صححه من أجل هذه الشواهد، والله أعلم.
2 - وأما حديث ابن عباس، فله عنه طريقان:
الأولى: عن عكرمة عنه به مرفوعًا.
أخرجه ابن ماجه (1880)، والبيهقى (7/109-110)، وأحمد (1/250) من طريق الحجاج عن عكرمة.
قلت: والحجاج هو ابن أرطاة، وهو مدلس وقد عنعنه. بل قال أحمد: إنه لم يسمع من عكرمة.
الثانية: عن سعيد بن جبيرعنه به.
أخرجه الطبرانى في "المعجم الكبير" (3/163 رقم 2): حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل: نا عبيدالله بن عمر القواريري، نا عبدالرحمن بن مهدي وبشر بن المفضل قالا: نا سفيان، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عنه.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، رجال مسلم غير عبدالله بن أحمد، وهو ثقة حافظ، لكن قد أعل بالوقف كما يأتي.
وأخرجه من طريق الطبراني الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة" (231-232).
وقال الطبراني في "الأوسط" (1/164 رقم2 / زوائده ): ثنا أحمد بن القاسم، ثنا عبيدالله بن عمر القواريري، ثنا عبد الله بن داود وبشر بن المفضل وعبدالرحمن بن مهدي، كلهم عن سفيان به بلفظ: ((لا نكاح إلا بإذن ولي مرشد أو سلطان))، وقال: ((لم يروه مسندًا عن سفيان إلا هؤلاء الثلاثة، تفرد به القواريري)).
قلت: وهو ثقة ثبت كما قال الحافظ في "التقريب"، والراوي عنه أحمد بن القاسم، الظاهر أنه أحمد بن القاسم بن مساور أبوجفر الجوهري، ويحتمل أنه أحمد بن القاسم بن محمد أبو الحسن الطائي البرتي، وكلاهما من شيوخ الطبراني في "المعجم
الصغير" (ص 16، 18) وكلٌّ ثقة مترجم له في "تاريخ بغداد" (4/349-350).
وقد تابعه معاذ بن المثنى: ثنا عبيدالله بن عمر القواريري، ثنا عبدالله بن داود سمعه من سفيان ذكره، عن ابن خثيم، عن سعيد بن جبير ،عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال عبيدالله: ثنا بشر بن منصور وعبدالرحمن بن مهدي جميعًا قالا: ثنا سفيان، عن ابن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إن شاء الله قال..، فذكره.
تفرد به القواريري مرفوعًا، والقواريري ثقة، إلا أن المشهور بهذا الإسناد موقوف على ابن عباس.
ثم روى من طريق إسحاق الأبري، عن عبدالرزاق، عن الثوري، عن ابن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، مثله ولم يرفعه. وكذلك رواه ابن أبي شيبة (7/2رقم1): وكيع عن سفيان به موقوفًا.
ثم رواه من طريق جعفر بن الحارث عن عبدالله بن عثمان بن خثيم به.
ورواه الشافعي (1542)، وعنه البيهقي (7/112) عن مسلم بن خالد، عن ابن خثيم به. وخالفهم جميعًا عدي بن الفضل فقال: أنبا عبدالله بن عثمان بن خثيم به مرفوعًا بلفظ: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، فإن أنكحها ولي مسخوط عليه، فنكاحها باطل)).
أخرجه الدارقطني (382) وقال: ((رفعه عدي بن الفضل، ولم يرفعه غيره)). وقال البيهقى عقبه: ((وهو ضعيف، والصحيح موقوف)).
ثم وجدت للقواريري متابعًا، أخرجه أبو الحسن الحمامي في "الفوائد المنتقاة"(9/2 رقم1) من طريق مؤمل بن إسماعيل عن سفيان الثوري به، بلفظ القواريري. وقال الحافظ أبو الفتح بن أبى الفوارس في "منتقى الفوائد": ((حديث غريب من حديث الثوري، تفرد به مؤمل بن إسماعيل، عن سفيان، والمحفوظ عن سفيان موقوف)).
3 - وأما حديث جابر، فله طرق :
الأولى: عن أبى سفيان عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا نكاح إلا بولي، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)).
أخرجه الطبرانى في الأوسط" (1/164 رقم2) من طريق عمرو بن عثمان الرقي، نا عيسى بن يونس، عن الأعمش عنه. وقال: ((لم يروه عن الأعمش إلا عيسى، ولا عنه إلا عمرو)).
قلت: وهو أعني: عمرو بن عثمان الرقي قال الهيثمي (4/286): ((وهومتروك، وقد وثقه ابن حبان)).
الثانية: عن عطاء، عن جابر به :
أخرجه الطبراني عن عبداللله بن بزيع، عن هشام القردوسي عنه.
قلت: وهذا سند ضعيف، عبدالله بن بزيغ؛ قال الذهبى في "الضعفاء": ((لينه الدارقطني)).
الثالثة: عن أبى الزبير، عنه مرفوعًا بلفظ: ((لا نكاح إلا بولي، وشاهدي عدل)).
أخرجه الطبراني أيضًا من طريق قطن بن نسير الذراع، نا عمرو بن النعمان الباهلي، نا محمد بن عبد الملك عنه. وقال: ((لا يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد، تفرد به قطن)).
قلت: وهو صدوق يخطىء، احتج به مسلم، وعمرو بن النعمان الباهلى صدوق له أوهام كما في "التقريب". وأما محمد بن عبد الملك، فلم أعرفه. وقال الهيثمي: ((فإن كان هو الواسطي الكبير فهو ثقة، وإلا فلم أعرفه، وبقية رجاله ثقات)).
قلت: الواسطي هذا لم يوثقه غير ابن حبان، ومع ذلك، فقد رماه بالتدليس فقال في "الثقات" (../... ): ((يعتبر حديثه إذا بيّن السماع، فإنه كان مدلسًا)).
قلت: وقد روى هنا بالعنعنة، فلا يعتبر حديثه، فكيف يطلق عليه أنه ثقة ! أضف إلى ذلك أن أبا الزبير مدلس أيضًا معروف بذلك !
4 - أما حديث أبي هريرة، فله عنه طرق:
الأولى: عن محمد بن سيرين، عنه بلفظ الكتاب.
أخرجه ابن حبان (1246) من طريق أبي عتاب الدلاّل، حدثنا أبو عامر الخزاز عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات غير أبي عامر الخزاز، واسمه صالح بن رستم المزني مولاهم. قال الحافظ: ((صدوق، كثير الخطأ)).
والثانية: عن سعيد بن المسيب عنه به، وزيادة: ((وشاهدي عدل)).
أخرجه ابن عدي في "الكامل"(ق 153/2)، والطبرانى في " الأوسط"(1/164رقم 2) من طريق سليمان بن أرقم، عن الزهري عنه. وقال: ((لم يروه عن الزهري إلا سليمان)).
قلت: وهومتروك كما في "المجمع" (4/286)، وقد تابعه عمر بن قيس، وهو المكي عن الزهري به بلفظ: ((لا تنكح المرأة إلا بإذن ولي)).
أخرجه الطبراني أيضًا، وقال: ((لم يروه عن الزهري إلا عمر)).
قلت: وهومتروك أيضًا.
والثالثة: عن أبي سلمة عنه به وزاد: قيل: يا رسول الله ! من الولي ؟ قال: ((رجل من المسلمين)).
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(12/233 رقم2) عن المسيب بن شريك، عن محمد بن عمرو، عنه.
قلت: والمسيب هذا متروك كما قال مسلم وجماعة. وله طريق رابعة، سأذكرها تحت الحديث رقم (1858).
وفي الباب عن جماعة آخرين من الصحابة، وفي أ سانيدها كلها ضعف، وتجد تخريجها في "نصب الراية"، و "مجمع الزوائد"، وفيما ذكرنا كفاية.
وخلاصة القول: أن الحديث صحيح بلا ريب، فإن حديث أبى موسى قد صححه جماعة من الأئمة كما عرفت، وأسوأ أحواله أن يكون الصواب فيه: أنه مرسل. أخطأ في رفعه أبو إسحاق السبيعى، فإذا انضم إليه متابعة من تابعه موصولاً، وبعض الشواهد المتقدمة التى لم يشتد ضعفها عن غير أبي موسى من الصحابة، مثل
حديث جابر من الطريق الثانية، وحديث أبي هريرة من الطريق الأولى. إذا نظرنا إلى الحديث من مجموع هذه الطرق والشواهد فإن القلب يطمئن لصحته، لاسيما، وقد صح عن ابن عباس موقوفًا عليه كما سبق، ولم يعرف له مخالف من الصحابة. أضف إلى ذلك كله أن في معناه حديث عاثشة الآتى في الكتاب، وهو حديث صحيح كما سيأتي تحقيقه. وقد روى ابن عدي في "الكامل" (2/156) عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: ((أحاديث: «أفطر الحاجم والمحجوم »، و « لا نكاح إلا بولي »، يشد بعضها بعضًا، وأنا أذهب إليها)). اهـ.
(19) قوله: ((وفيه)) تكرر في (ب).
(20) صحيح. أخرجه أبو داود (2083)، والترمذي (1/204)، وابن ماجه (1879)، وأ حمد (6/ 47، 165)، وكذا الشافعي (1543)، والدارمي (2/137)، وابن أبي شيبة (7/2/1)، والطحاوي (2/4)، وابن الجارود (700)، وابن حبان (1248)، والدارقطني(381)، والحاكم (2/168)، والبيهقي (7/105)، والطيالسيى (1463)، وابن عدي في "الكامل"، (ق 156/ 2)، وابن عساكر (7/318/ 2 - 320/1) من طرق عديدة عن ابن جريج عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة عنها. ومن طريقه عنه عبدالرزاق قال: أنا ابن جريج، قال: أخبرني سليمان بن موسى: أن ابن شهاب أخبره: أن عروة أخبره: أن عاثشة أخبرته. أخرجه أحمد وابن الجارود والدارقطني.
قلت: وهذا إسناد موصول مسلسل بالتحديث، على أنه ليس فيهم من يعرف بالتدليس سوى ابن جريج، وقد صرح بالتحديث أيضًا في رواية غير عبدالرزاق، فقال الإمام أحمد: ثنا إسماعيل، ثنا ابن جريج، قال: أخبرني سليمان بن موسى به،
وزاد في آخره: قال ابن جريج: فلقيت الزهري، فسألته عن هذا الحديث، فلم يعرفه.
قال: وكان سليمان بن موسى وكان، فأثنى عليه.
وقول ابن جريج هذا أخرجه العقيلي أيضًا في ترجمة سليمان بن موسى (ص 164)، وفيه: قال ابن جريج: ((وكان سليمان وكان - يعني: في الفضل)).
قلت:فهذا صريح في أن الثناء المذكور على سليمان إنما هومن ابن جريج لا من الزهري، وهوظاهر عبارة أ حمد ني مسنده، بخلاف ما رواه عنه الحكم من طريق أبى حاتم الرازي قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول - ذكر عنده أن ابن علية (هو اسماعيل شيخ أ حمد في الرواية المتقدمة) يذكر حديث ابن جريج في "لا نكاح إلا بولي ". قال ابن جريج، فلقيت الزهري، فسالته عنه، فلم يعرفه وأثنى على سليمان بن مومى. قال أحمد بن حنبل: إن ابن جريج له كتب مدونة وليس هذا في كتبه، يعنى: حكاية ابن علية عن ابن جريج ". قلت: فظاهر قوله "أثنى... " إنما هو الزهري؛ لأنه أقرب مذكور، وقد صارح هذا الظاهر نصًّا في نقل الحافظ في "التلخيص"(3/157) لهذه العبارة عن الحكم فزاد فيها: ((...وسألته عن سليمان بن موسى ؟ فأثنى عليه)). فكأن الحافظ رحمه الله رواه بالمعنى الظاهر من عبارة "المستدرك "، غير أن هذا الظاهر غير مراد لما تقدم من رواية العقيلي التى هى نص على خلاف ما فهم.
نعم قد رواه ابن عدي على نحو ما عزاه الحافظ للحاكم، فروى من طريق الشاذكوني، ثنا بشر بن المفضل، عن ابن جريج...، فذكر الحديث. قال ابن جريج: ((فلقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث؟ فلم يعرفه، فقلت له: إن سليمان بن موسى حدثنا به عنك، قال: فعرف سليمان، وذكر خيرًا، وقال: أخاف أن يكون وهم علي)).
قلت: لكن الشاذكوني هذا متهم بالكذب، فلا يعارض بروايته رواية ابن علية عن ابن جريج. على أن الرواية عنه من أصلها قد طعن في صحتها الإمام أحمد كما تقدم في رواية أبى حاتم عنه، وروى ابن عدي بالسند الصحيح عن ابن معين أنه قال: ((لا يقول هذا إلا ابن علية، وابن علية عرض حديث ابن جريج على عبدالمجيد بن
عبدالعزيز، فاصلحها له)).
وطعن فيها آخرون، فقال الحافظ: ((وأعل ابن حبان وابن عدي وابن عبدالبر والحاكم وغيرهم الحكاية عن ابن جريج، وأجابوا عنها على تقدير الصحة بأنه لا يلزم من نسيان الزهري له أن يكون سليمان بن موسى وهم فيه. وقد تكلم عليه أيضًا الدارقطني في "جزء من حدث ونسي" والخطيب بعده، وأطال الكلام عليه البيهقي في "السنن" و "الخلافيات"، وابن الجوزي في "التحقيق".
وقال الترمذي عقب الحديث هو عندي حسن. وقد تكلم بعض أصحاب الحديث فيه - ثم ذكر الحكاية المتقدمة عن ابن جريج وقال -، وذكر عن يحيى بن معين أنه قال: لم يذكر هذا الحرف عن ابن جريج إلا إسماعيل بن ابراهيم. قال يحيى: وسماع إسماعيل عن ابن جريج ليس بذاك إنما صحح كتبه على كتب عبدالمجيد بن عبدالعزيز بن أبي رواد ما سمع من ابن جريج. وضعف يحيى رواية إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج)).
قلت: وقد ذكر هذا الحرف عن ابن جريج بشر بن المفضل أيضًا، لكن الراوي عنه كما سبق ذكره.
ومما سبق يتبين أنه لا يصلح الإعتماد على هذه الحكاية في الطعن في سند الحديث، فلننظر فيه، كما ننظر في أي إسناد في أي حديث. فأقول: إن الحديث رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، إلا أن سليمان بن موسى مع جلالته في الفقه، فقد قال الذهبي في "الضعفاء": ((صدوق، قال البخاري: عنده مناكير)). وقال الحافظ في "التقريب": ((صدوق فقيه، في حديثه بعض لين، وخلط قبل موته بقليل)).
وعلى هذا فالحديث حسن الإسناد، وأما الصحة فهى بعيدة عنه، وإن كان صححه جماعة منهم ابن معين كما رواه ابن عدي عنه. ومنهم الحاكم فقال: ((صحيح على شرط الشيخين))، كذا قال، وسليمان لم يخرج له البخاري. وقال ابن الجوزي في"التحقيق"(2/71/3):(( هذا الحديث صحيح، ورجاله رجال الصحيح)).
ورده الحافظ ابن عبدالهادي في "التنقيح" (3/261) بأن سليمان صدوق، وليس من رجال الصحيحين.
نعم لم يتفرد به سليمان بن موسى بل تابعه عليه جماعة فهو بهذا الاعتبار صحيح.
فتابعه جعفر بن ربيعة عن ابن شهاب به.
أخرجه أبوداود (2084)، والطحاوي والبيهقى وأحمد(66/6)، وقال أبو داود: ((جعفر لم يسمع من الزهري، كتب إليه)).
وتابعه عبيدالله بن أبى جعفر، عن ابن شهاب به مثله.
أخرجه الطحاوي من طريق ابن لهيعة عنه.
قلت: ورجاله ثقات غير ابن لهيعة، فإنه سيء الحفظ. وهو الذي روى المتابعة التى قبل هذه. وتابعه الحجاج بن أرطاة عن الزهري بإسناده بلفظ: ((لا نكاح إلا بولي، والسلطان ولي من لا ولي له)). أخرجه ابن ماجه (1880)، وابن أبى شيبة (7/2/ 2) والطحاوي والبيهقي وأحمد (6/260).
وقال ابن عدي: ((وهذا حديث جليل في هذا الباب، وعلى هذا الاعتماد في إبطال نكاح بغير ولي، وقد رواه ابن جريج الكبار، ورواه عن الزهري مع سليمان بن موسى وحجاج بن أرطاة، ويزيد بن أبى حبيب، وقرة بن عبد الرحمن بن حيوئيل وأيوب بن موسى وابن عيينة، وإبراهيم بن سعيد، وكل هؤلاء طرقهم غريبة، إلا حجاج بن أرطاة، فإنه مشهور، رواه عنه جماعة)).
وللحديث شاهد من حديث ابن عباس مرفوعًا.
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/164/1) من طريق أبي يعقوب، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء عنه. وقال: ((لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد)).
قال الهيثمي في "المجمع" (4/285): ((وفيه أبو يعقوب غير مسمى، فإن كان هو التوأم، فقد وثقه ابن حبان، وضعفه ابن معين، وإن كان غيره فلم أعرفه، وبقية رجاله ثقات)).(4/90)
بغير إذن وليها فنكاحها باطل - ثلاث مرَّات -، فان دخل بها فالمهرُ لها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)). وهذه أحاديث (1) مشهورة صحيحة عند تحقيق النظر فيها (2) . ولا يلتفت إلى =(4/116)=@ شي (3) مما ذكر فيها، كما ذكر من أن حديث عائشة – رضي الله عنها تفرّد به سليمان بن موسى؛ فإنه إمام ثقة (4) ، وهو الأشدق، ولم يكن في أصحاب مكحول أحفظ منه. قال البزار: هو أحفظ من مكحول. وقال: هو (5) أَجَلُّ من ابن جريج. وكما قيل عن ابن جُرَيْج: أنه سأل ابن شهاب عن هذا الحديث فأنكره. وهذا لا يلتفت إليه؛ لأن هذه الحكاية أُنْكرت على ابن عليَّة، وهو الذي أوردها، ولو صحّتْ، فلم ينكر ابن شهاب الحديث إنكار قطع بتكذيبه، بل إنكار ناسٍ، والراوي عنه ثقة إمام (6) جازم بالرواية، فينبغي للزهري أن يقول: حدثني فلان عني بكذا، كما قد حكي عنه: أنه قال في مثل هذا: حدثني مالك عني. وكل (7) هذا نسيان، وليس بدعًا في الإنسان. وبسط الكلام فيه في كتب الخلاف.
وكل ما ذكرناه (8) أيضًا حُجَّة على من قال: إن صحة عقد النكاح
موقوفة على إجازة القاضي، وبه قال الأوزاعي، ومحمد بن الحسن، وأبو يوسف. وأنَصُّ ما في الردّ على هؤلاء حديث معقل.
وقوله: ((والبكر تستأمر))؛ هكذا وقع في حديث ابن عباس، وفي حديث أبي هريرة: ((الأيِّم تستأمر، والبكر تستأذن))، وهو أتقن مساقًا من حديث ابن عباس (9) ؛ لأن ((تستأمر)) معناه: يُستدعى أمرها (10) . وهذا يظهر منه أن يصدر منها بالقول ما يُسَمَّى: أمرًا. وهذا (11) متمكن (12) من الثيّب؛ لأنها لايلحقها من الخجل، والانقباض ما يلحق البكر. فلا يكتفى منها إلا بنطق يدلّ على مرادها صريحًا. وأمّا (13) ((تستأذن)) فإنه (14) يقتضي أن يظهر منها ما يدلّ على رضاها وإذنها بأي وجه كان، من سكوت، أو غيره، ولا تُكلَّف (15) النُّطْق؛ ولذلك لما قال في حديث ابن عباس: ((لا تنكح البكر حتى تستأذن)) أشكل، عليهم كيفية إذنها، فسألوا (16) فأجيبوا: بأنَّ إذنها: &(4/91)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): ((الأحاديث)).
(2) قوله: ((فيها)) سقط من (ب) و(ح).
(3) في (أ): ((لشي)).
(4) في (أ): ((ثقة إمام)).
(5) في (ي): ((وهو)).
(6) قوله: ((إمام)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(7) في (ب) و(ح): ((وكأن)).
(8) في (ب) و(ح) و(ي): ((ما ذكر)).
(9) قوله: ((ابن عباس)) ضرب عليه ناسخ (ب).
(10) قوله: ((معناه يستدعى أمرها)) تكرر في (ب).
(11) في (أ): ((وهكذا)).
(12) في (ب) و(ح): ((ممكن)) وفي (ي): يشبه أن تكون كذلك.
(13) في (ب): ((وما)).
(14) في (ب) و(ح) و(ي): ((فإنما)).
(15) في (ب) و(ح): ((يكلف)).
(16) في (ب): ((قالوا)).(4/91)
=(4/117)=@ أن تسكت. وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - مراعاة لتمام صيانتها، ولإبقاء حالة الاستحياء، والانقباض عليها، بأن ينظر لها (1) في ذلك المحل ما هو أصون لها، وأليق بها، فإنها (2) لو تكلمت تصريحًا (3) لظن أن ذلك رغبة منها في الرجال. وهذا غير لائق بالبكر (4) ، بل هو مُنْقِصٌ لها، ومُزَهِّدٌ فيها، بخلاف الثَّيب.
وقد استحب علماؤنا أن تُعَرَّف (5) البكر أن سكوتها محمول (6) منها على الإذن (7) ، ليكون ذلك زيادة في تعريفها (8) ، وتنبيهًا لها على ما يخاف أن تجهله (9) . وقد كان بعض من لقيناه من الفقهاء يقول لها بعد عرض الزوج والمهر عليها: إن كنتِ راضية فاصمتي، وإن كنت كارهة فتكلَّمي. وهو تنبيهٌ حسن.
وقوله في الرواية الأخرى: ((والبكر يستأذنها أبوها))؛ هذه الزيادة من رواية ابن (10) أبي عمر. قال أبو داود: وليست (11) بمحفوظة (12) . وعلى تقدير صحة (13) هذه الزيادة، فمحملُها (14) على الاستحباب، لا على الإيجاب؛ بدليل الإجماع المنعقد (15) على أن للأب إنكاح ابنته البِكْر (16) وإجبارها عليه بغير إذنها. وكذلك السيّد في أَمَتِه. وقد أبدى بعض أصحابنا لاستئذان الأب لابنته البكر فائدة، وهي: تطييب قلبها، واستعلام حالها، فقد تكون (17) موصوفةً بما يخفى على الأب مما يمنع النكاح، فإذا استأذنها أعلمته.
وقد روى أبو داود من حديث أبي هريرة من طريق صحيحة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها))، وفي رواية: ((فإن بكت أو سكتت)) (18) . قال (19) : وليس ذلك بمحفوظ. =(4/118)=@
قلت: ومُفسّر (20) حديث أبي داود مقيدٌ لمطلق البكر؛ الذي جاء في حديث مسلم وغيره (21) ، ومبيّن أن استئذان الأب للبكر (22) ليس بواجب، وإنما يجب ذلك في اليتيمة باتفاق.
ثم اختلف القائلون باشتراط الولي، هل يكتفى في صحة العقد بوجود ولي، أيِّ وليٍّ كان، من غير مراعاة لولاية خاصة (23) ولا عامة، أو لا بدّ من مراعاة &(4/92)&$
__________
(1) قوله: ((لها)) سقط من (أ).
(2) قوله: ((فإنها)) سقط من (ب).
(3) في (ي): ((لو تكلمت بذلك تصريحًا)).
(4) في (ح): ((لبكر)).
(5) في (ب): ((يعرف)).
(6) أشير له وكتب: كذا في (ح).
(7) قوله: ((على الإذن)) مطموس في (ح).
(8) قوله: ((تعريفها)) مطموس في (ح).
(9) في (ب): ((يجهله)).
(10) قوله: ((ابن)) سقط من (ب).
(11) في (ب): ((ليست)) بلا واو.
(12) أخرجه أبو داود (2/577-78 رقم2099) في النكاح، باب في الثيب. ولكن قال: يستأمرها ولم يقل يستأذنها. وقال المنذري في "مختصر سنن أبي داود" (3/42) عقب كلام أبي داود هذا: ((وقد أخرج هذه الزيادة مسلم في "صحيحه" والنسائي في "سننه")).
وأخرجه مسلم (2/1037 رقم1421/68) في النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت.
والنسائي (6/85 رقم3264) في النكاح، باب استئمار الأب البكر في نفسها.
(13) قوله: ((صحة)) لم يتضح في (ي).
(14) في (ب): ((فمحلها)).
(15) قوله: ((المنعقد)) سقط من (ب).
(16) في (ب) و(ح) و(ي): ((الصغيرة)).
(17) في (ب) و(ح) و(ي): ((وقد يكون)).
(18) أخرجه أبو داود (2/575 رقم2094) كتاب النكاح، باب في الاستئمار.
(19) قوله: ((قال)) سقط من (ي).
(20) في (ب) و(ح) و(ي): ((وتفسير)).
(21) قوله: ((وغيره)) سقط من (ي).
(22) في (ب) و(ح): ((البكر)).
(23) في (ي): ((حاضة)).(4/92)
الخاصّة على مراتبها، فإن فقدت رُجع للعامة؟ قولان :
وللأول (1) ذهب أبو ثور، وقال: كل مَنْ وَقَعَ عليه اسم وليٍّ فله أن ينكح. وقاله بعض علمائنا (2) . وحكاه ابن المنذر عن مالك. والجمهور على القول الثاني؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((أيُّما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل))، ثم قال بعد ذلك: ((فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)). فاقتضى: أن ولاية القرابة مقدّمة على ولاية (3) السلطان. وإذا كان كذلك: كان أحرى (4) أن تكون (5) مُقدَّمة على ولاية الدين، وهو واضحٌ. ويقول عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: ((لا تنكح (6) المرأة إلا بإذن وليّها، أو ذي (7) الرأي من أهلها، أو السلطان)) (8) .
ثم اختلف المرتِّبون فيما إذا أنكح الأبعد مع وجود الأقعد في الولاية الخاصة فيمن يستأذن (9) ؟ على ثلاثة أقوال :
أحدها: أنه يفسخ على كل حال. وبه قال المغيرة.
وثانيها: أن الأقعد مخيَّر في فسخه أو إجازته. وعليه جماعة من أصحابنا. ومأخذ خلافهما: أن (10) الفسخ لحقِّ الله، فلابدّ منه، أو لحق الولي فله إجازته وفسخه؟ =(4/119)=@
وثالثها: أنه ماضٍ، ولا مقال للولي الخاص. وهو قول مالك. وهو بناءٌ على أنَّ مراعاة (11) المراتب من باب الأَوْلى، والأحسن، والله تعالى أعلم.
وقول عائشة رضي الله عنها: ((تزوجني (12) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لستِّ سنين)). وفي الرواية الأخرى: وهي بنت سبع. ظاهر هاتين الروايتين الاختلاف. فيمكن أن يقال: إن ذلك تقدير لا تحقيق، ويمكن أن يقال: إن ذلك كان في أوائل السنة السابعة. فيكون (13) معنى قولها: ((لست سنين))، انقضت.
وقولها: ((وهي بنت سبع سنين (14) ))؛ أي: هي فيها (15) ، والله أعلم. &(4/93)&$
__________
(1) قوله: ((وللأول)) سقط من (ب).
(2) في (أ) و(ي): ((أصحابنا)).
(3) قوله: ((على ولاية)) سقط من (ي).
(4) في (ي) و(ب): ((أجرى)).
(5) في (ب): ((يكون)).
(6) في (ب): ((لا ينكح)).
(7) في (ب): ((أو اذ ني)).
(8) أخرجه البيهقي (7/111) من طريق يونس بن عبدالأعلى، محمد بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: لا تنكح المرأة إلا بإذن وليّها، أو ذي الرأي من أهلها، أو السلطان.
وسنده ضعيف لإرساله، سعيد بن المسيب لا يصح له سماع من عمر إلا أنه رآه على المنبر ينعى النعمان بن مقرن - رضي الله عنه - ، قال أبو حاتم وغيره. "المراسيل" (ص71-73).
(9) في (ب) و(ح): ((فيستأذن)).
(10) في (أ): ((هل)).
(11) في (ح) و(ب): ((مراعات)).
(12) في (أ): ((زوجني)).
(13) من قوله: ((أن يقال....)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ي)، وفي (ب): ((فيمكن)) بدل ((فيكون)). حيث لم يتكرر قوله: ((فيمكن)) في (ح)، وتراجع في (ب).
(14) قوله: ((سنين)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(15) قوله: ((هي فيها)) مطموس في (ح) .(4/93)
وهذا الحديث مستند (1) الإجماع على أن الأب يجبر البكر الصغيرة على النكاح. وإذا جاز ذلك في الأنثى التي لا تملك (2) حلَّ العقد عن (3) نفسها (4) ، فلأن يجوز في الصغير؛ الذي يملك حلَّ العقد عن نفسه عند بلوغه أحرى وأولى. وما ذكرناه جارٍ على مذهب مالك والشافعي، وفقهاء أهل الحجاز. وأمَّا أهل العراق فقالوا: لها الخيار إذا بلغت، إلا أبا يوسف، فإنه قال: لا خيار لها.
ثم اختلفوا في غير الأب، من (5) وليٍّ أو وصيٍّ، هل له أن يجبر أم لا؟ فمنع الجمهور ذلك؛ غير أن الشافعي جعل الجدَّ بمنزلة الأب، وغير (6) ما روي عن مالك في الوصي على الإنكاح: أنه يجبر - في أحد قوليه - وهو الذي حكاه الخطَّابي عن مالك (7) ، وعن حمَّاد بن أبي سلمة (8) ، وقاله شريح (9) ، وعروة بن الزبير. والمشهور عن (10) مالك المنع من ذلك. وقال أبو حنيفة وأصحابه، والأوزاعي، وجماعة من السلف بجواز ذلك. وليس بصحيح؛ لما يختصّ به الأب (11) من فرط الشَّفقة، والاجتهاد في ابتغاء (12) المصلحة، فإنه يختصُّ من ذلك بما لايوجد في غيره غالبًا. ويكفي هذا فارقًا مانعًا من الإلحاق. =(4/120)=@
وقولها: ((وبنى بي وأنا بنت تسع سنين))؛ ذهبت طائفة إلى أن بلوغ المرأة إلى تسعٍ يوجب إجبارها (13) على الدخول إذا طلبه الزوج. وبه قال أحمد وأبو عبيد. وقال مالك وأبو حنيفة: حدُّ ذلك أن تطيق الرّجُل، فإن لم تطق؛ لم يُمَكَّن (14) الزوج منها، وإن بلغت التسع. وقال الشافعي: حدُّ ذلك أن تطيق الرّجُل، وتقارب البلوغ.
وحكم إلزام الزوج النفقة حكم (15) الجبر، فمتى (16) أجبرناها على الدخول ألزمناه لها (17) النفقة.
قال الدَّاودي: وكانت عائشة (18) رضي الله عنها قد شبّت شبابًا حسنًا.
وقولها: ((فقدمنا المدينة فَوُعِكْتُ شهرًا))؛ أي: مرضت بالحمَّى (19) ، وكان هذا في أوّل قدومهم المدينة في الوقت الذي وعك فيه أبو بكر - رضي الله عنه - وقبل أن يَدْعُوُ &(4/94)&$
__________
(1) في (ب): ((مسند)).
(2) في (ب): ((لا يملك)).
(3) في (ب): ((من)).
(4) في (أ): ((نفسه)).
(5) في (ب): ((ثم من))، وفي (ح) كتبها: ((ثم)) وصوبها فوقها ((من)).
(6) في (ب) و(ح): ((وعن)).
(7) من قوله: ((في الوصي....)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(8) أشير لها بسهم وكتب: لعله حماد بن أبي سليمان. والله أعلم.
(9) في (ب): ((شرويح)).
(10) في (أ): ((عند)).
(11) في (ي): ((الأب به)).
(12) في (أ): ((وابتغاء)).
(13) في (ب): ((موجب)). وفي (ي): ((فوجب)).
(14) في (ح): ((يكن)).
(15) قوله: ((النفقة حكم)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(16) في (ب) و(ي): ((فمن)). وفي (ح): يشبه أن تكون كذلك.
(17) في (ب) و(ح): ((ألزمناها له)).
(18) قوله: ((عائشة)) سقط من (ب).
(19) في (ح): ((خحما))، وفي (ي): ((بالحمال)).(4/94)
النبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - للمدينة بأن يصحِّحها، وينقل حُمَّاها إلى الْجُحْفَة (1) ، فلمّا دعا؛ فعل الله ذلك (2) .
وقولها: ((فوفى شعري جُمَيْمَة))؛ أي: بلغ إلى أن صار جُمَّةً صغيرة. وقد تقدم: أنَّ ((الجُمَّة)) إلى شحمة الأذن و((اللمَّة)) للمنكب. وفي كلامها حذف، وتقديره (3) : فوُعِكْتُ؛ فسقط شعري، ثم بَرِئْتُ (4) فوفى جُميمةً (5) .
وقوله: ((فأتتني أُمَّ رُومان))؛ أم رُومان - بضم الراء المهملة، ويقال بفتحها، والأول أشهر -، واسمها: زينب بنت عامر الكنانية، وهي زوج أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ، وأم ولديه: عبد الرحمن، وعائشة. أسلمت وهاجرت، وتوفيت في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قبرها، واستغفر لها (6) .
و ((الأرجوحة)): خشبة يَرْكَبُ على طرفيها (7) صغيران، فيترجح أحدهما على =(4/121)=@ الآخر (8) تارة، والآخر، أخرى. ويقال: الأرجوحة: حبل يُعَلَّق، فيركبه الصبيان، يلعبون عليه. قاله شيخنا المنذري الشافعي (9) .
و ((صَرَخَتْ بِي))؛ أي: صاحتْ صياحًا مُزعِجًا.
وقولها: ((فقلت: هه، هه))؛ هي حكاية عن (10) صوت المنْبَهِر؛ الذي ضاق نَفَسه، وذلك أنَّها كانت تترجح، ثم إنها صِيح بها صياحًا مزعجًا، فأتت مسرعة، فضاق (11) نفسها لذلك، وانبهرت. ولذلك قالت: ((حتى (12) ذهب نفسي))، وهو بفتح (13) الفاء، وقد أخطأ من سكَّنها.
وقول النساء: ((على الخير والبركة))؛ هو (14) نحو مِمَّا (15) روي من حديث (16) معاذ: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل من الأنصار شهد إملاكه، فقال: ((على الألفة والخير والطائر الميمون)) (17) . وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لابن عوف: ((بارك الله لك)) (18) . وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((بارك الله لكم وعليكم)) (19) . &(4/95)&$
__________
(1) تقدم في الحج، باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها برقم (180).
(2) في (ب): ((فعل ذلك)).
(3) في (أ): ((تقديره)) بدون الواو.
(4) في (ب): ((برأت)).
(5) في (ب) و(ح) و(ي): ((جمة)).
(6) من قوله: ((وقوله: فأتتني أم رومان....)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ي).
والحديث أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (8/276-277) عن يزيد بن هارون، وعفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن القاسم بن محمد، قال: لما دُليت أم رومان في قبرها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من سرّه أن ينظر إلى امرأة من الحور العين، فلينظر إلى أم رومان)).
وفي حديث عفان: ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قبرها.
وسنده ضعيف لإرساله، وضعف على بن زيد، وهو ابن جدعان.
والحديث ذكره الحافظ في "الإصابة" (13/209) وزاد نسيته إلى البخاري في "تاريخه"، وأبي نعيم، وابن منده في "الصحابة".
(7) في (ب) و(ح) و(ي): ((طرفها)).
(8) في (أ): ((الأخرى)).
(9) من قوله: ((ويقال الأرجوحة حبل....)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(10) قوله: ((عن)) سقط من (أ).
(11) من قوله: ((وذلك أنها كانت...)) إلى هنا سقط من (ي).
(12) قوله: ((حتى)) سقط من (ب).
(13) قوله: ((قالت: حتى ذهب نفسي وهو بفتح)) عليه طمس في (ح).
(14) في (ب) و(ح) و(ي): ((وهو)).
(15) في (ب): ((ما)).
(16) قوله: ((من حديث)) مطموس في (ح).
(17) رُوي عن معاذ بن جبل، وله عنه طريقان :
الطريق الأولى: أخرجه العقيلي(1/142) وعنه ابن الجوزي في"الموضوعات"(2/265).
وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (118)، كلاهما من طريق القاسم بن عمر العتكي، عن بشر بن إبراهيم، عن الأوزاعي، عن مكحول، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: حدثني معاذ بن جبل؛ أنه شهد ملاك رجل من الأنصار مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخطب رسول الله وأنكح الأنصاري، وقال: ((على الألفة والخير والطير الميمون....))، الحديث.
وهذا حديث موضوع، آفته بشر بن إبراهيم، قال العقيلي: ((روى عن الأوزاعي أحاديث موضوعة لا يتابع عليها))، وذكر هذا منها.
والحديث أورده الذهبي في "الميزان" (1/312-313)، وقال: ((هكذا فليكن الكذب)).
وقال ابن الجوزي: ((وقال ابن عدي: هو عندي ممن يضع الحديث على الثقات، ولذلك قال ابن حبان: كان يضع الحديث على الثقات)). وقال الطبراني: ((لم يروه عن الأوزاعي إلا بشر بن إبراهيم)). وقال البيهقي: ((وروى بإسناد آخر مجهول عن عائشة، عن معاذ)).
الطريق الثانية: أخرجه الطبراني في "الكبير" (20/191) وعنه ابن الجوزي في "الموضوعات" (2/265-266)، وأخرجه البيهقي (7/288)، كلاهما من طريق حازم مولى بني هاشم.
وأخرجه الطحاوي (3/50) من طريق عون بن عمارة.
كلاهما - حازم مولى بني هاشم، وعون بن عمارة - عن لمازة، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل بنحوه.
قال البيهقي: ((في إسناده مجاهيل وانقطاع)). وقال ابن الجوزي: إن حازمًا ولمازة مجهولان)).اهـ. وقال الذهبي (1/312): ((وقد رواه حازم مولى بني هاشم، مجهول، عن لمازة؟ ومَنْ لمازة)). وقال الهيثمي (4/534): ((في إسناده الأوسط: بشر بن إبراهيم، وهو وضّاع، وفي إسناد الكبير: حازم مولى بني هاشم، عن لمازة، ولم أجد من ترجمهما)).اهـ. وقال الحافظ في "الفتح" (9/222): ((أخرجه الطبراني في "الكبير" بسند ضعيف، وأخرجه في "الأوسط" بسند أضعف منه)).اهـ.
(18) سيأتي برقم (33).
(19) أخرجه أحمد (2/381)، والدارمي (2/134) كتاب النكاح، باب إذا تزوج الرجل ما يقال له، وأبو داود (2/598-599 رقم2130) كتاب النكاح، باب ما يقال للمتزوج، وابن ماجه (1/614 رقم1905) كتاب النكاح، باب تهنئة النكاح، والترمذي (3/400 رقم1091) كتاب النكاح، باب ما جاء فيما يقال للمتزوج. جميعهم من طريق عبدالعزيز بن محمد الدراوردي، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفَّأ قال: بارك الله لكم، وبارك عليكم، وجمع بينكما في خير)). هذا لفظ ابن ماجه.
وقال الترمذي: ((حسن صحيح)). وقال الحاكم (2/183): ((هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه))، ووافقه الذهبي.
وقال الألباني في تعليقه على "المشكاة" (2445): ((وإسناده صحيح)).(4/95)
قلت: وهذه أدعية، والدُّعاء كلُّه حسن، غير أن الدُّعاء بما دعا به النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى، ولذلك كره بعضهم قول العرب: بالرفاء والبنين (1) .
وقولهن: ((على (2) خير طائر)). وقول النبي (3) - صلى الله عليه وسلم - : ((وعلى الطائر الميمون))؛ على =(4/122)=@ جهة التفاؤل (4) الحسن، والكلام الطيب، وليس هذا من قبيل الطيرة المنهي عنها؛ التي قال فيها - صلى الله عليه وسلم - : ((لا طيرة، وخيرها الفأل (5) )) (6) . وقد ذكرنا أصل هذه اللفظة وحكمها في كتاب الإيمان.
وقولها: ((فلم يَرُعْنِي))؛ أي: لم يُفْزِعني. والرَّوع: الفَزَع. وهو مستعملٌ في كلِّ أمر يطرأ على الإنسان فجأة من خير أو شرٍّ؛ فيرتاع لفجأته.
وقوله (7) : ((ومعها لُعَبُها))؛ أي: البنات التي تلعب (8) بها الجواري. وقد جاء: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رآهنّ يَلْعَبْن بها، فأقرّهنّ على ذلك؛ لتطييب قلوبهن، وليتدربْن على تربية أولادهن، وإصلاح شأنهنّ وبيوتهن (9) . وفي هذا الحديث أبواب من الفقه لا تخفى.
وقولها: ((تزوّجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى شوّال...)) الحديث؛ هذا إنما قالته =(4/123)=@ عائشة - رضي الله عنها - لتردَّ به قولَ مَنْ قال (10) : يُكره عقدُ النكاح في شهر شوّال (11) ، ويتشاءم (12) به من جهة: أن شَوَّالاً من الشَّوْل، وهو الرَّفْع. ومنه: شالتِ الناقةُ بِذَنَبِهَا. وقد جعلوه كناية عن الهلاك؛ إذ قالوا: شالت نعامتُهم (13) ؛ أي: هلكوا.
فـ((شوَّال)) معناه: كثير الشول، فإنَّه للمبالغة، فكأنهم كانوا يتوهّمون أنَّ كلَّ (14) مَنْ تزوّج في شوَّال منهن شال الشنآن (15) بينها (16) وبين الزوج، أو شالت نفرته، فلم تحصل (17) لها حظوة عنده، &(4/96)&$
__________
(1) بل النهي عن التهنئة بهذه الصيغة، ثابت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، كما في حديث عقيل ابن أبي طالب - رضي الله عنه - لما تزوج امرأة من بني جشم، فدخل عليه القوم فقالوا: بالرفاء والبنين، فقال: لا تفعلوا ذلك؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك... الحديث.
وقد رواه الطبراني في "الكبير" (17/194 رقم 517) من طريق محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان به نحوه، ورواه النسائي في "سننه" (6/128)، وفي "عمل اليوم والليلة" (4 25 رقم 262)، وابن ماجة في "سننه" كتاب النكاح (1/614 رقم 1906)، والطبراني (17/194). كلهم من طريق أشعث، عن الحسن به نحوه، ورواه أحمد (1/201)، (3/451)، والدارمي (2/59 رقم 2179)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (284 رقم607)، والبيهقي (7/148). كلهم من طريق يونس، عن الحسن به، نحوه، ورواه عبد الرزاق (6/189)، والطبراني (17/193) من طريق ابن جريج، عن الحسن، عن رجل، عن عقيل نحوه، ورواه أحمد في "المسند" (1/201) و(3/451) من طريق عبدالله بن محمد بن عقيل، نحوه. ورواه الطبراني (17/193-194) من طريق أبي هلال الراسبي
والحسين بن دينار والربيع بن صبيح. كلهم عن الحسن به نحوه، وانظر آداب الزفاف (ص 97 - 98) للشيخ الألباني رحمه الله.
وله طريقًا ثالثًا في "الموضح" للخطيب البغدادي (2/255)، وابن عساكر. [لم أجده في الأصل].
(2) قوله: ((على)) سقط من (ب).
(3) قوله: ((النبي)) ليس في (أ) و(ي)، وفي (ب): ((وقوله ?)).
(4) في (ي): ((التفول)).
(5) في (ب): ((المفال)).
(6) سيأتي في الرقي والطب، باب في الفأل الصالح، وفي الشؤم.
(7) في (ب) و(ح) و(ي): ((وقولها)).
(8) في (أ): ((يلعب)).
(9) سيأتي في النبوات، باب فضائل عائشة، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون.
(10) في (ب) و(ح): ((كان)).
(11) من قوله: ((الحديث هذا إنما...)) إلى هنا سقط من (ي).
(12) في (ي): ((وتشاءم)).
(13) في (ب): ((نعامهم)).
(14) قوله: ((كل)) سقط من (أ).
(15) في (ب): ((شالت الشال)).
(16) في (ب): ((بينهما)).
(17) في (أ) و(ب) و(ي): ((يحصل)).(4/96)
ولذلك قالت عائشة رادَّةً لذلك الوهم: ((فأي نسائه (1) كان أحظى عنده مني))؛ أي: لم يضرّني ذلك، ولا نقص من حظوتي. ثم إنها تبرّكت بشهر شوَّال، فكانت تحب أن يُدخل (2) بنساءها على أزواجهنّ في شوّال؛ للذي حصل لها فيه من الخير برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن الحظوة عنده، ولمخالفة (3) ما يقول الْجُهَّال من ذلك.
ومن هذا النوع كراهية (4) الْجُهَّال (5) عندنا اليوم عقد النكاح في شهر المحرَّم، بل ينبغي أن يُتَيَمَّن بالعقد والدخول فيه (6) ، تَمَسُّكًا بما عظَّم الله ورسوله من حرمته، ورَدْعًا للجُهَّال عن جهالتهم (7) . =(4/124)=@
ومن باب إباحة النّظر للمخطوبة
قوله: ((اذهب فانظر إليها))؛ هذا الأمر على جهة الإرشاد إلى المصلحة؛ فإنه إذا نظر إليها –أعني: المخطوبة - فلعلّه يرى منها ما يرغبه في نكاحها. وقد نبَّه (8) النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذا بقوله فيما ذكره أبو داود من حديث جابر إذ قال: ((إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل)) (9) . ولا قائل فيما أعلمه يحمل هذا الأمر على الوجوب. وقد دلَّ على أنه (10) ليس &(4/97)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): ((فأني لنسائه)).
(2) في (ب) و(ح) و(ي): ((تدخل)).
(3) في (ب): ((وبمخالفة)).
(4) في (ب) و(ح) و(ي): ((كراهة)).
(5) زاد في (ي) بعدها: ((من ذلك ومن هذا النوع كراهة الجهال)).
(6) في (ي): ((فيها)).
(7) في (ب) و(ح) و(ي): ((جهالاتهم)).
(8) أشير لها بسهم وكتب: كذا في (ح).
(9) أخرجه عبدالرزاق في "المصنف" (6/157 رقم10337)،وابن أبي شيبة (4/22 رقم17383) في النكاح، باب من أراد أن يتزوج المرأة، من قال: لا بأس أن ينظر إليها، وأحمد (3/334 و360)، وأبو داود (2/565-566 رقم2082) في النكاح، باب في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد أن يتزوجها، والطحاوي (3/14)، والحاكم (2/165)، وعنه البيهقي (7/84).
جميعهم من طرق عن محمد بن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن واقد بن عبدالرحمن - وعند بعضهم واقد بن عمرو -، عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل)). قال: فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها، فتزوجتها. والسياق لأبي داود.
قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح على شرط مسلم))، ووافقه الذهبي. وحسنه الألباني في "الإرواء" (1791)، والصحيحة (99)، وقال: ((ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة، ثم هو مدلس، وقد عنعنه، لكن قد صرح بالتحديث [وضع بجانبها نجمة وكتب: إحدى روايتي أحمد، فإسناده حسن، وكذا قال الحافظ في "الفتح" (9/181)، وقال في "التلخيص" (3/306): وأعله ابن القطان بواقد بن عبد الرحمن؛ وقال: المعروف: واقد بن عمرو، قلت: رواية الحاكم فيها عن واقد بن عمرو، وكذا هو عند الشافعي، وعبدالرزاق.
أقول: وكذلك هو عند جميع من ذكرنا غير أبي داود وأحمد في روايته الأخرى، فقالا: ((واقد بن عبدالرحمن))، وقد تفرد به عبدالواحد بن زياد، خلافًا لمن قال: ((واقد بن
عمرو)) وهم أكثر، وروايتهم أولى، وواقد بن عمرو ثقة من رجال مسلم، أما واقد بن عبدالرحمن، فمجهول، فإعلال ابن القطان الحديث به في "أحكام النظر" (ق70/2- 71) مرجوح. والله أعلم.اهـ.
(10) في (ي): بعدها بياض بمقدار كلمة.(4/97)
كذلك قوله (1) : ((فإن استطاع فليفعل))، ولا يقال مثل هذا في الواجب.
وقاعدة النكاح - وإن (2) كان فيها معاوضة - مُفَارِقَةٌ لقاعدة البيوع، من حيث أنها مبنيَّة على المكارمة، والمواصلة، وإظهار الرَّغبات، والعمل على مكارم الأخلاق، بحيث يجوز فيها النكاح من غير ذكر (3) صداق، وتجوز فيها ضروب من الجهالات والأحكام، لا يجوز شيءٌ منها في البيوع والمعاملات المبنية على المشاحَّة والمغَابنة.
ومن هنا: جاز عقد النكاح على امرأة لا يعرف حالها من جمال، وشباب، وحُسن خُلُق، وتمام خلْقٍ. وهذه وإن كانت مجهولة حالة العقد، لم يضر الجهل بها؛ إذ لم يلتفت الشرع إليها (4) في هذا الباب. فالأمر بالنظر إلى المخطوبة أحرى بألاَّ يكون واجبًا. فلم يبق إلا أن يُحمل ذلك الأمر على (5) ما تقدَّم. وبهذا قال جمهور الفقهاء: مالك (6) ، =(4/125)=@ والشافعي، والكوفيون (7) ، وغيرهم، وأهل الظاهر. وقد كره ذلك قومٌ، لا مبالاة بقولهم؛ للأحاديث الصحيحة في هذا الباب.
ثم اختلف الجمهور، فقال مالك: يُنْظرإلى وجهها، وكفَّيْها، ولاينظرإليها إلا بإذنها. وقال الشافعي وأحمد: بإذنها، وبغير (8) إذنها إذا كانت مستترة. وقال الأوزاعي: ينظر إليها ويجتهد (9) ، وينظر مواضع (10) اللحم منها. وقال داود: ينظر إلى سائر جسدها تمسكًا بظاهر اللفظ.
وأصول الشريعة تردّ (11) عليه في تحريم (12) الاطلاع على العورة (13) .
وقد تقدَّم ذكر ((الأُوقِية)).
و((تنحتون (14) )): تقطعون وتنجرون. والنَّحْتُ: النَّجْر (15) والقَطْع، ومنه قوله تعالى (16) :{ وتنحتون من الجبال بيوتًا} (17) ، وقوله تعالى: {أتعبدون (18) ما تنحتون} (19) .
والنَّحَّات: النَّجار (20) . و(( عُرْضُ (21) الْجَبَل)): جانبه، وصفحه،
وهو (22) بضم العين. والعَرْض -بفتح العين -: خِلاف الطول. وعًرْضُ البحر، والنَّهر، والمال: الوسَطُ من ذلك؛ قاله الحربي.
وهذا الإنكار منه ? على هذا الرَّجُل المتزوج على أربعة أواقٍ ليس (23) إنكارًا لأجل المغالاة (24) ، والإكثار في المهر، فانه ? قد أصدق نساءه خمسمائة درهم (25) ، &(4/98)&$
__________
(1) في (ب): ((وقوله)) بلا واو.
(2) في (ب): ((فإن)).
(3) قوله: ((ذكر)) سقط من (ب) و(ح).
(4) في (ب) و(ح) و(ي): ((إليه)).
(5) في (ب) و(ح): ((على الأمر على)).
(6) في (ي): ((ومالك)).
(7) في (ب): ((الكيوفيون)).
(8) في (ي): ((وغير)).
(9) قوله: ((ويجتهد)) سقط من (ب) و(ح).
(10) في (ب) و(ح): ((مواقع)).
(11) في (ي): ((رد)).
(12) في (ي): ((تحريم ذلك الاطلاع)).
(13) أشير لها بسهم وكتب: كذا في (ح).
(14) في (ب): ((وتنحنون)).
(15) في (ب): ((والنجر)).
(16) قوله: ((قوله تعالى)) ليس في (ب) و(ح).
(17) سورة الشعراء؛ الآية: 149.
(18) في جميع النسخ: ((وتعبدون)). وفي (أ) وفي (ي): ((ويعبدون)).
(19) سورة الصافات؛ الآية: 95.
(20) في (ي): ((والنجار)).
(21) في (ح): ((وهو من)).
(22) في (ح): ((وهم)).
(23) قوله: ((ليس)) تكرر في (أ).
(24) في (ب): ((المعاملات)).
(25) سيأتي في باب كم أصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - لأزواجه... .(4/98)
وأربعة أواقٍ: مائة وستون درهمًا. وإنما أنكر ذلك (1) بالنسبة لحال (2) الرجل؛ فإنه كان فقيرًا في تلك الحال، فأدخل نفسه في مشقة تَعرَّض (3) للسؤال بسببها، ولذلك قال له (4) : ((ما عندنا ما نعطيك)). ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - بكرم أخلاقه، ورأفته، ورحمته جَبَرَ مُنْكَسِرَ (5) قلبه بقوله (6) : ((ولكن عسى أن (7) نبعثك في بعث فتصيب (8) منه))؛ يعني به: سرية =(4/126)=@ في الغزو. فبعثه (9) ، فأصاب حاجته ببركة النبي (10) - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله: ((فإن في عيون الأنصار شيئًا))؛ قال أبو الفرج الجوزي: يعني: شيئًا زُرْقًا، أو صِغَرًا (11) ، وقيل: رَمَصًا (12) .
ومن باب اشتراط الصَّداق في النكاح
هذه الترجمة يدلُّ (13) على صحتها قوله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} (14) ، وقوله تعالى: {أن تبتغوا بأموالكم محصنين (15) } (16) ، وقوله تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولاً} (17) ، الآية. وقوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: ((هل عندك شيء تصدقه إيَّاها؟)) إلى قوله (18) : ((فالتمس (19) ولو خاتَمًا من &(4/99)&$
__________
(1) قوله: ((ذلك)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(2) في (أ) و(ب) و(ي): ((إلى حال)).
(3) في (ب): ((فعرض)).
(4) قوله: ((له)) سقط من (ب).
(5) في (ب) و(ي): ((كسر))، وكتب في هامش (ي): ((منكسر))، وفي (ح): ((لكسر)) ثم كتب في الهامش ((منكسر)).
(6) قوله: ((بقوله)) سقط من (ب).
(7) قوله: ((أن)) سقط من (ح) و(ب).
(8) في (أ): ((فتصب)).
(9) في (أ): ((فبيعه)).
(10) في (ب) و(ي): ((رسول الله)).
(11) في (ب) و(ح): ((وصغرًا)).
قال الحافظ ابن حجر: ((اختلف في المراد بقوله: شيئًا، فقيل: عمش، وقيل: صِغرٌ. قلت: الثاني وقع في رواية أبي عوانة في "مستخرجه"، فهو المقصد)). "فتح الباري" (9/181).
(12) الرَّمَصُ في العين: كالغَمص، وهو قذىً تلفظ به. وقيل: الرَّمص ما سال، والغَمَص ما جَمَدَ. وقيل: الرّمص: صِغرها ولُزوقها. انظر "لسان العرب" (7/43). مادة (رمص)
(13) في (ب): ((تل))، وفي (ح): ((تدل)).
(14) سورة النساء؛ الآية: 4.
(15) 3) قوله: ((محصنين)) سقط من (أ). ...
(16) 5) سورة النساء؛ الآية: 24. ...
(17) سورة النساء؛ الآية:25.
(18) قوله: ((قوله)) سقط من (ب).
(19) في (ب) و(ح) و(ي): ((التمس)).(4/99)
حديد)). ولا اختلاف في اشتراطه؛ وإن اختلفوا في مقدار أصله، وفي نوعه على ما يأتي بيانه، إن شاء الله تعالى. =(4/127)=@
وقولها (1) : ((جئت (2) أهب لك نفسي))؛ أي: أُحكِّمُك فيها من غير عوضٍ. وكأنَّ (3) هذه المرأة فهمت جوازَ ذلك من قوله تعالى: {وامرأة مؤمنةً إن وهبت نفسها للنبي} (4) . وقد ذهب معظم العلماء: إلى أنَّ ذلك مخصوصٌ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ لقوله تعالى: {خالصة لك من دون المؤمنين}(@). وقد دلَّ على هذا المعنى من هذا الحديث قول الرُّجُل للنبي (5) - صلى الله عليه وسلم - : ((إن لم يكن لك بها (6) حاجة بها زوّجنيها)). ولم يقل: هَبْهَا لي.
واختلفوا في النكاح: هل ينعقد بلفظ الهبة، ويكون فيه صداق المثل، أو لا ينعقد بها وإن سُمِّي فيه مهرًا؟ وإلى الأول ذهب مالك، وأبو حنيفة، والجمهور. وبالثاني قال الشافعي.
وقوله: ((فصعَّد النظر فيها، وصوَّبه، ثم طأطأ رأسه))؛ أي: نظر أعلاها، وأسفلها مرارًا. و((طاطأ))؛ أي: خفض وأَطْرق (7) . وهذا دليل على جواز نظر الخاطب إلى المخطوبة (8) ، وتأمُّله ما (9) لاح من محاسنها؛ لكن وعليها ثيابها (10) ، كما قال مالك.
وقوله: ((التمس ولو (11) خاتَمًا من حديد))؛ تمسَّك به من لم ير لأقل الصَّداق (12) حدًّا. =(4/128)=@ وهم جَمْعٌ كثير من الحجازيين، والمصريين (13) ، والشاميين؛ قالوا: بجواز (14) النكاح بكل (15) ما تراضى (16) به الزوجان، أو مَن العقدُ إليه، مما فيه منفعة، كالسَّوط، والنعل، ونحوه. وبعضهم قال: بما (17) له بال. وقالت طائفة أخرى: لا بُدَّ أن يكون أقله محدودًا.
وحملوه على أقل ما تقطع (18) فيه يد السَّارق، وعلى الطريقة القياسية. وتحريرها: أن يقال: عضو آدمي مُحْتَرَم (19) . فلا يُستباح بأقل من كذا. قياسًا على يد (20) السارق. ويمكن تحريره على وجه آخر. وتوجيه (21) الاعتراضات عليه، والانفصالات، مذكور في مسائل الخلاف. غير أن هؤلاء اختلفوا في أقل ما تُقطع (22) فيه (23) يد السَّارق، &(4/100)&$
__________
(1) في (ب) و(ح) و(ي): ((قولها)) بلا واو.
(2) في (ب): ((حيث)).
(3) في (ي): ((وكانت)).
(4) سورة الأحزاب، الآية: 50.
(5) قوله: ((للنبي)) ليس في (ب) و(ح).
(6) قوله: ((بها)) ضرب عليه ناسخ (ح). وليست في (ب).
(7) في (ب): ((وأطرق كما قال مالك)). وكأن هذه الزيادة عليها آثار ضرب .
(8) في (أ): ((للمخطوبة)).
(9) في (ب): ((لما)).
(10) في (أ): ((ثياب)).
(11) قوله: ((ولو)) سقط من (أ).
(12) في (ب) و(ح) و(ي): ((لم ير للصداق)).
(13) قوله: ((والمصريين)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(14) في (ب) و(ح) و(ي): ((يجوز)).
(15) قوله: ((بكل)) سقط من (ب) .
(16) في (ب) و(ح): ((يتراضى)).
(17) في (ب) و(ح): ((ما)).
(18) في (ب): يشبه أن تكون ((يقطع)).
(19) في (أ): ((محتوم)). وفي (ي) و(ب): ((محرم)).
(20) في (ي): ((ملك)).
(21) في (ب) يشبه أن تكون: ((ويوجهه)).
(22) في (ب): ((يقطع)). وفي (ح) بالياء والتاء معًا.
(23) في (ب): ((به)).(4/100)
فاختلفت لذلك مذاهبهم هنا. فذهب (1) مالك: إلى أن أقله (2) ذلك ربع دينار من الذهب، أو ثلاثة دراهم من الورق. وقال ابن شبرمة (3) : أقل ذلك خمسة دراهم. وقال أبو حنيفة: أقل عشرة دراهم. وكذلك قال النخعي في أحد قوليه، وفي آخر (4) : كره أن يتزوج بأقل من أربعين درهمًا. وقد اعتذر بعض المالكية عن قوله ?: ((التمس ولو خاتَمًا من حديد)) بأوجه:
أحدها (5) : أن ذلك على جهة الإغياء والمبالغة، كما قال: ((تصدقوا ولو بظلف محرق (6) )) (7) .
وفي أخرى (8) : ((ولو بفرسن شاة)) (9) ، وليس الظلف والفرسن مما ينتفع به (10) ، ولا يتصَّدق به. ومثل هذا كثير.
وثانيها: لعل (11) الخاتم كان يساوي ربع دينار فصاعدًا؛ لأن الصُنَّاع (12) عندهم قليل.
وثالثها: أنَّ أَمْرَهُ بالتماس الخاتم لعلَّه لم يكن ليكون (13) كلَّ الصداق، بل ليُعَجّلَهُ لها قبل الدّخول. =(4/129)=@
والذي حمل أصحابنا على تأويل هذا الحديث قوله تعالى: {أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين (14) } (15) ، والدرهم، وأقل منه (16) تافه لا يُقال عليه. مالٌ عُرْفًا، ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: ((لم تكن يد السَّارق تقطع في الشيء التافه))، وإن كان يقال على من أخذه (17) خفية (18) : سارق. وهي التي قالت: ((لم تكن يد السَّارق تقطع في (19) أقل من ثلاثة دراهم)). ففرَّقت بين التافه وغير (20) التافه بهذا المقدار (21) . وهي أعرفهم بالمقال، وأقعدهم بالحال.
و ((الإزار)): ثوب يُشَدُّ على الوسط. و ((الرداء)): ما يُجعل على الكتفين (22) . و((اللحاف)): ما يُلْحَفُ به جميع الجسد (23) . &(4/101)&$
__________
(1) قوله: ((فذهب)) لم يتضح في (ي).
(2) أشير له بسهم وكتب: كذا في (ح).
(3) في (ب) و(ي): ((وقال شبرمة)). وفي (ح): ((وقاله شبرمة)).
(4) في (ب): ((آخره)).
(5) قوله: ((أحدها)) سقط من (ب) و(ح).
(6) في (ب): ((يحرق)).
(7) لم أجده بهذا اللفظ. ولكن أخرجه مالك في "الموطأ" (2/931 و996) كتاب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، باب ما جاء في الطعام والشراب. وكتاب الصدقة، باب الترغيب في الصدقة، عن زيد بن أسلم، عن عمرو بن معاذ الأنصاري، عن جدته: أنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((يا نساء المؤمنات ! لا تحقرن إحداكن أن تهدي لجارتها ولو كراع شاة محرقًا)).
ومن طريق مالك: أخرجه أحمد(4/64) و(5/377) و(6/434)، والدارمي (1/395) كتاب الزكاة، باب: كراهية رد السائل بغير شيء، والبخاري في "الأدب المفرد" (122).
وأخرجه أحمد (6/435) عن عبدالملك بن عمرو، عن زهير بن محمد، عن زيد، عن عمرو بن معاذ الأنصاري؛ قال: إن سائلاً وقف على بابهم، فقالت له جدته حواء : أطعموه تمرًا، قالوا: ليس عندنا. قالت: فأسقوه سويقًا. قالوا: العجب لك، نستطيع أن نطعمه ما ليس عندنا. قالت: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا تردوا السائل ولو بظلف محرَّق)).
وفي سنده عمرو بن معاذ الأنصاري، لم يرو عنه إلا زيد بن أسلم، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وفي "التقريب"(ص745): مقبول. والحديث صحيح لغيره فإن له شاهدًا.
أخرجه أحمد (6/382و383)، وأبو داود (2/307 رقم1667) كتاب الزكاة، باب حق السائل، والترمذي (3/52-53 رقم665) كتاب الزكاة، باب في حق السائل، والنسائي (5/86) كتاب الزكاة، باب تفسير المسكين، وابن خزيمة (2473)، وابن حبان (8/166-167 رقم3373/الإحسان)، والحاكم (1/ 417)، والبيهقي (4/177). جميعهم من طريق الليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الرحمن بن بُجَيد، عن جدته أم بجيد - وكانت ممن بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أنها قالت: يا رسول الله! صلى الله عليك، إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد له شيئًا أعطيه إياه، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إن لم تجدي له شيئًا تعطينه إياه إلا ظلفًا محرقًا، فادفعيه إليه في يده)). ...
قال الترمذي: ((حديث حسن صحيح)). وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(8) قوله: ((أخرى)) مطموس في (ح).
(9) تقدم في الزكاة، باب من أحصى أُحصي عليه والنهي عن احتقار قليل الصدقة، وفضل إخفائها.
(10) قوله: ((به)) ليس في (أ).
(11) في (ح): ((لعمل)).
(12) في (ي): ((الصباغ)).
(13) قوله: ((ليكون)) سقط من (ي).
(14) قوله: ((محصنين غير مسافحين)) سقط من (أ) و(ي).
(15) سورة النساء؛ الآية: 24.
(16) في (ب): ((منهم)).
(17) في (ي): ((من أخذ)).
(18) في (ب): ((حقيقة)).
(19) من قوله: ((الشيء التافه وإن كان...)) إلى هنا مكرر في (ي).
(20) في (ب)ك ((بين التافه وبين التافه)). وفي (ي): ((وبين غير التافه)).
(21) في (ب): ((بهذا الحديث المقدار)). وقوله: ((الحديث)) مقحم، وكأن الكلمة في عليها آثار ضرب.
(22) في (ب): ((التكفين)) وتراجع.
(23) في (ب) و(ح): ((يلتحف به في جميع الجسد)). وفي (ي): ((يلحف به في جميع الجسد)).(4/101)
وقول سهل: ((ما له رداء، فلها نصفه))؛ ظاهره: لو كان له رداء لَشَرَكَها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فيه. وهذا في وَجْه لزومه بُعْدٌ؛ إذ ليس في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا في كلام (1) الرَّجل ما يدلّ على شيء من ذلك. ويمكن أن يقال: إن مُراد سهل: أنَّه لو كان عليه رداء مضافًا إلى الإزار؛ لكان للمرأة نصف ما (2) عليه؛ الذي هو إمَّا الرداء، وإمَّا الإزار. ألا ترى تعليله ? منع إعطاء الإزار بقوله: ((إن لبِسْتهُ لم يكن عليها منه شي، وإن لبِسَتهَ لم يكن عليك منه شيء))، فكأنه قال: لو كان (3) لك ثوبٌ تنفرد أنت بلبسه، وثوبٌ آخر تأخذه (4) هي، تنفرد بلبسه لكان لها أَخْذُهُ، فأمَّا إذا لم يكن ذلك فلا (5) .
وفيه ما يدل على أن (6) المهر الأولى فيه أن يكون معجلاً مقبوضًا، وهو الأولى عند العلماء باتفاق. ويجوز أن يكون مؤخَّرًا على ما يدلُّ عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - : =(4/130)=@ ((اذهب فقد زوجتكها بما (7) معك من القرآن، فعلِّمها)). فإنه قد انعقد النكاح، وتأخر المهر الذي هو التعليم. وهذا على الظاهر من قوله: ((بما معك من القرآن (8) )). فإنَّ الباء للعِوض، كما تقول (9) : خُذْ هذا بهذا (10) ؛ أي: عوضًا عنه.
وقوله (11) : ((علِّمها نصٌّ في الأمر بالتعليم)). والْمَسَاقُ يشهد بأنَّ ذلك لأجل النكاح. ولا يُلتفت لقول من قال: ذلك كان (12) إكرامًا للرَّجل بما حفظه من القرآن؛ فإن الحديث يُصَرِّح بخلافه. وقول المخالف: إن الباء بمعنى اللام، ليس بصحيح لغةً، ولا مساقًا. وكذلك لا يُعَوّل (13) على قول الطحاوي والأبهري: إنَّ ذلك كان مخصوصًا (14) بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كما (15) كان مخصوصًا بجواز الهبة في النكاح لأمور:
أحدها: مساق الحديث. وهو شاهد بنفي (16) الخصوصية.
وثانيها: قول الرَّجُل: زوجنيها، ولم يقل: هبها لي.
وثالثها: قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((اذهب، فقد زوجتكها بما معك من القرآن، فعلِّمها)).
ورابعها: إن الأصل التمسُّك بنفي الخصوصية في الأحكام.
وفي هذا الحديث من الفقه: جواز اتخاذ خاتم الحديد. وقد أجازه بعض &(4/102)&$
__________
(1) قوله: ((في كلام)) سقط من (أ). وفي (ي): ((ولا هذا الرجل)).
(2) قوله: ((ما)) سقط من (ب).
(3) في (ب): ((قال لو قال كان)).
(4) في (ي): ((تأخذ هي)).
(5) وقد تعقب الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9/207-208) فقال: ((ووقع للقرطبي في هذه الرواية وَهْمٌ، فإنه ظن أن قوله: «فلها نصفه » من كلام سهل بن سعد، فشرحه بما نصَّه...))، ثم نقل الحافظ ابن حجر نصَّ كلام القرطبي، ثم قال: ((وقد أخذ كلامه هذا بعض المتأخرين فذكره ملخصًا، وهو كلام صحيح، لكنه مبني على الفهم الذي دخله الوهم، والذي قال: فلها نصفه؛ هو الرجل صاحب القصة، وكلام سهل أنما هو قوله: « ما له رداء » فقط، وهي جملة معترضة، وتقدير الكلام: ولكن هذا إزاري فلها نصفه؛ وقد جاء ذلك صريحًا في رواية أبي غسان محمد بن مطرف، ولفظه: ولكن هذا إزاري، ولها نصفه....)).
(6) قوله: ((إن)) سقط من (ب) و(ح).
(7) في (ب) و(ح): ((على ما)).
(8) من قوله: ((فعلمها....)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(9) في (ب): ((يقول)).
(10) في (ب) و(ي): ((خذها بهذا)).
(11) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(12) قوله: ((كان)) ليس في (ب)، وفي (ي): ((من قال كان ذلك إكرامًا)).
(13) في (ب): ((يقول)).
(14) في (أ): ((إن ذلك [أشير لكلمة ذلك بسهم وكتب: قوله: ((ذلك)) مضروب عليها في (أ)] معنى جعل تعليم القرآن كان مخصوصًا))، وفي (ب) و(ح) و(ي): ((إن ذلك مخصوصًا))، فسقط منهما قوله: ((كان)). (وما في (أ) لا ينسجم مع ما قبله وما بعده) تراجع.
(15) في (أ): ((لما)).
(16) في (ب) و(ح) و(ي): ((لنفي)).(4/102)
السلف (1) ، ومنعه آخرون لقوله - صلى الله عليه وسلم - فيه: ((حلية أهل النار)) (2) .
ورأوا (3) أن المنع هو المتأخر عن الإباحة.
وفيه ما يدلّ على جواز كون الصَّداق منافع. وبه قال الشافعي، وإسحاق، والحسن بن حَيٍّ، ومالك في أحد (4) قوليه. وكرهه أحمد، ومالك في القول الثاني له (5) . ومنعه أبو حنيفة في الْحُرِّ، وأجازه في العبد، إلا أن تكون (6) الإجارة تعليم القرآن، فلا تجوز بناءً على أصله في: أنَّ تعليم القران لا يؤخذ عليه =(4/131)=@ أجر. والجمهور على جواز (7) ذلك. أعني: على جواز كون الصَّداق منافع.
وهذا الحديث ردٌّ على أبي حنيفة في منعه أخذ الأجرة (8) على تعليم القرآن. ويردُّ عليه أيضًا (9) قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله تعالى)) (10) . وسيأتي.
وقول الرَّجُل: ((معي سورة كذا، وسورة (11) كذا)) عدَّدَها. فقال: ((اذهب فقد ملكتكها (12) بما معك من القرآن، فعلِّمْها))؛ يدلُّ على أن القَدْر الذي انعقد (13) به النكاح من التعليم معلومٌ؛ لأن قوله: ((بما معك (14) ))، معناه: بالذي معك. وهي السور المعدَّدة المحفوظة عنده (15) ؛ التي نصَّ على أسمائها (16) . وقد (17) تعيَّنت المنفعة، وصَحَّ كونها صداقًا، وليس فيه (18) جهالة. وقد روى هذا النسائي (19) من طريق عِسْلِ (20) بن سفيان، وهو ضعيف. وذكر فيه: ((فعلِّمها عشرين آية)) (21) . وهذا نصٌّ في التحديد، غير أن الصحيح ما تقدَّم.
وقوله: ((فقد (22) ملكتكها (23) ))، وفي الرواية (24) الأخرى: ((زوّجتكها)). وقع في مختصر شيخنا المنذري لكتاب مسلم: ((اذهب فقد ملكتها))، قال: وروي: ((مُلِّكْتَهَا))؛ بضم الميم، وكسر اللام. وروي: ((ملكتكها))، وروي: ((زوجتكها)). قال أبو الحسن الدارقطني: رواية من قال: &(4/103)&$
__________
(1) قوله: ((خاتم الحديد وقد أجازه بعض السلف)) مطموس في (ح).
(2) أخرجه أحمد (5/359)، وأبو داود (4/428-429 رقم4223) كتاب الخاتم، باب ما جاء في خاتم الحديد، والترمذي (4/218 رقم1786) كتاب اللباس، باب ما جاء في الخاتم الحديد، والنسائي (8/172) كتاب الزينة، باب مقدار ما يجعل=
= في الخاتم من الفضة، وابن حبان (12/299-300 رقم5488/الإحسان).
جميعهم من طريق عبد الله بن مسلم السلمي المروزي؛ أبي طيبة، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه: أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه خاتم من شبه، فقال له: ((مالي أجد منك ريح الأصنام))، فطرحه ثم جاء وعليه خاتم من حديد، فقال: ((مالي أرى عليك حلية أهل النار))، فطرحه، فقال يا رسول الله ! من أي شيء أتخذه ؟ قال: ((اتخذه من ورق، ولا تتمه مثقالاً )). واللفظ لأبي داود.
وسنده ضعيف، عبدالله بن مسلم، أبو طيبة. قال أبو حاتم: ((يكتب حديثه، ولا يحتج به)). وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/49)، وقال: ((يُخطئ ويُخالف))، وذكره ابن الجوزي في"الضعفاء". وقال الذهبي: ((صالح الحديث)). وفي "التقريب": ((صدوق يهم)). وقال الترمذي: هذا حديث غريب.
وله شاهد من حديث عبدالله بن عمرو :
أخرجه أحمد (2/163 و179 و211)، والبخاري في "الأدب المفرد" (1021)، والطحاوي (4/261). جميهم من طريق ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، بنحوه. وسنده حسن.
وقال الحافظ في "الفتح" (10/323) بعد أن ذكر حديث بريدة: ((فإن كان محفوظًا حُمل على المنع ما كان حديدًا صرفًا)).اهـ.
ويشهد لهذا، ما أخرجه أبوداود (4/429 رقم4224) كتاب الخاتم، باب ما جاء في خاتم الحديث، والنسائي (8/175) كتاب الزينة، باب ليس خاتم الحديد ملوي عليه بفضة، كلاهما عن سهل بن حماد، أبي عتاب، عن أبي مكين نوح بن ربيعة، عن إياس بن الحارث بن المعيقيب، عن جده معيقيب، أنه قال: كان خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - حديدًا ملويًا عليه فضة. قال: وربما كان في يدي، فكان معيقيب على خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - . وسنده حسن.
(3) في (ب) و(ح): ((أو)) بدل ((ورأوا)).
(4) في (ب): ((إحدى)).
(5) قوله: ((له)) سقط من (ب) و(ح) و0ي).
(6) في (ب): ((يكون))، وفي (ح) مهمل.
(7) في (أ): ((إجازة))، قوله: ((جواز)) سقط من (ب).
(8) في (ي): ((الإجارة)).
(9) في (أ): ((أيضًا عليه)).
(10) أخرجه البخاري (10/198-199 رقم5737) كتاب الطب، باب الشروط في الرقية بفاتحة الكتاب.
(11) في (ب): ((أو سورة)).
(12) في (ب): ((حلكتها)). وفي (ي): ((ملكتها)).
(13) في (ب): ((يعقد)).
(14) في (ي): ((بما منعك)).
(15) في (ي): ((عند النبي ? التي)) ووضع بعد قوله: ((عند)) إشارة لحق وقبل قوله: ((التي)) إشارة لحق وكأنه يقصد بها الحذف.
(16) في (ب) و(ح): ((اسماعها)).
(17) في (ي) و(أ) و(ب) و(ح): ((فقد)).
(18) في (ب) و(ح): ((فيها)).
(19) في (ي) و(أ) و(ب) و(ح): ((هذا الحديث النسائي)).
(20) في (أ): ((غسل)). وفي (ب) و(ي): عسيل، والمثبت من (ح).
(21) روي من حديث أبي هريرة :
أخرجه أبو داود (2/588 رقم 2112) في النكاح، باب في التزويج على العمل يعمل، والنسائي في الكبرى (10/264-265 رقم14914) كما في "تحفة الأشراف".
كلاهما عن أحمد بن حفص بن عبدالله، عن حفص بن عبدالله، عن إبراهيم بن طهمان، عن الحجاج بن الحجاج الباهلي، عن عسل، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة، نحو هذه القصة، لم يذكر الإزار والخاتم، فقال: ((ما تحفظ من القرآن ؟)) قال سورة البقرة أو التي تليها، قال: ((فقم فعلمها عشرين آية، وهي امراتك)).
وفي سنده: عسل، وهو ابن سفيان، قال أحمد: ((ليس هو عندي قويّ الحديث))، وقال البخاري: ((عنده مناكير، وقال أبو حاتم: ((منكر الحديث))، وقال النسائي: ((ليس بالقوي)). وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: ((يخطئ ويخالف على قلة روايته، وذكره أيضًا في "المجروحين" (2/195): كان قليل الحديث، كثير التفرد عن الثقات مالا يشبه حديث الأثبات على قلة روايته، ولا يتهيأ الاحتجاج بانفراد من لم يسلك سنن العدول في الروايات على قلة روايته، ودخوله في جملة الثقات إن أُدخل فيهم، وهو ممن استخير الله فيه)).اهـ.
وفي "التقريب": ضعيف.
وقد أشار المزي في "تحفة الأشراف" (10/265) إلى أنه روي مرسلاً، فقال: رواه شعبة، عن عسل بن سفيان، عن عطاء: أن رجلاً تزوج امرأة على أن يعلمها القرآن، فرفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأجازه، ولم يذكر أبا هريرة. قال المزي: وكذلك رواه محمد بن فضيل، عن حجاج بن أرطأة، عن عطاء، مرسلاً.
(22) في (ب) و(ح) و(ي): ((قد)).
(23) في (ي): ((ملكتها)).
(24) قوله: ((الرواية)) سقط من (أ) و(ي).(4/103)
((ملكتها)) وَهْمٌ، ورواية من روى: ((زوجتكها)) الصواب (1) . وَهُمْ أكثرُ وأحفظُ. وقال غيره :(( مَلَّكْتُكَهَا)): كلمة عَبَّر بها الراوي عن: زَوَّجْتُكَهَا. وقد رواه جماعة فقالوا: ((زوجتكها (2) ))؛ دليلٌ على أنَّ كل صيغةٍ تقتضي التمليك مطلقًا يجوز (3) عقد النكاح بها(4)، وهو مذهب أبي حنيفة، وحاصل مذهب مالك. قال ابن القصَّار: يصح (4) النكاح بلفظ الهبة، والصَّدقة، والبيع إذا قصد به النكاح، ولا يصحّ بلفظ الرَّهن، =(4/132)=@ والإجارة والعارية، والوصية. ومن أصحابنا من أجازه بلفظ الإحلال، والإباحة، ومنعه آخرون؛ إذ لا يدلاَّن (5) على عَقْدٍ. وأصل مذهب الشافعي: أنَّه لا يجوز بغير (6) لفظ النكاح والتَّزويج. ويردّ عليه قوله في هذا الحديث، في (7) رواية مَنْ روى (8) : ((ملكتكها)) (9) ، وهي صحيحة. وفي بعض طرق البخاري: ((فقد أمكنَّاكها (10) )) (11) .
وقوله: ((فعَلِّمْها من القرآن))؛ يعني به: السُّور التي عدَّدها له، وأخبره أنه يحفظها، وهو بمعنى قوله في الرواية الأخرى: ((بما معك من القرآن))، والله تعالى أعلم.
ومن باب كم أصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - لأزواجه (12) ؟
قد تقدَّم ذكر الأوقية. فأمَّا ((النَّشُّ)) فقد فسَّرته عائشةُ – رضي الله عنها -. =(4/133)=@ وقال (13) كراع (14) : هو &(4/104)&$
__________
(1) انظر "فتح الباري" (9/214-215).
(2) من قوله: ((وقع في مختصر شيخنا المنذري... إلى هنا)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(3) أشير لها بسهم وكتب: في (ح) مهملة.
(4) في (ي): ((ويصح)).
(5) في (ي): ((يدل)).
(6) في (ب): ((بغيره)).
(7) في (ي): ((من)).
(8) في (أ): ((رواه)).
(9) في (ب) و(ح) و(ي): ((عليها)).
(10) في (ح): ((انكما كما)). وفي (ي) و(ب): ((أنكناكها)).
(11) نصَّ الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9/209) إلى أنه وقع في رواية أبي غسَّان بلفظ: ((أمْكَنَّاكَها)). ورواية أبي غسان هذه أخرجها البخاري في كتاب النكاح، باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح، لكن اللفظ كما في الصحيح - المطبوع من الشرح فتح الباري- (9/175 رقم5121) هو: ((أملكناكها))، لكن أشار القسطلاني إلى أنها بهذا اللفظ رواية وقعت لأبي ذر، ونصُّ كلامه: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((أملكناكها))، ولأبي ذر: ((أمكناكها))؛ من التمكين. والأُولى من التمليك، وفي رواية: ((زوجتكها)) وهي رواية الأكثر، وصوَّبها الدارقطني. وجمع النووي بأنه جرى لفظ التزويج أولاً، ثم لفظ التمليك أو التمكين ثانيًا؛ لأنه ملك عصمتها بالتزويج وتمكَّن به منها... انظر "إرشاد الساري شرح صحيح البخاري" (8/45).
(12) أشير لها بسهم وكتب: كذا في (ح).
(13) في (ب): ((وقالت)).
(14) قوله: ((كراع)) ضرب عليها الناسخ في (ب).(4/104)
نصف الشيء (1) . وقال الخطَّابي: هو اسمٌ موضوع (2) لهذا القدر.
قلت: وهو مُعَرَّب مُنَوَّن، غير أنه وقع هنا ((نش)) على لغة من يقف على المنون (3) بالسكون بغير ألف.
وقد تقدم (4) أنّ هذا القول من عائشة، إنما هو إخبار عن غالب أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن صفية من جملة أزواجه، وأصدقها نفسها على (5) ما تقدم من الخلاف (6) . وزينب بنت جحش لم يذكر لها صداق. وأمُّ حبيبة بنت أبي سفيان أصدقها النجاشي أربعة آلاف درهم (7) . فقد خرج هؤلاء من عموم قول عائشة، فدلَّ على ما ذكرناه.
وقوله: ((رأى على عبدالرحمن أثر صفرة))، وفي أخرى: ((وضر (8) صفرة))، وهو بمعنى: الأثر. وفي حديث آخر: ((رَدْع (9) )) بالعين المهملة. يعني: الأثر واللطخ. وفي "الأم": ((ورأى (10) عليَّ بشاشة العرس)). قال الحربيُّ: أَثَرَهُ، وحُسْنَهُ.
استدل بعض أهل العلم بعدم إنكار النبي - صلى الله عليه وسلم - التزعفر على عبدالرحمن على جوازه للعروس، وأنه مُخَصَّص به؛ لعموم نهيه ? عن (11) التزعفر (12) . وقيل: يحتمل أن تكون (13) تلك الصفرة في ثيابه. ولباس الثياب المزعفرة (14) للرّجال جائز عند مالك وأصحابه، وحكاه عن (15) علماء المدينة. وكان ابن عمر يصبغ (16) بالصفرة، ويرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدَّم في الحج (17) . =(4/134)=@
قلت: وعلى هذا يدل ما رواه أبو داود من حديث أبي موسى مرفوعًا: ((لا يقبل الله صلاة رجل في جسده شيء من خلوق)) (18) ، فخصَّ الجسد؛ فيؤخذ من دليل خطابه جوازه في غيره. وحكى ابن شعبان كراهة (19) ذلك في اللحية عن (20) أصحابنا. وكره الشافعي وأبو حنيفة ذلك في الثوب واللحية. ويحتمل أن تُحمل &(4/105)&$
__________
(1) قوله: ((الشي)) ضرب عليها الناسخ في (ب)، وكتب تحتها ((أوقية)) وكتب ((صح)).
(2) في (ب): ((موضع)).
(3) في (ب) و(ح) و(ي): ((النون)).
(4) أشير لها بسهم وكتب: كذا في (ح).
(5) قوله: ((وأصدقها نفسها على)) مطموس في (ح).
(6) في (ب) و(ي): ((من الاختلاف)). وهو مطموس في (ح).
(7) أخرجه أحمد (6/427)، وأبو داود (2/569 و583 رقم2086 و2107) كتاب النكاح، باب في الولي، وباب الصداق، والنسائي (6/119) كتاب النكاح، باب القسط في الأصدقة. جميعهم من طرق عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن أم حبيبة أنها كانت تحت عبيدالله بن جحش، فمات بأرض الحبشة، فزوجها النجاشي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأمهرها عنه أربعة آلاف، وبعث بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع شرحبيل بن حسنة. وسنده صحيح.
(8) في (ب): ((صر)).
(9) في (ب): ((رع)).
(10) في (ب) و(ح) و(ي): ((رأى)) بلا واو.
(11) قوله: ((عن)) سقط من (ب).
(12) سيأتي في اللباس، باب ما جاء في صبغ الشعر، والنهي عن تَسويده والتزعفر.
(13) في (ب): ((يكون)).
(14) في (ب): ((المزعفر)).
(15) قوله: ((عن)) سقط من (ب).
(16) في (ب): ((يصنع)).
(17) تقدم في الحج، باب بيان المحل الذي أهل منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
(18) أخرجه أحمد (4/403)، وأبو داود (4/403 رقم4178) في الترجل، باب في الخلوق للرجال، كلاهما عن محمد بن عبدالله بن الزبير الأسدي، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن جدَّيه؛ قالا: سمعنا أبا موسى يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا يقبل الله تعالى صلاة رجل في جسده شيء من خلوق)). قال أبو داود: جدَّاه زيد وزياد.
وسنده ضعيف، أبو جعفر الرازي: قال أحمد: ((ليس بقوي في الحديث))، وكذا قال النسائي، وقال أبو زرعة: ((شيخ يهم كثيرًا))، وقال أبو حاتم: ثقة، صدوق، صالح الحديث، ووثقه ابن المديني وابن عمار الموصلي، وقال الفلاس: ((فيه ضعف، وهو من أهل الصدق، سيء الحفظ)). وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/120): ((كان ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إلا فيما وافق الثقات، ولا يجوز الاعتبار بروايته، إلا فيما لم يخالف الأثبات)). وفي "التقريب": ((صدوق سيء الحفظ)).
وأما الربيع بن أنس: فقال النسائي: ((ليس به بأس))، وقال أبو حاتم: ((صدوق))، وكذا قال العجلي.
وقال ابن المبارك: ((أعطيت ستين درهمًا حتى أُدخلت على الربيع بن أنس فلم ينصحني من أدخلني عليه، أعطاني أحاديث مقطعات)).
وذكره ابن حبان في "الثقات" (4/228)، وقال: ((والناس يتقون حديثه ما كان من رواية أبي جعفر عنه؛ لأن فيها اضطراب كثير)). وفي "التقريب: ((صدوق له أوهام، رُمي بالتشيع)). والحديث ضعفه الألباني في تعليقه على "المشكاة" (4441).
(19) في (ب) و(ح): ((كراهة)).
(20) في (ي): ((عند)).(4/105)
صفرةُ عبدالرحمن على أنَّها تعلَّقت به من جهة العَرُوس، فكانت غير مقصودة له (1) ، ويحتمل أن تكون مقصودة له (2) ،لكنه لما احتاج إلى التطّيب لأجل العروس؛ استباح القليل (3) منه (4) عند عدم غيره من الطيب،كما قال - صلى الله عليه وسلم - في يوم الجمعة: ((ويمسَّ من الطيب ما قدر عليه))، (5) ، وفي بعض طرقه: ((ولو من طيب المرأة))، والله أعلم.
و((النواة)): قال الخطابي: هو اسمٌ معروف لمقدار معروف. وفسروها بخمسة دراهم، كما سُمِّي الأربعون: أوقية.
قلت: وهذا (6) هو (7) تفسير أكثر العلماء، وابن وهب. وقال أحمد ابن حنبل: النواة: ثلاثة دراهم وثلث. وقال بعض أصحاب مالك: النواة بالمدينة: ربع دينار. وقيل (8) : النواة هنا: هي (9) نوى التمر عينها؛ أي (10) : وزنها. والأول أظهر وأكثر.
وهذا الحديث وحديث عائشة يدلاَّن على أن الصَّداق لا بد منه، وأن أكثره لا حدَّ له. ولا خلاف (11) فيهما. غير أن المغالاة فيه مكروهةٌ؛ لأنها من باب السَّرف، والتعسير، والمباهاة (12) . =(4/135)=@
وقوله: ((أولْم ولو بشاة))، ظاهره الوجوب. وبه تمسَّك داود في وجوب الوليمة. وهو أحد قولي الشافعي ومالك. ومشهور (13) مذهب مالك والجمهور (14) : أنها مندوب إليها.
و((الوليمة)): طعام العرس (15) . وطعام البناء: الوكيرة، وطعام الولادة: الخرس (16) ، وطعام الختان: إعذار، وطعام القادم: النقيعة. وكلُّ طعام صُنع لدعوةٍ فهو: مأدبة - بضم الدال، وكسرها - قاله القتبي. وسيأتي ذكر الوليمة بأشبع من هذا. &(4/106)&$
__________
(1) قوله: ((له)) سقط من (ب).
(2) قوله: ((ويحتمل أن تكون مقصودة له)) سقط من (ب) و(ح).
(3) أشير لها بسهم وكتب: كذا في (ح).
(4) قوله: ((منه)) سقط من (ي).
(5) تقدم في كتاب الجمعة، باب فضل الغسل يوم الجمعة وتأكيده، ومن اقتصر على الوضوء أجزأه.
(6) في (ب): ((هذا)).
(7) قوله: ((هو)) سقط من (ب) و(ح).
(8) في (ب) و(ح): ((وقال)).
(9) قوله: ((هي)) سقط من (أ).
(10) في (ب) و(ح): ((أو)). ... ...
(11) قوله: ((خلاف)) سقط من (ب).
(12) في (ح): ((والمباهات)).
(13) في (ي): ((وظاهر)).
(14) قوله: ((والجمهور)) سقط من (ي).
(15) جاء في هامش (أ) - في بيان معنى الوليمة - ما نصّه: ((الوليمة تقع على كل طعام يتخذ لحادثِ سرورٍ، إلا أنه في الإطلاق لا ينصرف إلا إلى الطعام الذي يُتّخذ للعرس. وأصل الوليمة: اجتماع الشيء وتمامه؛ يقال: أولم الغُلام؛ إذا اجتمع عقلُه. وسُمي طعام العرس: وليمة الزوجين؛ فكأنّه لما فُعل لاجتماعهما تَسَمَّى وليمة. وقيل: هو مشتق من الوَلْم؛ وهو: القَيْد؛ سُمِّي به؛ لأنه يجمع ويضم. كذلك الوليمة: فيها اجتماع الزوجين)).
(16) كتب في هامش (ي): ((وطعام سابع الولاده العقيقة)).(4/106)
وقوله: ((ولو بشاة))؛ دليلٌ على أن التوسعة في الوليمة أولى وأفضل لمن قدر عليه. وأنَّ أقلَّ ما يوسع به من أراد الاقتصار شاة.
قال القاضي عياض (1) : ولا خلاف في أنه لا حدَّ لها، ولا توقيت. واختلف السلف في تكرارها زيادة على يومين. فأجازه قومٌ ومنعه آخرون. وقال بعض من أجاز ذلك: إذا دُعِيَ (2) كُلَّ يوم من لم يُدْعَ قبله جاز. وكلٌّ كره المباهاة (3) والسمعة. =(4/136)=@
ومن باب عِتْق الأَمَةِ وتزويجها
قوله: ((فانحسر الإزار عن فخذ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - )) إلى قوله: ((وإن ركبتي لتمسُّ فخذه))، قد ذكرنا الخلاف في الفخذ: هل هو (4) عورةٌ أم لا؟ وهذا الحديث مما يستدلُّ به من قال: إنه (5) ليس بعورة، وكذلك حديث عائشة الذي ذكرت فيه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان مُضطجعًا في بيتها كاشفًا عن فخذيه، فدخل أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما - وهو كذلك. وسيأتي الحديث في مناقب عثمان - رضي الله عنه - (6) .
وقد عارض هذه الأحاديث ما رواه الترمذي وصححه غيره من (7) حديث جَرْهَدٍ، عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّ به وهو كاشف فخذه، فقال له (8) : ((غط فخذك فإنها من العورة)) (9) . قال البخاري: حديث أنس أسند، وحديث جَرْهَد أحْوط كي نخرج من اختلافهم. &(4/107)&$
__________
(1) قوله: ((عياض)) سقط من (أ).
(2) في (أ): ((دعا)).
(3) في (ح) و(ي): ((المباهات)).
(4) في (ب) و(ح) و(ي): ((هي)).
(5) في (ب) و(ح): ((إن إنه)).
(6) سيأتي في النبوات، باب فضل عثمان – رضي الله عنه -.
(7) قوله: ((من)) سقط من (أ) و(ي).
(8) قوله: ((له)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(9) رجاله ثقات. زرعة بن عبدالرحمن بن جَرْهد الأسلمي المدني، وثقه النسائي، وذكره ابن حبان في "الثقات" (4/268) وقال: من زعم أنه زرعة بن مسلم بن جَرهد فقد وَهِم. وباقي رجال السند على شرط الصحيح. أبوعاصم: هو الضحاك ابن مخلد الشيباني، وأبو الزناد: هو عبدالله بن ذكوان، وإسحاق بن إبراهيم. هو ابن محمد الصواف. وأخرجه أحمد (3/ 479)، والطبراني في "الكبير" (2138) من طريق سفيان، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1 /475) من طريق مسعر، كلاهما عن أبي الزناد، بهذا الإسناد. وأخرجه عبدالرزاق (19808)، ومن طريقه أحمد (3/478)، والترمذي (2798) في الأدب، باب ما جاء أن الفخذ عورة، عن معمر، عن أبي الزناد، أخبرني ابن جَرْهَد، عن أبيه. وقال الترمذي: ((هذا حديث حسن)).
وأخرجه أحمد (3/478)، والحميدي (858)، والدارقطني (1/224) من طريق سفيان، حدثنا أبو الزناد، أخبرني آل جَرْهَد، عن جَرْهَد. وأخرجه أحمد (3/479) من طريق ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن زرعة بن عبدالرحمن بن جَرْهَد، عن جَرْهَد جدِّه، ونفر من أسلم سواه ذوي رضا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّ على جَرْهَد. وأخرجه الطيالسي (1176) عن مالك بن أنس، عن سالم أبي النضر، عن ابن جَرْهَد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّ به.
وأخرجه أحمد (3/478)، وأبو داود (4014) في الْحَمَّام: باب النهي عن التعري، والطحاوي (1/475) والبيهقي (2/228) من طريق مالك، عن أبي النضر سالم ابن أبي أمية، عن زرعة بن عبدالرحمن بن جَرْهَد، عن أبيه، عن جدِّه جَرْهَد.... وأخرجه الدارقطني (1/224) من طريق سفيان، عن أبي النضر، به. وأخرجه ابن أبي شيبة (9/118)، والحاكم (4/180) من طريق سفيان، عن سالم أبي النضر، عن زرعة بن مسلم بن جَرْهَد، عن جده جَرْهَد، وقال :(( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه))، ووافقه الذهبي.
وأخرجه أحمد (3/478)، والترمذي (2797)، والطحاوي (1/475) في "شرح معاني الآثار"، من طريقين عن محمد بن عقيل، عن عبدالله بن جَرْهَد، عن أبيه. وعلقه البخاري في "صحيحه" (1/478) في الصلاة، باب: الصلاة بغير رداء، فقال: ويروى عن جَرْهَد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((الفخذ عورة)). قال الحافظ: وجَرْهَد، بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الهاء، وحديثه موصول عند مالك في "الموطأ"، والترمذي وحسنه، وابن حبان وصححه، وضعفه المصنف في "التاريخ" للاضطراب في إسناده... وقال في "مقدمة الفتح" (ص 24): ((وأما حديث جَرْهَد، فوصله البخاري في "التاريخ"، وأبوداود وأحمد والطبراني من طرق، وفيه اضطراب، وصححه ابن حبان)).
وانظر بيان الاضطراب في"نصب الراية" (4/243-244)، و"الجوهر النقي" (2/228).
قلت: ولئن سلمنا أن هذا الاضطراب من النوع الذي يضعف به الحديث، فإن له شواهد تقويه وتعضده، ففي الباب عن علي – رضي الله عنه - عند أبي داود (3140 و4015)، وابن ماجة (1460)، والحاكم (4/180 و181)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/474) وفي "المشكل" (2/284)، والدارقطني (1/225)، وعبدالله بن أحمد في"زوائد المسند"(1/146)، والبيهقي(3/388)، وهو ضعيف. وعن محمد بن عبدالله بن جحش عند أحمد (5/290)، والبخاري في "التاريخ" (1/3)، والحاكم في "المستدرك" (4/180)، والبغوي في "شرح السنة" (2251)، والطحاوي (1/474 و475) من طريق العلاء بن عبدالرحمن، عن أبى كثير مولى محمد بن جحش عنه، قال الحافظ: رجاله رجال الصحبح غير أبي كثير، فقد روى عنه جماعة، لكن لم أجد فيه تصريحًا بتعديل، وقال الزيلعي في "نصب الراية" (4/245) بعد أن أورده في "المسند": ((وهذا مسند صالح)). وصحححه الطحاوي. وعن ابن عباس عند الترمذي (2796)، والطحاوي (1/474)، والحاكم (4/ 181)، وأحمد (1/275)، والبيهقي (2/228)، وابن أبي شيبة (9/119)، وفي سنده أبو يحيى القتات وهوضعيف. وفي حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه مرفوعًا: ((... إذا أنكح أحدكم عبده أو أجيره، فلا ينظرن إلى شيء من عورته، فإن ما أسفل من سرته إلى ركبتيه من عورته))؛ أخرجه أحمد (2/187)، وأبو داود (496)، والبيهقي (2/228-229)، وسنده حسن. فهذه الأحاديث يشدُّ بعضها بعضًا، فتصح وتقوى ويُستدل بها.(4/107)
قلت: وقد يترجّح الأخذ بحديث جَرْهَد من وجهٍ آخر، وهو: أن تلك =(4/137)=@ الأحاديث قضايا معيّنة في أوقات وأحوال مخصوصة، يتطرَّق إليها من الاحتمال ما لا يتطرَّق لحديث جرهد (1) ، فإنه إعطاء حُكم كلِّيٍّ (2) وتقعيدٌ للقاعدة، فكان أولى.
بيان ذلك: أن تلك الوقائع تحتمل (3) خصوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، أو البقاء (4) على البراءة الأصلية؛ إذ (5) كان لم يحكم عليه في ذلك الوقت بشيء، ثم بعد ذلك حكم عليه: بأن الفخذ عورة. ويحتمل حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشعر بانكشافه لِهَمِّه بشأن فتح خيبر، إلى غير ذلك من الاحتمالات التي لا يتوجه شيء (6) منها على حديث جَرْهَد، فكان أولى، والله تعالى أعلم.
وتكبيرُه (7) - صلى الله عليه وسلم - عليهم تعظيم لله تعالى، وتحقيرٌ لهم، وتشجيع عليهم. وقد تكلَّمنا على معنى الله أكبر في كتاب الحج.
وقوله: ((خربت خيبر))؛ أي: صارت خرابًا منهم. وهل ذلك على حقيقة (8) الخبرية، فيكون ذلك من باب الإخبار عن الغيب، أو هو (9) على جهة الدُّعاء عليهم، أو على جهة التفاؤل لَمَّا خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم ومرورهم؟ وقد (10) قيل كل ذلك. والأوَّل أولى؛ لقوله: ((إنَّا (11) إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين)).
و ((الساحة)): الناحية، والجهة. و((ساء)): أي: صار (12) سيئًا (13) ؛ من السُّوء. و((المنذر)): الذي أبلغ الإنذار، وهو التخويف بالإخبار عن المكروه. و((البشارة)): الإخبار بالمحبوب (14) . و((الخميس)): الجيش؛ سُمِّي بذلك (15) ؛ لأنه يقسم خمسة أخماس: القلب، والميمنة، والميسرة، والمقدمة، والساقة. وقيل: لأنه يخمَّس. وليس بشيء؛ لأن هذا أمر مستجد من جهة الشرع (16) ، وكان الخميس =(4/138)=@ اسما للجيش معروفًا قبل ذلك.
و((المكاتل)): القفف والزنابيل. و((المرور)) (17) : الحبال؛ لأنها تمرُّ؛ أي: تفتل، واحدها: مَرٌّ، كانوا يصعدون بها النخل، وقيل: هي المساحي. &(4/108)&$
__________
(1) من قوله: ((قلت وقد يترجح...)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح).
(2) في (ب) يشبه: ((كل)).
(3) في (ب) و(ح): ((تحمل)).
(4) في (ب) و(ح) و(ي): ((والبقاء)).
(5) في (ب): ((إذا)).
(6) قوله: ((شيء)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(7) في (أ): ((تكبيره)) بلا واو.
(8) في (ي): ((حقيقية)).
(9) قوله: ((هو)) سقط من (ب) و(ح).
(10) في (أ) و(ي): ((قد)) بلا واو.
(11) قوله: ((إنا)) سقط من (ب).
(12) في (ب) و(ح) و(ي): ((صارت)).
(13) في (ب): ((ساء)) وفي (ي): ((شيًا)).
(14) في (ي): ((والبشار بالمحبوب)).
(15) قوله: ((سمي بذلك)) مطموس في (ح).
(16) في (ي): ((الشارع)).
(17) في (أ): ((والمزور)).(4/108)
وقوله: ((وأصبناها (1) عنوة))؛ يعني: أوَّل حصونهم، وسيأتي ما افتتح منها عنوة، وما افتتح منها صلحًا.
وقوله: ((فجاء دِحْيَةُ فقال: يا رسول الله ! أعطني جارية من السبي)). فقال: ((اذهب فخذ، فأخذ صفية)). ثم ذكر استرجاع النبي - صلى الله عليه وسلم - لصفية منه. قد ظنَّ بعض المتكلّمين على هذا الحديث: أن هذه (2) العطية هبةٌ من النبي - صلى الله عليه وسلم - لدخية (3) ، فأشكل عليه استرجاعه (4) إيَّاها، فأخذ يعتذر عن هذا بتأعذار. وهذا كله ليس بصحيح، ولا يُحتَاجُ إليه. وقد أزال إشكال هذه الرواية، الروايات الآتية بعْد التي ذكر فيها: أن صفية إنّما صارت لدحية في مَقْسَمِه، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشتراها منه بسبعة أرؤسٍ. وهذه الروايات المتقنة (5) لا إشكال فيها. بل هي رافعة لما يتوهَّم من إشكال غيرها. ويبقى إشكال بين قوله:((خذ جارية من السَّبي))، وبين قوله: ((إنها صارت إليه في مَقْسَمِه (6) ))؛ يزيله تقدير: أنه إنما أراد: ((خذ)) بطريق القسمة. وفهم ذلك (7) دِحْية بقرائن أو بصريح (8) لم ينقله الراوي، فلم يأخذ دِحْية شيئًا إلا بالقسمة (9) . ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - حصل عنده أنها لا تصلح إلا له، من حيث أنها من بيت النبوَّة؛ فانها من ولد هارون. ومن بيت الرئاسة؛ فانها بنت سيد قريظة والنضير (10) ، مع ما كانت عليه من الجمال المراد =(4/139)=@ لكمال اللذة الباعثة على كثرة النكاح المؤدية إلى كثرة النسل، وإلى جمال الولد. وهذا من فعله كما قد نبَّه عليه بقوله: ((تخيَّروا لنطفكم)) (11) .
وأيضًا: فمثل هذه تصلح (12) أن تكون أمًّا للمؤمنين. وحذارِ (13) من أن يظنَّ جاهلٌ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الذي حمله على ذلك غلبةُ (14) الشهوة النفسانية، وإيثار للَّذة (15) الجسمانية (16) ؛ فان ذلك اعتقاد يَجُرُّه جهلٌ بحال النبي (17) - صلى الله عليه وسلم - ، وبأنّه معصوم من مثل ذلك؛ إذ قد أعانه الله تعالى على شيطانه فأسلم، فلا يأمره إلا بخير (18) . وقد نزع الله تعالى من قلبه حظَّ الشيطان، حيث شقَّ قلبه، فأخرجه &(4/109)&$
__________
(1) في (ب): ((وأسناها)).
(2) قوله: ((هذه)) سقط من (أ).
(3) في (ب): ((لصفية لدحية)). وكأنه ضرب على قوله: ((لصفية)).
(4) في (أ) و(ي): ((إرتجاعه)).
(5) في (ب) و(ح): ((المتفقة)).
(6) في (ي): ((قسمه)) .
(7) قوله: ((ذلك )) سقط من (ب).
(8) في (ب): ((تصريح)).
(9) في (ي): ((إلا القسمة)).
(10) في (ح): ((والنظير)).
(11) ................ مرفق التخريجات.
(12) في (أ): ((يصلح)).
(13) في (ب) و(ح) و(ي): ((وحذرًا)).
(14) في (ب) و(ي): ((عليه)).
(15) في (ب) و(ح) و(ي): ((اللّذة)).
(16) في (ب) و(ح) و(ي): ((النفسانية)).
(17) أشير لها بسهم وكتب: [من (ح)].
(18) أخرجه الدارمي (2 /306)، الطبراني في "الكبير" (10523)، وأبو نعيم فى "الدلائل" (1/235)، من طريق محمد بن يوسف الفريابي، عن سفيان الثوري، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (2814/69)، وأبو يعلى (5143)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1/29)، والشاشي (824)، وابن حبان (6417)، والطبراني في "الكبير" (10522 و1054)، من طرق عن منصور، به.
وأخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (7/101) من طريق شعبة، عن منصور، به، بلفظ: ((ما منكم من أحد إلا له شيطان))، فقالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟ فقال: ((ولا - أنا، ولكن الله أعانني بإسلامه، أو أعانني عليه حتى أسلم)).
قال البيهقي: قوله في هذه الرواية: ((ولكن الله أعانني بإسلامه)) إن كان هو الأصل يؤكد قول من زعم أن قوله: ((فأسلم)) من الإسلام، دون السلامة، وكأن شعبة أو من دونه شكّ فيه. وذهب محمد بن إسحاق بن خزيمة رحمه الله إلى أنه من الإسلام، واستدل بقوله: ((فلا يأمرني إلا بخير))، قال: ولو كان على الكفر لم يأمر بخير. وزعم أبو سليمان الخطابي رحمه أن الرواة يرون((فأسلم)) من الإسلام، إلا سفيان بن عيينة ،فإنه كان يقول((فأسلم))؛ أي: أجد السلامة منه، وقال: إن الشيطان لا يسلم قط.(4/109)
منه، وطهَّره، وملأه حكمة وايمانًا، كما تقدَّم في الإسراء (1) . وإنما الباعث له على اختيار (2) ما اختاره من أزواجه ما ذكرت لك، وما في معناه (3) ، والله تعالى أعلم.
وقوله: ((أصدقها عتقها، أو نفسها))؛ استدل بهذا طائفةٌ من أهل العلم على جواز جَعْل العتق صداقًا. وبه قال الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو يوسف، وروي عن ابن المسيب، والحسن، والنخعي، والزهري. غير أن الشافعي يقول: هي بالخيار إذا أعتقها (4) . فإن امتنعت فله عليها قيمتها. ومنع ذلك آخرون؛ منهم: مالك، وأبو حنيفة، ومحمد بن الحسن، وزُفر؛ متمسِّكين باستحالة ذلك. ويتقرر ذلك من وجهين:
أحدهما: أن عقدها على نفسها (5) ، إمَّا أن يقع قبل عتقها؛ وهو محال؛ لتناقض (6) الحكمين: الحرَّية، والرِّق. فإن الحرية حكمها الاستقلال، والرِّق حكمه الجبْر، وهو عدم الاستقلال. فهما متناقضان. وإمَّا بعد العِتْق (7) ، وهو أيضًا محال؛ لزوال حكم الجبْر عنها بالعتق، فيجوز ألا ترضى (8) ، وحينئذ لا تُنكح إلا برضاها. =(4/140)=@
وثانيهما: أنَّا إذا جعلنا العتق صداقًا، فإمَّا أن يتقرر العتق لها حالة رِقِّها، وهو محال؛ لتناقضها (9) ، أو حالة (10) حُرِّيتها، وحينئذ يلزم بسبقيته (11) على العقد، فيلزم وجود العتق حالة (12) فرض عدمه. وهو محال.
وبيانه: أنَّ الصَّداق لا بدَّ أن يتقدم تقرره (13) على الزوج، إمَّا نصًّا، وإمَّا حُكْمًا، حتى تملك (14) الزوجة (15) طلبته. وحينئذ يلزم ما ذكرنا (16) ، لا يقال يبطل بنكاح التفويض، فإنا قد تحرزنا (17) عنه بقولنا: وإمَّا حكمًا. فإنها (18) وإن لم يتعين لها حالة العقد (19) شيء، لكنها تملك مطالبته بالفرض وتعيين الصَّداق، لا سيما على مذهب &(4/110)&$
__________
(1) تقدم في الإيمان، باب في شق صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثانية وتطهير قلبه وحشوه حكمة وإيمانًا عند الإسراء.
(2) في (ب) و(ح) و(ي): ((اختياره)).
(3) في (ي): ((معناها)).
(4) قوله: ((يقول هي بالخيار إذا أعتقها)).
(5) في (أ): ((نفسهما)).
(6) في (ب): ((التناقض)).
(7) في (ي): ((العتق)).
(8) في (ب): ((يرضى)).
(9) في (ب): ((لناقضهما)). وفي (ح): ((لتناقضهما)).
(10) في (ب): ((وحال))، وفي (ح) و(ي): ((أو حال)).
(11) في (ي): ((سبقيته)).
(12) في (ب) و(ح) و(ي): ((حال)).
(13) في (ب) و(ح) و(ي): ((يتقرر تقدمه)).
(14) في (ب): ((يملك)).
(15) في (أ): ((زوجته)).
(16) في (ب) و(ح): ((ذكرناه)). وفي (ي): ((لا يلزم ما ذكرناه)).
(17) في (ح): ((تحررنا)).
(18) في (ي): ((بأنها)).
(19) في (ب) و(ح) و(ي): ((العتق)).(4/110)
الشافعي - رضي الله عنه -؛ فإن مرجعه عنده إلى صداق المثل في الحياة والموت. فقد ظهر أنها ثبت (1) لها حالة العقد شيء تُطالب (2) الزّوج به (3) ، ولا يتأتى مثل ذلك في العتق، فاستحال أن يكون صداقًا. ولَمَّا تقرَّر هذا عند أصحابنا اعتذروا عن قول أنس من أوجه:
أحدها: أنَّه قوله، وموقوف عليه (4) . والحجة في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (5) .
وثانيها: أن ظاهر قوله: ((أعتقها وتزوَّجها))، أنه كان قد أعتقها ثم تزوَّجها بَعْدُ (6) . وهذا على ما قدمناه في قوله تعالى: {إن الصفا والمروة (7) من شعائر الله} (8) ، وقوله عليه السلام (9) : ((أبدأ بما بدأ الله به (10) )) (11) ، فبدأ (12) بالصَّفا.
وثالثها: أن قوله: ((أصدقها نفسها))؛ يحتمل أن يكون أنس لَمَّا لم ير صداقًا، وسُئل عنه، قال ذلك. ويعني به: أنه لم يصدقها شيئًا. ويكون هذا من خصوصياته - صلى الله عليه وسلم - .
ورابعها: أنه لو سُلم كونه مرفوعًا نصًّا؛ فحينئذ يكون من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - في باب النكاح. وقد ظهرت له (13) فيه (14) خصائص كثيرة، والله تعالى أعلم.
وقوله (15) : ((حتى إذا كانت بالطريق جهّزَتْها له (16) أُمُّ سُلًيم، وأهدتها له من الليل))؛ =(4/141)=@ يعني: طريقَ رجوعه من خيبر إلى المدينة، كما جاء في الرواية الأخرى مفَسَّرًا. وكان بين سبائها وبين دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - بها زمان أسلمت فيه، واستبرأت (17) ، وأصلح حالها فيه، ثم دخل بها بَعْدُ (18) . ولذلك (19) قال أنس في الرواية الأخرى: ((ثم دفعها لأُمِّي تُصَنِّعُها، وتُهَيِّئُهَا، وتعتّدُ في بيتها))؛ يعني: في بيت أم أَنس (20) .
وقوله: ((حين أصبح عروسًا: من كان عنده فضل زاد فليأتنا))؛ دليل: على مشروعية (21) الوليمة، وأنَّها بعد الدُّخول. وعلى (22) أنَّ العروس إذا لم يكن عنده ما يولم (23) ، طلب ممن (24) ينبسط معه من أصحابه، ويختصُّ (25) به منهم بما لا (26) يثقل (27) عليهم به مما يخف (28) ويسهل (29) ، إذا علم حال أصحابه، وسخاوة أنفسهم بذلك، وطيب قلوبهم. =(4/142)=@
وقوله (30) : ((فجعل الرجل يجيء بفضل التمر، وفضل السويق، حتى جعلوا &(4/111)&$
__________
(1) في (ب): ((يثبت)).
(2) في (ب): ((يطالب)).
(3) في (ب) و(ح) و(ي): ((به الزوج)).
(4) في (ب) و(ح) و(ي): ((وهو وقف عليه)).
(5) قال الحافظ في "الفتح" (9/129): ((ومن ثم قال أبو الطيب الطبري من الشافعية وابن المرابط من المالكية ومن تبعهما: أنه قول أنس، قاله ظنًّا من قبل نفسه، ولم يرفعه، وربما تأيد ذلك عندهم بما أخرجه البيهقي من حديث أميمة ويقال: أمة الله بنت رزينة، عن أمها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعتق صفية وخطبها وتزوجها وأمهرها رزينة، وكان أتى بها مسبية من قريظة والنضير، وهذا لا يقوم به حجة؛ لضعف إسناده، ويعارضه ما أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من حديث صفية نفسها قالت: أعتقني النبي - صلى الله عليه وسلم - وجعل عتقي صداقي، وهذا موافق لحديث أنس، وفيه ردٌّ على من قال: أن أنسًا قال ذلك بناء على ما ظنَّه)).
(6) قوله: ((بعد)) سقط من (ب) و(ح).
(7) أشير لها بسهم وكتب: [كذا في (ح)].
(8) سورة البقرة؛ الآية: 158.
(9) قوله: ((وقوله عليه السلام)) ليس في (ب) و(ح) و(ي).
(10) قوله: ((به)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(11) تقدم في الحج، باب في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
(12) في (ي): ((هذا)).
(13) قوله: ((له)) سقط من (ب).
(14) في (ح): يشبه أن تكون ((منه)) [وتراجع ل187/أ].
(15) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(16) قوله: ((له)) سقط من (ب).
(17) في (ح): ((واسترتب)).
(18) قوله: ((بعد)) سقط من (ب).
(19) في (ب): ((وكذلك)).
(20) في (ب): ((أم سليم)).
(21) في (ب) و(ح): ((مشروعيته)).
(22) في (ب): يشبه أن تكون ((وعلى)).
(23) في (أ) و(ي): ((إذا لم يكن له بما يولم))، وفي (ح) يشبه أن يكون: ((إذا لم يكن ربما يولم))، والمثبت من (ب).
(24) في (أ): ((من)).
(25) قوله: ((معه من أصحابه ويختص)) مطموس في (ح).
(26) في (أ): ((ما لا)).
(27) في (ي): ((لا يتصل)).
(28) قوله: ((مما يخف)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(29) في (أ): ((يسل)).
(30) قوله: ((وقوله)) بياض في (ب).(4/111)
من ذلك سوادًا حَيسًا))؛ يعني (1) : جاء كل واحد (2) منهم بما فضل عن حاجته مِمَّا كان عنده. وسواد (3) الشيء: شخصه؛ يعني: أنه (4) اجتمع من ذلك ما له جرمٌ وقدْرٌ مرتفع عن الأرض. و ((الحيس)): تمرٌ، وأقط، وسمن مجتمعٌ، وقد تقدَّم.
وقوله (5) في "الأم": ((فُحِصَتِ الأرض (6) أفاحيص))؛ أي: كشفت عما يمنع (7) القعود عليها من حجارةٍ، وعُشب، وغير ذلك، وسوِّيت حتى خلص إلى التراب. ومنه: مفحص القطاة، وهو الموضع الذي (8) تتخذه لبيضها. وواحد الأفاحيص (9) : أفحوص.
و ((الأنطاع)) جمع: نطع. وفيه أربع لغات: نِطَعٌ، وهي أفصحها. ونِطْعٌ (10) ، ونَطْعٌ، ونَطَعٌ.
وقوله (11) : ((فانطلقنا حتى إذا رأينا جدر (12) المدينة هششنا (13) إليها))؛ أي (14) : اهتززنا (15) فرحًا وسرورًا. وهذه فرحة القادم، السالم، الغانم (16) ؛ إذا وصل إلى وطنه وأهله.
وقوله: ((فرفعنا مَطِيَّنا ورفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مطيته))؛ أي: أجرينا (17) ، ورفعنا السير إلى غايته.
وقوله في "الأم": ((ونَدَرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونَدَرَتْ))؛ أي: صُرع (18) وصُرعتْ؛ كما جاء في هذه الرواية مفسَّرًا. وأصل النُّدور: الخروج. ومنه (19) : نوادر الكلام. =(4/143)=@ والنَّادر من النَّاس: الخارج عنهم بما فيه من الزيادة (20) عليهم. وكون النَّاس &(4/112)&$
__________
(1) في (ي): ((حين)).
(2) في (أ) و(ي): ((أحد)).
(3) في (ب): ((وسوادًا)).
(4) في (ب): ((إذا)).
(5) قوله: ((وقوله)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(6) في (ب): ((الأرض)).
(7) في (ي): ((يمتنع)).
(8) في (ي) و(ب): ((التي)).
(9) في (ح) و(ب) و(ي): ((الأفاحص)).
(10) في (ي): ((وبطع)).
(11) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(12) في (ي): ((جدور)).
(13) في (ب): ((هششنا)) وكتب فوقها: ((هشنا)).
(14) قوله: ((أي)) سقط من (ب).
(15) في (ب) و(ح): ((اهتزنا)).
(16) في (ب): ((العالم)).
(17) في (ب): ((جرينا)).
(18) في (ب): ((إلى فصرع)).
(19) في (ح) و(ي): ((ومنه قوله)). ووضع فوقها علامة تصحيح.
(20) في (أ) و(ي): ((زيادة)).(4/112)
امتنعوا من النظر إليهما إنما كان ذلك احترامًا وإجلالاً أن يقع بصرٌ (1) على عورة منهما، فإنه قد كان (2) انكشف منها ما يستر. ألا ترى قوله: ((فسترها))؟
وقوله (3) : ((لم نُضَرَّ (4) ))؛ أي: لم يصبنا ضررٌ؛ إزالة لما غشيهم من التخوِّف عليه، وتسكينًا لنفرتهم، وتطييبًا لقلوبهم.
وقوله (5) : ((فخرج جواري نسائه يتراءينها، ويشمتن بصرعتها (6) ))؛ يعني (7) : الصغارَ الأسنان، اللَّواتي لا ثبات لهن ولا حنكة (8) عندهن.
و((يتراءينها)): ينظرن، ويتشوَّفن إليها. ((ويشمتن بصرعتها))؛ كأنهن سُرِرْن بذلك. وهذا فعلٌ يتضمنه طباع الضرائر ومن يتعصّب لهن.
وقولهم: ((إن (9) حَجَبَها فهي امرأته، وان لم يحجبها فهي أم ولد))؛ هذا يدل على أنه ما كان أبان لهم أمرها، ولا أشهدهم على تزويجها. فيكون فيه دليل على جواز عقد النكاح من غير إشهاد، وبه قال الزهري (10) ومالك، وأهل المدينة، =(4/144)=@ وأبو ثور، وجماعة من السَّلف. وذهب آخرون: إلى أنَّه لا يجوز إلا بشاهدي عدل. وهو قول جماعة من الصَّحابة، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد. وقال أبو حنيفة مثله، إلا أنه لا (11) يشترط العدد. واتفق الجميع على أنه شرطٌ في الدُّخول.
وعلى هذا فيكون دخوله - صلى الله عليه وسلم - بصفيّة (12) من غير إشهادٍ من خصائصه.
ولم يختلف أحدٌ من العلماء (13) في أن كل نكاح استسرَّ به وليس فيه &(4/113)&$
__________
(1) في (ب): ((نظره)). وفي (ي): ((بصره)).
(2) في (ب) و(ح): ((كان قد)).
(3) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(4) في (ح) و(ي): ((نضرر)).
(5) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(6) في (ي): ((بمصرعها)).
(7) في (ب) و(ح) و(ي): ((تعني)).
(8) في (ي): ((حنكة لهن عندهن)).
(9) في (ب): ((قوله وإن))، وفي (ح) و(ي): ((وقوله إن)).
(10) في (ب): ((الأزهري)).
(11) قوله: ((لا)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(12) قوله: ((بصفية)) سقط من (ب) و(ح).
(13) قوله: ((العلماء)) لم يتضح في (ح) ويشبه أن يكون ((الفقهاء)).(4/113)
شاهدان أنَّه نكاح السرّ المنهيّ (1) عنه، ويُفسخ أبدًا.
واختلفوا فيما إذا استسرَّ به (2) مع الشاهد (3) ، فذهب الجمهور إلى أنه ليس بنكاح سرٍّ، ولا يُفسخ. وهو عند مالك نكاح سرٍّ، ويُفسخ.
وقوله في حديث أبي موسى في الذي يعتق جاريته ثم يتزوجها: ((له أجران)) (4) ؛ دليلٌ على صحته، وفضيلته، خلافًا لمن كره ذلك من أهل العراق. وشَبَّهَهُ بركوب بدنته. وهو قياسٌ في مقابلة النصّ المذكور، فهو (5) فاسد الوضع، والله تعالى أعلم. =(4/145)=@
ومن باب تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب
قول أنس: ((لما انقضت عدَّة زينب))؛ يعني من طلاق زيد بن حارثة؛ الذي قال الله فيه (6) :{ وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه (7) } إلى قوله: &(4/114)&$
__________
(1) في (ب): ((منهي)).
(2) قوله: ((به)) سقط من (ح) و(ب).
(3) في (ب) و(ح) و(ي: ((الشاهدين)).
(4) تقدم في الإيمان، باب مضاعفة أجر الكتابي إذا آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وشدة عذابه إذا لم يؤمن. ...
(5) في (ب) و(ح): ((وهو)).
(6) في (ب) و(ح) و(ي): ((الذي قال فيه)).
(7) قوله: ((عليه)) سقط من (أ).(4/114)
{فلما قضى زيد منها وطرًا زوجناكها (1) } الآية (2) . وقد (3) ذكرنا في كتاب الإيمان: الصحيح من أقوال العلماء في هذه الآية.
وقوله (4) - صلى الله عليه وسلم - لزيد: ((فاذكرها عليَّ))؛ أي: اخطبها لي. هو (5) امتحان لزيد، وابتلاء له، حتى يظهر صبره، وانقياده، وطوعه.
و((تخمير العجين)): جعل الخمير (6) فيه، وتركه إلى أن يطيب.
وقوله (7) : ((فلمَّا (8) رأيتها عظمت في صدري، حتى (9) ما أستطيع أن أنظر إليها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرها)) بفتح ((أن)) لا غير؛ لأنها في معنى: ((لأن)) أو: من أجل أنَّ. وهي معمولة (10) لـ((عظمت))؛ ومعناه: أنَّه لما خطبها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، وعلم زيدٌ أنّها صالحة لأن تكون من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومن أمّهات المؤمنين؛ حصل لها في نفسه صورة أخرى، وإجلال زائد (11) على ما كان لها عنده في حال كونها زوجته. وتوليته إيَّاها ظهره: مبالغة (12) في التَّحرز من رؤيتها، وصيانة لقلبه من التعلّق بها. على أنَّ الحجاب إذ ذاك لم يكن مشروعًا بَعْدُ، على ما يدلّ عليه بقية الخبر.
وقوله: ((ونكصت على عقبي))؛ أي: رجع خلفه، وقهقر (13) إليها حتى سمع =(4/146)=@ حديثها، فلمَّا أخبرها قالت: ((حتى أؤامر ربي))؛ أي: أستخيره، وأنظر (14) أمره لسان رسوله (15) - صلى الله عليه وسلم - ، فلمَّا وَكَلَتْ أمرَها إلى الله، وصحَّ تفويضُها إليه؛ تولّى الله &(4/115)&$
__________
(1) قوله: ((زوجناكها)) سقط من (أ).
(2) سورة الأحزاب؛ الآية: 37. وقوله: ((الآية)) سقط من (ب).
(3) في (ب): ((قد)) بلا واو.
(4) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(5) في (ب) و(ح): ((وهو)).
(6) في (ح) تشبه أن تكون ((الخميرة)).
(7) قوله: ((وقوله)) بياض في (ب).
(8) في (أ): ((كلما)).
(9) قوله: ((حتى)) سقط من (ب).
(10) في (ب): ((معملولمه)) كذا رسمت.
(11) في (ب) و(ح) و(ي): ((زيد)).
(12) في (ب): ((مالغة)).
(13) في (ي): ((فقهقر)).
(14) في (ب) و(ح) و(ي): ((وانتظر)).
(15) أشير لها بسهم وكتب: [كذا في (ح) و(أ)].(4/115)
تعالى إنكاحها (1) منه ?، ولم يحوجها إلى وليٍّ يتولى عقد نكاحها؛ ولذلك قال تعالى: {فلما قضى زيد منها وطرًا زوجناكها}، ولما أعلمه الله تعالى بذلك؛ دخل عليها بغير إذن (2) ، ولا تجديد عقد، ولا تقرير صداق، ولا شيء مما يكون شرطًا في حقوقنا، ومشروعًا لنا. وهذا من خصوصياته - صلى الله عليه وسلم - التي (3) لا يشاركه فيها أحدٌ بإجماع المسلمين.
وقوله (4) : ((ولقد رأيتنا أن (5) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطعمنا الخبز واللحم حين (6) امتد النهار)) أي: ارتفع واشتدَّ ضحاؤه. وهذه الوليمة هي (7) التي أولم فيها بالشاة، كما جاء في الرواية الأخرى. وفي خروجه من البيت، وترك المتحدثين على حالهم، ولم (8) يُهجهم (9) : ما يدلُّ على كرم (10) أخلاقه (11) ، وحسن معاملته، وكثرة حيائه، وإن تحمل (12) فيه (13) مشقةً ومخالفةَ مقصده. =(4/147)=@
ودورانه على حجر نسائه تفَقُّد لأحوالهن، وجبر لقلوبهن، واستدعاء لما عندهنّ من أحوال قلوبهن؛ لأجل تزويجه؛ ولذلك (14) استلطفنه (15) لقولهن له (16) : كيف وجدت أهلك يا رسول الله؟! وصدور مثل هذا الكلام عنهن في حال ابتداء اختصاص الضرة الداخلة به (17) ؛ يدلُّ على قوة عقولهن، وصبرهن (18) ، وحسن معاشرتهنَّ، وإلاَّ فهذا موضع الطيش والخفة للضرائر، لكنَّهنَّ طيِّبَات لطيِّبٍ.
وقوله: ((ونزل (19) الحجاب، ووُعِظ القوم بما وعظوا به (20) ))؛ يعني: أنَّه نزل قوله تعالى (21) : {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم (22) } الآية (23) ، كما جاء في الرواية الأخرى.
و{ناظرين}: منتظرين. و{إناه}: وقْتَ نضْجه، وهو مقصورٌ، وفيه لغات. يقال: إنًا، و أنًا - بكسر الهمزة وفتحها -، و إناء: بالمد والهمز.
{ولا مستأنسين لحديث}: من الأنس بالشيء، وهو معطوف على {ناظرين}.
{والله لا يستحي من الحق}؛ أي: لا يمتنع من بيانه، وإظهاره.
و ((المتاع)): ما يُتمتَّعُ به من العواري والجواري. &(4/116)&$
__________
(1) في (ب): ((نكاحها)).
(2) في (ب) و(ح) و(ي): ((ولي)).
(3) في هامش (ح): ((اللاتي)).
(4) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(5) في (أ): ((و)) بدل ((أن)).
(6) في (ب) و(ح) و(ي): ((حتى)).
(7) قوله: ((هي)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(8) قوله: ((على حالهم ولم)) مطموس في (ح).
(9) في (ب): ((يهجم)). وكتب بعدها ((إلي)) وكأنه ضرب عليها ووضع فوقها (م).
(10) في (ب): ((ما يدل كرامة)).
(11) أشير لها بسهم وكتب: [التصويب من (ح)].
(12) في (ب) و(ح): ((يتحمل)).
(13) قوله: ((فيه)) سقط من (ب) و(ح).
(14) في (ب): ((وكذلك)).
(15) في (ب): ((استطلفته)).
(16) قوله: ((لقولهن له)) سقط من (ب)، وفي (ح) و(ي): ((بقولهن)) بدون ((له)).
(17) قوله: ((به)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(18) قوله: ((وصبرهن)) سقط من (ب).
(19) في (ب): ((وترك)).
(20) قوله: ((به) سقط من (ي).
(21) قوله: ((قوله تعالى)) سقط من (ي).
(22) قوله: ((إلا أن يؤذن لكم)) سقط من (أ).
(23) سورة الأحزاب؛ الآية: 53.(4/116)
و{أطهر لقلوبكم وقلوبهن}؛ أي: أنفى (1) للشهوة، والرَّيب، وتقُّولات (2) المنافقين، وأذاهم.
وقوله (3) : {وما (4) كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا (5) } (6) ؛ أي: ما ينبغي، ولا يحل، ولا يجوز شيء من ذلك بوجهٍ من الوجوه. =(4/148)=@ ويقال: إن هذه الآية نزلت لَمَّا قال بعضهم - وقد تكلَّم مع زوجة من زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - : لأتزوجنَّ بها بَعْدَه (7) ؛ فأنزل الله تعالى الآية. وقد حكي هذا القول عن بعض فضلاء الصحابة. وحاشاهم عن مثله. وإنما الكذب في نقله. وإنما يليق مثل هذا القول بالمنافقين الْجُهَّال. وقد صرَّح أنس في هذا الحديث بأن الحجاب إنما نزل بسبب ما جرى.
وقد جاء في الصحيح: أن عمر - رضي الله عنه - قد كان (8) ألَحَّ على النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن يحجب نساءه. وكان يقول له: ((احجب نساءك، فإنهن يراهن البَرُّ والفاجر)). وكان يقول لسودة إذا خرجت: ((قد عرفناك (9) يا سودة)) (10) ؛ حرصًا على الحجاب؛ فأنزل الله تعالى آية الحجاب. ولا بُعْدَ في نزول الآية عند اجتماع هذه الأسباب كلّها، والله تعالى أعلم. =(4/149)=@ &(4/117)&$
__________
(1) في (ي): ((ابقا)) كذا رسمت.
(2) في (ي): ((وفقولات)) وفي (ب): ((نقولات)).
(3) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(4) في (ح) و(ب): ((ما)) بلا واو.
(5) في (ي): ((من بعد ما بدا)) كذا رسمت.
(6) سورة الأحزاب؛ الآية: 53.
(7) أورد السيوطي في "الدر المنثور" (6/643-644) آثارًا في ذلك، لا يصح منها شيء.
(8) في (ب) و(ح): ((كان قد)).
(9) في (أ): ((رأيناك)).
(10) سيأتي في الأدب، باب احتجاب النساء.(4/117)
ومن باب الهدية للعروس
قوله: ((فدخل بأهله))؛ يعني بالأهل: زينب؛ كما نبَّه البخاري وغيره عليه (1) . و((التَّوْر (2) )): آنية من حجارة كالقَدَح.
وفيه أبواب من الفقه؛ منها: إدخال السرور على العروس بالإهداء إليه، والقيام عنه ببعض الكلف؛ لكونه مشغولاً (3) بغيرها. وهو (4) نحو مما (5) يستحبُّ (6) من الإهداء لأهل الميت.
وفيه: تعيين مرسل الهدية، والاعتذار عن القليل، وإبلاغ السلام، واستدعاء المعيّن وغير المعيّن، وبالواسطة (7) المفوَّض إليه في ذلك. وقد قال بعض علمائنا: إنه إذا لم يُعيّن (8) المدعو لم يجب (9) عليه إجابة.
وفيه: ما ظهر من معجزات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن بركاته.
وقوله: ((زهاء ثلاثمائة))؛ أي: مقدارها. و((الصُّفَّة)): السقيفة. و((الحجرة)): =(4/150)=@ الدَّار التي كانت لسكناه. وسميت حجرةً؛ لأنها محجورة؛ أي: محاط بها.
وفيه من آداب الأكل: بيان أكثر ما يجتمع على القصعة، وهم عشرة. وبيان الأكل مما يلي الآكل؛ إذا كان الطعام نوعًا واحدًا. &(4/118)&$
__________
(1) انظر "الفتح" (9/226-227 رقم5163) كتاب النكاح، باب الهدية للعروس.
(2) في (ح): ((التول)).
(3) في (ب) و(ح) و(ي): ((مشتغلاً)).
(4) قوله: ((وهو)) سقط من (ب) و(ح).
(5) في (ب): ((ما)). وفي (ي): ((ونحوه ما)).
(6) في (أ): ((يستجب)).
(7) في (أ): ((بالواسطة)).
(8) في (ب) و(ح) و(ي): ((يتعين)).
(9) في (ح): ((تجب)).(4/118)
وقوله (1) : ((وجلس منهم طوائف يتحدَّثون...)) إلى آخر ما ذكر في الرواية التي قبل (2) هذه؛ هذا (3) يدلُّ على أن القصَّة (4) في الروايتين واحدة، غير أنَّه ذكر في الأولى: أنَّه أولم بشاة، وأنَّه أطعمهم (5) خبزًا ولحما حتى شبعوا، ولم يذكر فيها آيته في تكثير الطعام، وذكر في هذه الرِّواية: أنَّه أشبعهم من الْحَيْس (6) الذي بعثت به أم سُلَيْم في التور (7) ، وفيه كانت (8) الآية. فقال القاضي عياض: هو (9) وَهْمٌ من بعض الرِّواة (10) ، وتركيب قصة على أخرى (11) .
قلت: وأولى من هذا أن يقال: إن القضية واحدة، ليس (12) فيها وَهْم؛ فإنَّه =(4/151)=@ يمكن أن يقال: اجتمع في تلك الوليمة الأمران، فأكل قوم الخبز واللحم حتى شبعوا وانصرفوا. ثم إنَّه (13) لما جاء (14) الْحَيْس استدعى الناس وجرى ما ذكر (15) . وهذا كلُّه والمتحدِّثون في بيته جلوسٌ لم يبرحوا إلى أن خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ودار على بيوت أزواجه على ما تقدَّم. وليس في تقدير هذا بُعْدٌ، ولا تناقض. وإذا أمكن هذا حملناه عليه، وكان أولى من تطريق (16) الوهم للثقات الأثبات، من غير ضرورة تدعو إليه، ولا أمر بيِّن يدلُّ عليه. والله تعالى أعلم. &(4/119)&$
__________
(1) في (ب): ((قوله)) بلا واو.
(2) في (ب): ((قبلها قبل)).
(3) قوله: ((هذا)) سقط من (ب).
(4) في (ب): ((القصعة)).
(5) في (ب): ((أطعهم)).
(6) في (ب): ((الحبيس)).
(7) في (ب) و(ح) و(ي): ((والتور))، وبدل قوله((في التور)). [روجع في (ح)]
(8) في (ب): ((كما كانت)).
(9) في (ب) و(ح): ((هذا)).
(10) في (ب): ((الصحابة)).
(11) نقل الحافظ في "الفتح" (9/227) كلام القاضي عياض، وتعقب القرطبي عليه، ثم قال:((وهو جمع لا بأس به، وأولى منه أن يقال: أن حضور الحيسة صادف حضور الخبز واللحم، فأكلوا كلهم من كل ذلك، وعجبت من إنكار عياض وقوع تكثير الطعام في قصة الخبز واللحم؛ مع أن أنسًا يقول: إنه أولم عليها بشاة... ويقول إنه أشبع المسلمين خبزًا ولحما، وما الذي يكون قدر الشاة حتى يشبع المسلمين جميعًا، وهم يومئذ نحو الألف لولا البركة التي حصلت من جملة آياته - صلى الله عليه وسلم - في تكثير الطعام)).اهـ.
(12) في (ي) و(أ) و(ح): ((وليس)).
(13) قوله: ((إنه)) لم يتضح في (ي).
(14) في (ب): ((إذا جاءه))، وفي (ح) و(ي): ((لما جاءه)).
(15) في (ب): ((وجرى ما جرى ذكر))الظاهر كلمة ((جرى)) الثانية مشطوبة. [وأشير لها بسهم في جانب الصفحة في المتن وكتب: تراجع].
(16) في (ب): ((طريق)).(4/119)
ومن باب إجابة دعوة النكاح
قوله: ((أجيبوا هذه الدعوة))، قد تقدَّم الكلام (1) في الوليمة، وفي الأمر بها. والكلام هنا في حكم إجابتها. ((الدَّعوة))- بفتح الدال - في الطعام وغيره، والدِّعْوة - بالكسر- في النَّسب. ومن العرب من عكس (2) .
قال عياض: لم يختلف العلماء في وجوب الإجابة في وليمة العرس. واختلفوا فيما عداها. فمالك وجمهورهم على أنها لا تجب. وذهب أهل الظاهر إلى وجوبها (3) في كل دعوة: عرسًا كانت أو غيرها. =(4/152)=@
قلت: ومعتمد أهل الظاهر في التسوية بين الوليمة وغيرها في وجوب إتيان الوليمة وغيرها؛ مُطْلَقُ أوامر هذا الباب؛ كقوله (4) : ((إذا دعيتم فأجيبوا))، ((وإذا دعا أحدكم أخاه فليجب، عرسًا كان أو نحوه (5) )).
وقول أبي هريرة: ((فقد عصى الله ورسوله)). وكأنَّ الجمهور صرفوا هذه المطلقات إلى وليمة العرس؛ لقوله (6) : ((أجيبوا هذه الدَّعوة))؛ يعني: وليمة العرس، كما جاء في الرواية الأخرى: ((إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس))، ويعتضد هذا بالنظر إلى المقصود من الوليمة ومن غيرها. فإنَّ الوليمة يحصل منها (7) إشاعة النكاح، وإعلانه. وهو مقصود مهمٌّ للشرع. وليس ذلك موجودًا في غيرها، فافترقا. وكلُّ هذا: ما لم يكن في الذعوة منكر، فإن كان، فلا يجوز حضورها عند كافة العلماء. وقد شذَّ أبو حنيفة، وبعضهم، فقالوا: بجواز الحضور. فأما لو كان &(4/120)&$
__________
(1) في (ب) و(ح) و(ي): ((القول)).
(2) من قوله: ((الدعوة بفتح...)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(3) قوله: ((وجوبها)) مطموس في (ح).
(4) أشير لها بسهم وكتب: [تراجع في (ح) ل189/ب].
(5) في (ب) و(ح) و(ي): ((أو غيره))، وفي حاشية (ح) و(ي): ((أو نحوه)) فكأنه عدل إليها.
(6) في (أ): ((كقوله)).
(7) في (ب) و(ح): ((فيها)).
(8) قوله: ((وقوله)) تكرر في (ب).
(9) قوله: ((فيه)) سقط من (ب).
(10) في (ح) و(ي): ((قوله)) بلا واو.
(11) في (ب) و(ح) و(ي): ((إن)) بلا واو.
(12) في (ي): ((تأول)).
(13) من قوله: ((معناه فليدع...)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح).
(14) عند أبي داود (4/124 رقم3737) كتاب الأطعمة، باب ما جاء في إجابة الدعوة.
(15) قوله: ((من)) ليس في (ب).
(16) في أضعافه؛ أي: في أثناءه، ومن ذلك قولهم: وقَّعَ فلان في أضعاف كتابه، يُراد به توقيعُه في أثناء السطور أو الحاشية. انظر "مختار الصحاح" (ص160) مادة: ضعف.
(17) في (أ): ((في)) بلا واو.
(18) قوله: ((أخرى)) سقط من (ب).(4/120)
هناك لَعِبٌ مباح، أو مكروهٌ، فالأكثر على جواز الحضور، وعندنا فيه قولان. وكره مالك لأهل الفضل والهيئات التسرع لإجابة الدَّعوات، وحضور مواضع اللهو المباح.
وقوله (8) : ((فإن شاء طعم، وإن شاء ترك))؛ هذا صريح في أن الأكل في الوليمة =(4/153)=@ ليس بواجب، وهو مذهب الجمهور. ولأهل الظاهر في الوجوب قولان في الوليمة وغيرها. وقال الشافعي: إذا كان مفطرًا أكل، وإن كان صائمًا دعا، أخذًا بالحديث.
ويظهر من هذا: أن الأكل أولى من التَّرْك عندهم. وهو الحاصل من مذاهب العلماء؛ لما فيه من إدخال السُّرور، وحسن المعاشرة، وتطييب القلوب، ولما في تركه من نقيض ذلك.
وهذا كله ما لم يكن في الطعام شبهة، أو تلحق فيه مِنَّة، أو قَارَنَه منكر. فلا يجوز الحضور، ولا الأكل. ولا يختلف فيه (9) .
وقوله (10) : ((وإن (11) كان صائمًا فليصل))؛ معناه: فليدع. وهو تأويل (12) الجمهور. وقد جاء مفسَّرًا في بعض الروايات: ((فَلْيَدْعُ)) مكان ((فليُصَلِّ (13) )) (14) .
وفيه دليل لمالك على قوله: إن من (15) شرع في الصوم لم يجز له أن يفطر في أضعافه (16) ، على ما تقدَّم في باب الصوم.
وقوله: ((بئس الطعام، طعام الوليمة))، وفي (17) رواية أخرى (18) : ((شرُّ الطعام)) بدل &(4/121)&$(4/121)
((بئس)). =(4/154)=@ أكثرُ الرواة والأئمة على رواية هذا الحديث موقوفًا على أبي هريرة. وقد انفرد برفعه زياد بن سعد عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((شرُّ الطَّعام...)) (1) وذكره. وهو ثقة إمام (2) ، وأيضًا فمن وقفه (3) ذكر فيه ما يدلُّ: على أنه مرفوع؛ وذلك أنه قال فيه: ((ومن (4) لم يجب (5) الدَّعوة فقد عصى (6) الله ورسوله))؛ وظاهر هذا: الرفعُ؛ لأنَّ الرَّاوي لا يقول مثل هذا من قِبَل نفسه. وقد بيّن (7) في سياق (8) الحديث أنَّ الجهة التي يكون فيها (9) طعام الوليمة شرُّ الطعام: إنما هي ترك الأَوْلى. وذلك: أن الفقير هو المحتاج للطعام؛ الذي إن دُعي سارعَ وبادرَ، ومع ذلك فلا يُدْعَى. والغنيُّ غير محتاج، ولذلك (10) قد لا يجيب، أو تثقل (11) عليه الإجابة، ومع ذلك فهو (12) يدعى، فكان العكس أولى. وهو: أن يُدعى الفقير، ويُترك الغني. ولا يُفهم من هذا القول - أعني: الحديث (13) -: تحريم ذلك الفعل؛ لأنه لا يقول أحد بتحريم إجابة الدعاء للوليمة فيما علمته؛ وإنما هذا مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((شرُّ صفوف الرِّجال آخرها، وخيرها أولها، وشرُّ صفوف النساء أولها، وخيرها آخرها))، (14) ، فإنَّه لم يقل أحد: إن صلاة الرجل في آخر صف حرام، ولا صلاة النساء في أول صف حرام. وإنَّما ذلك من باب ترك الأولى. كما قد يقال عليه: مكروه، وإن لم يكن مطلوب الترك، على ما يُعْرَف في الأصول. فإذًا الشرُّ المذكور هنا: قلَّةُ (15) الثواب والأجر. والخير: كثرة الثواب والأجر. =(4/155)=@ ولذلك (16) كره العلماء اختصاص الأغنياء بالدَّعوة.
ثم اختلفوا فيمن فعل ذلك: هل تجاب (17) دعوته أم لا؟ فقال ابن مسعود: لا تجاب. ونحوه نحى (18) ابنُ حبيب من أصحابنا. قال ابن مسعود: ((نهينا أن نجيب ثلاثًا: مَنْ دعا الأغنياء وترك الفقراء، ومَن يتخذ طعامه رياءً وسمعة، ومَن ينجّد بيته كما تُنجَّد الكعبة (19) )) (20) . وظاهر كلام أبي هريرة وجوب الإجابة. ودعا (21) ابن عمر في &(4/122)&$
__________
(1) قال الحافظ في "الفتح" (9/244): ((وأول هذا الحديث موقوف ولكن آخره يقتضي رفعه، ذكر ذلك ابن بطال، قال: ومثله حديث أبي الشعثاء: أن أبا هريرة أبصر رجلاً خارجًا من المسجد بعد الأذان، فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم، قال: ومثل هذا لا يكون رأيًا، ولهذا أدخله الأئمة في مسانيدهم)).اهـ.
(2) في (ب) و(ح): ((وإمام)).
(3) في (ب): ((وفقه)) بتقديم الفاء على القاف.
(4) في (ب) و(ح) و(ي): ((من)) بلا واو.
(5) في (أ): ((يأت)).
(6) في (ب): ((فقصى)).
(7) في (ح): ((تبين)).
(8) في (أ) و(ي): ((مساق)).
(9) في (أ): ((بها)).
(10) في (ب): ((وكذلك)).
(11) في (ح): ((يثقل)).
(12) في (ي): ((هو)).
(13) قوله: ((أعني الحديث)) سقط من (ي).
(14) تقدم في كتاب الصلاة، باب في صفوف النساء وخروجهن إلى المساجد.
(15) في (ي): يشبه أن تكون ((قبله)).
(16) في (ب): ((وكذلك)) وفي (ي): ((والأجر ولذلك)).
(17) في (ح): ((يجاب)).
(18) كتب الناسخ فوق كلمة : ((نحى)) في (ب): ((عن)) بخط مغاير ظنًّا أن العبارة هي ((يحي)) فأضاف ((عن)) ليستقيم الكلام في ظنه..
(19) من قوله: ((قال ابن مسعود ...)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(20) لم أجد من أخرجه، لكن ثبت عن النبي ? في المرفوع كون ذلك كائنًا بعده، يعني: تنجيد البيوت... والحديث...والحديث مشعر بذم تنجيد البيوت، وستر جدرانها ،وقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - ما يدُّل على كراهية ذلك؛ فعن عائشة رضى الله عنها - وذكرت قصَّة - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين))...، الحديث.
أخرجه مسلم (14/86 رقم2107) شرح النووي، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/271)،... (5/188 و256)، وانظر لتفصيل الكلام على طرقه وألفاظه "آداب الزفاف" للشيخ الألباني رحمه الله (ص 199-200). ...
قال الإمام النووي :(14/86-87):((وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - إن الله لم يأمرنا أن نكسوا الحجارة والطين، فاستدلوا به على أنه يمنع من ستر الحيطان وتنجيد البيوت بالثياب، وهومنع كراهة تنزيه لاتحريم، هذا هو الصحيح. وقال الشيخ أبو الفتح نصر المقدسى من أصحابنا: هو حرامٌ، وليس فى هذا الحديث ما يقتضي تحريمه؛ لأن حقيقة اللفظ: أن الله تعالى لم يأمرنا بذلك؛ وهذا يقتضى أنه ليس بواجب ولامندوب، ولايقتضى التحريم، والله أعلم)).
وإذا كان الفعل وحده ينهض دليلاً على الحجِيَّة عند البعض، فقد ذكر هذا المسلك من الاحتجاج الحافظ ابن حجر ف ي"الفتح" (9/250-251) وعضده بأحاديث صريحة في النهي لا تخلو أسانيدها من مقال، وأورد أيضًا آثارًا بهذا المعنى. فالله أعلم...
(21) في (ب): ((فادعى)).(4/122)
وليمة: الأغنياء والفقراء، فأجلس الفقراء على حِدَة؛ وقال: ها هنا، لاتفسدوا عليهم ثيابهم، فإنا سنطعمكم مما يأكلون (1) . ومقصود هذا الحديث: الحضُّ على دعوة الفقراء، والضعفاء، ولا تقصر (2) الدعوة على الأغنياء، كما يفعل مَنْ لا مبالاة (3) عنده بالفقراء من أهل الدنيا، والله تعالى أعلم.
ومن (4) باب قوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم} (5)
حديث جابر هذا نصٌّ على أن هذه (6) الآية نزلت بسبب قول اليهود المذكور فيه. وفي كتاب أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنها: أنها نزلت بسبب أن رجلاً من المهاجرين تزَوَّج أنصارية، فأراد أن يطأها شَرْحًا (7) على عادتهم في وطء نسائهم فأبت إلا على =(4/156)=@ جنب على عادتهن، فاختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى:{ نساؤكم &(4/123)&$
__________
(1) يراجع لمرفق من التخريج.
(2) في (ح): ((تقتصر)).
(3) في (أ): ((لا مبالة)).
(4) زاد في (ك) قبلها: ((بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر وأعن)).
(5) سورة البقرة؛ الآية: 223.
(6) قوله: ((هذه)) ليس في (ك).
(7) قال في "لسان العرب" (2/498) مادة: شرح: ((...وشرح جاريته إذا سلقاها على قفاها، ثم غشيها)).(4/123)
حرث لكم فأتوا حرثكم أنَّى شئتم} (1) ؛ قال: أي: مُقْبِلات، ومُدبرات، ومُستلقيات (2) ؛ يعني بذلك موضع الولد.
قلت: هذان (3) سببان مختلفان، لا بُعْدَ في نزول الآية جواباً للفريقين في وقت واحد، أو (4) تكرَّر نزول الآية في وقتين مختلفين، كما قد (5) روي عن غير واحد من النقلة في الفاتحة: أنها تكرر نزولها بمكة والمدينة. وقد تمسَّك طائفة بعموم لفظ: {أنَّى شئتم}، ورأوا أنَّها متناولة لقُبُلِ (6) المرأة ودُبُرِها. فاجازوا وطء المرأة في دبرها (7) . وممن نُسب إليه هذا القول سعيد بن المسيِّب، ونافع، وابن الماجشون من أصحابنا. وحكي ذلك (8) عن مالك في كتاب يُسمَّى :"كتاب السرّ"، ونسب الكتاب إلى مالك، وحذاق أصحابه ومشايخهم ينكرونه. وقد حكى العُتْبِيُّ إباحة (9) ذلك عن مالك. وأظنه من ذلك الكتاب المنكر نَقَلَ. وقد تواردت روايات أصحاب مالك عنه بإنكار ذلك القول وتكذيبه (10) لمن نقل ذلك عنه. وقد حكينا (11) نصَّ ما نقل عن مالك من ذلك في جزء كتبناه (12) في هذه المسألة سَمَّيناه :"إظهار إدبار من أجاز الوطء في الأدبار"، وذكرنا فيه غاية أدلة الفريقين، ومتمسكاتهم (13) من الكتاب والسنة على طريقة (14) التحقيق، والتحرير (15) ، والنقل، والتحبير (16) . ومن وقف على ذلك قضى منه العَجب العُجاب، وعلم أنه لم يكتب مثله في هذا الباب. وجمهور السلف، والعلماء، وأئمة الفتوى على تحريم ذلك. ثم نقول (17) : لا متمسك للمبُيحين في الآية لأوجه (18) متعددة؛ أقربها ثلاثة أمور: =(4/157)=@
أحدها: أنها نزلت (19) جوابًا لما ذكر، فتقصر (20) على نوع ما نزلت جوابًا له، فإنهم سألوا عن جواز الوطء في الفرج من (21) جهات متعددة، فأجيبوا (22) بجوازه. فـ{أنى (23) } على عمومها في جهات المسلك الواحد، لا في المسالك.
وثانيها (24) : أن قوله تعالى: {فأتوا حرثكم أنَّى شئتم}: تعيين (25) للقُبُلِ؛ فإنَّه موضع الْحَرثْ، فإنَّ الحرث إنَّما يكون في موضع البذر. وكذلك قال مالك لابن &(4/124)&$
__________
(1) سورة البقرة؛ الآية: 223.
(2) أخرجه أبو داود في "سننه" (2/618 رقم2164) في النكاح، باب في جامع النكاح: حدثنا عبدالعزيز بن يحيى أبو الأصبغ، قال: حدثني محمد - يعني ابن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: إن ابن عمر، والله يغفر له، أوهم إنما كان هذا الحي من الأنصار، وهم أهل وثن، مع هذا الحي من يهود، وهم أهل كتاب؛ وكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب: أن لا يأتوا النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحًا منكرًا، ويتلذذون منهن مُقبْلات ومُدبرات ومُستلقيات، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك، فأنكرته عليه، وقالت :=
= إنما كنا نؤتى على حرف، فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني، حتى شَرِيَ أمرهما، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأنزل الله عزّ وجلّ: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}؛ أي مُقبلات ومُدبرات ومُستلقيات؛ يعني بذلك موضع الولد)).
وأخرجه الحاكم (2/195 و279)، ومن طريقه البيهقي (7/195)، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" (1/629)، وزاد نسبته إلى ابن راهويه وابن المنذر والطبراني. وقال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)). ووافقه الذهبي.
(3) في (ب) و(ح): ((هذا)).
(4) في (ب) و(ح) و(ي): ((و)). بدل ((أو)).
(5) قوله: ((قد)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(6) يوجد بعدها في نسخة (ب) بياض بمقدار كلمة.
(7) من قوله: ((فاجازوا... إلى هنا)) سقط من (ك).
(8) قوله: ((ذلك)) سقط من (ب) و(ح).
(9) قوله: ((إباحة)) سقط من (ي).
(10) في (ب): ((وتكذيب)).
(11) في (ب): ((حلينا)).
(12) في (ي): ((جزء وكتبناه)).
(13) في (ح): يشبه أن تكون ((وتمسكاتهم)), في (ب): ((وتمسكانهم)).
(14) في (ي): ((طريق)).
(15) في (ك) و(ب): ((والتحذير)).
(16) في (ب) و(ح): ((والتخيير)). وفي (ي): ((وللتحبير)).
(17) في (ب): ((يقول)).
(18) في (ب): ((الأوجه)).
(19) في (ب): ((أحدها متوانها تركت)).
(20) في (ب): ((فنقتصر)). وفي (ح) و(ي): ((فيقتصر)).
(21) في (ك): ((في)) بدل ((من)).
(22) في (ب): ((وأجيبوا)).
(23) في (ي): ((فأني)).
(24) في (ب): ((وثاثيها)).
(25) في (ب) و(ح): ((تعين)).(4/124)
وهب، وعلي بن (1) زياد لَمَّا أخبراه: أن ناسًا بمصر يتحدثون عنه: أنه يجيز (2) ذلك، فنفر من ذلك، وبادر إلى تكذيب الناقل. فقال: كذبوا عليَّ، كذبوا عليَّ (3) ، كذبوا عليَّ، ثم قال: ألستم قومًا عربًا (4) ؟ ألم يقل الله تعالى: {نساؤكم حرث لكم}؟ وهل يكون الحرث إلا في موضع (5) المنبت؟!.
وثالثها: أنَّه لو (6) سُلِّم أنَّ {أنَّى} شاملة للمسالك (7) بحكم عمومها، فهي مخصَصَّةٌ بأحاديث صحيحة، ومشهورة، رواها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثنا عشر صحابيًّا بمتون مختلفة، كلّها متواردةٌ على تحريم وطء النساء في الأدبار. ذكرها أحمد بن حنبل في "مسنده"، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. وقد جمعها أبو الفرج بن (8) الجوزي بطرقها في جزء وسَمَّاه (9) : "تحريم المحل المكروه ". ومن أراد في هذه المسألة زيادة على ماذكرناه فليطالع الجزء المذكور؛ الذي ألَّفناه.
وقوله: ((مُجَبِّيَةً وغير مُجَبِّيَةٍ))؛ أي: على وجهها (10) . وقد يقال: ((مجبية)) على ما إذا (11) وضعت يديها على ركبتيها؛ حكاهما أبو عبيد (12) .
وقوله: ((غير أن ذلك في صمام واحد))-بالصاد المهملة -؛ أي: في (13) جُحْرٍ =(4/158)=@ واحدٍ؛ يعني به: القُبُل. وأصل الصمام هو (14) : ما يشدُّ (15) به القارورة.
وقوله: ((لو أن أحدهم إذا أتى أهله...))، وذكر الحديث إلى قوله: ((لم (16) يضُرَّهُ شيطان (17) أبدًا))؛ قيل: معنى لم يضره (18) : أي لم يصْرَعه الشيطانُ. وقيل: لا يطعن فيه الشيطان (19) عند ولادته، ويطعن في خاصرةِ مَنْ لا يقال له ذلك.
قال القاضي عياض (20) : ولم يحمله أحد على العموم في جميع الضرر والإغواء والوسوسة.
قلت: أمَّا قصره على الصرع وحده، فليس بشيء؛ لأنه تَحَكُّمٌ بغير دليل، مع صلاحية اللفظ له ولغيره. وأمَّا القول الثاني ففاسدٌ بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((كل مولود يطعن الشيطان في خاصرته إلا ابن مريم، فإنَّه جاء يريد (21) أن يطعنه (22) طعن (23) في &(4/125)&$
__________
(1) قوله: ((بن)) مكانها بياض في (ك).
(2) في (ك): ((تجيز)).
(3) قوله: ((كذبوا علي)) الثالثة سقط من (ك).
(4) في (أ) تشبه: ((عزبًا)) وفي (ك): ((وعزبا)).
(5) في (ك) و(ي): ((الموضع)).
(6) في (ب): ((لما)) بدل ((لو)).
(7) في (ب): ((للمالك)).
(8) قوله: ((ابن)) ليس في (ح) و(ي) و(ب).
(9) في (أ): ((سماه)) بلا واو.
(10) في (ب): ((على حد وجهها)).
(11) قوله: ((إذا)) ليس في (ب).
(12) في (ب): ((أبو عبيدة)).
(13) قوله: ((في)) ليس في (ب).
(14) قوله: ((هو)) سقط من (ب) و(ح).
(15) في (ك): ((تشد))، وفي (ي): ((تسند)).
(16) قوله: ((لم)) ليس في (أ).
(17) في (ي): ((الشيطان)).
(18) قوله: ((قيل معنى لم يضره)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(19) قوله: ((الشيطان)) سقط من (ب) و(ح).
(20) قوله: ((عياض)) سقط من (ب) و(ح) و(ك) و(ي).
(21) قوله: ((يريد)) ليس في (ح) و(أ) و(ك) و(ي) و(ب).
(22) كذا في (ب) و(ح)، وفي (أ): ((يطعن)). وأقرب الألفاظ إلى اللفظ الذي ساقه المصنف، هو ما رواه ابن عدي في "الكامل" (6/355-356) عن أبي هريرة – رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل مولود يطعن الشيطان في جنبه إلا عيسى ابن مريم، فإنه ذهب يطعن، فطعن في الحجاب)).
وسيأتي تخريج الحديث في كتاب النبوات، باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام.
(23) أشير لها بسهم في الهامش ،وكتب: كذا في (أ): طعن.(4/125)
الحجاب))؛ هذا يدلُّ على أن الناجي من هذا الطعن إنما هو عيسى وحده ?؛ وذلك لخصوص دعوة أم مريم، حيث قالت: {وإنِّي أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} (1) ، ثم إن طعنه ليس بضرر (2) ، ألا ترى أنه قد طعن كثيرًا من الأولياء والأنبياء (3) ، ولم يضرهم ذلك. ومقصود هذا الحديث – والله تعالى أعلم -: أنَّ الولد الذي يقال له (4) ذلك يُحْفَظُ من إضلال الشيطان وإغوائه، ولا يكون للشيطان عليه =(4/159)=@ سلطان؛ لأنه يكون من جملة العباد المحفوظين، المذكورين في قوله تعالى: {إن عبادي ليس لك (5) عليهم سلطان (6) } (7) ، وذلك ببركة نيَّه الأبوين الصالحين، وبركة اسم الله تعالى، والتعوُّذ به، والالتجاء إليه. وكأنَّ هذا شِرْب (8) من قول أم مريم: {وإنِّي أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} (9) ، ولا يُفهم من هذا نفي وسوسته، وتشعيثه (10) ، وصرعه. فقد يكون كلُّ ذلك، ويحفظ الله تعالى ذلك الولد من ضرره (11) في: قلبه، ودينه، وعاقبة أمره، والله تعالى أعلم.
ومن باب تحريم امتناع المرأة على زوجها
قوله: ((والذي نفسي بيده))؛ هو قسم باسم الله (12) تعالى؛ أي: والذي هو مالك (13) نفسي، أو قادرٌ عليها. ففيه دليل: على أن الحلف (14) بالألفاظ المبهمة المراد بها: اسم الله تعالى، يمين جائزة، حكمها حكم الأسماء الصريحة على ما يأتي. &(4/126)&$
__________
(1) سورة آل عمران؛ الآية: 36.
(2) في (ب): ((حصر)) وفي (ي): ((خرو)) . [وتراجع في (ح) ل191/أ].
(3) في (ب) و(ح) و(ي): ((الأنبياء والأولياء)).
(4) قوله: ((له)) ليس في (ك).
(5) قوله: ((لك)) كأنه ضرب الناسخ عليها في (ب).
(6) قوله: ((سلطان)) ليس في (ي).
(7) سورة الإسراء؛ الآية: 65.
(8) في (ب) و(ح): ((أشرت)). وفي (ك): ((شوب)). وفي (ي): ((شرف)).
(9) سورة آل عمران؛ الآية: 36.
(10) في (ح): ((وسوسه وسعيته)) هكذا رسمت، ولعل الصواب: ((تشغيبه)). وفي (ي): ((وسوسة وتشيعه)).
(11) في (ب): ((ضرودة)). وفي (ي): (((صرورة)).
(12) في (ب) و(ح) و(ي): ((قسم بالله)).
(13) في (ب): ((ملك)).
(14) في (ي): ((الحالف)).(4/126)
وقوله: ((ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها (1) ، فتأبى عليه (2) إلا كان الذي (3) في السماء ساخطًا عليها))؛ دليل على تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها. ولا خلاف فيه، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وللرجال عليهن درجة} (4) ، والمرأة في ذلك بخلاف الرَّجل، فلو دعت المرأة زوجها إلى ذلك، لم يجب (5) عليه =(4/160)=@ إجابتها، إلاَّ أن يقصد بالامتناع مضارَّتها، فيحرم ذلك عليه (6) . والفرق بينهما: أن الرَّجل هو الذي ابتغى بماله، فهو المالك للبُضع. والدرجة التي له عليها هي السلطنة التي له (7) بسبب ملكه. وأيضًا: فقد لا ينشطُ الرَّجل في وقت تَدْعُوه، فلا ينتشر (8) ، ولا يتهيأ له ذلك، بخلاف المرأة.
وقوله: ((الذي في السماء))؛ ظاهره: أن المراد به: الله (9) تعالى؛ ويكون معناه كمعنى (10) قوله تعالى: {أأمنتم من في السماء} (11) ، وقد تكلمنا عليه في كتاب الصلاة (12) . ويحتمل أن يراد به هنا: الملائكة. كما قد (13) جاء في الرواية الأخرى: ((إلا لعنتها الملائكة حتى تُصْبح)) (14) .
وقوله (15) : ((إن من (16) شرِِّ النَّاس منزلة الرَّجل يفضي إلى امرأته، ثم ينشر سرها))، وقد تقدَّم الكلام على لفظي((شر)) و ((خير))، وأنهما يكونان للمفاضلة، وغيرها. و((شر)) هنا للمفاضلة؛ بمعنى: ((أشر (17) ))، وهو أصلها. و((من)) هنا: زائدة على ((شر)).
و((يفضي)): يصل، وهو كناية عن الجماع، كما في قوله تعالى: {وقد أفضى بعضكم إلى بعض} (18) . و((سرّها)): نكاحها، كما قال : =(4/161)=@ &(4/127)&$
__________
(1) في (أ) كأنه ضرب على ألف الهاء فتشبه الكلمة: ((فراشه)). وفي (ك)): ((فراشه))
(2) قوله: ((عليه)) مطموس في (ح).
(3) قوله: ((الذي)) سقط من (ح).
(4) سورة البقرة؛ الآية: 228.
(5) في (ي): ((تجب)) .
(6) في (ب) و(ح): ((عليه ذلك)) و(ك) و(ي).
(7) قوله: ((له)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(8) في (ب): ((يتيسر)).
(9) في (ي): ((المراد بالله)).
(10) في (ب): ((هنا)).
(11) سورة الملك؛ الآية: 16.
(12) سبق التعليق عليه في كتاب الصلاة، باب نسخ الكلام في الصلاة.
(13) قوله: ((قد)) سقط من (ب) و(ح) و(ك).
(14) ...
(15) قوله: ((وقوله)) في محله بياض في (ب).
(16) قوله: ((من)) سقط من (ب).
(17) في (ب): ((الشر)).
(18) سورة النساء؛ الآية: 21.(4/127)
ولا تنظرنَّ (1) جارةً إنَّ سِرَّها ... عليك حرامٌ فانْكِحَنْ أو تَأَبَّدا (2)
وكني به عن النكاح لأنه يُفعل في السرّ.
ومقصود هذا الحديث هو: أن (3) الرجل (4) له مع أهله خلوة، وحالة يَقْبُحُ ذِكرُها، والتحدُّث بها، وتحمل الغَيْرة على سترها، ويلزم من كشفها عار عند أهل المروءة والحياء. فإن تكلم بشيء من ذلك، وأبداه، كان قد كشف عورة نفسه وزوجته؛ إذ لا فرق بين (5) كشفها للعيان، وكشفها للأسماع والآذان؛ إذ كل واحد منهما يحصل به الاطلاع على العورة، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تعمد المرأة فتصف المرأة لزوجها، حتى كأنّه ينظر إليها)) (6) ، فإن دعت حاجة إلى ذِكْر شيء من ذلك، فليذكره (7) مبهمًا، غير مُعَيّنٍ، بحسب الحاجة والضرورة، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ((فعلتُه أنا وهذه)) (8) ، وكقوله: ((هل (9) أعرستم الليلة؟)) (10) ، وكقوله: ((كيف وجدت أهلك؟)) (11) والتصريح بذلك وتفصيله ليس من مكارم الأخلاق، ولا من خصال أهل الدين.
وقوله: ((إن أعظم الأمانة))؛ أي: أوكد، وأكبر (12) في مقصود الشرع. و((الأمانة)) للجنس؛ أي: الأمانات. وقد تقدَّم: أن الأمانة ما يُوكل إلى حفظ =(4/162)=@ الإنسان، وقيامه به. وقد سقطت ((من)) (13) في إحدى (14) الروايتين. والصواب: إثباتها؛ فإنَّها تُفيد: أنَّ هذه الأمانة من جنس الأمانات العظيمة، وهو صحيح (15) . وإسقاطها &(4/128)&$
__________
(1) في (ي): ((ينظرنَّ)).
(2) القائل هو: الأعشى. انظر "لسان العرب" (2/625)، و"المغرب" (2/326).
(3) قوله: ((أن)) مكرر في (ب).
(4) في (ي): ((للرجل أنه مع)).
(5) أشير لهما بسهم وكتب: تراجع (ح) ل191/ب.
(6) أخرجه البخاري (9/338 رقم5240 و5241/الفتح) في النكاح، باب لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها.
(7) في (ي): ((فلتذكره)).
(8) أخرجه أحمد (6/161)، وابن ماجه (1/199 رقم608) في الطهارة، باب ما جاء في وجوب الغسل إذا التقى الختانان، والترمذي (1/180-181 رقم108) كتاب الطهارة، باب ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل، وابن حبان (3/452 و458-459 رقم1176 و1185) كما في الإحسان، والدارقطني (1/111).
جميعهم من طريق الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: إذا جاوز الختان الختان فقدوجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - اغتسلنا.
والوليد بن مسلم، صرَّح بالتحديث عند أحمد، وابن ماجه، فانتفت شبهة تدليسه.
وقال الترمذي عقب إخراجه: ((حسن صحيح، ورُوي هذا الحديث عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير وجه)).
وصححه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي.
وقد توبع الوليد بن مسلم، على روايته، تابعه عبدالله بن كثير الدمشقي، كما عند ابن حبان (3/451 و456 و459 رقم1175 و1181 و1186/الإحسان).
والوليد بن مزيد :
كما أخرجه ابن الجارود (93)، والدارقطني (1/111-112)، والطحاوي (1/55)، والبيهقي (1/164).
لكن قال الدارقطني عقب إخراجه: ((رفعه الوليد بن مسلم، والوليد بن مزيد، ورواه بشر بن بكر، وأبو المغيرة، وعمرو بن أبي سلمة، ومحمد بن مصعب، وغيرهم، موقوفًا)).
وقال الحافظ في "التلخيص" (1/232-233): ((وصححه أيضا بن حبان وابن القطان، وأعله البخاري بأن الأوزاعي أخطأ فيه، ورواه غيره عن عبدالرحمن بن القاسم مرسلاً، واستدل على ذلك بأن أبا الزناد قال: سألت القاسم بن محمد، سمعت في هذا الباب شيئًا، فقال: لا، وأجاب من صححه بأنه يحتمل أن يكون القاسم كان نسيه، ثم تذكر فحدث به ابنه، أو كان حدث به ابنه، ثم نسي، ولا يخلو الجواب عن نظر)).
وقد نقل الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي، كلام الحافظ، ثم قال: ((والجواب صحيح؛ لأن الأوزاعي إمام حجة، ونسيان القاسم محتمل، وقد تأيَّد حفظ الأوزاعي برواية غيره له، والله أعلم)).
والحديث صححه الألباني في"الإرواء" (80)، وقال: ((وقد أعل بما لا يقدح، لا سيما وله الطرق الأخرى))، ثم قال: ((ويتلخص من مجموع هذه الطرق أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تارة ترفع الحديث، وتارة توقفه، وكلٌّ روى ما سمع منها، والكل صحيح: الرفع والوقف، ولا منافاة بينهما)). اهـ.
(9) في (ب): ((أهل)).
(10) سيأتي في كتاب النبوات، باب فضائل أبي طلحة الأنصاري رقم (177)، لكن ليس فيه قوله: ((هل أعرستم الليلة))، وإنما وردت عند البخاري في كتاب العقيقة، باب تسمية المولود غداة يولد، لمن لم يعق عنه، وتحنيكه رقم (5470).
(11) سبق تخريج هذا الحديث قريبًا في كتاب النكاح، باب تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب رضي الله عنها.
(12) في (ب): ((أي: أو كذا وأكثر))، وفي (ح) قوله: ((أكبر)) مهمل.
(13) في (ب): ((و)) بدل((من)).
(14) في (ح): ((أحد)).
(15) في (ب): ((صحيحة)).(4/128)
يشعر: بان هذه الأمانة (1) أعظم الأمانات كلها، وليس بصحيح، فإن الأمانة على صحيح الإيمان أعظم. وكذلك على الطهارة وغيرها مما (2) يؤتمن عليه الإنسان من خفي الأعمال.
ومن باب العزل
قوله: ((بَلْمُصطَلِق (3) ))؛ أي (4) : بنو المصْطَلِق، كما قالوا: بلعنبر (5) . قال أبو عمر (6) : بنو (7) المضطلق: قومٌ من خزاعة، كانت الوقعة بهم في موضع يقال له: المريسيع من نحو قُديد (8) ، في (9) سنة ست من الهجرة. وتعرف هذه الغزوة بـ((غزوة بني المصطلق)) وبـ((غزوة المريسيع)). قال: وقد روى هذا الحديث موسى بن عقبة، عن ابن مُحْيريز (10) ، عن أبي سعيد، قال: ((أصبنا سَبْيًا من سبي أوطاس)). قال: وهو سبي هوازن. وكان ذلك يوم حنين في سنة ثمانٍ من الهجرة. قال: فوهم ابن عقبة في ذلك والله تعالى أعلم. قال: وقد رواه أبو إسحاق السبيعي، عن أبي الودَّاك، عن أبي سعيد (11) قال: لما أصبنا سبي حنين سألنا (12) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العزل. فقال: ((ليس من كل =(4/163)=@ الماء يكون الولد...))، الحديث.
قلت: الذي ذكر (13) مسلم في كتابه عن علي بن أبي طلحة، عن أبي الودَّاك، عن أبي سعيد في هذا الحديث: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العزل فقال: ((ليس من كل الماء يكون الولد)). ولم يذكر فيه سبي (14) حنين، ولا غيره. وكذلك ما ذكره أبو &(4/129)&$
__________
(1) في (ب) و(ح) و(ي): ((الأقسام)).
(2) في (ب): ((بما)) بدل ((مما)).
(3) في (أ): ((للمصطلق))، وفي (ب) و(ح) و(ي): ((بالمصطلق)). والمثبت هو الصواب.
(4) قوله: ((أي)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(5) في (أ): ((يلعنبر))، وفي (ب): ((بلغنبر)). والمثبت من (ح) هو الصواب.
(6) في (ب): ((عمرو)) وكتب فوقها ((صح)).
(7) قوله: ((بنو)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(8) في (ب) تشبه أن تكون: ((القدير)). وقُدَيد: قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة الماء. انظر "معجم البلدان" (4/313)، و"معجم ما استعجم" (3/1054)، و"فتح الباري" (3/499).
(9) في (ب) و(ح) و(ي): ((من)).
(10) في (أ): ((ابن مجيريز))، و(ب): ((أبي محمد محيريز))، وفي (ح): ((أبي محيريز)).
(11) قوله: ((عن أبي سعيد)) سقط من (ب).
(12) في (ب): ((تألنا)).
(13) في (ب) و(ح): ((ذكره)) و(ك) و(ي).
(14) قوله: ((سبي)) سقط من (ب) و(ح).(4/129)
عمر من رواية ابن عقبة عن ابن محيريز (1) ذكره مسلم أيضًا، ولم يذكر فيه: ((مِنْ سَبِي أوطاس))، ولا غيره. وإنما ذكر مسلم ((يوم أوطاس (2) )) من (3) حديث أبي علقمة الهاشمي، عن أبي سعيد في قضية (4) تحرُّج (5) أصحابه من وطء المسبيات، من أجل أزواجهنَّ على ما يأتي، وهي قصة (6) أخرى، في زمان آخر غير زمان (7) بني المصطلق.
والصَّحيح (8) في الحديث الأول رواية من رواه: ((بني المصطلق))، والله تعالى أعلم.
وقوله: ((فسبينا كرائم العرب))؛ أي: كبراءَهم، وخيارَهُم. جمع كريمة. وبنو المصطلق وثنيون بلا شك (9) .
وقوله: ((فطالت علينا العزبة (10) (11) ))؛ أي: لتعذُّر النكاح عليهم عند تعذُّر أسبابه، لا لطول إقامتهم في تلك الغزوة، فإن غيبتهم فيها عن المدينة لم (12) تكن طويلة.
وقوله: ((ورغبنا (13) في الفداء))؛ أي: في أخذ المال عوضًا عنهن. يقال: ((فدى أسيره)): إذا دفع فيه (14) مالاً وأخذه (15) . و((فاداه)): إذا دفع فيه (16) رجلاً؛ على ما حكاه أبو عمر (17) .
وظاهر هذا: جوازُ إقدامهم على وطء المسبيات الوثنيات من غير أن يُسْلِمْنَ. وإنَّما توقفوا في وطئهن مخافة أن يَحْمَلْنَ منهم. فيتعذر (18) فداؤهن؛ لأجل حملهن (19) ؛ فسألوا: هل يجوز لهم العزل؟ فأُجيبوا في العزل. وسكت لهم عن وطئهن في حال شركهن.
وبهذا الظاهر اغتَّر قومٌ فقالوا بجواز (20) وطء الوثنيات، والمجوسيات بالْمِلك، وإن (21) لم يُسلمن. وإليه ذهب طاووس وسعيد بن المسيب. واختلف في ذلك عن عطاء، ومجاهد. ويَرِد على (22) هذا القول قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} (23) ، والى التمسُّك بعموم هذه الآية: صار جمهور العلماء. ولم يُعوِّلوا على ما ظهر من هذا الحديث، ورأوا أنَّ ذلك محمول على جواز وطء من أسلم =(4/164)=@ &(4/130)&$
__________
(1) في (أ): ((مجيريز)).
(2) في (ي): ((أطاوس)).
(3) في (ك): ((في)).
(4) في (ب) و(ح): ((قضيته)).
(5) في (ب): ((يخرج)).
(6) في (ح) و(ي): ((وهي قضية)).
(7) قوله: ((آخر غير زمان)) سقط من (ي).
(8) قوله: ((والصحيح)) سقط من (ب).
(9) قوله: ((وثنيون بلا شك)) سقط من (ي) وكتب بدلاً منها في (ي): ((والصحيح في الحديث الأول)).
(10) في (ي): ((الغربة)).
(11) من قوله: ((وخيارهم....)) إلى هنا سقط من (ب).
(12) في (ب) و(ح): ((ولم)).
(13) في (ب): ((ورعبتتا))، وفي (ح) و(ي): ((ورغبتنا)).
(14) في (ب) و(ح) و(ي): ((إليه)).
(15) قوله: ((وأخذه)) سقط من (ب).
(16) في (ب) و(ح): ((إليه)).
(17) في (أ): ((عمرو)).
(18) في (ب) و(ح): ((فتعذر)).
(19) في (ب): ((جملهن)).
(20) في (ب) و(ح) و(ي): ((يجوز)).
(21) في (أ): ((وإذا)).
(22) قوله: ((على)) سقط من (أ).
(23) ؛ الآية: 221. سورة البقرة.(4/130)
منهن، وأن الفداء الْمُتخوَّف مِن فَوْتِه بوطئهنَّ إنما هو (1) أثمانهن.
وقد دلَّ على صحة هذا التأويل نصُّ ما جاء (2) في رواية الزهري عن ابن محيريز (3) ، عن أبي سعيد قال: ((جاء رجلٌ من الأنصار، فقال: يا رسول الله! إنَّا نصيب سبيًا، ونحب الأثمان، فكيف بالعزل؟)) (4) وَوَجْهُ تخوّفهم من فوات (5) الثمن بالوطء: أنهنَّ إذا حملنَ؛ لم يصح لهم بيعهنّ لكونهنّ حوامل من ساداتهن. وأمَّا (6) بعد انفصال (7) حملهن؛ فلكونهنّ أمهات أولادٍ (8) ، على ما صار إليه الجمهور، على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
ثم إنَّا نقول: لو سلَّمنا أن ظاهر ذلك الحديث جوازُ الإقدام على وطء المسبيَّات من غير إسلام، لزم منه جواز الإقدام على وطئهنَّ من غير استبراء، ومع وجود الحمل البيِّن، وهو ممنوع اتفاقًا، فيلزم (9) المنعُ من الوطء؛ لاستوائهما في الظهور.
وأيضًا: فكما (10) نعلم (11) قطعًا أنهم كانوا لايقدمون على وطء فرج لا تتحقَّقُ (12) حلِّيته، فكذلك نعلم: أنهم لا بدَّ لهم من استبراءٍ وإسلام (13) . وإن كان الراوي قد سكت عنه. وسكوت الراوي؛ إمَّا للعلم بها. وإمَّا لأنَّ الكلام يُجمل في غير مقصوده، ويُفَصَّلُ في مقصوده.
والذي يزيح (14) الإشكال ويرفعه (15) جملة واحدة ما رواه عبد الرزاق بإسناده عن الحسن قال: ((كنَّا نغزو مع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا أراد أحدهم أن يصيب الجارية من الفيء (16) أمرها فغسلت ثيابها، (17) واغتسلت (18) ، ثم علَّمها الإسلام، وأمرها بالصَّلاة، واستبرأها بحيضة، ثم أصابها)) (19) .
وكذلك روى عبد الرزاق أيضًا عن سفيان الثوري: أنه قال: ((السُّنَّة ألاَّ يقع أحدٌ على مشركة (20) حتى تُصلي ويستبرئها، وتغتسل)) (21) .
وهذه أدلَّة تدلُّ (22) على صحة ما اخترناه، والموفق الإله. &(4/131)&$
__________
(1) قوله: ((إنما هو)) سقط من (ب) و(ح).
(2) قوله: ((جاء)) سقط من (ب).
(3) في (أ): ((مجيريز)).
(4) أخرجه البخاري (1/494 رقم6603/الفتح) في القدر، باب وكان أمر الله قدرًا مقدورًا.
(5) في (ح) و(ب) و(ي): ((فوت)).
(6) قوله: ((وأما)) سقط من (ب). وفي (ك): ((فأما)).
(7) في (ب) و(ح) و(ي): ((انقضاء)).
(8) في (ب) و(ح) و(ي): ((الأولاد)).
(9) في (ح): ((فلزم)).
(10) في (ك): ((كما)).
(11) في (ب) و(ح) و(ي): ((يعلم)).
(12) في (ب): ((يتحقق)).
(13) في (ب) و(ح): ((من إسلام واستبراء)).
(14) من قوله: ((للعلم بها وإما لأن...)) إلى هنا سقط من (ي).
(15) في (ي): ((ويرفع)).
(16) في (ي): ((السبا)) بدل ((الفيء))، وفي (ب): ((الفيا)).
(17) قوله: ((فغسلت ثيابها)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(18) في (ب) و(ح) و(ي): ((فاغتسلت)).
(19) أخرجه عبدالرزاق (7/196 رقم12753) عن جعفر بن سليمان، قال: أخبرني يونس بن عبيد، عن الحسن، قال: كنَّا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ...، فذكره.
(20) في (ي): ((مشتركة)).
(21) أخرجه عبدالرزاق (7/197 رقم12757) عن الثوري قال: أما السنة فلا يقع...، فذكر نحوه.
(22) قوله: ((تدل)) سقط من (ب) و(ح) و(ك) و(ي).(4/131)
وقوله: ((فأردنا أن نستمتع ونعزل))، وفي الرواية الأخرى: ((فكنَّا نعزل))؛ =(4/165)=@ يعني: أنَّ منهم من وقع سؤاله قبل أن يعزل، ومنهم من وقع سؤاله بعد أن عزل. ويحتمل أن يكون معنى: ((كنا نعزل))؛ أي: عَزَمْنا على ذلك. فيرجع (1) معناها إلى ا لأولى.
وقوله: وقد سئل عن العزل (2) : ((لاعليكم (3) ألاَّ تفعلوا)). العَزْلُ: هو أن يُنَحِّي الرَّجلُ ماءه عند الجماع عن الرَّحم، فيلقيه خارجه (4) . والذي حرَّكهم للسؤال عنه: أنهم خافوا أن يكون مُحَرَّمًا؛ لأنَّه قطعٌ للنَّسل (5) ، ولذلك أُطلق عليه: الوأد الخفي (6) .
واختلف في قوله: ((لا عليكم ألاَّ تفعلوا (7) ))، فهمت طائفةٌ منه: النهي والزجر عن العزل؛ كما حُكي عن الحسن، ومحمد بن المثنى. وكأنَّ هؤلاء فهموا من ((لا)) النهي (8) عما سئل عنه، وحذف بعد قوله: ((لا)) فكأنَّه قال: لا تعزلوا (9) ، وعليكم ألاَّ تفعلوا (10) . تأكيدٌ (11) لذلك النهي (12) . وفهمت طائفة أخرى منها (13) الإباحة، وكأنَّها جعلت جواب السؤال قوله: ((لا عليكم ألا تفعلوا (14) ))؛ أي: ليس عليكم جناح في أن لا تفعلوا.
وهذا التأويل أولى بدليل قوله: ((ما من نسمة كائنة إلا ستكون))، وبقوله: ((لا عليكم ألاَّ تفعلوا (15) ، فإنما هو القدر))، وبقوله: ((إذا (16) أراد الله خلق الشيء (17) لم يمنعه شيء))، وهذه الألفاظ كلها مصرَّحة بأنَّ العزل لا يَرُدُّ القَدَرَ، ولا يضر (18) . فكأنه قال: لا بأس به. وبهذا تمسَّك (19) من رأى إباحة العزل مطلقًا عن الزوجة والسُّرِّيَّة، وبه قال كثير من الصحابة، والتابعين، والفقهاء. وقد كرهه آخرون من الصَّحابة وغيرهم =(4/166)=@ متمسّكين بالطريقة المتقدمة. وبقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((ذلك الوأد الخفيّ)).
قلت: وتشبيه العزل بالوأد الْمُحَرَّم يقتضي أن يكون محرمًا. ووجه التشبيه بينهما: أنهم كانوا في الجاهلية يدفنون البنات أحياء، يقتلونهن بذلك؛ خشية المعَرَّة، ومنهم من كان يفعل ذلك بالإناث والذكور خشية الفقر. كما هو (20) ظاهر قوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} (21) ، والإملاق: الفقر؛ على أنَّه قد قيل: إن الأولاد (22) &(4/132)&$
__________
(1) في (ح) يشبه أن تكون: ((فرجع)) وفي (ي): ((فنرجع)).
(2) كتب في هامش (ب): ((فقال)) ويناسب مكانها هنا.
(3) قوله: ((لا عليكم)) مطموس في (ح).
(4) في (ي): ((خارجهم)).
(5) في (ي): ((النسل)).
(6) سيأتي في الباب الذي بعده.
(7) قوله: ((ألا تفعلوا)) سقط من (ب) و(ح).
(8) قوله: ((من لا النهي)) سقط من (ب).
(9) قوله: ((تعزلوا)) سقط من (ك).
(10) قوله: ((وعليكم ألا تفعلوا)) سقط من (ب).
(11) في (ب): ((تأكيدًا)). وفي (ك): ((أو عليكم تأكيد)).
(12) نقل الحافظ ابن حجر في"الفتح" (9/307) هذا الذي حكاه القرطبي، ثم قال: ((وتُعُقِّب بأن الأصل عدم التقدير، وإنما معناه: ليس عليكم أن تتركوا، وهو الذي يساوي أن لا تفعلوا)).
(13) في (ب) و(ح): ((منه)).
(14) من قوله: ((تأكيد لذلك النهي...)) إلى هنا سقط من (ي).
(15) من قوله: ((وهذاالتأويل...)) إلى هنا سقط من (ب).
(16) في (أ): ((إن)).
(17) في (ب): ((خلق شيء)).
(18) في (ب) و(ح): ((ولا يضره)).
(19) في (ب): ((نتمسك)).
(20) قوله: ((هو)) سقط من (ك).
(21) سورة الإسراء؛ الآية: 31.
(22) في (ب): ((الأود)).(4/132)
هنا هم (1) البنات. فإذًا (2) الوأد (3) : رفع الموجود والنسل. والعزل: مَنْع أصل النَّسل. فتشابها، إلاَّ أن قتل النفس أعظم وزرًا، وأقبح فعلاً؛ ولذلك قال بعض علمائنا: إنه يفهم من قوله - صلى الله عليه وسلم - في العزل: ((إنه الوأد الخفي)): الكراهة، لا التحريم (4) . وذهب مالك والشافعي: إلى أن العزل عن الحرَّة لا يجوز إلا بإذنها. وكأنهم رأوا: أن الإنزال من تمام لذتها، ومن حقها في الولد، ولم يريا ذلك في الموطوءة بالْمِلْك، فله أن يعزل عنها بغير إذنها؛ إذ لا حقَّ لها في شيء (5) مما ذكر.
قلت: ويمكن على هذا المذهب الثالث أن يجمع بين الأحاديث المتعارضة في ذلك. فتُصيَّر الاحاديث التي يُفهم (6) منها المنع: إلى الزوجة الْحُرَّة، إذا لم تأذن، والتي يُفهم (7) (8) منها الإباحة إلى الأمَةِ والزوجة، إذا أَذِنت. فيصحّ الجمع، ويرتفع التعارض، والله تعالى أعلم.
وقوله: ((وإنكم لتفعلون (9) - ثلاثا -))؛ ظاهره: الإنكار (10) ، والزَّجْر. غير أنَّه =(4/167)=@ يضعفه قوله: ((ما من نسمة كائنة إلا هي (11) كائنة))؛ على ما قررناه (12) آنفًا، فإذًا معناه: الاستبعاد لفعلهم له (13) ؛ بدليل ما جاء في الرواية الأخرى: ((ولِمَ يفعل ذلك (14) أحدكم؟)). قال الراوي: ولم يقل: فلا يفعل ذلك أحدكم. ففهم: أنَّه ليس بنهيٍ (15) ، وهو أعلم بالمقال، وأقعد بالحال.
وقولهم: ((الرَّجل تكون (16) له المرأة تُرضِعُ فيصيبُ منها، ويكره أن تحمل (17) منه، والرجل تكون له الأَمَة، فيصيب منها، ويكره (18) أن تحمل منه)). دليل على أن (19) قوله: ((فلا عليكم ألاَّ تفعلوا))؛ إنما خرج جوابًا عن (20) سؤالين: العزل عن الحرَّة، وعن الأَمَة، &(4/133)&$
__________
(1) قوله: ((هم)) سقط من (ب).
(2) قوله: ((فإذًا)) ليس في (ب).
(3) قوله: ((الوأد)) في (ب): ((فالوأد)).
(4) في (ب): ((الكراهة لا التحريم)).
(5) قوله: ((في شيء)) سقط من (ب). وفي (ح) يشبه أن تكون: ((إذ لا حقّ لها شيئًا مما ذكر)).
(6) في (ب): ((تفهم)) وكذا جاءت مهملة في (ح).
(7) في (ب): ((تفهم)) وكذا جاءت مهملة في (ح).
(8) في (ي): ((تفهم)).
(9) في (ح) و(ي): ((لتفعلن)) وكذا كانت في (ب) فأصحلها الناسخ.
(10) في (ح): ((الاكار)).
(11) في (ب): ((وهي)).
(12) قوله: ((ما قررناه)) لم يتضح في (ح).
(13) قوله: ((له)) سقط من (ب) و(ح).
(14) قوله: ((ذلك)) سقط من (ح) و(ي).
(15) في (ي): ((منهي)).
(16) في (ب): ((يكون)) و(ك).
(17) في (ب): ((يحمل)).
(18) في (ي): ((وتكره)).
(19) قوله: ((أن)) سقط من (ب) و(ح) و(ك) و(ي).
(20) في (أ): ((على)).(4/133)
فلا بُعْدَ (1) أن يذكر (2) الراوي في وقت أحد (3) السؤالين، ويسكت عن الآخر، ويذكرهما جميعًا في وقت آخر، كما قد جاء في هذه الروايات. ولا يُعَدُّ مثل هذا اضطرابًا. =(4/168)=@
وقوله: ((ما من كل الماء يكون الولد))؛ يعني: أنّه ينعقد الولد في الرَّحم (4) من جزءٍ من الماء، لا يشعر العازلُ بخروجه؛ فيظنَّ أنَّه قد عزلَ كلَّ الماء، وهو إنما عزل (5) بعضه، فيخلق الله تعالى الولد (6) من ذلك الجزء اللطيف الذي بادر بالخروج (7) .
وقوله في حديث جابر – رضي الله عنه -: ((إن لي جارية هي خادمنا، وسانِيَتُنَا))؛ هكذا (8) مشهور الرواية عند (9) كافة الرواة. ويعني (10) بالسَّانية: المستقية للماء. يقال: سنت الدَّابة، فهي (11) سانية: إذا استُقيَ عليها الماء. وعند ابن الحذَّاء: ((وسايستنا (12) )): اسم (13) فاعل من: ساس (14) الفرس، يسوسه (15) : إذا خدمه.
وقوله: ((اعزل عنها إن شئت))؛ نصٌّ في إباحة العزل. وهو حجة لمالك، ولمن قال بقوله على ما تقدَّم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - عندما قيل له: إن الجارية قد حبلت (16) : ((قد أخبرتُك أنَّه سيأتيها (17) ما قدَّر لها))؛ دليل على إلحاق الولد بمن اعترف بالوطء، وادَّعى العزل في الحرائر والإماء. وسبَبُه انفلاتُ الماء، ولا يشعر به العازلُ. ولم يُختلف عندنا في ذلك إذا =(4/169)=@ كان الوطء في الفَرْج، فإن كان في غير الفرج مِمَّا يقاربه، أو كان (18) العزل البيِّن (19) ؛ الذي لا شك (20) فيه لم يلحق. وفيه حجّة: على كون الأَمَة فراشًا إذا كان (21) الوطء.
وقوله: ((أنا عبد الله ورسوله))؛ تنبيه منه على صدقه وصحّة رسالته (22) ؛ كما قال عند تكثير الطَّعام: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأنِّي رسول الله)) (23) .
وقول جابر – رضي الله عنه -: ((كنا نعزل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فبلغ ذلك نبيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلم ينهنا))؛ حجّة واضحة على إباحة (24) العزل مطلقًا، لكن (25) مَحْمله (26) على ما إذا لم يعارضه حقُّ الزوجة كما ذكرنا (27) ، والله تعالى أعلم. =(4/170)=@ &(4/134)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): ((يعد)).
(2) في (ي): يشبه أن تكون ((يذكر)).
(3) في (ب): ((في وقت واحدٍ)).
(4) تقدم هذا في (ب) قوله الآتي: ((وقوله في حديث جابر...)) إلى قوله: ((ويعني بالسَّانية)). وكتب بجانبها: يكتب تعليق المحقق (ص972).
(5) أشير لها وكتب: كذا في (ح).
(6) في (ك): ((فيخلق الولد)).
(7) في (ب): ((أردنا بخروج)).
(8) قوله: ((هكذا)) لم يتضح في (ي).
(9) في (ب): ((عن عند))، ويشبه أن يك ون ضُرب على قوله: ((عند)).
(10) في (ب): ((يعني)) بلا واو.
(11) أشير لها وكتب: كذا في (ح).
(12) في (ب): ((ساسيبا))، وفي (ح): ((سانيسنا)).
(13) قوله: ((اسم)) سقط من (ي).
(14) في (ب): يشبه أن تكون ((سابر)).
(15) في (ب): ((سيوسه))، وفي (ح) تشبه :(( سيوسه)). وكذا في (ح) لأنها تحمل نفس الرسم.
(16) في (ب): ((حملت)).
(17) في (ح): ((سيأتها)).
(18) في (ب) و(ح): ((وكان)).
(19) في (ح): ((اليبن)).
(20) في (ب) و(ح): ((لا يشك)).
(21) من قوله: ((العزل البين الذي...)) إلى هنا سقط من (ي).
(22) في (ي): ((ورسالاته)).
(23) تقدم هذا الحديث في كتاب الإيمان، باب من لقي الله تعالى عالمًا به دخل الجنة.
(24) قوله: ((إباحة)) عليها طمس في (ح) وظهر منها: ((ااجه)).
(25) قوله: ((لكن)) مكرر في (ي).
(26) في (ب) تشبه أن تكون: ((نحمله)).
(27) في (ي): ((رسالاته)).(4/134)
ومن باب تحريم وطء الحامل المسبيَّة (1)
قوله: ((إنَّه (2) - صلى الله عليه وسلم - أتى بامرأة، مُجِحٍّ (3) ))، روايتنا فيه: - بفتح (4) الهمزة والتاء ، على أنَّه فعل ماض؛ بمعنى: جاز، ومرَّ (5) . و(( مُجِحٍّ (6) )) - بضم الميم، وكسر الجيم، وتشديد الحاء المهملة (7) -، وهي: المرأة (8) التي قربت (9) ولادتها. و((الفسطاط)): خِباءٌ صغير (10) . وفيه لغتان: فِسطاط وفُسطاط (11) .
وقوله: ((لعلَّه يريد أن يُلِمَّ بها؟)) كناية عن إصابتها. وأصل الإلمام: النزول، كما قال (12) :
متى تأتنا تُلْمم بنا في دِيارنا ... تجد خير نار عندها خير مُوقِد (13)
وقوله: ((لقد هممت أن ألعنه لعنًا يدخل معه قبره))؛ هذا وعيدٌ شديدٌ على وطء الحبالى (14) حتى يضعْنَ. وهو دليل على (15) تحريم ذلك مطلقًا (16) ، سواء (17) كان الحمل من وطء صحيح، أو فاسد، أو زنى. فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصل عن سبب الحمل، ولا ذكر أنه يختلف حكمه. وهذا موضع لا يصحُّ فيه تأخير البيان (18) . وإلى الأخذ بظاهر هذا ذهبَ جماهير العلماء، غير أن القاضي عياضًا (19) قال في المرأة (20) تزني (21) =(4/171)=@ فتحمل، ويتبين (22) حملها: أن أشهب أجاز لزوجها وطأها. قال: وكرهه مالك وغيره من أصحابه. قال: واتفقوا (23) على كراهته (24) ، ومنعه من وطئها في ماء الزنى ما &(4/135)&$
__________
(1) قوله: ((المسبية)) سقط من (أ).
(2) قوله: ((إنه)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(3) في (ب): ((محج)).
(4) في (ك): ((أتى بفتح)).
(5) قوله: ((ومرَّ)) سقط من (أ).
(6) في (ب): ((محج)).
(7) قوله: ((مهملة)) ليس في (أ).
(8) في (أ): ((الحامل)) و(ك). وقوله: ((المرأة)) سقط من (ي).
(9) في (ك): ((قرب)).
(10) في (ب): ((صغيرًا)).
(11) قوله: ((وفُسطاط)) سقط من (ب).
(12) قوله: ((قال)) سقط من (ب) وفي (ي): ((كما من قال)).
(13) القائل: هو الحطيئة. انظر "لسان العرب" (15/57)، و"العين" (2/187).
(14) في (ب) و(ح): «الخبالى».
(15) قوله: ((وهو دليل على)) مطموس في (ح).
(16) قوله: ((ذلك مطلقًا)) مطمسوس في (ح).
(17) في (ب): ((وسواء أكان)).
(18) في (ب) و(ح) و(ي): ((بيان)).
(19) قوله: ((عياضًا)) ليس في (ب).
(20) في (ب) و(ح): ((في مرأة)).
(21) قوله: ((تزني)) سقط من (ب).
(22) في (ب) و(ح): ((وتبين)).
(23) أشير لها وكتب: كذا في (ح) و(أ).
(24) في (ب) و(ح) و(ي): ((كراهيته)).(4/135)
لم يتبين الحمل. وهذا الذي حكاه عن أشهب يردُّه هذا الحديث. ومعناه على ما يأتي. وكراهة (1) مالك (2) لذلك بمعنى: التحريم، والله تعالى أعلم.
وإنما لم يُوقِع (3) النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ما هَمَّ به من اللَّعن؛ لأنه ما كان بَعْدُ تقدَّم في (4) ذلك بشيء. وأما (5) بَعْدَ أن تقدم (6) هذا الوعيد وما في معناه: ففاعل ذلك متعرِّضٌ للّعن يدخل معه قبره، ويدخله جهنم.
وقوله: ((كيف يورثه وهو لا يحل له؟! كيف يستخدمه وهو لايحل له؟!)) هذا تنبيه منه - صلى الله عليه وسلم - على أن واطئ الحامل له مشاركة في الولد (7) . وبيانه: أن ماء الواطء يُنَمِّي (8) الولد، ويزيد في (9) أجزائه، ويُنعِّمه، فتحصل مشاركة هذا الواطىء للأب؛ ولذلك قال رسول الله (10) - صلى الله عليه وسلم - : ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه زرع غيره)) (11) . فإذا وطىء الأَمَة الحامل لم يصحّ أن يحكم (12) لولدها بأنه (13) ابن لهذا (14) الواطىء؛ لأنه من (15) ماء غيره نشأ. وعلى هذا فلا يحلُّ له أن يرثه، ولا يصح أيضًا أن يحكم لذلك الولد بأنه عبدٌ للواطىء؛ لما حصل في الولد من أجزاء مائه (16) ، فلا يحلَّ له (17) أن يستخدمه استخدام العبيد؛ إذ ليس بعبدٍ (18) ، لِمَا خالطه من أجزاء الْحُرِّ.
وفيه من الفقه (19) : ما يتبيَّن (20) به (21) استحالة اجتماع أحكام الحرية، والرِّق في شخص واحد، وأن مَن فيه شائبة بُنُوَّةٍ لا يُمْلَك، ومن فيه (22) شائبة رقٍّ لا يكون حكمه حكم الحرّ، على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
وفيه: أن السِّباء (23) يهدمُ النكاح، وهو مشهورُ مذهبنا، سواء سُبيا (24) مجتمعين أو مفترقين (25) ، على ما يأتي إن شاء الله تعالى. =(4/172)=@
وقد ذكر أبو داود في المنع من وطء الحامل حديثًا نصًّا، هو أصلٌ في هذا الباب؛ من حديث أبي الودَّاك: جبر بن نوف، عن أبي سعيد الخدري، رفعه، قال &(4/136)&$
__________
(1) في (ب) و(ح) و(ي): ((وكرهه)).
(2) زاد في (ب): ((وغيره من أصحابنا قال واتفقوا على كراهيته))، وهو تكرار لما سبق، وهذه الزيارة موجودة في (ح) ولكنه ضرب عليها وعلى قوله مالك أيضًا.
(3) في (ب): ((فوقع)). لعلها الضمة على الياء وتراجع ل194/أ.
(4) قوله: ((في)) سقط من (ب).
(5) أشير لها بسهم وكتب: كذا في (ح).
(6) أشير لها بسهم وكتب: كذا في (ح).
(7) قوله: ((الولد)) موضعه بياض في (ب)، وفي (ح) تشبه أن تكون ((الجسد)) وعليها آثار كشط.
(8) في (ح) و(ب): تشبه أن تكون ((ينهي)) وفي (ي): ((ينهي)).
(9) في (ح): كأنه ضرب على قوله: ((في)).
(10) في (أ) و(ب) و(ي): ((قال ?)).
(11) .... مرفق التخريج.
(12) في (ح): ((نحكم)). [تراجع، فلعلها الضمة على الياء] (ل194/أ).
(13) في (ب) و(ح) و(ي): ((أنه)).
(14) في (ب) و(ح): ((هذا)).
(15) في (ي) و(أ) و(ب) و(ح): ((عن)).
(16) في (ح) و(ي): ((أجزاءه فلا يحل)).
(17) من قوله: ((أن يرثه ولا يصح....)) إلى هنا سقط من (ب).
(18) في (ك): ((ليس له بعبد)).
(19) أشير لها وكتب: كذا في ؟؟؟.
(20) في (ب): ((تبين)).
(21) قوله: ((به)) لم يتضح في (ب).
(22) قوله: ((شائبة بنوة لا يملك ومن فيه شائبة)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(23) في (ب): ((النساء)). [تراجع في (ح) فعلها الشدة المكسورة [ل194/أ].
(24) في (ب): ((سببًا)).
(25) في (ي): ((متفرقين)).(4/136)
في سبايا أوطاس: ((لا توطأ حامل حتى تضع، ولاغير حامل (1) حتى تحيض حيضة)) (2) . تفرد أبو الودَّاك بقوله: ((حتى تحيض حيضة (3) )). وأبو الودَّاك وثّقه ابن معين. وقد خرَّج عنه مسلم في "صحيحه".
و((جُدامة الأسديَّة)) رويناه بالدال المهملة. وهكذا قاله مالك، وهو الصواب. قال (4) أبو حاتم: الْجُدامة: ما لم يندق من السُّنبل. قال غيره: هو ما يبقى في الغِرْبال من (5) قَصَبِه (6) . وقال (7) غير مالك بالذال (8) المنقوطة (9) . وهو من (10) : الجذم؟ الذي هو القطع. وهي: جُدامة (11) بنت وهب بن محصن الأسديَّة، تكنى: أم قيس (12) ؛ وهي ابنة (13) أخي عكَّاشة بن محصن (14) . أسلمت عام الفتح.
وقوله (15) : ((لقد هممت أن أنهى عن الغِيلة))- بكسر الغين لا غير (16) - وهي =(4/173)=@ الاسم من الغَيْل. وإذا دخلت عليه الهاء فليس إلا الكسر، وإذا حُذفت الهاء فليس إلا الفتح في الغين. وقال بعضهم: يقال: الغَيلة - بالفتح - للمرة الواحدة من الغَيْل. وللغويين (17) في تفسيرها قولان:
أحدهما: أن الغِيلة (18) هي: أن يجامع الرَّجل امرأته وهي تُرضع. حُكي معناه عن الأصمعي. يقال منه: غال الرَّجل المرأةَ، وأغالها، وأغيلها.
وثانيهما: أنَّها أن تُرضع المرأة وهي حامل. يقال منه: غالت، وأغالت (19) ، وأغيلت (20) ؛ قاله ابن السِّكِّيت.
قلت: والحاصل (21) : أن كل واحد منهما يقال عليه: ((غيلة)) في اللغة، وذلك: أن هذا اللفظ كيفما دار إنما (22) يرجع إلى الضرر، والهلاك؛ ومنه تقول العرب: غالني أمرُ كذا؛ أي: أضرَّ بي (23) . وغالته الغول؛ أي (24) : أهلكته. وكلُّ واحدةٍ من الحالتين المذكورتين مضرَّة بالولد. ولذلك (25) يصح (26) أن تحمل الغيلة في الحديث على كل واحد (27) منهما.
فأمَّا ضرر المعنى الأول: فقالوا: إن الماء - يعني: المني - يغيلُ (28) اللَّبن؛ أي: &(4/137)&$
__________
(1) قوله: ((حتى تضع ولا غير حاملٍ)) سقط من (ب).
(2) ..... مرفق التخريج.
(3) من قوله: ((تفرد... إلى هنا)) سقط من (ك).
(4) في (ب) و(ح): ((قاله)).
(5) في (ب) و(ح): ((في)).
(6) في (ح) و(ك): ((نصيه)) ويشبه أن تكون كذلك في (أ) و(ب).
(7) في (ك): ((وقاله)).
(8) من قوله: ((ما لم يندق من السبل...)) إلى هنا سقط من (ي).
(9) في (ب): ((المنقطوطة)).
(10) قوله: ((من)) سقط من (ي).
(11) في (ي): ((جذامة)).
(12) قوله: ((الأسدية تكنى أم قيس)) سقط من (ي).
(13) في (ك): ((ابنتة)). وفي (ب): ((انت)) كذا رسمت.
(14) من قوله: ((تكنى...)) إلى هنا سقط من (أ).
(15) في (ب) و(ح) و(ي): ((قوله)) بلا واو.
(16) قوله: ((لا غير)) سقط من (ب) و(ح).
(17) في (ح): يشبه أن تكون ((اللغويين)).
(18) من قوله: ((وبالفتح للمرة الواحدة....)) إلى هنا سقط من (ب).
(19) في (ب): ((واغتالت)) و(ك) و(ي).
(20) قوله: ((أغيلت))، سقط من (أ) و(ك) و(ي) و(ب).
(21) قوله: ((والحاصل)) سقط من (ب)، وفي (ح): ((الحاصل)) غير موجود وفي مكان بياض.
(22) قوله: ((إنما)) سقط من (ي).
(23) في (ح): ((أضرني)) و(أ) و(ي) و(ب).
(24) قوله: ((أي)) سقط من (ب) و(ح) و(ك) و(ي).
(25) في (ب): ((وكذلك)).
(26) في (ح): ((تصح)).
(27) في (ي): ((واحدة)).
(28) في (ي): ((يغسل)).(4/137)
يفسده. ويُسأل (1) عن تعليله أهل الطبِّ.
وأمَّا الثاني: فضرره بيِّنٌ (2) محسوسٌ. فإن (3) لبن الحامل داءٌ وعلَّة في جوف الصبي، يظهر أثره عليه. ومراده - صلى الله عليه وسلم - بالحديث: المعنى الأول، دون الثاني؛ لأنه هو الذي يحتاج إلى نظر في كونه يضرُّ الولد؛ حتى احتاج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن ينظر إلى أحوال غير العرب؛ الذين يصنعون ذلك. فلمَّا رأى أنَّه لا يضرُّ (4) أولادهم لم يَنْه عنه.
وأمَّا الثاني: فضرره معلومٌ للعرب (5) وغيرهم، بحيث لا يحتاج إلى نظر، ولا فكر. وإنما هَمَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنهي عن الغيلة لما أكثرت (6) العرب من اتقاء ذلك، =(4/174)=@ والتحدُّث بضرره، حتى قالوا: إنه ليدرك الفارس فيدعثره (7) عن فرسه.
وقد روي ذلك (8) مرفوعًا من حديث أسماء ابنة يزيد، قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا تقتلوا أولادكم سرًّا فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه)) (9) . ذكره ابن أبي شيبة (10) . ثم (11) لما حصل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يضرّ أولاد العجم؛ سوى (12) بينهم وبين العرب في هذا (13) المعنى، فسوَّغه. فيكون حجّة لمن قال من الأصوليين: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان (14) يحكم بالرأي والاجتهاد. وقد تقدم ذلك.
وقول السائل عن العزل: ((أشفق على ولدها))؛ يعني: أخاف إن لم أعزل أن تَحْمِل فيضرَّ (15) ذلك ولدها، على ما تقدَّم. ويحتمل: أنَّه (16) يخاف فساد اللَّبن بالوطء. على ما ذكرناه (17) آنفًا.
وقوله: ((لو كان ذلك ضارًّا ضرَّ فارس والرُّوم))؛ دليل على أنَّ الأصل في نوع الإنسان المساواة في الجِبِلاَّت والْخَلق، وإن جاز اختلاف العادات والمناشئ.
وفيه حجة على إباحة العزل، كما تقدَّم، والله تعالى أعلم. =(4/175)=@ &(4/138)&$
__________
(1) في (ي): ((يسأل)) بلا واو.
(2) قوله: ((بين)) ليس في (ب) و(ح) و(ي).
(3) في (ي): ((لأن)).
(4) في (ب): ((لا يضرهم)).
(5) في (ب) و(ح): ((عند العرب)).
(6) في (ي): ((أكثر)).
(7) في (ي): ((ميه عثرة)). وتراجع
(8) في (ب): ((ذاك)).
(9) .... مرفق التخريج.
(10) من قوله: ((وقد روي ذلك مرفوعًا...)) إلى هنا سقط من (أ).
(11) قوله: ((ثم)) سقط من (ب).
(12) في (أ): ((فسوى)).
(13) قوله: ((هذا)) سقط من (ب).
(14) قوله: ((كان)) سقط من (أ).
(15) في (ي): ((فتصير)). وفي (ب): ((فيضير)).
(16) في (ك): ((أن)).
(17) في (ك): ((ذكرنا)).(4/138)
ومن (1) أبواب (2) الرِّضاع
قول عائشة رضي الله عنها: ((لو كان فلان حيًّا (3) - لعمها من الرَّضاعة - دخل (4) عليَّ))؛ نصٌّ في أنَّ هذا السؤال إنَّما كان بعد موت عمها، وهو يخالف (5) قولها: إن عمّها من الرّضاعة يُسَمَّى (6) : أفلح استأذن (7) عليها. وهذا نصٌّ في أن سؤالها كان وهو حيٌّ، فاختلف المتأولون لذلك: هل هما عمَّان أو عمّ واحد؟ فقال أبو الحسن القابسي: هما عمَّان لها (8) ؛ أحدهما (9) : أخو أبيها، أبي بكر - رضي الله عنه - من الرَّضاعة، أرضعتهما (10) امرأة واحدة. والثاني: أخو أبيها، أبي (11) القُعَيس من =(4/176)=@ الرضاعة. وقال ابن أبي حازم (12) : هما واحد. قال القاضي أبو الفضل: والأشبه قول أبي الحسن (13) .
قلت: وتتميم ما قاله: أنهما عمَّان، وأن سؤالهما (14) للنبي - صلى الله عليه وسلم - كان مرتين (15) في زمانين، وتكرر منها ذلك (16) . إمَّا لأنها نسيت القضية (17) الأولى، فاستجدَّت سؤالاً آخر، وإمَّا لأنَّها جوَّزت تَبَدُّل (18) الحكم. فسألت مرة أخرى (19) ، والله تعالى أعلم.
وقوله ?: ((إن الرَّضاعة تحرّم ما تحرِّم الولادة))، وفي الأخرى: ((يحرم من الرَّضاعة (20) ما يحرم من النسب))؛ دليل على جواز نقلهم بالمعنى، إن كانت القضية واحدة. ويحتمل أن يكون (21) تكرر ذلك المعنى منه باللفظين المختلفين (22) .
وقد صرَّح الرواة عن عائشة برفع هذه الألفاظ للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فهي مسندة، مرفوعة، ولا (23) يضرَّها وقف (24) مَنْ وقفها (25) على عائشة، كما جاء في الرواية الأخرى.
ويفيد هذا الحديث: أن الرَّضاع ينشرُ الحرمةَ بين الرضيع والمرضعة، وزوجها إلى &(4/139)&$
__________
(1) قوله: ((ومن)) سقط من (أ).
(2) في (ب) و(ح): ((باب)) و(ك) و(ي).
(3) انظر: "الفتح" (9/140- 141).
(4) في (ب) و(ح) و(ي): ((لدخل)). وفي (ك): لم يتضح.
(5) ي (ي): ((مخالف)).
(6) في (ب): ((سمي))، وفي (ح) تشبه أن تكون ((فسمى)) أو((مسمى)). [تراجع في (ح) فعلها زيادة حبر ولعلها موافقة للمثبت ل195/أ].
(7) في (ب) و(ح): ((دخل)).
(8) قوله: ((لها)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(9) قوله: ((أحدهما)) تكرر في (ح).
(10) في (أ): ((أرضعتهم)).
(11) في (أ): ((أي)).
(12) في جميع النسخ و(ب) و(ي): ((ابن حازم))، والصواب: ابن أبي حازم، وعلى الصواب ذكره القاضي عياض في "إكمال المعلم" (4/627)، لما نقل هذا القول عنه، وكذا نقل كلام عياض هذا الحافظ ابن حجر كما في "الفتح" (9/141). ووقع الاسم فيه على الصواب أيضًا.
وابن أبي حازم: اسمه: عبدالعزيز، واسم أبي حازم: سلمة بن دينار.
قال الإمام أحمد: ((لم يكن بالمدينة بعد مالك أفقه من عبدالعزيز بن أبي حازم)). انظر "سير النبلاء" (8/363). وقد عده ابن فرحون من أعيان المذهب المالكي، وكان ممن تفقه مع مالك وروى عنه، وكان من جملة أصحابه. انظر "الديباج المذهب" (ص259-260).
(13) في (أ): ((أبي الحبس)).
(14) في (ك) و(ب) و(ي): ((سؤالها)).
(15) في (ح): ((كان في مرتين)).
(16) في (ب): ((ذلك منها)).
(17) في (ك): ((القصة)).
(18) في (ك): ((تنقل)) ووضع فوقها علامة لحق وكتب في الهامش: ((تبدد)).
(19) قوله: ((فسألت مرة أخرى)) سقط من (ب) و(ح).
(20) قوله: ((يحرم من الرضاعة)) ليس في (ب).
(21) قوله: ((يكون)) سقط من (ب).
(22) نقل الحافظ ابن حجر في "الفتح" (9/141) كلام القرطبي هذا، ثم قال: «الثاني هو المعتمد، فإن الحديثين مختلفان في القصة، والسبب، والراوي. وإنما يأتي ما قاله، إذا اتحد ذلك وقد وقع عند أحمد من وجه آخر عن عائشة: ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب من خال، أو عم، أو أخ))».
(23) في (ح) و(ب) و(ك): ((لا)) بلا واو.
(24) في (أ): ((توقيف)). ...
(25) أشير لها وكتب: وقفها من (ح) و(أ).(4/139)
صاحب اللَّبن، أو سيدها، فإذا (1) أرضعت (2) المرأةُ (3) صبيًّا حُرِّمت عليه؛ لأنها أمه، وأمُّها؛ =(4/177)=@ لأنها جدَّته. وأختها؛ لأنها خالته، وبنتها لأنَّها أخته. وكذلك بنت صاحب اللبن؛ لأنها أخته، وأمِّه؛ لأنّها جدته، وأخته لأنَّها عمته، وهكذا. غير أن التحريم لا يتعدَّى الرضيع (4) إلى أحد من قرابته. فليس أخته من الرَّضاعة أختًا لأخيه، ولا بنتًا لأبيه، إذ لا رضاع بينهم.
وحكمة (5) ما ذكرناه: أن الشرع اعتبر في التحريم ما ينفصل من أجزاء المرأة وهو (6) اللَّبن، ويتصل بالرضيع (7) ، فيغتذي به، فتصير (8) أجزاؤها أجزاءه، فينتشر (9) التحريم بينهما. واعتبر في حقّ صاحب اللبن: أن وجود اللَّبن بسبب مائه، وغذائه. فأمَّا قرابات الرَّضيع فليس بينهم ولا بين المرضعة، ولا زوجها نسبٌ، ولا سببٌ. فَتَدَبَّرْهُ.
ومن باب التحربم من قِبَل الفحل
قولها: ((جاء أفلح أخو أبي القُعَيس))؛ هكذا هو الصحيح. و(( أفلح)) هو الذي كُنِّي عنه (10) في (11) روايةٍ أخرى: بأبي الْجُعَيْد؛ وهو عمُّ عائشة من الرَّضاعة؛ لانَّه أخو &(4/140)&$
__________
(1) في (ب): ((فإن)).
(2) في (أ): ((ارتضعت)).
(3) في (ك) و(ي): ((امرأة)).
(4) في (ب) و(ح): ((للرضيع)).
(5) في (ك): ((وحكمهم)) وكتب في الهامش: ((وحكمه)) ولم يشر إلى موضع اللحق.
(6) في (ك): ((ومن)).
(7) في (ب) و(ح) و(ي): ((بالمرضع)).
(8) في (ب): ((فيصير)).
(9) في (ب): ((فينشر)).
(10) في (ب) و(ح) و(ي): ((بابنه)). وكأنه ضرب عليها ناسخ (ي).
(11) في (ب): ((وفي)).(4/140)
أبي القُعَيس نسبًا. و((أبو القعيس)): أبو عائشة رضاعةً. وما سوى ما ذكرناه من الروايات وَهْمٌ. فقد وقع في "الأم": ((جاء أفلح بن أبي (1) قعيس))، و((أن أبا القعيس استأذن عليها)) وكل ذلك وهْمٌ من بعض الرواة. =(4/178)=@
وهذا الحديث حجّة لمن يرى: أن لبن الفحل يُحرِّم؛ وهم الجمهور من الصحابة وغيرهم. قال القاضي أبو الفضل: لم يقل أحدٌ من أئمة الفقهاء، وأهل الفتيا بإسقاط حرمة لبن الفحل إلا أهل الظاهر، وابن عُليَّة. قال أبو محمد عبدالوهاب: ويتصوَّر (2) مع افتراق الأُمَّيْن (3) ، كرجلٍ له امرأتان؛ ترضع إحداهما (4) صبيًّا، والأخرى صبيَّة: فيحرم (5) أحدُهما على الآخر؛ لأنهما أخوان لأب.
قلت: ووجه الاستدلال من حديث عائشة رضي الله عنها هذا على أن لبن الفحل يحرم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أثبت لأفلح عمومة عائشة رضي الله عنها، وإنما ارتضعت (6) عائشةُ لبنَ امرأةِ أبي القعيس؛ لأن أبا القعيس قد (7) صار أبًا لها (8) ، فينتشر (9) التحريم كما تقدَّم. وعلى هذا فلو تزوجت المرأة أزواجًا (10) ، وأصابوها على الوجه المسوِّغ؛ واللَّبن الأول باق &(4/141)&$
__________
(1) قوله: ((أبي)) ليس في (ح) و(ك).
(2) قوله: ((ويتصور)) غير واضح في (ح).
(3) في (ب) و(ح) و(ي): ((الأمرين)).
(4) في (ب): ((أحدهما))، وفي (ح) و(ي): ((إحديهما)).
(5) في (ب) و(ح) و(ي): ((فتحرم)).
(6) في (ب): ((ارضعت)).
(7) قوله: ((قد)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(8) في (ب) و(ح) و(ي) و(ك): ((لها أبًا)).
(9) في (ب): ((فينشر)).
(10) في (ب): ((زوجًا)).(4/141)
انتشرت الحرمة بين الرضعاء وبين الأزواج؛ لأنهم أصحاب ذلك اللَّبن ما دام متصلاً، فإن (1) انقطع اللَّبن فلكلِّ زوجٍ حُكْم نَفسِه، والله تعالى أعلم.
وقد تقدَّم القول على: ((تربت يمينك (2) )) في كتاب الطهارة. =(4/179)=@
ومن باب تحريم الأخت وبنت الأخ من الرضاعة
قوله: ((مالَكَ تنَوَّق في قريش وتدعنا؟)) هذا الحرف عند أكثر الرواة بفتح النون والواو وتشديدها. وهو فعل مضارع محذوف إحدى التاءين، وماضيه: تَنَوَّقَ (3) ، ومصدره: تَنَوُّقًا؛ أي: بَالَغَ في اختيار الشيء، وانتقائه. وعند العُذْري، والْهَوْزَنِي (4) ، وابن الحذَّاء: تَتُوق (5) - بتاء مضمومة من: تَاقَ، يَتُوقُ، تَوْقًا وتَوْقَانًا (6) : إذا اشتاق. وعرض عليٍّ – رضي الله عنه - على النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنةَ حمزة ليتزوَّجها: كأنَّه لم يعلم بإخوَّة حمزة له (7) من الرَّضاعة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وحمزة بن عبد المطلب – رضي الله عنه - عمَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - (8) أرضعتهما (9) ثويبةُ مولاة أبي لهب؛ حكاه ابن الأثير (10) . وبعيد أن يقال عنه: إنَّه (11) لم يعلم بتحريم ذلك. وأمَّا أمُّ حبيبة فالأمران في حقها مسوّغان. =(4/180)=@
وقولها (12) : ((لست لك بِمُخْلِية (13) ))- بضم الميم، وسكون الخاء، وكسر اللام - اسم فاعل من: أخلى، يَخْلِي؛ أي: لست (14) بمنفردةٍ بك، ولا خالية من ضرَّة. &(4/142)&$
__________
(1) في (ب): ((وإن)).
(2) في (ب): يشبه ((بعينك)).
(3) في (ب): ((تيوق)).
(4) في (ب): ((والهوزي)).
(5) في (ب): ((يتوق)).
(6) قوله: ((وتوقانًا)) سقط من (ب)، وفي (ح) و(ي): ((وتوقًا)).
(7) قوله: ((له)) سقط من (ب).
(8) قوله: ((علم النبي ?)) ليس في (ح) و(ب).
(9) أشير لها وكتب: كذا في (أ) و(ح).
(10) من قوله: ((لأن النبي ? وحمزة...)) إلى هنا سقط من (أ) وهو ضمن عبارة ملحقة بالهامش غير واضحة, كتب ناسخ (ي) و(ب) في بداية السقط ((لا)) وفي نهايته ((إلى)).
(11) قوله: ((إنه)) مطموس في (ي).
(12) في (أ): ((وقوله)).
(13) في (ح): ((مخلية))، وقوله: ((لست)) سقط من (ب).
(14) في (ب): ((ليست)).(4/142)
و((دُرَّة (1) )): الصحيح في هذا الاسم: بضم الدَّال المهملة. ووقع لبعض الرواة: ذَرَّة (2) - بفتح الذال المعجمة - وكأنَّه وَهْمٌ.
وقوله: ((لو أنَّها لم (3) تكن ربيبتي في حجري ماحلَّت لي))؛ يفيد (4) تحريم الرَّبيبة هنا بكونها (5) في حجر المتزوِّج؛ كتقييدها به في قوله تعالى: {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم (6) } (7) ، وبهذا التقييد تمسَّك داود، فقال: لا تحرم الربيبة إلا إذا كانت في حجر المتزوّج بأمِّها. وجمهور العلماء من السَّلف والخلف على أن ذلك ليس بشرط في التحريم، وإنما خرج ذلك القيد على تعريفهنَّ بغالب (8) أحوالهن.
قال ابن المنذر (9) : و (10) قد أجمع كلُّ مَنْ ذكرناه (11) ، وكلُّ مَنْ لم نذكره من علماء الأمصار على خلاف قول داود. وقد احتج بعضهم على عدم =(4/181)=@ اشتراط الِحْجر بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تعرضن (12) عليَّ بناتكن ولا أخواتكن (13) ))، ولم يقل: اللاتي في حجري (14) .
وقوله: ((إنَّها ابنة أخي من الرَّضاعة))؛ هذا حجة على أن لبن الفحل يحرّم كما تقدَّم. وفيه تنبية على جواز تعليل الحكم بعلّتين؛ فإنه علَّل تحريمها: بأنها ربيبة (15) ، وابنة أخ (16) .
وقد اختلف الأصوليون في ذلك، والصحيح جوازه بهذا الحديث وغير ه.
و((ثُوَيْبَةُ))- بضم الثاء المثلثة، وفتح الواو، وياء التصغير (17) -: تصغير (18) : ثوبة؛ وهي (19) الْمَرَّةُ (20) الواحدةُ، من: ثَابَ: إذا رَجَع (21) . يقال: ثاب (22) ، يثوب، ثوبًا، وثوبة (23) . وثويبةُ هذه هي (24) : جاريةُ أبي لهب، كانت أرضعت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأبا سلمة، ولأجل رضاعها للنبي - صلى الله عليه وسلم - سقي أبو لهب نطفةً من ماء في جهنم؛ وذلك أنه جاء في الصحيح (25) : أنه رُئِيَ في النوم. فقيل له: ما فعل الله بك (26) ؟ فقال: سُقيت في مثل هذه (27) ، وأشار إلى ظفر إبهامه. &(4/143)&$
__________
(1) في (أ): ((درة)) بدون واو.
(2) قوله: ((ذرة)) سقط من (ب) و(ح).
(3) في (أ): ((لو أنها لو لم )).
(4) في (ب) و(ح) و(ي): ((تقييد)).
(5) في (ح): ((لكونها)) و(أ) و(ب).
(6) قوله: ((من نسائكم)) ليس في (أ) و(ك).
(7) سورة النساء؛ الآية: 23.
(8) في (ب): ((فغالب)).
(9) في (ب) و(ح): ((ابن دريد)).
(10) .أشير لها بسهم وكتب كذا في (ح) و(أ).
(11) في (ب) و(ح) و(ي): ((ذكرنا)).
(12) في (ب): ((تعرض)).
(13) قوله: ((تعرضن عليَّ بناتكن ولا أخواتكن)) مطموس في (ح).
(14) 10) في (ب) و(ح) و(ي): ((حجوركن)).
(15) في (ك): ((ربيبته)).
(16) نقل الحافظ ابن حجر في "الفتح" (9/144) كلام المصنف في هذا الموضع، ثم تعقبه قائلاً: ((كذا قال ! والذي يظهر: أنه نبه على أنها لو كان بها مانع واحد لكفى في التحريم، فكيف وبها مانعان ؟ فليس من التعليل بعلتين في شيء؛ لأن كل وصفين يجوز أن يضاف الحكم إلى كل منهما لو انفرد، فأما أن يتعاقبا فيضاف الحكم إلى الأول منهما، كما في السببين إذا اجتمعا، ومثاله لو أحدث ثم أحدث بغير تخلل طهارة، فالحدث الثاني لم يعمل شيئًا، أو يضاف الحكم إلى الثاني، كما في اجتماع السبب والمباشرة، وقد يضاف إلى اشبههما وانسبهما؛ سواء كان الأول أم الثاني، فعلى كل تقدير لا يضاف إليهما جميعًا. وإن قدر أنه يوجد فالإضافة إلى المجموع، ويكون كل منهما جزء علة، لا علة مستقلة، فلا تجتمع علتان على معلول واحد؛ هذا الذي يظهر. والمسألة مشهورة في الأصول، وفيها خلاف)).اهـ.
(17) في (ب): ((بالتصغير)).
(18) في (ب): ((وتصغير)).
(19) في (ب) و(ح): ((هي)) بلا واو.
(20) في (ب): ((المرأة)).
(21) ؟؟؟.
(22) قوله: ((ثاب)) سقط من (ب).
(23) قوله: ((وثوبة)) سقط من (ب).
(24) قوله: ((هي)) سقط من (أ).
(25) أخرجه البخاري (9/140 رقم5101/الفتح) كتاب النكاح، باب لا يتزوج أكثر من أربع.
(26) في (أ): ((ما فعل بك)) و(ك).
(27) في (ك): ((هذا)).(4/143)
وقوله: ((فلا تَعْرِضْنَ عليَّ بناتكن، ولا أخواتكن))؛ أتي (1) بلفظ الجمع وإن كانتا (2) اثنتين (3) ؛ ردعًا وزجرًا أن يعود (4) له أحدٌ (5) بمثل ذلك. ولذلك (6) يحسنُ من المنكر على المرأة مثلاً (7) المكلِّمة (8) لرجل واحدٍ أن يقول: أتكلمين الرِّجال يا لكعاء؟! =(4/182)=@
ومن باب لا تُحرِّم الْمَصَّةُ ولا الْمَصَّتان
قوله: ((لا تُحرِّم الإملاجة ولا (9) الإملاجتان (10) ))؛ قال أبو عبيد: يعني: الْمَصَّة والْمَصَّتين. والملج: الْمَصّ. يقال: ملج الصبي أمَّه، يملجها -بالجيم (11) - وملح، يملح - بالحاء المهملة -. وأمْلَجَت المرأةُ صبيَّها (12) . والإملاجة: أن تُمِصَّه لبنَهَا مرة واحدة. وأمَّا الرَّضاعة: فقال ابن السكيت وغيره: فيها (13) لغتان؛ كسر الراء وفتحها. وكذلك: الرَّضاع. وقد رضع -بفتح الضاد وكسرها - لغتان (14) . ورضُع - بضم الضاد -: إذا كان لئيمًا، فهو: راضع، وجمعه: رُضَّع. ومنه قول ابن الأكوع (15) : &(4/144)&$
__________
(1) في (ب): ((أي)).
(2) في (أ): ((كانا)).
(3) في (ح): ((اثنين)).
(4) في (ب): ((نعود)).
(5) قوله: ((أحد)) سقط من (ب).
(6) في (ب): ((وكذلك)).
(7) قوله: ((مثلاً)) سقط من (ي).
(8) في (ب): ((الكلمة)).
(9) قوله: ((لا)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(10) قوله: ((الإملاجتان)) غير مقروء في (ح) ويشبه أن يكون ((الإملاقجتان)).
(11) قوله: ((بالجيم)) سقط من (ي).
(12) في (ب): ((صبيتها)).
(13) في (ب) و(ح) و(ي): ((فيه)).
(14) من قوله: ((كسر الراء وفتحها...)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح).
(15) تقدم في الجهاد، باب في غزوة ذي قرد وما تضمنته من الأحكام.(4/144)
فاليوم (1) يوم الرُضَّع
أي: يوم هلاك اللِّئام (2) . =(4/184)=@
قلت: لم يقل أحدٌ فيما علمت بظاهر هذا الحديث إلا داود. فإنَّه قال: أقل ما يُحرِّم (3) ثلاث رضعات، ولا تُحرِّم الرضعة ولا الرضعتان. وهو تمسُّكٌ (4) بدليل الخطاب. وذهب الشافعي: إلى أن أقل ما (5) يقع به التحريم خمس رضعات، أخذًا بحديث عائشة - رضي الله عنها - الآتي. وشذَّت طائفة، فقالت: أقل ما يقع به (6) التحريم عشر رضعات. تمسُّكًا بأنَّه كان فيما أنزل (7) : عشر رضعات. وكأنهم لم يبلغهم الناسخ. وذهب مَنْ عدا هؤلاء من أئمة الفتوى إلى أن الرضعة الواحدة تُحَرِّم إذا تحققت؛ متمسِّكين بأقل ما ينطلق عليه اسم الرَّضاع. ولا شك في صدق الاسم في مثل قوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} (8) ، وفي قوله: ((يحرم من الرَّضاعة ما يحرم من النَّسب)) على القليل، كما صدق على الكثير (9) . وعُضِّدَ هذا بما وُجِد من العمل عليه في المدينة (10) . فقد روى مالك عن عروة، وسعيد بن المسيب، وابن شهاب: أن القطرة الواحدة تُحَرِّم. وقد عُضِّدَ ذلك بقياس (11) الرَّضاع على الصِّهر بعلّة (12) : أنه معنى (13) طارىء يقتضي تأبيد التحريم (14) ، فلا يشترط فيه العدد (15) ، كالصِّهر (16) . أو يقال (17) : مائع يلج الباطن محرمٌ، فلا يشترط فيه العدد كالمني. واعتذر (18) عن (19) تلك الأحاديث بأمور:
أحدها: أنه (20) ليس عليها العمل. قال مالك: ليس العمل على حديث: ((ثم نُسِخْنِ بخمس معلومات (21) )). وهذا إنما يتمشَّى على مذهب من يقول: إن العمل أولى من الخبر. وهو مذهب مالك وأصحابه على تفصيل يعرف في الأصول. =(4/184)=@
وثانيها: أنها أحاديث مضطربة متعارضة (22) ، الأعداد؛ إذ (23) فيها: عشر، وخمس، وثلاث. فوجب تركها، والتمسَّك بالأصل (24) .
وثالثها: أن عائشة رضي الله عنها ذكرت: ((في عشر رضعات، ونسخها &(4/145)&$
__________
(1) في (ك): ((واليوم)).
(2) في (ي): ((اللئيام)).
(3) في (ي): ((تحرم)).
(4) في (ب): يشبه أن تكون ((يمسك)).
(5) في (ب): ((إلى أن الذي)).
(6) في (ح) و(ي): ((عليه)).
(7) في (ب): ((أنزل الله)).
(8) سورة النساء؛ الآية: 23.
(9) في (ب): ((الكبير)).
(10) في (ح): ((بالمدينة)) و(أ) و(ك) و(ي) و(ب).
(11) في (ي): ((القياس)).
(12) في (ب) و(ي): ((فعلقه على الصهر))، وفي (ح): ((فعلقه على)).
(13) قوله: ((معنى)) ليس في (ك)، وفي (ي): ((بمعنى)).
(14) قوله: ((بعلة: إنه معنى طارئ يقتضي تأبيد التحريم)) غير واضح في (ح) و ما يمكن قراءته فيما يقابله فيها: ((فعلقه على... أنه معنى الذي يقتضي حمله على التحريم)).
(15) في (ك): ((عدد)).
(16) قوله: ((كالصهر)) سقط من (ب) و(ح).
(17) في (ب): ((ويقال))، وفي (ي): ((يقع)).
(18) قوله: ((واعتدر)) غير واضح في (ح).
(19) في (ب) صوبت الكلمة إلى: ((عنه))، فجاءت محتملة الوجهين.
(20) في (ب) و(ح) و(ك): ((أنها)).
(21) في (ب): (( ثم نُسخن بمعلومات)).
(22) قوله: ((متعارضة)) ليس في (ح) و(ي) و(ب).
(23) قوله: ((إذ)) سقط من (ب) و(ح) و(ك) و(ي).
(24) قال الحافظ في "الفتح" (9/147):((والثابت من الأحاديث حديث عائشة في الخمس، وأما حديث « لا تحرم الرضعة والرضعتان » فلعله مثال لما دون الخمس، وإلا فالتحريم بالثلاث فما فوقها إنما يؤخذ من الحديث بالمفهوم، وقد عارضه مفهوم الحديث الآخر الْمُخرَّج عند مسلم وهو الخمس، فمفهوم « لا تحرم المصة ولا المصتان »: أن الثلاث تحرم، ومفهوم خمس رضعات: أن الذي دون الأربع لا يحرم، فتعارضا فيرجع إلى الترجيح بين المفهومين، وحديث الخمس جاء من طرق صحيحة، وحديث المصتان جاء أيضًا من طرق صحيحة، لكن قد قال بعضهم: أنه مضطرب؛ لأنه اختلف فيه هل هو عن عائشة، أو عن الزيد، أو عن ابن الزبير، أو عن أم الفضل، لكن لم يقدح الاضطراب عند مسلم، فأخرجه من حديث أم الفضل)).اهـ.(4/145)
خمس)): أن ذلك كان بالقرآن، ولم يتواتر إلينا، فليست (1) بقرآن، ولا رفعته للنبي (2) - صلى الله عليه وسلم - ، فيكون خبرًا من أخبار الآحاد، فلا يصلح التمسُّك (3) به، كما ذكر (4) في ا لأصول (5) .
وغاية مايحمل عليه حديث عائشة (6) : أن ذلك كان كذلك، ثم نُسخ كُلُّ ذلك تلاوةً وحُكمًا، والله تعالى أعلم.
وأمَّا حديث: ((لا تُحَرِّمُ الْمصَّة ولا الْمصَّتان))، فهو أنصُّ ما في الباب، غير أنه يمكن أن يُحمل على ما إذا لم يتحقق وصول اللَّبن (7) إلى جوف (8) الرَّضيع. ويؤيد هذا التأويل قوله: ((عشر رضعات معلومات)) و((خمس معلومات)). فوَصْفُهَا (9) بالمعلومات إنما هو تحرُّز (10) مما يتوهم، أو يشك في وصوله إلى الجوف من الرضعات. ويفيد دليل (11) خطابه: أن الرضعات إذا كانت غير معلومات لم تُحرِّم. وقال بعضهم: لعل هذا حين كان يشترط في التحريم العشر والعدد (12) ، فلما نسخ ارتفع ذلك كلُّه، والله تعالى أعلم. =(4/185)=@ &(4/146)&$
__________
(1) في (ب): ((فليسن)).
(2) في (ب) و(ح) و(ي): ((إلى النبي)).
(3) في (ب) و(ح) و(ي) و(ك): ((للتمسك)). وكتب في هامش (ك): ((يصح التمسك)).
(4) في (ب): ((ذكره)).
(5) أخبار الآحاد حجّة في العقائد والأحكام، وبعض أهل النظر العقلي لا يرى قيام الحجة به في باب الاعتقاد، إلا المتواتر؛ لإفادته القطع واليقين، وما جاء عن طريق الآحاد قاصرٌ عن هذه الإفادة؛ فهو ظنِّي، فلا يُقطع في باب الاعتقاد بالظّنِّي - كما يرى -. وقد قَعَّد الرازي في كتابه "أساس التقديس" قاعدة كليّة في عدم إفادة أخبار الآحاد الحجية في باب الاعتقادات. وقد حلَّ إبرامه، ونقض نظامه شيخ الإسلام ابن تيمية بكتابه الفذ العظيم المعروف بـ"نقض أساس التقديس"، أو بـ"بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية". ولتلميذه ابن القيم فصل طويل عقده في كتابه "الصواعق المرسلة" استوفى فيه الردّعلى شبه منكري حجية أخبار الآحاد، ولاسيما في باب صفات الباري تعالى وتقدس.
(6) في (ب): ((حديث عائشة كما ذكر في الأصول))، ومن قوله: ((كما ذكر في الأصول...)) إلى هنا تكرر في (ح).
(7) في (أ): ((وصوله)).
(8) في (ي): ((الجوف)).
(9) في (ب): ((فوضعها)).
(10) في (ي): يشبه ((محرز)).
(11) في (ي): يشبه أن تكون ((دليل)).
(12) في (ب) و(ح): ((أو العدد)).(4/146)
ومن باب رضاعة الكبير
((سالم)) هذا هو: سالم بن معقل، مولى سلمى بنت يعار الأنصارية، زوجة أبي حذيفة. وقيل (1) : سَهلة بنت سُهيل. وقيل في اسمها غير سَلمى (2) . وكان (3) أبوحذيفة قد تبنَّاه على ما كانت عاداتهم (4) في التبنِّي، وكان قد نشأ في حجر أبي حذيفة وزوجته نشأة الابن، قلمَّا أنزل الله تعالى: {ادعوهم لآبائهم} (5) ، بطل حكم التبنِّي، وبقي سالم على دخوله على سهلة بحكم صغره، إلى أن بَلَغَ مبلغ الرجال، وجدا (6) - أعني: أبا حذيفة وسهلة - في نفوسهما كراهة ذلك، وثَقُلَ عليهما أن يمنعاه الدخول (7) ؛ للإلْف السابق، إلى أن سألا عن ذلك (8) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال لها (9) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((أرضعيه تحرمي عليه، ويذهب ما في نفس أبي حذيفة))، فأَرْضعتْه، فكان ذلك. فرأى سائر (10) أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - خلا عائشة: أن ذلك خاصٌّ بسالم، وأن =(4/186)=@ ذلك لا يتعداه (11) ؛ لِمَا اقترن (12) بذلك (13) من القرائن التي ذكرناها، ولِمَا يعارضه مما يأتي ذِكْرُهُ.
وإلى مذهبهنَّ (14) في ذلك صار جمهور السَّلف والخلف من الفقهاء وغيرهم. وحملوا الحديث على الخصوص. ورأوا: أن رضاعة الكبير للأجنبية لا يجوز (15) ، وإن &(4/147)&$
__________
(1) في (أ): ((قبل)) وبلا واو.
(2) في (ب) و(ح): ((سليمى)).
(3) في (ي): ((كانت)).
(4) في (ب) و(ح) و(ي): ((عادتهم)).
(5) سورة الأحزاب؛ الآية: 5.
(6) في (ح): ((وجد)).
(7) قوله: ((الدخول)) سقط من (ك).
(8) قوله: ((عن ذلك)) سقط من (ك).
(9) في (ي): ((لهما)).
(10) قوله: ((سائر)) سقط من (ب)، ليس في (ح).
(11) في (ب): ((يتعد له)).
(12) في (ب): ((افترن)).
(13) في (ب) و(ح): ((به)).
(14) في (ب) تشبه: ((مذهببن)).
(15) في (ح): مهملة.(4/147)
وقعت لم يلزم بها حكم، لا في النكاح، ولا في الحجاب، ما خلا داود فإنه قال: يرفع (1) تحريم الحجاب لا غير؛ تمسُّكًا بحديث سالم.
قال ابن الموَّاز: لو أخذ بهذا (2) في الحجابة لم أعِبْه (3) ، وتركه أحبُّ إليَّ، وما علمت مَنْ (4) أخذ به عامًّا إلا عائشة (5) .
قال الباجي: قد انعقد الإجماع على خلاف التحريم برضاعة الكبير. قال أبو الفضل عياض (6) : لأن الخلاف إنما كان أوَّلا ثم انقطع.
قلت: وفيما ذكره ابن الْمَوَّاز عن عائشة رضي الله عنها: أنها ترى رضاعة الكبير تحريِمًا عامًّا (7) نظر؛ فان نصَّ حديث "الموطأ" عنها: أنها (8) إنما (9) كانت تأخذ بذلك في الحجاب خاصَّة (10) . فتأمل ما في "الموطأ" من حديث سالم هذا، فإن مالكًا - رضي الله عنه - ساقه أكمل مساق وأحسنه، ذكر (11) فيه جملة من القرائن الدالة على خصوصية سالم بذلك. =(4/187)=@ وقد اعتضد للجمهور على الخصوصية بأمور:
أحدها: أن ذلك مخالف للقواعد؛ منها: قاعدة (12) الرَّضاع؛ فان الله تعالى قد قال: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد ان يتم الرضاعة} (13) ، فهذه أقصى مدَّة الرضاع المحتاج إليه عادة، المعتبر شرعًا، فما زاد عليه بمدَّة مؤثرةٍ غير محتاج إليه عادةً، فلا يعتبر (14) شرعًا؛ لأنه نادر، والنادر (15) لا يحكم (16) له (17) بحكم المعتاد.
ومنها: قاعدة تحريم الاطلاع على العورة؛ فإنه لا يختلف في أن ثدي الحرَّة &(4/148)&$
__________
(1) في (ي): ((ترفع)).
(2) في (ب): ((بها)) بدل ((بهذا)).
(3) في (ب): ((أعيه)).
(4) قوله: ((مَنْ)) سقط من (ك).
(5) في (ب): ((من أخذ به فأما عائشة)).
(6) قوله: ((عياض)) سقط من (أ).
(7) في (ب): ((عا)).
(8) قوله: ((أنها)) سقط من (أ) و(ي).
(9) قوله: ((إنما)) مكرر في (ي).
(10) "الموطأ" (2/605-606 رقم12) كتاب الرضاع، باب: ما جاء في الرضاعة بعد الكبر.
(11) في (ك): ((وذكر)).
(12) في (ب): ((قاعد)).
(13) سورة البقرة؛ الآية: 233.
(14) في (ب) و(ي): ((تعتبر)). [تراجع في (ح) ل197/أ].
(15) في (ب): ((والنار)).
(16) في (ح): ((لا حكم)).
(17) في ((عليه)) بدل ((له)).(4/148)
عورة، وأنَّه لا يجوز الاطلاع عليه، لا يقال: يمكن أن يرتضع (1) ولا يطلع؛ لأنَّا نقول: نفس التقام حَلَمَةَ (2) الثدي بالفم اطّلاع، فلا يجوز.
ومنها: أنه مخالف لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((إنما الرَّضاعة من الْمَجَاعة)). وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - تقعيد قاعدة كلية؛ تُصرِّح (3) بأن الرَّضاعة المعتبرة في التحريم؛ إنما هي في الزمان الذي تغني (4) فيه عن الطعام، وذلك إنما يكون في الحولين وما قاربهما. وهو الأيام اليسيرة بعد الحولين عند مالك. وقد اضطرب أصحابه في تحديدها. فالمكثر يقول: الشهر. وكان مالكٌ (5) رحمه الله يشير: إلى أنه لا يفطم الصبي دفعة (6) واحدة، في يوم =(4/188)=@ واحد، بل في أيام وعلى تدريج. فتلك الأيام التي يحاول فيها فطامه (7) خُكْمها (8) حكم الحولين (9) ؛ لقضاء العادة بمعاودة (10) الرَّضاع فيها.
وقد أطلق بعض الأئمة على حديث سالم: أنَّه منسوخ. وأظنُّه سُمِّى التخصيص نسخًا، وإلا فحقيقة النسخ لم تحصل (11) هنا؛ على ما يعرف في الأصول.
وقوله:((أرضعيه يذهب ما في نفس أبي حذيفة))؛ يعني: أنه إذا علم أبو حذيفة أنَّه قد حكم له بحكم ذوي (12) المحارم، وقد رفع عنه ما كان يخافه من الحرج والتأثيم (13) : لم يبق له كراهة، ولا نفرة تغيِّر (14) وجْهَه. وكذلك كان. =(4/189)=@ &(4/149)&$
__________
(1) في(ك) و(ي) و(ب): ((يرضع))، وفي (ح): ((ترضع)).
(2) في (ب): ((حملة)).
(3) في (ب): ((تصرخ)).
(4) في (ك): نقط الحرف الأول منها من أعلى ومن أسفل وفي (ب): ((يغني)).
(5) في (ك): ((مالكًا)).
(6) في (ب) و(ح): ((في دفعة)) و(ك) و(ي).
(7) في (ب): ((وفطامه)).
(8) في (ب): ((حكمتها)).
(9) في (ك): ((القولين)).
(10) في (ب): ((لقضادة بمعاودة)).
(11) في (ح): ((يحصل)).
(12) قوله: ((ذوي)) سقط من (ب) و(ح).
(13) في (ب) و(ح): ((والتأثم)).
(14) في (ي): ((يغير)).(4/149)
ومن باب إنما الرَّضاعة من الْمَجَاعة (1)
وغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى في بيته من لايعرفه: هو (2) تأديب منه لها. وقد كان ? أخذ على النساء: ألا يوطئن فرشهن أحدًا يكرهه الزوج (3) . ولذلك بادرت بالعذر، فقالت: ((إنه أخي من الرَّضاعة)) (4) .
وقوله: ((انظرن أخوتكن (5) من الرَّضاعة))؛ يعني: تحققن (6) صحة الرَّضاعة، ووقتها؛ فإنها إنما تنشر (7) الحرمة إذا وقعت على شروطها (8) ، وفي وقتها، كما ذكرناه آنفًا.
وقوله: ((إنما الرَّضاعة عن الْمَجاعة))؛ إنما: للحصر، فكأنه قال: لا رضاعة معتبرة إلا الْمُغْنِية (9) عن الْمَجَاعة، أو (10) المطعمة من الْمَجَاعة، كما قال =(4/190)=@ تعالى: {أطعمهم من جوع} (11) ، فـ((عن)) أو((من)) على اختلاف الروايتين متعلَّق بمحذوف، تقديره ما ذكرناه. &(4/150)&$
__________
(1) قوله: ((ومن باب إنما الرضاعة من المجاعة)) ليس في (أ) و(ح) و(ك) و(ب) و(ي).
(2) في (ب) و(ح): ((وهو)).
(3) تقدم في الحج، باب في حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
(4) زاد بعدها في (ي): ((يعني)).
(5) في (ب): ((أخواتكن))، وفي (ك) و(ي): ((إخوانكن))، وكانت في (أ) أخواتكن ثم صوبت إما: ((إخوتكن)) أو((إخوانكن))، والمثبت من "التلخيص" و"صحيح مسلم". [أشير لها بسهم وكتب: كذا في (ح) حسب الفرق أدناه. ولعلها الصواب].
(6) في (ب): يشبه ((تحقق)).
(7) في (ك): ((تنتشر)).
(8) في (ب) و(ح): ((شرطها)) و(ك) و(ي).
(9) في (ب): (المعيتة)).
(10) في (ب) و(ح) و(ي): ((و)). بدل ((أو)).
(11) سورة قريش؛ الآية: 4.(4/150)
ومن باب قوله تعالى :
{ والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم (1) } (2)
((المحصنة)) اسم مفعول، من: أحصنت. وأصل الإحصان: المنع؛ ومنه الِحْصن الذي (3) يُمْتَنَع فيه. والفرس حِصان؛ لأنه يتحصن عليه. ويقال: محصنة على ذات الزوج؛ لأن الزوج قد منعها من غيره، وعلى العفيفة؛ لأنها قد منعت نفسها من الفواحش. ويقال على الحرة؛ لأن الحرية تمنعها مما يتعاطاه العبيد. وقد جاءت الأوجه الثلاثة في القرآن. والمراد به في هذه الآية: ذوات الأزواج؛ أي: هنَّ (4) ممن حرم (5) عليكم. ثم استثنى بقوله تعالى: {إلا ما ملكت أيمانكم}، وهذه الآية اختلف الناس في سبب نزولها. وحديث أبي سعيد هذا أصحُّ ما نقل في ذلك. وبه يرتفع الخلاف. فإنه نصَّ فيه: على أنها نزلت لسبب (6) تحرُّج أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن (7) إتيان المسبيَّات ذوات الأزواج (8) ، فأنزل الله تعالى في جوابهم (9) : {إلا ما ملكت أيمانكم}، فالمسبيات ذوات الأزواج داخلات في عموم (10) {إلا ما ملكت أيمانكم} (11) ، فالسَّبْي (12) فَسْخٌ لنكاحهنَّ بلا شك. وهل هو فسخ =(4/191)=@ بطلاق، أو بغير طلاق؟ للأول ذهب (13) الحسن البصري. ثم هل يقصر التحريم عليهن -أعني المسبيَّات لأنهن السبب -، أو يُحمل اللفظ على عمومه؟ قولان لأهل العلم. وعن هذا نشأ الخلاف في بيع الأَمَة ذات الزوج، وهبتها، وميراثها، وعتقها. فقال الحسن: إن ذلك كلّه طلاق لها من زوجها.
وروي عن عمر في قوله: {إلا ما ملكت أيمانكم}: بملك نكاح، أو يمين، أو &(4/151)&$
__________
(1) قوله: ((إلا ما ملكت أيمانكم)) ليس في (أ) و(ح) و(ك) و(ي) و(ب).
(2) سورة النساء؛ الآية: 24.
(3) في (ح): ((التي)).
(4) قوله: ((هن)) سقط من (ب) و(ح).
(5) في (ي) و(ب) و(ح): ((حرمن)). وكأنه ضرب على النون في (ح).
(6) في (ب) و(ح) و(ي): ((بسبب)).
(7) في (ب) و(ح) و(ي): ((من)).
(8) قوله: ((ذوات الأزواج)) سقط من (ي).
(9) في (ك): ((جوابهن)).
(10) في (ب) و(ح) و(ي): ((العموم)).
(11) من قوله: ((فالمسبيات... إلى هنا)) سقط من (ك).
(12) في (ب) و(ح) و(ي): ((والسبي)).
(13) في (ك): ((ذهب للأول)).(4/151)
غلبة (1) . وذهب مالك، وجمهور الفقهاء (2) : إلى أنه ليس شيء من ذلك فسخًا ولا طلاقًا؛ بدليل حديث (3) بريرة (4) : أنها لما اعُتقِتْ خُيِّرت. فلو كان عتقها طلاقًا لما صحَّ خيارها، فإنَّه (5) كان يقع (6) بنفس العتق. وهو يدلّ على أن الآية مقصورة على سببها. فإذا تقرَّر: أن السَّبِي فسخٌ، فالمشهور من مذهبنا: أنه لا فرق بين أن يُسبى (7) الزوجان (8) مجتمعين أو مفترقين. وروى ابن بكير عن مالك: أنهما إن (9) سُبيا جميعًا (10) ، واستبقي الرَّجل، أقرَّا على نكاحهما. فرأى في هذه الرواية: أن استبقاءه إبقاء لما يملكه؛ لأنه قد صار له عهد، وزوجته من جملة ما يملكه، فلا يحال بينها وبينه.
والصحيح الأول للتمسُّك بظاهر الآية كما تقدّم، ولأنها قد مُلِكَتْ رقبتُها بالسباء، فتُمْلَكُ (11) جميع منافعها، ولا ينتقض (12) ذلك بالبيع، ولا بغيره من الوجوه التي تنقل الملك المذكورة (13) فيما (14) تقدَّم، لأنها خروج من مالك مِلْكًا مُحقَّقًا، والكافر لا يملك ملكًا محضًا، فانفصلا (15) .
وقوله: ((في سبي أوطاس (16) )) قد قدَّمنا أن غزوة أوطاس هي غزوة حنين. وقول (17) مَنْ قال: إن ذلك كان في خيبر وَهْمٌ. =(4/192)=@
وقوله (18) : ((تحرَّجوا من غِشيانهن))؛ أي: خافوا الحرج، وهو: الإثم هنا. وفي "الأم" في إحدى الروايات: ((تحوَّبوا (19) ))؛ أي: خافوا الحوب (20) . وهو (21) الإثم أيضًا. و((غشيانهن))؛ أي: وطؤهن (22) .
وقوله (23) : ((من أجل أزواجهن))؛ أي: ظنُّوا أنَّ نكاح أزواجهن لم تنقطع عصمته. وفي هذا ما يدلُّ على وجوب (24) توقف الإنسان، وبحثه، وسؤاله عمَّا لا &(4/152)&$
__________
(1) من قوله: ((وروي عن عمر...)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ك) و(ي).
(2) في (ب) و(ح) و(ي): ((العلماء)).
(3) في (ب): ((لحديث))، وفي (ح): ((لحديث حديث)).
(4) سيأتي في العتق، باب كان في بريرة ثلاث سنن.
(5) في (ي): ((لأنه)).
(6) قوله: ((يقع)) ليس في (ب).
(7) في (ب): ((يسبى)) نقط الحرف الأول من فوق ومن تحت.
(8) في (ب): ((الرجال))، وزاد بخط مغاير: ((والنساء)). وفي (ح): ((الرجال ن)).
(9) في (ي): ((إذا)) بدل ((إن)).
(10) في (ي): ((مجتمعين)).
(11) في (ب) و(ي): ((فيملك)).
(12) في (ب): ((ينتقص)).
(13) في (ي): ((المذكور)).
(14) في (ك): ((على ما)).
(15) في (ك): ((فافترقا)).
(16) في (ب): ((أوطاوس)).
(17) من قوله: ((في سبي أوطاس...)) إلى هنا سقط من (ي).
(18) قوله: ((وقوله)) بيا ض في (ب).
(19) في (ب) و(ح) و(ي): ((تخوفوا)).
(20) في (ب) و(ح) و(ي): ((الخوف)). وفي (أ): ((الجواب)).
(21) كتب في (ي): ((وهم)) وكأنه أصلحها إلى ((وهو)). وتراجع
(22) في (ي): ((وطيهن)).
(23) قوله: ((وقوله)) بياض في (ب).
(24) قوله: ((وجوب)) سقط من (أ).(4/152)
يتحقق (1) وجهه، ولا حكمه. وهو دأب من يخاف الله تعالى. ولا يختلف في أن ما لا يتبين حكمه لا يجوز الأقدام عليه.
وقوله: ((فهنّ لكم حلال (2) إذا انقضت عدتهن))؛ يعني (3) بالعدَّة: الاستبراء من ماء الزوج الكافر، وذلك يكون بحيضة واحدة، فإن نكاح الكافر فاسد عندنا بحكم =(4/193)=@ الأصالة على المشهور. وهو الصحيح لِعُرُّوِّ أنكحتهم عن الشروط الشرعية.
وقد تقدَّم من حكاية الحسن: أن الصحابة – رضي الله عنهم - كانوا يستبرئون (4) المسبيَّة بحيضة. وأمَّا على قول من يرى أن أنكحتهم صحيحة - وهو الشافعي، وأبو حنيفة - فتعتد (5) ّ عدَّةً كاملةً؛ لأنها قد انفسخ عنها نكاح صحيح كان (6) ، لولا أن عارض السَّبِي قَطَعَه، وهي أولى بذلك على مذهب الحسن الذي يقول: إن نكاحها ينفسخ بطلاق، فتكون (7) مطلّقة من زوج في نكاح صحيح، وتعتدّ عدَّة كاملة. وهل تعتد على مذاهب (8) هؤلاء عدَّة الأَمَة، أو عدَّة الحرَّة؛ فيه نظر على أصولهم.
ومن باب الولد للفراش
قوله: ((اختصم سعد بن أبي وقاص، وعبد بن زمعة في غلام))؛ سببُ هذا الاختصام: أنهم كانوا يساعون (9) الإماء في الجاهلية، ويستأجرونهن للوطء، ويُلحقون النسب بالزنا (10) ، فمن (11) ألحقته المزنيُّ بها: التحق به، ومن ألحقه بنفسه من الزناة (12) بها: التحق به إذا لم ينازعه غيره. فكان عتبة بن أبي وقاص قد وقع بأَمَةِ زمعة؛ فحملت فولدت غلامًا (13) ، فلمَّا حضرت وفاةُ عتبة عَهِدَ لأخيه سعدٍ بأن يأخذه إليه، لأنه ابنه، ثم مات عتبة على شركه، فحينئذٍ تخاصم سعد مع عبد بن زمعة في ذلك &(4/153)&$
__________
(1) في (ك): ((عما يتحقق)).
(2) في (ب) و(ح) و(ي) و(ك): ((حلال لكم)).
(3) في (ي): ((نعني)).
(4) في (ب): ((يسترون)).
(5) في (ب): ((يعتقد)).
(6) قوله: ((كان)) سقط من (ك).
(7) في (ب): ((فيكون)).
(8) في (ب) و(ح) و(ي): ((مذهب)).
(9) في (ب) و(ح) و(ي): ((يبتاعون)). والظاهر أن المثبت هوالأصوب . قال ابن الأثير في "النهاية" (2/369): ((المساعاة: الزنا . وكان الأصمعي يجعلها في الإماء دون الحرائر؛ لأنهن كن يسعين لمواليهن فيكسبن لهم بضرائب كانت عليهن . يقال: تساعت الأمةُ، إذا فجرت . وساعاها فلان: إذا فجر بها، وهومفاعلة من السعي، كأن كل واحدٍ منهما يسعى لصاحبه في حصول غرضه)). وفي (ك): ((يتنازعون)).
(10) في (ب) و(ح) و(ي): ((في الزنا)).
(11) في (أ) و(ي): ((فيمن)).
(12) في (ب) تشبه أن تكون: ((الزبات)).
(13) في هامش (أ) ما نصّه: ((اسم الغلام - ابن وليدة زمعة -: عبدالرحمن، وأُمُّهُ - أمَة زمعة - يمانية. وله صحبة)). وانظر "الإصابة"(7/215 رقم6206)، و"فتح الباري" (12/32).(4/153)
الغلام، فاحتجّ سعد باستلحاق أخيه عتبة له على عاداتهم في الاستلحاق بالزنا. وتمسَّك عبدٌ بفراش أبيه، وكأنَّ عبدًا كان قد سمع: أن الشرع يُلْحق بالفراش. وإلاَّ فلم (1) تكن عادتهم الإلحاق به (2) . فقضى (3) النبي - صلى الله عليه وسلم - بالولد لصاحب الفراش، وقطع الإلحاق بالزنا بقوله (4) : ((وللعاهر الحجر)). =(4/194)=@
وقول عبد (5) بن زمعة في الغلام: ((أخي، وابن وليدة (6) أبي))؛ تمسَّك به الشافعي: على أن الأخ يستلحق، ومنعه مالك وقال: لا يستلحق (7) إلا الأب خاصَّة؛ لأنه لا (8) يتنزل (9) غيره في تحقيق الإصابة منزلته. وقد اعتذر لمالك عن ذلك الظاهر بوجهين:
أحدهما: أن الحديث ليس نصًّا في أنه ألحقه (10) به بمجرد (11) نسبة الأخوة، فلعل النبي - صلى الله عليه وسلم - علم وطء زمعة بتلك (12) الأمة (13) بطريق اعتمدها، من اعترافٍ، أوغيره (14) ، فحكم (15) بذلك، لا باستلحاق الأخ.
والثاني: أن حكمه به له (16) لم يكن لمجرد (17) الاستلحاق، بل بالفراش. ألا ترى قوله: ((الولد للفراش))؟ وهذا تقعيد قاعدة، فإنه لَمَّا انقطع إلحاق هذا الولد بالزاني، لم يَبق إلا أن يلحق بصاحب الفراش؛ إذ قد دار الأمر بينهما. وهذا أحسن الوجهين.
وهذا الحديث حجة على أبي حنيفة، حيث يقول: إن الولد لا يلحق إلا (18) إذا تقدَّمه ولد سابق، على ما حكاه عنه (19) الإمام أبوعبدالله المازري (20) .
وقوله: ((فرأى شبهًا بيِّنًا بعتبة (21) ، وقال: ((هولك يا عبد))؛ يدلُّ على أن الشبه لا يعمل عليه في الإلحاق عند وجود ما هوأقوى منه، فإنَّه ألغاه هنا، وحكم بالالحاق لأجل الفراش، كما ألغاه في حديث اللعان لأجل اللعان (22) . وأمَّا في حديث القافة (23) : فليس له هناك معارض هوأقوى منه، فأُعْمِل (24) .
وقوله: ((هولك يا عَبْدُ))، هكذا الرواية بإثبات (25) ((يا)) النداء و((عبد)) منادى =(4/195)=@ مفرد، يريد بذلك (26) : عبد بن زمعة، ولا شك في هذا. وقد وقع لبعض الحنفية: ((عبْدُ)) (27) بغير ((يا)) (28) ، فنوَّنه (29) . وفرَّ بذلك عمَّا لزمهم من إلحاق الولد من غير اشتراط ولد متقدم.
وقالوا: إنما ملَّكَه إياه؛ لأنه ابن أَمَةِ أبيه، لا أنَّه ألحقه بأبيه. وهذه غفلةٌ عن الرواية واللسان. أمَّا الرواية: فقد ذكرناها. وأمَّا اللسان: فلوسلَّمنا أن &(4/154)&$
__________
(1) في (ب): ((ولا فكم)).
(2) تعقب الحافظ في "الفتح"(12/36) كلام القرطبي هذا فقال - بعد أن ساقه-: ((كذا قاله! وما أدرى من أين له هذا الجزم بالنفي وكأنه بناه على ما قال الخطابي أمة زمعة كانت من البغايا اللاتي عليهن من الضرائب، فكان الإلحاق مختصًّا باستلحاقها على ما ذكر، أوبالحاق القائف على ما في حديث عائشة، لكن لم يذكر الخطابي مستندًا لذلك، والذي يظهر من سياق القصة ما قدمته أنها كانت أمة مستفرشة لزمعة، فاتفق أن عتبة زنى بها كما تقدم، وكانت طريقة الجاهلية في مثل ذلك: أن السيد إن استلحقه لحقة، وإن نفاه انتفى عنه، وإذا ادعاه غيره كان مرد ذلك إلى السيد أوالقافة، وقد وقع في حديث ابن الزبير الذي أسوقه بعد هذا ما يؤيد ما قلته)).
وحديث ابن الزبير هذا عزاه ابن حجر رحمه الله إلى النسائي، وحسَّن إسناده، واللفظ - كما ساقه -: ((كانت لزمعة جارية يطؤها، وكان يظن بآخر أنه يقع عليها، فجاءت بولد يشبه الذي كان يظن به، فمات زمعة، فذكرت ذلك سودة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: ((الولد للفراش، واحتجبي منه يا سودة، فليس لك بأخ)). ثم قال الحافظ: سنده رجال الصحيح، إلا شيخ مجاهد، وهويوسف مولى آل الزبير . وقد طعن البيهقي في سنده، فقال فيه جرير، وقد نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ، وفيه يوسف، وهومعروف، وعلى تقدير ثبوته فلا يعارض حديث عائشة المتفق على صحته . وتعقب بأن جريرًا هذا لم ينسب إلى سوء حفظ، وكأنه اشتبه عليه بجرير بن حازم، وبأن الجمع بينهما ممكن، بلا ترجيح، وبأن يوسف معروف في موالي آل الزبير، وعلى هذا فيتعين تأويله، وإذا ثبتت هذه الزيادة، تعيّن تأويل نفي الأخوة عن سودة، على نحوما تقدَّم من أمرها بالاحتجاب منه ...)).
"فتح الباري" (12/37). وانظر التعليق على هذا الحديث في "مسند أبي يعلى" (12/187- 189).
(3) في (ب) و(ح): ((وقضى)).
(4) في (ي): ((لقوله)).
(5) في (ي): ((عبيد)).
(6) في (ب): ((وليد)).
(7) في (ي): ((لا يستلحقه)).
(8) قوله: ((لا)) سقط من (ب).
(9) في (ب): ((ينزل)).
(10) في (ي): ((الحجفه)).
(11) في (ب): ((ألحقه به من بمجرد)).
(12) في (ب) و(ي) و(ح): ((تلك)).
(13) في (ك): ((تلك الوليدة)).
(14) قوله: ((أوغيره)) سقط من (ب).
(15) في (ب): ((يحكم)).
(16) قوله: ((له)) سقط من (ب) و(ح) و(ك) و(ي).
(17) في (ب) و(ح): ((بمجرد)).
(18) قوله: ((إلا)) سقط من (ب) و(ح).
(19) قوله: ((عنه)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(20) في (ب): ((المارزي)).
(21) في (ب): ((ببنا بعثه)).
(22) سيأتي في الطلاق، باب ما يتبع اللعان إذا كمل من الأحكام .
(23) في (ك): ((القاقة)).
(24) في (ب) و(ح): ((فأعملا)).
(25) في (ب): ((ياثبات)).
(26) في (ح) و(ب) و(ي) و(ك): ((به)) بدل ((بذلك)).
(27) في (ي): ((عند)) بدل ((عبد)).
(28) في (ك): ((باء)).
(29) في (ب): ((فتونه)).(4/154)
الرواية بغير ((يا)) فالمخاطب عبد بن زمعة، وهوبلا شك: منادى، إلا أن العرب (1) تحذف حرف النداء من الأسماء الأعلام؛ كما قال تعالى: {يوسف اعرض عن هذا} (2) ، وهوكثير. و((عبد)) هنا: اسم علمٌ يجوز حذفُ حرف النداء منه .
وقوله (3) : ((الولد للفراش))؛ الفراش (4) هنا: كناية عن الموطوءة؛ لأن الواطئ (5) يستفرشها؛ أي: يُصَيِّرها كالفراش. ويعني به: أن الولد لاحِقٌ بالواطئ. قال الإمام: وأصحاب أبي حنيفة يحملونه على أن المراد به صاحب الفراش، ولذلك (6) لم يشترطوا إمكان الوطء في الحرَّة. واحتجُّوا (7) بقول جرير:
باتت تعانقه وبات (8) فراشها ... خلق العباءة (9) في الدماء قتيلاً (10)
يعني (11) : زوجها، والأول (12) أولى: لما ذكرناه من الاشتقاق، ولأن (13) ما قدَّره من حذف المضاف (14) ليس في الكلام ما يدلُّ عليه، ولا ما يحُوج إليه. وعلى ما أصَّلناه فقد أخذ بعموم قوله: ((الولد للفراش)) الشعبيُّ، ومن قال بقوله. فقال: الولد لا ينتفي عمَّن له الفراش لا (15) بلعان، ولا غيره. وهوشذوذ، وقد حكي عن (16) بعض أهل المدينة، ولا حجة لهم في ذلك العموم لوجهين:
أحدهما: أنه خرج على سبب ولد الأمة، فيُقصر على سببه.
وثانيهما (17) : أن الشرع قد قعَّد قاعدة اللّعان في حقّ الأزواج، وأن الولد ينتفي =(4/196)=@ بالتعانهما، فيكون ذلك العموم المظنون مخصَّصًا (18) بهذه القاعدة المقطوع بها. ولا يختلف في مثل هذا الأصل.
وقوله: ((وللعاهر الحجر))؛ العاهر: الزاني. وهواسم فاعل من: عَهَرَ الرَّجلُ المرأة، يعْهَرُهَا: إذا أتاها للفجور. وقد عيهرت (19) هي، وتعيهرت؛ إذا زنت. والعهر: الزنا.
واختلف في معنى: ((للعاهر الحجر)). فمنهم من قال: عنى به الرَّجم للزاني المحصن. ومنهم من قال: يعني به: الخيبة (20) ؛ أي: لا حظَّ له في الولد؛ لأن العرب تجعل هذا مثلاً. كما يقولون: امتلأت (21) يده ترابًا؛ أي: خيبة.
قلت: وكان هذا هوالأشبه بمساق الحديث، وبسببه. وهي حاصلة؛ أي: &(4/155)&$
__________
(1) في (ب): ((العرف)).
(2) سورة يوسف؛ الآية: 29.
(3) في (ك): ((قوله)) بلا واو.
(4) قوله: ((الفراش)) سقط من (ب).
(5) في (ب): ((الوطئ)).
(6) في (ب): ((وكذلك)).
(7) قوله: ((الحرة واحتجوا)) مطموس في (ح).
(8) في (أ): ((بان)).
(9) في (أ): ((العباء)).
(10) في (ح): ((تشبه أن تكون قبيلا)).
(11) في (ح): ((تعني)).
(12) في (ي): ((فالأول)).
(13) في (أ): ((لأن)).
(14) قوله: ((المضاف ليس )) تكرر في (ب).
(15) في (ي): ((إلا)).
(16) قوله: ((عن)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(17) في (ب): ((وثاثبهما)).
(18) في (ي): ((مخصوصًا)).
(19) في (ب) و(ح): ((عهرت))، كذا فيهما . والصواب المثبت؛ لأن العين بعد الهاء لا تأتلف إلا بفصلٍ لازم . انظر كتاب "العين" (1/150).
(20) في (ي): ((به في الخيبة)).
(21) في (أ): ((أملأ)). وفي (ب): ((امتلأ)).(4/155)
الخيبة لكل الزناة. فيكون اللفظ محمولاً على عمومه. وهوالأصل. ويؤخذ دليل الرَّجم من موضع آخر. وحمله على الزاني المحصن تخصيص اللفظ من غير حاجة ولا دليل .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - لسودة (1) : ((احتجبي منه))؛ يُستَدلُّ به على إعطاء (2) الشوائب المختلفة أحكامها المختلفة؛ فإنه ألحق الولد بصاحب الفراش (3) ، وأمر سودة بالاحتجاب من الغلام الملحق، وإن كان أخاها شرعًا للشَّبَه. وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - من باب الاحتياط، وتوقَّي الشُّبهات. ويحتمل أن يكون (4) ذلك لتغليظ أمر الحجاب في حق سودة؛ لأنها =(4/197)=@ من زوجاته رضي الله (5) عنهنّ. وقد غلّظ ذلك في حقهنَّ، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - لحفصة وعائشة – رضي الله عنهما - في حق ابن أم مكتوم: ((أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه ؟!)) (6) . وقال لفاطمة بنت قيس: ((انتقلي إلى بيت ابن أمِّ مكتوم (7) ، تضعين ثيابك عنده)) (8) ، فأباح لها ما منعه لأزواجه.
وفيه ما يدلُّ على أن وطء الزنا يُوجب الحرمة. وهومذهب أهل الرأي، والثورى، والأوزاعي، وأحمد، وهوأحد (9) قولي مالك، وروي (10) عنه في "الموطأ": أنه لا يُحرِّم، وهوقول الشافعي، وأبي ثور. وهوالصحيح؛ لأن (11) وطء الزنا لا حرمة له اتفاقًا، فلا تكون (12) له محرمية. وتفصيله في الخلاف. وعلى القول بأنَّه لا يحرّم ؟ يكون الأمر لسودة بالاحتجاب من الملحق واجبًا . &(4/156)&$
__________
(1) في (ب): ((لسوادة)) وكأنه ضرب على الألف.
(2) قوله: ((إعطاء)) سقط من (ب).
(3) في (ب): ((القراش)).
(4) قوله: ((أن يكون)) تكرر في (ب).
(5) في (ي): ((من زوجاته ?)).
(6) أخرجه أحمد (6/296)، وأبوداود (4/361-362 رقم4112) في اللباس، باب في قوله عزَّ وجلَّ : {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن}، والترمذي (5/94 رقم2778) في الأدب، باب ما جاء في احتجاب النساء من الرجال والنسائي في "الكبرى" (5/393- 394 رقم9241، 9242)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/265 – 266 رقم288- 289)، وابن حبان (12/387-390 رقم5575و5576/ الإحسان)، والبيهقي (7/91-92) من طريق أبي داود .
جميعهم من طريق الزهري، عن نبهان مولى أم سلمة، عن أم سلمة، قالت: كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((احتجبا منه))، فقلنا: يا رسول الله! أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((أفعمياوان أنتما ؟ ألستما تبصرانه؟))
قال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح)). وقال النسائي: ((ما نعلم أحدًا روى عن نبهان غير الزهري)).اهـ.
ونبهان روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في "الثقات".
وقال ابن حزم في "المحلى" (11/5): ((لا يوثق)). وفي "الكاشف" (2/316 رقم5795) ثقة . وفي "التقريب" (7142): ((مقبول)).
وحديث فاطمة بنت قيس: ((اعتدي عند ابن مكتوم)).
وحديث عائشة في النظر إلى الحبشة، أصح من حديث نبهان، وضعف الألباني حديث: ((أفعمياوان أنتما)) في الإرواء" (6/210-211 رقم1806).
(7) في (أ): ((مكتوب)).
(8) سيأتي هذا الحديث في كتاب الطلاق، باب فيمن قال: إن المطلقة البائن لا نفقة لها .
(9) قوله: ((أحد)) سقط من (ب).
(10) في (ب) و(ح): ((روي)) بلا واو.
(11) في (ب): ((أن))، وفي (ي): ((لا وطء)).
(12) في (أ): ((يكون)).(4/156)
ومن باب قبول قول القافة في الولد
قول عائشة رضي الله عنها: ((دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسرورًا (1) تبرقُ (2) أسارير وجهه))، وفي رواية: ((أسارير (3) جبهته))، وهي: الطرائق (4) الرقيقة (5) ، والتكسُّر (6) اليسير الذى يكون في الجبهة، والوجه (7) ، والغضون (8) أكثر من ذلك. وواحد الأسارير: أسرار (9) ، وواحدها: سِرٌّ وسَرَرٌ. فأسارير: جَمْعُ الجمع. ويجمع (10) في =(4/198)=@ القلة أيضًا: أسرّة.
وهذا عبارة عن انطلاق وجهه، وظهور السرور عليه، ويُعَبِّر عن خلاف ذلك بالمقطب (11) ؛ أي: المجتمع (12) . فكأنَّ الحزن والغضب جَمَعَهُ وقبضَه.
و((مُجَزِّز))- بفتح الجيم، وكسر الزاي الأولى - هوالمعروف عند الحفَّاظ. وكان ابن جريج يقول: مجزَّز - بفتح الزاي -. وقيل عنه أيضًا: مُحْرِز - بحاء مهملة ساكنة (13) ، وراء مكسورة -. والصَّواب الأول. فإنه روي أنه إنما سُمِّي مُجَزِّزًا (14) ؛ لأنه كان إذا أخذ أسيرًا جَزَّ ناصيته. وقيل: حلق لحيتَه. قاله الزُّبيدي (15) . وكان من بني مُدلج، وكانت القِيافة (16) فيهم، وفي بني أسد (17) .
قال الإمام أبوعبدالله: كانت الجاهلية تقدح في نسب أسامة، لكونه أسود شديد السَّواد، وكان زيدٌ أبوه أبيض من القطن. هكذا ذكره أبوداود عن أحمد بن صالح.
قال القاضي: وقال غير أحمد: كان زيدٌ أزهر اللون، وكان أسامةُ شديد الأُدْمة (18) . وزيد بن حارثة عربيٌّ (19) صريحٌ من كلب، أصابه سِبَاءٌ، فاشتراه حكيم &(4/157)&$
__________
(1) في (ب): ((مسرور)).
(2) في (ب): ((يبرق)).
(3) في (ي): ((أساير)).
(4) قوله: ((الطرائق)) لم يتضح في (ي).
(5) في (ب) و(ح) و(ي): ((الدقيقة)).
(6) في (ب): ((والتكسير)).
(7) قوله: ((والوجه)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(8) تراجع في (ح) ل199/ب.
(9) في (أ): ((أسرارار)).
(10) قوله: ((ويجمع)) سقط من (ب).
(11) في (ب) و(ح): ((خلاف المقطب)).
(12) في (ك): ((بالتقطب أي التجمع)).
(13) قوله: ((ساكنة)) سقط من (ب).
(14) في (ح): ((مجزرًا))، وفي (ي): ((مجرزًا)).
(15) في (ب) و(أ) و(ي) و(ح): ((الزبيدي)).
(16) في (ب) و(ح) و(ي): ((القافة)).
(17) قال الحافظ في "الفتح" (12/57): ((... وليس ذلك خاصًّا بهم على الصحيح، وقد أخرج يزيد بن هارون في "الفرائض" بسند صحيح إلى سعيد بن المسيب: أن عمر كان قائفًا، أورده في قصته، وعمر قرشي، ليس مدلجيًّا، ولا أسديًّا، لا أسد قريش، ولا أسد خزيمة)).
(18) الأُدْمَة: هي السُّمْرة . انظر "لسان العرب" (12/11). مادة: أدم .
(19) قوله: ((عربي)) سقط من (ب) و(ح).(4/157)
بن ابن حزام لعمته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فوهبته للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فتبنَّاه، فكان يُدْعَى: زيدَ بنَ محمد. حتى (1) نزل قوله تعالى : {ادعوهم لآبائهم} (2) ، فقيل: زيد بن حارثة. وابن زيد أسامة، وأمُّه أمُّ أيمن: بركة (3) ، وكانت (4) تُدْعَى: أم الظِّباء (5) ، مولاة عبدالله بن عبدالمطلب، وداية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ولم أر لأحد أنها كانت سوداء، إلا ما روي عن ابن سيرين في تاريخ أحمد بن سعيد. فإن كان هذا؛ فلهذا خرج أسامة أسود، لكن لوكان هذا (6) صحيحًا لم ينكر النَّاس لونه؛ إذ لا ينكر أن يلد (7) الإنسان أسود من سوداء (8) . وقد نسبها الناس فقالوا: أم أيمن بركة بنت ثعلبة بن عمروبن حصن (9) بن مالك بن سلمة بن عمروبن النعمان. وقد ذكر مسلم في الجهاد عن ابن شهاب: أن أم أيمن كانت (10) من الحبش وصيفة لعبدالله بن =(4/199)=@ عبد المطلب: أبي النبي (11) - صلى الله عليه وسلم - ، وقد ذكره الواقديُّ.
وكانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - بركة أخرى حبشية، كانت (12) تخدم أمِّ حبيبة، فلعلّه اختلط اسمها على ابن شهاب، على أن أبا عمر قد قال في هذه: أظنَّها أمَّ أيمن. أولعلّ ابن شهاب نسبها إلى الحبشة (13) ؛ لأنها من مهاجرة الحبشة، والله تعالى أعلم.
قلت: هذا أظهر، وتزوَّجها عبيد بن زيد من بني الحارث، فولدت له أيمن، وتزوَّجها بعده زيد بن حارثة بعد النُّبوة، فولدت له أسامة. شهدت أحدًا، وكانت تداوي الجرحى. وشهدت خيبر، وتوفيت في
أول خلافة عثمان بعشرين يومًا.
روى عنها ابنها أنس (14) ، وأنس بن مالك، وطارق بن شهاب. قالت أم أيمن: بات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في البيت، فقام من الليل، فبال في فخارة، فقمت وأنا عطشى، لم أشعر ما في الفخارة، فشربت ما فيها، فلما أصبحنا. قال: ((يا أم أيمن! أهريقوا (15) ما في الفخارة))، قلت: والذي بعثك بالحق! لقد شربت ما فيها، فضحك حتى بدت نواجذه، قال: ((إنه لا تتجعّنَّ بطْنُك بعدها أبدًا (16) )) (17) .
و((القطيفة)): كساء غليظ. وقد استدل جمهور العلماء على أن (18) الرجوع إلى قول القافة عند التنازع في الولد بسرور النبي (19) - صلى الله عليه وسلم - بقول هذا القائف. وما كان - صلى الله عليه وسلم - بالذي يسر بالباطل، ولا &(4/158)&$
__________
(1) قوله: ((زيد بن محمد حي)) لم يتضح في (ي).
(2) سورة الأحزاب؛ الآية: 5.
(3) قال الحافظ في "الفتح" (12/57): ((أخرج عبد الرزاق من طريق ابن سيرين: أن أم أسامة، وهي أم أيمن مولاة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت سوداء، فلهذا جاء أسامة أسود)).
(4) قوله: ((كانت)) ليس في (أ) و(ب) و(ح) و(ي) و(ك).
(5) في (ب) و(ي): ((الظناء))، وفي (ح): ((الضباء)).
(6) قوله: ((هذا) سقط من (ك).
(7) في (ب): يشبه أن تكون ((أن يولد)).
(8) قال الحافظ في "الفتح" (12/57): ((قال عياض: لوصح أن أم أيمن كانت سوداء لم ينكروا سواد ابنها أسامة؛ لأن السوداء قد تلد من الأبيض أسود . قلت: يحتمل أنها كانت صافية، فجاء أسامة شديد السواد، فوقع الإنكار لذلك .
(9) في (ب) و(ح) و(ي): ((حصين)).
(10) كتب في (ي): بعد قوله: ((كانت)) ((أنت)).
(11) في (ك): ((رسول الله)).
(12) قوله: ((كانت)) سقط من (ك).
(13) في (ح) و(ب) و(ي): ((للحبشة)).
(14) أشير لها بسهم وكتب: تراجع.
(15) في (أ): ((اهريقي)). وأشير لها بسهم وكتب: في الأصل: ((أهريقوا)).
(16) من قوله: ((قلت: هذا أظهر...)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ك) و(ي).
(17) أخرجه أبوداود (1/28 رقم24) كتاب الطهارة، باب البول قائمًا، وعنه البغوي في "شرح السنة" (1/388 رقم194)، وأخرجه النسائي (1/31) كتاب الطهارة، باب البول في الإناء، وابن حبان (4/274 رقم1426)، والحاكم (1/167)، وعنه البيهقي (1/99). جميعهم من طرق عن حجاج، عن ابن جريج، عن حكيمة بنت أميمة بنت رقية، عن أمها أنها قالت: كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل . وهذا لفظ أبي داود .
زاد ابن الأثير في "أسد الغابة" (7/27-28)، والمزي في "تهذيب الكمال" (35/156)، والطبراني في "الكبير"(24/189 رقم477): ((فجاءت امرأة اسمها بركة، فشربته، فطلبه فلم يجده، فقيل: شربته بركة، فقال: لقد احتظرت من النار بحظار)).
وسنده ضعيف، لجهالة حكيمة بنت أميمة، فلم يروعنها إلا ابن جريج .
وأما عنعنة ابن جريج، فقد صرح بالتحديث عند النسائي، وابن حبان، والطبراني، فانتفت شبهة تدليسه.
وقال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد، وسنة غريبة))، ووافقه الذهبي!
مع أن الذهبي قال في "الميزان"(1/587):((عن حكيمة بنت أميمة، غير مورفه)).
وقال الألباني في "المشكاة" (رقم362): إسناده حسن، أومحتمل للتحسين، وقد صححه جماعة، وله شاهد عند النسائي نحوه بسند صحيح عن عائشة .اهـ.
(18) قوله: ((أن)) سقط من (أ) و(ك).
(19) في (ي): ((بسرور رسول الله ?)).(4/158)
يعجبه (1) . ولم يأخذ بذلك أبوحنيفة والثوري (2) ، وإسحاق، وأصحابهم متمسّكين بإلغاء (3) النبي - صلى الله عليه وسلم - الشَّبَه (4) في حديث اللعان على ما يأتي (5) ، وفي حديث سودة كما تقدم (6) ، وقد انفصل عن هذا بما تقدم آنفًا، من أن إلغاء (7) الشَبَه في تلك المواضع التي ذكروها، إنما كان (8) لمعارض أقوى منه، وهومعدوم هنا، فانفصلا، والله تعالى أعلم . =(4/200)=@
ثم اختلف الآخذون بأقوال القافة: هل يؤخذ بذلك في أولاد (9) الحرائر والإماء، أويختص بأولاد الإماء ؟ على قولين :
فالأول: قول الشافعي، ومالك في رواية ابن وهب عنه. ومشهور (10) مذهبه: قَصْرُه على ولد الأمة. وفرَّق بينهما: بأن الواطئ في الاستبراء يستند (11) وطؤه لعقد صحيح فله شبهة الْمِلْك، فيصح إلحاق الولد به، إذا أتت (12) به لأكثر من ستة أشهر من وطئه، وليس كذلك الوطء في العدَّة؛ إذ لا عقد (13) إذ لا (14) يصحّ (15) . وعلى هذا فيلزم من نكح في العدَّة أن يُحَدَّ، ولا يلحق به الولد؛ إذ لا شبهة له. وليس مشهور (16) مذهبه. وعلى هذا فالأولى: ما رواه ابن وهب عنه، وقاله الشافعي.
ثم العجب أن هذا الحديث الذي هوالأصل (17) في هذا (18) الباب إنما وقع (19) في الحرائر، فإن أسامة وأباه ابنا حُرَّتَيْن. فكيف يلغى السبب الذي خرج عليه دليل الحكم، وهوالباعث عليه (20) ؟! هذا ما لا يجوز عند الأصوليين.
وكذلك (21) اختلف هؤلاء؛ هل يكتفى بقول واحد؛ لأنه خبر (22) من القافة، أولا بدَّ من اثنين (23) ؛ لأنها (24) شهادة؟ وبالأوَّل قال ابن القاسم. وهوظاهر الخبر، بل نصُّه. وبالثاني قال مالك، والشافعي، ويلزم عليه أن يراعى (25) فيها (26) شروط الشهادة؛ من العدالة وغيرها.
واختلفوا أيضًا فيما إذا ألحقته القافة بمدَّعِيَيْن (27) ، هل يكون ابنًا لهما؟ وهوقول سحنون، وأبي ثور. وقيل: يُترك حتى يكبر، فيُوالي من شاء منهما؛ وهوقول عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - (28) . وقاله مالك والشافعي. وقال عبد الملك، ومحمد بن مسلمة: يُلْحَق بأكثرهما شبهًا. =(4/201)=@
واختلف نفاة القول بالقافة في حكم ما أشكل، وتُنُوزِع (29) فيه. فقال أبوحنيفة: يلحق الولد بهما، وكذلك بامرأتين. وقال محمد بن الحسن: يلحق &(4/159)&$
__________
(1) في (ب): ((ولا هجبه)).
(2) في (ب) و(ح): ((ولا الثوري)).
(3) في (ك): ((بإلقاء)).
(4) في (ب): ((التشبيه)).
(5) سيأتي في الطلاق، باب ما يتبع اللعان إذا كمل من الأحكام.
(6) في باب الولد للفراش. وفي (ك): ((كما قد تقدم)).
(7) في (ك): ((إلقاء)).
(8) في (ح): ((كانت))، وفي (ك) و(ب): ((كانت لعارض)).
(9) في (أ): ((ولد)).
(10) في (ب): ((ومشهور عنه)).
(11) في (ي): ((فيستند)).
(12) في (ب): ((كانت)).
(13) في (ك): ((لأنه)).
(14) قوله: ((إذ لا)) سقط من (ب) و(ي).
(15) في (ي): ((إذ لا يصح عقد)).
(16) في (ي): ((بمشهور)).
(17) في (ب) و(ح) و(ي): ((أصل)).
(18) قوله: ((هذا)) سقط من (أ) و(ك) و(ب).
(19) في (ب) و(ح) و(ي): ((حصل)).
(20) قوله: ((عليه)) سقط من (ك).
(21) في (ب): ((ولذلك)).
(22) قوله: ((لأنه خبر)) سقط من (أ).
(23) في (ب) و(ح): ((الاثنين)).
(24) في (ب) و(ح): ((لأنه)).
(25) في (ب) و(ح): ((تراعي)).
(26) في (ب): ((فيه))، وفي (ك): ((فيهما)).
(27) في (ب) و(ح): ((بمدعين)).
(28) لم نجد من أخرجه .
(29) في (ي) و(ب): ((ويتوزع)).(4/159)
بالآباء وإن كثروا، ولا يلحق إلا بأم واحدة (1) . ونحوه قال أبويوسف. وقال إسحاق: يقرع بينهم. وقاله الشافعي في القديم. ويستدل على هذا بما خرَّجه أبوداود (2) من حديث عليّ - رضي الله عنه - ، وذلك أن ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر واحد، فأتت بولد فترافعوا إلى عليّ، وكلهم يدّعي الولد لنفسه، فأقرع عليّ بينهم، فألحقه بالذي طارت عليه القرعة. وكان عليّ باليمن، فلما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبره بذلك، فضحك النبي (3) - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه. وسنده صحيح .
ومن باب (4) المقام عند البكر والثيب
قوله - صلى الله عليه وسلم - لأم سلمة: ((إنه ليس بك على أهلك هوان))؛ الضمير في ((إنه)) للأمر، والشأن. و((ليس بك))؛ أي: لا يتعلّق بك، ولا يقع بك. و((أهلك)): يريد به نفسه. وكل واحد من الزوجين أهل لصاحبه. و((الهوان)): البُغض (5) ، والاحتقار. وإنما قال لها ذلك حين أخذت بثيابه تستزيده من المقام عندها، فاستلطفها بهذا &(4/160)&$
__________
(1) في (ح): ((واحد)).
(2) رُوي من حديث زيد بن أرقم، وله عنه ثلاث طرق :
1 - عبد الله بن أبي الخليل عنه :
أخرجه الحميدي (785)، وأحمد (4/374)، وأبوداود (2/700-701 رقم2269) كتاب الطلاق، باب من قال بالقرعة إذا تنازعوا في الولد، والنسائي (6/183) كتاب الطلاق، باب القرعة في الولد إذا تنازعوا فيه، وذكر الاختلاف على الشعبي فيه في حديث زيد بن أرقم .
جميعهم من طرق عن الأجلح بن عبدالله، عن الشعبي، عن عبدالله بن أبي الخليل، عن زيد بن أرقم t قال: كنت جالسًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء رجل من اليمن، فقال: إن ثلاثة نفر من أهل اليمن أتوا عليًّا – رضي الله عنه - يختصمون إليه في ولد، وقد وقعوا على امرأة في طهر واحد، فقال لاثنين منهما: طيبا بالولد لهذا ؟ فغليا، ثم قال لاثنين: طيبا بالولد لهذا ؟ فغليا، ثم قال لاثنين: طيبا بالولد لهذا ؟ فغليا، فقال: أنتم شركاء متشاكسون، إني مقرع بينكم، فمن قرع فله الولد، وعليه لصاحبيه ثلثا الدية، فأقرع بينهم، فجعله لمن قرع، فضحك رسول الله ? حتى بدت أضراسه، أونواجذه .
2 - عبد خير عنه:
أخرجه عبدالرزاق في "المصنف" (7/359 رقم13472)، وعنه أحمد (4/373)، والبيهقي (10/266-267).
(3) قوله: ((النبي)) سقط من (ي) و(ب).
(4) قوله: ((ومن باب)) لم يتضح من (ب).
(5) في (ب) و(ح): ((النقص)) و(ك) و(ي).(4/160)
القول الحسن. ثم بعد ذلك بيَّن لها وجه الحكم بقوله (1) : ((للبكر سبع، وللثيب ثلاث))، وهذا تقعيد للقاعدة (2) ، وبيان لحكمها (3) . وهوحجّة للجمهور على أبي حنيفة حيث =(4/202)=@ يقول (4) : لا تختص (5) بذلك واحدة منهن، بل يقضي لسائر نسائه بمثل ذلك، تمسُّكًا منه بمطلق الأمر بالعدل بينهن. ولا يتم له ذلك؛ لأنه مخصّص (6) بهذا الحديث وشبهه.
وقد يقال: إذا كان الحكم: أن للثيب ثلاثًا، وللبكر سبعًا؛ فكيف خيرها بين التسبيع والتثليث ؟ ثم إن اختارت التسبيع سبّع لنسائه، وسقط حقها من الثلاث.
ويجاب عن ذلك: بأن ظاهر قوله: ((للثيب ثلاث، وللبكر (7) سبع (8) ))؛ أن (9) ذلك حق للزوجة. وهوأحد القولين عند مالك رحمه الله في هذا. فإذا رضيت بإسقاطه سقط، فكأنه عرض عليها: أنها إن اختارت السبع سقط حقها من الثلاث.
وقد اختلف؛ هل لغير النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسبع للثيب (10) أم لا ؟ فذهب مالك فيما ذكر عنه ابن الموَّاز: إلى أنه ليس له أن يسبع. وكأنَّه رأى أن (11) ذلك كان (12) من خصوصيَّات النبي (13) - صلى الله عليه وسلم - ؛ إذ قد ظهرت خصوصياته في هذا الباب كثيرًا.
وقال ابن القصَّار (14) : إذا سبَّع للثيب سثع لسائر نسائه؛ أخذًا بظاهر هذا الحديث. ولا يدلّ عنده على سقوط (15) الثلاث (16) لها. وكأنه يتمسك بالرواية التي قال لها (17) فيها: ((إن شئت زدتك وحاسبتك))، وكل هذا منه - صلى الله عليه وسلم - عمل بالعدل بين أزواجه، ومراعاة له (18) .
وهل كان ذلك منه - أعني القسم - على جهة الوجوب، كما هوعلى غيره بالاتفاق، أوهومندوب إلى ذلك، لكنه أخذ نفسه بذلك رغبة في تحصيل الثواب، وتطييبًا لقلوبهن، وتحسينًا للعشرة على مقتضى خُلُقه الكريم، وليُقتدى به في ذلك ؟ قولان لأهل العلم.
مستند القول بالوجوب: التمسَّك بعموم القاعدة الكلية في وجوب العدل =(4/203)=@ بينهن، وبقوله: ((اللهم هذه قسمتي فيما أملك، فلا تلمني (19) فيما تملك، ولا أملك)) (20) ؛ يعني (21) : الحب، والبغض.
ومستند (22) نفيه: قوله تعالى : &(4/161)&$
__________
(1) في (ب): ((قوله)).
(2) في (ك): ((القاعدة)).
(3) في (ح): ((بحكمها)).
(4) في (ي): يشبه أن تكون ((تقول)).
(5) في (ب): ((لا يخص)).
(6) في (ب) و(ك): ((يخصص)). وفي (ح) و(ي): ((تخصص)).
(7) في (ب) و(ح): ((والبكر)).
(8) في (ي): ((تسع)).
(9) في (ب): ((وأن)).
(10) قوله: ((للثيب)) سقط من (أ).
(11) قوله: ((أن)) سقط من (أ).
(12) قوله: ((كان)) سقط من (ب) و(ح).
(13) في (أ): ((خاصًّا بالنبي)). وفي (ب): ((خصوصات)).
(14) في (أ): ((ابن القصير)).
(15) في (ب) و(ح): ((إسقاط))، وفي (ي): ((سقوطه)).
(16) في (ب) و(ح): ((الثلاثة)) و(ي).
(17) قوله: ((لها)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(18) في (ب): ((لهن))، وقوله: ((له)) سقط من (ي).
(19) في (ب): ((تملمني))، ووضع تحت التاء نقطتين أيضًا .
(20) روى من حديث عائشة رضي الله عنها، وقد اختلف في وصله وإرساله :
فأخرجه أحمد (6/144)، والدارمي (2/144) كتاب النكاح، باب في القسمة بين النساء، وأبوداود(2/601 رقم2134) كتاب النكاح، باب في القسم بين النساء، والترمذي (3/446 رقم1140) كتاب النكاح، باب ما جاء في التسوية بين الضرائر، والنسائي (7/63-64) كتاب عشرة النساء، باب ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض، وابن ماجه (1/634 رقم1971) كتاب النكاح، باب القسمة بين النساء، وابن أبي حاتم في "العلل" (1/425)، وابن حبان (10/5 رقم4205/الإحسان)، والحاكم (2/187)، وعنه البيهقي (7/298).
جميعهم من طرق عن حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عبدالله بن يزيد، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم فيعدل، ويقول: ((اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)). يعني القلب . هذا لفظ أبي داود .
قال الترمذي: ((حديث عائشة هكذا رواه غير واحد عن حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عبدالله بن يزيد، عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم . ورواه حماد بن زيد، وغير واحد، عن أيوب، عن أبي قلابة، مرسلا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم . وهذا أصح من حديث حماد بن سلمة)).اهـ.
وقال النسائي بإثره: ((أرسله حماد بن زيد)).اهـ.
وقال ابن أبي حاتم عقب روايته: ((فسمعت أبا زرعة يقول: لا أعلم أحدًا تابع حمادًا على هذا . قلت: روى ابن علية، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم بين نسائه ...، الحديث، مرسل)).اهـ.
قال الألباني في "الإرواء" (7/82) بعد أن حكم على الحديث بالضعف: ((فقد اتفق حماد بن زيد وإسماعيل بن علية على إرساله.وكل منهما أحفظ وأضبط من حماد بن سلمة، فروايتهما أرجح عند المخالفة، لاسيما إذا اجتمعا عليها)).اهـ.
وقال الحاكم: ((هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه)). ووافقه الذهبي !
ولشطره الأول: ((كان يقسم فيعدل))، شاهد من حديث عائشة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفضل بعضنا على بعض في القسم .
أخرجه أحمد (6/107)، وأبوداود (2/601-602 رقم2135) كتاب النكاح، باب في القسم بين النساء، وعنه البيهقي (7/74-75) من طريق عبدالرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها .
وصححه الحاكم (2/186)، ووافقه الذهبي .
وحسنه الألباني في "الإرواء" (7/85).
(21) في (ب): ((يفتي)).
(22) في (ب): ((مسند)).(4/161)
{ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك (1) } (2) ، وقد تقدَّم التنبيه على الخلاف في تأويلها. ولم يختلف في حق غير النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن له زوجات: أن العدل عليه واجب؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة، وشقه مائل، أوساقط)) (3) ، ولقوله تعالى : {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولوحرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة} (4) . وسيأتي القول في (5) كيفية القسم (6) .
وقوله: ((من السُّنة أن يقيم عند البكر سبعًا))؛ ظاهره الرفع عند جمهور الأصوليين؛ لأنه إنما يعني به سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد دلّ على الرفع (7) هنا (8) قول خالد (9) : ((لوشئت قلت: رفعه))، وقد تقدَّم قوله ?: ((للبكر سبع، وللثيب ثلاث)). والرفع فيه منصوصٌ عليه.
وقد اختلف في هذا الحكم؛ هل هولكل بكر وثيب؟ وإن لم يكن للزوج غيرها، أوإنما يكون ذلك إذا كان له غيرها (10) . على قولين عندنا (11) .
قال أبوعمر: أكثر العلماء أن (12) ذلك واجب لها؛ كان عند الرجل زوجة أم لا؛ لعموم الحديث.
وقال غيره: معنى الحديث فيمن له زوجة غير هذه؛ لأن (13) من لا زوجة له مقيم مع هذه . =(4/204)=@
قلت: وهذا هوالصحيح لوجهين:
أحدهما: أنه هوالسبب الذي خرج عليه اللفظ.
والثاني: النظر إلى المعنى، وذلك: أن من له زوجات يحتاج إلى استئناف (14) القسم بعد أن يوفي لهذه المستجدة حقها من تأنيسها، والانبساط إليها، وإزالة نُفرتها، وتطييب عيشها. وأيضًا: فيستوفي لنفسه مايجده من التشوُّف لها (15) ، والاستلذاذ (16) بها، فإن الجديد له استلذاذ جديد. وذلك مفقود (17) فيمن ليس (18) له زوجة غير التي تَزَوَّجَ بها. &(4/162)&$
__________
(1) في (ب): ((عليكم)).
(2) سورة الأحزاب؛ الآية: 51.
(3) أخرجه الطيالسي (2454)، وأحمد (2/347 و471)، والدارمي (2/143) كتاب النكاح، باب في العدل بين النساء، وأبوداود (2/600-601 رقم3133) كتاب النكاح، باب في القسم بين النساء، والترمذي (3/447 رقم1141) كتاب النكاح، باب ما جاء في التسوية بين الضرائر، والنسائي (7/63) كتاب عشرة النساء، باب ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض، وابن ماجه (1/633 رقم1969) كتاب النكاح، باب القسمة بين النساء، وابن حبان (10/7 رقم4207/الإحسان)، والحاكم (2/186)، والبيهقي (7/297).
جميعهم من طرق عن همام بن يحيى، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من كانت له امرأتان، فمال مع إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل)).
قال الترمذي: ((وإنما أسند هذا الحديث همام بن يحيى، عن قتادة . ورواه هشام الدستوائي، عن قتادة ،قال: كان يقال، ولا نعرف هذا الحديث مرفوعًا إلا من حديث همام . وهمام ثقة حافظ)).اهـ.
وقال الحاكم: ((صحيح على شرط الشيخين))، ووافقه الذهبي .
ونقل الحافظ في "التلخيص" (3/408) تصحيحه عن ابن دقيق العيد، ثم قال: ((واستغربه الترمذي مع تصحيحه، وقال عبدالحق: هوخبر ثابت، لكن علته: أن همامًا تفرد به، وأن همامًا رواه عن قتادة؛ فقال: كان يقال)).اهـ.
وقال الألباني في "الإرواء" (7/81): ((وهذه علة غير قادحة، ولذلك تتابع العلماء على تصحيحه)).اهـ.
(4) سورة النساء؛ الآية: 129.
(5) في (ب) و(ح): ((وسيأتي الكلام على)).
(6) في (ي): ((القم)).
(7) في (ب) و(ح): ((على هذا الرفع)).
(8) قوله: ((هنا)) سقط من (ب) و(ح).
(9) في (أ): ((جابر))، وهوخطأ، والصواب المثبت، وخالد هو: الحذَّاء، أحد رواة هذا الحديث . وقد أشار الحافظ في "الفتح" (9/314-315) إلى الاختلاف على سفيان الثوري في تعيين القائل هل هوخالد الحذّاء، أوشيخه: أبوقلابة؟ ولم هي منافاة بين القولين؛ لجواز أن يكون كلٌّ منهما قال ذلك .
(10) في (؛): ((كانا غيرها)).
(11) قوله: ((عندنا)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).
(12) في (ك): ((على أن)).
(13) في (ب): ((لا)) بدل ((لأن)).
(14) في (ك): ((استيفاء)).
(15) في (ب) و(ح): ((التشوق إليها)) و(ك) و(ي).
(16) في (أ): ((الالتذاذ)) وفي (ي): يشبه ((الإلتذاذ)).
(17) هنا انتهت المقابلة من نسخة (ي).
(18) في (ب): ((ليس فيمن)).(4/162)
ومن باب القَسْم بين الزوجات
قد تقدم القول (1) في حكم وجوب (2) القَسْم بين الزوجات. فأمَّا كيفية القسم: فلا خلاف في أن له (3) أن يفرد كل واحدة بليلتها (4) ، وكذلك قول عامَّة العلماء في النَّهار. وذهب بعضهم إلى وجوب ذلك في الليل دون النهار، ولا يدخل لإحداهما في يوم الأخرى وليلتها لغير حاجة.
واختلف في دخوله لحاجة وضرورة. فالأكثرون على جوازه؛ مالك وغيره. وفي كتاب ابن حبيب منعه. ويعدل بينهن (5) في النفقة، والكسوة؛ إذا كنَّ معتدلات الحال، ولا يلزم ذلك في المختلفات المناصب. وأجاز مالك أن يُفضِّل إحداهما في الكسوة على غير جهة (6) الميل. فامَّا الحب والبغض فخارجان عن الكسب، فلا يتأتى العدل فيهما. وهوالمعنِيُّ =(4/205)=@ بقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)). وعند (7) أبي داود: يعني القلب. وإليه الإشارة بقوله تعالى : {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولوحرصتم} (8) .
وقوله: ((كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - تسع نسوة، فكان إذا قسم لا ينتهي إلى المرأة الأولى (9) في تسع))؛ كذا صحت روايتنا (10) : ((في تسع)) من غير إلاَّ الإيجابية. وقد وقع في بعض النسخ: ((إلا في تسع))، وهوأصوب، وأوضح. فتأمله.
وقوله: ((فكنَّ يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها))؛ حجة في أن الزوج لا &(4/163)&$
__________
(1) في (ك): ((القول آنفًا)).
(2) في (أ): ((في وجوب حكم)).
(3) في (ب) و(ح): ((عليه)) و(ك).
(4) في (ح): ((ليلتها)).
(5) في (ب) و(ح): ((ويعدل عليه بينهن)) وكأنه ضرب على قوله: ((يعدل)).
(6) في (أ) و(ب) و(ح): ((وجه)).
(7) في (ك): ((وعن)).
(8) سورة النساء؛ الآية: 129.
(9) قوله: ((الأولى)) غير واضح في (ح).
(10) في (ب) و(ح): ((الرواية)).(4/163)
يأتي غير صاحبة القَسْم. فأما اجتماعهن عند صاحبة (1) القَسْم في بعض الأوقات فباختيارهن، ومن حق صاحبة القَسْم أن تمنعهن إن شاءت.
وقوله: ((فكان في بيت عائشة فجاءت زينب، فمدَّ يده إليها، فقالت: هذه زينب، فكفّ))؛ كان هذا في الوقت الذي لم يكن في البيوت مصابيح، وإنما مدَّ يده إليها يظنَّها عائشة.
وفيه ما يدل: على صحة ما ذكرناه من أنه لا يجوز للزوج الاستمتاع بالواحدة في وقت الأخرى. فأمَّا ما خرَّجه البخاري وأبوداود من حديث عائشة: من أنَّه ?: ((كان يطوف بعد العصر على نسائه، فيدنومنهن من غير مسيس)) (2) . فقد قيل: إن ذلك كان إذ لم يكن القَسْم عليه واجبًا. ويحتمل أن يقال: كان (3) ذلك برضا أزواجه.
وقوله (4) : ((فتقاولتا حتى استخبتا)): عند كافة الشيوخ: بالخاء المعجمة، بعدها =(4/206)=@ ياء (5) بواحدة مفتوحتين: من السَّخب. وهو: اختلاط الأصوات، وارتفاعها. ويقال: بالصاد. ووقع في رواية السمرقندي: استحثيا (6) -بالحاء المهملة - وسكونها، وبعدها ثاء مثلثة، وبعدها ياء (7) باثنتين من تحتها (8) . ومعناه (9) -إن لم يكن تصحيفًا-: حثت كل واحدة منهما في وجه الأخرى التراب (10) . وصوابه: استحثتا (11) - بالتاء (12) باثنتين من فوقها (13) ، وسبب هذا الواقع بينهما (14) : الغيرة.
وفيه ما يدل على جميل عشرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومداراته.
وقوله: ((وأقيمت الصلاة))؛ يدلّ على أن تلك الحالة الواقعة لهم كانت قريب الفجر، وأنهما دامتا على المقاولة إلى أن أقيمت صلاة الصبح.
وليس في مَدِّ يده إلى زينب دليلٌ على أن اللمس لا ينقض الوضوء، كما قد زعمه بعضهم؛ إذ لم ينقل أنه كان منه - صلى الله عليه وسلم - لمس على غير حائل، ولا أنه كان توضأ قبل ذلك، فلعلَّه بعد ذلك توضأ. &(4/164)&$
__________
(1) في (ب): ((صاحب)).
(2) أخرجه البخاري (9/347 رقم5268) كتاب الطلاق، باب { لم تحرم ما أحل الله لك}. وأبوداود (2/601-602 رقم2135) في النكاح، باب في القسم بين النساء .
(3) في (ب) و(ح): ((كل)) بدل ((كان)).
(4) قوله: ((وقوله)) لم يتضح في (ح).
(5) في (أ): ((لم تضح النقطتان)) ويشبه أن تكون حركة، وفي (ك): ((باء)).
(6) في (ب): ((استحثتا))، وفي (ح): ((استحيتا)).
(7) في (ب): ((تاء))، وفي (ح): كلمة غير واضحة مضروب عليها.
(8) في (ب): ((من فوقها)).
(9) في (ب) و(ح): ((وسببه)).
(10) وفي (أ): ((بالتراب)، وفي (ب): ((التراب))، وهي موجودة في الهامش من (ح).
(11) في (ك) و(ب): ((استخبتا))، وقوله: ((وصوابه: استحثتا)) مطموس في (ح).
(12) قوله: ((بالتاء)) سقط من (ك).
(13) قوله: ((بالتاء باثنتين من فوقها)) سقط من (ب) و(ح).
(14) في (ب) و(ح): ((منهما)).(4/164)
وقول أبي بكر - رضي الله عنه - : ((احث في أفواههن التراب))؛ مبالغة في الرَّدع والزجر لهنَّ، عن رفع أصواتهن على صوت النبي - صلى الله عليه وسلم - في (1) وترك احترامه . =(4/207)=@
وقول عائشة - رضي الله عنها -: ((ما رأيت امرأة أحب إليَّ أن أكون في مسلاخها من سودة))؛ أي: في جلْدها. وحقيقة ذلك: أنَّها تمنَّت أن تكون هي؛ لأن أحدًا لا يتمنى أن (2) يكون في جلْد غيره. وهذا اللفظ قد جرى مجرى المثل (3) . ومقصودها (4) : أنها أحبت أن تكون على مثل حالها في الأوجه التي استحسنت منها .
وقولها: ((من امرأة فيها حِدَّة))؛ ((من)) هنا (5) : للبيان، والخروج من وصف إلى ما يخالفه، ولم تُرِدْ تنقيصَها بذلك، وإنما أرادت: أنَّها كانت شهمةَ النفس، حديدة (6) القلب، حازمة مع عقل رصين (7) ، وفضل متين (8) . ولذلك جعلت يومها لعائشة .
ففيه (9) دليلٌ على أن القَسْم حق للزوجة ذات الضرائر. وأنَّه يجوز لها بذله لغيرها بعوض وغير عوض، إذا رضيَ بذلك الزوجُ. ويشهد لهذا كله قوله تعالى (10) : {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أوإعراضًا فلا جناح عليهما أن يَصَّالَحَا (11) بينهما صلحًا والصلح خير (12) } (13) .
وفي هذه القصَّة (14) نزلت هذه الآية (15) على ما قيل. لكن عند مالك لها الرجوع في مثل هذا إذا شاءت؛ لأنها حقوق متجددة آنًا فآنًا، فلكل (16) متجدِّد حكمه، بخلاف الحقوق الثابتة؛ تلك التي لا يَرْجِعُ في شيء منها مَنْ أسقطها، مثل ما يترتب في الذمم، أوفي الأبدان. وهذا أحد قولي مالك. وقيل: يلزم ذلك دا ئمًا (17) .
وقوله: ((فكان يقسم لعائشة يومين، يومها ويوم سودة))، لا يفهم من هذا =(4/208)=@ توالي اليومين. بل يوم سودة على الرتبة التي كانت لها قبل الهبة.
وقولها: ((وكانت أوَّل امرأة تزوَّجها بعدي)) (18) ، هذه رواية يونس، عن شريك. وهكذا قال يونس أيضًا عن ابن شهاب، وعبد الله بن محمد بن عقيل. وروى عقيل بن خالد عن ابن شهاب خلافه، وأنه ? تزوج سودة قبل عائشة. قال أبوعمر: وهذا قول قتادة، وأبي عبيدة. &(4/165)&$
__________
(1) قوله: ((في)) ليس في (أ) و(ح) و(ك) و(ب).
(2) قوله: ((يتنمى أن)) سقط من (أ).
(3) في (ب): ((قد جرى المثل به)).
(4) في (أ): ((ومقصوده)) و(ح).
(5) في (ب): ((من تحد هنا))، وكأنه ضرب على قوله: ((تحد)).
(6) في (ب) و(ح): ((جديدة)).
(7) في (ح): ((وصين)).
(8) في (ح): ((مبين)).
(9) في (أ): ((فيه دليل))، وفي (ك): ((وفيه)).
(10) قوله: ((قوله تعالى)) سقط من (أ).
(11) كذا في جميع النسخ، وهي قراءة أهل المدينة وبعض أهل البصرة كما في "تفسير ابن جرير" (9/278- 279).
(12) قوله: ((والصلح خير )) ليس في (أ) و(ك).
(13) سورة النساء؛ الآية: 128.
(14) في (ب) و(ح): ((القضية)).
(15) أخرجه أحمد (6/107)، وأبوداود (2/601-602 رقم3135) كتاب النكاح، باب القسمة بين النساء، والحاكم (2/186)، والبيهقي (7/74-75).
جميعهم من طرق عن عبدالرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: قالت عائشة: يا ابن أختي! كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفضل بعضنا على بعض في القسم، من مكثه عندنا، وكان قل يوم إلا وهويطوف علينا جميعًا، فيدنومن كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هويومها فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله! يومي لعائشة، فقبل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها، قالت: نقول في ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها، أراه قال : {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا}.
(16) في (ب): ((لكل)).
(17) في (ب) و(ح): ((أبدًا)).
(18) قال الحافظ في "الفتح" (9/312): ((قالت عائشة: وكانت أول امرأة تزوجها بعدي، ومعناه: عقد عليها بعد أن عقد على عائشة، وأما دخوله عليها فكان قبل دخوله على عائشة بالإتفاق، وقد نبهه على ذلك ابن الجوزي)).اهـ.(4/165)
وأشار بعضهم إلى الجمع بين القولين فقال: أول من عقد عليها بعد خديجة: عائشة، وأول من دخل عليها بعد خديجة: سودة، فإنه دخل عليها بمكة قبل (1) الهجرة، ودخل على عائشة بالمدينة في شوَّال سنة اثنتين من الهجرة (2) .
ومن باب قوله تعالى :
{ ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء (3) } (4) .
اختلف السَّلف في هذه الآية. فقيل: هي ناسخة لقوله تعالى: {لا يحل (5) لك النِّساء من بعد} (6) ، مبيحة له أن يتزوَّج ما شاء. وقيل: بل نُسخ =(4/209)=@ قوله (7) : {لا يحل (8) لك النساء} بالسنَّة. قال زيد بن أسلم: تزوَّج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - &(4/166)&$
__________
(1) في (أ): ((بعد)). والمثبت هوالصواب .
(2) من قوله: ((وأشار بعضهم ...)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ك)، وهوفي (أ) بعد قوله: ((وعبد الله بن محمد بن عقيل))، وأشار الناسخ إلى تأخُّره، فأخَّرته.
(3) قوله: ((وتؤوي إليك من تشاء )) سقط من (أ).
(4) سورة الأحزاب؛ الآية: 51. في (ب): كتب بعدها قوله: ((الآية)).
(5) في (أ) و(ح): ((لا تحل)).
(6) سورة الأحزاب؛ الآية: 52.
وفي النسخ التي بين أيدينا: ((لا تحل... بالتاء)). وقد أقر بها: أبوعمرو، أي: لا تحلُّ لك جماعة النساء، وقرأ الباقون من السبعة بالياء ولا يحل. أي: جمع النساء، والنساء تدل على التأنيث، فيستقي عن تأنيث (يحل). انظر: "حجة القراءات" لعبد الرحمن بن زنجلة، (ص579). ملاحظة: في الأصل ص1062.
(7) في (ب) و(ح): ((فسخ)). [تراجع في (ح) لعلها حبر زائد [ل/202/أ].
(8) في (أ) و(ح): ((لا تحل)).(4/166)
بعد نزول هذه الآية (1) ميمونة، ومليكة (2) ، وصفية، وجويرية (3) . وقالت عائشة – رضي الله عنها -: ((ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أحل الله له النساء)) (4) .
وقيل عكس هذا، وهو: أن قوله : {لا يحل (5) لك النساء} ناسخة لقوله : {إنَّا أحللنا لك أزواجك} (6) الآية، ولقوله : {ترجي من تشاء منهن (7) }، وقيل غير هذا مما هوظاهر الفساد. وإن صحَّ ما نقله زيد بن أسلم: فالقول قوله، والله أعلم (8) .
{ترجي (9) }: قُرىء مهموزًا وغير مهموز، وهما لغتان. يُقال: أرجيتُ الأمر، وأرجأته: إذا (10) أخَّرْته. و{ تُؤوي}: تضم (11) .
ابن عباس: تطلق من تشاء، وتمسك من تشاء (12) . فأراد تطليق سودة، فوهبت يومها لعائشة فَبَقَّاها (13) . مجاهد: تعزل من تشاء بغير طلاق، وتضم إليك من تشاء (14) .
وكان ممن آوى إليه عائشة، وحفصة، وأم سلمة. وأرجأ سودة، وجويرية (15) ، وصفية، وميمونة، وأم حبيبة. وكان يقسم لهن ما شاء (16) (17) . وتوفي - صلى الله عليه وسلم - وقد آوى جميعهن إلا (18) صفية، وهذا يدلّ على أن القَسْم لم يكن عليه (19) واجبًا. وهوأحد القولين كما قدمناه.
{ابتغيت}؛ أي: طلبت الإصابة (20) . {ذلك}؛ أي: الابتغاء {أدنى}؛ أي: أقرب لطيب قلوبهن؛ أي (21) : إذا علمن أنَّ العَزْل (22) بأمر الله قرَّت أعيُنُهُنَّ بذلك، ورضين. هذا قول أهل التفسير.
وفي هذه الآيات (23) أبحاث ليس هذا موضع ذكرها. وما نقلناه أشبه ما قيل فيها (24) . =(4/210)=@
وقول عائشة – رضي الله عنها -: ((ما أرى ربَّك إلا يسارع في هواك)). قول (25) أبرزته الغَيْرَةُ والدَّلالُ. وهذا من نوع قولها: ((ما أهجر إلا اسمك)) (26) ، و((لا أحمد إلا الله)) (27) . &(4/167)&$
__________
(1) لم نجد من أخرجه . وهذا نص كلام النووي. انظر"شرح النووي"(10/50).
(2) قوله: ((مليكة)) سقط من (ك).
(3) في (أ): ((وجويرة)).
(4) أخرجه الحميدي (235)، وعبدالرزاق في "المصنف" (7/491 رقم14001)، وعنه أحمد (6/201).
وأخرجه ابن أبي شيبة (3/532 رقم16910) كتاب النكاح، باب في قوله تعالى: { لا يحل لك النساء من بعد}، وأحمد (6/41)، والترمذي (5/332 رقم3216) كتاب التفسير، باب ومن سورة الأحزاب، والنسائي (6/56) كتاب النكاح، باب ما افترض الله عز وجل على رسوله u وحرمه على خلقه ليزيده إن شاء الله قربة إليه، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (20/303).
جميعهم من طريق عمروبن دينار، عن عطاء، عن عائشة قالت: ((مامات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أحل له النساء)).
وأخرجه أحمد (6/180)، والنسائي (6/56)، والطبري في "تفسيره" (22/303)، وابن حبان (14/281 رقم6366/الإحسان)، والحاكم (2/437)، والبيهقي (7/54). جميعهم من طريق ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عائشة، فذكره .
وأروده السيوطي في "الدر المنثور"(6/637)، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وأبوداود في ناسخه، وابن المنذر، وابن مردويه.
(5) في (ب) و(ح): ((تحل))، وفي (أ) رسمت بالتاء والياء . وكلا الوجهين قد قُرِأَ بهما .
(6) سورة الأحزاب؛ الآية: 50.
(7) قوله: ((منهن)) سقط من (أ).
(8) من قوله: ((الفساد ....)) إلى هنا سقط من (أ).
(9) في (ك): ((وترجي)).
(10) في (ب) و(ح): ((أي)).
(11) في (ب): ((بضم)).
(12) أورده الطبري في "تفسيره" (20/291) بسند مسلسل بالضعفاء، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" (6/633)، وزاد نسبته إلى ابن مردويه .
(13) في (ب): ((فنفاها)).
(14) أخرجه ابن جرير في "تفسيره" (20/291)، وأورده السيوطي في "الدر المنثور"(6/635)، وزاد نسبته إلى الفريابي، وابن سعد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم .
(15) في (أ): ((جويرة)).
(16) في (ب) و(ح): ((يشاء)).
(17) أخرجه عبدالرزاق في تفسيره (2/120)، وابن جرير في "تفسيره" (20/291) من طريق منصور، عن أبي رزين، في قوله : {ترجي من تشاء منهن}، قال: ((المرجيات: ميمونة، وسودة، وصفية، وجويرية، وأم حبيبة، وكانت عائشة، وحفصة، وأم سلمة، وزينب، سواء في قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسوي بينهن في القسم)). أبورزين، هومسعود بن مالك.
قال الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف (3/119): ((وهومرسل)).
(18) قوله: ((إلا)) تكرر في (ح). شطب على هذا الهامش وكتب: [في آخر السطر وأوله].
(19) قوله: ((عليه)) سقط من (ب) و(ح).
(20) في (ب) و(ح): ((الإجابة)).
(21) قوله: ((أي)) سقط من (ب).
(22) في (أ) صوبها الناسخ في الهامش إلى: ((العدل)).
(23) في (أ): ((الآية)).
(24) قوله: ((وما نقلناه أشبه ما قيل فيها)) سقط من (أ).
(25) في (ب) و(ح): ((قوله))، لكن ضرب عليها في (ب). وقوله: ((قول)) سقط من (ك).
(26) سيأتي في النبوات، باب فضائل عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ومريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون .
(27) سيأتي في التفسير، باب ومن تفسير سورة النور .(4/167)
وإلا فإضافة الهوى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مباعدٌ لتعظيمه، وتوقيره (1) ؛ الذي أمرنا الله تعالى به، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - مُنَزَّهٌ عن الهوى بقوله تعالى : {وما ينطق عن الهوى} (2) ، وهوممن نهى النفس عن الهوى (3) . ولوجعلت مكان ((هواك)) ((مرضاتك)) لكان أشبه، وأولى. لكن أبعد (4) هذا في حقِّها عن (5) نوع الذنوب: أنَّ (6) ما يفعل المحبوب محبوب (7) .
وقولها: ((أما تستحيي المرأة تهب نفسها ؟!)) تقبيح منها على من فعلت ذلك. وتنفير أوجبه غيرتها. وإلاَّ فقد علمت أن الله تعالى أباح هذا للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصَّة، وأن النساء كلّهن لومَلَّكْنَ رقَّهُنَّ ورِقَابهنَّ للنبى - صلى الله عليه وسلم - (8) لكُنَّ معذورات في ذلك، ومشكورات عليه لعظيم بركته، ولشرف منزلة (9) القرب منه (10) .
وعلى الجملة فإذا حُقِّقَ النظرُ في أحوال أزواجه؛ عُلِمَ: أنَّه لم يحصل أحدٌ في العالم على مثل ما حصلنَّ عليه. ويكفيك من ذلك مخالطة اللحوم، والدماء، ومشابكة الأعضاء، =(4/211)=@ والأجزاء. وناهيك بها مراتب فاخرة. لا (11) جرم هنَّ أزواجه المخصوصات (12) به في الدنيا والآخرة.
و((سرف)) (13) : موضع على ستة أميال من مكة. وقيل: سبعة. وقيل: تسعة. وقيل: اثنا (14) عشر ميلاً. ولا خلاف: أن ميمونة رضي الله عنها توفيت به. وهي آخر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - موتًا (15) . قيل: إنها ماتت سنة ثلاث وستين. وقيل: ست وستين. وعلى هذا تكون ميمونة آخرهن موتًا. وقيل: سنة إحدى وخمسين، قبل عائشة؛ لأن عائشة توفيت سنة (16) سبع وخمسين. وقيل: ثمان وخمسين. وعلى هذا فتكون عائشة آخرهن موتًا. وأما صفية (17) : فتوفيت سنة خمسين.
وقول عطاء: ((كانت آخرهن موتًا (18) ، ماتت بالمدينة))؛ قول مشكل، يلزم عليه وهم؛ وذلك: أنَّه إن كان (19) أراد ميمونة؛ فقد وَهِمَ في قوله: إنها ماتت بالمدينة. وقد بينَّا: أنها ماتت بسرف. إلا أن يريد بـ ((المدينة)) هنا ((مكة))، وفيه بُعْدٌ. وإن أراد بها صفية؛ فقد وَهِمَ أيضًا (20) ؛ فأنها (21) لم تكن آخرهن موتًا على ما قدّمناه. وقد وهم أيضًا في قوله: إن التي لا يقسم لها هي صفية، فإن المشهور: أن التي لا يقسم لها هي (22) : سودة، وهبت يومها لعائشة، كما تقدَّم. &(4/168)&$
__________
(1) في (أ): ((وتعزيره)) و(ك).
(2) سورة النجم؛ الآية: 3.
(3) في (ب): ((وهوممن نفسي عن الهوى)).
(4) في (ب): ((لا يعد)).
(5) في (ب): ((من)).
(6) في (ب): ((الذنوبوأن)) كذا رسمت.
(7) جاء في هامش (أ): ((قال شيخنا المنذري الشافعي: قولها: يسارع في هواك؛ أي ينزل القرآن على وفق إرادتك)).
(8) من قوله: ((خاصة وأن النساء ...)) إلى هنا سقط من (ب).
(9) في (ب): ((منزلته)).
(10) جاء السياق في (أ) هكذا: (( لاكُنَّ معذورات في ذلك، ومشكورات عليه خاصَّة، وأن النساء كلّهن لومَلَّكْنَ رقَّهُنَّ ورِقَابهنَّ للنبى - صلى الله عليه وسلم - لعظيم بركته، ولشرف منزلة القرب منه)).
(11) في (ب): ((ولا)).
(12) في (ب): ((المحصنات)).
(13) في (ك): ((سرف)) بلا واو.
(14) في (ح): ((اثني)) و(ك) و(ب).
(15) قال الحافظ في"الفتح" (9/114): ((وقد وقع عند مسلم أيضًا فيه زيادة أخرى من رواية عبدالرزاق، عن ابن جريج، قال عطاء: كانت آخرهن موتًا، ماتت بالمدينة، كذا قال . أما كونها آخرهن موتًا، فقد وافق عليه ابن سعد وغيره، قالوا: وكانت وفاتها سنة إحدى وستين، وخالفهم آخرون، فقالوا ماتت سنة ست وخمسين، ويعكر عليه: أن أم سلمة عاشت إلى قتل الحسين بن على، وكان قتله يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وقيل: بل ماتت أم سلمة سنة تسع وخمسين . والأول أرجح، ويحتمل أن تكونا ماتتا في سنة واحدة، لكن تأخرت ميمونة، وقد قيل أيضًا: أنها ماتت سنة ثلاث وستين، وقيل سنة ست وستين . وعلى هذا لا ترديد في آخريتها في ذلك)) .اهـ.
(16) قوله: ((سنة)) سقط من (ك).
(17) تراجع في (ح): [ل/202/ب].
(18) قال الحافظ في"الفتح" (9/114): ((وأما قوله وماتت بالمدينة، فقد تكلم عليه عياض، فقال: ظاهره أنه أراد ميمونة، وكيف يلتئم مع قوله في أول الحديث: إنها ماتت بسرف، وسرف من مكة بلا خلاف، فيكون قوله بالمدينة وهمًا .
قلت: يحتمل أن يريد بالمدينة البلد، وهي مكة،والذي في أول الحديث: أنهم حضروا جنازتها بسرف، ولا يلزم من ذلك أنها ماتت بسرف، فيحتمل أن تكون ماتت داخل مكة، وأوصت أن تدفن بالمكان الذي دخل بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه، فنفَّذ ابن عباس وصيتها، ويؤيد ذلك: أن ابن سعد لما ذكر حديث بن جريج هذا، قال بعده: وقال غير ابن جريج في هذا الحديث: توفيت بمكة فحملها ابن عباس حتى دفنها بسرف)). اهـ.
(19) قوله: ((كان)) سقط من (ب).
(20) قوله: ((أيضًا)) سقط من (ب) و(ح).
(21) في (ب) و(ح): ((لأنها)) و(ك).
(22) قوله: ((هي)) سقط من (ب) و(ح).(4/168)
وقول ابن عباس رضي الله عنهما: ((فإذا (1) رفعتم نعشها فلا تزعزعوا (2) ، ولا تزلزلوا، وارفقوا))؛ كلُّ ذلك تنبية على ما يجب من احترام أزواجه ? لعظيم رتبتهنَّ، وشرف (3) منزلتهن، كما قدمناه.
وقد تقدَّم لنا (4) القول في وجه خصوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بكثرة النساء، وأبدينا هنالك فوائد كثرة (5) النساء في أول كتاب النكاح، ونزيد هنا نكتة (6) نبَّه عليها أبوسليمان الخطَّابي بكلام معناه: إن الله تعالى اختار لنبيه - صلى الله عليه وسلم - من الأمور أفضلها، وأكملها، وجمع له من الفضائل التي تزداد (7) بها نفوس =(4/212)=@ العرب جلالة، وفخامة. وكانت العرب تفتخر (8) بكثرة (9) النكاح، وكان - صلى الله عليه وسلم - من قوة البنية، واعتدال المزاج، وكمال الخلقة على نهايتها، على ما شهدت به الأخبار. ومن كان بهذه الصِّفة؛ كانت دواعي هذا الباب أغلب عليه، وكان من عداها منسوبًا إلى نقص الجبلّة، وضعف النَّحيزة (10) ، فابيح له الزيادة على أربع لاحتياجه إلى ذلك. وأيضًا: فلقوَّته على العدل بينهن. ولَمَّا لم يكن غيره كذلك: قصر على أربع، والله تعالى أعلم. &(4/169)&$
__________
(1) في (ب): ((وإذا)).
(2) في (ب): ((ترعوعوا)) كذا رسمت.
(3) في (ب) و(ح): ((وشريف)).
(4) قوله: ((لنا)) سقط من (ب) و(ح).
(5) في (ب): ((كثيرة)).
(6) في (ب): ((نكنة)).
(7) في (ب) و(ح): ((تترادف)).
(8) في (ا): ((ننفخر)).
(9) في (ب) و(ح): ((تتفاخر بقوة)) و(ك).
(10) نَحِيزَةُ الرَّجُل: طبيعته، وتُجمع على: النَّحائز . انظر "لسان العرب" (5/415) مادة: نحز .(4/169)
ومن باب الحث على نكاح الأبكار
قول جابر – رضي الله عنه -: ((إن (1) عبدالله هلك))؛ يعني: والده. وكان استشهد يوم أحد، اختلفت (2) عليه أسياف المسلمين. وهم يظنونه من الكفار. =(4/213)=@ فكان جابر يقول: أبي! أبي! فلم يسمعوه حتى استشهد فتصدَّق ابنه بديته على المسلمين (3) (4) .
و((الثيب)): المرأة التي دخل بها الزوج، وكأنَّها ثابث (5) إلى غالب أحوال كبار (6) النساء.
وقوله: ((فهلاَّ جارية (7) تلاعبها، وتلاعبك))؛ يدلُّ على تفضيل نكاح الأبكار، كما قال في الحديث الآخر: ((فإنهنَّ أطيب أفواهًا، وأنْتَقُ أرحامًا)) (8) .
و((تلاعبها (9) )): من اللعب، بدليل قوله: ((ويضاحكها (10) )). وفي كتاب أبي عبيد: ((تذاعبها وتذاعبك (11) )) (12) .
وقوله في الرواية الأخرى: ((أين أنت من العذارى ولعابها))- بكسر &(4/170)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): ((بن)) بدل ((إن)).
(2) في (ب): ((واختلفت)). وفي (ك): ((اختلف)).
(3) من قوله: ((وهم يظنونه ...)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح).
(4) لعله يريد قتل لأبي حذيفة - اليمان -، وهوالذي قتله المسلمون خطأ يوم أحد، فتصدق بديته على المسلمين . انظر "الفتح" (7/363).
(5) أشير لها وكتب: من (ح).
(6) قوله: ((كبار)) سقط من (ب) و(ح).
(7) في (ب) و(ح): ((بكرًا)).
(8) أخرجه ابن ماجه (1/598 رقم1861) كتاب النكاح، باب تزويج الأبكار، وابن أبي عاصم "الآحاد والمثاني" (4/5 رقم1947) من طريق محمد بن طلحة التيمي، عن عبدالرحمن بن سالم بن عتبة بن عويم بن ساعدة الأنصاري، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((عليكم بالأبكار، فإنهن أعذب أفواها، وأنتق أرحامًا، وأرضى باليسير)).
قال الألباني في "الصحيحة" (623): ((وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:
الأولى: الجهالة، فإن عبدالرحمن بن سالم بن عتبة لم يذكروا عنه راويًا غير محمد بن طلحة هذا، ولذا قال الحافظ في "التقريب": مجهول .
قلت: ومثله أبوه سالم بن عقبة، فليس له راوغير ابنه عبدالرحمن هذا .
والأخرى: الاضطراب في إسناده، فرواه الحزامي، عن محمد بن طلحة هكذا، وخالفه فيض بن وثيق، فقال عنه: أخبرني عبدالرحمن بن سالم بن عبدالرحمن بن عويم ابن ساعدة، عن أبيه، عن جده، به .
أخرجه المقابري في "حديثه" (ق 87/ 1)، وتمام الرازي في "الفوائد" (2/384 رقم748/الروض البسام)، والبيهقي (7/81) . - فيض بن وثيق: كذبه ابن معين، كما في "الميزان" (3/366)-. وخالفه أيضًا عبدالرحمن بن إبراهيم الدمشقي: أنبا محمد ابن طلحة التيمي به .
أخرجه ابن قتيبة في "غريب الحديث"(1/36/1). وخالفه كذلك إبراهيم بن حمزة الزبيري، عن محمد بن طلحة، به .
أخرجه البغوي في "شرح السنة" -(6/15 رقم2246) وقال: ((عبد الرحمن سالم: هوابن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة وعبد الرحمن بن عويم ليست له صحبة))- وكذلك قال البيهقي بعد أن رواه هووالطبراني في "الكبير" (17/140 رقم 350) - والأوسط (1/144 رقم455)، وقال: لا يروى هذين الحديثين - وساق حديثًا آخر - عن عويم بن ساعدة إلا بهذا الإسناد، تفرد بهما محمد بن طلحة التيمي -.
قلت: فهومرسل على رواية الجماعة، عن محمد بن طلحة، وأما على رواية إبراهيم الحزامي عنه فهوموصول؛ لأنه قال: عتبة بن عويم، مكان عبد الرحمن بن عويم . وعتبة له صحبة كأبيه؛ لكن الصواب رواية الجماعة)). اهـ.
وقال الحافظ في "الإصابة" (6/378-379): (( عتبة بن عويم ... مختلف في صحبته، ... قال البخاري وأبوحاتم: لم يصح حديثه، يعني لما فيه من الاضطراب، وذكر أن مداره على عبدالرحمن بن سالم بن عتبة بن عويم بن ساعدة، عن أبيه، عن جده، فجزم الطبراني وآخرون: أن الحديث من مسند عويم، فعلى هذا فالضمير في جده يعود على سالم، ووقع في الصحابة لابن شاهين: عبدالله بن سالم بن ساعدة، أسقط من الإسناد: عتبة بن عويم، وجزم في موضع آخر بأنه عبدالرحمن بن سالم بن عبدالرحمن بن عتبة بن عويم بن ساعدة، فعلى هذا: الحديث من مسند عتبة، وبذلك جزم بن عساكر في "الأطراف"، وفيه اختلاف آخر، وعبدالرحمن لا يعرف حاله)).اهـ.
وقال الحافظ في "التهذيب" (3/441): ((الطبراني جعل الحديث من مسند عويم بن ساعدة، فالضمير عنده في قوله: عن جده، يعود إلى سالم، لا إلى عبدالرحمن)).اهـ.
وقد ذكر الألباني للحديث شواهد، ثم قال: لكن من الممكن أن يقال: بأن الحديث حسن بمجموع هذه الطرق؛ فإن بعضها ليس شديد الضعف . انظر "الصحيحة" (2/195)، وانظر "حاشية ابن التركماني على سنن البيهقي" (7/81).
(9) أشير لها بسهم وكتب: تراجع كذا في (ح).
(10) كذا في جميع النسخ! ولفظ الرواية: ((وتضاحكها)).
(11) في (أ) و(ب) و(ك): ((تداعبها وتداعبك)). والمثبت هوالصواب. انظر "الفتح"(9/122).
(12) "غريب الحديث" (1/199).(4/170)
=(4/214)=@ اللام هنا (1) لا غير - وهومصدر لاعب، من الملاعبة. كما يقال (2) : قِتالاً؛ من: قَاتَل، يقاتل. وقد رواه (3) أبوذر (4) من طريق المستملي: ((ولُعَابها (5) )) - بالضم (6) -؛ يعني به: ريقها عند التقبيل. وفيه بُعْدٌ (7) . والصواب: الأول.
وهذا الحديث يدلُّ على فضل عقل جابر؛ فإنه راعى مصلحة صيانة أخواته (8) ، وآثرها على حق نفسه، ونيل لذته؛ ولذلك (9) استحسنه منه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال له: ((فبارك الله لك))، وقال له خيرًا.
وفيه ما يدلُّ على جواز قصد الرجل من الزوجة القيام له بأمور وبمصالح (10) ليست لازمة لها في الأصل، ولا يُعاب من قصد شيئًا من ذلك.
وقوله: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها))؛ أي: هذه الأربع (11) الخصال هي الْمُرغِّبة (12) في نكاح المرأة. وهي التي يقصدها الرِّجال من النساء. فهوخبرٌ عما في الوجود من ذلك، لا أنه أمرٌ بذلك. وظاهره إباحة النكاح؛ لقصد مجموع هذه الخصال أولواحد منها، لكن قصد الدِّين أولى وأهم؛ ولذلك قال: ((فاظفر بذات الدِّين)). (13)
و((الحسب)) هنا (14) : الشرف، =(4/215)=@ والرفعة. وأصله من الحساب ؟ الذي هوالعدد، وذلك أن الشريف يعد لنفسه ولآبائه مآثر جميلة وخصالاً شريفة. والحسب - بسكون السين -: المصدر، وبفتحها: الاسم. كالنَّفْض، والنَّفَض (15) ، والقَبْض، والقَبَض. وقد يراد بالحسب: قرابة الرجل، وأهله، وذريته؛ كما جاء في وفد هوازن؛ إذ (16) قيل لهم: اختاروا، إما المال، وإمَّا السبي. فقالوا: إنا نختار الحسب (17) . فاختاروا أبناءهم (18) ونساءهم. وقد تقدم القول على: ((تربت يداك)).
ولا يُظَّنُّ من هذا الحديث أن مجموع هذه الأربع (19) والمساواة فيها هي الكفاءة (20) ، فإن ذلك لم يقل به أحدٌ من العلماء فيما علمت، وإن كانوا قد اختلفوا في الكفاءة (21) ما هي؟
فعند مالك: الكفاءة (22) في الدِّين. فالمسلمون بعضهم لبعض &(4/171)&$
__________
(1) قوله: ((هنا)) سقط من (أ).
(2) في (أ): ((قال)).
(3) في (ب): ((راوه)).
(4) في (ك): ((أبوداود)).
(5) في (أ): ((لعابها)) بلا واو.
(6) في (ب): ((بضم)).
(7) قال الحافظ في"الفتح" (9/122) على رواية ولُعابها بضم الميم: ((وفيه إشارة إلى مَصِّ لسانها ورشف شفتيها؛ وذلك يقع عند الملاعبة والتقبيل، وليس هوببعيد، كما قال القرطبي)).
(8) في (ب): ((إخوته)). وفي (ح): ((أخويه)).
(9) في (ب): يشبه أن تكون ((كذلك)).
(10) في (ب): ((مصالح))، وفي (ح) و(ك): ((ومصالح)).
(11) في (أ): ((الأربعة)).
(12) في (أ): ((المرعيَّة))، ولعل المثبت هوالأصواب .
(13) في أصل (أ) زيادة ما نصَّه: في كتاب "ربيع الأبرار" للزمخشري في الحديث: « تنكح النساء على أربع: الجمال، والنسب، والمال، والدين ». فمن نكح للجمال عاقبه الله بالغيرة، ومن نكح للنسب عاقبه الله بالذل، ومن نكح لللمال لم يخرج من الدنيا حتى يبتليه الله بمالها، ثم يُقَسِّي قلبها، فلا تعطه قليلاً ولا كثيرًا، ومن نكح للدين أعطاه الله المال والجمال والنسب،وخير الدنيا والآخرة)).وكتب على أوله ((صح))، وفي الحاشية: ((تميم))، وكتب ((صح)) في آخر النص على قوله: ((الآخرة )). وهذا تميم معنى مكانه الهامش، ولكن الناسخ وضعه داخل الأصل سهوًا .
(14) قوله: ((هنا)) سقط من (ب).
(15) في (ب) و(ح) و(ك): ((كالنقض والنقض)).
(16) في (ب): ((لما)) بدل ((إذ)).
(17) رواه موسى بن عقبة في المغازي . قاله الحافظ في "الفتح" (8/33).
(18) في (ب) و(ح): ((بناتهم)).
(19) في (أ): ((الأربعة)).
(20) في (أ) و(ب) و(ح): ((الكفاية)).
(21) في (أ) و(ك): ((الكفاية)).
(22) في (أ) و(ك): ((الكفاية)).(4/171)
أكفاء، والمولى كفؤ للقُرشيّة. وروي مثله عن عمر (1) ، وابن مسعود (2) ، وجماعة من الصحابة والتابعين.
وقال غيره: الكفاءة (3) معتبرة في الحال والحسب. فعند أبي حنيفة: قريش كلهم أكفاء، وليس غيرهم من العرب لهم بكفؤ. والعرب بعضهم لبعض أكفاء، وليس الموالي لهم بأكفاء. ومن له من الموالي أبًا في الإسلام؛ فبعضهم لبعض أكفاء، وليس المعتق نفسه لهم بكفؤ. (4)
وقال الثوري: يفّرق بين العربية والمولى، وشدَّدَ (5) في ذلك، وقاله أحمد (6) . قال (7) الخطابي: الكفاءة (8) في قول أكثر العلماء في =(4/216)=@ أربعة: في الدِّين، والنَّسب، والحرِّية، والصناعة. واعتبر بعضهم السلامة من العيوب. والكل منهم متفقون على أنه لا يعتبر في الكفاءة المساواة فيما يُعَدُّ كفاءة (9) ، بل يكفي أن يكونا ممن ينطلق عليهما (10) اسم ذلك المعنى المعتبر في الكفاءة (11) . فالمفضول كفؤ للأفضل (12) ، والمشروف كفؤ للأشرف؛ لأنهما قد اشتركا في أصل ذلك المعنى.
وقد استدل أصحابنا بهذا الحديث: على أن للزوج (13) حق الاستمتاع والتجمُّل بمال الزوجة. ووجه ذلك: أنها إذا كانت ذات مال رغب الزوج فيها ووسّع في المهر لأجل المال، وبذل لها من ذلك أكثر مما (14) يبذل للفقيرة. وقد سوَّغ الشرع هذا القصد، فلا بدَّ له من أثر (15) ومقابل، لا جائز أن يكون عين مالها بالاتفاق، فلم يبق إلا أن يكون الاستمتاع، والتجمُّل به، وكفاية كثير من المؤن. وينبني (16) على ذلك: أنها تُمنع من تفويت مالها كلِّه لأجل حق الزوج.
وقد شهد بصحة هذا الاعتبار قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما خرَّجه النسائي من حديث عمروبن شعيب، عن أبيه، عن جده: أنه ? قال: ((لا يحل لامرأة أن تقضي في ذي بال من مالها إلا بإذن زوجها)) (17) . قال الإمام أبوعبد الله: وفي ظاهر هذا حجة لقولنا: إن المرأة إذا رفع لها الزوج في الصَّداق ليسارها، ولأنها تسوق (18) إلى بيته من الجهاز ما جرت عادة أمثالها به، وجاء الأمر بخلافه، فإن للزوج مقالاً في ذلك، ويحط (19) عنه من الصَّداق الزيادة (20) التي زادها =(4/217)=@ لأجل الجهاز على الأصح عندنا، على أصلنا؛ إذ قد (21) كان المقصود من &(4/172)&$
__________
(1) أخرجه عبدالرزاق في "المصنف" (6/152 رقم10321)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (4/53 رقم17693) كتاب النكاح، باب ما قالوا في الأكفاء في النكاح، من طريق محمد بن سيرين، قال: قال عمر بن الخطاب: ما بقي فيّ شي من أخلاق الجاهلية، إلا أني لا أبالي أي المسلمين نكحت، وأيهم أنكحت .
وسنده ضعيف لإرساله، محمد بن سيرين لم يدرك عمر بن الخطاب .
(2) تقدم تخريجه في الطهارة، باب في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة وغسل المستحاضة .
(3) في (أ) و(ك): ((الكفاية)).
(4) .
(5) في (ب): ((وشد)).
(6) قوله: ((وقاله أحمد)) سقط من (ب) و(ح).
(7) في (ب) و(ح): ((وقال)).
(8) في (أ): ((الكفاية)).
(9) في (أ): ((الكفاية)).
(10) في (ب) و(ح): ((عليه)).
(11) في (أ): ((الكفاية)).
(12) في (ب) و(ح): ((للفاضل)).
(13) في (ب) و(ح): ((للأزواج)).
(14) في (ب): ((ما)) بدل ((مما)).
(15) في (ب): ((إثراء)).
(16) في (ب): ((ويبنى)).
(17) أخرجه النسائي في "الكبرى" (4/135 رقم6592) في العمرى، باب عطية المرأة بغير إذن زوجها.
(18) في (ح): ((تشوق)).
(19) في (ح): ((وينحط)).
(20) قوله: ((الزيادة)) سقط من (ب) و(ح).
(21) قوله: ((قد)) سقط من (أ).(4/172)
الجهاز في حكم التبع لاستباحة البضع، كمن اشترى سلعتين، فاستُحِقَّت (1) الأدنى (2) منهما، فإنَّه إنما ينقض البيع في قدر المستحقَّة خاصة.
قال القاضي: وإذا تقرر: أن للزوج حق الاستمتاع؛ فان مكنته من ذلك؛ أي: من الاستمتاع بالجهاز (3) ، وطابت نفسها به كان له ذلك، وإن منعته (4) ، فله بقدر (5) ما بذل من الصَّداق. وعلى هذا اختلفوا في إجبارها على التجهيز بصداقها. فألزمها ذلك مالك، ولم يجز لها منه قضاء دينٍ، ولا نفقة في غير جهازها؛ إلا أن تنفق (6) اليسير من الكثير. وقال الكوفيون: لا تُجبر على شيء، وهومالها، تفعل فيه (7) ما تشاء، والله أعلم.
ومن باب مَنْ قَدم من سفر فلا يعجل بالدخول على أهله (8)
قوله: ((فلما أقفلنا))؛ كذا لابن ماهان. ووجه الكلام: قفلنا (9) – ثلاثيًّا -، يقال: قفل الجند من مبعثهم؛ أي: رجعوا، وأقفلهم الأمير، وقَفَلَهُمْ أيضًا. وتحتمل (10) &(4/173)&$
__________
(1) في (ب) و(ح) و(ك): ((فاستحق)).
(2) في (ب): ((الأذى)).
(3) قوله: ((أي من الاستمتاع بالجهاز)) سقط من (ب) و(ح).
(4) في (ب) و(ح): ((ضيعته)).
(5) في (ب): ((مقدار)).
(6) في (ب): ((ينفق)).
(7) في (ب) و(ح): ((به)).
(8) في (ب): ((على أهله بالدخول)).
(9) في (ك): ((فقلت)).
(10) في (ب): ((ويحتمل)).(4/173)
الرواية أن تكون (1) بفتح اللام؛ أي: أقْفَلَنَا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتحتمل (2) أن تكون (3) اللام ساكنة. ويكون معناه: أقفل بعضنا بعضًا. ورواه ابن سفيان: ((أقبلنا))، بالباء المنقوطة بواحدة (4) ، من الإقبال.
و((القطوف)): هوالبعير البطيء المشي، المتقارب الخطو (5) ؛ قاله الخليل =(4/218)=@ وغيره. قال الثعالبي: إذا كان الفرس يمشي وثبًا وثبًا؛ فهوقطوف، فإن كان يرفع يديه ويقوم على رجليه؛ فهوشبوب (6) ، فإن (7) كان يلتوي برأسه حتى يكاد يسقط عنه (8) راكبه؛ فهوقموص، فإذا كان مانعًا ظهره؛ فهوشموس.
و((العَنَزَةُ)): عصا مثل نصف الرمح (9) ، أوأكثر (10) ، وفيها: زُجٌّ (11) ؛ قاله أبوعبيد. قال الثعالبي: فإن طالت شيئًا؛ فهي (12) النيزك، ومِطْرَدٌ، فإذا زاد طولها وفيها سنان عريض (13) ؛ فهي (14) آلة وحربة.
وقوله: ((فانطلق بعيري كأجود ما أنت راءٍ (15) ))؛ أي: كأسرع بعير تراه من الإبل. وهذا من بركات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن كراماته.
وقوله: ((أمهلوا حتى ندخل ليلاً))؛ أي: ارفقوا (16) .
و((الشَّعِثَة)): المتغيرة الحال والهيئة. و((تَسْتَحِدَّ)): تستعمل الحديدة؛ يعني (17) به: حلق العانة (18) . و((الْمَغِيبة)): هي (19) التي غاب عنها زوجها. يقال (20) : أغابت المرأة، فهي مغيبة (21) - بالهاء -، وأشهدت: إذا حضر زوجها. فهي: مُشْهِد - بغير هاء -.
وفي هذا من التنبيه على رعاية المصالح الجزئية في الأهل، والإرشاد إلى مكارم الأخلاق، وتحسين المعاشرة ما لا يخفى. وذلك: أن المرأة تكون في حالة (22) غيبة زوجها على حالة بذاذة، وقلَّة مبالاة بنفسها، وفي شعث. فلوقَدِمَ الزوج عليها وهي في تلك =(4/219)=@ الحال ربما نفر منها، وزَهِدَ فيها، وهانت (23) عليه. فنبَّه على ما يزيل ذلك، ولا يعارض قوله: ((حتى ندخل (24) ليلاً)) نهيه في الحديث الآخر عن أن يطرق الرَّجل أهله (25) ؛ لأن ذلك إذا لم يتقدَّم إليهم خبره؛ لئلا يستغفلهم، ويرى (26) منهم ما يكرهه. وقد جاء هذا (27) مبيَّنًا في الجهاد؛ إذ قال: ((كان (28) لا يطرق أهله &(4/174)&$
__________
(1) في (ب): ((يكون)).
(2) في (ك): ((ويحتمل)).
(3) في (ب): ((يكون)).
(4) في (ك): ((أقبلنا بالموحدة)).
(5) في (ب): ((الخطوة)).
(6) في (ب): ((شوب)).
(7) في (أ) و(ك): ((فإذا)).
(8) في (ب): ((عنه عند)).
(9) في (ب) و(ح): ((الذراع)).
(10) في (ب) و(ح): ((وأكثر)).
(11) الزُّجُّ - بالضم -: هي الحديدة التي في أسفل الرمح، والجمع: زِجَجَة، بوزن: عِنَبَة . انظر "مختار الصحاح" (ص113)، مادة: ز ج ج .
(12) في (أ): ((فهو)).
(13) في (ح): ((عويض)).
(14) في (ب) و(ح): ((فهو)).
(15) في (ب) و(ح): ((راي)).
(16) في (ب): ((أوفقوا )). وفي (ح): ((أوقفوا)).
(17) في (ح): ((تعني))، وفي (ب): ((نعني)).
(18) كتب في حاشية (ك): ((شعر العانة)).
(19) في (أ): ((أي)).
(20) في (ك): ((ويقال)).
(21) في (ك): ((معيبة)).
(22) في (ب) و(ح): ((حال)).
(23) في (ب) و(ح): ((فأهانت)).
(24) في (ح): ((يدخل)) و(أ).
(25) أخرجه البخاري (3/619 رقم1800) في العمرة، باب الدخول بالعشي، ومسلم (3/1527 رقم 1928) في الإمارة، باب كراهة الطروق، وهوالدخول ليلاً، لمن ورد من سفر .
(26) في (ب): يشبه ((وترزي)).
(27) قوله: ((هذا)) سقط من (ب) و(ح).
(28) قوله: ((كان)) سقط من (ب) و(ح).(4/174)
ليلاً))، وكان يأتيهم غدوًّا وعشيًّا. وقد جاء في حديث النهي عن الطروق التنبيه على علَّة أخرى. وهي: أنه لا يطرقهم يتخوَّنهم، ويطلب (1) عثراتهم (2) . وهومعنى آخر غير الأول. وينبغي أيضًا: أن يجتنب (3) الطروق لأجل ذلك.
وقوله: ((فإذا (4) قدمت فالكَيْس الكَيْس)). قال ابن الأعرابي: الكَيْس: الجماع، والكَيْس: العقل. فكأنه جعل طلب الولد (5) عقلاً. ومنه الحديث: أي المؤمنين أكْيَس))؛ أي: أعقل (6) . =(4/220)=@
ومن باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة
قوله: ((الدُّنيا متاع))؛ أي: شيء يتمتع به حينًا (7) ما، كما قال تعالى: {قل متاع الدنيا قليل} (8) .
و((المرأة الصَّالحة)): هي الصالحة في نفسها، وفي دينها (9) . والْمُصْلِحَةُ لحال (10) زوجها. وهذا كما قال (11) في الحديث الآخر: ((ألا أخبركم بخير ما يكنزه (12) المرء ؟)) قالوا: بلى. &(4/175)&$
__________
(1) قوله: ((ويطلب)) غير واضح في (ح). وأشير لها بسهم وكتب: تراجع.
(2) مسلم (3/1528 رقم184/715) في الإمارة، باب كراهة الطروق، وهوالدخول ليلاً، لمن ورد من سفر .
(3) في (ب): ((يجنب)).
(4) في (ب): ((إذا)).
(5) في (ب): ((الوعد)).
(6) في (ب): ((أي شيء أعقل)).
(7) في (ب): ((حيًّا)).
(8) سورة النساء؛ الآية: 77.
(9) في (ب) و(ح): ((في دينها ونفسها)).
(10) في (ب): ((بحال)).
(11) قوله: ((قال)) سقط من (ب).
(12) في (ب): ((يكنز)).(4/175)
قال: ((المرأة الصالحة؛ التي إذا نظر إليها سرّته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته)) (1) .
وقوله: ((إن المرأة خلقت من ضلع)) هذا يؤيد ما ينقله المفسِّرون: أن =(4/221)=@ حواء خلقت من آخر أضلاع آدم عليهما السلام، وهي: القصيرى (2) - مقصورًا (3) -. ومعنى ((خلقت))؛ أي: أخرجت كما تخرج النخلة من النَّواة. ويحتمل أن يكون هذا قصد به المثل. فيكون معنى ((من ضلع)) (4) ؛ من مثل ضلع (5) . أي فهي كالضلع (6) . ويشهد له قوله (7) : ((لن (8) تستقيم لك على طريقة، فان استمعت بها؛ استمتعت وبها عوج (9) ، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكَسْرُهَا طلاقُها)) (10) .
و((عَوَج))- بالفتح -: في الأجسام المحسوسة. و((عِوَج))- بالكسر-: في المعاني.
وقوله: ((واستوصوا بالنساء خيرًا (11) ))؛ أي: اقبلوا وصيتي فيهن، واعملوا بها، فاصبروا عليهن (12) ، وارفقوا بهنَّ، وأحسنوا إليهنَّ.
وقوله: ((لا يَفْرك مؤمن مؤمنة))؛ أي: لا يبغضها بغضًا كليًّا يحمله على فراقها؛ أي: لا ينبغي له ذلك، بل يغفر سيئها لحسنها، ويتغاضى عما يكره لِمَا يحب. وأصل الفرك إنما يقال في النساء. يقال: فركتْ المرأةُ زَوْجَها تفركه. فِركًا - بكسر الفاء -: أبغضته. وكذلك فركها زوجها. ولم يسمع هذا الحرف في غير الزوجين (13) . وأبغضت (14) الرَّجلَ امرأتُه. وقد استعمل الفرك في الرَّجل قليلاً، وتجوّزًا. ومنه ما في هذا الحديث . =(4/222)=@
وقوله: ((لولا حواء لم تخن أنثى زوجها))؛ يعني: إنها أمُّهُنَّ فأشْبَهْنَها (15) بالولادة، ونزع (16) العِرْق؛ لما جرى في قصة (17) الشجرة مع إبليس، فإنه أغواها من قَبْلِ آدم عليه الصلاة والسلام، حتى أكلت من الشجرة، ثم إنها أتت آدمَ عليه الصلاة والسلام فزيَنتْ له ذلك، حتى حملته على أن أكل منها (18) . &(4/176)&$
__________
(1) أخرجه أبوداود (2/305-306 رقم1664) في الزكاة، باب في حقوق المال .
(2) في (ب): ((القيصرا)). وفي (ك): ((القصيرأ)).
(3) كذا في (ح) و(ك): ((مقصورٌ))، ، وسقطت من (أ)، ولعل الصواب: ((مقصورٌ))، وفي (ب): ((مقصورًا)).
(4) في (أ): ((من ظلع)).
(5) في (أ): ((ظلع)).
(6) في (أ): ((كالظلع)).
(7) قوله: ((قوله)) سقط من (ب) و(ح).
(8) في (ب): ((أن)).
(9) في (ب): ((استمتعت بها وفيها عوج)).
(10) ............
(11) قوله: ((خيرًا)) سقط من (ب) و(ح).
(12) قوله: ((بها فاصبروا عليهن)) سقط من (ب) و(ح).
(13) من قوله: ((فِركًا بكسر الفاء ....)) إلى هنا سقط من (ب) و(ح) و(ك).
(14) في (أ) و(ك): ((أبعض))، وفي (ح) رسمت هكذا: ((أبغضتر)).
(15) في (ب): ((فأشبهها)).
(16) في (ب) و(ح): ((ونزاع)).
(17) في (ب) و(ح): ((قصد)).
(18) ........(4/176)
وقوله: ((ولولا بنوإسرائيل لم يَخْبُث (1) الطعام ولم يَخْنَز اللحم))، يقال: خَنَزَ اللَّحم - بفتح النون في الماضي، وقد تُكْسر (2) أيضًا - خَنَزًا وخُنُوزًا: إذا تغيَّر. ومثله: خَزِنَ (3) - بكسر الزاي - يَخْزَنُ خَزْنًا وخَزَنًا (4) . قال طرفة: نحن لا يَخْزُنُ فينا لَحْمُهَا (5) إنَّما يَخْزَنُ لحمُ الْمُدَّخِر (6) .
ويروى: يَخْنَزُ (7) . ويعني به (8) : أنه لما أنزل الله تعالى على بني إسرائيل الْمَنَّ والسلوى، كان الْمَنَّ يسقط عليهم في مجالسهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كسقوط الثلج، فيؤخذ منه بقدر ما يغني ذلك اليوم، إلا (9) يوم الجمعة فيأخذون منه للجمعة (10) والسبت، فإن تَعَدَّوا (11) إلى أكثر من ذلك فسد فادّخروا (12) ، ففسد عليهم، فكان ادخارهم فسادًا للأطعمة عليهم وعلى غيرهم، والله تعالى أعلم. =(4/223)=@ &(4/177)&$
__________
(1) في (ب): ((يخنث)) و(أ).
(2) في (أ): ((وقد يكسر)).
(3) في (ح): ((حزن)).
(4) قوله: ((وخزنًا)) سقط من (ب) و(ح).
(5) في (ك): ((لحمنا)).
(6) في (ب): ((الذخر)).
(7) في (ب) و(ح): ((نخنز)).
(8) قوله: ((به)) سقط من (أ) و(ك).
(9) في (أ): ((إلى)).
(10) في (أ): ((الجمعة)).
(11) في (أ): ((قعدوا)).
(12) في (ب): ((ما دخروا)).(4/177)
كتاب الطلاق
الطلاق هو: حل العصمة المنعقدة (1) بين الأزواج بألفاظ مخصوصة. والفسخ هو: إزالة ما يتوَّهم انعقاده لموجب يمنع العقد. وقد يطلق الفسخ ويراد به الطلاق على (2) ما يأتي إن شاء الله تعالى (3) .
ومن باب طلاق السُّنَّة
قوله: «إن ابن عمر طلَّق امرأته (4) وهي حائض، فسأل عمرُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن (5) ذلك؟ فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يراجعها». وفي الرواية الأخرى: «أن عمر لما ذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - تغيَّظ، ثم أمره بمراجعتها.
فيه دليلٌ: على أن الطَّلاق في الحيض يحرم؛ فانه أنكره بتغيُّظه عليه، مع أن ابن عمر لم يكن عرف تحريم ذلك عليه. فتغيَّظَ (6) بسبب ذلك وأمره بالمراجعة. وهو مذهب الجمهور. =(4/224)=@ &(4/178)&$
__________
(1) في (ب): «المعنقدة».
(2) في (ب) و(ح): «وعلى».
(3) زاد في (ب): «والله أعلم».
(4) جاء في حاشية (أ) - في تسمية زوج امرأة ابن عمر - ما نصّه: «اسمها: آمة بنت غفار».
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (9/347)/ قال النووي في "تهذيبه": اسمها آمنة بنت غفار. قاله ابن باطيش. ونقله عن النووي جماعة ممن بعده؛ منهم: الذهبي في "تجريد الصحابة"، لكن قال في "مبهماته": فكأنه أراد مبهمات التهذيب وأوردها الذهبي في آمنة بالمد وكسر الميم، ثم نون، وأبوها: غفار، ضبطه ابن يقظة بكسر المعجمة، وتخفيف الفاء. ولكني رأيت مستند ابن بأطيش في أحاديث قتيبة جمع سعيد العيار بسند فيه ابن لهيعة: أن بن عمر طلق امرأته آمنة بنت عمار، كذا رأيتها في بعض الأصول بمهملة مفتوحة، ثم ميم ثقيلة. والأوَّل أولي وأقوى من ذلك ما رأيته في "مسند أحمد" قال: حدثنا يونس، حدثنا الليث، عن نافع: أن عبدالله طلق امرأته وهي حائض، فقال عمر: يا رسول الله ! أن عبد الله طلق امرأته: النوار. فأمره أن يراجعها..، الحديث. وهذا الإسناد على شرط الشيخين. ويونس: شيخ أحمد؛ هو: ابن محمد المؤدب من رجالهما. وقد أخرجه الشيخان عن قتيبة، عن الليث. ولكن لم تسم عندهما، ويمكن الجمع: بأن يكون عدا آمنة، ولقبها: النوار».
تنبيه: وقع في المطبوع من "الفتح" (9/347) قوله: «ضبطه ابن يقظة بكسر المعجمة» الخ؟ كذا وقع «ابن يقظة» وهو تحريف، والصواب: «ابن نقطة». وانظر كتاب "تكملة الإكمال" له (4/181)، و"التلخيص الحبير" (3/419/طبع مؤسسة قرطبة) ففيه التصريح بفرد هذا القول إلى ابن نقطة وإلى كتابه الآنف الذكر.
(5) قوله: «عن ذلك» سقط من (ب) و(ح).
(6) في (ب): «فيغيظ».(4/178)
واختُلف في منع (1) الطلاق في الحيض. فقيل: هو عبادة غير معقولة. وقيل: هو معلَّل بتطويل العِدَّة. وهذا على أصلنا في أن الأقراء هي: الأطهار. وينبني (2) على هذا الخلافِ الخلافُ في المطلّقة قبل الدخول والحامل في حال (3) الحيض. فإذا قلنا: هو عبادة لم يجز أن يُطَلَّقَا وهما حائضان، وإذا قلنا هو للتطويل جاز ذلك؛ لأن المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها، ولأن عدة الحامل وضع حملها.
وقيل: إن علّة ذلك: خوف الإسراع إلى الطلاق، والتساهل فيه لسبب (4) : أنه لا يتلذذ (5) الزوج بوطئها لأجل الحيض، بل تنفر (6) نفسُهُ منها، ويهون عليه أمرها غالبًا، فقد تحمله تلك الحالة على الإسراع في الطلاق، والتساهل فيه.
و«الطلاق أبغض الحلال إلى الله» (7) ، كما قاله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنه نقيض الألفة المطلوبة شرعًا، وإنما شُرع (8) الطلاق تخلُّصًا من الضرر اللاحق بالزوج؛ ولذلك (9) كُرِهَ الطلاق من غير سبب. وإلى هذا (10) الإشارة بقوله: «لا يفرك مؤمن مؤمنة» (11) ، و«المرأة خلقت من ضلع أعوج» (12) ؛ الحديثين المتقدمين.
وأمره - صلى الله عليه وسلم - ابن عمر بالمراجعة؛ دليل لمالك على وجوب الرجعة في مثل ذلك. وهو حجة على أبي حنيفة والشافعي، حيث قالا: لا يجب ذلك.
وفيه دليل: على أن الطلاق في الحيض يقع، ويلزم. وهو مذهب الجمهور خلافًا لمن شذَّ وقال: إنه لا يقع (13) . ثم إذا حكمنا بوقوعها (14) اعتد بها له من عدد الطلاق الثلاث. كما قال نافغ، وابن عمر في هذا الحديث على مايأتي. &(4/179)&$
__________
(1) قوله: «منع» سقط من (ب).
(2) في (ب): «ويبنى».
(3) قوله: «حال» سقط من (ب) و(ح).
(4) في (ب) و(ح): «بسبب».
(5) في (ب) و(ح): «لا يلتذ».
(6) في (ب): «تنفره».
(7) روي من حديث ابن عمر موصولاً ومرسلاً.
فأخرجه ابن ماجه (1/650 رقم2018) كتاب الطلاق، باب حدثنا سويد بن سعيد، وابن حبان في طالمجروحين" (2/64)، وعنه ابن عدي (4/323)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/638). وأخرجه تمام في "الفوائد" (3/7 رقم798/الروض البسام). جميعهم من طريق عبيدالله بن الوليد الوصافي، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أبغض الحلال إلى الله الطلاق».
وعبيدالله الوصافي: قال أحمد: ليس بمحكم الحديث، يكتب حديثه للمعرفة.
وقال النسائي والفلاس: «متروك الحديث». وقال النسائي أيضًا: «ليس بثقة ولا يكتب حديثه». وقال العقيلي: «في حديثه مناكير، لا يتابع على كثير من حديثه». وقال ابن عدي: «هو ضعيف جدًّا، يتبين ضعفه على حديثه». "تهذيب الكمال" (19/175)، و"الكامل" (4/324)، وفي "التقريب" (4350): «ضعيف».
وله طرق أخرى: فأخرجه أبو داود (2/631-632 رقم2178) كتاب الطلاق، باب في كراهية الطلاق، من طريق محمد بن خالد، عن مِعرف بن واصل، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر...، فذكره مرفوعًا.
ومن طريق أبي داود: أخرجه البيهقي (7/322).
وروي مرسلاً:
فأخرجه (2/631 رقم 2177) في الموضع السابق، عن أحمد بن يونس، عن معرف، عن محارب...، مرسلاً. ومن طريق أبي داود: أخرجه البيهقي (7/322).
وأخرجه الحاكم (2/196) من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن أحمد بن يونس، عن معرف بن واصل، عن محارب، عن ابن عمر مرفوعًا.
ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي (7/322).
قال الحاكم: «صحيح الإسناد ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي. وتعقبهما البيهقي بقوله: «هذا حديث أبي داود، وهو مرسل، وفي رواية ابن أبي شيبة - محمد بن عثمان - عن عبدالله بن عمر موصولاً، ولا أراه حفظه».اهـ.
وقد تابع أحمد بن يونس على إرساله: يحيى بن بكير، كما عند البيهقي (7/322)، ووكيع بن الجراح، كما عند ابن أبي شيبة (4/1397) كتاب الطلاق، باب من كره الطلاق من غير ريبة.
وقد رجح المرسل: أبو حاتم كما في "العلل" لابنه (1/431 رقم1397)، والدارقطني في "العلل"، كما حكاه الحافظ في "التلخيص" (3/417)، والبيهقي كما تقدم، والمنذري والخطابي كما في "تهذيب السنن" (3/92)، والحديث ضعفه الألباني في "الإرواء" (7/106 رقم2040).
(8) في (ب) و(ح): «جعل».
(9) في (ب): «وكذلك».
(10) في (أ): «هذه».
(11) تقدم قريبًا في النكاح، باب خير متاع الدنيا...
(12) أخرجه البخاري (6/363 رقم3331) في أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم وذريته. و(9/252 رقم5184) في النكاح، باب المداراة مع النساء...، و(9/253 رقم5186) في النكاح، باب الوصاة بالنساء. ومسلم (2/1091 رقم1468/59-60) في الرضاع، باب الوصية بالنساء.
(13) .....
(14) في (ب): «بوقوعه».(4/179)
وقوله: «ثم يتركها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر»؛ اختُلف في المعنى =(4/225)=@ الذي لأجله منعه من (1) إيقاع الطلاق في الطهر الثاني للحيضة التي طنق فيها. فقيل (2) فيه أقوال:
أحدها: أنه لو طتق فيه لكان كالموقع طلقتين في قُرْءٍ واحد، من حيث: إنه لا يعتدّ بالحيض الذي طلّق فيه من العِدَّة، وليس كذلك طلاق السُّنَّة.
وثانيها: أنها (3) مؤاخذة بنقيض القصد، من حيث: إنه عجَّل ما حقَّه أن يتأخر، فكان كمستعجل (4) الميراث (5) بقتل مُوَرِّثه (6) . وله نظائر (7) . ولا يقال: إن هذا ليس بشيء؛ لأن ابن عمر لم يقصد فعل المحرم؛ إذ لم يعلم التحريم، فلا يعاقب؛ لأنَّا نقول: هو تقعيد القاعدة، وبيان حكمها مطلقًا، وليس هذا من قبيل العقوبة الأخروية، وإنما هذا (8) من قبيل ربط الأحكام بالأسباب، كما لو حلف فحنث ساهيًا، فإنه يقع الحنث وإن لم يكن مأثومًا.
وثالثها: إنما منع من ذلك لتَتَحَقَّق (9) الرجعة؛ لأنه إن لم يمس فيه؛ فكأنه ارتجع للطلاق، لا للنكاح (10) . وليس هذا موضوع الرجعة.
ورابعها: ليطول مقامه معها. ويتمكن منها بزوال (11) الحيض، فتزول تلك النُّفْرَة التي ذكرناها، فيتلذذ، ويطأ (12) ، فيمسك، ويحصل مقصود الزوجية، والألفة. وهذا أشبهها، وأحسنها، والله أعلم.
وقوله: «فتلك العدّة التي أمر الله أن تطلّق لها النساء».«تلك»: إشارة إلى الحالة التي عيَّنها بقوله المتقدم؛ لجواز (13) إيقاع الطلاق فيها، وهي أن تكون في طهر لم تُمَسَّ فيه، وهي حوالة على قوله تعالى: {إذاطلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} (14) . وفي بعض رواياته: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ الآية: (فطلقوهن لِقُبُلُ =(4/226)=@ عدَّتهن).
وفيها دليل واضح لمالك، ولمن قال بقوله: على أن الأقراء هي الأطهار. كما قالت عائشة (15) ، وغيرها. وهي حجة على من قال: إن الأقراء هي الدِّماء؛ وهو أبو حنيفة، وغيره.
وقد دلَّ هذا الحديث: على أن طلاق السُّنه يراعى فيه وقت &(4/180)&$
__________
(1) قوله: «من» سقط من (ب) و(ح).
(2) في (ب): «يفيل».
(3) في (ب) و(ح): «أنه».
(4) في (ب): «كالمستعجل».
(5) في (ب) صوبها الناسخ إلى: «للميراث».
(6) في (أ): «موروثه»، وكذا في حاشية (ح).
(7) في (أ): «هذا كفعل عبدالرحمن بن عوف إذ طلق زوجته في حال مرضه. فقضى عثمان لها بالميراث».اهـ.
وهذا الأثر أخرجه مالك (1183)، والشافعي في "المسند" (1/294)، وعبدالرزاق (12192)، وسعيد بن منصور (2/66)، وابن أ[ي شيبة (19033)، وابن سعيد (29918) من طرق عن عثمان بن عفان رضي الله عنه به.
(8) في (ب) و(ح): «هو».
(9) في (ب) و(ح): «لتحقق».
(10) في (ب) و(ح): «النكاح».
(11) في (أ): «بزال».
(12) في (ب) و(ح): «فيطأ».
(13) في (ب) و(ح): «بجواز».
(14) الآية (1) من سورة الطلاق.
(15) أخرجه مالك (2/576-577 رقم54) كتاب الطلاق، باب ما جاء في الأقراء. عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة: «إنما الأقراء: الأطهار».(4/180)
الطهر (1) . وهل يكفي ذلك في كون الطلاق للسُّنه، أو لابدَّ من زيادة قيود أُخَر.
فقال الشافعي وأحمد وأبو ثور: يكفي ذلك، وليس في عدد الطلاق سنة ولا بدعة.
وقال مالك وعامَّة أصحابه: لابدَّ في طلاق السُّنَّة من أن يعتبر مع الوقت أن يطلقها واحدة، ويتركها حتى تنقضي عدتها، ولا يُرْدِفُهَا (2) ، ومتى (3) خالف شيئًا من ذلك خرج عن طلاق السُّنة، ووصف بالبدعة.
وقال أبوحنيفة وأصحابه: هذا أحسن الطلاق. وله قول آخر: إن شاء طلقها ثلاثًا، طلقها في كل طهر مرَّة. وكلاهما عند الكوفيين طلاق سنة. وقاله ابن مسعود (4) . واختُلف فيه قول أشهب. فقال مرة
مثل ذلك. وقال مرة: يجوز أن يرتجع، ثم يطلق ثلاثًا.
ومعنى طلاق السُّنَّة: هو الواقع على الوجوه المشروعة، وطلاق البدعة نقيضه.
وقد اختُلف فيما إذا طلقها في طهر مسَّ فيه. فالجمهور على أنه لا يجبر على الرجعة. وقد شذَّ بعضهم فقال (5) : يُجبر كما يُجْبر عليها في الحيض. والفريقان متفقان: على أن ذلك لا يجوز لإلباس العدة عليها؛ لأنها إن لم تكن حاملاً اعتدّت بالأقراء، وإن كانت حاملاً (6) اعتدت بوضع الحمل، ولإمكان وقوع الندم للمطلِّق عند ظهور الحمل. =(4/227)=@
واختُلف عندنا فيما إذا لم تُرْتَجع (7) المطلقة في الحيض حتى جاء الطهر الذي يجوز أن تطلق فيه. هل يُجبر على الرجعة؛ لأنها حن عليه، ولا يزول بزوال وقته (8) ، أو لا يجبر؛ لأنه قادر على إيقاع الطلاق في
الحال فلا معنى للرجعة.
وقوله: «إنه طلقها تطليقة واحدة»؛ هذا هو الصحيح، أنها كانت واحدة. ورواية من روى: أنها كانت ثلاثًا وَهْمٌ، كما ذكره مسلم عن ابن سيرين (9) : أنَّه أقام عشرين سنة يحدّثه من لا يتهم: أنه (10) طلقها ثلاثًا حتى أتى الباهليُّ، واسمه: يونس (11) بن جُبَيْر، يكنى: أبا غَلاب، بفتح الغين، وتخفيف اللام عند أبي بَحْرٍ، &(4/181)&$
__________
(1) في (ح): «الظهر».
(2) في (ب): «يرد فيها».
(3) في (ب): «ومن».
(4) أخرجه ابن ماجه (1/651 رقم2021) كتاب الطلاق، باب طلاق السُّنة،=
والنسائي(6/140 رقم3394) كتباب الطلاق، باب طلاق السُّنة، والدارقطني (4/5)، ومن طريقه البيهقي (7/332). جميعهم من طريق الأعمش:
وأخرجه ابن جرير (4/542 رقم4786) من طريق مطرف بن طريف الحارثي، كلاهما - الأعمش، ومطرف - عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود أنه قال: طلاق السُّنة تطليقة وهي طاهر في غير جماع، فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى، فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى، ثم تعتد بعد ذلك بحيضة.
(5) في (ب) و(ح): «فقالوا».
(6) في (ب) تشبه: «حابلا».
(7) في (ب) و(ح): «يرتجع».
(8) في (ب) و(ح): «وفيه».
(9) مسلم (2/1095-1096 رقم1471/4) في الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها....
(10) في (ب) و(ح): «أنها». وفي (ب) ضرب على قوله: «أنها طلقها» وكتب في الحاشية بخط مغاير: «أن ابن عمر طلق امراته» وعليها «صح».
(11) في (أ) و(ح): «نفيس». والمثبت من (ب)، وكذا على الصواب في "صحيح مسلم" وغيره من مصادر الرواية، وكتب التراجم.(4/181)
وتشديدها عند غيره، وكذا قيَّده الأمير: أبو نصر بن ماكولا - وكان ذا ثبت - فحدَّثه عن (1) ابن عمر: أنَّه طلقها تطليقة. وقد روي كذلك من غير وجه (2) مسألة متعلقة بالطهر الذي مسَّ فيه. وتلك: أنَّ كُلَّ من قال: إن الأقراء هي الأطهار، فإذا طلَّق في طهر مَسَّ فيه، اعتدّ له بذلك الطهر عند الجمهور خلا ابن شهاب، فإنه يلغيه. وقد وجَّهت الحنفيةُ عليهم اعتراضًا؛ وهو: أنهم قالوا: أمر الله المطلقة ذات الأقراء أن تعتدّ ثلاثة أقراء، وأنتم تجعلون ذلك قرأين وبعضَ قرء، فكان قولكم مخالفًا للنص، فدلَّ ذلك على إبطال قولكم: إن الأقراء هي الأطهار. ودلَّ على صحة مذهبنا: أن الأقراء هي الحيض. وقد صحت تسمية الدَّم قرءًا في كلام العرب، كما قال: «دعي الصلاة أيام قرائك (3) ») (4) ؛ أي: دمك. وكما قال الشاعر:
يا رُبَّ ذِي ضِغْنٍ عَليَّ فَارِضِ له قُرُوءٌ كَقُروءِ الحائضِ (5) =(4/228)=@
يعني: أنه طعنه، فكان له دم كدم الحائض. وهو المنقول عن أبي عمرو، والأخفش (6) .
والجواب: أما عن قولهم: إن الأقراء هي الحيض في اللغة، فالمعارضة بأنها أيضًا فيها الأطهار (7) ؛ كما قال الشاعر، وهو الأعشى:
مورّثةٍ مالاً وفي الحيِّ غبطةٍ (8) لِمَا ضَاعَ فيها مِن قُرُوء نِسائِكا
أي: من أطهارهن.
وقالت عائشة: الأقراء: الأطهار (9) . وهو منقول عن كثير من أئمة اللغة.
والإنصاف: أن لفظ: « القرء» مشترك في اللغة، ولكنه ينطلق &(4/182)&$
__________
(1) قوله: «عن» سقط من (ب) و(ح).
(2) انظر "فتح الباري" (9/347)، و"إرواء الغليل" (7/130-135).
(3) في (ب): «قرئك».
(4) رُوي من حديث عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده، ومن حديث عائشة، وأم سلمة.
أما حديث عدي بن ثابت:
فأخرجه الدارمي (
(5) البيت عزاه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله إلى مجالس ثعلب" (ص334)، و"الأضداد" (22)، وغيرهما، ولم ينسبه إلى قائل. وذكر أن الصواب إنشاده:
يا رُبَّ مولى حاسدٍ مُباغِضِ عَليَّ ذِي ضِغْنٍ وضَبٍّ فارض
انظر "تفسير الطبري" بتعليق محمود شاكر (2/190) حاشية رقم (3).
(6) زاد في (أ): «قال الأزهرى: قال أبو عبيد: الأقراء: الحيض. والأقراء: الأطهار. وأصله من دنوِّ وقت الشيء. قال الأزهري: وقد قال الشافعي: القرء: اسم الوقت، فلما كان الحيض يجيء لوقت جاز أن تكون الأقراء حيضًا وطهرًا، وإنما السُّنة دلت على تخصيصها بالطهر. قال الزجاج بعد أن ذكر كلام أهل الفقه في ذلك: والظاهر من كلام هؤلاء العلماء أن القرء من الأضداد، يجوز إطلاقه على الحيض والطهر، وإنما السُّنة دلت على تخصيصه بالطهر، كما ذهب إليه الشافعي. ولو لم يكن فيه إلا ما قالت عائشة رضي الله عنها: «أتدرون ما الأقراء؟ هي الأطهار»؛ لكان في قولها كفاية؛ لأن الأقراء من أمر النساء، وكانت رضي الله عنها من العربية والفقه بحيث برزت على أكثر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حفظًا، وعلمًا، وبيانًا». ووضع الناسخ على أول هذا النص وآخره «صح» وكتب في الحاشية: «تتميم». وهذا يدلّ على أن هذا النص موضعه الهامش لتوضيح المعنى، وهو ليس في (ب) و(ح).
(7) في (ب) و(ح): «بأنها الأطهار أيضًا».
(8) في (ب) و(ح): «غلطة».
(9) في (ب): «الأظهار».(4/182)
عليهما، لاشتراكهما في أصل واحد، وذلك: أن أصل القُرْءِ في اللغة (1) ، هو: الجمع، كما قال الشاعر يصف ناقته:
.................... هِجَانِ (2) اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينًا (3) =(4/229)=@
أي: لم تجمع (4) في جوفها، أو التَّغَيُّر من حال إلى حال، كما قالوا: قرأ النَّجْم: إذا أفل، وإذا ظهر. وكل واحد من الأصلين موجود في الْمُسمَّى: قَرْءًا.
أمَّا الأول: فلأن الدَّم (5) يجتمع في الرَّحم في أيام الطهر، ثم يجتمع في الخروج في أيام الحيض. وأيضًا: فإن الطهر، والحيض يتصل أحدهما بالآخر، ويجتمع معه.
وأمَّا الثاني: فانتقال المرأة من حال الحيض إلى حال الطهر محسوس، وحال القرء فيما ذكرناه كحال (6) الصريم، فإنه ينطلق على الليل والنهار؛ لأن كل واحد منهما ينصرم عن صاحبه. وعند الوقوف على ما ذكرناه (7) يحصل الانفصال عما ألزمنا الحنفية من إطلاق القرء على بعض قرء، فإنه إذا كان القرء: الجمع بين الطهر والحيض، فلو طلقها في آخر (8) الطهر الذى مسَّ فيه فقد صحَّ مسمَّى القرء؛ لاجتماع الدَّم معه. وقد انفصل حالها من الطهر إلى الحيض، فصحَّ (9) الاسم، والله الموفق (10) .
وقد أجاب أصحابنا بجواب آخر، وهو: أن قوله: {ثلاثة قروء} (11) كقوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} (12) ، وهي شهران وبعض شهر. وسِرُّه: أنَّ البعض بالنسبة إلى الكل قد لا يلتفت إليه، والله أعلم.
وأمَّا ما ذهب إليه ابن شهاب فليس بشيء؛ لأنه انفرد به دون العلماء، ولأنه إذا ألغى ذلك أضرَّ بالمرأة، وزاد في تطويل العدّة طولاً كثيرًا، فإنَّه يلغي ذلك الطُّهر، والدَّم الذي بعده، فتشتد المضرَّة عليها، ويحصل الحرج المرفوع بأصل الشريعة.
وقول ابن عمر رضي الله عنهما: «إمَّا أنت طلقت امرأتك مرة أو مرتين؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرني بهذا. وإن كنت طلقتها ثلاثًا، فقد حرمت عليك، =(4/230)=@ وعصيت ربَّك».«إمَّا أنت»: هو بكسر الهمزة؛ كقولهم:
أبا خُراشة إِمَّا أنتَ ذا نَفَرِ فإن قوّمِيَ لم تَأْكُلْهُم (13) الضَّبُعُ (14)
&(4/183)&$
__________
(1) من قوله: «ولكنه ينطلق....» إلى هنا سقط من (ب) و(ح).
(2) في (ب): «هجبان».
(3) القائل: هو عمرو بن كلثوم في "ديوانه" (ص68)، وصدر البيت:
ذِرَاعِي عَيْطَلٍ أَدْمَاءَ بَكْرٍ.................
(4) في (ب): «يجتمع».
(5) قوله: «فلأن الدم» سقط من (ب) و(ح).
(6) في (ح): «حال».
(7) من قوله: «كحال الصريم فإنه....» إلى هنا سقط من (ب).
(8) من قوله: «القرء على بعض قرء....» إلى هنا سقط من (ب).
(9) في (أ) و(ش): «فيصح».
(10) في (ب) و(ح): «والله تعالى أعلم وهو الموفق».
(11) سورة البقرة؛ الآية: 228.
(12) الآية (197) من سورة البقرة.
(13) في (ب): «يأكلهم».
(14) القائل هو: عباس بن مرداس. انظر "ديوانه" (ص106) طبع مؤسسة الرسالة.(4/183)
أي: إن كنت. فحذفوا الفعل الذي يلي«إن» وجعلوا«ما» عوضًا منه، وأدغموا« إن» في«ما»، ووضعوا« أنت» مكان« التاء» في كنت. هذا قول النحويين.
وقوله: «وعصيت ربك»؛ يعني: بالطلاق ثلاثًا في (1) كلمة. وظاهره: أنه مُحَرَّم، وهو قول ابن عباس (2) المشهور عنه (3) ، وعمر (4) بن الخطاب (5) ، وعمران بن حصين (6) . وإليه ذهب مالك. وقال الكوفيون: إنه غير جائز، وإنه للبدعة.
وقال الشافعي: له أن يطلق واحدة، أو اثنتين، أو ثلاثًا (7) . كل ذلك سُنَّة. ومثله قال أحمد بن حنبل، إلا أنَّه قال: أحبُّ إليَّ أن يوقع واحدةً. وهو الاختيار. والأول أولى؛ لما يأتي إن شاء الله تعالى.
وقوله: «فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرني (8) بهذا»؛ إشارة إلى أمره - صلى الله عليه وسلم - بالمراجعة. فكأنَّه قال للسائل: إن طلقت تطليقة أو تطليقتين فأنت مأمور بالمراجعة لأجل الحيض، وإن طلقت ثلاثًا لم تكن (9) لك مراجعة؛ لأنها لا تحل لك (10) إلا بعد زوج. وكذا جاء مفسَّرًا في رواية أخرى في "الأم".
وقوله: «وإن كنت طلقت ثلاثًا؛ فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجًا غيرك، وعصيت الله»؛ دليلٌ على أن الطلاق الثلاث من كلمة واحدة محرَّم لازم إذا وقع على ما يأتي (11) وهو مذهب الجمهور. =(4/231)=@
وقوله: «مرّه فليراجعها، ثم ليطلقها (12) طاهرًا أو حاملاً»؛ فيه دليلٌ على جواز طلاق الحامل في أي وقت شاء، وإنه للسُّنة. وهو قول كافة العلماء، وهم على أصولهم. فمالك، ومحمد بن الحسن، وزفر يرون: أنَّه لا يكرر عليها الطلاق إلى أن تضع. والشافعي: يجوِّز تكرار الطلاق عليها فيه. وأبو حنيفة وأبو يوسف: يجعل بين التطليقتين شهرًا.
وقوله: «أرأيت إن عجز واستحمق (13) ؟!» هذه الرواية فيها (14) إشكال. يفسره ما وقع في رواية أخرى: «أرأيت إن كان ابن عمر عجز واستحمق(@)، فماذا يمنعه أن يكون طلاقًا»؛ يعني: أنَّه لو طرأ عليه عجز عن الرجعة أو ذهاب عقل حتى =(4/232)=@ لا &(4/184)&$
__________
(1) في (أ): «من».
(2) أخرجه أبو داود (2/646-647 رقم2197) كتاب الطلاق، باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث، والطبراني في "الكبير" (11/73 رقم11139)، والدارقطني (4/58-60).
ثلاثتهم من طريق عبدالله بن كثير، عن مجاهد، قال: كنت عند ابن عباس، فجاء رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثًا، قال: فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه، ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الحموقة، ثم يقول: يا ابن عباس ! يا ابن عباس ! وإن الله قال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا}، وإنك لم تتق الله، فلم أجد لك مخرجًا، عصيت ربك وبانت منك امرأتك، وإن الله قال: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن).
وصحح الحافظ إسناده في "الفتح" (9/362). وانظر "الإرواء" (7/120-123 رقم2055 و2056) لزامًا.
(3) قوله: «عنه» سقط من (أ).
(4) في (ب): «وعن عمر».
(5) سيأتي في الباب بعده.
(6) أخرجه ابن أبي شيبة (17788)، والحاكم في "المستدرك" (3/537)، ومن طريقه البيهقي (7/332) من طريق حميد، عن واقع بن سحبان، عن عمران بن حصين: أن رجلاً طلَّق امرأته ثلاثًا في مجلس، قال: أثم بربه، وحرمت عليه امرأته.
(7) في (ب): «واثنتين وثلاثًا».
(8) في (ب): «أمر».
(9) في (ب): «لم يكن».
(10) قوله: «لإنها لا تحل لك» سقط من (ب) و(ح).
(11) في (أ): «على ما ذكرناه آنفًا»، والمثبت من (ب) و(ح) هو الصواب؛ لما سيأتي في الباب بعد الأتى.
(12) قوله: «ثم ليطلقها» سقط من (أ).
(13) في (أ): «أو استحمق».
(14) في (أ): «وفيها».(4/184)
يتأتى له الارتجاع، أكان يُخِلُّ ذلك بالطلاق المتقدم، أو كانت المرأة تبقى معلقة، لا ذات زوج، ولا مطلقة. وكأنَّه يقول: المعلوم من الشريعة: أنه لو طرأ شيء مما (1) ذكر لما (2) كان قادحًا في الطلاق الْمُتقدِّم. فإذًا: الطلقة واقعة يحتسب (3) له بها، كما قال: «فحسبت من طلاقه».
«واستحمق (4) »)- بفتح التاء -: مبنيًّا للفاعل (5) ، وهو غير متعدٍّ، فلا
يجوز أن يُرَدّ لِما (6) لم يُسَمَّ فاعله لذلك(9). ومعناه: استعمل الحمق،
وظهر عليه (7) .
وقوله: «وقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - : (فطلقوهن في قبل (8) عدتهن)؛ هذا تصريح برفع هذه القراءة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير أنها شاذة عن المصحف، ومنقولة آحادًا، فلا تكون قرآنًا، لكنها خبر مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صحيح (9) ، وحجة واضحة لمن يقول بأن الأقراء هي الأطهار، كما تقدَّم. وهي قراءة ابن عمر، وابن عباس (10) . وفي قراءة ابن مسعود: (لقبل (11) طهرهن). قال جماعة من العلماء: وهي محمولة على التفسير، لا التلاوة. =(4/233)=@
- - - - -
ومن باب ما يُحِلُّ المطلقة (12) ثلاثًا
قول المرأة (13) : «فطنقني، فبتَّ طلاقي»؛ ظاهره: أنَّه قال لها: أنتِ طالقٌ البتَّة، فيكون حجة لمالك على: أن البتَّة محمولة (14) على الثلاث في المدخول بها. ويحتمل أن تريد (15) به آخر الثلات تطليقات (16) ، كما جاء في الرواية الأخرى: «أن رجلاً طلّق &(4/185)&$
__________
(1) في (ب) و(ح) تشبه: «أيما».
(2) قوله: «لما» سقط من (ب).
(3) في (ب): «تحتسب».
(4) في (أ): «استحمق».
(5) قوله: «للفاعل» سقط من (أ).
(6) في (ب) و(ح): «إلى». ... (9) قوله: «لِما» سقط من (أ) و(ب).
(7) في (ب) و(ح): «ومعناه: حمق وظهر عليه ذلك».
(8) في (ب) و(ح): «لقبل».
(9) قوله: «صحيح» سقط من (ب).
(10) أخرجه ابن جرير في "تفسيره" (23/432).
(11) من قوله: «بأن الأقراء هي الأطهار...» إلى هنا سقط من (ب).
(12) في (ب): «للمطلقة». وعليها طمس في (ح).
(13) جاء في هامش (أ): «اسم المرأة: تميمة بنت وهب».
(14) في (ب): «محمول».
(15) في (ب) و(ح): «يريد».
(16) قوله: «تطليقات» سقط من (ب) و(ح).(4/185)
امرأته ثلاثًا» (1) . وجاز أن يعبِّر عنها بالبتات؛ لأن الثلاث قطعت جميع العُلَق، والطلاق. ولم تبقِ (2) شيئًا بين الزوجين.
« وعبدالرحمن بن الزَّبِيْر»- بفتح الزاي، وكسر الباء (3) ، ولم (4) يختلف في ذلك -: وهو الزَّبِير بن باطا(10) اليهودي (5) .
و«هدبة الثوب»: طرفه الذي لم ينسج، وتعني (6) به: ما يبقى بعد قطع الثوب من السَّدى، شُبِّه (7) بـ«هُدَبِ العَيْن»، وهي (8) : الشعر النابت على حرفه (9) .
وقوله: «حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك»؛ مذهب الجمهور: أن هذا كناية عن الجماع. وقال بعضهم: في تصغير« عُسَيْلَة »؛ دليل: على أن الوطأة الواحدة كافية في إباحتها لمطلقها. وشذَّ الحسن فقال: العسيلة (10) هنا: كناية عن المني، فلا تحل له (11) عنده إلا بالإنزال (12) .
قلت: ولا شك أن أول الإيلاج مبدأ التذة، وتمامها الإنزال، والاسم =(4/234)=@ يصدق (13) على أقل ما ينطلق عليه. فالأولى ما ذهب إليه الجمهور، والله تعالى أعلم.
وهذا الحديث نصٌّ في الردِّ على ما شذَّ فيه سعيد بن المسيب عن جماعة من(9) العلماء في قوله: إن عقد النكاح بمجرده(10) يُحلِّهُا لمطلِّقها. وقال بعض علمائنا: ما أظن سعيدا بلغه هذا الحديث، فأخذ بظاهر القرآن، وشذَّ في ذلك، ولم يقل أحدٌ بقوله (14) .
قلت: قد تال بقول سعيد بن المسيب: سعيدُ بن جُبير وجماعة من السلف، على ما حكاه القاضي عبدالوهاب في شرح رسالة ابن زيد (15) رضي الله عنه (16) .
ويفهم من قوله: «حى تذوقي (17) عسيلته، ويذوق (18) عسيلتك»؛ استواؤهما في إدراك لذة الجماع. وهو حجة لأحد القولين عندنا في: أنه لو وطئها نائمة، أو مغمى عليها لم تحل لمطلقها؛ لأنها لم تذق العسيلة؛ إذ لم تدركها. &(4/186)&$
__________
(1) عند مسلم (2/4057رقم1433/115) في النكاح، باب لا تحل المطلقة ثلاثًا.
(2) في (ب) و(ح): «يبق».
(3) في (ب): «الياء».
(4) في (أ): «لم». ... (10) في (ب) و(ح): «باطيا».
(5) قوله: «اليهودي» سقط من (ب) و(ح).
(6) في (ح): «وتعني».
(7) في (ح): «شبيه».
(8) في (ب) و(ح): «وهو».
(9) في (ب) و(ح): «حرفها».
(10) في (أ): «العيسلة».
(11) قوله: «له» سقط من (أ).
(12) في (ب) و(ح): «بإنزاله». ... ... (8) في (ب) و(ح): «ينطلق».
(13) 9) قوله: «من» سقط من (أ). ... ... (10) في (ب): «بمجردها».
(14) قال الحافظ في "الفتح" (9/467): «قال ابن المنذر: أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للأول، إلا سعيد بن المسيب، ثم ساق بسنده الصحيح عنه قال: « يقول الناس: لا تحل للأول حتى يجامعها الثاني، وأنا أقول إذا تزوجها تزويِجًا صحيحًا لا يريد بذلك إحلالها للأول، فلا بأس أن يتزوجها الأول »، وهكذا أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور، وفيه تعقب على من استبعد صحته عن سعيد.
قال ابن المنذر: وهذا القول لا نعلم أحدا وافقه عليه الا طائفة من الخوارج، ولعله لم يبلغه الحديث فأخذ بظاهر القرآن.
قلت: سياق كلامه يشرع بذلك، وفيه دلالة على ضعف الخبر الوارد في ذلك، وهو ما أخرجه النسائي من رواية شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سالم بن رزين، عن سالم بن عبدالله، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، رفعه: في الرجل تكون له المرأة فيطلقها، ثم يتزوجها آخر فيطلقها قبل أن يدخل بها، فترجع إلى الأول، فقال: لا حتى تذوق العسيلة.
وقد أخرجه النسائي أيضًا من رواية سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد، فقال: عن رزين بن سليمان الأحمري، عن بن عمر نحوه. قال النسائي: هذا أولي بالصواب، وإنما قال ذلك؛ لأن الثوري أتقن واحفظ من شعبة، وروايته أولي بالصواب من وجهين:
أحدهما: أن شيخ علقمة شيخهما: هو رزين بن سليمان، كما قال الثوري، لا سالم بن رزين، كما قال شعبة، فقد رواه جماعة عن علقمة كذلك؛ منهم: غيلان بن جامع، أحد الثقات.
ثانيهما: أن الحديث لو كان عند سعيد بن المسيب، عن ابن عمر مرفوعًا ما نسبه إلى مقالة الناس الذين خالفهم». اهـ.
(15) بعد أن نقل الحافظ عن ابن المنذر: تَفَرُّد سعيد بن المسيب بالقول بعدم اشتراط الجماع لتحل المطلقة ثلاثًا للزوج الأول، وبناءً على ذلك قال الحافظ في "الفتح" (9/467): «ويؤخذ من كلام بن المنذر: أن نقل أبي جعفر النحاس في "معاني القرآن" - وتبعه عبدالوهاب المالكي في شرح الرسالة -: القول بذلك عن سعيد بن جبير: وَهْمٌ وأعجب منه: أن أبا حبان جزم به عن السعيدَيْن - سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير - ولا يعرف له سند عن سعيد بن جبير في شيء من المصنفات، وكفى قول بن المنذر حجة في ذلك».
(16) من قوله: «قلت قد قال...» إلى هنا سقط من (ب) و(ح).
(17) في (ب): «تذوقوقي».
(18) قوله: «يذوق» سقط من (ب).(4/186)
وتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إما من تغطية (1) مرادها في الرجوع إلى زوجها الأول، أو تعجبًا من تصريحها بشكواها مما (2) عادة النساء الاستحياء منه.
وفيه دليلٌ على أن مثل هذا إذا صدر من مدَّعيته (3) لا ينكر (4) عليها، ولا توبّخ بسببه، فإنه في معرض المطالبة بالحقوق. ويدل على صحته: أن أبا بكر رضي الله عنه لم ينكره، وإن كان خالد قد حرَّكه للأنكار، وحَضَّه عليه.
و«تجهر»: ترفع صوتها. وفي غير كتاب مسلم: «تهجر» (5) ؛ من الهجر. وهو: الفحش من القول.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة»؛ تمسَّك به داود، وابن (6) عُلَيَّة، =(4/235)=@ والحكم. وقالوا (7) : لا تطلق (8) المرأة بسبب عُنَّةِ زوجها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يطلق عليه، ولا ضرب له أجلاً. وجمهور العلماء من السَّلف وغيرهم على خلافهم، وأنه يُضْرَبُ له أجل، فإن دخل (9) بها، وإلا فرق بينهما. وقد حكى بعض أئمتنا الإجماع على ذلك، وكأنَّه يريد إجماع السَّلف، والله تعالى أعلم.
ولا حجة لداود، ولا لمن قال بقوله في الحديث الذى تمسَّكوا به؛ لأن الزوج لم يصدِّقها على ذلك؛ بدليل ما رواه (10) البخاري في هذا الحديث: أنَّها لما (11) قالت: إن ما معه ليس باغنى عَنِّي من هذه -وأخذت هذبة من ثوبها -، فقال: كذبت، والله إني لأنفضها نفض الأديم، ولكنها ناشز تريد أن ترجع إلى رفاعة. وإنما يضرب الأجل إذا تصادقا على عدم المسيس، أو عرضت عليه (12) اليمين فنكل، على ما يقوله بعضهم. =(4/236)=@ &(4/187)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): «تعظيمه».
(2) في (ب) و(ح): «بما».
(3) في (ب): «مدعيه».
(4) في (ب) و(ح): «ينكره».
(5) قال الحافظ في "الفتح" (9/466): «وقع في جميع الطرق من قول خالد بن سعيد لأبي بكر: ألا تنهي هذه عما تجهر به؛ أي: ترفع به صوتها، وذكره الداودي بلفظ تهجر بتقديم التاء على الجيم، والهجر - بضم الهاء -: الفحش من القول، والمعنى هنا عليه، لكن الثابت في الروايات ما ذكرته، وذكر عياض أنه وقع كذلك الصحيح».
(6) في (ب): «داود بن».
(7) قوله: «وقالوا» سقط من (ب) و(ح).
(8) في (ب) و(ح): «ولا تطلق».
(9) في (ب) تشبه: «فإذا دخل»، أو: «فإن أُدخل».
(10) في (أ): «روى».
(11) قوله: «لما» سقط من (ب) و(ح).
(12) قوله: «عليه» سقط من (أ).(4/187)
واختلف الجمهور في الأجل. فمعظمهم (1) : على سَنَةٍ؛ لأنه إن (2) كان مرضًا (3) ؛ دارت عليه فصول السَّنَة، ولا بدَّ أن يوافقه فصل منها غالبًا، فيرتجى (4) برْؤُه فيها (5) . فإذا انقضت السَّنَةُ، ولم يبرأ دلّ ذلك على أنه زمانةٌ لازمة، فيفرَّق بينهما رفعًا للضرر عنها.
وقال بعض السَّلف: عشرة أشهر. والأمر قريب؛ فإنه نَظَرَ (6) في تحقيق مناطٍ. وكل ذلك فيمن يرتجى (7) زوال ما به. وأما المجبوب، والخصيُّ؛ فَيُطلَّق عليه من غير أجلٍ.
- - - - -
ومن باب إمضاء الطلاق الثلاث من كلمة
قوله: «كان الطلاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلاق الثلاث واحدة»، وفي الرواية الأخرى: «إنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (8) وأبي بكر، وثلاثًا من إمارة عمر»، وفي الرواية الثالثة: « ألم (9) يكن طلاق الثلاث واحدة، فقال قد (10) كان ذلك، فلما كان في عهد عمر تتايع الناس في الطلاق فأجازه عمر عليهم»؛ تمسَّك بظاهر هذه الروايات شذرذٌ من أهل العلم، فقالوا (11) : إن طلاق الثلاث في كلمتن يقع واحدة؛ وهم: طاووس، وبعض أهل الظاهر. وقيل: هو مذهب محمد بن إسحاق، والحجاج بن أرطاة، وقيل عنهما: لا يلزم منه شي. وهو مذهب مقاتل، والمشهور عن الحجاج بن أرطاة.
وجمهور السَّلف والأئمة: =(4/237)=@ أنَّه لازمٌ واقعٌ ثلاثًا، ولا فرق بين أن يوقع مجتمعًا في كلمة أو مفرَّقًا في كلمات، غير أنهم اختلفوا في جرار إيقاعه كما قدمناه. &(4/188)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): «فبعضهم».
(2) قوله: «إن» سقط من (ح).
(3) في (ب) و(ح): «مريضًا».
(4) في (ب) و(ح): «فيرجى».
(5) قوله: «فيها» سقط من (ب) و(ح).
(6) في (ب): «فانظر».
(7) في (أ): «لا يرتجى».
(8) من قوله: «طلاق الثلاث واحدة...» إلى هنا سقط من (ب).
(9) في (ب): «لم».
(10) قوله: «قد» سقط من (ب)، وفي (ح): «فقد».
(11) في (أ): «قالوا».(4/188)
فأما من ذهب: إلى أنه لايلزم شيء منه - وهو مذهب ابن إسحاق ومقاتل (1) : ففساده ظاهر بدليل الكتاب، وذلك: أن الله تعالى قال: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء (2) } (3) ، وهذا يَعُتُّم كُلَّ مطلقةٍ خُصَّ منه (4) المطلقة قبل الدخول، ومن تعتد (5) بالشهور والحمل. وبقيت متناولة لما بقي. لا يقال (6) : يراد بالمطلقات هنا: الرجعية؛ بدليل قوله: {وبعولتن أحق بردهن في ذلك}(@)، لأنَّا نقول: ليس ذلك بتخصيص لذلك العموم، وإنما هو بيانُ حُكْم بعض ما تناوله العموم (7) ، ويدل على ذلك أيضًا قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات (8) ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة} (9) ، وقوله (10) :{إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضيتم بينهم بالمعروف} (11) ونحو هذا.
ووجه دلالة (12) هذا النمط: أنَّه قد حكم بأن وقوع ما يقال عليه
طلاقٌ يقتضي منع الزوج مِمَّا كان له على الزوجة من التصرف، ويلزمه أحكامًا أُخر لا تكون في حالة الزوجية، ولا نعني (13) بكونه واقعًا (14) إلا ذلك، وايقاع الطلاق ثلاثًا يقال عليه طلاق بالاتفاق فتلزم تلك الأحكام. وقد أشبعنا القول في هذا (15) في جزء كتبناه في هذه المسألة سؤالاً وجوابًا.
ثم حديث ابن عباس هذا (16) يدلُّ ظاهرًا على أنَّه كان الطلاق ثلاثًا واقعًا لازمًا في تلك الأعصار، فنستدل (17) به عليهم على جهة الإلزام، وإن كنَّا لا نرى التمسُّك به؛ لما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وعلى الجملة فمذهب هذين الرجلين شاذُّ الشاذِّ، =(4/238)=@ ولا سلف لهم فيه، ولا يُعْدُ في أن يقال: إن إجماع (18) السَّلف على خلافه (19) - على ما يتبيَّن مِما نذكره بَعْدُ عن السَّلف -، فإنهم كانوا منقسمين إلى من يراه ثلاثًا، أو (20) إلى من يراه واحدة (21) . والكل متفقون على وقوعه، والله تعالى أعلم.
وأمَّا من ذهب إلى أنَّه واقعٌ واحدةً؛ فهو أيضًا فاسدٌ. وقد استدل القائلون به (22) على صحته بثلاثة أحاديث: &(4/189)&$
__________
(1) قوله: «مقاتل» سقط من (أ).
(2) قوله: «قروء» سقط من (ب).
(3) الآية (228) من سورة البقرة.
(4) في (ب) و(ح): «منها».
(5) في (أ): «يعتد».
(6) في (ب): «فلا».
(7) قوله: «بذلك العموم» سقط من (ب) و(ح).
(8) في (ب) و(ح): «النساء».
(9) الآية (49) من سورة الأحزاب.
(10) قوله: «وقوله» في مكانه بياض في (ب).
(11) الآية (232) من سورة البقرة.
(12) في (ب) و(ح): «الاستدلال»، وكتب في حاشية (ح): «دلالة».
(13) في (ب): «يعني».
(14) في (ب): «رافعًا».
(15) في (ب) و(ح): «في هذه المسألة».
(16) قوله: «هذا» سقط من (كب.
(17) في (ب) و(ح): «ويستدل».
(18) في (ب) و(ح): «اجتماع».
(19) في (ب) و(ح): «خلافهما».
(20) في (ب) و(ح): «و».
(21) في (ب) و(ح): «واحدة».
(22) قوله: «به» سقط من (أ).(4/189)
أحدها: حديث ابن عبَّاس هذا.
وثانيها: حديث ابن عمر على رواية من روى: أنَّه طلق امرأته ثلاثًا، وأنَّه أمره برجعتها، واحتُسِبَت له واحدة.
وثالثها: أن أبا رُكَانَة (1) طلَّق امرأته ثلاثًا، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
برجعتها (2) ؛ والرَّجعة تقتضي وقوع واحدة. ولا حجة لهم في شيء من ذلك.
أمَّا حديث ابن عباس؛ فلا يصح به الاحتجاج لأوجه:
أحدها: أنَّه ليس حديثًا مرفوعًا للنبي (3) - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما ظاهره الإخبار عن أهل عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعصر أبي بكر باتفاقهم على ذلك، وإجماعهم عليه (4) ، وليس ذلك كل بصحيح. فأوّل مَنْ خالف ذلك بفتياه ابن عباس. فروى أبو داود من رواية مجاهد عنه قال: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إنَّه طلق امرأته ثلاثًا. قال: فسكت حتى ظننت أنَّه رادّها إليه، ثم قال: ينطلق (5) أحدكم يركب الحموقة (6) ، ثم يقول: يا ابن عباس! يا ابن عباس! وإن الله قال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا} (7) ، وإنك لم (8) تتق الله، فما أجد لك مخرجًا، عصيت ربك وبانت منك امرأتك، وإن الله (9) قال: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن). وفي "الموطأ" (10) عنه: أن رجلاً قال لابن عباس: إني طلقت امرأتي مائة تطليقة (11) .=(4/239)=@ فقال له ابن عباس: طلقت منك بثلاث (12) ، وسبعة وتسعون اتخذتَ بها آيات الله هزوًا.
وقال (13) أبو داود: قول ابن عباس هو: إن طلاق الثلاث يبين من (14) الزوجة، فلا تحل له (15) حتى تنكح زوجًا غيره، مدخولاً (16) بها كانت (17) ، أو غير مدخول بها. ونحوه عن أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو (18) . وفي "الموطأ" (19) : أن رجلاً جاء إلى ابن مسعود، فقال: إنِّي طلقت امرأتي ثماني تطليقات. قال ابن مسعود: فماذا قيل لك؟ قال: قيل لي: إنها بانت منك. قال ابن مسعود: صدقوا، هو كما يقولون (20) ؛ فهذا يدلُّ &(4/190)&$
__________
(1) أخرجه الطيالسي (ص164 رقم1188)، وسعيد بن منصور (1/384 رقم1671)، والدارمي (2/163) كتاب الطلاق، باب في الطلاق البتة، والترمذي (3/480 رقم1177) كتاب الطلاق واللعان، باب ما جاء في الرجل يطلق امرأته البتة، وابن ماجه (1/1/661 رقم2051) كتاب الطلاق، باب طلاق البتة، وأبو يعلى (3/107-108 رقم1537و1538)، والعقيلي (2/89-90 و283)، وابن حبان (10/97 رقم4274)، والدارقطني (4/34و35)، والبيهقي (7/342) جميعهم من طريق ابن جرير بن حازم، عن الزبير بن سعيد، عن عبدالله بن علي بن يزيد بن ركانة، عن أبيه، عن جده أنه طلق امرأته البتة، وأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: «ما أردت؟» قال: واحدة. قال: «آلله». قال: آلله. قال: «هو على ما أردت».
قال الترمذي: «هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسألت محمدًا عن هذا الحديث؟ فقال: فيه اضطراب، ويروى عن عكرمة، عن بن عباس: أن رُكَانة طلَّق امرأته ثلاثًا».
وفي سنده علل:
1 - الزبير بن سعيد: وثقه ابن معين، وقال مرة: ليس بشيء. وقال أبوداود: في حديثه نكارة، لا أعلم إلا أني سمعت يحيى بن معين يقول: هو ضعيف. =
= وقال أبو زرعة: شيخ، وليَّنَ أمره أحمد. وفي "التقريب" (1995): لين الحديث.
2 - عبدالله بن علي: لم يرو عنه إلا الزبير بن سعيد، وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/15)، وقال العقيلي (2/282): لا يتابع على حديثه، مضطرب الإسناد، وفي "التقريب" (3486): لين الحديث.
3 - على بن يزيد بن ركانة: روى عنه ابناه عبدالله بن علي، ومحمد بن علي، قال البخاري: لم يصح حديثه. وفي "التقريب" (4815): مستور.
4 - الاضطراب الذي ذكره البخاري فيما نقله الترمذي. وقد تبيَّن وجه هذا الاضطراب الشيخ الألباني في "الإرواء" (7/141-142) فراجعه.
وقد روي الحديث من وجهٍ آخر:
فأخرجه الشافعي في "مسنده" (1/268) عن عمِّه محمد بن علي بن شافع، عن عبدالله بن علي بن السائب، عن نافع بن عجير: أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية البتة، ثم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ! إني طلقت امرأتي سهيمة البتة، ووالله ما أردت إلا واحدة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لركانة: «والله ما أردت إلا واحدة؟» فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة، فردها إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فطلقها الثانية في زمان عمر رضي الله عنه، والثالثة في زمان عثمان رضي الله عنه.
وأخرجه الطيالسي (ص164 رقم1188) قال: وسمعت شيخًا بمكة فقال: حدثنا عبدالله بن علي، به. إلا أنه لم يذكر الطلقة الثانية والثالثة.
قال الألباني في "الإرواء" (7/142): «ويغلب على ظني أن هذا الشيح المكي إنما هو محمد بن علي بن شافع فإنه مكي. وعليه فيكون الطيالسي قد تابع الإمام الشافعي في رواية الحديث عنه.اهـ.
وهذا الإسناد مخالف للذي قبله من وجهين:
الأول: أنه جعل عبدالله بن علي بن السائب بدلاً من عبدالله بن علي بن يزيد.
الثاني: أنه جعله في مسند ركانة، بدلاً من يزيد بن ركانة.
قال الدارقطني في "المؤتلف والمختلف" (3/1164): «يزيد بن ركانة، هو الذي طلق امرأته البتة، فاستحلفه النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أراد إلا واحدة، فحلف، فردّها عليه.اهـ.
قال الألباني في "الإرواء": «وهذا الإسناد أحسن حالاً من الذي قبله، فإن رجاله ثقات، لولا أن نافع بن عجير لم يوثقه غير ابن حبان (1/38)، وأورده ابن أبى حاتم في "الجرح والتعديل" (4/ 1/ 454)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، ولهذا قال ابن القيم في "الزاد" (4/59): مجهول، لا يعرف حاله البتة... اهـ.
ومحمد بن علي بن شافع، لم يوثقه غير الشافعي ,
وعبدالله بن علي بن السائب، قال الحافظ في "التقريب" (3485): مستور.
وقال عبدالحق اٌشبيلي في "الأحكام الوسطى" (3/196): «في إسناده عبدالله بن علي بن السائب، عن نافع بن عجير، عن ركانة، والزبير بن سعيد، عن عبدالله بن علي بن يزيد بن ركانة، عن أبيه، عن جده، وكلهم ضعيف».اهـ.
وقال البخاري في "التاريخ الكبير" (6/301): «علي بن يزيد بن ركانة القرشي، عن أبيه، لم يصح حديث».اهـ.
وقال المنذري في "مختصر السنن" (3/134): «وقال أبوداود: حديث نافع بن جبير حديث صحيح، وفيما قاله نظر، فقد تقدم عن الإمام أحمد أن طرقه ضعيفه، ثم قال: وقد وقع الاضطراب في إسناده ومتنه».
قال الألباني في "الإرواء" (7/142): «تصحيح أبى داود ذكره عنه الدارقطنى عقب الحديث، وليس هو في "سنن أبى داود ". نعم قد قال عقبه: وهذا أصح من حديث ابن جريج « أن ركانة طلق امرأته ثلاثًا ». لأنهم أ هل بيته، وهم أعلم به، وحديث ابن جريج رواه عن بعض بني أبي رافع، عن عكرمة، عن ابن عباس. فإذا كان قول أبي داود هذا، هو عمدة الدارقطني فيما عزاه إليه من التصحيح، ففيه نظركبير....اهـ.
وأما حديث ابن جريج الذي أشار إليه أبو داود فقد رُوي من طرق عن عكرمة، عن ابن عباس. وفيه التصريح بأنه طلق امرأته ثلاثًا في مجلس واحد.
وقد استوعب طرقه الألباني في "الإرواء" (7/144-145)، ونقل تصحيحه عن الإمام أحمد والحاكم والذهبي، وغيرهم. ثم قال: «وجملة القول أن حديث الباب ضعيف، وأن حديث ابن عباس المعارض له أقوى منه».اهـ.
(2) من قوله: «واحتسبت له واحدة...» إلى هنا سقط من (ب).
(3) في (ب) و(ح): «إلى النبي».
(4) قوله: «عليه» سقط من (ب) و(ح).
(5) في (ب): «أينطلق».
(6) في (أ): «الأحموقة». والمثبت هو الصواب، كما في "سنن أبي داود".
(7) الآية (2) من سورة الطلاق.
(8) في (ب) و(ح): «لن».
(9) كذا في "سنن أبي داود"، وليست في جميع النسخ !
(10) أخرجه أبو داود (2/646-647 رقم2197) في الطلاق، باب نسخ المراجعة بعد التطبيقات الثلاث.
(11) في (ب) و(ح): «طلقة».
(12) في (ب) و(ح): «ثلاثًا».
(13) في (أ): «قال».
(14) كتب فوق «من» في (ب): «منه». ونص عبارة أبي داود - كما في "سننه" (2/648)-: «وقول ابن عباس هو: أن الطلاق الثلاث تبين من زوجها؛ مدخولاً بها وغير مدخول بها، لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره...».
(15) قوله: «له» سقط من (أ).
(16) في (ب): «ومدخولاً».
(17) قوله: «كانت» سقط من (ب) و(ح).
(18) أخرجه مالك (2/570 رقم 37) كتاب الطلاق، باب طلاق البكر، وعبدالرزاق (6/333 رقم11701) عن ابن جريج ومن طريقه أبو داود (2/648 رقم2198) كتاب الطلاق، باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث.
كلاهما - مالك وابن جريج - عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن محمد بن إياس: أن بن عباس وأبا هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثًا؟ فكلهم قالوا: لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره.
لكن رواية مالك من هذا الوجه ليس فيها ذكر عبدالله بن عمرو، وإنما رواه عن عبدالله بن عمرو وحده عقب هذا الحديث برقم (38)، عن يحيى بن سعيد، عن بكير ابن عبدالله بن الأشج، عن النعمان بن أبي عياش النصاري، عن عطاء بن يسار؛ أنه قال: جاء رجل يسأل عبدالله بن عمرو بن العاص...، فذكر نحوه.
(19) (2/550) في الطلاق، باب ما جاء البتة بلاغًا.
(20) في (ب) و(ح): «قيل».(4/190)
على وجود الخلاف فيها في عصر الصحابة، وأن المشهور عندهم، المعمول به، خلاف مقتضى (1) حديث ابن عباس. فبطل التمسَّك به.
الوجه الثاني: لو سلمنا أنه حديث مسند مرفوع للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما كان
فيه حجة؛ لأن ابن عباس (2) هو راوي الحديث، وقد خالفه (3) بعمله وفتياه. وهذا يدلُّ على ناسخ ثبت عنده، أو مانع شرعي منعه من العمل. ولا يصح أن يُظَّن به: أنه ترك العمل بما رواه مجانًا و غالطًا؛ لما علم من جلالته، وورعه، وحفظه، وتثبته.
قال أبوعمر بن عبد البر - بعد أن ذكر عن ابن عباس فتياه من طرق متعددة (4) بلزوم الطلاق ثلاثًا من كلمة واحدة -: ما كان ابن عباس ليخالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخليفتين، إلى رأي نفسه.
ورواية طاووس وهم وغلط (5) ، لم يُعَرَّج عليها أحدٌ من فقهاء الأمصار بالحجاز، والعراق، والشام، والمشرق، والمغرب. وقد (6) قيل: إن أبا الصهباء لا يُعرف في موالي ابن عباس. =(4/240)=@
الوجه الثالث: لو سلمنا كل ما تقدَّم؛ لَمَا كان فيه حجة؛ للاضطراب والاختلاف الذي في سنده ومتنه؛ وذلك: أن أبا الصهباء رواه عن ابن عباس بتلك الألفاظ المختلفة؛ التي وقعت في كتاب مسلم كما (7) ذكرناها. وقد روى أبو داود من حديث أيوب، عن غير واحد، عن طاووس: أن رجلاً يقال له: أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس. قال: أما علمت أن الرجل كان (8) إذا (9) طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها جعلوها (10) واحدةً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر. فقال ابن عباس: بل كان الرجل إذا طلّق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، وصدرًا من إمارة (11) عمر، فلمَّا رأى الناس تتايعوا فيها قال: أجيزوهُنَّ عليهم. فقد اضطرب فيه أبو الصهباء عن ابن عباس في لفظه كما ترى. وقد اضطرب فيه طاووس. فمرَّة رواه عن أبي الصهباء (12) ، ومرَّة (13) عن ابن عباس نفسه. ومهما كثر الاختلاف والتناقض ارتفعت الثقة، لا سيما عند المعارضة على ما يأتي.
ثم العَجَبُ: أنَّ معمرًا روى &(4/191)&$
__________
(1) قوله: «مقتضى» سقط من (ب) و(ح).
(2) قال الحافظ في "الفتح" (9/363): «وأجيب بأن الاعتبار برواية الراوي لا برأيه لما يطرق رأيه من احتمال النسيان وغير ذلك، وأما كونه تمسك بمرجح فلم ينحصر في المرفوع؛ لاحتمال التمسك بتخصيص، أو تقييد، أو تأويل، وليس قول مجتهد حجة على مجتهد آخر».اهـ.
(3) في (أ): «وخالفه»، وليس فيها قوله: «قد».
(4) في (أ): «من طرق متعددة فتياه».
(5) وهذا الوجه من الردّ ضعيفه، فلم نجد أحدًا من المتقدمين، كالدارقطني طعن في هذا الحديث.
(6) قوله: «وقد» سقط من (ب).
(7) قوله: «كما» سقط من (ب).
(8) قوله: «كان» سقط من (ب) و(ح).
(9) من قوله: «يقال له أبو الصهباء....» إلى هنا سقط من (ب).
(10) في (ب): «فجعلوا».
(11) في (ب) و(ح): «خلافة»، وكتب في حاشية (ح): «خلافة».
(12) من قوله: «عن ابن عباس في لفظه....» إلى هنا سقط من (ب).
(13) في (ب): «ومن».(4/191)
عن ابن طاووس، عن أبيه: أن ابن
عباس سُئل عن رجل طلَّق امرأته ثلاثًا. فقال له: لو اتقيت الله لجعل لك مخرجًا. وظاهر هذا أنَّه لا مخرج له من ذلك، وأنَّها ثلاث. وهذه كرواية الجماعة الكثيرة عن ابن عباس؛ كسعيد بن جبير، ومجاهد، وعطاء، وعمرو بن دينار، ومحمد بن إلياس بن البكير (1) ، والنعمان بن أبي عياش، كلهم روى عنه: أنَّه ثلاث، وأنها لا تحل له إلا من (2) بعد زوج.
الوجه الرابع: لو سلمنا سلامته من الاضطراب؛ لَمَا صحَّ أن يحتج به؛ لأنه يلزم منه ما يدلُّ على أن أهل ذلك العصر الكريم كانوا (3) يكثر فيهم إيقاع المحرمات والتساهل فيها، وترك الإنكار على من يرتكبها. وبيان (4) اللزوم: أن ظاهره =(4/241)=@ أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقع الطلاق الثلاث كثيرًا منهم في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعصر أبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، أو ثلاث، ويستفتون علماءهم فيفتونهم بأنه واحدة (5) ، ولا ينكرون عليهم. مع أن (6) الطلاق ثلاثًا في كلمة واحدة محرم بدليل قول ابن عمر، وابن عباس، للمطلِّق ثلاثًا: «بانت منك، وعصيت ربك». وبدليل ما رواه ابن عباس، عن محمود بن لبيد (7) - قال البخاري: له صحبة - قال: أُخْبِرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجل طلّق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا، فقام غضبان، ثم قال: «أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟» هذا يدل على أنه محرم، ومنكر. فكيف يكثر فيهم العمل بمثل هذا، ولا ينكرونه ؟! هذا محال على قوم وصفهم الله تعالى بقوله: {كنتم خير أمَّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} (8) ، إلى غير ذلك مما (9) وصفهم الله تعالى به. لا يُقال: هذا يبطل بما وقع عندهم من الزِّنا، والسرقة، وغير ذلك (10) من الأسباب التي ترتبت (11) عليها الأحكام؛ لأنا نقول: هذه لما وقعت أنكروا تلك الأمور، وأقاموا الحدود فيها، ولم يفعلوا ذلك فيما ذكرناه، فافترقا، وصحَّ ما أبديناه.
فإن قيل: لعل تحريم ذلك لم يكن معلومًا عندهم. قلنا: هذا باطل. فإنهم أعرف &(4/192)&$
__________
(1) قوله: «ابن البكير» سقط من (أ)، وفي (ب): «النكير». ووقع في جميع النَّسخ: «إلياس» بلام بعد الهمزة، وهو خطأ، والصواب إياس؛ أي: بياء بعد الهمز، وهو محمد بن إياس بن البُكَيْر الليثي المدني، ثقة، من الثالثة، ووَهِم من ذكره في الصحابة."التقريب" (ص469/5751).
(2) قوله: «من» سقط من (أ).
(3) قوله: «كانوا» سقط من (أ).
(4) في (ح): «ويبان».
(5) في (ب): «يفتونهم بواحدة».
(6) قوله: «أن» سقط من (ب).
(7) أخرجه النسائي (6/142-143) كتاب الطلاق، باب الثلاث المجموعة وما فيه من التغليظ؛ من طريق مخرمة، عن أبيه، قال: سمعت محمود بن لبيد قال: أُخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا، فقام غضبانًا، ثم قال: «أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم»، حتى قام رجل وقال: يا رسول الله ! ألا أقتله.
قال النسائي في "الكبرى" (3/349): «لا أعلم أحدًا روى هذا الحديث غير مخرمة». قال المزي في في "تحفة الشراف" (8/365): «محمود بن لبيد ولد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم تصح له رؤية ولا سماع من النبي - صلى الله عليه وسلم - ».اهـ.
وقال عبدالحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطى" (3/193): «وذهب البخاري إلى أن محمودًا له صحبة، وقال أبو حاتم: لا نعرف له صحبة».
وقال الحافظ في "الفتح" (9/362): «أخرجه النسائي ورجاله ثقات، لكن محمود بن لبيد ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يثبت له منه سماع، وأن ذكره بعضهم في الصحابة فلأجل الرؤية، وقد ترجم له أحمد في "مسنده"، وأخرج له عدة أحاديث ليس فيها شيء صرح فيه بالسماع، وقد قال النسائي بعد تخريجه: لا أعلم أحدًا رواه غير مخرمة ابن بكير؛ يعني ابن الأشج، عن أبيه. ورواية مخرمة عن أبيه عند مسلم في عدة أحاديث، وقد قيل: أنه لم يسمع من أبيه».اهـ.
والتحقيق في رواية مخرمة عن أبيه أنها وجادة صحيحة، لكن الحديث مرسل، لعدم سماع محمود بن لبيد من النبي - صلى الله عليه وسلم - .
(8) الآية (110) من سورة آل عمران.
(9) في (أ): «إلى». والمثبت من (ح)
(10) من قوله: «مما وصفهم الله....» إلى هنا سقط من (ب).
(11) في (ح): «تترتب».(4/192)
بالأحاديث ممن بعدهم. وقد ذكرنا ما روي في ذلك عن ابن عباس وابن عمر، والله أعلم.
الوجه الخامس: إن ظاهر ذلك الحديث خبر عن جميعهم أو عن (1) معظمهم، والعادة تقتضي - فيما كان هذا سبيله - أن يفشو، وينتشر، ويتواتر نقله، وتحيل أن ينفرد به الواحد. ولم ينقله عنهم إلا ابن عباس، ولا عنه إلا أبو الصهباء.
وما رواه بي طاووس عن ابن عباس في الأصل قد رواه أبو داود عن
طاووس عن أبي الصهباء، عن ابن عباس (2) . ولو رواه عنه لم يخرج بروايته عنه عن كونه خبر واحد غير =(4/242)=@ مشهور. وهذا الوجه يقتضي القطع ببطلان هذا الخبر. فإن لم يقتض ذلك؛ فلا أقل من أن يفيدنا الريبة فيه والتوقف، والله أعلم.
الوجه السادس: تطرُّق التأويل إليه. ولعلمائنا فيه تأويلان:
أحدهما: ما قاله بعض البغداديين: إن معناه الإنكار على من يخرج عن سنَّة الطلاق بإيقاع الثلاث، والإخبار عن تساهل (3) الناس في مخالفة السُّنَّة في الزمان المتأخر عن العصرين السابقين، فكأنه قال: كان الطلاق الموقع الآن ثلاثًا في ذينك (4) العصرين واحدة، كما تقول (5) : كان الشجاع الآن جبانًا في عصر الصحابة. وكان الكريم الآن بخيلاً في ذلك الوقت. فيفيد تغير الحال بالناس.
وثانيهما: قال غير البغداديين (6) : المراد بذلك الحديث من كررَّ (7) الطلاق منه، فقال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق. فإنها كانت عندهم(7) محمولة في القدم على التأكيد. فكانت واحدة. وصار الناس
بعد ذلك يحملونها على التجديد، فأُلْزِمُوا ذلك لَمَّا ظهر قصدَهم إليه. ويشهد لصحة (8) هذا التأويل قول عمر رضي الله عنه: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه (9) أناة. وقد تأوَّله غير علمائنا، على أن ذلك كان في المطلقة قبل الدُّخُول، كما دلَّ عليه حديث أبي داود؛ الذي تقدَّم ذكره، وأبدى بين المدخول بها أو غيرها فرقًا. فقال: إنما جعلوه في غير المدخول بها (10) واحدة؛ لأنها تبين بها، وكأنَّ (11) هؤلاء أشاروا إلى أن قوله لغير المدخول بها: أنت طالق. قد أبانها، وبقي قوله: ثلاثًا. لم يصادف محلاً، فأجروا المتصل مجرى المنفصل. وهذا ليس بشيء؛ فإنَّ (12) قوله: أنت طالق ثلاثًا. كلام واحد متصل غير منفصل. ومن المحال البَيِّن إعطاء الشيء &(4/193)&$
__________
(1) قوله: «عن» سقط من (ب).
(2) زاد في (ب): «في الصل قد رواه أبو داود»، وهو تكرر لما سبق.
(3) في (ح): «التساهل».
(4) في (ح): «ذيك».
(5) في (ب) و(ح): «يقال».
(6) في (ب): «البغدادين».
(7) في (ب) و(ح): «يكرر». (7) قوله: «عندهم» سقط من (ب) و(ح).
(8) في (ب) و(ح): «بصحة».
(9) في (أ): «فيه لهم».
(10) من قوله: «وغيرها فرقًا....» إلى هنا سقط من (ب) و(ح).
(11) في (ب) و(ح): «فكأن».
(12) في (ب) و(ح): «لأن».(4/193)
حُكْم نَقِيضِه، وإلغاء بعض الكلام الواحد. وأشبه هذه التأويلات الثاني على ما قرَّرناه، والله أعلم.
هذا الكلام على حديث ابن عباس.
وأمَّا حديث ابن عمر: أنَّه طلق امرأته ثلاثًا، فغير صحيح، كما قد (1) ذكره =(4/243)=@ مسلم عن ابن سيرين، كما قدمناه. وأيضًا: فإن الدارقطني روى عن أحمد بن صبيح، عن طريف بن ناصح، عن معاوبة بن عمار الدُّهْني (2) ، عن أبي الزبير قال: سألت ابن عمر عن رجل طلَّق امرأته ثلاثًا وهي حائض؟ فقال لي: أتعرف ابن عمر؟ قلت: نعم. قال: طلَّقت امرأتي ثلاثًا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فردّها رسول الله هي إلى السُّنَّة.
قال الدارقطني: كلهم شيعة. وقال غيره: ما فيه (3) من يحتج به.
وأمَّا حديث أبي رُكَانة فحديث مضطرب، منقطع، لا يُسْنَد (4) من وجه يحتج به؛ رواه أبوداود من حديث ابن جريج عن بعض بني أبي رافع، وليس فيه من يحتج به، عن عكرمة، عن ابن عباس، وقال فيه: إن عند يزيد (5) بن ركانة طلق امرأته ثلاثًا، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أرجعها». وقد رواه أيضًا من طريق نافع بن عُجَيْر (6) : أن ركانة بن عبد يزيد طتق امرأته البتة، فاستحلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما أراد بها؟ فحلف: ما أراد إلا واحدة. فردَّها إليه.
فهذا اضطراب في الاسم والفعل. ولايحتج بشيء من مثل هذا، فقد ظهر وتبيَّن: أنَّهم لاحجة لهم في شيء مما تمسَّكوا به. فأمَّا حجة الجمهور: فالتمسَّك بالقاعدة المقررة: أنَّ المطلقة ثلاثًا (7) ، لا تحلُّ لمطلِّقها حتى تنكح زوجًا غيره. ولا فرق بين مفرّقها ومجموعها؛ إذ معناهما واحد لغة وشرعًا. وما يٌتَخَيَّل من الفرق بينهما قصوريٌّ؛ ألغاه الشرع قطعًا في النكاح، والعتق، والإقارير (8) . فلو قال الولي للخاطب في كلمة واحدة: أنكحتك هؤلاء الثلاث، فقال: قبلت. لزم النكاح، كما إذا قال (9) : أنكحتك هذه، =(4/244)=@ وهذه، وهذه (10) . وكذلك (11) في العتق، والإقرار. فكذلك الطلاق. &(4/194)&$
__________
(1) قوله: «قد» سقط من (ب).
(2) في (ب) و(ح): «الدوسي». ووقع في المطبوع من "سنن الدارقطني (4/7): «عن معاوية، عن عمار الدهني»، فتحرف فيه «ابن» إلى «عن»، والصواب: «معاوية بن عمَّار الدهني». كما في المثبت. والتصويب من كتب التراجم.
(3) في (ب) و(ح): «ما فيهم».
(4) في (أ): «ينسند».
(5) في (ب) و(ح): «عبدًا ليزيد».
(6) في (ب) و(ح): «حجر».
(7) في (ب) و(ح): «ثلاث مرات».
(8) في (أ): «والأقرارير».
(9) من قوله: «أنكحتك هؤلاء....» إلى هنا سقط من (ب) و(ح).
(10) قوله: «وهذه» الثالثة سقط من (ب).
(11) في (ب): «وذلك».(4/194)
وقد ذكر الدارقطني جملة (1) من الأحاديث المرفوعة عن عليّ، وعبادة بن الصامت، وحفص بن المغيرة، وابن عمر كلها تقتضي البينونة، وأنها لا تحلُّ له حتى تنكح زوجًا غيره. ولم يفرِّق فيها بين المدخول بها وغيرها (2) . رأينا ألا نطوِّل (3) بذكرها، ولا بذكر أسانيدها. وفيما ذكرناه (4) كفاية، والله تعالى أعلم (5) الموفق للهداية، وإنما أطنبنا في الكلام على حديث ابن عباس لأن كثيرًا من الجهَّال اغتروا به، فأحلوا ما حرَّم الله، فافتروا على الله، وعلى كتابه، وعلى رسوله (6) ، ومن أظلم من افترى على الله كذبًا (7) ، وعدل عن سبيله.
وقول عمر: «إن النَّاس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة»؛ أي: مهلة، وسعة بانتظار الرجعة. وهذا يدل على صحة التأويل الثاني كما ذكرناه.
وقول أبي الصهباء لابن عباس: «هات من هناتك»؛ هي: جمع هنة. وأصلها: أنها كناية عن نكرة، غير أن مقصوده (8) هنا (9) : هات فتيا من فتاويك الْمُسْتَغْرَبة. أو خبرًا من أخبارك الْمُسْتَكْرَهة. وهو إشعار باستشناع (10) تلك المقالة عندهم. =(4/245)=@
وقوله: «فلما (11) تتايع الناس في الطلاق أجازه عليهم»؛ رويناه: بالياء (12) باثنتين، وبالباء بواحدة، وهما (13) بمعنى واحد. غير أن الياء باثنتين أكثر ما تستعمل (14) في الشَّرِّ. وهي (15) أليق بهذا المعنى، والله تعالى أعلم.
وكذلك القول في الرواية في: «تتايعوا (16) »). &(4/195)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): «جماعة».
(2) في (ب) و(ح): «أو غيرها».
(3) في (ب): «يطول».
(4) في (أ): «ذكرنا».
(5) قوله: «أعلم» زيادة من (ب).
(6) في (أ): «ورسوله»، وليس فيها قوله: «على».
(7) قوله: «كذبًا» سقط من (أ).
(8) في (ب) و(ح): «مقصود».
(9) قوله: «هنا» سقط من (ب).
(10) في (ب): «باشتناع»، وفي (ح) تشبه: «باستباع».
(11) قوله: «فلما» سقط من (ب).
(12) في (ب) و(ح): «بالتاء».
(13) في (أ): «وهنا».
(14) في (أ): «يستعمل».
(15) في (ب) و(ح): «وهو».
(16) في (ب): «تتايعوا».(4/195)
- - - - -
باب في قوله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} (1)
«المغافير»: جمع مُغْفُور، وهو: صمغ حلو له رائحة كريهة؛ يخرجه شجر العُرْفُط، وهو بالحجاز.
و«العُرْفُط»: من شجر العِضَاه، وهو (2) : كل شجر له شوك. وقيل: يشبه رائحته رائحة النبيذ. وقيل: إذا رعته الإبل خبثت رائحة ألبانها حتى يتأذى بها (3) الناس (4) . =(4/246)=@
و«جرستْ»: أكلتْ. يقال: جَرَستِ النحل، تَجُرسُ جَرْسًا: إذا أكلت لِتَعسِّل. ويقال للنحل: جوارس؛ أي: أواكل (5) .
و«العكة»: أصغر من ا لقِرْبَة.
وقول سودة(6): «لقد كدت أن(7) أبادئه فرقًا منك»-بالباء بواحدة-؛
أي: أبتدئه بالكلام خوفًا من لومك. وفي رواية ابن الحذَّاء: «أناديه» من النداء. وليس بشيء.
وقولها: «كان يُحبُّ الحلواء والعسل»؛ «الحلواء»: هي الشيء الْمُسْتَحْلَى، وهو دليل على (6) استعمال مباحات لذائذ (7) الأطعمة، والميل إليها، خلافًا لما يذهب إليه أهلُ التَّعمق والغلوِّ في الدين.
وقوله: «بل شربت عسلاً عند زينب، ولن أعود له»، زاد البخاري هنا: «وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدًا»، وذلك لئلا يبلغ الأخرى الخبر، وأنه فعله ابتغاء مرضاة أزواجه، فيتغير قلبها. وقيل: كان ذلك في قصة مارية (8) ، واستكتامه &(4/196)&$
__________
(1) الآية (1) من سورة التحريم.
(2) في (ب): «وقيل».
(3) في (ب): «به».
(4) في (أ) زيادة نصّها: «المغافير، ويقال: المغاثير - بالثاء المثلثة -، واحدها: مُفْعُول - بضم الميم -، واختُلف في الميم: هل هي زائدة أو أصلية، وقيل: ليس في الكلام مُفعول - بضم الميم - إلا مُغْفُور، ومُغْرُود؛ لضربٍ من الكمأة، ومُنخور: للمنخر. وهو صمغ حلو كالناطف، وله رائحة كريهة. وقيل: له رائحة تشبه رائحة النبيذ»، وكتب الناسخ على أوله وآخره «صح»، وكتب في الهامش: «تميم»؛ فدل على أنه توضيح معنى، موضعه يكون بالهامش. ... (5) في (ب) و(ح): «آكل كل».
(5) 6) في (أ): «حفصه». ... (7) قوله: «أن» سقط من (أ) و(ب) و(ح)، ولكن جاء في حاشية (ب) وعليه «صح»، ولم توجد إشارة إلحاق في مكانها.
(6) قوله: «على» سقط من (ب).
(7) في (ب) و(ح): «ما جاء مباحًا» بدل: «مباحات لذائذ».
(8) أخرجه النسائي (7/71-72 رقم3959) كتاب عشرة النساء، باب الغيرة، والحاكم (2/493) كلاهما من طريق ثابت، عن أنس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها على نفسه، فأنزل الله عز وجل: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} إلى آخر الآية.
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه».
وسنده حسن.
وأخرج البزار (3/76 رقم2274/كشف)، والطبراني في "الكبير" (11/71 رقم11130) كلاهما من طريق عبدالله بن رجاء، عن إسرائيل، عن مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس: في قوله: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك}؛ قال: حرم سريته.
وفي سنده مسلم بن كيسان الضبي؛ ضعيف كما في "التقريب" (6641).
وله طريق أخرى: لإاخرجه البزار (3/76 رقم2275/كشف) عن محمد بن موسى القطان، عن عاصم بن علي، عن قيس، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، بنحوه.
وعاصم بن علي: صدوق ربما وهم. "التقريب" (3067).
وقيس، هو ابن الربيع: صدوق تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به. "التقريب" (5573).
قال البزار: «لا نعلمه متصلاً عن ابن عباس إلا من هذين الوجهين». اهـ.
ورواه الطبراني في "الكبير" (12/ 91-92 رقم12640) من طريق إسماعيل بن عمرو البجلي، عن أبي عوانة، عن أبي سنان، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس، بمعناه، وزاد: «فإن أباك يلي من بعد أبي بكر إذا أنامتُّ».
قال الهيثمي في"المجمع" (5/326): «وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي وهو ضعيف، وقد وثقه ابن حبان. والضحاك بن مزاحم لم يسمع من ابن عباس، وبقية رجاله ثقات».اهـ.
وقال ابن كثير في "تفسيره" (8/192): «إسناده فيه نظر».اهـ.
وأخرج الطبراني في "الأوسط" (6/78-79 رقم3404/مجمع البحرين)، وعنه ابن مردويه (4/60) كما في تخريج "الكشاف" للزيلعي. وأخرجه العقيلي (4/155).
كلاهما من طريق هشام بن إبراهيم المخزومي، عن موسى بن جعفر بن أبي كثير مولى الأنصار، عن عمه، عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمارية القبطية سريته ببيت حفصة بنت عمر، فوجدتها معه، فقالت: يا رسول الله ! في بيتي من بين بيوت نسائك؟ قال: فإنها علي حرام أن أمسها يا حفصة، واكتمي هذا علي، فخرجت حتى أتت عائشة، فقالت: يا بنت أبي بكر ! ألا أبشرك؟ فقالت: بماذا؟ قالت: وجدت مارية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي، فقلت: يا رسول الله ! في بيتي من بين بيوت نسائك، وبي تفعل هذا من بين نسائك، فكان أول السرور: أن حرمها على نفسه، ثم قال لي: يا حفصة ! ألا أبشرك؟ فقلت: بلى بأبي وأمي يا رسول الله ! فأعلمني: أن أباك يلي الأمر من بعده، وأن أبي يليه بعد أبيك، وقد استكتمني ذلك فاكتميه، فأنزل الله عز وجل في ذلك {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك}؛ أي من مارية {تبتغي مرضاة أزواجك}؛ أي حفصة {والله غفور رحيم}؛ أي: لما كان منك قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم {والله مولاكم وهو العليم الحكيم - وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا}؛ يعني: حفصة {فلما نبأت به}؛ يعني: عائشة {وأظهره الله عليه}؛ أي: بالقرآن {عرف بعضه}: عرف حفصة ما أظهرت من أمر مارية {وأعرض عن بعض}: عما أخبرت به من أمر أبي بكر وعمر فلم يثربه عليها {فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير}، ثم أقبل عليها يعاتبها، فقال: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين}؛ يعني أبا بكر وعمر {والملائكة بعد ذلك ظهير - عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارًا}: فوعده من الثيبات: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون وأخت نوح، ومن الأبكار: مريم بنت عمران وأخت موسى عليه السلام.
قال الطبراني: «لا يروى هذا الحديث عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، تفرد به هشام بن إبراهيم». اهـ.
وقال العقيلي: «موسى بن جعفر: مجهول بالنقل، لا يتابع على حديثه ولا يصلح إسناده.اهـ.
وقال الهيثمي في "المجمع" (7/269): «رواه الطبراني في "الأوسط" م نطريق موسى بن جعفر بن أبي كثير، عن عمه، قال الذهبي: مجهول وخبره ساقط».اهـ.
وقال الحافظ في "الفتح" (9/289): «وأخرج الطبراني في "الأوسط" وفي "عشرة النساء" عن أبي هريرة نحوه بتمامه، وفي كل منهما ضعف».اهـ.
وروى الهيثم بن كليب في "مسنده"، كما في "تفسير ابن كثير" (8/186) عن أبي قلابة عبدالملك بن محمد الرقاشي، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا جرير بن حازم، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لحفصة: «لا تخبري أحدًا، وإن أم إبراهيم علي حرام»، فقالت: أتحرم ما أحل لك؟ قال: «فوالله لا أقربها»، قال: فلم يقربها حتى أخبرت عائشة، قال: فأنزل الله تعالى: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم}.
قال ابن كثير: «وهذا إسناد صحيح، ولم يخرجه من أحد من أصحاب الكتب الستة، وقد اختاره الضياء المقدسي في كتابه "المستخرج"».اهـ.
وروى الطبري (23/478): حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، حدثثنا هشام الدستوائي، قال: كتب إليّ يحيى يحدث عن يعلى بن حكيم، عن سعيد بن جبير: أن ابن عباس كان يقول في الحرام يمين تكفرها. وقال ابن عباس: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}؛ يعني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم جاريته، فقال الله جل ثناؤه: {ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} إلى قوله: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم}، فكفر يمينه، فصير الحرام يمينًا. وسنده صحيح.
وقد أخرج البخاري في "صحيحه" (8/656 رقم4911) كتاب التفسير، باب {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك...}. و(9/374 رقم5266) كتاب الطلاق، باب {لم تحرم ما أحل الله لك} دون قوله: يعني: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرم جاريته... إلى آخره.
وهو عند المصنف في أحاديث الباب.
قال الحافظ في "الفتح" (8/657)- بعد أن أورد هذه الطرق -: «وهذه طرق يقوي بعضها بعضًا، فيحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معا».اهـ.(4/196)
في حفصة: ألا تخبري بذلك عائشة. وقيل: أسرَّ إلى حفصة أن الخليفة بعده أبو بكر ثم عمر (1) . والصحيح: أنه في العسل (2) (3) .
ويعني بقوله: «لن (4) أعود له (5) »): على جهة التحريم. وبقوله: «حلفت (6) »)؛ أي: بالله تعالى؛ بدليل (7) : أنَّ الله تعالى =(4/247)=@ أنزل عليه معاتبته على ذلك، وحوالته على كفارة اليمين بقوله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} (8) ؛ يعني: العسل المحرم بقوله: «لن أعود له» {تبتغي مرضات أزواجك}؛ أي: تفعل ذلك طلبًا لرضاهنَّ {والله غفور رحيم}؛ غفور: لما أوجب المعاتبة، رحيم: برفع (9) المؤاخذة. {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم}؛ أي: قد (10) قدَّر وبيَّن. والفرض: التقدير. وتحلة اليمين: ما يستحل به الخروج عن اليمين. وهي التي قال الله تعالى فيها: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين} الاية (11) . والأيمان: جمع يمين. واليمين التي (12) حلف النبي - صلى الله عليه وسلم - بها هي قوله: «وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدًا». وهذا أصحّ ما قيل في هذه الآية، وأجوده.
وقد روى النسائي من حديث أنس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به (13) عائشة وحفصة حتى حرَّمها، فأنزل الله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك...}الآيات (14) . وكأنَّ ابن عباس أشار إلى هذا الحديث حيث قال: إن الرَّجل إذا حرَّم عليه امرأته فهي يمين يكفرها. وقال: {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة} (15) ، وقد اختلف السَّلف ومن بعدهم في تحريم الزوجة (16) اختلافًا كثيرًا. مجموعه فيما بلغنا أربعة عشر (17) قولاً: &(4/197)&$
__________
(1) تقدم الإشارة إلى طرقه. وانظر "الدر المنثور" (8/218-219).
(2) من قوله: «وذلك لئلا يبلغ...» إلى هنا سقط من (ب) و(ح)، وفي (أ) صحح على نهايته بكتابة «صح».
(3) قال الحافظ في "الفتح" (9/290): «والراجح من الأقوال كلها قصة مارية؛ لاختصاص عائشة وحفصة بها بخلاف العسل، فإنه اجتمع فيه جماعة منهن كما سيأتي، ويحتمل أن تكون الأسباب جميعها اجتمعت، فأشير إلى أهمها، ويؤيده شمول الحلف للجميع، ولو كان مثلاً في قصة مارية فقط لاختص بحفصة وعائشة».اهـ.
(4) في (أ): «أن».
(5) قوله: «له» سقط من (ب).
(6) في (ب): «خلفت».
(7) في (أ): «بديل».
(8) الآية (1) من سورة التحريم.
(9) في (ب): «يرفع».
(10) قوله: «قد» سقط من (ب).
(11) الآية (89) من سورة المائدة.
(12) في (ب): «واليمين هي التي».
(13) من قوله: «وقد روى النسائي....» إلى هنا سقط من (ب) و(ح).
(14) تقدم تخريجه.
(15) الآية (21) من سورة الأحزاب.
(16) في (ب) و(ح): «لوجه».
(17) في (أ): «ثلاثة عشر»، والمثبت من (ب) و(ح) هو الصواب لما سيأتي.(4/197)
أحدها: لا شيء عليه. وبه قال الشعبي، ومسروق، وأبو سلمة، وأصبغ. وهو عندهم كتحريم الماء والطعام.
وثانيها: هي ظهار، ففيها (1) كفارة ظهار. قاله إسحاق.
وثالثها: كفارة يمين. قاله ابن عباس، وبعض التابعين.
ورابعها: إن نوى الطلاق؟ فواحدة بائنة، إلا أن ينوي (2) ثلاثًا (3) ، فإن نوى اثنتين =(4/248)=@ فواحدة، فإن لم ينو شيئًا؛ فهي يمين. وهو قول (4) قاله أبو حنيفة، وأصحابه. وبمثله قال زُفْر، إلا أنَّه قال: إذا نوى اثنتين ألزمناه.
وخامسها: إن نوى الطلاق؛ فما أراد(5) من أعداده. وإن نوى واحدة؛ فهي رجعية. وهو قول الشافعي. وروي مثله عن أبي بكر(6)، وعمر (5) ، وغيرهما (6) من الصحابة والتابعين.
وسادسها: إن نوى ثلاثًا فثلاث (7) ، وإن نوى واحدة فواحدة، وإن نوى يمينًا في يمين، وإن لم ينو شيئًا؛ فلا شيء عليه (8) . وهو قول سفيان. وبمثله قال الأوزاعي، وأبو ثور، إلا أنهما قالا: إن لم ينو شيئًا؛ فهي واحدة (9) .
وسابعها: له نيّته (10) ، ولا يكون أقل من واحدة. قاله ابن شهاب.
وثامنها: هي في المدخول بها ثلاثٌ، ويُنْوَى في غير المدخول بها (11) . وهو قول علي بن زيد، والحسن، والحكم (12) . وهو مشهور مذهب مالك.
وتاسعها: لا ينوى في أقل (13) وإن لم يدخل بها (14) . قاله عبد الملك في "المبسوط ". وبه قال ابن أبي ليلى.
وعاشرها: هي لمن لم يدخل بها واحدة، وفي المدخول بها: ثلاث. قاله أبو مصعب، ومحمد بن عبدالحكم (15) .
وحادي عشرها: هي (16) واحدة بائنة وإن كانت مدخولاً بها. حكاه ابن خويز منداد (17) عن مالك.
وثاني عشرها: هي (18) واحدة رجعية. حكاه ابن سحنون (19) عن عبدالعزيز بن &(4/198)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): «فيها».
(2) في (أ): «ينولي».
(3) في (ب): «قال فإن نوى». ... ... (4) في (أ): «مول».
(4) 5) في (ب): «زاد». ... ... (6) لم نجد من أخرجه
(5) 6) أخرجه البيهقي (7/351) من طريق سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن إبراهيم، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ أنه اتاه رجل قد طلق امرأته تطليقتين، فقال: أنت علي حرام. فقال عمر رضي الله عنه: لا أردها عليك.
وفي سنده إبراهيم، وهو ابن سعد بن أبي وقاص، لم يدرك عمر بن الخطاب، فقد مات سنة ثلاث وثمانين ومائة، وهو ابن ثلاث وسبعين، فتكون ولادته سنة ثلاث
وعشرين. انظر "المعرفة والتاريخ" للفسوي (1/174).
(6) 7) في (أ): «وغيرهم».
(7) في (ب) و(ح): «فثلاثًا».
(8) قوله: «عليه» سقط من (أ).
(9) في (ب) و(ح): «فواحدة».
(10) في (ب): «بنيته».
(11) قوله: «ثلاث وينوى في غير المدخول بها» سقط من (ب).
(12) في (ب) و(ح): «والحسن والحكم».
(13) في حاشية (أ) ما نصه: «يريد من ثلاث».
(14) قوله: «بها» سقط من (ك).
(15) في (ب) و(ح): «ومحمد بن الحكم».
(16) قوله: «هي» سقط من (ب).
(17) في (أ): «خواز منذاذ». وانظر ترجمته في "الديباج المذهب" (ص363-364).
(18) قوله: «هي» سقط من (أ).
(19) في (ب): «ابن اسحق».(4/198)
سلمة (1) .
وقد تداخل في العدد الذي ذكرناه (2) قولا زفر، والأوزاعي. فالأقوال أربعة عشر (3) .=(4/249)=@
وسبب هذا الاختلاف (4) العظيم: أنَّه ليس في كتاب الله الكريم، ولا سنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - نصٌّ، ولا ظاهرٌ صحيح يعتمد عليه في هذه (5) المسألة، فتجَاذَبَها الفقهاءُ لذلك. فمن متمسِّك بالبراءة الأصلية (6) ، فقال: لا حكم، فلا يلزم بها شيء. ومن ملحق لهذه (7) الكلمة بأصل يعتمده. فواحدٌ يلحقها بالظهار، وآخر يلحقها بالنذر المطلق. وآخر يرى أنها قابلة للنية مطلقًا، أو في غير المدخول بها. وأصحابنا يحتجّون لمشهور مذهبهم بعرفٍ ثبتَ عندهم صيَّرها من كنايات الطلاق الظاهرة. والله أعلم.
وهذا كله في الزوجة. وأما في الأَمَة: فلا يلزم فيها شيء من ذلك كله (8) ، إلا أن ينوي (9) به العتق عند مالك.
وذهب عافة العلماء: إلى أن عليه كفارة يمين، وكأنهم تمسَّكوا بحديث أنس الْمُتقدِّم. وقال أبو حنيفة: إذا قال ذلك حَرُمَ عليه كل (10) ما حَرَّمَ على نفسه من طعام، أو شراب، أو (11) أمة. ولا شيء عليه حتى إذا تناوله لزمته (12) كفارة يمين. وأُمُّ الولد كالأَمَة على ما تقدَّم.
وقوله تعالى: {وإذ أسر النبيُّ إلى بعض أزواجه حديثًا}: هو (13) قوله لحفصة: «بل شربتُ عسلاً، وقد حلفت (14) : لا (15) تخبري أحدًا»؛ على ما تقدم في حديث البخاري (16) . وقيل: هو تحريمه مارية على ما تقدَّم في حديث النسائي (17) . وقيل غير ذلك. وهذان (18) القولان أحسن ما قيل في ذلك.
وقوله: {فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض}؛ أي: حديث حفصة حين أفشت ما أمرها بإسراره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - {وأظهره الله عليه (19) }؛ أي: أطْلَعَ الله تعالى نبيَّه على ذلك الحديث. {عرَّف بعضه} مشدَّدًا، وهي =(4/250)=@ القراءة المشهورة (20) ؛ أي: عاتبها على ذلك. وأعرض عن بعضه، فلم يبالغ في المعاتبة عملاً بمكارم الأخلاق، وحسن المصاحبة. وقرأه الكسائي بتخفيف الراء، من: «عَرَفَ»، ومعناه: جازى (21) عليه؛ بأن غضب. يقال: عرفتُ حقَّك؛ أي: &(4/199)&$
__________
(1) في (أ): «عبدالعزيز بن أبي سلمة». والصواب المثبت، وقد مضت ترجمته.
(2) في (ب) و(ح): «ذكرنا».
(3) في (أ): «ثلاثة عشر».
(4) في (ب) و(ح): «الخلاف».
(5) قوله: «هذه» سقط من (ب).
(6) في (أ): «الأ»، وسقط باقي الكلمة.
(7) في (ب) و(ح): «هذه».
(8) قوله: «كله» سقط من (أ).
(9) في (ب): «إلا إذا نوى».
(10) قوله: «كل» سقط من (ب).
(11) في (ب): «ولا».
(12) في (ب): «لزمه».
(13) في (ب): «و».
(14) في (ب): «خلفت».
(15) في (ب): «أن لا».
(16) تقدم تخريجه.
(17) تقدم تخريجه أيضًا.
(18) في (ب) و(ح): «وهذا».
(19) قوله: «عليه» سقط من (ب) و(ح).
(20) انظر "كتاب السبعة في القراءات" (ص 640).
(21) في (ب): «جازاني».(4/199)
جازيتُك عليه. و«لأعرفنَّ حقك» بمعناه. وقال الضحاك: إن الذي أعرض عنه حديث الخلافة لئلا ينتشر. وهذا بناه: على أنَّه هو الحديث الذي أسرَّه لحفصة. وهذا القول بشيء؛ إذ لم يثبت بذلك نقل (1) ، ولم يدلّ عليه عقل. بل النقل الصحيح ما ذكرناه.
وقوله: {فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير}؛ يعني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلم حفصة بالخبر الذي أفشته، فقالت مستفهمة عمن أعلمه (2) بذلك: من أنبأك هذا؟ وكأنها خَطَر ببالها أن أحدًا من أزواجه أو غيرهن أخبره. فأجابها بأن قال: نبأني العليم الخبير؛ أي: العليم بالسرائر، الخبير بما تجنُّه الضمائر. ثم قال تعالى: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما}؛ يخاطب عائشة وحفصة، وهذا يدلُّ على أن الصحيح من الروايات رواية من روى أن هذه القصة إنما جرت من (3) عائشة وحفصة؛ لأجل العسل الذي شرب عند زينب، أو لأجل مارية، وأنهما هما اللتان تظاهرتا عليه، كما جاء نصًّا من حديث ابن عبَّاس عن عمر على ما يأتي. وهو رواية حجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمر، عن عائشة.
وأمَّا رواية أبي أسامة (4) التي ذكر فيها: أن المتظاهرات عليه: عائشة وسودة وصفية (5) ؛ فليست بصحيحة؛ لأنها مخالفة للتلاوة؛ فإنها جاءت بلفظ خطاب الاثنتين. ولو كان كذلك لجاءت بخطاب جماعة المؤنث. قال أبو محمد الأصيلي: حديث الحجاج أصحّ طرقه. وهو أولى =(4/251)=@ بظاهر الكتاب. قال غيره: انقلبت الأسماء في حديث أبي أسامة، والله أعلم.
و{صغت قلوبكما}: مالت عن الحق. وأراد قلب عائشة وحفصة. وعدل إلى لفظ الجمع استثقالاً للجمع (6) بين تَثْنِيَتَيْن (7) ، وقد جمع بينهما من قال: ظَهْرَاهُمَا مثل ظُهورِ التُّرْسَيْن (8) . &(4/200)&$
__________
(1) أشار الحافظ في "الفتح" (9/289) إلى ورود نقلين بذلك، أحدهما: عن ابن عباس، وعزاه إلى ابن مردويه، من طريق الضحاك، عن ابن عباس.
والثاني: عن أبي هريرة، وعزاه إلى "معجم الطبراني الأوسط"، و"عشرة النساء" له أيضًا. وضعّف الحافظ كلا النقلين.
وحديث الأوسط للطبراني (3/13-14 رقم2316). بل وحديث ابن عباس المتقدم رواه الطبراني في "الكبير" (12/91-92 رقم12640)، وقال الحافظ ابن كثير بعد أن نقل إسناده ومتنه من "المعجم الكبير": «إسناده في نظر». "تفسير بن كثير" (8/192/الشعب). وقال الهيثمي في "معجم الزوائد" (5/178): «وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي، وهو ضعيف، وقد وثقه ابن حبان. والضحاك بن مزاحم لم يسمع من ابن عباس. وبقية رجاله ثقات».
(2) في (ب): «أعملمه».
(3) من قوله: «وهذا يدل على...» إلى هنا سقط من (ب) و(ح).
(4) .............
(5) في (ب) و(ح): «وحفصة» بدل «صفية».
(6) قوله: «استثقالاً للجمع» سقط من (ب).
(7) في (ب): «ثنتين».
(8) القائل هو: خِطام الْمُجاشعي. وصدر البيت: ومَهْمَهَيْن قَذفيْن مَرْتَيْن. انظر "لسان العرب" (2/89).(4/200)
وقوله: {وإن تظاهرا عليه}؛ أي: تعاونا (1) عليه بما تواطأتا (2) عليه في (3) العسل أو في مارية {فإن الله هو مولاه}؛ أي: وليه، ومعينه، وكافيه، فلا يضره من كاده، أو من يعاون عليه. والوقف على {مولاه}، حسن، ويُبْتَدَىء: {وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير}؛ أي: بعد تولي الله له. {ظهير (4) }: مُعِينون له على ما يصلحه، ويحفظه، ويوافقه. و{ظهير} وإن كان واحدًا؛ فمعناه الجمع. وقيل: كل (5) واحد ظهير؛ كما قال تعالى: {ثم نخرجكم طفلاً} (6) ؛ أي: كل واحد منكم طفلاً. و{وصالح المؤمنين}؛ أحسن ما قيل فيه: أبو بكر، وعمر (7) رضي الله عنهما، ومن جرى مجراهما من سبق إسلامه، وظهر غناؤه. وقيل: كان حق {صالح}، أن يكتب بالواو، ولكنهم (8) حذفوها، ليوافق الخطُّ اللفظ. ويحتمل أن يقال: {صالح} مفرد، لكنه سُلِك به مسلك الجنس، والله أعلم.
ثم بالغ الله تعالى في تأديب أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وتهديدهن بقوله: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا (9) خيرًا منكن مسلمات}؛ أي: منقادات بالإسلام والاستسلام.{مؤمنات}؛ أي: مصدقات بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ملازمات أحوال المؤمنين به من التعظيم والاحترام. {قانتات}: خاضعات لله بالعبودية، &(4/201)&$
__________
(1) في (ب): «تتعاونا».
(2) في (ب): «تماتواطأنما».
(3) في (ب) و(ح): «من».
(4) قوله: «أي بعد تولي الله له ظهير» سقط من (ب) و(ح).
(5) في (ب): «وقيل هو كل».
(6) الآية (5) من سورة الحج.
(7) حديث ضعيف، انظر تحقيقي لـ"مختصر استدراك الذهبي" (3/1168-1169 رقم495).
قال ابن جرير في "تفسيره" (23/487): «والصواب من القول في ذلك عندي: أن قوله: {وصالح المؤمنين} وإن كان في لفظ واحد، فإنه بمعنى الجميع، وهو بمعنى قوله: {إن الإنسان لفي خسر}، فالإنسان وإن كان في لفظ واحد، فإنه بمعنى الجميع، وهو نظير قول الرجل: لا تقْريَنَ إلا قارىء القرآن، يقال: قارىء القرآن، وإن كان في اللفظ واحدًا، فمعناه الجمع؛ لأنه قد أذن لكل قارىء القرآن أن يقريه؛ واحدًا كان أو جماعة».
(8) في (ح): «لكنهم».
(9) قوله: «أزواجًا» سقط من (أ).(4/201)
ولرسوله =(4/252)=@ بإيثار الطَّواعية على الغيرة النفسية (1) . {عابدات}؛ أي (2) : يقمن (3) لله بما له عليهن من العبادة، وبما لك عليهن من الحرمة والخدمة.{سائحات}: ابن عباس: صائمات (4) ، زيد بن أسلم: مهاجرات (5) ، من السياحة في الأرض. ويمكن أن يقال: مسرعات إلى ما يرضيك، ذاهبات فيه، فلا يشتغلن (6) بسوى ذلك؛ لأن (7) من ساح في الأرض فقد ذهب فيها، وانقطع إلى غيرها. {ثيبات}: جمع ثيب. قيل: يعني بذلك: آسية امرأة فرعون (8) . {وأبكارًا}: جمع بكر. قيل: يعني بذلك: مريم. وفيه نظر وبُعْدٌ.
وما ذكرناه في هذه الآية إشارة إلى المختار (9) . والأقوال فيها أكثر مما ذكرناه. فلنقتصر على ذلك القدر، والله تعالى الموفق (10) .
وقول عائشة: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى العصر دار على نسائه فيدنو منهن»؛ يُسْتَدَلُّ بهذا لأحد القولين الْمُتقدِّمين، وهو: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن القسم عليه (11) واجبًا. ويمكن أن لصرف عن ذلك؛ بأن يقال: إن ذلك إنما كان يفعله؛ لأنهن كن قد أذن له (12) في ذلك؛ بدليل ما جاء في "الأم" (13) : أنَّه كان - صلى الله عليه وسلم - يستأذنهن إذا كان في =(4/253)=@ يوم المرأة منهن. وقد يُستدل به من يرى القَسْمَ واجبًا؛ لكنه بالليل دون النهار.
وقال الداودي: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل ما بعد العصر ملغى؛ أي: جعله وقتًا مشتركًا لجميعهن.
وقولها (14) : «فيدنو منهنَّ»؛ أي (15) : من غير مسيس (16) . وقد (17) جاء كذلك (18) في بعض الروايات، وإنما كان يفعل ذلك تأنيسًا لهن، وتطيبًا لقلوبهن؛ حتى ينفصل عنهن إلى التي هو في يومها، ويتركها طيبة القلب، والله أعلم. =(4/254)=@ &(4/202)&$
__________
(1) في (ب): «النفيسة».
(2) قوله: «أي» سقط من (أ).
(3) في (ب): «تصمن».
(4) أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (23/490).
(5) أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (23/490) بسند مسلسل بالضعفاء. انظر تحقيقي لـ"سنن سعيد بن منصور" (3/987-989).
وأخرج أيضًا (14/504 رقم17301) من طريق معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: كل ما ذكر الله في القرآن ذكر السياحة، هم الصائمون.
ورواية علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس منقطعة أنها متصلة، وأن الواسطة بينهما مجاهد.
وقد سار الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه لتفسير الطبري على أنها مرسلة. انظر تعليقه على "الطبري" (2/527-528). وانظر "السلسلة الصحيحة" (4/104 رقم1575).
وأخرج أيضًا (14/503 رقم17292) من طريق أبي كريب، عن ابن عطية، عن إسرائيل، عن أشعث، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله.
وفي سند رجاله ثقات، خلا ابن عطية فلم أهتد إليه..... يراجع.
وأخرج أيضًا (14/503 رقم17293) عن سفيان بن وكيع، عن أبيه، عن الجراح وإسرائيل، كلاهما عن أشعث، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله.
وفي سنده سفيان بن وكيع، ضعيف.
وللحديث شواهد: منها ما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .
وقد اختُلف في رفعه ووقفه: فأخرجه الطبري (14/503 رقم17287)، والعقيلي (1/317)، وابن عدي (2/220) ثلاثتهم من طريق حكيم بن حذام، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «السائحون: الصائمون».
قال ابن عدي: «ولا أعلم رفع هذا الحديث عن الأعمش غير حكيم بن حذام».اهـ.
وحكيم هذا: قال البخاري: «منكر الحديث كان يرى القدر.
وقال العقيلي: «يُرْوى عن أبي هريرة موقوفًا».اهـ.
وأورده السيوطي في "الدر المنثور" (4/298)، وزاد نسبته إلى أبي الشيخ وابن مردويه وابن النجار.
وأما الموقوف: فأخرجه ابن جرير (14/503 رقم17288) من طريق إسرائيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، موقوفًا. وسنده صحيح.
وقال ابن كثير في "تفسيره": «وهذا الموقوف أصح».اهـ.
وروي من وجه آخر عن أبي هريرة مرفزعًا: أخرجه الحاكم (2/335)، وعنه البيهقي في "شعب الإيمان" (3/293 رقم3578) من طريق حامد بن يحيى البلخي، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عبيد بن عمير، عن أبي هريرة قال: سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن السائحين؟ فقال: «هم الصائمون».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، على أنه مما أرسله أكثر أصحاب ابن عيينة، ولم يذكروا أبا هريرة في إسناده».
وقال البيهقي: «هكذا روي بهذا الإسناد موصولاً، والمحفوظ عن ابن عيينة، عن عمرو، عن عبيد بن عمير، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ...، مرسلاً».اهـ.
وأما المرسل: فأخرجه ابن جرير في "تفسير" (14/502 رقم17286)، والبيهقي (4/305) كلاهما من طريق عمرو بن دينار، عن عبيد بن عمير، قال: سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن السائحين؟ فقال: «هم الصائمون».
قال ابن كثير (4/157): «وهذا مرسل».اهـ.
ومنها ما روي عن ابن مسعود:
أخرجه الطبري (14/503 رقم17289 و17290)، والطبراني في "الكبير" (9/225 رقم9095) كلاهما من طريق سفيان، عن عاصم بن بهدلة، عن زر، عن عبدالله قال: السائحون: الصائمون.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/112-113): «وفيه عاصم بن بهدلة، وقد وثقه جماعة، وضعفه آخرون، وبقية رجاله رجال الصحيح».اهـ.
لكن الراجح من حال عاصم، أنه صدوق حسن الحديث. فالحديث حسن.
قال ابن جرير (23/490): «وكان بعض أهل العربية يقول: نرى أن الصائم إنما سمي سائحًا؛ لأن السائح لا زاد معه، وإنما يأكل حيث يجد الطعام، فكأنه أخذ من ذلك». اهـ.
(6) في (أ): «فلا يستعجلن».
(7) في (أ): «بأن».
(8) عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (8/225) إلى الطبراني وابن مردويه، عن بريدة. ولم أجده في معاجم الطبراني الثلاثة..
ولكن روي ضمن حديث أبي هريرة الطويل في قصة تحريمه لمارية، ولا يصح إسناده، وقد تقدم الكلام عليه في هذا الباب.
قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (4/391/دار الفكر): «وقال أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير: حدثنا أبو بكر بن صدقة، حدثنا محمد بن محمد بن مرزوق، حدثنا عبد الله بن أبي أمية، حدثنا عبد القدوس، عن صالح بن حيان، عن ابن بريدة، عن أبيه: {ثيبات وأبكارًا}، قال: وعد الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية أن يزوجه بالثيب: آسية امرأة فرعون، وبالبكر: مريم بنت عمران».
(9) في (ب): «إشارة المختار».
(10) قوله: «القدر والله تعالى الموفق» سقط من (أ)، وفي (ب): «أعلم» بدل «الموفق».
(11) في (ب): «عليه علمه».
(12) قوله: «له» سقط من (أ).
(13) أخرجه مسلم (2/1103 رقم1476/23) في الطلاق، باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقًا إلا بالنية.
(14) في (أ): «وقوله».
(15) قوله: «أي» سقط من (أ).
(16) أخرجه أحمد (6/107-108) عن سريج، وأبو داود (2/60-61 رقم2135) كتاب النكاح، باب في القسم بين النساء، والحاكم (2/186) من طريق أحمد بن يونس. كلاهما - سريج، وأحمد بن يونس -، عن عبدالرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: قالت عائشة رضي الله عنها: يا بن أختي! كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعًا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ الذي هو يومها، فيبيت عندها. ولقد قالت سودة بنت زمعة؛ حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله ! يومي لعائشة، فقبل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها، قالت: نقول في ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها، أراه قال: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا...}.
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».اهـ.
وقد اختُلف في وصله:
فأخرجه سعيد بن منصور (4/1401 رقم702/بتحقيقي) عن عبدالرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: أنزل في سودة رضي الله عنها وأشباهها... الحديث مرسلاً.
ومن طريقه البيهقي (7/297) وقال: ورواه أحمد بن يونس، عن ابن أبي الزناد موصولاً.اهـ.
ورواية الوصل أرجح. انظر تحقيقي لـ"سنن سعيد بن منصور" في الموضع السابق.
وأما قوله في أول الحديث: «كان لا يفضل بعضنا على بعض في القسم... فيبيت عندها». فممن انفرد بها ابن أبي الزناد، ولم يتابع عليها، وابن أبي الزناد ممن تغير حفظه منذ قدم بغداد.
(17) في (أ): «قد».
(18) في (أ): «وكذلك».(4/202)
- - - - -
ومن باب قوله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك
إن كنتن تردن الحياة الدنيا (1) } (2) الآية.
قوله (3) : «وَاجِمًا، ساكتًا (4) »)؛ أي: مُطْرِقًا إِطراقَ المغضب.
وقوله: «وَجَأْتُ (5) عنقها»؛ أي: طعنت فيه ودققت. وأصل الوَجْءِ (6) : الدَّقُّ، والطَّعْن؛ يقال: وجأتُ البعير: إذا طعنتُ في مَنْحَرِهِ (7) . ووجأت الوتد: ضربتُه. ووجأته بالسكين: طعنته بها.
وهذا الفعل من أبي بكر وعمر بابنتيهما مبالغة في تأديبهما، وكذلك غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهن، وهجرانه لهن إنما كان مبالغة في أدبهن، فإنهن كن كثَّرنَ عليه، وتبسَّطن عليه تبسُّطًا تعدين فيه ما (8) يليق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من احترامه، وإعظامه. وكان ذلك منهن بسبب حسن معاشرته، ولين خلقه، وربما امتدت أعين =(4/255)=@ بعضهن إلى شيء من متاع الدنيا. ولذلك أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن يخيرهنَّ بين إرادة زينة الدنيا، وإرادة الله تعالى، وما عنده، فاخترن الله ورسوله، والدار الآخرة. ولم يكن فيهن من توقف في شيء من ذلك، ولاتردد فيه، لأنهن مختارات لمختار، وطيبات لطيب، سلام الله تعالى (9) عليهم أجمعين.
وقوله في هذه الرواية: «اعزلهن شهرًا، أو تسعًا وعشرين»؛ ظاهره شك من الراوي، وكأنه إنما سُمِّي شهرًا بثلاثين (10) . وسيأتي حديث ابن عباس: أنَّه إنما اعتزلهن تسعًا وعشرين، وهو الصحيح. &(4/203)&$
__________
(1) قوله: «الدنيا» سقط من (ب).
(2) الآية (28) من سورة الأحزاب.
(3) في (ب) و(ح): «وقوله».
(4) في (ب) و(ح): «واخِمًا ساكان».
(5) في (ب): «فوجأت».
(6) رسمت في (أ) هكذا: «الوجئ».
(7) في (ب) و(ح): «منخره».
(8) في (ب): «بما».
(9) قوله: «الله تعالى» سقط من (أ).
(10) قوله: «وكأنه إنما سُمِّي شهرًا بثلاثين» سقط من (ب) و(ح).(4/203)
وقول عائشة للنبي - صلى الله عليه وسلم - : «لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت»؛ هو قول أخرجته غَيْرَتُها، وحرصها على انفرادها بالنبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله لها: «إن الله لم يبعثني معنتًا، ولا متعنتًا، ولكن بعثني (1) معلمًا، وميسرًا»؛ أصل العنت: المشقة. والْمُعَنِّتُ: هو =(4/256)=@ الذي (2) يوقع العنت بغيره. والمتعنِّت: هو الذي يحمل غيره على العمل بها. ويحتمل أن يقال: المعنت: هو المجبول على ذلك. والمتعنت: هو الذي يتعاطى ذلك وإن لم يكن في جِبِلَّته.
وكأن عائشة رضي الله عنها توقعت: أنَّه إذا لم يخبر (3) أحدًا من زوجاته يكون فيهن من يختار الدنيا، فيفارقها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأنهن إذا سَمِعْنَ باختيارها هي له(6) اقتدين(7) بها فَيَخْتَرْنَهُ، وكذلك فعلنَّ.
ووقع للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أنَّه إن سألته واحدة منهن عن فِعْل عائشة فلم يخبرها كان ذلك نوعًا من العنت، وإدخال الضرر عليهن بسبب إخفاء ما يُسأل عنه، فقال مجيبًا: «إن الله لم يبعثني معنتًا، ولكن بعثني معلمًا ميسِّرًا». ووجه التيسير في هذا: أنه إذا أخبر بذلك اقتدى بها غيرها من أزواجه، وسهل عليها اختيار الله ورسوله، والدار الآخرة.
وقولها: «خيَّرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاخترناه، فلم يعدّه (4) علينا طلاقًا»؛ حجة لجمهور العلماء من السلف وغيرهم وأئمة الفتوى: على أن المخيرة إذا اختارت زوجها أنَّه لا يلزمه طلاق، لا واحدة، ولا أكثر. وحكي (5) عن علي وزيد بن ثابت &(4/204)&$
__________
(1) في (أ): «بعث».
(2) قوله: «هو الذي» سقط من (ب) و(ح). ... (5) في (ب) و(ح): «يخير».
(3) 6) قوله: «له» سقط من (أ). ... ... ... (7) في (ح): «اقتدى».
(4) في (ب) و(ح): «يُعد».
(5) في (ب) و(ح): «وروي».(4/204)
رضي الله عنهما روايتان:
إحداهما كما قال جماعة السلف (1) وأئمة الفتوى (2) : إنه لا يقع بذلك طلقة رجعية. وروي عن عليّ، وزيد بن ثابت، والحسن، =(4/257)=@ والليث: أن نفس الخيار طلقة واحدة بائنة (3) ؛ وإن اختارت زوجها. وحكاه الخطابي، والنقَّاش عن مالك، ولا يصح عنه. وروي عن ربيعة نحوه في التمليك، وهذا الحديث حجّة عليهم.
وأمَّا إذا اختارث نفسها، فاختلف العلماء فيها (4) قديمًا وحديثًا على أقوال:
فقالت فِرْقَة: ليس للمُخيِّرة (5) ولا للمملَّكة شي من الطلاق.
وقالت فرقة أخرى: هو ما قضت به من واحدة أو أكثر.
وقيل: هو على ما نواه الزوج، وله مناكرتها في الخيار، والتمليك. وهو قول ابن جهم من أصحابنا وغيره.
وقال بعضهم: تكون رجعية. وهو قول عبد العزيز، والشافعي، والثوري، وابن أبي ليلى، وأبي يوسف. وحكى ابن سحنون عن أبيه نحوه. وروي عن عمر (6) ، وابن مسعود (7) (8) .
وقيل: إنه واحدة بائنة. وهو قول أبي حنيفة، وحكي عن مالك، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (9) .
والمشهور من مذهب مالك: أن المخيرة إذا اختارت نفسها كان ثلاثًا، وليس له المناكرة، بخلاف التمليك؛ فإن له المناكرة إذا قضت بالثلاث، إذا نوى أقل من ذلك، ولم يكن عن عوضيى.
ثم اختلف عندنا في المخيَّرة إذا قضت بأقل من ثلاث. فقال مالك مرة: لا يلزمه، وسقط ما بيدها. وقال أشهب: ترجع على خيارها. وقال عبد الملك: هي ثلات بكل حال.
وفي قول عائشة (10) هذا دليلٌ على أن المخيرة إذا اختارت نفسها أن نفس ذلك الخيار يكون طلاقًا، من غير احتياج إلى نطق (11) بلفظ (12) يدل على الطلاق سوى الخيار، ويُقْتَبَسُ ذلك من مفهوم لفظها، فتأمَّله (13) . =(4/258)=@ &(4/205)&$
__________
(1) الرواية التي عن علي توافق مذهب الجمهور: أخرجها عبدالرزاق (11981) عن الثوري، عن مخول، عن أبي جعفر، عن علي به.
وأخرجها البيهقي في "الكبرى" (7/346) من طريق عبد الله بن الوليد، ثنا سفيان، عن مخول، عن أبي جعفر، عن علي رضي الله عنه: أنه كان يقول: إن اختارت نفسها، فواحدة بائنة، وإن اختارت زوجها فلا شيء».
وعلَّقه الترمذي في "سننه" (3/483)..
وأخرج البيهقي (7/346) من طريق يعلى بن عبيد، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق قال: دخلت أنا وأبو السفر على أبي جعفر، فسألته عن التخيير: عن رجل خير امرأته فاختارت نفسها، فقال: تطليقة، وزوجها أحق برجعتها. قلنا: فإن اختارت زوجها؟ قال: فليس بشيء. قلنا: فإن ناسًا عن علي رضي الله عنه أنه قال: إن اختارت زوجها فتطليقة وزوجها أحق بها؛ أي: برجعتها، وإن اختارت نفسها فتطليقة بائنة، وهي أملك بنفسها؟ قال هذا وجدوه في الصحف، وأما عبد الله بن مسعود فالصحيح عنه ما روينا.
وإسنادهما ضعيف: أبو جعفر لم يدرك عليًّا. قال أبو زرعة: «حديثه عن علي وعمر مرسل».اهـ.
(2) من قوله: «روايتان إحداهما...» إلى هنا سقط من (ب) و(ح).
(3) أخرج سعيد ين منصور في "سننه" (1/425) عن أبي عوانة، عن بيان، عن عامر قال: سألنى عبدالحميد عن الخيار؟ فقلت: كان عبدالله بن مسعود يقول: إن اختارت زوجها فواحدة وهو أحق بها، وإن اختارت نفسها فواحدة بائنة. وقال زيد ابن ثابت: إن اختارت نفسها فثلاث؛ فقال: أقضى فيها بقول عبد الله.
وأخرجه ابن أبي شيبة (4/88) عن حفص بن عياش، عن الشيباني، عن الشعبي بنحوه.
وأخرج سعيد بن منصور أيضًا (1/426) عن هشيم، ثنا مغيرة، عن إبراهيم، وعن إسماعيل بن أبى خالد، عن الشعبى أن عليًّا رضي الله عنه كان يقول: إن اختارت نفسها فواحدة بائنة، وإن اختارت زوجها فواحدة، وهو أحق بها.
وأخرج سعيد بن منصور أيضًا (1/427) عن هشيم، ثنا مغيرة، عن إبراهيم، عن زيد بن ثابت؛ أنه كان يقول: إن اختارت نفسها فثلاث، وإن اختارت نفسها زوجها فواحدة.
(4) قوله: «فيها» سقط من (ب) و(ح).
(5) في (ب): «للخيرة».
(6) أما قول عمر فتقدم في أثر عليّ السابق.
(7) قوله: «وابن مسعود» سقط من (ب) و(ح).
(8) أخرجه البيهقي (7/345-346) من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر قال: وكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول: إذا خير الرجل امرأته فاختارت زوجها فليس بشيء، وإن اختارت نفسها فهي تطليقة، وهو أملك برجعتها.
قال البيهقي: «الشعبي عن ابن مسعود منقطع، حكاه ابن التركمان».
وأخرجه (7/345) من طريق حماد، عن إبراهيم: أن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما كانا يقولان: إذا خيرها فاختارت نفسها فهي واحدة، وهو أحق بها، وإن اختارت زوجها فلا شيء.
قال ابن التركمان: «حماد: هو ابن أبي سليمان ضعفه البيهقي فيما مضى، والنخعي عن عمر وابن مسعود منقطع».
(9) تقدم في هذا الباب.
(10) قال الحافظ في "الفتح" (9/369): «لكن ظاهر الآية: أن ذلك بمجرده لا يكون طلاقًا، بل لا بدّ من إنشاء الزوج الطلاق؛ لأن فيها: {فتعالين أمتعكن وأسرحكن}؛ أي: بعد الاختيار، ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم».اهـ.
(11) في (ب) و(ح): «النطق».
(12) قوله: «بلفظ» سقط من (ب) و(ح).
(13) زاد في (ب): «والله أعلم».(4/205)
- - - - -
ومن باب إيلاء الرَّجل من نسائه
الإيلاء في اللغة هو: الحلف. يقال: آلى، يُؤلي إيلاءً؛ أي: حلف. ويقال (1) : تألَّى (2) ، تالِّيًا (3) . و: ائتلى، يأتلي، ائتلاءً. وهو في الشرع: الحلف على الامتناع من وطء الزوجة بيمين يلزم بها حكم أكثر من أربعة أشهرٍ بمدَّة مؤثِّرة. وتفصيلُ ذلك (4) في كتب الفقه.
وقول عمر: «واعجبًا لك يا ابن عباس !» فهم الزهري من هذا التعجب (5) الإنكار لما سأله عنه، وفيه بُعْدٌ. ويمكن أن يقال: إنَّ تعجُّبَه إنما كان لأنه استبعد أن يخفى مثل هذا على مثل ابن عباس (6) مع مداخلته لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وشُهرة هذه القصة (7) ، وشدّة حرصه هو (8) على سماع الأحاديث، وكثرة حفظه، وغزارة علمه، ولما كان في نفس عمر من ابن عباس، فإنه كان يُعظِّمه، ويقدِّمُهُ على كثير من مشايخ الصحابة، كما اتفق له (9) معه (10) ؛ إذ سأله عن قوله تعالى: {إذا جاء نصر الله
والفتح} (11) ، والقصة مشهورة (12) . =(4/259)=@ &(4/206)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): «يقال».
(2) في (ب): «يألى».
(3) في (ب): «بالياء»، ويحتمل أن تكون: «باليًا».
(4) في (أ): «هذا».
(5) في (ب): «العجب».
(6) في (ب): «مثل هذا عن ابن عباس»، وفي (ح): «مثل هذا على ابن عباس».
(7) في (ح): «القضية».
(8) قوله: «هو» سقط من (ب).
(9) قوله: «له» سقط من (ب). ... (10) في (أ): «منعه».
(11) الآية (1) من سورة النصر.
(12) أخرجه البخاري (6/628 رقم3627) كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام. و(8/20 و130 و734و734-735 رقم4294 و4430 و4969 و4970) كتاب المغازي، باب منزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح، وباب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته. وكتاب التفسير، باب قوله: {ورأيتالناس يدخلون في دين الله أفواجًا}، وباب قوله: {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا}.(4/206)
وقوله: «فلا يغرَّنك أن كانت جارتُكِ هي أوسمُ وأحب»؛ أراد بالجارة: الضَّرَّة، وكنَّى عنها (1) بها (2) ؛ مراعاةً للأدب (3) ، واجتنابًا للفظِ الضرر أن يُضاف إلى مثل (4) أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - . ويعني بذلك عائشة، والله أعلم (5) .
و«أوسم»: أجمل، والوسيم: الجميل، فكأنًّ الْحُسْنَ وَسَمَه؛ أي: علَّمه بعلامة يُعرف بها.
و«المشربة»: الغرفة. يقال بضم الراء وفتحها، لغتان.
و«أُسكُفة المشربة»- بضم الهمزة والكاف: عتبة الباب السفلى.
و«الفقير»- بتقديم الفاء - فسَّره في الحديث بجذع يُرقى عليه، وهو الذي جُعِلَت فيه فِقَرٌ كالدرج يُصْعَدُ عليها. أُخذ (6) من فقار الظهر. وفي "الأم": «يرتقي (7) إليها بعجلة» (8) . كذا صحيح الرواية.
و«العجلة»: درج من النخل، قاله القتبي. وفي "الأم": قالت عائشة لعمر: ما لي ولك يا ابن الخطاب! عليك بعيبتك (9) ؛ أي: بخاصتك، وموضع سرِّك؛ ومنه =(4/260)=@ قوله - صلى الله عليه وسلم - : «الأنصار كرشي، وعيبتي» (10) . قال ابن الأنباري (11) : معنى كرشي: &(4/207)&$
__________
(1) قوله: «عنها» سقط من (ب).
(2) في (ح): «بها عنها».
(3) في (ب): «الأدب».
(4) في (ب) و(ح): «لمثل».
(5) من قوله: «ويعني بذلك...» إلى هنا سقط من (أ).
(6) في (ب): «أخذًا».
(7) في (ب): «ترتقي».
(8) أخرجه مسلم (2/1108-1110 رقم1479/31) كتاب الطلاق، باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن، وقوله تعالى: {وإن تظاهرا عليه}.
(9) أخرجه مسلم (2/1105-1108 رقم1479/30) في الموضع السابق.
(10) سيأتي في النبوات، باب فضائل الأنصار y.
(11) في (ب) و(ح): «ابن الأعرابي».(4/207)
أصحابي، وجماعتي الذين (1) أعتمدهم. وأصل (2) الكرش في اللغة: الجماعة. وقال غيره: ومعنى عيبتي: خاصتي، وموضع سرِّي. وأصل العيبة: الوعاء الذي يُجعل (3) فيه الشيء النفيس الرفيع. وتعني (4) بذلك: ابنته حفصة.
و«رباح» هذا هو بباء بواحدة من تحتها. و«رمل الحصير (5) »): نَسْجُه (6) . وقال (7) ابن القوطية (8) : رملت الحصير رملاً، وأرملتُه: نَسَجْتُهُ.
و«متكىء»: قال القاضي عياض: أي متمكِّنًا (9) في قعوده كالمتربِّع ونحوه. =(4/261)=@
قلت: وهذه غفلة منه عن قوله (10) : قد أثر في جنبه. ولوكان متربعًا لما أثر في جنبه (11) والذي ينبغي أن يقال: إن الاتكاء هو: التمكُّن، والتثبُّت. فيكون ميلاً على جنب (12) ، ويكون ترَبُّعًا؛ إذ كل واحدٍ منهما متمكِّنٌ ومتثبِّتٌ. ويعني به ها هنا: التمكّن على أحد جنبيه (13) على كل حال. &(4/208)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): «يعني كرشي وأصحابي وجماعتي الذي».
(2) قوله: «وأصل» سقط من (ب).
(3) قوله: «يجعل» سقط من (ب).
(4) في (ب) و(ح): «ويعني».
(5) في (ب): «ورمل الحصر»، وفي (ح): «وفعل الخير».
(6) في (ب) و(ح): «نسخه».
(7) في (أ): «قال».
(8) في (ب): «الترطية».
(9) في (ب): «متمسنكا».
(10) قوله: «قوله» سقط من (ب).
(11) قوله: «ولو كان متربعًا ما أثر في جنبه» من (ك) فقط.
(12) من قوله: «والذي ينبغي....» إلى هنا سقط من (أ).
(13) من قوله: «إذ كل واحد...» إلى هنا سقط من (ب) و(ح).(4/208)
وقوله (1) : «طفق (2) ») معناه: جعل وأخذ، و« تَغَضَّبْتُ»: استعملتُ الغضب؛ أي: أسبابه. و«تبسَّم»؛ أي (3) : بدأ يضحك. وفي "الأم": «كشر» في رواية. قال ابن الشكيت: كَشَرَ، وتبسَّم، وابتسم، وافترَّ كلها (4) بمعنى واحد. فإن زاد قيل: قهقه، وزمدق، وكركر. فإن أفرط؛ قيل: استغرب ضحكًا. وقال صاحب =(4/262)=@ "الأفعال": كَشَرَ: أبدى أسنانه تبسُّمًا، أو غضبًا.
وقوله: «فقلت: آستأنس يا رسول (5) الله؟ قال: نعم»؛ هو على الاستفهام، فتكون (6) بهمزتين:همزة الاستفهام دخلت على همزة المتكلم. فإن شئت حققتهما، وإن شئت حققت الأولى وسَهَّلت الثانية، ومعناه: آنبسط في الحديث انبساطء (7) المتأنس (8) ؛ الذي لا يخاف عتبًا (9) ، ولا لومًا. استاذنه في ذلك. ومنه قوله تعالى:{ولا متئنسين لحديث} (10) .
و«الأهب»: جمع إهاب. وهو: الجلد غير المدبوغ (11) . ويقال (12) له
أيضًا: أَفِيقٌ (13) . &(4/209)&$
__________
(1) قوله: «وقوله» سقط من (ب) و(ح).
(2) في (ب) و(ح): «وطفق».
(3) قوله: «أي» سقط من (أ).
(4) في (أ): «تلك».
(5) في (ب): «برسول».
(6) في (ب) و(ح): «فيكون».
(7) قوله: «انبساط» سقط من (ب).
(8) في (ب): «المستأنس».
(9) في (ب) و(ح): «غشا».
(10) الآية (53) من سورة الأحزاب.
(11) في (ب) و(ح): «غير مدبوغ».
(12) في (ب): «يقال».
(13) في (ب) و(ح): «أفق».(4/209)
فإذا جعل في الدِّباغ سُمِّي: منيئة (1) . فإذا دبغ، فهو: أديم. ورُوي: «أُهُبٌ» - بضم الهاء -: جمع إهاب؛ كحمار، وحُمُر. ويروى بفتح الهاء والهمزة (2) ، كأنَّه جمع: أَهَبَة وأ هب؛ كثمر ة، وثمر، و شجرة، وشجر.
وقوله: حين استوى جالسًا: «أفي شك أنت (3) يا ابن الخطاب؟!»؛ إنكار منه على عمر لما وقع له من الالتفات إلى الدنيا، ومدِّ عينيه إليها. وقد بالغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجواب والردع بقوله: «أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم»، وبقوله: «أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟».
وفيه حجة على تفضيل الفقر. =(4/263)=@
وقوله: «وكان أقسم ألا يدخل عليهن شهرًا من أجل موجدته عليهن»؛ هذا يدلُّ على أن الْمُولِي لا يُلْزم إيقافه إذا حلف على أقلَّ من أربعة أشهر، كما قال الله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أريعه أشهر} (4) ، فإن حلف على زيادة عليها لزم إيقافه، فإما حًنَّثَ نَفْسَهُ ووطِئ، وإما طلَّق؛ وهذا(6) مذهب جمهور الصحابة، والتابعين وأئمة الفقهاء.
ولم يعتبر مالك الزيادة القليلة مثل الأيام اليسيرة، ورأى: أن لها حكم الأربعة الأشهر. واعتبرها غيره؛ لأنها زيادة على ما حدَّده (5) الله تعالى. ولو اقتصر عندهم على الأربعة الأشهر لم يكن موليًا.
وذهب الكوفيون: &(4/210)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): «ميتة».
(2) قوله: «والهمزة» سقط من (أ).
(3) قوله: «أنت» جاء في (ب) بين قوله: «إنكار» وقوله: «منه».
(4) الآية (226) من سورة البقرة. ... (6) في (أ): «هكذا».
(5) في (ب): «حدَّد».(4/210)
إلى أنه مول. وشذ ابن أبي ليلى، وابن شبرمة، والحسن في آخرين معهم فقالوا: إن حلف على ألا يجامعها يومًا، أو أقل، ثم تركها حتى مضت أربعة أشهر فهو مول.
وروي عن ابن عباس (1) عكس (2) هذا: أن كل من وقَّت ليمينه وقتًا، وضرب (3) مدَّةً - وإن طالت - فليس بمولٍ، وإنما المولي من حلف على الأبد.
وسبب خلافهم اختلافُهم في فهم الآية. وحجّة الجمهور منها واضحة. ولا خلاف بينهم أنَّه لا يقع عليه (4) طلاق قبل الأربعة الأشهر (5) ، وإنه لو أحنث نفسه قبل تمامها سقط الإيلاء عنه.
ثم اختلفوا: هل بانقضاء (6) الأربعة الأشهر يقع الطلاق؟ وهو قول الكوفيين، ويقدرون الآية؛ فإن فاءوا فيهنَّ، أو حتى يوقف الزوج، فإمَّا فَاءَ، وإمَّا طلَّق، أو طلَّق عليه السلطان؟ وهو قول الجماهير، وهو ظاهر قوله تعالى: {وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} (7) ، ولو وقع الطلاق بمضيِّ الْمُدَّة؛ =(4/264)=@ لما كان (8) لعزمهم على الطلاق بعدها معنى. ومشهور (9) مذهب مالك كقول الجماهير. وحُكي عنه مثل قول الكوفيين. وقال أشهب: إن قال: أنا أفيء، أمهل حتى تنقضي عدتها. فإن لم يفِء بانتْ منه، ولا خلاف بين الجماهير: أن الطلاق فيه رجعيُّ، غير أن مالكًا يقول: رجعته موقوفة على الوطء.
واختلف الكوفيون في ذلك الطلاق: هل هو بائن أو رجعيٌّ؟
ثم ظاهر قوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم} (10) ؛ العموم في كل مول على أكثر من أربعة أشهر، فسواء (11) كان إيلاؤه على وجه الغضب، أو الرضا، أو لمصلحة، أو غيرها. لكن اختلفوا في هذه المسائل. فذهب مالك، والأوزاعي: إلى أنَّه إذا أدَّى (12) إلى مصلحة الولد (13) أنَّه لا يكون مُوليًا، ولا يوقف، وهو قياس قولهم في شبه هذا مما لا يقصد به الضرر. فأمَّا لو قصد الضرر بحلفه: فلا يختلفون في أنَّه موجب لحكم الإيلاء، وهو المفهوم (14) من قوله: {فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم}(@)؛ فإنَّ المغفرة مشعرة بالذنب، وذلك يكون بإضراره بها أو بقصده إلى ذلك.
وروي عن عليٍّ (15) ، وابن عباس (16) y: أنه إنما يكون مُوليًا إذا حلف على وجه الغضب، وأمَّا على وجه الرِّضا: فلا. &(4/211)&$
__________
(1) في (أ): «ابن عمر».
وأخرجه عبدالرزاق في "المصنَّف" (11608)، ومن طريقه ابن حزم في المحلَّى" (10/43) عن ابن جريج، أخبرنا أبو الزبير؛ أنه سمع سعيد بن جبير يحدِّث عن ابن عباس قال: الإيلاء هو أن يحلف أن لا يأتيها أبدًا. وإسناده صحيح.
وأخرجه أيضًا (11609) عن ابن جريج قال عمرو بن دينار: أن أبا يحيى مولى معاذ أخبره عن ابن عباس مثله.
وذكر القرطبي في "التفسير" (3/104)، والشوكاني في "فتح القدير" (1/232)، وذكره السيوطي في "الدُّر المنثور" (1/646)، وعزاه للشافعي وعن عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر، والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس.
(2) قوله: «عكس» سقط من (ب).
(3) في (ب): «ضرب».
(4) في (ب) و(ح): «عليهم».
(5) في (ب): «أشهر».
(6) في (ب) و(ح): «بالانقضاء».
(7) الآية (227) من سورة
(8) في (ب): «لكان».
(9) في (ب) و(ح): «وهو مشهور».
(10) الآية (226) من سورة البقرة.
(11) قوله: «فسواء» سقط من (ب).
(12) في (ب): «إذا داي».
(13) قوله: «الولد» سقط من (أ).
(14) في (أ): «المشهور».
(15) أخرج الطبري (4/460 رقم4489 و4492) من طريق داود بن أبي هند، عن سماك بن حرب، عن أبي عطية، عن علي؛ قال: لا إيىء إلا بغضب.
وأخرج أيضًا (4/458 رقم4482 و4483)، والبيهقي (7/381-382) كلاهما من طريق داود هو بن أبي هند، عن سماك، عن رجل من بني عجل، عن أبي عطية: أنه توفي أخوه وترك ابنًا له صغيرًا... فذكر الحديث، وفيه: فقال علي رضي الله عنه: إنما أردت الخير، وإنما الإيلاء في الغضب.
وأخرجه الطبري (4/458-459 رقم4484) من طريق داود بن أبي هند، عن سماك بن حرب: أن رجلاً هلك أخوه... فذكره، وفيه: فذهب إلى علي فاستحلفه بالله: ما أردت بذلك؟ - يعني إيلاءً -، قال: فردَّها عليه.
وأخرجه عبدالرزاق (6/451-452 رقم1162) من طريق الثوري، وأخرجه الطبري (4/459 رقم4485) من طريق أشعث بن سوار، عن سماك، عن عطية بن أبي عطية قال: توفي أخ لي وترك يتيمًا له... فذكره، وفيه: فأتيت عليًّا فقصصت عليه القصة، فقال: إنما الإيلاء ما أريد به الإيلاء.
وأخرجه الطبري (4/457-458 رقم4480 و4481)، والبيهقي (7/382) من طريق شعبة، عن سماك، عن عطية بن جبير... فذكره، وفيه: فأتى عليًّا يستفتيه، فقال: إن كنت قلت ذلك غضبًا فلا امرأة لك، وإلا فهي امرأتك.
وأخرجه ابن أبي شيبة (4/138 رقم 18718) كتاب الطلاق، باب من قال: الإيلاء في الرضى والغضب، ومن قال في الغضب، والطبري (4/457 رقم4479) من طريق أبي الأحوص، عن سماك، عن حريث بن عميرة، عن أم عطية قالت: قال جبير: ارضعي ابن أخي.... فذكره، وفيه: فأتى عليًّا فاستفتاه، فقال: إن كنت فعلت ذلك غضبًا فلا تصلح لك امرأتك، وإلا فهي امرأتك.
وقد أعلَّ البخاري هذا الحديث في "التاريخ الكبير" (7/12) فقال: «عطية بن جبير العنزي: قاله شعبة، عن سماك. وقال سفيان: عن سماك، عن أبي عطية بن جبير. وقال أبو الأحوص: عن سماك، عن حريث بن عميرة، عن أم عطية: أن جبيرًا حلف فأتى عليًّا».اهـ.
ورواية شعبة وسفيان، عن سماك أصح، لكنها معلولة، فعطية ابن جبير لم أجد من وثقه. وأما عطية بن أبي عطية، فقال العقيلي: «مجهول بالنقل وفي حديثه اضطراب»، وقال الذهبي: «لا يعرف».
انظر "الضعفاء الكبير" (3/357)، و"الميزان" (3/80).
(16) أخرجه الطبري (4/459 رقم4487) من طريق عبدالأعلى، عن سعيد، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس قال: لا إيلاء إلا بغضب.
ورجاله ثقات، إلا أن سعيدًا، وهو ابن أبي عروبة ممن اختلط، ورواية عبدالأعلى بعد اختلاطه.
وله طريق أخرى: فأخرجه الطبري (4/459 رقم4488)، وابن حزم في "المحلى" (10/45) كلاهما من طريق أبي وكيع، عن أبي فزارة، عن ابن عباس، مثله. وفي سنده: أبو وكيع، الجراح بن مليح: صدوق يهم، كما في "التقريب" (908).
لكن الحديث حسن لغيره بطريقيه.(4/211)
وقوله: «إن الشهر تسع وعشرون»؛ ظاهره: أنَّه دخل في أول ذلك الشهر، =(4/265)=@ وإنه (1) كان تسعًا وعشرين، لكن قول عائشة رضي الله عنها: أعدُّهن عدًّا (2) ؛ يدلُّ على أنَّه أراد به العدد. وقد تقدَّم استيفاء هذا المعنى في الصيام.
- - - - -
ومن باب فيمن قال (3) : إن المطلقة البائن لا نفقة لها ولا سكنى
قوله: «عن فاطمة بنت (4) قيس: أن أبا عمرو بن حفص»؛ هكذا رواية أكثر الأئمة الحفَّاظ: مالك وغيره (5) . وقد قلبه شيبان، وأبان العطَّار (6) ، عن يحيى بن أبي كثير؛ فقال: «إن أبا حفص بن عمرو». والمحفوظ الأوَّل. واسمه: أحمد؛ على ما ذكره الداوديُّ عن النسائي (7) .
قال القاضي: والأشهر: عبدالحميد. وقيل: اسمه كنيته (8) .
وقوله: «طلقها البتة»؛ هذا هو الصحيح: أنه طلَّقها عند جميع الحفاظ. =(4/266)=@ وسيأتي في حديث الجسَّاسة (9) لفظٌ يوهم: أنه مات عنها. وله تأويل يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى (10) ، ويعني بالبتة: آخر الثلاث (11) تطليقات، كما جاء مفسَّرًا (12) في الرواية الأخرى. لا أنه أوقع عليها لفظ البتة، وإنما سَمَّى آخر الثلاث: البتة؛ لأنها طلقة تَبُتُّ (13) العصمة، ولا تُبْقي (14) منها شيئًا. ولما كملت بهذه الطلقة (15) الثلاث: عَبَّر (16) عنها بعض الرواة بالثلاث. والرواية المفضَّلة قاضيةٌ على غيرها، وهي الصحيحة. &(4/212)&$
__________
(1) في (ب): «أن».
(2) قوله: «عدًّا» سقط من (أ).
(3) في (ب) و(ح): «قالت».
(4) في (أ): «ابنة».
(5) في (ب) و(ح): «أو غيره».
(6) رواه شيبان عند مسلم (2/1115 رقم1480/30) كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها.
وأما رواية أبان بن يزيد العطار، فأخرجها أبو داود (2/714 رقم2285) كتاب الطلاق، باب في نفقة المبتوتة.
(7) في "سننه الكبرى" (5/77 رقم8283) كتاب المناقب، باب خالد بن الوليد: عن إبراهيم بن يعقوب، عن وهب بن زمعة، عن عبدالله بن المبارك، عن سعيد بن يزيد، قال: سمعت الحارث بن يزيد الحضرمي يحدث عن علي بن رباح، عن ناشرة بن سمي اليزني، قال: سمعت عمر بن الخطاب وهو يخطب الناس، فقال: ثم إني أعتذر إليكم من خالد بن الوليد، فإني أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين، فأعطاه ذا البأس وذا الشرف وذا اللسان فنزعته، وأمرت أبا عبيدة بن الجراح، فقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة: لقد نزعت عاملاً استعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأغمدت سيفًا سله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ووضعت لواءً نصبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولقد قطعت الرحم، وحسدت ابنَ العمّ. فقال عمر: إنك قريبُ القَرَابَة حديثُ السِّنِّ مُغْضَب في ابن عمك.
قال المزي في "تهذيب الكمال" (34/118): «وقال إبراهيم بن يعقوب في حديثه: سألت أبا هشام المخزومي، وكان علاَّمة بأسمائهم عن اسم أبي عمرو هذا؟ فقال اسمه أحمد.
(8) في (أ): «ولا يُعرف في الصحابة من اسمه: أحمد سواه - على هذا القول - وفي الصحابة أجمد لا غير، وهو ابن عُجيَّان الْهَمْداني»، ولكن وضعه الناسخ في صلب النسخة وكتب في أوله ونهايته "صح".
وأجمد بالجيم بعد الهمزة. وانظر "الاستيعاب" (1/144)، و"الإكمال" لابن ماكولا (1/17)، و"الإصابة" (1/13). وأجمد من الأسماء المفردة.
(9) سيأتي في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب حديث الجساسة وما فيه من ذكر الدجال.
(10) قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (9/478): «واتفقت الروايات عن فاطمة على كثرتها عنها؛ أنها بانت بالطلاق، ووقع في آخر "صحيح مسلم" في حديث الجسَّاسة، عن فاطمة بنت قيس: نكحت ابن المغيرة وهو من خيار شباب قريش يومئذ، فأصيب في الجهاد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلمَّا تأيَّمْتُ خطبني أبو جهم... الحديث، وهذه الرواية وَهْمٌ، ولكن أوّلها بعضهم على أن المراد: أصيبُ بجراحهٍ، أو أصيبُ في ماله، أو نحو ذلك؛ حكاه النووي وغيره. والذي يظهر أن المراد بقولها: أصيب؛ أي: مات على ظاهره، وكان في بَعْثِ عليٍّ إلى اليمن؛ فيصدق أنه أصيب في الجهاد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ أي: في طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يلزم من ذلك أن تكون بينونتها منه بالموت بل بالطلاق السابق على الموت، فقد ذهب جمع جَمٌّ إلى أنه مات مع عليٍّ باليمن، وذلك بعد أن أرسل إليها بطلاقها. فإذا جُمِع بين الروايتين استقام هذه التأويل وارتفع الوهم، ولكن يُبْعد بذلك: قول من قال: أنه بقي إلى خلافة عمر».
(11) في (ب): «الحر لثلاث».
(12) عند مسلم (2/1116 رقم1480/40) كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها.
(13) في (ب): «تبتب».
(14) في (ب) و(ح): «يبقي».
(15) في (ب) و(ح): «اللفظة».
(16) في (ب): «عير».(4/212)
وقوله: «فأرسل إليها وكيله بشعير، فسخطته»؛ كان صوابه أن يقول: وَكِيلَيْه؛ لأنهما الحارث بن هشام، وعياض بن ربيعة (1) ؛ كما جاء مفسَّرًا في الرواية الأخرى.
وفيه دليل على العمل بالوكالة، وشهرتها عندهم. وكأنَّ إرساله
بهذا الشعير كان (2) منه متعة (3) ، فحسبته هي نفقةً واجبةً عليه، ولذلك (4) سخطته، ورأت: أنها تستحق عليه (5) أكثر من ذلك وأطيب. فحين تحقَّق الوكيلان منها ذلك؛ أخبراها بالحكم، فلم تقبل منهما حتى أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لها: «لا نفقة لك»؛ على ما رواه مالك، وأكثر الرواة من حديث أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن فاطمة، وعلى ما رواه الزهري، عن عبيدالله بن عتبة. ولم يذكروا فيها قوله: «ولا سكنى» (6) على أنها رواية مرسلة على ما قاله أبو مسعود.
ولم يرو مالك، ولا أكثر الأئمة هذه اللفظة (7) في السكنى، وإنما هي من رواية أبي حازم عن أبي سلمة (8) . ومن رواية الشعبي عن فاطمة (9) . وهي التي أنكرها عليها (10) الأسود.
ولأجل اختلاف هذه الطرق، واختلافهم في تأويل قوله تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن} (11) ؛ الطلاق: اختلفوا في المطلقة البائن، حقو فقال بعضهم: لها السُّكنى، والنفقة. وهو قول عمر رضي الله عنه، وأبي حنيفة، =(4/267)=@ ولم يُعَرّجا على حديث فاطمة هذا (12) . ولذلك قال عمر (13) : «لا ندع كتاب ربنا لقول امرأة»؛ يعني بذلك قوله تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن}؛ ولأنها محبوسة بسبب المطلِّق، فنفقتها عليه، وكذلك سُكْناها (14) . وقال آخرون: لا سُكْنى لها، ولا نفقة. وهو قول ابن عباس (15) ، وأحمد متمسِّكين بانقطاع أسباب الزوجية بينهما، ولقوله: «لا سكنى لك ولا نفقة».
وقال آخرون: لها السكنى ولا نفقة. وهو مذهب مالك متمسكًا في إسقاط النفقة بما رواه من قوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا نفقة لك». وفي إثبات السكنى بقوله تعالى: {لا (16) تخرجوهن من بيوتهن} (17) الآية.
وأمَّا المطلقة الرجعية فلاخلاف في وجوب النفقة والسكنى لها. وأما &(4/213)&$
__________
(1) سيأتي بعد باب من هذا.
(2) قوله: «كان» سقط من (ب) و(ح).
(3) في (ب) تشبه: «متعبة».
(4) في (ب): «وكذلك».
(5) قوله: «عليه» سقط من (ب) و(ح).
(6) أخرجه مسلم (2/1114 رقم1480) ليس فيها ذكر السكنى.
(7) في (ب) و(ح): «هذا اللفظ».
(8) عند مسلم (2/1114-1115 رقم1480/37) كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها.
(9) رواية الشعبي تأتي في الباب الذي يليه، ولم ينفرد الشعبي به عن فاطمة، فقد أخرجه مسلم في "صحيحه" (2/1119 رقم1480) من طريق سفيان عن أبي بكر بن أبي الجهم بن صخير العدوي قال: سمعت فاطمة بنت قيس... فذكر القصة.
وأخرجه مسلم (2/1120 رقم1480) من طريق شعبة: حدثني أبو بكر قال: دخلت أنا وأبو سلمة على فاطمة بنت قيس في زمن ابن الزبير فذكر الحديث.
وأخرجه مسلم في "صحيحه" (2/1120 رقم1480) من طريق السدي، عن عبدالله بن يسار البهي، عن فاطمة بنت قيس قالت: طلقني زوجي ثلاثًا فلم يجعل لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ....
وأخرجه البخاري في "صحيحه" (5016) عن محمد بن بشار، عن غندر، عن شعبة، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة: أنها قالت: ما لفاطمة؟ ألا تتقي الله - يعني في قولها -: «لا سكنى ولا نفقة».
(10) في (ب) و(ح): «عليه».
(11) الآية (1) من سورة الطلاق.
(12) قوله: «هذا» سقط من (ب).
(13) سيأتي في الباب الذي يليه.
(14) في (ب) و(ح): «سكنتها».
(15) أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (1363) من طريق الطحاوي في شرح المعلى" (3/70) عن هشيم، ثنا حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس: أنه كان يقول في المطلقة ثلاثًا والمتوغى عنها زوجها: إنهما لا سكنى لهما ولا نفقة.
(16) في (ب) و(ح): «ولا».
(17) الآية (1) من سورة الطلاق.(4/213)
المتوفى عنها زوجها، فلا خلاف في أنها لا تجب لها نفقة؛ لأن ماله قد (1) انتقل لورثته. واختلفوا في السكنى، فقال مالك: لا سكنى لها، إلا أن تكون رقبة الدار (2) ، أو (3) منفعتها ملكًا للميت، فهي أحقّ بالسكنى (4) طول عدَّتها من ورثته. وقال أبو حنيفة وغيره: لا سكنى لها جملة بغير تفصيل. وعن مالك قولةٌ شاذةٌ (5) نحو هذا. وإليها أشار القاضي أبو الحسن بن القصار (6) ، وقال: هو القياس كالنفقة.
وقولها (7) : «فأمرها أن تعتدّ في بيت أم شريك»؛ لاخلاف في أن كل زوجة مدخول بها طلَّقها زوجُها يجب (8) عليها العدّة، ثم هي - أعنى: العدَّة - منقسمة بحسب أحوالهنَّ: فالحامل عدَّتُها وضْعُ حملها. والحائل إن كانت حرَّة: ثلاثة قروء (9) . وإن لم تكن (10) من ذوات الأقراء: فثلاثة أشهر. وأمَّا الأَمَة: فقرءان، أو شهران، ويجري الفسخ بغبر طلاق مجرى الطلاق. وأمَّا المتوفَّى عنها زوجها: فالحرَّة تعتدّ أربعة أشهر وعشرًا. والأَمَة: شهران =(4/268)=@ وخمس ليال عندنا، وسيأتي بعض ذلك. وتفصيله في كتب الفقه (11) .
وأمُّ شريك اسمها: غَزِيَّة. وقيل: غُزَيْلة. وهي قرشية عامريّة. وقد ذكرها بعضهم في أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقيل فيها: إنها أنصارية، على ما ذكره مسلم في حديث الجسَّاسة، وسيأتي. وكانت كثيرة المعروف، والنفقة في سبيل الله تعالى، والتضييف للغرباء من المهاجرين وغيرهم. ولذلك قال: «تلك امرأة يغشاها أصحابي y». وإنما أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة أن تخرج من البيت الذي طلقت فيه؛ لما (12) ذكره مسلم في الرواية الأخرى من أنها خافت على نفسها من عورة منزلها.
وفيه دليل: على أن المعتدة تنتقل لأجل الضرر (13) . وهذا أولى من قول من قال: إنها كانت &(4/214)&$
__________
(1) قوله: «قد» سقط من (ب).
(2) في (ب): «يكون فيه في الدار».
(3) في (ب) و(ح): «و».
(4) من قوله: «فقال مالك لا سكنى....» إلى هنا ملحق بحاشية (ح) ولم يظهر بعضه بسبب التصوير.
(5) في (ب): «قول شاذ».
(6) في (أ): «القطر».
(7) في (ب) و(ح): «وقولها».
(8) في (ح): «تجب».
(9) في (ب) و(ح): «أقراء».
(10) في (ب): «يكن».
(11) في (أ): «في كتاب النفقة».
(12) في (ب): «ما».
(13) في (ب) و(ح): «الضرورة».(4/214)
لَسِنَةً تُؤْذي زوجَها وأحماءهَا بلسانها (1) ؛ فإن هذه الصِّفَة لا تليق بمن اختارها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِحبِّه ابن حِبِّه (2) . وتواردت رغبات الصحابة عليها حين انقضت عدَّتُها، ولو كانت على مثل تلك الحال لكان ينبغي ألا يُرْغَبَ فيها، ولا يُحْرَصَ عليها. وأيضًا: فلم يثبث بذلك نقل مُسْنَدٌ صحيحٌ. وإنما (3) الذي تمسَّك به في ذلك قول عائشة: ما لفاطمة خير (4) أن تذكر هذا (5) (6) .
وقول عمر: «لا ندع (7) كتاب الله لقول امرأة لا نعلم حفظت أو نسيت» (8) . وقول بعضهم: تلك امرأة فتنت الناس (9) . وليس في شيء من ذلك دليل على ذلك. ويا للعجب (10) ! كيف يجترأ (11) ذو دِينٍ أن (12) يُقْدِمَ على غيبة مثل (13) هذه الصحابية؛ =(4/269)=@ التي اختارها النبي - صلى الله عليه وسلم - لِحِبِّه ابن حِبِّه(8)، لسبب خبر لم يَثْبُت. وأعجب من ذلك قول بعض المفسرين في قوله تعالى: {ولا يخرجن(9) إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}(10) إنها نزلت في فاطمة؛ لأنها كانت فيها(11) بذاذة لسان، وأذى للأحماء. وهذا لم يثبث فيه نقلٌ، ولا يدلُّ عليه نظرٌ. فَذِكْرُ ذلك عنها، ونسْبَتُه إليها غيبة، أو بهتان(12) (14) .
وأحسن ما قيل في التفسير؛ قول ابن عمر رضي الله عنهما: إن (15) الفاحشة: الزنى (16) . فيخرجن لإقامة الحد عليهنَّ؛ وتعليله منع اعتدادها (17) في بيت أمِّ شريك بدخول أصحابه؛ دليل على أن المرأة ممنوعة من التعرض لموضع يشقُّ عليها فيه التحرُّز من أن يُطَّلع منهاعلى ما لايجوز.
وقوله: «اعتدِّي عند ابن أم مكتوم»، وفي رواية في "الأم": «عند ابن عمك عمرو بن أم مكتوم»، (18) ، وكذلك جاء في آخر الكتاب. وزاد: «رجل من بني فهر، من البطن التي (19) هي منه. والمعروف خلاف هذا، وليسا من بطن واحد. هي من بني محارب بن فهر. وهو من بني عامر بن لؤي (20) .
واختلفوا في اسم ابن أمّ مكتوم. فقيل: عمرو، كما ذكر. وقيل:
عبد الله. وكذا ذكره في "الموطأ" (21) ، وفي (22) آخر الكتاب (23) . والخلاف في ذلك كثير، قاله القاضي أبو الفضل عياض.
وقوله: «فإنَّه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده»؛ فيه دليل: على أن المرأة يجوز أن لها أن تطَّلع من الرجل على ما لا يجوز للرجل أن يطلع عليه من المرأة، كالرأس، ومعلق القرط، ونحو ذلك. فأمَّا العورة فلا. ولكنَّ (24) هذا يعارضه ما &(4/215)&$
__________
(1) أخرجه عبدالرزاق (12037 و12038)، وعنه إسحاق بن راهويه (1/232)، وأخرجه أبو ادود(2296)، والبيهقي(7/433)، وابن عبدالبر في "التمهيد" (19/146) من قول سعيد بن المسيب موقوفًا عليه.
(2) في (ب) و(ح): «لحبه وابن حبه».
(3) في (ب) و(ح): «وأن».
(4) في (ب): «خبر».
(5) في (ب): «يذكر».
(6) سيأتي بعد باب.
(7) في (ح): «تدع».
(8) سيأتي في الباب الآتي.
(9) أخرجه أبو داود (2/719 و917-920 رقم2294 و2296) كتاب الطلاق، باب في نفقة المبتوتة، من مرسل سليمان بن يسار وسعيد بن المسيب.
(10) في (ب): «لعجب». ... ... (5) في (ب) و(ح): «يجترئ».
(11) 6) في (ب): «ذو دأن». ... ... (7) في (ح): «لمثل».
(12) 8) في (ب) و(ح): «لحبه وابن حبه». ... (9) في (ب): «تخرجن».
(13) 10) الآية (1) من سورة الطلاق. ... (11) في (ب): «لها».
(14) 12) قارن هذا بما ذكره الحافظ في "الفتح" (9/478-480)، بما خلاصتُه: أن مؤدَّى الجمع بين روايات وطرق هذا الحديث؛ يدل على أن السبب في الانتقال هو: الخوف عليها، ومنها. وانظر أيضًا "سنن البيهقي" (7/464).
(15) قوله: «أن» سقط من (ب) و(ح).
(16) نقل ابن كثير في "التفسير" (8/170) هذا القول عن ابن مسعود وابن عباس، وغيرهم من التابعين،ولم يذكر ابن عمر، وأخرج ابن أبي شيبة(19206) بإسناد صحيح عن ابن عمر في قوله تعالى: {إلا أن يأتين بفاحشة مينة}؛ قال: إلا أن تخرج لحدٍّ.
(17) في (ب) و(ح): «الاعتداد».
(18) مسلم (2/1118 رقم1480/45) في الطلاق، باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها.
(19) في (ح): «الذي».
(20) قال الإمام في "شرح مسلم" (18/80): «من هذا كلام القاضي. والصواب: أن ما جاءت به الرواية صحيح. والمراد بالبطن هنا: القبيلة، لا البطن الذي هو أخص منها. والمراد: أنه ابن عمها مجازًا؛ لكونه من قبيلتها، فالرواية صحيحة، ولله الحمد».
(21) (2/580-581 رقم67) في الطلاق، باب ما جاء في نفقة المطلقة.
(22) في (ب) و(ح): «في».
(23) سيأتي في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب حديث الجساسة وما فيه من ذكر الدجال.
(24) في (أ): «لكن».(4/215)
ذكره الترمذي من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لميمونة وأم سلمة - وقد دخل عليهما ابن أمّ مكتوم - فقال: «احتجبا منه»؛ فقالتا: إنه أعمى!! قال (1) : «أفعمياوان (2) أنتما؟! ألستما تبصرانه ؟!» (3) .
والجواب من وجهين: =(4/270)=@
أحدهما: أن هذا الحديث لا يصح عند أهل النقل؛ لأن راويه عن أم سلمة نبهانُ (4) مولاها. وهو ممن (5) لا يحتج بحديثه.
وثانيهما: - على تقدير صحته - فذلك تغليظٌ (6) منه - صلى الله عليه وسلم - على أزواجه لحرمتهنَّ، كما غلَّظ عليهن أمر الحجاب. ولهذا أشار أبو داود، وغيره من الأئمة.
وقوله: «فإذا حللت فآذنيني»؛ أي: إذا انقضت عِدَّتُك. و«آذنيني»: أعلميني. وفي لفظ آخر: «فلا تبدئيني بنفسك» (7) ؛ وكل ذلك بمعنى واحدٍ؛ أي: لا تزوِّجي نَفْسَكِ حتى تعرِّفيني. وفيه التَّعْرِيض في العدَّة.
وقولها (8) : «فلمَّا حللتُ ذكرتُ له: أن معاوية، وأبا جهم خطباني»؛ فيه دليل على جواز الخطبة على خطبة الغير، لكن ما لم يقع التراكن؛ على ما قدمناه.
وقوله: «أمَّا أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه»؛ المعروف: أبو جهم على التكبير، وقد صغَّره بعضهم، وهو: أبو جهم (9) بن حذيفة القرشي، العدوي. وهو (10) صاحب الأَنْبِجَانية (11) . وقد غلط فيه يحيى بن يحيى الأندلسي (12) فقال: أبو جهم (13) بن هشام، ولا يعرف في الصحابة من اسمه: أبو جهم بن هشام (14) =(4/271)=@ ولم يوافقه أحد من رواة "الموطأ" على ذلك.
واختلف في معنى قوله: «ولا يضع عصاه عن عاتقه»، فقيل: معناه: أنه ضرَّاب للنساء، كما جاء مفسَّرًا في الرواية الأخرى (15) . وفي أخرى: «فيه شدَّة على النساء» (16) . وقيل: المراد به: أنَّه كثير الأسفار. وقد جاء أيضًا في بعض رواياته في غير (17) كتاب مسلم (18) ما يدل على ذلك. غير أن التأويل الأول أحسن وأصحّ.
وفيه ما يدل: على جواز تأديب النساء بالضرب، لكن غير المبرح. ولا خلاف في جواز ذلك على النشوز. وهو الامتناع من الزوج.
قال بعضهم (19) : واختُلف في ضربهنَّ على خدمة (20) بيوتهن. وهذا إنما يتمشَّى على قول &(4/216)&$
__________
(1) في (ب) و(ح): «فقال».
(2) في (أ): «أفعميان».
(3) تقدم تخريجه في النكاح، باب قبول قول القافة في الولد.
(4) قوله: «نبهان» سقط من (ب) و(ح).
(5) في (ب): «فيمن».
(6) قوله: «تغليظ» سقط من (ب).
(7) مسلم (2/115-116 رقم1480/38) في الطلاق، باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها. ولفظه: «أن لا تسبقيني بنفسك».
(8) في (أ): «وقوله».
(9) من قوله: «فلا يضع عصاه...» إلى هنا سقط من (ب) و(ح).
(10) قوله: «وهو» سقط من (أ).
(11) قال الحافظ في "الفتح" (1/483): «والأنبجانية - بفتح الهمزة، وسكون النون، وكسر الموحدة، وتخفيف الجيم، وبعد النون ياء النسبة -: كساء غليظ لا علم له. وقال ثعلب: يجوز فتح همزته وكسرها، وكذا الموحده، يقال: كبش أنبجاني إذا كان ملتفًا كثير الصوف، وكساء أنبجاني كذلك. وأنكر أبو موسى المديني على من زعم أنه منسوب إلى منبج البلد المعروف بالشام. قال صاحب "الصحاح": إذا نسبت إلى منبج فتحت الباء، فقلت: كساء منبجاني؛ أخرجوه محرج منظراني. وفي "الجمهرة": منبج: موضع أعجمي تكلمت به العرب، ونسبوا إليه الثياب المنبجانية. وقال أبو حاتم السجستاني: لا يقال كساء انبجاني، وإنما يقال: منبجاني. قال: وهذا مما تخطيء فيه العامة. وتعقبه أبو موسى - كما تقدم - فقال: الصواب: أن هذه النسبة إلي الموضع يقال له: أنبجان. والله أعلم».
(12) في"الموطأ" (2/580-581رقم67) كتاب الطلاق،باب ماجاء في نفقة المطلقة.
قال ابن عبدالبر في "التمهيد" (19/136): «أما قول يحيى في هذا الحديث: إن معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهم بن هشام خطباني، فمن الغلط البيِّن، ولم يقل أحد من رواة "الموطأ": أبا جهم بن هشام غير يحيى، وإنما في "الموطأ" عند جماعة الرواة غير يحيى: أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني؛ هكذا: أبو جهم غير منسوب في "الموطأ"... وفي بعض نسخ "الموطأ" رواية ابن القاسم من طريق الحارث بن مسكين: أبو جهم بن هشام... وليس في الصحابة أحد يقال له: أبو جهم بن هشام».اهـ.
(13) في (ب) و(ح): «أبو جهل».
(14) من قوله: «ولا يعرف في الصحابة....» إلى هنا سقط من (ب) و(ح).
(15) عند مسلم (2/1119 و1119-1120 رقم1480/47-48) في الطلاق،
باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها.
(16) الموضع السابق.
(17) قوله: «غير» سقط من (ب) و(ح).
(18) لم أجده روايةً للحديث، وإنما ذكره النووي في "شرح مسلم" (10/97 تأويلاً للمعنى، وذكره الشراح بعده كما قال النووي، والله أعلم. انظر مقدمة "فتح الباري" (1/157)، و"الديباج" للسيوطي (4/108)، و"شرح السيوطي" للنسائي (6/76)، و"نوير الحواك" (1/34)، والزرقاني (3/269).
(19) قوله: «قال بعضهم» سقط من (ب) و(ح).
(20) في حاشية (ح): «الخدمة» وعليها «صح».(4/216)
من أوجب ذلك عليهنَّ. ولا يعارض هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا يجلد أحدكم زوجته جلد العبد ثم يضاجعها»؛ لأن هذا (1) النهي إنما (2) يقتضي المنع من الضرب المبزح الذي لا يجوز. وهو الشديد المفرط. ولا خلاف في منع مثله.
وقوله: «وأما معاوية: فصعلوك لا مال له»؛ هذا تفسير للرواية التي وقع فيها: تِرَبٌ. وقد تقدم: أنه يقال: ترب الرجل: إذا افتقر. وأترب: إذا استغنى.
وفيه ما يدلُّ على أن ذكر مساوئ الخاطب، أو من يعامل، أو من يحتاج إلى قبول قوله، أو فتياه جائز. ولا يعدُّ ذلك غيبة، ولا بهتانًا؛ إذ لا يذكر ذلك على جهة التنقيص وإضافة العيب إليه، لكن على جهة الإخبار (3) ، وأداء النصيحة، وأداء الأمانة، كما فعله أهل الحديث وغيرهم.
وقوله: «ولكن انكحي أسامة»؛ فيه ما يدل على جواز نكاح المولى =(4/272)=@ للقرشية (4) ؛ فإن أسامة مولى، وفاطمة قرشية، كما تقدم (5) . وإن الكفاءة المعتبرة هي (6) كفاءة الدين، لا النسب، كما هو مذهب مالك.
وقد روى الدارقطني (7) عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن أمِّه قالت: رأيت أخت عبدالرحمن بن عوف تحت بلال.
وقولها: «فنكخته، فجعل الله في ذلك خيرًا واغتبطت»؛ كان ذلك منها بعد أن صدر منها توقّف، وما يدلّ على كراهتها لذلك، كما جاء في روايةٍ في (8) "الأم": فقالت بيدها - هكذا - أسامة، أسامة! فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «طاعة الله وطاعة رسوله خير لك». قالت: فتزوجته (9) فاغتبطت (10) .=(4/273)=@ &(4/217)&$
__________
(1) قوله: «هذا» سقط من (ب).
(2) قوله: «إنما» سقط من (ب) و(ح).
(3) في (ب) و(ح): «التعريف».
(4) في (ب) و(ح): «القرشية».
(5) قوله: «كما تقدم» سقط من (ب) و(ح).
(6) في (أ): «في».
(7) في "سننه" (3/301-302) من طريق الحسن، عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي، عن أمه.
(8) قوله: «في» سقط من (ب) و(ح).
(9) في (أ): «فزوجته». وانظر الموضع الآتي من "صحيح مسلم".
(10) مسلم (2/1119رقم1480/47)كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثَا لا نفقة لها.(4/217)