المفهم
لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم
الجزء الأول
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
صلَّى اللَّهُ على سيِّدنا (1) محمَّدٍ وآلِهِ وصحبِهِ وسلَّم (2)
قال الشيخُ الفقيهُ الإمام، العالمُ العامل، المحدِّثُ الحافظ، بقيَّةُ السلف، أبو العبَّاس أحمَدُ بنُ الشيخِ (3) المرحوم$ِ (4) الفقيهِ أبي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ إبراهيمَ الحافظ، الأنصاريُّ القرطبيُّ، رحمه الله وغَفَر له (5) :
الحمدُ للهِ كما وَجَب لكبريائهِ وجلالِهْ، والشُّكْرُ له على ما غَمَرنا به من نَعْمائِه ونَوَالِهْ (6) ، أَحْمَدُهُ حَمْدَ مَنْ غاصَ في بحار (7) معرفة أسمائِه وجَمالِهْ، وأشكُرُه شُكْرَ مَن عَلِمَ أنَّ شُكْرَهُ مِن جُملةِ آلائِه وأفضالِهْ.
وأشهَدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَهُ لا نظيرَ له في ذاته ولا شريكَ له في أفعالِهْ، وأشهَدُ أنَّ محمَّدًا (8) رسولٌ خُصَّ من الإرسالِ الإلهيِّ بعمومِهِ وخِتامِهِ (9) وكَمالِهْ، ومِنَ الحقِّ المُبين بصَفْوِهِ ومَحْضِهِ وزُلالِهْ، وخُصَّ مَنْ أطاعَهُ واتَّبعه في أقوالِهِ وأفعالِهْ، بمحبَّةِ الله وهدايتِه الشَّامِلةِ له في جميعِ أحوالِهْ، وبالفَوْزِ بالنَّعيم (10) الأكبر يومَ يَجِدُ كُلُّ عاملٍ مَغَبَّةَ أعمالِهْ، صلَّى الله عليه وعلى الطَّيِّبِينَ الأكرَمين (11) أهله وآلِهْ، ورَضِيَ الله عن صَحابَته المُصطفَيْنَ لإظهارِ الدِّين وإكمالِهْ ،، وبعد:
فلمَّا حَصَلَ من "تلخيص كتاب مسلم" وترتيبه وتبويبه المَأمُولْ، وسَهُلَ إلى حفظِه وتحصيلِه الوصولْ -: رأينا أن نُكَمِّلَ فائدتَهُ للطالبينْ، ونُسهِّلَ =(1/83)=@ السبيلَ إليه على الباحثينْ؛ بشَرْحِ غريبهْ، والتَّنبيهِ على نُكَتٍ (12) من إعرابِهْ، وعلى وجوهِ &(1/15)&$
__________
(1) ... قوله:« سيدنا » ليس في (أ).
(2) ... قوله:« وصحبه وسلم » سقط من (أ) و(غ).
(3) ... في (غ) بعد كلمة « الشيخ » كلمة غير واضحة، ولعلها :« المدرِّس » أو «المقدَّس».
(4) ... منع بعض أهل العلم: أن يقال:« مرحوم » على من مات من المسلمين؛ مستندين إلى أن ذلك خبرٌ عنه بالرحمة وشهادة، وذلك لا يجوز ، إنما يدعى له فيقال: رحمه الله ، ونحو ذلك. انظر:"معجم المناهي اللفظية" (ص499)، ومراجعه هناك . وأجاز المحقِّقون من أهل العلم إطلاق ذلك ، ولم يَرَوْا فيه محظورًا، على أنه من باب الدعاء والتفاؤل لا من باب الخبر والشهادة ، وهو جائز؛ كما في « رحمه الله »، و « غفر الله له »، و « رحمةُ الله عليه » ونحو ذلك، ولا شكَّ أن الذين يقولون:« فلان المرحوم ، أو المغفور له » يقصدون الدعاء لا الخبر؛ وعليه فهذه الكلمة ونحوها لا حرج فيها ولا بأس؛ وهو الصحيح ، إن شاء الله . وانظر "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (17/451-452)، و"المناهي اللفظية" له (لفظة المرحوم).
(5) ... ما أثبته من (غ)، خلا كلمات ثلاث، هي:« المحدِّث » فمن (أ) فقط، و« الفقيه » و« الأنصاري » فكلاهما من (أ) و(ح)، وفي (أ):« قال الشيخ الفقيه الإمام، العالم المحدِّث ، أبو العباس أحمد بن الشيخ الفقيه أبي حفص عمر القرطبي الأنصاري - رضي الله عنه - »، وفي (ح):« قال الشيخ الفقيه الإمام الحافظ أبو العباس أحمد ابن عمر بن إبراهيم الأنصاري القرطبي - رضي الله عنه - ».
(6) ... في (ح) :« نعمه وآلائه » بدل:« نعمائه ونواله ».
(7) ... في (غ):« بحر ».
(8) ... في (ح):« أن محمدًا عبده ورسوله ».
(9) ... في (غ) :« وبختامه ».
(10) ... في (أ):« وبالفوز والنعيم »، وفي (ح):« والفوز والنعيم ».
(11) ... في (ح):« وعلى آله الطيبين الأكرمين ».
(12) ... النُّكَت: جمع نُكْتة، والنكتةُ اصطلاحًا: هي مسألة لطيفة أخرجت بدقة نظر، وإمعان فكر، من « نكَتَ رمحه في الأرض: إذا أثَّر فيها »، وسميت المسألة الدقيقة : نكتةً؛ لتأثير الخواطر في استنباطها ». "التعريفات" للجرجاني (ص316)، وانظر :«تاج العروس" (3/151)، و"الكليات" لأبي البقاء (ص907-908).(1/15)
الاستدلالِ بأحاديثِه وإيضاحِ مُشكِلاتِه حَسَبَ تبويبِهْ، وعلى مَسَاق ترتيبِهْ، فنجمَعَ فيه ما سمعناه من مشايخنا، أو وقَفنا عليه في كتب أئمَّتنا، أو تفضَّلَ الكريمُ الوهَّابُ بفهمه علينا، على طريق الاختصارْ، ما لم (1) يَدْعُ الكَشْفُ إلى التطويلِ والإكثارْ، حرصًا على التقريبِ والتسهيلْ، وعونًا على التفهيمِ والتَّحصيلْ، وسمَّيته بـ:
"المُفْهِمْ، لِمَا أَشْكَلَ مِنْ تلخيصِ كتابِ مُسْلِمْ"
وقد اجتهدتُّ في تصحيحِ ما نَقَلْتُ ورأيتْ، حسَبَ وُسْعِي فيما عَلِمتْ، غيرَ مدَّعٍ عِصمَهْ، ولا متبرِّىءٍ من زَلَّهْ، والعصمةُ من الله، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، ووجهَ اللهِ الكريمِ لا غيرَهُ قصدتّ، وثوابَهُ أردتّ، وهو المسؤولُ في المعونةِ عليه، والانتفاعِ به؛ إنه طيِّبُ الأسماءْ، سميعُ الدعاءْ.
فلنشرعْ فيما ذكرناه، مستعينين بالله تعالى . =(1/84)=@ &(1/16)&$
__________
(1) ... في (غ):« وما لم ».(1/16)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وصلَّى الله على سيِّدنا ومولانا محمَّدٍ النبيِّ الكريمِوعلى آلِه وصَحبِه وسلَّم
قال الشَّيخُ الفقيه، الإمامُ العالمُ المُحدِّث، أبو العبَّاس أحمدُ بنُ الشَّيخِ الفَقيهِ أبي حَفْصٍ عُمَرَ، الأنصاريُّ القُرْطُبيُّ _ح :
الحمدُ لله بمَجامِع مَحامِده التي لا يُبْلَغُ مُنتَهاها،
بابُ شرحِ (1) ما تضمَّنتْهُ خُطبَةُ الكتابِ وصدرُهُمن المعاني والغريب
قوله:«الحمد»: الحمدُ لغةً: هو (2) الثناءُ على مُثْنًى (3) عليه بما فيه من أوصاف الجلال والكمال (4) .
والشُّكْرُ له على آلائِهِ وإن لم يَكُن أحدٌ أحصاها،
و«الشكر»: هو الثناءُ بما أَوْلَى (5) من الإنعام والإفضال (6) (7) .
وقد يوضع الحمدُ موضعَ الشكر (8) ، ولا ينعكس (9) ؛ والشكرُ يكونُ بالقلب واللسان والجوارح (10) (11) .
.............................................
قال الشاعر :
أَفَادَتْكُمُ النَّعْماءُ مِنِّي ثَلاثَةً
يَدِي ولِسَانِي والضَّمِيرَ المُحَجَّبَا (12)
ابن الأنباري: الحمدُ (13) مقلوبُ المدح (14) .
.............................................
والألفُ واللامُ في الحمد إذا نُسبا إلى الله (15) تعالى: للجنس، أي: الحمدُ كلُّه له (16) ؛ وهذا أولى مِن قول مَن قال: إنَّهما للعهد (17) ؛ بدليل خصوصيَّة نسبتِه إلى هذا الاسمِ الذي هو أعمُّ .............................................
الأسماء دَلالةً (18) وأشهَرُها استعمالاً؛ ألا ترى أنَّهم لم يقولوا: الحمد للمَلِكِ، ولا للحقِّ ؟! ولأنَّه (19) لم يجر ذكرُ معهودٍ قبله فيُحْمَلَ عليه. =(1/85)=@
و المحامد : جمع مَحْمِدَة، بكسر الميم (20) ؛ كما قال الأحنف ابن قيس: ألا أدلُّكم على المَحْمِدَةِ بلا مَرْزِئَة (21) الخُلُقُ السَّجِيح (22) ، والكفُّ عن القبيح (23) .
وكان قياسُ ميم &(1/17)&$
__________
(1) ... قوله:« شرح » سقط من (ح).
(2) ... في (أ):« هي ».
(3) ... قوله:« على مثنى » في مكانه بياض في (غ).
(4) ... تعريف الشارح للحمد قريب من تعريف النووي والبعلي، أما شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم فيعرِّفان الحمد بأنه: الإخبار عن محاسن المحمود، مع المحبَّة لها. انظر "تهذيب الأسماء واللغات" (3/70)، و"المطلع" للبعلي (ص2)، و"مجموع الفتاوى" (8/378)، و(10/48)، و(11/146)، و"منهاج السنة" (5/404)، و"جامع الرسائل" (1/57)، و"بدائع الفوائد" (2/93)، و"جلاء الأفهام" (ص122)، و"الصواعق المرسلة" (4/1494)، و"الوابل الصيب" (ص180)، و"لوامع الأنوار" للسَّفَّاريني (1/37).
(5) ... قوله:« هو الثناء بما أولى » في مكانه بياض في (غ).
(6) ... قوله:« والإفضال » في مكانه بياض في (غ).
(7) ... وقد عرَّفه القاضي عياض _ح بقوله:« الشكر: معرفة إحسان المحسن، والتحدُّث به »، وابن القيم في "طريق الهجرتين" يذهب إلى أن الشكر: هو الاعتراف بإنعام المنعم، على وجه الخضوع له والذل والمحبَّة. انظر "الإكمال" (8/355)، و"طريق الهجرتين" (ص95)، و"شفاء العليل" (ص38)، و"عدة الصابرين" (232-234)، و"تهذيب الأسماء واللغات" (3/70 و166)، و"تفسير السعدي" (4/125)، و(6/367).
(8) ... من قوله:« أوصاف الجلال ...» إلى هنا ليس في (ب).
(9) ... انظر:"أدب الكاتب" (ص36)، و"الزاهر" للأنباري (2/79).
(10) ... قوله:« والجوارح » في مكانه بياض في (غ).
(11) ... أمَّا الحمد فيكون بالقلب واللسان فقط، وقد اختلف العلماء في معنى الحمد والشكر: هل هما مترادفان أوْ لا: فذهب إلى ترادفهما: أبو العباس المبرِّد، وجعفر الصادق، وابن جرير الطبري، وذهب جماعة من المتأخرين إلى التفرقة بينهما؛ قال القرطبيُّ المفسِّر: والصحيح أنّ الحمد: ثناءٌ على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان، والشكر: ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان.اهـ . فالحمد: أعمُّ من الشكر؛ من حيث إنَّه ثناء على الجميل، سواء كان نعمة متعدية أم لا، أمَّا الشكر: فثناءٌ على المعروف المتعدِّي . والشكر: أعمُّ من الحمد؛ من حيث إنَّه يكون بالقلب واللسان والجوارح؛ قال تعالى: ُ ـ لله ِ {اعْمَلُوا...}«[سبأ:13]، وأمَّا الحمد: فيكون بالقلب واللسان فقط؛ فالحمد أعمُّ من جهة أسبابه، والشكر أعمُّ من جهة أنواعه. انظر:"تفسير الطبري" (1/60 )، و"تفسير القرطبيّ" (1/133)، و"تفسير ابن كثير" (1/37)، و"اللباب = = ... في علوم الكتاب" لابن عادل الحنبلي (1/169)، و"مجموع الفتاوى "(11/146)، و"الفتاوى الكبرى" (1/216)، و"عدة الصابرين" (ص123)، و"طريق الهجرتين" (ص508)، و"مدارج السالكين" (2/246)، و"معارج القبول" (1/72)، و"الزاهر" للأنباري (2/78)، و"الفروق اللغوية" (ص60)، و"اللسان" (3/155-159). وانظر المناظرة التي دارت بين شيخ الإسلام ابن تيمية وابن المرحَّل حول هذا المعنى في "مجموع الفتاوى" (11/133).
(12) ... هذا البيت من الطويل، ولا يعرف قائله. انظره في "غريب الحديث" للخطَّابي (1/346)، و"الفائق"(1/314)، و"ربيع الأبرار"(5/318)، و"المستطرف" (2/113)، وأكثر كتب العقائد وكتب التفسير؛ لكن لم ينسبه أحد منهم. ... وقد أورد ابن القيم _ح البيت في "عدة الصابرين" (ص123)، ووضح كيف يتعلَّق الشكر بالقلب واللسان والجوارح؛ فالقلب: للمعرفة والحب والتعظيم، واللسان: للثناء والحمد، والجوارح: لاستعمالها في طاعة المشكور، وكفِّها عن معاصيه، وذكر نحوه في "طريق الهجرتين" (ص508). ... وفي حاشية المرزوقي على "الكشاف" (1/111) ذكر تعليقه على البيت: أنَّ النعماء، بمعنى النعمة، والمعنى: كثرت نعمتكم عندي؛ فوجَبَ استيفاء أنواع الشكر لكم، وقيل: النعماء: جمعٌ للنعمة، لكن ظاهر عبارة « اليد » أنها بمعناها، ويُرْوَى قبل هذا البيت:
وما كان شُكري وافِيًا بنَوالِكُم
ولكنَّني حاولتُ في الجُهْدِ مَذْهَبَا !
« ... ويرى المرزوقي أن روايته بعد بيت الشاهد أحسَنُ موقعًا، وأظهر استشهادًا.
(13) ... في (أ):« الحمد لله ».
(14) ... وقال الزمخشري في "الكشاف" (1/111):« الحمد والمدح أخوان »، = = ... وقد اعترض على ذلك أبو حيَّان في "البحر المحيط" (1/18)، وضعَّفه أيضًا السمين الحلبيّ في "الدُّرِّ المَصُون" (1/63) بعد أن نسبه إلى ثعلب، وذلك أنّ الحمد والمدح يشتركان في المعنى الأصليّ، وهو الثناءُ؛ غير أنَّ لكلّ منهما معنى يختصُّ به: ... - وذلك أنّ المدح: يحصل للحيّ وغيره كالجمادات، والحمد: لا يكون إلاّ للحيّ. ... - أنّ الحمد: يكون قبل الإحسان وبعده، والمدح: لا يكون إلاّ بعده . ... - أنّ المدح: قد يكون منهيًّا عنه؛ كما ورَدَ ذلك في الحديث [يعني: قوله:«احثوا في وجوه المدَّاحين التراب»]، والحمد مطلق.اهـ. مختصرًا من "البناية"(1/25). ... وقال ابن القيِّم:« والصوابُ في الفرق بين الحمد والمدح أن يقال: الإخبار عن محاسن الغير، إمَّا أن يكون إخبارًا مجرَّدًا عن حُبٍّ وإرادة، وإمّا أن يكون مقرونًا بحبّه وإرادته: فإن كان الأوّل فهو المدح، وإن كان الثاني فهو الحمد؛ فالحمد إخبار عن محاسن المحمود مع حبِّه وإجلاله وتعظيمه؛ ولهذا كان خبرًا يتضمَّنُ الإنشاء، بخلاف المدح، فإنَّهُ خبرٌ مجرَّد ».اهـ . من "بدائع الفوائد" (2/103). وانظر ما ذكره أبو هلال العسكري من فروق بين الحمد والمدح في "فروقه اللغوية" (ص62)، وابن عادل الحنبلي في "اللباب" (1/168)، والألوسيُّ ذكر في "روح المعاني" (1/70) ستة فروق بين الحمد والمدح؛ ردًّا على الزمخشري في قوله بترادفهما في "كشافه" و"فائقه".
(15) ... قوله :« إلى الله » في (أ):« للَّه ».
(16) ... انظر ذلك وتوضيحه عند الطبري في "تفسيره" (1/60)، والقرطبي (1/133)، وابن كثير (1/38).
(17) ... والقائل بذلك هم المعتزلة؛ بناءً على أصلهم الفاسد أنّ خلق أفعال العباد مضاف إليهم، فيكون تقديره: المحامد التي تتعلّق بالأعيان دون الأعراض لله تعالى. ... انظر: "البناية" (1/29)، و"روح المعاني" (1/71)، و"الانتصاف" لابن المنيِّر بحاشية "الكشاف" (1/112-113).
(18) ... قوله:« دلالة » سقط من (أ).
(19) ... في - صلى الله عليه وسلم - :« لأنه ».
(20) ... والمحمدة : نقيض المذمة، وقد نصَّ جماعة - منهم ابن السَّرَّاج والزمخشري - على كسر الميم الثانية من « المحمدة ». انظر "مختار الصحاح" (ص146)، و"المصباح المنير" (ص150).
(21) ... المَرْزِئَةُ : المَنْقَصَة . "اللسان" (1/85).
(22) ... الخُلُقُ السجيح، أي: الليِّنُ السَّهل. "اللسان" (2/475).
(23) ... انظر الخبر بنحوه في "الاقتضاب" (1/33)، و"تاريخ ابن عساكر" (8/439)، و"جمهرة خطب العرب" (2/360)، و"البيان والتبيُّن" (1/272).(1/17)
المَحْمِدَة التي هي عينُ الفعل: أن تكونَ مفتوحة؛ لأنَّ قياسَ الأفعالِ الثلاثيَّة (1) التي يكون الماضي منها على فَعِلَ (2) مكسور العين: أن يكون المَفْعَلُ (3) منها مفتوحَ العين .............................................
في المصدر والزمان والمكان؛ كالمَشْرَب، والمَعْلَم، والمَجْهَل، لكنْ شذَّت عنه كلمات (4) .
قال أبو عمرَ الزاهدُ: لم يأت على مثال فَعِلْتُ مَفْعِلَةً إلاَّ قولهم: حَمِدتُّ مَحمِدَةً، وحَمِيتُ مَحمِيَةً، أي: غَضِبْتُ، وحَسِبْتُ مَحسِبَةً، ووَدِدتُّ مَوْدِدَةً، وأنشد الراجز :
مَا لِيَ في صُدُورِهِمْ مِنْ مَوْدِدَهْ (5) .
وزاد غيره (6) : كَبِرْتُ (7) مَكْبِرَةً ومَكْبِرًا؛ كما قال أعشى هَمْدان (8) :
.............................................
طَلَبْتَ الصِّبَا إِذْ (9) عَلا المَكْبِرُ (10)
..................
وحكى ابنُ التَّيَّانِيّ في "كتابه الكبير" (11) في ميم المحمدة الفتحَ، ونقله عن ابن دُرَيْدٍ (12) : مَحْمِدَة ومَحْمَدة، بالكسر والفتح، وقاله أيضًا ابن سِيدَه (13) .
.............................................
وقال بعضهم: إنَّ المحامدَ جمع حَمْدٍ على غير قياس؛ كالمَفَاقِر جمع فَقْر (14) ، والأوَّل أولى؛ لأنّ ما ليس بقياسٍ لا يقاسُ عليه؛ إذ الجمعُ بينهما متناقض، وقد جُمِعَ الحمدُ جمعَ القِلَّةِ (15) في قول الشاعر:
وَأَبْلَجَ مَحْمُودِ الثَّناءِ (16) خَصَصْتُهُ
بأَفْضَلِ أَقْوَالِي وَأَفْضَلِ أَحْمُدِي (17)
وقوله:«التي لا يُبْلَغُ مُنتهاها»، أي: يَعْجِز البشر (18) عن الإحصاء؛ لقصور علمهم =(1/86)=@ عن الإحاطة بصفات الحق تعالى وأسمائه؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم - :«لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ؛ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» (19) .
.............................................
و«الآلاء»: النِّعَم، واحدها: إلًى؛ كمِعًى وأمعاء، وقيل: أَلاً؛ كقَفًا وأَقْفاء؛ قال الشاعر:
أَبْيَضُ لا يَرْهَبُ الهُزَالَ وَلا
يَقْطَعُ رِحْمًا وَلا يَخُونُ إِلَى (20)
يُروى بالوجهين، وقيل: إلْيٌ؛ كحِسْيٍ وأَحْسَاء (21) .
وأشهدُ أنْ لا إله إلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ شَهادَةَ مُحَقِّقٍ لأُِصُولِهَا مُحيطٍ بِمَعْنَاهَا، وَأَشْهَدُ أنَّ محمَّدًا رَسُولٌ حَلَّ مِنْ رُبَا النبوَّةِ أَعْلاَهَا فَعَلاَهَا، وَحَمَلَ مِنْ أَعْبَاءِ الرِّسَالَة إِدَّهَا فَاضْطلَعَ بِهَا وَأَدَّاهَا،
وقوله:«وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له»، أي: أنطِقُ بما أعلمُهُ وأتحقَّقُهُ (22) .
وأصلُ الشهادة: الإخبارُ (23) عمَّا شاهده المخبِرُ بحسِّه (24) ، ثُمَّ قد يقال على ما &(1/18)&$
__________
(1) ... قوله:« الثلاثية » سقط من (أ).
(2) ... في (غ):« قياس ».
(3) ... في (أ):« الفعل ».
(4) ... انظر هذه القاعدة وما شذَّ عنها في "شرح شافية ابن الحاجب" للأستراباذي (1/170-173)، و"شرح لامية الأفعال" لابن الناظم (ص 160-163).
(5) ... هذا البيت من الرجز، وهو منسوب إلى العجَّاج في "شرح القصائد السبع الطوال" (ص171)، و"غريب الحديث" للخطابي (3/196)، ولم أجده في ديوانه، وهو بلا نسبة في "ضرائر الشعر" للقزاز (271 )، و"المحكم" (9/369)، و"تهذيب اللغة" (14/235)، و"لسان العرب" (3/454 )، و"تاج العروس" (2/529 )، وقبله:
إنَّ بَنِيَّ لَلِئَامٌ زَهَدَهْ
« ... والرواية في "التاج":
لا يَجِدُونَ لِصَدِيقٍ مَوْدِدَهْ
(6) ... كابن قتيبة في "أدب الكاتب" (ص553)، وانظر "تاج العروس" (7/403)، و"المزهر" (2/100).
(7) ... في (ح):« وكبرت ».
(8) ... في (ح):« أعشى همذان »، وفي - صلى الله عليه وسلم - :« الأعشى ».
(9) ... في (ح):« إذا ». وقبلها علامة لحق، وكلمة « لما » في الهامش .
(10) ... هذا صدر بيت من المتقارب، وهو لأعشى همدان، وعجزه:
................
وشاب القَذَالُ فما تُقْصِرُ
... انظر"ديوانه"(ص117)، و"الأغاني"(6/47)، وانظر"الاقتضاب"(1/33).
(11) ... ابن التَّياني: هو أبو غالب تمَّام بن غالب بن عمرو القرطبيُّ ثم المُرْسيُّ، التَّيَّانيُّ، لغوي أديب صاحب كتاب "المُوعَب" لم يؤلَّف مثله اختصارًا وإكثارًا، وهو أصح كتاب وضع في اللغة على الحروف مع بارع أبي علي البغدادي، كما في "المزهر"، ومن كتبه:"شرح الفصيح"، و"تلقيح العين"، ولعلَّ هذا الأخير هو مراد الشارح بقوله:« كتابه الكبير »، وهو كتاب عظيم جمُّ الفائدة أتى فيه بما في "كتاب العين" للخليل، مع ما زاده ابن دريد في "الجمهرة" فاصلاً بينهما، قال السيوطي:« إلا أن هذا الديوان قليل الوجود لم يعرِّج الناس على نَسْخِه ». توفِّي سنة 436هـ، وعند القفطي والسيوطي 433 هـ، وعند ابن قاضي شهبة 430 هـ. انظر "المزهر" (1/69-70)، و"نَفْح الطِّيب" (3/186)، و"طبقات ابن قاضي شهبة" (ص235)، و"وَفَيَات الأعيان" (1/97)، و"إنباه الرواة" (1/294)، و"بغية الوعاة" (1/478)، و"معجم الأدباء" (7/135)، و"البلغة" للفيروز أبادي (ص74)، و"تاج العروس" (18/91)، و"معجم المؤلِّفين" (3/92).
(12) ... "الاشتقاق" لابن دريد (ص 10)، وقد ذكر فيه اللغتين .
(13) ... من قوله:« وحكى ابن التَّيَّاني ... » إلى هنا سقط من (أ). ... وقد نصَّ على الكسر والفتح أيضًا في "المحمدة »: صاحب "مختار الصحاح" (ص146) نقلاً عن صاحب "الديوان"، وكذلك في « المذمة ».
(14) ... في (أ):« قفر »، وهو خطأ. وفي "اللسان"(5/61): المفاقر: جمع فَقْر على غير قياس؛ كالمَشَابِهِ والمَلامِح. وانظر "الفائق" للزمخشري (1/297)، و"النهاية"(3/464).
(15) ... قال في "البحر المحيط"« وحكى ابن الأعرابي جمعَهُ على « أَحْمُدٍ »؛ كأنه راعى فيه جامعُهُ اختلافَ الأنواع »، وأنشد ابن الأعرابي البيت الذي ذكره الشارح ! وكذا ذكره السمين عن ابن الأعرابي،وفي "التاج" ذكر كلام ابن الأعرابي، وأحال إلى السمين. انظر"البحر المحيط" (1/31)، و"الدر المصون" (1/38)، و"تاج العروس" (4/429).
(16) ... في (ح):« الثنايا ».
(17) ... البيت من الطويل ، ولا يعلم قائله. انظر:"تفسير القرطبي" (1/133)، و"البحر المحيط" (1/131)، و"الدر المصون" (1/38)، و"تاج العروس" (4/429).
(18) ... في (ح) و - صلى الله عليه وسلم - :« لعجز البشر ».
(19) ... سيأتي تخريجه في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود.
(20) ... البيت من المنسرح، وهو للأعشى ميمون بن قيس، وفي قوله:« لا يخون إلى » وجهان: الأول: أن تكون « الإلى» أصلها « الإلّ » بمعنى القرابة، وخفِّفت، وحينئذ تكتب بألف تنوين المنصوب « ولا يخون إلاَ »، ولا شاهد فيها لما ساقه الشارح. الثاني: أن تكون « الإلى» بمعنى النعمة، وهو واحد آلاء الله ، و« لا يخون إلى »، أي: لا يكفر بنعمة، وهو مراد الشارح. انظر "ديوان الأعشى" (ص235)، و"معجم مقاييس اللغة" (1/21)، و"لسان العرب" (11/26)، و(14/43)، و"تاج العروس" (19/167).
(21) ... في "تاج العروس" ذكر الزَّبِيديُّ ما وقع عليه من لغات مفرد « الآلاء »، وهي: إلًى وآلاء كمِعًى وأمعاء، وأَلاً وآلاء كَرَحًا وأرحاء، وإلْيٌ وآلاء كَنِحْيٍ وأنحاء، وأَلْيٌ وآلاء ، وأُلْيٌ وآلاء [ كَقُفْل وأَقْفَال]، وأَلْوٌ وآلاء كَدَلْوٍ وأدلاء ؛ فهذه ست لغات؛ بزيادة اثنتين على ما ذكره الشارح. انظر "تاج العروس" (10/21).
(22) ... الشهادة: هي الإخبار عن الشيء مع اعتقاده،وقد أشار الشارح إلى أنه لا يكفي في الشهادة مجرد النطق، بل لابد من تيقُّنها واعتقادها بالقلب، بقوله: أنطق بما أعلمه وأتحقَّقه، وقد قال الله تعالى عن المنافقين: ُ ْ ّ ِ ُ َ ٍ ٌ ً ي ى و ه ن ِ {قَالُوا...} [المنافقون:1]، وإنما كذَّبهم الله تعالى في شهادتهم بأن محمَّدًا رسول الله لمَّا لم يكونوا معتقدين بأنه رسول الله، وهو سبحانه لم يكذِّبهم في انه رسوله بل شهد بنفسه سبحانه بذلك. انظر "العين والأثر، في عقائد أهل الأثر" (ص82)، و"العقائد الإسلامية" (ص28)، و"أضواء البيان" (8/319). وانظر كلام الشارح على:"باب لا يكفي مجرَّد التلفُّظ بالشهادتين، بل لابد من استيقان القلب" (ص283)، و"فتح المجيد" (ص65).
(23) ... في (ح):« للإخبار ».
(24) ... في (ح):« بحسبه ».(1/18)
تحقّقه الإنسانُ وتيقَّنَهُ وإنْ لم يكن مشاهَدًا بالحِسِّ؛ لأنَّ المحقَّقَ علمًا كالمدرَكِ حِسًّا ومشاهدةً .
وقوله: «شهادةَ محقِّقٍ لأصولها (1) ، محيطٍ بمعناها»:
.............................................
أصولُ الشهادة: أدلَّتُها العقليَّة والسمعيَّة (2) .
و الإحاطةُ يعني بها (3) هنا: العلمَ بمعناها في اللغة (4) ، وفي عُرْفِ الاستعمال (5) .
.............................................
و«مُحَمَّدٌ»: مُفَعَّل من الحمد (6) ، وهو الذي كثُرت خصالُهُ المحمودة، فيُحمَدُ كثيرًا (7) ؛ قال الشاعر:
..................
إِلَى المَاجِدِ القَرْمِ الجَوَادِ المُحَمَّدِ (8)
ولمَّا لم يكن (9) في الأنبياء ولا في الرسل مَنْ له من الخصالِ المحمودةِ ما =(1/87)=@ لنبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - ، خصَّه الله مِنْ بينهم بهذا الاسم (10) (11) ؛ كيف لا ، وهو الذي يَحْمَدُهُ أهلُ المحشر كلُّهم، وبيده لواءُ الحمد، تحته آدمُ فَمَنْ دونَهُ (12) ؛ على ما يأتي ؟!
.............................................
و «الرُّبَا»: جمع رَبْوة، وهي (13) : ما ارتفع من الأرض وطاب، وفيها لغات: فتحُ الراء وضمُّها وكسرُها، وقد قرئ بها (14) ، .............................................
وقيل: رَبَاوة: بفتح الراء وزيادة الألف (15) ، قال الشاعر :
مِن مَنْزِلي فِي عَرْصَةٍ بِرَبَاوَةٍ
بَيْنَ النُّخَيْلِ إِلَى بَقِيع الغَرْقَدِ (16)
و «النُّبُوَّة» (17) : مأخوذة من النبأ، وهو الخبر، فأصلها إِذَنِ .............................................
الهمزُ (18) ، ثمَّ سُهِّلت كما سهَّلوا خابية (19) ، وهي من خَبَأْتُ،، وقيل: هي مأخوذةٌ من النَّبْوَة، وهو المرتفعُ من (20) الأرض (21) .
.............................................
و«الأعباء»: جمع عِبْء، وهو الثِّقْل، وأصله (22) ما يحمله (23) الإنسانُ مما يَشُقُّ ويثقُلُ من غُرْمٍ أو مشقَّة .
و «إِدُّها»: أثقلُهَا وأشقُّها؛ في "الصحاح": آدَنِي الحِمْلُ (24) يَؤُودُني، أي (25) : أثقلني، ومَؤُود مثل مَقُول، يقالُ: ما آدك فهو لي آيِدٌ (26) .
.............................................
قلتُ: ومنه قوله تعالى:{وَلاَ...} (27) ، أي: لا يُثْقِله ولا يَشُقُّ عليه (28) . &(1/19)&$
__________
(1) ... في (ح):«محقِّق أصولها»، وفي - صلى الله عليه وسلم - :«يحقق أصولها»، وفي (غ):« تحقق أصولها ».
(2) ... الدليل - في عرف أهل الأصول -: هو ما يمكن التوصُّل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري، وتنقسم الأدلة - عمومًا - إلى أدلة شرعية وأدلة غير شرعية: ... فالدليل الشرعي: هو ما أمر به الشارع، أو دَلَّ عليه، أو أَذِنَ فيه،وهو نوعان: دليل شرعي عقليّ،ودليل شرعي سمعي - وهو مراد الشارح - فالشرعي العقلي: هو ما دلَّ الشرع عليه من المعقولات، والشرعي السمعي: ما دلَّ بمجرَّد الأخبار. ... والدليل غير الشرعي: خلاف الدليل الشرعي، وهو قد يكون راجحًا تارةً، وقد يكون مرجوحًا تارة أخرى، وقد يكون دليلاً صحيحًا تارةً، ويكون شبهة فاسدة تارة أخرى؛ كما يكون عقليًّا أو سمعيًّا؛ فمن الأدلة غير الشرعية ما جاء في الكتاب والسنة النهي عنه؛ مثل القول على الله بغير علم، والجدل في الحق بعد ظهوره. انظر:"التوقيف على مهمات التعاريف" (ص340 و382)، و"درء التعارض"(1/46-48 و198-200)، و(3/309-310)، و(8/37)، و"مجموع الفتاوى" (19/228-234)، و"معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة" للجيزاني (ص96-102).
(3) ... قوله:« بها » ليس في (أ).
(4) ... وانظر معنى « الشهادة » في عبارات السلف $ج ومراتبها الأربعة في "شرح العقيدة الطحاوية" (1/143-146).
(5) ... شهادة أن لا إله إلا الله تعني في عرف الاستعمال الشرعي: لا معبود بحقٍّ إلا الله عزَّ وجلَّ، والتقييد بقولنا:« بحق » لإخراج الآلهة المعبودة بباطل؛ فإنها قد عُبِدَتْ، فكلمة الشهادة إنما نفت استحقاق العبادة عن غير الله عزَّ وجلٌّ، ولم تنف وقوع العبادة لغير الله ممَّن عُبِدَ بباطل. انظر تفصيل الكلام على معنى الشهادة لغةً واستعمالاً:"معارج القبول" (1/73)، و(2/410-417)، و"فتح المجيد" (ص 65-70 و87-98)، وانظر :"معنى كلمة التوحيد" للزركشي .
(6) ... قوله:« من الحمد » سقط من (أ).
(7) ... قوله:« فيحمد كثيرًا » من (أ) فقط.
(8) ... هذا عجز بيت من الطويل، وهو للأعشى من قصيدة له في مدح النعمان بن المنذر، والبيت بتمامه: ... إليك أبيتَ اللعنَ كانَ كَلالُها إلى الماجِدِ القَرْمِ الجَوادِ المحمَّدِ ... والقَرْمُ من الرجال: السيِّد المعظَّم؛ كما في "اللسان". انظر:"ديوانه" (ص 189)، و"خزانة الأدب" (1/224)، و"مقاييس اللغة" (2/100)، و"اللسان" (3/157)، و(12/473)، و"التاج" (4/427)،وانظر "البداية والنهاية" (2/266).
(9) ... في (غ):« تكن ».
(10) ... من قوله:« خصه الله ...» إلى هنا في (أ):« حيث اشتُهِرَ الاسمُ من بينهم »، وفي - صلى الله عليه وسلم - و(غ):« خصه الله بهذا الاسم من بينهم ».
(11) ... انظر:"الاشتقاق" لابن دريد (ص 8-10)، و"البداية والنهاية" (2/266).
(12) ... أخرجه الترمذي في المناقب، باب في فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقال: « حسن صحيح »، وابن ماجه في الزهد، باب ذكر الشفاعة (4308) بنحوه، وأحمد في "المسند"(3/2)، كلهم من طريق علي بن زيد بن جُدْعان، عن أبي نَضْرَة، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - يرفعه: « أنا سيِّد ولد آدم يوم القيامة، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبيّ يومئذ - آدم فمن سواه - إلا تحت لوائي... » الحديث. وسنده ضعيف؛ لضعف علي بن زيد بن جدعان . ... ومع ضعفه فقد اضطرب فيه: فرواه مَرَّةً عن أبي نضرة، عن أبي سعيد كما سبق، ورواه مَرَّةً عن أبي نضرة، عن ابن عبّاس . أخرجه الطيالسيّ (ص 353 رقم 2711)، وأحمد (1/281، 295 )، وأبو يعلى (4/213). ... وله شاهد من حديث عبد الله بن سَلاَم$ٍ $ح، أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (14/398 رقم 6478 /الإحسان)، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده" (13/480 رقم 7493)، وابن أبي عاصم في"السنة" رقم (793)، من طريق عمرو بن عثمان الكلابي، عن موسى بن أعين، عن معمر بن راشد، عن محمد بن عبد الله ابن أبي يعقوب، عن بشر بن شغاف، عن عبد الله بن سَلاَم$ٍ مرفوعًا بنحوه . ... وسنده ضعيف؛ لضعف عمرو بن عثمان الكلابي . ... وقوله:« بيدي لواء الحمد » له شاهد من حديث أنس في حديث الشفاعة، أخرجه أحمد (3/144 ) من طريق سلمة الخزاعيّ، حدّثنا ليث بن سعد، عن يزيد بن الهاد، عن عمر بن أبي عمرو، عن أنس به ؛ وهذا إسناد صحيح . ... وأخرجه الدارميّ (1/30 رقم 49 )، وأبو يعلى في"مسنده"(7/81 رقم 4305). ... وأمَّا قوله فيه:« أنا سَيِّدُ ولد آدم، بيدي لواء الحمد » فصحيح لغيره؛ لورود شواهد صحيحة له كما سبق، والله أعلم .
(13) ... في (أ) و(ح):« وهو ».
(14) ... قرأ ابن عامر وعاصم قوله تعالى: ُ ْ ّ ِ ُ ِ {كَمَثَلِ...} [سورة البقرة: 265]، وقوله تعالى : ُ ! " ؟ ژ = عع ؛ چ 9 : 7 ِ {وَجَعَلْنَا...}[المؤمنون: 50]، بفتح راء { رَبْوَة } فيهما، وقرأ الباقون من العشرة بضمِّها، وقرأ المطوعيُّ بكسرها، وهي قراءة شاذَّة. انظر:"النشر، في القراءات العشر" (2/232)، و"البحر المحيط" (6/408)، و"إتحاف فضلاء البشر" (2/452)، و"القراءات الشاذَّة" للشيخ عبد الفتاح القاضي (ص36) .
(15) ... في (أ):« ألف »، واللغات الأربع التي ذكرها الشارح أخذها عن "الصحاح" (6/2350)، وفي "اللسان" و"القاموس" ذكرا خمس لغات أخرى،وهي: رُبَاوَة، ورِبَاوة، بضم الراء وكسرها، ورَابِيةٌ ، ورَبْوٌ، بفتح الراء؛ فتحصَّل من لغات « الربوة » تسع لغات. وجمع الربوة: رُبًا ورُبِيٌّ، وهي: كل ما ارتفع من الأرض ورَبَا. "اللسان" (14/306)، و"القاموس" (1/1659).
(16) ... البيت من الكامل، وقد نسبه الطبري إلى تُبَّعٍ ملك اليمن ضمن قصيدة له، وروايته فيه:
وَجَعَلْتَ عَرْصَةَ مَنْزِلٍ بِرَبَاوَةٍ
بَيْنَ العَقِيقِ إِلَى بَقِيعِ الغَرْقَدِ
... ونسبه ياقوت الحموي إلى عمرو بن النعمان البَيَاضِيِّ مع اختلاف في الرواية، ونصه :
أين الذين عهدتُّهُمْ في غِبْطَةٍ
بَيْنَ العَقِيقِ إِلَى بَقِيعِ الغَرْقَدِ
... وهذه الرواية لا شاهد فيها. انظر:"تاريخ الطبري" (2/202)،و"معجم البلدان" (1/473). والعَرْصة: كلُّ بقعةٍ بين الدور واسعةٍ ليس فيها بناء، والجمع: عِراصٌ وعَرَصات، والنُّخَيْلُ: تصغير نَخْل، وهو اسم عين قرب المدينة على خمسة أميال، والبقيع: المكان المتسع، ولا يسمَّى بقيعًا إلا وفيه شجر أو أصولها، والغَرْقَد: ضرب من الشجر، و « بقيع الغرقد»: موضع شرقيَّ المدينة به قبور أهلها. انظر "الصحاح" (2/517) و(3/1044)، و"النهاية" (1/146)، و"اللسان" (8/18)، و"معجم البلدان" (5/82 و278).
(17) ... ذكر الشارح اشتقاق النبوَّة ومعناها اللغوي، ولم يتعرَّض لمعناها في الاصطلاح، فأمَّا النُّبُوة في اصطلاح أهل الشريعة: فقد عرفها ابن القيم بقوله:« هي خطابٌ سمعي بوحي من الله تعالى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - »، وقال الراغب الأصبهاني:« النبوَّة: سفارةٌ بين الله وبين ذوي العقول من عباده؛ لإزاحة عللهم في أمر معادهم ومعاشهم »، وقال ابن حزم:« النبوة: اختصاص الله عز وجل رجلاً أو امرأة من الناس بإعلامه بأشياء لم يتعلَّمها؛ إما بواسطة مَلَك، أو بقوة يضعها في نفسه خارجة عن قوى المخلوقين تَعْضُدها خرق العادات، وهو المعجزات، وقد انقطعت بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - » هكذا قال _ح:« أو امرأة »؛ على أن الشارح سيتعرَّض للفرق بين النبي والرسول في آخر الكتاب عند شرحه حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - في "باب ما يقول عند النوم ..." في قوله - صلى الله عليه وسلم - : « قل آمنت بنبيِّك الذي أرسلْتَ»، فانظر تعليقنا عليه هناك. وانظر:"مفردات القرآن" (ص788-790)، و"اللسان" (1/162 و163)، و(15/302 و303)، و"تاج العروس" (1/255 و256)، و(20/214)، و"الاشتقاق" (ص462)، و"الزهد" (2/112-113)، و"النبوات" (2/873-883)، و"الصواعق المرسلة" (2/759)، و"إحكام الأحكام" (1/40).
(18) ... في (أ):« الهمزة ».
(19) ... في (ح):« خايبة »، وهو تصحيف.
(20) ... في (ح):« عن ».
(21) ... تكلَّم شيخ الإسلام ابن تيمية _ح كلامًا حسنًا على اشتقاق كلمة « النبوَّة » و« النبي» لغةً ، ودلَّل على أنه يجب القطع بأن اشتقاقهما من النبأ، لا من النَّبْوة؛ يقول _ح عن اشتقاق النبي: « النبيُّ مأخوذٌ من النَّبأ، وأصله الهمزة، وقد قُرئ به، وهي قراءة نافع، يقرأ :( النَّبيء ) لكنْ لما كثر استعماله لُيِّنتْ همزته؛ كما فُعِلَ مثل ذلك في الذُّرِّيَّة، وفي البَرِّيَّة .
« ... وقد قيل: هو من النَّبْوَةِ؛ وهو العلوُّ؛ فمعنى النبيِّ: المُعَلَّى الرفيعُ المنزلة .
« ... والتحقيق: أن هذا المعنى داخلٌ في الأول؛ فَمَنْ أنبأه الله وجعله مُنْبِئًا عنه، فلا يكونُ إلا رفيعَ القدر عليًّا .
« ... وأما لفظُ العلوِّ والرفعة: فلا يدلُّ على خصوص النبوَّة؛ إذْ كان هذا يوصفُ به من ليس بنبيٍّ، بل يوصفُ بأنه الأعلى؛ كما قال : ُ - صلى الله عليه وسلم - { « » ف پ ِ {وَلاَ...}[آل عمران:139]؛ وقراءةُ الهمز قاطعةٌ بأنه مهموز ؛ وما رُوِيَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:« أنا نبيُّ الله ، ولستُ بِنَبِيءِ الله »، فما رأيتُ له إسنادًا؛ لا مسندًا، ولا مرسلاً ، ولا رأيتُه في شيء من كتب الحديث ولا السير المعروفة، ومثلُ هذا لا يعتمدُ عليه .
... واللفظان مشتركان في الاشتقاقِ الأكبر؛ فكلاهما فيه النونُ والباء، وفي هذا الهمزةُ، وفي هذا الحرفُ المعتلُّ؛ لكنَّ الهمزةَ أشرفُ؛ فإنها أقوى؛ قال سيبويه: « هي نَبْوَةٌ من الحلق تشبه التهوُّع »؛ فالمعنى الذي يدلُّ عليه، ويُمْكِن أن تليَّن فتصير حرفًا معتلًّا، فيعبَّر عنه باللفظين، بخلافِ المعتلِّ؛ فإنه لا يُجْعَل همزة .
... فلو كان أصله « نَبِيّ »، مثل: عَلِيٍّ، [ووصيٍّ]، ووليٍّ ، لم يجزْ أن يقال بالهمز؛ كما لا يقال: عَلِيء، ووَصِيء، ووليء، بالهمز ، وإذا كان أصله الهمزَ، جاز تليينُ الهمزة، وإنْ لم يكثرِ استعمالُهُ ؛ كما في لفظ: خَبِئ ، وخَبِيئة .
... وأيضًا: فإنَّ تصريفه: أنبَأَ، ونبَّأ يُنبِّئ بالهمزة، ولم يُستعمل فيه: نَبَا يَنْبُو ، وإنما يُقال: النَّبْوَة، وفي فلانٍ نَبْوَةٌ عنَّا، أي: مجانبة .
... فيجبُ القطعُ بأنَّ النبيَّ مأخوذٌ من الإنباء ، لا من النَّبْوَة ، والله أعلم .
... قال _ح : « ولفظُ الإنباء يتضمَّنُ معنى الإعلامِ والإخبار؛ لكنَّه في عامَّة موارد استعماله أخصُّ من مطلق الإخبار؛ فهو يستعملُ في الإخبار بالأمور الغائبة المختصَّة دون المشاهدة المشتَرَكَةِ؛ كما قال: ُ ئ إ ؤ أ آ ء . ِ {وَأُنَبِّئُكُمْ...}[آل عمران:49]، وقال: ُ پ ـ لله ْ ّ ِ ُ َ ٍ ِ {فَلَمَّا...}...، وقوله : ُ ْ ّ ِ ُ َ ٍ ٌ ً ي ى و ه ن م ل ك ق ف ؟ ژ = عع ؛ چ 9 : 7 8 5 ء »! ! ِ {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لاَ تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَّبِئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *}[التوبة]؛ فهذا في خطاب المنافقين، ولم يقلْ :« والمؤمنون »؛ لأنهم لم يكونوا يُطْلِعون المؤمنين على ما في بطونهم؛ وهذا بخلافِ قوله: ُ ْ ّ ء »! ! ِ ُ َ ٍ ء «! ! ِ {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا *بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا *}[الزلزلة]؛ فإنها أمورٌ مشهودة، يَعْرِفها الناس، لكنَّ العجَبَ كونُ الأرض تُخْبِرُ بذلك، فالعَجَبُ في المُخْبِرِ لا في الخَبَر؛ كشهادة الأعضاء .
... وجمع النبيِّ: أنبياء، مثلُ وليٍّ وأولياء، ووصيٍّ وأوصياء، وقويٍّ وأقوياء ».
... وقال _ح : « ونبيٌّ: فَعِيلٌ بمعنى مفعول ، فنبيُّ الله، أي: منبَّأ الله الذي نبَّأه الله ؛ وهذا أجودُ مِنْ أن يقال: إنه فعيل بمعنى فاعل، أي: منبِّئ ؛ فإنه إذا نبَّأه الله ، فهو نبيُّ الله ، سواءٌ أنبأ بذلك غيره، أو لم ينبئه ؛ فالذي صار به النبيُّ نبيًّا: أن ينبئه الله » . ... هذا ما ذكره شيخ الإسلام .
... على أنَّ خلاصةَ ما ذكروه في الأصلِ اللغويِّ لمعنى النبوة: أن « النبي » في اللغة مشتقٌّ من واحد من ثلاثة أمور:
... أولها: مشتق من « النبأ »، وهو الخبر، والجمعُ أنباء، والذين ذهبوا إلى هذا القول اختلفوا: هل النبي: فعيل بمعنى فاعل، أو فعيل بمعنى مفعول، أو الوجهان صحيحان؛ فذهب إلى الأولِ جماعة، وإلى الثاني جماعة منهم شيخ الإسلام،وجمع بين القولَيْن جماعة؛ كالراغب الأصبهاني في "مفرداته".
... ثانيها : مشتق من النَّبْوَة أو النَّبَاوة، وهي الارتفاعُ عن الأرض؛ لارتفاع قدره، ولأنه شرِّف على سائر الخلق، فأصلُهُ غير الهمز، وهو هنا فعيل بمعنى مفعول.
... ثالثها: مشتق من النَّبِيء ، وهو الطريق الواضح، أو: من نَبَأْتُ من أرض إلى أرض: إذا خرجتَ منها إلى أخرى؛ وهو على هذا الاشتقاق: فعيل بمعنى فاعل، ومن هنا قال الأعرابي للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فيما رُوِيَ - : « يانبيءَ الله »، فهمَزَ، أي: يا مَنْ خرَجَ من مكة إلى المدينة؛ فأنكر عليه الهمز؛ لأنه ليس من لغة قريش، أو لِمَا رأى أن الرجل خاطبه بالهمز ليغُضَّ منه . وقد أشار شيخ الإسلام إلى هذا المعنى الأول والثاني، ورجَّح أن « النبيَّ » مشتق من «النبأ»، لا من النَّبْوَة، وأنه فعيل بمعنى مفعول لا بمعنى فاعل .
... انظر "النبوات"(2/688-689 و873-883)، و"روح المعاني" (9/78-79)، و"اللسان" (1/162-164)، و(15/302-303)، و"تاج العروس" (1/255-257)، و(20/212-216)، و"مفردات الراغب"(ص 788-790).
(22) ... في (أ):« فأصله ».
(23) ... في (أ):« ما يتحمله ».
(24) ... قوله:« آدني الحمل » في (غ) غير واضحة.
(25) ... قوله:« أي » سقط من (ح) و(غ).
(26) ... انظر "الصحاح" (2/442)، وهذا النقل من "الصحاح" عن أبي زيد الأنصاري، وفيه: آدني الحمل يؤودني أودًا . وتفسير الشارح للإدِّ بما نقله سهو منه _ح؛ لأن مادَّة « الإدّ »: أدد، بينما مادة « آد »: أود؛ فكان على الشارح أن يشرح « الإد » مشدد الدال، وقد قال لجوهري في "الصحاح" (2/440) مادة (أدد): الإدّ - بالكسر - والإدَّة: الداهية، والأمر الفظيع؛ ومنه قوله الله تعالى: ُ } - صلى الله عليه وسلم - { ِ« {لَقَدْ...}[مريم:89]. وانظر "تاج العروس"(4/331).
(27) ... الآية (255) من سورة البقرة .
(28) ... وفي "تاج العروس" (4/339): أن هذا هو قول أهل التفسير واللغة معًا. وانظر تفسير الآية في"معاني القرآن" للنحاس (1/266)، و"مجموع الفتاوى" (17/110)، و"تفسير الطبري" (5/403-405)، و"تفسير البغوي" (1/271)، و"تفسير القرطبي" (3/66).(1/19)
وقوله:«فاضطلع بها (1) »، أي: قام بها وقَوِيَ عليها، وهو بالضاد المعجمة أخت الصاد؛ من قولهم: ضَلُعَ الرجلُ - بضمِّ اللام- ضَلاعةً، فهو ضَلِيع، أي: قويٌّ وصُلْبٌ. فأما «ضَلَع» (2) - بفتح اللام - فمعناه: مال، ومصدره: الضَّلْع ساكنة، وأما ضَلِعَ - بكسرها (3) - فمعناه: اعوجَّ، ومصدره: الضَّلَع بفتحها، واسمُ الفاعلِ مِنْ هذا ومن الذي قبله: ضالعٌ (4) .
.............................................
و «جَلاَ» معناه: كشف، ومنه: جلَوْتُ السيفَ والعروسَ جِلاَءً (5) .
و «البصائر»: جمع بصيرة، وهي عبارةٌ عن سرعة إدراك المعاني وجَوْدَةِ فهمها (6) . =(1/88)=@
و «رَيْنُ القلبِ»: ما يَغْلِبُ عليه مما يُفْسِدُهُ ويُقَسِّيه (7) ، وهو .............................................
المعبَّر عنه بالطَّبْعِ والخَتْم في قول أهل السنة (8) .
و «العَشَا» بفتح العين والقصر: ضَعْفٌ في البصر (9) ، .............................................
وبكسرها والمد: الوقتُ المعروف، وبفتحها والمد: ما يؤكَلُ في هذا الوقت، مقابلَ الغَدَاء (10) .
و «أزكاها»: أكثرُها وأنماها؛ من قولهم: زَكا الزرعُ يَزْكُو (11) .
و «التحيَّات»: جمع تحيَّة؛ وهي هنا (12) السلام، وأصلُ التحية: المُلْكُ، ومنه قولهم: حيَّاك الله، أي: مَلَّكك الله (13) ، .............................................
قاله القُتَبِيُّ (14) .
.............................................
و «العِتْرة» (15) : الذرية والعشيرة، القُرْبى والبُعْدى، وليس مخصوصًا بالذرية؛ كما قد (16) ذهب إليه بعضهم (17) حتى قال: إنَّ عترةَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - هي وَلَدُ فاطمة خاصَّةً .
ويدلُّ على صحة القولِ الأوَّل: قولُ أبي بكر - رضي الله عنه - فيما رواه ابنُ قُتَيْبَةَ: نَحْنُ عِتْرَةُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - التي خَرَجَ منها، وبَيْضَتُهُ التي تفقَّأَتْ .............................................
عنه، وإنما جِيبَتِ العَرَبُ (18) عنا كما جِيبَتِ الرَّحَى عن قُطْبِها (19) .
و «سَفَرَتْ»: كشفَتْ، يقال: سفَرْتُ الشيءَ سَفْرًا كشفْتُهُ؛ ومنه سَفَرَتِ المرأةُ عن وجهها سُفُورًا: إذا أزالت خمارها، فأما أسفر الصبحُ: فأضاء، وأَسْفَرَ القوم: ساروا في إسفارٍ من الصبح (20) .
.............................................
و «الضُّحَى»: صدرُ النهار، بالضم والقصر، وهي حين تُشْرقِ الشمس، وهي مؤنَّثة، فأمَّا الضَّحاءُ، بالفتح والمد: فارتفاع النهار&(1/20)&$
__________
(1) ... قوله:« بها » سقط من (أ).
(2) ... قال في "تاج العروس" (11/309): ضَلَعَ عنه - كمَنَعَ - ضَلْعًا: مال وجنف، وضَلَعَ عليه ضَلْعًا: جار؛ فهو ضالع: مائل وجائر.اهـ. وهذا تقييد للفعل بحرف الجر.
(3) ... من قوله:« فمعناه: مال ... » إلى هنا ليس في (ح).
(4) ... انظر:"الصحاح" (3/1250-1251)، و"اللسان" (8/225-228).
(5) ... جَلَوْتُ السيفَ، أي: صقلتُهُ، وجلوتُ العروسَ، أي: نظرتُ إليها مَجْلُوَّةً. انظر "الصحاح" (6/2304).
(6) ... وقال الراغب _ح: البصيرة:هي قوَّةُ القلبِ المدركةُ، ومثله لأبي البقاء الكَفَوِيِّ، وفي تعريف له آخر: هي قوة في القلب تُدْرَكُ بها المغفولات، = = أمَّا ابن القيم _ح فقد قال في "المدرج":« البصيرة: هي نور يجعله الله في عين القلب؛ يَفْرِقُ به العبد بين الحق والباطل، ونسبتُهُ إلى القلب كنسبة ضوء العين». انظر:"المفردات" (ص127)، و"الكليات" (ص247)، و"مدارج السالكين" (1/139)، و(2/349)، و"اللسان" (4/65).
(7) ... تقاربت عبارات العلماء في تعريف الرَّيْن والران، ومن أوضح هذه التعاريف وأبينها ما قاله الخطَّابي _ح: أنه هو ما يغشى القلب ويخلَّله من ظلمة الذنوب، وما قاله ابن القيم _ح: أنه هو الحجاب الكثيف المانع للقلب من رؤية الحق والانقياد له. انظر "غريب الحديث" للخطابي (3/71)، و"مدارج السالكين" (1/146)، و"مجموع الفتاوى" (14/49)، و"الإكمال (3/265)،و"هدي الساري" (ص132)، و"تهذيب اللغة" (15/225)، و"النهاية" (3/112).
... وأصل ذلك ما أخرجه الترمذيُّ ( 3334 )، وابن ماجه (4244)، وأحمد (2/297)، عن أبي هريرة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ؛ قال:« إنَّ العبدَ إذا أذنب ذنبًا، كانت نكتةٌ سوداءُ في قلبه، فإنْ تاب منها صقل قلبه، وإنْ زاد زادت؛ فذلك قول الله: ُ ف 1 2 3 4 5 6 7 ِ {كَلاَّ...} [المطففين:14]؛ قال الترمذي: حسن صحيح .
... قال ابن القيم في "الداء والدواء" (ص83):« وأصل هذا: أنَّ القلب يصدَأُ من المعصية، فإذا زادت، غلَبَ الصدأُ حتى يصير رانًا، ثُمَّ يغلب حتَّى يصير طَبْعًا وقفلا وخَتْمًا، فيصير القلب في غِشاوة وغِلاف، فإذا حصل له ذلك بعد البصيرة، انعكس فصار أعلاه أسفله؛ فحينئذ يتولاه عدوُّهُ ويسوقه حيث أراد».اهـ.
... وقال أيضًا في "شفاء العليل" (1/298):« فأخبر سبحانه أن ذنوبهم التي اكتسبوها أوجبت لهم رَيْنًا على قلوبهم؛ فكان سببُ الران منهم، وهو خَلْقُ الله فيهم، فهو خالق السببِ ومسبَّبِهِ، لكن السبب باختيار العبد، والمسبَّبُ خارجٌ عن قدرته واختياره ».
(8) ... في "مختار الصحاح" (ص 383):« العشا، مقصور: مصدر الأعشَى، وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار، والمرأة: عَشْوَاء ».
(9) ... الطبع على القلب: هو الخَتْمُ عليه حتى لا يدخله الحق، يقال: طبَعَ الله على قلب الكافر، أي: ختم عليه فلم يوفَّق لخير؛ كما قال السمعاني وابن فارس، وأما الختم، فقد قال ابن القيم _ح : قال الأزهري["تهذيب اللغة"(2/186)]: أصله التغطية، وخَتَمَ لببذر في الأرض: إذا غطَّاه، قال أبو إسحاق [يعني: الزَّجَّاج؛ وكذلك قال ذلك السمعاني وغير واحد]: ختَمَ وطبَعَ في اللغة واحدٌ، وهو التغطية على الشي والاستيثاق منه؛ فلا يدخله شيء؛ كما قال تعالى: ُ ك ق ف ؟ ِ {أَمْ...}«[سورة محمد:24]، وكذلك قوله: ُ ى و ه ن ِ {طَبَعَ...}، قلتُ: الخَتْمُ والطبع يشتركان فيما ذُكِرَ، ويفترقان في معنًى آخر، وهو: أن الطبع خَتْمٌ يصير سجيَّةً وطبيعة، فهو تأثير لازم لا يفارق ».اهـ. كلام ابن القيم، وهو مفيد حسن، ولعلَّ ابن القيم استقاه من العسكري في "فروقه" فقد ذكر فرقَيْن هذا احدهما، ويستفاد من كلام أهل العلم: أن الرين أيسر من الختم، والختم أيسر من الطبع، والطبع أيسر من الإقفال، والإقفال أشدُّ ذلك كلِّه. انظر:"تفسير السمعاني" (4/20 و223)،و"مجمل اللغة" (1/601)، و"الفروق اللغوية" (ص85)، و"شفاء العليل" (1/294- باب في الطبع والختم والقفل والغَلِّ والشَّدّ والغشاوة ... ).
(10) ... انظر :"المصباح المنير" (ص213)، و"مختار الصحاح" (ص382) و"اللسان" (15/61)، و"التاج" (19/676).
(11) ... زَكَاءً، أي: نَمَا . "الصحاح" (6/2368).
(12) ... قوله:« هنا » سقط من (أ).
(13) ... التحيَّة: المُلْك، هذا قول الفرَّاء، وأبي عمرو بن العلاء،وابن قتيبة؛ وبه فسَّر الجوهري قول زُهَيْر بن جَناب الكلبيِّ [من مجزوء الكامل]:
ولكلِّ ما نالَ الفتى
قد نِلْتُهُ إلا التيَّهْ
... وقبل: التحيَّة: البقاء، وهو قول ابن الأعرابي وابن برِي، وبه فسَّر قول زهير المذكور؛ لأنَّ زهيرًا كان سيد زمانه وملكًا في قومه.
... وقيل التحيَّة: السلامة من المنية والآفات؛ فإن أحدًا لا يسلم من الموت على طول البقاء،وبه فسَّر قول زهير.
... وقيل التحية: السلام، وما يحيِّى بعضهم بعضًا إذا تلاقَوْا .
... وعلى ذلك فقولهم: حيَّاك الله ، أي: ملَّكك، أو أبقاك، أو سلَّمك، والمعاني الثلاثة عن الفراء، واقتصر الجوهري على الأولى.
... وقالت العرب: حيَّاك الله وبيَّاك، فقيل: بيَّاك، أي تغمَّدك بالملك، وقيل: أفرحك وأضحكك، وقيل: جاء بك، وقيل: عجَّل لك ما تحب، وقيل: استقبلك بما تريد، وقيل: بياك، أصلها: بوَّأك، والمراد: أسكنك منزلاً في الجنة وهيَّأه لك، وقيل: أبقاك وعمَّرك،وقيل: إتباع « حياك »؛ لتقوية الكلام وتوكيده؛ كقولهم: حسَنٌ بَسَن، وحارٌّ يَارّ، وعطشان نطشان، وجائعٌ نائع. انظر:"الصحاح" (6/2325)، و"اللسان" ( )، و"مختار الصحاح" (ص77)، و"غريب الحديث" لأبي عبيد القاسم بن سلام (2/279)، و"تاج العروس" (19/360-361).
(14) ... القُتَبِيُّ، ويقال له: القُتَيْبيُّ، نسبتهما إلى قُتَيْبَة: هو أبو محمد عبدالله بن مسلم ابن قتيبة الدِّينَوَريُّ، النحوي اللغوي، ذو التصانيف النافعة، روى عن إسحاق بن راهويه، وأبي حاتم السجستاني، وتصانيفه كلُّها مفيدة، ومنها:"أدب الكاتب"، و"غريب القرآن"، و"تأويل مشكل القرآن"، و"إصلاح الغلط في غريب لحديث لأبي عبيد"، و"كتاب المعارف"،و"كتاب عيون الأخبار"، و"كتاب الشعر والشعراء"، ومن أهم كتبه:"كتاب الاختلاف في اللفظ، والرد على الجهميَّة والمشبِّهة". كان ابن قتيبة ثقةً في دينه ثقةً في دينه وعلمه، صادقًا فيما يرويه، سليم العقيدة على مذهب أهل السنة؛ فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في "تفسيره سورة الإخلاص" (ص121): أن الإمام أحمدَ بنَ حنبلٍ يذهبُ إلى أنَّ الراسخين في العِلْمِ يعلمون التأويلَ الصحيحَ للمتشابه، ثم عقَّب ذلك بقوله:« وهذا القولُ إختيارُ كثير من أهل السُّنَّة منهم: ابن قُتَيْبة و أبو سليمان الدمشقي و غيرهما. و ابن قُتَيْبة هو من المنتسبين إلى أحمد، و إسحاقَ ابن راهويه، والمنتصرين لمذاهب السنة المشهورة، و له في ذلك مصنَّفات متعدِّدة، قال فيه صاحبُ كتاب "التحديث، بمناقب أهل الحديث": وهو أحدُ أعلام الأئمَّة والعلماء والفضلاء، أجودهم تصنيفًا، وأحسنهم ترصيفًا، له زهاءُ ثلاثمائة مصنَّف، وكان يميلُ إلى مذهب أحمدَ وإسحاق؛ وكان معاصرًا لإبراهيم الحَرْبي، و محمد بن نصر المَرْوزي؛ وكان أهلُ المغرب يعظِّمونه، ويقولون: مَنِ إستجاز الوقيعةَ فى ابن قتيبة يُتَّهمُ بالزندقة ! ويقولون: كلُّ بيت ليس فيه شيءٌ من تصنيفه فلا خَيْرَ فيه، ويقالُ: هو لأهلِ السُّنَّة مِثْلُ الجاحظِ للمعتزلة؛ فإنه خطيبُ السنة، كما أنَّ الجاحظ خطيبُ المعتزلة ».اهـ.
... وفي بغداد توفِّي ابن قتيبة سنة (276) ستٍّ وسبعين ومائتين للهجرة؛ على أصح الروايات وأوثقها.
... انظر:"ترجمة وفيات الأعيان" (3/42)، و"البلغة" للفيروز آبادي (ص127)، و"طبقات المفسِّرين" للداوودي (1/44)، و"الفهرست" لابن النديم (1/115)، وانظر المقدِّمة الماتعة للأستاذ المحقِّق السيد أحمد صقر لـ"تأويل مشكل القرآن"،ومقدِّمة الدكتور عبدالله الجبوري لـ"غريب الحديث".
(15) ... تعدَّدَتْ تعريفات أهل العلم لـ« العترة »؛ كما في "اللسان" و"تاج العروس"، وما اختاره الشارح هنا هو اختيار ابن قتيبة؛ قال في "غريب الحديث" (1/230):« فإن أوصى وقال: لعترتي، فهو لولده وولد ولده الذكور والإناث،ولعشيرته الأدنيْن»، واحتج بأثر أبي بكر الذي سيذكره الشارح. وانظر :"اللسان" (4/538)، و"تاج العروس" (7/186)، والمصباح المنير" (ص203)، و"الكليات" (ص656)، وانظر معنى «العترة» عند صاحب "النهاية" في (3/177).
(16) ... قوله:« قد » سقط من (أ).
(17) ... لعله يعني بقوله:« بعضهم »: ابن الأعرابي؛ كما في "لسان العرب" (4/538)، و"تاج العروس" (7/186)، والمصباح المنير" (ص203)، وفي "اللسان" و"التاج"- أيضًا - أنَّ العامَّة تظنُّ ذلك، ونَحْسبُ أن العترة: ولد الرجل خاصَّة. انظر:"غريب الحديث" للخطابي (2/191).
(18) ... قوله:« العرب » سقط من (ح).
(19) ... ذكره ابن قتيبة في "غريبه" (1/576)، وقال:« يرويه يزيد بن هارون، عن أبي مالك النَّصري، عن علي بن زيد ». وهذا الطرف من الإسناد ضعيف؛ لحال علي ابن زيد، فهو ضعيف، ولانقطاعه بينه وبين أبي بكر .
... قال ابن قتيبة:« قوله: وإنما جِيبَتْ العرب عنا، يريد: خُرِقَتِ العربُ عنا، فكنا وسطًا، وكانت العرب حوالَيْنَا، كما خُرِقَت الرحى في وسطها للقُطْب، وهو الذي تدور عليه، فقريشٌ كالقُطْب ... وأراد: أن قريشًا واسطة العرب ولبابها ».اهـ . وانظر "غريب الحديث" لابن قتيبة أيضًا (1/230)، و"الفائق" (1/170)، و"النهاية" (3/177).
(20) ... انظر:"الصحاح" (2/686)، و"اللسان" (4/369).(1/20)
الأعلى، وهو مذكَّر؛ قاله أبو عُبَيْد (1) .
فلمَّا قَضَتْ نتائِجُ العُقولْ، وأدلَّةُ الشَّرعِ المَنقُولْ: أن سَعادَةَ الدَّارَينِ مَنُوطَةٌ بمُتابَعَةِ هذا الرَّسولْ، وأنَّ الهِدايَةَ الحَقيقِيَّةَ باقْتِفاءِ سَبيلِهِ وَاجِبَةُ الحُصُولْ، {قُلْ...} (2) ، انْتَهَضَتْ هِمَمُ أعلامِ العُلَماءْ، والسَّادَةُ الفُضلاءْ، إلى البَحثِ عَنْ آثارِهْ : أقوالِهِ وأفعالِهِ وإِقْرارِهْ، فحَصَّلُوا ذَلِك ضَبطًا وحِفظًا، وبلَّغُوهُ إلى غَيرِهِمْ مُشافَهَةً ونَقْلاً.
و«النتائج» جمع نتيجة، وكُنِّيَ بها هنا (3) عن البراهين العقلية (4) ، فإنها قضت بما ذُكِرَ (5) جوازًا وإمكانًا .
و «أدلة الشرع»: هي (6) أخباره الصادقة؛ فإنها قضَتْ بذلك وقوعًا وعِيَانًا. =(1/89)=@
و «سعادة الدارين»: هي نيلُ مراتبهما ومصالحهما، ونفيُ مفاسدهما.
.............................................
و «منوطة»: معلَّقة، يقال: ناط الشيءَ يَنُوطُهُ نَوْطًا (7) : إذا علَّقه؛ والإشارة به إلى نحو قوله تعالى:{قُلْ...} (8) .
و «الهداية الحقيقية»: هي فعلُ الطاعاتِ الشرعيَّة، والحصولُ على ما وعَدَ عليها من الدرجات الأخروية؛ والإشارةُ إلى نحو قوله تعالى:{وَإِنْ...} (9) ؛ وتَحرَّزنا (10) بـ الحقيقيَّة عن الهداية التي هي مجرَّدُ الإرشادِ والدَّلالَةِ التي هي نحوُ قولِهِ تعالى (11) : {وَأَمَّا...} (12) (13) .
.............................................
و «الاقتفاء»: التَّتَبُّع (14) ؛ من قولهم: اقتفيْتُ أثَرَه وقفوْتُهُ، وأصله من القَفَا، والقافية .
وقوله:«واجبة الحصول»، أي: بحسَبِ الوعدِ الصدق (15) والاشتراطِ الحق (16) ؛ نحو ما تقدَّم (17) .
ولا يجبُ على الله تعالى شيء، لا بالعقلِ ولا بالشرع؛ فإنَّ ذلك كلَّه (18) محالٌ على ما عُرِفَ (19) في علم الكلام (20) .
.............................................
و «الأعلام»: المشاهير (21) ، جمع عَلَم$ٍ .
و «السَّادة» (22) : جمع سيِّد، وهو الذي يَسُودُ غيره، أي: يتقدَّم عليه بما فيه مِنْ خصال الكمال والشرف .
و «آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - »: هي ما يُؤْثَرُ عنه وينقل، أي: يُتَحَدَّث به؛ من (23) قولهم: أَثَرْتُ الحديثَ آثُرُهُ (24) .
ومَيَّزوا صَحيحَهُ مِنْ سَقيمِهْ، ومُعْوَجَّهُ مِنْ مُستَقيمِهْ، إلى أن انْتَهى ذلك إلى إمَامَيْ عُلَماءِ الصَّحيحْ، المُبَرِّزَينِ في عِلْمِ التَّعديلِ والتَّجريحْ:
وقوله:«وميَّزوا صحيحَه من سقيمِه»: اختلفت عباراتُ المحدِّثين في أقسام الحديث:
فقال أبو عبدِاللهِ محمد بنُ عبدِاللهِ الحاكمُ النيسابوريُّ: وهو المعروفُ بـ ابن =(1/90)=@ البَيِّع في كتاب "المَدْخَل" له (25) : الصحيحُ من الحديث على عشرة (26) أقسام؛ خمسةٌ مُتَّفَقٌ عليها، وخمسةٌ مُخْتَلَفٌ فيها:
فالأول: من المتفَّق عليه: اختيارُ البخاريِّ ومسلم، وهو ألاَّ يَذْكُرا من الحديث إلا ما رواه صحابيٌّ مشهورٌ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، له راويان &(1/21)&$
__________
(1) ... القاسم بن سلاَّم في "غريب الحديث" له (2/335) بتصرُّف، وأبو عبيد: هو القاسم بن سلاَّم الهروي البغدادي من أبناء أهل خراسان، ذكره أبو الطيب اللغوي في "مراتب النحويين" له بين علماء الكوفة، من شيوخه في اللغة: أبو عبيدة مَعْمَر بن المثنَّى، والأصمعي، وأبو زيد الأنصاري، والكسائي،والفراء، وفي الحديث: إسماعيل بن إبراهيم المعروف بـ«ابن عليَّة»،وعبدالرحمن بن مهدي، وكان شافعيَّ المذهب، أخذ عن الشافعي، وأبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة، ومن تلاميذه: البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي، وقد وثق أبا عُبَيْد غيرُ واحد من الأئمَّة؛ كيحيى بن معين، وإسحاق ابن راهويه، ومن كتبه:"غريب الحديث" و"الأموال" و"كتاب الغريب المصنف" وهو من أجل كتبه - وهو غير كتاب "غريب الحديث"-، مكث = = في تصنيفه أربعين سنة يتلَّقف ما يكتب من أفواه الرجال، وكما قال شمر بن حمدويه الهروي: ما للعرب كتاب أحسن من مصنِّف أبي عبيد»، وبهذا الكتاب ألف باب،وألف شاهد ومائتا شاهد. توفي أبو عبيد بمكة سنة (224) للهجرة.
... انظر:"وفيات الأعيان" (2/227)، و"تاريخ بغداد" (12/403)، و"نزهة الأولياء" (ص309)، و"معجم الأدباء" (16/254)، و"مراتب النحويين واللغويين" (ص148)، و"الفهرست" (ص106)، و"طبقات الشافعية" لابن السبكي (2/153)، و"بغية الوعاة" (ص376).
« ... وأبو عبيد هذا غير أبي عُبَيْد أحمد بن محمد صاحب "الغريبين في القرآن والحديث" صاحب الأزهري المتوفَّى سنة 401 هـ، وكلاهما هرويّ مكنيٌّ بـ« أبي عبيد ». والشارح _ح ينقلُ عن كليهما .
(2) ... الآية (31) من سورة آل عمران .
(3) ... قوله:« هنا » ليس في (غ).
(4) ... النتيجة - في اصطلاح أهل المنطق-: هي القضيَّة النظريَّة من حيث تستخرج من البراهين، ويقول الغزالي في "مقاصد الفلاسفة" (ص27):« اللازم من القياس يسمَّى بعد لزومه نتيجه ». وانظر "الكليات" (ص713).
(5) ... في (ح):« ذكرناه ».
(6) ... قوله:« هي » سقط من (أ).
(7) ... قوله : «نوطاً» سقط من (ح) و(غ).
(8) ... الآية (31) من سورة آل عمران.
(9) ... الآية (54) من سورة النور.
(10) ... في (ح): «وتجوَّزنا».
(11) ... في (ح) في هذا الموضع علامةُ لَحَقٍ، وكلام في الهامش غير واضح، ولعله تعليق.
(12) ... الآية (17) من سورة فصلت .
(13) ... الهداية والهدى: هو العلم الذي رمث الله به رسوله،والعمل به؛ ولذا كان له ضدان: الجهل، وترك العمل، والهدية أو الهدى أربعة مراتب:
« ... الأولى: الهداية العلمية المشتركة بين الخلق، وهي: هداية كل نفس إلى مصالح معاشها وما يقيمها، من جلب ما ينفعها، ودفع ما يضرُّها، وهذه أعم مراتبها.
... المرتبة الثانية: هداية الإرشاد والبيان، والدلالة والتعليم، والدعوة إلى مصالح العبد في معاده، وهذا خاصٌّ بالمكلَّفين،وهذه المرتبة أخص من المرتبة الأولى، وأعم من الثالثة؛ وهي تضاف إلى الرسول،والقرآن، والعبادة، قال تعالى: ُ ذ د ز ر ش ِ {وَإِنَّكَ...}«[الشورى:52]، وقال: ُ ؛ چ % × ' ( ! ِ {إِنَّ...}«[الإسراء:9]، وقال: ُ ك ق ف % ِ {فَاهْدُوهُمْ...}«[الصافات:23]، وهذه الهداية لا تستلزم الاهتداء ولا حصول التوفيق واتباع الحق، وإن كانت شرطًا فيه أو جزء سبب؛ لكنها ليست موجِبًا ولذلك ينتفي الاهتداء معها؛ كقوله تعالى: ُ ر 0 / . - ، + ِ «[فصلت:17]، فهداهم هدى البيان والدلالة فلم يهتدوا؛ فأضلَّهم عقوبةً لهم على ترك الاهتداء أولاً بعد أن عرفوا الهدى فأعرضوا عنه، فأعماهم عنه بعد أن أراهموه. وهذه المرتبة تستلزم امرين:
... أحدهما: فعل الربِّ تعالى، وهو الهادي، والعبد المهتدي، قال تعالى: ُ } - صلى الله عليه وسلم - { « » ِ {مَنْ...} [الكهف:17]. وهذه المرتبة هي التي ضَلَّ جهال القدرية بإنكارها، وصاح عليهم سلف الأمة وأهل السنة منهم من نواحي الأرض عصرًا بعد عصر.
... المرتبة الثالثة: هداية التوفيق والإلهام: وهي الهداية المستلزمة للاهتداء، فلا يتخلف عنها، وهي المذكورة في قوله: ُ ظ ط غ ع گ [ ِ {يُضِلُّ...}«[فاطر:8]، وفي قوله: ُ ء آ أ ؤ ح خ د ذ ة ت ِ {إِنْ...}«[النحل:37]، وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :« مَنْ يَهْدِ الله فَلا مُضلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادى له »[رواه مسلم (868) عن ابن عباس]، وفي قوله تعالى: ُ ف ش س ز ر ِ {إِنَّكَ...} «[القصص:65]؛ فنفى عنه هذه الهداية، وأثبت له هداية الدعوة والبيان في قوله: ُ ذ د ز ر ش ِ {وَإِنَّكَ...}«[الشورى:52]، وهاتان المرتبتان هما اللتان أشار إليهما الشارح، مقتصرًا عليهما، لانصراف الذهن إليهما عند إطلاق لفظ «الهداية» أو «الهدى».
... المرتبة الرابعة: الهداية إلى الجنة والنار يوم القيامة؛ قال تعالى: ُ ٍ ٌ ً ي ى و ه ء پپ! ! ن م ل ك ق ف % ء فپ! ! ِ {} [الصافات]،وقال تعالى:{سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ *}«[سورة محمد]. انظر في تعريف « الهداية »:"النبوات" (32/639-640)، و"المطلع" للبعلي (ص228)، و"تفسير السعدي" (1/149). وانظر في أقسام الهداية ومراتبها:"شفاء العليل" (1/229-276)، باب في الهدى والضلال ومراتبهما،والمقدور منهماللخلق وغير المقدور، و"بدائع الفوائد" (1/35-37)، و(2/42)، و"إغاثة اللهفان" (1/537)، و"الفتاوى الكبرى" (1/422)، و"مجموع الفتاوى" (7/166)، و"لوامع الأنوار" (1/334)، و"إكمال المعلم"(3/269).
(14) ... في (غ):« التبع ».
(15) ... في (غ):« الصادق ».
(16) ... في (غ):« للحق ».
(17) ... يشير إلى قوله تعالى: ُ × ' ( ! " £ $ = ِ {قُلْ...}«[آل عمران:31]، وقوله: ُ ث ج ة ِ {وَإِنْ...}«[النور:54]. انظر:(ص13 و14).
(18) ... في (غ):« كله ذلك ».
(19) ... في (ح) و(غ):« يعرف ».
(20) ... مسألةُ وجوب فعل الأصلح متفرِّعةٌ عن مسألة التحسين والتقبيح العقليين، ولذلك اشتهرَتْ عن المعتزلة كما اشتهرَتْ تلك . وخلاصةُ مذهب المعتزلة = = في ذلك: ما قاله القاضي عبد الجَبَّار:« ... وأمَّا علومُ العدل، فهو أنْ يعلم بأنَّ أفعال الله تعالى كلَّها حسنةٌ، وأنه لا يفعل القبيح، ولا يُخلُّ بما هو واجب عليه »؛ فهم يرون وجوبَ ما حكم العقلُ بحسنه على الله تعالى، بمعنى أن تركه نقصٌ يتنزَّه عنه. أما أهلُ السنة: فقد منعوا أن يوجب العقلُ على الله شيئًا، ولم يمنعوا أن يوجبَ الله تعالى على نفسه بعضَ الأمور التي يقتضيها كماله، والتي أخبَرَ أنه أوجَبَهَا على نفسه؛ كما في قوله تعالى: ُ إ ب ا آ ء ِ {كَتَبَ...}«[الأنعام 54]، ولا يلزمُ مِنْ كونه تعالى أوجبَ على نفسه بعضَ الأمور أن يكونَ فاعلاً بالإيجاب، أي: لا اختيار له؛ لأنه سبحانه أوجبَهُ على نفسه باختياره. انظر في مذهب السلف في المسألة: منهاج السنة (1/325)، و"فتح الباري" (11/2490)، و "رسالة القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة ومذاهب الناس فيه" للدكتور عبدالرحمن محمود (202-208)، و"الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى" للدكتور محمد المدخلي (ص106-111).
(21) ... في (ح):« المشاهر ».
(22) ... في (أ):« السادة » بلا واو .
(23) ... قوله:« به من » سقط من (ح).
(24) ... وفي "الصحاح" (2/574 :« والأَثْر -أيضًا-: مصدر قولك: أَثَرْتُ الحديثَ: إذا ذكرتَهُ عن غيرك، ومنه قيل: حديثٌ مأثورٌ، أي: ينقُلُهُ خَلَفٌ عن سَلَفٍ »، وأمَّا معنى الثر اصطلاحًا: فهو ما رُويَ عن الصحابة والتابعين من أقوالٍ أو أفعال، وعند أكثر المحدِّثين: الأثر: مرادف الحديث . وهذا هو مراد الشارح بما ذكره في "تلخيصه" من قوله:« إلى البحث عن آثارِهْ ، وأقوالِهِ وأفعالِهْ وإقرارهْ»، مراده بـ« الآثار »: أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - . انظر "فتح المغيث" (1/3)، و"تدريب الراوي" (1/43)، و"التقييد والإيضاح" (ص66)، و"توضيح الأفكار" (1/262-263).
(25) ... انظر "المدخل إلى كتاب الإكليل" للحاكم، ضمن مجموعة الرسائل الكماليَّة (78)، على أن في نقل المؤلف لكلام الحاكم اختصارًا تبع فيه القاضي عياضًا في "الإكمال" (ص51).
(26) ... في - صلى الله عليه وسلم - :« عدة ».(1/21)
فأكثر (1) ، ثم يرويه عنه تابعيٌّ مشهورُ الرواية عن الصحابة، له هو أيضًا راويان فأكثر؛ وكذلك مَنْ (2) بعدهم (3) ، حتى ينتهي .............................................
الحديثُ إليهما (4) .
.............................................
قال: والأحاديثُ المرويَّةُ بهذه الشريطةِ لا يبلُغُ عددها عَشَرَةَ آلاف (5) (6) .
.............................................
الثاني: مِثْلُ الأول؛ لكنْ ليس لراويه من الصحابة إلا راوٍ واحد.
الثالث: مثله؛ إلا أنَّ راويَهُ من التابعين ليس له (7) إلا راوٍ واحدٌ.
الرابع (8) : الأحاديثُ الأفرادُ الغرائبُ التي رواها الثقاتُ العدول.
الخامس: أحاديثُ جماعةٍ من الأئمَّةِ عن آبائهم عن أجدادهم، ولم تتواتَرِ الروايةُ عن آبائِهِمْ وأجدادِهِمْ بها (9) إلا عنهم؛ كصحيفة عمرو بن شُعَيْب، عن أبيه، عن جَدِّه (10) ، وبَهْزِ بن حَكِيم$ٍ، عن أبيه،
عن جده، وإياس بن معاوية بن قُرَّة (11) ، عن أبيه، عن جده، .............................................
وأجدادُهُمْ صحابةٌ، وأحفادهم (12) ثقات .
قال: فهذه الخمسة الأقسام (13) مخرَّجة في كتب الأئمة، محتجٌّ بها؛ وإن لم يخرَّج في الصحيحين منها شيء (14) .
قلتُ: يعني غَيْرَ القسم الأول.
قال الحاكم : والخمسةُ المختَلُف فيها: المراسيل . وأحاديث .............................................
المدلِّسين (15) إذا لم يَذْكُروا سماعاتهم (16) ، وما أسنده ثقةٌ وأرسلَهُ جماعةٌ من الثقاتِ غيرُهُ. وروايةُ الثقاتِ غير الحُفَّاظ العارفين . وروايةُ المبتدعة إذا كانوا صادقين .
قلتُ: هذا تلخيصُ ما ذكره، وعليه فيه (17) مؤاخذاتٌ سيأتي بعضها (18) .
وأشبَهُ مِنْ تقسيمه: ما قاله الخَطَّابيُّ أبو سليمان (19) ، قال: الحديثُ عند أهله على ثلاثة أقسام: صحيحٌ، وحَسَنٌ، وسقيم :
فالصحيح: ما اتصَلَ سنده، وعُدِّلَتْ نَقَلَتُهُ (20) .
.............................................
والحسن: ما عُرِفَ مَخْرَجُهُ (21) =(1/90)=@ واشتَهَر رجاله (22) ؛ وعليه مدارُ أكثرِ .............................................
الحديث، وهو الذي نقله العلماء (23) ، وتستعملُهُ (24) عامَّةُ الفقهاء (25) .
والسقيم: على طبقات، شرُّها: الموضوعُ (26) ، والمقلوبُ (27) ، ثم المجهول (28) .
.............................................
وقال أبو عيسى الترمذي (29) : كلُّ حديثٍ حَسُنَ إسنادُهُ، ولا يكونُ في إسناده مَنْ يُتَّهَمُ بالكذب، ولا يكونُ الحديثُ شاذًّا (30) ، .............................................
ورُوِيَ (31) من غير وجه نحوُ (32) ذلك: فهو - عندنا - حديثٌ (33) حسن (34) . &(1/22)&$
__________
(1) ... في (غ):« وأكثر ».
(2) ... قوله:«من» سقط من (أ) و - صلى الله عليه وسلم - .
(3) ... ثم أوغَلَ الحاكم _ح في "معرفة علوم الحديث"، فما ذكره في "المدخل" شرطًا للصحيحَيْن، جعله في "معرفة علوم الحديث" شرطًا للصحيح في الجملة، فقال: وصفةُ الحديث الصحيح: أن يرويه عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - صحابيٌّ زائلٌ عنه اسمُ الجهالة، وهو أن يروي عنه تابعيَّان عدلان، ثم يتداولُهُ أهلُ الحديث بالقبول إلى وقتنا، كالشهادةِ على الشهادة."معرفة علوم الحديث"(ص62).
... قال الحافظ في "النكت"(1/240):«ولا شَكَّ أنَّ الاعتراضَ عليه بما في علوم الحديثِ أشدُّ من الاعتراض عليه بما في المدخل؛ لأنه جعل في "المدخل" هذا: شرحًا لأحاديث الصحيحَيْن، وفي العلوم" جعله شرطًا للصحيح في الجملة ».
... وقد قال الشارح في هذا - فيما نقله عنه ابن الملقن في "المقنع" (1/263):« إن التحقيق: أنه متى عُرِفَتْ عدالةُ الرجل، قُبِلَ خبرُهُ، سواءٌ عنه واحدٌ أمْ أكثر،وعلى هذا كان الحال في العصر الاوَّل من الصحابة وتابعيهم إلى أن تنطَّع المحدِّثون »، قال ابن الملقن:« وضرَّح ابن القطان - أيضًا - بالاكتفاء بواحدٍ؛ ذكره في كلامه على أحكام عبدالحق، واختار أنه: إنْ زكَّاه أحدٌ من أئمَّة الجرح والتعديل مع رواية واحدٍ عنه ، قُبلَ وإلا فلا ».اهـ.
(4) ... اشتهر عن الحاكم كلامُهُ هذا عن شرط الشيخين، وتداوَلَهُ العلماءُ تأييدًا له عند بعضهم، وردًّا له من أكثرهم، وتأويلاً وتفصيلاً عند آخرين :
... فممن ذهب مذهَبَ الحاكم: البيهقي في "السنن" (4/105)؛ فقد ذكر حديثًا عن بهز، عن أبيه، عن جده، ثم قال: فأما البخاري ومسلم: فإنهما لم يخرِّجاه جريًا على عادتهما في أنَّ الصحابيَّ أو التابعيَّ إذا لم يكن له إلا راو واحد، لم يخرِّجا حديثه في الصحيحين .اهـ.
... وكذا ابن الأثير في "جامع الأصول" (1/160 )؛ فإنه حكى كلام الحاكم وَرَدَّ على مَنْ رده .
... والمَيَّانِجِيُّ في كتابه "ما لا يسع المحدث جهله" (ص 9 )، بزيادة على ما يُفْهَم من كلام الحاكم؛ فإنه ذكر أن شرط الشيخين: أن يروي الحديثَ عن = = النبي - صلى الله عليه وسلم - صحابيان فأكثر، ويرويه عن كل صحابي أربعة من التابعين فأكثر، وأن يكون عن كل واحد من التابعين أكثرُ من أربعة .
... قال الحافظ في "النكت"(1/241):«وهذا مستغن بحكايته عن الرد عليه».اهـ.
... وممن وافق الحاكمَ - أيضًا - أبو بكرِ بنُ العربيِّ في شرحه للبخاري كما في"نزهة النظر"(ص24)، والبيضاوي كما في"اليواقيت والدرر"(1/160).
... وأمَّا الذين رَدُّوا على الحاكم دعواه هذه: فمنهم أبو طاهر المقدسي في "شروط الأئمة الستة" (ص 16)؛ فإنه قال: إن البخاري ومسلمًا لم يشترطا هذا الشرط، ولا نُقِلَ عن واحد منهما أنه قال ذلك . والحاكم قدَّر هذا التقدير، وشَرَطَ لهما هذا الشرط على ما ظنَّ.اهـ.
... وكذا الحازمي في "شروط الأئمة الخمسة" (ص 40)، وقال: هذا حكمُ مَنْ لم يمعنِ الغوص في خبايا الصحيح، ولو استقرأ الكتاب حَقَّ استقرائه، لوجََد جملةً من الكتاب ناقضةً عليه دعواه .اهـ.
... وممن رده - أيضًا -: ابن الصلاح في المقدمة (ص288)، وساق أمثلة من الصحيح في نقضه.
... قال العراقي في "فتح المغيث" (4/74): عليه فيها مؤاخذاتٌ .
... وابن الجوزي في "الموضوعات" (1/33)، وقال: واعلم أن الذي ذكره الحاكم من اشتراط عدلَيْن عن عدلين ليس بصحيح .اهـ.
... وكذا النووي في "شرح مسلم" (1/28)، والذهبي في "السير" (12/574)، والطِّيبي في "الخلاصة" (ص41 )، وابن المَوَّاق كما في "تدريب الراوي" (1/126)، وابن رُشَيْد في "ترجمان التراجم" كما في "اليواقيت والدرر" (1/162)، وابن حجر في "نزهة النظر" (24)، وفي "النكت" (1/367)، وقال: وكلٌّ من هذه الأقسام التي ذكَرَ الحاكمُ في "المدخل" مدخولٌ، ولولا أن جماعة من المصنِّفين تلقوا كلامه بالقبول، لأعرضْتُ عن تعقُّب كلامه في هذا؛ فإن حكايته خاصةً تغني اللبيب الحاذقَ عن التعقُّب . فأما الذي ادعى أنه شرط الشيخين: فمنقوض بأنهما لم يشترطا ذلك، ولا يقتضيه تصرفهما،= = وهو ظاهر بيِّن لمن نظر في كتابيهما .ا.هـ. مختصرًا .
... وممن تأول كلام الحاكم ووجَّهه : أبو علي الغساني، فقال: ليس مراده أن يكون كل خبر روياه يجتمع فيه روايان عن صحابيِّه وتابعيِّه ومَنْ بعده؛ فإن ذلك يَعِزُّ وجوده، وإنما المراد: أن هذا الصحابي وهذا التابعي قد روى عنه رجلان خرَجَ بهما عن حَدِّ الجهالة. وقد أقرَّه عليه القاضي عياض في "الإكمال" (ص35)، والشارح في هذا الكتاب؛ كما سيأتي (ص 53) ، والسخاوي في "فتح المغيث" (1/55 ).
... والراجح -والله أعلم-: أنَّ كلام الحاكم لا يستقيمُ على كلا التأولَيْن، فإنْ أريد أن الحديث لا بد أن يرويه صحابيان، ثم يرويه عن كل صحابي تابعيان: فهذا غاية في البعد، وهو منتقضٌ بالأفراد والغرائب في الصحيحَيْن،بل بأوَّل حديث في "صحيح البخاري".
... وإنْ أريدَ أنَّ الراوي قد روَى عنه رجلان: فهذا منتقض بأمثلة كثيرة ذكرها الحازمي، وابن الصلاح، والعراقي، والذهبي، لجماعة من الصحابة، أخرَجَ لهم الشيخان أو أحدهما، وليس لكلٍّ منهم إلا راو واحد .
... ولا يصحُّ أن يقال: إنَّ الحاكم لم يقصدْ إدخالَ الصحابة في كلامه هذا؛ وذلك أن كلامه في "المدخل" من أصرحِ الصريح في دخولهم، وهل أصرحُ من قولِهِ:« ما رواه صحابي مشهور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له راويان فأكثر »، وقولِهِ:« القسمُ الثاني [ يعني: الذي لم يخرَّج منه في الصحيحين ]: مثلُ الأول، لكن ليس لراويه من الصحابة إلا راو واحد » ؟!
... أما قول الحاكم في "المستدرك" (1/23): الصحابي المعروف إذا لم نجد له راويًا غير تابعي واحد معروف، احتججنا به، وصحَّحنا حديثه؛ إذ هو صحيح على شرطهما جميعًا .اهـ: فهذا الكلامُ لا يمكنُ اعتباره توضيحًا لكلامه في "المدخل"، بل هو مناقضٌ له؛ كما صرَّح السخاويُّ بذلك في "فتح المغيث" (1/55).
... ولذا فخيرُ ما يعتذرُ به عن الحاكم: أنه رجَعَ عن كلامه هذا بكلامه الذي في "المستدرك"، خاصَّةً وأن المستدرك مِنْ أواخر ما أَلَّفَ. وانظر: "تدريب الراوي" (1/106)، والله أعلم .
(5) ... في (غ):« لا تبلغ عشرة آلاف ».
(6) ... أما التي بغير هذه الشريطة فقد ردَّ الحاكم في "المدخل إلى الإكليل" بعد ذلك بقليل ( ...) على مَنْ زعَمَ أنَّ حديثه ؟ لا يبلُغُ عشرةَ آلاف حديث. قال: « وقد روَى عنه - صلى الله عليه وسلم - من الصحابةِ أربعةُ آلاف رجل وامرأة، صحبوه نيفًا وعشرين سنة، بمكة قبل الهجرة، ثم بالمدينة بعد الهجرة، وحَفِظُوا عنه أقواله وأفعاله، ونومه ويقظته، إلى أن قال: وقد وقف النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بمكة وبين يديه خمسةَ عشَرَ ألفَ عنان. وقد كان من الحفَّاظ من حفظ خمسمائة ألف حديث».اهـ.
... إلا أن الذهبي ذكر في "السير" (11/187 ) ما يفيد أن المتون المرفوعة القوية تقرب من عشر آلاف. وذكر السيوطي في "التدريب" (1/106) أن الأحاديث الصحاح وغير لا تبلغ مائة ألف بل ولا خمسين ألفًا .
(7) ... في (ح):« ليس له من التابعين ».
(8) ... في (غ):« والرابع ».
(9) ... قوله:« بها » سقط من (ح).
(10) ... قوله:« عن أبيه عن جده » سقط من (أ).
(11) ... قوله:« بن قرة » سقط من (أ).
(12) ... في (أ):«وأحبارهم»، وهو تصحيف.
(13) ... قوله:« الأقسام » ليس في (غ).
(14) ... قد تعقب الحافظ في "النكت" (1/367) هذه الأقسامَ َالأربعة التي ذكر الحاكمُ أنه لم يخرَّج في "الصحيحين" منها شيء، فقال: أما زعمه: بأنه ليس في الصحيحين شيءٌ من رواية صحابي، ليس له إلا راو واحدٌ: فمردودٌ بأن البخاري أخرج حديث مِرْدَاس الأسلميِّ $ح، وليس له راو إلا قيس بن أبي حازم؛ في أمثلة كثيرة مذكورة في أثناء الكتاب .
... وأما قوله: بأنه ليس في الصحيحين من رواية تابعي ليس له إلا راو واحد: فمردود أيضًا؛ فقد خرَّج البخاري حديث الزهري، عن محمد بن جبير بن مُطْعِم، ولم يرو عنه إلا الزهري .
... وأما قوله: إن الغرائب والأفراد ليس في الصحيحين منها شيء: فليس كذلك، بل فيهما قدر مائتَيْ حديث قد جمعها الحافظُ ضياء الدين المقدسي في جزء مفرد.
... وأما قوله: ليس فيها مَنْ روايات من روى عن أبيه، عن جده، مع تفرَّد الابن بذلك عن أبيه: فمنتقضٌ برواية سعيد بن المسيِّب، عن أبيه، عن جده، وبرواية عبدالله والحسن ابنَيْ محمد بن علي، عن أبيهما، عن علي، وغير ذلك، وفي ذلك ما تفرَّد به بعضهم في الصحيحين أو أحدهما .اهـ.
... وقال الحازمي في "شروط الأئمة الخمسة" (35 ) معقِّبًا على تقسيم الحاكم هذا: "لم يُصِبْ في قسم من هذه الأقسام ». اهـ.
(15) ... في (غ):« المدسلين ».
(16) ... في (أ):« سماعًا لهم » بدل:« سماعاتهم ».
(17) ... في - صلى الله عليه وسلم - :« فيها ».
(18) ... انظر: (ص54).
(19) ... في "معالم السنن" له (المطبوع مع مختصر وتهذيب سنن أبي داود ) (1/11).
(20) ... قال العراقي في "شرح الألفية" له:« لم يشترطِ الخَطَّابيُّ في الحد ضبطَ الراوي، ولا سلامةَ الحديث من الشذوذ والعلة، ولا شكَّ أن ضبط الراوي لابدَّ من اشتراطه؛ لأنَّ من كثُرَ الخطأُ في حديثه وفحش، استحَقَّ الترك وإن كان عدلاً».اهـ .
... وقد دافع الحافظُ عن الخطابي فيما يتعلق بشروط الراوي -كما في "توضيح الأفكار" (1/8)-: بأن قوله:« وعُدِّلَتْ نَقلتُه »؛ مغنٍ عن التصريح باشتراط الضبط؛ لأن المعدَّل مَن عَدَّلَهُ النقاد، أي: وثَّقوه، وإنما يوثقون من اجتمع فيه العدالةُ والضبط، بخلاف من عرفه بلفظ العدل، فيحتاج إلى زيادة قَيْدِ الضبط، فلا اعتراضَ عليه .اهـ . قال السخاوي معقِّبًا على ذلك في -"فتح المغيث"(1/16)-:« وعلى كل حال فاشتراطُهُ في الصحيحِ لا بدَّ منه ».اهـ.
... وأجمَعُ منه في تعريف الصحيح ما ذكره ابن الصلاح -في "علوم الحديث" (ص10)، حيث قال: هو الحديثُ المسنَدُ الذي يتصل إسناده بنقلِ العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكونُ شاذًّا ولا معلَّلاً .اهـ. واختصره الحافظ في "النخبة" (29)، فقال: هو الخبر بنقل عدل تامِّ الضبط متصل السند، غير معلَّل ولا شاذٍّ .
... وهذه التعريفاتُ لها محترزات، وعليها تعقُّبات، وعنها أجوبة، وحولها مناقشات . فانظرها في: "الاقتراح" (ص154)، و"النكت" لابن حجر (1/234)، و"فتح المغيث" للسخاوي (1/14)، و"توضيح الأفكار" ( 1/14 )، و"اليواقيت والدرر" (1/206 ).
(21) ... فُسِّرَ قول الخطابي:« ما عُرِفَ مخْرَجُه » بتفسيرات، من أحسنها ما ذكره الطِّيبيُّ واستحسنه العراقي: أن المراد بمعرفة المخْرَجِ اتصالُ الإسناد، فيخرُجُ به المنقطعُ ونحوه؛ كالمرسل والمدلس .
... قال العراقي: وهذا أحسنُ في تفسير كلام الخطابي؛ لأنَّ المرسل الذي سقَطَ بعضُ إسناده، وكذلك المدلَّس الذي سقط منه بعضه: لا يعرفُ فيهما مخرجُ الحديث؛ لأنه لا يدري مَن سقط مِن إسناده، بخلاف مَن أبرز جميعَ رجاله، فقد عرف مخرج الحديث من أين .اهـ. انظر:"الخلاصة" للطِّيبيّ (ص38 )، و"التقييد والإيضاح" للعراقي (ص31) .
... وانظر بقيةَ الأقوال في عبارة الخطَّابي هذه في التعليقات الموعبة للشيخ العلامة أحمد معبد على "النفح الشذي" (1/223 ).
(22) ... أي: بالعدالة والضبط اشتهارًا دون اشتهار رجال الصحيح . "فتح الباقي" (1/84)، و"الخلاصة للطِّيبيّ" (ص40 )، وتعليقات العلاّمة أحمد معبد على النفح الشذي" (1/226 ).
(23) ... كذا في جميع النُّسخ، وعبارةُ الخطّابي في "معالم السنن":« يقبله أكثر العلماء».
(24) ... في (ح):« ويستعمله »، وفي (غ):« واستعمله ».
(25) ... قوله:« وعليه مدارُ أكثر الحديث "؛ لأنَّ غالب الأحاديث لا تبلغ رتبة الصحيح. وقوله:« يقبله أكثر العلماء "؛ يشملُ الفقهاءَ والمحدِّثين والأصوليين، وعبَّر بالأكثر؛ لأن مِن أهل الحديث من شدَّد فرد بكل علَّة قادحة كانت أم لا . وقوله:« وتستعمله عامة الفقهاء »، أي: احتجاجًا واستنباطًا وعملاً . اهـ، ملخَّصًا من تعليقات العلامة أحمد معبد على "النفح الشذي" (1/227). وانظر:"فتح المغيث" للسخاوي (1/79)، و"محاسن الاصطلاح" (ص103)، و"تدريب الراوي" (1/154)..
(26) ... وهو الخبرُ الكذبُ المختلَقُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ."خلاصة الفكر" (ص123). وانظر: "علوم الحديث" (ص89 )، و"محاسن الاصطلاح" (ص214)، و"فتح المغيث" (1/293)، و"الاقتراح" (ص231)، و"توضيح الأفكار" (2/68).
(27) ... المقلوبُ: هو الحديثُ الذي أبدَلَ فيه راويه شيئًا بآخَرَ في السند أو المتن، سهوًا أو عمدًا، وهو من أقسام الضعيف . انظر:"منهج النقد" (ص435)، و"فتح المغيث" (1/318)، و"علوم الحديث" (ص91 )، و"الاقتراح" (ص236)، و"الخلاصة" (ص76 )، و"توضيح الأفكار" (2/417)، "اليواقيت والدرر" (2/417).
(28) ... أي ما جاء من طريق راوٍ مجهول. والجهالةُ: إما أن تكونَ جهالة عَيْن، وذلك إذا انفرد راوٍ واحدٌ بالرواية عنه، ولم يوثَّق على الصحيح في ذلك . أو تكون جهالةً حال بأنْ روى عنه اثنان فصاعدًا ولم يوثَّق .
... والراجحُ في حال المجهول: عدمُ قَبُول روايته، سواءٌ كان مجهول عَيْن أو مجهولَ حال، على خلاف في ذلك وتفصيل يراجع في "الكفاية" (ص88)، و"الباعث الحثيث" (ص97 )، و"فتح المغيث" للعراقي (2/22)، و"فتح المغيث" للسخاوي (2/43)، و"علوم الحديث" (ص102)، و"توضيح الأفكار"(2/173)، و"شرح النخبة" (ص153)، و"اليواقيت والدرر" (2/457).
(29) ... في كتاب "العلل" له، انظره ملحقًا بكتابه "السنن" (5/758). وقد أورد ابنُ سيِّد الناس في "النفح الشذي"، والحافظ في "النزهة": أنَّ الترمذي إنما ذكر ذلك؛ ليبيِّن ما اصطلح عليه في كتابه ولم ينقله اصطلاحًا عامًّا . على أن ابن الصلاح جعل تعريف الترمذي تعريفًا اصطلاحيًّا عامًا لأحد نوعَي الحسن، وتبعه عليه مَن جاء بعده .
... قال العراقي في "شرحه الكبير" على الألفيَّة كما حكاه عنه السخاويُّ في "فتح المغيث": الظاهر أنه لم يُرِدْ بقوله: عندنا، حكاية اصطلاحه مع نفسه، وإنما أراد عند أهل الحديث؛ كقول الشافعي:« وإرسالُ ابن المسيِّب عندنا -أي: أهل الحديث -، فإنه كالمتفق عليه بينهم».اهـ.
... وقد تعقَّبه السخاويُّ بقوله: ويبعده قوله ( أي: الترمذي ): وما ذكرنا، وكذا قوله: فإنما أردنا به .اهـ.
... والظاهرُ: أنَّ قول الترمذي: عندنا، أي: عندَ أهلِ الحديث، ويكونُ ما وقع في "جامعه" مِن ذلك تطبيقٌ من الترمذيِّ لهذا التعريف العام . وانظر توضيح ذلك في تعليقات العلاَّمة أحمد معبد على"النفح الشذي"(1/205). وانظر:"نزهة النظر" (ص34)، وفتح المغيث للسخاوي (1/76)، و"علوم الحديث" (ص26)، و"الاقتراح" (ص167).
(30) ... قال ابن رجب:« الظاهر أنه أراد بالشاذِّ ما قاله الشافعي: وهو أن يروي الثقاتُ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - خلافَهُ ».اهـ ."شرح العلل" (1/384).
... وانظر في تعريف الشاذِّ:«معرفة علوم الحديث" (ص119)، و"علوم الحديث" (ص68)، و"نزهة النظر" (ص35)، و"تدريب الراوي" (1/232)، و"فتح المغيث" (1/229).
(31) ... في "علل الترمذي":« ويروى ».
(32) ... في (ح):« ونحو ».
(33) ... قوله:« حديث » سقط من (ح).
(34) ... وقد تعقَّب ابن الصلاح تعريفَ الترمذي بأنه مستبهمٌ لا يشفى الغليل، وليس فيما ذكره ما يفصلُ الحسَنَ من الصحيح، "علوم الحديث" (ص26)، وتعقَّبه ابن دقيق العيد بأنه يُشْكِلُ عليه ما يقال فيه: حسَنٌ، مع أنه ليس له مخرج إلا من وجه واحد. "الاقتراح" (ص168).
... انظر هذه التعقُّبات وغيرها وما يرد عليها من مناقشة في "توضيح الأفكار" (1/159)، و"تدريب الراوي"(1/154)،و"فتح المغيث" للعراقي (1/37).
... وقد وردَتْ للحَسَن تعريفاتٌ أخرى غير تعريف الخطَّابي والترمذي، ولا تخلو من مناقشة، حتى قال الذهبي في "الموقظة" (ص28 ):« لا تطمعْ بأنَّ للحسَن قاعدةً تندرجُ كلُّ الأحاديث الحسان فيها، فأنا على إياسٍ من ذلك».اهـ.
... ولكنَّ أقرب هذه التعاريف أنه الخبرُ بنقل العَدْلِ الذي خفَّ ضبطه متصل السند، غير معلَّل ولا شاذٍّ . انظر:"نزهة النظر" (ص29، 33 )، و"اليواقيت والدرر" (1/251)، و"توضيح الأفكار" (1/169)، و"علوم الحديث" (ص28). و"شرح العلل" لابن رجب (1/340 ).(1/22)
.............................................
وقال أبو عليٍّ الغَسَّانيُّ (1) : الناقلون سبع طبقات (2) :
الأولى: أئمة الحديث وحُفَّاظه، وهم الحُجَّة على مَنْ خالفهم، ويُقبَلُ انفرادُهم .
الثانية: دونهم في الحفظ والضبط؛ لكنَّهم لَحِقَهم في بعض روايتهم وَهَمٌ وغَلَطٌ (3) . والغالبُ على حديثهم الصِّحَّة، ويُصحَّحُ .............................................
ما وَهِمُوا فيه من رواية الطبقة الأولى، وهم (4) لاحقون بهم .
الثالثة: جَنَحَتْ إلى مذاهبَ مِنَ الأهواء غير غالية ولا داعية، وصَحَّ حديثها، وثَبَتَ صدقها، وقَلَّ وَهَمُها؛ فهذه الطبقة (5) احتمَلَ (6) أهلُ الحديث الروايةَ عنهم .
قال: وعلى هذه الطبقاتِ الثلاثِ يدورُ الحديثُ؛ وإليها أشار مسلم في صدر كتابه (7) لمَّا قَسَّم الحديثَ على ثلاثة أقسام، وثلاثِ طبقات، فلم يُقَدَّرْ له إلا الفراغُ من الطبقة الأولى، واخترمتْهُ المنيَّة (8) .
.............................................
وثلاثُ طبقات أسقطَهُمْ أهلُ المعرفة :
الأولى: مَن وُسِم بالكذب، وَوَضْع الحديث .
الثانية: مَن غَلَب عليهم الوَهَمُ والغَلَطُ حتى يستغرق (9) روايتهم .
الثالثة: مَن غلا في البدعة، ودعا إليها، وحَرَّفَ الرواية ليحتجُّوا بها.
والسابعة: قومٌ مجهولون، انفردوا بروايات لم يتابَعُوا (10) عليها؛ فقبلهم قومٌ، ووقفهم (11) آخرون (12) .
قال المؤلف (13) : وهذا التقسيمُ أشبهُ ممَّا قبله؛ =(1/92)=@ وعليه: فالصحيحُ: حديثُ الطبقة الأولى، والحسَنُ: حديثُ الطبقة الثانية: وهو حجةٌ؛ لسلامته عن القوادح المعتبرة، وأمَّا حديثُ الطبقة الثالثة: فاختُلِفَ في .............................................
حديثها؛ على ما يأتي (14) .
وأما الطبقاتُ الثلاثُ بعدها: فهم متروكون، ولا يُحتَجُّ بشيء من حديثهم، ولا يُختَلَف في ذلك .
ويلحق بهم السابعةُ في الترك، ولا يُبالَى بقولِ مَنْ قَبلَهم؛ إذْ لا طريقَ إلى ظَنِّ صدقهم؛ إذْ لا تُعرَفُ (15) رواياتُهُم (16) ولا &(1/23)&$
__________
(1) ... كلام أبي عليٍّ الغسَّاني - ويقال له: الجَيَّاني - لم نجده في كتابه "تقييد المهمل"، لكن ممَّن نقله عنه وناقشه - غير الشارح -: القاضي عياض في "الإكمال" (1/147،ط شواط)، والنووي في "شرح مسلم" (1/28)، والسيوطي في "تدريب الراوي" (1/142).
(2) ... في "شرح صحيح مسلم" و"التدريب" زيادة قوله:« ثلاث مقبولة، وثلاث مردودة، والسابعة مختلف فيها ».
(3) ... قوله:« وَهَمٌ وغَلَطٌ » بفتح هاء « وهم » يقال: وَهِمَ في كذا يوهَمُ وَهَمًا، مثل غَلِطَ يَغْلَطُ غَلَطًا، وزنًا ومعنًى، وهو المراد هنا،وقوله:« غلط » عطف تفسير؛ كقوله [من الوافر]:
وقدَّدتِ الأديمَ لراهشَيْهِ
وألفى قولَهَا كذبًا ومَيْتًا
... والكذب هو المَيْن. والوَهَم - بفتح الهاء - هو الشائع الذي يستعمله المحدِّثون عند ذكر خطأ الراوي أو الشيخ، فيقولون: في حديثه وَهَمٌ، أو في كلامه وهمٌ، أي: غَلَطٌ، وفي حديثه أوهام، أو: له أوهام، أي: أغلاط .
... وأما الوَهْم - بسكون الهاء - فهو مصدر: وَهَمْتُ إلى الشيء أهِمُ من باب وَعَدَ: إذا سبق القلب إليه مع إرداة غيره. وليس مرادًا هنا في عبارة الحافظ أبي علي.
... هذا ، وقد وَهِمَ الدكتور شواط في هذه اللفظة من تعليقه على كلام أبي علي الغساني في "إكمال المعلم" (1/147). انظر:"المصباح المنير" (ص347)،وانظر: بحثًا جيدًا ف يالاستدراك على "الرفع والتكميل" للكفُوي (ص549-554).
(4) ... من قوله:« وغلطٌ والغالب ...» إلى هنا سقط من (غ) بسبب انتقال النظر .
(5) ... في "شرح صحيح مسلم" للنووي (1/28)، و"تدريب الراوي" (1/142): « الطبقات »، ولعلها الأولى بالسياق؛ كما هو ظاهر .
(6) ... في (أ):« أجهل ».
(7) ... "مقدمة صحيح مسلم" (ص 4).
(8) ... قول أبي علي الغسَّاني:« فلم يُقَدَّرْ لمسلم إلا الفراغ من الطبقة الأولى، واخترمتْهُ المنيَّة » سينقل الشارح مثله عن الحاكم (ص60) ، وهذا القول ذهب إليه - أيضًا - البيهقي تلميذ الحاكم، وابن عساكر في "الأطراف"، والسخاوي، وقد تعقَّب القاضي عياض هذا القول وفنَّده،واستظهره الشارح؛ كما سيأتي (ص60) ، ومال إليه ابن الصلاح،والنووي، وابن سيد الناس، وابن حجر، والسنوسي،والسيوطي. انظر:"الإكمال"(ص41)، و"الصيانة" (ص92)، و"شرح مسلم" للنووي"(1/24)، و"النفح الشذي"(1/208)، و"النكت" لابن حجر (1/434)، و"مكمل إكمال الإكمال" (1/9)، و"الديباج" (ص20)، وانظر تعليقنا على هذا الموضع (ص60) .
(9) ... في - صلى الله عليه وسلم - :« حتى تستغرق ».
(10) ... في (أ):« يبالغوا ».
(11) ... في "تدريب الراوي" (1/134):« وردَّهم »، وهي أوضح وأبين .
(12) ... انتهى كلام الحافظ أبي عليٍّ الغسَّاني . وقد قال السيوطي في "التدريب" (1/143) بعد نقل كلامه:« قال العلائي: هذه الأقسام التي ذكرها ظاهرة، لكنها في الرواة »، ويرى القاضي عياض أن تفسير شيخه أبي علي هذا لغرض مسلم أسعَدُ بكلام مسلم من شرح الحاكم، قال:« وإن كنا خالفناهما في التأويل على مسلم ؛ كما قدَّمناه ». انظر:"إكمال المعلم" (1/147-149/ط شواط).
(13) ... في (غ):« قال الشيخ ».
(14) ... هذا تعقُّب من الشارح _ح لما ذكره أبو علي الغساني في أهل الطبقة الثالثة من الطبقات الأُوَل، وقد سبق إلى تعقبه القاضي عياض؛ فقال في "الإكمال" (ص58):« أما قول الحافظ أبي علي " إن حديث أهل البدع الأثبات الذين لا يَدْعُونَ إلى بدعتهم متفق عليه"، فلا يسلَّم له، بل قد اختلَفَ في ذلك المحدِّثون والفقهاء والأصوليون ».اهـ .
... وقال النووي في "شرح مسلم" (1/28):« ليس كما قال، بل فيهم خلاف، وكذلك في الدعاة خلاف مشهور ».اهـ .
(15) ... في (أ):« إذ لا يعرف ».
(16) ... في (ح):« روايتهم ».(1/23)
أحوالهم؛ ومع
ذلك فقد أَتَوْا بالغرائبِ والمناكِير (1) ، فإحدى العلتين كافية في الرد، فكيف إذا اجتمعتا ؟!
.............................................
وقوله:«ومُعْوَجَّهُ من مستقيمه» (2) : أشار بالمُعْوَجِّ إلى ما كان منها منكرَ المتن، ولم يشبهْ كلامَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ كما قال أبو الفرج الجوزيُّ (3) في كتاب "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية": إن من الأحاديثِ الموضوعاتِ أحاديثَ طِوَالاً لا يخفى وضعها، وبرودةُ لفظها؛ فهي تنطق بأنها موضوعة، وأنَّ حاشيةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منزَّهةٌ (4) عنها (5) .
قال الشيخ (6) : وإلى هذا النحو أشار النبيُّ (7) - صلى الله عليه وسلم - بقوله (8) : «إذا حُدِّثْتُمْ عني بحديثٍ تَعْرِفُونَهُ ولا تُنكِرُونَهُ، فصدِّقوا به، وما تنكرونه، فكذِّبوا به؛ فأنا (9) أقولُ ما يُعرَفُ ولا يُنْكَر، ولا أقولُ .............................................
ما يُنْكَرُ ولايُعْرَف»؛ خرَّجه الدَّارقُطنيُّ (10) ؛ من حديث .............................................
ابن أبي ذئب (11) ، عن المَقْبُريِّ،عن أبيه، عن أبي هريرة .
و المبرِّز : هو المُطِلُّ على الشيءِ الخارجُ عنه، وهو (12) اسمُ فاعلٍ من بَرَّزَ =(1/93)=@ مُشدَّدَ الراء، وأصله من بَرَزَ حقيقة، بمعنى: خرج إلى البَراز - بفتح الباء -، وهو الفضاءُ المتسع من الأرض، وضوعف تكثيرًا (13) .
أبي عبدالله محمَّد بن إسماعيل الجُعْفيِّ البُخاريّ، وأبي الحُسَين مُسْلِم ابن الحجَّاج القُشَيْريِّ النَّيْسابُوريّ، فجَمَعَا كِتابَيْهِما عَلَى شَرْطِ الصِّحَّهْ، وبَذَلا جُهْدَهُما في تَبْرِئَتِهِما مِن كُلِّ عِلَّهْ.
البخاري : هو الإمام (14) أبو عبد الله محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيمَ ابن المُغِيرَة بن بَرْدِزْبَهْ، وبردزبه: مجوسيٌّ مات عليها، قال بكر بن مُنِير: بردزبْه بالبخارية: الزَّرَّاع (15) .
والمغيرة بن بَرْدِزْبَه: أسلَمَ على يدي يمانٍ البخاريِّ الجُعْفيِّ (16) والي (17) بخارى، ولذلك نُسبَ أبو عبد الله البخاري، فقيل فيه: جُعْفِيُّ، فهو الجعفيُّ ولاءً، البخاريُّ بلدًا .
وهو العَلَمُ (18) المشهورْ، الحاملُ (19) لواءَ علمِ الحديثِ والتجريحْ، أَحَدُ حُفَّاظِ الإسلامْ، ومَنْ حَفِظَ الله تعالى به (20) حديثَ رسوله عليه .............................................
الصلاةُ والسلامْ (21) .
رحَلَ في طلب الحديثِ إلى القُرَى والأمصارْ، وبالَغَ في الجمعِ منه والإكثارْ، لقي مَنْ كان في عصره من العلماء والمحدِّثينْ، وأدرَكَ (22) جماعةً أدركوا التابعينْ؛ كَمَكِّيِّ بن إبراهيمَ البَلْخِيّ، وأبي عاصمٍ النبيل الذّهيلي (23) ، ومحمَّدِ بنِ عبدِ الله &(1/24)&$
__________
(1) ... في (ح) و(غ) و - صلى الله عليه وسلم - :« والمناكير »، وهاتان العلتان تفهما من كلام أبي علي:
... فالعلة الأولى- وهي أنهم لا نعرف رواياتهم ولا أحوالهم - تستفاد من قوله: « قوم مجهولون ».
... والثانية - وهي أنهم أتوا بالغرائب والمناكير - تستفاد من قوله:« انفردوا بروايات لم يتابعوا عليها ».
(2) ... في (أ) و(ح):« ومعوجه من سقيمه ».
(3) ... كذا في جميع النسخ :« الجوزي » بدون « ابن » والشارح يعبِّر عنه تارة بقوله: « أبو الفرج الجوزي » كما هنا، وتارةً:« أبو الفرج بن الجوزي » كما في باب "الأمر بغسل الميت" من كتاب الجنائز، وهو أبو الفرج عبدالرحمن بن علي التيمي ، صاحب التصانيف .
(4) ... في (ح):« ترق » بدل:« منزهة ».
(5) ... "العلل المتناهية" (1/1). وانظر بسط هذا المعنى وتفصيله في "المنار المنيف" لابن القيم (ص50 وما بعدها).
(6) ... قوله:« قال الشيخ » سقط من(أ)، وفي (ح):« وقال الشيخ ».
(7) ... قوله:« النبي » سقط من (أ).
(8) ... قوله:« بقوله » سقط من (أ).
(9) ... في (أ):« وأنا ».
(10) ... أخرجه الدارقطني في "سننه" (4/208)، والخطيب في "تاريخه" (11/391)، وابن عدي في "الكامل" (1/26)، كلهم من طريق يحيى بن آدم، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، به . قال الزركشي في "المعتبر" (175): قال ابن أبي خيثمة في تاريخه الكبير: سمعت يحيى ابن معين يقول: لم يحدث هذا الحديث عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، مرفوعًا؛ غير يحيى بن آدم، فإنه زاد لنا فيه أبو هريرة . فأما غيره، فأوقفه على سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .ا.هـ .
... وقال البخاري في "التاريخ الكبير" (3/474 ): وقال ابن طهمان عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - « ما سمعتم عني من حديث تعرفونه فصدقوه ». وقال يحيى: عن أبي هريرة: وهو وهم، ليس فيه أبو هريرة هو سعيد بن كيسان .اهـ .
... وقال ابن أبي حاتم في "العلل" المسألة (2445)(2/310): سمعت أبي، وحدثنا عن بسام بن خالد عن شعيب بن إسحاق، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إذا بلغكم عنّي حديث يحسن بي أن أقوله، فأنا قلته، وإذا بلغكم عنّي حديث لا يحسن بي أن أقوله، فليس مني ولم أقله ». قال أبي هذا حديث منكر، الثقات لا يرفعونه.اهـ، أي: يقفونه على المقبري كما سبق وعليه فالحديث ضعيف؛ لأن الصواب من حال إسناده الإرسال كما تبين .
... وقد ورد الحديث من طرق أخر ضعيفة كلها، فمنها ما أخرجه البزار كما في "كشف الأستار" (1/106)، وقال: لا نعلمه يروى من وجه أحسن من هذا، والعقيلي في "الضعفاء" (1/32)، وابن الجوزي في الموضوعات (1/257)، وابن حزم في "الأحكام" (2/78 )، والدارقطني في الأفراد، وأبو جعفر بن البختري في الجزء الثالث عشر من فوائده كما في "المقاصد الحسنة" (36 ).
... كلهم من طريق محمد بن عون الزيادي، حدثنا أشعث بن برّاز عن قتادة، عن عبد الله بن شقيق، عن أبي هريرة به مرفوعًا بمعناه . قال العقيلي عقبه: ليس لهذا اللفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إسناد يصح، وللأشعث هذا غير حديث منكر.اهـ.
... وقال ابن الجوزي: ذكر أبو سليمان الخطابي عن الساجي عن يحيى بن معين، قال: هذا حديث وضعته الزنادقة، قال الخطابي: هو باطل لا أصل له .ا.هـ.
... وأشعث ذكره الذهبي في "الميزان" (1/263)، واستنكر حديثه هذا، فقال: منكر جدًّا .
... ومنها ما أخرجه الدارقطني 4/208 من حديث جبارة بن المغلّس عن أبي بكر ابن عياش، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن علي بن أبي طالب مرفوعًا بمعناه . قال الدارقطني عقبه: وهذا وهم، والصواب عن عاصم عن زيد، عن علي بن الحسين مرسلاً، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
... ومنها ما أخرجه ابن حزم في الأحكام 2/76 من طريق حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس، عن أبيه، عن جده، عن علي مرفوعًا، فذكره بمعناه . قال: والحسين بن عبد الله ساقط متهم بالزندقة .
... ومنها ما رواه الطبراني في "معجمه الكبير" (12/316 رقم 13224 ) من حديث قتادة ابن الفضيل عن أبي حاضر الوضين، عن سالم بن عبد الله عن أبيه مرفوعًا بمعناه، وقتادة بن الفضيل مقبول، والوضين بن عطاء سيّء الحفظ كما في "التقريب"(453، 581).
... وله طرق أخرى قال عنها الحافظ كما في "المقاصد" (37): لا تخلو من مقال.
... انظرها مفصلة في المعتبر 175، سلسلة "الأحاديث الضعيفة" (3/203)، وما بعدها، و"الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج" للغماري (103).
... وبكل حال فالحديث يظهر على أسانيده الإعلال، وعلى متنه النكارة والبطلان، وقد نقل البيهقي في "المعرفة" (1/116) عن الشافعي أنه قال: ما رواه أحد يثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير .اهـ.
... وقال البيهقي أيضًا في المدخل إلى "دلائل النبوة" كما في "المعتبر" (177): هذا حديث باطل لا يصح .اهـ.
... وقال شيخ الإسلام في "الفتاوى" (18/382): هذا مرويّ، لكنّه ضعيف عن غير واحد من الأئمّة، كالشافعيّ وغيره . وقال الفيروزآبادي في "سفر السعادة" (146): هذا الحديث من أوضح الموضوعات .اهـ.
... وقد أورد الحديث أصحاب الكتب المؤلفة في الموضوعات وتتابعوا على ذلك.
... وانظر في استيفاء الكلام عليه:«الأحكام" لابن حزم (2/76)، فقد أطال الكلام على هذا الحديث، وفصّل القول في بيان علله ونقد متنه، والرسالة للشافعي بتعليق الشيخ أحمد شاكر (224)، "مجموع الفتاوى" (18/382)، "المقاصد الحسنة" (36)، "الموضوعات" لابن الجوزي (1/257)، "اللآلئ المصنوعة"(1/213)، "لسان الميزان" (1/455)، "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (3/203).
(11) ... في (أ):« ذؤيب ».
(12) ... في (ح):« وهم ».
(13) ... لكنْ معنى « المبرِّزَيْنِ » الذي ورد في "التلخيص"، أي: المتفوِّقَيْنِ؛ يقال: برَّز الرجُل، أي: فاق أصحابه فضلاً أو شجاعةً، وقيل: كلُّ سابقٍ مبرِّز . "لسان العرب" (5/310)، و"تاج العروس" (8/11).
(14) ... قوله:« الإمام » من (أ) فقط.
(15) ... من قوله:« قال بكر... » إلى من (أ) فقط.
(16) ... يمانٌ الجعفيُّ والي بخارى، أسلَمَ على يديه المغيرةُ بن بردزبه البخاريّ، ويمانٌ جعفيٌّ، فنسب إليه أبو جَدِّ البخاريِّ؛ لأنّه مولاه، وهو جَدُّ أبي جعفر عبد الله بن محمَّد بن جعفر ابن يمان الجعفيّ المعروف بالمسنديّ . "تاريخ بغداد" (2/6 )، "الأنساب" (3/291)، "معجم البلدان" (1/355).
(17) ... في (أ):« وسكن ».
(18) ... في (غ) «العالم».
(19) ... في (ح):« والحامل ».
(20) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «حفظ به الله».
(21) ... في (غ): «عليه السلام»، وفي (أ): «صلى الله عليه وسلم».
(22) ... في (غ) «فأدرك».
(23) ... قوله: «النبيل الذهيلي» في (أ)، (ح)، (غ) : «النبيل»، وفي «ص» و«ط»: «النهيلي»، ولعل الصواب ما أثبته «الذهيلي»؛ لأن أبا عاصم النبيل قيل: إنه مولىً لبني ذُهْل من ثعلبة، كما «تهذيب الكمال» (13/281).(1/24)
الأنصاريّ، وعصامِ بنِ خالدٍ الحِمْصِيّ، وكلُّهم أدرك متأخِّري التابعينْ . ارتحَلَ إلى عراقِ العربِ (1) والعَجَم، وإلى مصرَ والحجازِ واليَمَن، وسمع بها مِنْ خلقٍ كثيرْ رُبَّمَا يزيدون (2) على الألفِ باليسيرْ .
قال جعفرُ بنُ محمَّدٍ القَطَّانُ: سمعتُ محمدَ بن إسماعيل يقول: كتبتُ عن ألفِ شيخٍ وأكثر (3) ، ما عندي حديثٌ إلا أذكُرُ إسناده (4) .
.............................................
رَوَى عنه جمعٌ كبيرٌ من الأئمة الحُفَّاظ؛ كأبي حاتم الرازي، ومسلم بن الحَجَّاج القُشَيْري، وأبي عيسى التَّرْمِذِيّ، ومحمد بن إسحاق بن خُزَيْمة، وأبي حامدِ بنِ الشَّرْقيِّ، وإبراهيمَ بنِ إسحاقَ الحَرْبي،،، في آخرين يطولُ ذكرهم.
وروى عنه الجامعَ الصحيحَ: أبو حَسَّان (5) مَهِيبُ بن سُلَيْمٍ الدَّقَّاق، وإبراهيمُ بنُ مَعْقِلٍ النَّسَفِيُّ، ومحمد بن يوسف بن مَطَرٍ الفَرَبْرِيُّ، وهو آخرهم، وقال محمد بن يوسفَ الفَربريُّ (6) : سمع كتابَ البخاريِّ تسعون ألف رجل، فما بقي أحدٌ يرويه غيري (7) .
.............................................
ومولُد البخاريِّ يوم الجمعة بعد صلاتها لثلاثَ عَشَرَةَ ليلةً خلت من شَوَّال =(1/94)=@ سنة (8) أربع وتسعين ومائة، وتوفِّي ليلةَ السبتِ عند صلاة العشاء من ليلة الفطر من شوال، سنة ست وخمسين ومائتين، وعمره: اثنان وسِتُّون سنة إلا ثلاثة عشر يومًا .
شَهِدَ له أئمَّةُ عصره (9) بالإمامة في حفظ الحديث ونقله، وشهدَتْ له (10) تراجمُ كتابه بفهمه وفقهه .
قال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خُزَيْمة: ما تحت أديمِ السماء أعلَمُ بالحديث من البخاري .
وقال له مسلم بن الحَجَّاج، وقد سأله عن عِلَّةِ حديث (11) ، فأجابه، فقال له (12) : لا يُبْغِضُكَ (13) إلا حاسد، وأشهَدُ أنْ ليس في .............................................
الدنيا مثلك (14) .
وقال أبو بكرٍ الجَوْزَقي: سمعتُ أبا حامدِ بْنَ (15) الشَّرْقي - أو غيره (16) يقولُ: رأيتُ مسلم بن الحَجَّاج بين يَدَيِ البخاريِّ كالصبيِّ بين يدي معلِّمه (17) .
وقال حامد بن أحمد: ذُكِرَ لعليِّ بنِ المَدِيِنيِّ قولُ محمد بن إسماعيل البخاري (18) : ما تصاغَرْتُ نفسي عند أحدٍ إلا عند عليِّ بن المديني، فقال: ذروا قوله؛ هو ما رأى مِثْلَ نفسه (19) .
.............................................
وذكر أبو أحمدَ بنُ عَدِيٍّ: أَنَّ البخاري لمَّا قدم بغداد، امتحنه المحدِّثون بأنْ قلبوا أسانيد مائةِ حديثٍ، فخالفوا بينها وبين متونها، ثم دفعوها لِعَشَرةِ أنفس، لكلِّ واحدٍ عشرةُ أحاديث، فلمَّا استَقَرَّ به المجلس، قام إليه واحد (20) من العشرة، فذَكَر &(1/25)&$
__________
(1) ... في (غ) «المغرب».
(2) ... في (أ):« يزيد ».
(3) ... قوله: «وأكثر» في - صلى الله عليه وسلم - : «أو أكثر».
(4) ... انظر: «طبقات الحنابلة» (1/275)، و«تهذيب الكمال» (4/445)، و«السير» (12/407)، و«طبقات الشافعية» (2/222)، وفيها ذكر كلام البخاري بأتمَّ مما هنا، قال: «كتبت عن ألف شيخ وأكثر، عن كل واحدٍ منهم عَشَرة آلاف وأكثر، ما عندي حديث إلا ذكر إسناده».
(5) ... في جميع النسخ «أبو حيان»، والتصويب من «تهذيب الكمال» (24/436)، 445، (31/527، 566)، و«تهذيب التهذيب» (11/241)، و«تاريخ بغداد» (2/10، 30)، (12/466)، و«الإكمال» (7/269، 331)، و«تكملة الإكمال» (2/277)، و«مقدِّمة فتح الباريخ» (ص 487)، و«تغليق التعليق» (5/385، 417)، غير أن كنيته وردت «أبو الحسن» في «تهذيب الكمال» (24/467)، و«تاريخ بغداد» (2/34)؛ فلعلّه تصحيف، أو أن له كُنيَتَيْن.
(6) ... وممَّن رواه - أيضاً -: حَمَّاد بن شاكر، وطاهر بن محمد بن مَخْلَد النسفي. انظر: «السير» (12/398).
(7) ... ضعَّف الذهبي في «السير» هذه الرواية عن الفربري، قال: «قد رواه بعد الفربري أبو طلحة منصور بن محمد البَزْدَوِيّ النسفي، وبقي إلى سنة تسع وعشرين وثلاثمائة». «السير» (15/12)، وهذا الذي ذكره الذهبي أخذه عن الحافظ أبي نصر بن ماكولا، قال: «آخر من حدَّث عن البخاري بـ«الصحيح» أبو طلحة منصور بن محمد بن علي البزْديُّ، من أهل بَزْدة، وكان ثقةً...». انظر: «السير» (12/398)، وما ذكره صاحب «السير» ذكر مثله المِزِّيّ، لكن نقله عن جعفر بن محمد المستغفري، «عن ابن ماكولا» «تهذيب الكمال» (24/436). وانظر: «تهذيب التهذيب» (3/508 - ط الرسالة).
(8) ... قوله: «سنة» ليس في (غ).
(9) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «العصر».
(10) ... قوله: «له» سقط من (أ).
(11) ... قوله: «علة حديث»: في (ح):« علل الأحاديث، ثم ضرب فيما يبدو على (اللام ألف) من كلمة (الأحاديث، وكتب في الهامش كلمة طحس أولها، فلعلها «حديث»، كما في (أ) و(غ).
(12) ... قوله: «له» ليس في (غ).
(13) ... قوله: «لا يبغضك»: في (ح): «ما يبغضك».
(14) ... الحديث الذي سأل مسلم البخاريَّ عن علّته، وحديث كفَّارة المجلس، وانظر تمام القصة في:«الإرشاد" (3/961)، و"معرفة علوم الحديث" (ص 142)، و"أدب الإملاء" للسمعاني (ص 136)، و"تاريخ بغداد" (2/29)، و"السير" (12/437)، و"النكت على كتاب ابن الصلاح" (2/719).
(15) ... قوله:« ابن » سقط من (أ).
(16) ... في «تقييد المهمل» (1/55) قال: «الشك من أبي ذر» يعني: أبا ذرٍّ عَبْدَ بن أحمد الهروي، راوي هذا عن أبي بكر الجوزقي.
(17) ... في "تاريخ بغداد" (2/29)، و"السير" (12/432 )، و"تهذيب الأسماء واللغات" (1/70) وفيها ذُكِرَ هذا عن محمد بن يعقوب الحافظ، عن أبيه: أنه رأى مسلماً بين يدي البخاري يسأله سؤال الصبي لمعلِّه؛ وفي «السير» (12/407)، و«طبقات ابن السبكي» (2/222)، عن إبراهيم الخَوَّاص، قال: «رأيتُ أبا زرعة كالصبيِّ جالساً بين يدي محمد بن إسماعيل، يسأله عن علل الحديث»؛ وهدا أدب رفيع من الإمامين مسلم وأبي زرعة، يستحقُّهُ الإمام البخاري رحمهم الله .
(18) ... قوله:« البخاري » سقط من (أ).
(19) ... انظر: «تقييد المهمل» (1/21)، «تهذيب التهذيب» (9/43)، و«السير» (12/420)، و«تاريخ بغداد» (2/18).
(20) ... في (أ):«قام إليه رجل».(1/25)
له (1) حديثًا مِنْ عَشَرَتِهِ المقلوبة، فسأله عنه؟ فقال له البخاري: لا أعرف (2) هذا . ثم سأله عن بقيَّةِ العَشَرة واحدًا واحدًا، وهو في كلِّ ذلك (3) يقول: لا أعرف (4) . ثم قام بعده ثانٍ ففعل (5) مثلَ ذلك، فقال له مثلَ ذلك (6) ، ثم قام ثالثٌ كذلك حتى (7) كمَّل العشرةُ المائة الحديثِ . فلمَّا فرغوا، دعا بالأوَّل، فَرَدَّ ما ذَكَرَ له من الأحاديث إلى أسانيدها، ثم فَعَلَ ببقيَّةِ العشرة كذلك، إلى أنْ رَدَّ كلَّ متن إلى سنده، وكُلَّ سند إلى متنه، فبُهِتَ الحاضرون، وأُعْجِبَ بذلك السامعون، وسلَّموا لحفظه، واعترفوا بفضله (8) .
.............................................
وقال الدارقطني: لولا البخاريُّ، ما ذَهَبَ مسلمٌ ولا جاء (9) .
وقال أحمد بن محمد الكرابيسي (10) : رحم الله الإمامَ أبا عبد الله .............................................
البخاريَّ (11) ، فإنَّه الذي ألَّف الأصول (12) ، وبيَّن للناس، وكلُُّ مَنْ عمل بعده، فإنما أخَذَ (13) مِنْ كتابه؛ كمسلم بن الحجاج، فرَّقَ كتابه (14) في =(1/95)=@ كتابه (15) ، وتجلَّد فيه حَقَّ الجلادة حيثُ لم يَنْسُبْهُ إلى قائله (16) ،، ومنهم مَنْ أَخَذَ كتابه فنقله بعينه؛ كأبي زرعة، وأبي حاتم (17) .
.............................................
وقال محمدُ بنُ الأزهرِ السِّجْزِيُّ: كنتُ بالبصرة في مجلسِ سليمانَ بنِ حرب، والبخاريُّ جالس لا يكتب، فقلتُ لبعضهم: ما له
.............................................
لا يكتب؟ فقال: يرجع (18) إلى بخارَى فيكتب (19) مِنْ حفظه (20) .
وقال محمد بن حَمْدَوَيْهِ (21) : سمعتُ البخاريَّ يقول: أحفظ مائة ألفِ حديثٍ صحيح، وأعرفُ مائتَيْ ألفِ حديثٍ غير صحيح (22) .
.............................................
وأخبارُهُ كثيرهْ، ومناقبُهُ شهيرهْ، وإمامته وعدالته وأمانته متواترهْ، كُلُّ ذلك مِنْ حاله معروفْ، ومِنْ فضله موصوفْ .
والعجبُ مما ذكره أبو محمدِ بنُ أبي حاتم (23) في ترجمة البخاري، فقال: إنَّ أبي &(1/26)&$
__________
(1) ... قوله: «له» سقط من (أ).
(2) ... قوهل : «أعرف» في - صلى الله عليه وسلم - : «لا أعلم».
(3) ... قوله: «كل ذلك»: في (أ): «الكل».
(4) ... قوله: «لا أعرف» مكرر في - صلى الله عليه وسلم - و(ط).
(5) ... في (ح):« ففعل له ».
(6) ... قوله:« فقال له مثل ذلك » سقط من (ح).
(7) ... قوله «حتى» ليس في (غ).
(8) ... ذكرها ابن عديٍّ في جزء فيه ذِكْرُ أسامي من رَوَى عنهم محمد بن إسماعيل، البخاري في "جامعه الصحيح" مرتبين على حروف المعجم ( 93ب )، قال: سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل لمَّا قدم بغداد، سمع به أصحابُ الحديث، فاجتمعوا .... فذكر القصة . وانظرها في: «تقييد المهمل» (1/47)، و«تاريخ بغداد" (2/20)، و«تقييد المهمل» (1/47)، و"تهذيب الكمال" (24/457)، و«السير» (12/408)، (2/218 )، و"هدي الساري" (486 )، وكلُّهم يرويها من طريق ابن عدي . ... وفي سند هذه القصة جهالةٌ وانقطاع، وفي متنها نكارة، وآثار الصنعة عليها بادية،، وحفظُ البخاريِّ وعلمه ومعرفته بالحديث ثابتةٌ بدونها . انظر:" التأصيل، في أصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل" (1/72 ).
(9) ... قال الدارقطني ذلك عند ما جرى ذكر «الصحيحين». انظر:"تاريخ بغداد" (13/102)،و"جامع الأصول"(1/188)، و"السير" (12/570)، وانظر: «النكتب» لابن حجر (1/286)، و«هوي الساري» (ص 11). ... وفي هذه العبارة غَمْطٌ لمقام الإمام مسلم، وقد كان لمسلمٍ شيوخٌ أئمة، منهم البخاري، وأخذ عن البخاري كثير، فلم يكنْ فيهم كمسلم . وقدسمعنا من شيخنا الإمام عبد العزيز بن باز - رحمه الله - عدَمَ تصويبه هذه العبارة، وأنَّ الصواب أن يقال: إنَّ كلًّا من البخاري ومسلمٌ إمام له فضائله وسبقه .
(10) ... في (أ) في (ح): «الكرابسي»، وفي الأصول الخطية جميعاً «أحمد بن محمد»، والصواب فيه: أبو أحمد محمد بن محمد بن إسحاق الكرابيسي الحافظ؛ كما في «الإرشاد» (3/962)، و«السنن الأبين» (1/147)، وذُكِرَ مثلُ هذا أيضاً عن الحاكم الكبير أبي أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري في كتابه «الكنى» (1/137). ويبدو أن قائل هذا الكلام هو أبو أحمد الحاكم لا أبو أحمد الكرابيسي، والوهم وقع في «الإرشاد»، وتابعه الشارح، وصاحب «السنن الأبين»، وذلك لتشابه اسميهما تشابهاً كبيراً. انظر: «النكت على ابن الصلاح» (1/285)، و«هدي الساري» (1/11).
(11) ... من قوله : «وقال أحمد بن محمد...» إلى هنا سقط من (غ).
(12) ... يعني: أصول الأحكام من الأحاديث؛ كما في «هدي الساري» (1/11)، وهذا على ما فهمه الحافظ من مراد الكرابيسي بكتابي البخاري ومسلم، أنهما صحيحا هما»، وقد أبعد الحافظ في ذلك؛ لكن المراد بكتاب البخاري: «تاريخه الكبير»، والمراد بكتاب مسلم: كتابه «الكنى»؛ كما سيأتي التعليق عليه؛ وعلى ذلك: فمراد الكرابيسي بـ «الأصول»، أي: أصول الجرح والتعديل وعلم الرجال!
(13) ... في (ح):« أخذه ».
(14) ... في (ح):« كتبه ».
(15) ... في (غ) «كتبه».
(16) ... في (أ):« قائليه ».
(17) ... ذكرها أبو أحمد الحاكم في كتابه «الكنى»، من كلامه، لا من كلام الكرابيسي، وسياقته في «الكنى» أتم مما عند الشارح، لكن الشارح نقلها عن الخليلي في الإرشاد» (3/962)، وهي فيه مختصرةٌ اختصاراً مُخِلاًّ؛ بحيث لم يتبين أيَّ كتابي البخاري ومسلم يريد . وأبعد الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في ا"لنكت" (1/285)، فساقها على أن المراد بكتابي البخاري ومسلم "صحيحاهما" وفي «هدي الساري» ( 11)؛ ففسَّر «الأصول» في كلام أبي أحمد: بأصول الأحكام من الأحاديث، وأطال محقق "الإرشاد" في ذكر المفاضلة بين الصحيحين تعليقًا على هذه الكلمة . ونص كلمة أبي أحمد الحاكم كما في "الكنى" له (1/137)، و"طبقات الشافعية" للسبكي (2/225): «عبد الله بن الديلمي أبو بُسْر . وقال البخاري ومسلم فيه: أبو بِشْر - بشين معجمة - وكلاهما أخطأ في علمي، إنما هو أبو بُسْر، وخليق أن يكون محمد بن إسماعيل مع جلالته ومعرفته بالحديث اشتبه عليه، فلما نقله مسلم من كتابه، تابعه على زلته .؟ ... ومن تأمل كتاب مسلم في «الأسماء والكنى»، علم أنه منقول من كتاب محمد بن إسماعيل حَذْوَ القُذَّة بالقذة ؛ حتى لا يزيد عليه إلا فيما يسهُلُ عدُّه . وتجلَّد في نقله حق الجلادة؛ إذ لم ينسبه إلى قائله .؟ ... وكتاب محمد بن إسماعيل في «التاريخ» كتابٌ لم يُسْبَقْ إليه، ومن ألَّف بعده شيئًا من التاريخ أو الأسماء والكنى، لم يستَغْنِ عنه . فمنهم مَنْ نسبه إلى نفسه، مثل أبي زرعة وأبي حاتم ومسلم،ومنهم من حكاه عنه، فالله يرحمه، فإنه هو الذي أصل الأصول». ا؛هـ. وبذلك استبان: أن المرادَ بكتابِ مسلمٍ "الكنى"، وبكتاب البخاري "التاريخ الكبير"؛ كما دل عليه آخر كلام الحاكم، وكما يدلُّ عليه ذكر عبد الله بن الديلمي، ... فإنه مذكور في أثناء "التاريخ الكبير" (5/80).؟ ... قال العلامة المعلِّمي في تعليقه على جزء الكنى من "التاريخ الكبير" (9/96): «أراد -أي الحاكم - بكتاب البخاري: التاريخَ مع هذا الجزء من الكنى، نقَلَ مسلمٌ كُنَى مَنْ عُرِفَت أسماؤهم من التاريخ، وكنى من لم تعرف أسماؤهم من هذا الجزء . ا هـ.؟ ... أما عبارة الحاكم هذه في حقِّ مسلم وكتابه الكنى، فهي قولة جائرة، وقد كان في سعةٍ أن يُثْنِيَ على البخاري من غير تنقص لمسلم ولا لكتابه؛ وذلك أنه بإمعان النظر في الكتابين يتبين أن الإمام مسلمًا - وإن استفاد من كتاب البخاري - فله إضافته وصياغته. ... وليس توارُدُ مسلم والبخاريِّ على معلومة معينة دليلاً على أنَّ مسلمًا نقلها عن البخاري، فَالْمشرَعُ العلميُّ الذي ورداه واحد، والقضايا التي بحثاها متقاربة، فالأصل تلاقيهما في ذلك، وليس اختلافَهُمَا، خاصَّةً إذا وُضِعَ في الاعتبار طريقةُ التأليف في ذلك العصر والتي تراعي الإيجاز الشديد؛ فإنَّ القدر المشترك في الكتابين سيكون كبيرًا. ... على أنَّ المقارنَة بين نصوص الكتابين: تَدُلُّ على تباينٍ بينهما، بل إنَّ أبا أحمد اعتمد على نصوصٍ من كتاب مسلم وعزا إليها به. مقدمة تحقيق"الكنى" (ص 26). ... أما إثبات ذلك بطريقة تفصيلية: فمحلُّه الدراسات الخاصَّة بهذه الكتب، ويراجع مقدمة مطاع الطرابيشي لكتاب «الكنى» لمسلم (ص 28)، ودراسة الدكتور عبد الرحيم القشقري لكتاب «الكنى» لمسلم، طبع الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.؟ ... إذا تقرَّ هذا، فإن المراد بكلمة «الأصول» في كلام أبي أحمد: أصول الجرح والتعديل وعلم الرجال، لا كما ذكر الحافظ في «الهدي» (ص 11)، من أن المراد بها: أصول الأحكام من الأحاديث، وإنما أدّى الحافظ إلى هذا ظنُّه أن المراد بكتاب البخاري في كلام أبي أحمد: جامعة الصحيح، والمراد بكتاب مسلم: صحيحه المعروف؛ كما في «النكت» (1/285)؛ وقد بينتُ الوهم في ذلك. ... وكذلك القول في كتاب "التاريخ الكبير"، وكتاب "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم الذي حرَّره بمساعدة والده أبي حاتم، وأبي زرعة الرازي: فإنه - وإن كان بينهما تشابهٌ في جوانبَ كثيرةٍ يدُلُّ على استفادة ابن أبي حاتم من كتاب البخاريِّ - إلا أنَّ هناك اختلافًا جوهريًّا يتمثَّل في حشد أقوال النقاد التي استدركها ابن أبي حاتم في كلِّ راو عن طريق سؤال والده وأبي زرعة عنها؛ كما أن تداول الحفاظ والعلماء لهذين الكتابين على توالي الأعصار مع عدم الاكتفاء بأحدهما عن الآخر دليل على تمايز الكتابين، وتنوُّعِ المادَّة العلميَّة في كل منهما . انظر: التعليق على كتاب "الإرشاد" (3/965).
(18) ... في - صلى الله عليه وسلم - : «سيرجع».
(19) ... وفي (غ) «يكتب».
(20) ... انظر: «هدي الساري» (ص 478).
(21) ... في - صلى الله عليه وسلم - : «حمونية».
(22) ... انظر: «تقييد المهمل» (1/29)، «تهذيب الأسماء واللغات» (1/68)، و«تاريخ بغداد» (2/25)، و«تهذيب الكمال» (24/415، 461)، و«هدي الساري» (ص 487)، وفيها جميعاً: «محمد بن حَمْدَوَيْه»، وقد تصحَّفت في «السير» (12/415)، و«العبر» (2/363) إلى «خمِيَروَيْه»، وَوَهِمَ محقِّقا «طبقات السبكي»؛ فصوَّبا هذا التصحيف واعتمداه. «طبقات الشافعية الكبرى» (2/218). ... هذا، وقد علَّق السيوطي في «التدريب» (1/106) على كلمة البخاري هذه، فقال: «قال العراقي [التقييد ص 77] لعلَّ البخاري أراد بالأحاديث: المكرَّرة الأسانيد، والموقوفات، فربَّما عُدَّ الحديث الواحد المرويّ بإسنادَيْن حديثَيْن. زاد ابن جماعة في «المنهل الرَّوِيّ» [ص 42] «أو أراد المبالغة في الكثرة»، قال: والأول أولى. قيل: ويؤيِّد أنَّ هذا هو المراد: أنَّ الأحاديث الصحاح التي بين أظهرتا - بل وغير الصحاح - لو تُتُبِّعَتْ من المسانيد والجوامع والسنن والأجزاء وغيرها، لَمَا بلغَتْ مائة ألف بلا تكرار، بل ولا خمسين ألفاً، ويبعُدُ كلَّ البعد أن يكون رجلٌ واحدٌ حفظ ما فات الأمة جميعُهُ؛ فإنه إنما حفظه من أصول مشايخه وهي موجودة، وقال ابن الجوزي: حصر الأحاديث يَبْعُدُ إمكانه، غير أنَّ جماعةً بالغوا في تتبُّعها وحصروها. قال الإمام أحمد [خصائص المسند لأبي موسى المديني ص 112-12، والمدخل ص 35]: صحَّ سبعمائة وكسر، وقال: جمعتُ من المسند أحاديث انتخبتها من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفاً». أهـ، وانظر: كلام الذهبي في «السير» (11/187) حول عدد المتون المرفوعة القوية.
(23) ... في كتاب «الجرح والتعديل» له (7/191).(1/26)
وأبا زرعة تركاه - يعني البخاري - لأنه قال: لفظي بالقرآن مخلوق ، ولم ينقُلْ شيئًا من فضائله، وكأنَّه أعرَضَ عنه وصغَّرَ أمره (1) .
.............................................
قلتُ: وهذا تركٌ يجبُ تَرْكُه، &(1/27)&$
__________
(1) ... في «الجرح والتعديل» أنهما تركاه بسبب مكاتبة محمد بن يحيى الذهلي لهما في ذلك، قال ابن أبي حاتم: «سمع منه أبي وأبو زرعة، ثم تركاه حديثه عند ما كتب إليهما محمد بن يحيى النيسابوري أنه أظهر عندهم [يعني عندما امتحنوه حسداً في نيسابور] أن لفظه بالقرآن مخلوق». اهـ. ومعلومٌ ما حدث بين محمد بن يحيى الذهلي، والبخاري. انظر تفصيل ذلك في «السير» (12/453-463)، و«تهذيب التهذيب» (3/510-511 - ط الرسالة)، و«طبقات الشافعية لابن السبكي» (2/228 - 232). والبخاري لم يقل: لفظي بالقرىن مخلوق؛ بل نفى ذلك عن نفسه كما نقل الحافظ في «تهذيب التهذيب» (3/511)، عن محمد بن نصر المروزي، قال: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: من قال عني : إني قلتُ: لفظي بالقرآن مخلوق، فقد كذب، وإنما قلتُ: أفعال العباد مخلوقة». اهـ. وهذا مذكور في تاريخ بغداد، وطبقات الشافعية و«هدي الساري» و«تاريخ مدينة دمشق» والسير وغيرها فليراجع «تقييد المهمل» (1/37).(1/27)
وتصغيرٌ يتعيَّن ضِدُّه، كيف يُترَكُ مثلُ (1) هذا الإمامْ، لحقٍّ أظهَرَهُ في الأنامْ، ويطاعُ (2) &(1/28)&$
__________
(1) ... قوله : «مثل» ليس في - صلى الله عليه وسلم - و(ط) و(غ).
(2) ... في (ح): «قطاع».(1/28)
&(1/29)&$(1/29)
&(1/30)&$(1/30)
&(1/31)&$(1/31)
&(1/32)&$(1/32)
فيه أهواءُ الطَّغَامْ؟! (1) . &(1/33)&$
__________
(1) ... في (أ):« الطغاة ».(1/33)
&(1/34)&$(1/34)
وقد ذَكَر ابن عدي هذه القصَّة (1) ، فقال: عُقِدَ له المجلسُ بنيسابور، فدُسَّ عليه سائل (2) ، فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول: لفظي بالقرآن مخلوق؟ فأعرض عنه فأَلَحَّ عليه، فقال: القرآنُ (3) قديمٌ (4) غيرُ مخلوق، وأفعالُ العباد (5) مخلوقة، والسؤالُ عنه بِدْعة (6) .
.............................................
وهذا (7) الذي قاله - رضي الله عنه - هو (8) غايةُ التحقيق والتحرُّز (9) ، .............................................
ولكنْ (10) نسألُ الله العافيةَ مِنْ إصابة أعيُنِ (11) الحُسَّادْ، ومناكَدَةِ الأضدادْ.
ولا شكَّ في (12) أنَّ الرجلَ عُلِمَ فضلُهُ وكَثُرَ الناسُ عليه، فحُسِدَ:
.............................................
قال عليُّ بنُ صالحِ بنِ محمدٍ البغداديُّ مستَمْلي البخاري: كان يجتمعُ (13) في مجلس البخاريِّ أكثَرُ من عشرين ألفًا .
وقال (14) أبو (15) المصعب (16) : محمدُ بنُ إسماعيلَ أفقهُ عندنا مِن أحمدَ بنِ حنبل، ولو أدركْتَ مالكًا ونظَرْتَ إلى وجهه ووَجْهِ محمدِ بنِ =(1/96)=@ إسماعيل، لقلتَ: كلاهما في الفقهِ والحديثِ واحد (17) .
وقال يعقوبُ بنُ إبراهيمَ الدَّوْرَقيُّ: محمدُ بن إسماعيل فقيهُ هذه الأمة (18) .
.............................................
وأما مسلم: فيكنى (19) أبا الحسين بن الحَجَّاج، قُشَيْرِيُّ النسب،
نَيْسَابوري الدار .
وقد ذكرنا (20) في صدر الكتاب الملخَّص (21) - الذي هذا شرحُهُ - من أقوال العلماء في مسلم من الثناءِ عليه وعلى كتابه: جملةً صالحة، بحيث إذا قوبلتْ بما قيل في البخاري وفي كتابه،كانت مكافئةً لها أو راجحةً عليها (22) .
والحاصلُ من معرفة &(1/35)&$
__________
(1) ... في أ: «القضيَّة».
(2) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط) : «مسائل».
(3) ... قوله: «القرآن» سقط من - صلى الله عليه وسلم - و(ط).
(4) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «القديم».
(5) ... قوله: «أفعال العباد»: في - صلى الله عليه وسلم - «وأما العبد»، وفي (ط) «وأفعال العبد».
(6) ... وتمامها: فَشَغَبَ السائل، وشَغَبَ الناس، وتفرَّقوا عنه، وقعد البخاري في منزله. انظر: «جزء أسامي مَنْ روى عنهم محمد بن إسماعيل البخاري مِنْ مشايخه في جامعه "الصحيح" (ص 64)؛ وعنه الجَيَّني في «تقييد المهمل» (1/49)، وانظر:"تاريخ بغداد" (2/30)، و"السير" (12/453)، و«طبقات الشافعية» (2/228)، و"هدى الساري" (ص 494).
(7) ... في (غ): «وقال» بدل: «وهذا».
(8) ... قوله: «هو» ليس في (غ).
(9) ... مسألة " اللفظ بالقرآن " حَصَل فيها خلافٌ شديد بين المنتسبين لمذهب أهل السنة؛ حتى قال ابن قتيبة: " إنَّ أهلَ السنة لم يختلفوا في شيء من أقوالهم إلا في مسألة اللفظ " . "درء تعارض العقل والنقل" (1/263 ). ومن هذا الخلاف خلافُ الإمام البخاريِّ على الإمام محمد بن يحيى الذُّهْلِيِّ، وكذلك أبو ذر الهَرَويّ، وأبو نَصْر السِّجْزي، وأبو نُعَيْم وابن مَنْدَه . راجع حول هذا الخلاف:«درء التعارض" (1/256، 271)، و"الاختلاف في اللفظ" لابن قتيبة (43-54)، و"هدي الساري"(490،491). ... وخلاصة مذهب السلف في مسألة ( اللفظ بالقرآن ): التفصيلُ وعدمُ الإطلاق؛ فإن اللفظ يراد به أمران: ... أحدهما: الملفوظُ نفسه « كلام الله »، وهو غيرُ مقدور للعبد، ولا هو فعلٌ له؛ وهو غير مخلوق. ... والثاني: التلفُّظ به والأداء له، وهو فعل العبد؛ وهو مخلوق. ... فإطلاق الخلق على اللفظ بأن يقال: «لفظي بالقرآن مخلوق»: قد يوهمُ المعنى الأوَّل، وهو خطأ . وإطلاق نفي الخلق عليه بأن يقال: «لفظي بالقرآن غير مخلوق»: قد يوهم المعنى الثاني، وهو خطأ؛ فمُنِعَ الإطلاقان لما في كل منهما من محظور، ووجب التفصيل عند الإطلاق، والبيان عند الإجمال؛ ولذلك قال الإمام أحمد وغيره: " إن من زعم أن لفظه بالقرآن مخلوقٌ، فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق، فهو مبتدع. ... ولقد حرَّر ابن القيم - رحمه الله - في نونيَّتهِ الكافية الشافية: مذهب السلف وأهل الحديث في مسألة اللفظ والملفوظ، والقراءة والمقروء، والتلاوة والمتلوّ، والحفظ والمحفوظ، والكتابة والمكتوب، وأطنب في ذلك ما شاء الله؛ لكثرة ما وقع في ذلك من التخبيط والتخليط، وأشار إلى مذهب البخاري وأحمد رحمهما الله - وما جرى للبخاري مما أشار إليه الشارح في مسالة «اللفظ بالقرآن»، ومما قال ابن القيم في هذه المسألة:
فَعَلَيْكَ بِالتَّفْصِيل وَالتَّمْييز فالـ
إطْلاقُ والإجمالُ دُونَ بَيَانِ
قد أَفْسَدَا هذا الوجودَ وخَبَّطا الْـ
أَذْهَانَ والآراءَ كُلَّ زمانِ
وتلاوةُ القرآنِ في تعريفها
باللام قد يُعْنَى بها شيئانِ
يُعْنَى بها المتلوُّ فَهْوَ كلامُهُ
هو غيرُ مخلوقٍ كذي الأَكْوانِ
هذا الذي نَصَّتْ عليه أئمَّةُ الْـ
إسلام أَهْلُ العلْمِ والعِرْفَانِ
وَهُوَ الذي قَصَدَ البخاريُّ الرِّضَى
لكنْ تقاصَرَ قاصرُ الأذهانِ
عن فَهْمِهِ كتقاصُرِ الأفهامِ عَنْ
قولِ الإمامِ الأعظمِ الشيباني
في اللفظِ لَمَّا أن نَفَى الضِّدَّيْنِ عَنْـ
ـهُ واهتدَى للنفيِ ذو عِرْفانِ
فاللفظُ يَصْلُحُ مَصْدَراً هو فِعْلُنَا
كتلفُّظٍ بتلاوةِ القرآنِ
وكذاك يَصْلُحُ نَنْسَ ملفوظٍ به
وهُوَ القُرَانُ فذانِ محتمَلاَنِ
فلذاك أنكَرَ أحمَدُ الإطلاقَ في
نَفْيٍ وإثباتٍ بلا فُرْقَانِ
... انظر في إيضاح ذلك: «توضيح المقاصد شرح نونية ابن القيم» لابن عيسى (1/324 - 332)، و«مختصر الصواعق" لابن القيِّم (2/306-314 )، و"درء التعارض" (256-271)، و"معارج القبول" (1/252-254)، و"أعلام السنة المنشورة" (ص 85).
(10) ... في (ح) و - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «لكن».
(11) ... في (ح):« عين ».
(12) ... قوله:« في » سقط من (ح).
(13) ... في (أ): «يجمع الناس».
(14) ... في (أ)، (ح): «قال» بدو واو.
(15) ... قوله: «أبو» من (أ) فقط وهو الصواب.
(16) ... في (أ): «الصعب».
(17) ... انظر: «تقييد المهمل» (1/23)، و«تاريخ بغداد» (2/19)، «تهذيب الكمال» (24/455 )، «السير» (12/420 )، «هدى الساري» (482). وفيها كلها: «أبو ممصعب» بدون: (أل». ... قال الحافظ: عبَّر بقوله: « ونظر إلى وجهه " عن التأمُّل في معارفه .اهـ . ... وقال محقِّق «السير» (12/420): «يغلبُ على ظنِّي أنَّ أبا مصعب لم يقفْ على كلامِ أحمد في الفقه حتى جَعَل البخاريَّ أفقَهَ منه، ولو وقَفَ على كلامه، لم يتفوَّه بذلك» .
(18) ... انظر: «تقييد المهمل» (1/44)، و«سير أعلام النبلاء» (12/424)، و«تهذيب الكمال» (24/457)، وقد وردتْ هذه الكلمة في البخاري عن نُعَيْم بن حَمَّاد كما في «تقييد المهمل» (1/27)، و«سير أعلام النبلاء» (12/419)، و«تهذيب الكمال» (4/459).
(19) ... في (غ): «يكنى» دون خاء.
(20) ... في (ح):« ذكر »، وفي (غ): «ذكرناه».
(21) ... في (أ):« المختصر ».
(22) ... انظر: (ص 56 فما بعدها).(1/35)
أحوالهما أنهما فَرَسا رِهانْ (1) ، وأنَّهما ليس لأحد في (2) حَلْبتهما بمسابقتهما (3) ولا مساوقتهما (4) .............................................
يدانْ (5) .
.............................................
سمع مسلمٌ بخراسان، وارتحَلَ إلى العراق والحجاز والشام (6) ومصر كارتحال البخاريِّ، وسمع من يحيى بن يحيى، التميمي، وقتيبة بن سعيد البلخي، وإسحاقَ بنِ راهَوَيْهِ، وأحمدَ بنِ حنبل، ويحيى بن مَعِين والقَعْنَبِيِّ ومسلمِ بنِ إبراهيم، وأبي بكر وعثمان (7) ابنَيْ (8) .............................................
أبي شيبة، ومحمدِ بنق بَشَّار، ومحمدِ بنِ المثنى، وخلقًا كثيرًا (9) يطول
ذكرهم (10) .
رَوَى عنه: إبراهيمُ بن سفيان الزاهدُ المَرْوَزِيُّ (11) ، وأبو محمدٍ .............................................
أحمدُ بنُ عليِّ بنِ الحسن (12) القَلاَنِسِيُّ (13) ، ولا يُرْوَى كتابُهُ إلا من طريقهما.
وروى عنه - أيضًا (14) -: مكي بن عَبْدَان، ويحيى بن محمد بن صاعد، ومحمد بن مَخْلَد، وآخرون .
توفِّي عشيةَ يوم الأحد، ودُفِنَ يوم الإثنين لخمسٍ بَقِينَ من رجب سنةَ إحدى وستين ومائتين، وقد وافى سِنَّ الكهولة (15) ، .............................................
مات وهو ابنُ خمس وخمسين سنة (16) .
.............................................
وقوله: «فجمعا كتابيهما على شرط الصحة»: هذا هو الصحيحُ الحاصلُ من اشتراط (17) البخاريِّ ومسلم في كتابيهما. قال إبراهيمُ بن مَعْقِل: سمعتُ البخاريَّ =(1/97)=@ يقول: ما أدخلْتُ في كتاب "الجامع" إلا ما صَحَّ، وقد تركْتُ من الصحيح خوفًا من التطويل (18) .
وقال أبو الفرج بن الجوزي (19) : ونُقِلَ عن محمد بن إسماعيل أنه قال: صَنَّفْتُ (20) كتاب الصحيح في (21) سِتَّ (22) عَشْرَةَ سنةً مِنْ سِتِّمائة ألف حديث، وجعلته حجةً بيني وبين الله تعالى (23) .
وقال الفربري: قال لي محمد بن إسماعيل: ما وضعتُ في كتاب "الصحيح" حديثًا إلا اغتسلْتُ قبل ذلك، وصلَّيْتُ ركعتين .
.............................................
وقال عبد القُدُّوس بن هَمَّام (24) : سمعت عدةً (25) من المشايخ يقولون: دوَّن محمد بن إسماعيل تراجمَ جامعِهِ بين قبر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ومنبره (26) ، وكان يصلِّي لكل ترجمة ركعتين .
وقال الحسين (27) بن محمد (28) الماسَرْجِسِيُّ: سمعتُ أبي يقولُ: &(1/36)&$
__________
(1) ... يقال في المَثَل: «هما كفرسَيْ رِهَان»، قال في «مجهرة الأمثال» (2/369): «يضرب للرجلين يتسابقان فيما يُحْمَد»، وفي «مجمع الأمثال» (2/391): «يضرب للاثنين يستبقان إلى غاية؛ فيستويان، وهذا التشبيه يقع في الابتداء لا في الانتهاء؛ لأن النهاية تجلِّي عن سبق أحدهما لا محالة، ومثله قولهما: «هما كركبتي البعير»...» وانظر: «تاج العروس» (8/394)، وانظر: التعليق الآتي في التفضيل بين الصحيحتين.
(2) ... قوله: «في»: من (أ) فقط، وفي الباقي: «من».
(3) ... في (أ):« مسابقتهما » بلا «باء».
(4) ... المساوقة: المقارنة؛ كما سيذكر ذلك الشارح في كتاب الصلاة، آخر «باب التشهد في الصلاة». وانظر: «اللسان» (10/166).
(5) ... ظاهر هذه العبارة: يدلُّ على أنَّ المؤلِّف يرى استواءَ الصحيحَيْن وتكافُؤَهما، وعَدَم ترجيح أحدهما على الآخر، وهو ما فهمه السخاويُّ منها، ونقل نصَّها في "غنية المحتاج"(ص 53). ... ولكنَّ العجب أنَّ الحافظ - رحمه الله - فهم منها تفضيلَ القرطبيِّ لصحيح البخاريِّ على صحيح مسلم؛ كما في "هدي الساري" (ص 18)، و"النكت" (1/286)، وأنَّ الصنعانيَّ فهم منها أنَّ القرطبيَّ يرى تفضيلَ مسلم على البخاريّ؛ كما في "توضيح الأفكار" (1/46). ... وهذه المسألة-وهي ترجيحُ أحدِ الصحيحَيْن على الآخر-يمكنُ تلخيصها في الأقوال التالية: ... الأوّل : ما اختاره القرطبيُّ هنا، وهو تكافؤهما، قال السخاويُّ:« نقله التوربشتيُّ وحكاه الطُّوفيُّ في «شرح الأربعين» له، وعزاه ابن الملقِّن لبعض المتأخِّرين»ا. هـ. «غنية المحتاج» (53)، و"التدريب" (1/96). ... الثاني: ترجيحُ صحيحِ البخاريِّ على صحيح مسلم، وقد صرَّح بذلك النسائيُّ، والدارقطنيُّ، وأبو بكرٍ الإسماعيليُّ، قال النوويُّ: وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاريِّ هو المذهبُ المختار الذي قاله الجماهيرُ وأهلُ الإتقان والحِذْقِ والغوصِ على أسرار الحديث . »شرح مسلم» للنووي (1/14)، و"النكت" (1/286). ... وقد ذكر الحافظ في «هدي الساري» (ص 11) ستَّةَ أوجه لترجيح البخاريِّ تلخيصها: ... 1 - أنّ المتكلَّمَ فيهم من الرواة الذين انفرد البخاريُّ بالإخراج عنهم أقلُّ من المتكلَّم فيهم من الرواة الذين انفرد بهم مسلم . ... 2 -أنّ من تُكُلِّم فيهم من رواة البخاريِّ لم يُكْثِرْ من تخريج حديثهم بخلافِ مسلمِ. ... 3 - أنَّ أكثَرَ المتكلَّم فيهم عند البخاريِّ من شيوخه، وهو أعرفُ بهم، أمَّا المتكلَّم فيهم مِنْ رواة مسلم فمن المتقدِّمين . ... 4 - أنَّ البخاريَّ يخرِّج لهؤلاءِ المتكلَّمِ فيهم في المتابعات والاستشهادات، أمَّا مسلم فيخرِّج لهم في الأصول . ... 5 - أنَّ شرط البخاريِّّ في الإسناد المعنعن ثبوتُ اللقي ولو مَرَّةً، واكتفاءُ مسلم بالمعاصرة ما لم يكن المعنعِنُ مدلِّسًا .؟ ... 6 - أنَّ الأحاديثَ المنتقَدَة على البخاريِّ أقلُّ من الأحاديث المنتقدة على مسلم. ... وقد تعقَّبَ الصنعانيُّ في"توضيح الأفكار"(1/42) هذه الأوجُه بما لا يَنْقُضُ أصلها؛ ولم يُصعبْ محقِّق «الإرشاد» للخليلي في قوله عن تعقُّب الصنعاني للأوجه التي ذكرها ابن حجر: «هو رأي ينبغي أن يؤخذ بالاعتبار». ... الثالث: ترجيحُ صحيحِ مسلمٍ على البخاريِّ، وأشهَرُ من قال بهذا القول أبو عَليٍّ النيسابوريُّ الحافظُ شيخُ أبي عبدِ الله الحاكمِ؛ فإنَّه قال: ما تحت أديم السماء كتابٌ أصحُّ من كتاب مسلم بن الحَجَّاج . "تاريخ بغداد" (13/101). ... قال الذهبيُّ في «تذكرة الحفاظ» (2/589): لعلَّ أبا عليٍّ ما وَصَل إليه صحيحُ البخاريِّ . قال الحافظ: وفي ذلك بُعْدٌ عندي . "النكت" (1/285). ... وقد بيَّن الحافظ في «الكنتب» (1/284) أن مقالة أبي علي لا يلزم منها أن يكون كتاب مسلم أصحَّ من كتاب البخاري، قال: «لأن قول القائل: فلان أعلم أهل البلد بفن كذا، ليس كقوله: ما في البلد أعلم من فلان بفن كذا، لأنه في الأول أثبت له الأعلميَّة، وفي الثاني نفى أن يكون في البلد أحدٌ أعلم منه؛ فيجوز أن يكون فيها من يساويه فيه، وتعقَّبه الصنعانيُّ في «توضيح الأفكار» (1/48) بأنَّ قول القائل:« ما تحت أديم السماء أعلمُ من فلان "؛ يفيدُ عرفًا أنَّه أعلم الناس مطلقًا، وأنّه لا يساويه أحدٌ في ذلك، والحقيقة العرفيَّةُ مقدَّمة، وفي تعقُّبه نظر. ... وقال ابن الصلاح في "علوم الحديث"(ص 15): إن كان المراد أنّ كتاب مسلم أصحُّ صحيحًا، فهذا مردود على من يقوله . ... وممَّن ذهب إلى ذلك أيضًا: أبو محمد بن حَزْم ؛ فإنَّه كان يُفضِّل كتابَ مسلم على كتاب البخاريِّ؛ لأنَّه ليس فيه إلاّ الحديثُ السَّرْد."النكت"(1/282). وكذا: مَسْلَمَةُ بنُ قاسم القرطبيّ المتوفَّى سنة 353هـ، فإنَّه ذكر مسلمًا في تاريخه، وذكر صحيحه فقال: لم يضع أحد مثله. "الإكمال" (23). ... وعزاه القرطبيُّ في اختصاره للبخاريِّ إلى أكثر المغاربة، كما عزا ترجيحَ البخاريِّ إلى أكثر المشارقة كما في"توضيح الأفكار" (1/46). ... وقد استظهَرَ الحافظُ في "هدي الساري" (ص 12) أنَّ أبا عليٍّ وغيره ممَّنْ قدَّموا مسلمًا إنّما قَدَّموه لمعنًى آخَرَ غيرِ الأصحِّيَّةِ؛وإنَّما قدَّموه من جهة حُسْنِ الوضع وجودة الترتيب. ... والراجح: عدمُ الحكمِ بالأفضليَّةِ أو الترجيحِ المطلق لأحدهما على الآخر،وإنَّما يرجَّحُ كلٌّ منهما بما يميِّزه؛ فيرجَّحُ البخاريُّ من حيث الأصحِّيَّةُ، ويرجَّحُ مسلمٌ من حيث حسنُ الصياغة. قال الصنعانيُّ في "السبل" (1/17): وأنصَفَ بعضُ العلماء في قوله [من الطويل]:
تَشَاجَرَ قومٌ في البخاريْ ومُسْلِمٍ
لَدَيَّ وقالوا أَيَّ ذَيْنِ نُقَدِّمُ
فقلتُ لقد فاق البخاريُّ صِحَّةً
كما فاق في حُسْنِ الصِّنَاعَةِ مُسْلِمُ
(6) ... ذكر ابن عساكر، وكذا الخطيب في «تاريخ بغداد» دخولَ مسلم الشامَ وسماعَهُ من محمّد بن خالد السَّكْسَكِيِّ . قال الذهبيُّ: والظاهرُ أنَّه لقيه في الموسم، فلم يكنْ مسلم ليدخُلَ دمشق، فلا يسمع إلاَّ مِنْ شيخ واحد اهـ. وواضح: أنَّ هذا غيرُ كاف في نفي ما أثبتاه . ... كما روى ابن عساكر: أنَّه كتب بها عن الوليد بن مسلم، وضعَّف ذلك الذهبيُّ أيضًا؛ لكنَّه قال في «تاريخ الإسلام»: إنْ صحَّ، فلعلَّه دخله مجتازًا، ولم يمكنه المقام لإعجال سيره، أو مرض بها، فلم يتمكّن من السماع بها على غيره، وكذا قال السخاويّ في غنية المحتاج . ... انظر:"السير"(12/62 )،"تاريخ الإسلام"(184)، "تاريخ بغداد"(13/100)،"غنية المحتاج" (34).
(7) ... قوله: «وعثمان» سقط من (ح).
(8) ... في جميع النسخ: «ابن»، والمثبت من المصادر.
(9) ... قوله: «وخلقاً كثيراً»: هكذا بالنصب، وهي عطقٌ على موضع الجارِّ والمجرور «من يحيى...»؛ إذ الجارُّ والمجرور المتعلِّق بالفعل في موضع نصب،، أو على توهُّم أنه قال: «سمع يحيى بْنَ يحيى ...» على حَدِّ قوله [من الوافر]:
معاريَ إننا بشرٌ فأسمحْ
فَلَسْنَا بالجبال ولا الحديدا
... فطف قوله: «الحديدا» على قوله: «بالجبال» على تَوهُّم أنه قال: «فلسنا الجبالَ ولا الحديدَ»، والعطف على التوهُّم مشهورٌ ومعروف عند أئمَّة النحو. انظر: « » ( )، و« » ( ).
(10) ... وقد عَدَّ المِزِّيُّ منهم في"التهذيب"(212)، وعدَّ الذهبيُّ منهم في"السير"(213) ثم وقال: وعدَّتهم 220 رجلاً أخرج عنهم في "الصحيح"، وله شيوخ سوى هؤلاء لم يخرِّجْ عنهم في صحيحه؛ كعليِّ بنِ الجَعْد، وعليِّ بْنِ المَدِينِيِّ،ومحمَّد بن يحيى الذُهْلِيّ .اهـ. فلعلَّه سقط شيء من النُّسَّاخ أو الطابعين . ... أمّا السخاويُّ فقال: خَرَّج في صحيحه منهم عن مائتَيْ نَفْسٍ وسبعةَ عشَرَ نفسًا، كما جَزَمَ به بعضُ الحفَّاظ يقينًا لا حدسًا . ... انظر:"تهذيب الكمال" (27/499)، و"السير" (12/561)، و"تاريخ الإسلام" (183)، و"غنية المحتاج" (ص 34).
(11) ... هو أبو إسحاق النيسابوريُّ، إبراهيم بن محمد بن سفيان، وهو الإمام العلامة، الفقيه المحدِّث الثقة، الزاهد العابد، من مشاهير تلاميذ مسلم، وأيوب بن الحسن الزاهد الحنفي، كان من أئمة الحديث، قال: «فرَغَ لنا مسلم من قراءة الكتاب في شهر رمضان سنة 257هـ»، سمع بالعراق، والري، والحجاز، ونيسابور، توفِّي سنة (308هـ). رحمه الله تعالى. ... انظر: ترجمته في «الكامل في التاريخ» (8/128)، و«السير» (14/311)، و «البداية والنهاية» (11/131)، و«التقييد لمعرفة الرواة والسنن والمسانيد» لابن نقطة (1/218)، و«صيانة صحيح مسلم» (103 - 104)، و«شرح مسلم» (1/10).
(12) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «حسن».
(13) ... هو أبو محمد القلانسي، أحمد بن علي بن الحسن بن المغيرة بن عبدالرحمن، رواي صحيح مسلم وقد وقعت روايته عند المغاربة، وتفرَّدوا بهذه الرواية حتى قال ابن الصلاح: «لم أجد له ذكرا[ عند غيرهم، دخلت روايته إليهم من مصر على يَدَيْ مَنْ رَحَلَ منهم إلى جهة المشرق؛ كأبي عبدالله محمد بن يحيى الحذَّء التميمي الترطببي، وغيره، سمعوها بمصر من أبي العلاء عبدالوهاب بن عيسى بن عبدالرحمن بن ماهان البغدادي، .... عن ابن سفيان، عن مسلم»، وذكر عن الدراقطني أنه كتب إلى أصل مصر من بغداد: أن اكتبوا عن أبي العلاء بن ماهان كتاب مسلم بن الحجَّاج، ووصف أبا العلاء بالثقة والتمييز. ... انظر: حياته صحيح مسلم» (ص 106 - 111)، و«العلل الواقعة في كتاب مسلم» (ص 52)، و«ذيل تاريخ بغداد» (1/378). ... ملحوظة: تصحَّف جد القلانسي «الحسن» إلى «الحسين» في مقدمة المعلم» (1/121)، و«الإمام مسلم بن الحجاج» وللشيخ مشهور حسن سلمان (1/190).
(14) ... قوله : «أيضاً» لم تتضح في (غ).
(15) ... قال في «تاج العروس» (15/670): «الكَهل من الرجال: مَنْ وَخَطهُ الشَّيْب، أي: خالطه ورأيْتَ له بجالة، أو من جاوز الثلاثين ووخَطَهُ الشيب؛ كذا في «الصحاح» [5/1813]، قال ابن الأثير [«النهاية»: 4/213]: «الكهل من الرمال: من زاد على ثلاثين سنة إلى الأربعينُ وقيل: هو من ثلاث وثلاثين إلى تمام الخمسين»، وفي «المحكم» [4/102]: أو أربعاً وثلاثين إلى إحدى وخمسين، قال الأزهري [«تهذيب اللغة» (6/19)]: «وإذا بلغ الخمسين، فإنه يقال له: كَهْلٌ ... وقال ابن الأعرابي: يقال للغلام: مراهقٌُ ثم محتلمٌُ ثم يقال: تخرَّج وجهُهُ، ثم أبقلت لحيتُهُ، ثم مجتمعٌ، ثم كَهْلٌ، وهو ابن ثلاثٍ وثلاثين سنة، قال الأزهري [6/19]: وقيل له: كَهْلٌ - حينئذ - لانتهاء شبابه وكما قوَّته». اهـ من «التاج».
(16) ... هذا يشير إلى الشارح المؤلف في تحديد مولد مسلم . وقد قال ابن خَلِّكَانَ:« لم أر أحدًا من الحفَّاظ يضبط مولدَهُ ولا تقدير عمره، وأجمعوا أنَّه وُلدَ بعد المائتين».اهـ . ... وقال ابنُ الصلاح: تاريخُ مولده ومقدارُ عمره كثيرًا ما تطلَّب الطُّلاَّب علمه، فلا يجدونه، وقد وجدته و -لله الحمد-، ثم نقَلَ عن الحاكم في كتاب «المزكِّين لرواة الأخبار»: أنَّ مسلمًا تُوُفِّي بنيسابور لخمسٍ بَقِينَ من شهر رجبٍ سنةَ إحدى وستِّين ومائتين، وهو ابنُ خمس وخمسين سنة، وهذا يتضمَّن أنَّ ولادته في سنة ستٍّ ومائتين .اهـ. ... وصنع نحوًا من ذلك: ابن خلكان، والنوويُّ في «شرح مسلم»، وهو الذي صرَّحَ به ابن الأثير في "جامع الأصول ». ... وهناك قول آخر حكاه المِزِّيُّ، والذهبيُّ في «السير» من غير جزم به، فقالا: «وقيل: ولد سنة أربع ومائتين» . وذكره ابن كثير جازمًا به، ولم يذكر غيره . وكذا جزم به العراقيُّ في «التقييد والإيضاح» . ... وقال الذهبيُّ في «العبر»: توفِّي وله سِتُّون سنة .اهـ، أي: فيكون مولده سنة (201هـ) . وقال في "تاريخ الإسلام": قال بعض الناس: وُلِدَ سنة (204هـ)، وما أظنُّه إلاَّ ولد قبل ذلك .اهـ . ... والأرجحُ: ما اختاره الشارح؛ لما ذكره الحاكم، وهو بَلَدِيُّهُ، والأقرب إليه زمنًا، والأعرف بأحواله، وقد لقي بعضَ ذريّته . ... انظر في ذلك:«الصيانة"(ص 62)، و"وَفيات الأعيان" (5/195)، و"جامع الأصول" (1/109)، "و«شرح النووي على مسلم»" (1/11)، "تهذيب الكمال" (27/507)،"السير"(12/558)، "البداية والنهاية" (11/35)، و"العبر" (2/29)، و"تاريخ الإسلام" (183)، و"التقييد والإيضاح" (14).
(17) ... في (ح): «أشراط».
(18) ... في (ح):« الإطالة ». ... وانظر هذا الخبر في: «تهذيب الكمال» (24/442)، و«السير» (10/96)، و«تهذيب التهذيب» (9/42)، و«تغليق التعليق» (5/420).
(19) ... في (أ) و(ح): «أبو الفرج الجوزي».
(20) ... في (غ) «صنف».
(21) ... قوله: «في» سقط من (أ).
(22) ... في (أ):« ستة ».
(23) ... انظر الخبر مسندًا إلى البخاري في "طبقات الحنابلة" (1/276 )، و"تاريخ بغداد" (2/14).
(24) ... في (ح) و(ط) و(غ): «هشام»، والمبثت من (أ)، وهو موافق لما في «السير» (12/404)، وغيره.
(25) ... قوله: «عدة» في (ح) و(ط): «عشرة»، وفي (غ): «غيره».
(26) ... في (ح):« وبين منبره ».
(27) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط) و(ع): «الحسن».
(28) ... قوله: «وقال الحسين بن محمد»: في (أ):« قال محمد بن الحسين »، والصواب ما أثبتُّته؛ كما في مصادر التخريج.(1/36)
سمعتُ مسلمَ بنَ الحَجَّاج يقولُ: صَنَّفْتُ هذا المسنَدَ الصحيحَ من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة (1) .
وقال (2) إبراهيم بن سفيان: قال لي مسلم (3) : ليس كلُّ .............................................
صحيحٍ (4) وضعتُ هنا، وإنما وضعتُ ما أجمعوا عليه (5) .
فهذه (6) نُصُوصُهُمَا على أنَّ شرطهما إنما هو الصحيحُ فقطْ (7) .
.............................................
وأما ما ادّعاه الحاكمُ عليهما مِنَ الشرط الذي قدَّمنا حكايته عنهما: فشيءٌ (8) لم يصحَّ نقله عنهما (9) ، ولا سَلَّمَ له النقَّادُ ذلك؛ بَلْ قد قال أبو علي الجَيَّاني لمَّا حَكَى عنه ما ادَّعاه من الشرط: ليس مراده به (10) أن يكون كلُّ خبر روياه يجتمع فيه راويان (11) عن صحابيِّه وتابعيِّه ومَنْ بعده (12) ؛ فإن ذلك يَعِزُّ وجوده، وإنما المراد: أن هذا الصحابيَّ وهذا التابعيَّ قد روى عنه رجلان خَرَجَ بهما عن حَدِّ الجهالة (13) .
.............................................
قلتُ: فقد بطَلَ ظاهرُ ما قاله الحاكمُ بما قاله أبو علي (14) ؛ فإنَّ حاصل ما قاله أبو علي: أنهما لم يُخَرِّجا عن مجهول من الرواة، على أنَّ أبا أحمدَ بنَ عَدِيٍّ ذكَرَ شيوخَ البخاري، وذكر منهم أقوامًا لم يَرْوِ عنهم إلا راوٍ واحدٌ، وسمَّاهم عينًا عينًا، وقال: لم يرو عنهم إلاَّ راوٍ واحدٌ وليسوا بمعروفين (15) ، ولولا (16) التطويل لنقلنا (17) عنه ما قاله (18) .
وعلى هذا: فشرطهما: أن يخرِّجا في كتابيهما ما صَحَّ عندهما وفي ظنونهما، ولا يلزم مِنْ =(1/98)=@ ذلك نفيُ المطاعن عن كُلِّ مَنْ تضمَّنه كتاباهما (19) ؛ فقد يظهَرُ لغيرهما من النُّقَّاد ما خفي عليهما (20) ، .............................................
ولكنَّ (21) هذا المعنى المشارَ إليه قليل نادرٌ لا اعتبارَ به لندوره (22) .
وقوله: «وبذلا جهدهما في تبرئتهما من كل علة:»، الجُهْد، بضمِّ الجيم:
الطاقةُ والوُسْع، وبفتحها: المَشَقَّة (23) ، ويعني بذلك: أنَّهما قد اجتهدا في تصحيح أحاديث كتابَيْهِمَا غايةَ الاجتهاد، غير أنَّ الإحاطةَ والكمالْ، لم يَكْمُلاَ إلاَّ لذي العظمة والجلالْ، فقد خَرَّجَ النقاد - كأبي الحسن الدَّارَقُطْنِيّ وأبي عليٍّ الجَيَّانيّ - عليهما في كتابيهما أحاديثَ ضعيفةً وأسانيدَ عليلهْ، لكنَّها نادرة قليلة، وليس فيهما حديث متّفق على تركه، ولا إسناد مجمَع على ضعفه، لكنّها ممَّا اختُلِفَ فيهْ، ولم يَلُحْ لواحدٍ (24) منهما في شيء منها (25) قدحٌ (26) فيخفيهْ، بل ذلك على حَسِبَ ما &(1/37)&$
__________
(1) ... انظر: «صيانة صحيح مسلم» (1/67)، و«غرر الفوائد» (1/329)، و«شرح النووي» (1/15)، و«السير» (16/289)، و«التقييد» (1/447).
(2) ... قوله:« وقال" مكانه بياض في (أ).
(3) ... الذي قال له مسلم هذا الكلام: هو أبو بكر ابن أخت أبي النَّضر، عندما اعترض عليه في عدم إخراجه حديث أبي هريرة : «وإذا قرأ فأنصتوا» في «صحيحه»، مع إقرار الإمام مسلم بأنه صحيح عنده، فقال له: «ليس كلُّ صحيح .... إلىخ»، وأما إبراهيم بن سفيان، فهو الناقل لهذه المحاروة عن أبي بكر. انظر: «صحيح مسلم» (1/304)، وانظر: كلام الشارح على آخر حديث من «باب التشهد في الصلاة» (ص 62).
(4) ... في (أ) و(ط) و(غ): الصحيح.
(5) ... انظر كلام مسلم في "صحيحه" كتاب الصلاة، باب التشهد (1/304)، وقد نقله الشارح في تلخيصه، انظر كتابنا هذا (ص 58)، وانظر تعليقنا على كلمة الإمام سلم هذه عند ذكر الشارح لها ثانيةً (ص 59).
(6) ... قوله: «فهذه» سقط من (غ).
(7) ... وهذا ظاهرٌ بالنسبة لصحيح مسلم مِنْ عنوان صحيحه " المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدْلِ عن العدل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - »، ثمَّ أوضحه في مقدِّمة صحيحه؛ حيثُ أبان منهجه في جمع أحاديثه، وأنَّ القصد منه إلى الصحيح القليل أولى من ازدياد السقيم، وأنّه يَعْمِدُ إلى جملة ما أسند من الأخبار، فيتوخَّى أن يقدِّم منها الأخبار التي هي أسلَمُ من العيوب من غيرها وأنقى: بأن يكون ناقلوها أهلَ استقامة في الحديث وإتقانٍ لما نقلوا، ثُمَّ يتبعها أخبارًا يَقَعُ في أسانيدها بعضُ مَنْ ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالذين قبلهم، إلاَّ أنَّ اسم السِّتْرِ والصدق يشملهم . أمَّا ما كان منها عن قومٍ هم عند أهلِ الحديث مُتَّهَمُونَ، فلا يتشاغلُ بتخريج حديثهم . ثُمَّ نصَّ على ذلك في «صحيحه»؛ حيث قال: ليس كلُّ شيء عندي صحيحٍ وضعتُهُ ههنا، إنما وضعتُ ههنا ما أجمعوا عليه. ... ولوضوح شرط مسلم - رحمه الله-، فإنَّ الحازميَّ عندما أراد أن يذكُرَ شرطه، لم يزدْ على أنْ قال: وأما شرط مسلم، فقد صرَّح به في كتابه .اهـ. (ص 69 ). ... وقال ابن الصلاح في "الصيانة" (ص72 ): شرطُ مسلم في صحيحه: أن يكون الحديث متصلَ الإسناد بنقل الثقة عن الثقة مِنْ أوله إلى منتهاه، سالمًا من الشذوذ ومن العلة، وهذا هو حَدُّ الحديث الصحيح في نفس الأمر .اهـ . وتبعه النووي في "شرح مسلم" (1/15)، وبنحو ذلك قال ابن طاهر في «شروط الأئمة الستة» (ص11). ... وقد توارد العلماءُ على اعتبار هذا الشرط في كتاب مسلم، ووفاء مسلم - رحمه الله - به؛ ولذا أطبقوا على تسميته بالصحيح . قال ابن الصلاح في "الصيانة" (ص67): هذا الكتاب ثاني كتاب صُنِّفَ في صحيح الحديث ووُسِمَ به، ووُضِعَ له خاصَّةً، سبَقَ البخاريُّ إلى ذلك، وصَلَّى مسلمٌ، ثم لم يلحقهما لاحقٌ، وكتاباهما أصحُّ ما صنَّفه المصنِّفون .اهـ . ... وانظر في بيان شرط مسلم أيضًا: "علوم الحديث" (ص288)، "التقييد والإيضاح" (ص12 )، و"النكت" لابن حجر (1/240، 279 )، و"السير" (12/574 )، و"المنهاج" (1/27)، و"تدريب الراوي" (1/124).
(8) ... في (غ): «شئ».
(9) ... انظر: (ص 18 وما بعدها).
(10) ... يعين: ليس مراد الحاكم بما ذكره من شرط «البخاري ومسلم».
(11) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «روايتان».
(12) ... في (أ) : «ومن بعدهم».
(13) ... انظر كلام الجَيَّانِيِّ في "الإكمال" (ص35 )، و"السير" (12/574 )، و"التدريب" (1/126)، وقد نقل عياضٌ كلام شيخه أبي عليٍّ الجيانيِّ وأقرَّه . ... قال أبو عبدالله المَوَّاق كما في "التدريب"(1/126):«ما حَمَل الغسانيُّ (وهو الجياني) عليه كلامَ الحاكم، وتبعه عليه عياضٌ وغيره - ليس بالبيِّن، ولا أعلَمُ أحدًا روَى عنهما أنَّهما صَرَّحا بذلك، ولا وجودَ له في كتابَيْهما، ولا خارجًا عنهما: فإن كان قائلُ ذلك عَرَفَهُ من مذهبهما بالتصفُّحِ لتصرُّفهما في كتابيهما، فلم يُصِبْ؛ لأنَّ الأمرَيْن معًا في كتابيهما، وإن كان أخَذَه من كون ذلك أكثريًّا في كتابيهما، فلا دليل فيه على كونهما اشترطاه».اهـ .
(14) ... كما أنه بَطَلَ ظاهر كلام أبي علي بما قاله ابن المَوَّاق وابن حجر، وقد سبق نقل كلامهما. انظر: كلام ابن حجر (ص 18، 19)، هامش رقم ( ).
(15) ... في (ط): «معروفين».
(16) ... في (ح):« فلولا ».
(17) ... في (غ): «لقلنا».
(18) ... انظر: «شيوخ البخاريّ» لابن عديّ (97/أ،ب و 100/ب ).
(19) ... في (غ): «كتابا».
(20) ... في النسخ عدا (أ): «عنهما».
(21) ... في النسخ عدا (أ): «لكن».
(22) ... في (أ) و - صلى الله عليه وسلم - : «لنذوره» بالذال المعمة.
(23) ... انظر الكلام حول الجُهُو والجَهْد، والخلاف في معنيهما في «الصحاح» (2/460)، و«اللسان» (3/133)، و«تاج العروس» (4/407).
(24) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «واحد».
(25) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «منهما».
(26) ... قوله:« قدح » سقط من (أ).(1/37)
غلَبَ على ظَنِّه، وحصل (1) في علمه، وأكثرُ (2) ذلك: فتمَّ لهُما المُرادُ، وانعَقَدَ الإجْماعُ على تَلْقِيبِهِما باسْم$ِ "الصَّحيحَيْن" أَوْ كادْ، فجَازاهُما الله عَنِ الإسلام$ِ أَفْضَلَ الجَزاءْ، وَوَفَّاهُما مِنْ أَجْرِ مَنِ انْتَفَعَ بِكِتابَيْهِما أَفْضَلَ الإجْزَاءْ .
ممّا أردفاه على إسناد صحيح قبله؛ زيادةً في الاستظهارْ، وتنبيهًا على الاشتهارْ، والله أعلم، وسيأتي التنبيه على بعض تلك الأحاديث، إن شاء الله تعالى.
وقوله:«فتمَّ لهما (3) المرادْ، وانعقَدَ الإجماعُ على تلقيبهما باسم الصحيحين (4) أو كادْ»: هذه «أو كاد» معطوفة على «تَمَّ .............................................
لهما (5) المراد»، وتحرَّزنا بها عن الأحاديثِ المُعلّلةِ المنتَقَدةِ عليهما؛ كما ذكرناه آنفاً .
وأمَّا انعقادُ الإجماعِ على تسميتهما بـ «الصحيحَيْن»: فلا شَكَّ فيه؛ بل قد صار ذِكْرُ "الصحيح" عَلَمًا لهما، وإنْ كان غيرهما بعدهما قد جمَعَ الصحيح (6) واشترَطَ (7) الصِّحَّةَ؛ كأبي بكرٍ الإسماعيليِّ الجُرْجَانيِّ =(1/99)=@ ،وأبي شيخ ابن حَيَّان (8) الأصبهانيِّ، وأبي بكرٍ البَرْقَانيّ، غَيْرَ أنه قد ظَهَرَ لكثيرٍ منْ أئمَّة النقْلِ، وَجَهَابِذَةِ النَّقْد: أنَّ لمسلمٍ ولكتابهِ من المَزِيَّهْ؛ ما يُوجِبُ لهما أَوْلَوِيَّهْ:
فَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو الفَضْل عِيَاضٌ الإِجْماعَ عَلَى إمامتِهِ وتقديمِهِ، وصِحَّةِ حديثِهِ، ومَيْزِهِ، وثقتِهِ، وقَبُولِ كِتَابِهِ (9) . وكان أَبُو زُرْعَةَ وأبُو حَاتِمٍ يُقَدِّمانِهِ في الحديثِ على مشايِخِ عَصْرِهِمَا (10) .
والحاكمِ أبي عبدالله، وإبراهيمَ بن حمزة، وأبي ذرٍّ الهَرَوِيِّ، وغيرهم، لكنِ الإمامان أَحْرَزَا (11) قَصَبَ السِّبَاقْ (12) ، ولُقِّبَ كتاباهما بالصحيحَيْن بالاتِّفاق؛ قال أبو عبدالله الحاكم: (13) أهلُ الحجازِ والعراقِ والشامِ يَشْهَدون لأهلِ خراسان بالتقدُّمِ في معرفةِ الحديث (14) ؛ لِسَبْقِ الإمامَيْنِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ (15) بْنُ عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ: « مَا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ أَصَحُّ مِنْ كِتَابِ مُسْلِمٍ» (16) .
وقَالَ أَبُو مَرْوانَ الطُّبْنيُّ (17) : «كان من شُيوخِي (18) من يفضِّل كتابَ مُسْلِمٍ عَلَى كِتَابِ البُخَارِيِّ».
البخاريِّ ومسلم إليه، وتفرُّدِهِمَا (19) بهذا النوع .
و «الجهابذة»: جمع جِهْبِذ (20) ، وهو: الحاذقُ بالعملِ، الماهرُ فيه (21) .
وَقَالَ مَسْلَمَةُ بْنُ قَاسِمٍ فِي"تَارِيخِهِ": «مُسْلِمٌ جَلِيْلُ الْقَدْرِ، ثِقَةٌ، مِنْ أَئِمَّةِ الْمُحَدِّثِيْنَ»، وَذَكَرَ كِتَابَهُ فِي الصَّحِيحِ، فقَالَ: «لَمْ يَضَعْ أَحَدٌ مِثْلَهُ» (22) .
وَقَالَ أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ: «سَمِعْتُ مُسْلِمًا يَقُولُ: مَا وَضَعْتُ شَيئًا فِي هَذَا المُسْنَدِ إِلاَّ بِحُجَّةٍ، وَمَا أَسْقَطْتُ شَيْئًا مِنْهُ إِلاَّ بِحُجَّةٍ» (23) .
وَقَالَ ابْنُ سُفْيَانَ:«قَالَ مُسْلِمٌ: لَيْسَ كُلُّ صَحِيْحٍ وَضَعْتُ هُنَا، إِنَّمَا وَضَعْتُ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ» .
وقول مسلم: ليس كلُّ صحيح (24) وضعتُ هنا، إنَّمَا وضعتُ ما أجْمَعُوا عليه (25) ، يعني به - والله أعلم -: مَنْ لقيه مِنْ أهل النقد وَقَالَ مُسْلِمٌ: «لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيْثِ يَكْتُبُوْنَ الْحَدِيْثَ مِائَتَيْ سَنَةٍ، فَمَدَارُهُمْ عَلَى هَذَا الْمُسْنَدِ،، وَلَقَدْ عَرَضْتُ كِتَابِيْ هذَا عَلَى أَبِيْ زُرْعَةَ الرَّازِيِّ؛ فَكُلَّ مَا أَشَارَ إِلَيَّ أَنَّ لَهُ عِلَّةً، تَرَكْتُهُ، وَمَا قَالَ: هُوَ صَحِيْحٌ لَيْسَ لَهُ عِلَّةٌ أَخْرَجَتْهُ» (26) .
هَذَا مَعَ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ أَحْسَنُ الأَحَادِيْثِ مَسَاقًا، وَأَكْمَلُ سِيَاقًا، وَأَقَلّن تَكْرَارًا، وَأَتْقَنُ اعْتِبَارًا، وَأَيْسَرُ لِلْحِفْظِ، وَأَسْرَعُ لِلضّغبْطِ، مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ صَدْرًا مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثْ، وَمَيَّزَ طبَقَاتِ الْمُحَدِّثِيْنَ فِي الْقَدِيْمِ وَالْحَدِيثْ .
والعلم بالحديث (27) . =(1/100)=@
وقوله:«وَمَيَّزَ طبَقَاتِ الْمُحَدِّثِيْنَ فِي الْقَدِيْمِ وَالْحَدِيثْ»: يعني بالقديم: مَنْ تقدّم زمان مسلم، وبالحديث: زمانَ مَنْ أدركه .
وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْكِتَابُ بِهَذِهِ الصِّفَهْ، وَمُصَنِّفُهُ بِهَذِهِ الْحَالَهْ - ابْتُغِيَ أَنْ يَخُصَّ بِفَضْلِ عِنَايَهْ؛ مِنْ تَصْحِيْحٍ وَضَبْطٍ وَرِوَايَهْ؛ وَحِفْظٍ وَتَفَقُّهٍ وَدِرَايَهْ.
إِذِ الاعْتِنَاءُ بِحَدِيْثِ رَسُوْلِ الله - صلى الله عليه وسلم - يُشَرِّفُ الأَقْدَار؛ وَيُنْهِضُ الْحُجَّةَ وَيُسَدِّدُ الاعْتِبَارْ؛ وَيُنَقِّحُ الْبَصَائِرَ، وَيَفْتَحُ الأَْبْصَارْ؛ وَيُمَيِّزُ عَنِ الْجَهْلَةِ، ويُلْحِقُ بِالأَْئِمَّةِ الأَْبْرَارْ، وَيُدْخِلُ الْجَنَّةَ وَيُنْجِي مِنَ النَّارْ.
وهذا إشارةٌ إلى قول مسلم في &(1/38)&$
__________
(1) ... في (أ):« ودخل ».
(2) ... في - صلى الله عليه وسلم - : «وأكبر من».
(3) ... في (ح): «له».
(4) ... قال أبو إسحاق الإسفراييني - كما في "النكت" (1/377) -: أهلُ الصنعة مُجْمِعون على أنَّ الأخبار التي اشتمَلَ عليها الصحيحان مقطوعٌ بها عن صاحب الشرع، وإنْ حصل الخلافُ في بعضها، فذلك خلافٌ في طرقها ورواتها . ... وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى" (18/74):« ما تحت أديم السماء كتابٌ أصحُّ من البخاري ومسلم بعد القرآن ».اهـ . ... وقال - أيضًا - في "الفتاوى" (1/257):« جمهورُ متونِ الصحيحَيْنِ متَّفَقٌ عليها بين أئمَّة الحديث، تَلَقَّوْهَا بالقبول وأجمعوا عليها، وهم يعلمون علمًا قطعيًّا أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالها ». ... وقال ابن الصلاح في "الصيانة" (ص 85 ):« جميع ما حكَمَ مسلمٌ بصحَّته من هذا الكتاب، فهو مقطوعٌ بصحَّته، والعلمُ النظريُّ حاصلٌ بصحَّته في نفس الأمر، وهكذا ما حكم البخاريُّ بصحَّته في كتابه؛ وذلك لأَنَّ الأُمَّة تلقَّتْ ذلك بالقبولِ سوى مَنْ لا يُعتدُّ بخلافه».اهـ. ... ثم ساق بإسناده إلى إمام الحرمَيْن مقالته المشهورة: أنه لو حَلَفَ إنسانٌ بطلاق امرأته أنَّ ما في البخاري ومسلم مما حكما بصحته مِنْ قوله - صلى الله عليه وسلم - ، لما ألزمتُهُ الطلاق ولا حنَّثته؛ لإجماعِ علماء المسلمين على صحَّتهما . ... وقد تعقَّب العز بن عبد السلام، وكذا النووي في "شرح مسلم" (1/19) ابنَ الصلاح في ذلك، واختارا أنه يفيد الظنَّ ما لم يتواترْ، ونسبه النووي إلى الأكثرين والمحقِّقين . ... لكنْ تعقَّبه البُلْقِيني في «محاسن الاصطلاح» (ص 101)؛ فقال: هذا ممنوع؛ فقد نقل بعضُ الحفاظ المتأخِّرين عن جمع من الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة: أنهم يقطعون بصحة الحديث إذا تلقَّته الأمة بالقبول .اهـ. ... ولشيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى" (13/351) كلامٌ طويل جمع فيه حشدًا ضخمًا من أقوال العلماء في تأييد ذلك، وكأنَّه الذي عناه البلقينيُّ بقوله: «بعض الحُفَّاظ المتأخِّرين»، وقد نقل كلامَ شيخِ الإسلام بطوله الحافظُ في "النكت" (1/374)، - وبسط رحمه الله - القول أيضًا في تأييد ما ذهب إليه ابنُ الصلاح وردِّ الرَّدِّ عليه . ... وانظر:"الإحكام" لابن حزم (1/119)، و"الباعث الحثيث" (ص 35)، و"الصواعق المرسلة" (2/481)، و"فتح المغيث" للسخاوي (1/58)، و"توضيح الأفكار" (1/123).
(5) ... قوله: «لهما» ليس في (غ).
(6) ... في (ح):« الصحيحن ».
(7) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «واشتراط».
(8) ... في (ح): «حبان» وفي - صلى الله عليه وسلم - و(ط) : «جيان»، وهو المعروف بأبي الشيخ: عبدالله بن محمد بن جعفر بن حَيَّان الأصفهاني، ولعل المصنف نكّره خلطاً بينه وبين وآخرين يكنون بأبي شيخ . انظر مقدمة محققكتبا العظمة (ص 50).
(9) ... انظر: «إكمال المعلم» (1/96 سقط).
(10) ... نقل هذا القاضي عياض من مقدمة إكماله من كلام الخطيب البغدادي، ونقله الحافظ أبو عليٍّ الغسَّاني في «تقييد المهمل» نقلاً عن الخطيب البغدادي لكن بإسناده إلى أحمد بن سلمة. انظر: «تاريخ بغاداد» (13/101)، و«صيانة صحيح مسلم» (ص 61)، و«تقييد المهمل» (1/53)، و«إكمال المعلم» (1/96-97 ط شواط).
(11) ... في (ح): «أحرز»، وفي (غ): «أحرزوا».
(12) ... في (أ): «السبق».
(13) ... في كتابه «المدخل إلى كتاب الإكليل» (ص 32).
(14) ... قوله: «الحديث» كذا في جميع النسخ، وفي «المدخل»: «الصحيح»، وهو الصواب الذي يدلُّ عليه السياق.
(15) ... في جميع نسخ «التلخيص» ومطبوعته: «الحسن» ، والصواب ما أثبته، وأبوعلي الحُسَيْن بن علي بن يزيد الحافظ، كان واحد عصره في الحفظ والإتقان والورع، مقدَّماً في مذاكرة الأئمة، كثير التصنيف. انظر: «تاريخ بغداد» )8/71)، و«طبقات الشافعية» (3/276).
(16) ... انظر: الخبر مسنداً في «تاريخ بغداد» (13/101)، و«تذكرة الحفاظ» (3/904)، و«تقييد المهمل» (1/54) قال ابن خزيمة مثل ذلك في «البخاري»؛ كما في «تذكرة الحفاظ» (2/556)، و«السير» (12/431)، و«تهذيب التهذيب» (9/45)، وتاريخ دمشق (52/65)، و«تغليق التعليق» (5/411).
(17) ... هو الشيخ المحدّث عبدالملك بن زيادة الله القرطبي، أبو مروان الطُّبْنِيُّ، وتتصحّف عند البعض إلى «الطيبيّ»، وهو خطأ، لأنه من طُبْنة، بضم الطاء، وسكون الباء، على المشهورة، وقيل: بضم الطاء، وتشديد الباء مضمومةً، وهي بلدة بالمغرب ينسب إليها جماعة، والمترجم شيخ أبي عليٍّ الغساني، وابو علي شيخ القاضي عياض. انظر: «الصلة» لابن بشكوال (2/360)، و«معجم البلدان» (4/21)، و«توضيح الإنكار» (1/45)، و«فتح المغيث» (1/27).
(18) ... يعني به أبا محمود بن حزم، كما في «مقدمة فتح الباري» (1/13).
(19) ... في (أ): «ويقر لهما».
(20) ... في (أ) و(غ) «جهبيذ».
(21) ... انظر: «تاج العروس» (5/358)، وفيه: يقال: جهْبِذ، وجهْباذ، وهو معرَّب.
(22) ... ورد قول مسلمة بن قاسم في «تدريب الراوي» (1/95)، و«تقييد المهمل» (1/67)، «مقدمة فتح الباري» (1/13)، و«فتح المغيث» (1/27). ... وانظر: الجواب عن كلمة أبي عليٍّ النيسابوري، وكلمة أبي مروان الطبني، وكلمة مسلمة بن قاسم، وما هو المراد بها في «صيانة صحيح مسلم» (ص 69)، و«النكت» لابن حجر (1/284)، و«مقدمة الفتح» (ص 12-13)، و«فتح المغيث» (1/29)، و«توضيح الأفكار» (1/45-49)، و«تدريب الراوي» (1/95).
(23) ... انظر: «صيانة صحيح مسلم» (ص 68)، و«تقييد المهمل» (1/66)، و«سير اعلام النبلاء» (12/580).
(24) ... في (أ) و(غ): «الصحيح»، والمثبت من (ح)، وصحيح مسلم.
(25) ... قال ابن الصلاح في"الصيانة" (ص 74 ):« وهذا مشكل جِدًّا؛ فإنَّه قد وَضَعَ فيه أحاديثَ قد اختلفوا في صحّتها؛ لكونها من حديث مَنْ ذكرناه ومَنْ لم نذكُرْهُ ممن اختلفوا في صحَّة حديثه، ولم يُجْمِعُوا عليه . وقد أجبْتُ عنه بجوابين: ... أحدهما: ما ذكرتُهُ في كتاب «معرفة علوم الحديث» [ص 15]، وهو أنَّه أراد أنَّه لم يضعْ في كتابه إلاَّ الأحاديثَ التي وُجدَ عنده فيها شرائطُ المجمع عليه، وإن لم يظهَر اجتماعُهَا في بعضها عند بعضهم . ... والثاني:أنَّه أراد أنَّه ما وَضَعَ فيه ما اختلَفَ الثقاتُ فيه في نفس الحديث، متنًا أو إسنادًا، ولم يُرِدْ ما كان اختلافُهُمْ إنَّمَا هو في توثيقِ بعض رواته، وهذا هو الظاهرُ من كلامه».اهـ. ... وقال البُلْقِيْنِيُّ في "محاسن الاصطلاح" (ص 94):« أراد مسلمٌ إجماع أربعة: أحمد بن حنبل، وابن معين، وعثمان بن أبي شيبة، وسعيد بن منصور ». اهـ . ... وكلام البلقينيِّ قريبٌ ممَّا قرَّره الشارع هنا . وانظر:"التدريب" (1/98)، و«شرح النوويّ على مسلم» (1/15)، و«علوم الحديث» لابن الصلاح (ص15)
(26) ... انظر: «الصيانة» (ص 67، 100)، و«شرح مسلم» للنووي (1/51)، و«تقييد المهمل» (1/67)، و«سير أعلام النبلاء» (12/568).
(27) ... في (ح): «بالحديث، والله أعلم».(1/38)
صدر كتابه: أنَّه يعمَدُ إلى جملةِ ما أُسنِدَ من الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَيَقْسِمُهَا على ثلاثة أقسام، وثلاثِ (1) طبقات، قال: أمَّا القسمُ الأوَّلُ، فإنَّا نتوخَّى أن نقدِّمَ الأخبارَ التي هي أسلَمُ من العيوب من غيرها وأنقَى؛ مِنْ أن يكونَ ناقلوها أهلَ استقامة في الحديث، وإتقان (2) لما نقلوا، لم يوجدْ (3) في روايتهم اختلافٌ شديد، ولا تخليطٌ متفاحش (4) . =(1/101)=@
فإذا (5) نحن تقصَّيْنَا (6) أخبارَ هذا الصِّنْفِ، أتبعناها (7) أخبارًا في .............................................
أسانيدها (8) بعضُ مَنْ &(1/39)&$
__________
(1) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «وثلاثة».
(2) ... من قوله: «من غيرها» إلى هنا: سقط من النسخ، واستكملناه من مقدمة «صحيح مسلم» (ص 5 ).
(3) ... في (ح):« لم توجد ».
(4) ... في «مقدمة مسلم»: «فاحسن».
(5) ... في (أ) و(ح) و(غ): «وإذا »، وهو موافق لما في «مقدمة مسلم».
(6) ... هذا شروع من الإمام مسلم للكلام على القسم الثاني.
(7) ... في (أ):« أتبعناهما ».
(8) ... قوله: «أسانيدها» من (أ) فقط، وهو موافق لما في «مقدمة مسلم»، وفي البقية: «إسنادها».(1/39)
ليس بالموصوفِ بالحِفْظِ والإتقانِ كالضَّرْبِ المتقدِّم، على أنّهم - وإنْ كانوا فيما وصفنا دونهم - فإنَّ اسم السَّتْرِ وتعاطي العلمِ والصِّدْقِ يشملهم؛ كعطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، ولَيْث بن أبي سُلَيْم، فهم - وإن كانوا بما وصفنا من العلم والسَّتْرِ عند أهل العلم معروفين (1) فغيرُهُم من أقرانهم مِمَّن عندهم (2) ما ذكرنا من الإتقان والاستقامة في الرواية، يَفْضُلُونَهُم في المنزلة والحال؛ ألا ترى أنّك إذا وازنتَ هؤلاءِ الثلاثةَ، عطاءً، ويزيدَ (3) ، وليثًا، بمنصور بن المُعْتَمِرِ وسليمانَ &(1/40)&$
__________
(1) ... من قوله:«فهم وإن كانوا..."إلى هنا، سقط من جميع النسخ، والمثبت من «مقدمة صحيح مسلم» (ص 6).
(2) ... في (أ):« عدهم ».
(3) ... في (ح): «ويزيداً».(1/40)
الأعمشِ، وإسماعيلَ ابن أبي خالد (1) ، وجدتَّهم مباينين لهم (2) لا يدانونهم، لا شَكَّ عند العلماء في ذلك . وذكر كلامًا في معناه (3) .
إلى أن قال:«فأما ما كان منها (4) عن قومٍ هم عند أهل الحديث .............................................
مُتَّهَمُونَ أو عند الأكثر: (5) ، فلسنا نتشاغَلُ بتخريج حديثهم؛ كعبدالله بن مِسوَرٍ (6) أبي جعفرٍ المدائنيِّ، وعمرو بن خالد، وعبدالقُدُّوس الشامي، ومحمدِ بنِ سعِيدٍ المَصْلُوب، وغِيَاثِ ابن إبراهيم وسليمان بن عَمْرو أبي (7) داودَ النَّخَعِيِّ وأشباهِهِمْ ممن اتُّهمَ بوضع الأحاديث (8) ، وتوليد الأخبار،، وكذلك مَنِ الغالبُ على حديثه المنكَرُ أو الغلطُ،أمسكنا عنهم» (9) . &(1/41)&$
__________
(1) ... بعده في «مقدمة الصحيح»: «في إتقان الحديث والاستقامة فيه».
(2) ... قوله: «لهم»: في (ح): «لهم في المنزلة».
(3) ... في (أ):« معناها ».
(4) ... قوله: «منها»: في - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «منهما».
(5) ... هذا شروع من الإمام مسلم للكلام على القسم الثالث.
(6) ... قوله: «مسور» في (أ): مسور بن»، وهو خطأ.
(7) ... في (ح) و(غ): «وأبي»، وهذا تحريف، وفي «شرح النووي على مسلم» (1/56): «و «أبي داود» كنيةُ سليمان هذا». اهـ.
(8) ... في (ح): «الحديث».
(9) ... انظر: «مقدِّمة صحيح مسلم» (1/5-7).(1/41)
قلت: وظاهرُ هذا أن مسلمًا أدخَلَ (1) في كتابه الطبقتين المتقدِّمتين الأولى والثانية، غير أنَّ أبا عبد الله الحاكم قال: إنَّ مسلمًا لم (2) يُدْخِلْ في كتابه إلا أحاديث (3) الطبقة الأولى فقط (4) ، وأما الثانية والثالثة: فكان قد عزَمَ على أن يخرِّج حديثهما، فلم يُقَدَّرْ .............................................
له إلا الفراغُ من الطبقة الأولى، واخترمته المنية (5) .
قلت: ومَسَاقُ كلامِهِ لا يقبَلُ ما قاله الحاكم (6) ؛ فتأمَّله . =(1/102)=@
وَقَدْ أَعَانَ الْكَرِيمُ الْوَهَّابُ عَلَى الاعْتِنَاءِ بِهَذَا الْكِتَابْ، فَتَلَقَّيْتُهُ رِوَايَةً وَتَقْيِيدًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَعْلاَمِ الْعُلَمَاءْ؛ وثَافَنْتُ فِي التَّفَقُّهِ فِيهِ بَعْضَ سَادَاتِ الْفُقَهَاءْ؛ فَمِمَّنْ رَوَيْتُهُ عَنْهُ:
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْقَاضِي الْمُحَدِّثُ الثِّقَةُ الثَّبْتُ، أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ ابْنُ الشَّيْخِ الزّْاهِدِ الْفَاضِلِ، الْمُحَدِّثِ الْمُفِيدِ (7) ، أَبِي عَبْدِالله مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَفْصٍ الْيَحْصِبِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِقُرْطُبَةَ، وَهُوَ يُمْسِكُ أَصْلَهُ نَحْوَ الْمَرَّتَيْنِ، فِي مُدَّةٍ آخِرُهَا شَعْبَانُ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتُّمَائَةٍ.
وقولُنَا (8) :«وثَافَنْتُ فِي التَّفَقُّهِ فِيهِ بَعْضَ سَادَاتِ الْفُقَهَاءْ (9) »، أي: جالستُ، وأصله من الثَّفِنَات، وهو ما يتأثَّر (10) من الرِّجْلَيْن والرُّكْبتين وَالشَّيْخُ الْفَقِيْهُ القَاضِي الأَْعْدَلُ، الْعَلَمُ الأَْعْلَمُ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُالله بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ بْنِ حَوْطِ الله، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَسَمَاعًا لِكَثِيرٍ مِنْهُ،وَإِجَازَةً لِسَائِرِهِ،وَذَلِكَ بِقُرْطُبَةَ فِي مُدَّةٍ آخِرُهَا مَا تَقَدَّمَ:
قَالاَ جَمِيعًا: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحَافِظُ، أَبُو الْقَاسِمِ خَلَفُ بْنُ عَبْدِالْمَلِكِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ بَشْكُوَالَ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، عَنْ أَبِي بَحْرٍ سُفْيَانَ بْنِ الْعَاصِي، سَمَاعًا لِجَميعِهِ إِلاَّ وَرَقَاتٍ مِنْ آخِرِهِ أَجَازَهَا لَهُ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْعُذْرِيِّ، قِرَاءَةً غَيْرَ مَرَّةٍ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ بُنْدَارَ الرَّازِيِّ، سَمَاعًا بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ ابْنُ عَمْرُوَيْه الْجُلُودِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُمُ الله.
واليدين من تكرار الجلوس والعمل؛ يقال: ثَفِنَتِ اليدُ ثَفَنًا: غَلُظَتْ من العمل، وواحدُ (11)
الثفنات: ثَفِنَة، وأصلها: ما يقعُ من البعير على الأرض، ويَغْلُظُ عند الاستناخة (12) . =(1/103)=@
وَقَدْ رُوِّيتُهُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الثِّقَاتِ الأَْعْلاَمِ، قِرَاءَةً وَإِجَازَةً بِمِصْرَ وَغَيْرِهَا، عَنِ الشَّيْخِ الشَّرِيفِ أَبِي الْمَفَاخِرِ سَعِيدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمَأْمُونِيِّ الْهَاشِمِيِّ سَمَاعًا، عَنِ الشَّيْخِ الإِمَامِ أَبِي عَبْدِالله مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّاعِدِيِّ الْفَرَاوِيِّ، سَمَاعًا، عَنِ الشَّيْخِ أَبِي الْحُسَيْنِ عَبْدِالْغَافِرِ الْفَارِسِيِّ، سَمَاعًا، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ؛ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَدْ رُوِّيتُهُ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَهْ؛ بِأَسَانِيدَ عَدِيدَهْ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَهْ،
وَالله الْمُوَفِّقُ لِلْهِدَايَهْ .
وَلَمَّا تَقَاصَرَتِ الْهِمَمُ فِي هَذَا الزَّمَانِ عَنْ بُلُوغِ الْغَايَاتْ ؛ مِنْ حِفْظِ جَمِيعِ هَذَا الْكِتَابِ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الأَْسَانِيدِ وَالرِّوَايَاتْ، أَشَارَ مَنْ إِشَارَتُهُ غُنْمْ؛ وَطَاعَتُهُ حَتْمْ إِلَى تَقْرِيبِهِ عَلَى الْمُتَحَفِّظْ؛ وَتَيْسِيرِهِ عَلَى الْمُتَفَقِّهْ؛ بِأَنْ تُخْتَصَرَ أَسَانِيدُهُ، وَيُحْذَفَ تَكْرَارُهْ، وَيُنَبَّهْ عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ أَحَادِيثُهُ بِتَرَاجِمَ تُسْفِرُ عَنْ مَعْنَاهَا، وَتَدُلُّ الطَّالِبَ عَلَى مَوْضِعِهَا وَفَحْوَاهَا.
وقولنا: «وَقَدْ رُوِّيتُهُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الثِّقَاتِ الأَْعْلاَمِ، قِرَاءَةً وَإِجَازَةً» أعني بذلك: أنِّي (13) قرأته كلَّه على الشيخِ الفقيهِ (14) الزاهِدِ الفاضلِ، تَقِيِّ الدين أبي إبراهيمَ عَوَضِ بنِ محمود، بمصر.
فَاسْتَعَنْتُ بِالله تَعَالَى، وَبَادَرْتُ إِلَى مُقْتَضَى الإِْشَارَةهْ؛ بَعْدَ أَنْ قَدَّمْتُ فِي ذَلِكَ دُعَاءَ النَّفْعِ بِهِ وَالاْسْتِخَارَهْ، فَاقْتَصَرْتُ مِنَ الإِسْنَادِ عَلَى ذِكْرِ الصَّاحِبِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَة إِلى ذِكْرِ غَيْرِهِ فَأَذْكُرُهُ لِزِيَادَةِ فَائِدَهْ؛ وَحُصُولِ عَائِدَهْ، وَمِنْ تَكْرَارِ الْمُتُونِ عَلَى أَكْمِلِهَا مَسَاقًا، وَأَحْسَنِهَا سِيَاقًا، مُلْحِقًا بِهِ مَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الزَّوَائِدِ؛ مُحَافِظًا إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى عَلَى أَلاّ أُغْفِلَ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ مُهِمَّاتٍ الْفَوَائِدِ؛ فَإِذَا قُلْتُ:«عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ»- مَثَلاً، وَأَفْرُغُ مِنْ مَسَاقِ مَتْنِهِ، وَقُلْتُ:«وَفِي رِوَايَةَ»؛ فَأَعْنِي: أَنَّهُ عَنُ ذَلِكَ الصَّاحِبِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الطَّرِيق. وَرُبَّمَا قَدّمْتُ بَعْضَ الأَحَادِيثِ وَأَخَّرَتْ حَسْبَمَا إِلَيْهِ اضْطُرِرْتْ؛ حِرْصًا عَلَى ضَمِّ الشَّيْءِ لِمُشَاكِلِهِ؛ وَتَقْرِيبًا لَهُ عَلَى مُتَنَاوِلِهْ . وَقَدِ اجْتَهَدْتُ؛ فِيمَا رَوَيْتُ وَرَأَيْتُ؛، وَوَجْهَ الله الْكَرِيمِ قَصَدتُّ، وَهُوَ الْمَسْؤُولُ؛ فِي أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ وَكُلَّ مَنِ اشْتَغَلَ بِهِ وَيُبَلِّغَنَا الْمَأْمُولْ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينْ؛ الْهُدَاةِ الْمُهْتَدِينْ، وَهُوَ الْمُسْتَعَانْ، وَعَلَيْهِ التُّكُلاَنْ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلْ .
وممن أجازه لي: الشيخُ الفقيهُ المحدِّث، الزاهدُ التَّلاَّءُ للقرآن، أبو الحسن (15) مرتضَى بنُ العفيفِ المُقْرئُ، لَقِيتُهُ بِقَرَافة مصر، وسمعتُ عليه، وقرأتُ عليه، وأجازني (16) جميعَ رواياته.
.............................................
ومنهم: القاضي فخرُ القضاةِ أبو الفضلِ بنُ الجَبَّابِ (17) ، وأجازه لي.
وكلُّهم يحدِّث به عن الشيخ أبي المفاخر المأمونيِّ بالسند المذكور في أصل "التلخيص" (18) . =(1/104)=@ &(1/42)&$
__________
(1) ... في - صلى الله عليه وسلم - و)(ط): «دخل».
(2) ... قوله: «لم» سقط من - صلى الله عليه وسلم - .
(3) ... قوله: «أحاديث» ليس في (غ).
(4) ... قوله: «فقط» سقط من (ح).
(5) ... انظرْ كلامَ الحاكمِ هذا في "المدخل للإكليل" (ص 87 )، وقد سبَقَ أنْ نقَلَ الشارح هذا عن الحافظ أبي علي الغَسَّاني. انظر: (ص 28).
(6) ... ذهب الحاكم، وتلميذه البيهقيّ، وكذا الجَيَّانيّ، وابن عساكر في «الأطراف»، والسخاويُّ - علىتفصيل بينهم -: إلى أنَّ مسلمًا إنَّما أخرَجَ أحاديثَ الطبقة الأولى، ثمَّ اخترمته المنيَّة، فلم يستوف غرضَهُ من تخريج أحاديثِ مَنْ بعدها . قال القاضي عياض في «الإكمال»: وهذا الذي تأوَّله الحاكم ممَّا قَبِلَهُ الشيوخ، وتابعه عليه الناس. اهـ. مختصرًا . انظر:«الإكمال» (ص 41 ) "غنية المحتاج" (ص 94). ... وقد تعقَّب القاضي كلامَ الحاكمِ هذا، فقال: وأنا أقول: إنَّ هذا غيرُ مسلَّم لمن حقَّق نظره، ولم يتقيَّد بتقليد ما سمعه»، ثمَّ رجَّح أنّ مسلمًا أتى بحديث الطبقة الأولى وجعلها أصولاً، ثُمَّ أتبعها بأحاديثِ الطبقة الثانية على سبيل المتابعة والاستشهاد. "الإكمال" (ص 41)، وهو الذي استظهره الشارح هنا، ومال إليه ابنُ الصَّلاَح في "الصيانة" (ص 92)، ورجّحه النوويُّ في "شرح مسلم" (1/24 )، وابن سيِّد الناس في "النفح الشذي «(1/208)، والحافظ ابن حَجَر في "النكت" (1/434)، والسنوسيّ في "مكمل إكمال الإكمال" (1/9)، والسيوطيُّ في "الديباج" (ص 20). ... وقد جَلَّى الحافظ في "النكت" (1/434) هذه المسألة بغاية الإبانة، فقال: «الروايةُ عن أهل القسم الثاني موجودةٌ في صحيحه؛ لكنَّ فرض المسألة: هل احتجَّ بهم كما احتَجَّ بأهل القسم الأوّل أم لا ؟ والحقُّ: أنَّهُ لم يخرِّجْ شيئًا ممّا انفردَ به الواحدُ منهم، وإنَّما احتجَّ بأهل القسم الأوّل، سواءٌ تفرَّدوا أم لا، ويخرِّجُ من أحاديثِ أهلِ القسم الثاني ما يرفَعُ به التفرُّدَ عن أحاديث أهل القسم الأوَّل . وكذلك: إذا كان لأحاديثِ أهلِ القسم الثاني طرقٌ كثيرةٌ يَعْضُدُ بعضها بعضًاُ فإنَّه قد يخرِّج ذلك، وهذا ظاهر بيِّنٌ في كتابه . ولو كان يخرِّج جميعَ أحاديث أهل القسم الثاني في الأصول، بل وفي المتابعات، لكان كتابه أضعاف ما هو عليه؛ ألا تراه أخرَجَ لعطاء بن السائب في المتابعات، وهو من المُكْثِرين، ومع ذلك فما له عنده سوى مواضعَ يسيرةٍ. وكذا محمد بن إسحاق، وهو من بحور الحديث، وليس له عنده في المتابعات إلا سِتَّةٌ أو سبعة. ولم يخرِّجْ لليث بن أبي سُلَيْمٍ، ولا ليزيد بن أبي زياد، ولا لمجالد بن سعيد إلاَّ مقرونًا». اهـ. ... على أنَّه يبعُدُ أن يقالَ عن كتاب مسلم الذي عَلِمْنا أنَّهُ فَرَغَ من إقرائه قبل وفاته بأربع سنين، وربَّما كان فرَغَ من تأليفه قبل ذلك بسنتَيْنِ، وقد ظَلَّ خمسَ عَشْرَةَ سنةً في تصنيفه، يَبْعُدُ أن يقال فيه: إنَّ المنيَّة اخترمته قبل أن يُكْمله . ... ثمّ انظر بَعْدُ بسطًا علميًّا محرَّرًا لهذه المسألة في تعليقات الشيخ العلاّمة أحمد معبد على "النفح الشذي" (1/208)، أمدَّه الله بعونه، ويسَّر له إتمامه .
(7) ... في جميع نسخ التلخيص التي لدينا والمطبوعة «المقيَّد» بالقاف، والصواب ما أثبتُّهُ، على ما هو معروف عند أهل الحديث.
(8) ... في (أ) و(ح): «وقوله».
(9) ... في (غ): «فقهاء».
(10) ... في (أ): «تساتر»، وفي - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «نتأثر».
(11) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط) و(غ): «واحدة».
(12) ... «الصحاح» (5/2088)، وانظر: «اللسان» (13/79)، و«تاج العروس» (18/95).
(13) ... من هنا بداية المقابلة من نسخة (ب).
(14) ... قوله: «الفقيه» سقط من (ب) و - صلى الله عليه وسلم - و(ط) و(غ).
(15) ... في (ح) : «أبو الحسين»، وهو تصحيف.
(16) ... قوله: «وأجازني» في (ح) : «وأجاز لي».
(17) ... في (ح) «الحباب» وفي (غ): «الحبان»، وكلها تصحيف.
(18) ... يعني به السند الذي في صحيح مسلم، وهو:(1/42)
بَابُ وُجُوبِ الأخْذِ عَنِ الثِّقَاتِوالتَّحْذيرِ مِنَ الكَذِبِ عَلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ الله عزَّ وَجلَّ :{يَاأَيُّهَا...} (1) الآية، وقال:{وَأَشْهِدُوا...} (2) ، وقال: {مِمَنْ...} (3) .
ومِنْ بابِ وجوبِ الأَخْذِ عن الثقاتِ،والتحذيرِ من الكذبِ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -
الكَذِبُ لغةً: هو الخَبَرُ عن الشيء على خلافِ ما هو به (4) ، غير أنَّ المحرَّم شرعًا ، المستقبَحَ عادةً: هو العمدُ المقصود، إلا ما استُثْنِيَ؛ على ما يأتي (5) .
.............................................
ويقال: كَذَبَ، بمعنى: أخطأ (6) .
.............................................
وأصلُ الكذبِ في الماضي والخُلْفُ في المستقبل؛ قاله ابنُ قُتَيْبَة (7) ؛ وقد جاء الكذب في المستقبل؛ قال الله تعالى:{...ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} (8) .
.............................................
ويقال: كَذَبَ الرجلُ، بفتح العين، يَكْذِبُ، بكسرها، كِذْبًا، بكسر الكاف وسكون الذال، وكَذِبًا، بفتح الكاف وكسر الذال،، فأمَّا كِذَّابًا المشدَّدُ الذال، فأحدُ مصادر كَذَّبَ، بالتشديد.
قوله تعالى: {...إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (9) :
الفاسقُ في أصل اللغة: هو الخارجُ مطلقًا، والفِسْقُ والفُسُوق: الخروجُ، ومنه (10) : فَسَقَت الرُّطَبَةُ: إذا خرجَتْ مِنْ قِشْرها الأعلى، ومنه سُمِّيَتِ الفأرة: فُوَيْسِقةً؛ لأنها تخرُجُ من جحرها للفساد (11) .
وهو في الشرع: خروجٌ مذمومٌ بحسب المخروج منه، فإنْ كان =(1/107)=@ .............................................
إيمانًا، فذلك الفسق كُفْرٌ (12) ، وإن كان غَيْرَ إيمان (13) ، فذلك الفِسْقُ (14) معصية (15) .
.............................................
وقرئ في السبع: ُ ى ِ ؛ من البيان، و{ فَتَثَبَّتُوا } (16) ؛ من التثبُّت، وكلاهما (17) بمعنىً متقاربٍ (18) .
ولم يختلف (19) النَّقَلَةُ - فيما عَلِمْتُ (20) أَنَّ هذه الآية نزلَتْ بسبب الوليد بن عقبة، بعثَهُ رسولُ &(1/43)&$
__________
(1) ... سورة الحجرات، الآية: 6 .
(2) ... سورة الطلاق، الآية: 2 .
(3) ... سورة البقرة، الآية: 282 .
(4) ... قال القاضي عياض:« لا يشترطون في كونه كذبًا العَمْدَ والقصدَ إليه؛ خلافًا للمعتزلة في اشتراطهم ذلك، ودليل هذا الخطاب - يعني: قوله - صلى الله عليه وسلم - : « من كذب عليَّ متعمّدًا ... »- يردُّ عليهم؛ لأنَّه يدلُّ على أنَّ ما لم يُتَعَمَّدْ يقعُ عليه اسمُ كذب ». "الإكمال" (ص 87)، وانظر: "شرح مسلم" للنووي (1/69)، و"مكمل الإكمال" (1/17)، "الفتح" (1/201)، وانظر أيضًا: "الصحاح" (1/210)، و"القاموس المحيط" (1/122)، و"لسان العرب" (1/704).
(5) ... انظر: كلام الشارح على ما استثني من الكذب في كتاب البر والصلة، باب الأمر بالصدق، والتحذير عن الكذب وما يباح منه، شرح حديث أمِّ كلثوم بنت عُقْبة بن أبي مُعَيْط: أنَّها سمعتْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: «ليس الكذَّابُ الذي يُصْلِحُ بين الناس ويقولُ خيرًا أو يَنْمِي خيرًا» وفي رواية قالت: «لم أسمعْهُ يرخِّصُ في شيء مما يقول الناس: كذبٌ، إلا في ثلاث: الحربُ، والإصلاحُ بين الناس، وحديثُ الرجل امرأتَهُ، وحديثُ المرأةِ زوجَهَا» . أخرجه أصله البخاري في كتاب الصلح، باب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس (5/299 الفتح)، وأخرجه مسلم في البر والصلة والآداب، باب تحريم الكذب وبيان المباح منه (2605). ... وقد بوَّب البخاريُّ في الجهاد، باب الكذب في الحرب (6/158)، وأورد فيه حديث جابر في قتل كعب بن الأشرف، وفيه قولُ محمد بن مسلمة لكعب: إنَّ هذا الرجُلَ - يعني: النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد عنَّانا وسألنا الصدقة . وانظر: "الفتح" (5/299)، (6/158)، و«العمدة» (14/276)، و"إرشاد الساري"(5/156)، "تراجم البخاريّ" لابن جماعة (ص 192)، و"الآداب الشرعيّة" (1/13)، و"غذاء الألباب" (1/132)، و"مجموع الفتاوى" (28/223).
(6) ... وفي كذب الخطأ قال ابن القيّم -رحمه الله-: الكذب يراد به أمران: أحدهما: الخبرُ غيرُ المطابقِ لِمُخْبَرِهِ، وهو نوعان: كذبُ عمدٍ، وكذبُ خطأ؛ . فكذبُ العمد: معروفٌ، وكذبُ الخطأ: ككذبِ أبي السنابل بن بَعْكَكٍ في فتواه للمتوفَّى عنها إذا وضعَتْ حملها: أنَّها لاتحلُّ حتَّى تتمَّ لها أربعةُ أشهر وعشرٌ؛ فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - : «كَذَبَ أبو السنابل » [رواه أحمد (1/447)، والبغوي في "شرح السنة" (9/304)]، ومنه: قوله - صلى الله عليه وسلم - : « كَذَبَ مَنْ قالها » [رواه البخاري (4196)، ومسلم (8102)]، لمن قال: حَبِطَ عملُ عامر؛ حيثُ قتَلَ نفسه خطأً، ومنه: قول عبادة بن الصامت:« كذَبَ أبو محمَّد »؛ حيث قال: الوتر واجب [رواه عبد الرزاق (3/5)، ومالك (1/123)، والنسائي (1/230) وابن ماجه (1/448)]؛ فهذا كلُّه من كذب الخطأ، ومعناه: أخطأ قائل ذلك. ... والثاني من أقسام الكذب: الخَبَرُ الذي لا يجوز الإخبارية، وإن كان خبره مطابقاً لِمُخْبَرِهِ؛ كخبر القاذف المتفرد برؤية الزنا، والإخبارية؛ فإنه كاذفٌ في حكم الله وإن كان خبره مطابقاً لمخبره ...». ... "مدارج السالكين" (1/364)، وانظر: "الكامل" لابن عديّ (1/61)، فقد ذكر أخبارًا في تكذيب بعض الصحابة لبعض، وقد استعمل فيها الكذب بمعنى الخطأ، وانظر: "النهاية" لابن الأثير (4/159)، و"غريب الحديث" للخطابي (2/302).
(7) ... في "أدب الكاتب" له (ص 33)، وسيعيد الشارح ذكر قوله هذا مع الرَّدِّ عليه (ص 213)، في باب «وجوب التزام شرائع الإسلام».
(8) ... سورة هود، الآية: 65 . ... تنازع الناس في مدلول الكذب لغةً، وكذلك الصدق، على أربعة أقوال:
الأول: قول الجمهور، وهو أن الصدق: مطابقة الخبر للواقع، والكذب: عدم مطابقة الخبر للواقع، وسواءٌ فيهما: وافق الخبر الاعتقاد أو لم يوافقه، أي: سواءٌ فيهما العمد والخطأ، وعلى هذا القول: لا واسطة بين الصدق والكذب.
الثاني: قول النظام من المعتزلة ومَنْ تابعه من أهل الأصول والفقه؛ أن الصدق : مطابقة الخبر للاعتقاد، والكذب: عدم مطابقة الخبر للاعتقاد، وسواءٌ فيهما طابق الخبر الواقع، أو لم يطابقه، وعلى هذا أقول أيضاً: لا واسطة بين الصدق والكذب.
الثالث: قول الحافظ المعتزلي، وهو أن الصدق : مطابقة الخبر للواقع مع الاعتقاد، أي: مع اعتقاد أنه مطابق، والكذب: عدم مطابقة الخبر للواقع مع الاعتقاد، أي: مع اعتقاد أنه غير مطابق، وعلى هذا القول تثبت الواسطة بين الصدق والكذب، وهي ما عدا ذلك ، فلا يقال له: صدق، ولا يقال له: كذب، وذلك أربعة أحوال:
الأول: ما طابق الواقع، مع اعتقاد عدم المطابقة.
الثاني: ما طابق الواقع، ولا اعتقاد أصلاً.
الثالث: ما لا يطابق الواقع، مع اعتقاد المطابقة.
الرابع: ما لا يطابق الواقع، ولا اعتقاد أصلاً.
... ويدخُلُ في هذه الأحوال الأربعة: كلامُ الساهي والمجنون والنائم.
... قال الرازي في "المحصول" (4/224 - 226): «والحقُّ: أن المسألة لفظيَّة؛ لأنا نعلم بالبديهة: أنَّ كلَّ خبر: فإمَّا أن يكون مطابقاً للمخبر عنه أو لا يكون مطابقاً فإن أريد بالصدق: الخبر المطابق كيف كان، وبالكذب: الخبرُ الغير المطابق كيف كان - وجب القطع بأنَّه لا واسطة بين الصدق والكذب، وإنْ أريد بالصدق: ما يكون مطابقاً ، مع أن المختبر يكون عالماً بكونه مطابقاً، وبالكذب، الذي لا يكون مطابقاً، مع أن المخبر يكون عالماً بأنه غير مطابق - كان هناك قسم ثالثٌ بالضرورة، وهو الخبر الذي لا يَعْلَمُ قائلُهُ أنه مطابق أم لا فثبت أن المسألة لفظية» اهـ.
الرابع: ما ذهب إليه الشوكاني - رحمه الله - حيث يرى أن الصدق في الخبر لا يكون إلا إذا جمع بين مقابلة الواقع والاعتقاد، فإن خالفهما أو أحدهما فكذب، قال: «فيقال في تعريفهما هكذا: الصدق ما طابق الواقع والاعتقاد، والكذب ما خالفهما أو أحدهما؛ ولا يلزم على هذا: ثبوت واسطة؛ لأن المعتبر هو كلام العقلاء؛ فلا يرد كلام الساهي والمجنون والنائم»، وقد بيَّن الشوكاني أن النزاع إنما هو في مدلول الصدق والكذب لغةً لا شرعاً، وأن الكذب المذموم شرعاً،: هو المخالف للاعتقاد، سواءٌ طابق الواقع أو خالفه؛ وذلك لا يمنع منصدق وصف ما خالف الواقع، وطابق الاعتقاد بالكذب لغةً.
قلت : لعل قول الشوكاني هذا مأخوذ من قول الراغب الأصفهاني، ما في «مفرداته» (ص 478)؛ فراجعه.
... هذا، وقد ذكر الراغب أن الصدق والكذب أصلهما في القول، ماضياً كان أو مستقبلاً، وعداً كان أو غيره، ولا يكونان بالقصد الأول إلا في القول، ولا يكونان في القول إلا في الخبر دون غير من أصناف الكلام، وقد يكونان بالعَرَض في غيره من أنواع الكلام؛ كالاستفهام والأمر والدعاء.
قلت: وقد خالف في بعض ذلك ابن قتيبة، فجعل الصدق والكذب في الماضي دون المستقبل، كما ذكر ذلك الشارح عنه، وردَّ عليه هنا، وفي (ص 213). ... انظر في الكلام عن الصدق والكذب: "إرشاد الفحول" (1/231 - 237)، و"المحصول" (4/224 - 226)، و"المسوَّدة" (1/465 - 466) ، و"شرح مسلم" للنووي (15/205)، (16/83)، و"المصباح المنير" (ص 272)، و"الحدود" لابن فُورَكَ (ص 135)، و"مدارج السالكين" (1/395)، (2/281)، و"شرح مختصر الروضة" (2/67)، و"المفردات" للراغب (ص 478، 704) و"التوقيف، على مهمات التعاريف" للمناوي ( ص 451)، و"معجم مصطلحات أصول الفقه" (ص 361)، وانظر كلام الشارح على معنى «صدق القلب» في كلامه على كتاب الإيمان، باب لا يكفي مجرّد التلفظ بالشهادتين.
(9) ... سورة الحجرات، الآية: 6 .
(10) ... في (ح): «ومنه قوله تعالى» ثم ضرب على قوله : «تعالى».
(11) ... قوله: «للفساد» ليس في (غ)، ويقال: فَسَق يَفْسُقُ - ويَفْسِقُ، بكسر السين لغة حكاها الأخفش - فَسْقاً وفُسُوقاً، والاسم: الفِسْقُ، فهو فاسقٌ، وفِسِّيقٌ، وفُسَق، وجمع الفاسق: فُسَّاق وفَسَقَة.(ص 69 محقَّقة)، و"المحكم" (6/148)، و"الصحاح" (4/1543).
(12) ... في (ح): «كفراً».
(13) ... هذا اعتقاد المرجئة، أما أهل السنة والجماعة فالأعمال كلها عندهم من الإيمان ولذلك فالصحيح أن يقال: «فإن كان المخروج منه أصلاً فذلك الفسق كفر، وإن كان غير ذلك فذلك الفسق معصية».
(14) ... في (أ): «الفسوق».
(15) ... الفسق، في الشريعة: هو الخروج عن طاعة الله ورسوله، وهو أشدُّ من العصيان؛ فإن الفسق يكون تارةً بترك الفرائض، وتارةً بفعل المحرَّمات؛ كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، والفسق: مثلُ الظلم والكفر والنفاق، جاء في نصوص الشريعة على قسمَيْن: أكبرُ يُخْرِجُ من الملَّة؛ لمنافاتِهِ أصلَ الدين بالكليَّة . وأصغَرُ ينقُصُ الإيمانَ وينافي كماله ولا يُخْرِجُ صاحبه منه . وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «سبابُ المسلمِ فسوقٌ، وقتالُهُ كُفْرٌ»؛ متفق عليه، ويأتي تخريجه (511-512) ... ومن أدلة القسم الأول: قوله عز وجل: ُ، ٌ ً ي ى و ه ن م ل ِ [الكهف: 50] {...إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} . ومن أدلة القسم الثاني ُ، ـ لله ْ ِ [الحُجرَات: 6] {...إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}؛ فلم يخرُجُ الرجلُ الذي نزلتْ فيه الآية من الدين، ولم ينف عنه الإيمان، وقولُهُ تعالى: ُ، % ( ' " ! $ £ . ِ [النُّور: 4] {...وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}. والفاسق من هذا القسم شرعاً : هو من فَعَلَ كبيرةً أو أكثَرَ من الصغائر، بغير تأويل، ويعد الفِسْق قادماً في الشهادة، وقبول الرواية. ... انظر:"تعظيم قدر الصلاة" للمروزي (2/526 - 527)، و"أعلام السنة المنشورة" (151-152)، و"معارج القبول" (2/417-420)، و"الإيمان" لابن تيميّة (ص 311-313). و"فتح الباري" (1/138)، و"مجموع الفتاوى" (7/251)، و"التمهيد" لابن عبدالبر (15/266)، و"النهاية" لابن الأثير (3/446)، و"المُطْلِع" للبعلي ( ص 69 - محقَّق)، و"معجم مصطلحات أصول الفقه" (ص 320).
(16) ... قوله: «فتثبتوا» في (أ) و(ح) و(غ): «وتثبتوا».
(17) ... قوله: «وكلاهما»: في (حي): «كلاهما».
(18) ... قرأ حمزة والكسائي:{ فتثبَّتوا } من الثبات في الأمر، وقرأ الباقون من السبعة - وهم: نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم -:{ فتبيَّنوا } من التبيُّن، وهما متقاربان، يقال: تثبَّت في الشيء: تبيَّن . انظر:"التيسير، في القراءات السبع" (ص 97)، و"إبراز المعاني، من حرز الأماني، في القراءات السبع" (ص 420)، و"النشر، في القراءات العشر» (2/251).
(19) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «تختلف».
(20) ... قوله: «فيما علمتُ» من كلام الحافظ ابن عبدالبر، رحمه الله في «الاستيعاب»، وسيأتي توثيق كلامه.(1/43)
الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني المصطَلِقِ مصدِّقًا، فلمَّا أبصروه، أقبلوا نحوه، فهابهم لإحنةٍ كانتْ بينهم في الجاهلية، وقيل: إنَّهم لم يخرُجُوا إليه، فأخبر (1) أنهم ارتدُّوا (2) ؛ ذكره أبو عمر بنُ عبد البر (3) ، فرجَعَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأخبَرَ (4) أنَّهُمُ ارتَدُّوا ومنعوا الزكاة، فبعَثَ النبيُّ ؟ خالد بن الوليد، وأمره بالتثبُّت في أمرهم، فأتاهم ليلاً، .............................................
فسمعَ الأذان، ووجَدَهُمْ يصلُّون، وقالوا له: قد استبطأنا المصدِّقَ، وخفنا غضَبَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،
فرجَعَ خالدٌ - رضي الله عنه - إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فأخبره بذلك؛ فنزلَتِ الآية (5) .
.............................................
ومقتضى الآية: أنَّ الفاسق لا يُقبَلُ خبرُهُ، روايةً كان أو شهادةً، وهو مُجْمَعٌ عليه في غير المتأوِّل، ما خلا ما حُكِيَ عن أبي حنيفة من حكمه بصحَّةِ عقدِ النكاحِ الواقعِ بشهادة فاسقَيْن (6) .
.............................................
وحكمةُ ذلك (7) : أن الخبر أمانة، والفسق خيانة، ولا يوثَقُ بِخَؤُون.
وقال الفقهاء: لا يقبل قوله؛ لأنَّ جُرْأَته على الفسق تَخْرِمُ الثقةَ بقوله، فقد يجترئ على الكذب كما اجترَأَ على الفسق .
فأمَّا (8) الفاسق المتأوِّلُ الذي لا يعرف فِسْقَ نفسه، ولا يَكْفُرُ ببدعته:
فقد اختُلِفَ في قَبُول قوله:
فَقَبِلَ الشافعيُّ شهادته، وردَّها القاضي أبو بكر.
وفرَّقَ مالكٌ بين أن يدعُوَ إلى بدعته (9) فلا تُقْبَلُ، أو لا يدعُوَ فتقبَلُ (10) ، ورُوِيَ عنه: أنه لا تقبَلُ شهادتهم مطلقًا.
.............................................
وكلُّهم اتفقوا على أنَّ مَنْ كانت بدعته تُجرِّئُهُ على الكذب كالخَطَّابية (11) من الرافضة، لم تقبَلْ روايته ولا شهادته، ولبسط حُجَجِ هذه المذاهب موضعٌ آخر . =(1/108)=@
وقوله (12) تعالى: ُ، ـ لله ، ِ (13) : دليلٌ على اشتراط العدالة في الشهادة، ومعناها في اللغة: الاستقامةُ والاعتدالُ ضِدَّ الاعوجاج، &(1/44)&$
__________
(1) ... في (ح) : «وأخبر».
(2) ... في (أ): «ارتدوا قبله».
(3) ... في كتابه «الاستيعاب» (3/595).
(4) ... في (أ) و(ح): فأخبره.
(5) ... أخرجه أحمد (4/279)، والطبرانيّ في "المعجم الكبير"(3/310 رقم 3395)، ومُطيِّن، وابن السكن، وابن مردويه كما في "الإصابة" (1/281)، وعزاه السيوطيّ لابن أبي حاتم، وابن منده، وغيرهما، كلُّهم من طريق عيسى بن دينار المؤذِّن، عن أبيه؛ أنّه سمع الحارثَ بنَ ضِرَار - في الإصابة: الحارث بن أبي ضرار، وفي المعجم للطبرانيّ: الحارث بن سرار، وما أثبتُّه من مسند أحمد - الخزاعيَّ يقول: قدمتُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره مطوَّلا . ... قال الإمام أحمد: «حدَّثنا محمد بن سابق، حدَّثنا عيسى بن دينار، به ». ... وهذا إسنادٌ رجاله موثَّقون غير دينار أبي عيسى، فقال عنه الحافظ: مقبول . وانظر في ترجمته:"تهذيب الكمال" (ص 8/509)، وانظر:" التقريب" (438، 479). ... قال الهيثميّ في "المجمع" (7/109):« ... ورجال أحمد ثقات ». وقال السيوطيّ في "الدر المنثور" (7/555 ):« سنده جيِّد ». ... وللحديث شواهد بمعناه، منها:
1- ... ما أخرجه ابن جرير في "التفسير" (26/123)، والطبرانيُّ كما في "مجمع الزوائد" (7/110)،كلاهما من طريق موسى بن عُبَيدة، عن ثابت مولى أم سلمة، عنها بمعناه. وموسى بن عبيدة ضعيفٌ؛ كما في "التهذيب" (10/356)، و"التقريب" (ص 552). ... وذكر الخبَرَ السيوطيُّ في "الدر المنثور" (7/556)، وعزاه لابن راهويه، وابن جرير، والطبرانيّ، وابن مردويه .
2- ... وأخرج ابن جرير في التفسير 26/123، والبيهقي في السير، باب قسمة الغنيمة في دار الحرب (9/54)، كلاهما من طريق عطية العوفي، عن ابن عباس، بمعناه . وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه، وابن عساكر . وعطية ضعيفٌ كما في "الميزان" (3/79)، و"التقريب" (ص 393).
3- ... وأخرج الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع البحرين" (6/73 رقم 3397)، عن جابر بن عبدالله $ذ بمعناه، وفي سنده: عبد الله بن عبد القدوس التميمي، رافضيٌّ ضعيف . انظر: "ميزان الاعتدال" (2/457)، و"التقريب" (ص 312). ... قال الهيثميّ: لم يروه عن الأعمش إلا عبد الله؛ يعني هذا. ... وقال في "مجمع الزوائد" (7/110): وفيه عبد الله بن عبد القُدُّوس التميميّ، وقد ضعَّفه الجمهور، ووثَّقه ابن حِبَّان، وبقيَّةُ رجاله ثقات .
4- ... وأخرج الطبراني كما في "مجمع الزوائد" (7/109)، وكذا ابن منده، وابن مردويه؛ كما في "الدر المنثور" (6/88)، عن علقمة بن ناجية - رضي الله عنه - نحوه . قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين، في أحدهما يعقوب بن حميد بن كاسب، وثَّقه ابن حبان، وضعَّفه الجمهور. ... ومما تقدَّم يتبيَّن أنَّ كلَّ طرق هذا الخبر لا تخلو من مقال؛ ولذا قال ابن كثير في "التفسير" (7/350) عن هذا الخبر: «رُوِيَ من طرق، وَمِنْ أحسنها: ما رواه الإمام أحمد ... » . ثم ذكر حديثَ الحارث بن ضرار السابق، وقد مَرَّ ما فيه، ولكنَّ تعدُّد مخارج الخبر يقوِّيه؛ ولذا قال الحافظ ابن عبد البر في "الاستيعاب" (3/595): «لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمتُ أنَّ قوله عز وجل: ُ ـ لله ، ِ [الحُجرَات: 6] {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ...}، نزلت في الوليد بن عقبة ».اهـ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى" (7/248):« وهذه القصة معروفة من وجوه كثيرة».
(6) ... قال السَّرَفْسِيُّ في «المبسوط» (5/31): «الأصل عندنا : أن كلَّ من يصلُحُ أن يكون قابلاً للعقد بنفسه ينعقد النكاح بشهادته، وكل من يصلُحُ أن يكون ولياًّ في نكاح يصلُحُ أن يكون شاهداً في ذلك النكاح؛ وعلى هذا الأصل قلنا: ينعقد النكاح بشهادة الفاسقين»، وقال الكاساني: «ينعقد النكاحُ بشهادة الفاسقَيْن عندنا؛ لأنَّ حضرةَ الشهود في باب النكاح لدفع تهمة الزنى، لا للحاجةِ إلى شهادتهم عند الجحودِ والإنكار؛ لأنَّ النكاح يشتهرُ بعد وقوعه، فيمكنُ دفعُ الجحودِ والإنكار بالشهادة بالتسامُعِ، والتهمةُ تندفع بحضرة الفاسق، فينعقد النكاح».اهـ. مختصرًا . من "بدائع والصنائع" (6/271).
(7) ... في (أ): «وحكمة «ذلك».
(8) ... في (أ): «وأما».
(9) ... في (ح) «بدعة».
(10) ... في (ب) و(ح) : «فيقبل».
(11) ... الخَطَّابية: أتباعُ أبي الخَطَّاب محمد بن أبي زينب مقلاص الأسدي الكوفي الأجدع المقتول سنة (143هـ)، مِنْ غلاة الشيعة. ومن أقوالهم الباطلة: قولهم بإلهيَّة جعفر بن محمد الصادق، وإلهيَّة آبائه، وزعموا أنَّ الدنيا لا تَغْنَى، وأنَّ الجَنَّةَ: ما يكون في الدنيا من النعم، وأن النار: ما في الدنيا من النقم، واستحلُّوا الخمر والزنى وسائر المحرَّمات، ودانوا بترك الصلاة والزكاة، وقال النوبختيُّ الرافضيُّ: « كان أبو الخَطَّاب يدَّعي أن أبا عبد الله جعفراً الصادقَ جعله قيِّمه ووصيَّه مِنْ بعده، وعلَّمه اسمَ الله الأعظمَ، ثم ترقَّى إلى أن ادَّعى النبوة، ثم ادعى الرسالة، ثم ادعى أنه من الملائكة، وأنه رسولُ الله إلى أهل الأرض، والحجةُ عليهم "، وقد تبرَّأ جعفر الصادق - رحمه الله - من إمام الخَطَّابيَّة هذا - لَمَّا نَسَبَ نفسه إليه وأمر أصحابه بالبراءة منه، لمَّ اطَّلَعَ على كفريَّاته. انظر: "فرق الشيعة" للنُّوبَخْتِيِّ (ص 37 - 38)، و"الفرق بين الفرق" (ص 215)، و"أصول الدين" للبغدادي ( ص 331)، ولمعرفة فرق هذه الطائفة الضالَّة ومقالات كلٍّ منها انظر: "مقالات الإسلامية" (1/75-81)، و"اعتقادات المعرفة" الرازي (ص 87)، و"الملل والنحل" (1/380 - 380)، و"الفصل" (4/185-186).
(12) ... في (أ): «قوله».
(13) ... سورة الطلاق، الآية: 2 .(1/44)
ويقال: - عدْلٌ بيِّنُ العدالةِ والعُدُولةِ، .............................................
ويقال: - عدْلٌ، للواحد والاثنين (1) والجماعة (2) ، المذكَّرِ والمؤنَّث، بلفظ واحد؛ إذا قُصِدَ به قُصِدَ المصدر، وإذا قُصِدَ به الصفة، ثُنِّيَ وجُمِعَ، وذُكّر وأُنِّث .
وهي عند أئمَّتنا : اجتنابُ الكبائر، واتِّقَاءُ الصغائر وما يناقضُ المروءةَ، ويُزْرِي بالمناصب الدينيَّة، والعبارةُ الوجيزةُ عنها هي: حُسْنُ السيرة، واستقامةُ السريرة شرعًا في ظَنِّ المعدَّل (3) ، وتفصيلُهَا في الفروع . وهل يكتفى - في ظَنِّ حصول تلك الأحوال في المعدَّل - بظاهر الإسلام، مع عدم الاطَّلاَعِ على فسق ظاهر، أو (4) لا بدّ من اختبارِ حاله حتَّى يُظَنُّ (5) حصولُ (6) تِلْك الأمور في المعدَّل ؟ قولانِ لأهل العلم:
الأوَّلُ: مذهبُ أبي حنيفة.
.............................................
والثاني: مذهبُ مالكٍ والشافعيِّ والجمهور، وهو مرويٌّ عن عمربن الخَطَّاب (7) ، رضي الله عنه.
وعلى مذهب الحنفي (8) فشهادةُ المسلمِ المجهولِ الحال .............................................
مقبولةٌ (9) ، وهي على مذهب الجمهور مردودةٌ (10) . وقد ذكرنا حُجَجَ الفريقَيْن في كتابنا: «الجامع لمقاصد علم الأصول».
وقوله تعالى: ُ، 1 2 3 4 ِ (11) ،الظاهرُ (12) مِنْ هذا .............................................
الخطابِ: أنَّهُ لمن (13) افتتَحَ الكلامَ معهم في أوَّل الآية في قوله تعالى: ُ ط ض ص گ [ غ ع . _ ء ، ِ (14) ،وهم: المخاطَبون بقوله: ُ، - صلى الله عليه وسلم - { « ِ ، وبقوله: ُ، / 0 ) * ِ . =(1/109)=@
وعلى هذا الظاهر : فكُلُّ (15) مَنْ رضيه المتداينان والمتبايعان فأشهداه، حصَلَ به مقتضى الخطاب؛ غير أنَّهُمَا قد يرضيان بِمَنْ لا يرضى به الحاكم، ولا يسمَعُ شهادته، فلا ينتفعان بالإشهاد، ولا يحصُلُ مقصودُ الشرع من الاستيثاقِ بالشهادة؛ إذ لم يثبُتْ بما فعلاه عَقْدٌ، ولا يُحْفَظُ به مال .
ولما كان ذلك، قال العلماء: إن (16) المخاطَبَ بذلك الحُكَّامُ (17) ؛ إذ هم الذين يَعْرِفون المرضيَّ شرعًا من غيره (18) ، فتثبُتُ (19) بمن يرضَوْنَهُ .............................................
العقود، وتحفظ الأموال والدماء والأبضاع، ويحصل الفصل بين الخصوم فيما يتنازعون فيه من الحقوق، وذلك هو مقصود الشرع من قاعدة الشهادة قطعًا، ولا (20) يحصُلُ ذلك برِضَا غيرهم؛ فتعيَّنَ &(1/45)&$
__________
(1) ... في (ح): «وللاثنين».
(2) في (غ): «ولجماعة».
(3) ... في (أ) : «العدول».
(4) ... في (أ): «أم».
(5) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «تظن».
(6) ... قوله: «حصول» سقط من - صلى الله عليه وسلم - و(ط).
(7) ... أخرجه البيهقيُّ في "السنن الكبرى" (10/125) من طريق أبي القاسم البغويِّ قال: حدَّثنا داود بن رُشَيْد، حدَّثنا الفضلُ بن زياد، حدَّثنا شَيْبان، عن الأعمش، عن سليمان بن مُسْهر، عن خَرَشَةَ بن الحُرِّ، قال: شَهِدَ رجلٌ عند عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - بشهادة، فقال له: لستُ أعرفك، ولا يضرُّكَ ألاَّ أعرفك، ائتِ بِمَنْ يعرفك، فقال رجلٌ من القوم: أنا أعرفه، قال: بأيِّ شيء تعرفه ؟، قال: بالعدالة والفضل، فقال: فهو جارُكَ الأدنى الذي تعرفُ ليله ونهاره، ومدخلَهُ ومخرجه؟ قال: لا، قال: فمعاملُكَ بالدينار والدرهم اللَّذيْنِ بهما يستدلُّ على الورع ؟ قال: لا، قال: فرفيقُكَ في السفر الذي يستدلُّ به على مكارم الأخلاق ؟ قال: لا، قال: لستَ تعرفه . ثمَّ قال للرجل: ائتِ بِمَنْ يعرفك . ... كما أخرج هذا الخبَرَ العُقَيْليُّ في "الضعفاء الكبير"(3/454)، من طريق داود بن رُشَيْد. وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات، انظر:"التقريب"(193،198،254، 269). ... والفضل بن زياد: هو الطساسُ البغداديُّ، قال العقيليُّ في الضعفاء (3/454):عن شيبان، لا يعرف إلاَّ بهذا، وفيه نظر .اهـ، وتبعه الذهبيُّ في "المغني" (2/511)، وقال في "ديوان الضعفاء"(ص 248): مجهول. وانظر:"الميزان" (3/351)، و"اللسان" (4/441). ... وقول العقيلي: ( لا يعرف ) يردُّه ما ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (7/62)، قال: رَوَى عنه أبو زرعة، وسئل عنه؟ فقال: كتبتُ عنه، كان يبيع الطساس، شيخ ثقة.اهـ . فارتفعَتِ الجهالةُ برواية أبي زرعة وداود بن رُشَيْد وتوثيقِ أبي زرعة .
(8) ... في (أ) و(ح): «أبي حنيفة».
(9) ... وكذلك روايتُهُ؛ كما نقَلَ ذلك عنه كثيرٌ من الأصوليين. انظر:"تيسير التحرير" (3/48)، و"فواتح الرحموت" (2/146)، و"المستصفى" (1/157)، و"الإكمال" (ص 85). «لمَّا قال الله تعالى: ُ، 1 2 3 4 ِ دلَّ على أنَّ في الشهود من لا يُرْضَى؛ فجيء من ذلك: أن الناس ليسوا محمولين على العدالة حتى تثبُتَ لهم، وذلك معنىً زائدٌ على الإسلام؛ وهذا قول الجمهور، وقال أبو حنيفة: كلُّ مسلم ظاهر الإسلام مع السلامة من فِسْق ظاهر - فهو عَدْلٌ وإنْ كان مجهول الحال، وقال شُرَيْح وعثمان البَتِّيُّ وأبو ثور: هم عدولٌ وإن كانوا عبيداً».
(10) ... انظر:"الإحكام" للآمدي (2/78)، و"فواتح الرحموت" (2/146). ... قال شيخ الإسلام:« وأمَّا قولُ من يقول: الأصلُ في المسلمين العدالة، فهو باطلٌ، بل الأصلُ في بني آدم الظُّلْمُ والجهل، كما قال تعالى: ُ، ث ج ة ت ط ظ ِ [الأحزَاب: 72] {...وَحَمَلَهَا الإِْنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً}، ومجرَّدُ التكلُّم بالشهادَتَيْنِ لا يوجبُ انتقالَ الإنسانِ عن الظلم والجهل إلى العدل ».اهـ . "مجموع الفتاوى" (15/357). ... وقد قال القرطبي في «تفسيره» (3/376): «قال الله تعالى: ُ، 1 2 3 4 ، ِ ، قال تعالى: ُ، ـ لله ، ِ [الطّلاَق: 2] {...وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ...}، و ُ، ِ خطابٌ للمسلمين؛ وهذا يقتضي قطعاً أن يكون معنى العدالة زائداً على الإسلام ضرورةً؛ لأن الصفة زائدةٌ على الموصوف، وكذلك : ُ، 1 2 ِ [البَقَرَة: 282] {...مِمَنْ تَرْضَوْنَ} مثله؛ خلاف ما قال أبو حنيفة، ثم لا يُعْلَمُ كونُهُ مَرْضِيًّا حتى يختبر حاله؛ فيلزمه ألا يكتفي بظاهر الإسلام». اهـ.
(11) ... سورة البقرة، الآية: 282، وانظر تفسير الآية في "أحكام القرآن" لابن العربي ( )، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ( ).
(12) ... في (أ): «فالظاهر».
(13) ... في (ح): «لما».
(14) ... سورة البقرة، الآية: 282 . قوله: «إلى أجل مسمى فاكتبوه» مكانه في (أ): «الآية».
(15) ... في (ح): «وكل».
(16) ... في (غ): «بأن».
(17) ... قوله: «بذلك الحكام» في - صلى الله عليه وسلم - : «بهذه الأحكام»، وفي (ط): «بهذه الحكام»، وفي حاشية (ط) كتب: "المخاطب بالآية الحكام"، وانظر في ذلك : "تفسير القرطبي" (3/375 - المسألة الحادية والثلاثون).
(18) ... في (أ): «وغيره».
(19) ... في (ح): «فيثبت».
(20) ... في (أ): «فلا».(1/45)
الحكامُ لهذا (1) الخطاب الذي هو قوله: ُ، 1 2 3 4 ِ (2) .
وإذا تقرَّر هذا، فالذي يرضاه الحاكم: هو العَدْلُ الذي انتفَتْ عنه التُّهَمُ القادحةُ في الشهادة (3) ؛ كالقرابة القريبة، وجَرِّ المنفعة لنفسه أو لولده أو لزوجته، وكالعداوةِ البيِّنة، والصداقةِ المُفْرِطة؛ على تفصيلٍ وخلافٍ يعرف في الفقه (4) ؛ فقد أفادتِ الآيتان معنَييْنِ؟:
أحدهما: اعتبارُ اجتماعِ أوصافِ العدالة التي إذا اجتمعَتْ، صدَقَ على الموصوفِ بها أنه عدل .
والثاني: اعتبارُ نَفْيِ القوادح التي إذا انتفَتْ (5) ، صدَقَ على من انتفتْ عنه أنّه مَرْضِيّ (6) .
.............................................
فلا بدَّ من اجتماع الأمرَيْن في قبول الشهادة؛ ولذلك (7) لا يُكْتَفَي (8) عندنا في التزكية بأن يقول (9) المزكِّي (10) : هو عدلٌ فقطْ، بل (11) حتى يقولَ: هو (12) عدلٌ مَرْضِيٌّ (13) ؛ فيجمعَ بينهما .
وأما في الأخبار : فلا بُدَّ من اعتبار المعنى الأول، ولا يشترطُ الثاني =(1/110)=@ فيها؛ إذ يجوز قَبُولُ أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الراوي لها (14) العدلِ، وإنْ جَرَّ لنفسه بذلك نفعًا، أو لولده، أو ساقَ بذلك مضرةً لعدوِّه؛ كأخبار عليٍّ - رضي الله عنه - عن الخوارج.
وسِرّ الفرْق: أنه لا يتَّهم أحدٌ من أهل العدالة والدِّين بأن يكذبَ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لشيء (15) من ذلك، وكيف (16) يقتحمُ أحدٌ من أهل العدالة والدِّين أن (17) يكذبَ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (18) .............................................
لشيء (19) مِنْ ذلك مع قولِ (20) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إنَّ كَذِبًا عليَّ ليس كَكَذِبٍ على أحدٍ؛ فَمَنْ كَذَبَ عليَّ متعمِّدًا (21) ، فليتبوَّأْ مَقْعَدَهُ من النار» (22) .
والخبر والشهادة - وإنِ اتفقا في أصلِ اشتراط العدالة -، فقد يفترقان في أمور عديدة؛ كما فصَّلناه في الأصول.
وعلى الجملة: فشوائبُ التعبُّدات (23) ومراعاةُ المناصب في الشهادات أغلب، ومراعاة ظنّ الصدق في الرواية أغلب (24) ، والله تعالى أعلم .
عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ (25) ، قَالا: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :«مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ».
وقوله _ج: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ» (26) : قيَّدناه عن مشايخنا: «يُرَى» مبنيًّا للفاعل وللمفعول (27) :
فـ«يَرَى» (28) بالفتح، بمعنى: يعلَمُ المتعدِّية لمفعولَيْن، و«أنَّ» سدَّت مسدَّهما، وماضي «يَرَى»: «رَأَى» مهموزًا، &(1/46)&$
__________
(1) ... في (ط): «بهذا».
(2) ... سورة البقرة، الآية: 282 .
(3) ... في (أ) و(ح): «العدالة».
(4) ... انظر تفصيل ذلك في ..............
(5) ... في (ب) و - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «انتفت عنه».
(6) ... في (ب) و - صلى الله عليه وسلم - و(ط) و(غ): «رضي».
(7) ... في (غ): «وكذلك».
(8) ... في (أ) و - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «يكفي».
(9) ... قول: «بأن يقول»: في (ح): «أن يقول».
(10) ... في (غ): «المزكَّى».
(11) ... قوله : «بل» سقط من (ح).
(12) ... قوله: «هو» من (أ) و(ح) فقط.
(13) ... في (أ) و(ب) و(غ): «رضى».
(14) ... قوله: «لها» في - صلى الله عليه وسلم - و(ط) و(غ): «لهذا».
(15) ... في (أ) و(ح):« بشيء ».
(16) ... في (ح) و(غ) :« فكيف ».
(17) ... في (أ):« بأن ».
(18) ... قوله:« أن يكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - » سقط من (ح).
(19) ... في (أ): «بشيء».
(20) ... قوله:« مع قول » في (ح):« وقد قال".
(21) ... قوله:« متعمدًا » سقط من (ح).
(22) ... سيأتي تخريجه قريبًا ص: 88 .
(23) ... في (ح): «العبادات»، وفي (غ): «المتعبَّدات».
(24) ... قال القاضي في "الإكمال"(ص 81): " اعلم أنّ الشهادة والخبر - عندنا - يجتمعان في خمسة أحوال؛ ويفترقان في خمسة أحوال؛ فالخمسة الجامعة لها: العقل، والبلوغ، والإسلام، والعدالة، وضبط الخبر أو الشهادة حين السماع والأداء . وأمَّا الخمسةُ التي يفترقان فيها: فالحريَّةُ، والذكورية، والعدد، ومراعاة الأهليَّة، والعداوة . فخبرُ العبد والمرأة والواحد مقبولٌ وإنْ لم تقبلْ شهادتهم إلاَّ في مواضعَ مستثناةٍ، وخبرُ الرجلِ وروايتُهُ فيما ينتفعُ به أو يضرُّ عدوَّهُ مقبول » ا.هـ مختصرًا . ... وهناك فروق أخرى تتبَّعها السيوطيُّ في "التدريب" (1/332)، فأوصلها إلى واحد وعشرين فرقًا . وانظر: "بدائع الفوائد" لابن القيم (1/5)، و"الطرق الحكمية" (ص 183)، و"الفروق" و"تهذيب الفروق" (1/16)، و"الأشباه والنظائر" (ص 386)، و"الكفاية" (ص 158)، و"المستصفى" (1/161)، "شرح مسلم" للنووي (1/61).
(25) ... أخرجه مسلم (1/9) في المقدمة، باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين، والتحذير من الكذب على رسول ؟ .
(26) ... في (ح):« الكذّابين » وما أثبتُّه موافق لما في «صحيح مسلم».
(27) ... في (ح) : «المفعول».
(28) ... في (أ): «يرى» وفي - صلى الله عليه وسلم - : «ويرى».(1/46)
وإنما تركتِ العربُ همزَ المضارع؛ لكثرة الاستعمال، وقد (1) نطقوا به على الأصل مهموزًا في قولهم؟:
ألم ترْأَ (2) ما لا قَيْتُ والدَّهْرُ أعصُرٌ
ومَنْ يَتَمَلَّ (3) العَيْشَ يَرْأَى وَيَسْمَعُ (4) (5)
.............................................
وربَّما تركوا همزَ الماضي (6) في مثل (7) قولهم؟:
.............................................
صَاحِ هل رَيْتَ (8) أو سَمِعْتَ براعٍ
ر َدَّ في الضَّرْع ما قَرَى في الحِلاَبِ (9) (10) =(1/111)=@
ويحتمل ما في الحديث أن يكونَ بمعنى الرأي ؛ فيكون ظنًّا من قولهم:
رأيتُ كذا، أي: ظهَرَ لي.
وعليهما (11) يكونُ المقصودُ بالذَّمِّ الذي في الحديث: المتعمِّدَ للكذب علمًا أو ظنًّا.
وأما «يُرَى» بالضمِّ: فهو مبنيٌّ لما لم يسمَّ فاعله، ومعناها: الظَّنُّ، وإنْ كان أصلها مُعَدًّى (12) بالهمزة من «رأى»، إلا أنَّ .............................................
استعمالَهُ في الظَّنِّ أكثرُ وأشهر .
وقوله: «فهو أحد الكاذبين (13) »: رُوِّينَاهُ (14) بكسر الباء على الجمع؛ فيكون معناه: أنه أحد الكاذِبِين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين (15) قال الله تعالى فيهم (16) : ُ } - صلى الله عليه وسلم - { « » ف پ ـ ِ (17) الآية؛ لأنَّ الكذبَ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذبٌ على الله (18) .
ورُوِّيناه أيضًا - بفتح الباء على التثنية؛ ويكون معناه: أنَّ المُحدِّث، والمُحدَّث بما يظنَّان أو يعلمان كذبَهُ: كاذبان؛ هذا بما حدَّثَ، والآخرُ بما تحمَّل من الكذب مع علمه أو ظنِّه لذلك (19) .
ويفيد الحديثُ: التحذيرَ عن أن يحدِّثَ أحدٌ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بما تحقق صدقَهُ علمًا أو ظنًّا، إلا أن يحدّث بذلك على جهة إظهار الكذب؛ فإنه لا يتناوَلُهُ الحديث .
.............................................
وفي "كتاب الترمذيِّ"، عن ابن عباس $ذ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه (20) قال: «اتقوا الحديثَ عنِّي إلا ما (21) عَلِمْتُمْ؟، فَمَنْ كَذَبَ عليَّ متعمِّدًا، فليتبوَّأْ مَقْعَدَهُ من النار، ومَنْ قال في القرآن برأيه، فليتبوَّأْ مَقْعَدَهُ من النار»، وقال: هذا حديثٌ &(1/47)&$
__________
(1) ... بداية سقط من نسخة (ب).
(2) ... كذا في (أ)، ولكن في (ح) و(غ) و - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «تر».
(3) ... كذا في جميع النسخ، وانظر التعليق على البيت.
(4) ... قوله: «يرْأى ويسمَعُ» بالرفع؛ كذا في (أ) و(ح) و - صلى الله عليه وسلم - و(ط)، لكن في (غ): «يَرْأَ ويَسْمَعِ» بالجزم.
(5) ... هذا البيت من الطويل، وهو للأعلم بن جَرَدَةَ السَّعْدي؛ في "نوارد أبي زيد" (ص 185)، و"اللسان" (14/293)، وبلا نسبة في "الجمهرة" (1/234)، و"الصحاح" (6/2347)، و"سر صناعة الإعراب" (1/77). ... وتملَّى العيش، أي: استمتَعَ به. ... وقوله: «ألم تَرْأَ» كما في (أ): موافقُ لما في "الفوادر" و"شرح شواهدات شافية" و"اللسان" و«رواية في "سر صناعة"، وما في (ح) و(غ) و - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «ألم تر»، ووافق لما في "الصحاح" والرواية الثانية في "سر الصناعة". ... وقوله «يرأى ويسمعُ» بالرفع؛ كما في (أ) و(ح) و - صلى الله عليه وسلم - و(ط): موافق لما في مصادر البيت، وقد ذكر في "النوادر" و"اللسان" بيتاً بعده مرفوع الروي؛ قال في "اللسان" : قال ابن بريٍّ: ويروى: ويسمع، بالرفع على الاستئناف؛ لأن القصيدة مرفوعة، وبعده:
بأنَّ عَزيزاً ظلَّ يَرْمي بِحَوْزِهِ
إليَّ وراء الحَاضِرِينَ ويُفْرِعُ
قلتُ : و«مَنْ» في قوله: «ومن يتملَّ» إما أن تكون شرطية جازمة، وَرُفعَ جوابها «يرأى ويسمع» مع كون الشرط مضارعاًعلى وجه ضعيفٍ؛ كقوله:
..... إنك إنْ يُصْرَعْ أخوكَ تُصْرَعُ
وإمَّا أن تكون موصولةً، وكان من حقِّ الكتبة أن يكتبوها «يتملّى» بالألف المقصورة؛ لأنها مرفوعة، ولكن في جميع النسخ التي بحوزتنا بحذف الألف، وكذا في جميع مصادر البيت التي رَوَتِ البيت مرفوع الروي. ... وأمَّا ما في (غ): «يَرْأَ ويسمع» بالجزم، فهو موافق لرواية في "سر الصناعة" ورواية في "اللسان"، ولا إشكال فيه على أنَّ «من» شرطية جازمة، لكنَّه مخالفٌ لرواية القصيدة؛ فهي مرفوعة الروي؛ كما سبق نقله عن النوادر واللسان،، وإنما أطلت الكلام على البيت لكثرة الاضطراب في رواياته في مصادرة، وفي نسخ كتابنا؛ وضبط أهل العلم له وكلامهم عليه، ومن يراجعْ يجدْ ما أشرتُ إليه، والله أعلم.
(6) ... في (أ):« مضارع" وهو تحريف .
(7) ... قوله:« مثل » سقط من (ح).
(8) ... في (أ) و - صلى الله عليه وسلم - : «رأيت».
(9) ... كتب في حاشية (غ): «ويروي: في العلاب».
(10) ... البيت من الخفيف، وهو لإسماعيل بن يَسَارٍ النَّسَائي في "ديوانه" (ص 29)، و"الأغاني" (4/411)، و"شرح شواهد الشافية" (ص 316)، و"محاضرات الأدباء" (2/759)، وللربيع بن ضَبُعٍ الغَزَريِّ في "جمهرة اللغة" (1/366)، وبلا نسبة في "خزانة الأدب" (9/172) و(11/380)، و"جمهرة اللغة" (1/284)، "المحكم" (2/166) و(3/353)، و"الفائق" (1/307)، و"شرح شافية ابن الحاجب" (3/38)، و"اللسان" (1/329، 628). ... ويروي صدر البيت: «صاح يا صاح هل سمعت براعٍ»، و«صاح أُبصرتَ أو سمعتَ براعٍ»؛ ولا شاهد فيهما، ويروى «العلاب» بدل «الحلاب»، و«الحلاب»: هو الإناء الذي يُجْلَبُ فيه كالمِحْلَب، و«العِلاب»: جمع عُلْبَة، وهي وعاء من جِلْد يحتلب فيه، انظر: "المحكم" (2/166)، و(3/353).
(11) ... يعني: على القول بأن «يَرَى» - مبنيَّةً للفاعل - بمعنى العلم، أو بمعنى الظن.
(12) ... في (غ): «يعدَّى».
(13) ... في (ح):« الكذَّابين ».
(14) ... في (أ) «روِّينا».
(15) ... قوله:« الذين » سقط من - صلى الله عليه وسلم - و(ط).
(16) ... قوله: «فيهم» ليس في - صلى الله عليه وسلم - و(ط) وفي (ح): «في حقهم».
(17) ... سورة الزمر، الآية: 60 .
(18) ... قوله:« لأنَّ الكذبَ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذبٌ على الله » سقط من (أ).
(19) ... في (أ): «بذلك».
(20) ... قوله:« أنه » سقط من - صلى الله عليه وسلم - و(ط).
(21) ... في (أ): «بما».(1/47)
حسن (1) . =(1/112)=@
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، (2) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «لاَ تَكْذِبُوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَكْذِبْ عَلَيَّ يَلِجِ النَّارَ» .
وقوله: «لاَ تَكْذِبُوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَكْذِبْ عَلَيَّ يَلِجِ النَّارَ»، أي: يدخلها، وماضيه: وَلَجَ، ومصدره: الوُلُوج؛ ومنه قوله تعالى: ُ ـ لله ْ ّ ِ ُ ِ (3) .
وصَدْرُ هذا الحديث نهيٌ، وعجزه وعيدٌ شديد، وهو عامٌّ في كلِّ كاذبٍ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومطلقٌ في أنواعِ الكذب .
.............................................
ولمَّا كان كذلك، هابَ قومٌ من السلف الحديثَ عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ كعمر (4) ، والزبير بن العَوَّام، وأنس بن مالك، وابن هرمز $ج (5) ؛ فإن هؤلاء سمعوا كثيرًا وحدَّثوا قليلاً؛ كما قد صرَّح (6) الزبير $ح (7) بذلك لمّا قال له ابنه عبد الله $ح: إني لا أَسْمَعُكَ تحدِّثُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ كما يُحَدِّثُ فلانٌ وفلان؟ فقال: أَمَا أنِّي (8) لم أفارقْهُ (9) ، ولكنْ (10) سمعته يقول: «مَنْ كَذَبَ عليَّ، فليتبوَّأْ مقعدَهُ من النار». وقال أنس (11) : إنَّه يمنعني أن أحدِّثَكُمْ حديثًا كثيرًا أنَّ (12) رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال (13) : «من كَذَبَ عليَّ...» الحديث (14) ، ومنهم: مَنْ سَمِعَ وسكت؛ كعبد الملك بن إياس، وكأنَّ هؤلاءِ تخوَّفوا مِنُ وَعَنِ الْمُغِيرَةَ (15) ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ؟ يَقُولُ: «إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ؛ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
إكثار الحديث الوقوعَ في الكذب والغلط؛ فقلَّلوا (16) ، أو سَكَتوا (17) .
غير أنَّ الجمهور: خصَّصوا عموم هذا الحديث، وقيَّدوا مطلقَهُ بالأحاديث التي (18) ذُكِرَ فيها: متعمِّدًا ؛ فإنَّهُ يُفْهَمُ منها أنَّ ذلك الوعيدَ الشديدَ إنما يتوجَّه لمن تعمَّد الكذبَ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (19) ؛ وهذه الطريقة هي المرضيَّة ؛ فإنَّها تجمعُ بين مختلفاتِ الأحاديث؛ إذ هي تخصيصُ العموم، وحملُ المطلق على المقيَّدِ مع اتحادِ المُوجِب والمُوجَب، كما قرَّرناه (20) في الأصول .
هذا؛ مع أنَّ القاعدةَ الشرعيَّةَ القطعيَّةَ: تقتضي أنَّ المخطئ والناسي غيرُ آثمَينِ ولا مؤاخَذَيْنِ، لا سيَّما بعد التحرُّز والحذر . =(1/113)=@
.............................................
وقوله: «إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ»، أي: إنَّ العقاب عليه أشَدُّ؛ لأنَّ الجرأةَ منه على الكذب أعظمُ، والمفسدةُ الحاصلةُ بذلك أشَدُّ؛ فإنَّه كذبٌ على الله تعالى، ووَضْعُ شرعٍ، أو تغييرُهُ. &(1/48)&$
__________
(1) ... أخرجه الترمذي في تفسير القرآن، باب ما جاء في الذي يفسِّر القرآن برأيه رقم (2950 - 2951) من طريقَيْن عن عبد الأعلى بن عامر التغلبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، به مختصرًا ومطوَّلاً . ... وقال الترمذي عن طريق سفيان، عن عبدالأعلى، به مختصرًا: «هذا حديث حسن صحيح» . ... وقال عن طريق أبي عَوَانَةَ عن عبدالأعلى، به مطولاً:«هذا حديث حسن ». ... وأخرجه أحمد (1/233، 269، 323، 327)، والنسائي في"الكبرى" في فضائل القرآن، باب من قال في القرآن بغير علم رقم ( 109-110)، وأبو داود في رواية أبي الحسن بن العبد كما في "التحفة" (4/423)، وابن جرير في "تفسيره" (1/34 ). ... كلهم من طريق عبد الأعلى، به . ... وعبد الأعلى قال فيه أحمد: " منكرُ الحديث عن سعيد بن جبير "، وقال أيضًا أبو زرعة، وابن سعد: " ضعيف "، وقال أبو حاتم، والنسائي، والدارقطني:«ليس بالقوي»، وقال الحافظ:« صدوق يهم ». ... انظر "الضعفاء" للنسائي (154 رقم 381 )، و"الكامل" (5/1953)، و"ميزان الاعتدال" (2/530)، و"تهذيب التهذيب" (6/94)، و"التقريب" (331). ... وعليه : فالحديث بذلك ضعيف؛ لأن مداره على عبد الأعلى، وهذا حاله . ... وقد حسَّنه الترمذي كما سبق، وصحَّحه ابن القطَّان كما في "النكت الظراف" (4/423 من التحفة)، ولعلَّ ذلك لشواهده، فإنَّ لأوله شواهدَ متواترةً يأتي بعضها. ... ولآخره شاهدٌ من حديث جندب قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : « مَنْ قال في كتابِ الله برأيِهِ فأصاب، فقد أخطَأَ ». ... أخرجه أبو داود في العلم، باب الكلام في كتاب الله بغير علم رقم ( 3652 )، والترمذي في الباب السابق رقم ( 2952 )، وقال: " غريب "، والنسائي في فضائل القرآن من الكبرى رقم ( 111). ... كلُّهم من طريق سهيل بن مهران القطعي، قال: «حدثنا أبو عمران، عن جندب، به ». ... وسهيل ضعيف؛ انظر: "المغني في الضعفاء" (1/288 )،و"التقريب" (259)، وعليه فمتنُ الحديث قابلٌ للتحسين بشواهده . ... وانظر:"تفسير ابن جرير" (1/34)، و"تفسير ابن كثير" (1/15)، و"مشكاة المصابيح" (1/237)، و"تحفة الأحوذي" (8/277)، و"مجموع الفتاوى" (13/381).
(2) ... أخرجه البخاري (1/199 رقم 106 ) في العلم، باب إثم مَنْ كذَبَ على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومسلم (1/9 رقم 1) في المقدِّمَة، باب تغليظِ الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
(3) ... سورة الحج، الآية: 61 .
(4) ... في (ح): «ومطلق كعمر».
(5) ... في (ح): «رضي الله عنهم أجمعين».
(6) ... قوله: «قد صرح» في (أ): «صرح».
(7) ... في (أ): «ابن الزبير».
(8) ... في (غ): «أنا».
(9) ... قوله: «لم أفارقه» في (ح): «لم أكن أفارقه».
(10) ... في (ط) و(غ): «ولكني».
(11) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «أنس بن مالك».
(12) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «عن».
(13) ... من قوله:« من كذب عليَّ ... » إلى هنا ليس في (ح).
(14) ... أخرجه البخاريّ في العلم، باب إثم من كذب على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (1/201 رقم 108)، ومسلم في المقدِّمة، باب تغليظ الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1/10 رقم 2).
(15) ... أخرجه البخاري (3/160 رقم1291) في الجنائز، باب مايكره من النياحة على الميت، ومسلم في الموضع السابق (1/10 رقم4).
(16) ... في (أ):« فقالوا »، وفي - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «فعللوا».
(17) ... في (أ) و(ح):« وسكتوا ».
(18) ... في (أ):« الذي».
(19) ... وقد أطال الإمامُ الطحاويُّ وأطاب في بسط هذا المعنى، وجَمْعِ الرواياتِ والتأليفِ بينها بما لايوجدُ مثله عند غيره . انظر: "شرح مشكل الآثار" (1/352).
(20) ... في (غ): «قَرَأناه».(1/48)
وقوله: «فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»، أي: لِيَتَّخِذْ فيها منزلاً؛ لأنها (1) مقرُّه ومسكنه، يقال: تبوَّأَتُ منزلاً، أي: اتَّخَذْتُهُ (2) ونزلتُهُ، وبوَّأْتُ الرجلَ منزلاً (3) ، أي: هَيَّأْتُهُ له، ومصدره: بَاءَة ومَبَاءَة.
وهذه صيغةُ أمرٍ، والمراد بها: التهديدُ والوعيد، وقيل: معناها الدعاء، أي: بوَّأَهُ اللهُ ذلك، وقيل: معناها (4) الإخبارُ بوقوعِ العذاب به في نار جهنم، وكذلك القولُ في حديث عليٍّ (5) الذي قال فيه: «فلْيَلِج النارَ» (6) .
.............................................
وقد روى أبو بكرٍ البَزَّارُ هذا الحديثَ من طريق عبد الله بن مسعود، وزاد:«لِيُضِلَّ به» (7) .
وقد اغترَّ بهذه الزيادةِ أناسٌ ممَّن يقصدُ الخيرَ ولا =(1/114)=@ يعرفُهُ؛ فظَنَّ أنَّ هذا الوعيدَ إنما يتناوُل مَنْ قصَدَ الإضلاَل بالكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأَمَّا مَنْ قصدَ الترغيب في الأعمال الصالحة، وتقويةَ (8) مذاهبِ أهل السنة، فلا يتناوُلُهُ؛ فوضَعَ الأحاديث لذلك (9) .
وهذه جهالةٌ؛ لأن هذه الزيادةَ تُرْوَى عن الأعمش، ولا تصحُّ عنه،، وليستْ معروفةً عند نَقَلِةِ ذلك الحديثِ مع شهرته،،
.............................................
وقد رواها أبو عبدالله الحاكمُ - المعروفُ بـ ابن البَيِّعِ - من طُرُقٍ كثيرة، وقال: إنَّها واهيةٌ لا يصحُّ منها شيء (10) (11) (12) .
.............................................
قلت : ولو صحَّت، لما كان لها دليلُ خطابٍ (13) ، وإنما كانت .............................................
تكونُ تأكيدًا؛ كقوله (14) تعالى: ُ . س ش ر ز ط ظ ص ض [ گ ِ (15) ؛ وافتراءُ الكذبِ على الله تعالى محرَّمٌ مطلقًا، قصَدَ به الإضلالَ أو لم يقصد (16) ؛ قاله الطحاويُّ (17) .
ولأنَّ وَضْعَ الخبر الذي يُقْصَدُ به الترغيبُ كذِبٌ على الله تعالى في وضعِ الأحكام؛ فإنَّ المندوبَ قِسْمٌ من أقسام الأحكام الشرعية، .............................................
وإخبارٌ عن أنَّ الله تعالى وَعَدَ على ذلك العملِ بذلك الثواب، وكلُّ ذلك كذِبٌ وافتراءٌ على الله تعالى؛ فيتناوله عمومُ قوله تعالى : {فَمَنْ} (18) {أَظْلَمُ مِمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} (19) .
وقد استجازَ بعضُ فقهاءِ العراق نسبةَ الحكمِ الذي دَلَّ عليه القياسُ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - نسبةً قوليَّة، وحكايةً نقليَّة، فيقول في ذلك: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا؛ &(1/49)&$
__________
(1) ... في (ح) و - صلى الله عليه وسلم - و(ط) «فإنها».
(2) ... قوله «أي: اتخذته» في (أ): «اتخذته».
(3) ... قوله:« منزلاً » سقط من (أ).
(4) ... في (أ) و(غ): «معناه».
(5) ... قوله: «علي» سقط من (أ).
(6) ... انظر: ما قيل في توجيه قوله - صلى الله عليه وسلم - : «فيتبوَّأ» في "شرح مسلم للنووي" (1/68)، و"فتح الباري" (1/201).
(7) ... سيأتي تخريج هذه الزيادة، إن شاء الله تعالى (ص 94).
(8) ... في (أ) : «وتقدمت».
(9) ... انظر: أمثلة لما وضعه هؤلاءِ ممَّن قالوا: «نحن نكذب له لا عليه». في فضائل القرآن، أو الترغيبِ في صلواتٍ خاصّة، أو في التزهيد في الدنيا:"الموضوعات" (1/40،41 )، (2/113-117، 138)، و"المجروحين" (1/54)، و"تدريب الراوي" (1/283)، و"شرح مسلم للنووي" (1/70)، و"الوضع في الحديث" (1/263). وهؤلاء هم شَرُّ أنواع الوضَّاعين؛ لأنَّهم يفعلون ذلك حِسْبةً وتديُّنًا، وقد يقبلُهُ منهم بعضُ الناس لإحسانهم الظنَّ بهم؛ قال العراقيُّ في ألفيَّته:
والواضعون للحديثِ أَضْرُبُ
أَضَرُّهُمْ قومٌ لِزُهْدٍ نُسِبُوا
قد وَضَعوها حِسْبةً فقُبِلَتْ
منهم رُكُونًا لَهُمُ ونُقِلَتْ
«"فتح المغيث" للسخاويّ (1/293 )، و"فتح الباري" (1/199-200).
(10) ... من قوله:« وقد رواها ... » إلى هنا ليس في (أ).
(11) ... انظر: "المدخل إلى الصحيح" (ص 97).
(12) ... قد جاء هذا الخبر بهذه الزيادة عن الأعمش من طرق:
1- ... ما رواه يونس بن بُكَيْر، عن الأعمش، عن طلحة بن مصرِّف، عن عمرو بن شُرَحْبِيل، عن ابن مسعود، به مرفوعًا، أخرجه ابن عديٍّ في "الكامل" 1/20، والبزار في "مسنده" كما في "كشف الأستار" (1/114)، والحاكم في "المدخل إلى الصحيح" (99)، والطحاويّ في "مشكل الآثار" (1/370 رقم 418)، وأبو نعيم في "الحلية" (4/146-147)، وابن الجوزيّ في "الموضوعات" (1/97 )، والهيثم بن كُلَيْب في "مسنده" (2/212). ... قال ابن عديٍّ:« هذا الحديثُ اختلفوا فيه على طلحة بن مصرِّف، فمنهم من أرسله، ومنهم من قال: عن عليٍّ، بدل عبد الله، ويونس بن بكير جوَّد إسناده ». ... وقال البزَّار:« وهذا الحديثُ لا نعلم أسنده عن الأعمش عن طلحة إلاَّ يونس ». ... وقال الطحاويُّ:« وهذا حديثٌ منكر، وليس أحدٌ يرفعه بهذا اللفظ غير يونس بن بكير، وطلحة بن مصرِّف ليس في سِنِّهِ ما يُدْرِكُ به عمرو بن شُرَحْبِيل،لتقدُّم وفاته».اهـ. ... وقال الدارقطني في "العلل" (4/89):« هو وهم، والصوابُ: عن الأعمش، عن طلحة، عن أبي عَمَّار، عن عمرو بن شرحبيل، مرسلاً ».اهـ . ... وقال أبو نعيم:« هذا حديث غريب من حديث طلحة والأعمش، لم يروه مجوَّدًا غير يونس بن بكير ».اهـ . ... وساق ابن الجوزيّ عدَّةَ روايات للحديث، منها هذه، وقال:« وهذه الأحاديثُ كلُّها لا تصحّ ».اهـ . ... وقد قال أبو عبد الله الحاكم في "المدخل" (ص 99 ):« ويونس بن بكير واهمٌ في إسناد هذا الحديث في موضعين: ... أحدهما: أنّه أسقَطَ بين طلحة بن مصرِّف وعمرو بن شرحبيل أبا عَمَّار . ... والآخر: «أنّه وصَلَ بذكر عبد الله بن مسعود، وغير مستبعد من يونس بن بكير الوهم".اهـ. ... وقال ابن الجوزيّ ذاكرًا ما أعَلَّ به الحاكمُ الخبَرَ: الثاني: أنَّه أسنده، والمحفوظُ: أنَّه مرسَلٌ عن عمرو بن شُرَحْبِيل، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، من غير ذكر ابن مسعود . ... فهذا الحديث ضعيف؛ للانقطاع بين طلحة وعمرو، وللاضطراب في رواية يونس من هذا الطريق، حيث رواه مَرَّةً دون ذكر لفظ:« ليضلَّ الناس »؛ أخرجه الحاكم في "المدخل" (ص 98-99) من ثلاثة طرق، عن يونس، والهيثمُ بن كليب في "المسند" (2/213)، والطبرانيُّ في "المعجم" (10/118 رقم 10074)، وعند الهيثم بن كُلَيْب والطبرانيّ بذكر أبي عَمَّار بين طلحة وعمرو .
2- ... ما رواه أبو خيثمة زهير بن معاوية، وأبو معاوية الضرير، وغيرهما، عن الأعمش، عن طلحة، عن أبي عمََّار، عن عمرو بن شرحبيل، مرسلاً . أخرجه الحاكم في "المدخل" (ص 101) من طريق زهير، به، والطحاويُّ في "مشكل الآثار" (1/371)، من طريق أبي معاوية، به . ... قال الدارقطنيُّ في "العلل" (5/220): رواه أبو معاوية، ووكيعُ وفضيل بن عياض، وزهير بن معاوية، عن الأعمش، عن طلحة، عن أبي عَمَّار، عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل، مرسلاً، ورواه الحسن بن عمارة، عن طلحة، عن أبي عَمَّار، عن أبي ميسرة، عن عبد الله، والمرسل أصحّ . ... وقد قال الحاكم: والمحفوظ عن الأعمش... مرسلاً . ... ثمَّ إنَّ في رواية بعض هؤلاء عن الأعمش اضطراباً؛ فقد رواه أبو معاوية عن الأعمش مسندًا من طريق عليّ، بدون ذكر الزيادة؛ كما عند الحاكم في "المدخل" (ص 100). ... قال الحاكم: قال أبو عليٍّ الحافظ: وهذا وهم، والوهم فيه من يحيى بن طلحة. ... وقال الدارقطنيُّ في "العلل" (4/88):« ولم يتابَعْ عليه، وخالفه يونس بن بكير ... وكلاهما وهم، والصواب عن الأعمش ... مرسلاً ».اهـ . ... وقال الطحاويّ:« ليس أحد يرفعه بهذه الزيادة غير يونس بن بكير ». ... وقال ابن الجوزيّ في "الموضوعات" (1/98):« والمحفوظ أنّه مرسل ». ... وقال الحافظ في "الفتح":« وقد اختلف في وصله وإرساله، ورجَّحَ الدارقطنيّ والحاكم إرساله ».اهـ .
3- ... ما رواه سفيانُ الثوريُّ، عن الأعمش، عن طلحة، عن أبي عمّار، عن عمرو بن شرحبيل، عن رجل من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، أخرجه الطحاويّ في "مشكل الآثار" (1/372). ... وهذا الإسناد يرويه أبو أحمد محمَّد بن عبد الله بن الزبير الأسديُّ الزبيريُّ الكوفيُّ، ثقة ثبت، إلاَّ أنَّه قد يخطئ في حديث الثوريِّ. انظر:"التقريب" (ص 487)، وهذا من حديث الثوريّ .
4- ... ما رواه عبد الحميد الحِمَّانِيُّ، عن الأعمش، عن طلحة، عن أبي عَمَّار، عن عمرو، عن حذيفة، أخرجه الحاكم في "المدخل" (ص 100)، ولم يذكر الزيادة، وقال الحاكم: عن أبي عليٍّ الحسين بن عليٍّ النيسابوريِّ الحافظ:«وهذا وهم ... والمحفوظ المرسل».اهـ . ... فظهر بذلك: الاضطرابُ في هذا الطريق، والضعف الظاهر فيه . ... وقد جاء الخبرُ من طريق بقيَّة، عن محمد الكوفيِّ، عن الأعمش، عن أبي سفيان طلحة بن نافع، عن جابر - رضي الله عنه - مرفوعًا، أخرجه ابنُ عديٍّ في "الكامل" (1/20)، وابن الجوزيّ في "الموضوعات" (1/96). ... وفي سند هذا الخبر: بقيَّةُ بن الوليد، وقد كان بقيَّةُ يروي عن الضعفاء ويدلِّسهم، والكوفيُّ مجهول، قال ابن الجوزيّ: ولا أراه إلاَّ العَرْزَمِيَّ . "الموضوعات" (1/97). ... كذلك جاء الخبر من طريق طلحة بن مصرِّف من عدّة أوجه، ذكرها الحاكم في المدخل، منها غير ما تقدَّم:
5- ... ما رواه الفزاريُّ، عن طلحة بن مصرِّف، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء، به، أخرجه ابن عديٍّ في "الكامل" (1/19)، والحاكم في "المدخل" (ص 97)، وابن الجوزيّ في "الموضوعات" (1/96). ... والفزاريّ: هو محمد بن عُبَيْد الله العَرْزَمِيُّ، قال عنه الحاكم (ص 97):« متروك الحديث بلا خلاف أعرفُهُ بين أئمَّة أهل النقل فيه ».اهـ . وكذا أعلَّه به غيره ممن أخرَجَ خبره . ... وانظر:"التقريب" (ص 494)، و"المغني في الضعفاء" (2/610)، و"الضعفاء" للنسائيّ (ص 213).
6- ... جاء الخبر بهذه الزيادة من طريق عمر بن عبدالله بن يعلى بن مُرَّة عن أبيه عن جدّه، أخرجه ابن عديٍّ في "الكامل" (1/20 )، وابن الجوزيِّ في "الموضوعات" (1/97). ... وهذا الإسناد فيه: عمر بن عبد الله، ضعيف . انظر: "التقريب" (414)، و"المغني في الضعفاء" (2/470)، و"الضعفاء" للنسائيّ (ص 187)، و"الضعفاء" للدارقطنيّ (ص 296)؛ فيظهر بهذا ضعفُ هذه الزيادة، واضطرابُ طرقها مع تعدُّدها. ... وقد قال النوويّ عنها في "شرح مسلم" (1/71):« أجاب العلماء بأجوبة: ... أحسنها وأخصرها أنَّ قوله:« ليضلَّ الناس» زيادةٌ باطلة؛ اتَّفَقَ الحفَّاظُ على إبطالها، وأنّها لا تعرفُ صحيحةً بحال.
الثاني: جواب أبي جعفر الطحاوي: أنها - لو صحَّت - لكانت للتأكيد؛ كقول الله تعالى : ُ، . س ش ر ز ط ظ ص ض ِ [الأنعَام: 144] {...فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ}
الثالث: أنَّ اللام في " لِيُضِلَّ " ليستْ لامُ التعليل، بل هي لام الصيرورة والعاقبة، معناه: أنَّ عاقبة كذبه ومصيره إلى الإضلال به ...»، ثمَّ قال:« وعلى الجملة: مذهبهم - أي: المحتجِّين بها - أَرَكُّ من أن يُعْتَنَى بإيراده، وأبعدُ من أن يُهْتَمَّ بإبعاده، وأفسدُ من أن يُحْتَاجَ إلى إفساده»، والله أعلم . اهـ .
(13) ... دليل الخطاب: هو دلالة اللفظ على ثبوت حكمٍ للسكوت عنه، مخالفٍ لما دلَّ عليه المنطوق؛ لانتفاء قد من القيود المعتدَّ بها، في الحكم السكوت عنه، فيثبت للسكوت عنه نقيضُ حكم المنطوق بقه، وسمِّي دليل الخطاب؛ لأنَّ دليله من جنس الخطاب، أو لأنَّ الخطاب دالُّ عليه، يسمِّيه بعض الأصوليين : تنبيه الخطاب، ويسمِّيه آخرون المَخْصُوص بالذكر، ودليل الخطاب هو المعروف عند الأصوليين بـ«مفهوم المخالفة»، وسمِّي مفهوم المخالفة؛ لما يُرَى من مخالفة حكم السكوت عنه لحكم المنطوق به، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : «في الغنم السائمة الزكاة»؛ فالمنطوق به: السائمة، والمسكوت عنه: المعلوفة، والتقييد بالسَّوْم يفهم منه عدم الزكاة فيالمعلوفة. ومفهومم المخالفة : هل هو حُجَّةٌ من حيث اللغة أو الشرع أو العقل؟ أقوال ، والرجح الصحيح: أنه حجة من حيث اللغةُ؛ كما قال ابن السمعاني وللقول بمفهوم المخالفة شروط ثمانية، يجب تحقُّقها - عند التائلين به - وإلا امتنع اعتباره، كما أن هذا المفهوم يتنوَّع بتنوُّع قيوده إلى عشرة أنواع: مفهوم الصفة، ومفهوم العلة، ومفهوم الشرط، ومفهوم العدد، ومفهوم الغاية، ومفهوم الحصر، ومفهوم الحال، ومفهوم الزمان، ومفهوم المكان، ومفهوم اللقب. ... وجميع مفاهيم المخالفة صحة عند الجمهور إلا مفهوم اللقب، فالحق: عدم اعتباره، وإنما فائدة ذكر اللقب إمكان الإسناد إليه، وقد أنكره الأكثرون، وهو الأصح. ... وأنكر أبو حنيفة، والقفَّل الشاشي، وأبو حامد المروزي: جميع مفاهيم المخالفة، على أن المبتدئين لمفهوم المخالفة اختلفوا في خمسة مواضع منه، ولا تقدم في أصل القول بالمفهوم فانظرها في "إشارد الفحول"، وانظر: "المحصول" (2/107-149)، و"المسوَّدة" (2/6930-706)، و"شرح مختصر الروضة" (2/724)، و"البحر المحيط" (4/13 - 24)، و"مفتاح الوصول" (9-94)، و"الإحكام" للآمدي (3/69)، و"نشر البنود على مراقي السعود" (1/95)، و"إرشاد الفحول" (2/766-780)، و"مذكرة الشنقيطي" (ص 407).
(14) ... في (ح) و - صلى الله عليه وسلم - و(ط) و(غ): «لقوله»، والمثبت هو الصواب.
(15) ... سورة الأنعام، الآية: 144 .
(16) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «يقصده».
(17) ... انظر: "مشكل الآثار" (1/372).
(18) ... في (أ) و(ح) و(غ)، و(ط): «ومن»، وتكون الآية بذلك من الآية (21،93) من سورة الأنعام، أو من الآية (18) من سورة هود، أو الآية (68) من سورة العنكبوت، وليست هذه الآيات مرادة للشارح، والمثبت من - صلى الله عليه وسلم - ، وهو من سورة الأنعام آية (144)، وهو مراد الشاحر، وقد سبق وأن استشهد الشارح بهذه الآية آنفاً.
(19) ... سورة الأنعام، الآية: 144 .(1/49)
ولذلك ترى كتبهم مشحونةً بأحاديثَ مرفوعهْ، تشهدُ متونُها بأنَّهَا موضوعَهْ؛ لأنَّهَا (1) تُشْبِهُ فتاوى الفقهاءْ، ولا تليقُ بجزالة كلامِ (2) سيِّد الأنبياءْ، مع أَنَّهُمْ لا يقيمون لها صحيحَ سَنَدْ، ولا يُسْنِدونها من أئمَّةِ النقل إلى كبير أَحَدْ، فهؤلاء قد خالفوا ذلك النهي الوكيدْ، وشَمِلَهُمْ ذلك الذَّمُّ والوعيدْ (3) .
.............................................
ولا شَكَّ في أنَّ تكذيبَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كُفْر، وأمَّا الكَذِبُ عليه: فإنْ كان (4) الكاذبُ مستحلًّا لذلك، فهو كافر، وإن كان غيرَ مستحلٍّ، فهو مرتكبُ كبيرةٍ، وهل يكفُرُ بها (5) أم لا؟ اختُلِف (6) فيه على ما مَرَّ، والله أعلم (7) . =(1/115)=@
بَابُ النَّهْيِ ... عَنْ أَنْ يُحَدِّثَ مُحَدِّثٌ بِكُلِّ مَا سَمِعَ
عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (8) ، عَنِ النَّبِيِّ ؟ قَالَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ».
قُلْتُ: أَكْثَرُ النَّاسِ يُرْسِلهُ عَنْ حَفْصٍ: لا يَذْكُرُ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَأَسْنَدَهُ الرَّازِي وَحْدَهُ وَهُوَ ثِقَة .
ومِنْ بَابُ النَّهْيِعَنْ أَنْ (9) يُحَدِّثَ مُحَدِّثٌ بِكُلِّ مَا سَمِعَ
قولُهُ - صلى الله عليه وسلم - : «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ»: هذا (10) الحديث رواه مسلم في كتابه من طريقين:
أحدهما: طريق عبد الرحمن بن مَهْدِيِّ عن خُبيبِ بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «كفى بالمرء كذِبًا ...» الحديثَ (11) &(1/50)&$
__________
(1) ... قوله : «لأنها» في (ط) : «لا».
(2) ... قوله : «كلام» سقط من (ح).
(3) ... نقل هذه الفقرةَ من كلام الشارح، وهي قوله: «وقد استجاز ... إلخ» - الحافظُ في "النكت" (2/852)، والعراقيُّ في "فتح المغيث" (1/133)، والسخاويُّ في "فتح المغيث" (1/308 ). ... وقد تأوَّل الدكتور عمر فلاتة في كتابه "الوضع في الحديث" (1/316) كلامَ الشارح باحتمالِ أن يكونَ ذلك من الشارح عدَم إدراكٍ لمذهب الحنفيَّة؛ لأنَّهم يجعلون ما دلَّ عليه القياسُ الجليُّ عند غيرهم مما ثبَتَ بدلالةِ النصِّ، لا بالقياس، ويوردونَهُ ضمنَ دلالةِ الألفاظ. ... ولا شَكَّ أنَّ هذا بعيدٌ عن أصوليٍّ بارع كالقرطبيِّ، وعن دلالة كلامه، ولكنَّ المراد الوضعُ الحقيقيُّ، وهذا ليس خاصًّا بفقهاء العراق، بل هو موجودٌ عند الجهلة من المتعصِّبين للمذاهب عامَّة، حيثُ وضَعَ بعضُهم أحاديثَ تؤيِّد رأي إمامهم في بعض المسائل: ... فَمِنْ ذلك : لمَّا وضعُ بعض المتعصِّبين للحنفيَّةِ حديثَ «مَنْ رفَعَ يدَيْه في التكبير، فلا صلاةَ له»؛ "الموضوعات" (2/97)؛ فوضع المخالفون لهم حديثًا آخر مؤيِّدًا لهم: «رفع الأيدي في الصلاة من الاستكانة»؛ "الموضوعات" (2/99). ... ومن ذلك : ما ذكره ابنُ الفَرَضِيِّ في "تاريخ العلماء بالأندلس" (1/93) في ترجمة أصبَغَ بن خليل القرطبيِّ، وهو من فقهاء المالكيَّة، وممن دارتْ عليه الفتيا بالأندلس خمسين عامًا ( ت 273هـ )، أنّه وضَعَ حديثًا بإسناد غير مُتَّفِقٍ عن ابن مسعود؛ أنّه صلَّى خلف النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان وعليٍّ بالكوفة، فما رَفَعَ أحدٌ منهم يَدَيْهِ إلاَّ في تكبيرة الإحرام .
(4) ... قوله (كان) في: (ح): «كان ذلك».
(5) ... قوله : «بها» سقط من (ح).
(6) ... في (أ): «يختلف».
(7) ... قوله : «والله أعلم» سقط من (ح) و - صلى الله عليه وسلم - و(ط) و(غ).
(8) ... أخرجه مسلم(1/10رقم 5) في المقدمة، باب النهي عن الحديث بكل ماسمع.
(9) ... قوله: «وعن أن» في (أ) و(غ): «أن».
(10) ... بداية سقط من نسخة (أ)، وسننبه على نهاية بعد وريقات.
(11) ... قوله:« كفى بالمرء كذبًا ... الحديث » سقط من - صلى الله عليه وسلم - و(ط).(1/50)
هكذا (1) ؛ مرسلاً عن حفص، ولم (2) يذكُرْ أبا هريرة؛ هكذا وقع عند كافَّة رواة كتاب (3) مسلم، ووقَعَ عند .............................................
أبي العَبَّاس الرازيِّ - وحده - في هذا الإسناد: عن أبي هريرة، فأسنده (4) .
وَقَالَ عُمَرُبْنُ الخَطَّابِ، وابْنُ مَسْعُودٍ (5) : بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الْكَذِبِ أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَاسَمِعَ .
ثمَّ أردَفَ مسلمٌ الطريق الآخر : عن عليِّ بنِ حَفْص المدائنيِّ، عن شعبة، عن خُبَيْب، عن (6) حفص، عن أبي هريرة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - : مثله (7) ، قال عليّ بن عمر الدَّارَقُطْنِيُّ: والصوابُ المرسل (8) . =(1/116)=@
وَقَالَ مَالِكٌ: اِعْلَمْ أَنَّه لَيْسَ يَسْلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بِكُلِّ مَاسَمِعَ، وَلاَ يَكُونُ إِمَامًا أَبَدًا وَهُوَ يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَاسَمِعَ .
والباء في «بالمرء»: زائدةٌ هنا (9) على المفعول، وفاعل «كفى»: «أن يحدِّث»، وقد تزاد هذه الباء (10) على فاعل «كفى»؛ كقوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (11) : و «كذبًا» و«شهيدًا»: منصوبان (12) على التمييز.
ومعنى الحديث : أنَّ مَنْ حدَّث بكلِّ ما سمع،حصَلَ له الحظُّ الكافي من الكذب؛ فإنَّ الإنسان يسمعُ الغَثَّ والسمين، والصحيح والسقيم، فإذا حدَّث بكل ذلك (13) ، حدَّثَ بالسقيم وبالكذب، ثم تُحَمِّلَ (14) عنه (15) ، فيَكْذِبُ في نفسه أو يُكْذَبُ بسببه.
ولهذا أشار مالك - رحمه الله - بقوله: لَيْسَ يَسْلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بِكُلِّ مَاسَمِعَ، وَلاَ يَكُونُ إِمَامًا أَبَدًا ، أي إذا وُجِدَ (16) الكَذِبُ في وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، َقالَ:سَأَلَنِي إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ:إِنِّي أَرَاكَ قَدْ كَلِفْتَ بِعِلْمِ الْقُرْآنِ، فَاقْرَأْ عَلَيَّ سُورَةً وَفَسِّرْ؛ حَتَّى أَنْظُرَ فِيمَا عَلِمْتَ، قَالَ: فَفَعَلْتُ، فَقَالَ لِيَ: احْفَظْ عَلَيَّ مَا أَقُولُ لَكَ: إِياَّكَ وَالشَّنَاعَةَ فِي الْحَدِيثِ ! فَإِنَّهُ قلَّمَا حَمَلَهَا أَحَدٌ إِلاَّ ذَلَّ فِي نَفْسِهِ، وَكُذِّبَ فِي حَدِيثِه .
روايته، لم (17) يوثَقُ (18) بحديثه (19) ، وكان ذلك جَرْحَةً فيه؛ فلا يصلحُ ليقتديَ به أحدٌ (20) ولو (21) كان عالمًا، فلو بيَّن الصحيحَ من السقيم، والصادقَ من الكاذب، سَلِمَ من ذلك، وتقصَّى عن عُهْدَةِ ما يجبُ عليه من النصيحة الدينيَّة (22) .
وقوله:«إِنِّي أَرَاكَ قَدْ (23) كَلِفْتَ بِعِلْمِ الْقُرْآنِ»، هو (24) بكسر اللام من الكَلَفِ بالشيء، وهو الوَلُوعُ به، والمحبَّةُ له، والاعتناءُ به؛ وهكذا صحَّت روايتُنا فيه،، ورُويَ (25) من (26) طريق وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مِسْعُودٍ (27) ؛ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً .
الطبريِّ (28) :«عَلِقْتَ»، وهو من العَلاَقة، وهي المحبة .
والشناعة في الحديث: هي ما (29) يُسْتَقْبَحُ، ويُسْتنكر؛ يقال: شَنِعْتُ بالشيء، أي: أنكرتُهُ، بكسر النون، وشَنُعَ الشيءُ بضمها (30) : قَبُحَ في نفسه، وشَنَّعْتُ على - الرجل مشدَّدًا -: إذا &(1/51)&$
__________
(1) ... قوله:« هكذا " من - صلى الله عليه وسلم - و(ط) فقط .
(2) ... في (غ): «لم» بلا واو.
(3) ... قوله: «كتاب» ليس في (غ).
(4) ... أبو العباس الرازي أحد الرواة لـ"صحيح مسلم". ... والذي يظهر: أنَّ مخالفة الرازيِّ لغيره من رواة كتاب مسلم وهم ثقاتٌ كثيرون، يعتبر شذوذًا من الرازيِّ ولو كان ثقةً، ويؤيِّد ذلك ما سيأتي من ذكر الاختلاف في رواية الحديث. ... فهذا الحديث : رواه شعبة، عن خُبَيْب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، واختلف عليه فيه؛ فروي موصولاً؛ بذكر أبي هريرة، وروي مرسلاً؛ فلم يُذْكَرْ أبو هريرة: ... الوجه الأول: الروايةُ المتصلة بذكر أبي هريرة؛ أخرجها مسلم في المقدمة، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع برقم ( 5 ). وأخرجها أبو داود في الأدب، باب التشديد في الكذب برقم ( 4992 ). وقال أبو داود: «ولم يسنده إلا هذا الشيخ - يعني: علي بن حفص المدائني - ». وأخرجها الحاكم (1/112)، وقال: «ذكر مسلم هذا الحديث في أوساطِ الحكايات التي ذكرها في خطبة الكتاب ...، ولم يخرِّجه محتجًّا به في موضعه من الكتاب . وعليُّ بن حفص المدائني ثقة، وقد نبَّهنا في أول الكتاب على الاحتجاج بزيادات الثقات»، ثم ذكر أنَّ جماعة من أصحاب شعبة رَوَوْهُ وأرسلوه، ووافقه الذهبي . وأخرجها ابن حبان - كما في الإحسان -(1/192). ... كلهم من طريق علي بن حفص المدائني، عن شعبة، به موصولاً بذكر أبي هريرة. ... الوجه الثاني: الرواية المرسلة التي لم يُذْكَرْ فيها أبو هريرة 0 أخرجها مسلم في الموضع السابق برقم (5) من طريقين:
أحدهما: من طريق معاذ بن معاذ العنبري .
والآخر: من طريق عبد الرحمن بن مهدي . ... كلاهما عن شعبة به مرسلاً . وينظر في ذلك «متن صحيح مسلم بشرح الأُبِّيِّ» (1/18)، و"شرح النووي" على مسلم (1/72 و74)، وكتاب "بين الإمامين مسلم والدارقطني" (ص 3 و4)، و"التتبع" للدارقطني (ص 158). ويتنبَّه إلى أن نسختي مسلم: التي بتحقيق فؤاد عبد الباقي، والتي بشرح النووي: قد اتفقتا على إيراد الطرق كلِّها متصلة . ... وأخرجه أبو داود في الموضع السابق برقم (4992) عن حفص بن عمر، عن شعبة، به مرسلاً، وقال أبو داود: «ولم يذكُرْ حفصٌ أبا هريرة» . وأخرجه الحاكم في الموضع السابق (1/112) من ثلاث طرق: طريق آدم بن أبي إياس، وطريق سليمان بن حَرْب، وطريق حفص بن عمر، كُلُّهم عن شعبة به مرسلاً . ... حاصلُ النظر في أوجه الاختلاف: الاختلافُ في هذا الحديث على شعبة، فرواه جماعة مرسلاً، وهم: عبد الرحمن بن مهدي، ومعاذ بن معاذ العنبري، عند مسلم، حفص بن عمر، عند أبي داود والحاكم، آدم بن أبي إياس، سليمان بن حرب، عند الحاكم، غُنْدر، كما أشار إليه الدارقطني في "التتبع" (ص 158)، وهؤلاء الرواة كلُّهم ثقات حُفَّاظ. ... والذي تفرَّد برواية الحديث عن شعبة موصولاً راوٍ واحدٌ هو علي بن حفص المدائني، وهو صدوق،"رجال صحيح مسلم" (2/54)، و"تهذيب التهذيب" (7/309)، و"ميزان الاعتدال" (3/125)، و"التقريب" (ص 400). ... ومن العلماء: مَنْ رجَّح الوصل على الإرسال، كالحاكم والنووي،"المستدرك" (1/112)، و"شرح صحيح مسلم" (1/74)، وحجتهما: أن الوصل زيادة ثقة، وزيادة الثقة مقبولة . ... ومن العلماء: مَنْ رجَّح الإرسالَ على الوصل صراحةً، كالدارقطني في "التتبع" (ص 158)، قال: «والصوابُ مرسل، قاله معاذ وغُنْدر وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم» . ... وممن أشار إلى ترجيح المرسل على المسند: أبو داود في "سننه"؛ فقد قال - كما في الموضع السابق -:«ولم يسنده إلا هذا الشيخ؛ يعني عليَّ بن حفص المدائني». اهـ. فيؤخذ من كلامه هذا ترجيحُ الإرسال. ... وبذا فالمترجِّحُ : الإرسالُ على الوصل؛ لكثرة من أرسله؛ ولأنهم من الحُفَّاظ . ... أما الذي وصله : فهو راوٍ واحدٌ تفرَّد بوصله، وهو غيرُ حافظ، وإنما هو صدوق، فإسنادُهُ هذا إسنادٌ شاذٌّ على أحسن الأحوال . ... ولا مؤاخذةَ على الإمام مسلم، فَعُذره أنه لم يخرِّج الحديثَ محتجًّا به في أصل الكتاب، وإنما ذكره في المقدِّمة: وكذلك فإنه قدَّم الحديثَ المرسَلَ، ثم ذكر الحديث المسنَدَ. ... وقد أورد الشارح في "التلخيص" بعده أثرًا عن عمر وابن مسعود بمعناه، فقال: وقال عمر بن الخطاب، وابن مسعود: بِحَسْبِ المرءِ من الكذب أَنْ يحدِّث بكلِّ ما سمع . ... والأثران في مسلم في المقدِّمة، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع (1/11 رقم 5): ... قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا هُشَيْم، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النَّهْدي، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - . ... والأثر الثاني: عن محمد بن المثنى، قال: حدَّثنا عبد الرحمن قال: حدَّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - به .
إسناد الأثر الأول:
1 - يحيى بن يحيى بن عبد الرحمن التميمي، أبو زكريا النيسابوري، ثقةٌ ثَبْتٌ إمام، توفي سنة (266هـ). "التقريب" (ص 598).
2 - هُشَيْم بن بَشِير بن القاسم بن دينار السلمي، أبو معاوية بن أبي خازم الواسطي، ثقةٌ ثَبَتٌ كثيرُ التدليسِ والإرسالِ الخفيِّ؛ ذكره ابن حَجَر في الطبقة الثالثة من المدلِّسين، توفي سنة (183هـ). "الجرح والتعديل" (9/115)، و"تهذيب التهذيب" (11/59)، و"التقريب" (ص 574)، و"طبقات المدلسين" (ص 73).
3 - سليمان بن طرْخان التَّيْمِيّ، أبو المعتمر البصري، نَزَل في التَّيْم فنسب إليهم، ثقةٌ عابد، توفي سنة (143هـ)."التقريب" (ص 252 )، و"الكاشف" (1/396).
4 - أبو عثمان النَّهْدِيّ عبد الرحمن بن ملّ - بتشديد اللام والميم مثلَّثة - مخضرم، ثقةٌ ثَبَتٌ، مشهور بكنيته، من كبار الثانية، مات سنة (95هـ)، وعاش مائة وثلاثين سنة، وقيلَ: أكثر .
الحكم على الإسناد الأول: هذا السند رجاله ثقاتٌ كلُّهم، لكنْ في السند هُشَيْم، وهو مدلِّس، وقد عنعنه؛ فالسند ضعيف .
إسناد الأثر الثاني:
1 - محمد بن المثنى بن عُبَيْد العَنَزي، أبو موسى البصري، المعروفُ بالزَّمِن، مشهورٌ بكنيته وباسمه، ثقةٌ ثَبَتٌ، مات سنة (252هـ). "التقريب"(ص 505)، و"الكاشف" (3/93)، و"الخلاصة" (ص 157).
2 - عبد الرحمن بن مهدي بن حَسَّان العنبري، مولاهم، أبو سعيد البصريُّ، ثقةٌ ثَبَتٌ حافظ، مات سنة (198هـ). "التقريب" (ص 351).
3 - سفيان بن سعيد بن مَسْروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، ثقةٌ حافظٌ فقيه عابدٌ إمام حُجَّة، مات سنة (161هـ). "الجرح والتعديل" (4/222)، "التهذيب" (4/111)، و"طبقات المدلسين" (ص 32)، و"التقريب" (ص 244).
4 - أبو إسحاقَ السَّبِيعي عمرو بن عبد الله الهَمْداني، ثقةٌ عابد . وُصِفٌ بالاختلاط، وروايةُ سفيان الثوري عنه أخرجها الشيخان، فهي مستقيمة، وهو مدلِّس من الطبقة الثالثة، مات سنة (129هـ). "الكواكب النيرات"(ص 351)، و"التهذيب"(8/63)، و"طبقات المدلِّسين" (ص 67، 88)، و"التقريب" (ص 423)، و"هدي الساري" (ص 431 ).
5 - أبو الأحوص الكوفي عَوْف بن مالك بن نَضْلة الجُشَمي، ثقة، من الثالثة، قُتِل في ولاية الحَجَّاج على العراق، أخرج له مسلم . "التقريب" (ص 433)، و"الكاشف" (2/357).
الحكم على الإسناد الثاني: رجالُ إسناد الأثر الثاني ثقاتٌ كلُّهم، لكنْ في السند أبو إسحاقَ السَّبِيعي، وهو مدلِّس، وقد عنعن؛ فالسند ضعيف .
(5) ... أخرجهما مسلم (1/11) باب النهي عن الحديث بكل ما سمع .
(6) ... من قوله:« علي بن حفص ... » إلى هنا زيادة من (ح) فقط .
(7) ... قوله:« مثله " من (ح) فقط .
(8) ... في كتابه "التتبع" (ص 158)، وإلى هنا انتهى السقط من نسخة (أ)، وقد بدأ في أول الباب من وقوله: «هذا الحديث».
(9) ... قوله:« هنا » سقط من (أ).
(10) ... قوله:« هذه الباء » سقط من (أ).
(11) ... سورة الرعد، الآية: 43 . (96) من سورة الإسراء.
(12) ... في (أ): «نصب».
(13) ... قوله: «بكل ذلك»: في (أ): «به».
(14) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط) «تحدث».
(15) ... في (ح) : «عليه».
(16) ... قوله: «أي : إذا وجد» في (أ): «لأنه يوجد».
(17) ... قوله: «لم» في (أ): «فلا».
(18) ... في (ح) : «يوفق».
(19) ... قوله: «بحديثه» في (أ) : «به».
(20) ... من قوله:«وكان ذلك جرحة... » إلى هنا ليس في(أ).
(21) ... قوله: «ولو» في (أ): «وإن».
(22) ... من قوله:« من ذلك .. » إلى هنا ليس في (أ).
(23) ... قوله: «قد» سقط من - صلى الله عليه وسلم - و(ط).
(24) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط) و(غ).
(25) ... في (ح) - صلى الله عليه وسلم - و(ط) و(غ) «وقد روي».
(26) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط) : «عن».
(27) ... أخرجه مسلم في المقدِّمة، باب النهي عن الحديث بكلِّ ما سمع (1/11) .
(28) ... الطبري: أحد رواة "صحيح مسلم" انظر ترجمته في "مقدِّمة التحقيق".
(29) ... قوله: «هي ما» في (ح): «هو ما»، وفي (أ) و - صلى الله عليه وسلم - : «ما».
(30) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط) : «بضم النون».(1/51)
ذَكَرْتَ عنه قبيحًا؛. حذَّره بهذا القولِ عن (1) أن يحدِّثَ بالأحاديثِ المنكرة، فيُكَذَّبُ (2) وَيَذِلُّ. =(1/117)=@
قوله (3) :«مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً»، أي: حديثاً (4) لا يفهمونَهُ ولا يُدْرِكون معناه .
والفتنة هنا: الضلالُ والحيرة، وهي تتصرَّف (5) في القرآن على .............................................
أوجه متعدِّدة (6) ، وأصلها: الامتحان والاختبار؛ ومنه قولهم (7) : فَتَنْتُ الذهبَ بالنار: إذا اختبرتَهُ بها، وهذا نحو؛ مما قال في حديث آخر (8) : «حَدِّثوا الناسَ بما يفهمون؛أتريدون أن يُكَذَّبَ اللهُ ورسولُهُ؟!» (9) .
بَابُ التَّحْذِيرِ مِنَ الْكَذَّابِينَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (10) ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الأَْحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ ! لا يُضِلُّونَكُمْ، وَلاَ يَفْتِنُونَكُمْ» .
وَمِنْ بَابِ التَّحْذِيرِ مِنَ الْكَذَّابِينَ
قوله: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ (11) » (12) الحديث، الدَّجَّال: الكَذَّابُ، المَمَوِّهُ بكذبه، الملبِّسُ (13) به، يقال: دَجَلَ الحقَّ بباطله، أي: غطَّاه، ودجَلَ، &(1/52)&$
__________
(1) ... في (ح): «من».
(2) ... في (أ): «ويترك».
(3) ... في (ح) و(غ) و - صلى الله عليه وسلم - : «وقوله».
(4) ... في (أ) و(غ) و(ط) : «حديث».
(5) ... قوله: «تتصرف» سقط من (أ).
(6) ... انظر هذه الأوجه في: "مفردات ألفاظ القرآن" الراغب الأصفهاني (ص 623 - 625).
(7) ... سقط من (أ).
(8) ... قوله: «مما قال في حديث آخر» في (أ) «قوله».
(9) ... أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب مَنْ خَصَّ بالعلم قومًا دون قوم كراهية ألاَّ يفهموا، عن عليٍّ ؟ ( 1/225 ). ... قال الحافظ: فيه دليلٌ على أنَّ المتشابه لا ينبغي أن يُذْكَرَ عند العامَّة، وممن كره التحديثَ ببعضٍ دون بعض: أحمدُ في الأحاديث التي ظاهرها الخروجُ على السلطان، مالكٌ في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب، وأنكَرَ الحسنُ تحديثَ أنس للحَجَّاج بقصَّة العُرَنِيِّينَ؛ لأنَّه اتخذها وسيلةً إلى ما كان يتعمَّدُهُ من المبالغة في سفك الدماء . وضابطُ ذلك: أن يكون ظاهر الحديثِ يقوِّي البدعة، وظاهره غيرُ مراد، فالإمساكُ عنه عند من يُخْشَى عليه الأخذُ بظاهره مطلوبٌ .اهـ. مختصرًا من "الفتح" (1/225).
(10) ... أخرجه مسلم (1/12 رقم 7) في المقدمة، باب النهي عن الرواية عن الضعفاء....، وأخرجه في الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجلُ بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء (برقم 157)، والبخاري في المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام (6/616).
(11) ... قوله: «دجالون كذابون» في (ح): «كذابون دجالون».
(12) ... وهو في مسلم في المقدِّمة، باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها برقم (6 ، 7). وأخرجه في الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجلُ فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء (برقم 157)، والبخاري في المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام (6/616).
(13) ... في - صلى الله عليه وسلم - : «المكيس».(1/52)
أي (1) : مَوَّهَ وكَذَب (2) ؛ وبه سمي الكذَّابُ الأعور،، وقيل: سُمِّيَ بذلك؛ لضربه في =(1/118)=@ الأرض وقطعه .............................................
نواحيَهَا، يقال: دَجَُلَ الرجلُ، بالفتح والضم (3) : إذا فعل ذلك؛ حكاه ثعلب (4) .
وهذا (5) الحديثُ (6) إخبارٌ من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بأنّه سيُوجَدُ بعده كذّابون عليه، يُضِلُّونَ الناسَ بما يضعونه ويختلقونه (7) ، وقد وُجِدَ ذلك على نحو ما قاله؛ فكان (8) هذا الحديثُ (9) ، مِنْ (10) دلائلِ صدقه، - صلى الله عليه وسلم - . ذكر (11) أبو عُمَرَ ابنُ عبد البَرِّ، عن حَمَّاد بن زيد أنَّه (12) قال: وضعتِ .............................................
الزنادقةُ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - اثنَيْ عشَرَ ألفَ حديثٍ بَثُّوهَا في الناس (13) .
وحُكِيَ عن بعضِ الوضَّاعين أنه تاب فبكى، وقال: أَنَّى لي بالتوبةِ وقد وَضَعْتُ اثنَيْ عَشَرَ ألفَ حديثٍ على النبي - صلى الله عليه وسلم - كُلُّهَا يُعْمَلُ بها؟! (14) .
وقد كتب أئمَّةُ الحديث كتبًا (15) كثيرة، بيّنوا فيها كثيرًا من الأحاديث الموضوعةِ المنتشرةِ في الوجود (16) ، قد (17) عمل بها كثيرٌ من .............................................
الفقهاء الذين لا عِلْمَ لهم (18) برجال الحديث .
وقوله: «فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ ! لا يُضِلُّونَكُمْ، وَلاَ يَفْتِنُونَكُمْ»؛ كذا صحَّتِ الروايةُ فيه (19) بإثبات النون، والصوابُ حذفها؛ لأنَّ ثبوتها يقتضي أن تكون خبرًا عن نَفْي وقوعِ الإضلالِ والفتنة، وهو نقيضُ (20) المقصود، فإذا حُذِفَت، احتَمَل حذفُهَا وجهين؟:
أحدهما: أن يكون ذلك (21) مجزومًا على جواب الأمر الذي تضمَّنَهُ إيَّاكم ؛ فكأنه قال: احذَرُوهُمْ (22) لا يضلُّوكم ولا يفتنوكم (23) .
وثانيهما (24) : أن يكونَ قوله: لا يضلوكم (25) نهيًا، ويكون ذلك (26) من باب قولهم:«لا أَرَيَنَّكَ ههنا»، أي: لا تتعرَّضوا لإضلالهم ولا لفتنتهم (27) . =(1/119)=@
وَقَالَ عَبْدُاللهِ (28) : إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ، فَيَأْتِي الْقَوْمَ فَيُحَدِّثُهُمْ بِالْحَدِيثِ مِنَ الْكَذِبِ، فَيَتَفَرَّقُونَ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ: سَمِعْتُ رَجُلاً - أَعْرِفُ وَجْهَهُ، وَلاَ أَدْرِي مَا اسْمُهُ - يُحَدِّثُ .
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (29) : إِنَّ فِي الْبَحْرِ شَيَاطِينَ مَسْجُونَةً، أَوْثَقَهَا سُلَيْمَانُ؛ يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا .
وقوله: «إِنَّ فِي الْبَحْرِ شَيَاطِينَ مَسْجُونَةً، أَوْثَقَهَا سُلَيْمَانُ...» الحديثَ (30) ، هذا ونحوه لا يتوصَّلُ إليه بالرأي والاجتهاد، بل .............................................
بالسمع (31) . والظاهر: أن الصحابة إنما تستنُد في هذا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، مع أنه يحتملُ أن يحدِّثَ بذلك عن بعضِ (32) أهل الكتاب. &(1/53)&$
__________
(1) ... قوله : «أي» ليس في (أ)، وفي - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «إذا».
(2) ... في (ح): «وكذب به».
(3) ... قوله: «بالفتح والضم» في - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «بالضم والفتح».
(4) ... هذان القولان محليَّان عن ثعلب إمام الكوفيين؛ كما في "الغريبَيْن" للهروي (2/619)، ونسب القول الثاني إلى ثعلب أيضاً: ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" (2/329)، ولكني لم أقف عليه في كتابَيْ ثعلبٍ: الفصيح، والمجالس. وانظر: "الجمهرة" (1/449)، و"تهذيب اللغة" (10/653)، و"الصححاح" (4/1695)، و"اللسان" (11/236)، وانظر: التفصيل ما قيل في اشتقاق «الدَّجَّال» في "تاج العروس" (14/228)، وفيه: «أن جمع الدَّجَّال: دجَّالن؛ كما في "التهذيب" [10/630]، قال شيخنا: وقد جمعوه على دجاجلة على غير قياس، وعن عبد الله بن إدريس الأزدي: ما عرفت دَجَّالاً يجمع على دجاجلة حتى سمعتها من مالك؛ حيث قال ..... إنما هو دجَّال من الدجاجلة».
(5) ... في (ح) و - صلى الله عليه وسلم - و(ط) و(غ): «هذا» بلا واو.
(6) ... قوله:« الحديث » سقط من (أ).
(7) ... في (أ):« ويخلقونه ».
(8) ... في - صلى الله عليه وسلم - «وكان».
(9) ... قوله:« على نحو ما قاله، فكان هذا الحديث » سقط من (أ).
(10) ... في (أ):« فهو من ».
(11) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «وذكر أبو عمرو»،وليس في (أ) قوله: «أبو عمر».
(12) ... قوله: «أنه» ليس في (أ) وقوله: «عن عماد بن زيد أنه» ليس في - صلى الله عليه وسلم - .
(13) ... "الموضوعات" (1/38).
(14) ... وهذا الاعترافُ من وضع هذا الوضَّاع: إمعانٌ منه في التشكيك في السنَّة، والتلبيسِ على المسلمين؛ وإلاَّ فسنَّةُ محمَّد - صلى الله عليه وسلم - قد عاش لها الجهابذة ينفون عنها كذب الكاذبين، بل وَيَفْلُونَهَا فَلْيًا؛ ليكشفوا عن خطأ ثقةٍ صادقٍ أخطأَ يومًا في حديث من حديثه، فيبيِّنوا خطأه ووجهَ الصواب في روايته، فهل يُظَنُّ - بعد ذلك - أن ينغمر فيها هذا العددُ الضخم من الموضوعات المكذوبة ويعمل بها المسلمون؟! ... إنَّ التصديقَ بذلك لا يُبْقِي في النفس وثوقًا بشيء من السُّنَّةِ بعدُ، وإنَّ هذه الاعترافاتِ ممَّا يُرَدُّ - ولا كرامةَ - على هؤلاء الوضَّاعين؛ فهي من أقبحِ موضوعاتهم، ويقالُ لكلٍّ منهم: اخسَأْ، فلن تعدُوَ قَدْرَك . وانظر:"الوضع في الحديث" (1/222)؛ ففيه كلامٌ حسن حول ذلك .
(15) ... قوله: «ائمة الحديث كتباً»: في (ط): «أئمة المحدثين أحاديث».
(16) ... منها: كتاب "الموضوعات" للنَّقَّاش، و"الموضوعات" لابن الجوزيّ، و"الأباطيل" للجُورْقانيّ، وهناك كتب ألَّفَتْ بعد القرطبيِّ - رحمه الله - ككتاب "ترتيب الموضوعات" للذهبيّ، و"اللآلئ المصنوعة" للسيوطيّ، و"تنزيه الشريعة المرفوعة" لابن عَرَّاق، و"تذكرة الموضوعات" للفَتَّني، و"الفوائد المجموعة" للشوكانيّ، وغيرها . ... وانظر: تَتَبُّعَهَا والحديثَ عنها في "الوضع في الحديث" (3/451).
(17) ... قوله: «قد عمل» في (غ): «وعمل».
(18) ... في (ح): «عندهم».
(19) ... قوله: «فيه» ليس في (أ).
(20) ... في (غ): «يناقض».
(21) ... في (غ): «قوله ذلك».
(22) ... في (ح) و - صلى الله عليه وسلم - و(ط): «أحذِّركم».
(23) ... في (غ): «لا يضلونكم ولا يفتنونكم».
(24) ... في (أ): «والثاني»، وفي - صلى الله عليه وسلم - و(ط) «وثانيها».
(25) ... في (ط) و(غ): «لا يضلُّونكم».
(26) ... قوله «ذلك» سقط من (أ).
(27) ... في - صلى الله عليه وسلم - و(ط)، (غ) «لفتنتهم ولا لإضلالهم».
(28) ... أخرجه مسلم (1/12 رقم 7) في المقدمة، باب النهي عن الرواية عن الضعفاء ... .
(29) ... أخرجه مسلم (1/12 رقم 7) في المقدمة، باب النهي عن الرواية عن الضعفاء ... .
(30) ... وهذا الأثر عند مسلم في المقدمة، باب النهي عن الرواية عن الضعفاء (1/12)، عن محمد بن رافع، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا مَعْمَرٌ، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، به . ... وأخرجه ابن عدي في مقدمة "الكامل" (1/59)، وقد رواه من طريقين، كلاهما من طريق ليث بن أبي سُلَيْم، عن طاوس، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، والأول منهما جاء فيه الخبرُ مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . والثاني: روي موقوفًا على عبد الله بن عمرو بن العاص . ... وسند الأثر صحيحٌ إلى ابن عمرو بن العاص، لكنْ لا يقالُ بأنَّ له حكم الرفع؛ لما ذُكِرَ عن عبد الله بن عمرو بن العاص من أنه يأخذ عن أهل الكتاب . "البداية والنهاية" (8/264)، و"تدريب الراوي"(1/190)، و"النكت" على ابن الصلاح(2/532).
(31) ... من هنا بداية سقط من نسخة - صلى الله عليه وسلم - .
(32) ... قوله: «بعض» سقط من (ط).(1/53)
وقوله: «يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا (1) »:
«يُوشِكُ» بكسر الشين (2) ، وهي من أفعال المقاربة، وماضيها: «أَوْشَكَ»، ومعناه (3) : مقاربة وقوعِ الشيء وإسراعُهُ، و«الوَشْكُ»، بفتح الواو: السرعةُ، وأنكر الأصمعيُّ الكسر فيها، وحكى الجوهري الضَّمَّ فيها (4) .
وتستعمل (5) «يوشك» على وجهَيْن؛ ناقصةٍ تفتقر إلى اسم .............................................
وخبر، وتامَّةٍ تستقلُّ باسمٍ واحد:
فالناقصة: تَلْزَمُ (6) خبرَهَا «أنْ» غالبًا؛ لما فيها من تراخي الوقوع (7) ، وتكونُ (8) بتأويلِ (9) المصدر؛ كقولك (10) : يُوشِكُ زيدٌ أن يذهب، أي: قارَبَ زيدٌ الذَّهَابَ، وربَّما حذفتْ «أنْ»؛ تشبيهًا لها بـ«كاد»؛ كقول الشاعر؟:
يُوشِكُ مَنْ فَرَّ مِنْ مَنِيَّتِهِ
فِي بَعْضِ غِرَّاتِهِ يُوَافِقُهَا (11)
والتامَّةُ: تكتفي باسم واحد، وهو «أنْ» مع الفعلِ بتأويلِ المصدر، بمعنى «قَرُبَ»؛ كما في خبر ابن (12) عمرو هذا .
.............................................
و«القرآن» أصله: الضَّمُّ والجمع؛ ومنه قولُ مَنْ مدح ناقته فقال (13) :
...................
هِجَانِ اللَّوْنِ لم تَقْرَأْ جَنِينَا (14) =(1/120)=@
.............................................
ومنه (15) سُمِّيَ كتابُ الله تعالى قرآنًا (16) ؛ لِمَا جمَعَ من المعاني الشريفة، ثم قد يقال مصدرًا بمعنى القراءة؛ كما قال الشاعر في (17) عثمان $ح:
...................
يُقَطِّعُ اللَّيْلَ تَسْبِيحًا وَقُرْآنَا (18)
أي: قراءةً .
.............................................
ومعنى هذا الحديث (19) الإخبارُ بأنَّ الشياطين المسجونَة (20) ستخرُجُ (21) ، فتُمَوِّهُ على الجهلة بشيء تقرؤُهُ عليهم، وتلبِّس به؛ حتى يحسبوا أنه قرآن (22) ، كما فعله (23) مسيلمة، أو تٌسْرُدُ (24) عليهم أحاديث تسندها (25) للنبي ؟ كاذبةً، وسميت قرآنًا؛ لما جمعوه (26) فيها من الباطل (27) .
وعلى هذا الوجه يستفاد من الحديث (28) التحذيرُ من قَبُول ِحديث .............................................
من (29) لا يُعْرَفُ، &(1/54)&$
__________
(1) ... قوله: «قرآناً» ليس في (ط).
(2) ... قال في "تاج العروس" (13/666): «كل ذلك بكسر الشين من «يُوشِكُ» أي: يقرُبُ ويدنو ويُسْرِع، ولا تفتح شينه؛ وبه جزم الحريري في «دُرَّته» [يعني: دُرَّة الغَوَّاص، في أوهام الخَوَاصّ» (ص 79)] وتابعه الشهاب في الشرح [ص 360]،، أو لغةٌ رديئة عامِّيَّة؛ كما في "الصحاح" [4/1615]. اهـ. ولذلك نبَّه الشارح على كسر الشين.
(3) ... في (غ): «ومعناها».
(4) ... نقل إنكار الأصمعي للكسر في «الوشك» ابنُ دريد في "الجمهرة" (2/878)، وعن الزَّبِيدِيُّْ "تاج العروس" (13/666)، وحكي الجوهريُّ الضمَّ في "صحامه" (4/1615). قال في "تاج العروس" (13/667): «واليوشكُ بالكسر: لغةٌ في الوَ ُشك بالفتح والضم؛ عن ابن دريد ومعناه: السرعة».
(5) ... في (ح) «ويستعمل».
(6) ... في (ح) «تلزمها»، وفي (ط): «يلزم».
(7) ... يعني: لمَّا كان في «يوشك» دلالة على تراضي وقوع الخبر، لزمت «أَنْ» في خبرها غالباً؛ وذلك لدلالة «أنْ» على الاستقبال.
(8) ... في (ط): «ويكون».
(9) ... قوله:« بتأويل » سقط من (ط)، وفي (ح):« بتأوّل ».
(10) ... في (ط): «كقوله».
(11) ... البيت من المنسرح، وهو لاميَّة بن أبي الصلت في "ديوانه" (ص 42)، و"الكتاب" (3/161)، و"شرح المفصَّل" (7/126)، و"لسان العرب" (6/32، 188)، ولعمران بن حِطَّن في "ديوانه" (ص 123)، ولرجل من الخوارج في "الدرر اللوامع" (2/136)، وبلا نسبة في "أوضح المسالك" (1/281)، و"شرح شذور الذهب" (ص 352)، و"همع الهوامع" (1/129). و«غراته» جمع غِرَّة، وهي الغفلة، "مختار الصحاح" (ص 412).
(12) ... قوله: «ابن» سقط من جميع النسخ، وأضيف لأن السياق يحتمه.
(13) ... قوله: «فقال» ليس في (ط).
(14) ... هذا عجزُ بيت من الوافر، وهو لعمرو بن كُلْثوم في معلَّقته المشهورة، والبيت بتمامه:
ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أَدْمَاءَ بِكْرٍ
هِجَانِ اللّونِ لم تقرَأْ جَنيناَ
... هذه رواية أبي عبيدة للبيت، ورواية غيره:
ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أَدْمَاءَ بِكْرٍ
تَرَبَّعَتِ الأجارعَ والمُتُونَا
... «العَيْطَلُ»: قيل: هي الطويلةُ، وقيل: هو الطويلةُ العُنُقْ والأَدْمَاءُ: البيضَاءُ، «والبَكْر» التي حملت بطناً واحداً، ويروي: بَكْر، بفتح الباء، وهوو الفتيّ من الإبل، وكسر الباء أعلى الروايتَين، «وتربِّعَت»: رعتْ نبت الرَّبيع، «والأَجارِعُ»: روابٍ من الرَّمل تُنْبِت البقلَ، واحدها أَجْرَع، «والمُتُون: جمع متن، والمتن: الأرض الصُّلْبة الجَلْدَةُ؛ ومنه يقال: فلانٌ متين، و«الهجان»: الأبيض الخالص البياض، يستوي فيه الواحد والتثنية والجمع، وينعت به الإبل والرجال وغيرهما، و«لم تقرَأْ جنينًا»: معناه: لم تَضُمَّ في رَحِمها جنينًا، قال أبو عبيدَة: سُمِّيَ القرآنُ قرآنً بضم بعضه إلى بعضٍ وتأليفِ سُوَرهِ، هذا معنى قول أبي عبيدة، واستشهد بقول الله ثناؤه: ُ « » ف پ ء - صلى الله عليه وسلم - ـ! ! ِ [القِيَامَة: 17] {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ *}، أي: تأليفه، وقال غيره: سمِّي قرآناً من قولهم: ما قرأتِ الناقة شلاً قطُّ، أي: لم تُلْقِهِ.
... انظر:"ديوان عمرو بن كلثوم" (ص 51)، و"مجاز القرآن" (1/2، 17)، و"شرح القصائد العشر" (ص 386-387 )، و"شرح القصائد المشهورات" لابن النحاس (2/93-94)، و"شرح المعلّقات السبع" للزوزني (ص 218)، و"اللسان" (1/128، 132)، و(4/79)، و(11/455)، و(13/431).
(15) ... في (ح) و(ط): «وبه».
(16) ... انظر: في تعريف "القرآن" لغةً واصطلاحاً: "المفردات" (ص 402)، و"المحرَّر الوجيز" (1/68)، و"مناهل العرفان" (1/7)، و"اللسان" (1/128-129)، و"التاج" (1/218-219).
(17) ... قوله : «في» سقط من (أ).
(18) ... هذا عجز بيت من البسيط، ولصدره روايتان: ... الأولى:
ضَحَّوْا بأشمَطَ عُنْوَانُ السجود به
.....................
... وهو بهذه الرواية لحسان بن ثابت - رضي الله عنه - في «ديوانه» (ص 216)، و"تهذيب اللغة" (1/111)، و"اللسان" (13/294)، و(14/477). ... والثانية:
هذا سراقةُ للقرآنِ يَدْرُسُهُ
.....................
... وهو بهذه الرواية لحسَّان - رضي الله عنه - في "ديوانه" (ص 216)، و"اللسان" (13/394)، (14/477)، ولكثير بن عبدالله النهشلي في "الدُّرر" (5/214)، ولأوس بن مغراء في "خزانة الأدب" (9/418)، و"المقاصد النحوية" (4/17)، وبلا نسبة "إصلاح المنطق" (ص 290)، و"معنى اللبيب" (1/218)، وهذا البيت من أبيات سيبويه. "الكتاب" (3/67).
(19) ... قوله: «ومعنى هذا الحديث» في (أ): «ومعناه».
(20) ... في (أ):« المصحوبة ».
(21) ... في (أ):« تخرج ».
(22) ... قال القاضي في "الإكمال" (ص 109):« قد حفظَ الله كتابه، وضَمِنَ ذلك؛ فقال: ُ ل ك ق ف ط ظ ص ء ! ! ِ [الحِجر: 9] {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *}، وقد ثبت القرآنُ ووقَعَ عليه الإجماع، فلا يزادُ فيه حرفٌ ولا ينقصُ حرف، وقد رام الروافضُ والمُلْحِدة ذلك، فما تمكَّن لهم، ولا يَصِحُّ أن يقبَلَ مسلمٌ مِنْ أحد قرآنًا يدَّعيه مما ليس بين دفَّتيه . فإنْ كان لهذا الخبر أصلٌ صحيح، فلعلَّهُ يأتي بقرآن فلا يُقْبَلُ منه، كما لم يُقْبَلْ ما جاءت به القرامطةُ، ومسيلمةُ، وسَجَاحِ، وطُلَيْحةُ، وشبههم .
(23) ... في (ط): «نقله».
(24) ... في (أ): «ـرد» وفي (غ): «يرد»؛ كذا رسمت بدون نقط.
(25) ... في (غ): «بسندها».
(26) ... في (غ): «جمعوا».
(27) ... من قوله : «تسندها» إلى هنا لم يظهر في التصوير في (ح).
(28) ... قوله: «من الحديث» سقط من (أ).
(29) ... قوله : «من» سقط من (ط).(1/54)
وعلى الأول التحذيرُ من قبول (1) ما لا يُعْرَف (2) (3) .
بَاب الإِْسْنَادِ مِنَ الدِّينِ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ (4) : إِنَّ هذَا الْعِلْمَ دِينٌ؛ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ .
ومِنْ بَاب الإِْسْنَادِ مِنَ الدِّينِ (5)
أي: مِنْ أصوله؛ لأنَّهُ لمَّا كان مرجعُ الدينِ إلى الكتابِ والسُّنَّة، والسنَّةُ (6) لا تؤخذ (7) عن كُلِّ أحد: تعيَّنَ النظرُ في حال النَّقَلَةِ، واتِّصَالِ (8) روايتهم، ولولا (9) ذلك، لاختلط (10) الصادقُ بالكاذب، والحقُّ بالباطل، ولمَّا وجَبَ الفرقُ بينهما، وجَبَ النظرُ في الأسانيد.
وهذا الذي قاله ابنُ المبارك: قد قاله قبله (11) أنسُ بنُ مالك، .............................................
وأبو هريرة، ونافعٌ مولى ابن عمر (12) ، وغيرهم (13) ، وهو أمرٌ واضحُ الوجوب لا يُخْتَلَفُ فيه:
قال عقبةُ (14) بن نافع =(1/121)=@ لبنيه: يا بَنِيَّ (15) ، لا تقبلوا الحديثَ إلا مِنْ ثقة . وقال ابن معين (16) : كان فيما (17) أوصى به (18) صُهَيْبٌ بنيه أنْ قال: يا بَنِيَّ ، لا تَقْبَلُوا الحديثَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا مِنْ ثقة .
وقال ابن عَوْن: لا تأخذوا العلمَ إلا ممن يُشْهَدُ (19) له بالطلب (20) .
وقال سليمانُ بن موسى (21) : لا يؤخذُ العلمُ مِنْ (22) صَحَفِيٍّ (23) ، وَقَالَ (24) : لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِْسْنَادِ، فَلمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ قَالُوا: سَمُّوا لَناَ رِجَاَلكُمْ: فَيُنْظَرُ إِلى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ، وَيُنُظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلاَ يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ .
وقال أيضًا: قلتُ لطاوسٍ: إنَّ فلانًا حدَّثني بكذا وكذا، فقال: إن كان مليًّا (25) ، فَخُذْ عنه (26) .
وقوله: «لَمْ (27) يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِْسْنَادِ»؛ يعني بذلك: مَنْ أدرَكَ من (28) الصحابة وكبراء (29) التابعين.
أما الصحابة: فلا فرق بين إسنادهم وإرسالهم؛ إذ الكلُّ عدولٌ وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ (30) : الإِْسْنَادُ مِنَ الدِّينِ، وَلَوْلاَ الإِْسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ .
وَقَالَ (31) : بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْقَوَائِمُ، يَعْني: الإِسْنَادَ.
على مذهب أهل الحَقِّ، كما أوضحناه في الأصول؛ وكُلُّ (32) من خالَفَ في قبول مراسيل غير الصحابة وافَقَ على قبولِ مراسيل الصحابة (33) .
وأما كُبَرَاءُ (34) التابعين ومتقدِّموهم: فالظاهر من حالهم أنهم يحدِّثون عن الصحابة إذا &(1/55)&$
__________
(1) ... من قوله: «من لا يعرف ....» إلى هنا سقط من (غ).
(2) ... من قوله: «وعلى الأول» إلى هنا سقط من (ح) و (ط).
(3) ... انظر: في شرح قول عبدالله بن عمرو: "الإكمال" (ص 212 - ط شواط)، و"مكلم الإكمال" (1/21)، و"شرح النووي" (1/80)، و"الديباج" (1/21).
(4) ... أخرجه مسلم (1/14) في المقدمة،باب بيان أن الإسناد من الدين، وأن الرواية لاتكون إلا عن الثقات ... .
(5) ... هذه الترجمة، ومثلها ترجمة مسلم: مأخوذة من كلام ابن المبارك، وسينكرها الشارح في التلخيص.
(6) ... قوله:« والسنة » سقط من (ط).
(7) ... في (ح): «توضع».
(8) ... في (ط): «وإيصال».
(9) ... قوله:« لا » سقط من (ط)، في (ط): «ولو».
(10) ... في (غ): «لا اختلط» كذا رسمت.
(11) ... قوله: «قبله» ليس في (ح).
(12) ... لم أجد ما ذكره الشارح عن أنس، وأبي هريرة، ونافع، وأمَّا غيرهم: فقد جاءت عباراتٌ في معنى قول ابن المبارك، ذكرها الشارح في "التلخيص"(1/41)، وهي عند مسلم في المقدِّمة (1/13-15). وانظر غيرها في رسالة «الإسنادُ من الدين»؛ للشيخ عبد الفَتَّاح أبو غُدَّة (ص 18-21)
(13) ... من قوله: «ولما وجب الفرق» إلى هنا سقط من (أ).
(14) ... في (ح): «وقال».
(15) ... قوله:« يا بني » سقط من (أ).
(16) ... قوله: «قال ابن معين» سقط من (أ).
(17) ... قوله: «فيما» في (أ): «مما».
(18) ... قوله: «به» سقط من (ط).
(19) ... في (ح) «شهد».
(20) ... قوله:« وقال ابن عون .. » إلى هنا سقط من (ط).
(21) ... "مقدمة الكامل" لابن عدي (1/160).
(22) ... في (ط): «إلا من».
(23) ... "مقدمة الكامل" لابن عدي (1/163).
(24) ... أخرجه مسلم في الباب السابق (1/15).
(25) ... قوله: «إن كان مليًّا» يعني : ثقةً ضابطاً متقناً يوثَقُ بدينه ومعرفته، ويعتمد عليه كما يعتمد على معاملة الملي بالمال ثقةً بذمته، والرواية جاءت تعدم الهمز، والأصل فيه الهمز؛ لأنه من قولهم: مَلُؤَ الرجلُ يملؤُ مَلاَءَةً، فهو مليءٌ، أي: ثقة غني، قال ابن الأثير: وقد أولع الناس فيه بترك الهمز وتشديد الياء، وفي "التاج": ونقل شيخنا عن الجلال [يعني السيوطي] في "الدر النثير": وقد يسهَّل، وفي "المصباح": ويجوز البدل والإدغام. وهو المسموع في أكثر الروايات. انظر: "شرح النووي" (1/85)، و"النهاية" (4/352)، و"مشارق الأنوار" (1/379)، و"غريب الحديث" للحربي (1/338)، و"جمهرة اللغة" (3/174)، و"المصباح المنير" (ص 580)، و"التاج" (1/252).
(26) ... من قوله:« وقال أيضًا ... » إلى هنا ليس في (ط). وانظر "مقدمة مسلم" (1/15).
(27) ... قوله:« لم » سقط من (ط).
(28) ... قوله: «من أدرك من» سقط من (أ).
(29) ... في: (أ): «وكذا».
(30) ... أخرجه مسلم في الموضع السابق .
(31) ... أخرجه مسلم في الموضع السابق .
(32) ... في (ح): «وكذلك كل»، وفي (ط) و(غ): «ولذلك كل».
(33) ... نقل بعضُ الأصوليين الإجماعَ على قَبُولِ مرسل الصحابيِّ . انظر:"أصول السَّرَخْسِيِّ" (1/359)، و"كشف الأسرار" للبخاريّ (3/2)؛ لكنْ قد خالف في ذلك أبو إسحاق الإسفرايينيّ، وأبو بكر الباقلانيّ؛ لاحتمال كون الصحابيِّ أخذَهُ من تابعيٍّ . وجوابه: أنَّ الظاهر فيما رووه أنَّهُمْ سمعوه من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وروايتهم عن التابعين قليلةٌ نادرةٌ، وقد تُتُبِّعَتْ وجُمِعَتْ لقلَّتها .اهـ. مختصرًا من "النكت" لابن حجر (2/548). وانظر:"جامع التحصيل" (ص 31)، و"المستصفى" (1/107).
(34) ... في (ط): «كبر».(1/55)
أرسلوا، فتُقْبَلُ مراسيلهم (1) ، ولا ينبغي (2) .............................................
أن يُخْتَلَفَ فيها؛ لأنَّ المسكوتَ عنه صحابيٌّ، وهم عدول (3) ، وهؤلاء التابعون (4) هم كعروةَ بن الزُّبَيْرِ، وسعيد بن المسيِّب، ونافعٍ مولى ابن (5) عمر، ومحمد (6) بن سِيرِينَ، وغيرهم مِمَّنْ هو في طبقتهم.
وأمَّا من تأخَّر عنهم ممن حدَّثَ عن متأخِّرِي الصحابة وعن التابعين: فذلك محلُّ (7) الخلاف (8) ، والصواب : قَبُولُ المرسَل (9) إذا كان المُرْسِلُ مشهورَ المذهب في الجرح والتعديل، وكان لا يحدِّثُ إلا عن العدول؛ كما أوضحناه في الأصول.
وقوله:«فَلمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ قَالُوا: سَمُّوا لَناَ رِجَاَلكُمْ»، هذه الفتنة يعني (10) بها =(1/122)=@ - والله أعلم - فتنةَ قتلِ عثمان $ح، وفتنةَ خروجِ .............................................
الخوارجِ (11) على عليٍّ ومعاوية $ذ؛ فإنَّهم كفَّروهما حتى استحلُّوا الدماءَ والأموال.
وقد اختُلِفَ (12) في تكفير هؤلاء (13) ، ولا شَكَّ في أنَّ من كفَّرهم .............................................
لم يَقْبَلْ حديثهم، ومن لم يكفِّرْهُمْ، اختلفوا (14) في قَبُولِ حديثهم؛ كما بَيَّنَّاهُ فيما تقدَّم (15) .
فيعني بذلك - والله أعلم -: أنَّ قَتَلَةَ عثمان والخوارجَ لَمَّا كانوا فُسَّاقًا قطعًا، واختلطَتْ أخبارهم بأخبار مَنْ لم يكنْ منهم، وجَبَ أن يُبْحَثَ عن أخبارهم فَتُرَدُّ، وعن أخبار غيرهم ممَّن ليس منهم فتُقبَلُ، ثم يجري الحُكْمُ في غيرهم من أهل البدعِ كذلك .
ولا يَظُنُّ أحدٌ له فَهْمٌ: أنَّهُ يعني بـ الفتنة فتنةَ عليٍّ وعائشةَ ومعاويةَ؛ إذ لا يصحُّ أن يقال في احدٍ (16) منهم: مبتدعٌ ، ولا فاسقٌ، بل كلٌّ منهم مجتهدٌ عَمِلَ على حسب (17) ظنِّه، وهُمْ في ذلك على ما أجمَعَ المسلمون عليه (18) في المجتهدين من القاعدة المعلومة، وهي أنَّ كلَّ مجتهدٍ مأجورٌ غيرُ مأثوم؛ (19) على ما مهَّدناه في الأصول.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ (20) ، قَالَ: جَاءَ بُشَيْرٌ الْعَدَوِيُّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ وَيَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،، قَالَ: فَجَعَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ لاَ يَأْذَنُ لِحَدِيثِهِ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ! مَالِي لاَ أَرَاكَ تَسْمَعُ لِحَدِيثِي ؟! أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ؟ وَلاَ تَسْمَعُ ؟! فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّا كُنَّا مَرَّةً إِذَا سَمِعْنَا رَجُلاً يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا، وَأَصْغَيْنَا إِلَيْهِ بِآذَانِنَا، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ، لَمْ نَأْخُذْ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ مَا نَعْرِفُ.
وقوله: «جَاءَ بُشَيْرٌ الْعَدَوِيُّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ» (21) ، بُشَيْرٌ: بضم الباء، وفتح الشين، &(1/56)&$
__________
(1) ... في (أ) و(غ): «مراسلهم».
(2) ... قوله:« ولا ينبغي » سقط من (ط).
(3) ... قال الحافظ في "النكت"(2/551):« ويقال: إنَّه مذهَبُ أكثَرِ المتقدِّمين، وهو مذهب الشافعيّ - رحمه الله - لكنْ شرَطَ في مرسل كبار التابعين: أن يعتضدَ بأحدِ الأوجه المذكورة ».اهـ. وانظر:"الرسالة" للشافعيّ(462)، و"الإكمال" (202)، و"جامع التحصيل" (34، 48)، و"التدريب" (1/198).
(4) ... قوله:« التابعون » سقط من (ط).
(5) ... قوله:« ابن » سقط من (ط).
(6) ... في (ط): «محمد» بلا (واو).
(7) ... في (أ) : «ومحل».
(8) ... في (ط): «الاختلاف».
(9) ... في (ط): »المراسل».
(10) ... في (أ): «نعني».
(11) ... الخوارج: هم الجماعة الذين خرجوا على عليٍّ - رضي الله عنه - بعد التحكيم، ولذا سُمُّوا بهذا الاسم، وأصولهم التي اجتمعوا عليها: القول بتكفير علي وعثمان $ذ، والحكمين، وأصحاب الجمل، كل رضي بتحكيم الحكمَيْن أو صوَّبهما أو أحدهما،، والتكفير بارتكاب التبوب، ووجوب الخروج على الإمام الجائر، والخوارج أقدم الفرق ظهوراً، وقد افترقوا فيما بينهم إلى عشرين فرقة تكفِّر كل فرقة سائر الفرق، وكبار فرقهم ستة: الأزارقة، والنجدات، والصفريَّة، والعجاردة، والإباضيَّة، والثعالبة، والباقون فروعهم. انظر: "مقالات الإسلامية" (1/207)، و"الفرق بين الفرق" (ص 20، 24، 72)، و"الملل والنحل" (1/106 - 136)، و"دراسة عن الفرق" (ص 35 - 86)، و"الخوارج، تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها" للدكتور غالب عواجي (ص 21-23)، وانظر في تعريف الخروج والخوارج في اللغة: "تهذيب اللغة" (7/50)، و"اللسان" (2/250-251) و"التاج" (3/341-343).
(12) ... في (ط): «اختلفت».
(13) ... الخلافُ بين العلماء في حدود التأويل المقبول وغيرِ المقبول: أدَّى إلى خلافٍ بينهم في الحُكْمِ على الفرق المتأوِّلة، هل تكفر أم لا تكفر ؟ ومِنْ ذلك: الخلافُ في تكفير الخوارج؛ فقد ذكَرَ الإمامُ الطبريُّ والخَطَّابي الإجماعَ على عدم كُفْرِ الخوارج . ونُقلَ عن غيرهم من الأئمَّة خلافُ ذلك . انظر في تفصيل ذلك:"مجموع الفتاوى" (3/282)، "إيثار الحق" (ص 429)، و"العواصم والقواصم" لابن الوزير (4/369)، و"فتح الباري" (12/299-301 )، و"الشفا" للقاضي عياض (2/1051-1086 )، و"توضيح الكافية الشافية" للسعدي (ص 156-158 )، و"الإرشاد إلى معرفة الأحكام" للسعدي أيضًا (ص 207-209).
(14) ... في (أ): «اختلف».
(15) ... انظر: (ص 74).
(16) ... في (أ): «واحد».
(17) ... في (أ) : «حسن».
(18) ... في (غ): «عليه المسلمون».
(19) ... في (أ) :«مأتور».
(20) ... أخرجه مسلم (1/13) في المقدمة،باب النهي عن الرواية عن الضعفاء... .
(21) ... في مقدمة مسلم، باب النهي عن الرواية عن الضعفاء (1/12 و13)، وهو عن أبي أيوب سليمان بن عُبَيْدِ الله الغَيْلاَني، حدثنا أبو عامر - يعني: العَقَدِيَّ - [وهو عبد الملك بن عمرو القَيْسِي ] حدَّثنا رَبَاح، [وهو ابن أبي معروف المكي]، عن قيس بن سعد [وهو المكي] عن مجاهد، به . وله رواية أخرى وهي التي ذكرها القرطبي، من طريق طاوس به . ورواية ثالثة بنحوها رواها مسلمٌ، عن محمد بن رافع، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس . ... وأخرج هذا الأثر ابن عَدِيٍّ في "الكامل" (1/61-62)، من طريق ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس ؟، به. ... الحكم عليه: الحديثُ بالإسناد الأوَّل حَسَنٌ لحال رباح؛ فهو صدوق له أوهام . "التقريب" (ص 205). وأما الإسناد الآخر للأثر الذي يرويه محمَّد بن رافع، عن عبد الرزاق، عن مَعْمَرٍ، عن ابن طاوس، عن ابن عباس $ج، فرجالُهُ ثقات كلهم . وبذا يرتقي إسناد الأثر الذي فيه مجاهد إلى الصحيح لغيره .(1/56)
وياء (1) التصغير بعدها، وهو عدويٌّ بصريٌّ .............................................
يكنى (2) أبا أَيُّوب (3) ، حدَّث عن أبي ذر، وأبي هريرة، وأبي الدرداء، وحدَّث عنه (4) : عبد الله بن (5) بُرَيْدة (6) ، وطَلْقُ بن حَبِيب، والعلاءُ بن زياد (7) .
وقوله:«فجعَلَ (8) لا يَأْذَنُ لحديثِهِ»، أي: لا يُصْغِي إليه بِأُذُنه، ولا يستمعه؛ ومنه قوله تعالى: ُ £ × % ء پ! ! ِ (9) (10) . =(1/123)=@
.............................................
وقوله (11) :«كُنَّا مَرَّةً إِذَا سَمِعْنَا رَجُلاً يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا، وَأَصْغَيْنَا إِلَيْهِ بِآذَانِنَا (12) »، أي: قَبِلْنَا منه، وأَخَذْنَا (13) عنه .
هذا الذي قاله ابن عبَّاس يشهَدُ بصحة (14) ما تأوَّلنا عليه قولَ ابنِ سيرين (15) ؛ فإنَّ (16) ابن عبَّاس كان في أوَّل أمره (17) يحدِّثُ عن الصحابة، ويأخذ عنهم؛ لأنَّ سماعَهُ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قليلاً؛ لصغر سنه، فكان (18) حاله مع الصحابة كما قال، فلمَّا تلاحَقَ التابعون وحدَّثوا، وظهر له ما يوجبُ الرِّيبَةَ، لم يأخذْ عنهم؛ كما فعل مع بُشَير (19) .
.............................................
وقوله:«فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ، لَمْ نَأْخُذْ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ مَا نَعْرِفُ (20) »، هذا مَثَلٌ (21) ، وأصلُهُ في الإبل، ومعناه: أن الناس تسامَحُوا في الحديثِ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، واجترؤوا عليه (22) ؛ فتحدَّثوا بالمرضيِّ منه (23) الذي مثَّله بالذَّلُولِ من الإبل، وبالمنكرِ منه الممثِّلِ بالصعبِ من الإبل . =(1/124)=@
وقوله:«لَمْ نَأْخُذْ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ مَا نَعْرِفُ (24) »، أي: إلا ما نَعْرِفُ (25) ثقةَ نَقَلَتِهِ (26) ، وصحةَ مَخْرَجِهِ. &(1/57)&$
__________
(1) ... في (ح) و(ط): «ياء» بلا واو.
(2) ... في (أ):« كلبي ».
(3) ... ويقا أيضاً: أبو عبدالله. انظر: "تهذيب الكمال" (4/184).
(4) ... في (غ) «عن».
(5) ... قوله : «ابن» سقط من (ط).
(6) ... في (أ) : «يزيد»، وفي (ح) و(ط): «بديل»، والصواب ما أثبتناه، وهو موافق في "تهذيب الكمال" (4/185).
(7) ... وهو أيضاً ثقةٌ مخضرم من الثانية، أخرج له البخاري والأربعة، قال النسائي: ثقةٌ ذكره محمد بن سعد في الطبقة الثانية من أهل البصرة، وقال: كان ثقةً إن شاء الله. انظر: "التقريب" (ص 126)، و"تهذيب الكمال" (4/184-187)، و"الكاشف" (1/160).
(8) ... في (أ): «جعل».
(9) ... سورة الإنشقاق، الآيتان: 2، 5.
(10) ... وكذلك منه قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما - من حديث أبي هريرة، $ح، قال «ما أَذِنَ الله لشيءٍ كأَذَنِهِ لنبيٍّ حَسَن الصوتِ يتغنَّى بالقرآن يَجْهَرُ به». ... وأصل تصرُّف الفعل: أَذِنَ يأْذَنُ أَذَناً، من باب «طَرِبَ»، قال ابن حجر في «فتح الباري» (9/69) في شرح حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المذكور: «المصدر بفتحتين؛ قال عَدِيُّ بن زيد:
أيُّها القَلْبُ تعللَّلْ بِدَدَتْ
إنَّ همِّي في سَمَاعٍ وأَذَنْ
... أي: في سماع واستماع». وانظر: "النهاية" لابن الأثير (1/33)، و"مشارق الأنوار" (1/76)، و"غريب أبي عبيد" (2/139)، و"غريب الخطابي" (3/256)، و"التاج" (18/13).
(11) ... في (أ) «قوله» بلا (واو).
(12) ... في (أ):« آذاننا ».
(13) ... في (غ): «فأخذنا».
(14) ... في (ط):« بصحته ».
(15) ... انظر: (ص 119 وما بعدها).
(16) ... في (غ): «قال».
(17) ... قوله: «كان في أول أمره» في (أ): «في أول أمره كان».
(18) ... في (أ):« في أن ».
(19) ... في (ح) و(ط):« بشير العدوي ».
(20) ... في (أ) و(ح): «إلا ما يُعْرَف».
(21) ... قال النووي في "شرح مسلم" (1/80»: «هذا مثال حسن، وأصل الصعب والذلول في الإبل؛ فالصعب: العسر المرغوب عنه، والذلول: السهل الطيِّب المحبوب المرغوب فيه، فالمعنى: سلك الناس كلَّ مسلك مما يُحْمَدُ ويُذَمّ» اهـ. وانظر: "مقدّمة إكمال المعلم" (ص 213 - 214 ط شواط)، و"مجمع الأمثال" للميداني (3/52)، و"المستقصى في الأمثال" للزمخشري (2/412 )، و"مجمع الأمثال العربية" (2/541).
(22) ... قوله:« عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، واجترؤوا عليه » سقط من (أ).
(23) ... في (ح): «عنه».
(24) ... في (ط): «إلا ما يعرف».
(25) ... قوله:« أي: إلا ما نعرف » سقط من (أ) و(ط).
(26) ... في (أ):« نقله ».(1/57)
... وَفِي رِوَايَةٍ (1) : فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّا كُنَّا نُحَدَّثُ (2) عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ لَمْ يَكُنْ يُكْذَبُ عَلَيْهِ،فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ تَرَكْنَا الْحَدِيثَ عَنْهُ.
وقوله:«إِنَّا كُنَّا نُحَدَّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - »، الصحيحُ في «نُحَدَّثُ» بضم النون، وفتح الدال مشدَّدة؛ مبنيًّا للمفعول؛ ويؤيِّده: قوله في الرواية الأخرى: «كُنَّا إِذَا سَمِعْنَا رَجُلاً يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ؛ ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا وَأَصْغَيْنَا إِلَيْهِ بِآذَانِنَا» .
وكذلك وجدتُّه مقيدًا بخط (3) مَن يُعْتَمَدُ على عِلْمِهِ وتقييده، وقد وجدتُّهُ في بعضِ النسخِ بكسر الدال، وفيه بُعْدٌ، ولعلَّه لا يَصِحُّ (4) .
بَابُ الأَْمْرِ بِتَنْزِيلِ النَّاسِ مَنَازِلَهُمْ ... وَوُجُوبِ الْكَشْفِ عَمَّنْ لَهُ عَيْبٌ مِنْ رُوَاةِ الْحَدِيثِ
عَنْ عَائِشَة (5) ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ .
... اسْتَدَلَّ بِهِ مُسْلِمٌ هَكَذَا وَلَمْ يُسْنِدْهُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد فِي مُصَنَّفِه، وَأَبُو بَكْرٍ البَزَّارُ فِي "مُسْنَدِه"، وَقَالَ: «لا يُعْلَمُ إِلا مِنْ حَدِيثِ مَيْمُون بْنِ =(1/125)=@ أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ؟».
وَمِنْ بَابُ الأَْمْرِ (6) بِتَنْزِيلِ (7) النَّاسِ مَنَازِلَهُمْ ... وَوُجُوبِ الْكَشْفِ عَمَّنْ لَهُ عَيْبٌ مِنْ رُوَاةِ الْحَدِيثِ (8)
قولُ عائشة $خ:«أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ .............................................
مَنَازِلَهُمْ» (9) :
.............................................
استدلالُ مسلمٍ بهذا الحديث (10) يدُلُّ - ظاهرًا - (11) على أَنَّه لا بأسَ به، وأنّه ممّا يحتجُّ به عنده، وإنما (12) لم يُسْنِده في كتابه؛ لأنَّه ليس على شَرْطِ كتابه .
وقد أسنده أبو بكر (13) البزَّار في «مسنده» (14) ، عن ميمونِ بنِ أبي شَبِيبٍ، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقال: &(1/58)&$
__________
(1) ... (ص12 -13) في الباب السابق .
(2) ... هكذا يروي الشارح ضبطها بضم النون مع فتح الدال مشدَّة مبنيًّا للمفعول. انظر: آخر هذا الباب (ص 126)، والصواب: «نحدِّث» بالبناء للفاعل. انظر تعليقنا هناك.
(3) ... في (أ): «عند».
(4) ... هكذا قال الشارح رحمه الله، والرواية المعتمدة: كَسْرُ الدال مشدَّدةً على البناء للفاعل «نُحَدِّثُ»؛ وكذلك ضبطت في "صحيح مسلم" بجميع طبعاته المعتمدة؛ كالطبعة العامرة (1/10)، وطبعة الأستاذ محمد فؤاد عبدالباقي (1/13)، ويؤيِّد هذه الرواية أمور:
الأول: قول الشارح في الصفحة السابقة (ص 125): «فإن ابن عباس كان في أول أمره يحدِّث عن الصحابة، ويأخذ عنهم» أي: أنه كان يتحمَّل الحديث عن الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويؤدِّيه كما تحمَّله، وهكذا معنى العبارة هنا: إنا كنا نحدِّث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذْ لم يكن يُكْذَبُ عليه، ولا فرق بين العبارتين!
الثاني: قول الشارح في الصفحة السابقة أيضاً (125) في شرح قول ابن عباس $ذ: ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا» قال: «أي : قبلنا منه، وأخذنا عنه»، أي: تحمَّلنا عنه الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لتؤدِّيه، وهذا معنى قوله: «كنَّا نحدِّث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - » في هذه الرواية.
الثالث: قول ابن عباس $ذ: «فلما ركب الناس الصعب والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما يَعْرِفُ» أي: لم نحدِّث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما أخذنا عن هؤلاء الناس إلا ما نعرف صَحَّة مخرجه، والثقة بنقله، وهذا يشهد لصحة ما قلناه.
(5) ... أخرجه مسلم في المقدمة (1/6)، معلَّقًا بصيغة التمريض .
(6) ... قوله:« الأمر » سقط من (أ).
(7) ... في (أ) و(ط):« تنزيل ».
(8) ... قوله:« ووجوب الكشف عمَّن له عيبٌ من رُواة الحديث » سقط من (أ).
(9) ... هذا الحديث في مسلم في "المقدمة" (1/6) تعليقًا، قال: «وقد ذُكِرَ عن عائشة، $خ»، وأخرجه أبو داود في الأدب، باب في تنزيل الناس منازلهم برقم (4842)، وقال: «ميمون لم يدرك عائشة، $خ»، وأبو يعلى (8/246)، وأبو نعيم في "الحلية"(4/379)، وقال: «غريب من حديث الثوري عن حبيب، تفرد به عنه يحيى بن يمان»، والبيهقي في الآداب برقم (322 و 323)، كلهم من طريق يحيى بن اليمان، عن سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون ابن أبي شبيب، عن عائشة، به . ... والحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لعنعنة حبيب بن أبي ثابت، وهو مدلِّس، ولانقطاعه بين ميمون بن أبي شبيب وعائشة $خ. ... وينظر في الحكم عليه "ضعيف الجامع" (2/18)،و"سلسلة الأحاديث الضعيفة" (4/368)، و"المقاصد الحسنة"(ص 92)، و"كشف الخفاء"(1/224و241)، و"الجواهر والدرر" (1/4-11). ... ويُتنبَّه إلى أن مسلمًا لم يحتجَّ بهذا الحديث في صحيحه، وإنما ذكره في "مقدمته" معلَّقًا بدون إسناد مشيرًا لضعفه بقوله: «وقد ذُكر عن عائشة، $خ ....». ... ومقدمة "صحيح مسلم" لم يلتزم فيها ما التزَمَ في صحيحه، قال ابن القيم في "الفروسية" (ص 45): مسلم لم يشترطْ فيها - أي: في المقدِّمة - ما شرطه في الكتاب من الصحة، فلها شأن، ولسائر كتابه شأنٌ آخر، ولا يشك أهل الحديث في ذلك. اهـ، وتفريق صاحب "الكمال" ومختصروه في الرمز بين ما أخرجه مسلم في المقدمة، فرمزه ( مق )، وما أخرجه في الأصل، فرمزه (م) معروفٌ مشهور . ... وعليه يعلَمُ خطأُ من عزا الحديثَ إلى صحيح مسلم بإطلاق لفظًا أو رمزًا بالحروف؛ كالعجلوني في "كشف الخفاء" (1/241)، وكما في "الجامع الصغير" في: «أنزلوا الناس منازلهم». ينظر: "فيض القدير" (3/57)، و"ضعيف الجامع" (2/18).
(10) ... قوله: «بهذا الحديث»: في (أ): «به».
(11) ... قوله:« ظاهرًا » سقط من (أ).
(12) ... قوله:« إنما » سقط من (أ).
(13) ... قوله: «أبو بكر» سقط من (أ).
(14) ... لم أجد ما ذكره الشارح في المطبوع من "البحر الزخَّار"، ولا في "كشف الأستار"، ولا في "مختصر الزوائد" للحافظ .(1/58)
لا يُعْلَمُ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلاّ مِنْ هذا الوجه، وقد رُويَ عن عائشة من غير هذا الوجه موقوفًا (1) .
وقد ذكَرَهُ أبو داود في "مصنَّفه"، فقال: حدَّثنا إسماعيلُ بنُ أبي خَلَف (2) ؛ أنَّ يحيى بن يَمَانٍ أخبرهم، عن سفيان، عن حَبيبِ بنأبي ثابت، عن ميمونِ بْنِ أبي شبيب (3) ؛ أنَّ عائشة $خ مَرَّ بها سائلٌ .............................................
فأعطَتْهُ كِسْرةً، ومَرَّ بها رجلٌ عليه ثيابٌ وهيئة (4) ، فأقعدتْهُ فأكَلَ، فقيل لها في ذلك؟ فقالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : «أَنزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ» (5) .
قال ابن الأعرابي: قال أبو داود: ميمونٌ لم يَرَ عائشة (6) .
قال الشيخ $ح (7) وعلى هذا: فالحديثُ منقطعٌ؛ فقد (8) ظهر لأبي داود من هذا الحديث (9) ما لم يظهَرْ لمسلم، ولو ظهَرَ له ذلك، لما جاز له أن يستَدِلَّ به، إلا أن يكونَ يعملُ بالمراسيل (10) (11) ، والله أعلم.
على أنَّ مسلمًا إنَّما قال: وذُكِرَ عن عائشة ، وهو مشعرٌ بضعفه، وأنَّهُ لم يكنْ عنده ممَّا يعتمده (12) . =(1/126)=@
وَعَنْ أَبِي عَقِيلٍ يَحْيَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ (13) - صَاحِبِ بُهَيَّةَ - قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَقَالَ يَحْيَى لِلْقَاسِمِ: يَا أَباَ مُحَمَّدٍ، إِنَّهُ قَبِيحٌ - عَلَى مِثْلِكَ - عَظِيمٌ أَنْ تُسْأَلَ عَنْ
ومعنى هذا (14) الحديث: الحَضُّ على مراعاةِ مقادير الناس، ومراتبهم، ومناصبهم، فيعامل كلُّ واحد منهم بما يليقُ بحاله، وبما يلائمُ منصبه في الدينِ والعلمِ والشَّرَفِ والمرتبة؛ فإنَّ الله تعالى قد رتَّبَ عبيده وخَلْقَه، وأعطى كلَّ ذي حَقٍّ حَقَّه، وقد قال ؟: «خيارُهُم في الجاهليَّةِ خيارُهُمْ في الإسلام إذا فقُهُوا (15) » (16) .
و «أبو عَقِيل» هو (17) : بفتح العين وكسر القاف، واسمه: شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ هَذَا الدِّينِ، فَلاَ يُوجَدَ عِنْدَكَ مِنْهُ عِلْمٌ وَلاَ فَرَجٌ! - أَوْ عِلْمٌ وَلاَ مَخْرَجٌ! - فَقَالَ لَهُ الْقَاسِمُ: وَعَمَّ ذَاكَ ؟ قَالَ: لأَنَّكَ ابْنُ إِمَامَيْ هُدًى؛ ابْنُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، قَالَ: يَقُولُ لَهُ الْقَاسِمُ: أَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ عَقَلَ عَنِ اللهِ: أَنْ أَقُولَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ آخُذَ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ، قَالَ: فَسَكَتَ فَمَا أَجَابَهُ .
يحيى بن المتوكِّل؛ كما &(1/59)&$
__________
(1) ... من قوله:« في مسنده ... » إلى هنا ليس في (أ).
(2) ... قوله: «حدَّثنا إسماعيلُ بن أبي خلف» صوابه: «حدثنا يحيى بنُ إسماعيل، ابن أبي خلف»، كما في "سنن أبي داود" (5/173).
(3) ... قوله: «وقد ذكره أبو داود ....» إلى هنا من (ح) و(غ)، وفي (ط): «وقد ذكره أبو داود في "مصنفه"، عن ميمون بن أبي شبيب» وفي (أ): «وفي مصنَّف أبي داود، عن ميمون بن أبي شبيب».
(4) ... في (ط): «هيئة وثياب».
(5) ... سنن أبي داود (15/173) برقم (4842).
(6) ... في "سنن أبي داود" (5/173): «قال أبو داود: ميمون لم يُدْرِكْ عائشة».
(7) ... في (ح): «المؤلف».
(8) ... في (غ) «قد».
(9) ... قوله: «من هذا الحديث» في (أ): «منه».
(10) ... في (غ): «المراسل».
(11) ... هذا الاحتمال بعيد؛ فإن مسلماً قال في "المقدمة" (1/30):« والمرسَلُ من الروايات في أصلِ قولنا وقول أهل العلم بالأخبار: ليس بحُجَّة ».
(12) ... من قوله:« على أن مسلمًا ... » إلى هنا ليس في (أ).
(13) ... أخرجه مسلم (1/16) في المقدمة، باب بيان أن الإسناد من الدين،وأن الروايةَ لا تكونُ إلا عن الثقات ... .
(14) ... قوله: «هذا» سقط من (أ).
(15) ... من قوله:« وقد قال ؟ ... » إلى هنا ليس في (أ)، وقوله: «فقهو» بضم القاف على المشهور، وحكي كسرها، أي: عملوا بأحكام الشرع، أو صاروا علماء عاملين بالأحكام الشرعية، مارسوا الفقه وتعاطوا حتى صار لهنم به ملكة. انظر: "شرح النووي" (16/78)، و"الديباج" (5/36)، و"فيض القدير" (3/229، 465، 500).
(16) ... أخرجه البخاري برقم (3353 و3374 و3383 و3494 و3496 و3589 و4689)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب من فضائل يوسف برقم (2378) عليه السلام، وسيأتي في أحاديث "تلخيص مسلم" في كتاب النبوَّات، باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا، عليهم السلام، وانظر: شرح هذا الحديث في "فتح الباري" (6/415).
(17) ... قوله: «هو» سقط من (أ).(1/59)
ذكره في الأصل (1) .
و «بُهَيَّة» بضم الباء، وفتح الهاء، وياء بعدها، تصغير بَهْيَة، وهي امرأة كانت تروي عن عائشة أمِ (2) المؤمنين $خ، وهي التي سمَّتها (3) بهذا الاسم، وهذا (4) أبو عَقِيلٍ قد (5) روى عنها، وعُرِفَ بها؛ فنُسِبَ إلى صحبتها، خَرَّجَ وقد (6) عنها أبو داود (7) .
... وَفِي رِوَايَةٍ (8) : فَقَالَ لَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيْدٍ: إِنِّي لأُعْظِمُ أَنْ يَكُوْنَ مِثْلُكَ - وَأَنْتَ ابْنُ إِمَامَي الْهُدَى؛ يَعْنِي عُمَرَ وَابْنَ عُمَرَ - تُسْأَلُ عَنْ أَمْرٍ لَيْسَ عِنْدَكَ مِنْهُ عِلْمٌ، فَقَالَ: أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ مَنْ عَقَلَ عَنِ اللهِ: أَنْ أَقُوْلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَو أُخْبِرَ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ .
وقولُ يحيى بن سعيدٍ الأنصاريِّ للقاسم:«إنَّكَ ابْنُ أبي بَكْرٍ وعُمَرَ»، إنما صحَّتِ النسبتان على القاسم؛ لأنَّ أباه هو عُبَيدُ الله بن (9) عبدالله بن عمر، وأُمُّه هي ابنةُ القاسم (10) بن محمد بن أبي بكر الصِّدِّيق (11) وباسم جَدِّهِ هذا، كان يكنَّى (12) ؛ فعمر جَدُّهُ لأبيه وَقَاَلَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ (13) : لَمْ تَرَ أَهْلَ الْخَيْرِ فِي شَيْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ .
... قَالَ مُسْلِمٌ:يَقُولُ: يَجْرِي الْكَذِبُ عَلَى لِسَانِهِمْ، وَلاَ يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ.
وَقَالَ أَبُو الْزِّنَادِ (14) : أَدْرَكْتُ بِالمَدِينَةِ مِائةً، كُلُّهُمْ مَأْمُونٌ،مَايُؤْخَذُ عَنْهُمُ الْحَدِيثُ، يُقَالُ: لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ .
الأعلى، وأبو بكر جَدُّه لأمِّه (15) ؛ فصدَقَتْ عليه النسبتان (16) .
وقولُ يحيى القَطَّان :«لم تر (17) أهلَ الخير في شَيْءٍ أكذَبَ مِنْهُمْ في الحديثِ»، يعني به: الغلَطَ والخطَأَ؛ كما فسَّره مسلم .
وسببُ هذا: أنَّ أهلَ الخير هؤلاء المعنيِّين غَلَبَتْ عليهم العبادة، فاشتغلوا بها عن الرواية، فَنَسُوا (18) الحديثَ، ثم إنَّهم =(1/127)=@ تعرَّضوا للحديث فَغَلِطُوا، وكَثُرَ عليهم الوَهَمُ فتُرِكَ حديثهم، كما اتفق &(1/60)&$
__________
(1) ... قوله: «كما ذكره في الأصل» سقط من (أ)، وانظر: مقدمة صحيح مسلم» (1/16).
(2) ... قوله: «أم المؤمنين» سقط من (أ).
(3) ... في (أ):« تسميها ».
(4) ... في (ح) و(غ): «وكان هذا».
(5) ... قوله: «قد» سقط من (أ).
(6) ... قوله: «وقد» سقط من (أ).
(7) ... ما ذكره الشارح عن أبي عَقيل وبُهَيَّة نقلَهُ عن «تقييد المهمل» لأبي علي الغَسَّاني (1/114)، (2/349). ... وقد قال النووي: «روى عن بهيَّة مولاها أبو عَقِيلٍ، واسمه يحيى بن المتوكِّل الضرير المدني، وقيل: الكوفي، وقد ضعَّفه يحيى بن معين، وعليُّ بن المَدِينيِّ، وعمرو بن علي، وعثمان بن سعيد الدارمي، وابن عمَّار، والنَّسائي؛ ذكر هذا كله الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" بأسانيده عن هؤلاء. ... فَإنْ قيل: فإذا كان هذا حاله، فكيف روَى له مسلم؟ ... فجوابه: من وجهين: ... أحدهما: أنه لم يثبتْ جرحه عنده مفسِّراً، ولا يقبَلُ الجرحُ إلا مفسَّراً. ... والثاني: أنه لم يذكره أصلاً ومقصوداً؛ بل ذكره استشهاداً لما قبله» ... وقد قال الحافظ ابن حجر عن بهيَّة: لا تعرف، من الثالثة، وهي مولاة أبي بكر، روت عن عائشة أُمّ المؤمنين في الاستحاضة، وقال عن يحيى بن المتوكّل المعروف بصاحب بهيَّة: ضعيف، من الثامنة. ... انظر: "شرح النووي" (1/91)، و"تاريخ بغداد" (14/108)، و"التهذيب" (11/237) (12/433)، و"التقريب" (ص 596، 744).
(8) ... (ص12 -13)، في الباب السابق .
(9) ... قوله: «عبيد الله بن» سقط من (أ).
(10) وكنيتها: أم عبد الله؛ كما في "طبقات ان سعد" (5/202)، و"التهذيب" لابن حجر (8/326).
(11) ... قوله:« الصديق » سقط من (ح) و(غ).
(12) ... في (أ): «فإن تكنى»، وكانت كنية القاسم: «أبا محمد»، وفي "مقدمة الإكمال": «وباسم جَدِّه هذا الأمَّة سمِّي».
(13) ... أخرجه مسلم (1/18)، في الباب السابق .
(14) ... أخرجه مسلم(1/15 )، في الباب السابق .
(15) ... يعني جده الأعلى لأمه كما في "شرح النووي" (1/91).
(16) ... انظر: "مُقدِّمة إكمال العلم" (ص 236 ط شوَّاط)، و"مكمل الإكمال" (1/26)، و"شرح النووي" (1/91)، و"فتح الملهم" (1/23).
(17) ... في (غ) «يُرَ»، وقد ضبط النووي قوله: «لم تر أهل الخير» بالتاء المثناة الفوقعية. "شرح النووي" (1/94).
(18) ... في (أ): «فنسيوا».(1/60)
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ (1) : سَأَلْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَشُعْبَةَ، وَمَالِكًا، وَابْنَ عُيَيْنَةَ، عَنِ الرَّجُلِ لاَيَكُونُ ثَبْتًا فِي الْحَدِيثِ، فَيأْتِينِي الرَّجُلُ فَيَسْأَلُنِي عَنْهُ؟ فَقَالُوا: أَخْبِرْ عَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِثَبْتٍ.
... وَذَكَرَ مُسْلِمٌ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ السَّلَفِ - كَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالشَّعْبِيِّ، وإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَأَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، وَغَيْرِهِمْ -: التَّنْصِيصَ عَلَى عُيُوبِ أَقْوَامٍ بِأَعْيَانِهِمْ، وَذَكَرَ كَذِبَ بَعْضِهِمْ، والتَّحْذِيرَ عَنِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ: بَابًا طَوِيلاً قَالَ فِي آخِرِهِ (2) :«وَإِنَّمَا أَلْزَمُوا أَنْفُسَهُمُ
للعُمَرِيِّ، وفَرْقَدٍ السبخيّ، وغيرِهِما.
وقولُ أبي الزِّنَادِ: «أدركْتُ بالمدينة مائةً كلُّهم مأمون»، يعني: أَنَّهم كانوا موثوقًا بهم في دينهم وأمانتهم (3) ، غير أنّهم لم يكونوا حفَّاظًا للحديث (4) ، ولا متقنين لروايته، ولا متحرِّزين (5) فيه؛ فلم تكن (6) لهم أهليَّةُ الأخذ عنهم، وإن كانوا قد تعاطَوُا الحديثَ والرواية، =(1/128)=@ وفُتْيَا سفيان ومَنْ بعده (7) هي التي يجبُ العملُ بها.
الْكَشْفَ عَنْ مَعَايِبِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ، وَنَاقِلِي الأَخْبَارِ، وَأَفْتَوْا بِذَلِكَ- حِينَ سُئِلُوا- لِمَا فِيهِ مِنْ عَظِيمِ الْخَطَرِ؛ إِذِ الأَْخْبَارُ فِي أَمْرِ الدِّيِنِ إِنَّمَا تَأْتِي بِتَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ، أَوْ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ، أَوْ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ؛ فَإِذَا كَانَ الرَّاوِي لَهَا لَيْسَ بِمَعْدِنٍ لِلصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ،ثُمَّ أَقْدَمَ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْهُ مَنْ قَدْ عَرَفَهُ،وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا فِيهِ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ جَهِلَ مَعْرِفَتَهُ: كَانَ آثِمًا بِفِعْلِهِ ذَلِكَ، غَاشًّا لِعَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ؛ إِذْ لا يُؤْمَنُ عَلَى بَعْضِ مَنْ سَمِعَ تِلْكَ الأَخْبَار أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا، أَوْ يَسْتَعْمِلَ بَعْضَهَا، وَلَعَلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا أَكَاذِيبُ لاَ أَصْلَ لَهَا».
... فَهَذَا الْبَابُ مَا ذَكَرَهُ فِي صَدْرِ كِتَابِهِ .
ولا يختلفُ المسلمون في ذلك؛ لما ذكره مسلمٌ بعدَ هذا وأوضحَهُ، وحاصلُهُ أَنَّ ذِكْرَ مساوئِ الراوي والشاهِدِ القادحةِ في عدالتهما وفي روايتهما: أمرٌ ضروريٌّ؛ فيجب ذلك؛ فإنه إنْ لم يُفْعَلْ (8) ذلك، قُبِلَ (9) خبرُ الكاذب، وشهادةُ الفاسق، وغُشَّ المسلمون، وفسدَتِ الدنيا والدين (10) .
ولا يُلْتَفَتُ لقولِ غبيٍّ جاهلٍ يقول: ذلك غِيبَةٌ؛ لأنَّهَا - وإنْ كانت مِنْ جنس الغِيبة - فهي واجبةٌ بالأدلَّةِ القاطعة، والبراهينِ الصادعة؛ فهي مستثناةٌ مِنْ أصلِ (11) تلك (12) القاعدة (13) ؛ للضرورةِ الداعية (14) . =(1/129)=@ &(1/61)&$
__________
(1) ... أخرجه مسلم (1/17)، في الباب السابق .
(2) ... مقدِّمة مسلم (ص 28).
(3) ... في (أ) : «وأماناتهم».
(4) ... في (أ): «الحديث».
(5) ... في (غ): «متحرزين».
(6) ... في (أ): «يكن».
(7) ... يشير الشارح إلى قول يحيى بن سعيد الأنصاري: «سألتُ سفيان الثوريَّ، وشعبة، ومالكاً، وابن عيينة، عن الرجل لا يكون ثَبُتًا في الحديث، فيأتيني الرجل فيسألني عنه؟ قالوا: أخبره عنه أنَّه ليس بثَبْت».
(8) ... في (ح): «يعلم».
(9) ... في (غ): «يقبل».
(10) ... في (أ): (وفسدت الدين والدنيا».
(11) ... قوله: «أصل» سقط من _(غ).
(12) ... قوله:« تلك » سقط من (أ).
(13) ... في (ح):« القواعد ».
(14) ... وانظر:"المجروحين" لابن حبان (1/10)؛ فقد ذكر فصولاً مُحْكَمَةً في الأمر بجرح الضعفاء، وردّ على مَنْ يَعِيبُ على أئمَّة الحديث ذِكْرَهُمْ ضَعْفَ الضعفاء، وجَرْحَ المجروحين؛ بأنَّ ذلك من الغيبة . وكذا عقد ابن عدي في مقدمة "الكامل" (1/61) فصلاً طويلاً في ذكر الصحابة والتابعين فَمَنْ بعدهم، من استجاز تكذيبَ مَنْ تبيَّن كذبه وانظر أيضاً: الباجي في مقدِّمة "التعديل والتجريح" (1/282). ... وانظر: الكلام على المسألة أيضاً في: "الكفاية" (ص 78-92)، و"المدخل إلى الكليل" (ص 69) و"الجرح والتعديل" (1/5-7)، و"الإلماع" (ص 58-61)، و"المحدث الفاضل" (593)، و"الرفع والتكميل" (ص 53-56)، و«رفع الرِّيبة، عما يجوز وما لا يجوز من الغيبة» (ص 8-19).(1/61)
&(1/62)&$(1/62)
[ 1 ] كِتَابُ الإِْيمَانِ
بَابُ ... مَعَانِي الإِْيمَانِ وَالإِْسْلاَمِ وَالإِْحْسَانِ شَرْعًا
عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ (1) ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْحِمْيَرِيُّ - حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ - فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،
ِكتَابُ الإِْيمَانِ ... ومِنْ (2) بَابِ مَعَانِي (3) الإِْيمَانِ وَالإِْسْلاَمِ وَالإِْحْسَانِ شَرْعًا
مقصودُ هذا الباب: إيضاحُ معاني هذه الأسماءِ في الشَّرْعِ دون اللغة؛ فإنَّ الشرعَ قد تصرَّفَ فيها؛ على ما يأتي بيانه .
قولُ (4) يحيى بنِ يَعْمَر (5) :«كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ
.............................................
مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ» (6) :
معبدٌ (7) هذا: هو معبدُ بنُ عبد الله بن محمَّدٍ، وقيل: معبدُ بنُ خالد، والصحيحُ: أنْ لا يُنْسَب (8) .
وهو بصريٌّ روَى عن عمرَ مرسلاً (9) ، وعن عِمْرَانَ، وروى عنه: قتادةُ، ومالكُ بن دينارٍ، وعَوْفٌ الأعرابيُّ .
فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلاءِ فِي الْقَدَرِ!! فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلاً الْمَسْجِدَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي، أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلامَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ - وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لاَ قَدَرَ، وَأَنَّ الأَمْرَ أُنُفٌ؟ فقَالَ: إِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ ! لَوْ أَنَّ لأَِحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ، مَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ.
قال (10) أبو حاتم: وكان صدوقًا في الحديث، ورأسًا في القَدَر، قَدِمَ المدينة فأفسَدَ فيها ما شاء (11) ، وقال (12) يحيى بن معين: هو (13) ثقة (14) . =(1/131)=@
.............................................
«القَدَر»: مصدرُ قَدَرْتُ الشيءَ - خفيفة الدال - أقْدِرُهُ وأقْدُرُه قَدْرًا وقَدَرًا: إذا أحَطْتَ بمقداره، ويقال فيه: قدَّرْتُ أُقَدِّرُ تقديرًا (15) ، مشدَّدَ الدالِ للتضعيف؛ فإذا قلنا: إنَّ الله تعالى قدَّرَ الأشياءَ ، فمعناه: أنَّهُ تعالى علِمَ مقاديرها وأحوالَهَا وأزمانَهَا قبل إيجادها (16) ، ثُمَّ أوجَدَ منها ما سبَقَ في علمه أنَّهُ يُوجِدُهُ على نحو ما سبَقَ في علمه؛ فلا مُحْدَثَ في العالمِ العُلْويِّ والسُّفلْيِّ إلاَّ وهو صادرٌ عن علمِه تعالى وقدرتِه وإرادتِه .
هذا هو المعلومُ من دِينِ السلف الماضين، والذي دلَّت عليه البراهين (17) .
.............................................
وقد &(1/63)&$
__________
(1) ... أخرجه مسلم (1/36 رقم 8 ) في كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى ... .
(2) ... في (أ): «من» بلا واو.
(3) ... في (غ): «بيان معاني».
(4) ... في (غ): «وقول».
(5) ... هو أبو سليمان يحيى بن يَعْمَرَ البصريُّ، قاضي مرو، قال أبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائي: " ثقة "، وذكره ابن حِبَّانَ في "الثقات"، وقال: «كان من فصحاء أهل زمانه، وأكثرِهِمْ علمًا باللغة مع الورع الشديد». توفي في حدود العشرين ومائة للهجرة . "ثقات ابن حِبَّان" (5/523 )، و"تهذيب التهذيب" (11/305)، و"التقريب" (ص 598) .
(6) ... وقال شيخ الإسلام: «وقد روي أنَّ أوَّلَ من ابتدعَهُ بالعراق رجلٌ من أهل البصرة، يُقال له سِيسَوَيْهِ من أبناء المجوس، وتلقَّاه عنه معبدٌ الجهنيُّ، ويقال: أول ما حدث في الحجاز لما احترقَتِ الكعبة، فقال رجل: احترقَتْ بقدر الله تعالى، فقال آخر: لم يقدِّر الله هذا. ولم يكن على عهد الخلفاء الراشدين أحدٌ ينكر القدر ..... وكان أكثره بالبصرة والشام، وقليل منه بالحجاز». ... وروى اللالكائي روايات أخرى عن أول من تكلَّم في القدر، ومنها ما رواه عن الأوزاعي قال: «أول من نطق في القدر رجلٌ من أهل العراق يقال له: سوسن، كان نصرانيًّا فأسلم ثم تنصَّر، فأخذ منه معبدٌ الجهني، وأخذ غيلان عن معبد. انظر:" مجموع الفتاوى" (7/384 )،" ولوامع الأنوار" (1/299)، و"فتح الملهم" (1/160)، و"شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (4/827)، وبحث الدكتور عبدالرحمن المحمود "القضاء والقدر" (ص 162-168)، وفيه أقول أخرى في أول من تكلَّم في القدر.
(7) ... قوله: «معبد هذا» سقط من (أ).
(8) ... هذا التصحيح لابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (8/280). ... وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "بيان تلبيس الجهميَّة" (1/274): معبد بن خالد، ويقال معبد بن عبد الله بن عُوَيْمر». وقال الذهبي في"السير"(4/185):«معبد بن عبدالله بن عويمر،وقيل:ابن عبدالله بن عكيم».
(9) ... "جامع التحصيل" (ص 349).
(10) ... قوله: «قال» سقط من (غ).
(11) ... في (ح):« ما شاء الله ». وانظر "الجرح والتعديل" (5/280)، وفيه:« قدم المدينة؛ فأفسد فيها ناسًا ».
(12) ... في (أ): «قال» بلا واو.
(13) ... في (ح):« وهو ».
(14) ... معبَدٌ الجهني: هو مَعْبَدُ بن خالد الجُهَنيُّ البصري، وقيل في اسم أبيه غير ذلك كما سبقت الإشارة إليه، كان يجالسُ الحسَنَ ثم اعتزله، وهو رأسُ القدرية بالبصرة،، وسلك كثيرٌ مِنْ أهلها مسلكه، قَدِمَ المدينةَ ودعا إلى بدعته فأفسَدَها بها ناساً، وكان الحسنُ يقول: «إياكم ومعبداً؛ فإنه ضالٌّ مضل»، كابن معين، والعجلي، غير أنَّ حديثَ المبتدعِ الداعية يُرَدّ. له عند ابن ماجة حديث واحد، وهو حديث معاوية قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إيَّاكم والتمادُحَ فإنَّه الذَّبْح». وقد قتله الحَجَّاج صَبْراً سنة 80 هـ - انظر: "التقريب" (ص 539)، و"المجروحين" (3/35)، و"أحوال الرجال" (ص 182)، و"التهذيب" (10/25)، و"الميزان" (4/141)، و"هدي الساري" (ص 385).
(15) ... في (أ): «تقدراً».
(16) ... قوله: «قبل إيجادها...» بداية سقط من سنخة (ح)؛ وعليه اقتصرت المقابلة من هنا على (أ) و(غ) فقط.
(17) ... مراتب القضاء والقدر التي من لم يؤمن بها، لم يؤمن بالقضاء والقدر، هي عند أهل السنة والجماعة: أربع مراتب:
مرتبة العلم: فيجبُ الإيمانُ بعلمِ الله عزَّ وجل المحيطِ بكلِّ شيء، وأَنَّهُ عَلِمَ ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، وأنه عَلِمَ ما الخلقُ عاملون قبل أن يخلقهم، وعَلِمَ أرزاقهم وآجالهم ... إلخ .
مرتبة الكتابة: وهي أن الله تعالى كتَبَ مقاديرَ المخلوقات في اللَّوْحِ المحفوظ .
مرتبة الإرادة والمشيئة، أي: أنَّ كُلَّ ما يجري في هذا الكون، فهو بمشيئة الله سبحانه وتعالى؛ فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن؛ فلا يخرُجُ عن إرادته شيء .
مرتبة الخلق، أي: أن الله تعالى خالقُ كلِّ شيء، ومن ذلك أفعالُ العباد؛ فلا يقعُ في هذا الكون شيءٌ إلا وهو خالقه .
... انظر هذه المراتب وتفاصيلها وأدلتها في:"شفاء العليل" لابن القيم (ص66) وما بعدها، و"معارج القبول" (2/328)، و"شرح الطحاوية" (195، 196، 215، 216 )، و"طريق الهجرتين" (ص 92)، و"رسالة القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة" للدكتور عبد الرحمن المحمود (ص 54 - 83، ص 372 - 374)، و"مجموع الفتاوى" (8/78،140)، و"الإيمان" لابن منده (1/126-133 )، وغيرها .(1/63)
حكى أربابُ المقالاتِ عن طوائفَ من القدريَّةِ إنكارَ كونِ الباري تعالى عالمًا بشيءٍ من أعمال العباد قبل وقوعها منهم، وإنَّمَا يَعْلَمُهَا بعد كونها، قالوا: لأنَّه لا فائدةَ لِعِلْمِهِ بها (1) قبل إيجادها، فهو عَبَثٌ، وهو على الله تعالى محال (2) .
قال الشيخ - رضي الله عنه -: وقد رُويَ عن مالكٍ (3) أنه فسَّرَ .............................................
مذهبَ القَدَريَّة بنحو ذلك، وهذا المذهَبُ هو الذي وقَعَ لأهل البصرة، وهو الذي أنكَرَهُ ابنُ عمر.
ولا شكَّ في تكفير من يذهبُ إلى ذلك (4) ، فإنَّه جَحْدُ معلومٍ من .............................................
الشرع ضرورةً (5) ؛ ولذلك تبرَّأ منهم ابنُ عمر $ذ، وأفتى بأنَّهم لا تُقْبَلُ منهم أعمالُهُمْ ولا نفقاتُهُمْ، وأنّهم كمَنْ قال الله تعالى فيهم: ُ ى و ه ن م ل ك ق ف 7 8 ِ (6) .
وهذا المذهب هو مذهب طائفةٍ منهم تسمَّى السكينيّة (7) ، وقد تُرِكَ اليومَ، فلا يُعرف مَن يُنسب إليه من المتأخرين مِن أهل البدع المشهورين (8) .
.............................................
والقدرية اليومَ: مُطْبِقون على أنَّ الله تعالى عالمٌ بأفعالِ العباد قبلَ وقوعها؛ =(1/132)=@ ومعنى القدر عند (9) القائلين به اليوم: أنَّ أفعالَ العباد .............................................
مقدورةٌ لهم، وواقعةٌ منهم بِقُدْرَتِهم (10) ومشيئتِهم، على جهة الاستقلال، وأنّها (11) ليست مقدورةً لله تعالى ولا مخلوقةً له، وهو مذهبٌ مبتدَعٌ باطلٌ بالأدلّةِ العقليَّةِ والسمعيَّةِ المذكورةِ في كتب أئمَّتنا المتكلِّمين (12) .
وقوله: «فانطلقتُ أنا وحُمَيْدُ بْنُ عبد الرحمن حاجَّيْنِ أو معتمرَيْنِ» (13) ، كذا الروايةُ الصحيحة بـ«أو» التي للشَّكِّ؛ فكأنَّه عرَضَ له شكٌّ في حالهما، هل كانا حاجَّيْنِ أو معتمرَيْنِ.
وأحسبُ أَنَّهُ وقَعَ في بعض النسخ:«حاجَّيْنِ ومعتمرَيْنِ» بالواو الجامعةِ؛ على أنَّهما كانا قارنيْنِ، وفيه بُعْدٌ، والصحيحُ الأوَّل، والله أعلم . &(1/64)&$
__________
(1) ... في (أ): «لها».
(2) ... في نقل عبارتهم اختصارٌ مُخِلٌّ، وأصلُ الكلام عند القاضي في "الإكمال": «وذكروا حُجَّتهم: أنه تعالى لو كان عالمًا بتكذيبهم، لكان في إرسال الرسل إليهم عابثًا، تعالى الله عن قولهم ». انظر: "الإكمال" (ص 267 ).
(3) ... يشير الشارح إلى ما رواه عبد الرزَّاق عن الإمام مالك؛ أنه قال: «القدرية: هم الذين يقولون: إنَّ الله لا يعلم الشيء قبل كونه» ذكر ذلك اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (4/776). ... وقد روى اللالكائي أيضاً مثل ذلك عن الشافعي، قال: «قال المزني: سألت الشافعي عن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ستة لعنهم الله، فذكر المكذِّب بالقدر، فقلتُ له: من القدرية؟ فقال: نعم، هم الذين زعموا أنَّ الله لا يعلم المعاصي حتى تكون، قال المزني: هذا عندي كفر». "شرح اعتقاد أهل السنة" (4/704).
(4) ... ما ذهب إليه الشارح من تكفير القدرية الأُوَل، وهم غلاة القدرية الذين يجحدون علم الله بأفعال العباد قبل كونها: هو مذهبُ أئمَّة أهل السنة والجماعة، من المتقدِّمين والمتأخرين؛ وقد ذكر ابنُ القيم في "شفاء العليل" اتفاق السلف على تكفيرهم، قال: «والفرقة الثانية [يعني: ممَّن أنكر علم الله تعالى]: غلاة القدرية الذين اتفق السلف على تكفيرهم، وحكموا بقتلهم....». وهذا الإجماع من السلف بوّب له اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"، قال: «سياق ما روي من المأثور في كفر القدرية [يعني: غلاتهم الذين أنكروا العلم]، وقتلهم، ومن رأى استتابتهم ومن لم ير»، ثم ذكر من الصحابة: ابن عباس، وابن عمر، وعليًّ، ومن التابعين: عمر بن عبدالعزيز، ونافع بن مالك، ورجاء بن حيوة، وعبادة بن نُسَيّ، ومن الفقهاء: مالك بن أنس، والأوزاعي، وعبيد الله بن الحسن العنبري، وسعيد بن جبير، والشعبي، ونافعًا مولى ابن عمر، والشافعي، وإبراهيم بن طهمان، وأحمد بن حنبل، وأبا ثور، وذكر ذلك بأسانيده. ... وكذلك ذكر الاتفاق على تكفيرهم، وقتلهم: اليافعي في «مرهم العلل المعضلة»، قال: «القدرية صنفان: ... أحدهما: ينفي القدر والعلم معًا. ... والثاني: ينفي القدر فحسب. ... وسيأتي - إن شاء الله - إيضاح ذلك وبيان حكم الصنفين في التكفير؛ وأن الأول منهما كافر بلا خلاف [يعني القدرية الأُوَل]، وحكم الذين أراد ابن عمرو، وكلامه ظاهر في تكفيرهم، وفي الثاني اختلاف بين أئمة أهل الحق، والله أعلم». اهـ. ... ولذا فشيخ الإسلام ابن تيميّة ينقل أن أكثر كلام السلف كان في ذم القدرية الأُوَل الذين ينكرون العلم، ويقرّون في غير موضح من كتبه وفتاواه: أن من أنكر العلم القديم من غلاة القدرية، فهو كافر. ... انظر: "شفاء العليل" (2/528 طبعة العبيكان)، و"شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (4/781)، و«مرهم العلل المعضلة (ص 86)، و"مجموع الفتاوى" (7/385)، (8/445).
(5) ... ذكر أئمَّة أهل السُّنَّة ردوداً كثيرة على قول هؤلاء، وانظر تفصيل ذلك في «شفاء العليل» (1/133-159، 2/528-531 ط العبيكان)، و"مجموع الفتاوى" (7/381 - 384)، و"معارج القبول" (2/328 ط السلفية)، ورسالة "القضاء والقدر" للدكتور عبدالرحمن المحمود (ص 55-59).
(6) ... سورة التوبة، الآية: 54 .
(7) ... ذكرها القاضي في "الإكمال" (ص 267)، والأُبَيُّ في "إكمال الإكمال" نقلا عنه (1/55). ولم أعثُرْ في كتب الفرق على تعريف بها . وكذا ذكر الدكتور شواط في تحقيقه "الإكمال"، ومصحِّحُ "إكمال الإكمال": أنهما لم يجدا مَنْ ذكرها .
(8) ... تكاد تجمعُ المصادرُ على أنَّ القول بالقدر وَقَعَ في أواخر عهد الصحابة $ج بعد انقراض عصر الخلفاء الراشدين، وبعد إمارة معاوية ابن أبي سفيان، في زمن الفتنة التي كانت بين ابن الزبير وبين بني أميَّة في أواخر زمن عبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس وغيرهما من الصحابة، وكان من أول من قال به: معبدٌ الجهني، وأخذه عن معبد غَيْلاَنُ الدمشقي، وهؤلاءِ هم القدريَّةُ الأوائل الذين أنكروا القدر، وأنكروا علم الله السابق، وهذا معنَى ما في "مسلم": «أنهم يزعمون أنْ لا قَدَرَ وأنَّ الأمر أُنُفٌ»، أي: مستأنَفٌ لم يسبقْ لله تعالى فيه علمٌ . وهؤلاء هم الذين تبرَّأ منهم مَنْ سمع بهم من الصحابة؛ كعبد الله بن عمر، وأبي هريرة، وابن عباس، وأنس، وغيرهم، وهؤلاء - أيضًا - هم الذين قال فيهم الأئمة؛ كمالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم: «إنَّ المنكرين لعلم الله المتقدِّم يُكَفَّرون»، وهو ما أشار إليه الشارح من تكفيرهم. ... وهذا المذهبُ لم ينتشرْ، وإنَّما انتشَرَ عند المتأخِّرين منهم أنَّ العبد يخلُقُ فِعْلَ نفسه، وهو المذهبُ المعروفُ عند المعتزلة . قال القاضي عياض: «وبالحقيقةِ: فالقدريةُ الذين وسمهم - عليه الصلاة والسلام - بما وسمهم، وأنهم مجوسُ هذه الأمة: هم معتزلةُ هذا الوقت وقدريَّته؛ لأنهم جعلوا أفعالَ العباد بين فاعلَيْن، وأنَّ الخير من الله، والشرَّ من عبيده، فأدخلوا مع الله شركاءَ في قدرته... ... والقدريَّةُ الأولى داخلون في هذه الرذيلة، زائدون عليهم بتلك الأشنوعة» .اهـ . مختصرًا من الإكمال (ص 271). وانظر: "أصول الدين" للبغدادي (ص 335)، و"الفرق بين الفرق" (ص 19)، و"معالم السنن" (ص 665)، و"شرح النووي" (1/54)، و"مجموع الفتاوى" (7/384)، (8/261)، و"الاستقامة" (2/125)، و"شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة" (4/827)، و"شفاء العليل" لابن القيم، و"رسالة القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة" لعبد الرحمن المحمود .
(9) ... في (أ): «عن».
(10) ... في (غ): «بقدرهم».
(11) ... في (أ):« فإنها ».
(12) ... وهذا المذهب المبتدع الباطل، هو ما صار إليه المتأخّرون من القدريَّة، وهم المعتزلة، وقد فنَّده وأبطله - بالأدلة الصحيحة الصريحة، النقلية والعقلية - شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم، وغيرهما من علماء أهل السنة.
(13) ... وردت الرواية بالواو في "صحيح ابن خزيمة" (4/127)، كتب المناسك، باب فرض الحج على من استطاع إليه سبيلاً.(1/64)
وقوله:«لو لَقِينَا أحدًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - »:
.............................................
«لو» - هنا -: تَمَنٍّ (1) بمعنى «ليت»؛ وهو (2) نحوُ قولِهِ تعالى: ُ 2 1 4 3 عع = ژ ء پ! ! ِ (3) ، ونحوُ قولِ امرئ القيس:
...................
....... لو يُسِرُّونَ مَقْتَلِي (4) =(1/133)=@
.............................................
وتأتي (5) لامتناعِ الامتناعِ وهو أصلُهَا (6) ، و بمعنى «إنْ»؛ كقوله: ُ ت ة ِ (7) ،، وللتقليل (8) ؛ كقوله عليه السلام:
.............................................
((الْتَمِسْ ولو خاتَمًا مِنْ حديدٍ)) (9) (10) .
وقوله:«فاكتنفتُهُ أنا وصاحبي»، أي: صرنا بِكَنَفَيْه (11) . والكَنَفُ والكَنِيف (12) : الساتر؛ ومنه قول العرب: أنا في كنَفِكَ، أي: في سترك .
وإنَّمَا جاءاه كذلك تأدُّبًا واحترامًا؛ إذْ لو قاما أمامه، لمنعاه المشي، ولو صارا له من جانبٍ واحد، لكلَّفاه الميل إليهما، فكانتْ هذه الهيئةُ أحسنَ ما أمكنهما (13) .
وقوله: «فَظَنَنْتُ أنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الكَلاَمَ إِلَيَّ»، هذا منه اعتذارٌ عن توهُّمِ اعتراضٍ يُنْسَبُ إليه، فيه قلَّةُ المبالاةِ بصاحبه، واستِئْثَارُهُ (14) عليه بالمسابقة إلى الكلام؛ فبيَّنَ وجهَ اعتذارِهِ عن ذلك؛ .............................................
وذلك أنَّهُ عَلِمَ من صاحبه أنَّهُ يكلُ الكلامَ إليه: فإمَّا لكونه أحسنَ منه سؤالاً وأبلغَ بيانًا، وإمَّا لحياءٍ يَلْحَقُ صاحبَهُ يمنعه من السؤال، وإمَّا إيثارًا له، والله أعلم (15) .
وقوله:«يا أبا عبدِ الرحمن»: فيه دليلٌ على ما كانوا عليه من الاقتصاد في كلامهم (16) ، وترْكِ الإطراء والمدح وإنْ كان حقًّا، فقد كان ابنُ عمر (17) $ذ مِنْ أعلمِ الناس وأفضلهم، وابنَ أميرِ المؤمنين عمر بن الخَطَّاب، ومع ذلك فلم يمدحوه بشيء مِنْ ذلك مع جلالتِهِ ولا أَطْرَوْهُ؛ محاسبةً منهم لأنفسهم على ألفاظهم، واكتِفاءً بما =(1/134)=@ يُعْلَمُ من فضائل الرجل عن القول والمدح الذي يُخاف منه الفتنة على المادح والممدوح (18) . &(1/65)&$
__________
(1) ... قوله: «تمنٍّ) ليس في (غ).
(2) ... في (غ): «وهي».
(3) ... سورة الحجر، الآية: 2 .
(4) ... هذا جزء من عجز بيت من الطويل، وهو من قصيدة امرئ القيس المشهورة التي هي إحدى المعلقات السبع، والبيت بتمامه:
تَجَاوَزْتُ حُرَّاسًا إليها ومَعْشَرًا
عَلَيَّ حِرَاصًا لو يُسِرُّونَ مَقْتَلِي
... انظر: "ديوان امرئ القيس" (ص 13)، و"جمهرة اشعار العرب" (1/81)، و"مقاييس اللغة" (3/67)، و"جمهرة اللغة" (2/736)، و"أساس البلاغة" (1/121)، و"خزانة الأدب" (4/496)، و"مغني اللبيب" (1/350). ... و«لو» في الحديث: للتمنّي بمعنى «ليت»؛ كما ذكر الشارح، لكن احتجاجه ببيت امرئ القيس هذا وآية سورة الحجر: فيه نظر؛ فإنَّ «لو» فيهما مصدرية - وليست للتمنّي - بمنزلة «أَنْ»، إلا أنها لا تنصيب، وأكثر وقوعها بعد مفهم تمنٍّ؛ «وَدَّ» وتوَدّ»؛ كما أفاد ذلك ابن هشام في «المغني» وذكر بيت امرئ القيس المذكور، ثم قال: «وأكثرهم لم يثبت ورود «لو» مصدريَّة، والذي أثبته: الفَرَّاء، وأبو علي، وابو البقاء، والتبريزي، وابن مالك». ... وأمَّا مجئ «لو» للتمنِّي: فكما في حديث الباب، ومثل قوله: «لو تأتيني فتحدِّثيني»، قيل: ومنه قوله تعالى ُ ِ ُ َ ٍ ٌ ً ي ء پللهـ! ! ِ [الشُّعَرَاء: 102] {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ *} أي: فليت لنا كَرَّةً. انظر: "مغني اللبيب" (1/350)، و"الجنى الداني" (ص 287 - 288)، لكن يبدو أن النحاة المغربيين يذكرون بيت امرئ القيس شاهداً على مجيء «لو» للتمنِّي بمعنى ليت - كما هو عند الشارح - فقد ذكر ذلك صاحب "رصف المباني" واحتج بيت امرئ القيس المذكور، وقد قدَّر قوله: «لو يسرون مقتلي» قال: أي: ليتهم يظهرون قتلي، أي يتمنَّوْنَ أن يظهروا قتلي. "رصف المباني" للمالقي الأندلسي (ص 291-292)، قلت: لكن تأويل المالقي للبيت يؤيِّد كون «أن» مصدريَّة ليست للتمني، فقد أوَّل «لو يُسِرُّون مقتلي» بـ«أن يظهروا قتلي»، وقوله: «يتمنَّون» مستفاد من قوله: «حراصاً»، وليس من «لو»!
(5) ... في (غ): «ويأتي».
(6) ... لعلَّ الشارح يريد ما اشتهَرَ على ألسنة الْمُعْرِبين من أنَّ " لو " حرفُ امتناع لامتناع، أي: امتناع الجواب لامتناع الشرط، وهذا المفهومُ ليس على إطلاقه؛ فقد اعترَضَ عليه ابنُ هشام وغيره، وذكَرَ أنَّ الصحيح: أنها تفيد امتناع الشرط خاصَّة، ولا دلالةَ لها على امتناعِ الجواب ولا على ثبوته،وذكَرَ مجموعةً من الأدلَّة تثبتُ قوله. انظر: في ذلك، وفيما سيذكره الشارح من معاني «لو»: "مغني اللبيب" لابن هشام(1/256-266)، و"رصف المباني، في شرح حروف المعاني" للمَالَقِيِّ (ص 358)، "الجُمَل في النحو" للزجاجي (ص 311)، و"المفصَّل" للزمخشري (ص 323)، و"الجنى الداني" (115)، و"ضياء السالك" (4/63-68)، و"النحو الوافي" (4/500).
(7) ... سورة البقرة، الآية: 221 .
(8) ... ذكر هذا المعنى ابنُ هشام اللَّخْمي وغيره، وجعلوا من ذلك قوله تعالى: ُ ء ] . ِ [النِّسَاء: 135] {وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «رُدُّوا المسكين ولو بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ»، قال ابن هشام الأنصاري: وفيه نظر. انظر: "مغني اللبيب" (1/352).
(9) ... أخرجه البخاريّ في كتاب النكاح، باب التزويج على القرآن بغير صداق رقم (9/205)، ومسلم في كتاب النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم القرآن وخاتم حديد (1/1040 رقم 1425).
(10) ... هذا ما ذكره الشارح من معاني «لو»، وذكر ابن الهشام معنىً آخر لها، وهو العَرْض؛ نحو: «لو تنزلُ عندنا فتصيبت خيراً»، ونقله عن "تسهيل ابن مالك". انظر: "مغني اللبيب" (1/351)، و"التسهيل لابن مالك" (ص 231).
(11) ... في (أ):« نكتنفه ».
(12) ... قوله: «والكنيف» سقط من (غ).
(13) ... قال الأُبَيّ: ويحتملُ أنه لكراهة السلف المَشْيَ خلف الرجل؛ لما فيه من الشهرة . "إكمال الإكمال" (1/53).
(14) ... في (أ):« واستياره ».
(15) ... قال النووي رحمه الله: «قوله: فظننتُ أن صاحبي سيكل الكلام إلي، معناه: يسكُتُ ويفوِّضه إلي؛ لاقدامي وجرأتي وبَسْذة لساني؛ فقد جاء عنه في رواية : «لأني كنْتُ أبسَطَ حساناً». اهـ. كلام النووي، ولعلَّه يشير بهذه الرواية إلى ما رواه ابن منده، قال: «قلت: تسأله أم أسأله، قال: لا، بل تسأله؛ لأني كنتُ أبسط لساناً منه... إلخ، "كتاب الإيمان" لابن منده (1/143)، رقم 11)، و"شرح مسلم" (1/155)، وانظر: "الديباج" (1/8)، و"تحفة الأحوذي" (7/287).
(16) ... في (أ): «الاقتصار في كلماتهم».
(17) ... في (أ):« عمر بن الخطاب ».
(18) ... وفيه أيضاً: ما كانوا عليه من إنكارِ البدعِ وفَزَعِهِمْ فيما يَطْرَأُ على الدِّينِ منها إلى ما عند الصحابة في ذلك مِنْ علم، وفيه: مذاكرةُ العِلْمِ في الطريق، وكرهه بعضهم، والصحيحُ الجواز. "الإكمال" (ص 292)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/53).(1/65)
.............................................
وقوله:«إنَّهُ قد ظهر قِبَلَنَا ناسٌ»، أي: فشا مذهبُهُمْ وانتشر، وهو مِنَ الظهورِ الذي يُضَادُّهُ (1) الخفاء .
وقوله:«يقرؤون القرآنَ، ويتقَفَّرُونَ العِلْمَ»؛ روينا (2) هذه اللفظةَ بتقديمِ القافِ وتأخير الفاء (3) ، أي: يَتَّبِعون ويجمعون، يقال: اقْتَفَر أثرَهُ، أي: تَتَبَّعه .
ورواها أبو العلاء بن ماهان بتقديم الفاء وتأخير القاف (4) ، أي: أنَّهُم يُخْرِجون غامضَه، ويبحثون عن أسراره، ومنه قولُ عمر بن الخَطَّاب - وذكر امرَأَ القَيْس - فقال:«افتقَرَ (5) عن معانٍ (6) عُورٍ أصَحَّ بَصَرٍ» (7) ، أي: فتح عن معانٍ غامضةٍ مبصرًا .
.............................................
وروي - في غير كتاب مسلم -:«يَتَقَفَّوْنَ» (8) بواوٍ مكان الراء، من «قَفَوْتُ أثرَهُ»، أي: تتبَّعْتُهُ، وهو من القَفَا (9) ، وكلُّها واضحُ المعنى .
وقوله:«وذكَرَ من شأنهم» (10) ، أي: عظيمِ (11) أمرهم في .............................................
الذكاء، والجِدِّ في طلب العلم .
وإنما ذَكَرَ له ذلك من أوصافهم؛ تنبيهًا له على الاعتناءِ بمقالتهم والبحث عنها؛ ليوضِّحَ أمرها؛ فإنّ كلامَهم قد وقع من (12) القلوب بالموقع (13) الذي لا يزيله إلا إيضاح (14) بالغ، وبرهانٌ واضح، ولمَّا فَهِمَ ابن عمر ذلك، أفتى بإبطالِ مذهبهم وفَسَادِه، وحكَمَ بِكُفْرهم، وتبرَّأ منهم، واستدلَّ على ذلك بالدليل القاطع عنده.
وقوله:«إنَّ الأَمْرَ أُنُفٌ»، أي: مستَأْنَفٌ، ومعناه عندهم: أنَّهُ لم يَسْبِقْ به سابقةُ علمِ الله تعالى ولا مشيئتِهِ، وإنما أفعالُ الإنسان موجودةٌ بعلم الإنسان واختيارِهِ؛ كما تقدَّم من مذهبهم (15) .
وأَنْفُ كلِّ شيء: أوَّلُهُ، ومنه: أنفُ الوجه؛ لأنَّه أوَّلُ =(1/135)=@ الأعضاء في الشخوص، وأَنْفُ السيل: أَوَّلُهُ؛ كما قال امرؤ القيس:
.............................................
قَدْ غَدَا يَحْمِلُنِي في أَنْفِهِ
لاَحِقُ الإِْطْلَيْنِ (16) مَحْبُوكٌ مُمَرّ (17) (18)
وروضٌ أنفٌ: لم يُرْعَ (19) قَبْلُ، وكذلك كأسٌ أُنُفٌ: لم يُشْرَبْ قبلُ؛ ومنه قوله تعالى: ُ َ ٍ ٌ ِ (20) ، أي: هذه الساعةَ المستأنفةَ (21) .
.............................................
وقوله:«والذي يحلف به عبد الله بن عمر» (22) ، هذه كنايةٌ عن الحلف باسم الله؛ فإنَّه هو الذي كان يَحْلِفُ به غالبًا (23) ، ولم يتلفَّظْ به؛ إجلالاً لأسماء الله تعالى عن أن &(1/66)&$
__________
(1) ... في (غ): «يُضَادّ».
(2) ... قوله: «روينا» ليس في (غ).
(3) ... قال ابن الصلاح: هذا هو الثابتُ في أصولنا وفي روايتنا، وهو الروايةُ المشهورة فيه، وقال القاضي عياض: هو أكثر روايتنا عن شيوخنا، وقال النووي: هذا هو المشهور . وانظر: "إكمال المعلم"(ص 260)، و"الصيانة" (ص 130 )، و"شرح مسلم" للنووي (1/155).
(4) ... أي: رواية «يَتَفَقَّرُونَ».
(5) ... في (أ): «اقتفر».
(6) ... في (أ):« معاني ».
(7) ... ذكر هذا الأثر القاضي في "الإكمال"، وكذا ابن قتيبة، والخطابي، والهروي، والزمخشري، وابن الأثير. انظر:"الإكمال" (ص 262 )، و"غريب الحديث" لابن قتيبة (2/7)، و"غريب الحديث» للخطابي (2/81 )، و"الغريبين" للهروي (5/1465)، و"الفائق" (1/368)، و"النهاية" (2/31)، و"اللسان" (5/63)، و"تاج العروس" (7/358). وانظر: "تاريخ دمشق" (9/225)، و"الأغاني". وقوله: «افتقَرَ»، أي : فتح، الفقير، وهو فَمُ القناة، و«معان عور»، أي: غامضة خفيَّة، يقال: ركيَّةٌ عور، أي: مندفنة. ... «أراد عمر $ح: أن امرأ القيس قد غاص على معان خفيَّة على الناس فكشفها لهم، وضرب العَوَرَ مثلاً لغموضها وخفائها، وصحةَ البَصَرِ مثلاً في ظهورها وبيانها، وذلك كما أجمعتْ عليه الرواة من سبقه إلى معانٍ كثيرة لم يحتذ فيها على مثالٍ متقدِّم؛ كابتدائه في القصيدة بالتشبيب والبكاء في الإظلال، والتشبيهات المصيبة والمعاني المقتضبة التي تفرَّد بها؛ فتبعه الشعراء عليها، وامتثلوا رسمه فيها. «غريب الحديث للخطابي (2/82).
(8) ... عند أبي داود من رواية ابن الأعرابي عنه كما في "الإكمال" (260)، و"مشارق الأنوار" (2/163)، وانظر في هذه الرواية: "شرح النووي" (1/156)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/53، 54)، و"الديباج" (1/8)، و"تحفة الأحوذي" (7/88).
(9) ... في (أ): «القفاء»، وهو لغة في «القفا». انظر: "تاج العروس" (20/91).
(10) ... قال النووي: هذا الكلام من كلام بعض الرواة الذين دون يحيى بن يعمر، والظاهر أنه من ابن بريدة الراوي عن يحيى بن يعمر، يعني: وذكر ابن يعمر من حال هؤلاء ووصفهم بالفضيلة في العلم والاجتهاد في تحصيله والاعتناء به» اهـ. وهذا الذي ذكره النووي أولى مما في حاشية الطبعة العامرة لصحيح مسلم من قوله: «قوله: وذكر من شأنهم: فيه التفات من التكلُّم إلى الغيبة؛ كما لا يخفى» "حاشية صحيح مسلم" (1/28).
(11) ... في (غ) : رعظم».
(12) ... في (أ): «في».
(13) ... في (أ):« بالرفع ».
(14) ... في (أ):« اتضاح ».
(15) ... انظر: (142-144).
(16) ... في (غ): «الأيطل».
(17) ... قوله: «محبوكٌ مُمَرّ» في (أ): «واهٍ مُنْهَمِرْ»، وهو وَهَمٌ، حيث اختلط آعجز هذا البيت بآخر عجز البيت الخامس من القصيدة، وهو قول امرئ القيس:
ساعةً ثم انتحاها وابلُ
ساقط، الأكْنَافِ وَاهٍ مُنْهَمِرْ
... انظر: "ديوان امرئ القيس" (108).
(18) ... البيت من الرمل، وهو من قصيدة امرئ القيس المشهورة في وصف الغيث، وأوَّلها:
دِيمةٌ هَطْلاءُ فيها وَطَفٌ
طَبَقُ الأرضِ تَحَرَّى وَتَدُرّ
... والبيت الشاهد هو البيت الثامن من القصيدة، وهو آخرها.
... وقوله:« لاحقُ الإطلين، أي: فرسٌ ضامرُ الكَشْحَيْنِ، والإطْلُ والأَيْطَل: الكشح، والمحبوك: المدمج الخلق الشديد، والمُمَرُّ: المعتدلُ الخَلْقِ، المفتولُ العضل. والمعنى: أن هذا الفرس المضمَّر الخاصرتين قد غدا يحملني في أنفه في أشدِّ العَدْوِ وفي أوَّله. انظر: "ديوان امرئ القيس" (108)، و"العريبين" للهروي (1/114-115)، و"تهذيب اللغة" (15/482)، و"اللسان" (9/14)، و"تاج العروس" (12/93).
(19) ... في (أ): «تُرْعَ».
(20) ... سورة محمد، الآية: 16 .
(21) ... نقل الشارح ما ذكره عن معنى «الأنف» من "الغريبين" للهروي (1/114)، مع بعض تصرُّف. وانظر كلام شيخ الإسلام ابن تيميَّة عن معنى «أنلف» في حديث ابن عمر هذا، في "مجموع الفتاوى" (7/381).
(22) ... قوله: «ابن عمر» ليس في (أ)، وقول ابن عمر هذا فيه الثقات من التكلُّم إلى الغَيْبة. أفاده المحشِّي على الطبعة العامرة من "صحيح مسلم" (1/28).
(23) ... قوله:« غالبًا » ليس له مفهوم مخالفة، بل المرادُ: دائمًا؛ لِمَا عُلِمَ أن الحلف لا يكونُ إلا بالله عزَّ وجل وأسمائه وصفاته، ولما ثبت عن ابن مسعود من قوله: «لأن أحلف بالله كاذباً أحبُّ إليَّ من أن أحلف بغيره صادقاً»، وسيأتي مزيدُ بحث لذلك في كتاب النذور والأيمان، باب كفارة النذر غير المسمَّى كفَّارة يمين، والنهي عن الخلف بغير الله تعالى، وانظر كذلك: كتاب الإيمان، باب وجوب التزام شرائع الإسلام في الكلام على قوله - صلى الله عليه وسلم - : «أفلح وأبيه إنْ صدق».(1/66)
تُتَّخَذَ عُرْضَةً لكثرة الأيمان بها، والله أعلم .
وقوله:«لو أنّ لأَِحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَه، ما قَبِلَ الله منه، حتى يؤمن بالقدر»، هذا صريحٌ في أنَّه كفَّرَهُمْ بذلك القولِ المحكيِّ عنهم؛ لأنَّهُ حكَمَ عليهم بما حكَمَ الله تعالى به على الكفَّارِ في الآية المتقدِّمة (1) ، وقد قلنا: إنَّ تكفيرَ هذه الطائفة مقطوعٌ به؛ لأنَّهم أنكروا معلومًا ضروريًّا من الشرع (2) .
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الإِْسْلامِ،
وقوله:«بينا (3) نحن عند رسول الله؟». «بينا» هذه هي «بين» الظرفية زِيدَت عليها الألف؛ لتكفَّها عن عملها الذي هو الخفض، كما قد زيدَتْ عليها أيضًا «ما» كذلك، وما بعدهما مرفوعٌ بالابتداء في اللغة المشهورة . ومنهم مَنْ خَفَضَ ما بعد الألف على الأصل؛ فقال: =(1/136)=@
.............................................
بَيْنَا تَعَانُقِه (4) الْكُمَاةَ وَرَوْغِهِ
يَوْمًا أُتِيحَ (5) لَهُ جَرِيءٌ سَلْفَعُ (6)
روي بخفض «تعانقِهِ» ورفعه؛ فعلى هذا فالألفُ ليستْ للكَفِّ (7) ، لكن لتمكن (8) النطق (9) .
وقد ذهَبَ بعضُ النحويِّين إلى أنَّها للتأنيث في الوجهين (10) ، وهي عنده فَعْلَى كـ«شَرْوَى» (11) .
.............................................
و«عند»: من ظروف الأمكنة غير المتمكِّنة، يقال لما مُلِكَ أو اختُصَّ به، حاضرًا كان أو غائبًا، ومثلها «لدى»، إلاَّ أَنَّها تختصُّ بالحاضر (12) ،، وفي «لدى (13) » لغاتٌ ثمانٍ مذكورةٌ في كتب النحو (14) .
وقوله:«إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ»: «إذ» و «إذا» ظرفان (15) غير متمكِّنَيْنِ، يضافان إلى .............................................
الجمل، إلاَّ أنَّ «إذْ»: لما مضى، وتضاف للجملتَيْنِ الفعليَّةِ والاسميَّة، و«إذا»: لما يُسْتَقْبَلُ، ولا تُضافُ إلاَّ إلى الفعليَّة، وفيها معنى الشرط، وليس ذلك في «إذْ»، إلاّ إذا دخلَتْ عليها «ما»؛ كقولهم:
إِذْ ما أَتَيْتََ عَلَى الرَّسُولِِ فَقُلْ لَهُ (16) &(1/67)&$
__________
(1) ... وهي قوله تعالى: ُ ى و ه ن م ل ك ق ف 7 8 ، ِ [التّوبَة: 54] {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ...}.
(2) ... تكفير ابن عمر للقدرية الأوائل، والقول باعتقاده أنهم خارجون من الملة: قطع به الشارح هنا ورآه صريحاً من كلام ابن عمر؛ وهذا ما عليه أكثر شرَّاح الحديث، وبعضهم على أنه اعتقد كفرهم كفر نعمة غير مخرج من الملة، والصواب ما عليه أكثر الشراح من كفرهم الكفر الأكبر المخرج من الملة، واختلفوا في علة هذا الكفر الأكبر: ... فبعضهم: علَّل ذلك بما ذكره الشارح هنا والقاضي في "الإكمال" من عدم قبول نفقاتهم حتى يؤمنوا بالقدر، واستدلُّوا بآية التوبة رقم 54 التي ذكرها الشارح. ... وبعضهم: علَّل ذلك بأن الإيمان بالقدر جزءٌ من الإيمان، فلمَّا انتفى الجزء انتفى الكل. ... قلتُ: والتعليل الأول أولى، والثاني مدخولٌ، لأنه غير مُطَّرد في القدرية المتأخِّرين، وهم المعتزلة؛ لأنهم مع عدم إيمانهم بالقدر، فليسوا اخارجين من الملة، على الصيحح، لأقرارهم بمرتبة «العلم» ؛ بخلاف القدرية الأول. ... انظر: "الإكمال" (264)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/58)، و"شرح النووي" (1/156)، و"فتح الملهم" (1/53)، و"معالم السنن" (5/70). وانظر التعليق السابق رقم (ب) (ص 143).
(3) ... في (غ): «بينما».
(4) ... كذا في جميع النسخ، وهي رواية، والأصح: تَعَنُّقِهِ، انظر: "ديوان المفضليات" (ص 879)، و"الخزانة" (7/75).
(5) ... في (أ):« أُبيحَ ».
(6) ... هذا البيت من الكامل، وهو لأبي ذُؤَيْبِ الهُذَلِيِّ من مرثيَّته المشهورة يقولها في بنين له خمسة أصيبوا في عام واحدٍ بالطاعون، ومطلعها:
أَمِنَ المَنُونِ ورَيْبِهِ تتوجَّعُ
والدهرُ ليس بِمُعْتِبٍ من يَجْزَعُ
... يقول: بينا هو في تعنُّقِ الكماةِ ورَوْغٍ منهم، أتيح له فارسٌ جريء، والرَّوْغ: المخاتَلَةُ في الحرب، والسلفع: الجريء الواسع الصدر، انظر: "شرح أشعار الغربيين" (1/37)، و"المفضليات" (ص 428)، و"لسان العرب" (13/65)، و"خزانة الأدب" (7/71-77)، و"المغني" (ص 359)، و"رصف المباني" ( ص 11)، و"الخصائص" (3/167).
(7) ... في (غ): «فالألف والميم ليستا للكف»
(8) ... في (غ): رليمكِّن».
(9) ... يعني: أن الألف لإشباع فتحة «بين». انظر: "رصف المبالي" (ص 11).
(10) ... يعني: في وجهي الخفض والرفع بعد «بينا»، وقد ذكر المرادي هذا القول مع قول آخر بصيغة التمريض، ولم يعزهما لأحد، قال: «وقيل: «بينا»: أصلها «بينما»؛ فخذفت الميم، وقيل: ألف «بينا» للتأنيث؛ وكلاهما قول ضعيف». "الجنى الداني" (ص 176).
(11) ... في (أ): «سروى»، والصواب ما أثبتُّه؛ والشَّرْوَى: المِثْل، وهذا شَرْوَى هذا، أي: مِثْله، ومنه حديث شُرَيْح أنه كان يضمِّنُ القَصَّار شَرْوَى الثوب الذي أهلكه، وواو «شروى» مبدلة من الياء؛ لأنَّها من «شَرَيْتُ»، والشيء وإنما يُشْرَى بمثله. انظر: "غريب الحديث" لابن قتيبة (3/42)، و"النهاية" (2/470)، و"اللسان" (14/428).
(12) ... زعم المعرِّيّ أنه لا فرق بين «عند» و«لدى»، وفرَّق بينهما غيره، وقوله غيره أولى؛ كما قال: صاحب "المغني". ... وتجد ما ذكره الشارح وغيره من فروق بين «عند» و«لدى»: عند الحريري في "درة الغواص" (ص27-28)، والأصفهاني في "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 590 «عند»، 739 «لدن - لدى»)، وأبي هلال العسكري في "الفروق اللغوية" (ص 334)، وابن الشجري في "أماليه" (1/224)، وابن منظور في "اللسان" (13/383)، وابن هشام في "المغني" (ص 164 ط سعيد الأفغاني)، وعنه السيوطي في "الأشباه والنظائر النحوية" (2/432-434).
(13) ... في (أ): «ذي»، وفي (غ): «لذي».
(14) ... وهي: لَدَى، لَدُنْ، لُدْنٌ، لَدْنٌ، لَدقنْ، لَدُ، لُدْ، لَدْ. انظر: مفردات الراغب» (ص 739)، و"اللسان" (13/383-384). وقد أوصلها بعضُهُم إلى عشرة لغات . انظر:"ضياء السالك" (1/145)، و"النحو الوافي" (1/290)، و"شرح الكافية" (1/315).
(15) ... في (غ): «أصلهما ظرفان».
(16) ... هذا صدر بيت من الكامل، وعجزه:
................
حقًّا عَلَيْكَ إذا اطمأنَّ المَجْلِسُ
... والبيت للعباس بن مِرْداس الصحابي - رضي الله عنه - ضمن قصيدة قالها في غزوة حنين يخاطبها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويذكُرُ بلاءه وإقدامَهُ مع قومه في تلك الغزوة وغيرها من الغزوات، وبعده - وهو مقول القول في بيت الشاهد -:
يا خَيْرَ مَنْ رَكبَ المَطِيَّ ومَنْ مَشَى
فوق التراب إذَا تُعَدُّ الأَنْفُسُ
إنَّا وَفَيْنَا بالذي عاهدتَّنَا
والخيلُ تُقْدَعُ بالكُمَاةِ وتُضْرَسُ
... وقد روى أهل السير بيت الشاهد:
إمَّا أتيتَ على النبيِّ فقلْ له
......................
... و«إمَّا» أصلها: إنْ مَا، وهي «إن» الشرطيّة و«ما» الزائدة؛ وعليه لا شاهد في هذه الرواية والبيت برواية الشارح: من شواهد سيبويه على أنَّ «إذْ ما» حرف شرط جازم بمنزلة «إن» الشرطية، وغير سيبويه - كالمبِّرد وابن السَّراج وأبي على الفارسي - يَرَوْنَ أن «إذْ ما» باقية على اسميتها، وأنها ظرفٌ، وأنَّ مدلولها من الزمان صار مستقبلاً، فهي عندهم: اسم شرط جازم متضمنة معنى «إنْ» كما يفعل بـ«متى» و«أين» ونحوهما من الظروف في باب الشرط، وقد ساق الشارح البيت على شرطية «إذ ما» دون تعرُّض لحرفيتها أو اسميتها.
... والبيت منسوب للعباس بن مرداس في "ديوانه" (ص 87)، و"الكتاب" (3/57)، و"المفضل" (ص 213)، و"اللسان" (3/476)، و"الخزانة" (9/29) وبلا نسبة في "المقتضب" (2/47)، و"الخصائص" (1/131)، و"رصف المباني" ( 60)، و"حروف المعاني" للزجاجي ( ص 75)، و"منازل الحروف" للرماني (ص 38).(1/67)
....................
.............................................
وقد يقعان للمفاجأة كما وقعَتْ «إذْ» ههنا (1) . وأمّا «إذا» للمفاجأة (2) ، ففي (3) قوله تعالى: ُ / * ) ، + × % ( ' " ِ (4) ، فـ«إذا» (5) الأولى ظرفيَّةٌ (6) ، والثانية مفاجِئَةٌ، ونحوُهُ في القرآن كثيرٌ (7) .
.............................................
وفيه : دليلٌ على استحبابِ (8) تحسينِ الثيابِ والهيئة، والنظافةِ عند الدخولِ على العلماءِ والفُضَلاءِ والملوك؛ فإنَّ جبريل صلى الله عليه وسلم أتى معلِّمًا للناس بحالِهِ ومقاله.
وقوله:«لا يُرَى عليه أَثَرُ السَّفَرِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ»؛ هكذا مشهورُ رواية (9) هذا =(1/137)=@ اللفظ:«يُرَى» مبنيًّا لِمَا لم يُسَمَّ فاعلُهُ، بالياء باثنتَيْنِ من تحتها؟، و«لا يعرفه» بالياء أيضًا .
وقد رواه أبو العَبَّاس العُذْرِيُّ (10) :«لا نَرَى عليه أَثَرَ السَّفَرِ ولا نَعْرِفُهُ» بالنون فيهما مبنيًّا لفعل الجماعة (11) ، وكلاهما واضح المعنى.
وقوله:«حتَّى جلَسَ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فأسنَدَ ركبتَيْهِ إلى رُكْبَتَيْهِ، .............................................
ووضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وقال: يا محمَّد»؛ هكذا مشهورُ هذا الحديثِ في "الصحيحين" من حديث ابن عمر .
وقد (12) روى النَّسائيُّ (13) هذا الحديثَ من حديث أبي هريرة، وأبي ذَرٍّ، وزادا (14) فيه زيادةً حسنةً، فقالا: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَجْلِسُ بين ظَهْرَانَيْ أصحابه فيجيءُ الغريبُ، فلا يَدْرِي أهو (15) هو حتَّى يَسْأَلَ، فطلبنا لرسولِ الله؟ أن نجعَلَ (16) له مجلسًا يَعْرِفُهُ الغريبُ إذا أتاه (17) ، فَبَنَيْنَا له دُكَّانًا (18) من طِينٍ يَجْلِسُ عليه،، إنَّا لجلوسٌ عنده ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - .............................................
في مجلسه (19) ؛ إذْ أقبَلَ رجلٌ أحسَنُ الناسِ وجهًا، وأطيَبُ الناسِ رِيحًا (20) ، كأنَّ ثيابَهُ لم يَمَسَّهَا دَنَسٌ،حتَّى سَلَّمَ من طَرَفِ السِّمَاطِ (21) ، قال: السَّلاَمُ عليكم (22) يا محمَّدُ، فرَدَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال: أَدْنُو يا محمَّدُ ؟ قال: ادْنُهُ، فما زال يقول: أدنو مرارًا، ويقول: «ادْنُ»، حتَّى وضَعَ يدَيْهِ على ركبتَيِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ... وذكر نحو حديث مسلم: &(1/68)&$
__________
(1) ... يعني: في حديث الباب في قول عمر - رضي الله عنه - : «بينا نحن ... إذْ طلع علينا»، وقد ذكر النحاة أنَّ «إذْ» تكون للمفاجأة؛ وقد نص على ذلك سيبويه، وهي الواقعة بعد «بينا» أو «بينما» كقوله [من البسيط]: ... استَقْدِرِ اللهَ خيراً وارضينَّ به: فبينما العُسْرُ إذْ دارتْ مَيَاسِيرُ ... وهل «إذ» على ذلك : باقية على ظرفيتها الزمانية، أو ظرف مكان، أو حرف بمعنى المفاجأة، أو حرف توكيد، أي: زائد؟ أربعةٌ أقوال، ولم تأت «إذْ» للمفاجأة في القرآن الكريم، ورد هذا المعنى أبو حبان، انظر: "المغني" (ص 93-94)، و"الجنى الداني" (ص 189)، و"الكتاب" (2/311)، و"البحر المحيط" (1/137).
(2) ... ذكر ابن هشام في "المغني" أنَّ «إذا» تكون للمفاجأة؛ فتختصُّ بالجمل الاسمية، ولا تحتاج لجواب، ولا تقع في الابتداء، ومعناها الحال لا الاستقبال؛ نحو: خرجتُ فإذا الأسد بالباب، وهي: حرف عند الأخفش واختاره ابن مالك، وظرف مكان عند المبرِّد واختاره ابن عصفور، وظرف زمان عند الزجَّاج واختاره الزمخشري، فهذه ثلاثة أقوال في «إذا» الفجائية. "المغني" (ص 97)، وانظر: "الجنى الداني" (ص 374)، و"رصف المباني" (61)، و"البحر المحيط" (4/131)، وستتكرَّر «إذا» الفجائيَّة في الأحاديث كثيراً؛ انظر (ص 206).
(3) ... في (أ):« فهي ».
(4) ... سورة الروم، الآية: 48 .
(5) ... في (أ): و« إذا ».
(6) ... نهاية السقط من نسخة (ب).
(7) ... من مثل قوله تعالى: ُ ل ك ق ف ِ [طه: 20] {فَإِذَا هَيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} وقوله: ُ » ف پ ـ لله ِ [يُونس: 21] {إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا}، وقوله : ُ ؟ 2 1 ِ [الرُّوم: 25] {إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ}، وقوله: ُ ] ء س ِ [الأنبيَاء: 97] {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ}، وقوله: ُ 4 1 2 ِ [يس: 29] {فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}، وقوله: ُ ق ف £ $ ِ [يس: 77] {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ}، وقوله: ُ ى و ه ِ [الأعرَاف: 108]، [الشعراء: 33] {فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ}، وقوله: ُ ئ [ گ ِ [النَّازعَات: 14] {فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ *}، وانظر: "مغني اللبيب" (ص 97-98)، و"الجني الداني" (ص 373)، و"رصف المباني" (ص 61-62).
(8) ... في (أ):« استحسان ».
(9) ... في (ب): «رواته».
(10) ... في (أ):« العدوي ».
(11) ... انظر: "شرح النووي" (1/157)، قال: وكذا هو - أي بالنون - في "مسند أبي يعلى الموصلي". .اهـ.ولم أجده في المطبوع من "مسند أبي يعلى".
(12) ... قوله: «وقد» ليس في (أ).
(13) ... في "الصغرى (المجتبى)" (8/101) كتاب الإيمان، باب صفة الإيمان والإسلام، من طريق أبي زرعة، عن أبي هريرة وأبي ذَرٍّ، به، وإسنادُهُ صحيح، وأخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده" (1/209).
(14) ... في (أ) و(غ): «وزاد» بدون ألف.
(15) ... قوله: «أهو»: في "السنن الكبرى" (6/528) بتحقيق البنداري وكسروي، وفي "الصغرى" و"المجتبى" بعناية أبي غدة (8/101): «أيهم»، وفي "مسند إسحاق بن راهويه" (1/209) «أين».
(16) ... في (غ) : «يجعل».
(17) ... في (أ):« أتيناه ».
(18) ... الدُّكَّان: الدَّكَّةُ المبنيَّةُ للجلوس عليها، وفي "القاموس" و"اللسان": «بناء يسَطَّح أعلاه للمقعد»، وقد اختلفوا في اشتقاقه ووزنه، فقيل: وزنه فُعْلان من الدَّكّ؛ فحينئذ: النون زائدة، وقيل: وزنه فَعَّال من الدَّكَن؛ يقال: دكَنَ المتاعَ، من باب نصَرَ: نضَّد بعضَه على بعض؛ كدَكَّنه بالتشديد، ويقال: دكَّن الدُّكَّان، أي: عمله؛ فحينئذ: النون في «الدكان» أصلية. انظر: راللسان» (10/425، دكك)، (13/157)، دكن)، و"التاج" (13/559، دكك)، (18/201، دكن).
(19) ... قوله:« ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلسه » سقط من (ب).
(20) ... في "مسند إسحاق بن راهويه" (1/209) زيادة: «وأنقى الناس ثوباً».
(21) ... السماط: الصَّفُّ من الناس، والمراد في الحديث: الجماعة الذين كانوا جلوسًا عن جانبيه . "اللسان" (7/325)، وهي كذلك «السماط» في "مسند إسحاق" (1/209)، وفي "السنن الكبرى" (6/528)، و"الصغرى" (8/101): «البساط».
(22) ... في "السنن الكبرى" (6/528)، و"الصغرى" (8/101): «السلام عليك» بالإفراد، وفي "مسند إسحاق بن راهويه" (1/209): «السلام عليكم» بالجمع، ويظهر أن رواية الجمع هذه نقلها الشارح ممَّا وقع له من "سنن النسائي" الكبرى أو الصغرى، لكن الحافظ ابن حجر ذكر كلام الشارح على رواية الجمع واعترضه، قال: «ووقع عند القرطبي؛ أنه قال: «السلام عليكم يا محمد»؛ فاستنبط منه أنه يستحب للداخل أن يعمِّم بالسلام، ثم يخصَّص من يريد تخصيصه. انتهى. والذي وقفتُ عليه من الروايات إنما فيه الإفراد، وهو قوله: السلام عليك يا محمد». اهـ كلام الحافظ؛ فالذي يظهر أن الحافظ - رحمه الله - لم يقف على رواية الجمع في "مسند إسحاق" ولا في إحدى نسخ "سنن النسائي" التي نقل عنها الشارح. ... وأمَّا العيني في "عمدة القاري" فقد نقل عن الشارح ما استنبطه من رواية الجمع، ولم يعترضه بشيء. ... انظر: "فتح الباري" (1/117)، و"عمدة القاري" (1/292).(1/68)
.............................................
ففيه من الفقه: ابتداءُ الداخلِ بالسلام على جميع مَنُ دخل عليه، وإقبالُهُ =(1/138)=@ على رأس القوم؛ فإنه قال:«السلامُ عليكم»، فعَمَّ، ثم قال:«يا محمَّد»، فخَصَّ .
وفيه: الاستئذانُ في القُرْبِ من الإمام مرارًا، وإنْ كان الإمامُ في موضعٍ مأذونٍ في دخوله .
وفيه: تركُ الاكتفاءِ بالاستئذان مرةً أو مرتَيْنِ على جهة التعظيم والاحترام.
وفيه: جوازُ اختصاصِ العالم بموضعٍ مرتفِعٍ من المسجد، إذا دعت إلى ذلك ضرورةُ (1) تعليمٍ أو غيرِهِ .
وقد بيَّن فيه: أنَّ جبريل - عليه السلام - وضع يدَيْه على رُكْبَتَيْ (2) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فارتفع الاحتمال (3) الذي في لفظ "كتاب مسلم"؛ فإنَّه قال فيه: «فوضع كَفَّيْهِ على فَخِذَيْهِ»، وهو محتمل (4) .
.............................................
وإنما فعل جبريلُ ذلك - والله أعلم - ليقتدي به السائلُ (5) ؛ تنبيهًا على ما ينبغي للسائل من قوَّةِ النَّفْس عند السؤال، وعدمِ المبالاة بما يقطع عليه خاطره، وإنْ كان المسؤول مِمَّنْ (6) يُحْتَرَمُ ويُهَاب، وعلى ما ينبغي (7) للمسؤولِ مِنَ التواضعِ والصَّفْحِ عن السائل، وإنْ تعدَّى ما ينبغي من الاحترام والأدب .
ونداءُ جبريل -عليه السلام - للنبي - صلى الله عليه وسلم - كما تناديه (8) الأعرابُ: «يا محمَّد»: تعميةٌ على حاله (9) .
... فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «الإِْسْلامُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ ! قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِْيمَانِ، قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ
و (10) «الإسلام» في اللغة هو (11) : الاستسلامُ والانقيادُ؛ ومنه قوله تعالى: ُ - صلى الله عليه وسلم - { « » ف پ ِ (12) ، أي: اِنْقَدْنا (13) ،، وهو (14) في الشرع: الانقيادُ بالأفعالِ الظاهرة خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِْحْسَانِ، قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».
الشرعيَّة (15) ، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أنس $ح: «الإسلامُ علانيَةٌ، .............................................
والإيمانُ في القَلْب»؛ ذكره ابن أبي شَيْبَةَ في «مسنده (16) » (17) .
و «الإيمان» لغةً: هو التصديقُ مطلقًا،، وفي الشرع:
.............................................
التصديقُ بالقواعد الشرعيَّة (18) ؛ كما نبَّه عليه (19) النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، .............................................
في حديثِ أنسٍ هذا . =(1/139)=@ &(1/69)&$
__________
(1) ... قوله: «إلى ذلك ضرورة» في (أ): «ضرورةٌ إلى ذلك من».
(2) ... في (أ):« ركبة ».
(3) ... في (أ) و(غ):« الإجمال ».
(4) ... ولهذا الاحتمال وقَعَ الاختلافُ في تعيين مرجع الضمير في قوله:« وضع كَفَّيْهِ على فخذيه ": ... فذهب النووي، والتوربشتى: إلى أنَّ المراد وضع كفَّيْه على فخذَيْ نفسه، وجلس على هيئة المتعلّم؛ لأنه أقربُ إلى التوقير، وأشبَهُ بِسَمْتِ ذوي الآداب، وأنَّ الراوي استغنَى في الكلمتين الأوليين عن الإيضاح بإضافة الثانية إلى مضمر؛ اتكالاً على ما في «الركبتَيْن» من البيان، ثم إنه أجرى الأخريين على تلك الوتيرة معوِّلاً على فهم السامع المعنى الذي اختاره. ... وذهب محيي السنة البغوي، وإسماعيل بن الفضل التيمي، والطِّيبي، وابن حجر، وغيرهم: إلى أن المراد وضع كفَّيْه على فخذي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد رجَّحه الطِّيي من حيث المعنى، ورجَّحه الحافظُ من حيثُ الروايةُ، وهذا ما ذهب إليه الشارح هنا، وهو الراجح؛ لورود الرواية المصرِّحة بذلك . ... وانظر في تفصيل ذلك:"شرح النووي" (1/157)، و"شرح التوربشتى" (ص 18)، و"شرح الطِّيي" (1/95)، و"مرقاة المفاتيح" (1/51)، و"الفتح" (1/116).
(5) ... قوله:« ليقتدي به السائل » سقط من (ب) و(غ).
(6) ... في (أ):« مما ».
(7) ... في (غ): «على ما ينبغي».
(8) ... في (أ): «يناديه».
(9) ... علَّق الحافظ في "الفتح" على كلام القرطبي هنا، فبعد أن ذكر روايات الحديث، قال: «فاختلفت الروايات: هل قال له: يا محمَّد، أو يا رسول الله، وهل سلَّم أَوْ لا؟ فأمَّا السلام: فمن ذكره مقدَّمٌ على من سكت عنه، وقال - القرطبي بناءً على أنه لم يسلَّم، وقال: يا محمد -: إنه أراد بذلك التعمية؛ فصنع صنيع الأعراب، قلتُ: ويجمع بين الروايتين: بأنه بدأ أوَّلاً بندائه باسمه لهذا المعنى، ثم خاطبه بقوله: يا رسول الله» اهـ. كلام الحافظ. ... وهذا جمعٌ حسَنٌ، لكن ما نقله عن صاحب «المفهم» فيه نظر؛ لأن القرطبي استنبط أن جبريل - عليه السلام - أراد التعمية فصنع صنيع الأعراب، من قوله: «يا محمَّد» - كما كانت الأعراب تقوله - لا من كونه لم يسلّم ، كيف والقرطبي صرَّح بالرواية التي ذُكِرَ فيها السَّلام؟! ... انظر: "فتح الباري" (1/117).
(10) ... الواو ساقطة من (ب) و(غ).
(11) ... قوله: «هو» سقط من (أ).
(12) ... سورة الحجرات، الآية: 14 .
(13) ... انظر: في معنى الإسلام لغةً: "الفصل" لابن حزم (3/270)، و"الصيانة" (ص 134)، و"النهاية" (2/395)، و"اللسان" ( )، و"التاج" ( ).
(14) ... قوله: «هو» سقط من (أ).
(15) ... هو الذي ذكره الشارح من معنى الإسلام في الشرع هو معناه عند اقترانه مع لفظ الإيمان؛ كما في حديث جبريل الذي معنا، وإلا فمعنى الإسلام في الشرع يختلف حَسَبَ اقترائه واقتراقه مع لفظ الإيمان، فله إذن حالتان: ... الأولى: عند اقترائه بلفظ الإيمان، وهنا يكون معنى الإسلام في الكتاب والسنة - كما ذكر الشارع - هو معناه المذكور في حديث جبريل، وهو الاستسلام والانقياد بالأعمال الظاهرة؛ وذلك مثل قوله تعالى: ُ 8 } - صلى الله عليه وسلم - { « » ف پ ِ [الحُجرَات: 14] {قَالَتِ الأَْعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}، وكما في حديث مسلم عن سعد قال: «يا رسول الله، أعط فلاناً؛ فإنه مؤمن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أو مسلم». ... الثانية: عند افتراقه وانفراده عن لفظ «الإيمان»، وهنا يكون معنى الإسلام في الكتاب والسنة: الانقياد بالأعمال الظاهرة، وكذلك التصديق بالباطن، كما في قوله تعالى: ُ أ آ ء ذ ِ [المَائدة: 3] {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِْسْلاَمَ دِينًا}، والمراد بالإسلام في الآية قطعاً: الأعمال الظاهرة مع التصديق الباطن، وهذا - أيضاً - هو معنى «الإيمان» عند انفراده عن لفظ الإسلام يتناول التصديق الباطن، والأعمال الظاهرة؛ كما سيأتي بيانه: ... وهذه المعاني للإسلام والإيمان عند الاقتران والافتراق: «معاني حقيقية لا مجازية، كما سيأتي بيانه أيضاً في التعليق على كلام الشارح، وبذلك يتبيّن : أن كلام الشارح في معنى «الإسلام» في الشرع لا يصح إلا عند اقترائه مع لفظ الإيمان، فليعلم. ... انظر: "مجموع الفتاوى" (7/133، 357-371، 551 - 553)، (18/275، 276)، و"شرح الطحاوية" (ص 331 - 351)، و"الاعتقاد" للبيهقي (ص 95)، و"الفصل" لابن حزم (3/269 - 271)، و"معالم السنن" (5/70 - 71)، و"صيانة صحيح مسلم" (ص 134 - 135)، و"شرح النووي" (1/144 - 149)، و"فتح الباري" (1/114 - 120).
(16) ... في (غ): يشبه أن تكون: "مسنده".
(17) ... أخرجه أحمد في "المسند" (3/134)، والبزَّار كما في "كشف الأستار" (1/19 رقم20)، وأبو يعلى في "المسند" (5/302 رقم 2923)، وابن أبي شيبة في "الإيمان" (ص 5 رقم 6)، وابن عدي في "الكامل" (5/1850)، والعقيلي في "الضعفاء" (3/250). ... كلُّهم من طريق عليِّ بن مَسْعدة، عن قتادة، عن أنس مرفوعًا، به، وفي آخره: « التقوَى ههنا، التقوَى ههنا ». ... قال أحمد: حدثنا بَهْز، قال: حدثنا علي بن مسعدة، به . ... وهذا إسنادٌ رجاله ثقاتٌ إلا علي بن مسعدة . انظر: التقريب (128 رقم 453 ). ... وعلي بن مسعدة الباهلي البصري، وثَّقَه الطيالسي، وقال ابن معين: صالح، وقال مرة: لا بأس به في البصريين، وقال أبو حاتم: لا بأس به . ... وضعَّفه أبو داود والنسائي والعقيلي، وقال البخاري: فيه نظر، وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة، وقال ابن حبان: لا يحتجُّ بما لا يوافق فيه الثقات . ... قال الحافظ: صدوق له أوهام . انظر: و"التاريخ" لابن معين (2/422)، "التاريخ الكبير" (6/294)، و"الجرح والتعديل" (6/204)، و"التهذيب" (7/381)، و"التقريب" (ص 405). ... والذي يظهر من حاله الضعفُ؛ قال ابن عدي بعد أن أورَدَ هذا الحديث وغيره: ولعليِّ بن مَسْعدة غيرُ ما ذكرتُ عن قتادة، وكلُّها غير محفوظة .اهـ. ... كما أن فيه عنعنة قتادة، وهو مدلِّس من المرتبة الثالثة، كما في «طبقات المدلسين» (ص 67). ... وعليه: فالحديثُ ضعيف؛ لحالِ عليٍّ، وعنعنةِ قتادة .
(18) ... بل الإيمان لغةً: إقرار وتصديق وعمل، وكذلك هو في الشرع: إقرار باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان، وأمَّا ما ذكره الشارح من كون الإيمان في اللغة هو: التصديق: فهذا ما نقله أبو بكر الباقلاني في كتابه "التمهيد"، عن إجماع أهل اللغة قاطبة هكذا زعم - وجعل أن الإيمان في كلام الشارع باقي على معناه في اللغة، وهو التصديق؛ وهذا مذهب أبي حسن الأشعري في «الإيمان»، وهو عمدة من نصر قول الجهميَّة في «مسألة الإيمان»، وقد تعقّبه شيخ الإسلام ابن تيميَّة وغيره، وأجابوا عن هذه الدعوى بأجوبة كثيرة؛ فقد عارض شيخ الإسلام هذا القول بذكر سبعة أقوال قالتها عامَّة الطوائف في معنى «الإيمان» لغةً، وصحَّح أن الإيمان في اللغة: يكون بالقلب واللسان وسائر الجوارح، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «والفرح يصدِّق ذلك أو يكذّبه»، وأجاب عن قول الباقلاني: «إجماع أهل اللغة قاطبة على أن «الإيمان» قبل نزول القرآن: هو التصديق»، من ستة عشر وجهًا: ... منها: أن يقال: من نقل هذا الإجماع؟! ومن أين يُعْلَم هذا الإجماع؟! وفي أي كتاب ذكر هذا الإجماع؟!. ... ومنها: أنه لا يعرف عن أهل اللغة جميعًا أنهم قالوا: الإيمان في اللغة هو التصديق؛ بل ولا عن بعضهم، وإن قدّر أنَّه قاله واحدٌ أو اثنان، فليس إجماعًا. ... ومنها: أنه لا يوجد في كلام العرب شاهد واحدٌ يدُلُّ على ما ادعَوْه. ... ومنها: أن كلَّ إيمانٍ مطلق في القرآن فقد بيَّن فيه أنه لا يكون الرجل مؤمناً إلا بالعمل مع التصديق، فقد بيَّن في القرآن أن «الإيمان» لا بد فيه من عمل مع التصديق؛ كما ذكر مثل ذلك في الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج. ... فإن قيل: تلك الأسماءُ باقية، ولكنْ ضَمَّ إلى المسمَّى أعمالاً في الحكم لا في الاسم، كما يقوله القاضي أبو يعلى وغيره. ... قيل: إنْ كان هذا صحيحاً، قيل مثله في الإيمان. وقد أُوردَ هذا السؤال لبعضهم، ثم لم يجبْ عنه بجوابٍ صحيح، بل زعم أنَّ القرآن لم يذكُرْ فيه ذلك، وليس كذلك، بل القرآنُ والسنة مملوءان بما يدُلُّ على أنَّ الرجلَ لا يثبُتُ له حكم الإيمان إلا بالعمل مع التصديق، وهذا في القرآن أكثر بكثير من معنى الصلاة والزكاة؛ فإنَّ تلك إنما فسَّرتها السنة، «والإيمان» بيَّن معناه الكتابُ، والسنة، وإجماع السلف. ... ومنها: أن الإيمان - وإن تضمَّن التصديق - فليس هو مرادفًا له، فلا يقال لكل مصدِّق بشيء: إنه مؤمنٌ به، فلو قال قائل: أنا أصدِّق بأن الواحد نصف الاثنين، وأن السماء فوقنا، والأرض تحتنا، ونحو ذلك مما يشاهده الناس ويعلمونه، لم يُقلْ لهذا: إنه مؤمن بذلك؛ بل لا يستعمل إلا فيمن أخبر بشيء من الأمور الغائبة. ... ومنها: أن الشارع خاطب الناس بلغة العرب المعروفة لديهم؛ وهو قد خاطبهم بلفظ الإيمان والصلاة والزكاة، بلام التعريف؛ وقد عرَّفهم قبل ذلك أن المراد: الإيمان الذي صفته كذا وكذا، والدعاء واللسان فضلاً عن تصديق القلب وحده، بل لا بد أن يعمل بموجب ذلك التصديق، كما في قوله تعالى: ُ ل ك ق ف ت ة ج ث خ ِ [الحُجرَات: 15] {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}، وفي قوله تعالى: ُ ز ر ظ ط ض ص ج ث ِ [الأنفَال: 2] {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}، وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - : «لا تؤمنون حتى تكونوا كذا»، وفي قوله تعالى: ُ ب ا ت ة ج ث خ ح ذ د } ِ [المجَادلة: 22] {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهُ وَرَسُولَهُ}، وفي قوله تعالى: ُ « » ف پ ـ لله ْ ّ ِ ِ [المَائدة: 81] {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ}، ومثل هذا كثيرٌ في الكتاب والسُّنّة، كقوله عليه السلام: «لا يَزْني الزاني حِينَ يَزْني وهو مُؤْمِن»، وقوله: «لا يؤمنُ مَنْ جارُهُ بوائقَهُ» ، وأمثال ذلك. ... فقد بيَّن لهم أن التصديق الذي لا يكونُ الرجلُ مؤمنًا إلا به، هو أنْ يكون تصديقًا على هذا الوجه؛ وهذا بيِّنٌ في القرآن والسنة مِنْ غير تغيير للغة ولا نقل لها. ... انظر تتمَّة هذه الأجوبة وتفصيلها في "مجموع الفتاوى" (7/120 - 143)، وانظر أيضاً: "مجموع الفتاوى" (7/307 - 311، 353 - 355، 504 - 510)، (11/652 - 654)، (9/293 - 295)، و"شرح الحاوية" (ص 308 - 320)، و"شرح أصول اعتقاد أهل السنة" (4/816، 830، 849)، و"الإيمان" لأبي عبيد ( ص 53 - 54)، وكتاب "ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي المعاصر"، وانظر من كتب اللغة والغريب، و"مشارق الأنوار" (1/111)، و"النهاية" (1/69).
(19) ... قوله: «النبيُّ» ليس في (أ)) و(ب).(1/69)
وقد تناقش (1) علماءُ الأصول في هذه الأسماء الشرعيَّة تناقشًا (2) لا طائلَ تحته (3) ، إذا حُقِّقَ الأمرُ فيه؛ وذلك أنَّهم مُتَّفِقُونَ على أنَّها يستفادُ منها في الشرع زيادةٌ على أصل الوضع، وهل ذلك المعنى يُصَيِّرُ تلك الأسماءَ موضوعةً كالوضع الابتدائيِّ مِنْ قِبَلِ الشرع، أو هي مبقاةٌ على الوضعِ اللغويِّ والشرعُ إنما تصرَّفَ في شروطها وأحكامها؟ هنا (4) تناقُشُهُمْ (5) ، والأمر قريب.
والحاصل: أنَّ الشرعَ تصرَّف في حال هذه الأسماء، لا في أصلِ وضعها، فخصّص عامًّا، كالحال في الإسلام والإيمان؛ فإنّهما بحكم الوضع يَعُمَّانِ كلَّ انقياد، وكلَّ تصديق، لكنْ قَصَرَهُمَا الشرعُ على تصديقٍ مخصوصُ وانقيادٍ مخصوص (6) ؛ وكذلك فعلَتِ العربُ في لغتها في الأسماء العُرْفيَّة، كالدابَّةِ: فإنَّها في الأصل اسمٌ (7) لكلِّ ما يَدِبُّ، ثمَّ عُرْفُهُم خصَّصها ببعض ما يَدِبُّ؛ فالأسماءُ الشرعيَّةُ .............................................
كالأسماء العرفيَّة (8) في هذا التصرُّف، والله أعلم .
وقد استفدنا من هذا البحث: أنّ الإيمانَ والإسلامَ حقيقتان متباينتان لغةً وشرعًا؛ كما دلَّ عليه حديثُ جبريلَ هذا وغيرُهُ؛ وهذا هو الأصلُ في الأسماء المختلفة - أعني: أنْ يَدُلَّ كُلُّ واحد منها على خلافِ ما يَدُلُّ عليه الآخر (9) - غير أنَّهُ قد توسَّعَ الشرعُ فيهما:
.............................................
فأطلَقَ اسمَ الإيمانِ على حقيقة الإسلام ؛ كما في حديث وَفْدِ عبد القَيْسِ الآتي بعد هذا (10) ، وكقوله: «الإيمانُ بِضْعٌ وسبعون بابًا، فأدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأرفعها قولُ: لا إله إلا الله» (11) .
.............................................
وقد أطْلَقَ الإسلامَ مريدًا به (12) مسمَّى الإسلامِ والإيمان، بمعنى التداخُلِ (13) ، كقوله تعالى: ُ {إن الدين عند الله الإسلام}ِ (14) . =(1/140)=@ &(1/70)&$
__________
(1) ... في (غ): «تنافس».
(2) ... في (غ): «تنافساً».
(3) ... في (ب) و(غ) «له».
(4) ... قوله: «هنا» سقط من (أ).
(5) ... في (غ): «تنافسهم».
(6) ... قوله:« وانقياد مخصوص » سقط من (أ).
(7) ... قوله: «اسم» ليس في (غ).
(8) ... من قوله:« كالدابة ... » إلى هنا ليس في (أ).
(9) ... أن الأصل في الأسماء المختلفة المتباينة في لفظها: أن تكون مختلفة متباينة غير مترادفة في معناها؛ لأن الاختلاف في اللفظ تودِّي إلى الاختلاف في المعنى، وأمَّا أن تتعدد الألفاظ وتختلف مع اتحاد المعنى، فهذا هو الترادف، وقد اختلف فيه أئمَّة اللغة على أقوال ثلاثة: ... الأول: قول المثبتين؛ فقد أثبته قومٌ، توسٌّعوا في إثباته، وعمدتهم في إثباته: ما أثر عن العرب في إطلاقها الأسماء المختلفة على الذات الواحدة؛ نحو: ما أثر عنها من أسماء السيف والأسد وغيرها، وقد ألَّف الفيروز آبادي كتابه «الروض المسلوف، فيما له أسمان إلى ألوف، ومثله ما ألّف من كتب الترادف اللغوي. ... الثاني: قول المنكرين؛ فقد أنكره قومٌ، وبالغوا في إبطاله، وألَّف في ذلك كتب "الفروق اللغوية"؛ ومنها كتاب أبي هلال العسكري "الفروق في اللغة"، وقد صدَّره بباب في الإبانة عن كون اختلاف العبارات والأسماء موجباً لاختلاف المعاني في كل لغة». ... وكلُّ من المثبتين والمنكرين قد غال في مذهبه، فبين مفرِّط ومُفْرط، فمن أثبته: قد غالى في إثباته وتوسَّع في تكثير مفرداته، حتى أغفل كثيراً من الفروق اللغوية بين تلك الكلمات التي عدّها مترادفة، ومن أنكره: قد غالى في إنكاره حتى تلمَّس فروقاً دقيقةً لا تخطر على بال علماء اللغة فضلاً عن متكلِّميها، والصواب: هو قول المتوسطين الفريقين، وهو القول الوسط، وهو القول الثالث. ... قول من توسَّط وفصَّل، وممَّن ذهب إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما، وقد فصَّل أصحاب هذا القول وقسَّموا الترادف قسمَيْن: ... الأول: وقد أقرُّوا بوقوعه، وهو ما كان من لغتين، سواءٌ كان بين لغات قبائل عربية (لهجات)، أم بين لغة عربية وأخرى أعجميَّة، كـ«القدْؤ» بالبصرية، و«البُرْمة» بالمكية، و«الله» بالعربية، و«آزر» بالفارسية، فما الترادف من لغات مختلفة واقعٌ لا ينكر. ... الثاني: وقد فصَّلوا فيه، وهو ما كان من لغة واحدة، وقد قسَّموا هذا القسم إلى نوعين: ... أحدهما: الترادف المحض، أو الترادف التام، وهو الأسماءُ الدالّة على الذاتِ الواحدة، المتحدة في الصفات؛ نحو: الحِنْطة والقمح والبُرّ. ... وثانيهما: الترادفُ غيرُ المحض، أو الترادفُ الناقص، وهو ما كان مترادفاً في الذات متبايناً في الصفات، نحو: أسماء الله الحسنى، وأسماء كلامية، وأسماء نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ، وأسماء اليوم الآخر. ... ولعلَّ هذا التقسيم يَحُلُّ لنا إشكال المنكرين للترادف، يقولُ العِزُّ بن عبدالسلام: «والحاصلُ: أنَّ مَنْ جعلها مترادفةً ينظُرُ إلى اتحاد دلالتها على الذات، ومَنْ يمنع ينظُرُ إلى اختصاص بعضها بمزيدِ معنًى، فهي تشبه المترادفةَ في الذات والمتباينة في الصفات. ... ويقولُ ابن القيم: «وقد أنكر كثيرٌ من الناس الترادُفُ في اللغة، وكأنهم أرادوا هذا المعنى، وأنه ما من اسمَيْن لمسمًّى واحدٍ إلاَّ وبينهما فرقٌ في صفة أو نسبة أو إضافة، سواءٌ عُلِمَتْ لنا أو لم تُعْلَم، وهذا الذي قالوه صحيحٌ باعتبار الواضح الواحد، ولكن قد يقَعُ الترادفُ باعتبار واضعَيْن مختلفَيْن، يسمِّي أحدهما المسمَّى باسم، ويسمِّيه الواضعُ الآخر باسمٍ غيره، ويشتهرُ الوضعان عند القبيلة الواحدة، ومن هنا يقع الاشتراك أيضاً، فالأصل في اللغة هو: التباين، وهو أكثر اللغة». ... وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فهو يرى أن ما يسمِّيه البعض: ألفاظاً مترادفة، يجعله هو من الألفاظ المتكافئة، ويسمَّيها أحياناً: الألفاظ المتقاربة، وهي غير المترادفة، وإن وقع ترادف في اللغة فهو قليل، يعني: ما كان من لغتين، وأمَّا الترادف في القرآن فهو قليل نادر أو معدوم، يقول عن قلة الترادف في اللغة، وأن ما صَرَّ منه فهو من المتكافئ لا المترادف، إنه قد يكونُ اللفظان متفقَيْن في الدلالة على معنًى، ويمتازُ أحدهما بزيادةٍ؛ كما إذا قيل في السيف: إنه سيفٌ، وصارمٌ، ومهنَّد، فلفظٌ «السيف» يدل عليه مجرِّدًا، ولفظ «الصارم» في الأصل يدُلُّ على صفة الصَّرْم عليه، و«المهنَّد» يدل على النسبة إلى الهِنْد، وإن كان بعرف الاستعمال نُقِلَ من الوصفية إلى الاسمية، فصار هذا اللفظ يطلق على ذاته مع قطع النظر عن هذه الإضافة، لكن مع مراعاة هذه الإضافة، منهم من يقول: هذه الأسماء ليستْ مترادفةً لاختصاص بعضها بمزيد معنى، ومن الناس مَنْ جعلها مترادفةً باعتبار اتحادها في الدلالة على الذات، وأولئك يقولون: هي من المتباينة، كلفظِ الرَّجُل والأسد، فقال لهم هؤلاء: ليستْ كالمتباينة. ... والإنصافُ: أنها متفقةٌ في الدلالة على الذات، متنوِّعةٌ في الدلالة على الصفات، فهي قسمٌ آخر قد يسمَّى: «المتكافئة»، وأسماءُ الله الحسنى وأسماءُ رسوله وكتابه، مِنْ هذا النوع». ... ويقول عن قلة الترادف في القرآن أو انعدامه، وأن ما يقع مما يظن مترادفاً إنما هو من الألفاظ المتقاربة لا المترادفة، وكذلك ما يستعمل في تعريف اللفظ الغامض بلفظ أوضح منه، يقول: «ومن الألفاظ الموجودة عنهم [أي: عن الصحابة]، ويجعلها بعض الناس اختلافاً: أن يعبِّروا عن المعاني بألفاظٍ متقاربة لا مترادفة،؛ فإن الترادف في اللغة قليل، وأما في ألفاظ القرآن: فإمّا نادر، وإما معدوم، وقلَّ أن يعبَّر عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدِّي جميع معناه؛ بل يكون فيه تقريبٌ لمعناه؛ وهذا من أسباب إعجاز القرآن؛ فإذا قال القائل في قوله تعالى: ُ . - 0 / ء ! ! ِ [الطُّور: 9] {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا *}: إن المَوْر هو الحركة، كان ذلك تقريباً؛ إذ المور حركة سريعة خفيفة، وكذلك إذ قال: الوحي: الإعلام، أو قيل: ُ ژ ؟ ِ [النِّسَاء: 163] {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}: أنزلنا إليك، أو قيل: ُ س ز ر ظ ِ [الإسرَاء: 4] {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ}، أي: أَعْلَمْنَا، وأمثالُ ذلك، فهذا كلُّه تقريبٌ لا تحقيق؛ فإنَّ الوحي: هو إعلامٌ سريعٌ خفيّ، والقضاء إليهم أخصُّ من الإعلام؛ فإنَّ إنزالاً إليهم وإيحاءً إليهم. ... ومَنْ قال: لا ريب: لا شَكَّ، فهذا تريبٌ، وإلا فالرَّيْبُ فيه اضطرابٌ وحركة، كما قال في الحديث: «دَعْ مما يريبك إلى ما لا يريبك»، وفي حديثٍ آخر أنه مرَّ بظبي حاقف، وقد انحنى في نومه، فقال: «لا يريبه أحدٌ»، فكما أن اليقين ضُمِّنَ السكونَ والطمأنينة، فالريبُ ضدُّه ضمِّن الاضطرابَ والحركة، ولفظُ الشك، وإنْ قيل: إنه يستلزمُ هذا المعنى، لكنَّ لفظه لا يدلُّ عليه. ... وكذلك إذا قيل: ذلك الكتابُ: هذا القرآنُ، فهذا تقريبُ؛ لأن المشار إليه وإن كان واحداً، فالإشارةُ بجهة الحضورِ غيرُ الإشارة بجهة البعد والغيبة، ولفظُ الكتاب يتضمّن من كونه مكتوباً مضموناً، ما لا يتضمّنه لفظُ القرآن مِنْ كونه مقروءاً مظهراً بادياً. ... هذا؛ وقد أطلْتُ الكلام على هذه المسألة؛ لأن كتب التفسير وشروح الأحاديث - ومنها كتابنا هذا "المفهم" - مبنيَّة على شرح الألفاظ الغامضة بألفاظ أوضح منها، وذلك من باب التقريب لا من باب الترادف، فليعلَمْ، انظر: "المحصول" للرازي (1/253-255)، و"الإحكام" للآمدي (1/23-25)، و"فواتح الرحموت" (1/253)، و"نشر البنود" (1/120)، و"مراقي السعود" (ص 124-126)، و"الصاحبي" (ص 96، 114)، و"المزهر" (1/402-405)، و"الفروق اللغوية" (ص 33-39)، و"إرشاد الفحول" (1/123)، و"شرح الكوكب المنير" (1/136-141)، و"روضة المحبين" (ص 54)، و"درء التقارض" (3/330)، و"دقائق التفسير" (1/96-97)، و"التفسير الكبير" (2/204-207)، و"مجموع الفتاوى" (3/39)، (7/118، 177-178)، (13/178-184، 341)، (19/91).
(10) ... في كتاب الإيمان، باب إطلاق اسم الإيمان على ما جعله في حديث جبريل إسلاماً.
(11) ... سيأتي تخريج هذا الحديث، وكلام الشارح عليه في كتاب الإيمان، باب الإيمان شعبة، والحياء شبعةٌ منها.
(12) ... قوله: «به» ليس في (غ).
(13) ... يعني: أن اسم الإسلام يطلق على مسمَّى الإسلام والإيمان جميعاً، أي: يدخل في معنى «الإسلام» مسمَّياهما.
(14) ... سورة آل عمران، الآية: 19 .(1/70)
وقد أطلَقَ الإيمانَ كذلك (1) أيضًا؛ كما رُوِيَ من (2) حديثِ عليٍّ - رضي الله عنه - مرفوعًا: «الإيمَانُ اعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ وإقرارٌ باللِّسَان وعَمَلٌ بالأَرْكَان» (3) .
.............................................
وهذه الإطلاقاتُ الثلاثُ من (4) باب التجوُّز (5) والتوسُّع على عادة .............................................
العرب في ذلك (6) ، وهذا إذا حُقِّقَ، يريحُ مِنْ (7) كثيرٍ من الإشكال .............................................
الناشئ مِنْ ذلك الاستعمال .
.............................................
و«الصلاة» (8) لغةً: الدعاءُ؛ ومنه قوله تعالى: ُ ُ َ ِ (9) ، أي: ادْعُ لهم؛ قال (10) الأعشى:
عَلَيْكِ مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضِي (11)
نَوْمًا فَإِنَّ لِجَنْبِ المَرْءِ مُضْطَجَعا (12)
وقيل: إنَّهَا مأخوذةٌ من الصَّلاَ: عِرْقٌ عند أصل الذَّنَب، ومنه قيل للفرس الثاني في الحَلْبة: مُصَلٍّ؛ لأنَّ رأسَهُ عند صَلاَ السابق؛ قال الشاعر:
فَصَلَّى أَبُوهُ لَهُ (13) سَابِقٌ
بِأَنْ قِيل فَاتَ الْعِذَارُ الْعِذَارَا (14)
.............................................
والأوّل: أولى وأشهر .
وهي في الشرع: أفعالٌ مخصوصةٌ، بشروطٍ مخصوصة، الدعاءُ جزءٌ منها .
و«الزكاة» لغةً: هي (15) النماء والزيادة، يقال: زكا الزرعُ والمالُ، وسمِّي أخذُ (16) جزءٍ من مالِ المسلم الحُرِّ: زكاةً؛ لأَنَّها إنما تؤخذُ من الأموال النامية،، أو لأنّها (17) قد نَمَتْ وبلغتِ النصاب،، أو لأنّها تنمِّي الأموالَ بالبركة، وحسناتِ مؤدِّيها بالتكثير. =(1/141)=@
و«الصوم»: هو (18) الإمساكُ مطلقًا؛ ومنه قوله تعالى ُ ي ى و ه ِ (19) ، أي: إمساكًا عن الكلام؛ قال الشاعر:
.............................................
خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ
تَحْتَ العَجَاجِ وَأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا (20)
أي: ممسكةٌ عن الحركة .
وهو في الشرع: إمساكٌ في (21) جميعِ أجزاءِ اليومِ عن أشياءَ مخصوصةٍ، بشرطٍ مخصوص، على ما يأتي . &(1/71)&$
__________
(1) ... في (غ): «بذلك».
(2) ... في (أ): «في».
(3) ... أخرجه ابن ماجه في المقدمِّة رقم ( 65 )، والبيهقي في "الشعب" (1/47) من طريق عبد السلام بن صالح أبي الصَّلْت، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب مرفوعًا . ... وابن الأعرابي في "معجمه"- كما في "النكت الظراف" (7/366 )، ولم أقفْ عليه في المطبوع منه - من طريق عبد الله بن يحيى بن موسى، وابن الجوزي في "الموضوعات" (1/128) من طريق أحمد بن عامر، وعلي بن غراب، ومحمد بن سهل، وهارون بن سليمان الغازي، والبيهقي في "الشعب" (1/48 رقم (17) من طريق محمد بن أسلم .
... خمستهم عن علي الرضا، به .
... وقد نقل الحافظُ عن الدارقطني قوله عن أبي الصَّلْت عبد السلام بن صالح: رافضيُّ خبيث متهم بوضعِ حديثِ «الإيمانُ إقرارٌ بالقلب»، لم يحدِّث به إلا مَنْ سرقه منه، فهو الابتداءُ في هذا الحديث .اهـ. وقال ابن عدي - بعد ما أورد لأبي الصلت أحاديثَ منها هذا الحديث -: وهو متهم في هذه الأحاديث .اهـ. وقال ابن الجوزي في "الموضوعات" 1/128: موضوع آفته أبو الصلت عبد السلام، وتابعه من يروي الموضوعات .اهـ. ... وعبد السلام بن صالح أبو الصلت هذا اتهمه الدارقطني، وابن عدي، وابن الجوزي، ومحمد بن طاهر، والعقيلي، وضعَّفه النسائي، وأبو حاتم، والساجي، وابن حبان . ... وتفرَّد ابن معين بتوثيقه، وألان القولَ فيه الذهبيُّ، فقال: الرجلُ الصالح، إلا أنه شيعيٌّ جَلْد، وكذا قال الحافظ في "التقريب"، قال:« صدوق له مناكير ». ... وقد علَّق العلامة المعلِّمي على "الفوائد المجموعة" تعليقًا حسنًا في بيان حال أبي الصلت، قال فيه: «وأبو الصلت فيما يظهَرُ كان داهية؛ من جهةٍ: خدَمَ عليًّا الرضا بن موسى بن جعفر، وتظاهَرَ بالتشيُّعِ، ورواية الأخبار التي تدخل في التشيع، ومِنْ جهةٍ: كان وجيهًا عند بني العباس، ومن جهةٍ: تقرَّبَ إلى أهل السنة بِرَدِّهِ على الجهميَّة، واستطاع أن يتجمَّل لابن معين حتى أحسَنَ به الظنَّ ووثَّقه»، إلى أن قال: «وأتعجَّبُ من الحافظ ابن حجر يذكُرُ في ترجمة صدوق». وعلق المعلمي أيضاً معقبًا على كلام الذهبي فيه فقال: «بل تالفٌ بلا ريب ...». اهـ مختصرًا . ... ومما تقدَّم: يتبيَّن أن الحديث موضوع؛ لما تبيَّن من حال أبي الصَّلْت، ولما يظهَرُ أيضًا على متنه - فإنَّ معناه وإنْ كان صحيحًا - إلا أنَّ سياقه لا يشبهُ سياقَ الحديث النبويِّ ولا نظمه . ... وقد أورد الحديثَ غيرُ واحدٍ في كتب الموضوعات . وانظر:"الكامل" (5/1968)، و"المجروحين" (2/151)، و"الميزان" (2/616)، و"التهذيب" (6/319)، و"التقريب" (ص 355)، و"تنزيه الشريعة" (1/151)، و"الأسرار المرفوعة" (ص 158)، و"النكت البديعات" (ص 34)، و"الفوائد المجموعة" (ص 293، 452).
(4) ... في (أ) زيادة:« غير » وهو خطأ .
(5) ... في (أ):« التجويز ».
(6) ... الظاهر من مراد الشارح بـ«الإطلاقات الثلاث»: ما ذكره من:
1- ... إطلاق «اسم الإيمان» على مسمَّى الإسلام.
2- ... إطلاق «اسم الإسلام» على مسمَّى الإسلام والإيمانُ جميعاً.
3- ... إطلاق «اسم الإيمان» أيضاً على مسمَّى الإسلام والإيمان جميعاً.
... ولتحرير القول في هذه الطلاقات نقول: ... للإسلام والإيمان معاً حالتان الأولى: حالة اقتراتهما والثانية: حالة افتراقهما. ... فالحالة الأولى: إذا اقتراتاً في اللفظ، فهنا يفترقان في المعنى؛ فيكون معنى كل منها ما في حديث جبريل عليه السلام؛ فيفسَّر الإسلام بالانقياد بالأعمال الظاهرة، ويفسّر الإيمان بالإيمان بالأصول الستة.
... والحالة الثانية: إذا افتراقاً في اللفظ، فهنا يجتمعان في المعنى؛ فيطلق الإسلام وما اشتق منه على الانقياد بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالأصول الستة.
... وعلى ذلك تتضح العبارة المشهورة في ذلك، وهو أن الإسلام والإيمان: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، ومثل ذلك لفظ البر والتقوى، ولفظ الإثم والعدوان، ولفظ التوبة والاستغفار، ولفظ الفقير والمسكين، وأمثال ذلك.
... وكلام الشارح في إطلاق الإسلام على الأعمال الظاهرة والباطنة، وإطلاق الإيمان على الأعمال الظاهرة والباطنة - إنما يكون في حالة افتراقهما في اللفظ، وانفراد كل واحد منهما عن الآخر، كما بيَّنَّا. ... وعلى ذلك: فالإيمان يتناول ما بطن من الاعتقاد وما ظهر من العمل؛ فإنْ أضلَّ الإنسانُ باعتقاد القلب ونطق اللسان - مع القدرة - فقد انتفى عنه أصل الإيمان، وإنْ أضلَّ بالأعمال مع القرار بوجوبها، فلا يسمَّى في الشرع مؤمناً بالإطلاق لعدم استكماله منازل الإيمان ومتطلباته؛ هذا إذا أورد لفظ «الإيمان» في الكتاب والسنة غير مقترن بلفظ الإسلام، فإذا اجتمعا، كان المراد بالإيمان التصديق الباطن، فيتناول الأصول الستة المذكورة في حديث جبريل.
... هذا ؛ وقد زعم الشارح: أن هذه الإطلاقات من باب التجوز والتوسُّع، ولعل في ذلك إشارةً منه إلى إخراج الأعمال من مسمَّى الإيمان على الحقيقة؛ كما تتوله المرجئة، وهذا مذهب مدخول ليس هو مذهب السلف الصالح ولا أهل السنة والجماعة، ولم تدُلُّ على ذلك الكتاب ولا السنة ولا الإجماع، بل هي جميعاً على خلاف ذلك، فالحق: أن إطلاق الإيمان على أعمال الجوارح إطلاق حقيقة لا إطلاق مجاز؛ كما حرَّر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية تحريراً لا مزيد عليه، وردَّ على هذه الشبهة التي أوردها المرجئة ومن وافقهم من الأشاعرة - ومنهم الشارح في هذا الموضع وغيره من كتاب المفهم - فقد ذكر شيخ الإسلام عن المرجئة مثل ما ذكره الشارح هنا أنه قالوا: إن الأحاديث التي تجعل الإيمان هو التصديق: هي من باب الحقيقة، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - : «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته ...»، وإن الأحاديث التي تدخل الأعمال في مسمَّى الإيمان، وكذلك الأحاديث التي تسمِّي أعمال الجوارح إيماناً: هي من باب التجوز والتوسُّع، أي: هي مجاز لا حقيقة، قال شيخ الإسلام: «وهذا [أي الاحتجاج بشبهة المجاز] عمدة المرجئة والجهميّة والكراميَّة وكل من لم يدخل الأعمال في مسمَّى الإيمان» قال: ونحن نجيب بجوابين، أحدهما: كلامٌ عامٌّ في لفظ الحقيقة والمجاز، والثاني: ما يختص بهذا الموضع» ثم فصَّل في الجوابين تفصيلاً حسناً دقيقاً، أنكر في الأول: وقوع المجاز في اللغة فضلاً عن وقوعه في القرآن والحديث، وفي الثاني: بيَّن أن المجاز لو فرض وقوعه فإنما يكون بشروط، وهذه الشروط لم تتحقق في النصوص التي ادَّعَوْا مجازيَّتها؛ بل القرآن الحالية والمقالية تدل دلالة صريحة على إرادة الشارع الحقيقة هذه النصوص، وأن الأعمال جزء من الإيمان. ... انظر: "مجموع الفتاوى" (7/87 -143، 551 - 555، 636، 639)، (13/39)، (18/172، 173، 275، 276)، و"الإيمان" لابن منده (1/116)، و"الإيمان" لابي عبيد (ص 53 ، 54، 72)، و"شرح أصول اعتقاد أهل السنة" (4/830)، و"الفصل" لابن حزم (3/269)، و"شرح الطحاوية" (331 - 351)، و"صيانة صحيح مسلم" (ص 134)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/61)، و"شرح النووي" (1/144).
(7) ... في (أ): «عن».
(8) ... قوله: «الصلاة» لم يتضح في (ب) و(ح).
(9) ... سورة التوبة، الآية: 103 .
(10) ... في (ب): «وقال».
(11) ... في (ب) و(غ): «واغتمضي».
(12) ... البيت من البسيط، وهو للأعشى ميمون بن قيس - كما قال الشارح يخاطب ابنته - انظر: "ديوانه" (ص 101)، و"تهذيب اللغة" (12/236)، و"اللسان" (8/219)، (14/465)، و"تاج العروس" (21/399). ... وقوله: «عليك مثلُ الذي صليت» أي: عليكِ مثل دعائِكِ، أي: يتالك من الخير مِثْلُ الذي أردتِّ بي، ودعَوْتِ به لي. انظر: "اللسان" (14/465).
(13) ... في (غ): «فَصَلَّى له أبوه»، ولعله سهو من الناسخ؛ لأن الوزن به مكسور.
(14) ... البيت من المتقارب، وهو للكُمَيْتِ بن زيد الأسدي، وروايته فيه:
مُصَلٍّ أباه له سابقٌ
بأن قيل فات العِذَارُ العِذَارَا
انظر: "ديوان الكميت" ( 187)، و"أمالي المرتضى" (1/102). وفي "اللسان" (14/466): «المصلّي من الخيل: الذي يجيء بعد السابق؛ لأنَّ رأسه يلي صَلاَ المتقدِّم، وهو تالي السابق، وقال اللحياني: إنما سمِّي مصلِّياً؛ لأنه يجيء ورأسُهُ على صَلاَ السابق، وهو مأخوذ من الصَّلَوَيْن لا محالة، وهما مُكْتَنَفَا ذَنَب الفرس، فكأنه يأتي ورأسه مع ذلك المكان؛ يقال: صَلَّى الفرسُ: إذا جاء مصلَّياً» اهـ. وفي "اللسان" أيضاً (4/549): «والعِذَارُ من اللجام: ما سال على خَدِّ الفرس، وفي «التهذيب» ( / ) : وعذار اللجام: ما وقع منه على خدي الدابَّة، وقيل: عذار اللجام: السَّيْرَانِ اللذان يجتمعان عن القفا، والجمع : عُذُرٌ».
(15) ... قوله: «هي» سقط من (أ).
(16) ... في (ع): رإخراج».
(17) ... في (ب): «ولأنها».
(18) ... أي: معناه في اللغة.
(19) ... سورة مريم، الآية: 26 .
(20) ... البيت من البسيط، وهو منسوب للنابغة الذبياني؛ كما في "ديوانه"(ص130)، و"جمهرة اللغة" (2/899)، و"المخصَّص" (13/90)، و"لسان العرب" (10/470)، و(12/ 351 )، "تاج العروس"(7/164)،و(8/372 ) وغيرها من كتب الأدب واللغة؛ لكن في "المزهر" للسيوطي (1/139)، عن أبي حاتم، قال: سمعتُ الأصمعيَّ يقول: سمعتُ خلفاً الأخر يقول: أنا وصعتُ على النابغة هذه القصيدة التي فيها:
خَيْلٌ صيام وخيلٌ غير صائمة
تحتَ العَجَاج وأخرى تَعْلُكُ اللُّجُما
... وقال أبو الطيب في "مراتب النحويين": أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا محمد بن يزيد، قال: كان خلف الأحمر يضرب به المثل في عمل الشعر، وكان يعمل على ألسنة الناس، فيشبه كل شعر يقوله بشعر الذي يضعه عليه، ثم نَسَكَ؛ فكان يختم القرآن في كل يوم وليلة، فلمَّا نَسَكَ خرج إلى أهل الكوفة فعرَّفهم الأشعار التي قد أدخلها في أشعار الناس، فقالوا له: أنت كنت عندنا في ذلك الوقت أوثق منك الساعة؛ فبقي ذلك في دواوينهم إلى اليوم». ... وفي "خزانة الأدب" للحموي (2/42): أن بيت النابغة هذا من التورية، وأراد بالصيام ههنا: القيام، وورَّى بقوله: «تعلك اللجما» عن الصيام. اهـ. وهذا مراد الشارح هنا من أن معنى «صائمة»، أي: ممسكة عن الحركة.
(21) ... قوله:« في » سقط من (ب) و(غ).(1/71)
و«الحج»: هو القصدُ المتكرِّر في اللغة؛ قال الشاعر:
.............................................
وأَشْهَدُ مِنْ عوْفٍ حُلُولاً كَثِيرَةً
يَحُجُّونَ سِبَّ الزِّبْرِقَانِ المُزَعْفَرَا (1)
وهو في الشرع: القصدُ إلى بيت الله المعظَّم (2) ؛ لفعل عبادة مخصوصة .
والحَجُّ بالفتح: المصدر، وبالكسر: الاسم، وقُرئ بهما: ُ ُ َ ٍ ٌ ً ِ (3) .
و«الاستطاعة»: هي القوةُ على الشيء، والتمكُّنُ منه؛ ومنه قوله تعالى: ُ " ' ( % × + ، ) ء - صلى الله عليه وسلم - ! ! ِ (4) ، وسيأتي اختلاف العلماء فيها .
.............................................
و«الإحسان»: هو (5) مصدر أحسَنَ يُحْسِنُ إحسانًا، ويقال على معنيَيْنِ:=(1/142)=@
أحدهما: متعدٍّ بنفسه؛ كقولك: أحسنْتُ كذا وفي كذا (6) ، إذا حَسَّنْتَهُ (7) وكمَّلْتَهُ، وهو منقولٌ بالهمزة من: حَسُنَ الشيءُ .
وثانيهما: متعدٍّ بحرف جرٍّ؛ كقولك: أحسنَْتُ إلى كذا، أي: أوصَلْتُ إليه ما يَنْتَفٍعُ به (8) .
وهو في (9) هذا الحديث: بالمعنى الأوَّل، لا بالمعنى الثاني (10) ؛ إذ حاصلُهُ راجعٌ إلى إتقانِ (11) العبادات (12) ، ومراعاة حقوق الله تعالى .............................................
فيها، ومراقبته، واستحضارِ عظمتِهِ وجلاله، حالةَ الشروع، وحالةَ الاستمرار فيها .
وأربابُ القلوب في هذه المراقبة على حالين:
أحدهما (13) : غالبٌ عليه مشاهدةُ الحقِّ، فكأنَّهُ يراه؛ ولعلَّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أشار إلى هذه الحالة بقوله: «وجُعِلتْ قُرَّةُ عيني في الصلاة» (14) ، وفي .............................................
حديثٍ آخر (15) : «وجُعلتْ قرّةُ عيني في عبادة رَبِّي»؟ (16) (17) .
وثانيهما (18) : لا ينتهي إلى هذه الحالة، لكنْ يغلب عليه أنَّ الحقَّ سبحانه مطَّلِعٌ &(1/72)&$
__________
(1) ... السَّعْديّ، وقبله:
أَلَمْ تَعْلَمِي يَا أُمَّ عَمْرَةَ أَنَّنِي
تَخَطَّأَنِي رَيْبُ المَنُونِ لأَِكْبَرَا
وقوله: «يحجون سِبَّ الزبرقان المزعفران» أي: يقصدونه ويزورونه، ويكثرون الاختلاف إليه. و«الحلول»: الأحياء المجتمعة، و«السِّبّ»: الثوب الرقيق أو العمامة.
انظر: "ديوان المخبَّل" (ص 294)، و"الصحاح"(1/145و303)، و(4/1489)، و"جمهرة اللغة" (1/86)، و"ديوان الأدب" (3/29)، و"لسان العرب" (1/457 )، و(2/226)، و(10/138)، "تاج العروس" (1/293)، و(2/17)، و(6/367).
(2) ... في (أ): «العظيم».
(3) ... سورة آل عمران، الآية: 97 .
(4) ... سورة الكهف، الآية: 97 .
(5) ... قوله: «هو» سقط من (أ)، ومن قول الشارح: والإحسان: هو مصدر ...إلخ» هذه الفقرة بتمامها، نقلها الحافظ في "الفتح" (1/120)، دون أن ينسبه إلى صاحب "المفهم"، لكنه تصرُّف فيها بزيادة ونقص، وسنذكر أهم هذا، وسنشير إلى آخر النقل عند نهايته.
(6) ... قوله: «في كذا» ليس في "الفتح"، ولعلَّه وهم من الناسخ أو الشارح؛ لأن قولنا: «أحسنتُ في كذا» متعدٍّبحرف الجر «في»، وليس متعدّياً بنفسه كما ذكر الشارح.
(7) ... في (ب): «أحسنته».
(8) ... انظر: "المفردات" (ص 236)، و"اللسان" (13/115-117)، و"التاج" (18/142-143).
(9) ... في (أ):« ويجوز ».
(10) ... قوله: «لا بالمعنى الثاني» ليس في "الفتح".
(11) ... في (غ): «أفعال».
(12) ... زاد في "الفتح" (1/120) «وقد يلحظ [المعنى] الثاني؛ بأن المخلص مثلاً محسنٌ بإخلاصه إلى نفسه، وإحسانُ العبادة: الإخلاص فيها، والخشوع، وفراغ البال حال التلبُّس بها، ومراقبه المعبود».
(13) ... هذه الحالة من حالتي الإحسان: هي المشار إليها بقوله - صلى الله عليه وسلم - : «كأنَّك تراه»؛ كما سيأتي في النقل عن الحافظ، وفي "معارج القبول" (3/1170): أن هذا هو المقام الأول من مقامي الإحسان، وهو مقام المشاهدة، وهو أن تعبد الله كأنك تراه.
(14) ... أخرجه النسائي في "عِشْرة النساء"، باب حب النساء (7/61)، والحاكم (2/160)، وقال:« صحيح على شرط مسلم، ولم يخرِّجاه»، وأقره الذهبي، كلاهما من طريق سيار بن حاتم، حدثنا جعفر، حدثنا ثابت، عن أنس، به . ... وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، غير سَيَّار، فقد قال الحافظ: صدوقٌ له أوهام، وهذا الحديثُ ليس من أوهامه، بدليلِ المتابعات له، وجعفر بن سليمان صدوق. ... وأخرجه أيضا النسائي في الباب السابق (7/61)، وأحمد (3/128 - 199 و285 )، والبيهقي (7/78)، وابن عدي في "الكامل" (3/1151). كلُّهم من طريق سَلاَّم أبي المنذر، عن ثابت، به . ... ورجاله ثقاتٌ عدا سلام أبي المنذر، قال فيه ابن معين: لا بأس به ، وقال مرة: يحتمل لصدقه. وقال أبو حاتم: صدوق صالح الحديث، وقال أبو داود: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال:« كان يخطئ »، وقال الحافظ في "التقريب" (ص 261): «صدوق يهم ». ... والأقرب في حاله: أنه صدوق له أوهام، وأن حديثه مِنْ قبيل الحسن، ما لم يتبيَّن أنه من أوهامه؛ وعليه: فهذا الإسناد حسن أيضًا، وبه يرتقي الحديثُ إلى مرتبة الصحيح لغيره . ... وقال العراقي في تخريج "الاحياء" (2/30):« إسناده جيد ». ... وكذا قال الشيخ الألباني في "المشكاة" (2/669)، وصحَّحه في "صحيح الجامع" (3/87 رقم 3119 ) . وانظر:"المقاصد الحسنة" (ص 180)،"كشف الخفا" (1/405-408 )، و"فيض القدير" (3/371).
(15) ... من قوله: «وجعلت قرة عيني ... » إلى هنا ليس في (ع).
(16) ... لم أجده بهذا اللفظ.
(17) ... من قوله: «ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ...» إلى هنا ليس في "الفتح"، وإنما فيه: «حتى كأنه يراه بعينه، وهو قوله: «كأنك تراه»، أي: وهو يراك».
(18) ... هذه الحالة: هي المشار إليها في قوله - صلى الله عليه وسلم - : «فإنَّه يراك»؛ كما سيأتي في النقل عن الحافظ، وذكر في "معارج القبول" (3/1171): أن هذا هو المقام الثاني للإحسان، وهو مقام الإخلاص، وهو أن يعمل العبد على استحضار مشاهدة الله إياه واطلاعه عليه وقربة منه، فإذا استحضر العبد هذا في عمله وعمل عليه؛ فهو مخلص لله تعالى، وهذا المقام هو الوسيلة الموصلة إلى المقام الأوَّل.(1/72)
عليه ومشاهدٌ له؛ وإليه الإشارةُ بقوله تعالى: (1) « » ف پ ء }ـپ! ! ـ لله ء ـپ! ! ِ ، وبقولِهِ (2) تعالى:
.............................................
ُ ك ق ف ز ر ش س ض ص ظ ط غ ع گ [ ء ِ (3) (4)
وهاتان الحالتان ثمرةُ معرفةِ الله تعالى وخشيتِهِ؛ ولذلك فسَّر «الإحسانَ» في حديث أبي هريرة بقوله: «أَنْ تخشى اللهَ كأَنَّك تراه» (5) ؛ فعبَّرَ عن المسبَّب باسم السَّبَب توسُّعًا (6) .
والألفُ واللامُ اللذان في «الإحسان» المسؤول عنه: للعهد، وهو الذي قال الله تعالى فيه (7) :
.............................................
.............................................
ُ إ گ [ غ ِ (8) ، و ُ / 0 - . 3 ء لله{! ! ِ (9) ، ُ : ؛ چ = عع ِ (10) . =(1/143)=@
ولمَّا تكرَّر الإحسانُ في القرآن وترتَّب عليه هذا الثوابُ العظيم، سألَ عنه جبريلُ - عليه السلام - النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فأجابه ببيانه؛ ليعمَلَ الناسُ عليه، فيحصُلُ لهم هذا الحظُّ العظيم (11) .
وسؤالُ جبريل صلى الله عليه وسلم عن الإيمانِ والإسلام (12) بلفظ:«ما» - كما في حديث أبي هريرة -، يدُلُّ على أنَّهُ إنما سأل عن حقيقتهما عنده، لا عن شَرْحِ لفظهما في اللغة، ولا عن حُكْمِهما؛ لأنّ «ما» - في أصلها - إنما يُسْأَلُ بها عن الحقائق والماهيات. ولذلك أجابه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «أن تُؤْمِنَ بالله، وبكذا (13) وكذا»؛ فلو كان سائلاً عن شرح (14) لفظهما في اللغة، لَمَا كان هذا جوابًا له؛ .............................................
لأنَّ المذكورَ في الجواب هو المذكورُ في السؤال،، ولمّا كان الإيمانُ في اللغة معلومًا عندهما (15) ، أعاد في الجوابِ لفظَهُ، وبيَّنَ له متعلَّقاتِهِ، وأنَّهُ؟قصره على تصديقٍ بأمورٍ مخصوصة .
والإيمانُ بالله: هو التصديقُ بوجوده تعالى (16) ، وأنَّه لا يجوزُ عليه العدم، وأنه تعالى موصوفٌ بصفاتِ الجلال والكمال؛ مِنَ: العلم، والقدرة، والإرادة، والكلام، والسمع، والبصر، والحياة (17) ، وأنَّهُ تعالى منزَّهٌ عن صفاتِ النقصِ التي هي أضدادُ &(1/73)&$
__________
(1) ... قوله: «الذي» في (أ): «هو الذي»، وهو سهو؛ فلفظه «هو» زيادة ليست من الآية.
(2) ... في (أ): «وقوله».
(3) ... سورة يونس، الآية: 61 .
(4) ... من قوله: «وإليه الإشارة بقوله تعالى ....» إلى هنا ليس في "الفتح"، وإنما فيه: روالثاني»: أن يستحضر أن الحق مطلع عليه، يرى كلَّ ما يعمل، وهو قوله: فإنه يراك».
(5) ... حديث ابي هريرة سيأتي في "التلخيص" برقم (2)، بعد هذا الحديث الذي يتكلَّم عليه الشارح.
(6) ... إلى هنا انتهى ما نقله صاحب "الفتح" (1/120)، عن كتابنا هذا، وههنا أمران: ... الأول: أن قول الشارح: «ولذلك فسَّر الإحسان ...» إلى هذا الموضع، ليس في "الفتح"، وإنما فيه: «وقد عبَّر في رواية عمارة بن القعقاع بقوله: «أن تخشى الله كأنك تراه، وكذا في حديث أنس». ... الثاني: أن مراد الشارح بقوله: «فعبَّر عن المسبَّب باسم السبب توسُّعاً»: أي: فعبَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة عن المسبَّب، وهو الإحسان، باسم السبب، وهو خشيةُ الله.
(7) ... أي: للعهد الذهي، وهو الإحسان الذي في قوله تعالى: ..... الآيات، وقد ذكر أئمة النحو واللغة أن «أل» تكون حرف تعريف، واسماً موصولاً، وحرفًا زائداً، وذكروا أن مذهب الجمهور أن «أل» إذا كانت حرف تعريف، فهي نوعان: عهدية، وجنسيَّة، وكل منهما ثلاثة أقسام: ... فـ«أل» العهديَّة: تكون إما للعهد الذكري، أو للعهد الذهني، أو للعهد الحضوري؛ وذلك لأن مصحوبها: إما معهود ذكري؛ نحو قوله تعالى: ُ س ز ر ظ ط ض ص ج ِ [المُزّمل: 15- 16] {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ}، وقوله: ُ 5 ، + * ) 0 / . - ِ [النُّور: 35] {فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}، ونحو: «اشتريتُ فرسًا، ثم بِعْتُ الفرسَ»، وعبرةُ هذه: أن يَسُدَّ الضميرُ مسدَّها مع مصحوبها، وإما معهودٌ ذهنيٌّ؛ نحو: ُ ر ظ ط ض ِ [التّوبَة: 40] {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ}، ونحو: ُ ش س ز ر ِ [الفَتْح: 18] {إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} وإمَّا معهودٌ حضوريٌّ، قال ابن عصفور: ولا تقع هذه إلا بعد أسماء الإشارة؛ نحو: «جاءني هذا الرجلُ»، أو «أيٍّ» في النداء؛ نحو: «يا أيُّها الرجلُ»، أو «إذا» الفجائية؛ نحو: «خرجتُ فإذا الأسدُ»، أو في اسم الزمان الحاضر؛ نحو: «الآن». انتهى. ... و«أل» الجنسية: إما لاستغراقِ الأفراد، وهي التي تخلُفُها «كلٌّ» دون إرادة المبالغة بمدح أو ذم؛ نحو: ُ ا ئ إ ِ [النِّسَاء: 28] {وَخُلِقَ الإِْنْسَانُ ضَعِيفًا} ونحو: ُ 0 - . + ء پ! ! ، ) * ' ( % × £ $ ء ف! ! ِ [العَصر: 2-3] {إِنَّ الإْنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ *إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ *} أو لاستغراق خصائص الأفراد، وهي التي تخلُقُهَا «كلٌّ» مبالغةً في المدح أو الذم؛ نحو: «زيد الرَّجُلُ علمًا» أي: الكاملُ في هذه الصفة؛ ومنه: ُ = عع ِ [البَقَرَة: 2] {ذَلِكَ الْكِتَابُ}، أو لتعريفِ الماهيَّة، ويقال: لتعريف الحقيقة، وهي التي لا تخلُفُهَا «كلٌّ»؛ نحو: ُ ل ك ق ف 4 3 ِ [الأنبيَاء: 30] {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}، وقولك: «والله لا أتزوَّجُ النساء»، أو «لا ألبس الثياب»؛ ولهذا يقع الحَنْثُ بالواحد منهما؛ فلو تزوج امرأة واحدة، حنث، ولو لبس ثوباً واحدًا، حنث، وبعضهم يقول في هذه: إنها لتعريف العهد؛ فإنَّ الأجناسَ أمورٌ معهودةٌ في الأذهان متميَّزٌ بعضها عن بعض، ويقسَّمُ المعهود إلى شخص وجنس؛ أفاده ابن هشام. انظر: "المغني" (ص 61-63)، و"الجنى الداني" (ص 192-197)، و"رصف المباني" (ص 77)، و"همع الهوامع" (1/274)، و"حاشية الدسوقي على المعتبي" (1/52)، "شرح الأشموني" (1/237-240).
(8) ... سورة يونس، الآية: 26 .
(9) ... سورة الرحمن، الآية: 60 .
(10) ... سورة البقرة، الآية: 195 .
(11) ... انظر: تفصيل الكلام على «الإحسان» في "شرح حديث جبريل عليه السلام" لشيخ الإسلام ابن تيمية المعروف باسم "الإيمان الأوسط" (ص 578 - 625)، و"مدارج السالكين" (2/459-463، منزلة الإحسان)، و"معارج القبول" (3/1169-1174).
(12) ... ويدخل «الإحسان» كذلك؛ فقد جاء السؤال عنه بلفظ «ما» أيضاً.
(13) ... في (ب):« وكذا ».
(14) ... قوله: «شرح» سقط من (أ).
(15) ... أي: عند السائل، وهو الرجل الذي جاء جبريل على صورته، وعند المجيب، وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - .
(16) ... راجع التعليق رقم (5) (ص 158)، ورقم (س) (ص 161).
(17) ... المشهور من مذهب الأشاعرة: إثبات هذه الصفات السبع دون غيرها، وصنيعُ الشارح هنا يدلُّ على موافقته لهم على ذلك . أما أئمةُ السلف: فيثبتون ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - دون تحريف ولا تأويل ولا تعطيل . انظر في الردِّ على الأشاعرة في ذلك: "التدمريَّة" (ص 31-33 )، و"شرح الواسطيَّة" لخليل هَرَّاس (53-54)، وغيرها .(1/73)
تلك الصفات، وعن صفاتِ الأجسامِ والمتحيِّزات (1) ، وأنَّهُ واحدٌ حقٌّ (2) ، صمدٌ فَرْدٌ، خالقُ .............................................
جميعِ المخلوقات، متصرِّفٌ فيها بما يشاء (3) من التصرُّفات، يفعلُ في ملكه ما يريد، ويحكُمُ في خلقه ما (4) يشاء (5) .
والإيمان بالملائكة: هو التصديقُ بأنَّهم عبادٌ مُكرمُون (6) ؛ ُ ] ء أ ؤ ء آ ء - صلى الله عليه وسلم - پ! ! ِ (7) (8) ، ُ 0 / . - ، + * ) ِ (9) ، (10) } - صلى الله عليه وسلم - { « ء للهپ! ! ِ (11) =(1/144)=@ وأَنَّهُمْ سُفَرَاءُ الله بينه وبين رسله، والمتصرِّفون .............................................
كما أَذِنَ لهم في خلقه .
والإيمانُ بكتب الله : هو التصديقُ بأنَّها كلامُ الله، ومِنْ عِنْدِهِ، وأنَّ ما تضمَّنَتْه (12) حقٌّ، وأنَّ الله تعالى تعبَّد خلقه بأحكامها وفَهْمِ معانيها (13) .
والإيمانُ برسل الله: هو أَنَّهُمْ صادقون فيما أخبروا به عن الله تعالى، وأنَّ الله تعالى أيَّدَهُمْ بالمعجزاتِ الدالَّةِ على صدقهم، وأنَّهم بلَّغوا (14) عن الله رسالاتِهْ، وبيَّنوا &(1/74)&$
__________
(1) ... في (أ): «والمحيَّزات»، ومثلُ هذه الألفاظ «الجسم» و«الحَيِّز» و«الجهة» و«الحدّ» فيها إجمالٌ وإبهام، وتحتوي معاني متعدِّدة . وموقفُ السلف من مثل هذه المصطلحات: التفصيلُ، فلا يطلقون نفيها ولا إثباتها، إلا إذا تبيَّن ما هو ثابتٌ بها وما هو منفيٌّ، فما دلّ الدليلُ على إثباته أُثْبِتَ، وما دَلَّ على نفيه نُفِيَ . ولا يصحُّ لنا أن نصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - . انظر في ذلك: "التدمرية" (ص 135)، و"لوامع الأنوار البهية" للسَّفَّاريني (1/207)، و"شرح العقيدة الواسطية" لخليل هراس (ص 289)، وغيرها.
(2) ... قوله: «حقٌّ» ليس في (غ).
(3) ... في (ب):« متصرف فيما شاء ».
(4) ... في (أ): «بما».
(5) ... ما ذكره الشارح من تعريف «الإيمان بالله» هو مذهب الأشاعرة، أما أهل السنة والجماعة من السلف والخلف: فإنهم يقولون - مع ذلك - بوجوب الإيمانِ بوحدانيَّته جلَّ وعلا في ألوهيَّتِهِ، وتفرُّدِهِ باستحقاق العبادة، والإيمانِ بوحدانيته في أسمائه وصفاته، وتفرُّدِهِ بصفات الجلال والكمال . انظر:"شعب الإيمان" للبيهقيّ (1/253)، و"الفتح" (1/117)، و"شرح التوربشتي" (ص 20 )، و"مرقاة المفاتيح"(1/55)، و"أركان الإيمان" لابن عثيمين (ص5).
(6) ... في (أ): «مكرمون للآية».
(7) ... سورة الأنبياء، الآية: 27 ،
(8) ... هذه الآية ليست في (أ).
(9) ... سورة التحريم، الآية: 6 .
(10) ... في (ب) و(غ): «ويسبحون» بواو، وهو خطأ إلا إذا كانت واو عطف على الآية التي قبلها.
(11) ... سورة الأنبياء، الآية: 20 .
(12) ... في (أ): «تضمنت».
(13) ... قوله: «والإيمان بكتب الله ...» إلى هنا سقط من (غ).
(14) ... في (غ): « تلقوا ».(1/74)
للمكلَّفين ما أمرهم الله ببيِّناتِهْ (1) ، وأنَّهُ يجبُ احترامُهُمْ، وأنْ لا نفرِّقَ بين أحدٍ منهُمْ (2) .
والإيمانُ باليوم الآخر: هو التصديقُ بيوم القيامة، وما اشتمَلَ عليه من الإعادةِ بعد الموت، والنَّشْرِ والحشر، والحساب والميزان والصِّرَاط، والجنة والنار، وأنها دارُ ثوابِهِ وجزائِهِ للمُحْسِنين والمُسِيئين،،، إلى غير ذلك مما صَحَّ نصُّه، وثبَتَ نقله .
.............................................
والإيمانُ بالقدر: هو التصديقُ بما تقدَّم ذكره (3) ، وحاصله: هو ما دلّ عليه قوله تعالى: ُ ] گ [ غ ء {! ! ِ (4) ، وقولُهُ: ُ ّ ِ ُ َ ٍ ء »! ! ِ (5) ، وقوله: ُ - . + ، ) * ِ (6) ، وإجماعُ السلف والخلف على صِدْقِ قول القائل:«ما شاء الله كان، وما لم يَشَأْ لم يكن» (7) ، وقولِهِ - صلى الله عليه وسلم - : «كُلُّ شَيْءٍ بِقَدرٍ حتَّى العَجْزُ والكَيْسُ» (8) .
تنبيه:
مذهبُ السلفِ وأئمَّةِ الفتوى من الخَلَف: أنَّ من صدَّق بهذه .............................................
الأمور تصديقًا جَزْمًا لا ريبَ فيه ولا تردُّدَ ولا توقُّف، كان مؤمناً حقيقةً (9) ، وسواءٌ كان ذلك عن براهينَ قاطعة (10) ، أو عن اعتقاداتٍ جازمة (11) (12) . =(1/145)=@
وعلى (13) هذا: انقرضَتِ الأعصارُ الكريمة، وبها صرَّحتْ فتاوى أئمة الهدى المستقيمة (14) ، حتى حدثَتْ مذاهبُ المعتزلة المبتدعة، فقالوا: إنَّهُ لا يصحُّ الإيمانُ (15) الشرعيُّ إلا بعد الإحاطةِ بالبراهينِ العقليَّةِ والسمعيَّة، وحصولِ العلمِ بنتائجها ومطالبها، ومَنْ لم يحصُلْ إيمانه كذلك، فليس بمؤمن، ولا يجزئ إيمانُهُ بغير &(1/75)&$
__________
(1) ... في (ب): « بتبيانه ».
(2) ... من المهم هنا أن يضاف: « وأنه تجب طاعتهم من قبل من أُرسلوا إليه طاعة مطلقة فيما يبلغون به عن الله »؛ لأن العمل من أركان الإيمان كما سبق بيانه (ص 158).
(3) ... يشير إلى ما ذكره (141 - 150) من بيان معنى القدر الذي يجب الإيمان به، وقد علَّقنا على كلامه هناك، فانظره إن شئت.
(4) ... سورة الصافات، الآية: 96 .
(5) ... سورة القمر، الآية: 49 .
(6) ... سورة التكوير، الآية: 29 .
(7) ... وقد ذكر الطِّيبِيُّ والحافظ في "الفتح" أنه - صلى الله عليه وسلم - أعاد ذكر «تُؤْمِن» عند القدر اهتمامًا به، وإشارةً إلى ما يحدُثُ فيه من الاختلاف، فحصَلَ الاهتمامُ به بإعادة «تؤمن»، ثم قرَّرَه بالإبدال بقوله «خيره وشره»، ثم زاد تأكيدًا بقوله في رواية أخرى في أصل مسلم: «كلِّه»، وفي رواية: «وحُلْوِهِ، ومرِّه، من الله». وانظر: "شرح الطيبي" (1/99)، و"الفتح" (1/118).
(8) ... أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب كل شيء بقدر (4/2045 رقم 2655 )، وسوف يذكره الشارح في "التخليص"، ويتكلَّم عليه. انظر: كتاب القدر، باب كتب الله المقادير قبل الخلق، وكلُّ شيءٍ بقدر.
(9) ... راجع التعليق رقم (6) (ص 158)، ورقم (س) - ص 161).
(10) ... وهذا يكون للمستدل.
(11) ... وهذا يكون للمقلَّد من العامَّة، وصحَّة إيمانهم يدخل في مسألة إيمان العامَّة، وسيأتي التعليق عليها.
(12) ... زاد في (أ) فقط: «أو عن غير ذلك».
(13) ... في (ب) و(غ):« على » بدون واو .
(14) ... انظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عن إيمان العامّة وكلام الأشعرية والمعتزلة في ذلك في "درء التعارض" (7/357، 442، 406 فما بعدها) وانظر: "روح المعاني" للآلوسي (26/64) طبعة دار إحياء التراث العربي.
(15) ... قوله: «الإيما» سقط من (غ).(1/75)
ذلك ؛ وتبعهم على ذلك جماعةٌ من متكلِّمي أصحابنا؛ كالقاضي أبي بكر، وأبي إسحاقَ الإسْفَرَايِينِيِّ، وأبي المَعَالِي في أوَّل قولَيْهِ.
.............................................
والأولُ هو الصحيح؛ إذ المطلوب من المكلَّفين ما يقال عليه إيمان؛ لقوله تعالى: ُ َ ٍ ٌ ِ (1) ، ُ ل ك ق ف أ ِ (2)
والإيمانُ هو التصديقُ لغةً وشرعًا (3) ؛ فمَنْ صدَّق بذلك كلِّه، ولم يُجَوِّزْ نقيضَ شيء من ذلك: فقد عَمِلَ بمقتضى ما أمره الله تعالى به على نحو ما أمره الله تعالى به (4) .
ومَنْ كان كذلك، فقد تَفَصَّى عن عُهْدَةِ الخطاب (5) ؛ إذ قد عمل بمقتضى السُّنَّةِ والكتابْ،، و لأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَهُ بعده حكموا بصحَّةِ إيمانِ كُلِّ مَنْ آمن وصدَّق بما ذكرناه، ولم يفرِّقوا بين مَنْ آمن عن برهان أو عن غيره؛ لأنَّهم (6) لم يأمروا أجلافَ العربِ بترديد (7) .............................................
النظر، ولا سألوهم عن أدلَّةِ تصديقهم، ولا أرْجؤوا إيمانَهُمْ حتى ينظروا، وتحاشَوْا عن إطلاق الكفر على أحدٍ منهم، بل سَمَّوْهُمُ: المؤمنين والمسلمين، وأَجْرَوْا (8) عليهم أحكامَ الإيمان والإسلام،، ولأنَّ البراهين التي (9) حرَّرها المتكلِّمونْ، ورتَّبها الجَدَليُّونْ، إنما أحدثها المتأخِّرونْ، ولم يَخُضْ في شيء من تلك الأساليب السلَفُ الماضونْ (10) ؛ فمِنَ المحال والهذيانْ: أنْ يُشْتَرَطَ في صحة الإيمانْ، ما لم يكنْ معروفًا ولا معمولاً به (11) لأهلِ ذلك الزمانْ، وهم مَنْ هم (12) فَهْمًا عن الله (13) ، وأخذًا عن رسول الله (14) ، وتبليغًا لشريعتِهِ، وبيانًا لسنته وطريقتِهِ، وسيأتي قولٌ شافٍ في ذلك إن شاء الله تعالى (15) . =(1/146)=@
.............................................
و «الملائكة»: جمعُ مَلَك، وقد اختُلِفَ (16) في اشتقاقه ووزنه؛ فقال (17) ابن شُميل: لا اشتقاقَ له، وقال (18) ابن كَيْسَانَ: وزنه فَعَلٌ من المُلْكِ، وقال (19) أبو عُبَيْدَة: وزنه (20) مَفْعَلٌ من لَأَكَ، أي: أرسَلَ، وقيل: (21) إنه مأخوذٌ من الأَلُوكَة، وهي الرسالة (22) ، فكأنها (23) تؤلك في الفم (24) ، قال لَبِيدٌ:
وَغُلاَمٍ أَرْسَلَتْهُ أُمُّهُ
بِأَلُوكٍ فَبَذَلْنَا ما سَأَلْ (25)
فأصله على هذا: مَأْلَكٌ؛ فالهمزة فاءُ الفعل (26) ، لكنَّهم قلبوها .............................................
إلى عينه، فقالوا: مَلأَْكٌ، ثم سهَّلوه، فقالوا: مَلَكٌ (27) ،، وقد جاء على أصله في الشعر؛ قال (28) : &(1/76)&$
__________
(1) ... الآية (136) من سورة النساء، وآية (7) من سورة الحديد .
(2) ... الآية (13) من سورة الفتح .
(3) ... سبق توضيح أن هذا اعتقاد المرجئة الجهمية، راجع التعليق (6) ص (158).
(4) ... قوله: «به» سقط من - صلى الله عليه وسلم - و(غ).
(5) ... هكذا في جميع النسخ: «تَفَصَّى عن عهدة الخطاب، وفي كتب المعاجم: «تَفَصَّى مَنْ»، قال في "الصحاح" (6/2455): «التفصِّي: التخلُّص من المضيق أو البليَّة؛ يقال: ما كدتُّ أتفصَّى منه، أي: أتخلَّص»، وانظر: "اللسان" (15/156-157)، و"التاج" (20/50).
(6) ... في (ب) و(غ): «ولأنهم».
(7) في (ب):« بتزُّيد ».
(8) ... في (ب) و - صلى الله عليه وسلم - :« وأخذوا ».
(9) ... في (أ):« الذي ».
(10) ... في (أ):« ولم تخض في شيء من تلك الأشياء كتب السلف الماضين ».
(11) ... قوله: و« لا معمولاً به » سقط من (أ).
(12) ... قوله: «من هم» في (أ): «أشد منهم».
(13) ... في (أ) فقط: «عن الله تعالى»، والمثبت من (ب) و(غ)، وهو الصواب، للسجع المقصود من الشارح.
(14) ... في (أ) فقط: «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - »، والمثبت من (ب) و(غ)، وهو من ب() وغ، وهو الصواب؛ للسجع من الشارح.
(15) ... انظر: في كلام الشارح على حديث بَعْث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذًا إلى اليمن، في كتاب الإيمان، باب أول ما يجب على المكلَّفين ( 265)، وانظر: تعليقتنا عليه هناك.
(16) ... في (أ): «واختلف» بدون «قد».
(17) ... في (أ): «قال».
(18) ... في (أ): «قال».
(19) ... في (أ) و(ب): «قال»، بلا واو.
(20) ... قوله: «وزنه» في (أ) و(غ): «هو».
(21) ... في (ب) و(غ): «وقال».
(22) ... وهذا قول الكسائي؛ كما في "الصحاح" (4/1611).
(23) ... في (أ): «وكأنها».
(24) وهذا تفسير ابن سيدة والليث، كما في "التاج" (13/510).
(25) ... البيت من الرمل، وهو للبيد بن ربيعة العامري الصحابي - رضي الله عنه - وأحد شعراء المعلقات انظر: " ديوانه" (ص140)، و"الصحاح" (4/1573)، و"اللسان" (10/392)، و(14/446)، و"تاج العروس" (13/510)، و(14/121). ... قوله: الأَلُول، وكذلك الأَلُوكة، والمألَكة، والمَأْلُك: كل ذلك بمعنى الرسالة. انظر: "التاج" (13/510).
(26) ... في (غ): «لفعل».
(27) ... وتسهيلُهُ بنقل فتحة الهمزة إلى اللام الساكنة، مع حذف الهمزة، فصار: «مَلَك».
(28) ... قوله: «قال» سقط من (أ).(1/76)
فَلَسْتَ لِإِنْسِيٍّ ولَكِنْ لِمَلأَْكٍ
تَنَزَّلَ (1) مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ (2)
وقيل: هو مَلَكٌ (3) من مَلَكَ، نحو: شَمَلٍ (4) من شَمَلَ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: «مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ»، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا، قَالَ: «أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ»، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ: «يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟» قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ؛ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ» .
و«الساعة» في أصل الوضع: مقدارٌ مَّا من الزمان، غيرُ معيَّن ولا محدود؛ لقوله تعالى: ُ × £ $ ! ِ (5) .
وفي عرف أهل الشرع: عبارةٌ عن يوم القيامة.
وفي عرف المعدِّلين (6) : جزءٌ من أربعة وعشرين جزءا من أوقاتِ الليل والنهار (7) .
و«الأشراط» (8) : هي (9) الأَماراتُ والعلامات (10) ؛ ومنه قوله (11) .............................................
تعالى: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} (12) ، وبها سمي الشُّرَطُ؛ لأنَّهم يُعْلِمُون أنفسَهُمْ بعلامات يُعْرَفون بها (13) . =(1/147)=@
و«الأمَة» هنا هي (14) : الجاريةُ المستَوْلَدَة، و«ربَّها»: سَيِّدها، وقد سُمِّي بعلاً في الرواية الأخرى (15) ، كما سماه الله تعالى بعلاً في قوله (16) : {أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ *} (17) (18) . في قول ابن عباس، وحُكِيَ عنه أنه قال (19) : لم أدر ما البَعْلُ حتَّى قلتُ لأعرابيٍّ: لِمَنْ هذه الناقةُ؟ فقال: أنا بَعْلُها (20) (21) . وقد سُمِّي (22) .............................................
الزوجُ بَعْلاً، ويجمع: بُعُولة؛ كما قال الله تعالى (23) : {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} (24) ، {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} (25) (26) .
و«رَبَّتها»: تأنيثُ رَبٍّ .
واختُلِف في معنى قوله (27) :«أنْ (28) تلد الأمةُ رَبَّهَا» (29) على ثلاثة أقوال (30) :
.............................................
أحدها: أن المراد به (31) : أن يستولي المسلمون على بلاد الْكُفْرِ، فيكثُرُ التسرِّي (32) ؛ فيكونُ ولَدُ الأَمَةِ من سيِّدها بمنزلة سيِّدها؛ لشرفِهِ بأبيه.
وعلى (33) هذا: فالذي يكون (34) مِنْ أشراطِ الساعة: استيلاءُ المسلمين على المشركين، وكَثْرَةُ الفتوح والتسرِّي (35) .
وثانيها (36) : أن يبيعَ (37) السادةُ أمّهاتِ أولادهم (38) ، ويكثُرَ ذلك؛ فتتداوَلُ الأملاكُ المستولَدَةَ، فربَّما يشتريها ولدها أو ابنتها ولا .............................................
يشعر بذلك؛ فيصيرُ ولدُهَا ربَّها .
وعلى هذا: فالذي يكون من الأشراط (39) : غلبةُ الجهلِ بتحريمِ بيعِ أُمَّهَاتِ الأولاد، والاستهانةُ بالأحكام، الشرعيَّة (40) ؛ وهذا على (41) قولِ مَنْ يرى تحريمَ بيعِ أُمَّهاتِ الأولاد، وهم الجمهور؛ ويصحُّ أن يحمَلَ ذلك على بيعهنَّ في حال حَمْلِهِنَّ، وهو محرَّمٌ بالإجماع (42) . &(1/77)&$
__________
(1) ... في (أ): «ينزل».
(2) ... هذا البيت من الطويل، وهو لعلقمة بن عَبَدَة - الذي يقال له: علقمة الفحل - يمدح الحارث بن جَبَلَةَ الغَسَّاني، وكان أسر أخاه شأساً، فرحل إليه يطلب فيه في "صلة ديوانه" (ص 118)، و"المفضليات" ( ص 394)، ولمتمِّم بن نُوَيْرة في "ديوانه" (ص 87)، و"شرح أشعار الهذليين" (1/222)، ولرجل من عبد القيس أو لأبي وَجْزَة، أو لعلمقة في "المقاصد النحويَّة" (4/532)، ولرجل من عبد القيس يمدح النعمان، أو لأبي وَجْزَة - يمجح عبدالله بن الزبير، أو لعلقمة بن عَبْدَة في "اللسان" (1/534)، و(10/496)، وبلا نسبة في "الكتاب" (4/380)، و"العين" (5/381)، و"اللباب" للعبكري (2/258)، و"رسالة الملائكة" (ص 6)، و"شرح شافية ابن الحاجب" (2/346)، و"اللسان" (10/394، 482)، ويصوب، أي: ينزل، يقول: إنَّك باينْتُ الإنس في أخلاقك وأشبَهْتَ المَلَكَ النازل من السماء في طهارتك وفضلك. ... ورواية البيت في "العين" هكذا:
فلستَ لإنسيٍّ ولكن لِمَلأَْكٍ
تبارَكَ مِنْ فوقِ السمواتِ مُرْسِلُهْ
(3) ... في (أ): «مليك»، والصواب ما أثبتناه؛ لأن سياق كلام الشارح في الكلام عن «الملك» لا عن «المليك».
(4) ... في (أ): «شميل»، والصواب ما أثبتناه.
(5) ... الآية (55) من سورة الروم.
(6) ... المعدِّلون: هم المشتغلون بالحساب وتقدير الزمن.
(7) ... من قوله: «والساعة في أصل الوضع ...» إلى هنا نقله العيني في "عمدة القاري" (1/289)، دون أن يغروه!.
(8) ... لفظة «الأشراط» ليست من الحديث الجاري شرحه، وإنما هي من حديث أبي هريرة الآتي برقم (2).
(9) ... قوله: «هي» سقط من (أ).
(10) ... نهاية السقط من نسخة (ح) المشار إليه سابقاً (ص 141).
(11) ... في قوله: «ومنه قوله» في (أ): «قال».
(12) ... الآية (18) من سورة محمد.
(13) ... وانظر:"مشارق الأنوار" (2/247)، و"النهاية" (2/460 )، و"مقاييس اللغة" (3/260)، و"أساس البلاغة" (ص 233 )، و"القاموس المحيط" (2/381)، و"مختار الصحاح" (ص 334).
(14) ... قوله: «هي» سقط من (أ).
(15) ... يقصد الشارح رواية:« وأن تَلِدَ الأمَةُ بَعْلَهَا »، بِعَالٌ وبُعُولَةٌ وبُعُولٌ (3/346 ). وانظر:"غريب الحديث" لأبي عبيد (1/182)، و"الفائق في غريب الحديث" (1/118)، و"المجموع المغيث" (1/175)، و"النهاية" (1/141)، و"القاموس المحيط" (3/346)، و"أساس البلاغة" (ص 26).
(16) ... قوله: «كما سماه الله تعالى بعلاً في قوله،، جاء بدله في (أ): «قال تعالى».
(17) ... قوله: ُ 1 4 3 ِ {وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} من (ح) فقط.
(18) ... الآية (125) من سورة الصافات .
(19) ... من قوله: «في قول ...» إلى هنا سقط من (أ)، وجاء مكانه:« حُكِيَ عن ابن عبَّاس».
(20) ... أضاف القاضي في "الإكمال" (1/110 - ط شواط) بعد ذكر أثر ابن عباس، قال: «أي: ربُّها؛ فيتأوَّل فيه ما يتأوَّل في تلك اللفظة الأخرى»، يعني: التأويلات التي تذكر في رواية: «أن تلد الأمة ربَّها» أو «ربَّتها»، وسيذكر الشارح بعضها.
(21) ... أخرج الخَطَّابي نحوه في "غريبه"، وفي إسناده مَنْ لم أعرفهم، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" إلى ابن الأنباري من طريق مجاهد، عنه . ... انظر:" غريب الحديث" للخطابي (1/607)، و"النهاية" (1/141)، و"الدر المنثور" (5/286).
(22) ... قوله: «وقد سمَّي» في (أ): «وسمِّي».
(23) ... قوله: «كما» سقط من (أ)، واسم الجلالة ليس في (ح).
(24) ... الآية (228) من سورة البقرة .
(25) ... قوله سبحانه في الآية السابقة: ُ - صلى الله عليه وسلم - { ِ {فِي ذَلِكَ}، وقوله في هذه الآية: ُ } - صلى الله عليه وسلم - { ِ {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} سقط من (أ).
(26) ... الآية (72) من سورة هود .
(27) ... قوله: «قوله» سقط من (أ).
(28) ... قوله: «أن» سقط من (أ).
(29) ... قوله: «ربَّها» بالتذكير هذه رواية البخاري، وقد ذكر الشارح أقوالاً ثلاثة في المراد بها، أمَّا رواية مسلم: «ربتها» بالتأنيث، فلم يتعرض الشارح لبيان المراد بها، وانظر في شرحها: " " ( )، و" " ( ).
(30) ... ذكر الحافظ في "الفتح" أن ابن التِّين ذكر في معنى ذلك سبعة أقوال، لكنها متداخلة، قال الحفاظ: «ولَخَّصْتها بلا تداخل، فإذا هي أربعة أقوال» وذكرها. انظر: "الفتح" (1/122 - 123).
(31) ... قوله: «أن المراد به» سقط من (أ).
(32) ... التسرِّي: اتِّخَاذُ الجارية المملوكة للمَلْكِ وللجماع. انظر: "لسان العرب" (4/358)، (14/378).
(33) ... في (غ): «فعلى».
(34) ... قوله: «فالذي يكون»، في (أ): «فيكون».
(35) ... وقد تعقَّبه الحافظ بأنَّ استيلاد الإماء كان موجودًا حين المقالة، والاستيلاء على بلاد المشركين وقَعَ أكثره في صدر الإسلام . "الفتح" (1/122).
(36) ... في (أ): «الثاني»، وفي (ب): «وثانيهما».
(37) ... في (غ): «تبيع».
(38) ... أم الولد: هي التي وَلَدَتْ من سيِّدها في ملكه، واختلفوا فيما لسيِّدها مِنْ بيعها وهبتها: فالجمهورُ: على منع بيعها، وأباحتْ طائفةٌ من الأوائل بيعهنَّ، وممن رأى بيعهنَّ عليُّ بن أبي طالب، وابن عباس . انظر:"الإشراف" (4/308 )، و"المغني" (14/580).
(39) ... في (أ):« فيكون من أشراط الساعة »، بدل: «فالذي يكون من الأشراط»، وفي (غ): «فالذي يكون».
(40) ... قوله: «الشرعية» سقط من (أ).
(41) ... في (أ):« وهو على».
(42) ... قال الحافظ:« فإن قيل: فهذه مسألة خلافية (يعني مسألة بيع أم الولد السابق ذكرها)؛ فلا يصح الحملُ عليها - قلنا: يصلُحُ أن يحمل على صورة اتفاقية، كبيعها في حال حملها؛ فإنه حرامٌ بالإجماع»، "الفتح" (1/122).(1/77)
وثالثها: أن يكْثُرَ العقوقُ في الأولاد، فيُعَامِلَ الولدُ أُمَّهُ معاملةَ السيِّد أمَتَهُ من الإهانة والسَّبِّ (1) ؛ ويشهدُ لهذا قولُهُ في (2) حديث أبي هريرة، $ح (3) : «المَرْأَة» مكان «الأَمَة». وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم - : .............................................
«لا تقومُ الساعةُ (4) حتَّى يكونَ الوَلَدُ غَيْظًا» (5) (6) . =(1/148)=@
وقوله (7) : «وأَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ» (8) .
و«الحُفَاةُ» (9) : جمعُ حافٍ، وهو الذي لا يلبس في رِجْلَيْهِ .............................................
شيئًا (10) .
و«العُرَاة»: جمعُ عارٍ، وهو الذي (11) لا يلبس على جَسَدِهِ ثوبًا.
و«العَالَةُ» مخفَّفةَ اللام: جمع عائل، وهو الفقير، والعَيْلة: الفقر؛ يقال: عال الرجلُ يَعِيل (12) عَيْلَةً: إذا افتقر، وأَعال يُعِيلُ: إذا كَثُرَ عياله (13) .
.............................................
وهذه الأوصاف غالبة (14) على أهل البادية، وقد وصفهم (15) في حديث أبي هريرة بأنهم صُمٌّ بكم (16) ، ويعني بذلك - والله تعالى أعلم-: أنهم جَهَلَةٌ رَعَاعٌ، لم يستعملوا أسماعهم ولا كلامهم في عِلْمٍ ولا في شيء من (17) أمر دينهم، وهذا (18) نحوُ قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ *} (19) ؛ أطلَقَ ذلك عليهم مع أنَّهم كانت لهم (20) .............................................
أسماعٌ، وأبصارٌ ونُطْق (21) ، لكنَّهم لما لم يحصُلْ لهم (22) ثمراتُ تلك الإدراكات، صاروا كأنَّهم عَدِمُوا أصلَهَا، وقد أوضح هذا المعنى قولُهُ تعالى (23) : {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَْنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (24) .
ومقصودُ هذا الحديث (25) : الإخبارُ عن تبدُّلِ الحال وتغيُّره؛ بأنْ يستولي أهلُ الباديةِ الذين هذه صفاتُهْمْ على أهل الحاضرة (26) ، ويتملَّكوا بالقهر والغلبة، فتكثُرَ أموالُهُمْ، وتتسعَ في حُطَامِ الدنيا آمالُهُم (27) ، فتنصرفَ هِمَّتُهُمْ إلى تشييد المَغَانِي (28) ، وهَدْمِ الدين .............................................
وتحريفِ (29) المعاني، وأنَّ ذلك إذا وُجِدَ (30) ، كان من أشراط الساعة.
ويؤيِّد هذا (31) : ما ذُكِرَ عنه - صلى الله عليه وسلم - (32) أنه قال (33) : «لا تقومُ الساعةُ حتى يكونَ أَسْعَدَ الناسِ بالدنيا لُكَعُ &(1/78)&$
__________
(1) ... قال الحافظ:« وهذا أوجَهُ الأوجُهِ عندي؛ لعمومه، ولأن المقام يدلُّ على أن المرادَ حالةٌ تكونُ - مع كونها تدلُّ على فساد الأحوال - مستغربة .اهـ . ... على أنَّ القاضي عياضًا قد تعقَّبَ هذا المعنى بقوله: «لكنْ لا معنى إذًا لتخصيص أولاد الإماء بهذا، إلاّ أن يقال بأنَّ نسبةَ الأَمَوِيَّة أقربُ إلى استدعاء العقوقِ والاستحقار». اهـ. انظر: "الفتح" (1/123)، و"الإكمال" (ص 282).
(2) ... قوله:« قوله في » سقط من (ب) و(غ).
(3) ... وهو الحديث الآتي في "التلخيص" بعد هذا، برقم (2).
(4) ... قوله:« لا تقوم الساعة » سقط من (أ).
(5) ... أخرجه الطبراني في الكبير (10/281 رقم 10556)، عن عبد الوارث بن إبراهيم العسكري، عن سَيْفِ بنِ مِسْكِينٍ الأسواريّ، عن مباركِ بن فَضَالَةَ، عن الحسن البصري، عن عتيّ السَّعْدِيِّ، عن ابن مسعود، مرفوعًا، فذكر حديثًا طويلاً جدًّا ظاهرُهُ النكارة، وفيه: « مِنْ أعلامِ الساعة وأشراطها: أن يكونَ الولدُ غيظًا، والمطرُ قيظًا ... ». ... وعزاه الذهبي في "الميزان" (2/258) إلى ابن النَّجَّار، من طريق ابن قانع، عن عبد الوارث، به، وأعلَّه بسَيْفٍ هذا، فقد قال فيه ابن حبّان:« يأتي بالمقلوبات والأشياء الموضوعات، لا يحل الاحتجاجُ به، لمخالفته الإثبات في الروايات على قلَّتها». "المجروحين" (1/347).
(6) ... ولعلَّ الأقربَ في قوله: «أن تلد الأمة ربَّها» تفسير إبراهيم الحربي؛ أن المعنى: أنْ تَلِدَ الإماءُ الملوكَ؛ فتكون الأمُّ من جملة الرعية، والملك سيد الرعيَّة؛ ووجه كونه من الأشراط: أن العرب في الصدر الأول كانوا يستنكفون غالبًا من وَطْء الإماء، ويسمُّون العربيَّ ابنَ الأَمَة: هجينًا؛ لأنه مَعِيبٌ بذلك عندهم، ثم ينعكسُ الأمر بحيثُ يكون أبناءُ الإماءِ الهجناءُ الملوكَ، وقد حصَلَ ذلك لا سيِّما في دولة بني العبَّاس وما بعدها. انظر "الفتح" (1/122)، و"اللسان" (13/431).
(7) ... بداية فقرة جديدة في شرح حديث الباب.
(8) ... من قوله:« وقوله: وأن ....» إلى هنا سقط من (أ).
(9) ... في (أ) و(ب) و - صلى الله عليه وسلم - : «والحفاة».
(10) ... من قوله: «وهو الذي ...» إلى هنا، مكانه في (أ): «ليس في رجليه شَيْء»، وفي (ح): «رجله».
(11) ... قوله:« وهو الذي » سقط من (أ).
(12) ... قوله: «يقال: عال الرجل يعيل» في (أ) : «عال يعيل».
(13) ... كثر دوران هذه المادَّة «عيل» في الأحاديث، وقد ذكر ابن منظور في "اللسان" (11/488)، أن الفعل الثلاثي: عال، يقال: عالَ يَعِيلُ عَيْلاً وعَيْلة وعُيُولاً وعِيُولاً ومَعِيلاً؛ بمعنى: افتقر. والعَيِّلُ: الفقير، وكذلك العائل؛ قال الله تعالى: ُ ْ ء }! ! ِ [الضّحى: 8] {وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى *} وفي الحديث: «إنَّ الله يُبْغِضُ العائلَ المُخْتال»؛ العائل: الفقير؛ ومنه حديث صلة: «أمَّا أنا فلا أعِيلُ فيها» أي: لا أفتقر، وفي حديث الإيمان وهو الحديث الذي يتكلم عليه الشارح -: «وترى العالةَ رُؤُوسَ الناس»؛ العالة: الفقراءُ، جميعُ عائل، وقالوا في الدعاء على الإنسان: «ما لَهُ مَالَ وعالَ»؛ فمالَ: عَدَلَ عن الحق، وعالَ: افتقر، ورجل عائلٌ مِنْ قوم عالةٍ، ومن قومٍ وعُيَّلٍ، والاسم: العَيْلة. والعَيْلة والعَالةُ: الفاقة؛ يقال: عالَ يَعِيل عَيْلَةً وعُيولاً: إذا افتقر، وفي التنزيل: ُ / 0 ر ِ [التّوبَة: 28] {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً}؛ وقال أُحَيْحة بْنُ الجُلاَح [من الوافر]:
وما يَدْرِي الفقيرُ متَى غنَاهُ
وما يَدْرِي الغَنِيُّ مَتَى يَعِيلُ؟!
وما تَدْرِي إذا أَزْمَعْتَ أَمْرًا
بِأيِّ الأَرْضِ يُدْرِكُكَ المَقيلُ؟!
... وهو عائلٌ وقومٌ عَيْلة، وفي الحديث: «ما عالَ مُقْتَصِدٌ ولا يَعِيل» أي: ما افتقر، والعالةُ: جمعُ عائل، تقولُ: قومٌ عالةٌ؛ مثل حائكٍ وحاكةٍ؛ قال ابن بري: ومنه الحديث: «أَن تَدَعَ ورَثَتَك أغنياءَ خَيْرٌ مِنْ أن تتركهم عالةً يتكَفَّفُون الناس» أي: فقراء، وعِيالُ الرجلِ وعَيْلُهُ: الذين يَتَكفَّل بهم ويعولهم. ... قال ابن سِيدَة: وعالَ الرجلُ وأعالَ وأَعْيَلَ وعَيَّلَ، كلُّه: كَثُرَ عِيالُه؛ فهو مُعِيلٌ، والمرأة مُعِيلة؛ وقال الأخفش: صار ذا عِيال "اللسان" (11/488). ... وانظر: "الصحاح" (5/1779)، و"الغريبين" (4/1351)، و"غريب ابن قتيبة" (3/330)، و"النهاية" (3/330)، و"جمهرة اللغة" (1/20، 270)، (3/140، 357)، و"تاج العروس" (15/533)، و"صيانة صحيح مسلم" (ص 136)، و"شرح مسلم" للنووي (1/159).
(14) ... في (ح): «وهي غالبة».
(15) ... قوله: «وقد وصفهم» في (أ): «ووصفهم».
(16) ... في (ح) فقط: «صم بكم عمي»، والصواب ما أثبته.
(17) ... قوله:« شيء من » سقط من (أ).
(18) ... قوله: «وهذا» سقط من (أ).
(19) ... الآية (171) من سورة البقرة، وفي (غ) فقط ُ 2 3 4 = عع ؟ ء }ـ! ! ِ [البَقَرَة: 18] {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ *}، وهي الآية (18) من سورة البقرة.
(20) ... من قوله: «أطلق ذلك عليهم....» إلى هنا مكانه في (أ): «وكانت له».
(21) ... قوله: «ونطق» ليس في (ح) و(غ).
(22) ... قوله: «لكنهم لمَّا لم يحصل لهم» مكانه في (أ): «فلمَّا لم يحصِّلوا»، وفي (ح): «ولكنهم لمَّا لم تحصُلْ لهم».
(23) ... في (أ): «وقد أوضحه تعالى بقوله» بدل قوله: «وقد أوضح هذا المعنى قوله تعالى».
(24) ... الآية (179) من سورة الأعراف.
(25) ... قوله: «ومقصود هذا الحديث» في - صلى الله عليه وسلم - : «ومقصود الحديث»، وفي (أ): «ومقصوده».
(26) ... من قوله: «بأن يستولي .... إلى هنا جاء في (أ): «بأن تستولي البادية على الحاضرة».
(27) ... في (أ):« أموالهم ».
(28) ... في (أ) و(ب) و(ح): «المباني»، والمبثت من (غ) و(ط) والمغني: هي المنازل التي كان بها أهلوها، واحدها: مغنىً، وقيل: المغاني؛ هي المنازل التي غنيَ بها أهلوها ثم ظعنوا عنها. "اللسان" (15/139)، وانظر: "الصحاح" (6/245).
(29) ... في (أ) و(ح) و(غ) و(ط): «وشريف»، والمثبت من (ب).
(30) ... قوله: «وأن ذلك إذا وجد كان» جاء في (أ): «وأن وجود ذلك».
(31) ... في (أ): «ويؤيد»، وفي - صلى الله عليه وسلم - : «ويؤيد ذلك».
(32) ... في (ح) و - صلى الله عليه وسلم - : «ما ذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ».
(33) ... قوله: «أنه قال» سقط من (أ) و - صلى الله عليه وسلم - .(1/78)
بْنُ لُكَعَ (1) » (2) .
.............................................
وقد شوهد ذلك (3) كلُّه (4) عِيَانَا، فكان ذلك على صِدْقِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى قرب الساعة حُجَّةً =(1/149)=@ وبرهانَا (5) (6) .
وفيه: دليلٌ على كراهية (7) ما لا تدعو الحاجةُ إليه (8) ؛ مِنْ تطويلِ البناء وتشييدِه؛ وقد (9) قال - صلى الله عليه وسلم - : «يُؤْجَرُ ابنُ آدَمَ في كلِّ شيء إلا ما يَضَعُهُ في هذا التراب» (10) ، .............................................
و مات (11) رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يَضَعْ حَجَرًا على حجرِ ولا لَبِنَةً على لبنة (12) ، أي: لم يشيِّد بناءً، ولا طوَّله، ولا تأنَّق فيه.
.............................................
و«الرِّعَاء (13) »: جمعُ راع، وأصلُ (14) الرعي: الحفظ .
و«الشاء»: جمع شاة، وهي (15) من الجمعِ الذي بينه وبين واحده الهاء، وهو كثيرٌ فيما كان خِلْقَةً لله تعالى (16) ؛ كشَجَرَةٍ وشَجَر، وثَمَرَةٍ وثَمَر (17) .
.............................................
وإنما خَصَّ رِعَاءَ الشاء (18) بالذِّكْر؛ لأنهم أضعفُ أهلِ البادية.
و«البَهْم» (19) بفتح الباء: جمعُ بَهْمَة (20) ، وأصلها: صغار الضَّأْن والمَعْز، وقد يختصُّ (21) بالمعز (22) ، وأصله من .............................................
«استبهَمَ عن الكلام»، ومنه: البهيمة.
ووقع في البخاري: «رِعَاءُ (23) الإبلِ البُهْمُ (24) » بضم الباء، وهو جمع بَهِيم (25) ، وهو: الأسود الذي لا يخالطه لونٌ .............................................
آخر (26) ، وقُيِّدَتْ (27) ميم البُهْم (28) بالكسر والضم: فمَنْ كسرها جعلها صفةً للإبل (29) ، ومن رفعها جعلها صفةً للرعاء وقال (30) : معنا (31) : لا شيءَ لهم؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم - : «يُحْشَرُ الناسُ يومَ القيامة حُفَاةً عُرَاةً بُهْمًا» (32) .
.............................................
قال الشيخ: وهذا التأويلُ فيه بُعْد (33) ؛ لأنه قد نَسَبَ لهم إِبِلاً (34) ، وظاهرها المِلْكُ (35) ، وقال (36) الخَطَّابيُّ: هو جمعُ بَهِيمٍ، وهو: المجهولُ الذي لا يُعْرَف (37)
قال (38) الشيخ: والأَوْلَى (39) أن يُحْمَلَ على أنَّهم سودُ الألوان؛ .............................................
لأن الأَدَمَةَ غالبُ ألوانهم (40) (41) .
وروايةُ (42) مسلم في رعاء البَهْمِ من غير ذكر الإبل (43) : أولى؛ لأنَّها الأنسب لِمَسَاقِ (44) الحديث ولمقصوده (45) ؛ فإنَّ مقصودَهُ: أنَّ أضعف =(1/150)=@ أهل البادية وهم رعاء الشاء، سينقلب (46) بِهِمُ الحال، إلى أن يصيروا ملوكًا (47) مع ضعفهم وبُعْدِهِمْ &(1/79)&$
__________
(1) ... ذكر ابن الجوزي في معنى «لُكَع» ثلاثة معانٍ: الأول: أنه العبد أو اللئيم، والثاني: أنه الغبي بأمره الذي لا تتَّجه لما يصلحه، والثالث: أنه الصغير. انظر: "غريب الحديث" (2/330).
(2) ... قد جاء من رواية جماعة من الصحابة، منهم:
- ... حذيفة:ولفظه: «لا تذهبُ الأيامُ والليالي حتَّى يكونَ أسعَدَ الناس بالدنيا لُكَعُ بْنُ لُكَعَ»؛ رواه الترمذي في الفتن، باب (37) بدون ترجمة رقم ( 2209 )، وأحمد ( 5/389 ) من طريق إسماعيل بن جعفر، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي، عن حذيفة، به، مرفوعًا؛ قال الترمذي: «حسن غريب؛ إنما نعرفُهُ من حديث عمرو بن أبي عمرو».اهـ. وعبد الله بن عبد الرحمن مجهول ». قال ابن معين:« لا أعرفه ". "التهذيب" (5/300 ).
- ... وأنس، بمثل حديث حذيفة؛ أخرجه: الطبراني في "الأوسط"(1/368رقم632).
- ... وأبو بُرْدة بن نِيَار: رواه أحمد ( 3/466 )، والطبراني في "الكبير" (22/195) من طريق الوليد بن عبد الله بن جُمَيْع، عن الجَهْم بن أبي الجَهْم، عن أبي بُرْدة، مرفوعًا: « لن تذهَبَ الدنيا حتى تكونَ لِلُكَعَ بْنِ لُكَعَ »، وفي رواية: « عند لكع». ... لكن الجهم مجهول،"تعجيل المنفعة" (ص 74).
- ... عمر بن الخَطَّاب؛ أخرجه الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع البحرين" (7/290 رقم 291 )؛ قال الهيثمي في "المجمع" (7/325) الطبعة غير المحقَّقة: « رواه الطبراني في الأوسط بإسنادَيْن، رجال أحدهما ثقات ».
- ... أبو ذر؛ أخرجه الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع البحرين"( 7/291) من طريق ابن لَهِيعة؛ قال الهيثمي في "المجمع" (7/326):« ورجاله وثِّقوا، وفي بعضهم ضعف ».
(3) ... في (أ) و(ح): «هذا».
(4) ... قوله: «كله» زيادة من : (ب).
(5) ... من قوله: «فكان ذلك ...» إلى هنا في (أ): « فكان حجةً على صدقه وعلى قرب الساعة وبرهانا ».
(6) ... ذكر كلام الشارح في المقصود من هذا الحديث: الحافظ في "الفتح" (1/123).
(7) ... في (أ) و(ح): «كراهة».
(8) ... قوله: «الحاجةُ إليه» في (أ) فقط: «إليه حاجة».
(9) ... قوله: «وقد» سقط من (أ).
(10) ... رواه البخاريُّ في المرضَى، باب تمنِّي المريض الموت (10/127)، والطبراني في "الكبير" ( 4/71 رقم 3635 ) من طريق شعبة، ورواه الحميدي ( 1/83 رقم 154) عن ابن عيينة، ومن طريق الحميدي رواه الطبراني (4/70 رقم 3633)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/146 )، ورواه أحمد ( 5/110 ) عن يزيد بن هارون، و(5/109) عن وكيع، ورواه الطبراني ( 4/70 رقم 3632) من طريق زيد بن أبي أنيسة، ورواه هناد في الزهد ( 2/373 رقم720)، عن محمد بن عبيد، كلُّهم عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن خَبَّاب، قال: فذكر حديثًا في النهي عن تمني الموت، ثم قال: إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب . لفظ البخاري؛ هكذا رواه هؤلاء الأئمة موقوفًا . ... وخالفهم أبو معاوية الضرير: ... فرواه عن إسماعيل مرفوعًا، أخرج حديثه هَنَّاد في "الزهد" ( 2/374 رقم 722). ... ووافقه على رفعه جماعةٌ فيهم مقال، منهم: إسماعيل بن عياش، وحديثه عن غير الشاميين ضعيف، وهذا منه . أخرج روايته الطبراني ( 4/73 رقم 3641)، وعمر بن إسماعيل بن مجالد متروك؛ كما في "التقريب" (ص 410 )، وأخرجه الطبراني أيضاً ( 4/74 رقم 3645 ). ... وللحديث طريق أخرى مرفوعة، أخرجها: الترمذي في صفة القيامة، باب (40) بلا ترجمة رقم ( 2483 )، وابن ماجه في الزهد، باب في البناء والخراب رقم (4163)، والطبراني في "الكبير" ( 4/82 رقم 3675)، من طريق شريك، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن خَبَّاب به مرفوعًا، وشريك فيه ضعف . ... فالأرجح - والله أعلم - قَوْلُ مَنْ وقفه .
(11) ... قوله: «رسول الله» سقط من (أ).
(12) ... هكذا في جميع النسخ نسبة ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وظاهر السياق: أنه رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن جاء ذلك بلفظه ومعناه في "التمهيد" لابن عبدالبر (14/193)، من قول يحيى بن عبد الرحمن الثقفي، منسوباً إلى رسول الله عيسى - صلى الله عليه وسلم - ، فقد ذكر ابن البر بإسناده إلى يحيى المذكور، أنه قال: إن عيسى بن مريم كان سائحاً، ولذلك سمِّي المسيح؛ قال: كان لَيُمْسِي بأرضٍ ويصبخ بلرضٍ أخرى، وإنه لم يتزوَّج، ولم يَرْفَعْ حجرًا على حجر، ولا لبنةً على لبنةٍ... إلخ»، فالظاهر أن الشارح نقل ذلك عن "التمهيد"، وغفل عن سياق كلامه وترتيبه في كتابه "المفهم". ... غير أن نحواً من هذا المعنى جاء عند ابن عساكر في "تاريخ مدينة دمشق" (4/135)، بإسناده إلى الحسن، قال: حدثني من صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فلم يَرَهُ وضع قصبةً على قصبةٍ، ولا لبنةً على لبنة». ... وكذلك ذكره النودي في "تهذيب الأسماء واللغات" (1/317)، قال: رُوِّيتا عن سفيان بن عيينة قال: ما بثى عليٌّ - رضي الله عنه - لبنة على لبنة، ولا قصبةً على قصبة».
(13) ... في (أ): «والرعاة».
(14) ... قوله:« أصل » سقط من (أ).
(15) ... قوله: «هي» سقط من (أ)، وفي (ح): «هو».
(16) ... قوله: «كان خِلْقةً لله تعالى» في (أ): «خلق الله تعالى».
(17) ... ذكر الشارح أنه جمع شاة، وأنه من الجمع الذي يفرَّق بينه وبين واحده بهاء، يقصد بذلك: ما يسمّى باسم الجنس الجمعي، ومثّل عليه بشجرة، وجمعها شَجَر، وبثمره وجمعها ثمر؛ وكما تلاحظُ فلا تنطبقُ صورة هذا الجمع على شاة، وجمعها: شاء، ولكن الشارح يشير إلى أنّها من ذلك الجمع في الأصل؛ حيث إنَّ المفرد " شاة " أصله: شاهَةٌ، وإنَّ الجمع «شاء» أصله: «شاه»؛ فحصل عندئذ الفرقُ بين المفرد والجمع بزيادة التاء في المفرد، ثم تغيَّرَتِ الصورتان، فحذفتِ الهاء - التي هي لام الكلمة - من المفرد، وقُلِبَتْ هاء الجمع إلى همزة . انظر:"النهاية" (2/522)، و"القاموس المحيط"(4/289 )، و"تصريف الأسماء" لمحمد الطنطاوي (ص 235 )، و"لسان العرب" (13/510)، و"الفائق للزمخشري" (2/267). ... وفي كلام الشارح مسألتان أخريان: ... المسألة الأولى: في أن هذا الجمع - وهو اسم الجنس الجمعي الذي يفرَّق بينه وبين واحده بالتاء تكون في المفرد - لا يكون فيما كان خِلْقةً لله تعالى؛ كشجرة وشجر، وثمرة وثمر، لكنه كما يكون في المخلوقات - كما ذكر الشارح هنا - فإنه يكون أيضاً في المصنوعات؛ نحو: لَبِنٍ ولَبِنَة؛ أفاده الأشموني وغيره. ... انظر: "شرح الأشموني" على ألفية ابن مالك (1/26)، و"شرح ابن عقيل" (1/19-20). ... المسألة الثانية: في أن هذا الجمع إنما يفرَّق بينه وبين واحده بالتاء تكون في المفرد غالبًا، نحو: كلمة وكلم، وثمرة وثمر، وكما مثَّل الشارح بشجرة وشجر، وثمرة وثمر. لكن يفرَّق أيضاً بينهما بالتاء في الجمع نادراً، أو بالياء المشدَّدة في المفرد نادرًا أيضاً: ... مثال الأول: كَمْء، وجمعها: كمأة، وهي نوع من الشجر. ... ومثال الثاني: رُوِميٌّ وزَنْجِيٌّ، وجمعهما: روم وزنج.
(18) ... قوله: «وإنما خص رعاء الشاء» جاء في (أ) : «وخص الرعاء».
(19) ... هذه الكلمة: «البهم» ليست في هذا الحديث الجاري شرحه بل هي من حديث أبي هريرة التالي، ولعل الشارح عدَّه رواية أخرى، وقد أشار إلى هذا في ص (187)، وأخذ منه جملة أخرى في ص (188).
(20) ... في (ح): «بهيمة»، وهو خطأ.
(21) ... في (أ): «يخص».
(22) ... اختلف كتب اللغة في المراد بـ«البهم» عند الانفراد، هل تطلق على أولاد المعز الصغار، أم أولاد الضأن الصغار، فقد ذكر صاحب «اللسان» نقلاً عن ثعلب في «نوادره»؛ أن البَهْم: هي صغار المعز، وبه فسَّر قول الشاعر [من الوافر]:
عداني أن أَزُورَكِ أن بَهْمي
عجايا كلُّها إلا قليلاً
... وبخلاف ذلك ذكر صاحب «المصباح المثير»، فقد ذكر أن البَهْمة: وَلَدُ الضأن، يطلق على الذكر والأنثى، والجمع: بَهْم، وجمع البَهْم: بهام، قال: وتطلق البهام على أولاد الضأن والمَعِز؛ إذا اجتمعت، تغليباً، فإذا انفردت، قيل لأولاد الضان: بِهَام، ولأولاد المعز: سِخال، وبمثل ما ذكر صاحب «المصباح» قد نقل الأزهري عن ابن السكيت، قال: والبَهام: جمع بَهْم، والبَهْم: جمع بَهْمَة، وهي أولاد الضأن، والبَهْمة: اسم للمذكر والمؤنث، والسِّخَال: أولاد المِعْزَى، والواحدة: سَخْلَة، للمؤنث والمذكر.، وإذا اجتمعت البهام والسخال، قلت لهما جميعاً: بهَام»، وبمثل ذلك أيضًا قال الجوهري، وابن الكثير.
... وهذا الذي ذكره الأزهري والجوهري والقيومي وابن الأثير يخالف ما ذكره ثعلب.
... انظر: "اللسان" (12/56)، و"المصباح المنير" (ص 64)، و"التهذيب" (6/337-338)، و"الصحاح" (5/1875)، و"النهاية" (1/168).
(23) ... كذا في جميع نسخ «رعاء» بالهمزة، وفي "البخاري": «رُعَاة» بالتاء المثناة الفوقية.
(24) ... انظر: صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة، وبيان النبي - صلى الله عليه وسلم - له .... برقم (50)؛ من حديث أبي هريرة $ح، وفيه: قال: متى الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها: إذا ولَدَتِ الأمةُ ربَّها، وإذا تطاوَلَ رُعَاةُ الإبلِ البُهْم في البنيان، في خمس لا يعلمهنَّ إلا الله...».
(25) ... جوَّز الزمخشري في "الفائق" (1/137): أن يكون البُهْم: جمع أَبْهَم، فقد قال: «البُهْم: جمع الأَبْهَم، وهو البهيم، أي: المُصْمَتُ الذي لا يخالطُ لونَهُ لونٌ آخر، ويجوز أن يكون [البُهْم] جمع بهيم، مخفَّفًا؛ كـ«سُبْل» جمع سبيل».
(26) ... البهيم: هو الذي لا يخالط لونَهُ لونٌ آخر، أسود كان أو غيره، وجمع البهيم كَقُفُل وقُفْل: بُهُم؛ كرَغِيف ورُغُف، وكل ما كان على «فُعُل» جاز فيه التخفيف بإسكان العين؛ فيقال في بُهُم ورُغُف: بُهْمٌ ورَغْف. انظر: "اللسان" (12/58)، و"الصحاح" (5/1875)، و"المطلع على أبواب المقنع" (1/386)، و"النهاية" (1/8169)، و"شرح شافية ابن الحاجب" (1/46)، وفيه نصَّ على أن الرواية بضم الباء والهاء في قوله: «رعاةُ الإبل البُهُم».
(27) ... في (أ) «قيد».
(28) ... في رواية البخاري.
(29) ... قال في "الفتح" (1/123): «يعني: الإبل السود، وقيل: إنها شر الألوان عندهم، وخيرها: الحُمْر التي ضرب بها المثل، فقيل: خيرٌ من حمر النَّعَم».
(30) ... في (ح): «وقيل».
(31) ... في (غ): «معناها».
(32) ... في (أ) و(غ): «عراةً حفاةً بهمًا»، وفي (ح): «حفاة عراة غرلاً» وما أثبتناه من (ب)، وهو موافق لما في "الفتح" (1/123)، و"شرح السيوطي لسنن النسائي" (8/103)، وقد تعرّض صاحب "اللسان" لكلام على معنى «بُهْمًا» في هذا الحديث، فقال: «فأما قوله في الحديث: «يُحْشَرُ الناسُ يوم القيامة حُفاة عُراة غُرْلاً بُهْماً» أي: ليس معهم شيء، ويقال: أصِحَّاة، قال أبو عمرو: البُهْم: واحدها بَهيم، وهو الذي لا يخالطُ لَونَهُ لونٌ سِواه مِنْ سَوادٍ كان أو غيره؛ قال أبو عُبَيْد: فمعناه عندي: أنه أراد بقوله بُهْمًا يقولُ : ليس فيهم شيء من الأعراض والعاهات التي تكونُ في الدنيا من العَمَى والعَورَ والعَرَج والجُذام والبَرَص، وغيرِ ذلك مِنْ صُنوف الأمراض والبلاء، ولكنها أجسادٌ مُبْهَمَةٌ مصَحَّةٌ لِخُلود الأبد، وقال غيره: لِخُلود الأبد في الجنة أو النار، ذكره ابن الأثير في "النهاية"؛ قال محمد بن المكرَّم [هذا اسم صاحب "اللسان" محمد بن مكرَّم بن منظور] الذي ذكره الأزهريُّ وغيره: أجسادٌ مُصحَّحة لِخُلُود الأبد، وقولُ ابن الأثير "في الجنة والنار" فيه نَظَرٌ؛ وذلك أن الخلود في الجنة: إنما هو للنعيم المَحْضِ؛ فصحَّةُ أجْسادِهم من أجلِ التَّنَعُّم، وأما الخلودُ في النار: فإنما هو للعذاب والتأسُّفِ والحَسْرة، وزيادة عذابهم بعاهات الأجسام أتَمُّ في عُقوبتهم؛ نسأل الله العافية من ذلك بكرمه» اهـ. ... وأما المعني الثاني: فقد قال فيه: «وفي بعض الحديث تفسيره، قيل: وما البُهْم؟ قال: ليس معهم شيءٌ، قال أبو عبيد: وهذا أيضاً من هذا المعنى، يقول: إنها أجسادٌ لا يخالطها شيءٌ من الدنيا، كما أن البهيم من الألوان لا يُخالطه غيره، ولا يقال في الأبيض: بهيم»، وقد اقتصر على هذا المعنى الزمخشري في :الفائق" وزاده أيضاحاً قال: «والمعنى: ليس معهم شيء من أعراض الذنيا؛ شبَّه خلوَّ جسد العاري عن عرض يكون معه بخلوِّ نقية الفرس عن شيةٍ مخالفة لها». ... ويلاحظ أن المعنى الأول: ليس فيهم شيء من أمراض الدنيا؛ فهم أصحاء، والمعنى الثاني: ليس معهم شيء من أعراض الدنيا؛ فهم عراة. ... وكما اقتصر الزمخشري على المعنى الثاني، فقد اقتصر الخليل على المعنى الأول، وأما صاحب الصحاح فقد ذكر المعنيَيْن فِعْلَ أبي عُبَيْد. ... انظر: "اللسان" (12/59)، و"غريب الحديث" لأبي عبيد (1/197)، و"النهاية" (......)، ذكر المعنين، وقال عن الثاني: «وهذا يخالف الأول من حيث المعنى»، ونقله عنه صاحب اللسان وسكت عنه)، و"تهذيب اللغة" للأزهري (6/335)، و"الفائق" (1/137)، و"العين" (4/63)، و"الصحاح" (5/1875). ... وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «يُحْشَرُ الناسُ يومَ القيامة حُفَاةً عُرَاةً بُهْمًا» هو جزء من الحديث المشهور في رحلة جابر بن عبد الله إلى عبدالله بن أُنَيْس رضي الله عنهما. أخرجه الإمام أحمد في "المسند" ( 3/495 ) والبخاري " في الأدب المفرد" (ص 970 )، وفي "خلق أفعال العباد "(ص 463 )، وفى "التاريخ الكبير " (7/169-170 )، وابن أبى عاصم في "السنة " (ص 514)، وفى " الآحاد والمثاني " (2034)،والطبراني في "الأوسط " (8588)، والحاكم في "المستدرك "( 2/437 )،و (5/574-575 )، والخطيب في "الرحلة "(31و32)، و في"الجامع" (1748 )، و ابن عبد البر في "الجامع " (ص 565-566 )، جميعهم من طريق القاسم بن عبد الواحد المكي، عن عبدالله بن محمد بن عَقِيل، أنه سمع جابر بن عبدالله يقول: بلغني حديثٌ عن رجلٍ سمعه من رسول - صلى الله عليه وسلم - ،فاشترَيْتُ بعيراً،ثم شددتُّ عليه رحلي،فسرتُ إليه شهراً، حتى قدمتُ عليه الشام،فإذا عبد الله بن أنيس ...، الحديثَ، وفيه موضعُ الشاهد، وذكر بعضهم أنَّ الرحلة إلي مصر . قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرِّجاه، ووافقه الذهبي، وحسَّن المنذري في"الترغيب والترهيب"(4/307) إسنادَ الإمامِ أحمد . ... وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد "( 1/347 ): رواه أحمد، والطبراني في "الكبير"، وعبد الله بن محمد ضعيف . ... وقال الشيخ الإلباني رحمه الله في تخريج "السنة"(ص 514 ):حديث صحيح وإسناده حسن أو قريب منه؛ فإن ابن عَقِيل حسن الحديث . ... لكن القا0سم بن عبد الواحد [بن] أيمن المكي لم يوثِّقه غير ابن حِبَّان، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، قيل له:يحتَجُّ به ؟ قال:يحتَجُّ بحديثِهِ سفيانُ وشعبة . ... وأما حديثُ حَشْر الناس حفاةً عراةً: ففي الصحيحَيْن من حديث ابن عباس، وعائشة، ولكنْ ليس فيها لفظ «بهمًا» . ... أقول: وعبد الله بن محمد بن عَقِيل ضعيفُ الحديث، وفى " التقريب " (3617): "صدوق في حديثه لين،ويقال: تغيَّر بأَخَرة ». ... والقاسم بن عبد الواحد قال عنه في "التقريب" (5506 ):« مقبول ». ... وللحديث طريقان آخران عن جابر: ... طريق محمد بن المنكدر عند الطبراني في " مسند الشاميين " (156 ) من رواية عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان،عن الحَجَّاج بن دينار،عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله،قال:كان يبلغني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثٌ في القصاص ... فذكره بنحوه، إلا أنه ذكَرَ أنَّ رحلته كانت إلى مصر . ... قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (1/174 ): وإسناده صالح. وانظر "تغليق التعليق" (5/356 ). وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان قال عنه ابن حجر في " التقريب " (3844 ): صدوق يخطيء، ورُمِيَ بالقدر، تغيَّر بأخرة . ... فالحديثُ ضعيفٌ بهذا الإسناد لأجله . ... طريق أبى الجارود العنسي عند الخطيب في "الرحلة " (33 )، من رواية عمر بن الصبح،عن مقاتل بن حَيَّان،عن أبي الجارود، به، بنحوه مطوَّلاً،وذكر أنَّ الرحلة كانت إلى مصر . ... وهذا الإسناد تالف، فعمر بن صبح متهمٌ بالوضع،وكذَّبه جمعٌ من الإئمة .انظر ترجمته في "تهذيب الكمال " (4259 )، و"تقريب التهذيب " (4922).
(33) ... في (أ) : «وهذا فيه بعد»، وفي (ح): «وهذا التأويل فيه نظر»، وفي "الفتح" (1/123): قال: «وفيه نظر».
(34) ... قوله: «لهم إبلاً» في (غ): «إليهم إبلاً»، وفي (ح) و"الفتح" (1/123): «لهم الإبل»، ويبدو أن هذه النسخة (ح) من «المفهم» هي التي كان ينقل منها الحافظ ابن حجر.
(35) ... تعقَّبه الحافظ بقوله: «يحمل على أنها إضافةُ اختصاص لا ملك، وهذا هو الغالب؛ أن الراعي يرعى لغيره بالأجرة. وأمَّا المالك: فقلَّ أن يباشر الرعي بنفسه "الفتح" (1/123).
(36) ... في (أ): «قال».
(37) ... "أعلام الحديث" للخطابي (1/128)، وانظر: "النهاية" (1/169)، و"اللسان" (12/58).
(38) ... قوله:« قال » سقط من (أ).
(39) ... في (أ): «الأولى» بلا واو.
(40) ... قوله: «لأن الأدمة غالبُ ألوانهم» في (أ): «والأدمة غالبُ ألوانهم»، وفي (ح): «لأن الأدمة غالبة ألوانهم».
(41) ... كل هذه الأقوال التي ذكرها الشارح هي في شرح رواية البخاري: «رعاةُ الإبل البُهْمُ» بضم الميم على أنه صفة للرعاة، وقد زاد الحافظ قولاً آخر، وقدَّمه، قال: «ووصف الرعاة بالبهم لأنهم مجهولو الأنساب، ومنه: أُبْهِمَ الأمر، فهو مُبْهَمٌ: إذا لم تُعْرَفْ حقيقته» "الفتح" (1/123).
(42) ... في (ب): «ورواه».
(43) ... في (أ): «الإبل».
(44) ... في (غ): «لسياق».
(45) ... قوله:« ولمقصوده » سقط من (أ).
(46) ... في (غ): «ستنقلب».
(47) ... في (أ) وردت الجملة هكذا: «فإن مقصوده: أنَّ أضعف أهل البادية: رعاءُ الشاة، وسينقلب بهم الحال؛ فيصيروا ملوكاً».(1/79)
عن أسباب ذلك، وأمَّا أصحابُ الإبل: فهم أهلُ الفخرِ والخُيَلاَء؛ فإنَّ الإبل عِزُّ أهلها،، ولأنَّ أهلَ الإبل (1) ليسوا عالةً ولا فقراءَ غالبًا (2) .
.............................................
وقوله: «وَتُؤْمِن بالبعْثِ الآخِرِ» (3) ، وصفُ البعثِ بـ الآخر يَحْتَمِلُ أن يكون (4) على جهة التأكيد، كما قالوا (5) : أَمْسِ الدابرُ (6) ، وأَمْسِ الذاهبُ. ويَحْتمل أن يقال: إن البعث: هو إحياءٌ (7) بعد إماتة، وقد فعل الله تعالى ذلك (8) مرتين؛ فأحياناً (9) بعد أَنْ كنَّا نُطَفًا وعَلَقًا ومُضَغًا وهي أمواتٌ، ثم يحيينا ليومِ القيامة وهو البَعْثُ الآخِر؛ كما قال الله (10) تعالى: ُ خ ث ج ة ت ط ظ ص ض س ِ (11) ، قال أهلُ التفسير: أمواتًا في حال كونها (12) نُطْفًا وعَلَقًا في الأرحام، ثُمَّ نفخَ الرُّوحَ وأحيا (13) .
.............................................
وقوله:«فعجبنا له يَسْأَلُهُ ويُصَدِّقُهُ»؛ إنَّما تعجَّبوا من ذلك؛ لأنَّ ما جاء به رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لا يُعْرَفُ إلا مِنْ جهته، وليس هذا السائلُ مِمَّنْ عُرِفَ بلقاءِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، ولا بالسَّمَاعِ منه، ثم هو قد (14) سأل سؤالَ عارفٍ محقِّقٍ مصدِّقٍ؛ فتعجَّبوا من ذلك (15) تعجُّبَ المُسْتَبْعِدِ لأنْ (16) يكونَ أحدٌ يعرف تلك الأمورَ المسؤولَ عنها (17) من غير جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - (18) .
وقوله:«فَلَبِثَ مليًّا»، أي: أقام بعد انصرافه حينًا، يعني: النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ،، ويُروى:«فَلَبِثْتُ» بتاء مضمومة للمتكلِّم، فيكونُ عمر - رضي الله عنه - هو الذي (19) أخبَرَ بذلك عن نفسه، وكلاهما صحيحُ المعنى . =(1/151)=@
وقوله: «إنَّه جبريل»؛ دليلٌ على أنَّ الله تعالى مكَّنَ الملائكةَ عليهم السلام من (20) أن يتمثَّلوا فيما شاؤوا من صور بني آدم؛ كما قد نصّ الله تعالى على ذلك في قوله (21) : ُ ى و ه ن ِ (22) .
.............................................
وقد (23) كان جبريلُ - عليه السلام - يتمثَّلُ للنبيِّ (24) - صلى الله عليه وسلم - في صورة دِحْيَةَ بنِ خَلِيفَة (25) ، وقد (26) كان لجبريل - عليه السلام - صورةٌ خاصَّة خُلِقَ عليها لم يَرَهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عليها غير مرتين؛ كما صحَّ الحديث بذلك (27) ؛ وهذا يدلُّ على أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عرَفَ جبريلَ - عليه السلام - لكنْ في (28) آخر الأمر، فأمَّا قبلَ ذلك، فقد جاء في (29) "البخاري" (30) التصريحُ (31) بأنَّه لم يَعْرِفْ أنَّهُ جبريلُ إلا في آخر الأمر . &(1/80)&$
__________
(1) ... من قوله: «وأما أصحاب الإبل ...» إلى هنا مكانه في (أ): «أما أصحاب الإبل: فأهل فخر وخيلاء وعز».
(2) ... ذكر العيني في "عمدة القاري" (1/286) كلام صاحب "المفهم" هنا في تفصيل رواية مسلم على رواية البخاري، في حذف لفظة «الإبل»، وسكت عليه.
(3) ... هذه الجملة ليست في هذا الحديث الجاري شرحه، وإنما هي من حديث أبي هريرة التالي.
(4) ... قوله: «أن يكون» سقط من (ح).
(5) ... في (أ): «كقولهم».
(6) ... في (ب) و(ح): "الداني"، وفي (غ): «الواير»، والصواب ما أثبتناه.
(7) ... قوله: «إن البعث هو إحياء» في (أ): «البعث إحياء» وفي (ح): «إن البعث بعد إحياءٌ».
(8) ... في (غ): «وقد فعل ذلك الله».
(9) ... في (أ): «أحياناً».
(10) ... قوله: «الله» من (غ) و(ح).
(11) ... الآية (28) من سورة البقرة .
(12) ... في (ح) و(ط): «كوننا».
(13) ... من قوله تعالى: ُ ة ت ، ِ [البَقَرَة: 28] {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا...} إلى هنا مكانه في (أ): «الآية»، وقوله: «وأحياء» في (ب): «وأحياه».
(14) ... قوله: «ثم هو قد» في (أ): «وقد».
(15) ... قوله: «فتعجبوا من ذلك» في (أ): «فتعجُّبهم».
(16) ... في (أ): «أن».
(17) ... قوله:« المسؤول عنها » سقط من (أ).
(18) ... قوله: «جهة النبي»: في (أ): «جهته».
(19) ... قوله:« هو الذي » سقط من (أ).
(20) ... قوله: «من» سقط من (ح).
(21) ... من قوله: «كما قد نَصَّ ...» إلى هنا، مكانه في (أ): «كما قال الله تعالى» ، وفي (غ): «كما نص الله على ذلك في قوله تعالى».
(22) ... الآية (17) من سورة مريم .
(23) ... قوله: «قد» ليس في (أ).
(24) ... قوله: «للنبي» في (أ): «له».
(25) ... وحديث تمثل جبريل بصورة دحية، جاء من حديث أسامة بن زيد عند البخاري في كتاب المناقب: باب علامات النبوة برقم (3633)، وعند مسلم في كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل أم سلمة برقم (2451).
(26) ... قوله: «قد» سقط من (أ).
(27) ... قوله: «بذلك» في (أ): «به»، وقد أخرج هذا الحديثَ البخاريُّ في بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين (6/313 )، وفي التفسير (8/606 )، ومسلمٌ في الإيمان، باب معنى قوله تعالى: ُ خ ح ذ د ِ [النّجْم: 13] {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى *} (1/159 رقم 177) مطولاً، والترمذيُّ في التفسير، باب ومن سورة الأنعام رقم ( 3068 ) مطولاً، وقال: حسن صحيح، وفي التفسير أيضًا، باب ومن سورة النجم رقم ( 3278 )، والنَّسَائيُّ في "الكبرى"، في التفسير، باب قول الله تعالى ُ خ ح ذ د ِ (6/473 رقم 11540).
(28) ... قوله: «لكن في» سقط من (أ).
(29) ... قوله: «فقد جاء في»: في (أ): «ففي».
(30) ... في (ح) و(غ): «كتاب البخاري».
(31) ... لم أجدْ هذا التصريحَ في رواية البخاري، ولكنْ جاء التصريحُ بذلك في رواية النَّسَائِيِّ لحديث أبي هريرة، والذي سبق تخريجه (ص 153)، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - : « ما كنتُ بأعلَمَ به من رَجُلٍ منكم، وإنه لجبريل »، وقد قال الحافظ: «دلت الروايات التي ذكرناها على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما عَرَفَ أنَّه جبريل إلا في آخر الحال، وأن جبريل أتاه في صورة رجلٍ حسن الهيئة؛ لكنه غير معروف لديهم». انظر: "الفتح" (1/124-125).(1/80)
.............................................
وقوله: «أتاكم يُعلِّمُكُمْ دِينَكُمْ»، أي: قواعدَ دينكم، أو كُلِّيَّاتِ دينكم (1) ؛ قال القاضي (2) : وهذا الحديث (3) قد اشتمل على جميعِ وظائف العبادات الظاهرة والباطنة؛ مِنْ عقودِ الإيمان، وأعمالِ الجوارح، وإخلاصِ السرائر، والتحفُّظِ مِنْ آفاتِ الأعمال، حتى إنَّ علومَ الشريعة كُلَّهَا راجعةٌ إليه، ومتشعِّبَةٌ منه (4) .
قال الشارح _ح: فيصلُحُ في (5) هذا الحديث أن يقالَ فيه: إنه (6) أُمُّ السُّنَّة ؛ لما تضمَّنه مِنْ جُمَلِ عِلْمِ السُّنَّة، كما سُمِّيَتِ وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (7) ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «سَلُونِي»، فَهَابُوهُ أَنْ يَسْأَلُوهُ، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ فَجَلَسَ عِنْدَ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الإِْسْلاَمُ؟
الفاتحةُ: أُمُّ القرآن (8) ؛ لما تضمَّنته مِنْ جملِ معاني القرآن (9) ، كما سيأتي بيانُهَا، إن شاء الله تعالى (10) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «سَلُونِي؛ فَهَابُوهُ أَنْ يَسْأَلُوهُ»؛ كان هذا منه لمَّا =(1/152)=@ أكثروا (11) عليه من الأسئلة (12) ، واستشعر أنّه كان هناك مَنْ سأل .............................................
تعنيتًا (13) وتجهيلاً، فَغَضِبَ لذلك حتى احمَرَّ وجهُهُ، وجعَلَ يقول: «سلوني سلوني (14) ؛ فوالله لا تسألوني عن شَيْءٍ إلا أخبرتُكُمْ به ما دُمْتُ في مقامي هذا»، فدخل الناسَ مِنْ ذلك خوفٌ، فلم يَزَلْ كذلك حتَّى بَرَكَ عمَرُ - رضي الله عنه - بين يدَيْهِ، وجعل يقول:«رَضِينَا باللهِ رَبًّا، وبالإسلامِ دِينًا، وبمحمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - رسولاً»، حتى سكَنَ غضبه - صلى الله عليه وسلم - (15) ، وسيأتي الحديث بكماله (16) .
وفي ذلك الوقت أنزَلَ اللهُ تعالى قوله تعالى (17) :
.............................................
ُ ق ف ذ د خ ح ج ث ت ة ب ِ (18) (19) ؛ فانكفَّ الناسُ عن سؤالِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ؛ ولذلك قال: نُهِينَا أن نسأَلَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء (20) ؛ فلمَّا انكفُّوا عن ذلك؛ امتثالاً لأمر الله تعالى، وتعظيمًا لحرمة رسوله (21) - صلى الله عليه وسلم - ، عَلِمَ اللهُ تعالى ذلك منهم، فأرسَلَ السائلَ البصيرْ، فأجابه العالِمُ الخبيرْ، فحصَلَ العلم للسامعينَ الممتثلينَ مِنْ غير سؤالْ، كما قد كَفَى اللهُ المؤمنينَ القتالَ، وقد نبَّه على ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - (22) بقوله: «هذا جِبْرِيلُ؛ أَرَادَ أَنْ تَعَلَّمُوا إِذْ لَمْ تَسْأَلُوا» (23) .
قَالَ: «أَلاَّ تُشْرِكَ بِاللهِ شَيْئًا - فِي رِوَايَةٍ: تَعْبُدُ اللهَ، وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا - وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ - فِي رِوَايَةٍ: الْمَكْتُوبَةَ - وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ - فِي رِوَايَةٍ: الْمَفْرُوضَةَ - وَتَصُومُ رَمَضَانَ»، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ،
وقولُهُ في حديث أبي هريرة في جوابه عن الإسلام: «تعبُدُ الله لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»، بدَلَ (24) قوله في حديث عمر (25) $ح: «أن تَشْهَدَ أنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ» إلى &(1/81)&$
__________
(1) ... قوله:« أي قواعد دينكم أو كليِّات دينكم » سقط من (أ).
(2) ... هو أبو الفضلِ عِيَاضُ بن موسى اليَحْصَبِيُّ الأندلسيُّ السَّبْتِيُّ المالكيُّ، المتوفَّى سنة (544) في كتابه "إكمال المعلم"، وسيُكْثِرُ الشارح في كتابه مِنْ ذكر القاضي والنقلِ عن كتابه هذا .
(3) ... قوله: « وهذا الحديث قد اشتمل » في (أ): «قد اشتمل الحديث».
(4) ... "الإكمال"(ص 279)، وقال:« وعلى هذا الحديث وأقسامه الثلاث: أَلَّفْنَا كتابَنَا الذي سمَّيناه بـ«المقاصد الحسان، فيما يلزم الإنسان»؛ إذ لا يَشِذُّ شيء - من الواجبات، والسنن، والرغائب، والمحظورات، والمكروهات - عن أقسامه الثلاث». وانظر: "إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/68-69)، و"شرح النووي" (1/158)، و"فتح الملهم" (1/60)، و"فتح الباري" (1/125).
(5) ... قوله: «في» سقط من (ح).
(6) ... قوله: «فيصلح»....» إلى هنا في (أ): «فيصلح أن يقال في هذا الحديث إنه».
(7) ... أخرجه البخاري (1/114 رقم 50 ) في الإيمان، بابُ سؤالِ جبريلَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة، ومسلم في الباب المتقدم (1/40 رقم10)، والرواية الأخرى التي يشير الشارح إلى فروقها هي التي قبل هذه (1/39 رقم9).
(8) ... في (ح): «أم الكتاب».
(9) ... نقل الحافظ في "الفتح" كلام الشارح هذا، وعلَّق عليه قال: «وقال الطيبي: لهذه النكتة استفتح به البغوي كتابيه "المصابيح" و"شرح السنة"؛ اقتداءً بالقرآن في افتتاحه بالفاتحة؛ لأنها تضمَّنت علوم القرآن إجمالاً» ثم نقل كلام القاضي الذي نقله الشارح ثم قال: «قلتُ: ولهذا أشبعتُ القول في الكلام عليه، مع أن الذي ذكرته - وإنْ كان كثيراً - لكنَّه بالنسبة لما يتضمَّنه قليل، فلم أخالفُ طريق الاختصار، والله الموفِّق»، "الفتح" (1/125)، وانظر: "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص 14).
(10) ... قوله:« كما سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى " ساقط من (أ).
(11) ... في (غ): «كثروا».
(12) ... في (م) و(ح) و(ط): «الأَسْوِلة»، وفي (ب): «أَسْوِلة»، والمثبت من (غ)، وهو أفصح وأشهر، وما في بقية النسخ يخرَّج على لغة حكاها سيبويه وغيره أن بعضهم يقول سِلْنُ أسَالُ سُوَالاً، لغة في سألتُ أسألُ سُؤالاً، وحكى ابن جني: سُوَال وأسْوَلَة وسِوَال، كجُوَار وجَوار، وحكى أبو زيد الأنصاري وابن جني هما يتساولان؛ وهذا يدل على أن عين الكلمة واو في الأصل - على هذه اللغة - وليست على بدل الهمز، ويقال على هذه اللغة: رَجُلٌ سُوَلَة، كهُمَزَة، أي: ثير السؤال، والفعل: سال يسال، كخاف يخاف. ... انظر: "اللسان" (11/318-319، مادَّة سأل ، 350 مادَّة «سول»)، و"التاج" (14/366، مادة «سول» و"المصباح المنير" (ص 297، مادَّة «سول» ).
(13) ... قوله: «سأل تعنيتاً»: في (أ): «يسأل تعنيتًا» في (أ): «يسأل تعنتاً» وفي (ب): «سأل تعنتاً».
(14) ... قوله: «سلوني» الثانية سقط من (ب).
(15) ... أخرجه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره من كثرة السؤال (13/265 )، ومسلم في الفضائل، باب توقيره - صلى الله عليه وسلم - وترك إكثار سؤاله عمَّا لا ضرورة إليه (136 رقم 2359 ).
(16) ... قوله:« الحديث بكماله » سقط من (أ)، وسيأتي الحديث بكماله في كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ توقيرًا له واحترامًا.
(17) ... في (أ) «نزل قوله تعالى».
(18) ... الآية (101) من سورة المائدة .
(19) ... في هذا نهيٌ للمؤمنين أن يسألوا عن أشياء لا فائدةَ لهم في السؤال عنها؛ لأنَّها إنْ أُظْهِرَتْ لهم تلك الأمور، ساءتهم وشَقَّ عليهم سماعها . وقد كان هناك مَنْ يسأل الرسولَ امتحانًا له أحيانًا، واستهزاءً به أحيانًا؛ فقال الله: ُ ق ف ذ د خ ، ِ [المَائدة: 101] {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا...} الآية. ... قال ابن عبد البر:« السؤالُ اليوم لا يُخَافُ منه أن ينزلَ تحليلٌ ولا تحريم مِنْ أجله، فمَنْ سأل مستفهمًا راغبًا في العلم ونَفْيِ الجهل عن نفسه، باحثًا عن معنًى يجبُ الوقوفُ في الديانة عليه، فلا بَأْسَ به، فشفاءُ العِيِّ السؤال . ومَنْ سأل متعنِّتًا غير متفقِّه، فهو الذي لا يَحِلُّ قليلُ سؤاله ولا كثيره ». و"تفسير الطبري" (7/80 )، و"تفسير القرطبي" (6/332)، و"تفسير ابن كثير" (3/198)، و"تفسير الماوردي" (1/490).
(20) ... قائل ذلك هو أنسُ بن مالك $ح، وسيأتي حديثه هذا وكلام الشارح عليه في كتاب الإيمان، باب وجوب التزام شرائع الإسلام.
(21) ... في (ح) و(غ): «رسول الله».
(22) ... سقط من (ب) قوله: «على ذلك»، وسقط من (أ) قوله: «النبي».
(23) ... في (أ):« يعلموا إذا لم يسألوا».
(24) ... في (أ):« بل ».
(25) ... في (ح):« ابن عمر »، لكنه ضرب على كلمة «ابن».(1/81)
آخره، فهو نقلٌ بالمعنى، وحديثُ عمر (1) - رضي الله عنه - نَقْلٌ باللفظ (2) ، والله أعلم .
وتقييدُهُ (3) في هذا الحديث الصلاةَ بالمكتوبة، والزكاةَ بالمفروضة: دليلٌ على أنَّ النوافلَ لا تدخُلُ في مسمَّى الإسلامِ الشرعيِّ، فتخرُجُ منه الصلواتُ المسنونات وغيرها، وزكاةُ الفِطْرِ على قولِ مَنْ يَرى أنها (4) سنَّة، وصدقاتُ التطوُّع، وهذا كلّه نزولٌ (5) على القولِ بدليلِ الخطاب على ما (6) أوضَحْناه في الأصول (7) . =(1/153)=@
.............................................
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «وَتَصُومُ رَمَضَانَ»، دليلٌ على جواز قول القائل: رمضانُ ، من غير إضافة الشهر إليه (8) ؛ خلافًا لمن يقول:لا يقالُ إلا شَهْرُ رمضان ؛ تمسُّكاً في ذلك (9) بحديثٍ لا يَصِحُّ، وهو أنَّه يروى عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه (10) قال: «لا تقولوا: رمضانُ، فإنَّ رَمَضَانَ اسمٌ من أسماء الله تعالى (11) »؛ خرَّجه ابنُ عَدِيٍّ (12) (13) مِنْ .............................................
حديثِ (14) أبي مَعْشَرٍ نَجِيحٍ، ولا يُحْتَجُّ به،، ولو سلَّمنا صِحَّته، لكانت الأحاديث (15) التي فيها ذِكْرُ رمضان من غير شهر أولى (16) ؛ لأنّها أصحُّ وأشهر،، و لأنَّ متنه منكر؛ إذْ لم يُوجَدْ في شيءٍ من أسماء الله تعالى رمضان ،، ولأنَّ المعنى الذي اشتُقَّ منه رمضان (17) محالٌ على الله تعالى.
وحُكِيَ (18) عن القاضي أبي بكر بْنِ الطَّيِّبِ أنه قال (19) : إنما يُكْرَهُ ذلك فيما يُدْخل في الكلام لَبْسًا؛ مِثلُ: جاء رَمضانٌ، ودخل رمضانُ (20) ، .............................................
وأما: صُمْنَا رمضانَ، فلا بأس به (21) (22) .
مَا الإِيمَانُ ؟ قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكِتَابِهِ وَلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ»، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الإِحْسَانُ ؟ قَالَ: «أَنْ تَخْشَى اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لاَ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ، مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ؟ قَالَ: «مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَسَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا رَأَيْتَ الْمَرْأَةَ تَلِدُ رَبَّهَا، فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا رَأَيْتَ
وقوله:«متى تقومُ السَّاعَةُ ؟» مقصودُ هذا السؤالِ (23) امتناعُ السامعين مِنَ السؤال عنها؛ إذْ قد كانوا أكثروا السؤال عن تعيينِ وقتها؛ كما قال الله (24) تعالى: ُ پ ـ لله ِ (25) ، و{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ} (26) ، وهو كثيرٌ في الكتابِ والسنَّة (27) ، فلمَّا .............................................
أجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنّه لا يَعْلَمُها إلا الله، يَئِسَ السائلون مِنْ معرفتها، فانكفُّوا عن السؤال عنها (28) ، وهذا بخلاف الأَسْوِلَةِ (29) الأُخَرِ؛ فإنَّ =(1/154)=@ مقصودها (30) : استخراجُ الأجوبةِ عنها ليتعلَّمها السامعون، ويعمل بها العاملون (31) .
وقوله: «وَسَأُحَدِّثُكَ (32) عَنْ أَشْرَاطِهَا»، وفي حديث عمر - رضي الله عنه - قال (33) : «فَأَخْبِرْنِي عَنْ &(1/82)&$
__________
(1) ... في (أ): «ابن عمر $ذ».
(2) ... في (أ) و(ح) و(غ): «للفظ».
(3) ... في (غ): «وتفسيره».
(4) ... في (أ): «على القول إنها».
(5) ... قوله: «نزول» في (غ): «يؤول»، وفي (ب): «يدور».
(6) ... قوله: «وهذا كلُّه ...» إلى هنا مكانه في (أ) : «وكلُّه نزول عن القول بدليل الخطاب».
(7) ... دليلُ الخطاب: هو الاستدلالُ بتخصيص الشيء بالذِّكْرِ على نفي الحكم عمَّا عداه، ويسمَّى: مفهومَ المخالفة؛ لأنه فهمٌ مجرَّدٌ لا يستندُ إلى منطوق، مثاله قوله تعالى: ُ 4 3 } ، ِ [المَائدة: 95] {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا...}، فيدلُّ على انتفاءِ الحُكْم في المخطئ، وهذا حُجَّةٌ في قول الجماهير مِنَ العلماء، وخالَفَ في ذلك الحنفيَّة، وقالوا: إنه ليس بِحُجَّةٍ في الشرعيات . وقال ابن حزم:« إنَّ الخطَّاب إذا ورد، لم يَدُلَّ على أن ما عداه بخلافه، بل كان موقوفًا على دليل "، ونسبه إلى الظاهريَّة . ... ولدليلِ الخطابِ أنواعٌ، منها: مفهومُ الغاية، ومفهومُ الصفة، ومفهومُ العدد، ومفهوم الشرط، مفهوم الحصر، ومفهوم اللقب . انظر:"المستصفى" للغزالي (2/191)، و"روضة الناظر" (2/775 )، و"شرح تنقيح الفصول للقرافي (53)، و"تيسير التحرير" (1/98 )، و"التمهيد" لأبي الخطّاب (2/21)، و"فواتح الرحموت" (1/414)، و"الأحكام" لابن حزم (7/187 ).
(8) ... قوله: «من غير إضافة الشهر إليه» سقط من (أ).
(9) ... قوله: «تمسكاً في ذلك» في (أ): «وتمسك».
(10) ... في (أ): «فروي أنه - صلى الله عليه وسلم - » بدلاً عن قوله: «وهو أنه يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه».
(11) ... بعده: «ولكن قولوا: شهر رمضان»؛ كما في مصادر التخريج.
(12) ... في (ب):« ابن أبي عدي ».
(13) ... في "الكامل" (7/2517)، ومن طريقه البيهقي في «سننه»، كتاب الصيام؛ باب ما روي في كراهية قول القائل: جاء رمضان (4/201)، كلاهما من طريق محمد بن أبي مَعْشَرٍ، قال: حدثني أبي، عن سعيد المَقْبُرِيِّ، عن أبي هريرة، يرفعه وضعَّفاه براويه أبي معشر، قال البيهقي: هو نَجِيحٌ السِّنْدِيُّ، ضعَّفه يحيى بن معين، وكان يحيى القَطَّان لا يحدِّث عنه، وكان عبدُالرحمنِ بنُ مَهْدِيٍّ يحدِّث عنه، والله أعلم، وقد قيل: عن أبي مَعْشَرٍ، عن محمد بن كعب من قوله، وهو أشبه .اهـ . ... وكذا ضعَّف الحديث الحافظُ في "الفتح" (4/113). ... وانظر: "ضعفاء النسائي" (ص 235 )، و"المجروحين" (3/60)، و"الضعفاء الكبير" (4/308)، و"لسان الميزان" (7/409)، و"التهذيب" (10/419)، و"التقريب" (ص 559)، و"المجموع" للنووي (6/248).
(14) ... في (أ):« عن " بدل:« من حديث ».
(15) ... قوله: «لكانت الأحاديث» في (أ): «فالأحاديث».
(16) ... في (ح): «الأولى».
(17) ... قوله:« رمضان » سقط من (أ).
(18) ... قوله:« حكي » سقط من (أ).
(19) ... قوله:« أنه قال » سقط من (أ).
(20) ... قوله: «ودخل رمضان» ليس في (ب) و(غ).
(21) ... نقل هذا عن أبي الباقلاني المالكي: الباجي في "المنتقى" (2/35)، والنووي في "شرح مسلم" (7/187)، والزرقاني في "شرح الموطأ" (2/205).
(22) ... اختلف العلماء في كراهية أن يقال: «رمضان»، من غير إضافة «الشهر» إليه، على ثلاثة أقوال، وقد أشار إليها الشارح: ... الأول: كراهة ذلك مطلقاً؛ ففلا يقال: «رمضان» على انفراده ، إنما يقال: «شهر رمضان»، سواءٌ كانت هناك قرينة تصرفه إلى الشهر، أو لم تكن، وهذا قول أصحاب مالك، واحتجوا بأمور منها: أن «رمضان» اسم من أسماء الله تعالى؛ كما جاء في الحديث الذي ذكره الشارح. ... الثاني: جواز ذلك مطلقاً، بلا كراهة، سواءٌ كان بقرينة أو بلا قرينة؛ وهذا قول المحققين؛ كالإمام البخاري ، والنووي، وأبي الوليد الباجي والقاضي عياض، والشارح، وغيرهم. ... الثالث: جوازه بلا كراهة إذا وجدت قرينة تصرفه إلى الشهر، وكراهيته إذا لم تكن هناك قرينة، فجوز أن يقال: صمنَا رمضان وقمنا رمضان، وجاء رمضانُ الشهر المبارك، ورمضان أفضل الأشهر، وأشباه ذلك، ويكره أن يقال: جاء رمضان، وحضر رمضان، ودخل رمضان، وهذا قول بعض المالكيَّة، ومنهم القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني، وأكثر الشافعية، وبعض الحنابلة. والصواب: هو القول الثاني، والقول الأول والثالث فاسدان؛ لأمور:
1- ... أن الكراهة لا تثبت إلا بدليل شرعي، ولم يثبت في ذلك شيء؛ بل قد جاء في الأحاديث الصحيحة، في «الصحيحين» وغيرهما: جواز ذلك مطلقاً ، ومنها حديث الباب، وقد احتج به الشارح وغيره.
2- ... أن الحديث الذي ذكروه في أن «رمضان» اسم من أسماء الله تعالى: حديث ضعيف كما ذكر الشارح وغيره، وأسماء الله توقيفية، متقفة على ورود الدليل الصحيح بها، ولم يَردْ، كما أن جماعة لا يحصون صنَّفوا في أسماء الله تعالى مصنَّفات مبسوطة فلم يثبتوا هذا الاسم.
3- ... ومن ذلك ما ذكره الشارح من أجوبة، فانظرها في أصل الكتاب.
... فالصحيح : جواز ذلك مطلقاً؛ للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، وهو قول البخاري والمحققين، واختاره الشارح هنا، والقاضي في "الإكمال".
... انظر: "المنتقى" (2/35) و"الإكمال" (1/115)، شواط)، و"الشرح الكبير" (2/2)، و"شرح الزرقاني على الموطأ" (2/205)، و"سنن البيهقي" (4/201-202)، و"المجموع" للنووي (6/247)، و"شرح النووي" (1/163)، (7/187)، و"تهذيب اللغات" (3/120)، و"فتح الباري" (1/120)، (4/113).
(23) ... قوله: «مقصود هذا السؤال» في (أ): «مقصوده».
(24) ... لفظ الجلالة سقط من (أ) و(ح).
(25) ... من الآية (187) من سورة الأعراف، و(42) من سورة النازعات.
(26) ... الآية (63) من سورة الأحزاب .
(27) ... قوله:« في الكتاب والسنة » سقط من (أ).
(28) ... قوله:« عن السؤال عنها » سقط من (أ).
(29) ... كذا في جميع النسخ، وهي صحيحةٌ عربيةً، فقد حكى سيبويه في المفرد: «سُوَالاً»، وحكى ابن .... في الجمع «أَسْوِلة»، وقد سبق التعليق على هذه المسألة انظر: (193).
(30) ... في (أ):« المقصود ».
(31) ... في (أ): «للتعلُّم والعمل بها» بدل قوله «ليتعلمها السامعون، ويعمل بها العاملون».
(32) ... في (ح): «سأحدثك» بدون واو.
(33) ... قوله:« قال » سقط من (ب) و(غ).(1/82)
أَمَارَتِهَا»، ووجه (1) التلفيق: أنَّه لم يقلْ له النبي - صلى الله عليه وسلم - : «وسَأُحَدِّثُك عَنْ أَشْرَاطِهَا» (2) ، حتَّى قال له جبريلُ - صلى الله عليه وسلم - : «فَأَخْبِرْني عَنْ أَمَارَتِهَا»؛ فذكر في إحدى الروايَتَيْنِ السؤالَ والجواب، وفي الأخرى (3) الجوابَ فقط، والله أعلم (4) .
.............................................
وقد اقتصَرَ في هذا الحديث على ذِكْرِ بعضِ الأشراط التي يكونُ وقوعُهَا قريبًا مِنْ زمانه، وإِلاَّ فالأشراطُ (5) كثيرةٌ، وهي (6) أكثَرُ مما ذكر هنا؛ كما دَلَّ عليه (7) الكتاب والسنة.
ثم إنها (8) منقسمةٌ إلى:
ما يكونُ مِنْ نوعِ المعتاد (9) : كهذه الأشراطِ المذكورة في هذا الحديث (10) ، وكرفع العِلْمِ وظهورِ الجهل وكثرةِ الزنى وشربِ الخمر إلى غير (11) ذلك (12) .
وأما التي ليست من نوع المعتاد: فكخروج (13) الدَّجَّال، ونزولِ الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الصُّمَّ الْبُكْمَ مُلُوكَ الأَرْضِ، فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا رَأَيْتَ رِعَاءَ الْبَهْمِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ، فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، فِي خَمْسٍ مِنَ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلا اللهُ»، ثُمَّ قَرَأَ [لقمَان: 34]{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَْرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ *}، ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «رُدُّوهُ عَلَيَّ»، فَالْتُمِسَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «هَذَا جِبْرِيلُ، أَرَادَ أَنْ تَعَلَّمُوا إِذْ لَمْ تَسْأَلُوا» .
وَفِي رِوَايَةٍ: «إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ بَعْلَهَا» يَعْنِي: السَّرَارِيَّ.
عيسى بْنِ مريم _ج، وخروجِ يأجوجَ ومأجوجَ، ودابَّةِ الأرض، وطلوعِ الشمس من مَغْرِبها، والدُّخَانِ، والنَّارِ التي تسوقُ الناسَ وتحشُرُهم (14) ؛ على ما يأتي (15) (16) .
.............................................
وقوله (17) : «في خَمْسٍ مِنَ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا (18) إِلاَّ اللهُ»، فيه حذفٌ وتوسُّع، أي: هي من الخَمْس التي قد (19) انفرَدَ الله تعالى بعلمها، أو في عددهنَّ؛ فلا مطمَعَ لأحدٍ (20) في عِلْمِ شيء من هذه الأمور الخمس (21) ،، ولقوله تعالى (22) : ُ - 0 / 2 1 4 3 ِ (23) ؛ =(1/156)=@ فلا طريقَ لِعِلْمِ شيءٍ من ذلك إلا أن يُعْلِمَ اللهُ تعالى بذلك - أو بشيءٍ منه - أحداً ممن (24) شاءه؛ كما قال تعالى: ُ ّ ِ ُ َ ٍ ٌ ً ء {پ! ! ي ى و ه ن ِ (25) ، .............................................
فمَنِ ادعَى عِلْمَ شيء من هذه الأمور، كان في دعواه (26) كاذبًا، إلا أن يُسْنِدَ ذلك إلى رسولٍ (27) بطريقٍ تُفيدُ (28) العِلْمَ القطعيَّ؛ ووجودُ ذلك متعذِّر بل (29) ممتنعٌ.
وأما ظنُّ الغيب: فلم يتعرَّض شيءٌ من الشرع لنفيِهِ ولا إثباتٍه (30) ؛ فقد يجوزُ أن يَظُنَّ المنجِّمُ – أو &(1/83)&$
__________
(1) ... في (أ):« وجه ».
(2) ... قوله: «أنه لم يقل له ...» إلى هنا مكانة في (أ) : «أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقل له: سأحدِّثك»، وفي (ح): «أنه لم يقل له النبي - صلى الله عليه وسلم - : سأحدِّثك عن أمارتها».
(3) ... في (ب):« وفي الآخر ».
(4) ... قوله: «والله أعلم» ليس في (أ).
(5) ... في (ح): «فالشروط».
(6) ... قوله:« وهي » سقط من (أ).
(7) ... قوله:« عليه » سقط من (أ).
(8) ... قوله: «ثم إنها»، في (أ): «وهي»، وفي (ح): «إنها».
(9) ... في (أ): «العادة».
(10) ... قوله:«المذكورة في هذا الحديث "سقط من (أ).
(11) ... قوله: «إلى غير» في (أ): «وغير».
(12) ... يشير إلى ما رواه البخاريُّ في كتاب العلم، باب رَفْعِ العلم، وظهورِ الجهل (1/213)، ومسلم في كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه ... رقم ( 2671 )، وابن ماجه في الفتن، باب أشراط الساعة رقم ( 4045 )، وأحمد (3/176 )، جميعهم من حديث أنس ؟، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إنَّ مِنْ أشراطِ الساعة أن يُرْفَعَ العلمُ، ويثبت الجهلُ، ويُشْرَبُ الخمرُ، ويظهر الزنى »، واللفظ للبخاريِّ. ... وانظر كلام الشارح على هذا في كتاب العلم، باب رفع العلم وظهور الجهل.
(13) ... في (أ):« كخروج » بدون فاء.
(14) ... يشير إلى ما رواه مسلم في كتاب الفتن، باب الآيات التي تكونُ قبلَ الساعةِ رقم (2901 )، وابنُ ماجه في كتاب الفتن، باب الآيات رقم ( 4055 )، والحاكمُ (4/428)، جميعُهُمْ من حديث حذيفة $ح، قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : « إنها لن تَقُومَ الساعةُ حتى تَرَوْنَ قبلها عَشْرَ آيات، فذكَرَ الدُّخَانَ، والدَّجَّالَ، والدابَّةَ، وطلوعَ الشمسِ من مغربها، ونزول عيسى بن مريم ويأجوجَ ومأجوجَ، وثلاثةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بالمشرق، وخَسْفٌ بالمغرب، وخسفٌ بجزيرة العرب، وآخِرُ ذلك: نارٌ تخرُجُ من اليمن تطرُدُ الناسَ إلى محشرهم »، واللفظ لمسلم. ... وقد جاء ذكر هذه العلامات مفرَّقًا في أحاديثَ كثيرةٍ عند أصحاب الكتب الستَّة وغيرهم، وأغلبهم أورَدَهَا في «كتاب الفتن».
(15) ... قوله:« على ما يأتي » سقط من (أ).
(16) ... يأتي ذلك في «التخليص»، في كتاب الفتن وأشراط الساعة، انظره خاصَّةً باب الآيات العشر التي تكون قبل الساعة، وبيان أولها.
(17) ... في (أ): «قوله» بدون واو.
(18) ... قوله:« يعلمها » سقط من (أ)، والرواية في "صحيح مسلم" و"التلخيص": «لا يعلمهن»، لكن ذكر الحافظ ابن حجر، وبدر الدين العيني: «لا يعلمها» من رواية عطاء الخراساني. انظر: "الفتح" (1/123)، و"عمدة القاري" (1/284)، وهي كذلك في "مسند الشاميين" (3/352)، و"تعظيم قدر الصلاة" (1/387).
(19) ... قوله: «قد» ليس في (ح).
(20) ... من قوله: «فلا مطمع لأحد ....» إلى آخر هذا الباب نقله الحافظ عن صاحب "المفهم"، ولم يتعقَّبه بشيءٍ مقرًّا له، لكنه تصرَّف في العبارة، دون إحالة للمعنى. انظر: "الفتح" (1/123-124).
(21) ... قوله: «من هذه الأمور الخمس» في (أ): «منها».
(22) ... قوله: «ولقوله تعالى» في (أ) فقط : «لقوله تعالى» بدون واو العطف، وما أثبتناه من سائر النسخ، وهو موافق لما في "الفتح".
(23) ... الآية (59) من سورة الأنعام .
(24) ... قوله: «أحداً ممن» في (أ): «من».
(25) ... الآية (26) من سورة الجن . وقوله: «عالم الغيب» من الآية ليس في (أ).
(26) ... قوله: «في دعواه» سقط من (أ).
(27) ... كذا في جميع النسخ، وفي "الفتح" (1/123): «إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - »، فلعل في النسخ التي بين أيدينا سقطا.
(28) ... في (أ):« فتفيد » بدون نقط حرف المضارعة وفي (غ): «يفيد» والطريق: السبيل، تذكَّر وتؤنَّث؛ تقول: الطريق يفيد، والطريقة تفيد، وتقول: الطريق الأعظم، والطريق العظمى؛ وكذلك السبيل، والجمع: أَطْرِقَةٌ وطُرُق "اللسان" (10/220).
(29) ... قوله: «ووجود ذلك متعذر بل» في (أ): «وذلك».
(30) ... قوله: «ولا إثباته» في (ح): «ولا لإثباته».(1/83)
صاحبُ خَطِّ الرَّمْلِ، أو (1) نحوُ هذا - شيئًا مما يقعُ في المستقبل، فَيَقَعَ على ما ظنّه؛ فيكونُ ذلك ظنًّا صادقًا، إذا كان عن مُوجِبٍ عاديٍّ يقتضي ذلك الظَّنَّ، وليس بِعِلْمٍ، فتَفَهَّمْ هذا (2) ؛ فإنَّه موضعٌ غَلِطَ بسببه (3) رجالْ، وأُكِلَتْ به أموالْ.
.............................................
ثم اعلم: أنّ أَخْذَ الأجرةِ والجُعْلِ على ادِّعَاءِ عِلْمِ (4) الغيبِ أو ظَنِّهِ لا يجوزُ بالإجماع؛ على ما حكاه أبو عُمَرَ (5) بنُ عبدِ البَرِّ (6) (7) .
وفي الحديث: أبوابٌ من الفقه وأبحاثٌ يَطُولُ تَتَبُّعُهَا، والله أعلم (8) . =(1/156)=@ &(1/84)&$
__________
(1) ... قوله: «أو» في (ح): «و».
(2) ... في (ح): «هذا منه».
(3) ... في (غ): «يشتبه».
(4) ... قوله: «علم» سقط من (غ).
(5) ... قوله: «أبو عمر» سقط من (أ).
(6) ... انظر: «التمهيد» (8/399).
(7) ... العبارة في "الفتح": «وقد نقل ابن عبدالبر الإجماع على تحريم أخذ الأجرة والجعل، وإعطائها في ذلك»، وزاد الحافظ قال: «وجاء عن ابن مسعود، قال: أوتي نبيكم - صلى الله عليه وسلم - عِلْمَ كُلِّ شيء سوى هذه الخمس، وعن ابن عمر مرفوعًا نحوه؛ أخرجهما أحمد،، وأخرج حُمَيْد بن زنجويه عن بعض الصحابة أنه ذكر العلم بوقت الكسوف قبل ظهوره، فأنكر عليه! فقال: إنما الغيب خمسٌ - وتلا هذه الآية - وما عدا ذلك غيب يعلمه قوم، ويجهله قوم» "الفتح" (1/124).
(8) ... قوله: «والله أعلم» زيادة من (ب).(1/84)
بَابُ ... وُجُوبِ الْتِزَامِ شَرَائِعِ الإِْسْلاَمِ
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ (1) ، قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرُ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ، وَلا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ ؟، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلامِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ»، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ ؟ فَقَالَ «لا، إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ»، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ ؟ َقَالَ: «لا، إِلاّ أَنْ تَطَّوَّعَ»، وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الزَّكَاةَ،
ومِنْ بَابِ
وُجُوبِ الْتِزَامِ (2) شَرَائِعِ الإِْسْلاَمِ
«الشرائع»: جمع شَرِيعَةٍ، وهي في أصل اللغة: مَشْرَعَةُ الماء، وهي مَوْرِدُ الشارعة (3) ، فسمِّيَتْ (4) شرائعُ الإسلام بذلك؛لأنَّهَا قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لا، إِلاّ أَنْ تَطَّوَّعَ»، قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَالله، لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا، وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُ!! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ».
... وَفِي رِوَايَةٍ: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ»، أوْ: «دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ».
الأحكامُ (5) التي لا بُدَّ للمكلَّفين من الورود عليها (6) والعمل بها.
وقوله: «جاء رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرُ الرَّأْسِ»:
قيل: إن هذا الرجل (7) هو ضِمَامُ بنُ ثَعْلَبَةَ الذي سمَّاه البخاريُّ في حديث أنسٍ المذكورِ بعدَ هذا، وإنَّ الحديثَيْن حديثٌ واحد (8) .
.............................................
وهذا فيه بُعْدٌ؛ لاختلافِ مساقهما، وتباينِ الأَسْوِلَةِ فيهما، ولزيادةِ الحجِّ في حديث أنس، ويبعُدُ الجَمْعُ بينهما؛ فالأَوْلَى أن يقال: هما حديثانِ مختلفانِ، وكذلك القَوْلُ في كُلِّ ما يَرِدُ من الأحاديث التي فيها الأسولةُ المختلفة؛ كحديث أبي أيُّوبَ، وجابرٍ (9) ، وغيرِهما ممّا يُذْكَرُ بعد هذا.
وقد رام بعضُ العلماءِ الجَمْعَ بينهما، وزَعَم أنَّها كلَّها حديثٌ واحد، فادَّعَى (10) فَرَطَا، وتكلَّف شَطَطَا، من غير ضرورةٍ نقليّةٍ، ولا عقليّةٍ.
و«النَّجْدُ»: المرتفعُ من الأرض، و«الغَوْرُ»: المنخفض منها، وهما - بحكم العرف (11) - جهتانِ مخصوصتان.
.............................................
و«ثائرُ الرأس»: منتفشُ الشَّعْرِ مرتفعُهُ، مِنْ قولهم: ثار الشَّيْءُ: إذا ارتفَعَ، ومنه: ثارَتِ الفتنةُ، وهذه صفةُ (12) أهلِ البادية غالبًا. =(1/157)=@
وقوله:«يُسْمَعُ (13) ، دَوِيُّ صَوْتِهِ (14) ولا يُفْقَهُ (15) مَا يَقُولُ»، رويناه: «يُسْمَع، ويُفْقَه» بالياء باثنتين من تحتها مبنيًّا لِمَا لم يُسَمَّ فاعلُهُ، وبالنون فيهما مبنيًّا (16) للفاعل، وكلاهما واضحُ &(1/85)&$
__________
(1) ... أخرجه البخاري في كتاب الإيمان،باب الزكاة من الإسلام... رقم (46)، وفي كتاب الصوم، باب وجوب صوم رضمان ... رقم (1891)، وفي كتاب الشهادات، باب كيف يستخلف، رقم (2678)، وفي كتاب الحيل، باب في الزكاة ... رقم (6956)، ومسلم (1/40 -41 رقم11) في كتاب الإيمان، باب بيان الصلوات التي هي أَحَدُ أركان الإسلام .
(2) ... قوله: «التزام» سقط من (أ).
(3) ... كذا قال الجوهريُّ في "الصحاح" (3/1236)، والمراد بالشارعة: الإبلُ التي تَرِدُ الماء لتشرب.
(4) ... في (غ): «سميت».
(5) ... في (ح): «للأحكام».
(6) ... في (أ): «ورودها».
(7) ... قوله: «إن هذا الرجل» سقط من (أ).
(8) ... القائل بأن الحديثين - حديث طلحة وحديث أنس - حديثٌ واحد، وأن الرجل هو ضمام بن ثَعْلبة: جمع من أهل العلم، ومنهم: ابن سعد، وابن عبد البر، والقاضي عياض، وابن بَطَّال، وابن العربي، وابن باطِيشَ، وابن بشكوال، وغيرهم؛ قال الحافظ:«والحاملُ لهم على ذلك: إيرادُ مسلم لقصَّته عقب حديث طلحة، ولأنَّ في كل منهما أنه بدويٌّ، وأنَّ كلاًّ منهما قال في آخر حديثه: لا أزيدُ على هذا، ولا أنقُصُ».اهـ . ... وممَّن رجَّح أنهما قصتان مختلفتان: الشارح هنا، وسراج الدين البُلْقِينِيُّ، وابن الصلاح، والأُبِّيُّ، والسنوسي، وأبو زُرْعة العراقي، والحافظ في «مقدِّمة الفتح»؛ وذلك لما ذكره الشارح من اختلاف مساقهما، وتباين أسئلتهما، ولزيادة «الحجِّ» في حديث أنس؛ فيبعد الجمعُ بينهما. وذهب ابن الصلاح: إلى أنَّ طلحة لم يسمِّه، فمِنْ أين لنا أنه أراده بالرجل الذي لم يسمِّه. ... وانظر:"صيانة صحيح مسلم" (ص 141-143)، و"إكمال المعلم (ص 304)، و"إكمال الإكمال"، و"مكمل إكمال الإكمال" (1/78)، و"غوامض الأسماء المبهمة" لابن بشكوال (1/55)، و"الأسماء المبهمة" للخطيب البغدادي (ص 154)، و"المستفاد" للعراقي (ص 10)، و"الاستيعاب" (ص 207)، و"مقدمة الفتح" (ص 250)، و"الفتح" (1/106)، و"عمدة القاري" (2/23).
(9) ... يشير إلى حديثي أبي أيوب وجابر اللذين يأتيان في الباب التالي: «باب من اقتصر على فعل ما وجب عليه، وانتهى عما حرَّم عليه، دخل الجنة» (ص 223 - 228).
(10) ... في (ح): «وادعى».
(11) ... (في (غ): «العرب».
(12) ... في (ح): «صفته».
(13) ... في (ب): «نسمع».
(14) ... الدَّوِيُّ، بوزن عَلِيٍّ: هو صوتٌ ليس بالعالي؛ كصوتِ النحل ونحوه. «والنهاية» (2/143).
(15) ... في (ب): «ولا نفقه».
(16) ... قوله: «مبنيًّا» سقط من (ح).(1/85)
الصحَّة .
وإنَّمَا لم يفهموا ما يقولُ؛ لأنَّه نادى مِنْ بُعْدٍ، فلمَّا دنا، فهموه؛ كما قال: حتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله:«فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلاَمِ» (1) ، «إذا» هذه هي المفَاجِئَةُ (2) التي تقدَّم ذِكْرها (3) .
.............................................
وهذا السائلُ إنَّما سَأَلَ عن شرائعِ الإسلام، لا عن حقيقة الإسلام (4) ؛ إذْ لو كان ذلك، لأجَابَهُ بما أجاب به جبريلَ _ج، في حديثه (5) ولِمَا رواه البخاريُّ _ح في هذا الحديث؛ فإنَّه قال: «فأخبرَهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بشرائعِ الإسلام» (6) في حديثه، وكأنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَهِمَ عنه أَنَّهُ إِنَّما سأل عمَّا يتعيَّنُ (7) عليه فعلُهُ مِنْ شرائعِ الإسلام الفعليَّة لا القوليَّة؛ ولذلك لم يذكُرْ له أَنْ تشهَدَ أنْ لا إِلَهَ إلاَّ الله، وأنَّ محمَّدًا رسول الله ،، وكذلك لم يذكُرْ له الحَجَّ؛ لأَنَّهُ لم يكنْ واجبًا عليه؛ لأنَّه غيرُ مستطيع، أو لأنَّ الحجَّ على التراخي، أو لأنَّهُ كان قبل فَرْضِ الحجِّ، والله أعلم، وسيأتي الاختلافُ (8) في وقت .............................................
فرضِ الحجِّ (9) (10) .
وقوله: «خمسُ صَلَواتٍ فِي الْيَوْمِ واللَّيْلَةِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ (11) ؟ فقال (12) لاَ» يدُلُّ هذا على (13) أنَّ الوِتْرَ ليس بلازمٍ ولا واجب؛ وهو مذهبُ الجمهور.
وخالفهم =(1/158)=@ أبو حنيفة، فقال: إنَّه واجبٌ، ولا يسمِّيه (14) فرضًا؛ لأنَّ الفرضَ عنده: ما كان مقطوعًا بلزومه (15) ؛ كالصلوات .............................................
الخمس (16) .
وقوله:«هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ، فَقَالَ (17) : لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ»؛ ظاهرٌ في (18) أنَّ معنى هذا الكلامِ (19) : هل يجبُ عليَّ مِنْ نوعِ (20) الصلواتِ شيءٌ غيرُ هذه الخَمْس؟ فأجابه بأَنَّهُ لا يَجِبُ عليه شيءٌ، إلاَّ أنْ تَطَّوَّعَ، فَيَجِبُ (21) عليك .
وهذا ظاهرٌ؛ لأنَّ (22) أصلَ الاستثناءِ من الجنس، والاستثناءُ من غير الجنس مُختَلَفٌ فيه، ثُمَّ هو مَجَازٌ عند القائلِ به . فإذا حَمَلْنَاه (23) على الاستثناءِ المتَّصِل، لَزِمَ منه أن يكون التطوُّعُ (24) به واجبًا، ولا قائلَ به؛ لاستحالتِهِ وتناقُضِهِ، فلم يَبْقَ إلاَّ ما ذهب إليه مالكٌ، وهو أنَّ التطوُّعَ يصيرُ واجبًا &(1/86)&$
__________
(1) ... يعني شرائع الإسلام العملية، دون القولية؛ كما سينكر الشارح.
(2) ... قوله: «إذا هذه هي المفاجئة» في (ح): «إذا: هي هذه المفاجئة»، وفي (غ): «إذا هذه : للمفاجأة».
(3) ... انظر: (ص 152).
(4) ... قوله: «حقيقة الإسلام» في (أ): «حقيقته». ... قال الحافظ: «قوله: «فإذا هو يسأل عن الإسلام» أي: عن شرائع الإسلام، ويحتمل أنه سأل حقيقة الإسلام وإنما لم يُذكرْ له الشهادة؛ لأنه علم أنه يعلمها،، أو علم أنه إنما يسأل عن الشرائع الفعليَّة،، أو ذكرها ولم ينقلها الراوي لشهرتها» "الفتح" (1/107).
(5) ... قوله: «في حديثه» سقط من (أ).
(6) ... أخرجه البخاري، في كتاب الصوم، باب وجوب صوم رمضان ... رقم (1891)، وفي كتاب الحيل، باب في الزكاة وألاَّ يفرّق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرَّق؛ خشيةَ الصدقة، رقم (6956)، ولفظ البخاري في الموضعين: «شرائع الإسلام» بدون باء الجر.
(7) ... في (ب) و(غ): «تعيَّن».
(8) ... في (ح): «وسيأتي ذكر الاختلاف».
(9) ... في صدر كتاب الحج.
(10) ... زاد الحافظ جوابًا آخر عن عدم ذكر الحج، قال: «أو الراوي اختصره، ويؤيد هذا: ما أخرجه المصنِّف في الصيام من طريق إسماعيل بن جعفر، عن أبي سهيل في هذا الحديث، قال: «فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرائع الإسلام»؛ فدخل فيه باقي المفروضات، بل والمندوبات»، "الفتح" (1/107).
(11) ... في (أ): «غيرها».
(12) ... في (ب) و(غ) و(ط): «قال».
(13) ... قوله: «هذا على» في (أ): «على ذلك».
(14) ... في (غ): «ولا نسميه».
(15) ... في (أ) «بوجوبه» وكتب في الحاشية: «بلزومه». والفرق بين الفرض والواجب - عند الحنفية-: أن الفرض: اسمٌ لما ثبت حكمُهُ بدليل قطعي؛ مثل الكتاب، والسنة المتواترة، والإجماع. أما الواجب: فهو اسمٌ لما ثبَتَ حكمه بدليل ظني؛ كخبر الواحد، والقياس . ... وتابع الحنفيةَ على ذلك جمعٌ من الحنابلة، وهي روايةٌ ثانية عن الإمام أحمد. ... بينما يرى جماهيرُ العلماء: أنَّ الفرض والواجب اسمان مترادفان لمعنًى واحدٍ. انظر:"تيسير التحرير، شرح التحرير" لمحمد أمين المعروف بأمير بادشاه (2/135)، و"أصول السرخسي" (1/110)، و"فواتح الرحموت" (1/58)، و"العدة في أصول الفقه" لأبي يعلى (2/376)، و"المسودة في أصول الفقه" لآل تيمية (ص 50-51).
(16) ... في (غ): «كالخمس صلوات».
(17) ... في (أ): «قال».
(18) ... قوله: «ظاهر في » في (ب): «ظاهره».
(19) ... في (أ): «الحديث».
(20) ... في (ح): «تطوع».
(21) ... قوله: «فيجب» مكانُهُ بياضٌ في (غ).
(22) ... قوله: «وهذا ظاهر؛ لأنَّ» في (أ) و(ط): «وهذا ظاهره؛ لأن»، وفي (غ): «وهذا ظاهره أن».
(23) ... في (أ): «وإذا حملنا».
(24) ... في (أ): «المتطوَّع به».(1/86)
بنفس الشروع فيه، كما يصير واجبًا بالنذر؛ .............................................
فالشروعُ (1) فيه التزامٌ له؛ وحينئذٍ: يكونُ معنى قوله «أن تَطَّوَّعَ»: أن تشرَعَ فيه وتبتدئه (2) ،، ومن ادَّعى أنَّه استثناءٌ من غير الجنسِ،طولبَ بتصحيحِ ما ادَّعاه، وتمسَّك مانعُهُ بالأصل الذي قرَّرناه (3) .
وقوله فأدبر الرجل وهو يقول: واللهِ لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، قيل معناه: لا أُغيِّر الفروض المذكورة بزيادة فيها ولا نقصان منها (4) .
.............................................
ولا يصحّ أن يقال: إنّ معناه: لا أفعل (5) شيئًا زائدًا على هذه الفروض المذكورة من السنن، ولا من فروض أُخَر إن فُرضتْ، فإنّ (6) ذلك لا يجوزُ أن يقوله ولا يعتقده؛ لأنَّهُ مُنْكَرٌ، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - .............................................
لا يُقِرُّ على مثله . =(159)=@
وقوله: «أَفْلَحَ وأَبِيهِ إنْ صَدَقَ»، أي: فاز بمطلوبه؛ قال الهَرَوِيُّ (7) : العرب تقول لكلِّ من أصاب خيرًا: مُفْلِح ، قال ابنُ دُرَيْدٍ: أَفْلَحَ (8) الرجلُ (9) وأَنْجَحَ: إذا أدرَكَ مطلوبَهُ (10) .
وأصلُ الفلاح: الشَّقُّ والقطع (11) ؛ قال الشاعر (12) :
.............................................
إِنَّ الْحَدِيدَ بِالْحَدِيدِ يُفْلَحْ (13)
أي: يُشَقّ؛ فكأنَّ المُفْلِحَ قد قطَعَ المصاعبَ حتَّى نال مطلوبَهُ.
وقد استُعْمِلَ الفلاحُ في البقاء (14) ؛ كما قال:
لَوْ كَانَ حَيٌّ مُدْرِكَ الفَلاَحِ
أدْرَكَهَا (15) مُلاَعِبُ الرِّمَاحِ (16) &(1/87)&$
__________
(1) ... في (أ) و(غ): «والشروع».
(2) ... في (غ): «وتبديه»، بلا نقط أو همز.
(3) ... ذكر الحافظ في "الفتح" كلام الشارح هنا، وقال: «وتعقَّبه الطيبيُّ: بأنَّ ما تمسَّك به مغالطةٌ؛ لأنَّ الاستثناء هنا من غير الجنس؛ لأَنَّ التطوُّعَ لا يقال فيه: «عليك»؛ فكأنه قال: لا يجب عليه شيء إلا إنْ أردتَّ أن تَطَّوَّع، فذلك لك. وقد علم أن التطوُّع ليس بواجب؛ فلا يجب شيء آخر أصلاً. كذا قال. حرف المسألة دائر على الاستثناء؛ فمن قال: إنه متصل، تمسَّك بالأصل، ومن قال: إنه منقطع، احتاج إلى دليل؛ والدليل عليه: ما روى النسائي وغيره؛ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أحيانًا ينوي صوم التطوُّوع ثم يفطر، وفي "البخاري" أنه أمر جويرية بنت الحارث: أن تفطر يوم الجمعة بع أن شرعت فيه؛ فدلَّ على أن الشروع في العبادة لا يستلزم الإتمام إذا كانت نافلة؛ بهذا النص في الصوم، وبالقياس في الباقي ...» اهـ. "الفتح" (1/107).
(4) ... في (أ):« فيها »، وهذا القول يعكِّر عليه قوله: «لا أزيد على هذا»، ولم يقل: «لا أزيد في هذا»، وواضحٌ فرق بينهما. ... وقد تعقَّب الحافظ في "الفتح" هذا القولَ أيضاً بما ورد في رواية إسماعيل بن جعفر - يعني التي عند البخاري في الحِيَل - وفيها: « لا أتطوَّع شيئًا، ولا أنقُصُ مما فرض الله شيئًا "، فلفظ التطوُّع يعكِّر عليه . ... وذكَرَ أقوالاً أخرى، منها: قولُ الطِّيبِيِّ: يحتمل أن يكون هذا منه على طريق المبالغة في التصديق والقبول، أي: قَبِلْتُ كلامك قبولاً لا مزيدَ عليه مِنْ جهة السؤال، ولا نقصانَ فيه من طريق القبول. ... وقال ابن المنيِّر: يحتملُ أن تكونَ الزيادةُ والنقصُ تتعلَّق بالإبلاغ؛ لأنه كان وافدَ قومه، ويَرِدُ عليه ما أورده الحافظ أولاً. ... وقال النووي: فإنْ قيل: كيف قال: لا أزيدُ على هذا، وليس في هذا الحديثِ جميعُ الواجبات، ولا المنهيَّاتِ الشرعيَّة، ولا السننِ المندوبات؟ فالجواب: أنه جاء في روايةِ البخاريِّ في آخر هذا الحديث زيادةٌ توضِّح المقصود، قال: فأخبَرَهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرائعِ الإسلام، فأدبَرَ الرجلُ وهو يقول: واللهِ، لا أزيدُ، ولا أنقص مما فرضَ اللهُ تعالى عليَّ شيئًا»؛ فعلى عمومِ قوله: «بشرائع الإسلام»، وقوله: «مما فرَضَ الله عليَّ» يزولُ الإشكال في الفرائض. ... وأَمَّا النوافل: فقيل: يحتملُ أن هذا كان قبل شرعها، وقيل: يحتمل أنه أراد: لا أزيدُ في الفرض بتغيير صفته؛ كأنه يقول: لا أصلِّي الظهر خمسًا؛ وهذا تأويل ضعيف، ويحتمل: أنه أراد: أنه لا يصلِّي النافلة مع أنه لا يخلُّ بشيء من الفرائض؛ وهذا مفلحٌ بلا شك، وإنْ كانت مواضبته على ترك السنن مذمومةً وتُرَدُّبها الشهادة، إلا أنه ليس بعاصٍ، بل هو مفلحٌ ناجٍ، والله أعلم.
« ... وانظر:"إكمال المعلم" (ص 308)، و"إكمال المعلم"، و"مكمل إكمال المعلم" (1/79)، و"الصيانة" (ص 138)، و"شرح مسلم" للنووي (1/167) و"الفتح" (1/108)، و"العمدة" (1/269).
(5) ... في (غ): «لا أصل».
(6) ... في (أ):« وإن ».
(7) ... انظر: "الغربيين" (5/1471).
(8) ... انظر: "جمهرة اللغة" (1/555)، وقد نقل الشارح كلام صاحب "الجمهرة"، مع شيء من التصرُّف والزيادة.
(9) ... قوله: «الرجل» ليس في (ح).
(10) ... ذكر هذا المعنى الطبريُّ في "تفسيره"، عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: ُ ] ء ِ [البَقَرَة: 5] {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، قال: «أي: الذين أدركوا ما طلبوا، ونَجَوْا من شر ما منه هربوا»، قال: «ومن الدلالة على أن أحد معاني الفلاح: إدراك الطَّلبَةِ، والظفر بالحاجة قولُ لَبيد بن ربيعة [من الرمل]:
اعْقِلِي إنْ كُنْتِ لمَّا تَعْقِلِي
ولقد أفْلَحَ مَنْ كان عَقَلْ
... يعني: ظفر بحاجته، وأصاب خيراً». ... وفس مسائل نافع بن الأزرق لابن عباس، أنَّه سأله عن قوله تعالى: ُ ] 7 } ء ـ! ! ِ [المؤمنون: 1] {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *}، فقال: فازوا وسعدوا، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم؟ أما سمعت قول لبيد بن ربيعة:
اعْقِلِي إنْ كُنْتِ لمَّا تَعْقِلِي
ولقد أفْلَحَ مَنْ كان عَقَلْ
... انظر: "تفسير الطبري" (1/108)، و"الإتقان" (1/351)، و"در المنثور" (6/83)، و"الفتح" (8/362).
(11) ... كذا في جميع النسخ، وفي كتب المعاجم مادة (فلح): وأصل الفَلْحِ: الشق والقطع.
(12) ... قوله:« الشاعر » سقط من (ب).
(13) ... هذا بيت من الرجز، لم أهتد إلى قائله، وقبله:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْلُكَ أَنِّي الصَّحْصَحْ
انظر: "جمهرة اللغة" (1/555)، و"كتاب العين" (3/233)، و"تهذيب اللغة" (5/72)، و"اللسان" (2/548)، و"تفسير القرطبي" (1/182).
... وأصل البيت مَثَلٌ سائر يقولون: «الحديد بالحديد يُفْلَح»، قال الزمخشري في: "المستقصى" (1/403): الحديد بالحديد يُفْلَح، ويروى: يُفَلّ، يضرب في صدم الأمر الشديد بمثله؛ أنشد الزجاج:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْلُكَ أَيْنَ الصَّحْصَح
إَنَّ الحَدِيدَ بالحَدِيد يُفْلَح
... وقال بكر بن النطاح التغلبي [من الخفيف]:
قَوْمُنَا بَعْضُهُمْ يُقَتِّلُ بَعْضًا
لاَ يَفُلُّ الحَدِيدَ إَلاَّ الحَدِيدُ
(14) ... ذكر الحافظ في "الفتح" أن هذا قول الفَرَّاء، وفي "زاد السير" نسب ذلك لابن قتيبة، وبه فسِّر قوله تعالى: ُ ذ د خ ِ [المؤمنون: 102] {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي: الفائزون ببقاء الأبد. ... واحتج الفراء وابن قتيبة بقول لبيد الآتي [من الطويل]:
نَنُحلُّ بلاداً كلُّها حُلَّ قبلنا
ونرجو فَلاَحاً بَعْدَ عادٍ وحِمْيَرِ
... انظر: "الفتح" (8/632)، و"زاد السير" (1/27).
(15) ... كذا في جميع النسخ، وفي مصادر البيتين: «أدركه»، وهو الصواب.
(16) ... هذان البيتان من الرجز للبيد بن ربيعة، وهذه رواية "الجمهرة" التي ينقل عنها الشارح، والرواية في الديوان ولسان العرب:
لَوْ أَنَّ حَيًّا مُدْرِكُ الفَلاَحِ
أَدْرَكَهُ مُلاَعِبُ الرماح
انظر:"ديوان لبيد بن ربيعة" (ص 42)، و"جمهرة اللغة" (1/555) و"لسان العرب" (1/741)، "وتفسير القرطبي" (1/182).(1/87)
.............................................
وقال آخر:
نَحُلُّ بِلاَدًا كُلُّهَا حُلَّ قَبْلَنَا
وَنَرْجُو الفَلاَحَ بَعْدَ عَادٍ وَحِمْيَرِ (1)
وقوله: «وأبيه»، الروايةُ الصحيحةُ التي لا يُعْرَفُ غيرُها هكذا، بصيغة القسم بالأب .
وقال بعضهم: إنَّما هي: «واللهِ»، وصُحِّفَتْ بأَنْ (2) قُصِرَتِ اللامان؛ فالتبسَتْ بـ أبيه (3) ؛ وهذا لا يُلتَفَتُ إليه؛ لأَنَّهُ تقديرٌ يَخْرِمُ الثقةَ برواية الثقاتِ الأثبات.
وإنَّما صار (4) هذا القائلُ إلى هذا الاحتمال؛ لِمَا عارضَهُ عنده مِنْ نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الحلف بالآباء؛ حيثُ قال: «لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ؛ مَنْ كاَنَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ باللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» (5) .
.............................................
وَيُنْفَصَلُ عن هَذَا مِنْ وجهين (6) :
أحدهما: أَنْ يقال: إنَّ هذا كان قبل النَّهْيِ عن ذلك .
والثاني (7) : أن يكونَ ذلك جَرَى على اللسان بِحُكْمِ السَّبْقِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ =(1/160)=@ للحَلِفِ (8) به، كما جَرَى منه (9) : تَرِبَتْ يمِينُكِ (10) ، وعَقْرَى حَلْقَى (11) ، وهذه عادةٌ عربيَّةٌ بشريَّةٌ لا مؤاخذةَ عليها، ولا ذمَّ .............................................
يتعلَّق بها (12) .
.............................................
وقد جاء في هذا الحديث الصدقُ في الخبر المستقبل، وهو رَدٌّ على ابن قتيبة إذْ قال (13) : إنَّ الصِّدْقَ إنّما يدخُلُ في (14) الماضي، والخُلْفَ في المستقبل ،، ويَرُدُّ عليه - أيضًا - قولُهُ تعالى: .............................................
{ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} (15) (16) .
وقوله: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ»، أو (17) : «دَخَلَ الجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ»: هذا شكٌّ من بعض الرواة في هذا الطريق (18) ، وقد جاء طريقٌ آخَرُ بالجزم على أحدهما؛ كما &(1/88)&$
__________
(1) ... البيت من الطويل، وهو للبيد أيضاً؛ انظر: "ديوانه" (ص 103)، وجمهرة أشعار العرب" 1/126)، و"تفسير الطبري" (1/108)، و"تفسير القرطبي" (182)، و"زاد المسير" لابن الجوزي (1/27).
(2) ... في (أ):« بل ».
(3) ... حكى ذلك السُّهَيْلِيّ عن بعض شيوخه، كما ذكر الحافظ في "الفتح" (1/107).
(4) ... في (أ): «صدر».
(5) ... أخرجه البخاري في الشهادات، باب كيف يستحلف ( 5/287 )، ومسلم في الأيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى ( 1646).
(6) ... قوله: «من وجهين» في (ح): «لوجهين».
(7) ... في (أ): «الثاني» بدون واو العطف.
(8) ... قوله: «به» سقط من (ح).
(9) ... صلى الله عليه وسلم.
(10) ... قد ورد ذلك في عدَّة أحاديث:
منها: حديثٌ في غُسْلِ المرأة إذا احتَلَمَتْ، وقد أخرجه البخاري في العلم، باب الحياء في العلم (1/228 رقم130)، ومسلم في الحيض، باب وجوب الغسل على المرأة (1/251رقم113). ... ومنها: حديث عائشة في الرضاع، في قوله ؟ لها: " ائذني لأفلَحَ أخي أبي القُعَيْسِ؛ فإنه عَمُّكِ؛ تَرِبَتْ يمينُكِ"؛ أخرجه البخاري في الأدب، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " تربت يمينك " (10/550 رقم 6156)، ومسلم في الرضاع، باب تحريم الرضاعة من ماء الفَحْل (2/1069 رقم 1445). ... تقول العرب: تَرِبَ الرجلُ: إذا افتقَرَ، أي: لَصِقَ بالتراب، وأَتْرَبَ: إذا استغنى . وهذه الكلمةُ جارية على ألسنتهم العرب، لا يريدون بها الدعاءَ على المخاطَبِ ولا وقوعَ الأمر به . انظر: «النهاية» (1/184).
(11) ... فيما أخرجه البخاري في الحجّ، باب التمتع والقِران والإفراد بالحج (3/421)، ومسلم في الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض ...(2/965 رقم 387). ومعنى «عقرى»، أي: عقرها الله وأصابها بعقر في جسدها، ومعنى «حلقى»، أي: أصابها ومع في حلقها، وهذا يقال للمرأة إذا وُصِفَتْ بخلاف، وعند أمر يُذَمُّ، ويقال لها أيضاً إذا كانت مؤذية مشؤومة، وهذا ظاهرة الدعاء ولا يراد به الدعاء؛ كما ذكر الشارح، وفي "القاموس": عقرى حلقى، وينوَّنان، أي: عقرها الله تعالى وحلقها، أو تعقر قومها وتحلفهم بشؤمها ، أو العقري: الحائض. اهـ. ... انظر: "غريب الحديث" لابن قتيبة (1/457)، و"غريب الحديث" لابن الجوزي (2/1140)، و"غريب الحديث" للحربي (3/1000) و"النهاية" (1/428)، و"العين" (3/49)، و"القاموس" (1/569)، و"اللسان" (4/594)، (10/60)، وانظر كلام الشارح على هذه العبارة «عقرى حلقى» في كتاب الحج، باب ما جاء في فسخ الحج في العمرة وأن ذلك كان خاصًّا بهم.
(12) ... ذكر الشارح هنا ثلاثَة أجوبة، ردَّ الأول، وارتضى الأخيرين، وكذا رجَّحهما الحافظ في "الفتح» (1/107) وذكر ثانيهما ابن القيم في "إعلام الموقعين" (3/53)، وثَمَّةَ أجوبةٌ أخرى، بلغت تسعة أجوبة؛ منها: ما ذكره القاضي عياض أنَّ فيه إضمار اسم الرب؛ كأنه قال: وربِّ أبيه؛ كما قيل في إقسام الله تعالى بمخلوقاته في القرآن، أي: وربِّ الليل إذا يغشى، وربِّ الضحى، ونحوه، ويَرِدُ عليه: أنَّ الأصل عدمُ الإضمار . وقيل: كان ذلك في أول الإسلام وقُرْبِ عهدهم بسيرة الجاهلية، فَنُهُوا عن ذلك، وليس في هذا ما يزيلُ الإشكال . وذهب الأُبِّيُّ: إلى الخصوصية، وأنّ النهي عن الحلف بالآباء إنما حرِّم خوفَ تعظيمِ غير الله، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لا يتوهَّم فيه ذلك، وفيه بعد؛ إذ لا دليل على الخصوصية، ومنها: ما ذكره الخَطَّابي؛ أن ذلك لتوكيد الكلام، وليس القسم. ... والأرجحُ: أن لفظة «وأبيه» شاذَّة خالَف راويها إسماعيلُ بن جعفر مَنْ هو أوثَقُ منه، وهو الإمام مالك الذي روى الحديث بدونها؛ كما قرَّر ذلك الحافظ ابن عبدالبر في "التمهيد" (14/366)، وقال السهيلي: لا يصحُّ؛ لأنه لا يظنُّ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يحلف بغير الله، ولا يُقْسِمُ بكافر، تالله إن ذلك لبعيد من شيمته . اهـ. والأحاديثُ في النهي عن الحلف بغير الله - ومنه الحلفُ بالآباء، صحاحٌ مشهورةٌ تبلغ في مجموعها حد التواتر، وماخالفها، فألفاظٌ شاذَّةٌ أو أحاديثُ ضعيفة؛ ولذا فإنَّ الحقَّ المحقَّق في ذلك هو القولُ بتحريم الحلف بغير الله عز وجل؛ صيانةً للتوحيد، وحذرًا من الوقوع في الشرك وإن كان أصغَرَ. وانظر: "هامش سنن أبي داود" (1/273"، و"معجم المناهي اللفظية" (ص 113)، و"تيسير العزيز الحميد" (ص 591-593).
(13) ... في "أدب الكاتب" له (ص 33)، وقد تقدَّم ذكر الشارح الكلام ابن قتيبة هذا (ص 69). ... على أن ههنا تنبيهًا تجدد الإشارة إليه، وهو أن الشارح أصاب (ص 69) في النقل عن ابن قتيبة، في أنه جعل الكذب للماضي، والخلف للمستقبل؛ فقد قال في "أدب الكاتب": «الخلف والكذب لا يكاد الناس يفرقون بينهما، والكذب فيما مضى .... والخلف لما يستقبل ...»، وقد ردَّ عليه الشارح في ذلك. ... أمَّا نقل الشارح عنه هنا بأنه يقول: إن الصدق إنما يدخل في الماضي، والخلف في المستقبل؛ ففي ذلك نظر؛ لأمرين: ... الأول: أن الصدق لا يشتبه مع الخُلْف، حتى يطلب الفرق بينهما. ... الثاني: أننا لم يعثر على كلام ابن قتيبة هذا إلا في "أدب الكاتب" (ص 33)، وفيه الفرق بين الكذب والخلف فقط، ولم يتعرَّض للصدق. ... فيبدو أن هذا إلزام من الشارح لابن قتيبة؛ فإن الصدق والكذب تفيضان على القول الصحيح أنه لا واسطة بينهما، لكنَّ هذا الإلزام لابن قتيبة لا وجه له؛ إذ لا يلزمه أن يجعل الصدق في الماضي دون المستقبل بأنْ جعل الكذب في الماضي دون المستقبل؛ لأنَّه في الكذب يفرَّق بينه وبين الخلف، للاشتباه بينهما في الاستعمال؛ بخلاف الصدق. وانظر تعليقنا فيما سبق (ص 68 - 69).
(14) ... في (ح): «على».
(15) ... من قوله:« وقد جاء ... » إلى هنا ليس في (ب) و(غ).
(16) ... الآية (65) من سورة هود . ... وما ذكره الشارح هنا من تفرقة ابن قتيبة بين الصدق والخُلْف: فيهُظر، فابن قتيبة يفرِّق بين الكذب والخُلْف، لا بين الصدق والخُلْف، كما في "أدب الكاتب" (ص 33) قال: ومن ذلك الخلف والكذب: لا يكاد الناس يفرِّقون بينهما، والكذب: فيما مضى، وهو أن تقول: «فعلتُ كذا ولم تفعله، والخُلْف: لما يستقبل، وهو أن تقول: «سأفعل كذا»، ولا تفعله. اهـ. وهذا ما نقله الشارح على الصواب (ص 69)، وهناك اعترضه بآية سورة هود، وهنا اعتراضه بحديث طلحة بن عبيدالله، والآية. ... لكن لعل مراد الشارح ... الأعتراض على ابن قتيبة في جعله «الكذب» لا يكون إلا في الماضي، فألزمه بأنه يقول بذلك أيضاً في الصدق؛ إذ يرى القرطبي أن الكذب والصدق يكونان في المستقبل كما يكونان في الماضي.
(17) ... في (أ): «أي».
(18) ... وقع الشكُّ في رواية إسماعيل بن جعفر، عن أبي سُهَيْل، عن أبيه، عن أبي طلحة، ووقع الجزم بلفظ:« أفلح إن صدق» في رواية مالك، عن أبي سهيل، به. ... والذي يظهر - والله أعلم -: أن الشكَّ فيه من إسماعيل بن جعفر؛ فإن قتيبة بن سعيد رواه عنه وعن مالك، فذكر الشكّ في رواية إسماعيل، ولم يذكره في روايته عن مالك .(1/88)
تقدَّم. ثم معنى (1) اللفظَيْن واحدٌ، فلا يَضُرُّ الشكّ، وإنَّما ذكره الراوي متحرِّيًا .
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِك (2) ، قَالَ: نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَيْءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ، فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «صَدَقَ»، قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَالَ: «اللهُ». قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الأَرْضَ؟ قَالَ: «اللهُ». قَالَ: فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ، وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ؟ قَالَ: «اللهُ». قَالَ: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ، وَخَلَقَ الأَرْضَ،
وقوله:«نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَيْءٍ» (3) ، يعني بذلك قولَهُ تعالى: {لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} (4) الآية (5) ، وقد تقدَّمَ سببُ ذلك، وسيأتي تكميله (6) . =(1/161)=@ &(1/89)&$
__________
(1) ... في (أ) و(ب): «ومعنى».
(2) ... أخرجه البخاري (1/148 رقم 63 ) في كتاب العلم، باب ما جاء في العلم...، ومسلم (1/41 -42 رقم12) في كتاب الإيمان، باب السؤال عن أركان الإسلام .
(3) ... هذا اللفظ جمعه الشارح من الروايتَيْن المذكورتين في متن التلخيص.
(4) ... قوله: «تسؤكم» ليس في (أ).
(5) ... الآية (101) من سورة المائدة، وقوله «الآية» ليس في (ح) و(غ).
(6) ... قوله: «وقد تقدَّم ...» إلى هنا، في (أ): «وتقدَّم سببه»، وقد تقدَّم سبب ذلك في الباب السابق لهذا في شرح حديث أبي هريرة، وسيأتي تكميله في كتاب النبوَّات وفضائل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ توقيرًا له واحترامًا.(1/89)
وقوله:«فَجَاءَ رَجُلٌ»، هذا الرجلُ هو ضِمَامُ بن ثَعْلَبَةَ أخو بني .............................................
سعد بن بكر، قَدِمَ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - سنَةَ تِسْع؛ قاله أبو عُبَيْدَة (1) ، وقيل: سنةَ سَبْع، وقال محمَّد بن حَبِيب (2) : سنةَ خَمْس، وهو أبعدها؛ لأنَّ فرض الحَجِّ لم يكنْ نزل (3) إذْ ذاك، والله أعلم (4) ، وسيأتي ذلك في وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ، آللهُ أَرْسَلَكَ ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا؟ قَالَ: «صَدَقَ». قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، اللهُ أَمَرَكَ بِهَذَا ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا زَكَاةً فِي أَمْوَالِنَا؟ قَالَ: «صَدَقَ»، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللهُ أَمَرَكَ بِهَذَا ؟ قَالَ: «نَعَمْ».
الحجِّ (5) إن شاء الله تعالى.
وقد خرَّج البخاريُّ هذا الحديثَ (6) وقال فيه: عن أنس $ح: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي الْمَسْجِدِ، دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ، فَأَنَاخَهُ فِي المَسْجِدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: أيُّكم محمَّدٌ (7) ؟ وَالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جالسٌ (8) بين .............................................
ظَهْرانيهم، فقُلنا: هذا الرجل الأبيضُ المُتَّكِئُ، فقَالَ الرَّجُلُ: ابنَ عبدِ المُطَّلب؟، فقال لَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : «قَدْ أَجَبْتُكَ»، فقالَ الرَّجُلُ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (9) : إنِّي سَائِلُك فمُشَدِّدٌ عَلَيْك في المَسْأَلةِ، فلا تجِدْ عليَّ في نفسِكَ (10) ، فقَالَ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ ، فَقَال (11) : أَسْأَلُكَ بربِّكَ ورَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللهُ أرْسَلَكَ إلَى النّْاس كُلِّهِمْ؟، فقال: «اللَّهُمَّ نعم»...، وذكر نحوَ حديثِ مسلم.
وقد فَهِمَ البخاريُّ مِنْ هذا الحديثِ: أنَّ هذا الرجُلَ قد كان أسلَمَ على يدَيْ رسولِ (12) الله - صلى الله عليه وسلم - حين جاءهم، وصَحَّ إيمانه، وحَفِظَ شرائعه، ثُمَّ جاء يَعْرِضها على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ؛ أَلاَ تَرَى البخاريّ كيف بوَّب على هذا «بابُ القِرَاءَةِ وَالعَرْضِ على المحدِّث» (13) ، وكأنَّ البخاريَّ أخذ هذا المعنى (14) من قولِ الرجل في آخر الحديث:«آمَنْتُ =(1/162)=@ بما جِئتَ بِهِ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي»، وفيه نَظَرٌ (15) .
قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي سَنَتِنَا؟ قَالَ: «صَدَقَ»، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً؟ قَالَ: «صَدَقَ»، قَالَ: ثُمَّ وَلَّى، قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ، وَلا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ!! فَقَال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «لَئِنْ صَدَقَ، لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ».
وأمَّا مساقُ حديثِ مسلم: فظاهره أنَّ الرجُلَ لم يَنْشَرِحْ صدرُهُ ... وَفِي رِوَايَةٍ: «كُنَّا نُهِينَا فِي الْقُرْآنِ أَنْ نَسْأَل ...» وَذَكَرَهُ.
للإسلامِ بَعْدُ، وأنَّه بَقِيَتْ في قلبه منازعاتٌ وشكوكٌ، فجاء مجيءَ الباحثِ المستَثْبِت (16) ؛ أَلاَ تراه (17) يقولُ: «يا محمَّدُ، أتانا رسُولُكَ فزَعَمَ لنا أَنَّكَ تزعُمُ (18) أنَّ الله أَرْسَلَكَ»؛ فإنَّ الزَّعْم (19) قولٌ لا يُوثَقُ .............................................
به، قاله ابن السِّكِّيتِ وغيرُهُ (20) ، غير أنَّ الرجُلَ كان كاملَ العَقْل، وقد .............................................
كان نظر (21) بعقله في المخلوقات، فَدَلَّهُ (22) ذلك على أنَّ لها خالقًا خلقها (23) ؛ ألا ترى أنَّهُ استفهَمَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن خالقِ المخلوقاتِ استفهامَ تقريرٍ للقاعدة التي لا يَصِحُّ العلمُ بالرسول إلاَّ بعد حصولها، وهي التي تفيدُ العِلْمَ بالمُرْسِلِ، ثُمَّ إنَّهُ لَمَّا وافقَهُ على ما &(1/90)&$
__________
(1) ... في (ب):« أبو عبيد »؛ وهو خطأ، والصوابُ ما أثبتناه، وسيعيده الشارح على الصواب، وهو الموافق لما في المصادر الآتية؛ فقد نسب هذا القول إلى أبي عبيدة، وابن إسحاق، والطبري، وغيرهم. انظر: "الفتح" (1/152)، و"الإصابة" (3/486)، و"عمدة القاري" (2/22)، و"السير الجلية" (3/249)؛ وهذا القول هو الصواب؛ كما سيأتي بيانه في كلام الشارح، وكلام الحافظ ابن حجر.
(2) ... وهذا قول الواقدي أيضًا؛ وقد نقل ذلك عنهما الحافظ في "الفتح" (1/152)، وفي "الاستدقار" (2/373) أن هذا قولُ أهل السير.
(3) ... في (غ): «ترك».
(4) ... قال الحافظ في "الفتح": «وأغرَبَ ابنُ التِّين، فقال: إنما لم يذكر الحج؛ لأنه لم يكنْ فُرِضَ، وكأنَّ الحاملَ له على ذلك ما جزَمَ به الواقديُّ ومحمَّد بن حبيب: أن قدومَ ضمامٍ كان سنة خمس؛ فيكون قبل فرض الحج؛ لكنه غَلِطَ من أوجه: ... أحدها: أن في رواية مسلم: أنَّ قدومه كان بعد نزولِ النهي في القرآن عن سؤال الرسول، وآية النهي في المائدة: ُ ق ف ذ د خ ح ج ث ت ة ب ا ئ إ ؤ أ آ ء . _ ء ] گ [ غ ء ـللهـ! ! ِ [المَائدة: 101] {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ *}، ونزولها متأخِّر جدًّا. ... ثانيها: أن إرسال الرسل إلى الدعاء إلى الإسلام إنما كان ابتداؤه بعد الحديبية، ومعظمُهُ بعد فتح مكة. ... ثالثها: أن في القصة أن قومه أَوْفَدُوهُ، وإنما كام معظمُ الوفودِ بعد فتح مكة. ... رابعها: في حديث ابن عبَّاس أن قومه أطاعوه، ودخلوا في الإسلام بعد رجوعه إليهم، ولم يدخُلْ بنو سعد - وهو ابن بكر بن هوازن - في الإسلام إلا بعد وقعة حُنَيْن وكانتْ في شوال سنة ثمان. ... فالصواب: أن قدومَ ضمام كان في سنة تِسْع؛ وبه جزَمَ ابن إسحاق، وأبو عبيدة، وغيرهما. وغفَلَ البدر الزركشيُّ فقال: إنما لم يذكر الحج؛ لأنه كان معلومًا عندهم في شريعة إبراهيم. انتهى. وكأنه لم يراجع صحيح مسلم فضلاً عن غيره». ... وقد ذكر هذه الأقوال وغيرها: العيني في "العمدة". ... لكن الصحيح من هذه الأقوال: هو أن وفاد به ضمام على النبي - صلى الله عليه وسلم - : كانت سنة تِسْع، وهذا ما عليه الأكثرون، ومنهم الحافظ، والشارح، انظر: "طبقات ابن سعد" (1/299)، و"الاستيعاب" (2/207)، و"الإصابة" (2/202-203)، و"فتح الباري" (1/152)، (3/378)، و"عمدة القاري" 2/22)، (9/122)، و"السير الحلبية" (3/249).
(5) ... في أول كتاب الحج.
(6) ... في كتاب العلم، باب ما جاء في العلم ... رقم (63).
(7) ... في (ب) و(ط) :« محمد بن عبدالله ».
(8) ... قوله: «جالس» من (أ) فقط، وفي "البخاري": «متكئ".
(9) ... قوله:« للنبي - صلى الله عليه وسلم - » سقط من (ب)، و(غ).
(10) ... قوله: «عليَّ في نفسك» في (ح): «عليَّ لنفسك».
(11) ... في (أ): فقال: إني».
(12) ... قوله: «رسول» الثانية سقط من (أ) و(غ).
(13) ... انظر صحيح البخاري، كتاب العلم، باب ما جاء في العلم، وقوله تعالى: ُ و ه ن م ِ [طه: 114] {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}،، القراءة والعَرْ والعَرض على المحدَّث.
(14) ... قوله: »المعنى» ليس في (غ).
(15) ... قول الشارح: «فيه نظر» فيه نظر، لأمور: ... الأول: لم يبيِّن ما هذا النظر الذي في كلام البخاري، وكان عليه بيانه لينظر فيه. ... الثاني: أنه إن كان الشارح يقصد بالنظر: ما ذهب إليه البخاري من مجئ ضمام مسلماً؛ فهذا هو الراجح من قولَيْ أهل العلم وهو مذهب أكثرهم ، وسيأتي التعليق على هذا،، وإن كان الشارح يقصد: ما استنبطه البخاري من جواز القراءة والعرض على المحدِّث؛ فهذا صحيح أيضاً لأنظر فيه، سواءٌ قيل: بأن مذهب البخاري مجيء ضمام مسلمًا أو غير مسلم، قال العيني: «إن العرض على المحدِّث هو القراءة عليه، وهو أعم من أن يكون تقدَّمت له أو ابتدأ الآن على الشيخ بقراءة شيء لم يسبق لم يتقدَّم قراءته ولا نظره»، يعني بذلك أن تبويب البخاري صحيح حتى على القول بأن ضمامًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن أسلم بعد. ... قلتُ: ويؤيد صحَّة مذهب البخاري ومن وافقه، من مجيء ضمام مسلمًا، وعرضه على النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أخبره به رسوله الذي أسلم على يديه، ما استنبطه الحاكم من هذا الحديث - من طلب علو الإسناد، قال العيني: «استنبط منه الحاكم طلب الإسناد العالي، ولو كان الراوي ثقةً؛ إذا البدويُّ لم يقنعه خبر الرسول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى رحل بنفسه وسمع ما بلَّغه الرسول عنه، قيل: إنما يتم ما ذكره إذا كان ضمام قد بلغه ذلك أولاً، قلتُ: قد جاء ذلك مصرَّحًا به في رواية مسلم»، يعني: قوله: «أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم». انظر: "فتح الباري" (1/152-153)، و"عمدة القاري" (2/22-23).
(16) ... اختلف في حال ضِمَامٍ عند قدومه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فاختار البخاريُّ والحاكم، والقاضي، عياض والْكِرْمَاني، وابن حجر: أنه كان مسلمًا، وحَضَرَ بعد إسلامه مستثبتًا، وعلى ذلك: يكون قوله:« آمَنْتُ بك» من باب الخبر، وهذا الصواب، قال الحافظ: «لأنه قال في حديث ثابت عن أنس عند مسلم وغيره: «فإنَّ رسولك زعم»، وقال في رواية كُرَيْب عن ابن عباس عند الطبراني: «أتتنا كتبك» و«أتتنأرسلك». ... وذهب الشارح هنا إلى أنه لم يكُنْ أسلَمَ حينئذ؛ لقوله:« أتانا رسولُكَ فزعَمَ»، والزَّعْم: قولُ مَنْ لا يوثق به؛ قاله ابن السِّكِّيت وغيره - وسيأتي الجواب عن ذلك عندما يتعرَّض له الشارح - وعلى ذلك يكون قوله: «آمنتُ بك» من باب الإنشاء. ... انظر:"إكمال المعلم" (ص 310)، و"الصيانة"(ص 142)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/82)، و"شرح النووي" (1/170-171)، و"الفتح" (1/152)، (10/551)، و"عمدة القاري" (2/19-21).
(17) ... قوله: «ألا تراه» سقط من (ح).
(18) ... قوله: «لنا أنك تزعم» سقط من (أ)، وقوله: «لنا» سقط من (ب).
(19) ... الزَّعْم: يقال بتثليث الزاي، مع اتحاد المعنى، فتح الزاي للحجاز، وضمُّها لأسد، وكسرها لبعض قيس، انظر: «اصلاح المنطق» (ص 85) و"أدب الكاتب" (ص 571)، و"الصحاح" (5/1941)، و"المصباح المنير" (ص 132)، و"اللسان" (12/264)، و"التاج" (16/316).
(20) ... قال ابن السِّكِّيت: يقال للأمر الذي لا يوثق به: مَزْعَمٌ، أي: يزعم هذا أنه كذا، ويزعم هذا أنه كذا، نقله عن ابن منظور في "اللسان" (12/265)، والزبيدي في "التاج" (16/318)، ونقل نحوه عن الأصمعي: الخطابي في "غريب الحديث" (1/535-536)، وكذلك نقل الزمخشري عن أبي زيد الأنصاري في "الفائق" (2/111). ... وظاهرة عبارة الشارح، واحتجاجه بكلام ابن السِّكِّيت: يوهم حصر معنى «الزعم» فيما لا يوثق به، وليس الأمر كذلك، بل ذكر أئمة اللغة وعلماء الغريب أن للزَّعْم معاني عدَّة، منها: القول الحق أو المحقَّق، والقول الباطل أو المشكوك فيه، والكذب، والظن، والاعتقاد، وينزَّل في كل موضع على ما يليق به، نعم: أكثر ما يستعمل «الزعم» فيما يكون مشكوكًا فيه غير موثوق به - وهو المعنى الذي ذكره الشارح - قال صاحب "المصباح": «قال الأزهري: وأكثرُ ما يكون «الزعم» فيما يُشكُّ فيه ولا يتحقَّقُ، وقال بعضهُم: هو كنايةٌ عن الكذب، وقال المرزوق: أكثر ما يُستعمل فيما كان باطلاً أو فيه ارتيابٌ، وقال ابن القوطيَّة: زعم زعمًا: قال خبرًا لا يُدْرَى أحق هو أو باطلٌ، قال الخطّابي: ولهذا قيل: «زعم مطيَّة الكذب»، و«زعم مزعم»: قال غير مقول صالح وادّعى ما لم يمكن». ... لورود ذلك عن العرب وقد اعترض شراح الحديث على ما ذكره الشارح، وذكره أنَّ الزعم يطلق أيضًا على القول المحقَّق، قال ابن الصلاح: «وقوله: «أنَّك تزعم» مع تصديق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له: دالٌّ على أن «زعم» ليس مخصوصًا بالكذب وبما ليس بمحقَّق، بل قد يجيء بمعنى قال مستعملاً في الحق المحقَّق وفي غيره، وقد نقل مصداق ذلك أبو عمر الزاهد في «شرحه للفصيح» عن شيخه أبي العباس ثعلب، عن العلماء باللغة من الكوفيين والبصريين، قال أبو العباس: ومنه قول الفقهاء: زعم مالك، زعم الشافعي، قال: ومعناه كله: قال»، وقال النووي: «وقد أكثر سيبويه رحمه الله تعالى في كتابه الذي هو قدوة أهل العربيَّة من قوله: زعم الخليل، وزعم أبو الخطاب، وهما شيخاه، ويعني بـ«زعم»: قال»، وتابعهما ابن حجر وغيره على ذلك. ... انظر: "المصباح المنير" (ص 132)، و"اللسان" (12/265)، و"التاريخ" (16/316)، و"غريب الحديث" للخطابي (1/536)، و"صيانة صحيح مسلم" (ص 142 - 144)، و«شرح النووي» (1/45، 170 - 171)، (5/76)، و«تهذيب الأسماء واللغات» (3/127)، و"الفتح" (1/152)، (2/324)، (7/115)، (10/551)، و"عمدة القاري" (2/22).
(21) ... في (أ) و(غ): «ينظر».
(22) ... في (أ):« فدلّ ».
(23) ... قوله: «خلقها» سقط من (ح).(1/90)
شَهِدَ (1) به العقلُ، وأنَّ الله تعالى هو المُنْفَرِدُ (2) بِخَلْقِ هذه المخلوقات -: أقسَمَ عليه وسأله به: هل أرسلَهُ؟ ثمَّ إنَّ الرجُلَ استمرَّ (3) على أَسْوِلَتِهْ، إلى أنْ حَصَلَ على طَلِبَتِه، وانشرَحَ (4) صدرُهُ للإسلامْ (5) ، وزاحَتْ عنه (6) .............................................
الشكوك والأوهامْ، وذلك ببركَةِ مشاهدةِ أنوارِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فلقدْ كان كثيرٌ من العقلاء يحصُلُ لهم العلمُ بصحَّةِ رسالَتِهْ، بنفسِ رؤيتِهِ ومشاهدتِهْ قبلَ النظر في معجزتِهْ؛ كما قال أبو ذرٍّ: «فَلَمَّا رَأَيْتُهُ، عَلِمْتُ أنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ» (7) ، حتَّى قال بعضهم:
لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبَيِّنَةٌ
لَكَانَ مَنْظَرُهُ يُنْبِيكَ بِالْخَبَرِ (8)
.............................................
والحاصلُ مِنْ حال هذا السائل: أنَّهُ حصَلَ (9) له العلمُ بصدقِ (10) رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، وبصحَّةِ (11) رسالتِهِ بمجموع قرائن، لا تتعيَّنُ آحادها (12) ، ولا تنحصرُ أعدادها. =(1/163)=@
ويستفادُ من هذا الحديث: أنَّ الشرع إنَّما طلَبَ مِنَ المكلَّفين التصديقَ الجزم بالحقِّ (13) ، كيفما حَصَل، وبأيِّ وجهٍ ثَبَت، ولم يَقْصُرْهُم في (14) ذلك على النظر في دلالةٍ معيَّنة، لا (15) معجزةٍ ولا غيرها، بل كُلُّ مَنْ حصَلَ له اليقينُ بِصِدْقِهِ: بمشاهدةِ وجهه، أو بالنظرِ في معجزتِه، أو بتحليفهِ، أو بقرينةٍ لاَحَتْ له-: كان من المؤمنينْ، ومِنْ جُمْلَةِ عبادِ الله المخلصينْ؛ لكنْ دلالاتُ المعجزات هي الخاصَّةُ .............................................
بالأنبياءْ، والطرقُ العامَّةُ للعقلاءْ (16) .
وقد روى ابنُ عبَّاس $ذ حديثَ ضِمَامٍ هذا بأكملَ مِنْ هذا، وقال فيه ما يَدُلُّ على أنَّ ضِمَامًا إِنَّما أسلَمَ بعد أنْ أجابه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على .............................................
أسولته (17) المتقدِّمة، فلمَّا أنْ (18) فرَغَ، قال ضِمَام: أَشْهدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ محمّدًا رسولُ اللهِ، وَسَأُؤدِّي هذه الفرائضَ، وَأَجْتَنِبُُ ما نهَيتَنِي عنه؟، ثمّ (19) لا أزيد ولا أنقُصُ، فقال &(1/91)&$
__________
(1) ... في (أ): «يشهد».
(2) ... في (ح) : «المتفرد».
(3) ... في (أ):« أقسم ».
(4) ... في (ب) و(ح): «فانشرح».
(5) ... في (أ): «للإحسام».
(6) ... في (غ): «عليه».
(7) ... ذِكْرُ الشارح الحديثَ من رواية أبي ذرٍّ وَهَمٌ أو سَبْقُ قلم، والحديثُ معروفٌ من رواية عبدالله بن سَلاَمٍ $ح؛ أخرجه الترمذي في صفة القيامة، باب (42) بلا ترجمة (2485)، وقال: هذا حديث صحيح، وابن ماجه في الأطعمة، باب إطعام الطعام (3251)، وأحمد (5/451)، والحاكم (3/13) و(4/160)، وقال:« صحيح الإسناد، ولم يخرِّجاه "، وابن سعد في "الطبقات" (1/235)، والدارمي في الاستئذان، باب إفشاء السلام (2/188)، ومحمد بن نَصْر في قيام الليل "مختصره" (ص 21)، والبيهقي في "الدلائل" (2/531)، والقضاعي في "مسند الشِّهَاب" (1/418 رقم 719)، ويعقوب في "المعرفة" (1/264)، من طرق، عن عَوْف بن أبي جَمِيلَةَ، عن زُرَارة بن أبي أوفى، عن عبد الله بن سَلاَمٍ $ح، قال: «لما قدم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ، انجفَلَ الناسُ إليه، فكنتُ فيمنِ انجفَلَ، فلما رأيتُ وجهه، عَرَفْتُ أَنَّ وجهَهُ ليس بوجهِ كذَّاب ...» الحديث .
(8) ... البيت من البسيط، وهو لعبدالله بن رَوَاحَةَ - رضي الله عنه - يمدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كما في "الإصابة" (6/80)، و"المستطرف" (2/94)، ولحسان بن ثابت - رضي الله عنه - كما في "شرح العقيدة الأصفهانية" (ص 121)، و"تيسير ابن كثير" (2/411)، وبلا نسبة؛ كما في "الرَّوْض الأُنُف" (2/94)، و"البيان والتبيين" (1/15).
ويروى عجزه:
................
كانتْ بدِيهتُهُ تُنْبيلَ بالخَبَر
... ويروى: «بداهته» بدل «بديهتهؤ، و«تأتيك» بدل «تنبيك». ... وقد قال ابن كثير _ح في "تيسيره": «فاكتفى هذا الرجل [يعني: ضمامًا] بمجرَّد هذا، وقد أيقن يصدقه - صلوات الله وسلامه عليه - بما رأى وشاهد من الدلائل الدالة عليه، وقال حسان بن ثابت» وذكر البيت الذي ذكره الشارح، قال: «وأما مسيلمة فمن شاهده من ذوي البصائر، علم أمره لا محالة بأقواله الركيكة التي ليست بفصيحه، وأفعاله غير الحسنة بل القبيحةْ، وقرآنيه الذي يخلَّد به في النار يوم الحسرة والفضيحةْ».
(9) ... في (أ):« خطر ».
(10) ... في (ح): «فصدق».
(11) ... في (غ): «وصحة».
(12) ... في (ح) (إحداهما).
(13) ... في (ح) : «بالحق الجزم».
(14) ... قوله:« في » سقط من (أ).
(15) ... في (ح): «ولا».
(16) ... هنا استنبط الشارح صحة إيمان المقلِّد بالرسول ولو لم تظهر له معجزة، وهذا بناء منه على ما ذهب إليه من قدوم ضمامٍ على الرسول - صلى الله عليه وسلم - كافرًا، ومثله لابن الصلاح في "الصيانة"؛ قال: وفي هذا الحديث دلالةٌ على صحَّة ما ذهبَ إليه أئمَّةُ العلماء في أن العوامَّ المقلِّدين مؤمنون، وأنه يُكْتفَى منهم بمجرَّد اعتقادهم الحق جزمًا من غير شكٍّ وتزلزُل، خلافًا لمَنْ أنكر ذلك من المعتزلة؛ وذلك أنه قرَّر ضمامًا على ما اعتمد عليه في تعرُّفِ رسالته وصدقه، ومن مناشدته، ومجرَّد إخباره إياه بذلك، ولم ينكر عليه ذلك قائلاً له: إنَّ الواجبَ عليك أن تستدرك ذلك من النظر في معجزاتي، والاستدلالِ بالأدلة القطعية التي تفيدُكَ العلم، والله أعلم». ... قلتُ: عكس ذلك الكرماني - ميلاً منه إلى مجيء ضمام مسلمًا على ما هو الصحيح وقول أكثر العلماء - فقال: «فإن قلت: من أين عرف حقيقة كلام الرسول عليه الصلاة والسلام وصِدْق رسالته؛ إذْ لا معجزة فيما جرى من هذه القصة، وهذا الإيمان لا يفيد إلا تأكيدًا وتقريراً؟ قلتُ: الرجلُ كان مؤمناً عارفًا بنبوَّته، عالمًا بمعجزاته قبل الوفود، ولهذا ما سأل إلا عن تعميم الرسالة إلى جميع الناس، وعن شرائع الإسلام» وأقرَّه الحافظ؛ اهـ. فيفهم من كلام الكرماني أن الرجل جاء مؤمنًا لا كافرًا، وأن قوله في الحديث: «آمنت» إخبارٌ لا إنشاء؛ بدليل أنه لم يسأل عن دليل التوحيد، وهو ما يوجب له التصديق من معجرة أو غيرها، بل سال عن عموم الرسالة، وعن شرائع الإسلام، انظر: "صيانة صحيح مسلم" (ص 143-144)، و"فتح الباري" (1/152)، و"عمدة القاري" (2/22). ... وسيأتي الحديث عن صحة إيمان العوام والرَّدَّ على المعتزلة ومن وافقهم في ذلك!
(17) ... في (ح) فقط: (أسئلته).
(18) ... قوله:« أن » سقط من (ب).
(19) ... قوله:« ثم » سقط من (ب).(1/91)
رسولُ الله (1) - صلى الله عليه وسلم - : «إِنْ يَصْدُقْ (2) ذُو العَقِيصَتَيْنِ (3) يَدْخُلِ الجَنَّة»، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى أهلِهِ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الإِسْلاَمَ، فَمَا أَمْسَى ذَلِكَ اليَوْمُ في حَاضرِهِ مِنْ رجُلٍ ولا امرأةٍ إلاَّ مسلمًا، قال ابْنُ عَبَّاسٍ: «فَمَا سَمِعْنَا بِوَافِدٍ قَطُّ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ ضِمَامٍ» (4) .
.............................................
ونداءُ هذا الرجلِ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (5) بـ«يا محمَّد» (6) وبـ«ابْنَ عَبْدِ المطَّلب»، ولم ينادِه بالنبوَّةِ ولا بالرسالة:
إمَّا لأنَّهُ لم يؤمنْ بَعْدُ؛ كما قلناه (7) .
وإمَّا (8) لأنَّهُ باقٍ على جَفَاءِ أهلِ الباديةِ والأعراب؛ إذْ لم يتأدَّبْ بَعْدُ بشيء من آداب الشرع، ولاَ عَلِمَ ما يجبُ عليه مِنْ تَعْزِيرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وتوقيره (9) ؛ فإنّ اللهَ تعالى قد نهى عن (10) أن ينادَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - .............................................
«يا محمَّدُ»، حتَّى =(1/164)=@ قال تعالى: ُ چ ؛ ئ إ (11) ب ا آ ء ِ (12) .
وأَوْلَى ما يقال: إنّ ضِمَامًا قَدِمَ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - سنة تِسْعٍ؛ كما قاله أبو عُبَيْدَةَ وغيرُهُ من أهل التواريخ، ولأنَّها كانتْ سنةَ الوفود؛ وذلك أنَّ الله تعالى لمَّا فتَحَ على رسوله - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، وهزَمَ جَمْعَ (13) هَوَازِنَ، وأسلَمْتْ قريشٌ كلُّها-: دوَّخَ اللهُ العرَبَ، ونصَرَ نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك سنةَ ثمانٍ من الهجرة (14) ؛ فدخَلَ الناسُ في دين الله (15) أفواجًا، وقَدِمَ رؤساءُ العربِ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (16) وفودًا في سنة تسع، فَسُمِّيَتْ: سنةَ الوفود لذلك (17) .
.............................................
وفي هذا الحديث أبوابٌ من الفقه لا تخفَى يطولُ تتبُّعُهَا (18) (19) . =(1/165)=@ &(1/92)&$
__________
(1) ... قوله: «رسول الله» ليس في (أ).
(2) ... في (غ): «إن صدق».
(3) ... العقيصتان: مثنَّى عقيصة، وهي الخصلة من الشعر أو الضفيرة، يقال: لفعلان عقيصتان، وعقصُ الشَّعْر: ضَفْرُهُ وليُّه على الرأس، وجمع العقيصة: عقائص، وعِقَاص، وذوالعقيصتين: هو ضمام بن ثعلبة، وكان قد خصَّل شعره عقيصتين، وأرخاهما من جانبيه. ... انظر: "اللسان" (7/56)، و"الإصابة" (2/414).
(4) ... حديثُ ضِمَامِ بن ثَعْلَبَةَ من رواية ابن عبَّاس، أخرجه أحمد في "المسند" (1/264)، وأبو داود مختصرًا في كتاب الصلاة، باب ما جاء في المشرك يدخُلُ المسجد ( 487 )، والبيهقي في "الدلائل"، باب قدوم ضمام بن ثعلبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (5/374)، وابن إسحاق في "السيرة" (4/184) من مختصر ابن هشام، وابن سعد في "الطبقات" (1/299)، كلهم من طريق محمد بن إسحاق، حدثنا محمد بن الوليد بن نويفع، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس $ذ قال: بعث بنو سعد بن بكر ضِمَامِ بن ثعلبة وافدًا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكر الحديث . وإسناده حسن؛ لحال ابن إسحاق.
(5) قوله:« للنبي - صلى الله عليه وسلم - » سقط من (أ).
(6) ... قوله: «بيا محمد» في (غ): «يا محمد»، بلا باء.
(7) ... وهذا الوجه لم يصح، وقد سبق التعليق عليه.
(8) ... هذا الاحتمال على فرض أنه جاء مسلمًا، وهو الصحيح.
(9) ... يشعر الشارح إلى قوله تعالى: ُ م ل ك ق ف ء }! ! آ ء ؤ أ ئ إ ب ا ء ! ! ِ [الفَتْح: 8-9] {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا *لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً *} والضمير في قوله تعالى: ُ إ ِ راجع إلى الله تعالى بلا خلاف، وفي معنى «تسبِّحوه وجهان: أحدهما : تسبيحه بالتنزيه له سبحانه من كل قبيح. والثاني: هو فعل الصلاة التي فيها التسبيح بكرة وأصيلاً، أي: غدوة وعشيًّا، أي: دائمًا. ... وأما الضمير في قوله تعالى: ُ أ ئ ِ ، ففيه وجهان لأهل التفسير: الأول: أن الضمير فيهما راجع أيضًا إلى الله تعالى؛ ومعنى ُ أ ِ ، أي: تعظّموه تعالى وتنصرووه بنصرة دينه ورسوله، ومعنى ُ ئ ِ ، أي: تعظّموه تعالى وتبجّلوه وتجلُّوه وتفخِّموه. الثاني: - وهو مراد الشارح -: أن الضمير فيهما راجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ ومعنى ُ أ ِ ، أي: تعظِّموه - صلى الله عليه وسلم - ، وتطيعوه، وتنصروه وتمنعوا منه، وتقاتلون معه بالسيف، ومعنى ُ ئ ِ ، أي: تعظِّموه وتجلُّوه وتدعوه بالرسالة والنبوة، لا بالاسم والكنية. ... انظر: "تفسير القرطبي" (16/250، 266 - 267)، و"البرهان" للزركشي (1/124) (4/36)، و"تفسير الطبري" (6/152)، (26/74)، و"فتح القدير" (5/47-49)، و"لسان العرب" (4/562)، (5/291).
(10) ... قوله:« عن » سقط من (ب) و(ح).
(11) ... قوله تعالى {الرسول} في (أ): «النبي»، وهو وهم.
(12) ... الآية (63) من سورة النور .
(13) ... في (أ) و(غ): «جميع».
(14) ... قوله: «من الهجرة» ليس في (أ).
(15) ... قوله: «دين الله» في (أ): «الدين».
(16) ... قوله:« على النبي - صلى الله عليه وسلم - » سقط من (أ).
(17) ... قوله: «لذلك» ليس في (أ).
(18) ... من قوله:« لذلك ... » إلى هنا ليس في (أ).
(19) ... انظر في فوائد هذا الحديث: "فتح الباري" (1/150-153)، و"عمدة القاري" (2/22)، و"شرح النووي" (1/171).(1/92)
بَابُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى فِعْلِ مَا وَجَبَ ... عَلَيْهِ، وَانْتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِ دَخَلَ الجَنَّةَ
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ (1) ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْنِينِي مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ: «تَعْبُدُ اللهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ ذَا رَحِمِكَ»، فَلَمَّا أَدْبَرَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أَمَرْ تُهُ، دَخَلَ الْجَنَّةَ» .
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ (2) ؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلاَلَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ: نَعَمْ ، قَالَ: وَاللهِ، لا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا .
بَابُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى فِعْلِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ،
وَانْتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِ دَخَلَ الجَنَّةَ
هذه الترجمةُ يشهدُ بصحَّتها (3) الحديثان المذكورانِ تحتها:
فأمَّا حديثُ أبي أَيُّوبَ $ح، فمِنْ حيثُ إنَّ النبيَّ (4) - صلى الله عليه وسلم - دلَّ .............................................
السائلَ على فِعْلِ ما وجَبَ عليه، وقال: إنْ تَمَسَّكَ (5) بِمَا أَمَرتُهُ (6) ، دَخَلَ الجَنَّةَ .
وأمَّا حديثُ جابرٍ: - رضي الله عنه - فمِنْ حيثُ إنّ السائل (7) إنّما سأله عن دخولِ مَنْ فَعَلَ ما يجبُ عليه، وَانْتَهَى عمَّا حُرِّمَ عليه: الجَنَّةَ، فأجابه بـ نعم .
ولم يَذْكُرْ لهما في هذَيْن (8) الحديثين شيئًا مِنْ فعل التطوُّعات؛ فدَلّ على صِحَّةِ ما ذكرناه، وعلى جواز ترك التطوُّعاتِ على الجملة، لكنْ مَنْ تركها ولم يعملْ شيئًا منها، فقد فوَّت على نفسه ربحًا عَظِيمًا، وثوابًا (9) جسيمَا، ومَنْ داوم على ترك شيءٍ من السنن، كان ذلك (10) نقصًا في دينه، وقدحًا في عدالته، فإنْ كان (11) ترَكَهُ تهاوُنًا بها ورغبةً عنها، كان ذلك فِسْقًا يستحقُّ به ذمًّا (12) .
.............................................
وقال (13) علماؤنا: لو أنَّ أهلَ بلدةٍ تواطؤوا (14) على ترك سنة، لقوتلوا (15) عليها حتى يرجعوا ، ولقد (16) كان صَدْرُ الصحابة &(1/93)&$
__________
(1) ... أخرجه البخاري (3/261 رقم 1396) في الزكاة، باب وجوب الزكاة، ومسلم (1/43 رقم13/14) في الإيمان، باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة، وأنَّ من تمسَّك بما أُمِرَ به دخَلَ الجنة .
(2) ... أخرجه مسلم في الموضع السابق (1/44 رقم 15-18).
(3) ... في (أ): «لصحتها».
(4) ... قوله: «إن النبي» في (أ)، «إنه».
(5) ... في (ح): «إن يتمسَّك».
(6) ... في (أ): «أمر به».
(7) ... في (أ): «القائل».
(8) ... قوله:« هذين » سقط من (أ).
(9) ... قوله:« عظيمًا وثوابًا » سقط من (أ).
(10) ... قوله:« ذلك » سقط من (أ).
(11) ... قوله: «كان» سقط من (أ).
(12) ... قال الإمام أحمد فيمن ترك الوتر: «ذاك رجلُ سُوءٍ لا تقبَلُ شهادته». ... وقال شيخُ الإسلام في السنن الرواتب: «مَنْ أصرَّ على تركها، دَلَّ ذلك على قلة دينه، ورُدَّتْ شهادته في مذهب أحمد والشافعي"، وقال أيضًا: «مَنْ داوَمَ على ترك السنن التي هي دون الجماعة، سقطَتْ عدالته عندهم». ... وقال القاضي عياض: " التمادي على ترك سائر السنن مذمومٌ يوجبُ الأدَبَ عندهم». ... وقال الطِّيبي: «سُمِّيَتِ النوافلُ أبوابَ الفرائض؛ لأنها مقدِّمات ومكمِّلات لها، ومن فاتته السنن، حُرِمَ الفرائض». ... وانظر:"المغني" (2/592)، و"إكمال المعلم" (ص 302)، و"مجموع الفتاوى" (23/127، 253)، و"شرح مسلم" للنووي (1/167)، و"إكمال الإكمال" (1/80)، و"شرح الطِّيبي" (1/166).
(13) ... في (أ): «قال».
(14) ... في (أ): «إن تواطأ أهل بلد»، وقوله: «لو» سقط من (غ).
(15) ... في (أ): «قوتلوا».
(16) ... في (ب): «فقد).(1/93)
$ج ومَنْ بعدهم يثابرون على فعل السنن والفضائل، مثابرتَهُمْ على الفرائض، ولم يكونوا يفرِّقون بينهما، في اغتنامِ ثوابهما؛ وإنما احتاج أئمَّةُ (1) الفقهاء إلى ذِكْرِ الفرق بينهما؛ لما يترتَّب (2) عليه مِنْ وجوبِ الإعادةِ وتركها، وخَوْفِ العقابِ على الترك، ونَفْيِهِ إِنْ حصل تركٌ ما بوجهٍ ما.
.............................................
وإنما سكَتَ النبيُّ (3) - صلى الله عليه وسلم - لهؤلاء السائلين عن =(1/166)=@ ذِكْرِ التطوُّعات، ولم يذكُرْهَا لهم - كما ذكرها في حديث طلحة بن عبيدالله، $ح (4) لأنَّ هؤلاءِ - والله أعلم - كانوا حديثي عهدٍ بإسلام (5) ؛ فاكتفى منهم بفعل ما (6) وجب عليهم في تلك الحال؛ لئلاَّ يَثْقُلَ ذلك (7) عليهم فيَمَلُّوا، أو لِئَلاَّ يعتقدوا أنَّ السنن (8) والتطوُّعاتِ واجبة، فتركَهُمْ إلى أن تنشرحَ صدورهم بالفهم (9) عنه، والحرصِ على تحصيلِ ثوابِ تلك المندوبات؛ فتسهل (10) عليهم.
ومن المعلوم (11) : أنَّ هؤلاءِ ما يسُوغُ (12) لهم تركُ الوتر ولا صلاةِ العيدَيْن، ولا غير ذلك (13) ، مِمَّا فعله النبيُّ (14) - صلى الله عليه وسلم - في جماعة .............................................
المسلمين، ولا يجترئون على ترك ذلك؛ للذي يُعْلَمُ (15) مِنْ حرصهم على الاقتداء به (16) - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى تحصيل الثواب، والله تعالى أعلم (17) .
وقوله: «وَتَصِلُ ذَا رَحِمِكَ»، يعني: قرابتَكَ؛ وعلى هذا؛ فتكون القرابة جنسًا مضافًا إلى «ذي»؛ فإنَّ حكمها أن تضافَ إلى الأجناس.
وهذا أَوْلَى مِنْ قول من قال: إنَّ الرحم هنا اسمُ عَيْن، وإنّها (18) بمنزلة قولهم: ذو نُوَاسٍ (19) ، وذو يَزَنَ، وذو رُعَيْنٍ (20) ؛ لأنَّ هذه .............................................
أسماءُ أعلامٍ لا أسماءُ أجناس (21) ، والله أعلم (22) .
.............................................
و«ذو» بمعنى صاحب، وهي من الأسماء (23) الستَّة التي .............................................
اعتلَّتْ بحذف لاماتها في الإفراد، ورفعُهَا بالواو، ونصبُهَا بالألف، وخفضها بالياء، وقد ذَكَرَ (24) النحويون أوزانَهَا وأحكامها (25) .
وقوله: «أَرَأَيْتَ إِذَا أَحْلَلْتُ الْحَلاَلَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ»، يعني (26) : اكتسبْتُ الحلال، وامتَنَعْتُ مِنْ كسب الحرام، هذا عرفُ الحلالِ والحرامِ في الشرع (27) . وأمَّا =(1/167)=@ في أصل (28) الوضع: فيصلُحُ (29) أنْ يطلق الحلالُ على كلِّ ما للإنسان أن يفعلَهُ (30) شرعًا، ولا يُمْنَعَ منه (31) ، والحرامُ على ما يُمْنَعُ (32) الإنسانُ من فعله مطلقاً (33) . &(1/94)&$
__________
(1) ... قوله: «أئمة» ليس في (أ).
(2) ... في (أ): «ترتب».
(3) ... قوله: «النبي» ليس في (أ).
(4) ... قوله: «رضي الله عنه» من (ب) فقط، وقوله: «طلحة بن عبيدالله» في (ح): «أبي طلحة بن عبيدالله»، وفي (أ): «طلحة» فقط.
(5) ... في (غ): «بالإسلام».
(6) ... قوله: «بفعل ما» في (أ): «بما».
(7) ... قوله: «ذلك» ليس في (أ).
(8) ... في (ح): «تلك السنن».
(9) ... في (أ): «للفهم».
(10) ... في (غ): «فيسهل».
(11) ... من قوله: «ثواب تلك ...» إلى هنا: جاء في (أ): «الثواب فيسهل عليهم، ومعلوم».
(12) ... قوله: «ما يسوغ» في (أ) و(ب) و(ح): «ما سُوَّغ»، وفي (ط): «ما شُرِعَ».
(13) ... قوله: «ولا صلاة العيدين ولا غير ذلك» في (أ): «ولا العيدين ولا غيرهما».
(14) ... قوله: «النبي» ليس في (أ).
(15) ... قوله: «ترك ذلك للذي يعلم» في (أ): «تركه لما علم».
(16) ... قوله: «به» في (ح) و(غ): «بالنبي».
(17) ... قوله:« وعلى تحصيل الثواب، والله تعالى أعلم » سقط من (أ).
(18) ... في (ب) و(غ): « وإنها هنا ».
(19) ... في (أ):« رأس ».
(20) ... ذو نواس، وذو يَزَن، وذو رْعَيْن: من ملوك حِمْيَر: ... أما ذو نُوَاس: فمعناه: صاحب نواس، وإنما قيل له ذلك؛ لأنه كانت له ضغيرتان تَنُوسان على عاتقية، يقال: ناس الشيُ يَنُوسُ نَوْسًا ونَوَسَانًا: إذا تحرَّك وتذبذب متدلِّيًا، وقد قيل: إن «ذا نواس هذا هو الذي أنزل الله فيه وفي هذه: ُ ط ظ ص ء »! ! ض [ گ ء «! ! ِ [البُرُوج: 4-5] {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُْخْدُودِ *النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ *} إلى قوله: ُ - صلى الله عليه وسلم - { « » ف ِ [البُرُوج: 9] {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}، واسمه زُرْعة، ويسمَّى في زمان مملكته بـ«يوسف» ذكر ذلك ابن إسحاق وغيره. ... وأمَّا ذو يزن: فمعاه أيضًا صاحب يَزَن، و«يَزَن»: اسم موضع باليمن، وأصله: يَزْأَن، من لفظ الزُّؤَان حَبٌّ يكون في الطعام، و«يزن» غير مصروف؛ للعلمية ووزن الفعل، وإلى هذا الملك تُنْسَبُ الرصاح اليَزَنَيَّة، لأنه أول من عُمَلَتْ له، واسمه : عامر بن أسلم. ... وأما ذو رُغَيْن: فمعناه أيضًا: صاحب رُعَيْن، و«رُعَيْن»: جَبَلٌ عظيم باليمن فيه حصن، وقيل: قصر عظيم، وبه سُمِّي: ذو رُعَيْن، وهو من ولد الحارث بن عمرو ابن حمير. ... وهؤلاء الملوك وغيرهم من ملوك اليمن كان يقال لهم: الأذواء، قال السُّهَيْلي فيما نقله عنه صحاب البرهان: «الإضافة بـ«ذي» أشرف من الإضافة بـ«صاحب»، لأن قولك «ذو» يضاف إلى التابع، و«صاحب» يضاف إلى المتبوع، نقول: أبو هريرة صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - صاحب أبي هريرة، إلا على جهةٍ مَّا، وأما «ذو» فإنك تقول فيها: ذو المال، وذو العرش، فتجب الاسم الأول متبوعًا غير تابع؛ ولذلك سمِّيت أقيال حمير بالأذواء؛ نحو قوله: ذو حدن، وذو يزن، وفي الإسلام أيضًا: ذة الشهادتين، وذو السماكين، وذو اليدين، هذا كلُّه تفخيم للشيء، وليس ذلك في لفظة «صاحب»، «البرهان» للزركشي (4/279). ... وانظر في "ذي نواس": "اللسان" (6/245)، "معجم البلدان" (5/268)، و«غريب ابن الجوزي» (2/441)، و"تفسير البغوي" (4/588)، و"تفسير ابن كثير" (8/390)، و"سيرة ابن هشام" (1/32-37)، وانظر: في "ذي يزن": "اللسان" (13/193، 456)، و"معظم البلدان» (5/436)، وانظر: في "ذي رعين": "اللسان" (13/183، 456)، و"معجم البلدان" (3/52)، و"معجم ما استعجم" (2/662).
(21) ... قال الأشموني في "شرحه على الألفية" (1/77): «ذو: لا تضاف لمضمر، وإنما تضاف لاسم جنس ظاهر غير صفة، وما خالف ذلك فهو نادرٌ»، وقد لخَّص الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد _ح ما تضاف إليه ذو» ، وما لا تضاف إليه، فقال: «فتلخَّص أنَّ «ذو» لا تضاف إلى واحد من أربعة أشياء: العَلَم، والضمير، والمشتق، والجملة، وأنها تضاف إلى اسم الجنس الجامد، سواءٌ كان مصدرًا أم لم يكن» "منحة الجليل، بتحقيق شرح ابن عقيل" (1/57). ... ولمَّا رأى الشارح أن «الرحم» : اسم عين وليس باسم جنس؛ أوَّله بالقرابة، وهو اسم جنس، فتكون «ذو» - على هذا التأويل - مضافةَ إلى اسم جنس؛ على ما هو الأصل فيها، وهو «القرابة» هنا، فقوله: «ذو رحمك» بمعنى «ذو قرابتك»؛ هذا تأويل الشارح. ... وقوله: «وهذا أولى من قول من قال....إلخ» ظاهره أنه يعني به القاضي عياضًا؛ فقد ذكر في "الإكمال" و"المشارق" أن «ذو» إنما تضاف إلى الأجناس، ولا تثنَّى - عند أكثرهم - ولا تجمع، ولا تضاف إلى مضمر، ولا صفة، ولا فعلٌ ولا اسم مفرد، ولا مضاف لأنها نفسها لا تتفك عن الإضافة ، وما جاء على غير ذلك فشاذٌّ؛ كقولهم: ذو يزن، وذو نواس، وكذلك قوله : ذا رحمك ، وتقدير ذلك غيرهم على الاستقبال، أي: الذي له كذا، فقوله: «ذا رحمك» أي: صاحب رحمك ومشاركتك فيها، وتكون الإضافة على تقدير الانفصال، أي: الذي له رحمٌ معك، أو يشاركك فيها. ... ويظهر من ذلك : أن الشذوذ في «ذو يزن» و«ونواس في إضافة «ذو» إلى اسم مفرد ليس - ليس باسم جنس - لا في إضافته إلى اسم علم، والشذوذ في «ذا رحمك» في إضافة «ذو نواس» في إضافة «ذو» إلى اسم مفرد ليس باسم جنس لا في إضافته إلى اسم علم، والشذوذ في «ذا رحمك» في إضافة «ذو» إلى اسم مضاف؛ هذا ما يظهر كلام القاضي. ... لكن يبدو أن الشارح ظن أن القاضي ومن قال بقوله يسوِّي بين قوله: «ذا رحمك» وقولهم: «ذو نواس» في أن كلاَّ منهما مضاف إلى اسم عين، فنبَّه على الفرق: أن نواسًا ونحوه: اسم علم لا اسم جنس. بخلاف «رحمك» وليس ما ردَّ به الشارح على ما ذهب إليه القاضي بشيء. ... انظر: "الإكمال" )1/143) - شواط)، و«ومشارق الأنوار» (1/272)، ومقدمة الفتح" (1/120 ؛ فقد ذكر كلام القاضي وأقرَّه)، و"شرح النووي» (1/139).
(22) ... قوله: «والله أعلم» من (ب) و(غ).
(23) ... في (أ) : «أسماء».
(24) ... من (أ): «وذكر» بإسقاط «قد».
(25) ... انظر فيما ذكره النحويُّون من شروط ما تضاف إليه «ذوو»، وأوزانها، وأحكامها: "شرح ابن عقيل" (1/54-56)، و"شرح الأشموني" (1/73-77)، و"مشارق الأنوار" (1/272).
(26) ... في (أ): «أي».
(27) ... أي: أن عرف الشرع في الحلال والحرام: يكون من جهة الكسب فقط.
(28) ... قوله:« أصل » سقط من (أ).
(29) ... في (ح): «فينبغي فيصلح» وعلى «فينبغي» علامة الضرب.
(30) ... قوله: «أن يفعله» في (أ): «فعله».
(31) ... قوله: «ولا يمنع منه» ليس في (أ)، وفي (ح): «ولا يمنع منه».
(32) ... قوله: «ما يمنع» في (ح) و(غ): «ما منع»، وفي (أ): «مكسب».
(33) ... قوله: «مطلقًا» سقط من (أ).(1/94)
وقوله: «وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا (1) »:
.............................................
يصلُحُ أنْ يُحْمَلَ على ما ذكرناه آنفًا (2) (3) .
وَيَحْتَمِلُ أن يكون قال ذلك (4) ؛ لأنَّه لم يتفرّغْ لفعلِ شيء من النوافل في تلك الحال (5) : إمَّا لِشَغْله بالجهاد، أو بغيره من أعمال الدين، والله أعلم (6) .
بَابُ مَبَانِي الإِْسْلاَمِ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ (7) ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» .
وَمِنْ بَابِ مَبَانِي الإِْسْلاَمِ
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ»؛ يعني: أن هذه الخمس أساسُ (8) دين الإسلام وقواعدُه؛ عليها ينبني (9) ، وبها يقوم (10) .
وإنما خَصَّ هذه بالذكر ولم يذكُرْ معها الجهاد، مع أنه به (11) ظهر (12) الدين، وانقمع به (13) عُتَاةُ الكافرين؛ لأنَّ هذه الخمس (14) فرضٌ وَفِي رِوَايَةٍ: «وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَالْحَجِّ»، فَقَالَ رَجُلٌ: الْحَجِّ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ ؟ قَالَ: «لا، صِيَامِ رَمَضَانَ، وَالْحَجِّ»، هكَذَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - .
دائم على الأعيان، ولا (15) تسقطُ عمَّن اتَّصَفَ بشروط (16) ذلك، والجهادُ من فروض الكفايات، وقد (17) يسقُطُ في بعض الأوقات، بل وقد (18) صار جماعةٌ =(1/168)=@ كثيرةٌ إلى أنّ فرضَ الجهاد (19) قد سقَطَ بعد فتح مكَّة، وذُكرَ (20) أنَّه مذهبُ ابنِ عمر، والثوري، وابن سِيرِينَ، ونحوُهُ لسُحْنُون من أصحابنا (21) ، إلا أن ينزلَ العَدُوُّ بقوم، أو يأمر الإمامُ بالجهاد، فيلزمُ عند ذلك (22) (23) .
.............................................
وقد ظهَرَ مِنْ عدولِ ابن عمر عن جواب الذي قال له: ألا تغزو؟ إلى جوابه بقول النبيِّ (24) - صلى الله عليه وسلم - : «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ»، أنَّه كان لا يرى فرضيَّةَ الجهاد في ذلك الوقت خاصَّةً (25) ، أو على أنَّهُ يرى &(1/95)&$
__________
(1) ... قوله: «شيئًا» سقط من (أ).
(2) ... قوله: «ذكرناه آنفًا» في (أ):« ذكرنا " فقط.
(3) ... (ص 224)؛ وهو أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكُرْ له شيئًا من فعل التطوُّعات؛ فدل ذلك على صحة ترجمة الباب؛ مِنْ أنَّ مَنِ اقتصَرَ على فعل ما وجب عليه، وانتهى عما حُرِّم عليه، دخل الجنة.
(4) ... قوله: «يكون قال ذلك» في (أ): «يقال».
(5) ... قوله: «في تلك الحال» سقط من (أ)، وفي (غ): «وتلك الحال».
(6) ... قوله: «أو بغيره ...» إلى هنا في (أ) : «أو بغيره من القرب»، وفي (ح): «أو لغيره من أعمال القرب، والله تعالى أعلم»، وفي (غ): «لغيره من أعمال الدين» ومكان «أو» فيها بياض.
(7) ... أخرجه البخاري (1/49 رقم8 ) في كتاب الإيمان، باب: دعاؤكم إيمانكم، ومسلم (1/45 رقم16 ) في كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإسلام، ودعائمه العظام.
(8) ... في (أ): «أنها أساس».
(9) ... في (أ): «تنبني».
(10) ... قال العيني: «فإن قيل: ما وجه الحصر في هذه الخمسة، أجيب: بأن العبادة إمَّا قولية، وهي الشهادة، أو غير قولية، فهي: إما تركيُّ، وهو الصوم، أو فعلي، وهو: إما بدني، وهو الصلاة، أو مالي، وهو الزكاة، أو مركَّب منهما، وهو الحج». "عمدة القاري" (1/120).
(11) ... قوله: «وإنما خص ...» إلى هنا: جاء في (أ):« وإنما ذكرها ولم يذكر الجهاد، وبه ».
(12) ... في (ح): «أظهر».
(13) ... قوله: «به» ليس في (أ) و(غ).
(14) ... قوله: «لأن هذه الخمس، في (أ): «لأنها».
(15) ... في (أ): «لا» بدون واو.
(16) ... في (أ): «بشروطها».
(17) ... في (أ): «قد» بلاو واو.
(18) ... في (أ): «قد» بلا واو.
(19) ... يعني: جهاد الطلب إذا لم يأمر به الإمام، أما إذا أمر الإمام بجهاد الطلب فيلزم عند ذلك، وكذلك جهاد الدفع فرضٌ بلا خلاف، وسيأتي ذلك في كلام الشارح، وانظر تعليقنا عليه.
(20) ... في (أ): «وقد ذكر» وفي (ب) : «ذكر» بلاو واو.
(21) ... قوله: «من أصحابنا» سقط من (أ) و(ح).
(22) ... قوله: «عند ذلك» سقط من (أ).
(23) ... تكلَّم أبو بكر بن العربي المالكي _ح كلامًا حسنًا على هذه المسألة، وهي حكم جهاد الطلب للكفار، في كتابه "أحكام القرآن" (1/145-147)، قال: «وذلك [أي: قتال الكفار وجهادهم] متمادٍ إلى يوم القيامة، ممتدٌّ إلى غياة هي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «الخَيْلُ معقودٌ في نواصيها الخيرُ إلى يوم القيامة: الأجر والغنيمة»، وذلك لبقاء القتال، وذلك لقوله تعالى: ُ ج ح خ د ذ ء آ أ ِ [البَقَرَة: 193] {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}، وقيل: غايته: نزولُ عيسى بن مريم _ج قال - صلى الله عليه وسلم - : «ينزل فيكم ابن مريم حكمًا مقسطًا؛ يكسرُ الصليب، ويقتُلُ الخنزير، ويضع الجزية»؛ وذلك موافق للحديث قبله؛ لأن نزول عيسى _ج من أشراط الساعة، وسيقاتل الدخال ويأجوج ومأجوج، وهو آخر الأمر. وقال جماعة من الفقهاء: إن جهاد بعد فتح مكة ليس بفرض، إلا أن يستنفر الإمام أحداً منهم؛ قاله سفيانُ الثوريّ، ومال إليه سحنون، وظنه قومٌ بابن عمر حين رأوْهُ مواظبًا على الحج، تاركًا للجهاد، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «لا هجرة بعد الفتح ولكنْ جهادٌ وثيَّة، وإذا استنفرتم فانفروا»؛ ثبت ذلك عنه؛ وهذا هو دليلنا؛ لأنه أخبر أن الجهاد باقٍ بعد الفتح، وإنما رفع الفَتْحُ الهجرة؛ وذلك لقوله تعالى: ُ ى و ه ن م ِ ، يعني: كفرًا، ُ ء آ أ ِ [البَقَرَة: 193] {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} ... ومواظبة ابن عمر $ذ على الحج؛ لأنه اعتقد الحق، وهو أنَّ الجهاد فرض على الكفاية إذا قام به بعض المسلمين، سقط عن الباقين، ويحتمل: أن يكون رأى أنه لا يجاهد مع ولاة الجور، والأول أصح؛ لأنه قد كان في زمانه عدول وجائرون، وهو في ذلك كلّه مؤثرٌ للحج، مواظب عليه». اهـ كلام ابن العربي. وقد نقلته بطوله لأهميته. ... هذا وقد ذكر العلماء توجيهاتٍ أخرى لَما نُسِبَ إلى ابن عمر $ذ ومن قال بقوله كالثوري وابن سيرين، - رحمهم الله - مما يوهم أن جهاد الطلب ليس بفرض : بأن مقصودهم - إن صح هذا القول عنهم - أنه ليس بفرض عين بل فرض كفاية ، أو أنه غير متعيِّن في كل زمان ومكان، أو أنه حوابٌ لسائل سأل والجهادُ قائمٌ به مَنْ يكفي. وإلا فقد استقر إجماع علماء الإسلام على أنَّ جهاد الكفار طلبًا ودفاعًا فريضة محكمة غير منسوخة. انظر: "فتح القدير" لابن الهمام (5/437)، و"تفسير الجصاص" (3/116)، و"المغني" (8/346)، "زاد المعاد" (3/71)، و"تفسيرابن عطية" (2/43). انهى من «أهمة الجهاد» للعلياني (ص 125)، بتصرُّف. ... وانظر أيضًا: "مجموع الفتاوى" (28/8، 80، 87، 126، 184، 187، 358)، (29/194 - 196)، و"المنتقى" (3/159)، و"مقدمات ابن رشد" (1/367-375)، و"الإكمال" (1/151 - شواط)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/87)، و"شرح النووي" (1/179)، و"الفتح" (1/49).
(24) ... في (أ): «بقوله».
(25) ... قوله:« خاصة » سقط من (أ).(1/95)
سقوطَهُ مطلقًا؛ كما نُقِلَ عنه (1) .
وحديث ابن عمر $ذ هذا قد روي (2) من طرق: ففي (3) بعضها: ... وَفِي أُخْرَى: «بُنِيَ الإِْسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: عَلَى أَنْ يُعْبَدَ اللهُ، ويُكْفَرَ بِمَا دُونَهُ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ ...»، الحَدِيثَ .
«شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلا اللهُ»، وفي بعضها: «على أن يُعْبَدَ اللهُ، ويُكْفَرَ بما دونه» (4) ، فالأُولَى (5) نَقْلٌ للفظ، والأخرى نقلُ بالمعنى، والأصل نقل اللفظ، وهو المتفق عليه .
وقد (6) اختُلِفَ في جواز نقل الحديثِ بالمعنى مِنَ العالِمِ بمواقعِ الكلم (7) ، وتركيبها على قولين: الجواز، والمنع . وأما مَنْ لا يَعْرِف، فلا خلافَ في تحريمِ ذلك عليه، وقد أوضحنا المسألةَ في "الأصول".
وقد وقع (8) في بعضِ الرواياتِ في الأصل (9) : تقديمُ الحجِّ على الصوم، وهي (10) وَهَمٌ (11) ، والله أعلم (12) ؛ لأنَّ ابن عمر $ذ لمَّا سَمِعَ .............................................
المستعيدَ (13) يُقدِّمُ (14) الحجَّ على الصوم، زجَرَهُ ونهاه عن ذلك، وقدَّم الصومَ على الحجِّ، وقال: «هكَذَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ».
.............................................
ولا شك في (15) أنَّ نقل اللفظ كما سُمِعَ هو الأَوْلَى والأسلم، والأعظم للأجر (16) ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «نَضَّرَ اللهُ امْرَأً (17) سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا؛ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ» (18) .
.............................................
ويَحْتَمِلُ: أن =(1/169)=@ يكون (19) محافظةُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على ترتيب هذه القواعد لأنَّها نزلَتْ كذلك: الصلاةُ أولاً (20) ، ثُمَّ الزكاةُ، ثُمَّ الصوم، ثُمَّ الحج (21) .
وَيَحْتَمِلُ ذلك (22) : أنْ يكونَ لإفادة الأوكد فالأوكد (23) ؛ فقد يَسْتَنْبِطُ الناظرُ في ذلك الترتيب (24) : تقديمَ الأوكدِ على ما هو دونَهُ إذا تعذَّر .............................................
الجمعُ بينهما (25) ؛ كمن ضاق عليه وقتُ الصلاة، وتعيَّن عليه في ذلك .............................................
الوقتِ أداءُ الزكاة لضرورة المستَحِقِّ، فيبدأ بالصلاة، أو (26) كما إذا ضاق وقتُ الصلاة على الحَاجِّ، فيتذكَّرُ العشاءَ الآخرة وقد بقي عليه مِنْ وقت صلاة (27) العشاء الآخرة (28) ما لو فعلَهُ لفاته الوقوفُ بِعَرَفَةَ، فقد قال بعضُ العلماء: إنَّه يبدأُ بالصلاة وإنْ فاته الوقوفُ؛ نظرًا إلى ما ذكرناه (29) ، وقيل: يبدأ بالوقوف؛ للمشقَّةِ في استئناف الحَجِّ.
ومن ذلك: لو (30) أوصى رجلٌ بزكاةٍ فرَّط في أدائها، وبكفَّارةِ فِطْرٍ من رمضان، وضاقَ الثلثُ عنهما (31) ، بدَأَ (32) بالزكاة؛ لأوكديَّتها على الصوم، وكذلك: &(1/96)&$
__________
(1) ... كل ما يظهر أن السائل لَمَّا رأى ابن عمر $ذ: مواظبًا على الحج، تاركًا للجهاد - قال له السائل: «ألا تغزو؟» كأنه يسأله: أليس الغزو وجهاد الطلب أهمَّ من الحج وآكد؟! فأجابه ابن عمر بأن الحج من مباني الإسلام وقواعده، ومن فروض الأعيان، وأما الغزو وجهاد الطلب: فليس من مباني الإسلام، ولا من فروض الأعيان، وإنما هو من فروض الكفايات؛ قال النووي: «الظاهر: أن معناه: ليس الغزو بلازم على الأعيان، فإن الإسلام بني على خمسٍ ليس الغزو منها»، وقال الداووديُّ: «لمّا فتحت مكة، سقط فرض الجهاد عمَّن بعد من الكفار، وبقي فرضه على من يليهم، وكان أولاً فرضًا على الأعيان». ... وبذلك يظهر أن ما ذهب إليه ابن عمر والثوري وابن سيرين وابن شُبْرُمة وسحنون - إذا صح ما نسب إليهم - إنما هو نسخ فرضيَّة الغزو وجهاد الطلب من فرضيه على الأعيان إلى فرضه على الكفاية؛ وبذلك يتسق مذهبهم مع مذهب علماء الأمة؛ ويسلم ما نقل في ذلك من الإجماع؛ ولله الحمد. انظر: "شرح النووي" (1/179)، و"الإكمال" (1/152 - شواط)، و"عمدة القاري" (1/121)، و"حاشية السندي على النسائي" (8/107).
(2) ... قوله:« وحديث ابن عمر .....» إلى هنا في (أ) « وروي حديثه».
(3) ... في (أ): «في».
(4) ... في (أ) و(ح) و(غ) و(ط): «تعبد الله وتكفر بما دونه» بتاء المضارعة المثانة من فوق في «تعبد» و«تكفر» ، وفي (ب) بلا فقط منهما، والمثبت من صحيح مسلم، ومتن التلخيص.
(5) ... في (أ): «الأولى».
(6) ... قوله: «قد» سقط من (أ).
(7) ... في (أ): «الكلام».
(8) ... في (أ): «ووقع».
(9) ... قوله: «في الأصل» سقط من (أ). ومراد الشارح بـ«الأصل» : صحيح مسلم، وسيأتي تخريج هذه الرواية والكلام عليها.
(10) ... في (أ): «هو».
(11) ... أي: خطأ، وانظر الفرق بين الوَهَمِ والوَهْمِ في الاستدراك على «الرفع والتكميل» للكنوي (ص 549-554)، وقول الشارح: «وَهَمٌ» وَهَمٌ منه، بل هو روايةٌ بالمعنى، على ما يأتي بيانه!
(12) ... جاءت هذه الرواية عند مسلم في الإيمان، باب بيان أركان الإسلام (20، 21- 26)، وعند البخاري في الإيمان، باب: دعاؤكم إيمانكم (1/49)؛ وعليها رتَّبَ صحيحه، وعند النسائي في الإيمان، باب على كم بني الإسلام ؟ (8/107)، وعند أحمد (2/26، 93، 120).؟ ... وقد اختار الشارح هنا أنَّ هذه الرواية وَهَمٌ، وتعقَّبه العينيٌّ بأنَّ هذا يجرُّ إلى توهينِ الرواية الصحيحة، وكلا الروايتَيْن في الصحيح، ولا تنافي بينهما. ... واختار النووي: أن ابن عمر سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين بالوجهين، ثم لما رَدَّ عليه الرجل، نَسِيَ الوجهَ الذي ردَّه فأنكره؛ واستبعده الأُبِّيُّ في «الإكمال» والحافظ في «الفتح»، ووَجْهُ بُعْدِهِ: أن تطرُّق النسيان إلى الراوي عن الصحابي أولى من تطرُّقه إلى الصحابي؛ ويؤيِّده روايةُ البخاري في التفسير، باب ُ ج ح خ د ذ ِ [البَقَرَة: 193] {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} (8/173)، وفيها تقديم الصيام على الزكاة . قال الحافظ: أفيقال: إن الصحابي سمعه على ثلاثة أوجه؟ هذا مستبعد .اهـ.؟ ... والذي يظهر أن تقديم الصوم على الحج هو الثابت، وغيره مرويٌّ بالمعنى؛ وذلك لإنكار ابن عمر كما نبَّه عليه الشارح، ولورود شواهد لها؛ كحديث جبريل السابق؛ وهذا ما ذكره المازري، واختاره الحافظ، والله أعلم . ... انظر:"صيانة صحيح مسلم"(ص 146)، و"شرح مسلم" للنووي (1/178)، و"المعلم" للمازري (1/281)، و"الإكمال" (1/147 - شواط)، و"إكمال الإكمال" و"تكملة الإكمال" (1/86)، و"الفتح" (1/50)، و"عمدة القاري" (1/121)، و"فتح الملهم" (1/72).
(13) ... في (غ): «المستبيد»، تواسم هذا الرجل المستعيد الذي ردَّ عليه ابن عمر تقديم الحج: يزيد بن بِشْر السَّكْسَكِيّ، أفاده الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في كتابه "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" (ص 336 - 337)، وانظر: "المستفاد، من مبهمات المتن والإسناد" (1/112)، و"شرح النووي" (1/179)، و"الفتح" (1/50).
(14) ... في (أ): «تقديم»، وهو خطأ.
(15) ... قوله: «في» سقط من (أ).
(16) ... قوله: «هو الأولى والأسلم والأعظم للأجر» في (أ): «أولى وأسلم وأعظم».
(17) ... قوله - صلى الله عليه وسلم - : «نضَّر الله امرأً» يُرْوَى بتخفيف الضاد وتشديدها، أي: نعَّمه، وحسَّن وجهه وهو دعاءٌ له بالنضارة، وهي النعمة والحسن؛ قال الحسن المؤدِّب: ليس هذا من الحسن في الوجه، إنما معناه: حسَّن الله وجهه في خُلُقه، أي: جاهه وقدره. ويقال: نَضَرَهُ اللهُ ونضَّره وأنْضَرَهُ، أي: نعَّمه. انظر: "غريب الحديث" لابن الجوزي (2/414)، و"النهاية" (5/70)، و"اللسان" (5/212-213).
(18) ... أخرجه أبو داود في العلم، باب فضل نشر العلم رقم (3660)، والترمذي في العلم، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع رقم ( 2696 )، والنسائي في "الكبرى" كما في "التحفة" (3/206)، وابن ماجه في المقدمة، باب من بلَّغ علمًا رقم (230)، وأحمد في "المسند" (5/183)، والطيالسي في "المسند" - القسم الثاني -(1/293 رقم 94-17)، والدارمي في المقدمة، باب الاقتداء بالعلماء (1/63، 64)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (2/232)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/11)، وابن حبان - كما في الإحسان - (1/237 رقم 67)، والطبراني (5/158، 171، 172 رقم ( 4890، 4924، 4925)، والخطيب في "شرف أصحاب الحديث" ( 17، 18 )، والبيهقي في "الاعتقاد"، باب طاعة الولاة ولزوم الجماعة (ص 245 )، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (1/38،39). ... وهو حديث صحيح؛ وقد عُدَّ من المتواتر، وعَدَّ السيوطيُّ ستةَ عَشَرَ صحابيًّا من رواته، وقال الكتاني: قال الحافظ: إنه مشهور، وعدَّه بعضهم من المتواتر؛ لأنَّه ورد عن أربعة عشر صحابيًّا .اهـ. ... وذكر السيوطي في "التدريب" أنه ورد عن نحو ثلاثين من الصحابة» .اهـ. ... انظر:"قطف الأزهار" (ص 28)، و"نظم المتناثر" (ص 24 )، و"تدريب الراوي" (2/179)، ودراسة حديث: « نضَّر الله امرأً سمع مقالتي » رواية ودراية؛ لعبد المحسن العَبَّاد .
(19) ... في (ح) و(ط) بلا نقط، والمثبت من بقية النسخ، ويحتمل ما في (ح) و(ط): «تكون» بتاء المضارعة المثناة من فوق، وكلاهما صحيح في العربية؛ لأن «محافظة» مؤنَّث لفظي لا معنوي!
(20) ... قوله:« أولاً » سقط من (أ).
(21) ... فيكون قد جاء بالفرائض على نسقها في التاريخ، وهذا الاحتمال ذكره القاضي غياض، وانظر: "الصيانة" ( ص 147)، و"الإكمال" (1/149 - شواط)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/86)، و"شرح النووي" (1/178).
(22) ... قوله: «ذلك» سقط من (أ)، وفي (غ): «ويحتمل أن يكون ذلك»، وهذا الاحتمال ذكره المارزي أيضًا، ونقله عنه القاضي وسكَتَ عنه. انظر: "المعلم" (1/281)، و"الإكمال" (1/147 - شواط)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/86)، و«المنتقى" للباجي (6/1167).
(23) ... قوله: «فالأوكد» سقط من (غ).
(24) ... قوله: «الترتيب» سقط من (أ).
(25) ... بني المازري هذا الاحتمال على أن ابن عمر يمكن أن يكون ممَّن يرى أن الواو العاطفة توجب الترتيب، قال: «فيجب التحفُّظ على التربية المسموعة من النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنه قد يتعلَّق بذلك أحكام» وذكر بعض الأحكام التي سيذكرها الشارح. ... لكن القول بأن الواو تفيد الترتيب، كالفاء وثُمَّ: هو قول ضعيف؛ وإنْ كان هو مذهب كثير من الفقهاء الشافعيين، لكنَّه مذهب شاذٌّ عند النحويين - كما ذكر ذلك النوويُّ عن ابن الصلاح - والصحيحُ الذي عليه الجمهور: أَنَّها لا تقتضيه؛ قال الشارح (كما سيأتي في كتاب الطهارة - باب صفة الوضوء في آخره): وما ذكر من أنَّ الواو تُرتِّب - لا يصحُّ، وممَّا يدلُّ على بطلان ذلك وقوعُهَا في موضع يستحيلُ فيه الترتيب، وذلك بابُ المفاعلة؛ فإنّها لا تكون إلا من اثنين؛ فإنَّ العرب تقول: تخاصَمَ زيدٌ وعمرو، ولا يجوز أن يكونَ هنا ترتيب، ولا أنْ يقَعَ موقعها حرفٌ من حروف الترتيب بوجهٍ من الوجوه؛ فصحَّ ما قلناه .اهـ. ... فالشارح ممَّن يرون أن الواو لا تفيد الترتيب، ولعلَّ هذا هو السبب في عدم بنائه هذا الاحتمال - في كلام ابن عمر - على إفادة الواو الترتيب؛ كما فعل المازري. ... وإنما يتبين هذا الاحتمال على القولل بأن ما قدَّمه الشارح في الذكر، فإنما قدَّمه لأهميته والاعتناء بسبقه؛ كما قالوا مثل ذلك في آية الوضوء؛ فقد أوجب الترتيب في الوضوء: مالك والشافعي وأحمد وإسحاق، دون أن يستندوا إلى إفادة الواو للترتيب لضعفه، وإنما استندوا إلى أمور أخرى، منها: قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه مسلم في صحيه في كتاب الحج، باب حج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال: «ابدَؤُوا بما بدأ الله به» ، وهذا يقتضي العموم، وأيضًا: فإهمال الترتيب في الكلام ستقبح، فيجب تنزيه كلام الشارح عنه، ومثل هذا يقال في حديث ابن عمر. ... وانظر: "الكتاب" لسيبويه (1/147)، (2/304)، و"شرح المفصَّل" (8/90)، و"شرح الكافية الشافية" لابن مالك (3/1204)، و"رصف المباني" للمالقيّ (ص 473)، و"مغني اللبيب" (2/354)، و"همع الهوامع" (2/128)، و"اللباب في علوم الكتاب" لابن عادل الحنبلي (7/231) ، و"معلم" للمازري (1/281)، و"الإكمال" (1/147 - شواط)، و"الصيانة" (ص 147)، و"شرح النووي" (1/178).
(26) ... قوله:« أو » سقط من (ب).
(27) ... قوله: «صلاة» سقط من (ب).
(28) ... قوله: «الآخرة» سقط منها (أ).
(29) ... قوله:« نظرًا إلى ما ذكرنا » سقط من (أ).
(30) ... في (أ) : «مالو».
(31) ... في (أ) : «عنها».
(32) ... في (ب):« يُبدأ ».(1/96)
لو أوصَى بكفَّارةِ الفطر وبَهْديٍ واجبٍ في الحَجِّ، قدَّمَ كَفَّارَةَ الفِطْر؛ وهذا كلُّه على أصل مالك _ح في أنَّ (1) ذلك كلَّه (2) يُخْرَجُ من الثلث،، وأمّا مَنْ ذهب إلى أنَّ ذلك (3) يُخْرَجُ من رأس المال، فلا تفريعَ على ذلك بشيء (4) ممَّا ذكرناه، والله تعالى أعلم (5) . =(1/170)=@
بَابُ إِطْلاَقِ اسْمِ الإِْيمَانِ عَلَى ... مَا جَعَلَهُ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ _ج إِسْلاَمًا
عَنْ أَبِي جَمْرَةَ (6) ، قَالَ: كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَسَأَلَتْهُ عَنْ نَبِيذِ الْجَرِّ؟ فَقَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :«مَنِ الْوَفْدُ؟»- أَوْ: «مَنِ الْقَوْمُ ؟»- قَالُوا: رَبِيعَةُ، قَالَ:«مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ - أَوْ بِالْوَفْدِ - غَيْرَ خَزَايَا وَلا النَّدَامَى»، قَالَ: فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَأْتِيكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ، وَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيَّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، وَإِنَّا لا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلاَّ فِي شَهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا
وَمِنْ بَابُ إِطْلاَقِ اسْمِ الإِْيمَانِ عَلَى ... مَا جَعَلَهُ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ _ج إِسْلاَمًا
معنى «جَعَلَ» في هذه الترجمة: «سمّى»، كما قال تعالى (7) : ُ ژ ؟ عع = ؤ أ آ ِ (8) .
نَدْخُلْ بِهِ الْجَنَّةَ، قَالَ: فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ؛ قَالَ: أَمَرَهُمْ بِالإِْيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ، وَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا الإِْيمَانُ بِاللهِ؟»، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسًا مِنَ الْمَغْنَمِ»، وَنَهَاهُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ - وَرُبَّمَا قَالَ: الْمُقَيَّرِ، وَرُبَّمَا قَالَ: النَّقِيرِ - وَقَالَ: «احْفَظُوهُ، وَأَخْبِرُوا بِهِ مِنْ وَرَائِكُمْ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ وَرَاءَكُمْ».
ويصلُحُ (9) أن يكون بمعنى: «صيَّر» (10) ؛ كما قالت (11) العرب: جعلتُ حُسنَ فلانٍ قبيحًا، أي: صيَّرتُهُ (12) .
وقد تقدَّم (13) القولُ في الإيمان والإسلام في حديث جبريل (14) .
.............................................
أبو جمرة هذا الذي يروي (15) عن ابن عبَّاسٍ حديثَ وَفْدِ عبد القَيْس: هو بالجيم والراء، واسمه (16) : نَصْرُ بنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ (17) ، وقد روى عن ابنِ عبَّاسٍ رجلٌ آخر (18) يقالُ له: أبو حَمْزةَ - بالحاء المهملة والزاي - واسمه: عِمْرَانُ بنُ عطاءٍ القَصَّابُ (19) . &(1/97)&$
__________
(1) ... قوله: «في أن» في (ح): «فإن».
(2) ... قوله:« كله » سقط من (أ).
(3) ... في (أ): «إلى أنه».
(4) ... في (أ): «فلا يفرع بشيء».
(5) ... قوله: «والله تعالى أعلم» ليس في (أ)، وفي (غ): «والله أعلم بغيبه وأحكم».
(6) ... أخرجه البخاري (1/129 رقم 53) في كتاب الإيمان، باب أداء الخمس من الإيمان، ومسلم (1/47 رقم 17/24) في كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وشرائع الدين ... .
(7) ... قوله: «كما قال تعالى» في (أ): «قال الله تعالى».
(8) سورة الزخرف، الآية: 19 ، وانظر تفسير «الجعل» في الآية بـ«التسمية» في : "تفسير ابن كثير" (4/256)، و"تفسير القرطبي" (1/228)، و"اللباب، في علوم الكتاب" لابن عادل الحنبلي (17/240).
(9) ... قوله:« يصلح أن » سقط من (أ).
(10) ... في (غ): «صيَّرته».
(11) ... في (ب) و(ح):« تقول ».
(12) ... وقد ذكر الزركشي في "البرهان" معنى آخر لـ«جعلوا» في آية الزخرف، وهو الاعتقاد؛ فقوله تعالى: ُ ژ ؟ عع = ؤ أ آ ِ [الزّخرُف: 19] {وَجَعَلُوا الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَانِ إِنَاثًا} أي: اعتقدوهم إناثًا. "البرهان" (4/133)، وانظر في معاني «جعل» في القرآن: "البرهان في علوم القرآن" (4/132)، و "إصلاح الوجوه والنظائر" للدامغاني (ص 106). وانظر:"معجم مقاييس اللغة" (3/325 )، و"الصحاح" (2/718)، و"أساس البلاغة" (ص 264). وانظر كلام ابن القيِّم في الفرق بين الجعل الكوني والشرعي في "شفاء العليل" (ص 589).
(13) ... في ( 156-173).
(14) ... من قوله:« وقد تقدم ... » إلى هنا ليس في (أ).
(15) ... في (أ): «أبو جمرة الذي روى».
(16) ... في (أ): «اسمه» بلا واو.
(17) ... وكان أبو جمرة هذا من عبد القيس، كما في "الفتح" (1/130).
(18) ... قوله:« آخر » سقط من (أ).
(19) ... كذا في جميع النسخ: «عمران بن عطاء القصاب»، وفي كتب التراجم: عمران بن أبي عطاء، وهو الأسديُّ، مولاهم، أبو حمزة القَصَّاب الواسطي. ... انظر:"رجال صحيح مسلم" (2/95)، و"تهذيب التهذيب" (8/135)، و"الكاشف" (2/301)، و"التقريب" (430).(1/97)
وقوله:«كُنْتُ (1) أُتَرْجِمُ بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ وبَيْنَ النَّاسِ» (2) ، .............................................
أي: أبلِّغُ كلامه، وأفسِّره لِمَنْ لا يفهمه، وعُرْفُ الترجمةِ: (3) التعبيرُ بلغةٍ عن لغةٍ لمن لا يفهم، وقيل (4) كان أبو جمرة يتكلَّم بالفارسيَّة (5) .
وفيه: دليلٌ على أنَّ ابنَ عبَّاس كان يكتفي في الترجمة بواحد (6) ؛ لأنَّهُ مُخْبِرٌ، وقد (7) اختُلِفَ فيه، فقيل: لا يكفي الواحدُ بل (8) لا بدَّ من اثنين؛ لأنَّها شهادة (9) .
.............................................
وقوله:«فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَسَأَلَتْهُ عَنْ نَبِيذِ الْجَرِّ» (10) ، وهي (11) : جمعُ جَرَّةٍ، وهي: قِلاَلٌ من =(1/171)=@ فَخَّارٍ، غير أنها (12) مَطلِيَّةٌ بالزجاج، وهو الحَنْتَمُ، ونبيذُ الجرِّ: هو ما (13) يُنْبَذُ فيها من التمر وغيره (14) .
وإنما سأَلَتْهُ عن حكم النبيذ في الجِرَارِ: هل يَحِلُّ أم لا (15) ؟ فذكَرَ لها ما يدُلُّ على منْع ذلك، ثم أخذ في ذكر الحديث بقصَّته.
ففيه: ما يدلُّ على أن المفتي يجوز له أن يذكر الدليلَ مستغنيًا به .............................................
عن النصِّ على الفتيا (16) إذا كان السائلُ بصيرًا بموضع الحُجَّة (17) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «مَنِ القَوْمُ؟ أَوْ مَنِ الْوَفْدُ؟ (18) »، هذا شَكٌّ من بعض الرواة (19) .
و«الوَفْد (20) »: الوافدون، وهم (21) القادمون والزائرون، يقال: وَفَدَ يَفِدُ، فهو وافد، والجمع: وَافِدونَ وَوُفُود (22) ، والقوم (23) وَفْدٌ، وقال (24) .............................................
ابنُ عبَّاسِ $ذ - في قوله تعالى: ُ 6 5 8 7 2 1 ِ (25) : رُكْبانًا (26) .
وقوله: «مَرْحَبًا»: هو من الرُّحْب - بضمِّ الراء - وهو السعة، والرَّحْبُ - بفتح الراء -: هو (27) الشيءُ الواسع، وهو (28) منصوبٌ بفعلٍ مضمَرٍ لا يُستعمل إظهارُهُ، أي: صادفْتَ (29) رُحْبًا، أو أتيتَ رَحْبًا؛ فاسْتَأْنِسْ ولا تَسْتَوْحِشْ .
.............................................
و«الخَزَايَا»: جمع خَزْيَان؛ مثلُ: نَدْمَان ونَدَامَى، وسَكْران وسَكَارَى (30) ؛ قال (31) تأَبَّطَ شَرًّا:
..................
وَالْمَوْتُ خَزْيَانُ يَنْظُرُ (32) &(1/98)&$
__________
(1) ... قوله: «كنت» سقط من (أ).
(2) ... قوله:« وبين الناس » سقط من (أ). ... وقوله: «بين يدي ابن عباس وبين عباس» هكذا في نسخ مسلم، وفيه وجهان: ... الأول: على الخذف، والتقدير: بين يدي ابن عباس، وبينه وبين الناس » فخذف لفظة «بينه» لدلالة الكلام عليها. ... الثاني: على الزيادة، والتقدير: بين ابن عباس وبين النسا، كما في البخاري، في كتاب الإيمان، باب تحريض النبي - صلى الله عليه وسلم - وفَد عبد القيس على أن يحفظوا الإيمان والعلم رقم (87)، بحذف «يَدَيْ»؛ فتلون «يدي» عبارة عن الجملة؛ كقوله تعالى: ُ ق ف + ، ) * ِ [النّبَإِ: 40] {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}، أي: قدَّم أفاده النووي في "شرح مسلم" (1/186).
(3) ... قوله: «وعرف الترجمة»، في (أ) «والترجمة».
(4) ... في (أ): «قيل» بلا واو.
(5) ... «كنت أترجم»: الظاهر من معنى الترجمة لغة: هو نقلُ الكلامِ من لغة إلى لغة أخرى، وهذا هو الموجودُ في المعاجم، وهو الوجهُ الذي ذكره الشارح،، أما الوجه الآخر: فهو تبليغُ الكلامِ لمن خَفِيَ عليه مِنَ الناس: إمَّا لزحامٍ مَنَعَ من سماعهم، أو لاختصار، أو نحو ذلك . وهذا وجهٌ حسَنٌ إنْ لم يحتمله نصُّ الكلام؛ فإنه يحتمله معناه، وقد رجَّحه ابن الصلاح في "الصيانة" (ص 153)، واستبعد أن يكون المراد به الفُرْس خاصَّة، وتابعه النووي في "شرح مسلم" (1/186)، والحافظ في "الفتح" (1/130). وانظر: "عمدة القاري" (1/308)، و"النهاية" (1/186)، و"القاموس المحيط" (4/84)، و"لسان العرب"(12/66)، و"الصحاح" (5/1928)، و"المعجم الوسيط" (1/83).
(6) ... نقل هذا الاستنباط من الحديث عن الشارح: صاحب "الفتح" (1/130)، وأيَّده!
(7) ... قوله: «قد» سقط من (أ).
(8) ... قوله:« لا يكفي الواحد بل» سقط من (أ).
(9) ... قال البخاري - في "صحيحه"، كتاب الأحكام، باب ترجمة الحكام، وهل يجوز ترجمان واحد - «قال بعض الناس: لا بد للحاكم من مترجهَيْنِ»، والمراد بـ«بعض الناس»: محمد بن الحسن الشيباني، فقد نزل الترجمة منزلة الشهاة، وقد وافقه الشافعي؛ كما في "الفتح" (13/187)، وانظر: "عمدة القاري" (24/267).
(10) ... قال النووي: «وفي هذا ذليلٌ على جواز استغناء المرأة الرجالَ الأجانب، وسماعَهَا صوتهم، وسماعِهِمْ صوتها؛ للحاجة»، "شرح مسلم" (1/186).
(11) في (أ): «هي» بلا واو.
(12) ... قوله:« غير أنها » سقط من (أ) و(غ).
(13) ... قوله: «هو ما» في (ح): «هو مما»، وفي (غ): «وهو ما».
(14) ... قال النووي: «الجَرُّ: اسم جمع [كذا]، الواحدة جَرَّة؛ ويجمع أيضًا على جرار، وهو هذا الفخار المعروف» "شرح مسلم" (1/186)، وقول النووي: اسم جمع، صوابه: اسم جنس، وهو اسم الجنس الجمعي الذي يفرَّق بينه وبين واحدة بالتاء؛ كالكلم والكلمة، والتمر والتمرة ونحو ذلك، أما اسم الجمع: فهو ما دل على الجمع ولا واحد له من لفظه ومعناه، بأن يكون له واحد من معناه فقط، كالنساء، واحدها امرأة، أو له واحد من لفظه فقط؛ كالعالمين، واحده عالم، لكن العالمين: للعقلاء، والالم: للعقلاء وغير العقلاء؛ فليس اسم الجمع واقعًا على الجَرِّ والجَرَّة هنا، وقد تكلمنا على هذه المسألة. انظر: (ص: ).
(15) ... من قوله: «عن حكم ...» إلى هنا، ورد في (أ): «هل أم لا».
(16) ... من قوله: «ثم أخذ ...» إلى هنا، جاء في (أ): «وذكر الحديث، فيه دليلٌ أن المفتي يستغني بذكر الدليل عن النص على الفتوى».
(17) ... نقل الحافظ في "الفتح" (1/130) هذا الاستنباط من الحديث، عن الشارح، وأقرَّه!
(18) ... في "صحيح مسلم"، و"التلخيص": «من الوفد؟ أو: من القوم؟» بالتقديم والتأخير.
(19) ... قال الحافظ في "الفتح" (1/130): «الشك من أحد الرواة: إما أبو جمرة أو من دونه، وأظنه شعبة؛ فإنه في رواية قرة وغيره بغير شك، وأغرب الكرماني فقال: الشك من ابن عباس $ذ» اهـ.
(20) ... قال ابن الأثير: «قد تكرَّر ذكر «الوَفْد» في الحديث، وهم القوم: يجتمعون ويردون البلاد، وكذلك الذين يقصدون الأمراء لزيارة واسترفاد وانتجاع وغير ذلك»، وفي "اللسان": الوفد: قيل: الركبان المكرَّمون. "النهاية" (5/208)، و"اللسان" (3/464).
(21) ... قوله:« الوافدون وهم » سقط من (أ).
(22) ... في (ح): «والوفود».
(23) ... في (غ): «القوم» بلا واو.
(24) ... في (أ): «وقد قال».
(25) ... سورة مريم، الآية: 85 ، وقوله تعالى: ُ 6 5 8 ِ ليس في (أ)، وجاء في (غ): ُ 6 5 8 7 2 1 ِ بالياء التحتية في «يَحْشُر» مبنيًّا للفاعل، وهي قراءة ابن مسعود وأبي عمران الجوني، كما في «زاد المسير» (5/263)، وهي قراءة شاذَّة.
(26) ... أخرجه الطبري في "تفسيره" (16/127)، من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، به، وقال السمين الحلبي في الكلام على هذه الآية، في «الدر المصون» (7/642): «والوَفْدُ: الجماعة الوافِدُون؛ يُقال: وَفَدَ يَفِدُ وَفْدًا وَوُفُودًا ووِفادَةً، أي: قَدِمَ على سبيل التَّكرِمة، فهو في الأصل مصدرٌ، ثم أُطْلِقَ على الأشخاص كالصَّفِّ، وقال أبو البقاء [في "الإملاء" (2/117)]: «وَفْدُ: جُمْعُ وافِد، مثلُ راكبٍ ورَكْب، وصاحِب وصَحْب»، وهذا الذي قاله ليس مذهَب سيبويه؛ لأنَّ فاعِلاً لا يُجْمَعُ على فَعْلٍ عند سيبويه، وأجازه الأخفش، فأمَّ رَكْبٌ وصَحْبٌ: فأسماءُ جمعٍ لا جَمْعٌ؛ بدليلِ تصغيرها على ألفاظها، قال: أَخْشَى رُجَيْلاً ورُكَيْبًا غَاديَا» وانظر: «العين» (8/80)، و"الصحاح" (2/553)، و"المصباح المنير" (ص 343).
(27) ... قوله: «هو» سقط من (أ).
(28) ... قوله: «وهو» سقط من (أ).
(29) ... في (ح): «صادقت»، وهو خطأ.
(30) ... قوله: «وسكران وسكارى» سقط من (أ).
(31) ... في (ب): «كما قال».
(32) ... هذا جزء من عجز بيت من الطويل، وهو لَتَأَبَّطَ شَرًّا، والبيت بتمامه:
فَخَالَطَ سَهْلَ الأَرْضِ لَمْ يَكْدَحِ الصَّفَا
بِهِ كَدْحَةً وَالْمَوْتُ خَزْيَانُ يَنْظُرُ
... ومعنى البيت: «يقول: وصلتُ إلى السهل، ولم يؤثّر الصفا - وهو الصخر - في صدري، أثرًا ولا خدشًا، والموتُ كان قد طمَعَ فيَّ، فلمَّا رآني وقد تخلَّصْتُ، بقي مستحييًا، يَنظُرُ، أي: يتحيَّر، وقد حُمِلَ قوله تعالى: ُ إ ئ أ ِ [الواقِعَة: 84] {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ *}، على معنى: تتحيَّرون» اهـ. من "خزانة الأدب" (7/507). ... انظر: "ديوانه" ( ص 90)، و"اساس البلاغة" (1/110)، و"خزانة الأدب" (7/503)، و"حماسة أبي تمام" (1/72)،و"شرح ديوان الحماسة" للمرزوقيّ (1/82).(1/98)
يقال (1) : خَزِيَ الرجلُ (2) يَخْزَى خِزْيًا: إذا ذَلَّ، وخَزَايَةً: إذَا خَجِلَ واستحيا (3) .
.............................................
و«النَّدَامَى» هنا (4) : جمعُ نادمٍ؛ لكنَّه (5) على غير قياس؛لأنَّ قياس نَدَامَى أن يكون (6) جمع نَدْمَان كما =(1/172)=@ قلنا (7) ، والندمان: هو المُجَالِسُ على الخمر وساقيها؛ كما (8) قال الشاعر:
فَإِنْ كُنْتَ نَدْمَانِي فَبِالأَْكْبَرِ اسْقِنِي
وَلاَ تَسْقِني بِالأَْصْغَرِ المُتَثَلِّمِ (9)
وليس مرادًا هنا (10) ، وإِنَّمَا جَمَعَ نَادِماً (11) هنا (12) على نَدَامَى؛ إتباعًا .............................................
لـ«خَزَايَا»؛ على (13) عادتهم في (14) إتباع اللفظِ اللفظَ (15) وإنْ لم يكنْ بمعناه (16) ؛ كما قالوا: إنِّي (17) لآتيه بالغَدَايَا والعَشَايَا ؛ فجمعوا (18) الغُدْوَةَ: غَدَايَا؛ لمَّا ضمَّوه إلى العشايا (19) ؛ كما (20) قال شاعرهم:
هَتَّاكِ أَخْبِيَةٍ وَلاَّجِ أَبْوِبَةٍ
................... (21)
.............................................
فجمَعَ البابَ: أَبْوِبَةً (22) ، لَمَّا أتبعَهُ: أَخْبِيَة، ولو أفرده، لما جاز ذلك، ومن هذا النوع (23) : قولُهُ - صلى الله عليه وسلم - للنساء المتَّبعات للجنازة: «ارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ» (24) ، ولولا مراعاةُ الإتباع، لقال: .............................................
مَوْزُورات بالواو؛ لأنه (25) من الوِزْرِ (26) (27) .
.............................................
قال (28) القَزَّاز في "جامعه": يقال في النادم: نَدْمَانُ؛ فيكون نَدَامَى على القياس (29) .
ومعنى هذا القول: التأنيسُ (30) ، والإكرامُ والثناءُ عليهم بأنَّهم .............................................
بادروا بإسلامهم طائِعِينَ، من غيرِ خِزْيٍ لَحِقَهُمْ من قَهْرٍ (31) ولا سِبَاء، ثُمَّ إنَّهم لمَّا أسلموا كذلك، احْتُرِمُوا وأُكْرِموا وأُحِبُّوا، فلم (32) يَنْدَمُوا على ذلك، بل انشرحَتْ صدورهم للإسلام (33) ، وتنوَّرَتْ قلوبُهُمْ بالإيمان .
و«غَيْرَ خزايا»: منصوبٌ على الحال، أي: أتيتُمْ في هذه الحال (34) .
ويروى: «ولا الندامى»، «ولا ندامى» (35) ، معرَّفًا وغير مُعَرَّف (36) ؛ وهما بمعنىً واحدٍ.
و«الشُّقَّة البعيدة»: المسافةُ البعيدة (37) الصعبة. و«الحَيُّ»: القبيل، و«ربيعة»: هو (38) خبَرُ مبتدأ محذوف؛ أي: نحنُ ربيعة، أي: بنو ربيعةَ.
.............................................
وقوله:«وَإِنَّا (39) لا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلاَّ فِي شَهْرِ الْحَرَامِ»، كذا الرواية الصحيحة =(1/173)=@ بتعريف الحرام ، وإضافة (40) «الشهر» إليه (41) ، وهو من باب إضافةِ الشيء إلى صفته؛ كما قالوا (42) : مسجدُ الجامع، وصلاةُ الأُولَى؛ وقال تعالى (43) : ُ ً {ولدار الآخرة خير} ِ (44) ، &(1/99)&$
__________
(1) ... في (ب): «ويقال».
(2) ... قوله: «الرجل» سقط من (أ).
(3) ... زاد في "أساس البلاغة" (2/162) قال: وخَزِيَ منه وَخَزِيَهُ: مثلُ استحيا منه واستحياه - خَزَايَةً، وهي شدة الحياء، ورجلٌ خَزْيَانُ، وامرأةٌ خَزْيَا؛ قال (تأبط شرًّا)، وذكر البيت. وانظر: "العين" (4/291)، و"غريب أبي عبيد" (4/359 - 360)، و"غريب ابن قتيبة" (2/647)، و"غريب ابن الجوزي" (1/277)، و"النهاية" (2/30)، و"اللسان" (4/227).
(4) ... قوله: «هنا» سقط من (أ).
(5) ... قوله:« لكنه » سقط من (أ).
(6) ... قوله:« أن يكون » سقط من (أ).
(7) ... قوله: «كما قلنا» سقط من (أ).
(8) ... قوله: «كما» سقط من (أ).
(9) ... هذا البيت من الطويل، وهو للنعمان بن نَضْلَةَ العدوي، ويقال: النعمان بن عَدِيٍّ، استعمله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على مَيْسَانَ، فأراد امرأتَهُ أن تخرُجُ معه فأبت، فكتَبَ إليها قصيدةً مطلعها:
فَمَنْ مُبْلِغُ الحَسْنَاءِ أنَّ حَلِيلَهَا
بِمَيْسَانَ يُسْقَى مِنْ رُخَامٍ وَحَنْتَمِ
إذَا شِئْتُ غَنَّتْنِي دَهَاقِينُ قَرْيَةٍ
وَصَنَّاجَةٌ تجثو على حَرْفِ مَنْسِمِ
فإنْ كنتَ ندماني فبالأكيرا سقني
................ البيتَ
لعل أميرَ المؤمنين يَسُوؤُه
تنادُمُنَا في الجَوْسَقِ المتهدِّمِ
... فعزله عمر . وانظر الأَبياتَ والقصَّةَ في: "معجم البلدان" (5/242)، و"لسان العرب" (10/107، 12/572، 14/137).
(10) ... قوله: «مرادًا هنا» في (أ): «هو المراد هنا».
(11) ... في (أ): «جُمِعَ نادمٌ».
(12) ... في (ح): «هذا».
(13) ... في (أ): «لأن».
(14) ... قوله: «في» سقط من (أ).
(15) ... قوله: «اللفظ» القاني سقط من (غ).
(16) ... قوله: «وإن لم يكن بمعناه» أي: وإن لم يكن اللفظ الثاني في حكم اللفظ الأول عند أهل اللغة؛ كما سيأتي إيضاحه.
(17) ... في (أ): «إنني».
(18) ... في (غ): «فجمع».
(19) ... انظر: "إكمال المعلم" (1/158 ط شواط، وفيه: «فجمعوا الغداة غدايا»، و"أدب الكاتب" (ص 600)، وفيه: «إني لآتيه بالعشايا والغدايا؛ فجمعوا الغداة غدايا».
(20) ... قوله: «كما» سقط من (أ).
(21) ... هذا صدر بيت من البسيط، والبيت بتمامه:
هَتَّاكِ أَخْبِيَةٍ وَلاَّجِ أبوبةٍ
يَخْلِطُ بِالبِرِّ منه الجِدَّ واللَّينَا
... وهو للقُلاَخِ بن حَزَن، أو لابن مُقْبل كما في "لسان العرب" (1/223)، و"تاج العروس" (1/314)، وللقُلاَ؛ كما في "الاقتضاب" لابن السِّيد (ص 472)، و"التنبيه والإيضاح" (1/43)، ولابن مقبل، كما في "ديوانه" (ص 406) و"الصحاح" (1/90)، وبلا نسبة في "تهذيب اللغة" (ص 672)، و"مجمل اللغة" (1/301)، و"الأضداد" لابن الأنباري (145)، و"المزهر" (1/341). وفي بعض هذه المصادر تحريف لاسم القلاخ بن حزن إلى القلاخ بن حبابة. انظر: "الشعر والشعراء" (2/707). ... وفي هذه المصادر يستشهدون بالبيت على أنَّ «باباً» يجمع في القلَّة على «أفعال» ولا يجمع على «أَفْعِلَةٍ» إلا للازدواج؛ كما في جمع «باب» على "أبوبة" هنا؛ ليزدوج مع «أخبية» قبله، لكن ذكر في "اللسان" اعتراضًا على هذا، قال: «وزعم ابن الأعرابي واللحياني: أنَّ «أبوبة» جمع «باب» من غير أن يكون اتباعًا، وهذا نادر؛ لابن بابًا: فَعَلٌ، وفَعَلٌ: لا يكسِّر على أفعلة، «وقد كان لوزير ابن المغربي يَسْأَلُ عن هذه اللفظ على سبيل الامتحان، فيقول: هل تعرف لفظةً جُمِعَتْ على غير قياس جمعها المشهور طلبًا للازدواج؛ يعني هذه اللفظة، وهي: أبوبة». "لسان العرب" (1/223)، وعنه "تاج العروس" (1/314).
(22) ... في (أ): «بأبوبة».
(23) ... قوله: «ومن هذا النوع» في (أ): «ومنه».
(24) ... أخرجه ابن ماجه في الجنائز، باب ما جاء في اتِّبَاعِ النساء الجنائز رقم (1578)، من طريق إسماعيل بن سلمان، عن دينار بن عمر البَزَّار، عن محمد بن الحنفية، عن علي - رضي الله عنه - قال: خرَجَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا نِسْوَةٌ جلوس، قال: « ما يُجْلِسُكُنَّ؟»، قلن: ننتظر الجنازة، قال: «هل تغسِّلْنَ ؟ »، قلن: لا، قال: « هل تَحْمِلْنَ ؟ »، قلن: لا، قال: « هل تدلِّين فيمن يدلِّي ؟ »، قلن: لا، قال: «فارجعن مأزوراتٍ غير مأجوراتٍ». ... قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (2/44):«هذا إسنادٌ مختَلَفٌ فيه من أجل دينار، وإسماعيل بن سلمان، وأورده ابن الجوزي في "العلل المتناهية" من هذا الوجه، ورواه الحاكم، من طريق إسرائيل، ومن طريق الحاكم رواه البيهقي».اهـ. ... وهو في "العلل المتناهية" (2/240)، وعند البيهقي (4/77)، ولم أجده في المطبوع من "مستدرك الحاكم"، والحاصل: أنه ضعيف؛ لحال إسماعيل بن سلمان؛ قال فيه ابن معين: ليس حديثه بشيء، وقال أبو داود والدارقطني: ضعيف. "تهذيب التهذيب" (1/265). ولحال ديناربن عمرالبَزَّار؛ قال الأزدي:متروك، وقال الخليلي:كذَّاب "تهذيب التهذيب"(3/188). ... وللحديثِ شاهدٌ عن أنس أخرجه أبو يعلى؛ كما ذكر ذلك الهيثمي في "المجمع" (3/28)، وقال: وفيه الحارث بن زياد. قال الذهبي: ضعيف. ولم أجده في المطبوع من "مسند أبي يعلى". ... وأخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" (6/200)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/420)، كلاهما من طريق إبراهيم بن هُدْبة، عن أنس، بمعناه، ولكنه ضعيفٌ بالمَرَّة، فإبراهيم بن هُدْبَةَ قال فيه أحمد: لا شيء، روى أحاديثَ مناكيرَ، وقال ابن معين: تبيَّن لنا كذبه، كذّاب خبيث . وقال ابن الجوزي: أجمعوا على تركه. انظر:"العلل المتناهية" (2/420)، و"فيض القدير" (1/473)، و"الميزان" (1/71).
(25) ... قوله: «لأنه» سقط من (أ).
(26) ... من أول قوله: «على عادتهم في اتباع اللفظ اللفظ ...» إلى هنا: هو من كلام الفرَّاء وغيره من أهل اللغة؛ كما ذكر ذلك ابن قتيبة في "أدب الكاتب" (ص 600)، ونقله عن ابن قتيبة عن الفراء: القاضي عياض في "إكمال المعلم" (1/158 - 159 شواط).
(27) ... ما ذكره الشارح في شرح قوله - صلى الله عليه وسلم - : «غير خزايا ولا ندامى» مما سمَّاه اتباعًا واستشهد عليه بقولهم: «إني لآتيه بالغدايا والعشايا»، وببيت القلاخ، وبما نسب إليه - صلى الله عليه وسلم - من قوله: «ارْجْعن مأزوراتٍ مأجورات»، هذا يسمَّيه اللغويون والصرفيون: اتباعًا؛ كما سبق نقله عن الفرَّاهء - ويسمِّيه البلاغيون: ترصيعًا، وازدواجًا، وهو من المحسنات البديعية اللفظية، من أقسام السجع، وهو عندهم: «أن يكون ما في إحدى القرينتين من الألفاظ - أو أكثر ما فيها - مِثْلَ ما يقابله من الأخرى في الوزن والتقطية»، ويكون ذلك في لفظة لفظة، وفي لفظتين لفظتين، وغير ذلك، يوجد ذلك في النثر، وفي أشعار كثيرة من الفحول المجيدين، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يتوخَّى في كلامه مثل ذلك؛ ومن ذلك: ما روي عنه، ... أنه عوَّذ الحسن والحسين، فقال: «أعيذكما من السامَّة والهامَّة، وكلِّ عينٍ لامَّة» وإنما أراد: ملمَّمة، وكذلك ما روي عنه من قوله: «خير المال سكة مأيورة، ومُهْرَةٌ مأمورة»، فقال: مأمورة» من أجل «مأيورة»، والقياس: «مؤمَّرة». ... وانظر: "نقد الشعر" لقدامة بن جعفر (ص 19)، و"الزاهر: 1/350)، و"آمالي ابن الشجري" (3/38)، و"الصناعتين" للعسكري (ص 379)، و«تلخيص المفتاح" لشرح البرقوقي (ص 398)، و"بغية الإيضاح" (4/79، 81)، و"غريب الحديث" للخطابي (3/13)، و«النهاية» لابن الأثر (5/179)، و"شرح الكافية البديعية" لصفي الدين الحِلِّيِّ (190)، و"معجم البلاغة العربية" لطيانة (ص 260).
(28) ... في (أ): «قال» بلا واو.
(29) ... لخَّص النووي _ح هذين القولين، في «الندامى»، فقال: «أمَّا الندامى: فقيل: إنه جمع ندمان بمعنى نادم؛ وهي لغةٌ في نادم حكاها القزاز صاحب جامع اللغة، والجوهري في «صحاحه» [5/2040]؛ وعلى هذا: هو على بابه، وقيل: هو جمع نادم؛ اتباعًا لخزايا، وكان الأصل: ناديمن؛ فأتبع لخزايا؛ تحسينًا للكلام؛ وهذا الاتباع كثير في كلام العرب، وهو من فصيحه». «شرح النووي» (1/187)، وانظر: «الإكمال» (1/59 - شواط)، و"صيانة صحيح مسلم» ( 154)، و"فتح الباري" (1/131)، و"عمدة القاري" (1/306)، وانظر: من كتب اللغة والغريب: "العين" (8/52)، "النهاية" (5/35)، و"اللسان" (12/573).
(30) ... قوله: «ومعنى هذا القول التأنيس» في (أ): «ومعناه التأنيس».
(31) ... قوله: «قهر» في (غ): «فقر».
(32) ... في (ب): «ولم».
(33) ... من قوله: «ثم إنهم ...» إلى هنا، في (أ): «فأحبوا وأكرموا واحترموا، فلم يندموا؛ بل انشرحت صدورهم».
(34) ... قوله:« أي أتيتم في هذه الحال » سقط من (أ).
(35) ... قوله: «ولا ندامى» سقط من (أ).
(36) ... قوله: «وغيرَ مُعرَّف» في (أ) : «ومنكرَّا».
(37) ... قوله: «البعيدة» سقط من (أ).
(38) ... قوله: «هو» سقط من (أ).
(39) ... في (غ): «إنا» بلا واو.
(40) ... في (أ): «بإضافة».
(41) ... قوله:« إليه » سقط من (أ).
(42) ... في (أ): «كقولهم».
(43) ... في (أ) و(غ): «قال تعالى» بلا واو.
(44) ... سورة النحل، من الآية: 30 .(1/99)
وهو (1) على تقدير محذوف؛ فكأنّه (2) قال: شَهْرٌ الوقتِ الحرامِ، ومسجدُ المكانِ الجامعِ، ولدارُ (3) الحالةِ الآخِرَةِ، ونحوه (4) .
.............................................
ويعنون بشَهْرِ الحرامِ (5) رجبًا (6) ؛ لأنَّه منفردٌ بالتحريم بين شهور .............................................
الحِلِّ، بخلاف سائر الأشهر الحُرُم؛ فإنَّها متوالية؛ ولذلك يقال فيها: ثلاثةٌ سَرْد، وواحدٌ فَرْد، ويعنون (7) به: رجبًا (8) ،وهو الذي (9) قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : «إنَّهُ شَهْرُ مُضَرَ» (10) ، وإنما (11) نسبُهُ إليهم: إمَّا لأنَّها انفردَتْ بابتداء (12) احترامه، أو لتخصيص الاحترامِ (13) به، أو بزيادةِ التعظيمِ له على غيرهم (14) والله تعالى أعلم (15) .
.............................................
وقد وقع (16) في بعض النسخ:«في (17) شَهْرٍ حَرَامٍ»، وهو يصلُحُ لرجبٍ وحدَهُ، ولجميعِ الأشهُرِ الحُرُمِ.
وحاصلُ قولهم هذا: أنه (18) اعتذارٌ عن امتناعِ (19) تكرُّرِ قدومهم عليه.
وقولهم:«َمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ (20) نُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، نَدْخُلْ بِهِ الْجَنَّةَ»، قيّدناه على مَنْ يُوثَقُ بعلمِه: «نُخْبِرُ (21) » مرفوعًا (22) ، و«ندخل» مرفوعًا ومجزومًا؛ فرفعهما على الصفة لـ أَمْر (23) وجزمُ «ندخُلْ» على جوابِ الأمرِ المتضمِّنِ للجزاء؛، فكأنَّه قال: إنْ أمرتَنَا .............................................
بأمرٍ واضحٍ، فعلناه (24) ، ورجَوْنَا دخولَ الجنة بذلك الفعل (25) .
و القولُ الفصلُ : هو الواضحُ البليغُ الذي يَفْصِلُ بين الحقِّ والباطل؛ كما (26) قال تعالى: ُ ل ك ق ِ (27) .
وقوله (28) :«فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍٍ»، ثُمَّ إنَّه ذكر خمسًا:
فقيل في ذلك: =(1/174)=@ إنَّ (29) أَوَّلَ الأربعِ المأمورِ (30) بها: هو إقامُ الصلاة، وذكَرَ كلمةَ التوحيد (31) ؛ تبرُّكًا بها، وتشريفًا لها (32) (33) ؛ كما وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (34) ؛ أَنَّ نَاسًا مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ...، وَذَكَر نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ: فَقَالَ
قيل ذلك (35) في قوله تعالى: ُ 3 4 = عع ِ (36) في قولِ كثيرٍ (37) من أهل العلم (38) .
وقيل: إنما قصد إلى (39) ذِكْرِ الأركان الأربع التي هي (40) : التوحيدُ، والصلاة، والصوم، والزكاة، ثم ظهر له أنَّهُمْ أهلُ غزوٍ وجهاد، فَبَيَّنَ لهم وجوبَ أداءِ الخُمُسِ (41) ، والله أعلم (42) (43) .
رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: اعْبُدُوا اللهَ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَصُومُوا رَمَضَانَ،
وإنما لم يذكُرْ (44) لهم الحجَّ؛ لأنَّهم لم يكنْ لهم (45) إليه سبيلٌ من أجلِ كُفَّارِ مُضَرَ، أو لأَنَّ (46) وجوبَ (47) الحجِّ على التراخي، والله تعالى أعلم (48) (49) .
وَأَعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ الْغَنَائِمِ،، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ، وَالنَّقِيرِ»، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَا عِلْمُكَ بِالنَّقِيرِ؟
وقد &(1/100)&$
__________
(1) ... قوله: «وهو» سقط من (أ).
(2) ... في (أ) : «كأنه».
(3) ... في (أ): «ودار».
(4) ... هذه المسألة من مسائل النحو التي اختلف فيها أهل الكوفة وأهل البصرة، وهي مسألة «إضافة الشيء إلى نفسه إذا اختلف اللفظان»، فقد أجاز ذلك الكوفيون، واحتجوا بورود السما به في القرآن وكلام العرب من مثل قوله تعالى: ُ ي ى و ه ن ء «! ! ِ [الواقِعَة: 95] {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ *}، وقوله - وهو ذكره الشارح -: ُ ً ي ى ِ [يُوسُف: 109] {وَلَدَارُ الآْخِرَةِ خَيْرٌ}، وقوله: ُ . £ $ ِ [ق: 9] {جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ}، وقوله: ُ ز ر ش س ِ [القَصَص: 44] {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ}، وقوله: ُ 4 - . ِ [البَيّنَة: 5] {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}، وكذلك ما ورد في كلام العرب من مثل قولهم: «مسجد الجامع»، و«صلاةُ الأولى»، و«بقلةُ الحمقاء»، وجعلوا هذه الشواهد كلَّها من باب إضافة الموصوف إلى صفته؛ كما ذكر الشارح.
... وقد منع ذلك الكوفيون، لأن الشيء لا يتعرَّف بنفسه، فوجب ألاَّ يجوز؛ كما لو كان لفظهما متفقًا، وأجابوا عمَّا احتج به الكوفيون؛ بأنَّه كلَّه لا جة لهم فيه؛ لأنه كلُّه محمول على حذف المضاف إليه وإقامة صفته مقامه، كما أشار إلى ذلك الشارح أيضًا؛ وتقدير ما احتجوا به على التوالي: حقُّ الأمر اليقين، ولدار الساعة الآخرة، وحَبَّ الزرع الحصيد، وبجانب المكان الغربي، ودين الملة القيَّمة، ومسجد الموضع الجامع، وصلاة الساعة الأولى، وبقلة الحية الحمقاء.
... وما ذهب إليه البصريون: هو مذهب كثير من العلماء، ومنهم: أبو البركات الأنباري، وابن الشجري، وغيرهم. انظر: "أمالي ابن الشجري" (2/426)، و"الإنصاف مسائل الخلاف" (2/436 - 438)، و"شرح الأشموني، مع حاشية الصيانة" (2/215)، و"شرح الرضي على الكافية" (1/263 - 266)، و"اللسان" (8/55).
... وأما قول الشارح _ح: «وهو من باب إضافة الشيء إلى صفته»، وقوله: «على تقدير محذوف»: فمتناقضان؛ لأمرين:
... الأول: أن أول كلامه: ذهاب منه إلى مذهب الكوفيين، وآخر كلامه: ذهاب منه إلى مذهب البصريين؛ كما وضحناه.
... الثاني: أن إضافة الشيء إلى صفته في هذه الشواهد يستلزم عدم تقدير مضاف إليه محذوف، كما أن تقدير مضاف إليه محذوفٍ لا يتأتى معه صحة كون هذه الشواهد من إضافة الشيء إلى صفه، وهذا واضح.
... هذا؛ ويظهر لي أنَّ قول الشارح هو ما ذهب إليه البصريون؛ وعلى هذا فقوله: «وهو من باب إضافة الشيء إلى صفته» يعني: بحسب الظاهر فقط، لا أنه على الظاهر والحقيقة في نفس الأمر بلا تقدير، والدليل أنه يعني ذلك: تقديره المحذوف بَعْدُ؛ كما في "عمدة القاري" (1/306)، وانظر: "الصيانة" (1/150)، و"شرح النووي" (1/182).
(5) ... في (أ):« ويعنون به ».
(6) ... لكن النووي _ح ذكر أن مرادهم بقولهم: «شهر الحرام»: جنس الأشهر، ويدل على ذلك الرواية الأخرى بعد هذه في حديث أبي سعيد الخدري الآتي، وفيه: «إلا في أشهر الحرم»، والأشهر الحرم: هي: ذو القعدة، وذوالحجة، والمحرَّم، ورجب، هذه الأشهر هي الأشهر الحرم بإجماع العلماء، انظر: "شرح مسلم" (1/182)، و"عمدة القاري" (8/243).
(7) ... في (ح) و(غ): «يعنون».
(8) ... في (ح): «رجب».
(9) ... من قوله:« بخلاف سائر الأشهر ... » إلى هنا ليس في (أ).
(10) ... قطعة من حديث أبي بَكْرة في خُطْبته ؟ بحجة الوداع، وأوَّله: «إنَّ الزمانَ قد استدار كهيئته يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السموات والأرضَ ...»، ثم ذكر الأشهُرَ الحُرُمَ، ومنها: رجبُ مُضَرَ الذي بين جمادى وشعبان . والحديثُ في الصحيحَيْن، أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب ما جاء في سبع أرضين (6/292)، وفي التفسير، باب: إنَّ عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا (8/324 )، ومسلم في القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء (1679).
(11) ... قوله: «وإنما» سقط من (أ).
(12) ... قوله: «انفردت بابتداء» في (أ): «ابتدأت».
(13) ... في (أ):« الإحرام ».
(14) ... فكانتْ ربيعةُ يجعلون بدله رمضان، ومِنَ العرب مَنْ يجعل بدله شعبان، أمَّا مضر: فكانوا يزيدون في تعظيم رجب، مع تحريمهم القتال في الأشهر الثلاثة الأخرى؛ إلا أنهم ربما أنسَؤُوا هذه الأشهر؛ بخلاف رجب، انظر: "الفتح" (8/324)، وانظر أيضًا: "الفتح" (1/132).
(15) ... قوله: «والله تعالى أعلم» سقط من (أ).
(16) ... قوله : «قد وقع» سقط من (أ).
(17) ... قوله: «في» سقط من (أ).
(18) ... قوله: «وحاصل قولهم هذا أنه» في (أ): «وهو».
(19) ... في (أ): «منع».
(20) ... قال العيني: «الأمر: إما واحد الأمور، أي: الشأن، وإما واحد الأوامر، أي: القول الطالب للفعل، و«فَصْل» إما بمعنى الفاصل كالعَدْل، أي: يفصل بين الحق والباطل، وإما بمعنى المفصَّل، أي: واضح بحيث يفصل به المراد عن غيره» "العمدة" (1/305)، وانظر: "شرح النووي" (1/188)، و"الفتح" (1/132).
(21) ... في (ب) و(ح) و(غ): «نخبر به».
(22) ... قوله: «مرفوعًا» سقط من (أ).
(23) ... قوله: «لأمر» ليس في (أ).
(24) ... في (ب) و(ح) و(غ): «فعلنا به».
(25) ... هكذا قدَّر الشارح العبارة في بيان جزم «ندخل»، ولعل صواب التقدير أن يقال: «مُرْنا بأمر فصل واضح إنْ نَفْعَلْهُ نَدْخُلْ به الجنَّةَ، بفضل الله ورحمته»؛ لأن النحاة في جزم المضارع في جواب الأمر، يقدِّرون الأفعال مضارعةً لا ماضية.
(26) ... فقوله: «كما» سقط من (أ).
(27) ... سورة الطلاق، الآية: 13 .
(28) ... في (أ): «قوله» بلا واو.
(29) ... قوله:« في ذلك إن » سقط من (أ).
(30) ... في (ح)، (غ): «الموعود».
(31) ... قوله: «هو إقام الصلاة ...» إلى هنا في (أ): «إقام الصلاة وكلمة التوحيد».
(32) ... قوله:« لها » سقط من (أ).
(33) ... وهذا رأي القاضي؛ فقد قال في «الإكمال»: الأربعُ التي أخبرهم بها لا يُعَدُّ فيها الإيمانُ، ولا عبادةُ الله وتركُ الإشراك؛ إذْ كان هذا قد تقرَّر عندهم وأتوه، وإنما سألوه عن غيره ممَّا لم يعلموا من قواعد الشرع . "الإكمال" (ص 325). وانظر:"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/93)، و"الفتح" (1/133).
(34) ... أخرجه مسلم في الباب السابق (1/48 رقم 18).
(35) ... قوله: «ذلك» سقط من (أ).
(36) ... سورة الأنفال، الآية: 41 .
(37) ... في (أ): «عن كثير».
(38) ... هو قولُ ابن عبَّاس، والحسن، وعطاء، وقتادة، وإبراهيم، والشعبي، وغيرهم، ونصره ابنُ حجر، وابن كثير؛ وعليه فيكونُ خُمُسُ اللهِ ورسولِهِ واحدًا، ويكونُ ذكر «الله» عز وجل استفتاحًا للكلام، وإلا فالدنيا والآخرةُ لله، وأضافه إلى نفسِهِ تشريفًا؛ لأنَّ الفيءَ من أشرفِ الكسب . ... القولُ الثاني: أنَّ سهم الله مستَحَقٌّ لبيته، ومعناه: فإنَّ لبيتِ اللهِ خمسَهُ وللرسولِ. روي عن أبي العالية،وردَّه ابنُ جرير. وانظر تفصيل ذلك في: "تفسير الطبري"(10/3)، و"تفسير ابن كثير" (4/3)، و"تفسير الماوردي"(2/103)، و"تفسير أبي السعود"(2/238)، و"تفسير القرطبي" (8/10).
(39) ... قوله: «إلى» سقط من (أ).
(40) ... قوله: «التي هي» في (أ): «وهي».
(41) ... في (ح): «الحج».
(42) ... قوله: «والله أعلم» سقط من (أ).
(43) ... انظر بقية الأجوبة على ذلك في: "إكمال العلم" (1/153 - 156) شواط)، و"صيانة صحيح مسلم" (ص 155)، و"شرح مسلم" للنووي (1/84)، و"الفتح" (1/132 - 134).
(44) ... في (أ): «ولم يذكر».
(45) ... قوله:« لهم » سقط من (أ).
(46) ... في (ب)، و(غ): «ولأن».
(47) ... قوله: «وجوب» سقط من (أ).
(48) ... قوله: «والله تعالى أعلم» سقط من (أ).
(49) ... تعقَّب الحافظ هذين الجوابين اللذين ذكرهما الشارح هنا بالإبطال؛ فقال عن الجواب الأول: «ليس بمستقيم؛ لأنه لا يلزم من عدم الاستطاعة في الحال ترك الإخبار به ليعمل به عند الإمكان؛ كما في الآية ُ ُ َ ٍ ٌ ً ِ [آل عِمرَان: 97] {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}، بل دعوى أنهم كانوا لا سبيل لهم إلى الحج: ممنوعة؛ لأن الحج يقع في الأشهر الحرم، وقد كانوا يأمنون فيها»، واعترض الجواب الثاني - أن وجوب الحج على التراخي - بقوله: «ليس بجيِّد؛ لأنَّ كونه على التراخي لا يمنع من الأمر به». ... ثم أجاب الحافظ - بعد أن تعقّب هذين الجوابين وغيرهما - فقال: «لكن يمكن أن يقال: إنه إنما أخبرهم ببعض الأوامر [يعني: ولم يذكر لهم الحج]؛ لكونهم سألوه أن يخبرهم بما يدخلون بفعله الجنة، فاقتصر لهم على ما يمكنهم فعله في الحال، ولم يقصد إعلامهم بجميع الأحكام التي تجب عليهم فعلاً وتركًا؛ ويدلُّ على ذلك: اقتصاره [ - صلى الله عليه وسلم - ] في المتاهي على الانتباذ في الأوعية، مع أنَّ في المناهي ما هو أشدُّ في التحريم من الانتباذ، لكن اقتصر عليها؛ لكثرة تعاطيهم لها». اهـ ... قلتُ : وما ذكره الحافظ _ح حسنٌ، لولا ما يعكِّر عليه من قوله قبل ذلك عن جواب القاضي عياض من أن السبب في كونه لم يذكر الحج في الحديث؛ لأنه لم يكن فُرِضَ بَعْدُ -: «هو المعتمد»، قال الحافظ: «وقد قدَّمنا الدليل على قدم إسلامهم ... إلخ». فليحرَّر هذا الموضع من كلام الحافظ! ... انظر: "الفتح" (1/134)، و"إكمال المعلم" (ص 326)، و"صيانة صحيح مسلم" (ص 155).(1/100)
تقدَّم القولُ في الإيمان والإسلام، وأنَّهما حقيقتان متباينتانِ في الأصل، وقد يُتَوَسَّعُ فَيُطْلَقُ أحدهما على الآخر، كما جاء هنا؛ فإنَّهُ أطلَقَ الإيمانَ على الإسلام؛ لأنَّهُ عنه يكون (1) غالبًا، وهو مُظْهِرُهُ (2) (3) .
قوله (4) : «وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ»، أي: عن الانتباذِ في هذه الأواني الأربع؛ فالمنهيُّ عنه واحدٌ بالنوع، وهو الانتباذُ، ثمَّ إنَّه تعدَّد .............................................
بحَسَبِ هذه الأوعية الأربعِ =(1/175)=@ التي هي (5) :
الدُّبَّاء، والحَنْتَم، والمزفَّت، والنَّقِير، وخَصَّ هذه (6) بالنهي؛ لأنَّها أوانيهم التي كانوا (7) ينتبذون فيها:
فالدُّبَّاء : ممدودٌ ،وهي (8) : القَرْعَةُ كانت يُنْبَذُ فيها وتُضَرَّى (9) ؛ قاله الهروي (10) .
و«الحَنْتَمُ»: أَصَحُّ ما قيلَ فيها: إنَّها كانت جِرَارًا مَطْلِيَّةً (11) بالحَنْتَمِ المعمولِ من الزجاجِ كانت (12) الخمرُ تُحْمَلُ فيها، ونُهُوا (13) عن الانتباذ فيها؛ لأنَّها تعجِّلُ إسكارَ النبيذ كالدُّبَّاء،، و قال (14) عطاءٌ: قَالَ: «بَلَى؛ جِذْعٌ تَنْقُرُونَهُ، فَتَقْذِفُونَ فِيهِ مِنَ الْقُطَيْعَاءِ - أَوْ قَالَ: مِنَ التَّمْرِ - ثُمَّ تَصُبُّونَ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا سَكَنَ غَلَيَانُهُ شَرِبْتُمُوهُ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَكُمْ - أَوْ إِنَّ أَحَدَهُمْ - لَيَضْرِبُ ابْنَ عَمِّهِ بِالسَّيْفِ»، قَال:
كانت تُعْمَلُ (15) مِنْ طين يعجن بالدم والشعْر؛ فعلى هذا: يكونُ (16) النهيُ عنها (17) ؛ لأجل أصل (18) النجاسة، والأوَّل أعرفُ وأصحُّ.
و«المُزَفَّت»: المَطْلِيُّ بالزِّفْت .
و«المُقَيَّر»: المطليُّ بالقارِ، وهو (19) نوعٌ من الزِّفْت .
و«النَّقِيرُ»: مفسَّر في الحديث .
و«الجِذْع»: أصل النخلة، ويجمع على جذوع (20) .
و«تَقْذِفُون»: تجعلون وترمون، وأصل القذف (21) : الرمي .
.............................................
و«القُطَيْعَاء»: نوعٌ من التمر يقال له: الشِّهْرِيز (22) .
وفي رواية أخرى (23) : «وتُدِيفُونَ مِنَ القُطَيْعَاءِ» (24) ، والرواية: مضموم (25) التاء رباعيًّا، وبالدال (26) المهملة، وقد (27) حكى ابن دُرَيْد: دُفْتُ الدَّوَاءَ وغيرَهُ بالماء، أَدُوفُهُ (28) ، بإهمال الدال (29) ،، وحكى غيره أنه يقال (30) : ذُفْتُه أَذُوفُهُ، وسُمٌّ مَذُوفٌ ومَذِيفٌ، ومُذَوَّفٌ، ومُذَافٌ، .............................................
بالذال المعجمة (31) ،، وحكي (32) أنه يقال: أَذَافَ (33) الدواءَ بالدواء؛ وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ كَذَلِكَ، قال: وَكُنْتُ أَخْبَؤُهَا حَيَاءً مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقُلْتُ: فَفِيمَ نَشْرَبُ، يا رَسُولُ اللهِ؟ قَالَ: «فِي أَسْقِيَةِ الأَدَمِ الَّتِي تُلاثُ عَلَى أَفْوَاهِهَا»، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّ أَرْضَنَا كَثِيرَةُ الْجِرْذَانِ، وَلاَ تَبْقَى فيِهَا أَسْقِيَةُ الأَْدَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :
فالروايةُ (34) على هذا صحيحةٌ (35) ، ومعناه: خَلَطَ ومزَجَ.
و«الأَسْقِية»: جمعُ سِقَاءٍ، وهو الإناءُ من الجِلْدِ .
و«الأَدَمُ»: جمع أَديم، وهو الجلدُ أيضًا . =(1/176)=@
«وتُلاَثُ (36) عَلَى أَفْوَاهِهَا»، أي: تُشَدُّ وتُربَط. القُتَيْبِيُّ (37) : أصلُ «وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ! وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ! وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ!»،، قَالَ: وَقَالَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأُِشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: «إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ».
اللَّوْثِ: الطَّيُّ، &(1/101)&$
__________
(1) ... قوله: «عنه يكون» في (غ): «يكون عنه».
(2) ... من قوله:« وقد تقدم ... » إلى هنا ليس في (أ).
(3) ... يعني أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما أطلق الإيمان على الإسلام؛ لأن الإيمان وتصديق القلب يكون عنه الإسلامُ وأعمال الجوارح، كما أن الإسلام وأعمال الجوارح الظاهرة هي المظهرة والدالَّة على الإيمان وتصديق القلب، وانظر تفصيل ذلك في «كتاب الإيمان» لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص )، وانظر ما تقدَّم من كتابنا هذا (ص ....).
(4) ... في (ح): «وقوله».
(5) ... من قوله: «فالمنهي عنه واحد ...» إلى هنا، جاء في (أ): «نهى عن الانتباذ نوع واحد، وتعدد بحسب الأوعية الأربع، وهي:».
(6) ... في (أ): «والنقير خصت بالنهي».
(7) ... قوله: «كانوا» سقط من (أ).
(8) ... قوله: «ممدود، وهي»، سقط من (أ) قوله: «وهي»، وفي (ب) سقطت الواو من «وهي»، وفي (ح): «ممدودًا هي».
(9) ... ضَرِيَ النبيذُ يَضْرَى: إذا اشتد؛ قال الهروي: والضَّارِي من الآنية: الذي ضُرِّيَ بالخمر، فإذا جعل فيه النبيذُ صار مسكرًا. انظر: "الغربيين" (4/1126)، و"اللسان" (14/482)، و"تاج العروس" (19/622).
(10) ... انظر: "الغربيين" (2/614) وفيه: "القرعة كانت ينتبذ فيها فَتَضْرَى».
(11) ... في (أ): «إنها جرارٌ مطليةٌ».
(12) ... في (أ): «كان».
(13) ... في (ب): «فنهواؤ، وفي (أ): «ونهي».
(14) ... في (أ): «قال» بلا واو.
(15) ... قوله: «تعمل» في (أ): «تعجن».
(16) ... قوله: «فعلى هذا يكون» في (أ): «فيكون»، وفي (غ) و(ح): «وعلى هذا فيكون».
(17) ... قوله: «عنها» ليس في (أ) و(ط).
(18) ... قوله: «أصل» سقط من (أ) و(غ).
(19) ... قوله:« وهو » سقط من (أ).
(20) ... في (ح): و«تجمع جذوع»، وفي (أ) و(ب) و(غ): «ويجمع جذوع»، وما أثبتناه من (ط).
(21) ... في (أ) و(غ):« و يقذفون: يجعلون ويرمون، والقذف، إلا أنه في (غ): «وأصل القذف ».
(22) ... في "النهاية" (4/84): القطيعاء: نوع من التمر، وقيل : هو البُسْر قبل أن يُدْرِك»، وأما التمر الشهريز - الذي قيل: إنه المراد بالقطيعاء هنا - فهو ضرب من التمر صغار في نواحي البصرة، فارسي معرَّب، ويقال فيه: تمرٌ شهريزٌ: بكسر الشين وضمها، وبإعجام الشين وإهمالها، أربع لغات، وقد أنكر بعضهم ضم الشين، ويقال بالنعت وبالإضافة مثل: ثوبٌ خَزٌّ، وثوبُ خزٍّ، وأنكر أبو عبيد الإضافة. انظر: "الصحاح" (3/881 - شهريز)، و"واللسان" (5/360 شهريز، 5/362 شهريز)، (8/285 قطع)، و"التاج" (8/78 شهريز، 8/81 شهريز)، وانظر: "مشارق الأنوار" (2/183)، و"الصيانة" (ص 152)، و"شرح النووي" (1/191).
(23) ... قوله: «أخرى» سقط من (أ).
(24) ... هذه الرواية في صحيح مسلم (1/49 رقم 27)، من حديث أبي سعيد الخدري.
(25) ... قوله: «والرواية مضموم» في (أ): «مضمومة».
(26) ... في (أ):« والدال ».
(27) ... قوله: «قدؤ سقط من (أ).
(28) ... في (أ): «دفتُ الدواء أدوفه بالماء».
(29) ... "جمهرة اللغة" (2/673).
(30) ... قوله:« أنه يقال » سقط من (أ).
(31) ... وهذه كلها أسماء مفاعيل؛ فـ«مَذُوف»: اسم مفعول من ذافَهُ يَذُوفُهُ، و«مَذِيف»: اسم مفعول من ذافه يَذِيفُهُ، و«مذؤوف»: اسم مفعول من ذأفَهُ يَذْأَفُهُ، وقد حكي هذه اللغة القاضي في "الإكمال" (/171 - شواط)، و«مُذَفٌ»: اسم مفعول على وزن «مُفْعَل» من الفعل الرباعي أذافَهُ يُذيفُهُ؛ فتحصَّل من ذلك ثلاث لغات في هذا الفعل - إذا كان بالذال المعجمة ومعتلًّا - وهي: ذاف يَذُوف، وذاف يَذِيف، وأذافَ يُذيف، والأوَّلان فعلان ثلاثيان، والثالث رباعي ، وكل هذه الأفعال، بمعنى: خلط ومزج.
(32) ... في (ب): «وحكي غيره».
(33) ... في (أ): «أذا» بدون فاء في آخرها، وفي بقية النسخ: «آذاف» بالذال المعجمة، لكن الشاهد لا يتم للشارح إلا على إهمال الدال «أداف»؛ لأن الرواية التي حكاها هي: «يُديفُونَ» بضم التاء رباعيًّا، وبالدال المهملة، وهذه هي لغة «أدافَ يُديفُ» بإهمال الدال، وأما لغة «أذاف يذيف» رباعيًّا، وبالذال المعجمة: فهي غير مرادة هنا - في سياق كلام الشارح - أولاً: لأنها مفهومة من اسم المفعول في قولهم: «سُمٌّ مذاف»، وثانياً: لأن الرواية التي حكاها الشارح، وساق هذا الكلام لأجلها، ليس فيها الذال المعجمة، وإنما فيها الدال المهملة، يؤيد هذا قوله بعد: «فالرواية على هذا صحيحة»؛ فصحَّ لنا ما قلناه. ... بقي أن نقول: لم يذكر الشارح من لغات الكلمة بالدال المهملة إلا فعلين، وهما: دافة يَدُوفه، وأدافه يُديفُهُ، ولم يذكر : دافَهُ يَديفُهُ، وهي لغة حكاها غير ما واحد ومنهم: القاضي في "المشارق"، وابن الأثير في "النهاية"، وابن منظور في "اللسان". ... فتحصَّل من ذلك في هذا الفعل إذا كان بالدال المهملة ومعتلًّا: ثلاث لغات أيضًا، ويقال على أكثر ما يقال ذلك في الدواء والطيب والمسك؛ فيقال في الأول: ذُفْتُ الدواء بالماء مثلاً، أدُوفُهُ فهو مَدُوف، ومَدْؤَوف ومَدُووف؛ كمَصَّوون، ومدؤوف ومدووف، كما يقال: ثوبٌ مصون ومصوون، قال الجوهري: «وليس يأتي مفعول من ذوات الثلاثة من بنات الواو بالتمام إلا حرفان: مسك مَدْووفَ، وثوبٌ مصوون؛ فإن هذين حرفان جاءا نادرين، والكلام: مَدُوف، ومصون». ... ويقال في الثاني: دِفْتُهُ أَدِيفُهُ فهو مَديفٌ، وفي الثالث: أَدَفْتُهُ أُديفُهُ فهو مُدَاف. والمسك المدوف: هو المبلول، وقيل: هو المسحوق. انظر: ""المشارق" (1/263 - 264)، و"النهاية" (2/140، 147)، و"الإكمال" (1/170-171 شواط)، و"الصيانة" (1/158)، و"شرح النووي" (1/191)، و"الصحاح" (4/1361)، و"اللسان" (9/108-112)، و"التاج" (12/215-216).
(34) ... في (أ): «والرواية».
(35) ... أمَّا ما روي في الحديث من هذه اللغات: فأرجح روايات: تَدِيفُونَ، وتَذِيفُونَ، بفتح التاء مع الدال والذال، وتُدِيفُونَ، وتُذِيفُون، بضم التاء مع الدال والذال، ومعناه على هذه الأوجه الأربعة كلها خلط؛ ذكر ذلك النووي وغيره. انظر: "شرح النووي" (1/191)، و"صيانة صحيح مسلم" (ص 158).
(36) ... في غير (ح): «ويلاث».
(37) ... في (أ): «القتيبي»، وكلاهما صحيح، إلا أن الأكثر استعمالاً ما أثبتناه.(1/101)
ولُثْتُ العمامةَ: لَفَفْتُها (1) ؛ وهذا نحوٌ ممَّا قال (2) : وعليكم (3) بالمُوكَى (4) بالقصر، أي: السقاء الذي يُرْبَطُ فوه بالوِكَاء، وهو الخيط (5) .
و«الجِرْذَان»: جمعُ جُرَذٍ، وهو الفأر .
وإنما حضَّهم (6) على الانتباذ في الأسقية؛ لأنها إذا غلا فيها النبيذُ، انشقَّتْ؛ لرقَّةِ (7) الجلود، بخلافِ الأواني المذكورةِ .............................................
قبلُ (8) ؛ فإنها تعجِّل الشدَّةَ، وتُخْفِيهَا (9) .
وقولهم: «إِنَّ أَرْضَنَا كَثِيرَةُ الْجِرْذَانِ، وَلاَ تَبْقَى فيِهَا أَسْقِيَةُ الأَْدَمِ»، أي: لأنَّ الجِرْذَانَ تأكلها؛ ولذلك قال لهم (10) : «وَإِنْ أَكَلَتْهَا (11) الْجِرْذَانُ»، ولم يعذرهم بذلك؛ لأنَّهم يمكنهم التحرُّزُ بتعليق (12) الأَسْقية، أو باتِّخَاذِ ما يُهْلِكُ الفئران مِنْ حيوانٍ أو غيره، والله تعالى أعلم (13) .
وقد تمسَّكَ بعض أهل العلم (14) بظاهر هذا النهي عن الانتباذ في تلك الظروف؛ فحمله (15) على التحريم، ومِمَّنْ قال بهذا: ابن عمر (16) ، .............................................
وابن عباس (17) ، على ما يأتي في الأشربة؛ فسنبيِّن (18) هنالك (19) - إنْ شاء الله تعالى - أنَّ ذلك منسوخٌ (20) بقوله، «كنتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الاِنْتِبَاذِ إِلاَّ فِي سِقَاءٍ (21) ، فَانْتَبِذُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَلاَّ تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» (22) (23) . =(1/177)=@
و«أشجُّ عبد القيس» اسمه: المنذر بن عائذ، بالذال المعجمة (24) ، .............................................
و قيل: المنذر (25) بن الحارث (26) ، و قيل: عبد الله بنُ عَوْف (27) ، و قيل: قيس، والأوَّلُ أصحُّ (28) .
.............................................
وقد (29) روى أبو داودَ، من حديثِ أُمِّ أَبَانَ بنتِ الوازعِ (30) بن زارع، عن جَدِّها زارع، وكان في وَفْدِ عبد القيس، قال (31) : فلمَّا قَدِمْنَا المدينةَ، تبادَرْنَا مِنْ رواحلنا نُقبِّلُ يدَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَرِجْلَهُ، وانتظَرَ المنذرُ حتى أتى عَيْبَتَهُ (32) ، فَلَبِسَ ثوبه، ثم أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له: «إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ (33) : الحِلْمُ، والأَنَاةُ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَمِ اللهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا ؟ فَقَالَ (34) : «بَلِ اللهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا»، قَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَبَلَنِي (35) عَلَى خُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ وَرَسُولُهُ (36) . &(1/102)&$
__________
(1) ... "غريب الحديث" (1/577)، وانظر: "جمهرة اللغة" (1/432).
(2) ... في (ح) : «يقال».
(3) ... المثبت من (أ)، ومن "صحيح مسلم"، وفي بقية النسخ: "عليكم" بدون الواو.
(4) ... يشير إلى ما في الأصل "صحيح مسلم"، كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وشرائع الدين .... (1/46، رقم 28).
(5) ... في (ح): «الحظ»؛ يقال: أوكَيْتُ الشِّقَاءَ أُوكيهِ إيكاءً فهو مُوكًى، اي: شددتُّ رأسه بالوكاء؛ لئلا يدخله حيوان أو يسقط فيه شيء، وفي "التاج" أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما حضَّهم على الانتباذ في السقاء الموكى وهو المشدود الراس - لأنه قلَّما يغفُلُ عنه صاحبه؛ لئلا يشتدَّ فيه الشرابُ فينشق؛ فهو يتعهَّده كثيرًا. انظر: "النهاية" (5/222)، و"غريب الحديث" للخطابي (1/361)، و"تاج العروس" (20/309)، و"الصيانة" (ص 157)، و"شرح النووي" (1/195)، و"اللسان" (1/406).
(6) ... في (غ): «حصَّهم».
(7) ... في (ح): «القوة»، وهو خطأ، وما في بقية النسخ هو الصواب، يدل على ذلك السباق والسياق، وهي كذلك على الصَّواب في "صيانة صحيح مسلم" (ص 158).
(8) ... قوله:« المذكورة قبل » سقط من (أ).
(9) ... في (أ): «تجفها»، والصواب ما أثبتّْهُ؛ انظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/361).
(10) ... قوله:« لهم » سقط من (أ).
(11) ... في (ح): «أكلها».
(12) ... في (أ): «بتعلق».
(13) ... قوله: «والله تعالى أعلم» سقط من (أ).
(14) ... قوله: «أهل العلم» في (أ) : «العلماء».
(15) ... في (أ): «وحمله».
(16) ... أخرجه مسلم في الأشربة، باب النهي عن الانتباذ في المزفَّت والدُّبَّاء والحنتم والنقير ( 1997 )، وأبو داود في الأشربة، باب الأوعية ( 3691 )، والنسائي في الأشربة، باب ذكر الأوعية التي نُهِيَ عن الانتباذ فيها (8/303 ). ... وانظر روايات أخرى عن ابن عمر عند: أحمد في كتاب الأشربة (13 رقم 40)، وعبدالرزَّاق في "المصنَّف" (9/202 رقم 16932).
(17) ... وذلك ظاهر من فتياه للمرأة التي سألته في الحديث الذي قبل هذا.
(18) ... في (غ): «فيبين».
(19) ... في (أ): «هناك»، وانظر: كتاب الأشربة، باب النسخ ذلك [يعني: نسخ النهي عما ينتبذ فيه] والنهي عن كل مسكر.
(20) ... من قوله: «وممن قال ...» إلى هنا ، جاء في (أ) كالتالي: «وقال به ابن عمر، وابت عباس $ج، وسنبيِّن في أول الأشربة أنه منسوخ».
(21) ... في (ح):« الأسقية ».
(22) ... أخرجه مسلم في كتاب الأشربة، باب بيان النهي عن الانتباذ في المزفَّت والدباء والحنتم والنقير، وبيان أنه مسنوخ، وأنه اليوم حلال، ما لم يصر مسكرًا (رقم 977) بعد (رقم 1999)، والنسائي في كتاب الأشربة، باب الإذن في شيء منها، وأحمد في "المسند" ( 5/350 )، وابن حِبَّان في "صحيحه" في كتاب الأشربة (12/213 رقم 5391)، وذلك من حديث بُرَيْدَةَ بن الحَصِيبِ - رضي الله عنه - .
(23) ... قال الحافظ: «وفي هذا [أي في حديث ابن عباس في وفد عبدالقيس] دليلٌ على أنَّ ابن عباس لم يبلغه نسخ تحريم الانتباذ في الجرار، وهو ثابت من حديث بريدة بن الحصيب عند مسلم وغيره. "الفتح" (1/130).
(24) ... هذا هو الصحيح المشهور الذي قاله ابن عبدالبر والأكثرون أو الكثيرون، كما ذكره النووي _ح في "شرح مسلم" (1/189)، وقد ذكره ابن عبدالبر في "الاستيعاب" (4/1448)، وفيه: «المنذر بن عائذ بن المنذر بن الحارث بن النعمان بن زياد بن عصرٍ المصري العبدي، من عبدالقيس يعرف بالأشج، وذكروا أنه سيدهم»؛ وهكذا سلسلة نسبه في "خلاصة تذهيب التهذيب" (387)، و"تقريب التهذيب» (ص 546)، و"تهذيب التهذيب" (10/267)، و"تهذيب الكمال" (28/502)، لكن ورد نسبه: المنذر بن عائذ بن الحارث بن المنذر بن النعمان العَصَيريّ، في "الإصابة" (3/410)، و"طبقات ابن سعد" (5/558)، (7/85)، ورد في "معجم الصحابة" لابن قانع (3/103): «المنذر بن عائذ بن الحارث بن عمرو بن زياد بن عصر بن عوف».
(25) ... قوله: «المنذر» سقط من (أ).
(26) ... هذا قول ابن الكلبي؛ كما في "شرح النووي" (1/189)، قال النووي في "شرح مسلم" (1/189): «وقال ابن الكلبي: اسمه المنذر بن الحارث بن زياد بن عصر بن عوف»، ولكن في "الطبقات الكبرى" لابن سعد (5/558)، (7/85)، عن ابن الكلبي أن أشج عبدالقيس: اسمه: المنذر بن الحارث بن عمرو بن زياد بن عصر بن عوف بن حذيمة بن عوف...»، فلعل النووي سقط من نسخته جده «عمرًا»، وفي "الثقات" لابن حبَّان (3/387): «المنذر بن الحارث بن عمرو بن زياد الذي يقال له: أشج العصري» ، وفي «إيضاح الإشكال» لابن طاهر المقدس (ص155): «ويقال: المنذر بن الحارث بن النعمان بن زياد بن عَصَر».
(27) ... في (ح): هو عبدالله بن عوف، وجاء كذلك «عبدالله بن عوف» في "الطبقات الكبرى" لابن سعيد (5/557)، و"شرح النووي" (1/189)، ولكن في "غوامض الأسماء المهمة» (1/83): «قيل: اسمه: عبدالرحمن بن عوف»، وفي "تهذيب التهذيب" (10/267): و«قيل: عبدالله بن عون».
(28) ... وقيل في اسمه غير ذلك، وأصح هذه الأقوال هو الأول كما قال الشارح. انظر: "الاستيعاب" (1/123)، (3/441)، و"الإصابة" (3/439)، و"المستفاد من مبهمات المتن والإسناد" (ص 12) ، و"غوامض الأسماء المبهمة" (1/81)، و"الصيانة" (ص 156)، و"شرح النووي" (1/189).
(29) ... قوله: «وقد» سقط من (أ).
(30) ... في (أ): «الرازع».
(31) ... قوله:« قال » سقط من (أ).
(32) ... العَيْبَةُ: وعاءٌ من أَدَمٍ يكون فيها متاعُ الرجل وثيابه ."اللسان" (1/634).
(33) ... في (ب) زيادة:« ورسوله »، وهي غير موجودة في بقيا النسخ ولا في سنن أبي داود، لكنها ثابتة عند البخاري في الأدب المفرد، والطبراني في "المعجم الكبير"، وأبي يعلى في "مسنده"، وغيرهما، انظر تخريج الحديث!
(34) ... في (ح):« قال ».
(35) ... في (غ): «جعلني».
(36) ... أخرجه أبو داود في الأدب، باب في قُبْلَةِ الرجل رقم ( 5225 )، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم ( 975 )، وفي "تاريخه الكبير" (3/447)، والبَزَّارُ كما في "كشف الأستار" (3/278 رقم 2746)، وقال: لا نعلَمُ روى الزارعُ إلا هذا، والطبراني في الكبير (1/317 رقم 5313)، والبيهقي في "السنن" (7/102)، وفي "دلائل النبوَّة" (5/327-328)، من طريقَيْنِ عن مطر بن عبد الرحمن الأعنق، عن أم أبان بنت الوازع، عن جدِّهَا زارع، به . وهذا إسناد ضعيف؛ لحال أم أبان .(1/102)
.............................................
و«الحِلْمُ» هنا: العَقْلَ (1) ، وهو (2) بكسر الحاء؛ يقال منه: حَلُمَ الرجلُ يَحْلُمُ، بضم اللام: إذا صار حليمًا، وتحلَّم: إذا تكلَّف ذلك (3) .
.............................................
و«الأناة»: الرفقُ والتثبُّت في الأمور (4) ؛ يقال: تأنَّى يتأنَّى تَأَنِّيًا (5) ؛ ومنه قولُ (6) الشاعر:
أَنَاةً وحِلْمًا وانْتِظَارًا بِهِمْ غَدًا
................... (7) .............................................
وقد (8) يقال الحِلْمُ على (9) الأناة (10) .
وقد ظهَرَ من حديث أبي داود: أنّه - صلى الله عليه وسلم - (11) إنما (12) قال ذلك للأشَجِّ؛ لِمَا ظَهَرَ له منه (13) مِنْ رِفْقِهِ وتَرْكِ عجلته.
وقد رُوي في غير =(1/178)=@ "كتاب أبي داود": أنَّه (14) لمَّا بادَرَ قومُهُ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، تأنَّى هو، حتَّى جمَعَ رحالَهُمْ، وعقَلَ ناقته، ولَبِسَ .............................................
ثيابًا جُدُدًا؟، ثم أقبَلَ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (15) على حالِ هدوءٍ وسكينة، فأجلَسَهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى جانبه، ثم إنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - (16) قال لِوَفْدِ عبد القيس: «تُبَايِعُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَعَلَى قَوْمِكُمْ ؟»، فقال القومُ: نَعَمْ، فقال الأَشَجُّ: يا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ لم تُزَاوِلِ الرَّجُلَ (17) عَلَى أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ دِينِهِ، نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْفُسِنَا، وتُرْسِلُ معنا مَنْ يَدْعُوهُمْ، فمَنِ اتَّبَعَنَا كَانَ مِنَّا، ومَنْ أَبَى قَاتَلْنَاهُ، قال: «صَدَقْتَ؛ إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ ...» الحديثَ (18) ؛ فالأُولى: هي الأناة، والثانية: (19) هي العقل (20) .
.............................................
وفيه من الفقه: جَوَازُ مدحِ الرجلِ مشافهةً بما فيه إذا أُمِنَتْ عليه الفتنةُ، والأصلُ منعُ ذلك؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «إِيَّاكُمْ والمَدْح فَإِنَّهُ الذَّبْح» (21) ، ولقوله (22) للمادح: «وَيْلَكَ! قَطَعْتَ عُنُقَ أَخِيكَ» (23) ، .............................................
وسيأتي ذلك إن شاء الله (24) .
وقوله: «وَفِي القَوْمِ رَجُلٌ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ كَذَلك»: (25) قيل: اسمُ هذا الرجل (26) : جَهْمُ بن قُثَمَ؛ قاله ابن أبي خَيْثَمَةَ (27) ، وقيل (28) : كانت الجراحةُ في ساقه (29) . &(1/103)&$
__________
(1) ... في (ح): «هو العقل».
(2) ... قوله: «وهو» سقط من (أ).
(3) ... في كتب المعاجم والغريب: الحَلْم: هو الأناة والعقل، وقيل: ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب، وفي «تعريفات الجرجاني»: «قيل: هو تأخير مكافأة الظالم، وقيل: هو الطمأنينة عند سَوْرة الغضب»، وفي "فيض القدير": «الحلم: ملكةٌ ورزانة في البدن توجب الصبر على الأذى يورثها وفور العقل، [وضده] السفه، وهو: خفة في البدن وفي المعاني يقتضيها نقصان العقل». اهـ. ... وجمعه: أحلام وحلوم، وهو أحد ما جميع من المصادر، ومنه قوله تعالى ُ خ ح 4 3 ِ [الطُّور: 32] {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَذَا} قيل: معناه: عقولهم، وليس الحَلْم في الحقيقة العقل، لكن فَسَّروه بذلك لكونه من مسبَّبات العقل، قال السمين الحلبي: «وفيه نظر؛ إذْ قد سمع إطلاقه مراداً به الحقيقة»، وفي الحديث: «ليليَنِّي ضكم ذوو الأحلام والنهي»، أي: ذوو الألباب والعقول، ويقال في الفعل: حَلُمَ يَحْلُمُ حِلْمًا: صار حليمًا عاقلاً، وجمع الحليم: حَلَمَاءُ وأحلام؛ ككرماء، واشهاد، ويقال: تحلَّم الرجلُ: إذا تكلَّف الحِلْم، ومنه قول حاتم الطاني [من الطويل]:
تَحَلَّمْ عن الأَدْنَيْنَ واستَبْقِ وُدَّهُمْ
ولن تستطيعَ الحِلْمَ حتَّى تَحَلَّمَا
... وأمَّا الحُلْم: يقال فيه: الحُلُم: فهو ما يراه النائم، وهو الرؤيا، لكن غلبت الرؤيا على ما يراه النائم من الخير والشيء الحسن، وغلب الحُلْم على ما يراه من الشر والقبيح، وقد يستعمل كل واحدٍ منهما موضع الآخر، والحُلْم أيضًا والاحتلام: هو الجماع في النوم، والاسم: الحُلُم، ومنه قوله تعالى: ُ 8 7 6 ِ [النُّور: 58] {لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ}، ويقال في الفعل بالمعنيين: حَلَمَ يَحْلُمُ حَلْمًا فهو حَالِمٌ من باب نصر، ويقال: احتلم واتحلم. وأما الحَلَمُ والحَلَمَة: فهو القراد الكبير، ويقال في العقل: حَلَمَ الجلْدُ والأديم يَحْلَمُ حَلَمًا؛ كفرح، أي: وقع فيه الحَلَمُ، وهو الدورة المذكورة فنقَّبته وأنسوته، فلا ينتفع به وقد قال بعضهم في هذه المعاني الثلاثة في اختلاف أفعالها [من الرجز]:
حَلَمَ في النوم أتى كَنَصَرَا
وضَمُّهُ في العَقْلِ حُكْمٌ قد جَرَى
وفي الأديمِ جاء مِثْلَ فَرِحَا
لِفَاسِدِ الدَّبْغِ فكُنْ مصحِّحا
... انظر: "الصحاح" (5/1903)، و"اللسان" (12/146 - 147)، و"التاج" (16/167-168)، و"إكمال الكمال" و"مكمل الإكمال" (1/94-95)، و"شرح النووي" (1/189)، و"فيض القدير" (1/51)، و"التعريفات" (ص 125)، و"المفردات" ( ص 253-254)، و"عمدة الحفاظ" للسمين (مادة حلم)، و"فيض القدير" (1/51).
(4) ... قوله:« في الأمور » سقط من (أ).
(5) ... قوله: «يقال : تأني يتأني تأنيًا» سقط من (ب) و(غ)، وفي (ح): «يقال منه : تأنى الرجل يتأني تأنيًا». في كتب المعاجم: الأناة والأنى: الحلم والوقار، ويقال منه: أَنِيَ الرجلُ يأنَى أَنْيًا فهو آنٍ، أي: كثير الحلم والأناة، وتأنَّى تأنيًا، واستَأْنَى استئناءً، أي: تثبَّت وترفَّق. انظر: "اللسان" (1/12)، و"التاج" (19/172-173)، و"الصيانة" (ص 156)، و"عمدة القاري" (1/310).
(6) ... قوله: «ومنه قوله» في (أ): «قال».
(7) ... هذا صدر بيت من الطويل، وهو لَطَرَفَة بن العبد البكري أحد شعراء المعلَّقات ولم أجده في ديوانه؛ والبيت بتمامه:
أناةً وحلمًا وانتظارًا بهم غدًا
فما أنا بللواني ولا الضَّرعِ العُمْرِ
... انظر: "كتاب العين" (1/269)، 8/401)، ونسب في «أمالي لقالي» (2/174)، و"تاريخ دمشق" (57/286) إلى ابن أُذَنَيْنَةَ الثقفي . وانظر: "تهذيب اللغة" (1/471)، و"مقاييس اللغة" (1/142)، و"لسان العرب" (8/222).
... والضَّرَعُ: هو الغُمْرُ الضعيف من الرجال، ويقال: إنه لذو أناةٍ إذا كان لا يَعْجَلُ في الأمور، قال الشاعر [من الكامل]:
الرِّفْقُ يُمْنٌ والأنَاةُ سعادةُ
فتأنَّ في رِفْقٍ تُلاقٍ نجاحا
والمعنى: أن الشاعر أجَّل الانتقام من أعدائه أناةً منه وحلمًا، وليس ضعفًا ولا فتورًا ولا تقصيرًا، ... ليس هو بالرجل الضعيف الذي لم يجرِّب الأمور [المعنى عن حاشية الدكتور شواط على "كتاب الإيمان" من "إكمال المعلم" (1/167)، انظر: "كتاب العين" (1/269، 8/401)، و"لسان العرب" (5/31، 8/222، 15/415).
(8) ... قوله:« قد » سقط من (أ).
(9) ... في (ح):« عن ».
(10) ... انظر: الفرق بين الحلم والأناة فيما تقدَّم من مصادر، وانظر: «الفروق اللغوية» للعسكري (ص 229)، و"المفردات" (ص 95 أني، ص 253 حلم)، و«التعرينات» (ص 125).
(11) ... في (ح) و(غ): «أن النبي صلى الله عليه وسلم».
(12) ... قوله:« إنما » سقط من (أ).
(13) ... في (غ): «فيه».
(14) ... من قوله: «وقد روى ...» إلى هنا، في (أ):« وفي كتاب غيره ».
(15) ... قوله:« إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - » سقط من (أ).
(16) ... قوله:« إن النبي - صلى الله عليه وسلم - » سقط من (أ).
(17) ... لم تزاول الرجلَ، أي: لم تعالجه، والمزاولة؛ معالجة الشيء، يقال: زاول الشيء يزاوله مزاولةً وزِوَالاً: عالجه وحاوله ، وكلُّ مطالبٍ محاولٍ: مزاولٌ، وتزاولوا : تعالجوا. انظر: "اللسان" (11/310-316)، و"التاج" (14/319).
(18) ... قد تقدم بيان تخريج هذا الحديث من "سنن أبي داود "، ولكن لم أجده بهذا السياق الذي ذكره المصنِّف هنا بقوله:« تبايعون على أنفسكم وقومكم ... » إلى قوله:« ومن أبى قاتلناه ». وإنما ذكره كل من القاضي عياض في "الإكمال" (1/233)، والنووي في "شرح مسلم" (1/189)، وكذلك صاحب "البيان والتعريف" (1/241) ولم يعزوه لأحد، وكل من خرّجه ذكره بدون هذا اللفظ .
(19) ... في (أ): «الثانية» بلا واو.
(20) ... قال القاضي عياض بعد ذكره للحديث: فالأولى: تربُّصه حتى نظر في مصالحه، ولم يَعْجَلْ، وهي الأناة. والثانية: الحِلْمُ، وهي هذه الآخرة الدالَّةُ على صحة عقله، وجودةِ نظره للعواقب. «إكمال المعلم" (1/168 شواط)، وانظر: "شرح النووي" (1/189).
(21) ... أخرجه ابن ماجه في الأدب، باب المدح رقم(3743)،وأحمد(4/93،99)، والطبراني في "معجمه الكبير"(19/350 رقم817)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(9/5-6)، والقضاعي في"مسند الشهاب"(2/94 رقم953)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (2/279)، جميعهم من طريق إبراهيم بن سعد، عن مَعْبَدٍ الجُهَنِيِّ، عن معاوية يرفعه بلفظه، وعند بعضهم زيادة . ... قال أحمد: حدَّثنا عفَّان، عن شعبة، عن إبراهيم بن سعد، به، وهذا إسناد جيد، رجاله كلُّهم ثقات . "التقريب" (393، 266، 89 ). ومعبد الجهني تقدَّم في الحديث الأول، وأنه ثقةٌ رُمِيَ بالقدر . ... وقد قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (3/181): " هذا إسناد حسن " . ... وحسَّنه الألبانيُّ في "السلسلة الصحيحة" (3/194، رقم 1196).
(22) ... في (أ): «وقوله».
(23) ... أخرجه البخاري في الشهادات، باب إذا زكَّى رجل رجلاً كفاه (5/274)، ومسلم في الزهد، باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط، وضيف منه فتنةٌ على الممدوح رقم (3000 )، ولفظ الشارح هنا: «ويلك» للبخاري، ولفظ مسلم: «ويحك». ... والأصلُ: منعُ المدح؛ للأدلَّة التي ذكرها الشارح وغيرها؛ وذلك لأنَّ فيه فتنةً للمادح والممدوح؛ أما المادح: فلأنه قد يرائي الممدوحَ فيكذبُ أو يتزيَّد فيقولُ ما لا يتحقَّقه،، وأما الممدوح: فإنه قد يُحْدِثُ فيه المدحُ كِبْرًا أو عُجْبًا أو اتكالاً على الثناء فيفتُرُ عن العمل.
... فإنْ سلم المدح من هذه الأمور: بأن كان صدقًا، وكان الممدوح يؤمَن منه الإعجاب، لم يكنْ به بأس، وربَّما كان مستحبَّا إذا ترتَّب عليه مصلحة شرعية؛ كالترغيب في الخير، أو الحثِّ على القدوة، ونحو ذلك . ومن هذا ما جاء في مناقب الصحابة مما مدحهم به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من الأوصاف الجميلة . وانظر:"الإحياء" (3/159)، و"الفتح" (10/448).
(24) ... سيأتي كلام الشارح في هذا في شرحه على هذا الحديث في كتاب البر والصلة، باب كراهية المدح، وفي حَثْوِ التراب في وجوه المداحين.
(25) ... قوله: «كذلك» سقط من (أ).
(26) ... قوله: «قيل اسم هذا الرجل» في (أ): «اسم الرجل».
(27) ... في تاريخه كما ذكره الحافظ في الفتح، وعزاه أيضًا لـ«مسند البَزَّار».
(28) ... في (أ): «قيل» بلا واو.
(29) ... هذا الذي ذكره الشارح هو الصحيح، ولا شيء فيه؛ كما سبق نقله في التعليق السابق، وقد ذكره أيضًا ابن الصلاح والنووي وسكتا عليه، فكأنهما أقرَّاه، انظر: "الصيانة" (ص 156)، و"شرح النووي" (1/191-192)، وسيأتي تعليقتنا على ذلك - إن شاء الله تعالى - في بيان قول الشارح والرَّدَّ عليه فيما ذهب إليه.(1/103)
قال المؤلِّف: هذا ليس بصحيحٍ؛ لأنَّ أصل الشِّجاجِ في الرأس والوجه (1) .
.............................................
وفي «الصحاح»: رَجُلٌ أَشَجُّ بيِّنُ الشَّجَجِ (2) : إذا كان في جبينه أَثَرُ الشَّجَّةِ (3) ؛ وعلى هذا: يدُلُّ كونُ هذا الرجل (4) غلب عليه الأشَجُّ (5) ؛ لأنَّهُ إنَّما (6) يغلبُ على =(1/179)=@ اسم الإنسان ما كان ظاهرًا .............................................
من أمره، ولمَّا كانت ظاهرةً في وجهه، نسَبَهُ (7) إليها كُلُّ من رآه؛ فغلب ذلك عليه (8) ، ولو كانت في ساقه، لَمَا غلَبَ عليه (9) ذلك، والله أعلم (10) .
وأصلُ (11) الشَّجِّ القطعُ والشَّقُّ؛ ومنه قولهم (12) : شَجَّتِ السفينةُ البحرَ، أي: شَقَّتْهُ (13) ، وشَجَجْتُ المفازة (14) قطعتُهَا (15) ؛ قال الشاعر:
تَشُجُّ بِيَ (16) العَوْجَاءُ كُلَّ تَنُوفَةٍ
كَأَنَّ لَهَا بَوًّا بِنِهْيٍ تُغَاوِلُهْ (17) (18)
.............................................
وتعريف النبي - صلى الله عليه وسلم - (19) بحالِ ذلك الرجل يَدُلُّ على أنَّه عَرَفَهُ بعينه؛ غير أنه ولم (20) يواجهْهُ بذلك؛ حُسْنَ عِشْرةٍ منه - صلى الله عليه وسلم - ىعلى مقتضى كَرَمِ خُلُقه؛ فإنّهُ كَانَ لاَ يُوَاجِهُ أَحَدًا بِمَا يَكْرُهُ (21) (22) .
وإنَّما خَصَّ النبيُّ هذه الأربعَ الأواني بالذكر؛ لأنها أغلب أوانيهم، ويلحق بها في النهي (23) : ما كان في معناها؛ كأواني الزُّجَاج، والحديد، والنُّحَاس، &(1/104)&$
__________
(1) ... قوله: «قال المؤلّف ...» إلى هنا، جاء مكانه في بقية النسخ (ب) و(ط) و(غ) و(ح) هكذا: «قلت: وهذا الرجل ليس هو أشج عبدالقيس؛ لأن اسمهما مختلف - كما ذُكِرَ هنا، وفيما تقدَّم ولأنَّ الأصل في الشجاج لا يكون إلا في الراس والجه»، إلا أن في (ح): «قال المؤلّف رضي الله عنه» بدل «قلت»، و«كما ذكرهما» بدل: «كما ذكرهما»، وفي (ع): «ليس هو أشج ابن عبدالقيس» بدل: «ليس هو أشج عبدالقيس»، و«لا تكون» بدل: «لا يكون»، وما أثبتناه من (أ) فقط، ويظهر أنه هو المراد من كلام الشارح، دون ما في بقية النسخ، لأنَّ الشارح يرى أن هذا الرجل الذي أصابته جراحة : هو أشج عبدالقيس، وأن اسمه المنذر بن عائذ - على الراجح كما سبق بيانه في كلامه - فليس اسمه جهم بن حثم كما ذُكِرَ عن ابن أبي خيثمة؛ بل هذا الرجل وأشج عبدالقيس عند الشارح واحد لا اثنان، وكذلك جراحة الرجل في وجهه لا في ساقه، وهذا هو الذي يظهر من كلام الشارح بعد هذه الفقرة؛ وعلى ذلك: فالسياق لا يستقيم إلا على ما في النسخة (أ) دون بقية النسخ.
... وهذا الذي ذهب إليه الشارح - فيما يظهر من كلامه، وهو أنهما واحد لا اثنان -: ليس بصحيح ولا متجه؛ بل هما اثنان لا واحد؛ فأشج عبدالقيس شجاجه كان في وجهه، واسمه: المنذر بن عائذ؛ أما هذا الرجل الذي أصابته جراحة: فإن جراحته كانت في ساقه واسمه: جهم بن قثم، وهذا هو الصحيح؛ لوجوه:
... الأول: أن الأشج كان سيد قومه، ولا يقال عن سيد القوم: «وفي القوم رجل أصابته جراحة»، فلا يعبَّر عن سيد القوم بلفظ نكرة «رجل» يوجه بأنه مجهول! ... الثاني: أن الرجل الذي به جراحة قال في الحديث: «وكنت أَخْبَؤُهَا حياءً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - » فالظاهر: أن الجراحة كانت في ساقه، ولذلك حاول يخبأها ويخفيها، أما الأشج: فكانت جراحته في وجهه، وهو سيد قومه؛ فكيف يَخْبَؤُها أو يخفيها؟
... الثالث: أن اسم هذا الرجل الذي أصابته جراحة جاء مصرَّحًا باسمه وأنه جهم بن قثم، في حديث اشج عبدالقيس فيما روي في «مجمع الزوائد» (9/389-390)، و«غوامض الأسماء المبهمة» (1/432-433)، عن الزارع بن عامر؛ أنه خرج وافدًا مع الأشج، وفيه: «فقال الأشج: إنك كنت يا زارع ... منِّي رأيًا فيهما،، وكان في القوم جهم بن قثم كان قد شرب قبل ذلك بالبحرين مع ابن عم له، فقام إليه ابن عمِّه، فضرب ساقه بالسيف، فكانت تلك الضربة في ساقه، فقال القوم: يا رسول الله، بعثت رحمةً وإنَّا بَشَرٌ ندمن هذا الشراب على طعامنا؟! فقال: «على أحدكم أن يشرب الأذى، ثم يزداد إليها أخرى، حتى إذا ما جَدَّ فيه الشراب فيقذمُ إلى ابن عمِّه فيضرب ساقه بالسيف!!»، قال: فجعل جهم بن قثم يغطِّي ساقه؛ قال: فنهام عن الدباء والحنتم والنقير»؛ هذا سياق ابن بشكوال، وبنحوه في «المجمع».
... ويظهر من هذا الحديث أمور:
1- ... أنه ذكر فيه أشج عبدالقيس، والرجل الذي بن جراحة وأنه جهم بن قثم، فهما اثنان لا واحد.
2- ... أن جراحة الرجل كانت في ساقه لا في وجهه.
الرابع: أن كثيرًا من أهل العلم ذهب إلى أن هذا الرجل هو جهم بن قثم، وأن جراحته كانت في ساقه، وأنه رجل آخر غير أشج عبدالقيس، وأنهما اثنان لا واحد؛ كما في : «الفتح» (1/130)، و«الإصابة» (4/713)، و«الصيانة» (156)، و«شرح النووي» (1/191-192)، و«الأنباء المحكمة» للخطيب (ص 443)، و«غوامض الأسماء المبهمة» لابن بشكوال (1/432)، و«المستفاد» للعراقي (ص 12).
... وإنما أُتيَ الشارح رحمه الله، من حيث فهم من قوله: «به جراحة» أنَّ المراد بهذه «الجراحة»: الشجاج الذي في الوجه، لا جراحةٌ في الساق، ورتَّب على ذلك: أنه هو أشج عبدالقيس، وليس له على أيٍّ من هذين الأمرين دليلٌ صحيح يُصَارُ إليه.
... وبذلك يعرف: أن الشارح يراهما واحدًا، والصحيح أنهما اثنان.
(2) ... في (أ): «الشج».
(3) ... انظر: "الصحاح" (1/323).
(4) ... يعني: الذي أصابته جراحة، وكان يخبؤها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
(5) ... قوله: «الأشج» سقط من (ح).
(6) ... من قوله: «وعلى هذا...» إلى هنا، جاء في (أ):« وعلى هذا: يكون غلب عليه الأشجّ؛ كما ».
(7) ... في (أ): «نسب».
(8) ... في (أ) و(غ) : «فغلب عليه ذلك».
(9) ... في (أ): «ما غلبت عليه».
(10) ... قوله: «والله أعلم» سقط من (أ).
(11) ... قوله:« أصل » سقط من (أ).
(12) ... قوله: «قولهم» سقط من (أ).
(13) ... قوله: «أي: شقته» في (أ): «قطعته».
(14) ... في (أ): «المسافة».
(15) ... في (غ): «اي: قطعتها».
(16) ... في (ح): «بني».
(17) ... في (أ): «تناوله»، وهو خطأ، ومن قول الشارح: «وأصل الشج...» إلى هنا نقله الشارح من «صحاح الجوهري» (1/323)، مع تصرف يسير.
(18) ... البيت من الطويل، وهو لمعن بن أوس يصف ناقته، في "غريب الحديث" لأبي عبيد (4/42)، و"اللسان" (15/345)، و"التاج" (20/271)، وليس في ديوانه، وهو بلا نسبة في "الصحاح" (1/323)، و"ديوان الأدب" (3/118)، و"اللسان" (2/304)، و"التاج" (3/411). ... و«التنوفة»: المفازة، و«البَوُّ»: ولد الناقة، و«النِّهْيُ»: الغدير، و«تغولُهُ»، أي: تبادر إليه في السير، قال أبو عبيد: وأصل هذا من الغَوْل، وهو البعد؛ يقال: هوَّن الله عليك غَوْلَ هذا الطريق، يعني البعد.
(19) ... قوله: «وتعريف النبي - صلى الله عليه وسلم - » في (أ): «وتعريفه صلى الله عليه وسلم»، وفي (غ): «وتعرف النبي صلى الله عليه وسلم».
(20) ... قوله: «أي: شقته» في (أ): «قطعته».
(21) ... في (أ): «يكره».
(22) ... ذكر الحافظ في "الفتح" (6/575، 7/47)؛ أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يواجه أحدًا بما يكره، إلا في حقِّ من حقوق الله تعالى، كما روى الإمام أحمد، من حديث أنس $ح: «أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يواجه أحدًا في وجهه بشيء يكرهه».
(23) ... من قوله: «وإنما خص ...» إلى هنا، في (أ): «وخصت الأربع بالذكر؛ لأنها غاب أوانيهم، ويلتحق بها».(1/104)
وغير ذلك (1) مما يُعجِّل الإسكار؛ بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - في جواب قولهم: فِيمَ (2) نَشْرَبُ يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ: «في أَسْقِيةِ الأَدَمِ»، وبدليلِ قوله - صلى الله عليه وسلم - في (3) حديث بُرَيْدَةَ: .............................................
« كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلاَّ فِي سِقَاءٍ» (4) ،، ولأنَّ ما عدا تلك (5) الأربعَ في معناها، فَيُلْحَقُ بها؛ على طريقة نَفْيِ الفارق (6) (7) ،، والله أعلم (8) . =(1/180)=@
بَابُ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِينَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (9) ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ؟ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: «إِنَّكَ سَتَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ: عِبَادَةُ اللهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللهَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ».
وَمِنْ بَابِ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِينَ
قوله (10) : «إِنَّكَ سَتَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ»، يعني به: اليهودَ والنصارى؛ لأنهم (11) كانوا في اليمنِ أكثرَ مِنْ مشركي العَرَبِ أو أغلَبَ (12) ، وإنما (13) نبَّهه على هذا؛ ليتهيَّأَ لمناظرتهم، ويُعِدَّ الأدلَّةَ لإفحامهم؛ لأنَّهم أهلُ عِلْمٍ سابقٍ، بخلافِ المُشْرِكين وعَبَدَةِ الأوثان .
.............................................
وقوله: «فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ: عِبَادَةُ اللهِ»، قد تقدَّم أنَّ (14) أصلَ العبادةِ التذلُّلُ والخضوع (15) ، وسُمِّيَتْ وظائفُ الشرعِ على المكلَّفين (16) : عباداتٍ؛ لأنَّهم يلتزمونها ويفعلونها (17) خاضعين متذلِّلين لله تعالى .
والمراد بالعبادة هنا (18) : هو النطقُ بشهادة أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله؛ كما جاء (19) في الرواية الأخرى مفسَّرًا (20) : «فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ». &(1/105)&$
__________
(1) ... في (أ): «وغيره».
(2) ... في (ح): «فيمن».
(3) ... قوله:« قوله - صلى الله عليه وسلم - في » سقط من (أ).
(4) ... تقدم تخريجه (ص: 254).
(5) ... قوله: «تلك» سقط من (أ).
(6) ... في (غ): «فتلحق بها على نفي الفارق».
(7) ... نفي الفارق، ويسمى: إلغاء الفارق: هو أحد مسالك العلَّة وطرقها الدَّالة عليها عند الأصوليين، ويسمُّونه: تنقيح المناط، أو القياس في معنى الأصل، وبعضهم يسمِّيه الاستدلال، وبعضهم يردُّه إلى مسلك السر والتقسيم، وهو عندهم: إلحاق الفرع بالأصل بإلغاء الفارق؛ بأن يقال: «لا فرق ين الاصل والفرع إلا كذا، وذلك لا مدخل له في الحكم ألبتة؛ فيلزم اشتراكهما في الحكم؛ لاشتراكهما في الموجب له». وقياس العلة الصحيح - عند شيخ الإسلام ابن تيمية -: إما بإثبات الجامع، وإما بإلغاء الفارق، والقياس بإلغاء الفارق أصحُّ ما يكون من الاعتبار [أي: القياس] باعتبار العلماء المعتبرين. ولشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم كلامٌ محكم في بيان أنه ليس في الشريعة شيء على خلاف القياس الصحيح، وهو القياس الذي جاءت به الشريعة، وهو الجميع بين المتماثلين، والفرق بين المختلفين، وهو من العدل الذي بعث الله به رسوله. ... فالقياس بإثبات الجامع: بأن تكون العلة التي علِّق بها الحكم في الاصل موجودةً في الفرع من غيره معارض في الفرع يمنع حكمها، ومثل هذا القياس لا تأتي الشريعة بخلافه، وكذلك القياس بإلغاء الفارق، وهو: ألاَّ يكون بين الصورتين فرق مؤثر في الشرع، ومثل هذا القياس - أيضًا - لا تأتي الشريعة بخلافه. ... انظر: "المحصول" (5/239 - 231)، و"شرح الكوكب المنير" (4/203)، و"الأحكام" للآمدي (3/303)، و"نشر البنود» (2/204)، و»الموافقات» (5/19-21)، و«إرشاد الفحول" (2/918 - 921)، و"مجموع الفتاوى" (20/504 - 585)، (21/1-23) و"موسوعة مصطلحات أصول الفقه" (241، 1072)، و"إعلام الموقعين" (3/165-237).
(8) ... قوله: «والله أعلم» ليس في (ح) و(غ).
(9) ... أخرجه البخاري (3/357 رقم 1496) في كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وتُرَدُّ في الفقراء حيث كانوا، ومسلم (1/51 رقم19/31) في الدعاء إلى الشهادتَيْنِ وشرائع الإسلام، من كتاب الإيمان .
(10) ... قوله: «قوله» ليس في (غ).
(11) ... قوله:« لأنهم » سقط من (أ).
(12) ... في "التلويح": «أن أهل اليمن كانوا يهودًا"؛ لأنَّ ابن إسحاق وغيره ذكروا أن تُبَّعاً تهوَّدَّ وتَبِعَهُ على ذلك قومه. "عمدة القاري" (8/235).
(13) ... قوله:« وإنما » سقط من (أ).
(14) ... قوله:« قد تقدم أن » سقط من (أ).
(15) ... أما التعريفُ الاصطلاحيُّ للعبادة، فهي: اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يُحبُّه الله ويرضاه مِنَ الأقوالِ والأعمالِ الظاهرة والباطنة، والبراءةُ من كلِّ ما يخالف ذلك ويضادُّه. انظر:"العبودية" لابن تيمية (ص 38).
(16) ... قوله:« على المكلفين » سقط من (أ).
(17) ... في (أ):« يلتزموها ويفعلوها ».
(18) ... في (أ):« والمراد هنا »، وفي (ح): «والمراد بالعبادَة هاهنا».
(19) ... سقط من (أ).
(20) ... قوله:« مفسرًا » سقط من (أ).(1/105)
وقوله: «فَإِذَا عَرَفُوا اللهَ، فَأَخْبِرْهُمْ» (1) ، أي: إنْ أطاعوا بالنطق بذلك، أي: بكلمتي التوحيد؛ كما قال (2) في الرواية الأخرى: .............................................
«فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ (3) ، فَأَعْلِمْهُمْ»، فسمَّى الطواعية بذلك (4) والنطقَ به: معرفةً؛ لأنَّه لا يكونُ غالبًا إلا عن المعرفة (5) .
وهذا (6) الذي أَمَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - (7) به (8) معاذًا هو الدَّعْوَةُ قبلَ القتالِ التي كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُوصِي بها (9) أُمَرَاءَهُ (10) ، وقد اختُلِفَ في حُكْمها .............................................
على ما يأتي في "الجهاد" (11) .
وعلى هذا: فلا يكونُ في حديث معاذٍ حُجَّةٌ (12) لمن تمسَّكَ به من المتكلِّمين على أنَّ أوَّلَ واجبٍ على كلِّ مكلَّفٍ: معرفةُ (13) الله تعالى بالدليل والبرهان (14) ، بل هو حُجَّةٌ لمن يقول: .............................................
إنَّ (15) أَوَّلَ =(1/181)=@ الواجباتِ التلفُّظُ بكلمتَيِ الشهادةِ، مُصَدِّقًا بها .
وقد (16) اختلف المتكلِّمون في أوَّل الواجبات على أقوالٍ كثيرةٍ، منها ما يَشْنُعُ ذكره، ومنها ما ظَهَرَ ضعفه (17) .
والذي عليه أئمَّةُ الفتوى، وبهم يُقْتَدَى - كمالكٍ، والشافعيِّ، وأبي حنيفةَ، وأحمدَ بن حنبل (18) ، وغيرِهِمْ من أئمَّةِ السلف $ج-: أنَّ أوَّلَ الواجباتِ على المكلَّف (19) : الإيمانُ التصديقيُّ الجَزْمِيُّ الذي لا رَيْبَ معه بالله تعالى ورسلِهِ وكُتُبِه، وما جاءتْ به الرسلُ - على ما تقرَّرَ (20) في حديثِ جبريلَ - صلى الله عليه وسلم - (21) - كيفما حصَلَ ذلك الإيمان، وبأيِّ .............................................
طريقٍ (22) إليه تُوُصِّلَ (23) ،، وأما النطقُ باللسان: فمُظْهِرٌ (24) لما استَقَرَّ في القلب من الإيمان، وسَبَبٌ ظاهرٌ (25) تترتَّبُ (26) عليه أحكامُ الإسلام.
وتفصيلُ ما أجملناه يستدعي تفصيلاً وتطويلاً يُخْرِجُ عن المقصود، ولعلَّنَا - بِعَوْنِ الله تعالى - نكتُبُ في هذه المسألة جزءًا؛ فإنها حَرِيَّةٌ بذلك .
وقد احتَجَّ بهذا الحديث مَنْ قال: إنَّ الكفَّارَ ليسوا مخاطَبِينَ بفروع الشريعة ؛ وهو أحدُ القولَيْنِ لأصحابنا وغيرِهم (27) ؛ من حيثُ إنّهُ - صلى الله عليه وسلم - إنما خاطبهم بالتوحيد أوَّلاً، فلمَّا التزموا ذلك، خاطبهم بالفروع التي هي الصلاةُ والزكاة، وهذا لا حجة فيه (28) ؛ لوجهين: &(1/106)&$
__________
(1) ... قوله:« فأخبرهم » سقط من (ب).
(2) ... من قوله: «إن أطاعوا ...» إلى هنا، جاء في (أ): «إن أطاعوا لك، أي: بالنطق بالتوحيد كما».
(3) ... قوله: «لذلك» من (أ)، وفي بقية النسخ «بذلك».
(4) ... قوله:«بذلك» سقط من(أ).
(5) ... في (أ): «معرفة».
(6) ... في (ح):« وهو ».
(7) ... قوله:« النبي - صلى الله عليه وسلم - » سقط من (أ).
(8) ... قوله: «به» ليس في (غ).
(9) ... في (ب) و(ح) : «به».
(10) ... كحديث بُرَيْدة بن الحصيب، وفيه : «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سريَّة، أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا» إلى أن قال: «ثم ادعهم إلى الإسلام، فإذا أجابوك فاقبَلْ منهم وكُفَّ عنهم». أخرجه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث، ووصيَّته إياهم بآداب الغزو وغيرها (رقم 730)، وكحديث سَهْل بن سعد، وفيه قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لعليٍّ: «انفُذْ على رِسْلِكَ حتى تَنْزِلَ بساحتهم، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسلام، وَأَخْبِرْهُمْ بما يجبُ عليهم مِنْ حَقِّ الله فيه »، الحديث. أخرجه البخاريُّ في فضائل الصحابة، باب مناقب علي بن أبي طالب ."فتح الباري" (7/70)، ومسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (2406). ... قال الشيخ سليمان بن عبد الله: «فيه: استحبابُ الدعوةِ قبل القتال لمن بَلَغَتْهُ الدعوة، وأَمَّا مَنْ لم تبلغه، فيجبُ دعوته». انظر:"تيسير العزيز الحميد" (ص 103)، و"مجموع الفتاوى" (28/506).
(11) ... انظر: التلخيص، كتاب الجهاد واليسير، باب في التأمير على الجيوش والسرايا، ووصيتهم، والدعوة قبل القتال (الباب الأول)، وانظر كلام الشارح عليه في هذا الموضع.
(12) ... من قوله: «كان النبي ...» إلى هنا: جاء في (أ):« كان يوصي بها أمراءه - صلى الله عليه وسلم - ؛ وعلى هذا: فلا حُجَّةَ في حديث معاذ ».
(13) ... في (أ): «أن يعرف».
(14) ... سبق (170-172) أنَّ من بِدَعِ المتكلِّمين من المعتزلة والأشاعرة قولَهُمْ: إنَّ أولَ واجب على المكلَّف النظرُ والاستدلال؛ ولذلك حرَّموا التقليدَ في العقائد حتى على العَوَامِّ، وبعضهم جعل النظر والاستدلاَل شرطًا في صحَّة الإيمان. انظر في مذهبهم:«المحصول" للرازي (2/125)، و"الإحكام" للآمدي (4/223)، و"البحر المحيط" للزركشي (6/278)، و"اللمع" للشيرازي (ص 125)، وغيرها. ... أما أهل السنة: فملخَّصُ مذهبهم ما قاله شارحُ "الطحاويَّة" رحمه الله: "ولهذا كان الصحيحُ أنَّ أوَّل واجب يجبُ على المكلَّف: شهادةُ أن لا إله إلا الله، لا النظرُ ولا القَصْدُ إلى النظر، ولا الشَّكُّ - كما هي أقوالٌ لأرباب الكلام المذموم - بل أئمَّةُ السلف كلُّهم متفقون على أنَّ أوَّل ما يؤمر به العبدُ الشهادتان، ومتفقون على أنَّ من فعَلَ ذلك قبل البلوغ، لم يُؤْمَرُ بتجديد ذلك عقب بلوغه». "شرح الطحاوية" (ص 75). وانظر:"مجموع الفتاوى" (1/76)، و"فتح الباري" (13/349-351). ... أما موقفُ السلف من التقليد في العقائد، فخلاصتُهُ: جوازُ التقليد في العقائد للعاميِّ الذي لا يستطيعُ النظَرَ والاستدلال؛ كجوازِ ذلك في الأحكام ولا فرق . أمَّا مَنْ يستطيعُ الاستدلال: فلا يجوز له التقليدُ في العقائِدِ أو الأحكامِ؛ للأَدِلَّةِ الواردة في ذَمِّ التقليد والمقلِّدين، لكنْ لا يشترطُ النظرُ والاستدلالُ لصحَّة الإيمان، والله أعلم. انظر في تفصيل ذلك:« إرشاد الفحول" (ص 266، 267)، و"مجموع الفتاوى" (20/202)، و"البحر المحيط" (6/279)، و"فتح الباري" (13/354)، وغيرها.
(15) ... قوله: «إن» سقط من (ب).
(16) قوله: «قد» سقط من (أ).
(17) ... من ذلك قولهم: إن أول .... على المكلف هو الشك في الله تعالى. انظر كلام الشارح في ذلك (6/693).
(18) ... قوله: «ابن جنبل» سقط من (أ).
(19) ... في (ب) و(غ) :« على كلِّ مكلَّف».
(20) ... في (أ): «تقدم».
(21) ... انظر: حديث جبريل في كتاب الإيمان، باب معاني الإيمان والإسلام والإحسان شرعًا.
(22) ... في (غ): «وتأتى».
(23) ... في (أ): «وصل»، وفي (غ): «يوصل».
(24) ... في (غ): «مظهر».
(25) ... في (غ): «في الظاهر».
(26) ... في (أ):« ترتب ».
(27) ... ذهب ابن خويزمنداد من المالكية إلى أن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة؛ كما في "إحكام الفصول" للباجي (ص 224)، كما ذهب إليه أكثرُ الحنفيَّة، وبعضُ الشافعية، وهو روايةٌ عن الإمام أحمد . ومذهبُ الجمهور خلافُهُ؛ كما رجَّحه الشارح . وانظر:"أصول السرخسي"(1/74)، و"كشف الأسرار" (1/138)، و"التبصرة" للشيرازي (ص 80)، و"الإحكام" للآمدي(1/144)، و"المسوَّدة" لآل تيمية (ص 41).
(28) ... في (أ): «ولا حجة في هذا».(1/106)
.............................................
أحدهما: أنّه لم يَنُصَّ النبيُّ (1) - صلى الله عليه وسلم - على أنَّه إنما قدّم الخطابَ بالتوحيد لِمَا ذكروه، بل يَحْتَمِلُ ذلك، ويحتملُ أن يقال (2) : إنَّه إنَّما قدَّمه لكونِ الإيمانِ شَرْطًا مصحِّحًا للأعمالِ الفروعيَّة، لا للخطابِ بالفروع؛ إذ لا يَصِحُّ فِعْلُهَا شرعًا إلا بتقدُّم (3) وجوده، ويصحُّ الخطابُ بالإيمانِ وبالفروعِ معًا في وقتٍ واحد وإنْ كانتْ في الوجودِ متعاقبةً؛ كما بيَّناه في "الأصول؛ وهذا الاحتمالُ: أظهَرُ مما (4) تمسَّكوا به، ولو لم يكنْ أظهَرَ، فهو مساوٍ له (5) ؛ فيكونُ ذلك الخطابُ مجمَلاً بالنسبةِ إلى هذا الحكم.
وثانيهما: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنما رتَّب هذه القواعدَ؛ ليبيِّن الأوكَدَ فالأوكد، والأهَمَّ فالأهم؛ كما بيَّنَّاه (6) في حديثِ ابن عمر $ذ الذي (7) قبل هذا (8) ، والله تعالى أعلم (9) . =(1/182)=@
.............................................
واقتصارُ النبي (10) - صلى الله عليه وسلم - على ذِكْرِ القواعد الثلاث (11) ؛ لأنَّها كانتْ هي (12) المتعيِّنَةَ عليهم في ذلك الوقتِ، والمتأكِّدَةَ (13) فيه (14) ؛ ولا يُظَنُّ أنّ الصومَ والحجَّ لم يكونا فُرِضَا إذْ ذاك؛ لأنَّ إرسالَ معاذٍ إلى اليمن كان في سنة تِسْعٍ (15) ، وقد كان فُرِضَ الحَجُّ،، وأما الصوم: ففُرِضَ في السنة الثانية من الهجرة، ومات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (16) ومعاذٌ باليمن على الصحيح.
وقولُ مَنْ قال: إنَّ الرواةَ سَكَتُوا عن ذكر الصومِ والحجِّ - قولٌ فاسد؛ لأنَّ الحديث قد اشتهر واعتنى الناسُ بنقله سلفًا وخلفًا؛ .............................................
فلو (17) ذكر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا (18) مِن ذلك (19) ، لَنُقِلَ (20) .
وقوله: «أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ (21) ، فَتُرَدُّ (22) عَلَى فُقَرَائِهِمْ»؛ دليلٌ لمالك _ح على أنَّ الزكاةَ لا تجبُ .............................................
قِسْمتها (23) على الأصنافِ المذكورين في الآية (24) ، وأنَّه يجوزُ للإمامِ صرفها (25) إلى صِنْفٍ واحد منهم (26) ؛ إذا (27) رآه نَظَرًا ومصلحةً دينيَّة، وسيأتي هذا في "كتاب الزكاة" (28) ، إن شاء الله تعالى (29) . &(1/107)&$
__________
(1) ... قوله: «النبي» ليس في (أ).
(2) ... من قوله: «أنه إنما قدم ...» إلى هنا، سقط من (أ) و(ب)، يسبب انتقال النظر.
(3) ... في (أ):« لتقديم ».
(4) ... في (ح):« ما ».
(5) ... في (ح): «فهو متناوله».
(6) ... في (أ):«كما قد بينا ».
(7) ... قوله: «الذي» ليس في (ح).
(8) ... انظر كلام الشارح هذا فيما تقدَّم في باب مباني الإسلام.
(9) ... قوله:« الذي قبل هذا، والله تعالى أعلم » سقط من (أ).
(10) ... قول: «واقتصار النبي»: (أ) : «واقتصر».
(11) ... يعني : عبادة الله، والصلاة المكتوبة، والزكاة المفروضة.
(12) ... قوله:« هي » ليس في (أ).
(13) ... في (ح): «المتأكدة»، وفي (غ): «المتأكدة» كلاهما بلا واو.
(14) ... قوله:« فيه » سقط من (أ).
(15) ... هذا أحدُ الأقوال في بعث معاذ؛ ذكره ابن سَعْد في "الطبقات"، والحاكم في "الإكليل"، وأنَّ ذلك عند انصرافه - صلى الله عليه وسلم - من تبوك، وحكى ابن سعد: أنه كان في ربيع الآخر،، وقيل: سنةَ عَشْرٍ قبل حجة الوداع، أشار إليه البخاري، فقال في "المغازي"، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع،، وذكر ابن الحَذَّاء أنه كان في ربيع الآخر، أي: من سنة عَشْرٍ،، وقيل: بعثه قبل الفتح سنة ثمان . والقولان - الأول والثاني - متقاربان، والثالث أضعفها . انظر: "الطبقات" (1/584)، و"الفتح" (3/358)، (8/60)، و"العمدة" (8/235).
(16) ... في (أ)، (ح): «ومات - صلى الله عليه وسلم - ».
(17) ... في (أ): «ولو».
(18) ... في (غ): «فلو ذكَرَ له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا»، وفي (ح): «فلو ذكَرَ رسول ا - صلى الله عليه وسلم - له شيئًا».
(19) ... في (ب):« من ذلك لهم ».
(20) ... ردَّ الشارح هذا القول بما ذكر، وردَّه غيرُهُ بأنَّ هذا يفضي إلى ضعف الثقة بكثيرٍ من الأحاديث النبوية؛ لاحتمالِ الزيادةِ والنقصان، وممَّن .... بهذا القول: ابن الصلاح، وتبعه النووي، وقد أجاب الشارح بأنَّ ذكر هذه الثلاثة؛ لأنها هي المتعيِّنة عليهم في ذلك الوقت . وأجاب الكِرْمَانِيُّ بأن الاهتمامَ بالصلاة والزكاة من الشارع أكثر؛ لأنهما إذا وجبتا على مكلَّف لا يسقطان عنه أصلاً؛ بخلاف الصوم: فيسقط بالفدية، والحج: تدخله النيابة،، وقيل: يحتمل أنَّهما لم يكونا شُرِعَا، أشار إليه الكرماني أيضًا، وردَّه الشارح هنا،، وقيل: إن ذلك من باب التلطُّف في الموعظة والتدرُّج في الدعوة. وأحسنُ الأجوبة ما نقله الحافظ عن البُلْقِينِيِّ: أن الكلام إذا كانِ في بيان أركانِ الإسلام، لم يُخِلَّ الشارعُ بشيء منها، وإنْ كان في الدعاء إلى الإسلام، اكتفَى بالثلاثة؛ إذْ كلمةُ الإسلام هي الأصل، وهي شاقَّةٌ على الكفَّار، والصلواتُ شاقَّةٌ؛ لتكرُّرها، والزكاةُ شاقَّة؛ لما في جِبِلَّةِ الإنسان من حُبِّ المال. انظر:"الصيانة" (ص 163)، "شرح النووي على مسلم" (1/198)، و"إكمال المعلم" (ص 357)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/99)، و"فتح الملهم" (1/78)، و"الفتح" (3/360)، و"العمدة" (8/235).
(21) ... في (أ) و(ب) و(غ) و(ط): «أموالهم»، والمثبت من (ح)، وهو الموجود في «الأم» (صحيح مسلم) (1/50، 51).
(22) ... في (ب) و(غ) و(ط): «وترد»، والمثبت من (أ) و(ح)، وهو الموافق لما في الأم» (صحيح مسلم) (1/50، 51).
(23) ... في (غ): «لا يجب قسمتها».
(24) ... يعني آية سورة التوبة رقم (60)، وهي قوله تعالى: ُ ] و ه ن م ل ك ق ف 8 7 6 5 4 3 2 1 ژ ؟ عع = چ ؛ ء لله{! ! ِ [التّوبَة: 60] {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *}
(25) ... في (ب) و(غ) «أن يصرفها».
(26) ... في (ب) و(غ): «من الأصناف المذكورين في الآية» بدل: «منهم»، ومن قوله: «وأنه يجوز ...» إلى هنا ليس في (ح).
(27) ... في (غ): «إذ».
(28) ... انظر: كتاب الزكاة، باب ...........
(29) ... في (أ): «وسيأتي في الزكاة» وقوله: «إن شاء الله تعالى» ليس في (غ).(1/107)
وفيه: دليلٌ لمن يقول: يدفعها مَنْ وجبَتْ عليه للإمامِ العدل، الذي (1) يضعها مواضعها، ولا يجوزُ لمن وجبَتْ عليه أن يَلِيَ تفرقتَهَا بنفسه إذا أقام (2) الإمامُ من تُدْفَعُ (3) إليه ؛، وفي ذلك تفصيلٌ يُعْرَفُ (4) في الفروع .
... وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ...»، وَذَكَرَ الحَدِيثَ نَحْوَهُ، وَزَادَ: «وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ».
وقوله: «وَإيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» (5) ، أي: خيارَهَا (6) ونفائسَهَا؛ حذَّرَهُ مِنْ ذلك؛ نظرًا لأربابِ الأموال، ورِفْقًا بهم، وكذلك (7) : لا يأخُذُ (8) مِنْ شرارِ المال ولا مَعِيبِهِ؛ نظرًا للفقراء؛ فلو طابَتْ نفسُ رَبِّ المال بشيءٍ من كرائم أمواله: جاز =(1/183)=@ للمُصَدِّقِ أخذُهَا منه، ولو رأى المُصَدِّقُ (9) أنْ يَأْخُذَ مَعِيبَةً على وجه النظر والمصلحةِ للفقراء: جاز (10) .
وقوله: «وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ»، الروايةُ الصحيحة في «فإنَّه» بضمير المذكَّر؛ على أن يكونَ ضميرَ الأمر والشأن،، ويَحْتملُ: أنْ يعودَ على مذكَّرِ الدعوة؛ فإنَّ الدعوةَ دعاءٌ.
.............................................
ووقع في بعض النسخ: «فإنَّها» بهاء التأنيث، وهو عائدٌ على لفظ الدعوة .
ويستفادُ منه: تحريمُ الظُّلْمِ، وتخويفُ الظالم، وإباحةُ الدعاء للمظلوم عليه، والوَعْدُ الصِّدْقُ بأنَّ الله تعالى يستجيبُ للمظلومِ فيه، غيْرَ أنَّهُ قد يعجِّلُ الإجابةَ فيه، وقد يؤخِّرها (11) إملاءً للظالم؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم - : «إِنَّ اللهَ يُمْلِي للِظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ»، ثُمَّ قرأ: ُ ب ا آ ء ؤ أ (12) ء ] ِ (13) ، وكما قد رُوِيَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ أنه قال (14) : «إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَرْفَعُ دَعْوَةَ المَظْلُومِ عَلَى الغَمَامِ، وَيَقُولُ (15) لَهَا: لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» (16) . =(1/184)=@ &(1/108)&$
__________
(1) ... سقط من (أ).
(2) ... في (أ):« قام ».
(3) ... في (غ): «يدفع».
(4) ... في (أ): «تفصيل معروف مذكور».
(5) ... هذه الجملة من «الأم» (صحيح مسلم) (1/50)، وفيه: «فإياك» بدل «وإياك» والذي في "التلخيص": «وتوَقَّ كرائم أموالهم»، وهي الدراية الأخرى في «الأم» "صحيح مسلم" (1/51).
(6) ... في (ح):« أخيارها ».
(7) ... في (ح):« وكذلك أيضًا ».
(8) ... في (ب) و(غ): « لا يأخذ أيضًا ».
(9) ... في (ح):« ولو أن المصدِّق رأى ».
(10) ... في (غ): «لجاز».
(11) ... في (أ):« تؤخر ».
(12) ... نهاية الآية في (أ)، وزاد بعدها: «الآية».
(13) ... الآية (102) من سورة هود . والحديث أخرجه البخاري في كتاب التفسير، باب ُ ب ا آ ء ؤ أ ء ] . _ غ ع ء پللهـ! ! ِ [هُود: 102] {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ *}. "الفتح" (8/354).
(14) ... ومن قوله: «وكما قد روي ...» إلى هنا، في (أ): «وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - ».
(15) ... في (غ): «ويقول الله».
(16) ... أخرجه الترمذي في الدعوات، باب في العفو والعافية رقم (3598)، وابن ماجه في الصيام، باب الصائم لا تُرَدُّ دعوته رقم 1752، وأحمد في "المسند" (2/445)، والبغوي في "شرح السنة" (5/196 رقم 1395)؛ من طريق أبي مجاهد سعد الطائي، عن أبي المدله المدني مولى عائشة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا . وهذا إسناد ضعيف، فيه أبو المدله؛ قال الذهبي:«لا يكاد يعرف»، قال ابن المديني:« لم يرو عنه غير أبي مجاهد»؛ "الميزان" (4/571)، وقال الحافظ في "التقريب" (ص 67):«مقبول».(1/108)
بَابٌ يُقَاتَلُ النَّاسُ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا الله، وَيَلْتَزِمُوا شَرَائِعَ دِينِهِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (1) ؛ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - لأبِي بَكْرٍ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلهَ إِلا اللهُ، فَمَنْ قَالَ: لا إِلهَ إِلا اللهُ، فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ، إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ»، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - : وَاللهِ! لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ؛ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللهِ! لَوْ مَنَعُونِي عِقَالاً كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - : فَوَاللهِ! مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُ اللهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ؛ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ .
ومِنْ بَابٍ يُقَاتَلُ النَّاسُ ... إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا الله، وَيَلْتَزِمُوا (2) شَرَائِعَ دِينِهِ
قوله: «وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ»، قال ابنُ إسحاق: لمَّا قُبِضَ .............................................
رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، ارتدَّتِ العربُ إلاَّ ثلاثةَ مساجدَ (3) : مسجدَ المدينةِ، ومسجدَ مَكَّةَ، ومسجدَ جُوَاثَى (4) .
.............................................
وقال (5) القاضي أبو الفضلِ عِيَاضٌ _ح: كان أهلُ الردَّةِ ثلاثةَ أصناف:
صنْفٌ: (6) كفَرَ بعد إسلامه، وعاد لجاهليته، واتَّبَعَ مُسَيْلِمَة َوالعَنْسِيَّ، وصدَّقَ بهما.
وصنفٌ: أقرَّ بالإسلام إلا الزكاة فجحدها (7) ، وتأوَّلَ بعضُهُمْ أنَّ ذلك كان خاصًّا للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (8) ؛ لقولِهِ تعالى: ُ ـ لله ، ِ الآية (9) .
وصنفٌ: اعترَفَ بوجوبِها ولكنِ (10) امتنع مِنْ دفعها إلى أبي بكر - رضي الله عنه - ، وقال: إنما كان قَبْضُهَا للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - خاصَّةً لا لغيره، وفرَّقوا صدقاتِهم بأيديهم.
فرأى أبو بَكْرٍ والصحابةُ (11) $ج قتالَ جميعِهم: الصِّنْفانِ الأَوَّلانِ .............................................
لِكُفْرهم، والثالثُ لامتناعهم (12) .
قال الشيخ: وهذا الصنفُ الثالثُ هم الذين أشكَلَ أمرُهم على عمر - رضي الله عنه - ، فباحَثَ أبا بكرٍ - رضي الله عنه - في ذلك حتَّى ظهَرَ له الحقُّ الذي كان ظاهرًا (13) لأبي بكر، فوافقه على ذلك؛ ولذلك قال: «فَوَاللهِ! مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُ اللهَ تَعَالَى قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ؛ فَعَرَفْتُ أنّهُ الحَقُّ»، أي: ظَهَرَ له من الدليل، وحصَلَ له من ثَلَجِ الصدر وانشراحِهِ لذلك، مثلُ الذي حصَلَ لأبي بكر - رضي الله عنه - (14) ، لا أنَّه قلَّده واتَّبَعَهُ من غير دليل (15) ؛ لأنَّ التقليد لا ينشرحُ به الصدرُ (16) ، ولا يُعْرَفُ به الحقُّ (17) ، ولأنه لا يجوزُ لمجتهدٍ أن =(1/185)=@ يقلِّد مجتهدًا عند تمكُّنِهِ من .............................................
الاجتهادِ؛ كما بيَّنَّاه في "أصول الفقه" (18) .
.............................................
ثُمَّ إنَّ أبا بكر - رضي الله عنه - قاتَلَ جميعَ المرتدِّين الثلاثة الأصناف، وسَبَى ذراريهم؛ قال القاضي: وحكَمَ فيهم بحكم الناقضين للعهد (19) ، فلمَّا تُوُفِّيَ أبو بكرٍ ووَلِيَ عمر $ذ، رَدَّ عليهم سَبْيَهُمْ، وحكَمَ فيهم بحكم المرتدِّين (20) ، وكان أبو بكر - رضي الله عنه - يرى (21) سَبْيَ أولاد المرتدِّين؛ &(1/109)&$
__________
(1) ... أخرجه البخاري (6/111 رقم2946) في الجهاد، بابُ دعاء النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الناسَ إلى الإسلام والنبوة ...، ومسلم (1/51 و52 رقم20) في الإيمان، بابُ الأمرِ بقتال الناس حتى يقولوا: لاإله إلا الله، محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة ...
(2) ... في (أ): «ويلزموا».
(3) ... لم أَجِدِ النقلَ عن ابن إسحاق، وقد ذكَرَ هذا المعنى الخَطَّابِيُّ في "معالم السنن"، والقاضي في "الإكمال"، والأُبِّيُّ، والسنوسي . وانظر:"معالم السنن" (2/199)، و"الإكمال" (ص 360)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/103). ... وقد تعقَّبه الدكتور حسين شوَّاط بقوله: «لا يخفى ما في هذا القول من المبالغة، إذْ لو كان الأمرُ كذلك، لما أمكَنَ ردُّهم في أقلَّ من سنة، والحق أن الذين ثبتوا على الإسلام هم الأكثرون، وإنَّما بدَتْ كثرة المرتدِّين من انتشارهم وعظيم ما أحدثوه من الفتنة. قال ابن حزم في الفصل (2/214): وقد انقسَمَ العربُ ومَنْ باليمن وغيرهم أربعةَ أقسامٍ إثْرَ موته عليه الصلاة والسلام؛ فطائفةٌ: ثبتَتْ على ما كانتْ عليه من الإسلام لم تبدِّل شيئًا، وهم الجمهورُ والأكثر . وطائفةٌ: بقيتْ على الإسلام أيضًا، إلا أنهم قالوا: نقيمُ الصلاةَ وشرائعَ الإسلامِ إلا أننا لا نؤدِّي الزكاة إلى أبي بكر، ولا نعطي طاعةً لأحدٍ بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وكان هؤلاء كثيراً، إلا أنهم دون مَنْ ثبت على الطاعة. وطائفة: أعلنتِ الكفر والرَّدة، وهم قليلٌ بالإضافة إلى مَنْ ذُكرَ . وطائفةٌ: بقيت تتربَّص لمن تكون الغلبة .اهـ باختصار . وانظر : "الفتح" (12/276).
(4) ... جُوَاثَى - بضم الجيم وبين الألفَيْنِ ثاءٌ مثلَّثة؛ يمدُّ ويقصر -: قريةٌ بقرب هَجَرَ في واحة الأَحْساء، تعرف قديمًا بالبحرَيْن وهي شرق البلاد السعودية، كانتْ تسكنها قبيلةُ عبد القيس، وجُوَاثَى: أولُ موضع جُمِّعَتْ فيه الجمعة بعد المدينة، وحينما ارتدَّ من ارتدَّ من العرب، ثبت أهلُ جواثى على الإسلام، فحاصرهم أهلُ الرِّدَّة حتى جاءهم العَلاَءُ بن الحضرمي، فاستنقذهم وفتَحَ البحرَيْن كلَّها، وذلك سنة 12هـ . وقد درَسَتْ هذه القريةُ منذ القرن الرابع الهجري، ولا يزالُ موقعها معروفًا، وبها أطلالُ مسجد يقال: إنه مسجدُ جُوَاثَى الأوَّل . انظر: "معجم البلدان" (2/174)، و"معجم ما استعجم" (2/401)، و"الأمكنة" (ص 58)، و"المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية، المنطقة الشرقية، القسم الأول" (ص 423)، "البداية والنهاية" (6/327).
(5) ... في (أ) و(ح): «قال» بلا واو.
(6) ... في (ب) و(ح):« فصنف ».
(7) ... في "الإكمال" زيادة: «وأقرَّ بالإيمان والصلاة»، وهي عبارة مفهومة من قوله: «أقر بالإسلام».
(8) ... في (ب): «أن ذلك خاصًّا للنبي - صلى الله عليه وسلم - »، وهي (غ): «أن ذلك خاصٌّ للنبي - صلى الله عليه وسلم - ».
(9) ... سورة التوبة، الآية: 103 .
(10) ... قوله:« لكن » سقط من (أ).
(11) ... قوله:« والصحابة » سقط من (أ).
(12) ... انظر: كلام القاضي في "الإكمال" (ص 360)، وقد نقله الحافظ بطوله في "الفتح" (12/276)، وعلَّق عليه.
(13) ... قوله: «الذي كان ظاهرًا»، في (أ): «الذي ظهر».
(14) ... في (ب): «رضي الله عنهما».
(15) ... انظر: "فتح الباري" (12/279)؛ وقد قال القاضي عياض تعليقًا على هذا الموضع: « ... لا أن عمر - رضي الله عنه - قلَّده واعتقد عصمته؛ كما يذهب إليه الروافض من عصمة الإمام وتحتجُّ بمثل هذا»، وانظر: "الفتح الباري" (12/278)، و"معالم السنن" (2/201)، وانظر كلام الروافض على عصمة أئمتهم وجواب هل السنة عليهم في "الملل والنحل" (1/146)، و"شرح العقيدة الطحاوية" (2/744-748).
(16) ... ظاهر الحديث: أن الذي انشرح صدره هو أبو بكر ، لا عمر $ذ.
(17) ... انظر: "الإكمال" ( 362)، و"إكمال الإكمال"، و"مكمل الإكمال" (1/107)، و"معالم السنن" (2/201)، و"شرح النووي" (1/210)، و"الفتح" (12/272).
(18) ... في (ح): «في الاصول». ... وقد اتفق العلماء على أنَّ المجتهد إذا اجتهَدَ في الواقعة، فلا يجوزُ له تقليدُ غيره من المجتهدين. فإنْ لم يكن اجتهَدَ، فهل يجوز له تقليدُ مجتهدٍ آخر؟ فيه خلافٌ بين العلماء على أقوال، منها:
الأول: المنعُ مطلقًا، فليس له تقليدُ مجتهد آخر، لا مع ضِيقِ الوقت ولا مع سعته، ولا فيما يخصُّه ولا فيما يفتي به؛ وهذا هو مذهبُ أحمد، ومالك، والشافعي، وأبي حنيفة في إحدى الروايتَيْن؛ واستدلُّوا بأدلة، منها:
- ... الأدلَّةُ الموجِبَةُ للنظرِ، الدالةُ على فساد التقليد في الأصل.
- ... وبقوله تعالى: ُ ' } - صلى الله عليه وسلم - { « » ف ِ [النِّسَاء: 59] {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}، والردُّ إليهما: هو الردُّ إلى دلالة خطابهما.
- ... ولأنَّ تقليدَ مَنْ لا تثبتُ عصمته ولا تُعْلَمُ إصابته حكمٌ شرعيٌّ، لا يثبُتُ إلا بنصٍّ أو قياس، ولا نصَّ ولا قياس.
الثاني: يجوزُ مطلقًا؛ لعموم الأدلَّة الدالَّة على وجوب السؤال عند عدم العلم؛ كقوله: ُ ژ ؟ : 9 چ ؛ ئ ِ [النّحل: 43] {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، وقوله: ُ « » ف پ ـ لله ْ ّ ِ ُ ِ [النِّسَاء: 83] {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَْمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.
الثالث: وهو الصحيح -: التفصيل، فيقال: إنه يجوز له التقليد حيثُ عجَزَ عن الاجتهاد: إما لتكافؤ الأدلَّة، وإمَّا لضيق الوقت، وإمَّا لِعَدَمِ ظهور الدليل؛ فإنه حيثُ عجَزَ، سقطَ عنه وجوبُ ما عجز عنه، وانتقَلَ إلى بدله وهو التقليد، كما لو عجز عن الطهارة بالماء، فإن كان قادرًا على الاجتهاد، مع استاع الوقت وعدم الحاجة، فلا يجوز له التقليد؛ وهذا هو أعدُل، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية.
... انظر: "الفقيه والمتفقِّه" (2/69)، و"المحصول" (6/81)، و"البحر المحيط" (6/285)، و"التمهيد" لأبي الخَطَّاب (4/409)، و"تيسير التحرير" (4/227)، و"المستصفى" (2/384)، و"مجموع الفتاوى" (20/204، 212)، و"معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة" للجيزاني (ص 498).
(19) ... في (ب): «للعقد».
(20) ... انظر: "الإكمال" (ص 362).
(21) ... في (أ): «رآى».(1/109)
وبذلك (1) قال أصبَغُ بن الفَرَجِ من أصحابنا (2) ، وكان عمر - رضي الله عنه - .............................................
يرى (3) أنهم لا يُسبَوْنَ، ولذلك ردَّ سبيهم؛ وبهذا قال جمهورُ العلماءِ وأئمَّةُ الفتوى (4) .
ويستفاد مِنْ فعل (5) عمر - رضي الله عنه - ، وحُكْمِهِ: أنَّ الإمام العدلَ المجتِهدَ (6) إذا أمَرَ بأمر، أوْ حكم (7) بحكم، وجبَتْ موافقتُهُ على الجميع، وإنْ كان فيهم مَنْ يرى (8) خلافَ رأيه، بل يجبُ عليه تركُ العمل والفُتْيَا بما عنده وإن اعتقَدَ صِحَّته، فإنْ عاد الأمرُ إليه، عَمِلَ على رأيه الذي كان يعتقده صوابًا (9) .
.............................................
وتحصَّل (10) من قضيَّة أبي بكر وعمر $ذ: أنَّ سَبْيَ أولادِ المرتدِّين (11) لم يكنْ مُجْمَعًا عليه، وأنَّ عمر إنَّما وافق أبا بكرٍ ظاهرًا وباطنًا على قتال الجميعِ لا غيرُ، وأمَّا سبْيُ الذراري، فلم يوافقْهُ عليه عمرُ باطنًا، لكنَّه تركَ العملَ بما ظهَرَ له والفُتْيَا (12) به؛ لِمَا يجبُ عليه مِنْ طاعة الإمام وموافقتِهِ، فلمَّا وَلِيَ؟، عمل بما كان عنده؛ هذا هو الظاهرُ من حال عمر - رضي الله عنه - .
ولا يجوزُ أن يقال: إنَّهُ كان قد ظهَرَ (13) له مِنْ (14) جواز السَّبْيِ ما ظهر لأبي بكر - رضي الله عنه - ، ثمّ تغيَّر اجتهاده : لأنّ ذلك يلزمُ منه خرقُ إجماعِ الصحابة السابق (15) ؛ فإنَّهم كانوا قد (16) أجمعوا مع أبي بكر - رضي الله عنه - على السَّبْيِ، وَعَمِلُوا بذلك، مِنْ غير مخالفة ظهرَتْ من أحد .............................................
منهم (17) ولا إنكارٍ ظاهرٍ (18) ؛ غير أنَّهم منقسمون في ذلك إلى: =(1/186)=@ مَنْ ظَهَرَ له جوازُ ذلك؛ فسكَتَ لذلك، ومنهم: مَنْ ظهر له خلافُ ذلك؛ فسكَتَ بحكم ترجيحِ قول الإمام العدل المجتَهِدِ على رأيه، ولوجوبِ اتَّبَاعِ الإمامِ على ما يراه، والعمل به (19) ؛ فإذا فُقِدَ ذلك الإمامُ، تعيَّن على ذلك المجتهدِ أن يعمَلَ على ما كان قد (20) ظهر له، لكنْ بعد تجديد (21) النظر، لا أنّه يعتمدُ على ذلك (22) الرأيِ الأوَّلِ مِنْ غير إعادة البحث ثانيةً؛ لإمكانِ التغيُّر على ما بَيَّنتُه (23) في عِلْم الأصول (24) .
وقد حكى بعضُ الناس (25) : أنّ الإجماع انعقد بعد أبي بكر ؟ على أنّ المرتدَّ لا يُسْبَى ؛ وليس ذلك (26) بصحيح؛ لوجودِ الخلاف .............................................
في ذلك (27) ؛ كما قد حكيناه (28) عن أصبَغَ (29) ،، ولأنَّه يؤدِّي إلى تناقُضِ الإجماعَيْنِ، وهو محالٌ؛ كما يُعْرَفُ في الأصول (30) (31) .
.............................................
ولمَّا اعتقَدَ بعضُ الأصوليِّين في هذه المسألة إجماعَيْن متناقَضَيْن، رأى أنَّ المُخَلِّصَ من ذلك: اشتراطُ انقراضِ العَصْرِ في صحَّة الإجماع، فلم ينعقدْ عند هذا &(1/110)&$
__________
(1) ... في (أ): «وبه».
(2) ... قوله:« ابن الفرج من أصحابنا » سقط من (أ)، أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع الأموي، مولاهم، المصري المالكي، أبو عبدالله، عالم مصر ومفتيها، مولى عمر بن عبدالعزيز، كان ورَّاق عبدالله بن وَهْب، سمع بمصر من علمائها والعابرين بها، والوافدين إليها من الأفارقة الأندلسيين، رحل إلى المدينة ليسمع من الإمام مالك فدخلها يوم مات؛ فصحب القاسم، وأشهب، وابن وهب، وبهم تفقَّه، وهو أفقه أهل الطبقة التي انتهى إليها فقه مالك، قال ابن معين: «كان من أعلم خلق الله براي مالك؛ يعرفها مسألةً مسألةً، متى قالها مالك، ومن خالفه فيها؟»، وقال أبو حاتم: «صدوق، وكان أجلَّ أصحاب ابن وهب»، روى له: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، من كتبه: كتاب الأول، وتفسير حديث الموطَّأ، وآداب القضاء، والرد على أهل الأهواء، وكان أصبغ ممَّن امتحن في مسألة خلق القرآن، فهدب إلى حُلْوان، إلى أن مات مستترًا سنة 225هـ رحمه الله. ... انظر: «سير أعلام النبلاء» (10/656)، و"وفيات الأعيان" (1/240)، و"تقريب التهذيب" (ص 113)، و"تهذيب التهذيب" (1/315)، و"شذرات الذهب" (2/56)، و"حسن المحاضرة" (1/308)، و"شجرة النور الزكيَّة" (1/66).
(3) ... في (أ): «رآى».
(4) ... "الإكمال» (ص 361)، وانظر: «معالم السنن» (2/202)، و"المجموع" للنووي (5/334)، و"فتح الباري" (12/280).
(5) ... في (أ) و(ب): «قول».
(6) ... في (ب) و(ح) و(غ) و(ط): «المجتهد العدل».
(7) ... في (أ): «وحكم».
(8) ... في (أ):« رأى ».
(9) ... هذا ما رآه الشارح - رحمه الله -، وأما القاضي عياض، فقد ذهَبَ إلى أنَّ عمر إنما رأى المَنَّ عليهم وعتقهم؛ تفضُّلاً عليهم للقرابة والرَّحِمِ لِمَا فتَحَ الله عليهم بما فداهم به، وعوَّض مَنْ تملُّكهم منهم؛ كما فعَلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بسبي هوازن وقريش مِنْ منِّه عليهم، ولو كان نقضًا، لَمَا فداهم عمر، ولَأَخْرجهم من أيدي مالكيهم بدون فداء. ... وأمَّا دعوى وجوب موافقة العلماء لاجتهاد الإمام المجتهد العدل: فليستْ بصواب؛ لمخالفة حال الصحابة لذلك؛ فقد كان عليٌّ وعبدالله بن مسعود وزيد بن ثابت يفتون بما يخالف اجتهاد عمر $ح؛ فلم ينكر عليهم أحد، وكذلك أبو ذر وأبو سعيد الخدري وابن عمر $ج أجمعين، أفتوا بخلاف رأى أئمتهم. وانظر:"الإكمال" (ص 362)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (ص 108)، و"الفتح" (12/280)، و"الأموال" لأبي عُبَيْد (2/133)، و"الأموال" لابن زَنْجَوَيْه (1/349)، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" (35/384)، و"إعلام الموقعين" (2/223 فما بعدها.
(10) ... في (غ): «ويحصل».
(11) ... في (أ):« المرتدة ».
(12) ... في (أ): «والفتوى».
(13) ... في (ب):« إنه قد كان ظهر "، وفي (أ): « إنه ظهر ».
(14) ... في (أ): «في»
(15) ... قوله:« السابق » ليس في (أ).
(16) ... قوله: «كانوا قد» ليس في (أ).
(17) ... قوله:« من أحد منهم » سقط من (أ).
(18) ... قوله: «ظاهر» ليس في (أ).
(19) ... ومن هذه الصنف الثاني: عمر $ح؛ بدليل أنَّه رَدَّ سبيهم عند ما ولي الاخلافة؛ كما تقدّم في كلام الشارح.
(20) ... قوله: «قد» سقط من (أ).
(21) ... في (أ):« تحرير ».
(22) ... قوله: «ذلك» سقط من (ح).
(23) ... في (أ): «نبيِّنه».
(24) ... في (أ) و(ب) و(غ) و(ط): «في الأصول».
(25) ... هو الخطابي في "معالم السنن" (2/202)، حيث قال:« ثم لم ينقض عصر الصحابة حتى أجمعوا على أن المرتد لا يسبى ».
(26) ... قوله:« ذلك » ليس في (أ).
(27) ... قوله: «في ذلك» سقط من (أ) و(غ).
(28) ... في (أ): «كما حكينا»، وفي (ب): «كما حكيناه».
(29) ... فيما سبق للشارح عن القاضي عياض.
(30) ... قوله:« كما يعرف في الأصول » سقط من (أ)، وفي (ح): «كما في الأصول».
(31) ... نعم؛ تناقُضُ الإجماعين محال؛ إذا كانا إجماعين قطعين، أما في مسألتنا، فإن الخطابي يرى أن عمر خالف أبابكر في سبي ذراري المرتدّين، فليس هناك إجماع في هذه المسألة في عصر أبي بكر، وقد ذكر الشارح ذلك، فكيف يلزم الخهطابي هنا بتناقض الإجماعين، ولو قلنا بوقوع الإجماع في عصر أبي بكر فهو إجماع سكوتي، وهو ظنيٌّ لا قطعي، والصحيح أن السكوتي ليس بإجماع، هذا على قول الخطابي بوقوع الإجماع المنطقي القطعي في عصر عمر. ... لكن بقي أن نقول: إنه لو سلَّم الشارح بحصول الإجماع المنطقي القطعي في عصر عمر على عدم سبي دراري المرتدين ؛ والشارح لم يتعرَّض الردَّ وقوع هذا الإجماع، لو سلَّم ذلك؛ فكيف يعترضه بمخالفة أصبغ في ذهان إلى سبي دراراي المرتدين، أليس هذا خرقًا من أصبغ للإجماع القطعي وبعد انقراض عصر لمجمعين.
... وعلى ذلك: فإن الشارح حاول أن ينقض الإجماع الذي حكاه الخطابي على ما ذهب إليه عمر بأمرين، ولا يصح له أيُّ منهما .
أحدهما: دعواه أن مخالفة أصبغ دليل على عدم وقوع الإجماع في عصر عمر $ح، وهذا لا وجه له، وإنما يخطأ أصبغ في ذلك؛ لمخالفته للإجماع، ولا ينقض الإجماع بمخالفة أن صبغ، كيف وقد سبق الإجماع بشروطه، وقد ذكر الحافظ أن مخالفة أصبغ تُعَدُّ من ندرة المخالفة.
ثانيهما: دعواه أنه لو ثبت الإجماع في عصر عمر بعدم سبي ذراري المرتدين، فقد ناقض هذا الإجماع في عصر أبي بكر على سبيهم ، وهذا ليس بصحيح؛ إذ إن الشارح نفسه لا يرى وقوع الإجماع في عصر أبي بكر وكذلك الخطابي؛ فكيف يرُدُّ الإجماع الذي حكاه الخطابي بما لا يقول هو به ولا المردود عليه.
... وقد تحصَّل من ذلك: أن إجماع الصحابة في عهد عمر صحيح، لم يخرقه مما ظُنَّ أنه يناضه من الإجماع في خلافة أبي بكر؛ لأن هذا الإجماع سكوتي ولم تتحقق قذيعته، وكذلك لم يخرقه ما أتى بَعْدَهُ من مخالفة أصبغ له؛ لأن مخالفة الإجماع الثابت باطلٌ من القول، وسيأتي مزيد إيضاح لهذه المسألة في الرد على الشارح في نفيه إجماع الصحابة في هذا، والله أعلم.(1/110)
القائل فيها إجماعٌ أوَّلاً ولا آخرًا؛ لأنَّ عصر الصحابة $ج لم يكنِ انقرَضَ في زمان عمر - رضي الله عنه - (1) .
قال الشيخ _ح: واشتراطُ انقراضِ العصر في دلالة الإجماعِ باطلٌ؛ لأنَّهُ زيادةُ شرطٍ في دلالات الإجماعِ (2) الصحيحِ، من غير أن يَشْهَدَ لتلك (3) الزيادةِ عَقْلٌ ولا نقل.
والصحيحُ من هذه المسألة: أنَّه لا إجماعَ فيها أوَّلاً ولا آخِرًا؛ لإضمارِ الخلاف فيها في عَصْرِ أبي بكر، والتصريح به بعده (4) ، .............................................
والله أعلم (5) .
.............................................
وقولُ عمر لأبي بكر، $ذ: «كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاس وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ (6) حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلهَ إلاَّ اللهُ»؟»، ظاهره: أنَّ مَن نطق بكلمة (7) التوحيد فقطْ، حُكِمَ له بِحُكْمِ الإسلام (8) .
.............................................
وهذا الظاهرُ متروكٌ قطعًا؛ إذْ لا بدَّ مع ذلك من =(1/187)=@ النطقِ بالشهادة بالرسالةِ أو بما (9) يدلُّ عليها، لكنَّهُ سكَتَ عن كلمة الرسالة؛ لدلالة كلمة (10) التوحيد عليها؛ لأنَّهما متلازمتان، فهي مرادةٌ قطعًا.
ثُمَّ النطقُ بالشهادتَيْن يدلُّ على الدخولِ في الدِّينِ والتصديقِ بكلِّ ما تضمَّنه؛ وعلى هذا: فالنطقُ بالكلمةِ الأولى يفيدُ إرادةَ الثانية، كما وعنه (11) ؛ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ، وَيُؤْمِنُوا بِي، وَبِمَا جِئْتُ بِهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إِلا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ».
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ (12) : «حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ».
يقال: قرأتُ (13) : [الفَاتِحَة: 2]{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *}، والمرادُ جميعُ السورة.
ويدلُّ على صِحَّةِ ما قلناه : الرواياتُ الأُخَرُ التي فيها: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ»، وفي لفظٍ آخر: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ (14) ، وَيُؤْمِنُوا بِي، وَبِمَا جِئْتُ بِهِ».
.............................................
غير أنَّ أبا بكر وعمر $ذ لم يَخْطُرْ (15) لهما في وقتِ هذه المناظرة غيرُ ذلك اللفظِ الذي ذكراه (16) ؛ إذ لو خطر (17) لهما قولُهُ - صلى الله عليه وسلم - : «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ» (18) ، لارتفَعَ البحثُ بينهما؛ لأنَّ هذا اللفظَ أَنَصُّ (19) في المطلوب، وأوضَحُ في الدلالة ممَّا استدَلَّ به أبو بكر مِنْ قوله: «لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ».
ويعني بهذا أبو بكر (20) -واللهُ أعلَمُ-: أنَّ الله تعالى قد سوَّى بين الصلاة والزكاة في الوجوب في قولِهِ تعالى: ُ ك ق ف * ِ (21) ؛ فقد جمَعَ اللهُ تعالى بينهما في الأمر بهما، &(1/111)&$
__________
(1) ... في (ط): «زمان عصر عمر $ح».
(2) ... من قوله:« باطل ... » إلى هنا ليس في (أ).
(3) ... في (أ):« لذلك ».
(4) ... يرى الشارح _ح: أن هذه المسألة، وهي مسألة سبي أولاد المرتدين: لا إجماع فيها على ما ذهب إليه أبو بكر - رضي الله عنه - وعمل به في خلافته من سبيهم، ولا على ما ذهب إليه عمر - رضي الله عنه - وعمل به في خلافته من عم سبيهم؛ ذلك أن مذهب أبي خالف فيه عمر بإضمار الخلاف، فلا إجماع أولاً، ومذهب عمر خالف فيه أصبغ من المالكية بالتصريح بالخلاف؛ فلا إجماع آخرًا، وإن كان الأمر قد استقر آخرًا على قول عمر أنهم لا يُسْبَوْنَ؛ وهو مذهب جمهور العلماء، وأئمة الفتوى؛ كما سبق نقل الشارح لهذا عن القاضي. ... وهذا الذي جرى عليه الشارح - ومن قله القاضي -: إنما سار فيه على مذهب جمهور الأصوليين : أن الإجماع لا ينعقد إذا خالف واحدٌ من أهل الاجتهاد، وهذا هو الراجح المعوَّل عليه، قال القاضي - في مخالفة عمر لأبي بكر في مسألة سبي الذراري باطنًا - : «وفيه أن الوفد إذا خالف الجماعة، فخلافه معتبر ولا ينعقد به إجماعؤ ، وقد خالف في ذلك جماعة، منهم: محمد بن جرير الطبري، وأبو الحسين الخيَّاط من المعتزلة، وأبو بكر الرازي، والإمام أحمد في رواية عنه؛ فقالوا: بانعقاد الإجماع، ولا تضر مخالفة الواحد. ... أقول: هذا ما يظهر من كلام الشارح؛ والقاضي، لكن هذا يسلَّم في نقض الإجماع في عصر أبي بكر، لمخالفة أحد مجتهدي العصر، وهو عمر $ح، فنقول بأن الإجماع على سبي الذراري في عصر أبي بكر لم يقع، لكننا لا نسلَّم بنقض الإجماع في عصر عمر على عدم سبيهم بمخالفة أصبغ بعد ذلك؛ وذلك لأن أصبغ لم يكن من مجتهدين عصر الصحابة حتى تخرق مخالفته الإجماع، وبذلك يَسْلَمُ الإجماع الذي حكاه الخطابي وغيره على استقرار إجماع الصحابة بعد أبي بكر - رضي الله عنه - على أن المرتد لا يُسبَى؛ وكل ذلك كان قبل انقراض عصر الصحابة $ج؛ فهو عنه إجماع لا شك فيه، سواءٌ قلنا في صحة الإجماع باشتراط انقراض العصر، أو لم نقل؛ وعلى ذلك: فتكون مخالفة أصبغ _ح لهذا الإجماع قادحةً فيما ذهب إليه لا خارقة للإجماع السابق، فاعلم هذا! انظر مسألة هل يخرق الإجماع بمخالفة واحد من المجتهدين في: "المحصول" (2/257) - 263)، و"الإحكام" للآمدي (1/229، 235-239)، و"الإحكام" لابن حزم (4/544-552).
(5) ... قوله: «والله تعالى أعلم» ليس في (أ).
(6) ... قوله:« الناس » سقط من (أ).
(7) ... في (أ):« نطق بالشهادة بكلمة ».
(8) ... هذا الذي ذكره الشارح _ح ليس بظاهر، وإنما ظاهرة، بل نصُّهُ ومنطوقة: أن من قال: لا إله إلا الله، فقد عصَمَ دمه وماله، لا أنه صار مسلمًا - كما ذكر الشارح - فإن نصَّ الحديث: «فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم منِّي ماله ونفسه، إلا بحقِّه، وحسابه على الله»، وليس فيه: «فمن قال: قال لا إله إلا الله، فقد صار مسلمًا»؛ فمن أين جاء الشارح بهذا الظاهر؟! على أنه سيبيَّن أن هذا الظاهر الذي فهمه من الحديث: متروك قطعًا برواياتالحديث الأخرى، وبغير هذا الحديث من نصوص الشريعة كتابًا وسنة! ... وقد قال القاضي عياض _ح: «اختصاص عصمة المال والنفس بمَنْ قال: لا إله إلا الله: تعبيرٌ عن الإجابة إلى الإيمان، وأنَّ المراد بذلك: مشركو العرب وأهل الأوثان، وهم كانوا أوَّل من ذُعيَ إلى الإسلام وقوتل عليه، فأمَّا غيرهم ممَّن يقربا التوحيد: فلا يكتفي في عصمة دمه بقول: لا إله إلا الله؛ إذْ كان يقولها في كفره وهي من اعتقاده؛ فلذلك جاء في الحديث الآخر: «وأنِّي رسول الله، ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة» اهـ. ملخَّصًا، وهذا الذي ذكره القاضي في عدم العمل بهذا الظاهر - وهو عصمة الدم والمال بمجرَّد قول لا إله إلا الله - قد سبقه إليه الخطابي وغيره، وتبعه على ذلك الشارح والنووي وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم، وما ذكروه في ذلك غاية في التحرير، ولا خلاف فيه بين أهل العلم. ... وقد ذكر الحافظ ابن حجر هذه المسألة عند تعرُّضه لقضية المناظرة بين أبي بكر وعمر $ذ، في شرحه لهذا الحديث، قال: «وفيه: منعُ قتل من قال: لا إله إلا الله، ولو لم يردْ عليها، وهو كذلك؛ لكنْ هل يصيرُ بمجرَّد ذلك مسلمًا؟ الراجح: لا؛ بل يجب الكفُّ عن قتله حتى يختبر، فإنْ شهد بالرسالة، والتَزَم أحكام الإسلام، حكم بإسلامه، وإلى ذلك الإشارةُ بالاستثناء بقوله: «إلا بحقِّ الإسلام»، قال البغوي: الكافرُ إذا كان وثنيًا أو ثنويًّا لا يُقِرُّ بالوحدانية، فإذا قال: لا إله إلا الله، حكم بإسلامه، ثم يجبرُ على قبول جميع أحكام الإسلام، ويبرأ مِنْ كلِّ دين خالف دين الإسلام، وأما من كان مقرًّا بالوحدانية، منكرًا للنبوَّة، فإنه لا يحكم بإسلامه حتى يقول: محمَّد رسول الله، فإن كان يعتقدُ أنَّ الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة، فلا بدَّ أن يقول: إلى جميع الخلق، فإنْ كان كفَرَ بجحود واجب، أو استباحة محرَّم، فيحتاج أن يرجع عما اعتقده، ومقتضى قوله: «يجبر» أنه إذا لم يلتزمْ تجري عليه أحكام المرتد؛ وبه صرَّح القفال». ... انظر: "معالم السنن" (2/11، 206)، و"الإكمال" (1/205-206 - شواط)، و"الشفاء، بتعريف حقوق المصطفى" (2/538-542)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/106)، و"شرح النووي" (1/212)، و"مجموع الفتاوى" (7/186-189، 644-645)، (28/502)، و"فتح الباري" (3/358)، (12/279)، و"نيل الأوطار" (7/198)، "فتح المجيد" (ص 133 - 136 - الضُرَيَّان).
(9) ... في (أ): «أو ما».
(10) ... قوله:« كلمة » سقط من (ح).
(11) ... أخرجه مسلم (1/52رقم 21/34) في الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لاإله إلا الله محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة ... .
(12) أخرجه البخاري (1/75رقم25) في الإيمان، باب: ُ - . / 0 ) * + ، ِ [التّوبَة: 5] {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}، ومسلم (1/53رقم 22) في الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لاإله إلا الله محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة ... .
(13) ... قوله: «قرأت» سقط من (غ).
(14) ... من قوله:« وأن محمدًا رسول الله ... » إلى هنا ليس في (أ).
(15) ... في (ب) و(ط) : «يحضر».
(16) ... وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - في اللفظ الذي احتج به عمر، وأقرَّه عليه أبو بكر $ذ-: «أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم منّي ماله ونفسه إلا بحقِّه وحسابه على الله»، وكان جواب أبي بكر $ح: «والله لأقاتلنَّ مَنْ فرَّق بين الصلاة والزكاة؛ فإنَّ الزكاة حق المال».
(17) ... في (ب) و(ط): «حضر».
(18) ... قوله: «إذ لو خطر لهما ...» إلى هنا، مكانه في (ط): «إذْ لو حضر لهما قوله عليه الصلاة والسلام: الحديث الذي فيه: «يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة».
(19) ... في (ب) و(ط): «نص».
(20) ... في (أ) «أبو بكر بهذا»
(21) ... سورة البقرة، الآية: 43 .(1/111)
والصلاةُ .............................................
المأمورُ بها واجبةٌ (1) قطعًا؛ فالزكاةُ (2) مثلُهَا، فمَنْ فرَّقَ بينهما قُوتِلَ.
ويمكنُ أَنْ يُشِيرَ بذلك إلى قولِهِ تعالى: ُ - . / 0 ) * + ، ِ (3) ، ودليلُ خطابها (4) : أنَّ مَنْ لم يفعَلْ جميعَ ذلك (5) لَمْ يُخَلَّ سبيلُهُ، فيقاتَلُ إلى أن يُقْتَلَ أو يتوبَ.
وبهذه الآية وبذلك (6) الحديث استدلَّ الشافعيُّ ومالك ومَنْ قال بقولهما على قَتْلِ تاركِ الصلاة وإن كان معتقدًا لوجوبها (7) (8) ؛ على ما .............................................
يأتي إن شاء الله (9) .
وقوله: «فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ ونَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ»، عصَمَ: منع، وَالعِصْمَةُ: المنعُ والاِمتناع، والعِصَامُ: الخيطُ الذي يُشَدُّ به فَمُ القِرْبةِ، سُمِّيَ بذلك؛ لمنعه الماءَ =(1/188)=@ من السَّيْلان (10) ، والحقُّ المستثنَى: هو ما بيَّنه - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآخر بقوله (11) :«زنًى بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ كُفْرٌ بَعْدَ .............................................
إِيمَانٍ، أَوْ قَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ» (12) ، وسيأتي ذكره (13) في "الحدود" (14) .
وقوله: «وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ»، أي: حسابُ سرائرهم على الله؛ .............................................
لأنَّه تعالى هو (15) المُطَّلِعُ عليها؛ فَمَنْ أخلَصَ في إيمانه وأعماله جازاه الله عليها (16) جزاءَ المُخْلِصينْ، ومن لم يُخْلِصْ في ذلك (17) كان من المنافقينْ، يُحْكَمُ له في الدنيا بأحكامِ (18) المسلمينْ، وهو عند الله مِنْ أسوأ الكافرينْ .
ويستفادُ منه: أنَّ أحكامَ الإسلامِ إِنَّما تُدَارُ على الظواهرِ الجليَّةْ، لا الأسرارِ الخفيَّةْ (19) .
.............................................
وقوله: «وَاللهِ لَوْ مَنَعَوْنِي عِقَالاً كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، لَقَاتَلْْتُهُم عَلى مَنْعِهِ»؛ اخْتُلِفَ في هذا العِقَال على أقوال:
أولها: أنه (20) الفريضةُ من الإبل؛ رواه ابن وَهْبٍ عن مالك، وقاله (21) النَّضْرُ بن شُمَيْل (22) .
وثانيها: أنَّه صَدَقةُ عامٍ؛ قاله الكسائيُّ (23) ؛ وأنشد:
.............................................
سَعَى عِقَالاً فَلَمْ يَتْرُكْ لَنَا سَبَدًا
فَكَيْفَ لَوْ قَدْ سَعَى عَمْرٌو عِقَالَيْن (24) =(1/189)=@
وثالثها: أنَّه كُلُّ شيءٍ يؤخذُ في الزكاةِ مِنْ أنعامٍ وثمار؛ لأنَّهُ يُعْقَلُ عن مالكه؛ قاله أبو سَعِيدٍ الضريرُ (25) . &(1/112)&$
__________
(1) ... من قوله: «قد سوَّى بين ...» إلى هنا جاء في (أ): «سوَّى بينهما في الوجوب وجمع بينهما في الأمر، والصلاة واجبة».
(2) ... في (أ) و(ح): « والزكاة ».
(3) ... سورة التوبة، الآية: 5 .
(4) ... في (أ): «دليل خطابها» بدون واو، والمراد بـ«دليل الخطاب» مفهوم المخالفة، وقد سبق التعليق عليه، والمراد منه هنا: مفهوم المخالفة في الشرط.
(5) ... قوله:« جميع ذلك » سقط من (أ).
(6) ... قوله: «بذلك» سقط من (أ).
(7) ... في (أ): «يعتقد وجوبها».
(8) ... قال الإمامُ الشافعي في "الأم" (1/255): «من ترك الصلاةَ المكتوبةَ ممَّن دخل الإسلام، قيل له: لِمَ لا تصلِّي؟ فإنْ ذكَرَ نسيانًا، قلنا: فَصَلِّ إذا ذكرْتَ، وإنْ ذكَرَ مرضًا، قلنا: فصَلِّ كيف أَطَقْتَ، قائمًا أو قاعدًا أو مضطجعًا أو مُومِيًا، فإنْ قال: أنا أُطِيقُ الصلاةَ وأُحْسِنُهَا، ولكنْ لا أصلِّي وإنْ كانتْ عليَّ فرضًا، قيل له: الصلاةُ عليك شيءٌ لا يعملُهُ عنك غيرك، ولا تكونُ إلا بعملك، فإنْ صلَّيْتَ وإلا استتبناك، فإنْ تبتَ وإلا قتلناك»، وقال: «قد قيل: يستتابُ تاركُ الصلاة ثلاثًا، وذلك - إنْ شاءَ اللهُ - حسنٌ؛ فإنْ صلَّى في الثالثة، وإلا قتل» اهـ. وهذا مذهبُ مالك، والشافعي، والجماهير من السلف والخلف: أنه لا يكْفُرُ، بل يفسق ويستتاب، فإنْ تاب وإلا قتل حدًّا. ... وذهَبَ جماعةٌ من السلف: إلى أنه يَكْفُرُ، وهو مرويٌّ عن علي بن أبي طالب، وإحدى الروايتين عن أحمد، وبه قال ابنُ المبارك، وابن راهويه، وهو وجهٌ لبعض أصحاب الشافعي. ... وذهب أبو حنيفة، وجماعةٌ من أهل الكوفة، والمزني: إلى أنه لا يكفُرُ ولا يقتل، بل يعزَّر ويحبس حتى يصلِّي. ... وقال القاضي عياض في "الإكمال" (ص 357): «قد أجمَعَ المسلمون على قتل الممتنعِ عن أداء الصلاة والزكاة مكذِّبًا بهما، وجمهورُهُمْ على قتل الممتنع من الصلاة أو المتهاوِنِ بها ع اعترافه بوجوبها». اهـ. انظر: "شرح النووي" (2/70)، و"المجموع" (3/13-17)، و"الفتاوى" (7/14-19، 186-189، 609-611)، و"الصلاة لابن القيم (ص 382 - 390)، و"الفتح" (12/275-280)، و"النيل" (1/288-291).
(9) ... في كتاب الإيمان، باب تَرْكُ الصلاة جحدًا أو تسفيهًا للأمر: كُفْرٌ وسيأتي إن شاء الله تعالى - تعليقتنا على ذلك هناك.
(10) ... انظر: "المفردات" (ص 349)، و"مشارق الأنوار" (2/95)، و"غريب الخطابي" (1/285)، و"أساس البلاغة" (ص 304)، و"النهاية" (3/249)، و"اللسان" (12/404)، و"التاج" (17/481، 486).
(11) ... قوله: «في الحديث الآخر بقوله» في (أ): «في قوله».
(12) ... أخرجه الطبراني في "الأوسط"، قال: حدَّثنا بكر هو ابن سهل، حدَّثنا عمرو بن هاشم البيروتي، حدثنا سليمان بن حبان أبو خالد الأحمر، عن حُمَيْد، عن أنس، به، فذكره في آخر حديث . وهذا إسنادٌ ضعيف، بكر بن سهل قال فيه النسائي: ضعيف . وعمرو بن هشام وسليمانُ بن حَيَّان، قال الحافظ في كل منهما: صدوق يخطئ . "الميزان" (1/346)، و"التقريب" (428، 250). ... ولذا قال الطبراني عقبه: لم يرو هذا اللفظَ الأخيرَ - وهو قوله: زنى بعد إحصان... إلخ - عن حميد، إلا أبو خالدٍ تفرَّد به عمرو . ... وقال ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (1/236): لعلَّ آخره من قول أنس، وقد قيل: إنَّ الصواب وقفُ الحديثِ كلِّه عليه .اهـ. ... على أنَّ معناه قد صحَّ من حديث ابن مسعود $ح: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « لا يحلُّ دم امرئ مسلم يشهد أَنْ لا إله إلا الله، وأنِّي رسولُ الله إلا بإحدى ثلاث: الثَّيِّبُ الزاني، والنفسُ بالنفس، والتاركُ لدينه المفارقُ للجماعة »؛ أخرجه البخاريُّ في كتاب الحدود، باب قول الله تعالى: ُ " ' ( % × ، ِ [المَائدة: 45] {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ...}. (12/201)، ومسلم في كتاب القسامة، باب ما يباح به دم المسلم (1676).
(13) ... قوله: «ذكره» ليس في (أ).
(14) ... الضمير في قول الشارح «ذِكْرُهُ» إنْ كان المراد به الحديث الذي ذكره، فإن الشارح لم يذكره ولم يتعرَّض له في «كتاب الحدود»، وإن كان المراد به الحق المستثنى، فأيضًا لم يذكره الشارح ولم يتعرَّض له في ذلك الكتاب، وإنما ذكر الشارح حديث ابن مسعود في «كتاب القسامة» باب «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ...» تبعًا لرواية مسلم للحديث في هذا الكتاب، ما سبق بيانه في التعليق السابق في تخريج الحديث.
(15) ... قوله: «تعالى هو» ليس في (أ).
(16) ... قوله: «الله عليها» ليس في (أ).
(17) ... قوله: «في ذلك» سقط من (أ).
(18) ... في (ط): «بحكم».
(19) ... مِنْ أصولِ أهلِ السنة القطعية: الحكمُ على الناسِ على حَسَبِ ظواهرهم؛ قال الإمامُ الشاطبيُّ _ح : «إنَّ أصل الحكم بالظاهر مقطوعٌ به في الأحكام خصوصًا، وفي الاعتقاد في الغير عمومًا؛ فإنَّ سيِّد البشر مع إعلامه بالوحي يُجْري الأمورَ على ظواهرها في المنافقين وغيرهم وإنْ علم بواطنَ أحوالهم، ولم يكنْ ذلك بِمُخْرِجِهِ عن جريان الظواهر على ما جرَتْ عليه...» "الموافقات" (2/271، 272)، وقال الإمام البغوي _ح في شرحه لهذا الحديث: «وفي الحديث: دليلٌ على أن أمور الناس في معاملة بعضهم بعضًا إنما تجري على الظاهر مِنْ أحوالهم دون باطنها، وأنَّ من أظهَرَ شعار الدين، أُجْريَ عليه حكمه، ولو وُجِدَ لقيطٌ في بلد المسلمين، حكم باسلامه». "شرح السنة" (1/70). ... وانظر في بيان هذا الأصلِ والاستدلالِ له: "فتح الباري"ط (1/77)، (12/273)، و"الإكمال" (1/208 شواط)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/106)، و"المنهاج" (1/212)، و"جامع العلوم والحكم" (1/236)، و"الإيمان" لابن تيميَّة (ص 398، 243، 201-203، 197-198)، و"شرح الطحاوية" (ص 363).
(20) ... في (غ): «أنها».
(21) ... في (غ): «وقال».
(22) ... انظر: "غريب الخطابي" (2/48)، و"الإكمال" (1/202 - شواط)، و"فتح الباري" (12/278).
(23) ... كما في "غريب الحديث" لابن .... (3/210)، و"اللسان" (11/464)، وهذا أيضًا قول ثعلب؛ كما في "مجلسه" (1/142)، والكسائي وثعلب من كبار أئمة الكوفيين، وهو قول ابن دُرَيْد كما في "الجهرة اللغة" (ص 844)، واختاره أبو عبيد في "غريب الحديث" له (3/209)، بعد أن نقله عن الكسائي، قال: "قال الكسائي: العقال: صدقة عام؛ يقال: قد أُخقذَ منهم عِقَالُ هذا العام: إذا أخذتْ منهم صدقته، قال الأصمعي: يقال: بُعث فلانٌ على عقال بني فلان: إذا بُعث على صدقاتهم، قال أبو عبيد: فهذا كلام العرب المعروفُ عندهم ... والشواهد في كلام العرب عليه أكثر، وهو عندي أشبه بالمعنى» اهـ. يتصرُّف، وقد نقل كلام أبي عُبَيد هنا: الخطابيُّ في "غريبه"، ثم نقَلَ عن محمد بن إبراهيم العبدي إنكارَهُ له، وقولَهُ:ليس بسائر في لسانهم: العقَالُ صدَقَةُ عام . والبيتُ الذي استشهَدَ به [يعني: بيت عمرو بن العداء الكلبي] ليس بالثبت الذي يحتجُّ به . انظر:"غريب الخَطَّابي" (2/47)، وقد ذكر أبو المحاسن الحنفي هذا القول في "معتصرة" دون نسبة، وقال: "وهذا - أيضاً - فاسدٌ؛ لأن أبا بكر إنما قال: "لو منعوني عقالاً» على معنى أنهم لو منعوه قليلاً مما كانوا يؤدُّونه من الصدقة، لقاتلهم عليه؛ كما يقاتلهم لو منعوها كلَّها». "معتصر المختصر" (1/131).
(24) ... البيت من البسيط، وقبله:
لَأَصْبَحَ لَحيُّ أَوْبَادًا ولم يَجدُوا
عند التفرُّق في الهيجا جِمَالَيْنِ
... وهو لعمرو بن العَدَّاء الكَلْبي يقوله في عمرو بن عتبة بن أبي سفيان، ابن أخي معاوية $ح، وكان قد استعمله على صدقات كَلْب، فاعتدى عليهم. انظر: "غريب ابي عبيد" (3/211)، و"غريب الخطابي" (2/47)، و"خزانة الأذب" (7/581)، و"تهذيب اللغة" (1/239)، (3/91)، و"لسان العرب" (3/443)، (11/464)، (14/386)، و"التاج" (15/508)، والبيت بلا نسبة في "جمهرة اللغة" (ص 844)، و"معجم مقاييس اللغة" (4/71)، و"الصحاح" (5/1770)، و"الأغاني" لأبي الفرج (20/177)، و"المغني" لابن قدامة (2/228) ... وقوله: «سعى» في الموضعين من البيت: من سَعَى الرجلُ على الصدقة - أي: الزكاة - يسعى سعيًا، اي : عَمِلَ في أخذها من أربابها، والسعادة: ولاة الصدقة، و«عقالاً» و«عقالَيْن»: منصوبان على الظرف، أراد: مُدَّة عقال، ومُدَّة عقالَيْن. ... وقوله: «فلم يترك لنا سَبَدًا» السَّبَد: الوبر، وقيل: الشَّعْر، والمراد هنا: المال القليل، يقال: ماله سَبَدٌ ولا كبدٌ، أي : مالَهُ قليلٌ ولا كثير. و«أوبادًا»: جمع «وَبَد»، وهو شدة العيش وسوء الحال. انظر: "خزانة الأدب" (7/581-585).
(25) ... ذكر الخطَّابي في "غريب الحديث" له (2/49) هذا القول عن أبي سعيد الضرير، وأوضحه زيادة إيضاح عمَّ عند الشارح، وانظر: "الإكمال" (1/203 شواط)، و"الفتح" (12/278).(1/112)
.............................................
ورابعها: هو ما يأخُذُهُ المصدِّق من الصدقة (1) بعينها، فإنْ أخَذَ عِوَضَها، قيل: أخَذَ (2) نقدًا (3) ؛ ومنه قولُ الشاعر:
...................
وَلَمْ يَأْخُذْ عِقَالاً وَلاَ نَقْدًا (4)
وخامسها: أنه اسمٌ لما يُعْقَلُ به البعير؛ قاله أبو عُبَيْد (5) ، وقال: قد بعَثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محمَّد بن مَسْلَمة على (6) الصدقة، فكان يأخذ .............................................
مع كُلِّ قَرَنَيْنِ (7) (8) عِقَالاً ورِوَاءً (9) .
قال الشيخ _ح: والأشبه بمساق (10) قول أبي بكر - رضي الله عنه - أن يراد بالعِقَال: ما يُعْقَلُ به البعير؛ لأنه خرج (11) مَخْرَجَ التقليل (12) ، والله أعلم.
.............................................
وقد رُوِيَ (13) في غير كتاب مسلم: «لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا» مكان «عِقَالاً»، وهو الجَذَعُ مِنْ أولاد المَعْز (14) .
وقد روي (15) : «جَذعًا» مكانَ «عَنَاقًا»، وهو تفسيرٌ له، والجذَعُ من أولاد الغنم: هو الذي (16) جاوز ستةَ أشهر إلى آخر السنة، ثم هو ثَنِيٌّ.
وبهذه الروايةِ تمسَّك مَنْ أجاز أَخْذَ الجذَعَ =(1/190)=@ من المعز في الزكاة إذا كانتْ سِخَالاً كلُّها؛ وهو قولُ الشافعيِّ (17) ، وأحدُ قولَيْ مالك، وليس بالمشهور (18) عنه (19) .
.............................................
ولا حُجَّةَ في ذلك؛ لأنَّه خرج مَخْرَجَ التقليل؛ فإنَّ عادةَ العرب إذا أَغْيَتْ (20) في تقليل شيء (21) ، ذَكَرَتْ في كلامها ما لا يكونُ مقصودًا؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم - : «لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» (22) (23) ، وفي أخرى: «وَلَوْ ظِلْفًا مُحْرَقًا» (24) (25) ، وليسا مما .............................................
ينتفعُ به، وكذلك قولُهُ - صلى الله عليه وسلم - : «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لله وَلَوْ مِثْلَ مَفْحَصِ قَطَاةٍ (26) » (27) ؛ وذلك القَدْرُ لا يكونُ مسجدًا (28) ، ونحوٌ من .............................................
هذا (29) في الإغْيَاء (30) قولُ امرئ القيس: &(1/113)&$
__________
(1) ... قوله:« الصدقة » سقط من (أ)
(2) ... قوله: «قيل: أخذ» في (ب): «فقد أخذ».
(3) ... هذا قول المبرِّد من أئمة البصريين؛ كما في كتاب «الكامل» له (1/392) في كلامه على حديث أبي بكر، وقد نسبه له الخَطَّابي في: «غريب الحديث» (2/49)، والقاضي في «الإكمال» (1/203 شواط)، وابن الصلاح في «الصيانة» (1/166)، والبغدادي في «خزانة الأدب» (7/582)، وهو قولابن الأعرابي؛ كما في "شرح مشكل الآثار" للطحاوي (15/91)، وهذا القول أيَّده الطحاوي الحنفي، ولم يرتضه ابن ا لصلاح.
(4) ... هذا جزءٌ من عجز بيت من الطويل، والبيت بتمامه:
أتانا أبو الخَطَّابِ يضْرِبُ طَبْلَهُ
فَرُدَّ ولَمْ يَأْخُذْ عَقَالاً ولا نَقْدًا
... وقد كانت الأمراء إذا خرجت لأخذ الصدقة، يضربون الطبول. ... والبيت لم أهتد إلى قائله، انظر: "الكامل" للمبرِّد (1/392)، و"غريب الحديث" للخطابي (2/49)، و"الإكمال" (1/203 شواط)، و"صيانة صحيح مسلم" (1/166)، و"خزانة الأدب" (7/582)، و"شرح مشكل الآثار" للطحاوي (15/91)، و"فتح الباري" (12/278).
(5) ... في "غريبه" (3/210) عنالواقدي، كما سيأتي بيانه، وأما أبو عبيد: فقد اختار أن العقال: صدقة عام، كما سبق إيضاحه، وإنما ذكر أبو عبيد القول بأنه: ما يقعل به البعير ذِكْرًا، وانظر أيضًا في ذلك: "تاج العروس" (508).
(6) ... في (أ): «على أخذ».
(7) ... في (ب) و(ح) و(ط) :« قرينين ».
(8) ... قال في "القاموس المحيط" (4/260): « القَرَنُ: حبلٌ يجمع به البعيران، والبعيرُ المقرون بآخر كالقَرِين ».
(9) ... في هذا النقل تداخُلٌ بحيث أصبَحَ الخبر لِفْقًا من خبرين، ونصه عند أبي عبيد: «... ذكر الواقدي : أنَّ محمد بن مسلمة كان يعملُ على الصدقة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكان يأمر الرجُلَ إذا جاء بفريضتَيْنِ أن يأتي بعقالَيْهِمَا وقِرَانَيْهِمَا . ويروى أن عمر بن الخطاب كان يأخذُ مع كلِّ فريضة عِقَالاً وروَاء، فإذا جاءت إلى المدينة، باعها ثم تصدَّق بتلك العُقُل والأرْوِيَة . قال: والرَّوَاء: الحبلُ الذي يقرن به البعيران. اهـ. كلام الواقدي؛ نقلاً عن "غريب أبي عبيد" (3/210)؛ وبذلك يتبين حال الخبر؛ إذ الواقدي في الطريق، وقد قال الذهبي: استقرَّ الإجماعُ على وهن الواقدي . "الميزان" (3/666).
(10) ... في (أ)، (غ): «لسياق».
(11) ... في (أ): «خرج به».
(12) ... انظر: "غريب أبي عبيد" (3/210)، و"غريب الخطابي" (2/47)، و"الفائق" (3/14)، و"النهاية" (3/280)، و"اللسان" (11/464)، و"التاج" (15/508)، و"شرح النووي على مسلم" (1/209)، و"فتح الباري" (12/278)، ويشهد لما اختاره الشارح هنا - بالإضافة إلى ما سيذكر -: ما أفاده صاحب "التاج"، قال: «قلتُ: وورد في بعض طرق الحديث: لو منعوني عَقَالَ بعير، وهو يعيد عن التأويل» "تاج العروس" (15/508).
(13) ... قوله:« قد روي » سقط من (أ).
(14) ... فسَّر الشارح العَنَ بأنَّه الجَذَعُ من أولاد المعز، وقد خصَّه الخَطَّابيُّ وابن الأثير وغيرهما بالأنثى من أولاد المعز.انظر:"غريب الخطابي"(3/168)، و"النهاية" (3/311)، و"اللسان" (10/275)، وفي "الزهد" للأزهري (ص 289)، قال: "العَنَاق من أولاد المعزَى، هي: والأنثى التي لم تستكمل سنة، ولم تُجْذَع، وجمعها: غُنُوق»، وهو جمع نادر جاء على غير قياس، كما في "التهذيب" (1/254).
(15) ... في (أ): «وروي» بدون «قد».
(16) ... في (أ): «والجذع من الغنم الذي».
(17) ... في (أ):« كلها قاله الشافعي ».
(18) ... في (أ) و(غ): «بمشهور».
(19) ... في هذه المسألة ثلاثة أقوال لأهل العلم؛ الأول: أنه ليس في الفُصْلات والعجاجيل والحملان صدقة، والثاني: يجب فيها ما يجب في الكبار من الجَذَع في الضأن، والثنيَّة في الماعز؛ فيكلَّف المزكِّي شراءَ السن الواجبة عليه، والثالث: يجب فيها واحدةٌ منها. انظر هذه الأقوال ومن قال بها وتفصيل هذه المسأللة في: "معالم السنن" (2/207)، و"بداية المجتهد" (1/252)، و"البناية شرح الهداية" (3/401 - 402)، و«أوجز المسالك" (6/4).
(20) ... في (ط): «أغنت».
(21) ... أغْيَتِ العربُ في تقليل شيء، أي: بلغت الغاية في تقليله؛ يقال: أغيا الرجلُ، أي: بلغ الغاية في الشرفِ وفي الأمرِ، ويقال: أغيا الفرسُ في سباقه كذلك. انظر: "تاج العروس" (20/359).
(22) ... الفِرْسِن - بكسر الفاء والسين بينهما راء ساكنة -: هو عَظْمٌ قليلٌ اللحم، وهو للشاة والبعير بمنزلة الحافر للدابَّة . انظر: "مشارق الأنوار" (1/329)، و"النهاية" (3/429)، و"لسان العرب" (6/163).
(23) ... أخرجه البخاريُّ في كتاب الأدب، باب: لا تحقرن جارة لجارتها (10/445)، ومسلم في كتاب الزكاة، بابُ الحث على الصدقة ولو بالقليل، حديث (1030)، والترمذي في كتاب الولاء والهبة رقم (2130)؛ح كلُّهم من طريق أبي هريرة $ح.
(24) ... الظَّلْف المُحْرق: الظِّلْف للبقر والغنم، كالحافر للفرس والبغل، قال القاضي: «هذا وما أشبهه إنما يقصد به المبالغة في رَدِّ السائل بأدنى ما تيسَّر، ولم يقصد به صدور هذا الفعل من المسؤول؛ فإن الظِّلْف المُحْرَق غير منتفع به»، وهذا الذي ذكره القاضي هو: ما عليه أكثر الشراح لكن ذكر ابن العربي وجهًا آخر، قال: «وقيل: إن الظِّلْف المحرق كان له عندهم قَدْرٌ بأنهم يسحقونه ويسفونه». انظر: "مشارق الأنوار" (1/329)، و"فيض القدير" (4/257)، و"تحفة الأحوذي" (3/268)، و"النهاية" (3/159)، و"أساس البلاغة"، (ص 389)، و"اللسان" (3/174)، (9/229).
(25) ... تخرَّج رواية «ولو ظلفًا محرقًا»!
(26) ... القطاة: طائرٌ معروف سمِّي بذلك لثقل مَشْيه، جمعُهُ: قَطًا، مأخوذٌ من قَطَا يقطو: إذا ثقل مشيه، ومفحص القطاة: هو عُشُّ القَطَاة الذي تَبِيتُ فيه وتبيضُ فيه؛ لأنها تَحْفِرُهُ وتفحصُ عنه الترابَ، أي: تكشفه . انظر:"غريب أبي عبيد" (3/132)، و"النهاية" (3/415).
(27) ... الحديث بتمامه: «من بنى لله مسجدًا ولو مِثَلَ مَفْحَصِ قَطَاةٍ، بَنَى اللهُ له بيتًا في الجنة»، وقد جاء هذا الحديث من رواية جمع من الصحابة، منهم: أبو ذر، وجابر $ذ فأما حديث أبي ذر: فأخرجه ابن أبي شيبة (1/310)، وابن حِبَّان في الصلاة من "صحيحه" (4/490 رقم 1610 )، والطبراني في "المعجم الصغير" (2/120)، والبَزَّار في "مسنده"؛ كما في "كشف الأستار" (1/23 رقم 401)، والبيهقي في "سننه الكبرى" (2/437)، والقُضَاعي في "مسند الشهاب" رقم (479)، كلُّهم من طريق الأعمش، عن إبراهيم بن يزيد الثقفي، عن أبيه، عن أبي ذر، به، وإسناده صحيح . ... وأما حديث جابر: فأخرجه ابن ماجه في المساجد، باب من بنى لله مسجدًا رقم (738)، وابن خزيمة في "صحيحه" رقم (1292)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/486). قال البوصيري في "زوائد ابن ماجه" (1/261): " هذا إسناد صحيح ". ... وقد عدَّه الحافظُ من الأحاديث المتواترة، وألَّف جزءًا جمَعَ فيه طرقه، منه نسخة في المكتبة الأزهريَّة برقم (109)، وأورده الكتانيُّ في "نظم المتناثر" من رواية (22) من الصحابة . وانظر: "فتح المغيث" للسخاويّ (4/20)، و"نظم المتناثر" (ص 53)، و"قطف الأزهار المتناثرة" (ص 845)، و"ابن حجر ودراسة مصنّفاته" (ص 350).
(28) ... قال في "فيض القدير" (6/96): «من بنى لله مسجدًا ولو كَمَفْحَصِ - وفي رواية: مِثْلَ مَفْحَصِ قَطَاة» حمله الأكثرُ على المبالغة؛ لأنَّ مفحصها قدر ما تحفره لبيضها وترقد عليه، وقدرُهُ لا يكفي للصلاة فيه، وزَعْمُ أن المراد بالمسجد محلُّ السجود فحسبُ: يأباه لفظُ «بنَى»؛ لإشعاره بوجود بناء حقيقي أو ما في معناه؛ قال ابن حجر: «لكنْ لا تمنعُ إرادة الآخر مجازًا؛ بناءُ كل شيء بحسبه، وقد شاهدنا كثيرًا من المساجد في طرق المسافرين يحوطُونَهَا إلى جهة القبلة، وهي في غاية الصغر، وبعضُهَا لا يكونُ أكثَرَ من قَدْرِ محل السجود»، وقال الزركشي: «لو هنا: للتقليل، وقد عدَّه من معانيها ابن هشام الخضراويُّ، وجعل منها: «اتقوا النار ولو بِشِقِّ تمرة»، والظاهر: أن التقليل مستفادٌ مما بعد «لو» لا منها». ... وانظر: "تحفة الأجوذي" (3/268)، (7/366)، و"عون المعبود" (12/234).
(29) ... في (أ): «ونحو هذا».
(30) ... في (ط): «الإغناء».(1/113)
مِنَ القَاصِرَاتِ الطَّرْفِ لَوْ دَبَّ مُحْوِلٌ
مِنَ الذَّرِّ فَوْقَ الإِْتْبِ مِنْهَا لأثَّرا (1)
ونحوُهُ كثيرٌ في كلامهم في التقليل والتكثيرُ والتعظيم والتحقير (2) .
.............................................
وفي الحديث: حُجَّةٌ على أنَّ الزكاةَ لا تسقُطُ عن المرتدِّ بردَّته، بل يؤخذُ منه ما وجَبَ عليه منها، فإنْ تاب، وإلا قُتِلَ وكان (3) ماله فَيْئًا (4) . =(1/191)=@
بَابٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ... ُ ف ش س ز ر ِ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ (5) ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ، جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «يَا عَمِّ، قُلْ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، كَلِمَةً؛ أَشْهَدْ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ»، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟! فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ:
وَمِنْ بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ... ُ ف ش س ز ر ِ (6)
قوله:«لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ»، أبو طالب هذا: هو (7) ابنُ عبدالمطَّلبِ بنِ هاشمِ بنِ عبدِ مَنَافِ بنِ قُصَيٍّ (8) ، وهو عمُّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، ووالدُ عليّ ابن أبي طالبِ (9) ، واسمُهُ: عبدمناف، وقيل: اسمه هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «أَمَا وَاللهِ، لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ»، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ُ و ه ن م ل ك ق ف أ ؤ ء آ ا ب إ ئ ث ج ة ت ء فـ! ! ِ ، وَأَنْزَلَ اللهُ فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ُ ف ش س ز ر ظ ط ض ص گ [ غ ع ء {«! ! ِ .
كنيته، والأوَّل أصحّ . &(1/114)&$
__________
(1) ... هذا البيت من الطويل، والمُحْوِل: الصغيرُ من الذَّرِّ، والإِتْب: ثوبٌ رقيق، والمراد: أنها متنعِّمةٌ بحيث لو مشى الصغيرُ من الذَّرِّ فوق ثوبها، لأثَّر في جسمها؛ لنعومتها ورقَّة بَشَرَتِها . ... والبيت لامرئ القيس - من رائيَّته المشهورة يقولها في موجُّهه إلى قيصر ملك الروم مستنجداً به على رَدِّ ملكه إليه، والانتقام من بني أسد، كما في "ديوانه" (ص 68)، و"مقاييس اللغة" (1/53)، و"اللسان" (5/99)، (11/195)، و"التاج" (7/400)، و"الصناعتين" (ص 360)، والبيت بلا نسبة في "تهذيب اللغة" (8/359)، و"الصحاح" (4/1680)، و"الذخيرة" لابن هشام (6/848).
(2) ... يشير الشارح إلى ما يسمَّيه البلاغيون: «الغلو»، وهو أحد أنواع المبالغة، والمبالغة - عندهم - كما يقول صاحب "التلخيص": «هي أن يُدَّعَى لوصفٍ بلوغه في الشدة أو الضعف حَدًّا مستحيلاً أو مستبعدًا، لئلاَّ يُظَنَّ أنَّه غير متناهٍ فيه»، قال: «وتنحصر في التبليغ، والإغراق، والغلوّ، لأن المُدَّعَىإن كان ممكنًا عقلاً وعادةً؛ فتبليغ .. وإن كان ممكنًا عقلاً لا عادةً؛ فإغراق ... وهما مقبولان، وإلا فغلوُّ»، لكن صفي الدين الحلّي جعل المبالغة قسيمةً للإغراق والغلو وفرَّق بينها، قال: «والفرق بين الثلاثة: أن المبالغة : إفتراطُ وصف الشيء بالممكن القريب وقوعُهُ عادةً، والإغراق: وصفه بالممكن البعيد وقوعُهُ عادةً، والغلوُّ وصفه بما يستحيل وقوعه»، وعلى ذلك: فالمبالغة دون الإغراق، والإغراق دون الغلوِّ الذي هو أعلى دجات المبالغة. ... على أن «الغلو» منه مقبول، ومنه غير مقبول:
فالأوَّل - وهو الغلو المقبول -: هو أن يقترن به ما يقرّبه من الصحة والإمكان، ويخرجه من باب الاستحالة؛ كأن يدخل عليه فعلُ تقريب؛ كـ«كاد» وأخواتها، أو فعلُ شك؛ كـ«ظن» أو حرفُ امتناع؛ كـ«لو»، أو حرفُ تقليل؛ كـ«قد» على المضارع، ومن أمثلة ذلك: حديث الباب، والأحاديث التي ذكرها الشارح، وكذا بيت امرئ القيس.
الثاني - وهو الغلو غير المقبول -: هو ألاَّ يقترن به ما يسوِّغ قبوله، فيكون غلوًّا مردودًا؛ كقول أبي نواس في مدح الرشيد:
وأخفتَ أهلَ الشِّرْكِ حتَّى إنَّه
لَتَخَفُكَ النُّطْفُ التي لم تُخْلَقِ
... انظر: "التلخيص" للخطيب العَرْويني (ص 370-374)، و"بغية الإيضاح" (4/40)، و"شرح الإيضاح" لخفاجي (6/19)، و"شرح الكافية البديعية" للحلي (ص 150 - 155)، و"الصناعتين" (ص 357-367)، و"المعجم المفصَّل في علوم البلاغة" (ص 612).
(3) ... في (ح):« فكان ».
(4) ... انظر: "شرح السنة" (5/495)، و"المغني" لابن قوامة (4/275)، و"الفتح" (1/76-77)، و"نيل الأوطار" (4/1379).
(5) ... أخرجه البخاري (3/222 رقم 1360) في الجنائز، باب إذا قال المُشْرِكُ عند الموت: لا إله إلا الله، ومسلم (1/54رقم 24) في الإيمان، باب الدليل على صحة إسلامِ مَنْ حضره الموتُ مالم يشرع في النزع ... .
(6) ... سورة القصص، الآية: 56 .
(7) ... قوله:« هو » سقط من (أ).
(8) ... قوله:« ابن قصي» سقط من (أ).
(9) ... قوله:« ابن أبي طالب » سقط من (أ)، وفي (ب) بعد هذا زيادة: «ورضي الله عن علي».(1/114)
واسمُ عبد المطَّلب (1) : شَيْبَةُ، وكان يُقالُ له: شيبةُ الحمد، واسمُ هاشمٍ (2) : عمرو، وهاشمٌ لَقَبٌ له؛ لأنَّه أوّلُ من هَشَمَ الثريدَ لقومه (3) . واسمُ عبد منافٍ: المغيرة، واسمُ قُصَيٍّ: زيدٌ، وقيل له (4) : مجمِّعٌ؛ .............................................
لأنَّه جَمَّعَ إليه قومَهُ (5) (6) .
وكان والدُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو (7) عبدُ الله - قد (8) توفِّيَ ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَمْلٌ (9) في بطنِ أمِّه على الأصحِّ (10) ، فوُلِدَ (11) رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونشَأَ في كَفَالَةِ جَدِّهِ عبدالمُطَّلِبِ إلى أن تُوُفِّي (12) ، فكفله عمُّه (13) .............................................
أبو طالب (14) ، ولم يَزَلْ يحبُّه حُبًّا شديدًا، ويحوطُهُ ويحفظه إلى أنْ بعَثَ اللهُ تعالى محمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بالنبوَّة، فنصره أبو طالب وأعانه وأجارَهُ ممَّنْ يريدُ به سوءًا، وقامَ دونه، وعادى في حَقَّهِ قريشًا وجميعَ العرب، إلى أنْ ناصبوه القتالَ وجاهروه بالعداوة والأذى؛ كي يُسَلِّمَهُ لهم (15) ، فلم يفعَلْ (16) .
ثُمَّ إنَّ قريشًا وجميعَ أهلِ مَكَّةَ تعاقدوا فيما بينهم، وتحالفوا على هَجْرِهِ وهَجْرِ (17) جميعِ بني هاشمٍ ومقاطعتهم، وعلى ألاَّ يقاربوهم، ولا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يَصِلُوهُمْ بشيء من وجوه الرفق كلِّها، حتَّى يُسَلِّموا لهم رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكتبوا بذلك صحيفةً وعلَّقوها في الكعبة، فانحاز أبو طالب وبنو هاشم في شِعْبهم، وأقاموا على ذلك نحوَ ثَلاَثِ سنين في جَهْدٍ جهيد، وحالٍ شديد، إلى أن نقَضَ اللهُ تعالى أمرَ الصحيفة، وأظهر أمْرَ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - على ما هو مذكورٌ في كتب =(1/192)=@ السير (18) .
.............................................
وكان أبو طالب يَعْرِفُ صدقَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كلِّ ما يقوله، ويقولُ لقريش: تَعلَّمُوا (19) واللهِ أنّ محمّدًا لم يكذبْ قطُّ، ويقولُ لابنه عليٍّ - رضي الله عنه - : اتَّبِعْهُ، فإنَّه على الحقِّ (20) . غير أنَّه لم يدخُلْ في الإسلام، ولاَ يَتَلفَّظ به (21) ، ولم يَزَلْ على ذلك إلى أن حَضَرتْهُ الوفاةُ، فدخل عليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - طامعًا في إسلامه، وحريصًا عليه، باذلاً في ذلك جُهْده (22) ، مستفرغًا ما عنده، لكنْ عاقتْ عن ذلك عوائقُ .............................................
الأقدارْ، التي لا ينفَعُ معها (23) حرصٌ ولا اقتدارْ (24) .
وقوله: «يَا عَمِّ، قُلْ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، كَلِمَةً؛ أَشْهَدْ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ»، أحسنُ (25) ما تُقيَّد به «كلمة» النصبُ؛ على أن تكون (26) بدلاً من «لا إله إلاّ الله»، ويجوزُ رفعُها على إضمار المبتدأ . و«أَشْهَدْ»: مجزومٌ على جواب الأمر، أي: إنْ تقلْ أشهدْ.
وكلُّ ذلك ترغيبٌ وتذكيرٌ (27) لأبي طالب، وحِرْصٌ على نجاته، ويأبى الله إلاَّ ما يريد. &(1/115)&$
__________
(1) ... قوله: «واسم عبدالمطلب» مكانه في (أ): «وعبدالمطلب اسمه».
(2) ... قوله: «واسم هاشم» مكانه في (أ): «هاشم اسمه».
(3) ... كما في قول عبدالله بن الزِّبَعْرَى، وقيل: البيت لابنة هاشم تقوله في أبيها:
عَمْرُو الذي هَشَمَ الثَّرِيدَ لقومِهِ
ورجالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجَافُ
... قال الخطابي: «وسمِّي هاشمًا لهشمه الثريد القومه، وكانوا قد أصابتهم مجاعة شديدة؛ فبعث عِيرًا إلى الشام، وحمَّلها كَعْكًا، ونَحَرَ جَزُورًا وطبخها، وأطعم الناس الثريد، وفيه يقول الشاعر ...» وذكر البيت. «غريب الحديث» للخطابي (2/26)، وانظر: «غريب أبي عبيد» (1/289-290)، و"المطلع" للبعلي (1/457).
(4) ... قوله:« له» سقط من (أ) و(ح).
(5) ... قال الزمخشري: «وذلك أن قُصَيَّ بن كِلاَب - واسمه: زيد، وإنما سُمِّي: قُصَيًّا؛ لاغترا به في أخواله بني عُذْرة - أتى مكةَ فتزوَّج بنت حُلَيْلِ بن حُبْشية الخزاعية أم عبد مناف وإخوته. وحالف خُزاعة، ثم أتى بإخوته لأمه بني عُذْرة ومَنْ شايعهم، فغلب بني بكر وجمَّع قُريْشًا بمكة؛ فلذلك كان يقال له: مُجَمِّع؛ وفي ذلك يقول مطرودٌ الخُزاعي:
أبو كُمْ قُصَيٌّ كان يُدْعَى مُجَمِّعًا
به جَمَّعَ اللهُ القبائلَ من فِهْرِ
نزلْتُمْ بها والناسُ فيها قُلَيِّلٌ
وليس بها إلا كُهُولُ بني عَمْرِو
وهم مَلَؤُوا البَطْحَاء مَجْدًا وسؤددًا
وهم طَرَدُوا عنها غُوَاةَ بني بَكْرِ
حُلَيْلُ الذي أرْدَى كِنَانةَ كُلَّها
وحالَفَ بيتَ اللهِ في العُسْرِ واليُسْر»
... انظر: "الفائق" (3/184).
(6) ... انظر في سياق النسب النبوي: "سيرة ابن هشام" (1/1)، و"دلائل النبوة" للبيهقي (1/177).
(7) ... قوله:« وهو » سقط من (أ).
(8) ... قوله:« قد » سقط من (أ).
(9) ... قوله: «حمل» ليس في (ط) و(غ).
(10) ... انظر: «طبقات ابن سعد» (1/100)، و"سيرة ابن هشام" (1/171)، و"الروض الأنف" (1/181).
(11) ... في (أ):« فولدت ».
(12) ... انظر: "الطبقات" (1/117)، و"سيرة ابن هشام" (1/180)، و"عيون الأثر" (1/37).
(13) ... قوله: «فكفله عمه» في (أ): «فكلفه»، وفي (ط): «وكفله عمه».
(14) ... انظر: «الطبقات» (1/119)، و"سيرة ابن هشام" (1/193)، و"عيون الأثر" (1/39).
(15) ... في (ط): «إليهم».
(16) ... انظر: "الطبقات" (1/201)، و"سيرة ابن هشام" (1/276)، و"الروض الأنف" (2/4)، و"عيون الأثر" (1/99).
(17) ... قوله:« هجر » من (أ) فقط.
(18) ... انظر في خبر الصحيفة:«سيرة ابن هشام" (1/371)، و"دلائل النبوة" للبيهقي (2/311)، و"دلائل النبوة" لأبي نعيم (1/357)، و"عيون الأثر" (1/126)، و"جوامع السيرة" (ص 64)، و"السيرة النبوية" للذهبي (ص 140)، و"مختصر السيرة" للشيخ محمد بن عبدالوهاب (ص 92).
(19) ... في (غ): «تَعلَمون»، وقوله: «تعلَّموا» مشددة اللام، بمعنى: قد علمتم، قال ابن السكيت: تعلَّمْتُ أن فلانًا خارجٌ، بمنزلة: علمتُ، وتأتي تعلَّمْ بمعنى: اعلَمْ، قال عمرو بن معدي كرب [من الوافر]:
تعلَّمْ أَنَّ خيرَ النَّاسِ طُرًّا
قتيلٌ بين أحجارِ الكُلاَبِ
... وفي حديث الدجال: تعلَّموا أن ربكم ليس بأعور» بمعنى: اعلموا، وكذلك الحديث الآخر: «تعلَّموا أنَّه لي يَرَى أحدٌ منكم ربَّه حتى يموت» كل هذا بمنى: اعلموا. ... انظر: "اللسان" (12/417-418).
(20) ... ومما يدلُّ على ذلك قوله في هذا الحديث: "لولا أنْ تعيِّرني قريش، لَأَقْرَرْتُ بها عينك». وشعره يبيِّن ذلك، ومنه قوله [من الطويل]:
فواللهِ لولا أَنْ أَجِيءَ بِسُبَّةٍ
تُجَرُّ على أشياخنا في المَحَافِلِ
لَكُنَّا اتبعناه على كُلِّ حالةٍ
من الدهر جِدًّا غيرَ قولِ التهازُلِ
لقد علموا أنَّ ابننا لا مكذَّبٌ
لدينا ولا يُعْنَى بقول التهازُلِ
«"مختصر السيرة" لابن هشام (1/297)، وانظر: «ديوان أبي طالب» (ص 84 ).
(21) ... قوله: «ولم يتلفظ به» في (أ): «تلفَّظ به».
(22) ... في (أ) و(ب) و(ح): «جده».
(23) ... في (غ): «منها».
(24) ... وقد وُلِدَ أبو طالب قبل مولد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بخمس وثلاثين سنة، وتوفِّي في مكة سنة عشر للبعثة، وله بضع وثمانون سنة . وما ذكره الشارح في وفاة أبي طالب على الكفر: هو الصحيح من حاله، كما يدلُّ عليه هذا الحديث وغيره، وزعم بعضُ الروافض أنه أسلَمَ، وقد تتبَّع الحافظ في «الإصابة» ما استدلُّوا به وبيَّن وهاءه . وقد أخرَجَ مسلم عن أبي سعيد؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في أبي طالب: « لعلَّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فَيُجْعَلَ في ضَحْضَاحٍ من نار يبلغ كعبَيْهِ يَغْلِي منه دماغه ». "صحيح مسلم" رقم (210)، و"طبقات ابن سعد" (1/75)، و"الكامل" لابن الأثير (2/34)، و"البداية والنهاية" (3/122)، و"الإصابة" (4/115).
(25) ... في (أ): «وأحسن».
(26) ... في (غ): «أن يكون».
(27) ... في (أ): «وتوكيد».(1/115)
وقوله: «فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ»؛ هكذا هو (1) في الأصول وعند أكثر الشيوخ، ويعني بذلك وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (2) : َقَالَ أَبُو طَالِبٍ: لَوْلاَ أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ؛ يَقُولُونَ: إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَعُ، لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: ُ ف ش س ز ر ِ الآية .
أنَّ النبيَّ (3) - صلى الله عليه وسلم - أقبَلَ على أبي طالب يعرضُ عليه الشهادة، ويكرِّرها عليه (4) .
ووقع في بعض النسخ: «وَيُعِيدَانِ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ» (5) ، ووجهها: أنّ أبا جهل وعبد الله بن أبي أُميَّة أعادا على أبي طالب قولهما له: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟! ؛ حتَّى أجابهما إلى ذلك، وأبى أن يقولَ: «لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ»، أي: امتنع من قولها. =(1/193)=@
وقوله (6) : «يَقُولُونَ: إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ (7) الْجَزَعُ» بالجيم والزاي: صحيحُ الرواية (8) ؛ لا يُعْرَفُ في كتاب مسلم غيرها، وهو .............................................
بمعنى: الخَوْفِ من الموت (9) .
وفي "كتاب أبي عُبَيْد : الخَرَع - بالخاء المعجمة والراء المهملة، وقال: يعني: الضعفَ والخَوَر (10) ، وكذلك قال ثعلبٌ (11) وفسَّره به (12) ، قال شَمِرٌ: يقال: خَرِعَ (13) الرجلُ: إذا ضَعُف، وكلُّ رِخْوٍ ضعيفٍ: خَريعٌ وخرِعٌ، والخَرِعُ: الفصيلُ الضعيف، قال: والخَرَعُ: الدَّهَشُ (14) . وفي "الصحاح": الخَرَعُ، بالتحريك: الرَّخَاوة في الشيء، وقد خَرِعَ الرجلُ، بالكسر، أي: ضَعُف، فهو خَرِعٌ، ويقال لِمِشْفَرِ البعير إذا .............................................
تدلَّى: خَرِيعٌ (15) .
وقوله: «لَوْلاَ أَنْ تُعَيِّرَنِي (16) قُرَيْشٌ؛ لَأَقْرَرْتُ بِهَا (17) عَيْنَكَ»، أي: تَسُبَّني وتقبِّحَ عليَّ؛ يقال: عَيَّرتُهُ كذا بغير باء، والعامَّةُ تقولُهُ (18) بالباء، والأوَّل كلامُ العرب (19) ؛ كما قال النابغة:
.............................................
وَعَيَّرَتْنِي بَنُو ذُبْيَانَ خَشْيَتَهُ
وَمَا عَلَيَّ بِأَنْ أَخْشَاكَ مِنْ عَارِ (20) (21) =(1/194)=@
.............................................
ومعنى: «أقرَرْتُ عينَك بها»، أي: سرَرْتُك بقولها (22) ، وأبلغتُكَ أُمْنيتك:
قال ثعلب: يقال: أقرَّ اللهُ عينَكَ، أي: بلَّغه أمنيتَهُ حتَّى ترضَى (23) نفسُهُ، وتَقرَّ عينُهُ؛ ومنه قولهم فيمن أدرَكَ ثأرَهُ: وَقَعْتَ بِقُرِّك، أي: أدرَكَ قلبُكَ ما كان يتمنَّى (24) .
قال (25) الأصمعيُّ: معناه: بَرَّدَ الله دمعته؛ لأنَّ دمعةَ الفرح باردةٌ (26) .
قال غيره: ودمعةُ الحزن حارَّة؛ ولذلك (27) يقال: أسخَنَ اللهُ عينَهُ، .............................................
أي: أراه ما يسوؤُهُ فيبكي فتَسْخَنُ (28) عينُهُ (29) .
وقوله (30) تعالى: ُ {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}ِ (31) ، أي: ما &(1/116)&$
__________
(1) ... من قوله: «وقوله: فلم يزل ...» إلى هنا في (أ): «وقوله : فلم يزل - صلى الله عليه وسلم - يعرضها عليه، ويعيد تلك المقالة؛ هكذا».
(2) ... أخرجه مسلم (1/55رقم 25-42) في الإيمان، باب الدليل على صحَّة إسلام من حضره الموت مالم يشرع في النَّزْع ... .
(3) ... في (أ): «ويعني أنه».
(4) ... قوله: «عليه» ليس في (أ).
(5) ... قال القاضي: «وهو أشبه، يعني: أبا جهل، وابن أبي أميَّة ويصحِّحه قوله في «الأم» في الحديث الآخر: «ويعودان في تلك المقالة» "الإكمال" (1/214 شواط)، وانظر: "إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/110-111)، و"شرح النووي" (1/214)، و"الفتح" (8/507).
(6) ... في (أ): «قوله».
(7) ... قوله: «على ذلك» في (ح): «ذلك على».
(8) ... في (أ): «صحيح الرواية التي».
(9) ... الجَزَع: أصله من الجَزْع، وهو قطع الحبل من نصفه، وسمِّي الخوف والحزن بالجَزَع؛ لأنه يقطعه عن أموره، ويصرفه عن مصالحه، انظر: "غريب الخطابي" (1/490)، و"المفردات" (ص 90)، و"أساس البلاغة" (ص 58)، و"النهاية" (1/269)، و"اللسان" ( )، و"التاج" ( ).
(10) ... انظر كلام أبي عبيد أحمد بن محمد الهروي صاحب الأزهري في كتابه "الغريبيين" (2/546).
(11) ... في (أ): «يعني: الضعف والخوف؛ قاله ثعلب».
(12) ... انظر كلام ثعلب في: "غريب الحديث" للخطابي (1/491)، و"إصلاح غلط المحدِّثين" (ص59)، و"غريب الحديث" لابن الجوزي (1/273)، و"النهاية" (2/23)، و"اللسان" (8/68)، قال ابن الجوزي في "غريبه": «وكثير من الرواة يروونه بالجيم والزاي، وقال ثعلب: إنما هو بالخاء والراء».
(13) ... في (غ): «جزع».
(14) ... انظر كلام شمر بن حمدوية الهروي في: «الغربيين" (2/546)، و"تهذيب اللغة» (1/163)، و"تاج العروس" ( )، وانظر: "النهاية" (2/23).
(15) ... "الصحاح": «3/1203)، وقد لخَّص هذا كلَّه مع الجمع والتحرير: الإمام النووي رحمه الله، فقال في "شرح مسلم" (1/216): «أما قوله: «يقولون: إنما حمله على ذلك الجزع، لأقررْتُ بها عينَكَ» فهكذا هو في جميع الأصول، وجميعِ روايات المحدِّثين في "مسلم" وغيره: «الجَزَع» بالجيم والزاي، وكذا نقله القاضي عياض وغيرُهُ عن جميع روايات المحدِّثين، وأصحاب الأخبار، أي: التواريخِ والسير.
... وذهب جماعاتٌ من أهل اللغة: إلى أنه «الخَرَع» بالخاء المعجمة والراء المفتوحتين أيضاً، وممَّن نصَّ عليه كذلك: الهرويُّ في "الغريبين" ونقله الخَطَّابيُّ عن ثعلب مختارًا له، وقاله أيضًا شَمِرٌ، ومن المتأخِّرين: أبو القاسم الزمخشريُّ؛ قال القاضي عياض رحمه الله: ونَبَّهَنَا غيرُ واحد من شيوخنا على أنه الصواب، قالوا: والخرَعُ هو الضعف والخور، قال الأزهري: وقيل: الخرَعُ الدهش، قال شمر: كلُّ رخوٍ ضعيفٍ: خريعٌ خَرِعٌ، قال: والخَرَعُ: الدهش، قال: ومنه قول أبي طالب، والله أعلم».
... وانظر: ما قاله النووي في : "الإكمال" (1/210-211 شواط)، و"الغريبين" للهروي (2/546)، و"غريب الخطابي" (1/490 - 491)، والفائق" للزمخشري (1/365)، و"تهذيب اللغة" للأزهري (1/164)، وانظر: "غريب ابن قتيبة" (3/717)، و"النهاية" (2/23).
(16) ... في (أ) فقط: «تعيِّرني بها».
(17) ... قوله:« بها » سقط من (ب).
(18) ... في (أ): «تقول».
(19) ... انظر: "أساس البلاغة" (ص 318)، و"المفردات" (ص 367)، و"اللسان" (4/625)، و"التاج" (7/282).
(20) ... البيت من البسيط، وهو للنابغة الذبياني في : "ديوانه" (ص 78)، و"وتثقيف اللسان" للصقلي (ص 194)، وأُدب الكاتب» ( 420)، و"معجم الأدباء" (5/324)، و"العقد الفريد" (5/321)، و"جمهرة أشعار العرب" (1/100)، و"تاريخ مدينة دمشق" (10/400)، و"الصحاح" (2/764)، و"اللسان" (4/625)، و"التاج" (7/282)، ويروي: «رهيبته» مكان: «خشيته»، وبينهما فرق انظره في «فروق العسكري» (ص 271).
(21) ... ظاهر كلام الشارح أن الصحيح: «عيَّرتُهُ كذا» بغير باء في المفعول الثاني، وأن قولهم: «عيَّرته بكذا» بالباء: من لحن العامَّة؛ وهذا ما ذهب إليه أيضاً الصقلي، وابن قتيبة، والجوهري، والحريري، لكن هذا ليس بصحيح، فإن هذه اللغة التي نسبوها للعاصَّة هي لغة فصيحة وإن كانت أقلَّ فصاحةً من تلك، قال ابن عساكر: "الفصيح من كلام العرب: عيَّرتُ فلانًا كذا، وأما عيرتُهُ بكذا، فلغة مقصِّرة عن الأولى في الاشتهار والفصاحة وإن كانت هي الجارية على ألسنة العامَّة، ومن اللغة الأولى: قول النابغة» وذكر البيت الذي أنشده الشارح، ثم قال: «وقال المقنَّع الكندي في اللغة الأخرى [من الطويل]:
يعيِّرني بالدَّيْنِ قومي وإنما
تديَّنْتُ في أشياء تُكْسِبُهُمْ مَجْدا
... وفي «شرح الحماسة» للمرزوقي قال: «يقال: عيَّرتُهُ كذا، وهو الأفصح، وعيَّرته بكذا، قال عَدِيّ [ابن زيد العبادي، من الحقيق].
أيُّها الشامت المعيِّرُ بالدَّهْـ
رِ ِأأنتَ المبرَّأُ الموفورُ؟!]»
... ونقله عن شرح الحماسة الزبيدي في "التاج" نقلاً عن شيخه، وفي هاشم "الصحاح" قال محقَّقة منكرًا: «كيف؛ وفي الحديث: «لو عيَّر أحدكم أخاه برضاعة كلبَةٍ ... إلخ» قاله نَصْر» اهـ.
... إذتبَّن هذا، فيبدو أن الشارح رحمه الله نقل ما ذكره عن بعض كتب كالصحاح، دون تمحيص أو تعقيب. انظر: "درة العوامل" (105)، "تاريخ مدينة دمشق" (10/400)، و"شرح ديوان الحماسة" (1/339)، "الصحاح" (2/764)، و"التاج" (7/282).
(22) ... في (غ): «بقولنا».
(23) ... في (أ):« يرضى ».
(24) ... الذي وجدته من كلام ثعلب: «وقَررْتُ به عَيْنًا أَقَرُّ، وقَرِرْتُ في المكان أَقَرُّ». اهـ. من باب فَعَلْتُ وفَعَلْتُ باختلاف المعنى. انظر: "الفصيح" الثعلب (ص 271 - تحقق د. عاطف مدكور)، ولم أجد في "مجالس ثعلب" شيئًا حول هذا، وانظر: قول ثعلب منسوباً إليه في: "الإكمال" (1/213 شواط)، و"شرح النووي" (1/217)، و"الديباج" (1/34)، و"النهاية" (4/39)، و"اللسان" (5/86)، وانظر: "المفردات" (ص 398)، و"التاج" (7/379)، وفي "شرح النووي": «وأحسن ما يقال فيه: ما قاله أبو العباس ثعلب».
(25) ... في (أ): «قال» بدون واو.
(26) ... انظر قول الأصمعي منسوبًا إليه في: "الإكمال" (1/213 شواط)، و"شرح النووي" (1/217)، و"الديباج" (1/34)، (5/106)، و"النهاية" (4/38، و"اللسان" (5/86)، وانظر: "المفردات" (ص 398)، و"التاج" (7/379).
(27) ... قوله: «ولذلك» ليس في (أ)، وفي (غ): و«كذلك».
(28) ... في (ح): «فبكى فيسخن».
(29) ... ذكر في "الإكمال" (1/214 شواط) هذا القول عن الأستاذ أبي الحسن بن الأخضر النحوي، وهو فيما وضح مما عند الشارح؛ إذ فيه أن ذلك مشتق من القُرّ وهو البَرْد، وذلك أن دمعة الحزن حارَّة، فالذي يرى يسوؤه يبكي فتسخن عينه الدموع فيقال: أسخَنَ الله عينه، والذي يرى ما يسرُّه لا يبكي فتبقى عينه باردة فيقال: أقرَّ الله عينه، أي: أراه الله ما يسرُّه. وانظر: "شرح النووي" (1/217)، و"الديباج" (1/34)، (5/106)، و"المفردات" ( ص 398)، و"النهاية" (4/38)، و"اللسان" (5/86)، و"التاج" (7/379).
(30) ... في (أ): «قوله» بدون واو.
(31) ... سورة التوبة، الآية: 113 .(1/116)
يجوزُ ولا ينبغي لهم ذلك (1) ، ُ ا ب إ ئ ث ج ة ت ِ أي: بالموت على الكفر (2) .
والجحيمُ: اسمٌ من أسماء النار المُعَدَّة (3) للكفَّار، وكل (4) نارٍ في مَهْواة، فهي (5) جحيمٌ (6) ؛ ومنه قوله (7) تعالى: .............................................
ُ ع (8) } - صلى الله عليه وسلم - { « » ِ (9) . والجاحمُ: المكانُ الشديد الحرِّ (10) ، وأصحابُ الجحيم مَسْتَحِقُّوها وملازموها.
ثَمَّ بيَّن الله تعالى عُذْرَ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - عن الاستغفار لأبيه (11) في قوله: ُ 1 4 3 عع = ژ ء {}! ! ِ (12) (13) :
بأنَّ ذلك : إنما كان منه (14) لأجلِ وَعْدِ إبراهيمَ لأبيه (15) حين قال له (16) : ُ ح ذ د آ ء ؤ أ ِ (17) .
وقيل: إنَّ (18) الموعدة هي مِنْ أبي إبراهيم له بِأنْ يُسلِم، فلمَّا لم يَفِ بها، وتبيَّن له أنَّه لا يُسْلِم (19) - إمَّا بالوحي وإمَّا بموته على الكفر .............................................
- تبرَّأ منه، كما قال الله (20) تعالى: ُ ص ض [ گ ع غ _ . ِ (21) ، والقولان لأهل التفسير (22) .
قال القاضي أبو بَكْرِ (23) بْنُ العَرَبِيِّ: يروى عن عمرو بن دينار (24) أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - (25) قال: «استغفَرَ إبراهيمُ لأبيه وهو مشركٌ؛ فلا أَزَالُ أستغفرُ لأبي طالبٍ حتّى ينهاني الله»، وقال أصحابُهُ: استغفِرُوا =(1/195)=@ لآبائكم كما استغْفَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأبي طالب عمِّه، فأنزَلَ الله تعالى (26) : ُ و ه ن م ل ، ِ الآية (27) (28) .
.............................................
و«الأَوَّاه»: الدَّعَّاءُ المتضرِّعُ؛ قاله ابن مسعود، .............................................
وابن عبَّاس، $ج (29) .
و«الحليم»: السيِّد؛ قاله ابن حبيب (30) ، وقيل: هو الصبورُ على البلوى، الصَّفُوحُ عن (31) الأذى (32) .
.............................................
وقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}ِ (33) ، أي: لا تقدرُ (34) على توفيقِ مَنْ أراد الله خِذْلانه.
وكَشْفُ ذلك: بأنَّ الهداية الحقيقيَّة هي (35) خلقُ القُدْرَة على الطاعة، وقبولُهَا، وليس ذلك إلاّ لله تعالى.
والهدايةُ التي تَصِحُّ نسبتُها لغير الله تعالى بوجهٍ ما: هي الإرشادُ والدَّلاَلَة؛ كما قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، أي: ترشدُ وتبيِّن (36) ؛ كما قال تعالى (37) :{إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ} ِ (38) ، {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} &(1/117)&$
__________
(1) ... قوله:« لهم ذلك من » سقط من (أ).
(2) ... ما ذكره الشارح تليخيص حسن لكلام الطبري في «تفسيره» (11/40)، وانظر: «تفسير القرطبي» (8/272)، و"تفسير ابن كثير" (4/158).
(3) ... في (غ): «المعد».
(4) ... في (أ): «وقيل».
(5) ... في (ب): «فهو».
(6) ... في (أ):« جهنم ».
(7) ... في (أ): «قال».
(8) ... قوله: ُ ع ِ من (غ) فقط.
(9) ... سورة الصافات، الآية: 97 .
(10) ... الجَحْمَةُ: شدَّة تأجُّج النار، ومنه سُمِّيتِ الجحيمُ بهذا الاسم . وانظر:"النهاية" (1/240)، و"المفردات" (ص 86)، و«أساس البلاغة» (ص 52)، و«معجم مقاييس اللغة» (1/428).
(11) ...
(12) ... سورة الشعراء، الآية: 86 .
(13) ... قوله: «إنه كان من الضالين» ليس في (أ).
(14) ... قوله: «إنما كان منه» في (أ): «كان».
(15) ... في (أ):« وعده به ».
(16) ... قوله: «له» ليس في (أ).
(17) ... سورة مريم، الآية: 47 .
(18) ... قوله: إن ليس في (أ).
(19) ... من قوله: «أنه لا يسلم ...» سقط من (أ)، بسبب انتقال النظر.
(20) ... لفظ الجلالة: «لله» من (غ) فقط.
(21) ... سورة التوبة، الآية: 114 .
(22) ... انظر هذين القولين: "تفسير البيضاوي" (3/176)؛ و"تفسير الطبري" (11/40-51)، و"تفسير القرطبي" (8/274)، و"أحكام القرآن" لابن العربي (2/1023)، و"تفسير الماوردي» (2/171).
(23) ... قوله: «القاضي أبو بكر» ليس في (أ).
(24) ... في (ط): «عن أبي بكر عمرو بن دينار».
(25) ... في (أ): «أنه - صلى الله عليه وسلم - ».
(26) ... في (أ): «فأنزل تعالى».
(27) ... انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي(2/1021)، ولم يعزه لأحد.وهو في "تفسير الطبري"(11/41)،وسنده ضعيفٌ لإرساله؛ كما أنَّ في إسناده أبا حذيفة موسى بن مسعود؛ قال الحافظ في "التقريب"(ص 544):«صدوق سيء الحفظ كان يصحِّف». ... وأخرجه الواحدي في "أسباب النزول" (ص 177) عن جعفر بن عون مرسلاً، وفي إسناده موسى بن عُبَيْدة . قال الحافظ في "التقريب" (ص 522): "ضعيف».
(28) ... بحث الحافظ ابن حجر _ح في هذه المسألة بحث مفيدًا، واستشكل على ما ذكره الشارح استشكالاً جيِّدًا، وأجاب عنه، قال: ... «قوله: فأنزل الله: ُ و ه ن م ل ك ق ف ِ [التّوبَة: 113] {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} أي: ما ينبغي لهم ذلك، وهو خبرٌ بمعنى النهي، هكذا وقع في هذه الرواية، وروى الطبري من طريق شِبْل، عن عمرو بن دينار، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : استغفَرَ إبراهيمُ لأبيه، وهو مشركٌ؛ فلا أزال أستغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي، فقال أصحابه: لنستغفرنَّ لآبائنا كما استغفَرَ نبيُّنا لعمه، فنزلتْ»، وهذا فيه إشكال؛ لأنَّ وفاة أبي طالب كانتْ بمكة قبل الهجرة اتفاقًا، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتَى قَبْرَ أمه لما اعتمَرَ فاستأذن ربه أن يستغفر لها، فنزلَتْ هذه الآية، والأصلُ: عدم تكرر النزول، وقد أخرج الحاكم، وابن أبي حاتم، عن ابن مسعود، قال: خرَجَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا إلى المقابر، فاتبعناه، فجاء حتى جلَسَ إلى قبر منها، فناجاه طويلاً، ثم بكى فبكينا لبكائه، فقال: إنَّ القبر الذي جلسْتُ عنده قبرُ أمي، واستأذنتُ ربِّي في الدعاء، فلم يأذنْ لي، فأنزَلَ عليَّ: ُ و ه ن م ل ك ق ف ِ ، وذكر طرقًا لهذا الحديث، ثم قال: «فهذه طرقٌ يعضُدُ بعضها بعضًا، وفيها دلالةٌ على تأخير نزول الآية عن وفاة أبي طالب؛ ويؤيِّده أيضًا: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال يوَوْمَ أحد بعدأن شُجَّ وجهة «ربِّ اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون»، لكنْ يحتمل في هذا: أن يكونَ الاستغفار خاصًّا بالأحياء، وليس البحث فيه، ويحتمل: أن يكونَ نزول الآية تأخَّر وإنْ كان سببها تقدَّم، ويكون لنزولها سببان؛ متقدِّمٌ وهو أمر أبي طالب، ومتأخِّرٌ وهو أمر آمنة، ويؤيِّد تأخيرَ النزول: ما تقدَّم في تفسير براءة من استغفاره - صلى الله عليه وسلم - للمنافقين حتى نزَلَ النهي عن ذلك؛ فإنَّ ذلك يقتضي تأخيرَ النزول وإن تقدَّم السبب، ويشير إلى ذلك أيضًا: قوله في حديث الباب: «وأنزَلَ اللهُ في أبي طالب: ُ ف ش س ز ر ِ [القَصَص: 56] {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}، لأنه يشعر بأن الآية الأولى نزلَتْ في أبي طالب وفي غيره، والثانية نزلَتْ فيه وحده، ويؤيَّد تعدُّدَ السبب: ما أخرج أحمد عن علي، قال: سمعتُ رجلاً يستغفر لوالدَيْهِ وهما مشركان، فذكرْتُ ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأنزلَ الله: ُ و ه ن م ل ك ق ف ، ِ [التّوبَة: 113] {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ...} الآية. ... انظر: "الفتح" (8/508)، وانظر: "الدر المنثور" (4/300-301)، و"تفسير ابن كثير" (2/395).
(29) ... أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/47)، قال: حدَّثنا ابن بشَّار، حدَّثنا عبدالرحمن، حدَّثنا سفيان، عن عاصم، عن زِرٍّ، عن ابن مسعود، به . وهذا سندٌ حسن؛ لحال عاصم؛ فإنه صدوقٌ، وبقية رجاله ثقات . ... وعزاه السيوطي في "الدر" (4/306) إلى عبد الرزَّاق، والفِرْيابي، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبي الشيخ . ... وأما أثر ابن عباس $ذ: فقد روي عنه أقوالٌ في معنى «الأواه» لم أر فيها تفسيرَهُ بالدَّعَّاء، ولكنْ ورد عنه تفسيره بالمُوقِنِ، وبالمؤمن التَّواب، وأنها المؤمنُ بلسان الحبشة . ... أخرج هذه الأقوالَ الطبري (11/49، 50 ). وذكرها السيوطي في "الدر" (4/306). قال الطبري (11/5) - بعد أن ذكر الأقوال في معنى «الأواه» -: و«أولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب: القولُ الذي قال عبد الله بن مسعود: أنه الدَّعَّاء». ... هذا؛ وقد ذكر القرطبي في "تفسيره" (8/275) خمسة عشر قولاً في معنى «الأوَّاه»؛ وانظر: «تفسير الطبري" (11/47)، و"تفسير البغوي" (2/332)، و"تفسير ابن عطية" (7/63)، و"تفسير الماوردي" (2/171)، و"اللسان" (13/472).
(30) ... في "تفسير البغوي" (2/332): أن هذا قول ابن عباس $ذ، ولم أقف على من نسبه إلى ابن حبيب.
(31) ... في (غ): «على».
(32) ... وانظر أقوالاً أخرى في معنى الحليم في: "تفسير الطبري" (11/47)، و"تفسير البغوي" (2/332)، و"تفسير ابن عطية" (7/63)، و"تفسير القرطبي" (8/276)، و"تفسير الماوردي" (2/171).
(33) ... سورة القصص، الآية: 56 .
(34) ... في (غ): «لا يقدر».
(35) ... في (ح): «وهي».
(36) ... في (غ): «يرشد ويبين».
(37) ... قوله: «تبَيِّن كما قال تعالى» في (أ): «وتبين لقوله»، وفي (ح): «وتبيِّن كما قال».
(38) ... سورة النحل، الآية: 44 .(1/117)
وما ذكرناه: هو مذهبُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة، وهو الذي تدُلُّ (1) .............................................
عليه البراهينُ القاطعة (2) .
بَابُ مَنْ لَقِيَ ... اللهَ تَعَالَى عَالِمًا بِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ
عَنْ عُثْمَانَ (3) ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» .
وَمِنْ بَابِ مَنْ لَقِيَ ... اللهَ تَعَالَى عَالِمًا بِهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ
قوله - صلى الله عليه وسلم - : «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ (4) أَنَّهُ لاإِلهَ إِلا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»، .............................................
حقيقةُ العلم: هي وضوحُ أمرٍ مَّا، وانكشافُهُ على غايته، بحيثُ لا يَبْقَى له بعد ذلك غايةٌ في الوضوح (5) . =(1/196)=@
.............................................
ولا شكَّ في أنَّ من كانت معرفتُهُ بالله تعالى ورسولِهِ كذلك، كان في أعلى درجات الجَنَّة، وهذه الحالةُ هي حالةُ النبيِّين (6) والصِّدِّيقين. ولا يلزمُ فيمنْ لم يكنْ كذلك ألاَّ يدخُلُ الجَنَّة؛ فإنَّ من اعتقد الحقَّ وصدَّقَ به تصديقًا جزمًا لا شَكَّ فيه (7) ولا ريبَ، دخل الجَنَّةَ؛ كما تقدَّمناه (8) .
وكما دَلَّ (9) عليه قولُهُ - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (10) : «مَنْ لَقِيَ اللهَ وهو يشهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وأَنِّي رسولُ الله - غَيْرَ شَاكٍّ فيهما .............................................
- دخَلَ الجَنَّةَ»، وكما قال - صلى الله عليه وسلم - (11) : «مَنْ كَانَ آخِرَ قوله: لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ &(1/118)&$
__________
(1) ... من قوله: ُ ؤ أ ، ِ [النّحل: 44] {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ...}» إلى هنا في (أ): «وقوله : ُ ؤ أ ، ِ ، وهو أهل السنة الذي دلَّت».
(2) ... "مجموع الفتاوى" (7/166)، و"الفتاوى الكبرى" (1/422)، و"النبوات" (223)، وما ذكره الشارح هو مذهب أهل السنة، وهو الذي دلَّت آياتُ القرآن عليه . وقد جمع الله نوعِيَ الهداية في قوله: ُ ذ د خ ح ؤ أ آ ء ب ا ئ ء «پ! ! ِ [يُونس: 25] {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *}، فالدعوةُ التي هي هدايةُ الدلالةِ والإرشادِ عامَّة، وهدايةُ التوفيق والإلهام خاصَّة بمن يشاء الله هدايتهم لذلك. انظر في تفصيل ذلك: "مجموع الفتاوى" (7/166)، و"الفتاوى الكبرى" (1/422)، و"النبوات" (ص 223)، و«مدارج السالكين" (1/9)، و"مفتاح دار السعادة" (ص 92)، و"بدائع الفوائد" (1/35-37)، (2/40)، و"تيسير العزيز الحميد" (ص 259). وانظر ما سبق من كلام الشارح في هذا المعنى والتعليق عليه في (ص 18-19).
(3) ... أخرجه مسلم (1/55رقم 26) في الإيمان، باب الدليل على أنَّ من مات على التوحيد، دخل الجنه قطعًا .
(4) ... قال المارزي: «وفي قولِهِ في هذا الحديث : «وَهُوَ يَعْلَمُ» إشارةً إلى الرَّدِّ على من قال من غُلاة المُرْجئة: «إنَّ مُظْهِرَ الشهادتين يدخل الجَنَّة وإن لم يعتقد ذلك بقلبه»، وقد قُيِّدَ ذلك في حديث آخر بقوله: غَيْر شَاكٍّ فِيهِمَا ، وهذا أيضًا يُؤَكِّد ما قلناه. ... وقال القاضي عياض: فيه دليلٌ أنَّ الإيمان لا يصِحُّ إلا بالمعرفة وانشراحِ الصَّدْرِ؛ لقوله: وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لا إلهَ إلاَّ الله . ... وقد يحتجُّ به أيضًا من يَرَى أنَّ معرفةَ القلب مُجَرَّدةً نافعةٌ دون النُّطق بالشهادتَيْن؛ لاقتصاره على العِلْم، ومذهبُ أهلِ السُّنَّةِ أنَّ المعرفةَ مرتبطةٌ بالنُّطق بالشهادتين، لا تنفعُ إحداهُما ولا تُنْجِي من النَّار دُونَ الأخْرَى، إلا لِمَنْ لم يَقْدِرْ عليها من آفةٍ بلسانِهِ، أو لم تُمْهِلْهُ المُدَّةُ لقولها حتى اختُرِمَ. ... ولا حجةَ للمخالف للجماعة بهذا اللَّفْظِ؛ إذ قد وَرَدَ مُفَسِّرًا في الحديث الآخر بقوله: مَنْ قَالَ: لا إلهَ إلاَّ الله ، و ومَنْ شَهِدَ أَنْ لا إلهَ إلا الله، وأنِّي رسول الله ، وزاد في الحديث الآخر: مستيقنًا بها قلبه ، وفي الآخر: صادقًا من قلبه ، وفي الآخر: غير شاكٍّ فيهما . اهـ. كلام القاضي. ... قلتُ: يشير المارزي إلى الرد على الكرامية، وهم من غلاة المرجئة، ويشير القاضي إلى الرد على الجهمية، وهم من غلاة المرجئة أيضًا؛ فالكراميَّة تكتفي في صحة الإيمان بقول اللسان، والجهمية تكتفي بقول القلب - على خلاف بينهم في قول القلب: هل هو مجرَّد المعرفة، أو هو المعرفة مع التصديق - وكلتا الطائفتين على غير هدى؛ آمنت كل منهما ببعض النصوص، وتركت بعضًا، وبقيت من المرجئة: طائفة أخرى، وهي مرجئة الفقهاء الذين يكتفون في صحَّة الإيمان بقول القلب وقول اللسان معًا، دون جنس العمل، فهم - مع غيرهم من المرجئة - يُخْرِجون جنس العلم من مسمَّى الإيمان، مع أن النصوص تقضي بصحَّة ما ذهب إليه السلف أهل السنة والجماعة من أن الإيمان لا يصح إلا بالقول والاعتقاد والعمل، وليس هذا مذهب المعتزلة والخوارج، وإنَّ كانوا يقولون أيضًا: إن الإيمان لا يصح إلا بالقول والإعتقاد والعمل، لكنَّ الفرق بينهم وبين مذهب السلف أن السلف يشترطون جنس العمل في صحة الإيمان، بينما المعتزلة والخوارج يشترطون كل العمل؛ ولذلك فإن الخوارج يكفِّرون مرتكب الكبيرة بخلاف يرونه مؤمنًا ناقص الإيمان، وكذلك المعتزلة يخرجون مرتكب الكبيرة من الإيمان بالكلية وإن لم يدخلوه في الكفر؛ فهو عندهم في منزلة بين المنرلتين، وهذا أيضاً خلاف مذهب السلف! ... ويظهر لي أن المارزي والقاضي عياضًا والشارح من مرجئة الفقهاء الذين يشترطون قول القلب وقول اللسان، ولا يدخلون العمل في مسمَّى الإيمان، وإن كانوا يقولون بوجوب التزام شرائع الإسلام الظاهرة، كما تجد ذلك في شرحهم على أحاديث أبواب الإيمان، كما تراه عند الشارح في شرحه لأحاديث باب «وجوب التزام شرائع الإسلام ».
(5) ... تعريف العلم بما ذكر الشارح فيه تسامحٌ كبير؛ فانكشاف الشيء على غايته المطلقة لا يكونُ للعلمِ البشريِّ إلا في العلوم اليقينيَّة؛ كالعلم بالبديهيَّات وقواطعِ الملَّة كما يعرِّفها ابن حزم في "الفصل». أما سائر العلوم: فلا يكادُ يبلغُ منها شيءٌ حدَّ العلم الذي لا غايةَ بعده في الوضوح. ... وفي الجملة: فحدُّ العلم من الأمور العويصة التي حارت فيها العقول، حتى قال الزركشي في "البحر": قال الأصوليون: لأنَّه لم يوجدْ عبارة دالَّةٌ على حقيقته وماهيته؛ فلا يُحَدُّ، إلاَّ أنَّ مِنَ الأصوليِّيين مَنِ اجتهدَ في حد العلم: ... فقال أبو يعلى: معرفةُ المعلومِ على ما هو به. ... وقيل: إدراك المعلوم على ما هو به. ... وقيل: اعتقادُ الشيء على ما هو به إذا وقع عن ضرورة ودليل. ... وقال ابن رشد: العلم اليقيني: هو معرفة الشيء على ما هو عليه. ... وبين الفلاسفة الغربيين خلافاتٌ عريضةٌ في حد العلم تبحث تفصيلاً في فرع من الفلسفة يسمَّى نظريَّةَ المعرفة، ويمكنُ مراجعة خلاصة رصينة لآرائهم في كتاب "نظريات العلم" لآلان شالمرز . انظر: "العدة" لأبي يعلى (1/76-79)، و"البحر المحيط" (1/52-63)، و"تهافت التهافت" لابن رشد (2/796).
(6) ... في (أ): «وهذه حالة النبيين»، وفي (ح): «وهذه الحالة للنبيين».
(7) ... في (أ): «معه».
(8) ... في (أ): «كما تقدَّم». انظر ذلك (ص 309).
(9) ... قوله: «وكما دل» في (أ): «ودل».
(10) ... قوله:« في حديث أبي هريرة » سقط من (أ).
(11) ... قوله: «وكما قال - صلى الله عليه وسلم - » في (أ): «وقوله».(1/118)
دخَلَ الجَنَّةَ» (1) .
فحاصلُ هذَيْنِ الحديثَيْن (2) : أنَّ مَنْ لقي الله عزَّ وجلَّ وهو موصوفٌ بالحالة الأولى أو الثانية (3) دخَلَ الجنَّة؛ غير أنَّ ما بين الدرجتَيْنِ كما بين الحالتَيْن (4) ، كما صرَّحَتْ به الآياتُ الواضحات؛ كقوله تعالى: ُ َ ٍ ٌ ً ي ى و ه ن ِ (5) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (6) ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَسِيرٍ، قَالَ: فَنَفِدَتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ، حَتَّى هَمَّ بِنَحْرِ بَعْضِ حَمَائِلِهِمْ، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَوْ جَمَعْتَ مَا بَقِيَ مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ، فَدَعَوْتَ اللهَ عَلَيْهَا، قَالَ: فَفَعَلَ، قَالَ: فَجَاءَ ذُو الْبُرِّ بِبُرِّهِ، وَذُو التَّمْرِ بِتَمْرِهِ، قَالَ: وَذُو النَّوَاةِ بِنَوَاهُ، قُلْتُ: وَمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ بِالنَّوَاةِ؟ قَالَ: يَمُصُّونَهُ وَيَشْرَبُونَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهَا، حَتَّى مَلأ الْقَوْمُ أَزْوِدَتَهُمْ، قَالَ: فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: «أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، لاَ يَلْقَى اللهَ بِهِمَا، عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا، إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ».
وقوله: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَسِيرٍ، قَالَ: فَنَفِدَتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ»:
«المسير»: السيرُ، يريدُ به السفر، و«نَفدَتْ»: فَرَغَتْ وفَنِيَتْ (7) ؛ ومنه قولُهُ تعالى (8) : ُ ً ي ى و ه ن م ِ (9) (10) .
.............................................
و«الحمائلُ» جمع (11) حَمُولَةٍ بفتح الحاء؛ ومنه قوله تعالى: ُ } - صلى الله عليه وسلم - (12) ، وهي: الإبلُ التي تُحْمَلُ عليها الأثقالُ (13) ، وتسمَّى (14) رواحلَ؛ لأنها يُرْحَلُ (15) عليها، وتسمَّى نواضحَ؛ إذا استُقِيَ (16) عليها الماءُ (17) ، والبعيرُ ناضحٌ، والناقةُ ناضحةٌ؛ قاله أبو عُبَيْد (18) . =(1/197)=@
.............................................
وقوله (19) : «وَذُو النَّوَاةِ بِنَوَاهُ»؛ كذا الرواية، ووجهُهُ: وذو (20) النَّوَى بنواه، كما قال: «وذُو الْبُرِّ بِبُرِّهِ، وَذُو التَّمْرِ بِتَمْرِهِ» (21) . &(1/119)&$
__________
(1) ... أخرجه أبو داود في الجنائز، باب في التلقين رقم(3116)،وأحمد في المسند (5/233)، وابن منده في التوحيد (2/45 رقم 187)، والحاكم (1/351)، وقال: صحيح الإسناد، وأقره الذهبي، كلُّهم من طريق صالح بن أبي عَرِيب، عن كَثِير بن مُرَّة، عن معاذ بن جبل، به . ... وهذا إسناد حسن؛ رجاله ثقاتٌ غير عبد الحميد، قال فيه الحافظ: صدوق، وربَّما وَهِم، وصالح بن أبي عريب . قال ابن منده: مصريٌّ مشهور، ... وقال ابن القطان:لا يعرف حاله،ولايعرف مَنْ روى عنه غير عبد الحميد بن جعفر، قال الذهبي: قلت: بل روَى عنه حَيْوة بن شُرَيْح، والليث، وابنُ لهيعة، وغيرهم، له أحاديثُ، وثَّقه ابن حبان .اهـ. وقد حسَّن الحديث الألباني في "الإرواء" (3/150).
(2) ... يعني بالحديثين: حديث عثمان وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(3) ... في (أ): «والثانية».
(4) ... أي: حالة النبيين والصديقين المشار إليها في حديث عثمان، وحالة غيرهم ممَّنْ آمن وصدَّق تصديقًا لا ريب فيه، وهي الحالة المشار إليها في حديث أبي هريرة، ولكن ليست حالة هؤلاء كحالة أولئك؛ فكلُّ هؤلاء في الجنة وإنْ تفاوتَتْ درجاتهم .
(5) ... سورة المجادلة، الآية: 11 .
(6) ... أخرجه مسلم (1/55،56 رقم27/44) في الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد، دخل الجنه قطعًا .
(7) ... انظر: "المفردات" (ص 522)، و"معجم مقاييس اللغة" (5/458)، و"عمدة الحفاظ" (ص 586)، و"أساس البلاغة" (ص 466).
(8) ... قوله: «ومنه قوله تعالى» في (أ): «قال الله تعالى»، وفي (ح): «ومنه قوله».
(9) ... قوله: «قبل أن تنفد كلمات ربي» مكانه في (أ) و(ط): «الآية».
(10) ... سورة الكهف، الآية: 109 .
(11) ... قوله: «جمع» سقط من (ح).
(12) ... سورة الأنعام، الآية: 142 .
(13) ... الحَمُولة، بفتح الحاء: هي الإبل التي يضع الناس عليها أحمالهم، سواءٌ كانت عليها أثقال أو لم تكن، هذا هو المشهور في اللغة، وقيل: الحمولة: كبار الأنعام، أي: الإبل والبقر والغنم، وأما الحُمُولة؛ بالضمة: فهي الأحمال والأثقال، والمراد بالفَرْش - في الآية -: صغار الحمولة، على أي المعنيين المذكورين. انظر: "معجم مقايس اللغة" (2/107)، و"أساس البلاغة" (ص 95)، و"القاموس" (3/361، 372)، و"المفردات" (ص 131 - 132)، و"النهاية" (1/444)، و"عمدة الحفاظ" (ص 138)، و"الدر المصون" (5/190-191).
(14) ... قوله: «وتسمَّى» في (أ): «سمِّيت».
(15) ... في (أ): «لأنه يرحل»، وفي (ح): «لأنها ترحل».
(16) ... في (غ): «استقا».
(17) ... قوله:« الماء » سقط من (ب).
(18) ... في «غريب الحديث» له (1/70)، (3/357)، وفيه: «الناضح: هو البعيرُ الذي يُسْنَى عليه، فَتُسْقَى به الأَرَضُونَ، والأنثى ناضحة؛ قاله الكسائي، وهي السانية أيضًا، وجمعها: سَوَانٍ، وقد سَنَتْ تسنو، ولا يقال: ناضح، لغير المستَقَى»، وانظر: "الصيانة» (ص 181)، و"النهاية" (5/69)، و"جمهرة اللغة" (2/169)، و"أساس البلاغة" (ص 460).
(19) ... في (أ): «قوله» بدون واو.
(20) ... في (أ):« وذوي ».
(21) ... هكذا ذكر الشارح، وقد سبقه إلى ذلك القاضي عياض: أن الصواب حذف التاء من الموضعين: «وذو النوى بنواه»، وهذا الوجه الذي استظهراه قد وجده ابن الصلاح في كتاب أبي نعيم المخرَّج على صحيح مسلم؛ انظر: "المسند المستخرج على صحيح مسلم" لأبي نعيم (1/120)، لكن ابن الصلاح خرَّج ما في نسخ صحيح مسلم على وجه صحيح، قال: «والواقعُ في «كتاب مسلم» له عندي وجهٌ صحيح، وهو أن تُجْعَلَ النواةُ عبارةً عن جملة من النوى أُفْرِدَتْ عن غيرها؛ فتسمَّى الجملةُ المفردةُ الواحدةُ باسم النواة الواحدة؛ كما أطلق اسم الكلمة والواحدة على القصيدة الواحدة،، أو تكونَ النواةُ من قبيل ما يستعملُ في الواحد والجمع بلفظٍ واحد من الأسماء التي فيها علامةُ التأنيث»، "صيانة صحيح مسلم" (ص 179)، وانظر: "الإكمال" (1/229) شواط) و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/115)، و"شرح النووي" (1/223).(1/119)
وقوله: «حَتَّى مَلأ الْقَوْمُ أَزْوِدَتَهُمْ»؛ هكذا (1) الرواية، وصوابُهُ: مَزَاوِدَهُمْ؛ فإنّها هي التي تُمْلَأُ بالأَزْوِدة، وهي جمعُ زاد (2) ، فسمَّى المزاودَ أزودةً باسمها؛ لأنَّها تُجْعَلُ فيها (3) ؛ على عادتهم في تَسْمِيَتِهِمُ (4) الشيءَ باسمِ الشيء: إذا جاوره أو كان منه .............................................
بسبب (5) ، وقد عبَّر عنها في الرواية الأخرى بـ الأَوْعِيَةِ (6) .
... وَفِي رِوَايَةٍ (7) : فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ فَعَلْتَ، قَلَّ الظَّهْرُ، وَلَكِنِ ادْعُهُمْ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، ثُمَّ ادْعُ اللهَ لَهُمْ عَلَيْهَا بِالْبَرَكَةِ ... وفيها: حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَى النِّطَعِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ يَسِيرٌ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ لَهْم: «خُذُوا فِي أَوْعِيَتِكُمْ»،
وقوله: «حَتَّى هَمَّ بِنَحْرِ بَعْضِ حَمَائِلِهِمْ»، يعني: النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، كان هذا الهمُّ من النبي - صلى الله عليه وسلم - بحكم النظر المَصْلَحيِّ لا بالوحي؛ أَلاَ تَرَى كيف عرَضَ عمرُ بن الخطَّاب - رضي الله عنه - عليه مصلحةً أخرى ظهر للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (8) رجحانُهَا؛ فوافقَهُ عليها وعمل بها.
ففيه: دليلٌ على العمل بالمصالح، وعلى سماعِ رأي أهلِ العَقْل والتجارب، وعلى أنَّ الأزواد والمياه إذا نَفِدَتْ أو قلَّت، جمَعَ الإمامُ ما بقي منها، وقَوَّتَهُمْ به شرعًا سواءً؛ وهذا كنحو ما مدَحَ به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الأشعريِّين، فقال: «الأَشْعَرِيُّونَ إذا قَلَّ زَادُهُمْ، جَمَعُوهُ، فَاقْتَسَمُوهُ (9) قَالَ: فَأَخَذُوا فِي أَوْعِيَتِهِمْ حَتَّى مَا تَرَكُوا فِي الْعَسْكَرِ وِعَاءً إِلا مَلَأُوهُ، قَالَ: فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، لاَ يَلْقَى اللهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ، فَيُحْجَبَ عَنِ الْجَنَّةِ» .
بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ (10) مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ»، وسيأتي (11) إنْ شاء الله تعالى (12) .
وقوله: «لاَ يَلْقَى اللهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا (13) ، فَيُحْجَبَ عَنِ الْجَنَّةِ»، يعني: كلمتَيِ التوحيدِ المتقدِّمَتَيْنِ (14) .
و«يُحْجَبُ»: يُمْنَعْ (15) ، رويناه (16) بفتح الباء ورفعها، فالنصبُ =(1/198)=@ بإضمار «أنْ» بعد الفاء في جواب النفي، وهو (17) الأظهر .............................................
والأجود (18) ، وفي الرفع إشكال؛ لأنه يرتفعُ على أن يكون خبرًا لمبتدأ محذوفٍ تقديره: فهو يُحْجَبُ، وهو (19) نقيضُ المقصود، فلا يستقيمُ المعنى حتى تقدَّر (20) «لا» النافيةُ، أي: فهو لا يُحْجَبُ، ولا تحذف «لا» النافية في مِثْلِ هذا، والله أعلم (21) (22) .
وظاهرُ هذا الحديث: أنَّ مَنْ لقي الله تعالى وهو يشهَدُ أنْ لا إله إلا الله (23) ، دخَلَ الجنة، ولا يدخُلُ النار، وهذا صحيحٌ فيمن لقي اللهَ تعالى بَرِيًّا من الكبائر . فأمَّا مَنْ لقي الله تعالى مرتكبَ كبيرةٍ ولم يَتُبْ .............................................
منها، فهو في مشيئة الله تعالى التي دَلَّ (24) عليها قوله تعالى: ُ * ) } - صلى الله عليه وسلم - { « (25) » ف پ ـ لله ِ .
وقد جاءتِ (26) الأحاديثُ الكثيرة (27) الصحيحة المفيدةُ بكثرتها حصولَ العلم القطعيِّ أنَّ طائفةً كثيرة (28) مِنْ أهلِ التوحيد يَدْخُلُونَ النار، ثُمَّ يُخْرَجُونَ منها (29) بالشفاعةِ (30) ، أو بالتفضُّلِ المعبَّرِ عنه .............................................
بالقَبْضَةِ (31) في الحديث الصحيح (32) ، أو بما شاء الله (33) تعالى (34) .
.............................................
فدلَّ ذلك على (35) أنَّ الحديثَ المتقدِّمَ (36) ليس على ظاهره، فيتعيَّن (37) تأويلُهُ، ولأهل العلم (38) فيه تأويلان: =(1/199)=@
.............................................
أحدهما: أنَّ هذا العموم (39) يرادُ به الخصوصُ مِمَّنْ يعفو اللهُ تعالى عنه مِنْ أهلِ الكبائر ممَّن يشاء (40) الله تعالى أن يَغْفِرَ له ابتداءً مِنْ غير توبةٍ كانت منهم، ولا سَبَبٍ &(1/120)&$
__________
(1) ... في (أ): «كذا».
(2) ... أي: الأزودة. الأزودة: جمع زاد، على غير قياس، والقياس: أزواد، والزاد: هو ما يأخذه المسافر معه من الطعام. انظر: "الفائق" (2/130)، و"النهاية" (2/317)، و"اللسان" (3/198).
(3) ... في (أ):« منها ».
(4) ... في (أ): «تسمية».
(5) ... وهذا من باب الحقيقة لا المجاز على الراجح والصحيح من قولي العلماء؛ فإن الصحيح الذي تَعْضُدُهُ أدلة اللغة والشريعة: أنْ لا مجاز في اللغة فضلاً عن نصوص الشريعة من الكتاب والسنة، وهذا ما رجَّحه جماعة من محقِّقي العلماء؛ كالأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، وشيخ الإسلام ابن تيميَّة وتلميذه العلامة ابن القيم، ونصره صاحب "أضواء البيان"، وكلُّ ما يسمِّيه مثبتو المجاز: مجازاً، وكان صحيح الدلالة على معناه، فإن منكري المجاز يسمُّونه: حقيقة، على أنه أسلوب من أساليب اللغة العربية، ومما يجوز استعماله في اللغة على هذا النحو، وليس المثبتي المجاز دليل لا من اللغة ولا من العقل ولا من الشرع، وإنما هو اصطلاح لهم، ولا مشاحَّة في الاصطلاح لو لا أن اصطلاحهم هذا مضطرب؛ إذ أنه ليس بمطَّرد ولا منعكس، فكان اصطلاحًا فاسدًا. ... والمثال الذي ذكره الشارح ذكر فيه: «أن عادة العرب تسميتهم والشَّيءَ باسم الشيء: إذا حاوره أو كان منه بسبب»، فهو إذَنْ حقيقةٌ؛ لجريانه على عادتهم في لغتهم. ... وتجدر الإشارة إلى أن الشارح يقول بالمجاز وبصورة المختلفة، ولا ينكر شيئًا منه، بل أكثَرَ من ذكره في هذا الكتاب، وستأتيك من هذا أمثلة؛ خاصَّةً في مسائل الصفات الإلهية وما أشبهها، والذين يقولون بالمجاز يقولون: إن قوله: «أزودتهم» مجاز مرسل علاقته المجاورة، من تسمية الشيء باسم الشيء إذا جاوره. انظر في ذلك: "النهاية" (2/317)، و"اللسان" (3/198)، و"الإيضاح" لشرح خفاجي (5/24)، و"مواهب الفتاح" للمغربي (4/34) ضمن شروح التلخيص في البلاغة). ... وانظر تفاصيل الرد على مثبتي المجاز في : "مختصر الصواعق المرسلة" (2/381-683)، فصل في كسر الطاغوت الثالث الذي وضعته الجهمية لتعطيل حقائق الأسماء والصفات، وهو طاغوت المجاز»، و«رسالة منع جواز المجاز، في المنزل للتعبد والإعجاز» للشنقيطي، و«جناية التأويل الفاسد على العقيدة الإسلامية» لمحمد أحمد لوح (ص 73-138)، و«موقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة» لسليمان الغصن (1/421-479).
(6) ... أثبت الشارح هذه الرواية في "متن التلخيص"، والأوعية: جمع وعاء، وهو الظرف الذي يوضع فيه الزاد وغيره. انظر: "النهاية" (2/317)، و"مختار الصحاح" (ص 303). ... وقد صَرَّح ابن الصلاح قوله: «أزودتهم» تخريجات أخرى في "الصيانة" (ص180)، وانظر: "الإكمال" (1/230 شواط)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/115)، و"شرح النووي" (1/224)، و"الديباج" (1/39).
(7) ... في الموضع السابق من حديث أبي هريرة أو أبي سعيد - شك الأعمش - برقم (27/45).
(8) ... من قوله: «بحكم النظر ...» إلى هنا، سقط من (ح) بسبب انتقال النظر.
(9) ... في (ب) و(ط): « واقتسموه ».
(10) ... في (أ):« هم ».
(11) ... عند مسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل الأشعريين رقم (2500)، وسيذكره الشارح القرطبي في كتاب "النبوات" آخر حديث من باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريِّين، وأخرجه البخاري في الشركة، باب الشركة في الطعام والنهد والعروض (5/128).
(12) ... قوله: «إن شاء الله تعالى» مكانة في (أ): «في هذا الموضع زيادة إنْ شاء الله تعالى».
(13) ... قوله: «فيهما» من الرواية الأولى من الروايتين ذكرهما الشارح في «التلخيص» عن أبي هريرة.
(14) ... قوله: «المتقدمتين» سقط من (أ).
(15) ... في (ط): «أي: يمنع».
(16) ... قوله:« رويناه » سقط من (أ).
(17) ... في (أ): «وهذا».
(18) ... في (ط): «الأجود والأظهر».
(19) ... في (غ): «فهو».
(20) ... في (غ): «حتى يقدر».
(21) ... قوله:« والله أعلم » سقط من (أ).
(22) ... الأحسن والأظهر هنا: نصبُ الفعل «يُحْجَب» بـ«أَنْ» مضمرة وجوبًا بعد فاء السببية المسبوقةِ بالنفي المحض، وهذا قول الشارح، وقد ذكَرَ أنَّ رفع الفعل يكونُ على تقدير مبتدأ محذوف، وعليه فتكونُ الفاء للاستئناف. وقد ذكَرَ إشكالاً على هذا الوجه، وهو ضرورةُ تقديرِ حرف النفي، وجعَلَ هذا سبَبَ تضعيف رواية الرفع. ويمكُن أن يقدَّر الرفع على اعتبار الفاء متجرِّدة للعطف المحض، فتعطفُ المضارعَ بعدها على المضارعِ المنفيِّ قبلها، ولا تكونُ الفاءُ للسببية ولا للاستئناف، ويكونُ الفعلُ بعدها تابعًا للفعل الأوَّل في إعرابه وفي نفيه، ومع هذا: فاعتبارُ الفاء سببيةً، ونصبُ الفعل بعدها أظهَرُ وأولى. انظر: "ضياء السالك" (4/20)، و"المفصَّل في علم العربية" للزمخشري (ص 246)، و"شرح المفصَّل" لابن يعيش (7/30)، و"النحو الوافي" (4/359).
(23) ... في (ط): «الله وحده».
(24) ... قوله: «التي دل» في (أ): «الدال».
(25) ... من قوله: «قوله تعالى ...» إلى هنا ليس في (أ).
(26) ... قوله:«قد جاءت» سقط من (أ).
(27) ... قوله: «الكثيرة» سقط من (أ).
(28) ... قوله:« كثيرة » سقط من (أ)، وفي (ح) «كبيرة».
(29) ... قوله:« منها » ليس في (أ).
(30) ... انظر في ذلك حديثَ أبي سعيد الطويل في القيامة، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - : «حتَّى إذا خلَصَ المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده! ما منكم من أحدٍ بِأَشَدَّ مناشدةً لله في استقصاء الحق من المؤمنين لإخوانهم الذين في النار ». ... أخرجه البخاري في التوحيد، باب ُ و ه ن ء پپ! ! م ل ك ء فپ! ! ِ [القِيَامَة: 22-23] {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ *} (13/420 رقم 7439 )، وفي التفسير، تفسير سورة النساء (8/249 رقم 4581)، وفي تفسير سورة ُ £ $ ِ [القَلَم: 1] {ن وَالْقَلَمِ} (8/663 رقم 4919 )، ومسلم في الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية رقم ( 183 ). ... وحديث أبي سعيد عند مسلم في الإيمان، باب إثبات الشفاعة وإخراجِ الموحِّدين من النار رقم ( 185 )، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - فيمَنْ أصابتهم النار بذنوبهم فأدخلوا النار: «حتى إذا كانوا فَحْمًا أَذِنَ بالشفاعة، فجيء بهم ضَبَائِرَ ضبائرَ، فبُثُّوا في أنهارِ الجنة ». ... وحديث جابر في الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها رقم (191)، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - : «ثم تحل الشفاعةُ ويشفعون حتى يخرج من النار مَنْ قال: لا إله إلا الله ... » الحديث.
(31) ... كذا جعل الشارح _ح القبضةَ بمعنى التفضُّل، وهذا صرفٌ للفظ عن حقيقة معناه إلى معنى آخر، وكان الأَوْلَى أن يقول: ثم يُخْرَجُونَ بالشفاعة، أو بالقبضة، التي يقبضها الربُّ عزَّ وجل من النار كما يليق بجلالِهِ وعظمته .
(32) ... وقد ورد ذلك في حديث أبي سعيد الطويل في صفة القيامة: « فيقولُ الله عزَّ وجل: شَفَعَت الملائكة، وشفَعَ النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحمُ الراحمين، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً من النار، فيُخْرِجُ منها قومًا لم يعملوا خيرًا قطُّ... » الحديث . وقد سبق عزوه في التعليق السابق. ولو أن الشارح عبَّر بقوله: «أو بالقبضة تفضُّلاً منه جلَّ وعلا»، لكان أولى، ولكنه عبَّر بما عبَّر به على طريقته في الحَيْدة عن إثبات الصفات والتكلُّف في تأويلها. ... وانظر في الكلام على الشفاعة:"الفتاوى" (1/143و179و317)، و(14/399 و412)، "مدارج السالكين" (1/340)، "تهذيب سنن أبي داود" (7/129)، "لوامع الأنوار" (2/211)، "تيسير العزيز الحميد" (235)، "فتح المجيد" (225).
(33) ... في (ب) و(ط): «بما شاءه».
(34) ... لعل الشارح يشير بقوله: «أو بما شاء الله تعالى» إلى مكفَّرات الذنوب، وهي أحد عشر سببًا تسقط عقوبة جهنم أو تخفَّضها، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وشارح الطحاوية وغيرهما، وهي: التوبة، والاستغفار، والحسنات الماحية، والمصائب الدنيوية المكفَّرة، وعذاب القبر، ودعاء المؤمنين واستغفارهم في الحياة وبعد الممات، وما يهدي إليه بعد الموت من ثواب صدقة أو حج أو نحو ذلك، وأهوال يوم القيامة وشدائده، وإيقاف المؤمنين على قنطرة بين الجنة والنار؛ ليقتص لبعضهم من بعض فيهذَّبوا وينقَّوا ليؤذَنَ لهم في دخول الجنة، والسبب العاشر: شفاعة الشافعية، والحادي عشر: عفو أرحم الراحمين من غير شفاعة. ... وهذان السببان الأخيران: هما اللذان ذكرهما الشارح، على أن هذه الأسباب أنواع: ... فمنها: ما يكون منه . ومنها: ما يكون من الناس. ومنها: ما يبتدئه الله سبحانه. ... وكذلك منها: ما يكون في الدنيا، ومنها: ما يكون في البرزخ. ومنها: ما يكون في عرصات يوم القيامة. ومنها: ما يكون عند دخول النار واقتحام الكير. ومنها: ما يكون بعد الخروج من النار. ... وهذه الأسباب عُرِفَتْ بالاستقراء من الكتاب والسنة الصحيحة. ... انظر: "مجموع الفتاوى" (7/487 - 501)، (10/45)، و"منهاج السنة" (4/325)، (5/126) (6/205-238)، "والتحفة العراقية" (1/571)، و"إعلام الموقعين" (2/304)، و"شرح الطحاوية" (2/498-502). ... وهذا الذي ذكره الشارح هو مذهب السلف الصالح أهل السنة والجماعة، ومن سار على نهجهم من المتقدَّمين والمتأخِّرين؛ وهذه المسألة من أمهات مسائل الأسماء والأحكام؛ فأهل السنة والجماعة يرون أن أصحاب الذنوب والكبائر من الموحِّدين إذا لم يستحلوا بكافرين، بل هم مؤمنون وإن كانا ناقضي الإيمان بهذه الذنوب، هذا في الدنيا، أما في الآخرة: فإذا ماتوا على هذه الماضي والكبائر دون أن يتوبوا منها: فأمرهم إلى الله: يكونون تحت مشيئة الله سبحانه: إن شاء عفا عنهم ابتداءً بفضله ورحمته وأدخلهم الجنة، إن شاء عذَّبهم عدلاً منه سبحانه، لكن من دخل النار منهم لا يخلَّد فيها خلودًا مؤبَّدًا؛ لأن أصل التوحيد مانع من الخلود والمؤبَّد في النار، فلابد من خروجهم منها ودخولهم الجنة، وقد تواترت النصوص على أنه لا بد من دخول بعض أصحاب الكبائر النار إذا لم يتوبوا، وتواترت أيضًا على القطع خروج جميع أهل الكبائر الذين دخلوا النار، منها، وشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره فيهم، ودخولهم الجنة. ... وهذا الذي عليه إجماع السلف: خالف فيه ثلاث طوائف؛ الخوارج والمعتزلة وغلاة المرجئة: ... أما الخوارج: فإنهم يرون أن مرتكب الكبيرة كافر بكبيرته وليس بمؤمن، فهو قد خرج من الإيمان بالكلية، ودخل في الكفر، وأما في الآخرة: فهو خالد في النار خلودًا مؤبَّدًا لا يخرج منها. ... وأما المعتزلة: فإنهم يذهبون إلى أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين؛ فلا يوصف بأنه مؤمن ولا كافر، ولكن يوصف بأنه فاسق، لأنه عندهم قد خرج من الإيمان بالكلية؛ فليس بمؤمن، ولكنه لم يدخل في الكفر؛ فليس بكافر، وأما في الآخرة : فإنَّ المعتزلة اتفقتْ مع الخوارج على أن حكم مرتكب البيرة إذا لم يتب منها: أنه مخلَّد في النار خلودًا مؤبَّدًا لا يخرج منها، وقد اتفقا أيضًا على أنه لا يخرج من دخل النار من أصحاب الكبائر؛ لا بفضل الله ورحمته، ولا بشفاعة فعين، ولا بغير ذلك مما يشاؤه الله تعالى. ... وأما غلاة المرجئة: فإنهم يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية؛ كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وقد أخطأوا في صدر كلمتهم هذه، وإن أصابوا في آخرها؛ فإنهم يذهبون: إلى أن مرتكب الكبيرة الذي لم يتب منها: مؤمن كامل الإيمان، وفي الآخرة ليس في المشيئة بل هو من أهل دخول الجنة ابتداءً! ... وهذه المذاهب الثلاثة مذاهب بدعة وضلالة مخالفة لما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، ولما دلَّت عليه نصوص الكتاب والسنة مجتمعة! ... انظر في مذاهبهم والرَّدِّ عليهم: "شرح الأصول الخمسة" (1/67)، و"رسائل العدل والتوحيد" (1/151)، و"مشارق أنوار العقود" للسالمي (2/152)، و"جوهرة التوحيد" (ص189)، و"مقالات الإسلاميين" (2/167)، و"شرح النووي" (1/218-221)، و"فتح الباري" (1/85)، و"شرح العقيدة الطحاوية" (2/490، 561 - ط الرسالة)، و"معارج القبول" (2/420)، و"مجموع الفتاوى" (3/151، 282، 374)، (4/307، 475، 486، 487)، (7/73-74، 479-482، 501-504، (11/184-185)، (13/37-38)، (23/345-349).
(35) ... قوله:« ذلك على » سقط من (أ).
(36) ... يعني: حديث أبي هريرة بروايتيه، والمراد منه: عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : «أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عَبْدٌ، غَيْرَ شاكٍّ؛ فَيُحْجَبَ عن الجَنَّة».
(37) ... في (أ): «فتعين».
(38) ... قوله: «لأهل العلم» ليس في (أ).
(39) ... قوله: «هذا العموم» في (أ): «عمومه».
(40) ... في (أ): «شاء».(1/120)
يقتضي ذلك غيرَ محضِ كَرَمِ الله تعالى وفضله؛ كما دَلَّ عليه قوله تعالى: ُ » {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}ِ (1) .
وهذا على (2) مذهبِ أهلِ السُّنَّة والجماعة؛ خلافًا للمبتدعة المانعين تَفَضُّلَ الله تعالى بذلك (3) ، وهو مذهبٌ مردودٌ بالأدلَّة القطعية (4) العقليَّة والنقلية، وبسطُ ذلك في عِلْمِ الكلام (5) .
وثانيهما: أنَّهم لا يُحْجَبون عن الجنّةِ بعد الخروج من النار، وتكونُ فائدتُهُ الإخبارَ بخلودِ كلِّ مَنْ دخل الجنةَ فيها، وأنَّه لا يُحْجَبُ عنها ولا عن شيءٍ مِنْ نعيمها (6) ، والله تعالى أعلم (7) .
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ (8) ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «مَنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ، وَابْنُ أَمَتِهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ».
... وَفِي رِوَايَةٍ: «عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ» .
وقوله: «وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ، وَابْنُ أَمَتِهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ»؛ هذا الحديثُ مقصودُهُ إفادةُ التنبيه على ما وقَعَ للنصارَى من .............................................
الغلط في عيسى - صلى الله عليه وسلم - وأُمِّهِ عليها السلام، والتحذيرُ عن ذلك، بأنَّ (9) عيسى عبدٌ (10) ، لا إلهٌ ولا وَلَدٌ، وأُمُّهُ أَمَةٌ لله تعالى ومملوكةٌ له (11) لا زوجةٌ، تعالى الله عما يقولُ الجاهلون علوًّا كبيرًا!
ويستفادُ من هذا: ما يُلَقَّنُهُ النصرانيُّ إذا أسلم .
وقد اختُلِفَ في معنى (12) وصف عيسى - صلى الله عليه وسلم - بكونِهِ كلمةً:
فقيل: لأنَّه تكوَّنَ بكلمة ُ 5 ِ (13) من غير أبٍ.
وقيل: لأنَّ المَلَكَ جاء أُمَّهُ (14) بكلمة البِشَارة به (15) عن أمر الله تعالى (16) .
وهذان القولان أشبَهُ ما قيل في ذلك (17) .
.............................................
ومعنى (18) «ألقاها»، أي: أعلَمَهَا بها، يقالُ: ألقَيْتُ عليكَ كلمةً، أي: أعلمتُكَ بها .
وسمِّي عيسى رُوحَ الله؛ لأنَّه حدَثَ عن نَفْخَةِ المَلَك (19) ، وأضافَهُ اللهُ تعالى إليه؛ لأنَّ ذلك النفخَ كان عَنْ أمره (20) وبقدرته (21) (22) ، وسُمِّيَ النفخُ رُوحًا؛ لأنّه ريحٌ تخرُجُ (23) من =(1/200)=@ الرُّوح؛ قاله المَكِّيُّون (24) .
.............................................
وقيل: سُمِّي بذلك عيسى (25) ؛ لأنَّه رُوحٌ لمن اتَّبعه (26) .
وقيل: لأنَّه تعالى خلَقَ فيه الرُّوحَ مِنْ غير واسطة أب (27) ؛ كما قال في آدم {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} (28) قاله الحَرْبِيُّ (29) (30) . &(1/121)&$
__________
(1) ... سورة النساء، الآية: 48 .
(2) ... قوله: «وهذا على» في (أ): «وهذا»، وفي (ط): «وعلى هذا».
(3) ... قوله:« بذلك » سقط من (أ).
(4) ... قوله:« القطعية » سقط من (ح).
(5) ... يشير الشارح إلى مذهب المبتدعة من المعتزلة والخوارج؛ حيث يمنعون خروج من يدخل النار من أهل التوحيد؛ بفضل لله ورحمته، أو بشفاعة الشافعين، أو بغير ذلك مما يشاء الله برحمته وفضله، وقد سبق التعليق على ذلك.
(6) ... قوله: «ولا عن شيء من نعيمها» في (ط): «ولا عن نعيم فيها».
(7) ... ما ذكره الشارح من توجيه هو الراجح، وقد سبقَهُ إليه القاضي عياضٌ في الكلام على هذا الحديث، وهناك تأويلاتٌ أخرى للحديث، منها:
1- ... أن ذلك فيمن قالها تائبًا ومات على ذلك؛ وهو قولُ البخاريِّ.
2- ... أن المراد مَنْ قال هذه الكلمة فأدَّى حقَّها وفريضتها؛ وهو قولُ الحسن البصري.
3- ... أن ذلك كان قبل نزول الفرائض؛ وهو مرويُّ عن جماعة منهم ابن المسيِّب والزُّهْري، وتعقَّبه ابن الصلاح وابن حجر: بأن الحديث من رواية أبي هريرة وصُحْبته متأخَّرة.
4- ... أن ذلك خرَجَ مَخْرَجَ الغالب؛ إذا الغالب أنَّ الموحَّد يعملُ الطاعة، ويجتنبُ المعصية.
5- ... أن المراد بتحريمه على النار تحريمُ جملته؛ لأن النار لا تأكُلُ مواضعَ السجود من المسلم.
... انظر: "إكمال المعلم" (ص 381)، و"الفتح" (1/226)، و"الصيانة" (ص 175)، و"شرح النووي" (1/219)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/113)، و"شرح الطِّيبي" (1/122)، و"تيسير العزيز الحميد" (ص 66)، و"الإيمان" لابن تيمية (ص 207).
(8) ... أخرجه مسلم (1/57رقم 28 ) في الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنه قطعًا .
(9) ... في (أ) و(ح): «فإن».
(10) ... قوله: «عبد» في (أ) و(ح) «عبدالله».
(11) ... قوله: «له» سقط من (ط).
(12) ... قوله:« معنى » سقط من (أ) و(ط).
(13) ... وذلك في قوله تعالى: ُ و ه ن م ل ك ق ف 2 1 4 3 6 5 8 ء «! ! ِ [آل عِمرَان: 59] {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *}
(14) ... قوله: «أمه» سقط من (ط).
(15) ... قوله:« به » سقط من (ح)، و(غ).
(16) ... كما في قوله تعالى: ُ ع غ ط ظ ص ض س ش ر ز ِ [آل عِمرَان: 45] {يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ}.
(17) ... وانظر هذه الأقوال وغيرها في معنى: «عيسى كلمة الله» في:«تفسير الطبري" (3/269)، و"تفسير القرطبي" (6/22)، و"تفسير ابن كثير" (2/34)، و"فتح القدير" (1/540)، و"دقائق التفسير" (1/326)، و"مجموع الفتاوى" (8/418)، و"الجواب الصحيح" (4/52، و"المفردات" (ص 439)، و"الإكمال" (1/233 شواط)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/117)، و"شرح النووي على مسلم" (1/227)، و"فتح الباري" (6/474-475).
(18) ... في (ح):« ومعناه ».
(19) ... في (غ): «الله».
(20) ... في (أ):« أمر الله وأمره "، والمثبت من (ب).
(21) ... من قوله:« وسمى عيسى ... » إلى هنا ليس في (ح).
(22) ... انظر: "كتاب الروح" لابن القيم (المسألة السابعة عشرة)، و"زاد المسير" (2/261)، و"فتح القدير" (1/540).
(23) ... في (غ) و(ط) «يخرج».
(24) ... كذا في النسخ، قاله المكِّيَّون، ولا معنى لها هنا . وصوابُهُ ما في "الإكمال" للقاضي عياض: «قاله مكي»، وهو مَكِّيُّ بن أبي طالب القيرواني ثم القرطبي المتوفَّى سنة 437هـ، وصاحب الكتب الشهيرة في القراءات ومعاني القرآن . وقد عقَّب القاضي عياض على قول مكيٍّ هذا بقوله: "وفي هذه العبارة مسامحة "، "الإكمال"(ص 390)، وانظر: "الروح" لابن القيم (المسألة السابعة عشرة). وانظر في ترجمة مكي: "ترتيب المدارك" (3/737)، و"وفيات الأعيان" (5/737)، و"السير" (17/591).
(25) ... قوله: «عيسى» ليس في (ط).
(26) ... في "الإكمال" (11/234 شواط): «وقيل: روحٌ منه: برهان لمن اتبعه» اهـ. وفي "تفسير القرطبي" (6/23): «وقيل: روح منه، أي: رحمةٌ منه؛ فكان عيسى رحمةً من الله لمن اتبعه، ومنه قوله تعالى: ُ َ ٍ ٌ ِ [المجَادلة: 22] {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}، أي: ترجمة».
(27) ... انظر في معنى «ألقيتُ إليه كلمةً»: "دقائق التفسير" (1/330)، و"المفردات" (453)، و"اللسان" (15/255-256)، و"التاج" ( ).
(28) ... سورة ص، الآية: 72 .
(29) ... قوله: «قاله الحربي» سقط من (غ).
(30) ... لم أجد كلام الحربي هذا فيما طبع من كتابه "غريب الحديث"، وقد نقله عنه صاحب «المجموع المغيث" (1/812)، وفي تفسير قوله: ُ } ِ [النِّسَاء: 171] {وَرُوحٌ مِنْهُ}، أقوال أخرى انظرها في: "زاد المسير" (2/261-262)، و"تفسير القرطبي" (6/23)، و"الجواب الصحيح" (2/19)، و(4/69)، و"فتح القدير" (1/540-541). والصواب في ذلك: ما قاله الإمام أحمد وغيره: أن قوله: ُ } ِ أي: مِنْ أمره؛ كقوله: ُ [ غ ع ظ ط ض ص ش س ز ِ [الجَاثيَة: 13] {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَْرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}، يقول: مِنْ أمره. وأما تسميةُ عيسى رُوحَ الله، فهو رُوحٌ من الأرواح التي خلَقَها الله، ولكنَّ الإضافة هنا إضافةُ تشريف، لا إضافة صفة؛ كبيتِ الله، وعباد الله؛ إذ هو رُوحٌ خاصٌّ من بين سائر الأرواح. انظر في ذلك:«الروح" لابن القيم، و"إكمال المعلم" (ص 390)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/117)، و"شرح النووي" (1/227)، و"شرح المشكاة" للطِّيبي (1/160)، و"تفسير الماوردي" (1/436)، و"الفتح" (6/475)، و"تفسير الطبري" (6/35)، و"تفسير القرطبي" (6/22-23)، و"تفسير ابن كثير" (2/431)، و"فتح الباري" (1/540)، و"المفردات" (ص 205)، و"المجموع المغيث" (1/812-814)، ، و"مجموع الفتاوى" (4/228)، (15/230)، (17/150، 262-268).(1/121)
.............................................
وقوله: «أَدْخَلَهُ اللهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ»، ظاهر هذا (1) يقتضي أنَّ قولَ هذه الكلماتِ يقتضي (2) دخولَ الجنَّة، والتخييرَ في الدخولِ في أبوابها، وذلك بخلافِ ما ظَهَر من حديث أبي هريرة الآتي في كتاب الزكاة؛ فإنَّ فيه ما يقتضي أنَّ كلَّ (3) مَن كان مِنْ أهل الجنَّة إنما يدخُلُ من الباب المعيَّن للعمل (4) الذي كان يعمله غالبًا الداخُل (5) ؛ فإنَّه قال فيه (6) : «فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ، دُعِيَ مِنْ بَابِ الصِّيَامِ، وَهَكَذَا (7) الجِهَادُ» (8) .
.............................................
والتوفيقُ بين الظاهرَيْن: أنَّ كُلَّ مَنْ يدخلُ الجَنَّةَ مخيَّرٌ (9) في الدخول من أيِّ بابٍ شاء، غيرَ أنَّهُ إذا عُرِضَ عليه الأفضلُ في حقِّه، دخَلَ منه مختارًا للدخولِ منه مِنْ غير جَبْرٍ عليه (10) ، ولا مَنْعٍ له مِنَ الدخولِ من غيره؛ ولذلك قال أبو بكر - رضي الله عنه - : «مَا عَلَى مَنْ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوابِ مِنْ ضُرُورَةٍ» (11) ، والله أعلم (12) .
وقوله (13) : «عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ»، أي: يدخُلُ الجنَّةَ ولا بُدَّ، سواء كان عملُهُ صالحًا أو سيِّئًا، وذلك بأن يَغْفِرَ له السَّيِّء؛ بسبب هذه الأقوال، أو يُرْبِيَ (14) ثوابَهَا على ذلك العمل السيِّئ.
.............................................
وكُلُّ ذلك يحصُلُ - إن شاء الله تعالى - لمن مات على تلك الأقوال، إمَّا مع السلامة المُطْلَقَةِ، وإمَّا بعد المؤاخَذَة بالكبائِرِ؛ على ما قرَّرْناه آنفًا (15) (16) . =(1/201)=@ &(1/122)&$
__________
(1) ... قوله: «ظاهر هذا» في (أ): «ظاهره».
(2) ... في (ب):« تقتضي ».
(3) ... قوله: «كل» ليس في (أ).
(4) ... قوله: «للعمل» سقط من (غ).
(5) ... قوله:« الداخل » سقط من (أ).
(6) ... قوله:« فيه » ليس في (أ).
(7) ... في (ح): «وكذا».
(8) ... أخرجه البخاري في الصوم، باب الريَّان للصائمين (4/111 رقم 1897)، ومسلم في الزكاة، باب من جمع الصدقة وأعمال البر رقم (1027)، وانظر: كلام الشارح على هذا الحديث في "كتاب الزكاة"، باب أجر من أنفق شيئين في سبيل الله، وعِظَمِ منزلة من اجتمعتْ فيه خصالٌ من الخير.
(9) ... في (أ): «يخير».
(10) ... قوله:« عليه » سقط من (أ).
(11) ... انظر: حديث أبي هريرة المقدِّم تخريجه في الصفحة السابقة.
(12) ... قال الحافظ في "الفتح" (7/28) في الجمع بين هذا التعارض: «وإنما يُدْعَى من جميع الأبواب على سبيل التكريم له، وإلا فدخوله إنما يكون من باب واحد، ولعلَّه باب العمل الذي يكونُ أغلبَ عليه، وأما ما أخرجه مسلم عن عمر: «من توضأ ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله ....» الحديثَ، وفيه: «فُتِحَتْ له أبوابُ الجنة يدخل من أيها شاء»: فلا ينافي ما تقدَّم، وإنْ كان ظاهرُهُ أَنَّه يعارضه؛ لأنه يحمل على أنها تفتح له على سبيل التكريم، ثم عند دخوله لا يدخل إلا من باب العمل الذي يكون أغلَبَ عليه؛ كما تقدَّم، والله أعلم»، وانظر: "شرح الزرقاني على موطأ مالك" (3/67).
(13) ... في (غ): «قوله» بلا واو.
(14) ... في (ح):« يرى »، يقال: أربَى الشيءَ، أي: زاده ونمَّاه، "لسان العرب" (14/304).
(15) ... قوله: «آنفً» سقط من (ط)، وقد سبق ذلك ( ص 271-273).
(16) ... ويحتمل أن يكونَ معنى قوله: «على ما كان من العمل»، أي: يدخُلُ أَهلُ الجنةِ الجنَّةَ على حسب أعمالِ كلٍّ منهم في الدرجات. "الفتح" (6/475).(1/122)
بَابُ حَقِّ الله تعالى عَلَى العِبَادِ
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلاَّ مُؤَخَّرَةُ الرَّحْلِ- وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ، ولَمْ يَذكُرْ: لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلا مُؤَخَّرَةُ الرَّحْلِ- فَقَالَ: «يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ!» فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ ! ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ!» قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ ! ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ !» قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ!
وَمِنْ بَابِ حَقِّ الله تعالى عَلَى العِبَادِ (1)
قوله: «كُنْتُ رِدْفَ (2) رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - »، يُرْوَي (3) : «رِدْفَ» (4) بسكون الدال من غير ياء، وبكسر (5) الراء، ويُرْوَي (6) : «رَدِيفَ» بفتح الراء وكسر الدال وياء بعدها، وكلاهما صحيحٌ روايةً ولغةً، وهما اسمان للراكب خَلْفَ الراكب، يقالُ منه (7) : رَدِفْتُهُ أَرْدَفُهُ، بكسر الدال في الماضي، وفتحها في المستقبل، وأَرْدَفْتُهُ أنا بألفٍ، وذلك .............................................
الموضعُ يسمَّى الرِّدَاف (8) (9) .
ورواه الطبريُّ: «رَدِف» (10) بفتح الراء وكسر الدال مِنْ غير ياء، كـ«عَجِلٍ» و«حذِرٍ» و«زمِنٍ»، وليس بمعروفٍ في الأسماء (11) .
.............................................
وقوله:«لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلا مُؤَخَّرَةُ الرَّحْلِ»؛كذا وقع ههنا (12) : «مُؤَخَّرة»، وقَرَأْنَاه على مَن يُوثَقُ بعلمه بضمِّ الميم، وفتح الواو، والخاءُ مشدَّدة (13) - على أنَّه اسمُ مفعولٍ؛ لأنَّها تؤخَّر .
وأنكَرَ هذا اللفظ يعقوب، وابنُ قُتَيْبة (14) ، وقالا: المعروفُ عند العرب: آخِرَةُ الرَّحْل، وهي العُودُ الذي خَلْفَ الراكب، ويقابله: قادِمَتُهُ .
وقيل فيها (15) : مُؤْخِرَةٌ، بهمزِ الواو خفيفةً وكسرِ الخاء (16) ، حكاها .............................................
صاحبُ (17) "الصحاح"، وأبو عُبَيْد (18) (19) .
.............................................
و«الرَّحْلُ»: للبعير، كالسَّرْجِ للفَرَس، والإكافِ للحمار.
و«عُفَيْر»: تصغيرُ أَعْفَرَ تصغيرَ الترخيم؛كَسُوَيْد تصغيرُ أسود (20) ، والعُفْرة:بياضٌ يخالطه صُفْرة (21) كعُفْرة الأرض والظِّبَاء (22) .
والمشهورُ في اسمِ حمارِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : يَعْفُور (23) . =(1/202)=@
.............................................
تنبيه: إِنْ كانتْ هاتان (24) الروايتان قِصَّةً (25) واحدةً، فقد تجَوَّزَ بعضُ الرواة في تسمية (26) الإكافِ: رَحْلاً، ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ ذلك قِصَّةً (27) واحدةً تكرَّرت مرتين (28) ، والله أعلم (29) . &(1/123)&$
__________
(1) ... هذا التبويب من الشارح، وأحاديث هذا الباب مندرجة تحت أحاديث الباب السابق؛ كما في "صحيح مسلم" (1/55-59).
(2) ... في (غ): «رديف».
(3) ... في (أ) و(ط): «روي».
(4) ... قوله:« ردف » سقط من (أ).
(5) ... في (أ): «وكسر».
(6) ... في (أ) و(ط): «روي».
(7) ... قوله: «منه» سقط من (أ) و(ط).
(8) في (ح):« الردف ».
(9) ... انظر: "الصحاح" (4/1363-1364)، وجاء في "اللسان" (9/115-116): «الرِّداف: موضع مركب الرَّديف؛ قال [من الوافر]:
ليَ التصديرُ فاتْبَعْ الرَّدَافِ
... قال الزجاج: يقال: رَدِفْتُ الرَّجُلَ: إذا ركبتَ خلفه، وأردفتُهُ: أركبتُهُ خلفي، قال ابنُ بَرِّيٍّ: وأنكر الزُّبَيْدِيُّ أردفتُهُ، بمعنى: أركبتَهُ معك، قال: وصوابه: اردفتُهُ فأمَّا أردفتُهُ ورَدِفْتُهُ : فهو أن تكون أنت ردْفًا له ...» اهـ. بتصرُّف يسير.
... وفي كلام الزبيدي اعتراض على ما ذكره الشارح؛ فإن فيه رَدفْتُهُ وأردفتُهُ بمعنى واحد، أي: صِرْتَ رِدْفًا له، ويكون ذلك بفعلك بنفسك، وأمَّا إذا فعلتَ بغيرك، فتقوله: ارتدفتُهُ ، وانظر كلام الزُّبَيْدي في كتابه: "لحن العوامِّ» ( ص 183)، و"شرح النووي على مسلم" (1/230).
(10) ... قوله:« ردف » سقط من (ب).
(11) ... قول الشارح _ح: «ليس بمعروف في الأسماء» موضع نظر؛ فقد قال القاضي عِيَاض - رحمه الله- في "مشارق الأنوار" (1/287): «وأمَّا رواية الطبري: فإنْ صحَّت، فاسمُ فاعل مثل "حَذِرٍ" و" فَرِق " »، وقال في "إكمال العلم" (ص 392): «ولا وجه لرواية الطبري إلا أنْ يكون فَعِلٌ ههنا: اسم فاعل، مثل: عَجِزٍ، وزَمِنٍ، وفَرِقٍ، إنْ صحَّت روايته»؛ فهو على ذلك صفة مشبَّهة من الفعل «رَدِفَ».
... وإن كان مراد الشارح بقوله: «وليس بمعروف في الأسماء» أن وزن «فعل» من أوزان الصفات المشبهة، كـ«عجل» ونحوه، وليس من أوزان الأسماء المحضة، وهذا هو الظاهر من كلامه، فيقال: أيضًا وزن فَعِل معروفٌ في الأسماء غير الصفات، كـ«كيف» ونحوه. انظر: «الشافية» (ص 25)، "شرح الشافية" للأستراباذي (1/143-144)، و"شرح لامية الأفعال» لابن الناظم (104)، و"شذ العرف في فن الصرف" للحملاوي (ص 75)، وانظر أيضًا: "شرح النووي" (1/230)، و"المفردات" (ص 198)، و"عمدة الحفاظ" (ص 200)، و"النهاية" (2/216)، و"اللسان" (9/114).
(12) ... في (أ): «هنا».
(13) ... في (أ):« مشدودة ».
(14) ... انظر: "إصلاح المنطق" ليعقوب بن السِّكِّيت (ص 284)، و"أدب الكاتب" لأبي محمد بن قتيبة (ص 410)، وجعلها في "المصباح المنير" (ص 7) لحنًا. وانظر: "اللسان" (4/12).
(15) ... في (غ): «هما».
(16) ... وهذه هي الرواية المشهورة ورودها في الحديث. انظر: "المشارق" (1/67)، و"الصيانة" (ص183)، و"شرح النووي على مسلم" (1/231).
(17) ... قوله:« صاحب » سقط من (أ).
(18) ... في (ب):« أبو عبيدة ».
(19) ... انظر: "الصحاح" للجوهري (2/577)، (5/2008)، ولم أجده في كتابي أبي عبيد القاسم بن سلام الهروي "غريب الحديث" و"الغريب المصنّف"، وكذا لم أجده في كتاب أبي عُبَيْد أحمد بن محمد الهروي "الغريبين"، وأيضاً لم أجده في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة، ووجدتُّ في "الإكمال" (ص 393): «وحكى أبو عبيد فيه الوجهين [يعني: مُؤْخِرَة، ومُؤَخِرَة، ومُؤَخِّرة[، وكلَّه بكسر الخاء وضم الميم، وأنكر ابن قتيبة فتح الخاء [يعني: مع التشديد، كما نقل عنه الشارح القرطبي]».
... ومُؤْخِرُ الرَّحْلِ والسَّرْج ومُؤْخِرَتُهُ، ومؤخِّرتُهُ ومؤخَّرتُهُ، وآخِرتُهُ وآخِرُهُ: سِتُّ لغات: وهي: العُود أو الخشبة التي خلف الراكب يستند إليها، وهي خلاف قادمته، واللغات السِّتّ كلها في «قامدة الرحل»، وأفصح اللغات «آخِرَة الرحل» وجمعها: أواخر، ومُؤْخِرَة: لغة قليلة، وأنكر يعقوب وابن قتيبة: «مؤخَّرة» بالتشديد مفتوحًا، كما قال الشارح. وانظر: "الإكمال" (ص 393)، و"المشوف المعلم" (1/57)، و"النهاية" (1/29)، و"مشارق الأنوار" (1/67)، و"الصيانة" (ص 183)، و"أساس البلاغة" (ص 3)، و"المغرب" (1/32)، و"المصباح المنير" (ص 7)، و"معجم مقاييس اللغة" (1/70)، و"اللسان" (4/12)، و"التاج" (6/15). ... وههنا تنبيهان: الأول: ما جاء في "التاج" عن يعقوب يخالف ما حكاه الشارح، فقد قال: «والتشديد مع الكسر أنكره ابن السكيت، وجعله في المصباح من اللحن»، والشارح نَسَبَ إلى يعقوب إنكاره لتشديد مع الفتح، فلعلَّ أنكر التشديد مطلقًا مع الفتح والكسر؛ وهذا ظاهر عبارة "المصباح"؛ فقد قال (ص 7): «ويقال: مُؤْخرة، بضم الميم وسكون الهمزة، ومنهم من يثقَّل الخاء، ومنهم من يَعُدُّ هذه لَحْنًا». اهـ. ... والثاني: أنَّ بعض من ضبط المعجمات وكتب الأدب، وضبط هذه اللغة التي أنكرها يعقوب وابن قتيبة بالتخفيف «مُؤْخِرَة»،كما في "اللسان" (4/12)، و"أدب الكاتب"» (ص 410)، و"إصلاح المنطق" (ص 284)، وليس الأمر كذلك كما بيِّن.
(20) ... تصغير الترخيم: هو التصغير بحذف الزوائد؛ كما قالوا في أحمد: حُمَيْد، وفي أسود: سُوَيْد، والتصغير بدون ترخيم: هو التصغير مع إبقاء الزوائد؛ كقولنا في أحمد: أُسَيْود، وفي أسود: أُسَيْوِد، وفي أَعْفَر: أُعَيْفر. انظر: "المفصَّل" (ص 257)، و"شرح ابن عقيل" (4/149)، و"اللسان" (4/584-585)، و"التاج" (7/242).
(21) ... في (أ) و(ح):« عفرة ».
(22) ... العُفر: بياضٌ ليس بالخالص، أو: غبرة في حمرة، أو غبرة في بياض، وقال أبو زيد الأصمعي: «العُفْرة: بياض، ولكنْ ليس بالبياض الناصع الشديد، ولكنه كلون عَفَر الأرض، وهو وجهها، ويقال: عَفِرَ يَعْفَرَ عَفَرًا، فهو أَعْفَر». انظر: "المصباح المنير" (ص216)، و"اللسان" (4/584)، و"التاج" (7/240).
(23) ... المذكور في حديث معاذ هذا " عُفَيْر "، قال الحافظ: وهو غيرُ الحمار الآخَرِ الذي يقال له " يَعْفُور "، وزعم ابن عَبْدُوس أنهما واحد، وقوَّاه ابن القيِّم في "الهدي" . وردَّه الدِّمْيَاطي، فقال: عفيرٌ أهداه المقوقس، ويعفور أهداه فَرْوَة بن عمرو، وقيل بالعكس . ويعفورُ - بسكون المهملة وضَمِّ الفاء - اسم ولد الظبي؛ كأنَّه سمي بذلك لسرعته . قال الواقدي: نفَقَ يعفورٌ منصرَفَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من حَجَّةِ الوداع، وبه جزَمَ النوويُّ عن ابن الصلاح . وانظر:"زاد المعاد" (1/134)، و"الفتح" (6/59)، تركة النبي لحمّاد بن إسماعيل (ص 99)، و"دلائل النبوة" للبيهقي (7/278)، "تاج العروس" (7/240-241).
(24) ... في (أ):« هذه ».
(25) ... في (ب) و(ح) و(ط): « قضية ».
(26) ... في (ح):« تسميته ».
(27) ... في (ب) و(ط): « تكون قضية "، و(ح):« تكون تلك قضية ».
(28) ... والروايتان: هما الروايةُ التي فيها ذِكْرُ مؤخرة الرحل والرَّحْل للبعير، والروايةُ الأخرى: التي فيها ذكْرُ الحمار وليس فيها ذِكْرُ مؤخرة الرحل. والاحتمالُ الأول أقرب، وهو أنَّ الرحل أُطْلِقَ على الإكاف توسُّعًا؛ إذْ يبعُدُ أن يناقش النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - معاذًا هذه المناقشةَ ويقرِّره هذا التقرير،ثم يسأله عنه أخرى،فيجيبُ بجوابه الأول ذاته، والله ورسوله أعلم.
(29) ... قوله: «والله أعلم» ليس في (أ).(1/123)
وفيه: ما يدلُّ على جواز ركوبِ اثْنَيْنِ على حمار، وعلى تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) .
وإنما كرّر النبي - صلى الله عليه وسلم - (2) نداءَ معاذ ثلاثًا؛ ليستحضرَ ذهنَهُ وفهمه، ولِيُشْعِرَه بِعِظَمِ (3) ما يلقيه إليه (4) .
قَالَ: «هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ: أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا»، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، قَالَ: «يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ !» قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: «هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَلاَّ يُعَذِّبَهُمْ».
وحقُّ الله تعالى على عباده (5) : ما أوجبَهُ عليهم بحُكْمه (6) ، وألزمهم إيّاه بخطابه.
وحقُّ العبادِ على الله تعالى: هو (7) ما وعدَهُمْ به مِنَ الثواب والجزاء (8) ؛ فحَقَّ ذلك ووجَبَ بحكم وعده الصِّدْقِ، وقولِهِ الحقِّ الذي لا يجوزُ عليه الكذبُ في الخبر (9) ، ولا الخُلْفُ في الوعد (10) ؛ فالله تعالى لا يجبُ عليه شيءٌ (11) بِحُكْمِ الأمر؛ إذْ (12) لا آمِرَ فوقه (13) ،، .............................................
ولا بحُكْمِ العقل؛ إِذِ العقلُ كاشفٌ لا مُوجِبٌ (14) (15) ، =(1/203)=@ .............................................
كما بيَّنَّاهُ (16) في الأصول.
بَابٌ لاَ يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، ... بَلْ لاَ بُدَّ مِنِ اسْتِيقَانِ الْقَلْبِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (17) ، قَالَ: كُنَّا قُعُودًا حَوْلَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ $ذ فِي نَفَرٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا، وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا، فَفَزِعْنَا وَقُمْنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ، فَخَرَجْتُ أَبْتَغِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَتَيْتُ حَائِطًا لِلأَْنْصَارِ لِبَنِي النَّجَّارِ، فَدُرْتُ بِهِ، هَلْ أَجِدُ لَهُ بَابًا ؟ فَلَمْ أَجِدْ، فَإِذَا رَبِيعٌ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجَةٍ - وَالرَّبِيعُ الْجَدْوَلُ - فَاحْتَفَرْتُ كَمَا يَحْتَفِرُ الثَّعْلَبُ، فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ: «أَبُو هُرَيْرَةَ ؟» فَقُلْتُ:
وَمِنْ َبابِ لاَ يَكْفِي مُجَرَّدُ (18) التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، ... بَلْ لاَ بُدَّ مِنِ اسْتِيقَانِ الْقَلْبِ
هذه الترجمةُ تنبيهٌ على فسادِ مذهبِ غُلاَةِ المرجئةِ (19) القائلين: إنَّ .............................................
التلفُّظَ بالشهادتين كافٍ في الإيمان، وأحاديثُ هذا الباب تَدُلُّ (20) على فساده، بل هو مذهبٌ معلومٌ الفساد من الشريعة لمن وَقَفَ عليها، ولأنَّهُ يَلْزَمُ منه تسويغُ النفاقِ، والحُكْمُ للمنافق بالإيمانِ الصحيح، وهو باطلٌ قطعًا (21) . &(1/124)&$
__________
(1) ... في (أ) «تواضعه، صلى الله عليه وسلم».
(2) ... قوله: «النبي» ليس في (أ)، وفي (ح) مكانها: «ذلك».
(3) ... في (أ):« تعظيم "، وفي (ب):« بعظيم ».
(4) ... في (غ): «عليه».
(5) ... في (ط): (وأمَّا قوله: وحق الله على العباد: هو).
(6) ... في (غ): «بحمله».
(7) ... قوله: «هو» ليس في (أ).
(8) ... قال في "فتح المجيد" (ص 57- الفريان): «حق الله على العباد: هو ما يستحقُّه عليهم، وحق العباد على الله: معناه أنَّه متحقِّق لا محالة؛ لأنه قد وعدهم ذلك جزاءً لهم على توحيده؛ ُ ص ض س ش ر ز ِ [الرُّوم: 6] {وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ}.
(9) ... قوله:« الخبر » سقط من (أ).
(10) ... في (غ): «الموعد».
(11) ... قوله:« شيء » سقط من (أ).
(12) ... في (ح):« فالله تعالى ».
(13) ... قول الشارح: «فاللهُ تعالى لا يجبُ عليه شيءٌ بِحُكْمِ الأمر؛ إذْ لا آمِرَ فوقه» موضع نظر؛ فإن قوله: إذ لا آمر فوقه» صحيح، فالله سبحانه لا آمر فوقه ولا ناهي، بل هو سبحانه الحاكم الآمر الناهي، لكن لا يلزم من هذا ألاَّ يجب على الله شيء بحكم أمره بذلك نفسه سبانه ويحرُمُ عليه شيءٌ بحكم تحريمه ذلك على نفسه، وكل ذلك - أعني: طلبه من نفسه سبحانه، بالإيجاب على نفسه، والتحريم عليها - بحكم فضله وإحسانه ورحمته وحكمته وعدله؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "المجموع" (18/150)، عنه ابن القيم في "المفتاح" (3/7): «وإذا كان معقولاً من العبد أن يكون طالبًا من نفسه، وتكونَ نفسُهُ طالبةً منه؛ لقوله تعالى: ُ ث خ ح ذ ِ [يُوسُف: 53] {إِنَّ النَّفْسَ لأَْمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}، وقوله: ُ ] ش س ز ر ظ ط ض ص ء لله»! ! ِ [النَّازعَات: 40] {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى *}، مع كون العبد له آمرٌ وناهٍ فوقه، فالربُّ تعالى الذي ليس فوقه آمرٌ ولا ناهٍ: كيف يمتنع منه أن يكون طالبًا من نفسه؛ فيكتُبَ على نفسه، ويُحِقَّ على نفسه، ويحِّمَ على نفسه؛ بل ذلك أولى وأحرى في حقِّه من تصوُّره في حقِّ العبد»، وعلى ذلك: فقول الشارح: «فالله تعالى لا يجب عليه شيءٌ بحكم الأمر» ليس بصحيح على مذهب أهل السنة، وصواب معنى لعبارة عندهم: «فالله تعالى يجب عليه حَقٌّ لعباده المؤمنين بحكم طلبه من نفسه، وأَمْرِهِ نفسَه، وإيجابِهِ على نفسِهِ؛ تفضلاً منه، وإحسانًا إلى عباده»! ... وقد تكلَّم شيخ الإسلام ابن تيميَّة عن هذه المسألة في غير موضع، وبيَّن أنَّه لا ريب أن الله تعالى وعد المطيعين بأن يثيبهم، ووعد السائلين بأن يجيبهم، وهو الصادق الذي لا يخلف الميعاد؛ كما قال تعالى: ُ ُ َ ٍ ٌ ً ي ى و ِ [النِّسَاء: 122] {وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً}، ُ ص ض س ش ر ز ِ [الرُّوم: 6] {وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ}، ُ « » ف پ ـ لله ِ [إبراهيم: 47] {فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ}؛ فهذا ممَّا يجب وقوعُهُ بحكم الوعد باتفاق المسلمين. ... لكنَّهم تنازعوا هل عليه واجبٌ بدون ما يجب عليه بحكم الوعد؟ على ثلاثة أقوال: الخالق بحال، لكن يُعْلَمُ ما يفعله بحكم وعده وخبره؛ كما يقول ذلك من يقوله من أتباعهم ججهم والأشعري وغيرهما ممَّن ينتسب إلى السنة، [وهذا قول الشارح القرطبي، وهو كذلك قول ابن حجر العسقلاني، وغيرهما من شراح الأحاديث].
... الثاني: أنه يجب على الله سبحانه - بدون ما يجب بحكم الوعد - واجبات، وتحرُمُ عليه - بدون ما يحرم بحكم الوعد - محرَّمات ، بالقياس عليىعباده؛ فصاحب هذا القول يرى للمخلوق على الخالق حقًّا يُعْلَمُ بالعقل، ويقيس الخالق على المخلوق؛ كما يقول ذلك من يقوله من المعتزلة وغيرهم.
... الثالث: أنه يجب على ال سبحانه لعباده المؤمنين - بدون ما يجب بحكم الوعد - واجباتٌ أوجبها على نفسه وأمر بها نفسه، لم يوجبها عليه ولا أمره بها سبحانه؛ لأنه لا آمر فوقه، وكذلك يحرُمُ عليه في حق عباده المؤمنين - بدون ما يحرمُ بحكم الوعد - محرَّمات حَرَّمها على نفسه، ونهى نفسه عنها، لم يحرَّمها عليه ولا نهاه عنها أحدٌ غيره سبحانه؛ لأنه لا ناهي فوقه؛ وهذا هو مذهب السلف أهل السنة والجماعة؛ فهم يرون أن الله كتب على نفسه الرحمة، وأوجب على نفسه حقًّا لعباده المؤمنين؛ كما حرَّم الظلم على نفسه؛ لم يوجب ذلك مخلوقٌ عليه، ولم يحرِّم ذلك مخلوق عليه، فلا يقاس عندهم بمخلوقاته؛ بل هو أوجب على نفسه، وحرَّم على نفسه؛ فيجب عليه ما أوجبه على نفسه، ويحرُمُ عليه ما حرَّمه على نفسه، وذلك بحكم وحكمته وعدله، وتفضُّله وإنعامه؛ وذلك كما في الحديث الإلهي: «يا عبادي؛ إني حرمتُ الظُّلْمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّمًا؛ فلا تظالموا»، وقال تعالى: ُ إ ب ا آ ء ِ [الأنعَام: 54] {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}، ُ ْ ّ ِ ِ [الرُّوم: 47] {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}، وفي الصحيحين عن معاذ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : «يا معاذ، أتدري ما حق الله على عباده؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حقُّه عليهم: أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا. يا معاذ، أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: حقُّهم عليه: ألا يعذَّبهم». ... وبهذا التفصيل يعلم أن الله لا يجب عليه حقٌّ للعباد بآمرٍ فوقه، بآمر تحته، وإنما يجب على الله حقوق للعباد بأمره نفسه، وإيجابه على نفسه؛ تفضلاً منه وإحسانًا وعدلاً؛ وهذا لا نقص فيه بل هو من كماله سبحانه وتعالى، وهذا قول أهل السنة والجماعة! ... ولقد أحسن ابن القيم رحمه الله حيث قال في «توثبَّبته»، وهو يعدِّد صفات الله تعالى الثبوتية:
وهو الشَّكُورُ فلن يُضَيِّعَ سَعْيَهُمْ
لكنْ يضاعفُهُ بلا حُسْبَانِ
ماللبعاد عليه حَقٌّ واجبٌ
هو أوجَبَ الأَجْرَ العظيمَ الشانِ
كلا ولا عَمَلٌ لَدَيْهِ ضائعٌ
إنْ كان بالإخلاص والإحسانِ
إنْ عذَّبوا فبعدلِهِ، أو نعِّموا
فبفضلهِ والحمدُ للمَنَّانِ
... وبهذا التفضيل يعلم ما أصاب فيه الشارح وما أخطأ، وبه أيضًا يعلم خطأ ما ذهب إليه محمد إسحاق كندو في رسالته عن منهج ابن حجر العسقلاني في العقيدة من خلال كتابه فتح الباري؛ حيث ذكر أنه مذهب الحافظ في هذه المسألة هو مذهب أهل السنة والجماعة؛ وإنما ذكر الحافظ ما ذكره صاحب المفهم هنا، وهو مذهب الأشاعرة لا مذهب السلف أهل السنة والجماعة كما سبق بيانه، فراجع هذا إنْ شئت، والله أعلم. ... انظر: "قاعدة جليلة" (ص 107 - 117)، و"مجموع الفتاوى" (1/218)، (18/148-152)، و"الفتاوى الكبرى" (1/322-325)، و"منهاج السنة" (1/451-454-، 467-469)، و"مفتاح دار السعادة" (3/5-23)، و"مدارج السالكين" (2/338)، و"شرح النونية" لابن عيسى (2/230)، و"شرح الطحاوية" (201)، و"تيسير العزيز الحميد" (ص 46)، و"فتح المجيد" (ص 57 - 60) الفريَّان)، و"الإكمال" (ص 393)، و"الصيانة" (ص 184)، و"شرح النووي على مسلم" (1/231)، و"منهج الحافظ ابن حجر العسقلاني في العقيدة، من خلال كتابه "فتح الباري" (1/474-476).
(14) ... انظر: "الملل والنحل" (1/45)، و"الفصل" لابن حزم (5/95)، و"شرح الطحاوية" (ص 525).
(15) ... قول الشارح: «ولا بحكم العقل؛ إذ العقل كاشفٌ لا موجب» كلام مجملٌ يشتمل على حقٍّ وباطل؛ فوجب التفصيل: ... فإن كلام الشارح يكون صحيحًا إذا كان مراده الردَّ على القدرية المعتزلة الذين مجردا على الله أن يفعل إلا ما ظنوا بعقلهم أنه الجائز له، حتى وضعوا له شريعة «التعديل والتجوير»؛ فأوجبوا عليه بعقلهم أمورًا كثيرة، وحرَّموا عليه بعقلهم أمورًا كثيرة، لا بمعنى أن العقل آمرٌ لله وناهٍ؛ فإن هذا لا يقوله عاقل، بل بمعنى: أن تلك الأفعالل مما علم بالعقل وجوبها وتحريمها، ولكنْ أدخلوا في ذلك المنكرات مما بنَوْهُ على بدعتهم في التكذيب بالقدر وتوابع ذلك، وذهبوا إلى أن المخلوق على الخالق حقًّا يعلم بالعقل، وقاسوا الخالق في ذلك على المخلوق؛ فأوجبوا عليه سبحانه للمخلوق واجبات من جنس ما يجب للمخلوق على المخلوق، وذلك كما يظنه جهال العباد من أن لهم على الله حقًّا لعبادتهم؛ وذلك أن النفوس الجاهلية تتخيل أن الإنسان بعبادته وعلمه يصير له على الله حق من جنس ما يصير للمخلوق على المخلوق؛ كالذين يخدمون ملوكهم ومُلاَّكهم؛ فيجلبون لهم منفعةً ويدفَعُون عنهم مضرة، ويبقى أحدهم يتقاضى العوض والمجازاة على ذلك، ويقول له عند جفاء أو إعراضٍ يراه منه: ألم أفعل كذا؟ أيَمُنُّ عليه بما يفعله معه، وإنْ لم يقله بلسانه كان ذلك في نفسه، وتخيُّل مثل هذا في حق الله تعالى من جهل الإنسان وظلمه؛ ولهذا بيَّن الله تعالى في غير آية أنه عمل الإنسان يعود نفعة عليه، وأن الله غني عن الخلق، وكذلك بيَّن سبحانه أنه المانُّ بالعمل، وبَيْنَ الخالق تعالى والمخلوق من الفروق مالا يخفى على من له أدنى بصيرة، ذكر شيخ الإسلام منها عدة فروق. انظرها في هذا السياق من "قاعدة جليلة" (ص108-117). ... وإنْ كان مراد الشارح بقوله هذا : الرَّدَّ على من يثبت التحسين والتقبيح العقليين: فليس بصحيح؛ فإن السلف وأهل السنة والجماعة يثبتون التحسين والتقبيح العقليين في أفعال الله وأفعال عباده؛ فالعقل عندهم قد يُعْلَمُ به حُسْنُ كثير من الأفعال وقبحها؛ بخلاف ما يذهب إليه الأشاعرة من أن العقل لا يُعْلَمُ به حسن ولا قبح، وهذه المسألة تكلَّم فيها أهل السنة والجماعة وردُّوا فيها على الأشاعرة ومن قال بقولهم، وقد أفاض فيها وأجاد ابن القيم رحمه الله في كتابه "المفتاح"، وردَّ فذهب الأشاعرة في نفيهم تحسين العقل وتقبيحه من أكثر من ستين وجهًا. انظر: "قاعدة جليلة" (ص 108-117)، و"مجموع الفتاوى" (18/147-148)، و"الفتاوى الكبرى" (1/322-324)، و"منهاج السنة" (1/448-454)، و"مفتاح دار السعادة" (2/369 - 552)، (3/5-23).
(16) ... في (أ): «بيَّنَّا».
(17) ... أخرجه مسلم (1/59 -60 رقم 31) في الإيمان، باب الدليل على أنَّ مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا .
(18) ... في (ب): «لا يكتفى بمجرَّد».
(19) ... المرجئة: نسبة إلى الإرجاء، وهو تأخير الشيء، والمرجئةُ فرقٌ عديدة - ذكر لهم الأشعريُّ والملطيُّ اثنتَيْ عَشْرَةَ فرقة- منهم مرجئةٌ خالصة، ومنهم مَنْ يجمع مع الإرجاء بدعةً أخرى؛ كالجبر، أو القدر، ونحو ذلك، ويجمعهم إخراجُهُمُ العملَ عن مسمَّى الإيمان . وحاصلُ قولهم في الإيمان يرجع إلى ثلاثة أقوال:
1 - ... أنَّ الإيمان مجرَّد المعرفة، وبعضهم يقولُ: المعرفة والتصديق، وهم الجهمية .
2 - ... أنَّ الإيمان مجرَّد قول اللسان، وهو ما انفردَتْ به الكرَّاميَّة .
3 - ... أنَّ الإيمان تصديقُ القلب وقولُ اللسان، وهو ما يسمَّى بإرجاء الفقهاء .
... انظر:"مقالات الإسلاميين" (ص 132)، و"الملل والنحل" (1/139)، و"التنبيه والرد" للملطي (146)، و"الفرق بين الفرق" (ص 202)، و"التبصير" للإسفراييني" (ص 97)، و"الإيمان الأوسط" لابن تيميَّة (51-52،124)، و"الإيمان"(114-115،184)، وغيرها.
(20) ... في (أ): «يدل».
(21) ... هذا قول الكرَّاميَّة، وهم أتباع محمد بن كرَّامٍ أبي عبدالله السجستاني (ت 255هـ). ومن بدعهم المشهورة قولهم: إنَّ الإيمان هو الإقرارُ باللسان، وإن اعتقد الكفر بقلبه، وأنكروا أن تكون معرفةُ القلب أو عملُ الجوارح من الإيمان، وزعموا أن المنافقين مؤمنون على الحقيقة، مستحقُّون للعقاب في الآخرة، فنازعوا في اسمه لا في حكمه . انظر في بيان ضلالتهم والرد عليهم: "مجموع الفتاوى" (7/140-142، 219،445، 550، 553)،(13/56)، و"سير أعلام النبلاء" (11/524)، و"الفصل" لابن حزم (3/227)، (5/73)، و«الفرق بين الفرق" (ص 223)، و"الملل والنحل" (1/108 -114)، و"التبصير في الدين" (111 -117)، و"البداية والنهاية" (11/20)، و"شرح الطحاوية" (ص 308).(1/124)
وقوله: «وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ (1) دُونَنَا»، أي: يحالَ بيننا وبينه بِأَخْذٍ أو هلاك (2) .
.............................................
وقوله:«فَفَزِعْنَا وَقُمْنَا»، أي: تَرَكْنَا ما كنا فيه وأقبلنا على طلبه؛ من قولهم: فَزِعْتُ إلى كذا: إذا أقْبَلْتَ عليه،وتفرَّغْتَ له؛ ومنه قول الشاعر:
فَزِعْتُ إليكُمْ في بَلاَيَا تَنُوبُنِي
فَأَلْفَيْتُكُمْ فيها كَرِيمًا مُمَجَّدَا (3)
وقد دلَّ على ذلك قوله:«فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ»، أي: أوَّلَ مَنْ أخذ في طلبه، وليس (4) من الفَزَعِ الذي هو الذُّعْرُ (5) والخوف؛ لأنَّه قد قال (6) قبل هذا: «فَخَشِينَا أَنْ =(1/204)=@ يُقْتَطَعَ دُونَنَا»، ثم رتَّب «فَزِعْنَا» عليه بفاء التعقيب المُشْعِرَةِ بالتسبُّب (7) ، والفَزَعُ: لفظٌ مشترك نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «مَا شَأْنُكَ؟» قُلْتُ: كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَقُمْتَ، فَأَبْطَأْتَ عَلَيْنَا، فَخَشِينَا أَنْ تُقْتَطَعَ دُونَنَا، فَفَزِعْنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ، فَأَتَيْتُ هَذَا الْحَائِطَ، فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ،
يُطْلَقُ (8) على ذَيْنِكَ المعنيَيْنِ، وعلى الإغاثة (9) .
قوله: «فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ» (10) ، رواه عامَّةُ الشيوخ (11) في المواضع الثلاثة (12) بالراء من الحَفْر ، وقد رُوِيَ (13) عن الجُلُوديِّ: بالزاي (14) ؛ وكأنَّه الصواب (15) ، ويعني به (16) : أنَّه تضامَمَ .............................................
وتصاغَرَ ليسعه الجدول (17) ، ومنه حديث عليٍّ - رضي الله عنه - : «إذا صَلَّتِ المرأةُ، فلتحتَفِزْ» (18) (19) ، أي: لِتَتَضَامَّ وتَنْزَوِ (20) إذا سجدَتْ (21) .
وقوله (22) :«كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا»، أي: بيننا، ورواه الفارسي:«ظَهْرَيْنَا» (23) . وقال (24) الأصمعي: العربُ تقولُ: بين ظَهْرَيْكُمْ (25) وظَهْرَانَيْكُمْ؛ قال الخليل: أي: بينكم (26) .
وَهَؤُلاءِ النَّاسُ وَرَائِي، فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ !» - وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ - قَالَ: «اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ، فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ، فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ»، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيتُ عُمَرُ، فَقَالَ: مَا هَاتَانِ النَّعْلاَنِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟! قُلْتُ:هَاتَيْنِ نَعْلاَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، بَعَثَنِي بِهِمَا، مَنْ لَقِيتُ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ، بَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ .
وقوله (27) : «وَهَؤُلاءِ النَّاسُ وَرَائِي»، يعني به: النفر الذين (28) كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - (29) ، فقام عنهم، فأخذوا (30) في طلبه، وهم المعنيُّون للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ، فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ»؛ فإنَّه قيَّده بقوله: «مَنْ لَقِيتَ مِنْ (31) وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ» (32) ، ولا شكَّ في أنَّ أولئك هم (33) مِنْ =(1/205)=@ أهل &(1/125)&$
__________
(1) ... في (أ):« ينقطع ».
(2) ... انظر: «النهاية» (4/82)، و"مشارق الأنوار" (2/183)، و"اللسان" (8/279).
(3) ... البيت من الطويل، ولم أعثر على قائله، ولا على مَنْ ذكره غير الشارح.
(4) ... في (ح):« وليس هو ».
(5) ... قوله: «الذعر» في (ح):« ضد الذعر »، وهو خطأ .
(6) ... قوله: «قد قال» في (أ): «قال».
(7) ... الفزَعُ: يكونُ بمعنى الرَّوْعُ والذعر والخوف، وبمعنى الهبوبِ إلى الشيءِ والاهتمامِ به، وبمعنى الإغاثة . ولا مانعَ من تفسير الفَزَع في الحديث بهذه المعاني الثلاثة، خلافًا لِحَصْر الشارح ذلك في المعنى الثاني فقطْ، وهو الهبوب إلى الشيء، والإقبال على طلبه فهم قد ذُعِرُوا وارتاعوا لإبطاءِ الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، بدليلِ قوله: " وخَشِينَا أن يُقْتَطَعَ دوننا "، كما أنهم اهتمُّوا بالأمر ثم قاموا بطلبه. ... وقد تعقَّب الأُبِّيُّ كلامَ الشارح بقوله: «كونُهُ بمعنى الخوف لا يمنَعُ من عطفه، ويكونُ من عطف الشي على نفسه إرادة الاستمرار؛ نحو: ُ ص ظ ط ت ة ج ِ [القَمَر: 9] {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا}، أي: كذَّبوا تكذيبًا بعد تكذيب». اهـ. انظر:"الإكمال" (1/245 شواط)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/123)، و"شرح مسلم" للنووي (1/235)، و"النهاية" (3/443)، و"الفائق" (3/115)، و"غريب الحديث" للخطابي (1/682)، و"القاموس المحيط" (3/63)، و"لسان العرب" (8/251).
(8) ... في (ب) و(ح) و(ط): « ينطلق ».
(9) ... في (ح):« الإعانة ».
(10) ... في (غ): «وقوله فاحتفزت كما يحتَفز الثعلب».
(11) ... في (أ): «المشايخ».
(12) ... قوله: «في المواضع الثلاثة» تابع فيه الشارح القاضي عياضًا في "الإكمال" (ص 398) حيث قال: «في الثلاث كلمات»، وليس قولهما صحيحًا؛ لأنَّ كلمة «فاحتفرتُ كما يحتفر الثعلب» لم تتكرر في الحديث إلا في موضعين اثنين فقط.
(13) ... قوله: «قد روي» سقط من (أ) وفي (ح) و(غ): «روي».
(14) ... في (أ):« الزاي ».
(15) ... وقد رجَّح رواية الزاي أيضًا: القاضي عياض، وابن الصلاح، والنووي. انظر: "الإكمال" (1/24 شواط)، و"الصيانة" (ص 189)، و"شرح النووي" (1/236)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/122)، و"غريب أبي عبيد" (4/238)، و"النهاية" (1/407).
(16) ... في (أ): «يعني به».
(17) ... في "الديباج" للسيوطي (1/47)، قال: «فاحتفرْتُ» روي بالراء وبالزاي، والثاني أصعب، ومعناه: تضاممتُ وليسعني المدخل، ويدل عليه تشبيهُهُ بفعل الثعلب، وهو تضامُّهُ في المضايق».
(18) ... في (أ):« فلتحفز ».
(19) ... أخرجه أبو عبيد في "غريب الحديث" (4/238)، من طريق الحارث بن عبدالله الأعور، عن علي، موقوفًا . وهذا إسناد ضعيف؛ لحال الحارث؛ فإنَّ الجمهور على توهين أمره، وكذَّبه بعضهم.انظر:"الميزان" (1/435)، والخبر ذكره في "الإكمال" (1/244 شواط)، و"النهاية" (1/407)، وذكره في "التاج" (8/51)، قال: «احتفَزَ: تضامَّ في سجوده وجلوسه، ومنه: حديث علي $ح: «إذا صلَّى الرجُلُ فَلْيُخَوِّ، وإذا صلَّتِ المرأةُ فلتحتفزْ» أي : تتضامَّ إذا جلَستْ، وتجتمع إذا سجدَتْ، ولا تخوِّي كما يخوِّي الرجل».
(20) ... قوله: «لتتضامَّ وتنزو»: «لتصاغر وتنزو»، وفي (غ): «لتتضامَّ وتنزا».
(21) ... من قوله: «لتتضام...» إلى هنا في (ح): «لتضام وتنزوا ذي أم سجدت»؛ فأثبت ياء في آخر «تنزوي» مع أنه مضارع مجزوم، وأخَّر هذه الياء، ووضع علامة للتقديم والتأخير.
(22) ... في (أ): «قوله» بدون واو.
(23) ... انظر: "الإكمال" (1/245 شواط)، و«الصيانة» (ص 190).
(24) ... قوله: «وقال» ليس في (أ).
(25) ... في (ح):« ظهرينكم »، وفي (ع): «ظهرتكم».
(26) ... انظر: "العين" (4/38)، و"الصيانة" (ص 190)، و"النهاية" (3/166)، و"اللسان" (4/523)، و"التاج" (7/170)، وذكر فيه: أنه يقال: هو نازلٌ بين ظَهْرَيْهِمْ وظهْرَانَيْهِمْ، ولا تكسَرُ النون، وكذا: بين أظهرهم، أي: وسطهم وفي معظمهم.
(27) ... في (أ): «قوله».
(28) ... قوله: «النفر الذين» في (ط): «النفر الذي»، وفي (أ): «الذين».
(29) ... في (ح): «صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا».
(30) ... في (ح):« فأخذهم ».
(31) ... قوله:« من » سقط من (أ).
(32) ... من قوله:« يشهد أن ... » إلى هنا ليس في (ح)، وهو انتقال نظر من الناسخ.
(33) ... قوله: «هم» ليس في (أ).(1/125)
الجنة، وهذا (1) ظاهرُ اللفظ.
.............................................
ويَحْتمِلُ أن يقال: إنَّ (2) ذلك القيدَ مُلْغًى، والمراد: هم وكُلُّ مَنْ شاركهم في التَّلفُّظِ (3) بالشهادتَيْنِ واستيقانِ القلبِ بهما؛ وحينئذٍ (4) : يُرْجَعُ (5) إلى التأصيلِ والتفصيل الذي ذكرناه في البابِ قبلَ هذا (6) .
وفي دفع النبيِّ (7) - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرة نعلَيْه: دليلٌ على جوازِ عَضْدِ المُخْبِرِ الواحد (8) بالقرائن؛ تقويةً لخبره وإنْ كان لا يُتَّهَمُ (9) .
وفيه: اعتبارُ القرائنِ والعلامات، والعملُ على ما تقتضيه (10) من الأعمالِ والأحكام (11) .
و«اليَقِينُ»: هو (12) العلمُ الراسخُ في القلب، الثابتُ فيه، يقال .............................................
منه: يقِنْتُ الأمرَ، بالكسر، يَقَنًا (13) ، وأيقنْتُ واستيقَنْتُ وتيقَّنْتُ، كلُّه بمعنًى واحدٍ (14) ، وربَّما عبَّروا عن الظنِّ باليقين، وباليقين عن الظن (15) ؛ قال الشاعر:
تَحَسَّبَ هَوَّاسٌ وَأَيْقَنَ أَنَّنِي
بِهَا مُفْتَدٍ مِنْ وَاحِدٍ لاَ أُغَامِرُهْ (16)
... قَالَ: فَضَرَبَ عُمَرُ بِيَدِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ، فَخَرَرْتُ لاِسْتِي، فَقَالَ: ارْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَجْهَشْتُ بُكَاءً، وَرَكِبَنِي عُمَرُ، فَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «مَا لَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟!» قُلْتُ: لَقِيتُ عُمَرَ، فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي بَعَثْتَنِي بِهِ، فَضَرَبَ بَيْنَ ثَدْيَيَّ ضَرْبَةً خَرَرْتُ لاِسْتِي، قَالَ: ارْجِعْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :
يقولُ: تشمَّم (17) الأَسَدُ ناقتي يظُنُّ أنَّني أفتدي بها مِنْهُ وأتركُهَا له ولا أقاتلُهُ، قاله الجوهريُّ (18) .
.............................................
وقال غيره: اليقينُ: هو (19) السكونُ مع الوضوح؛ يقال: يَقِنَ الماءُ، أي (20) : سَكَنَ وظهَرَ ما تحته (21) (22) .
.............................................
وقوله (23) : «وَرَكِبَنِي (24) عُمَرُ»، أي: اتَّبَعَنِي في الحالِ مِنْ غير تربُّص (25) .
وضَرْبُ عُمَرَ =(1/206)=@ لأبي (26) هريرةَ حتى سقطَ َلم يكنْ ليؤذيَهُ ويوقعه (27) ، .............................................
لكنْ إنما كان ليوقفَهُ ويمنَعَهُ (28) من النهوضِ في البشرى (29) حتى يراجعَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - (30) .
ولم يكن (31) ذلك من عمر - رضي الله عنه - اعتراضًا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا ردًّا لأمره، وإنما كان ذلك (32) سعيًا في استكشافٍ عَنْ مصلحةٍ ظهرَتْ له، لم (33) يعارضْ بها حكمًا ولا شرعًا؛ إذْ ليس فيما أَمَرَهُ به (34) إلا تطييبُ قلوب أصحابه أو أمَّته (35) بتلك البشرى، فرأى عُمَرُ أنَّ السكوتَ عن تلك البشرى أصلَحَ لهم؛ لئلا يتَّكلوا على ذلك، فتقلَّ أعمالهم وأجورهم (36) .
«يَا عُمَرُ، مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ - بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي!- أَبَعَثْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِنَعْلَيْكَ: مَنْ لَقِيَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ، بَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَلا تَفْعَلْ؛ فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّكِلَ النَّاسُ عَلَيْهَا، فَخَلِّهِمْ يَعْمَلُونَ! قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «فَخَلِّهِمْ».
ولعلَّ عمر - رضي الله عنه - قد كان سَمِعَ ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سمعه معاذٌ على ما يأتي في حديثه1 (37) - فيكونَ ذلك &(1/126)&$
__________
(1) ... قوله: «وهذا» في (أ): «هذا».
(2) ... قوله: «إن» ليس في (أ).
(3) ... في (ط): «اللفظ».
(4) ... قوله:« حينئذ » سقط من (أ).
(5) ... في (غ): «يرتجع».
(6) ... في (أ):«والتفصيل في الباب قبله»، وانظر: (ص ).
(7) ... قوله: «وفي دفع النبي» في (أ): «وفي دفعه».
(8) ... قوله: «المخبر الواحد» في (أ): «خبر الواحد».
(9) انظر: "مجموع الفتاوى" (13/351-352)، (18/27، 40)، (20/257)، و"الفتح" (13/235).
(10) ... في (ح) و(ط): « يقتضيه ».
(11) ... انظر: «الطرق الحكميَّة» لابن القيم (ص 15)، و«تبصرة الحكام» لابن فرحون (1/202)، و«حاشية ابن عابدين» (5/354)، و«تفسير القرطبي» (9/150)، وانظر بسط المسألة في «وسائل الإثبات» للدكتور محمد الزحيلي (ص 500).
(12) ... قوله: «هو» ليس في (أ).
(13) ... في (أ) و(ط): « يقينًا ».
(14) ... تقول العرب: يَقنَ الأمرَ كَفَرَحَ، يَقْنًا ويَقَنًا، وأيقنَهُ وأيقَن به، واستيقَنَهُ واستقينَهُ واستيقين به، وتيقنَّه وتيقَّن به، أي: عَلمَهُ وتحققه، كلَّه بمعنى واحدٍ، وهو يَقِنٌ مثلَّثة القاف، ويَقَنَة، محرَّكة، عن كُرَاع، وهو الذي لا يسمع شيئًا إلا أيقنه، ولم يكذِّبْ به؛ كقولهم: رجلٌ أُذُنٌ، ويقال: رجلٌ ميقان، وامرأةٌ ميقانة، واليقين لغةً: هو إزاحة الشكِّ والعلمُ وتحقيقُ الأمر، ونقيضُهُ الشّكُّ. انظر في معنى «اليقين» لغة : "الصحاح" (6/2219)، و"معجم مقايس اللغة" (6/157)، و"المحكم" لابن سيدة (6/315)، و"اللسان" (13/457)، و"التاج" (18/ 596).
(15) ... قوله: «عن الظن» في (ع): «على الظن»، وعبارة المصنِّف من قوله: «وربَّما عبروا ....إلخ» نقلها الشارح عن «الصحاح» (6/2219) دون تغير، وهكذا ذكرها أيضًا صاحب "تاج العروس" (18/957)، وفي البعارة تكرار وإخلال بشطر المعنى، وتصح العبارة على أحد وجهين:
الأول: ما ذكره صاحب "مختار الصحاح" (ص 310) - مصوِّباً لعبارة "الصحاح" - قال "وربَّما عبَّروا عن الظن باليقين؛ وعن اليقين بالظن»؛ وعلى ذلك ينبغي تصويب العبارة في "الصحاح" و"التاج" وفي كتابنا "المفهم".
الثاني: ما جاء في "اللسان" (13/457)، قال: «وربَّما عبَّروا بالظن عن اليقين، وباليقين عن الظن».
(16) ... البيت من الطويل، وبعده:
فقلت لها فاها لفَيكَ فإنها
قلوصُ امرئ قاريكَ ما أنتَ حاذرُهْ
... والبيت لأبي سَدْرَةَ الأسدي، ويقال: الهُجَيْمي في "خزانة الأدب" (2/116، 118)، و"الكتاب" (1/315، 316)، و"شرح المفصَّل" (1/122)، و"اللسان" (1/317)، (13/457)، و"التاج" (1/423)، (18/597)، ولرجل من بني الهُجَيْم في "نوادر أبي زيد" (ص 190)، وبلا نسبة في "الصحاح" (6/2219)، و"ديوان الأدب" (2/437). ... قال أبو زيد في "نوارده" (ص 190): «معنى «تحسَّب»: اكتفى؛ من قولك: حَسْبُكَ؛ كقول الله جلّ وعز: ُ ] . ِ [النّبَإِ: 36] {عَطَاءً حِسَابًا} أي: كافيًا، وتقول العرب: ما أَحْسَبَكَ فهو لي مُحْسِبٌ، أي: ما كفاك فهو لي كافٍ، وقوله: «هوَّاس» يعني: الأسد، وإنما سمِّي هَوَّاسًا؛ لأنه يهوِّسُ الفريسة، أي: يَدُقُّهَا، وقوله: «بها مفترٍ» يعني: قلوصَه، يريد: أنَّه قدَّر أن أفدي نفسي منه بتسليم القلوص إليه، وقوله: «فاها لفيك» دعا عليه بالداهية، والداهية: ضربةٌ له بسيفه، وقوله: «قاريك ما أنت حاذره» القِرَى: لا يكون إلا الإطعام، ولكنه أراد أني أقيم لك مُقَامَ القَرَى ما تحذره من قتلي إياك». اهـ. ويروى: «وأقبل» مكان: «وأيقن».
(17) ... في (أ):« تشمَّر »، وفي (ط): «تسهم».
(18) ... "الصحاح" (6/2219)، ونقل الشارح عن "الصحاح" من أوَّل قوله: «واليقين: العلم الراسخ في القلب ...» إلى هنا، مع تصرُّف يسير جدًّا.
(19) ... قوله: «هو» ليس في (أ).
(20) ... في (ح):« إذا ».
(21) ... انظر: في المعنى الثاني لليقين واشتقاقه من «يقن الماء»: «التعريفات» (ص 332)، و"الكليات" (ص 979 - 980)، و"مجموع الفتاوى" (3/329)، (5/570-571). وقيل: اليقين لغةً: هو طمأنينة القلب على حقيقة الشيء، "الحدود الأنيقة" لزكريا الأنصاري (ص 68).
(22) ... ما ذكره الشارح هو معنى اليقين في اللغة، أمَّا معناه في الاصطلاح: ... فقد قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى" (3/329): «اليقين: طمأنينة القلب، واستقرارُ العلم فيه، وضدُّ اليقين: الرَّيْب، وهو نوع من الحركة والاضطراب، وينتظم من اليقين أمران: علم القلب؛ وعمل القلب؛ كما يحصل اليقين بثلاثة أشياء: الأول: تدبُّر القرآن، والثاني : تدبُّر الآيات التي يُحْدِثها اللهُ في الأنفس والآفاق التي تبيِّن أنه حقٌّ، والثالث: العمل بموجب العلم». اهـ. بتصرُّف. ... وقال صاحب "التعريفات" (ص 332): «اليقين في الاصطلاح: اعتقاد الشيء بأنه كذا، مع اعتقاد أنه لا يمكن إلا كذا، مطابقًا للواقع، غير ممكن الزوال، والقيد الأول: جنسٌ يشتمل على الظن أيضًا، الثاني: [فَصْلٌ] يخرج الظن، والثالث: يخرج الجهل، والرابع: يخرج اعتقاد المقَلِّد المصيب». ... وفي "الكتاب" لأبي البقاء (ص 980): «اليقين والإيقان: علمٌ عن الاستدلال بنفي الشك والشبهة؛ ولذلك لا يسمَّى الله مُوقنًا ولا علمه يقينًا؛ إذْ ليس عن الاستدلال». ... وعرَّفه ابن قدامة: في «روضة الناظر» (ص13) بقوله: «اليقين: ما أذعنت النفس للتصديق به، وقطعت به، وقطعتْ بأنَّ قطعها صحيح».
... وقال الجنيد - كما في «مدارج السالكين» (2/398)-: «اليقين هو استقرار العلم الذي لا يتقلب ولا يحول، ولا يتغيَّر في القلب». ... وقال ابن جزي في «القوانين الفقهية» ( ص 321) اليقين: هو صدق الإيمان حتى يطمئن به القلب، بحيث لا يتطرق إليه شك أو احتمال». وانظر: "مجموع الفتاوى" (5/570 - 571)، (16/337)، و"مدارج السالكين" (2/397-401)، وانظر تعريفات أخرى لليقين اصطلاحًا في: "التعريفات" (ص 332)، و"الكليات" (ص 979 - 980)، و"قانون التأويل" لابن العربي (ص 336)، و"تاج العروس" (18/596)، وانظر في الفرق بين العلم واليقين: "الفروق اللغوية" (ص 94-95)، و"الكليات" (980). ... ولليقين مراتب ثلاث: علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين، وكلُّها مذكورة في القرآن، وقد فسَّرها شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: «مراتب اليقين أن يقال: علم اليقين: ما علمه بالسماع والخبر والقياس والنظر، وعين اليقين: ما شاهده وعاينه بالبصر، وحق اليقين: ما باشره ووجده وذاقه وعرفه بالاختبار»؛ فعلم اليقين: كعلمنا بدخول الجنة، فإذا رأيناها: فهو عين اليقين، فإذا دخلناها وذقنا النعيم الذي فيها: فهو حقُّ اليقين. انظر: "مجموع الفتاوى" (10/645)، وانظر في الكلام على مراتب اليقين ودرجاته ومدارج السالكين» (2/401 - 406)، و"مفتاح دار السعادة" (ص 153-154)، و"غذاء الألباب" للسفاريني (1/31)، و"التوقيف، على مهمات التعاريف" للمناوي (ص 524).
(23) ... في (أ): «قوله».
(24) ... في (أ): «فركبني».
(25) ... انظر: "مشارق الأنوار" (2/293)، و"الصيانة" (ص 181)، و"المجموع المغيث" (1/795)، و"النهاية" (2/257).
(26) ... في (ح):« أبي »، وهو خطأ.
(27) ... في (غ): «ويوقفه».
(28) ... في (أ):« ويوقعه إنَّما أراد توقُّفَه ومنْعه ».
(29) ... في (ب): «البشر».
(30) ... فكان سقوط أبي هريرة من غير تعمُّدٍ من عمر $ذ لذلك، بل كان لشدة الدفع. "الإكمال المعلم" (1/248-ط شواط)، وانظر: "صيانة صحيح مسلم" (ص 191)، و"شرح النووي" (1/238).
(31) ... قوله: «ولم يكن ....» إلى هنا في (أ): «ولم يرد».
(32) ... قوله:« وإنما كان ذلك » مكانه في (أ):« بل ».
(33) ... في (غ): «ولم».
(34) ... في (أ): «أمر به».
(35) ... في (أ): «وأمته».
(36) ... ما ذكره الشارح هنا في الاعتذار عن عمر $ح: هو ما ذهب إليه القاضي عياض وغيره من العلماء رحمهم الله، كما في "شرح النووي" (1/238)، وانظر: "إكمال المعلم" (1/248 - ط شواط)، و"الإكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/123).
(37) ... قوله: « في حديثه » سقط من (أ)، وحديث معاذ: هو الحديث التالي في هذا الباب.(1/126)
تذكيرًا للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بما قد سمع منه، ويكونُ سكوت النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك (1) تعويلاً على ما قد كان قعد (2) لهم تبيانه (3) لذل،. ويكونُ عمر لِمَا خصَّه الله تعالى به من الفِطْنة وحضور الذهن تذكَّر ذلك . واستبلَدَ أبا هريرة؛ إذ (4) لم يتفطَّن لذلك ولا تذكره، فضربه تلك الضربةَ؛ تأديبًا وتذكيرًا، والله تعالى أعلم.
.............................................
وقوله: «فَخَرِرْتُ (5) لاِسْتِي»، أي: على استي (6) (7) ؛ كما قال تعالى (8) : ُ م ل ِ (9) ، أي: عليها (10) ، وكأنَّه .............................................
وَكَزَهُ (11) في صدره فوقَعَ على استه (12) ، وليس قولُ من قال:«خرَّ على وَجْهه» بشيء. =(1/207)=@
وقوله (13) : «أَجْهَشْتُ بُكَاءً»، أي: تهيَّأْتُ له (14) وأخذْتُ فيه؛ قال أبو عُبَيْد: الجَهْشُ: أن يفزعَ الإنسانُ إلى الإنسان مريدًا للبكاء (15) ؛ كالصبيِّ يَفْزَعُ لأمه، يقال: جَهَشْتُ، وأجهشْتُ: لغتان (16) ، وقال (17) أبو زيد: جَهَشْتُ للبكاء والحُزْنِ والشوقِ .............................................
جُهُوشًا (18) .
وفي هذا الحديث (19) : دليلٌ على جواز تخصيصِ العموم بالمصلحةِ المشهودِ لها بالاعتبار، وقد اختلَفَ فيه الأصوليُّون (20) .
وفيه: عَرْضُ المصالح على الإمام وإنْ لم يستَدْعِ ذلك.
وفيه: (21) وأبوابٌ لا تخفى (22) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (23) ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ- قَالَ: «يَا مُعَاذُ» قَالَ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ! قَالَ: «يَا مُعَاذُ» قَالَ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ ! قَالَ: «يَا مُعَاذُ» قَالَ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ! قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ - فِي البُخَارِيِّ: صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ - إِلاَّ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّار»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلاَ أُخْبِرُ بِهَا النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ: «إِذَنْ يَتَّكِلُوا»؛ فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا .
قوله (24) في حديث معاذ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلاَّ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّار»، هكذا وقع هذا الحديث (25) في "كتاب مسلم" عن جميع رواته فيما عَلِمْتُهُ، وقد زاد (26) البخاريُّ فيه: «صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ»، وهي زيادةٌ حسنةٌ تنُصُّ على صحَّةِ (27) ما تضمَّنَتْهُ الترجمة المتقدِّمة، وعلى فساد (28) مذهب المرجئة؛ .............................................
كما قدَّمناه (29) .
ومعنى صدق القلب: تصديقُهُ الجازمُ بحيث لا يخطُرُ له نقيضُ ما صدَّق به، وذلك إمَّا عن برهان، فيكونُ عِلْمًا، أو عن غيره، فيكونُ اعتقادًا جَزْمًا. &(1/127)&$
__________
(1) ... قوله:« عن ذلك » سقط من (ح)، وفي (ط): «من ذلك».
(2) ... في (ط): «تعمد».
(3) ... في (أ): «بتبيانه».
(4) ... في (أ):« إن ».
(5) ... في (أ) و(ب) و(غ) و(ط): «خررت».
(6) ... قوله:« استي » سقط من (أ)، وفي (ط): «استه»، والاست: اسم من أسماء الدبر، والمستحب في مثل هذا: الكناية عن قبيح الأسماء، واستعمال الألفاظ التي تحصِّل الغرض ولا يكون في صورتها ما يستحيا من التصريح بحقيقة لفظه؛ وبهذا الآداب جاء القرآن العزيز والسنن، وقد يستعملون صريح الاسم لمصلحة راجحة؛ كإزالة اللبس ونحوه. وأصل «الاست: سَتَةٌ؛ لأنه يجمع على «أستاه»، ويصغَّر على «سُتَيْهَةٌ»، ويقال في فعلة: سَتِهَ يَسْتَهُ سَتَهًا، والرجُلُ أسْتَهُ وسُتَاهِيُّ وسُتْهُمٌ: إذا كان عظيم الإست ضخمها، وكذلك المرأة ستهاء وسُتُهُم وستْهُمَة، وفي الحديث: «العينُ وكاءُ السَّهِ» بحذف العين، ويروى: «وكاءُ السَّتِ» بحذف اللام، ويقال لأراذل الناس: هؤلاء الأستاه، ويقال لأفاضلهم: هؤلاء الأعيان والوجوه. انظر: "شرح النووي" (1/237)، و"النهاية" (2/342، 429)، و"اللسان" (13/495-496)، "التاج" (19/41-44).
(7) ... نابتِ اللأم هنا مَنَابَ "على"، وحروفُ الجر لا ينوبُ بعضها عن بعض قياسًا؛ كما لا تنوبُ حروفُ الجزم والنصب بعضها عن بعض، وهذا مذهبُ البصريين، وجوَّز الكوفيُّون نيابة بعضها عن بعض قياسًا، واختاره بعض المتأخِّرين. انظر: مغني اللبيب (ص 861)، و"رصف المباني" للمالقي (ص 221)، و"النحو الوافي" (2/537)، و"معجم القواعد النحوية" للدقر (ص 171).
(8) ... في (أ): «كقوله تعالى».
(9) ... في (أ) و(ب) و(ح): ُ ِ ُ ِ [الإسرَاء: 107] {يَخِرُّونَ لِلأَْذْقَانِ} بدون واو العطف، وهي من سورة الإسراء
(10) ... قوله:« أي عليها » سقط من (أ)، ذكر ابن هشام وغيره من أئمَّة النحو واللغة: مجيء اللام الجارَّة موافقة في المعنى لـ«على» دالَّة على الاستعلاء، واستشهدوا بآية الإسراء التي ذكرها الشارح، وقوله تعالى: ُ - صلى الله عليه وسلم - { ِ [يُونس: 12] {دَعَانَا لِجَنْبِهِ}، وقوله: ُ ژ 1 ِ [الصَّافات: 103] {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}، وقول الشاعر: [من الطويل]:
ضَمَمْتُ إليه بالسِّنان قميصة
فخرَّ صريعًا لليَدَيْن وللقَممِ
... وذكر السمين الحلبي آية الإسراء (107)، وقال: قوله تعالى: ُ ُ ِ في هذه اللام ثلاثة أوجه: أحدها: بأنها بمعنى «على» أي: على الأذقان، كقولهم: خرَّ على وجهه». انظر: "مغني اللبيب" (ص 215-216)، و"أوضح المسالك" (3/32)، و"رصف المباني" للمالقي (ص 221-222)، و"الدر المصون" (7/428).
(11) ... في (أ): «كأنه وكزه»، وفي (غ): «وكأنه ذكره».
(12) ... في (أ):« فوقع لاسته ».
(13) ... الواو من «وقوله» من (ب) فقط.
(14) ... قوله: «له» سقط من (غ).
(15) ... في (غ): «للتكلم».
(16) ... انظر كلام أبي عُبَيْد في "غريب الحديث" له (1/307)، وفيه: «قال الأصمعي: الجَهْشُ: أن يفزع الإنسان إلى الإنسان، وقال غيره: وهو مع فزعه كأنَّه يريد البكاء... إلخ»، وعن أبي عُبَيْد نُقِلَ هذا المعنى للجَهْش، ومنهم من نسبه إليه، ومنهم من نسبه إلى غيره ومنهم من لم ينسبه. انظر: "الفائق" (1/249)، و"الصحاح" (3/999)، و"النهاية" (1/322)، و"إكمال المعلم" (1/399)، و"الصيانة" (ص 190)، و"الديباج" (1/47)، و"تهذيب اللغة" (6/31)، و"القاموس" (ص 58)، و"اللسان" (6/676).
(17) ... في (أ): «قال».
(18) ... أي: اهتجتُ وتهيَّأتُ، وفي "نوارد أبي زيد الأنصاري" (ص 234): «يقال: أجهَشَ الرجلُ إجهاشًا: إذا بكى، والمُجْهِش الباكي نفسه». ... وانظر: "تهذيب اللغة" (6/31-32)، و«الأفعال» للسرقسطي (2/248)، و"الفائق" (2/143)، و"اللسان" (6/276)، وفي "القاموس" (ص 588): «جَهَشَ إليه؛ كَسَمِعَ ومَنَعَ جَهْشًا، وجُهُوشًا، وجَهَشَانًا: فَزِعَ إليه وهو يريد البكاء؛ كالصبيِّ يفزع إلى أمه؛ كَأَجْهَشَ»، وانظر: "شرح النووي" (1/239)، و"الديباج" للسيوطي (1/47).
(19) ... في (أ): «وفي الحديث».
(20) ... في (أ): «واختلف الأصوليون فيه»، والمقصود بتخصيص العموم بالمصلحة المشهودِ لها بالاعتبار: تخصيصُهُ بالمصلحة التي لها شاهدٌ في الشرع؛ كأنْ تكون متأيَّدةً بقياسٍ صحيح؛ فَمِثْلُ هذه المصلحة: يجوز تخصيصُ عموم الكتاب والسنة بها عند الجمهور. انظر: تفصيل ذلك في «ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلاميَّة» للسيوطي ( ص 193، 197-201).
(21) ... قوله: «فيه» ليس في (أ).
(22) ... انظر: مزيدًا من فقه هذا الحديث في: "إكمال المعلم" (1/248-254، ط شواط)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/124)، و"شرح النووي على مسلم" (1/138).
(23) ... أخرجه البخاري (1/226رقم128) في العلم، باب مَنْ خَصَّ بالعلمِ قومًا دون قوم كراهيةَ ألاَّ يفهموا ...، ومسلم (1/61رقم 32 ) في الموضع السابق .
(24) ... في (ح) و(غ): «وقوله».
(25) ... قوله: «هكذا وقع هذا الحديث» في (أ): «هكذا وقع»، وفي (ط): «هكذا».
(26) ... في (أ): «وزاد».
(27) ... في (ط): «على زيادة صحَّة».
(28) ... في (غ): «إفساد».
(29) ... انظر: كلام الشارح في صدر هذا الباب (ص 283-284)، والمراد بالمرجئة غلاة المرجئة، وهم هنا: الكراميَّة الذين يقولون: يكفي مجرَّد قول اللسان، دون تصديق القلب وعمله، وعمل الجوارح.(1/127)
ويجوز: أن يحرِّم اللهُ تعالى مَنْ مات على الشهادتين على النار مطلقًا، ومَنْ دخلَ النارَ مِنْ أهل الشهادتين بكبائرِهِ، حرَّم (1) على النارِ جميعَهُ أو بعضَهُ؛ كما قال في الحديث الآخر (2) : «فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ على النارِ» (3) ، وقال: «حرَّم اللهُ على النار أنْ تَأْكُلَ أَثَرَ =(1/208)=@ السجود» (4) .
.............................................
ويجوز أن يكون (5) معناه: أنَّ الله يحرِّمه على نارِ الكفَّار التي تُنْضِجُ جلودَهُمْ، ثمَّ تُبَدَّل بعد ذلك؛ كما قال تعالى: ُ م ل ك ق ف غ ِ الآية (6) ، وقد (7) قال - صلى الله عليه وسلم - : «أمَّا أهلُ النار الذين هُمْ أهلُهَا، فإنَّهم لا يموتون فيها ولا يَحْيَوْنَ، ولكنْ ناسٌ أصابتهم النارُ بذنوبهم، فأماتَهُمْ اللهُ إماتةً، حتى إذا كانوا فَحَمًا (8) ، أُذِنَ (9) في الشفاعة» الحديثَ (10) ،وسيأتي إنْ شاء الله تعالى (11) .
.............................................
وقوله (12) : «فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا»، أي: تحرُّجًا من الإثم، وخوفًا منه؛ قاله (13) الهرويُّ وغيره (14) . و«تَفَعَّل» كثيرًا ما يأتي (15) لإلقاء الرَّجُل (16) الشيءَ عن نفسه، وإزالتِهِ عنه؛ يقال: تحنَّث، وتحرَّج، وتحوَّب: إذا ألقَى عن نفسه ذلك (17) ، ومنه: فلانٌ يَتهجَّدُ، &(1/128)&$
__________
(1) ... في (أ): «يحرم».
(2) ... في (أ): «كما في حديث آخر».
(3) ... أخرجه البخاري (13/420) في التوحيد، باب قول الله تعالى: ُ و ه ن ء پپ! ! م ل ك ء فپ! ! ِ [القِيَامَة: 22-23] {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ *}، ومسلم (1/169 رقم 183) في الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية. وانظر كلام الشارح على الحديث، في كتاب الإيمان، باب شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين.
(4) ... أخرجه البخاري (13/420) في التوحيد، باب قول الله تعالى: ُ و ه ن ء پپ! ! ِ [القِيَامَة: 22] {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *}، ومسلم (1/165 رقم 182) في الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية. وانظر كلام الشارح على الحديث، في كتاب الإيمان، باب ما جاء في رؤية الله تعالى في الدار الآخرة.
(5) ... قوله: «يكون» سقط من (أ).
(6) ... سورة النساء، الآية: 56 .
(7) ... من قوله: «كما قال ...» إلى هنا، سقط من (أ)، وفي (ب) و(غ) و(ط): «كما قال تعالى: ُ م ل ك ِ [النِّسَاء: 56] {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} الآية، وقد».
(8) ... «فَحَمًا» بفتح الحاء على الأفصح؛ قال القاضي عياض في «مشارق الأنوار» (2/147): «وقوله: «حتى إذا كانوار فَحَمًا» بفتح الحاء، قال ابن دريد [الجمهرة» (1/556): ولا يقال بسكوتها، هو الجمر إذا طفي ناره، قال القاضي: وقياس هذا الباب: جواز السكون» .اهـ. وما قاله ابن دريد ليس بسديد، والصواب جواز السكون كما قال القاضي، ففي «محكم ابن سيدة» (3/298): «الفَحْم والفَحَم: الجمر الطافئ ... واحدته: فَحْمة وفَحَمَة».
(9) ... في (ب) و(ح) و(ط): «أُذِنَ لهم»، وزيادة لهم ليست في مسلم، وهي مخرَّجة في «سنن ابن ماجه» (2/1441 رقم 4309)، و«الإيمان» لابن منده (2/812 رقم 833).
(10) ... أخرجه مسلم (1/172 رقم 185) في كتاب الإيمان، باب إثبات الشفاعة، وإخراج الموحِّدين من النار .
(11) ... قوله:«وسيأتي إن شاء الله تعالى» سقط من (أ)، وقوله: «إن شاء الله تعالى» سقط من (ح) و(غ)، وانظر كلام الشارح على الحديث في كتاب الإيمان، باب كيفية عذاب من يعذَّب من الموحِّدين، وكيفيَّة خروجهم من النار.
(12) ... في (أ): «قوله».
(13) ... في (ح):« قال ».
(14) ... انظر: "الغربيين" لأبي عبيد الهروي (1/19)، و"مشارق الأنوار" (1/60)، و"الصيانة" (ص 185)، و"ديوان الأب" (2/437)، و"النهاية" (1/24)، و"همع الهوامع" للسيوطي (6/26).
(15) ... في (ط): «كثيرًا تأتي».
(16) ... قوله:« الرجل » سقط من (ح).
(17) ... قوله:« ذلك » سقط من (أ)، وانظر: "النهاية" (1/449، 361)، و"شرح النووي" (1/240)، و"فتح الباري" (1/23).(1/128)
أي: يُلْقِي الهُجُودَ عن نفسه، ومنه: امرأةٌ قَذُورٌ: إذا كانتْ تَجَنَّبُ (1) الأقذارَ؛ حكاه الثعالبيُّ، رحمه الله (2) (3) . =(1/209)=@
بَابُ مَنْ يَذُوقُ طَعْمَ الإِْيمَانِ وَحَلاَوَتَهُ
عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (4) ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ؟ يَقُولُ: «ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ: مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً».
وَمِنْ بَابِ مَنْ يَذُوقُ طَعْمَ الإِْيمَانِ وَحَلاَوَتَهُ
قوله (5) : «ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ»، أي: وَجَدَ حَلاَوَتَهُ، كما قال في حديث أنس - رضي الله عنه - (6) : «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ، وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ .............................................
الإِْيمَانِ»، وهي (7) عبارةٌ عمَّا يجده المؤمنُ المحقِّقُ في إيمانه، المطمئنُّ القلبِ به؛ من انشراحِ صدره، وتنوُّرِهِ (8) بمعرفةِ الله تعالى، ومعرفةِ رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ومعرفةِ مِنَّةِ الله (9) تعالى عليه: في أنْ أنعَمَ عليه بالإسلامْ، ونظَمَهُ في سلك أمَّةِ محمَّدٍ خيرِ الأنامْ (10) وحبَّب إليه الإيمانَ والمؤمنينْ، وبَغَّض إليه الكُفْرَ (11) والكافرينْ، وأنْجَاهُ من قبيح أفعالهمْ، ورَكَاكةِ أحوالهمْ (12) .
وعند مطالعةِ هذه الْمِنَن، والوقوفِ على تفاصيل تلك النِّعَم، يطيرُ القلبُ (13) فرحًا وسرورَا، ويمتلئُ (14) إشراقًا ونورَا، فيا لها مِنْ حلاوةٍ ما ألذَّها، وحالةٍ ما أشرفَها!! فنسأله تعالى أنْ يَمُنَّ بدوامها وكمالِهَا، .............................................
كما مَنَّ بابتدائها وحُصُولِهَا؛ فإنَّ المؤمن عند تذكُّرِ (15) تلك النِّعَمِ والمِنَن لا يخلو عن إدراك &(1/129)&$
__________
(1) ... في (أ) و(ط): «تجنَّبُ».
(2) ... قوله: «رحمه الله» ليس في (أ) و(ط) و(غ) و(ح)، وانظر كلام الثعالبي في "فقه اللغة، وسر العربية" له (ص 149)، وانظر: معنى التجنُّب والترك والإزالة في صيغة «تفعَّل» في "شرح الشافية" للأستراباذي (1/105)، و"المفصَّل" للزمخشري (ص 371)، و"المبدع في التصريف" لابي حيان (ص110)، و"المغني في تصريف الأفعال" لعقيمة (ص 141)، و"دروس التصريف" للشيخ محمد محيي الدين عبدالحميد (ص78).
(3) ... ذكر الحافظ في "الفتح" (1/227): أن قوله في الحديث: «عند موته» أي موت: معاذ، وأغرب الكرمانيُّ فقال: يحتمل أن يرجع الضمير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال الحافظ: ويردُّهُ ما رواه أحمد بسند صحيح، عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: أخبرني مَنْ شهد معاذًا حين حضرته الوفاة يقولُ: سمعتُ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا لم يمنعني أن أحدِّثكموه إلا مخافة أن تتكلوا ... فذكره. ... وقوله: «تأثمًا» أي: خشيةَ الوقوع في الإثم، والمرادُ بالإثم الحاصل مِنْ كتمان ننالعلم، ودلَّ صنيع معاذ على أنه عرَفَ أن النهي عن التبشير كان على التتريه لا على التحريم، وإلا لَمَا كان يُخْبِرُ به أصلاً، أو عرَفَ أن النهي مقيَّدٌ بالاتكال، فأخبَرَ به مَنْ لا يخشى عليه ذلك، وإذا زال القيد زال المقيَّد، والأول أوجه؛ لكونه أخَّر ذلك إلى وقت موته، وقال القاضي عياض: لعلَّ معاذًا لم يفهم النهي لكنْ كَسْرَ عزمِهِ عما عرَضَ له مِنْ تبشيرهم قلت والرواية الآتية صريحة في النهي فالأولى ما تقدم وفي الحديث جواز الارداف وبيان تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنزلة معاذ بن جبل من العلم لأنه خصه بما ذكر وفيه جواز استفسار الطالب عما يتردد فيه واستئذانه في إشاعة ما يعلم به وحده.
(4) ... أخرجه مسلم (1/62 رقم 34) في الإيمان، باب الدليل على أنَّ من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، و بمحمد؟ رسولاً، فهو مؤمنٌ وإنِ ارتكَبَ المعاصي الكبائر .
(5) ... قوله: «قوله» سقط من (غ).
(6) ... وهو الحديث التالي في هذا الباب.
(7) ... أي حلاوة الإيمان.
(8) ... في (ب) و(ح) و(غ) و(ط): « وتنويره ».
(9) ... قوله: «منَّة الله» في (أ): «منَّة».
(10) ... في (ب) زيادة: «صلى الله عليه وسلم».
(11) ... في (ح):« الكفرة ».
(12) ... قال النووي ر_ح في "شرح مسلم" (2/13): «قال العلماء: حلاوة الإيمان: استلذاذ الطاعات، وتحمُّلُ المشقَّات، في رضا الله عز وجلّ ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وايثارُ ذلك على عَرَض الدنيا، ومحبَّةُ العبد ربَّه سبحانه وتعالى بفعل طاعته، وتَرَكِ مخالفه، وكذلك محبَّةُ رسوله - صلى الله عليه وسلم - ». اهـ. وانظر: "الإكمال" (1/263 شواط)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/129)، و"الديباج" (1/59)، و"الفتح" (1/60).
(13) ... في (أ):« يطهر القلب "، وفي (ح):« تطير القلوب ».
(14) ... في (ب) و(ح) و(ط): « تمتلئ ».
(15) ... في (ط): «عند إدراك».(1/129)
تلك الحلاوة؛ غير أنَّ المؤمنين (1) في تمكُّنها ودوامها متفاوتون، وما منهم إلا وله فيها (2) شِرْبٌ مَعْلُوم، وذلك بِحَسَبِ ما قُسِمَ له من المجاهدة (3) الرياضيّة، والمِنَحِ الربَّانيَّة، وللكلام في تفاصيلِ (4) ما أجملناه مَقَامٌ آخرُ (5) .
وقوله (6) : «مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا ...» الحديثَ؛ الرضا بهذه الأمورِ الثلاثة (7) على قسمَيْن: رِضًا عامٌّ: وهو ألا يَتَّخِذَ غيرَ الله ربًّا، ولا غيرَ دين الإسلام دينًا، ولا غيرَ محمَّد - صلى الله عليه وسلم - رسولاً؛ وهذا الرضا لا يخلو عنه مسلم؛ إذ (8) لا يَصِحُّ التديُّنُ بدين الإسلام إلا بذلك الرضا. =(1/210)=@
.............................................
والرضا الخاصُّ: هو (9) الذي تكلَّم فيه أربابُ القلوب، وهو (10) ينقسم على قسمَيْن: رضًا بهذه الأمور، ورضًا عن مُجْرِيها تعالى؛ كما قال أبو عبد الله بنُ خَفِيف: الرضا قسمان (11) : رضًا به، ورضًا عنه؛ فالرضا به مدبِّرًا، والرضا عنه فيما قضى (12) ،، وقال أيضًا: هو سكونُ القلب، إلى أحكامِ الرَّبّ، وموافقتُهُ على ما رَضِيَ واختار (13) ،، وقال الجُنَيْد: الرضا رفعُ الاختيار (14) ،، وقال (15) المُحَاسِبِيُّ: هو سكونُ .............................................
القلب تحتَ مجاري الأحكام (16) ، وقال أبو عليٍّ الرُّوذْبَارِيُّ (17) : ليس الرضا ألاَّ يُحِسَّ (18) بالبلاء، إنما الرضا ألاَّ يَعْتَرِضَ (19) على الحكم (20) .
قال الشيخ _ح: وما ذكره هؤلاءِ المشايخُ هو مبدأُ الرضا عندهم (21) ، وقد ينتهي الرضا إلى ما قاله النُّورِيُّ (22) : .............................................
هو (23) سرورُ القلبِ بِمُرِّ القضاء (24) ، وَسُئِلَتْ رابعةُُ (25) عن الرضا؟ فقالتْ: إذا سرَّتْهُ المصيبةُ كما سرَّتْهُ النعمةُ (26) .
وقد غلا بعضهم: وهو أبو سُلَيْمَانَ الداراني (27) ، فقال: أرجو أنْ أكونَ عَرَفْتُ (28) طَرَفًا من الرضا (29) ، لو أنَّه أدخلني النارَ، لَكُنْتُ به راضيًا (30) .
.............................................
وقال (31) رُوَيْم: الرضا: هو أنْ لو جعَلَ (32) جهنَّمَ عن يمينه، ما سَأَلَ أن تُحَوَّلَ (33) عن شماله (34) .
قال الشيخ _ح (35) : وهذا غلوٌّ، وفيه إشكالٌ، والكلامُ فيه يُخْرِجُ عن مقصودِ كتابنا (36) (37) .
.............................................
وعلى الجملة: فالرضا بابُ اللهِ الأعظمُ، وفيه جماعُ (38) &(1/130)&$
__________
(1) ... في (غ): «المؤمن».
(2) ... قوله: «فيها» ليس في (ط)، وبدله في (ب) و(ح): «منها».
(3) ... في (ح):« هذه المجاهدة ».
(4) ... في (أ): «تفصيل».
(5) ... انظر على نسق هذا الكلام كلامًا نورانيًّا رائقًا للإمام ابن القيِّم في "طريق الهجرتَيْن"(ص 205)، وانظر: "الإكمال" (1/263 شواط)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال"" (1/129)، و"شرح النووي" (2/2)، و"الديباج" (1/59).
(6) ... في (أ): «قوله».
(7) ... في (أ) و(ح):« الثلاث ».
(8) ... في (ط): «أو» بدل: «إذ».
(9) ... قوله: «هو» ليس في (أ).
(10) ... قوله: «وهو» ليس في (أ).
(11) ... في (ط): «قال الرضا على قسمين».
(12) ... انظر: "الرسالة القشيرية" (2/424)، وقد ذُكِرَ نحوٌ من هذا عن ابن شَمْعُون؛ وقد سئل ع الرضا؟ فقال: الرضا بالحق، والرضا عنه، والرضا له، قال: ترضى به مدبرًا ومختارًا، وترى عنه قاسمًا ومعطيًا ومانعًا، وترضاه إلهًا ومعبودًا وربًّا. انظر: "شعب الإيمان" للبيهقي (1/228)، و"مدارج السالكين" (2/225).
(13) ... انظر: "الرسالة القشيريَّة" (2/424)، وقد ذكر نحوًا من ذلك ابن القيم في "المدارج" (2/175) عن ابن عطاء الله، قال: «وقال ابن عطاء: الرضا: سكون القلب إلى قديم اختيار الله للعبد أنه اختار له الأفضل فيرضى به، قلتُ: وهذا رضًا بما منه، وأما الرضا به: فأعلى من هذا وأفضل، وفرق بين من هو راضٍ بمحبوبه، وبين من هو راضٍ بما يناله من محبوبه من خظوظ نفسه، والله أعلم». اهـ. وانظر: "جامع العلوم والحكم" (ص 442).
(14) ... انظره منسوبًا للجنيد في "الرسالة القشيرية" (2/426)، و"التعرُّف لمذهب التصوف" للكلاباذي (102)، ولذي النون المصري في "المدارج" (2/177)، ولبعض العارفين في "المدارج" (2/225)، وبلا نسبة في "المدارج" (2/177)، وقد روى البيهقي بسنده في «شعب الإيمان" (1/228)، عن ابن الفرجي، قال: «معنى الرضا فيه ثلاثة أقوال: ترك الاختيار، وسرور القلب بمُرِّ القضاء، وإسقاط التدبير من النفس حتى يحكم لها أو عليها».
(15) ... قوله:« وقال » سقط من (أ).
(16) ... نُسِبَ للحارث المحاسبي في "الرسالة القشيريَّة" (2/426)، و"التعرُّف" (ص 102)، وورد بلانسبة في "الفوائد" لابن القيِّم (ص 99)، و"المدارج" (2/177).
(17) ... في (غ): «الروباذاري».
(18) ... في (غ): «تحس».
(19) ... في (غ): «تعترض»، وفي (أ): «يتعرض».
(20) ... انظر: "الرسالة القشريَّة" (2/422)، وقد ذكره ابن القيم في "المدارج" (2/225) من كلامٍ لذي النون، على أن ذلك من علامات التفويض لله تعالى، قال: «وثلاثة من أعلام التفويض: تعطيلُ إرادتك لمراده، والنظر إلى ما يقع من تدبيره لك، وترك الاعتراض على الحكم»، وأوردها في "المدارج" (2/175) وعلَّق عليها، قال: «وليس من شرط «الرضا»: ألا يُحِسَّ بالألم والمكاره، بل ألا يعترض على الحكم، ولا يتسخَّطه؛ ولهذا أشْكَلَ علَى بعض الناس: الرضا بالمكروه، وطعنوا فيه، وقالوا: هذا ممتنع على الطبيعة، وإنما هو الصبر؛ وإلا فكيف يجتمع الرضا والكراهة، وهما ضدان؟! والصواب: أنه لا تناقض بينهما، وأنَّ وجود التألُّم كراهة النفس له لا ينافي الرضا؛ كرضا المريض بشرب الدواء الكريه، ورضا الصائم في اليوم الشديد الحَرِّ بما يناله من ألم الجوع والظمأ، ورضا المجاهد بما يحصل له في سبيل الله من ألم الجراح وغيرها». اهـ.
(21) ... قوله:« عندهم » سقط من (ب).
(22) ... في (أ):« الثوري »، وهو تصحيف. والنُّوريُّ: هو أحمد بن محمد الخراساني البغوي، أبو الحسن النوريُّ الزاهد، شيخ الطائفة بالعراق، وأحذقهم - كما قال الذهبي - بلطائف المعارف، له عبارات دقيقة يتعلَّق بها من انحرف من الصوفية صحب السريَّ السقطي وغيره، وكان الجنيد يعظِّمه، لكنَّه في الآخر رَقَّ له وعذَّره لمَّا فسد دماغه. توفّي النوري قبل الجنيد سنة 295هـ). انظر: "طبقات الصوفية" ( 164)، و"الحلية" (10/249)، و"تاريخ بغداد" (5/130)، و"السير" (14/70).
(23) ... في (غ): «وهو».
(24) ... "الرسالة القشرية" (2/426)، وانظره منسوبًا لذي النور في "التعرف" ( 102)، ولبعض العارفين في "مدارج السالكين" (2/225)، ولبعض العباد في «صفة الصفوة» (4/366) ولـ"المزين" في "كتاب الزهد الكبير" للبيهقي (2/342)، ونسبه الجرجاني في "التعريفات" (ص 366) للصوفية عمومًا، وورد بلانسبة في "شعب الإيمان" (1/228).
(25) ... في (ب) زيادة: «رضي الله عنه وعنهم».
(26) ... نقل ذلك عن رابعة العددية - رحمها الله - القشيري في "الرسالة القشيرية" (2/424)، والغزالي في "إحياء علوم الدين" (4/346-347)، وابن القيم في "مدارج السالكين" (2/221)، قد أجابت بذلك عندما سألها جعفر بن سليمان الضُّبَعي، في حضرة سفيان الثوري: «متى يكون العبد راضيًا عن الله؟».
(27) ... في (ب): زيادة: «رضي الله عنه وعنهم».
(28) ... في (ط): «قد عرفت».
(29) ... في (ح): «في الرضا».
(30) ... نُسِبَتْ هذه المكالمة لأبي سليمان الداراني في "الرسالة القشيريَّة" (2/426)، و"حلية الأولياء" (9/263)، و"صفة الصفوة" (4/226)، و"الزهد والورع والعبادة" لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 122)، و"الاستقامة" (2/86)، "مجموع الفتاوى" (10/689)، و"مدارج السالكين" (2/124)، ولم يرتضها أهل التحقيق من العلماء، ويْأتي الجواب عنها.
(31) ... في (أ): «قال».
(32) ... قوله: «رويمٌ: الرضا هو أنْ لو جعل» في (أ) و(ط): «رويم: لو جعل»، وفي (ح): «رويم: الرضا هو لو جعل»، وفي (ب): «رويم $ح: الرضا هو أن جعل».
(33) ... في (أ): «ما سأله أن تَحَوَّل»، وفي (ط): «ما سأل أن تتحول».
(34) ... انظر: قول رُوَيْم المُقْرئ في «الرسالة القشريَّة» (2/424)، وفيها: «الرضا» لو جعل اللهُ جهنَّم عن يمينه، ما سأل أن يجوِّلها عن يساره»، وانظر: «الزهد والورع والعبادة» (ص 124)، و«الاستقامة» (2/90)، و"مجموع الفتاوى" (10/691)، و"الفتاوى الكبرى" (1/244)، والكلمة رويم ككلمة أبي سليمان فيها غلو ظاهر، ورَدَّها محقِّقو العلماء؛ كما يأتي.
(35) ... قوله: «الشيخ _ح» سقط من (أ).
(36) ... قوله: «عند مقصود كتابنا» في (ح) و(ط): «عن مقصودنا».
(37) ... لم يرتض الشارح _ح ما قاله الداراني ولا ما قاله رويم في تعريف «الرضا»، وجعله من الغلو المتضمِّن للإشكال، ولم يُرِدْ تفصيل الجواب، وقد علَّق شيخ الإسلام ابن تيميَّة في كتابه «الاستقامة» وغيره، على كلام الداراني ورُوَيْمْ - وغيرهما ممَّن غلا في حد «الرضا»، ونقله أبو القاسم القشيري عنهم في رسالته - قال شيخ الإسلام: «نقل القشير في «باب الرضا»، عن الشيخ أبي سليمان الداراني _ح أنه قال: [الرسالة القشيرية» (2/425)]: ألاَّ تسْأَلَ اللهَ الجَنَّةَ، ولا تستعين به من النار»، وقد تنازع الناس في هذا الكلام؛ فمنهم: من أنكره، ومنهم من قبله، والكلام على هذا الكلام من وجهين:
أحدهما: من جهة ثبوته عن الشيخ أبي سليمان. والثاني: من جهة صحَّته في نفسه وفساده َلى أن قال: «ثم أسند [أي: القشيري في «رسالته»]، عن الشيخ أبي سليمان، أنه قال: «أرجو أن أكون عرفتُ طرفًا من الرضا، لو أنَّه أدخلني النار لكنتُ بذلك راضيًا»؛ فتبيَّن بذلك: أنَّ ما قاله أبو سليمان ليس هو رضا، وإنما عزم على الرضا، وإنما الرضا ما يكونُ بعد القضاء، وإذا كان هذا عزمًا على الرضا، فالعزمُ قد يدوم وقد ينفسخ، وما أكثَرَ انفساخَ عزائم الناس خصوصًا الصوفية.
... وقد قال تعالى لمن هو أفضل من هؤلاء المشايخ: ُ ( ' × % $ £ " ! . _ ء ] ء ف»ـ! ! ِ [آل عِمرَان: 143] {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ *}، وقال تعالى: ُ ئ } - صلى الله عليه وسلم - { « » ف ء پ! ! پ ـ لله ْ ّ ِ ُ ء ف! ! َ ٍ ٌ ً ي ى و ه ن م ل ء »! ! ِ [الصَّف: 2-4] {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ *كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ *إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ *}، وفي الترمذي أنَّ بعض الصحابة قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : «لو علمنا أيُّ العمل أحبُّ إلى الله، لعملناه. فأنزل الله هذه الآية، وقد قال تعالى: ُ . _ غ ع گ [ ض ص ظ ط ز ر ش س خ ح ذ د ت ة ج ث ئ إ ب ا آ ء ؤ أ عع = ژ ؟ : 9 چ ِ [النِّسَاء: 77] {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلاَ أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} الآية فهؤلاء الذين كانوا عزموا على الجهاد وأحبُّوه: لمَّا ابتُلُوا به، كَرِهوه وفَرُّوا منه، وأين أَلَمُ الجهادِ مِنْ ألم النار وعذابِ الله الذي لا طاقَةَ لأحدٍ به؟!.
... ومثلُ هذا يُذْكَر عن سمنون المُحِبِّ أنه كان يقول [من مخلَّع البسيط]:
وليس لي في سِوَاكَ حَظٌّ
فكيفما شِئْتَ فاختبرني!!
... فأخذ الأَسْرُ مِنْ ساعته، أي: حُصِرَ بوله، فكان يدورُ على المكاتب ويفرِّقُ الجَوْزَ على الصبيان، ويقول: «ادعوا لعمِّكم الكذَّابِ»، قال أبو نُعَيْم: «فهذا الرضا الذي ادعَى سمنون ظهر غلطُهُ في بأدنى بلوى»؛ هذا مع أنَّ سمنون كان يُضْرَبُ به المثل في المحبَّة، وله مقام مشهور.
... وقد ذكر القُشَيْرِيُّ في باب «الرضا» عن رُوَيْمٍ المُقْرِئ - رفيقِ سمنون - حكايةً تناسب هذا؛ حيث قال: «قالل رُوَيْم: الرضا: أن لو جعَلَ جهنَّمَ عن يمينه، ما سأل الله أن يحوِّلها عن يساره». فهذا يشبه قولَ سمنون: فكيفما شِئْتَ فامتحنِّي»، وإذا لم يطق الصبرَ على عسر البول، أفيطيقُ أن تكون جهنَّم عن يمنيه؟! والفُضَيْل بن عياض كان أعلى طبقةً من هؤلاء، وابتُليَ بعُسْرِ البول، فغلبه الألم، حتى قال: «بحبِّي لك إلاَّ فَرَّجْتَ عني»، فانفرج عنه، ورُوَيْم - وإنْ كان مِنْ رفقاء الجنيد - فليس هو عندهم من هذه الطبقة، بل الصوفيةُ يقولون: إنَّه رجَعَ إلى الدنيا وترَكَ التصوُّف، هذا مع أنه _ح كان له مِنَ العباداتت ما هو معروفٌ، وكان فقيهًا على مذهب داود.
... وهذه الكلماتُ التي تصدُرُ عن صاحب حالٍ لم يفكِّرْ في لوازم أقواله وعواقبها، لا تُجْعَلُ طريقَةً، ولا تتخذُ سبيلاً، ولكنْ قد يُستدلُّ بها على ما لصاحبها من الرضا والمحبَّةِ ونحوِ ذلك، وما معه من التقصير في معرفة حقوقِ الطريق، وما يَقْدِرُ عليه من التقوى والصبر، وما لا يقدُر عليه من التقوى والصبر.
... والرسلُ - صلوات الله عليهم - أعلَمُ بطريق سبيل الله، وأهدَى، وأنصح، فمَنْ خرَجَ عن سنتهم وسبيلهم، كان منقوصًا مخطئًا محرومًا، وإن لم يكن عاصيًا أو فاسقًا أو كافرًا.
... ويشبه - والله أعلم - أنَّ أبا سليمان لما قال هذه الكلمة: «لو ألقاني في النار، لكنتُ بذلك راضيًا» أن يكونن بعضُ الناس حكاه بما فهمه من المعنى أنه قال: «الرضا ألاَّ تسال اللهَ الجنَّةَ، ولا تستعيذَه، من النار».
... وتلك الكلمةُ التي قالها أبو سليمان - مع أنها لا تَدُلُّ على رضاه بذلك - ولكنْ تدلُّ على عزمه بالرضا بذلك، ونحنُ نعلم أنَّ ذلك العزمَ لا يستمرُّ بل ينفسخ، وأنَّ مثل هذه الكلمة كان تركُهَا أحسَنَ من قولها، وأنها مستدركةٌ كما استدرَكَهُ دعوى سمنون ورويم وغير ذلك؛ فإنَّ بين هذه الكلمة وبين تلك فرقًا عظيمًا؛ فإنَّ تلك الكلمة مضمونُهَا: أنَّ مَنْ سأل الله الجنةَ، واستعاذه من النار، لا يكون راضيًا، وفرقٌ بين من يقول: «أنا إذا فُعِلَ بي كذا، كنتُ راضيًا»، وبين من يقول: «لا يكونُ راضيًا إلا مَنْ لا يطلب خيرًا، ومن لا يهرُبُ من شر».
... وبهذا وغيره يُعْلَمُ أن الشيخ أبا سليمان كان أجلَّ من أن يقولَ مثل هذا الكلام؛ فإنَّ الشيخ أبا سليمان مِنْ أجلاء المشايخ وساداتهم، ومِنْ أتْبعهم للشريعة، حتَّى إنه كان يقول: «إنه لَيَمُرُّ بقلبي النكتةُ مِنْ نُكَتِ القوم، فلا أقبلها إلا بشاهدَيْن: الكتابِ، والسنة»؛ فمن لا يقبَلُ نُكَتَ قلبه إلا بشاهَدَيْن يقول مثل هذا الكلام؟! وقال الشيخُ أبو سليمان أيضًا: «ليس لَمَنْ أُلْهِمَ شيئًا من الخير أنْ يفعله حتى يسمَعَ فيه بأثرٍ، فإذا سمع فيه بأثر، كان نورًا على نور»، بل صاحبُهُ أحمد بن أبي الحواري كان من أَتْبَعِ المشايخِ للسُّنَّة، فكيف أبو سليمان؟!». اهـ. كلام شيخ الإسلام باختصار وتصرُّف من "الاستقامة" (2/65 - 95)، وانظر: "مجموع الفتاوى" (10/689).
(38) ... في (ط): «جملة».(1/130)
الخيرِ كلِّه؛ كما قال عمر لأبي موسى $ذ فيما كتب إليه: أما بعدُ، فإنَّ الخَيْرَ كلَّه في الرضا؛ فإنِ استطَعَتَ أنْ ترضَى، وإلاَّ، فاصبر (1) .
وعَنْ أَنَسٍ (2) ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ، وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» .
وقوله: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ، وَجَدَ بِهِنَّ (3) حَلاَوَةَ الإِيمَانِ»، إنما خصَّ هذه =(1/211)=@ الثلاثَ بهذا المعنى (4) ؛ لأنَّها لا توجدُ إلا ممَّن تنوَّرَ (5) قلبُه بأنوار الإيمان واليقين، فانكشَفَتْ (6) له محاسنُ تلك الأمور التي أوجَبَتْ له تلك المَحَبَّةَ التي هي حالُ العارفين.
وقوله: «مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا»، دليلٌ على جواز إضافةِ المحبَّةِ لله تعالى، وإطلاقِهَا عليه، ولا خلافَ في إطلاقِ ذلك عليه مُحِبًّا ومحبوبًا؛ كما (7) قال تعالى: ُ ي ى و ه ن م ِ (8) ، وهو في السُّنَّة كثير.
.............................................
ولا يختلف النُّظَّار من أهل السُّنَّة (9) وغيرِهِمْ: أنَّها مُؤَوَّلةٌ في حق الله تعالى؛ لأنَّ المحبة المتعارَفَةَ في حقِّنا: إنَّما (10) هي مَيْلٌ لما فيه غَرَضٌ (11) ؛ يَسْتَكْمِلُ (12) به الإنسانُ ما نقصَهُ، وسكونٌ (13) لما تَلْتَذُّ (14) به النفس، وتكمُلُ بحصوله، والله تعالى منزَّهٌ عن ذلك.
وقد اختلف (15) أئمَّتنا $ج في تأويلها في حَقِّ الله سبحانه وتعالى (16) :
فمنهم: مَنْ صرفها إلى إرادتِهِ تعالى إنعامًا مخصوصًا على مَنْ (17) .............................................
أخبَرَ أنَّه يحبُّه من عباده (18) ؛ وعلى هذا: فَتَرْجِعُ إلى صفة ذاته.
ومنهم: مَنْ صرفها إلى نفس الإنعام والإكرام؛ وعلى هذا: فتكون (19) من صفات الفعل (20) .
.............................................
وعلى هذا المنهاج: يتمشَّى القولُ في الرحمة والنَّعْمَة والرضا، والغضبِ والسَّخَط وما كان في معناها، ولِبَسْطِ ذلك موضعٌ آخر (21) .
.............................................
فأما (22) محبَّةِ العبد لله تعالى:
فقد تأوَّلها بعضُ المتكلِّمين (23) ؛ لأنَّهم فسَّروا المحبَّة بالإرادةُ، والإرادة إنما تتعلَّق بالحادث (24) لا بالقديم، ومنهم (25) مَنْ قال: لأنَّ محبتَنا إنَّما تتعلَّق بمستَلَذٍّ (26) محسوسٍ، واللهُ تعالى منزَّهٌ عن ذلك.
وهؤلاءِ تأوَّلوا محبةَ العبدِ لله &(1/131)&$
__________
(1) ... قال شيخ الإسلام في «الاستقامة» (2/74): «الرضا بالمصائب كالفقر والمرض والذُّلِّ: هذا الرضا مستحبٌ في أحد قولَيِ العلماء، وليس بواجب، وقد قيل: إنَّه واجب، والصحيحُ: أنَّ الواجب هو الصبر؛ كما قال الحسن البصريُّ رحمه الله: الرضا عزيز، ولكن الصبر معوَّلُ المؤمن، وقد رُوِي في حديث ابن عباس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «إن استطعتَ أنْ تعمل لله بالرضا مع اليقين فافعلْ، فإنْ لم تستَطيعْ فإنَّ في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا» اهـ. ... وأمَّا أثر عمر - رضي الله عنه - الذي ذكره الشارح هنا، فلم أجده مسندًا، فليس في «مسند الفاروق» لابن كثير على استقصائِهِ وجمعه، ولم أجده في مظانِّه من كتب الزهد والمصنَّفات، لكنْ ذكر هذا الأثر عن عمر $ح، بدون سند: القشيري في "الرسالة" (2/426)، وشيخ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى" (10/688)، و"الفتاوى الكبرى" (1/242)، و"الزهد والورع والعبادة" (1/121) وابن القيم في "مدارج السالكين" (2/177)، وقد قال شيخ الإسلام عن أثر عمر - رضي الله عنه - : «فهذا الكلام كلامٌ حسن، وإنْ لم يعلم إسناده» "الاستقامة" (2/84). ... وانظر: في الكلام علي «الرضا»: " إحياء علوم الدين" (4/343)، و"مجموع الفتاوى" (10/40، 46، 48، 68)، و"مدار السالكين" (2/171)، ويغني عن أثر عمر هذا حديث ابن عباس، وانظر شرحه في : «نور الاقتباس» في مشكاة وصيَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس» (3/144 - 155 ضمن مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي».
(2) ... أخرجه البخاري (1/60رقم 16) في الإيمان، باب حلاوة الإيمان، ومسلم (1/66رقم 43) في الإيمان، باب بيان خصالٍ من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان .
(3) ... قوله:« بهن » سقط من (ح).
(4) ... قوله:« الثلاث بهذا المعنى » سقط من (أ)، وفي (أ): «الثلاثة بهذا المعنى».
(5) ... في (ح):« ينور ».
(6) ... في (ب) و(غ) و(ط): «وانكشف» ، وفي (أ): «فانكشف».
(7) ... قوله: «كما» ليس في (أ).
(8) ... سورة المائدة، الآية: 54 .
(9) ... يعني بـ«أهل السنة»: فرقة الأشاعرة، وقد كان الشارح - غفر الله له - على مذهبهم في تأويل صفات الله تعالى، وقد سبق بيان ذلك في «مقدِّمة التحقيق».
(10) ... قوله: «إنما» ليس في (أ).
(11) ... ي (أ) و(غ): « عرض ».
(12) ... في (أ): «ليستكمل».
(13) ... في (أ): «وسكن».
(14) ... في (أ) و(ح): « يلتذ ».
(15) ... قوله: «وقد اختلف» في (ب): «فقد اختلف»، وفي (أ): «واختلف».
(16) ... لكن أهل السنة والجماعة من السلف ومن تابعهم من الخلف: لم يختلفوا في معنى «محبة الله لعبده» قال شارح "الطحاوية" رحمه لله (ص 165): «وقد اختُلفَ في تحديد المحبَّة على أقوالٍ نحو ثلاثين قولاً، ولا تحدُّ المحبَّة بحدٍّ أوضح منها؛ فالحدود لا تزيدها إلا خفاءً، وهذه الأشياء الواضحة لا تحتاج إلى تحديد؛ كالماء والهواء، والتراب والجوع، ونحو ذلك». اهـ.
(17) ... في (ح):« ما ».
(18) ... ذكر المناوي في "فيض القدير" (1/165) هذا التأويل فقال: «ثم معنى لمحبة من الله تعالى: تعَلُّق الإرادة بالثواب، ومن يغره: غليان دم القلب وثورانه عند هيجانه إلى لقاء محبوبه، أو الميل الدائم، أو إيثار المحبوب على جميع المصحوب...» اهـ وسيأتي الجواب عن مثل هذه التأويلات من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية _ح.
(19) ... في (أ):«وعلى هذا هي ».
(20) ... ما ذكره الشارح -عفا الله عنه - من أنَّ النُّظَّار من أهل السُّنَّة لم يختلفوا في أنَّ «المحبّة» مؤوَّلَةٌ، ثُمَّ حكايته بعضَ تأويلاتِهِمْ للمحبَّة، كلُّ ذلك مِنْ جنس تحريفات المتكلِّمين . يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة _ح في الردِّ على مَنْ تأوَّلَ صفةَ المحبَّة والكراهيَةِ، بمثل ما ذكره الشارح من تأويلات الأشاعرة وغيرهم عند كلامه على قاعدة: "القولُ في بعض الصفات كالقول في بعض -": " فإنْ كان المخاطب مِمَّنْ يُقِرُّ بأنَّ الله حيٌّ بحياة، عليمٌ بعلم، قديرٌ بقدرة، سميعٌ بسمع، بصيرٌ ببصر، متكلِّمٌ بكلام، مريدٌ بإرادة، ويجعلُ ذلك كلَّه حقيقةً، وينازعُ في محبَّته ورضاه وغضبه وكراهيته، فيجعَلُ ذلك مجازًا، ويفسِّره إمَّا بالإرادة، وإمّا ببعضِ المخلوقاتِ مِنَ النعم والعقوبات [هذا ما ذكره الشارح هنا في تأويل محبَّة الله للعبد]، قيل له: لا فَرْقَ بين ما نفيتَهُ وبين ما أثبتَّهُ، بل القولُ في أحدهما كالقولِ في الآخر . فإن قلت: إنَّ إرادتَهُ مثلُ إرادة المخلوقين، فكذلك : محبَّته ورضاه وغضبه؛ وهذا هو التمثيل . وإن قلتَ: له إرادةٌ تليقُ به كما أنَّ للمخلوق إرادةً تليق به، قيل لك: وكذلك له محبّةٌ تليق به، وللمخلوقِ محبَّةٌ تليق به، وله رضًا وغضبٌ يليق به، وللمخلوق رضًا وغضب يليق به، وإنْ قال: الغضب: غليان دم القلب لطلب الانتقام، قيل له: والإرادة: مَيْلُ النفس إلى جلب منفعة أو دفع مضرة، فإن قلتَ هذه إرادة المخلوق، قيل لك: وهذا غضب المخلوق، وكذلك يُلْزَمُ بالقول في كلامه وسمعه وبصره وعلمه وقد رته، إنْ نفى عن الغضب والمحبَّة والرضا ونحو ذلك ما هو من خصائص المخلوقين؛ فهذا منتفٍ عن السمع والبصر والكلام وجميع الصفات، وإنْ قال: إنه لا حقيقة لهذا إلا ما يختصُّ بالمخلوقين؛ فيجب نفيُهُ عنه، قيل له: وهكذا السمع والبصر والكلام والقردرة ...» "التدمرية" (ص 31- 32)، وانظر:"شرح الواسطيَّة" لخليل هرَّاس (ص 53 -54).
(21) ... من صفات الله تعالى الثابتة له الرحمة والرضا والمحبة، والفرح والضحك، والعجب والجود، والغَيْرَة، والبغض والغضب والسخط والمقت، وهذه الصفات يتأوَّلها الأشاعرة - ومنهم الشارح - إما بالإرادة؛ كإرادة الثواب والإنعام، وإرادة العقاب والانتقام، أو بقولهم: إن هذه الصفات أزلية قديمة، أو غير ذلك من تأويلاتهم، وسبَبُ ذلك كلِّه: أصلهُمُ الفاسد الذي أصَّلوه في مسألة منع حلول الحوادث بذات الله تعالى، ومذهب سلف الأمة وأئمتها: إثبات هذه الصفات كغيرها من الصفات، نثبت ما ورد منها، ولا نؤوِّل ولا نشبَّه في شيءٍ منها، وأهل السنة يثبتون هذه الصفات على الحقيقة التي تليق بجلال الله وعظمته من غير تشبيه بصفات المخلوقين، ومن غير تكييف، ومن غير تحريف ولا تعطيل: ... وقد ردَّ شيخ الإسلام ابن تيميَّة _ح من أئمَّة السنة تأويلات الأشاعرة وغيرهم في هذه الصفات. انظر: "مجموع الفتاوى" (3/138)، (5/134)، (17/158)، وانظر حول صفة «المحبة» : "مجموع الفتاوى" (10/66-75)، (11/357-362)، و(17/51)، و«درء التعارض" (6/62-66، 72-77)، و"منهاج السنة" (2/35-42)، و"الإستقامة" (1/215)، 431)، و"النبوات" (ص 68-69، 97، 105-109 - ط دار كتب العلمية)، و"شرح الأصفهانية" (ص 11-12)، وفي صفة «الغضب»: "مجموع الفتاوى" (6/119)، و"درء التعارض" (4/92)، وفي صفة «الضحك»: "مجموع الفتاوى" (6/121-122)، وفي صفة «العجب» "مجموع الفتاوى" (6/123-124)، وفي صفة «الجود»: «نقض التأسيس» (1/186-197)، وفي صفة الرحمة» : "مجموع الفتاوى" (6/117-118).
(22) ... في (ب): «وأما».
(23) ... في (ط): «المتكلفين».
(24) ... في (ح):« بالحوادث ».
(25) ... قوله:« منهم » سقط من (ح).
(26) ... في (أ):« بأمر ».(1/131)
تعالى بطاعتِهِ (1) له، وتعظيمِهِ إياه، وموافقتِهِ له على ما يريده منه.
وأما أربابُ =(1/212)=@ القلوب، فمنهم: مَنْ لم يتأوَّلْ محبَّةَ العبدِ لله تعالى، حتى قال: المحبةُ (2) لله تعالى: هي الميلُ الدائم، بالقلبِ الهائم (3) ،، وقال أبو القاسم القُشَيْرِيُّ (4) : أما محبةُ العبدِ لله تعالى، .............................................
فحالةٌ يجدها العبدُ من قلبه (5) تَلْطُفُ عن (6) العبارة، وقد تحملُهُ تلك الحالةُ على التعظيمِ لله تعالى، وإيثارِ رضاه، وقلَّةِ الصبر عنه، والاهتياج إليه، وعَدَمِ القَرَارِ عنه، ووجودِ الاستئناسِ بدوامِ ذكره (7) .
قال الشيخ _ح: فهؤلاءِ (8) قد صرَّحوا بأنَّ محبَّة العبد لله (9) تعالى: هي مَيْلٌ من العبد وتَوَقَان، وحالٌ يَجِدُها المُحِبُّ مِنْ نفسه مِنْ نوعِ ما يجده في محبوباتِهِ المعتادةِ (10) له، وهو صحيحٌ (11) (12) .
.............................................
والذي يوضِّحه: أنَّ الله تعالى قد جَبَلَنا على الميل إلى الحُسْنِ والجمال والكمال، فبقدر ما ينكشفُ للعاقل من حُسْنِ الشيء وجمالِهِ وكماله (13) ، مالَ إليه وتعلَّقَ قلبُهُ به حتى يُفْضِيَ الأمرُ به (14) إلى أنْ يستولي ذلك المعنَى عليه (15) ؛ فلا يَقْدِرُ على الصبر عنه، وربَّما لا يشتغلُ بشيءٍ دونه.
ثم الحُسْنُ والكمالُ نوعان: محسوسٌ، ومعنويٌّ:
فالمحسوسُ: كالصور (16) الجميلة المشتهاة لنيلِ اللذَّةِ الجِسْمَانية، وهذا في حقِّ الله تعالى محالٌ قطعًا.
وأما المعنويُّ: فكمَنِ اتَّصَفَ بالعلومِ الشريفة، والأفعالِ الكريمة، .............................................
والأخلاقِ الحميدة، فهذا (17) النوعُ تميلُ له (18) النفوسُ الفاضلة، والقلوب الكاملة، ميلاً عظيمًا؛ فترتاحُ لذكرِهْ (19) ، وتتنعم بخُبْرِهِ وخَبَرِهِ، وتهتزّ لسماعِ أقوالِهْ، وتتشوَّف لمشاهدة أحواله، وتلتذُّ بذلك (20) لذةً رُوحَانيةً لا جِسْمَانِيَّةً، كما نجده عند ذِكْرِ الأنبياءِ والعُلَمَاء (21) ، والفُضْلاَءِ والكُرَمَاء، من الميلِ واللذَّة والرِّقَّة والأنس، وإنْ كنَّا لا نَعْرِفُ صورهم المحسوسة، وربَّما (22) نَسْمَعُ (23) أنَّ بعضَهم مِنْ غير الأنبياء (24) قبيحُ الصورة الظاهرة (25) أو أعمَى أو أجْذَم، =(1/213)=@ ومع ذلك: فذلك (26) الميلُ والأُنْسُ والتشوُّقُ موجودٌ لنا؛ ومَنْ شَكَّ في وِجْدانِ ذلك، أو أنكَرَهُ (27) ، كان عن جِبِلَّةِ الإنسانيَّةِ خارجَا، وفي .............................................
غِمَارِ المعتوهين والجَا.
وإذا تقرَّر ذلك: فإذا كان هذا الموصوفُ بذلك الكمال قد (28) أحسنَ إلينا، وفاضَتْ نعمُهُ (29) علينا، ووصَلَنَا بِرُّه (30) ، وعطفُهُ ولُطْفُه، تضاعَفَ ذلك الميلُ، وتجدَّد ذلك الأُنْس، حتَّى لا نصبرَ عنه، بل يستغرقنا ذلك الحالْ، إلى أن نُذْهَلَ (31) عن جميعِ الأشغالْ، بل يطرأُ (32) على الْمُسْتَهْتَرِ (33) &(1/132)&$
__________
(1) ... في (أ):« لطاعته ».
(2) ... في (غ): «الحب».
(3) ... أورد ابن القيم _ح هذا القول في تعريف المحبَّة دون نسبة إلى قائل معيَّن في «روضة المحبين» ( ص 19) ، و"مدارج السالكين" (3/11)، وكذلك أورده المناوي في "فيض القدير" (1/165).
(4) ... في (أ): «القشيري أبو القاسم».
(5) ... في (ب)، «قبله».
(6) ... قوله:« عن » سقط من (ح).
(7) ... "الرسالة القشيريَّة" ( )، وانظر: "مجموع الفتاوى" (10/48) و"مدارج السالكين" (3/6-42)، و"جامع العلوم" (2/396)، (1/60)، و"عمدة القاري" (1/146)، و"شرح النووي" (2/13)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/141)، وانظر كلام الناس في حد "المحبَّة" في "روضة المحبِّين" (ص 19-54)، و"مدارج السالكين" (3/11-17).
(8) ... في (أ) و(ب): «وهؤلاء».
(9) ... في (ح):« محبة الله ».
(10) ... في (غ): «والمعتادة».
(11) ... في (ط): «الصحيح».
(12) ... ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية _ح كلام الناس في «المحبة» محبة الله للعبد، ومحبة العبد لله، فقال في "شرح العقيدة الأصفهانية" (ص 35): «للناس في هذا الأصل العظيم ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الله تعالى يُحِبُّ ويُحَبُّ؛ كما قال تعالى: ُ ي ى و ه ن م ِ [المَائدة: 54] {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}؛ فهو المستحق أن يكون له كمال المحبَّة دون سواه، وهو سبحانه يُحبُّ ما أمر به، ويحبُّ عباده المؤمنين؛ وهذا قولُ سلف الأمة وأئمَّتها، وهذا قولُ أئمة شيوخ المعرفة.
والقال الثاني: أنه يستحقُّ أن يُحَبَّ، لكنه لا يُحِبُّ إلا بمعنى أنه يريد، وهذا قول كثير من المتكلّمين ومن وافقهم من الصوفية.
والثالث: أنه لا يُحِبُّ ولا يُحَبُّ، وإنما محبَّة العباد له: إرادتُهُمْ طاعته؛ وهذا قول الجمعيَّة ومَنْ وافقهم من متأخِّري أهل الكلام والرازي» اهـ. وانظر الكلام على «المحبَّة» في : «قاعدة في المحبة» لشيخ الإسلام، "وشرح العقيدة الطحاوية" (164-165 - ط المكتب الإسلامي).
(13) ... قوله: «وجماله وكماله» سقط من (ب): «وجمال»، وسقط من (ح) و(غ) و(ط): «وكماله».
(14) ... قوله:« به» سقط من (أ) و(ح).
(15) ... قوله: «عليه» سقط من )(غ).
(16) ... في (ح): «كالصورة».
(17) ... في (أ): «بهذا».
(18) ... في (غ): «إليه».
(19) ... قوله: «لذكره» ليس في (أ).
(20) ... في (أ): «بتلك».
(21) ... في (غ): «فيرتاح لذكره، ويتنعَّم بخبره وخبره، ويهتز لسماع أقواله، ويتشرف لمشاهدة أحواله، ويلتذ لذلك لذة روحانية لا جسمانية، كما يجده عند ذكر الأنبياء والعلماء».
(22) ... في (ب) و(ح) و(غ): «وربما قد».
(23) ... في (أ) و(ب) و(غ): «يسمع».
(24) ... قوله: «من غير الأنبياء» سقط من (أ).
(25) ... قوله: «الظاهرة» ليس في (أ).
(26) ... قوله: «مع ذلك فذلك» في (أ): «وذلك»، وفي (ط): «ومعنى ذلك فذلك».
(27) ... قوله: «ومن شك ...» إلى هنا في (أ): «ومن أنكر وجدان ذلك».
(28) ... قوله: «قد» ليس في (أ).
(29) ... في (ط): «عينه».
(30) ... في (ب):« من برِّه ».
(31) ... في (غ): «يذهل».
(32) ... في (ب) و(ح) و(ط): « ويطرأ ».
(33) ... المستَهْتَرُ بالشيء: المُولَعُ به، يقال: استُهْتِرَ بأمر كذا، أي: أُولِعَ به، لا يَتَحَدَّثُ بغيره، ولا يَفْعل غيره ."اللسان" (5/249).(1/132)
بذلك نوعُ اختلالْ.
وإذا كان ذلك في حَقِّ مَنْ [كان] (1) كمالُهُ وجمالُهُ مُقيَّدًا مَشُوبًا بالنقص مُعَرَّضًا للزوالْ، كان مَن كان (2) كمالُهُ وجمالُهُ واجبًا مطلقًا (3) لا يشوبُهُ نقصٌ ولا يعتريه زوالْ، وكان إنعامُهُ وإحسانُهُ أكثرَ بحيثُ لا ينحصرُ ولا يُعَدّ، أولَى بذلك الميل وأحقَّ بذلك الحبّ، وليس .............................................
ذلك (4) إلاَّ لله تعالى وحده، ثُمَّ لَِمْن (5) خصَّه الله تعالى بما شاء مِنْ ذلك الكمال (6) ، وأكملُ نوع الإنسان محمَّدٌ عليه أفضل الصلاةِ والسلام.
فَمَنْ تَحَقَّق ما ذكرْنا، واتّصَفَ بما وصفْناه (7) ، كان اللهُ ورسولُهُ أحبَّ إليه ممَّا سواهما، ومن كان كذلك تأهَّلَ (8) للقائهما، بالاتِّصَافِ بما يُرْضِيهما، واجتنابِ ما يُسخِطُهُمَا (9) ؛ ويستلزمُ ذلك كلُّه (10) الإقبالَ بالكُلِّيَّة عليهما (11) ، والإعراضَ عمَّا سواهما إلاّ بإذنهما وأمرهما (12) ، ولتفصيلِ ذلك موضعٌ آخر (13) (14) .
.............................................
وقوله (15) : «وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ»؛ يعني (16) : بـ المرء هنا (17) : المُسْلِمَ المؤمنَ؛ لأنَّه هو (18) الذي يمكنُ أن يُخْلَصَ لله تعالى في محبَّتِهْ (19) ، وأن يُتَقَرَّبَ لله تعالى (20) باحترامِهِ وحُرْمَتِهْ؛ فإنه هو الموصوفُ (21) بالأخوَّة الإيمانيَّة، والمحبَّة الدينيَّة؛ كما قال تعالى: ُ ؟ عع = ِ (22) ، وكما قال تعالى (23) : ُ ك ق ف ِ (24) ؟ =(1/214)=@
وقد أفاد هذا (25) الحديثُ: أنَّ محبَّةَ المؤمنِ الموصِّلَةَ لحلاوة (26) الإيمان لا بدَّ أن تكونَ خالصةً لله تعالى، غيرَ مشوبةٍ بالأَغراض (27) .............................................
الدنيويَّة، ولا (28) الحظوظِ البشريَّة؛ فإنَّ مَنْ أحبَّه لذلك، انقطعَتْ محبَّته إنْ حصَلَ له ذلك (29) الغرَضُ (30) أو يئِسَ مِنْ حصوله.
ومحبَّةُ المؤمن: وظيفةٌ متعيِّنة على الدوام، وُجِدَتِ الأغْراضُ (31) أو عُدِمَتْ، ولمَّا كانتِ المحبَّةُ للأغراضِ (32) هي الغالبة، قَلَّ وِجْدانُ تلك الحلاوة، بل قد انعدم، لا سيَّما في هذه الأزمانْ التي قد امَّحَى (33) فيها أكثَرُ رسومِ الإيمانْ.
وعلى الجملة: فمحبَّةُ المؤمنين من العباداتْ، التي لا بُدَّ فيها من الإخلاصِ وحُسْنِ النيَّاتْ.
وقوله: «وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ (34) فِي النَّارِ»، معنى (35) يُقْذَفَ: يُرْمَى، والقذفُ: الرمي.
.............................................
وهذه الكراهةُ (36) مُوجَبَةٌ؛ لما انكشَفَ للمؤمن من محاسن الإسلام، ولِمَا دخَلَ (37) قلبَهُ من نور الإيمانْ، ولِمَا خلّصه الله تعالى منه (38) مِنْ رذائلِ الجهالاتِ وقُبْحِ الكفرانْ، والحمدُ لله. =(1/215)=@ &(1/133)&$
__________
(1) ... زيادة ليستقيم السياق.
(2) ... قوله: «كان» سقط من (أ) و(ح).
(3) ... قوله: «مطلقًا» سقط من (غ).
(4) ... قوله: «ذلك» سقط من (غ).
(5) ... في (ب): «بمن».
(6) ... في (أ):« الجمال ».
(7) ... في (أ): «فمن حقَّق ما ذكرنا، واتصف بما وصفنا».
(8) ... قوله: «ومن كان كذلك، تأهَّل» مكانه في (أ): «وتأهب».
(9) ... في (ب):« ما يسخط الله ورسوله ».
(10) ... قوله: «كله» ليس في (أ).
(11) ... قوله: «بالكلية عليهما» في (أ): «عليهما بالكلية».
(12) ... انظر: معنى هذا عند القاضي عياض في "الإكمال" (ص 428)، و"الشفاء" (2/14)، وانظر: "مجموع الفتاوى" (8/337)، و"الفتح" (1/58).
(13) ... قوله: «ولتفصيل ذلك موضع آخر» في (أ): «ويأتي مفصلاً».
(14) ... في باب «لا يصحُّ الإيمانُ حتى تكون محبةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راجحةً على كل محبوب من الخلق».
(15) ... في (أ): «قوله».
(16) ... قوله: «يعني» في (غ): «تعالى».
(17) ... قوله:« هنا » ليس في (أ).
(18) ... قوله: «هو» ليس في (أ).
(19) ... قوله: «لله تعالى في محبته» في (غ): «في محبته لله».
(20) ... قوله: «لله تعالى» في (أ): «إلى الله تعالى».
(21) ... قوله: «فإنه هو الموصوف» في (أ): «لوصفه».
(22) ... سورة الحجرات، الآية: 10 .
(23) ... قوله: «كما قال تعالى» ليس في (أ).
(24) ... سورة آل عمران، الآية: 103 .
(25) ... قوله: «وقد أفاد هذا الحديث» في (أ): «أفاد الحديث».
(26) ... في (أ) و(ح):« الموصولة بحلاوة ».
(27) ... في (ب) و(غ): «العرض».
(28) ... قوله:« لا » سقط من (ب).
(29) ... في (أ):« غير مشوبة بغرضٍ دنيويٍّ ولا حظٍّ بشريًّ؛ فالمحبَّةُ المشوبةُ تنقطعُ إنْ حصل ذلك الغرض».
(30) ... في (ب) و(غ(: «العرض».
(31) ... في (ب) و(غ): «الأعراض».
(32) ... في (ب) و(غ): «الأعراض».
(33) ... في (أ): «انمحى».
(34) ... في (غ): «يعذب».
(35) ... قوله: «معنى» ليس في (أ)، وفي (ب): «يعني».
(36) ... في (ط): «الكراهية».
(37) ... في (أ): «دخل في».
(38) ... قوله:« منه » سقط من (أ).(1/133)
بَابٌ الإِيمَانُ شُعَبٌ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْهَا
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (1) ، عَنِ رَسُولِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا: قَوْلُ لا إِلهَ إِلا اللهُ، وَأَدْنَاهَا: إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِْيمَانِ».
وَمِنْ بَابِ الإِيمَانُ شُعَبٌ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْهَا
قوله: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً»، الإيمانُ في هذا الحديث (2) يرادُ به: الأعمالُ، بدليل أنَّه ذكَرَ فيه أعلى (3) الأعمال (4) ، وهو قولُ: «لا إلهَ إلاَّ الله»، وأدناها، أي: أقرَبَها (5) ، وهو إماطةُ الأذى عن الطريق (6) ، وهما (7) عملان؛ فما بينهما مِنْ قبيل الأعمال. وقد قدَّمنا القولَ في حقيقة الإيمان شرعًا ولغةً (8) ، وأنَّ الأعمالَ .............................................
الشرعيَّةَ تسمَّى إيمانًا مجازًا وتوسُّعًا (9) ؛ لأنَّها عن الإيمان .............................................
تكونُ غالبًا (10) .
و«البِضْعُ» و«البِضْعَةُ»: واحدٌ، وهو (11) من العَدَدِ بكسر الباء، وقد تُفْتَح (12) وهو قليلٌ؛ ذكره الجوهريُّ (13) . فأمَّا مِنْ «بَضْعِ اللحم» (14) فبِفَتْح (15) الباء لا غير، والبَضْعَةُ من اللحم، بالفتح القطعةُ منه (16) (17) :
.............................................
واستعملَتِ العربُ البِضْعَ : في المشهور مِنْ كلامها: فيما بين الثلاثِ إلى العَشْر، وقيل: إلى التِّسْع، وقال (18) الخليلُ: البِضْعُ: سبع، وقيل: هو ما بين اثنَيْنِ إلى عَشْر (19) ، وما بين اثنَيْ عشَرَ إلى عشرين، ولا يقالُ في أحدَ (20) عشَرَ، ولا في اثنَيْ عشر (21) (22) ، وقال الخليلُ أيضًا: هو ما بين نِصْفِ العَقْد (23) ، يريد: مِنْ واحدٍ .............................................
إلى أربع (24) .
و«الشُّعْبَةُ» في أصلها: واحدةُ الشُّعَب، وهي أغصانُ الشجر، وهي (25) بضمِّ الشين، فأمَّا شُعَبُ القبائل، فواحدُهَا: شَعْبٌ بفتحها (26) ، .............................................
وقال (27) الخليل (28) : الشَّعْب: &(1/134)&$
__________
(1) ... أخرجه البخاري (1/51رقم9) في الإيمان، باب أمور الإيمان، ومسلم (1/63رقم35/ 57،58) في الإيمان، باب بيان عددشعب الإيمان وأفضلها وأدناها، وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان .
(2) ... في (أ): «الإيمان هنا».
(3) ... قوله: «بدليل أنه ذكر فيه أعلى» في (أ): بدليل ذكره أعلى».
(4) ... في (ب):« للإيمان ».
(5) ... قوله:« أي أقربها » سقط من (أ).
(6) ... قوله:« عن الطريق » سقط من (ب) و(ح).
(7) ... قوله:« وهما » سقط من (أ).
(8) ... قوله: «وقد قدمنا ...» إلى هنا في (أ) و(ط): «وتقدَّم القولُ في حقيقته لغةً وشرعًا»، وقد تقدَّم ذلك في باب معاني الإيمان والإسلام والإحسان شرعًا.
(9) ... في (غ): «تسمَّى إيمانًا وتوسعًا»، وهو سهو من الناسخ. وقولُ الشارح _ح فيه نظرٌ، ويخالفُ المعروفَ من إجماع أهل السنة على أنَّ الإيمانَ قولٌ وعملٌ واعتقاد، فالعملُ جزء الإيمان، ويطلقُ عليه إيمانٌ حقيقةً لا مجازًا، وبذاك وردَتِ النصوصُ الكثيرة، ومنها الحديثُ المذكور، وحديثُ وَفْدِ عبد القَيْس - ومضى - وفيه فسَّر - صلى الله عليه وسلم - الإيمانَ بالأعمال، وقولُهُ عزَّ وجلَّ: ُ ض ص ظ ط ز ِ [البَقَرَة: 143] {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}، أي: صلاتَكُمْ إلى بيت المقدس، كما في حديث البراء عند البخاري وغيره (1/95).
... وقد دأَبَ كثيرٌ من المرجئة الذين أخرجوا الأعمالَ من مسمَّى الإيمان - ومنهم الشارح - على أنَّ الأعمالَ قد تدخُلُ في الإيمان، ولكنْ على سبيل المجاز، وليس على الحقيقة.
... يقولُ شيخُ الإسلامِ _؛ عن هؤلاء: «والمرجئةُ - المتكلِّمون منهم، والفقهاء منهم - يقولون: إنَّ الأعمال قد تسمَّى إيمانًا مجازًا؛ لأنَّ العمَلَ ثمرةُ الإيمانِ ومقتضاه، ولأنها دليلٌ عليه ...، ثُمَّ ذكر شيخ الإسلام أنَّ القولَ بدخول الأعمال في الإيمان مجازًا: هو عمدةُ المرجئةِ والجهميَّةِ والكراميَّةِ، وكلٍّ من لم يُدْخِلِ الأعمالَ في اسمِ الإيمان.
... ولشيخ الإسلام في الردِّ على هؤلاء طريقان:
... الطريقُ الأوَّل: إبطالُ المجاز مِنْ أساسه، وبيانُ أن تقسيمَ الألفاظِ في العربيةِ إلى حقيقةٍ ومجاز، قسمةٌ مُحْدَثَةٌ لا أصلَ لها.
... يقولُ _ح: «وبكلِّ حال فهذا التقسيمُ هو اصطلاحٌ حادثٌ بعد انقضاء القرون الثلاثة، لم يتكلَّم به أحدٌ من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان، ولا أحدٌ من الأئمَّة المشهورين في العلم؛ كمالكٍ، والثوريِّ، والأوزاعيِّ، وأبى حنيفة، والشافعي، بل ولا تكلَّم به أئمةُ اللغة والنحو؛ كالخليلِ، وسيبويه، وأبي عمرو بن العلاء، ونحوهم، وأولُ من غُرِفَ أنه تكلَّم بلفظ المجاز أبو عُبَيْدةَ مَعْمَرُ بن المثنَّى في «كتابه» [يعني: مجاز القرآن]، ولكنْ لم يَعْنِ بالمجاز: ما هو قسيمُ الحقيقة، وإنما عَنَى بمجازِ الآية: ما يعبَّر به عن الآية... ولم يقلْ ذلك أحدٌ من أهل اللغة، ولا مِنْ سَلَفِ الأمَّةِ وعلمائها، وإنَّما هذا اصطلاحٌ حادث، والغالبُ: أنه كان مِنْ جهة المعتزلةِ ونحوهم من المتكلِّمين ...».
... الطريق الثاني: مع التسليمِ بأن هناك مجازًا في اللغة والشرع، فلا دليلَ فيه لِمَنْ أخرَجَ الأعمالَ من مسمَّى الإيمان.
... وفي ذلك يقول _ح: «إنْ لم يصحَّ التقسيمُ إلى حقيقة ومجاز، فلا حاجةَ إلى هذا، وإنْ صَحَّ فهذا لا ينفعكم، بل هو عليكُمْ لا لكم؛ لأنَّ الحقيقةَ هي اللفظُ الذي يدلُّ بإطلاقه بلا قرينة، والمجازُ إنما يدلُّ بقرينة، وقد تبيَّن أنَّ لفظَ الإيمانِ حيث أُطْلِقَ في الكتاب والسُّنَّة، دخلَتْ فيه الأعمال، وإنَّما يُدَّعَى خروجها منه عند التقييد، وهذا يدلُّ على أن الحقيقة قوله: الإيمانُ بضعٌ وسبعون شُعْبة».
... وقد ناقش شيخ الإسلام شبهة المرجئة هذه في قولهم: «إن الأعمال تدخل في مسمَّى الإيمان مجازًا وتوسعًا؛ لأن الأعمال ثمرةُ الإيمان ومقتضاه، ولأنها تكون عن الإيمان غالبًا» كما ذكره الشارح هنا - وذلك في كتابه النفيس "شرح حديث جبريل" المعروف باسم "الإيمان الأوسط" ورَدَّ قولهم هذا بأمرين:
... الأمر الأول: معارضة قولهم: «إن الأعمال تدخل في الإيمان على سبيل المجاز» بالقول بأنَّ الأعمال تخرُجُ منه على سبيل المجاز، وفي هذا المعنى يقول _ح: «فإن قال قائل: اسمُ الإيمانِ إنما يتناوَلُ الأعمالَ مجازًا، بل هذا أقوى؛ لأن خروجَ العملِ عنه إنما هو إذا كان مقرونًا باسم الإسلامِ والعَمَلِ، وأما دخولُ العمل فيه، فإذا أُفْرِدَ؛ كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - : «الإيمانُ: بضعٌ وسبعون شعبةً، أعلاها: قولُ: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطةُ الأذى عن الطريق، والحياءُ شعبةٌ من الإيمان»؛ فإنَّ ما يَدُلُّ مع الاقتران أولى باسمِ المجازِ ممَّا يدل عند التجريد والإطلاق ...».
... الأمر الثاني: أن العملَ الظاهرَ فرعٌ للباطن، ولكنْ هل هو داخلٌ في مسمَّى الإيمانِ وجزءٌ منه؟ أو هو لازمٌ لمسمَّى الإيمان؟
... ويقولُ شيخ الإسلام _ح مستنتجًا بعد هذا: «وقيلَ لمن قال: «دخولُ الأعمالِ الظاهرةِ في اسم الإيمان مجازٌ»: نزاعُكَ لفظيٌّ؛ فإنَّك إذا سلَّمْتَ أن هذه لوازمُ الإيمانِ الواجبِ الذي في القلبِ وموجَبَاتُهُ، كان عدمُ اللازمِ موجِبًا لعدم الملزوم، فيلزُم مِنْ عدمِ هذا الظاهرِ عدمُ الباطن، فإذا اعترفْتَ بهذا، كان نزاعُكَ لفظيًّا ...»
... ويقولُ _ح: «وأيضًا: فليس لفظُ الإيمان في دلالتِهِ على الأعمالِ المأمورِ بها: بدون لفظ الصلاة والصيام والزكاة والحج، في دلالتِهِ على الصلاةِ الشرعيَّة، والصيامِ الشرعي، [والزكاة الشرعيَّة]، والحجِّ الشرعي، سواءٌ قيل: إن الشارعَ نقله، أو أراد الحُكْمَ دون الاسم، أو أرادَ الاسمَ وتصرَّف فيه تصرُّفَ أهلِ العرف، أو خاطَبَ بالاسم مقيدًا لا مطلقًا ...».
... وانظر:"المنهاج في شعب الإيمان" (1/37)، و"الإيمان" لابن منده (1/329)، و"شعب الإيمان" للبيهقي (1/121)، و"معالم السنن" (5/56)، و"الإيمان" للَدَانيِّ (ص 68، 79)، و"الإيمان" لأبي عبيد (ص54)، و"أصول اعتقاد أهل السنة" (4/830)، و"مجموع الفتاوى" (7/289-293)، 529-533، 551-555، 636-639)، (2/471-475)، و"كتاب الإيمان" (ص 73-97-98، 155)، و"شرح حديث جبريل" (ص483، 490).
(10) ... في (أ): «لأنها تكون عن الإيمان غالبًا».
(11) ... قوله: «وهو» سقط من (غ).
(12) ... في (ط): «يفتح».
(13) ... في "الصحاح" (3/1186).
(14) ... بَضْعُ اللحم: قَطْعُهُ؛ قال في "الصحاح" (3/1186): «بَضَعْتُ اللحمَ بضعًا بالفتح: قطعتُهُ». اهـ.
(15) ... في (أ):« بفتح ».
(16) ... قوله:« منه » سقط من (أ).
(17) ... قال في "الصحاح" (3م1186): «البَضْعَةُ: القِطْعَةُ: القِطْعة من اللحم؛ هذه بالفتح، وأخواتها بالكسر، مثل: القِطْعة، والفِلْذة، والكِسْفة، والخِرْقة، والجِذْوة، وما لا يحصى، والجمع: بَضْعٌ؛ مثلُ ثَمْرَةٍ وتَمْر، وبعضهم يقول: جمعها: بِضَعٌ، كَبَدْرةٍ وبِدَرٍ». اهـ. وانظر: "الغربيين" (1/185)، و"تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة (ص 424)، و"مشارق الأنوار" (1/620)، و"المجموع المغيث" (ص 165)، و"النهاية" (1/133).
(18) ... في (أ): «قال» بدون واو.
(19) ... كان الأفصح أن يقول: «ما بين اثنين إلى عشرة» كما في "الإكمال" (1/264 شواط)؛ لتذكير العددَيْن.
(20) ... في (أ):« إحدى ».
(21) ... في (غ): «ولا في اثنا عشر»، ومن قوله:« ما بين اثني عشر... » إلى هنا ليس في (ب) و(ط).
(22) ... عبارةُ الخليل - كما في "العين" (1/286) - هي:« البِضْعُ من العدد: ما بين الثلاثة إلى العَشَرة، ويقال: هو سَبْعة، وقال عرَّام: ما زاد على عقد فهو بِضْعٌ، تقولُ: بِضْعَةَ عشَرَ، وبِضْعٌ وعشرون وثلاثون ونحوه" .اهـ. وانظر: "الإكمال" (1/264 شواطا)، و"مشارق الأنوار" (1/260)، و"شرح النووي" (2/4)، و"الفتح" (1/51).
(23) ... قولُهُ:« وقال الخليل أيضًا: هو ما بين نصف العقد»: لم أجده في «العين»، ونسبه القاضي عياضٌ إلى أبي عُبَيْدة، وفي "اللسان" (8/10): «وقال أبو عبيدة: البضع ما لم يبلغ العقد ولا نصفه. يريد: ما بين الواحد إلى أربعة». انظر: "الإكمال" (1/264 شواط)، و"مشارق الأنوار" (1/260)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/130).
(24) ... للعلماء في تحديد المراد بـ«البِضْع» أقوال كثيرة، وأكثرهم على أن المراد به: ما بين الثلاث والعشر، وهذا ما رجَّحه الحافظ ابن حجر. انظر: "الغربيين" (1/185)، و"الصحاح" (3/1186)، و"مشارق الأنوار" (1/260)، و"النهاية" (1/133)، و"اللسان" (8/15)، و"التاج" ( )، و"معالم السنن" (5/56)، و"الصيانة" (ص 195)، و"الديباج" (1/52)، و"الفتح" (1/51).
(25) ... قوله: «وهي» سقط من (أ).
(26) ... لم أقف في كتب المعاجم والغريب على أن «الشَّعْب» يجمع على «شُعَب»، وإنما يجمع «الشَّعْب» على شُعُوب، وهذا هو قياس «فَعْل» أن يجمع على فُعُول، كَفَلْس وفلوس، وكَبْب وكعوب، أما «فُعَل» فهي مقسةٌ في جميع فُعَلَة؛ كغُرْفة وغُرَف، فكان القياس في «شُعْبة» أن يكون جمعًا لِشُعْبَة لا لِشَعْب. انظر: "شرح ابن عقيل" (2/421، 428)، و"شرح الأشموني" (4/221 - 278)، وشعوب القبائل: هي القبائل العظام، وقد ذكر الماوردي وغيره أن أنساب العرب على ست مراتب تجمع طبقات أنسابهم، وهي: شَعْب، ثم قبيلة، ثم عَمَارة، ثم بَطْن، ثم فخذ، ثم فصيلة. ولبعضهم ترتيب آخر، وهذا ترتيب الزبير بن بَكَّار، وصحَّحه ابن برِّيٍّ، قال الماورديُّ في "الأحكام السلطانية" في الباب الثامن عشر:
... فالشَّعْب: النَسَبُ الأَبْعَدُ؛ كعدنَان وقَحْطَان، سُمِّي شَعْبًا؛ لأنَّ القبائل مِنه تَشَعَّبَتْ، ثم القَبيلة ، وهي: ما انْقَسَمت فيه أنسابُ الشَّعْبِ؛ كرَبيعةَ ومُضَر، سميتْ قبيلةً؛ لِتَقَابُلِ الأنسابِ فيها، ثم العِمَارة ، وهي: ما انْقَسَمَتْ فيها أنسَابُ القبيلة؛ كقُرَيش وكِنَانة، ثم البطنُ ، وهو: ما انْقَسَمَتْ فيه أنْسَابُ البَطْن؛ كبَنِي هاشِم وبَنِي أمية، ثم الفصيلة، وهي: ما انْقَسَمَتْ فيها أنسابُ الفَخِذ؛ كَبَنِي العبَّاس وبَنِي أبي طَالِب.
... فالفَخِذُ: يجمعُ الفَصَائل، والبَطْن: يجمعُ الأَفْخاذ، والعَمَارة: تجمعُ البُطون، والقبيلة: تجمعُ العَمَائر، والشَّعْب: يجمعُ القبائل، فإذا تَبَاعَدَتْ الأنسابُ، صارَتِ القبائلُ شُعُوبًا، والعَمَائرُ قَبَائلَ». اهـ. كلام الماوردي.
... وقد نظم شمس الدين البعلي هذه الطبقات الست، فقال: [من الكامل]:
... الشَّعْبُ ثُمَّ قَبيلَةٌ فعَمَارَةٌ: فالبَطْنُ ثُمَّ الفَخْذُ ثُمَّ فَصِيلَتُهُ، قال محمد مرتضى الزبيدي: «قال ابن الأثير: وقسَّمها الزبير بن بكَّار في كتاب «النسب» إلى: شعب ثم قبيلة ثم عمارة ثم بطن ثم فخذ ثم فصيلة، وزاد غيره قبل الشعب: الجِذْم، وبعد الفصيلة: العشيرة، ومنهم من زاد بعد العشيرة: الأسرة. قلت: ومنهم من زاد بعد.
... انظر: "الأحكام السلطانية" للماوردي (الباب الثامن عشر)، و"تحرير التنبيه" للنووي (ص 239)، و"المطلع" للبعلي (ص 288)، و"اللسان" (1/500-501)، (3/501-502)، (5/71)، و"التاج" (2/114 شعب)، (18/60، بطن).
(27) ... في (أ): «قال» بدون واو.
(28) ... انظر: "كتاب العين" (1/263)، وقد نقل هذا عن غيره أيضًا؛ كما في "تاج العروس" (2/113).(1/134)
الاجتماعُ والافتراق، وفي "الصحاح" (1) : هو من الأضداد (2) .
.............................................
ويُراد (3) بالشُّعْبة في الحديث: =(1/216)=@ الخَصْلة، ويعني: أنَّ الإيمانَ ذو خصال معدودة، وقد (4) ذكَرَ الترمذيُّ هذا الحديثَ، وسمَّى الشُّعْبة بابًا، فقال: «الإيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بَابًا ...» الحديثَ (5) .
وقد (6) وقَعَ لبعضِ الرواةِ شَكٌّ في هذا الحديثِ (7) ، فقال: «الإيمَانُ (8) بِضْعٌ وَسِتُّونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ»، ولا يُلْتَفَتُ لهذا الشكِّ؛ فإنَّ غيره من الثقات (9) قد (10) جَزَمَ بأنَّه بِضْعٌ وسبعون، وروايةُ مَنْ جزَمَ أولى (11) .
.............................................
ومقصودُ هذا الحديثِ (12) : أنَّ الأعمالَ الشرعيَّةَ تسمَّى إيمانًا على ما ذكرناه آنفًا (13) ، وأنَّها منحصرةٌ في ذلك العدد، غيرَ أنَّ الشرع لم يُعيِّنْ ذلك العدد لنا (14) ولا فصَّله.
وقد تكلَّف بعضُ المتأخِّرين تعديدَ (15) ذلك؛ فتصفَّحَ خِصَالَ .............................................
الشريعةِ وعدَّدها، حتَّى انتهَى بها - في زعمه (16) - إلى ذلك العَدَد (17) ، .............................................
ولا يصحُّ له ذلك؛ لأنَّه يمكنُ الزيادةُ على ما ذكَرَ، والنقصانُ ممَّا ذكَرَ؛ ببيانِ التداخل.
والصحيحُ: ما صار إليه أبو سُلَيْمان الخَطَّابيُّ وغيره: أنَّها منحصرةٌ في علمِ الله تعالى، وعِلْمِ رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وموجودةٌ (18) في الشريعة (19) ، مفصَّلَةٌ فيها، غير أنَّ الشرعَ لم يُوقِفْنَا على أشخاص تلك الأبواب، ولا عيَّن لنا عدَدَهَا، ولا كيفيَّةَ انقسامها، وذلك لا يَضُرُّنَا في عِلْمنا بتفاصيلِ ما كُلِّفْنا به مِنْ شريعتنا ولا في عملنا؛ إذْ كلُّ ذلك مفصَّلٌ (20) مُبيَّنٌ في جملةِ الشريعة، فما أُمِرْنَا بالعَمَلِ به (21) ، عَمِلْنَا به (22) ، وما نُهِينَا عنه انتهَيْنَا،وإنْ لم نُحِطْ بِحَصْرِ أعداد ذلك (23) (24) ، .............................................
والله تعالى أعلم (25) .
و«الحياءُ»: انقباضٌ وحِشْمَةٌ يجدها الإنسانُ مِنْ نفسه عندما يُطَّلَعُ منه على =(1/217)=@ ما يُسْتَقْبَحُ ويُذَمُّ عليه، وأصلُهُ (26) غريزيٌّ في الفطرة (27) ، ومنه (28) مكتسَبٌ للإنسان؛ كما (29) قال بعضُ الحكماء في العقل (30) :
رَأَيْتُ العَقْلَ عَقْلَيْنِ
فَمَطْبُوعٌ وَمَصْنُوعُ
وَلاَ يَنْفَعُ مَصْنُوعٌ
إِذَا لَمْ يَكُ مَطْبُوعُ
كَمَا لاَ تَنْفَعُ الْعَيْنُ
وَضََوْءُ الشَّمْسِ مَمْنُوعُ (31)
.............................................
وهذا (32) المكتَسَبُ: هو الذي جعلَهُ الشرعُ من الإيمان، وهو الذي يُكلَّفُ به.
وأمَّا الغريزيُّ: فلا يكلَّفُ به؛ إذْ ليس ذلك (33) مِنْ كسبنا، ولا في وُسْعنا، ولم يكلِّفِ &(1/135)&$
__________
(1) ... انظر: "الصحاح" (1/156).
(2) ... وقد قال بأن " الشَّعْب " من الأضدادِ آخرون غيرُ الخليل والجوهريِّ؛ كأبي عُبَيْد، وقُطْرُب، وغيرهما. وردَّ عليهم ابنُ دُرَيْد بأنه ليس من الأضداد، وإنما هو لغةٌ لقوم، أي: الشَّعْبُ بمعنى الاجتماع. انظر: "الغربيين" (3/1006)، و"غريب أبي عبيد" (4/213)، و"الأضداد" لقُطْرُب (ص 112)، و"غريب ابن قتيبة" (1/253)، و"النهاية" (2/477)، و"الفائق" (2/251)، و"جمهرة اللغة" ( )، و"الصحاح" (1/156)، و"اللسان" (1/500)، و"المصباح المنير" (ص 313)، و"التاج" (2/113).
(3) ... في (ح):« فيراد ».
(4) ... قوله:« وقد » سقط من (أ).
(5) ... في الإيمان، باب ما جاء في استكمال الإيمان رقم (2614).
(6) ... قوله: «قد» ليس في (أ).
(7) ... قوله:« الحديث » ليس في (أ). ومن قوله: «وسمَّى الشعبة بابًا ...» إلى هنا سقط من (ح)؛ بسبب انتقال النظر.
(8) ... قوله: «الإيمان» ليس في (أ) و(غ) و(ط).
(9) ... في (غ): «من الرواة».
(10) ... قوله: «قد» ليس في (أ).
(11) ... اختلَفَتِ الروايةُ لهذا الحديث، فجاءَتْ: «بضعٌ وستون» بالجزم، وجاءتْ: «بضعٌ وسبعون» بالجزم، وجاءتْ: «بضع وستُّون، أو بضع وسبعون» على الشكِّ، وكلُّها طرقٌ صحيحة، ولكن اختلَفَ العلماء في ترجيح بعضها على بعض:
... فرجَّح ابن حِبَّان، والحَلِيمي، والقاضي عياض، والشارحُ هنا روايةَ: «بضعٌ وسبعون»؛ لأنها روايةُ الأكثر، ولأنها زيادةُ ثقة، وللجزم بها.
... ورجَّح ابنُ الصلاح، والبيهقي، وابن حجر روايةَ الأقل؛ لكونه المتيقَّن، وما عداه فمشكوكٌ فيه؛ قال الحافظ: وكونُهَا زيادةَ ثقة لا يستقيمُ؛ إذِ الذي زادها لم يستمرَّ على الجزم بها . وقد تعقَّبه الألبانيُّ بأنَّ مسلمًا رواه من طريقَيْن بالجزم، وقال: ومن العجبِ: أن تفوتَ ابنَ حجرٍ روايةُ مسلم هذه، وبذا يترجَّح هذا اللفظ:« بضع وسبعون»، على سائر الألفاظ، لا سيما وغالبها تردَّد فيها الرواة وشكُّوا، فإذا انضمَّ إلى ذلك أنَّ زيادةَ الثقةِ مقبولةٌ، استقام هذا اللفظ. اهـ مختصرًا، وقال ابن حِبَّان: «الخبر في «بضعٌ وسبعون» خبرٌ متقصًّى صحيحٌ لا ارتيابَ في ثبوته».اهـ.
... أما روايةُ الترمذيِّ بلفظ: «أربعٌ وستُّون»، فمعلولةٌ كما قال الحافظ؛ لأنَّها من رواية عمارة بن غَزِيَّة، وعمارةُ - وإنْ كان لا بأس به؛ كما في "التقريب" (ص 409)، إلا أنَّ روايته لا تعارضُ روايةَ عبدِ اللهِ بنِ دينارٍ الثقةِ الثَّبْت؛ فهو أحفظُ من عمارة بكثير. اهـ. مختصرًا من: "الفتح" (1/51)، و"سلسلة الأحاديث الصحيحة" (4/370)، و"الإكمال" (ص 419)، وتحقيق "شعب الإيمان" للبيهقي (1/99)، و"الإحسان" (1/333). وانظر:"الصيانة" (195)، و"شرح مسلم" للنووي (2/4)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/131)، و"فتح الملهم" (1/101)، و"الديباج" (1/52).
(12) ... في (أ): «ومقصود الحديث».
(13) ... قوله: «أن الأعمال ...» إلى هنا، في (أ): «تسمية الأعمال إيمانًا».
(14) ... قوله: «لنا» ليس في (ح)، وقوله: «ذلك العدد لنا» في (أ): «لنا ذلك العدد».
(15) ... في (ب):« تقدير ».
(16) ... قوله: «انتهى بها في زعمه» في (أ): «انتهى بها بزعمه»، وفي (ح): «انتهى فيها في زعمه»، وفي (ب): «انتهى في زعمه».
(17) ... قال ابن حبان (ت 354هـ) في "صحيحه": «رجعتُ إلى السنن، فعددتُّ كلَّ طاعة عدَّها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من الإيمان، فإذا هي تنقُصُ عن البضع والسبعين؛ فرجعْتُ إلى ما بين الدَّفَّتَيْنِ من كلام ربنا، وتلوته آية آية بالتدبر، وعددتُّ كلَّ طاعة عدَّها الله جلَّ وعلا من الإيمان، فإذا هي تنقُصُ عن البضع والسبعين؛ فضممتُ الكتاب إلى السنة، وأسقَطْتُ المعاد منها، فإذا كلُّ شيء عدَّه الله جل وعلا من الإيمان في كتابه، وكلُّ طاعةٍ جعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الإيمان في سننه: تسعٌ وسبعون شعبةً، لا يزيدُ عليها، ولا ينقُصُ منها شيء، فعلمتُ أنَّ مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في هذا الخبر أنَّ الإيمان بضع وسبعون شعبة في الكتاب والسنن، فذكرتُ هذه المسألة بكمالها بِذِكْرِ شعبة شعبة في كتابِ "وصف الإيمان وشعبه". اهـ. قال الحافظ: «ولم يتفقْ من عد الشُّعَب على نمط واحد، وأقربُهَا إلى الصوابِ طريقةُ ابن حِبَّان».اهـ.
... وممَّن عدَّ الشُّعَبَ: الفقيه إسحاق بن إبراهيم القرطبي (ت 364هـ) في كتابه "النصائح". وأبو عبد الله الحسينُ بن الحسن بن محمد الحَلِيمِيُّ (ت 403هـ) في كتابه "المنهاج في شعب الإيمان"؛ قال ابن الصلاح: «وهو من أغزرها فوائد»، وهو مطبوعٌ طبعةً سقيمة ناقصة. والراغب الأصفهاني (ت 425هـ تقريبًا) في "الذريعة لمكارم الشريعة"، ونقله عنه زين العرب في "شرح مشكاة المصابيح". وممَّن عَدَّ الشعب أيضًا: الإمامُ البيهقيُّ (ت 458هـ) في كتابه "شعب الإيمان"، وهو مشهور. كما عدَّها الحافظُ في "الفتح"، والعينيُّ في "العمدة".
... وقد سبق الشارح إلى تعقُّب هذا العمل: القاضي في "الإكمال"؛ إذْ قال: «القطعُ أنَّ تعيين ما نقَّحه الاجتهادُ، وترتيبَهُ على تلك الأبواب هو مرادُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يصعُبُ، ولن يَعْدَمَ من يرتِّب ترتيبًا آخر، ويداخلُ بعضَ الأبواب في بعض، ويَفْصِلُ بعضَ الأقسام عن بعض»؛ كما أشار إلى نحوٍ مِنْ ذلك ابن الصلاح في "الصيانة".
... وانظر:"الإحسان، في ترتيب صحيح ابن حبان" (1/333)، و"المنهاج في شعب الإيمان" للحَلِيمي (1/46)، و"شعب الإيمان" للبيهقي (1/94)، و"الإكمال" (1/268) شواط)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/131)، و"الصيانة" (1/196)، و"شرح النووي" (2/3-5)، و"فتح الملهم" (1/102)، و"الفتح" (1/51-53)، و"عمدة القاري" (1/128)، و"الذريعة لمكارم الشريعة" (ص 164)، و"شرح المشكاة" لزين العرب (1/40).
(18) ... في (غ): «موجودة» بلا واو.
(19) ... في (غ): «متفصلة».
(20) ... قوله: «مفصَّل» ليس في (أ).
(21) ... قوله: «بالعمل به» في (أ): «بعمله».
(22) ... قوله: «عملنا به» في (أ) و(ح): «عملناه»، وفي (غ): «عملنا».
(23) ... قوله: «أعداد ذلك» في (أ): «أعدادها»، وقوله: «وإن لم نحط بحصر أعداد ذلك» في (غ): «وإن لم يُحَطْ بحصر أعداد ذلك».
(24) ... انظر: كلام الخَطَّابي في "أعلام الحديث" (1/144).
(25) ... قوله: «والله تعالى أعلم» ليس في (أ).
(26) ... في (أ):« وأصلها ».
(27) ... نقل الخادمي كلام الشارح عن معنى «الحياء» في كتابه: «بريقة محمودية» (3/ ) وعلَّق على هذا الموضع فقال: «أقول: تخصيصُ الغريزي بالحياء تحكُّمٌ؛ إذْ هو مشترك في جميع الأخلاق»، وفيما قاله الخادمي نظر، فليس في كلام الشارح تحكُّم، ولا قصر للخلق الغريزي على الحياء؛ كما يظهر لمن أمعَنَ النظر في عبارة الشارح.
(28) ... قوله:« منه » سقط من (أ).
(29) ... قوله: «كما» ليس في (أ).
(30) ... قوله:« في العقل » سقط من (أ).
(31) ... وردت هذه الأبيات الثلاثة منسوبة لعليِّ بن أبي طالب $ح، في «ديوانه» (ص 87)، و"إحياء علوم الدين" (1/86)، و(3/16)، وبلا نِسْبَة في "آداب الدنيا والدين" للماوردي (ص 27) و"بريقة محموديَّة" للخادمي نقلاً عن الشارح، و"درء تعارض العقل والنقل" لشيخ الإسلام ابن تيمية (9/22)، وأقرَّ معناها، قال أيضًا: فقد تسمَّمى العلوم المسموعة عقلاً، كما قيل: ....» وذكر الأبيات ورواية البيت الثالث في "الإحياء" في الموضعين منه، وفي "أدب الدنيا والدين":
كما لا تنفَعُ الشمسُ
وضوءُ العينِ ممنوعُ
... وهو أولى بسياق المعنى.
(32) ... قوله: «هذا» ليس في (أ).
(33) ... قوله: «إذ ليس ذلك»، في (أ): «لأنه ليس».(1/135)
اللهُ نفسًا إلاَّ وسعها؛ غير أنَّ هذا (1) الغريزيَّ يَحْمِلُ على المكتسب، ويُعِينُ عليه؛ لذلك (2) قال: «الحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ»، و «الحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» (3) .
وأوَّلُ الحياءِ وأَوْلاَه: الحياءُ من الله تعالى، وهو ألاَّ يراك حيثُ نهاك، وذلك لا يكونُ (4) إلاَّ عن معرفةٍ بالله تعالى كاملة (5) ، ومراقبةٍ .............................................
له حاصلَة (6) ، وهي (7) المعبَّرُ عنها بقوله - صلى الله عليه وسلم - : «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ؛ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» (8) .
وقد رَوَى (9) الترمذيُّ مِنْ حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - (10) أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - ؛ قال: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ»، فَقَالُوا: إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالحَمْدُ للهِ، فَقَالَ (11) : «لَيْسَ (12) ذَلِكَ (13) ، ولكنَّ الاسْتِحْياءَ من الله حقَّ الحَيَاءِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا حَوَى، وَالْبطنَ وما وَعَى، وَتَذْكُرَ (14) المَوْتَ وَالْبِلَى، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ (15) . =(1/218)=@
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ (16) ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَالَ: «الْحَيَاءُ مِنَ الإِْيمَانِ» .
قال الشيخ، _ح وأهلُ المعرفة في هذا (17) الحياءِ منقسمون (18) ؛ كما أنّهم في أحوالهم متفاوتون - كما تقدم - وقد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - (19) جُمِعَ له كمالُ نوعَيِ الحياء، فكان في الحياءِ (20) الغريزيِّ أشدَّ حياءً من العَذْراء في خِدْرها (21) ، ومِنْ حيائِهِ (22) الكسبيِّ في ذِرْوتها.
وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ (23) ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ؛ أَنَّهُ قَالَ: «الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْر»، فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ: أَنَّ مِنْهُ وَقَارًا، وَمِنْهُ سَكِينَةً، فَقَالَ عِمْرَانُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صُحُفِكَ؟!
وقوله:«بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ» (24) ، أي: يَعْذِلُهُ على كثرته، ويزجُرُهُ عنه (25) .
وقوله (26) - صلى الله عليه وسلم - : «دَعْهُ» (27) : زجرٌ (28) للواعظ؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - عَلِمَ أنّ ذلك الشخصَ لا يضرُّهُ الحياءُ في دينه، بل ينفعُهُ؛ ولذلك قال له (29) : .............................................
«دَعْهُ، فَإِنَّ الحَيَاءَ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْر» (30) .
وقد يُفْرِطُ الحياءُ على بعضِ (31) الناس، حتَّى يمنعَهُ ذلك من القيامِ بحقِّ الله (32) تعالى من (33) الأمرِ بالمعروفِ وتغييرِ المنكر، ويحملَهُ (34) على المداهنة في الحَقِّ (35) ، وكلُّ ذلك حياءٌ مذمومٌ شرعًا وطبعًا (36) يحرُمُ استعمالُهُ، ويجب الانكفافُ عنه؛ فإنَّ ذلك الحياءَ أحقُّ (37) باسم الجُبْنِ والخَوَرْ، وأَوْلَى (38) منه باسمِ الحياءِ والخَفَرْ (39) . =(1/219)=@ &(1/136)&$
__________
(1) ... قوله: «هذا» ليس في (أ).
(2) ... قوله: «ولذلك» ليس في (أ).
(3) ... وردَتْ في بعضِ روايات حديث عمران المتقدِّم؛ فإنَّ في بعض ألفاظه: «الحياءُ خيرٌ كلُّه»، وفي بعضها: «الحياءُ لا يأتي إلا بخير ».
(4) ... في (أ): «ولا يكون ذلك».
(5) ... في (أ):« إلا عن معرفة كاملة بالله ».
(6) ... قوله:« حاصلة » سقط من (أ).
(7) ... في (أ) و(ط): «وهو»؛ والمراد: مرتبة الإحسان.
(8) ... تقدم تخريجه في باب معاني الإيمان والإسلام والإحسان شرعًا.
(9) ... في (أ): «وروى»، وفي (ط): «وقد رواه».
(10) ... قوله:« من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - » سقط من (أ).
(11) ... في (ح): «قال».
(12) ... في (ح):« وليس ».
(13) ... في (ب) و(ط): « ذاك ».
(14) ... في (أ): «ولتذكر».
(15) ... أخرجه الترمذي في صفة القيامة، باب (24) رقم (2458)، وأحمد (1/ 387)، وأبو يعلى (8/461 رقم 5047)، ومحمَّد بن نصر في «تعظيم قدر الصلاة» (1/439)، والحاكم في الرقاق من "المستدرك" (4/323)، كلُّهم من طريق أبان ابْنِ إسحاق، عن الصباح بن محمد، عن مُرَّة الهَمْداني، عن ابن مسعود، به.
... وقال الترمذي: " هذا حديثٌ إنَّما نعرفُهُ من هذا الوجه مِنْ حديثِ أبان بن إسحاق، عن الصباح بن محمد"، وصحَّحه الحاكم، وأقرَّه الذهبي.
... والحديثُ ضعيفٌ بهذا الإسناد؛ لحالِ الصباح بن محمد، قال الذهبي: «رفع حديثَيْن هما من قول عبد الله»، وقال ابنُ حِبَّان: «يروي الموضوعات»، "الميزان" (2/306)، وقال الحافظ في "التقريب" (ص 274):« ضعيف ».
... وللحديث طريق آخر عند الطبراني في "الكبير"(10290)، وفي "الصغير" (494)، وأبي نعيم في "الحلية" (4/209) من طريق أبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود، عن أبيه، وهذا إسناد ضعيف أيضًا؛ لانقطاعه بين أبي عبيدة وأبيه؛ فإنه لم يسمع منه كما في "سنن الترمذي" (1/28)، و"جامع التحصيل" (249).
(16) ... أخرجه البخاري (1/74رقم 24) في الإيمان، باب الحياء من الإيمان، وفي (5/2268 رقم 5767) في الأدب، باب الحياء، ومسلم في الموضع السابق (1/63رقم36).
(17) ... قوله: «هذا» ليس في (أ).
(18) ... انظر في الكلام على الحياء من الله عز وجل كلام ابن القيم في "مدارج السالكين" (2/258).
(19) ... قوله: «متفاوتون ...» إلى هنا، في (أ): «متفاوتون وكان - صلى الله عليه وسلم - »، وفي (غ): «متفاوتون وقد قال - صلى الله عليه وسلم - ».
(20) ... قوله: «الحياء» ليس في (أ).
(21) ... أخرجه البخاري في المناقب، باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - (6/566)، ومسلم في كتاب الفضائل، باب كثرة حيائه ؟ رقم ( 2320 )، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - .
(22) ... في (أ) و(ع): «ومن حالة»، وفي (ب): «ومن حالة»، وفي (ط): «وفي حاله».
(23) ... أخرجه البخاري (10/521رقم6117) في الأدب، باب الحياء، ومسلم في الموضع السابق (1/64رقم 37).
(24) ... قال الحافظ: «لم أعرف اسم هذَيْن الرجلَيْنِ؛ الواعظِ وأخيه». "الفتح" (1/74).
(25) ... روى البخاري هذا الحديث مفسَّرًا في كتاب الأدب، باب الحياء، من حديث ابن عمر أيضًا، وفيه: «مَرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على رجل وهو يعاتب أخاه في الحياء؛ يقول: «إنك لتستحيي»! حتى كأنه يقول: قد أَضَرَّ بك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «دَعْهُ؛ فإن الحياء من الإيمان»، وانظر: "شرح النووي" (2/6)، و"الفتح" (1/74)، و"العمدة" (1/176).
(26) ... في (أ) و(غ): «قوله» بلا واو.
(27) ... هذه اللفظة ليست في "صحيح مسلم"، وإنما دخلَتْ على الشارح من "صحيح البخاري" في موضعي التخريج، ولفظه في الموضعين: "دَعْهُ؛ فإنَّ الحياء من الإيمان»، فلعلَّ الشارح ظنَّ هذه اللفظة في "مسلم" فشرحها! انظر: "الإكمال" (1/272 شواط).
(28) ... في (ب) و(ط): «جزرًا».
(29) ... قوله: «له» ليس في (أ) و(ح).
(30) ... ليس في أيٍّ من ألفاظ الحديث هذا اللفظ لذي ذكره الشارح، وإنما لفَّق: فأخذ لفظة «دعه» من رواية البخاري لحديث ابن عمر، وجمع معها قوله: «الحياء لا يأتي إلا بخير» من رواية مسلم لحديث عمران، وربط بينهما بلفظة «فإنَّ»، وإنما رواية البخاري لحديث ابن عمر هكذا: «دَعْهُ»؛ فإنَّ الحياء من الإيمان» كما سبق بيانه.
(31) ... قوله:« بعض » سقط من (ح).
(32) ... في (غ): «لحق الله».
(33) ... في (أ):« في ».
(34) ... في (ط): «ويحمله ذلك».
(35) ... قوله: «في الحق» ليس في (ط).
(36) ... قوله: «شرعًا وطبعًا» من 0غ) فقط.
(37) ... من قوله: «ويجب ...» إلى هنا، في (ط): «وهو أحق».
(38) ... في (غ): «أولى» بلا واو.
(39) ... انظر: "معالم السنن" (5/56)، و"الإكمال" (1/270 شواط)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/130)، و"الصيانة" (ص 197-198)، و"النهاية" (1/470)، و"شرح النووي" (1/5)، و"الفتح" (1/52، 74)، و"العمدة" (1/128).(1/136)
.............................................
وقولُ بُشَيْر بن كعب:«إِنَّ مِنْهُ وَقَارًا، وَمِنْهُ سَكِينَةً»، يعني: أنَّ منه: ما يحملُ صاحبَهُ على أنْ يُوَقِّرَ الناسَ ويتوقَّرُ (1) هو في نفسه، ومنه: ما يحملُهُ على أنْ يَسْكُنَ عن كثيرٍ ممَّا يتحرَّكُ الناسُ إليه مِنَ الأمورِ التي لا تليقُ بذوي المروءات .
ولم يُنْكِرْ عِمْرَانُ على بُشَيْرٍ هذا القولَ مِنْ حيثُ معناه، وإنَّما أنكرَهُ عليه مِنْ حيثُ إنَّه (2) أتى به في مَعْرِضِ مَنْ يعارضُ كلامَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بكلامِ الحكماءِ، ويقاومُهُ به (3) ؛ ولذلك قال له: «أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صُحُفِكَ!» (4) ؟
وقيل: إنَّما أنكَرَ عليه (5) ؛ لأنَّه خافَ أن يَخْلِطَ بالسُّنَّة ما ليس منها؛ فَسَدَّ ذريعةَ ذلك (6) بالإنكار (7) ، والله تعالى أعلم . =(1/220)=@
بَابُ الاِسْتِقَامَةِ فِي الإِْسْلاَمِ، وَأَيُّ خِصَالِهِ خَيْرٌ
عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ (8) ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي فِي الإِسْلاَمِ قَوْلاً لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ -وَفِي رِوَايَةٍ: غَيْرَكَ- قَالَ: «قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ».
وَمِنْ بَابِ الاِسْتِقَامَةِ فِي الإِْسْلاَمِ، وَأَيُّ خِصَالِهِ خَيْرٌ
قوله:«قُلْ لِي فِي الإِسْلاَمِ قَوْلاً لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ»، أي: علِّمْني قولاً جامعًا لمعاني الإسلام، واضحًا في نفسه، بحيثُ لا يحتاجُ إلى تفسيرِ غيرك، أعمَلُ عليه، وأكتفي به (9) ؛ وهذا نحوٌ ممَّا قال له الآخر (10) : عَلِّمْنِي شَيْئًا أَعِيشُ بِهِ فِي النَّاسِ، &(1/137)&$
__________
(1) ... في (أ): « ويوقر ».
(2) ... قوله:« إنه » سقط من (ح).
(3) ... في (ح): «وتقاومه به».
(4) ... في (ب): «صحيفتك».
(5) ... في (ط): «وقيل: إنه إنما أنكر عليه»، وفي (ح): «وقيل: إنما أنكره عليه».
(6) ... في (ح):« عن ذلك ».
(7) ... انظر: "الإكمال" (1/271 شواط)، و"الصيانة" (ص 197 - 198)، و"شرح النووي" (2/7-8)، و"الفتح" (1/52).
(8) ... أخرجه مسلم (1/65رقم38) في الإيمان، باب جامع أوصاف الإسلام .
(9) ... قوله: «أعمل عليه، وأكتفي به» في (أ): «أعمل به»
(10) ... في (أ): «وهذا نحو قول الآخر».(1/137)
وَلاَ تُكْثِرْ عَلَيَّ فَأَنْسَى، فَقَالَ: «لاَ تَغْضَبْ» (1) .
.............................................
وهذا الجوابُ، وجوابُهُ بقوله: «قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ»: دليلٌ على أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُوتِيَ جوامعَ الكَلِمِ، واختُصِرَ له القول .............................................
اختصارًا؛ كما قاله النبيُّ (2) - صلى الله عليه وسلم - مُخْبِرًا بذلك عن نفسه (3) ؛ فإنّه - صلى الله عليه وسلم - جمَعَ لهذا السائلِ في هاتَيْن الكلمتَيْن معانيَ الإسلام والإيمانِ (4) كلَّها؛ فإنَّه أمره أن يجدِّدَ إيمانَهُ متذكِّرًا بقلبه، وذاكرًا بلسانه.
ويقتضي هذا استحضارَ تفصيلِ معاني الإيمانِ الشرعيِّ بقلبه - التي تقدَّم ذكرُهَا في حديثِ جبريل _ج - (5) وأَمْرِهِ بالاِستقامةِ على =(1/221)=@ أعمال الطاعاتْ، والانتهاءِ عن جميع المخالفاتْ؛ إذْ لا تتأتَّى الاستقامةُ مع شيء من الاعوجاج، فإنَّها ضِدُّه.
وكأنَّ هذا القولَ منتزَعٌ من قوله تعالى (6) : ُ ب ا آ ء ؤ أ خ ، ِ الآية (7) ، أي: آمَنُوا باللهِ ووحَّدوه، ثم استقاموا (8) على .............................................
ذلك وعلى طاعتِهِ إلى أن تُوُفُّوا عليها؛ كما قال عمرُ بنُ الخَطَّاب - رضي الله عنه - : «استَقَامُوا واللهِ على طاعتِهِ، ولم يَرُوغُوا رَوَغَانَ الثعالب (9) » (10) ، وملخَّصُهُ: اعتَدَلُوا على طاعة الله تعالى (11) ، عَقْدًا وقولاً وفعلاً، وداموا على ذلك إلى الوفاة (12) (13) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو (14) ؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : أَيُّ الإِسْلامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».
وَفِي أُخْرَى (15) : أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ».
وقوله:«أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ»، أي: أيُّ (16) خصالهم أفضلُ؛ بدليل جوابه بقوله - صلى الله عليه وسلم - : «تُطْعِمُ (17) الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» (18) ، وكأنَّه - صلى الله عليه وسلم - فَهِمَ عن هذا السائلِ أنَّه يسألُ عن أفضلِ خصالِ المسلمين المتعدِّيَةِ النفعَ إلى الغير، فأجابَهُ بأعمِّ ذلك وأنفعِهِ في حقِّه؛ فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يجيبُ كُلَّ سائلٍ على حَسَبِ ما يُفْهَمُ .............................................
عنه، وبما (19) هو الأهمُّ في حقِّه والأنفعُ له.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ»، قال أبو حاتم: تقول: قَرَأَ عليه السلامَ وأقْرَأَهُ الكتابَ، ولا تقول: أَقْرَأَهُ السلامَ إلاَّ في لغة سُوء، إلاَّ أن يكونَ مكتوبًا فتقول: أَقْرِئْهُ السلامَ، أي: اجعلْهُ يقرؤه (20) .
وجمَعَ له بين (21) الإطعامِ والإفشاء؛ لاجتماعهما في استلزام المحبَّةِ الدينيَّة، والأُلْفةِ الإسلاميَّة؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم - : «أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا &(1/138)&$
__________
(1) ... أخرجه أحمد (5/34، 372)، وابن أبي شيبة (8/532)، والطبراني (2/292- 295 رقم 2093،2094، 2096، 2103،2106)، والحاكم في "المستدرك" (3/615)،وابن حبان (12/501 رقم 5689)، كلُّهم من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن الأحنف بن قيس، عن جاريةَ بنِ قدامة، به .
... قال الإمام أحمد: وهذا إسنادٌ صحيح، رجاله كلُّهم ثقات.
... على أنه قد اختلف فيه على هشام اختلافًا كثيرًا:
... فرواه الأكثر عنه كما تقدم .
... وأخرجه أبو يعلى في مسنده (12/226 رقم 6838 ) من طريق أبي معاوية، عن هشام، عن أبيه، عن الأحنف، عن جارية، عن عم أبيه . والطبراني (2/295 رقم 2104) من طريق عبدة بن سليمان، عن هشام، عن أبيه، عن الأحنف، عن عم له من بني تميم، عن جارية . وابن أبي شيبة (8/533)، والطبراني ( 2105 ) من طريق عبدة بن سليمان، عن هشام، عن أبيه، عن الأحنف، عن جارية، عن ابن عم له من بني تميم، وأخرجه الطبراني أيضًا (2/293 رقم 2097) من طريق علي بن مسهر، عن هشام، عن أبيه، عن الأحنف، عن جارية؛ أن عمه أتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
... ولكن الراجح هو الوجه الأول؛ وذلك لورود الحديث عن عروة من غير طريق هشام، وعن الأحنف من غير طريق عروة على هذا الوجه . "مسند أحمد" (5/370)، والطبراني (2/294- 295 رقم 2100، 2101، 2107).
... قال الحافظ في الإصابة (1/219): روَى أحمدُ، عن يحيى بن سعيد وغيره، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن الأحنف، عن جارية ... وفيه اختلافٌ على هشام، رواه أكثر أصحابه عنه كما تقدَّم، وصحَّحه ابن حبان من طريقه .
... ورواه أبو معاوية، ويحيى بن أبي زكريا الغساني، وسعيد بن يحيى اللخمي، عن هشام، فزاد فيه: عن جارية، عن عمه . ورواه ابن أبي شيبة عن عبدة بن سليمان، عن هشام على عكس ذلك، فقال: عن الأحنف، عن عم له، عن جارية . ووقع في رواية لأبي يعلى، عن جارية بن قدامة، عن عم أبيه، فذكر الحديث . والأول أولى؛ فقد رواه الطبراني من طريق ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة . ومن طريق عمر بن كريب، عن أبيه: شهدت الأحنَف يحدِّث عن عمّه، وعمّه جارية بن قدامة .اهـ.
... ومن ذلك: يتبيَّن أن الوجه الأول هو الراجح، وهو صحيحٌ كما تقدَّم، والله أعلم. وانظر: تخريج "صحيح ابن حبان" (12/502)،وتخريج "مسند أبي يعلى"(12/226).
(2) ... قوله: «كما قاله النبي» في (ب) و(ط): «كما قاله»، وفي (غ): «كما قال النبي».
(3) ... أخرجه مسلم في أول كتاب المساجد ومواضع الصلاة (523)، والترمذي في السير، باب ما جاء في الغنيمة في إثر حديث رقم (1553)، وابن ماجه في الطهارة، باب ما جاء في السبب (567)، وأحمد في "المسند" (2/411)، والبيهقي (2/433)، وابن حِبَّان في "صحيحه" (6/87) رقم (2313)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ: «فُصِّلْتُ على الأنبياءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جوامعَ الكلمِ ..." الحديثَ.
(4) ... في (أ): «الإيمان والإسلام».
(5) ... في الباب الأوَّل من كتاب الإيمان.
(6) ... في (غ): «من قول الله تعالى».
(7) ... سورة فصلت، من الآية: 30 ، وسورة الأحقاف، من الآية: 13 .
(8) ... من قوله:« الآية ... » إلى هنا ليس في (أ).
(9) ... يقال: راغ الثعلبُ رَوْغًا: إذا مال وحاد عن الطريق، ويطلقُ على الانحراف عن الحق؛ مثلُ: فلانٌ يَرُوغُ عن الحق، كما يقال: طريقٌ رائغٌ وزائغٌ: إذا كان فيه مَيَلاَنٌ وانحراف. ... وانظر: "النهاية" (/278)، و"المجموع المغيث" (1/821)، و"القياس" (3/110)، و"أساس البلاغة" (ص 184)، و"المفردات" (ص 213)، و"عمدة الحفَّاظ" (ص 215).
(10) ... أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (ص 110)، وأحمد في "الزهد" (ص 171)، والطبريُّ في "تفسيره" (24/115)، والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (ص 59)، من طريق الزُّهْري عن عمر، به، وهذا سند ضعيف؛ لانقطاعه بين الزهري وعمر ."جامع التحصيل" (ص 331). ... وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" لسعيد بن منصور، وعبد بن حُمَيْد وابن المنذر. "الدر المنثور" (5/363).
(11) ... قوله: «على طاعة الله تعالى» في (ط): «على توحيد الله وطاعته».
(12) ... قوله: «إلى الوفاة» من (ط) فقط.
(13) ... انظر: "الإكمال" (1/273 شواط)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/134)، و"شرح النووي" (2/9)، و"الديباج" (1/56)، و"المفردات" (ص 418).
(14) ... أخرجه البخاري (1/55رقم12) في الإيمان، باب إطعام الطعام من الإسلام، ومسلم (1/65رقم39)في الإيمان، باب بيان تفاضلِ الإسلامِ،وأيُّ أمورِهِ أفضل.
(15) ... أخرجه البخاري (1/53رقم10) في الإيمان، باب المسلمُ من سلمَ المسلمون من لسانه ويده، ومسلم في الموضع السابق برقم (40).
(16) ... قوله: «أي» الثانية ليس في (غ) و(ط).
(17) ... في (ط): «بدليل قوله تطعم».
(18) ... لكن قوله - صلى الله عليه وسلم - : «تطعم الطعام ...» إلخ كان جوابًا منه عليه السلام لمن سأله: «أي الإسلام خير؟»، فقد أجابه: «من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده»، وسيأتيك في كلام الشارح ما يفيد أنه توهَّم أن السؤالين وردا على النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظ واحد، وهو: «أي المسلمين خير؟»، وجعل اختلاف الجوابين لاختلاف ما فهمه النبي - صلى الله عليه وسلم - من مقصود كل من السائلَيْن، وغفل الشارح عن أن أحد السؤالين لفظه: «أي الإسلام خير؟».
(19) ... في (أ) و(ب) و(ح): «وما».
(20) ... انظر: كلام أبي حاتم السجستاني في "تاج العروس" (1/219)، و"إكمال المعلم" (1/276 شواط)، و"فتح الباري" (1/56)، وانظر: "أساس البلاغة" (ص 360)، و"المصباح المنير" (ص 502)، و"لسان العرب" (1/130).
(21) ... قوله:« بين » سقط من (ح).(1/138)
فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ» (1) .
وفيه: دليلٌ على أنَّ السلام لا يُقْصَرُ =(1/222)=@ على من يُعْرَفُ، بل على المسلمين كافَّة؛ لأنّه (2) كما قال - صلى الله عليه وسلم - : «السَّلاَمُ شِعَارٌ لِمِلَّتِنَا، .............................................
وَأَمَانٌ لِذِمَّتِنَا (3) » (4) (5) .
.............................................
ورَدُّ السلامِ أوكَدُ من ابتدائه، وسيأتي القولُ فيه، إن شاء الله تعالى.
وقوله: «أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ؟ فقَالَ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»، هذا السؤالُ غيرُ السؤالِ الأوَّل (6) وإن اتَّحَدَ لفظهما (7) ؛ بدليلِ افتراق الجواب، وكأنَّه - صلى الله عليه وسلم - فَهِمَ عن هذا السائلِ أنّه (8) سأل عن أحقِّ المسلمين باسم الخيريَّة وبالأفضليَّة (9) ، وفَهِمَ عن الأوَّل أنَّه سَأَلَ عن أحقِّ خصالِ الإسلامِ بالأفضليَّة، فأجاب كُلاًّ منهما بما يليقُ بسؤاله (10) ، والله تعالى أعلم، وهذا أولى (11) مِنْ أن نقول: الخبران وعَنْ جَابِرٍ (12) ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «الْمُسْلِمُ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» .
واحد (13) ، وإنَّما بعضُ الرواة تسامَحَ (14) ؛ لأنَّ هذا التقديرَ يرفَعُ الثقةَ بأخبارِ الأئمَّةِ الحفَّاظِ العدول، مع وجودِ مندوحةٍ عن ذلك (15) . =(1/223)=@
وقوله: «الْمُسْلِمُ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»، أي: مَنْ كانتْ هذه حالَهُ، كان أحقَّ بهذا الاسمِ، وأمكنَهُمْ فيه.
ويبيِّن ذلك: أنَّه لا ينتهي الإنسانُ إلى هذا، حتَّى يتمكَّنَ خوفُ عقابِ الله سبحانه وتعالى مِنْ قلبه، ورجاءُ ثوابه، فيُكْسِبُهُ (16) ذلك وَرَعًا يحمله على ضَبْطِ لسانه ويده، فلا يتكلَّمُ إلاَّ بما يعنيه، ولا يفعلُ إلاَّ ما يَسْلَمُ فيه؛ ومَنْ كان كذلك، فهو المسلمُ الكامل، والمتَّقي الفاضل (17) .
.............................................
ويقرُبُ (18) من هذا المعنى بل يزيدُ عليه (19) : قولُهُ - صلى الله عليه وسلم - : «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَِخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (20) ؛ إذْ معناه: أَنَّهُ لاَ يتمُّ إيمانُ أحدٍ الإيمانَ التامَّ الكامل (21) ، حتَّى يَضُمَّ إلى إسلامه (22) سلامةَ النَّاسِ منه، وإرادةَ (23) الخيرِ لهم، والنُّصْحَ لجميعهم فيما يحاوله معهم (24) .
ويستفادُ من الحديث الأوَّل: أنَّ الأصلَ في الحقوقِ النفسيَّة والماليَّة المنعُ؛ فلا يحلُّ شيءٌ منها إلاَّ بوجهٍ شرعيٍّ، واللهُ تعالى أعلَمُ بغيبه وأحكم (25) . =(1/224)=@ &(1/139)&$
__________
(1) ... أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون (54).
(2) ... قوله: «لأنه» ليس في (ط).
(3) ... قوله: «وأمان لذمتنا» ليس في (ط)، وفي (غ): «وأمان بذمتنا».
(4) ... أخرجه القضاعي في "مسند الشهاب" رقم (262) من طريق طلحة بن زيد، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كَثِير، عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : «السلامُ تحيَّةٌ لِمِلَّتنا، وأمانٌ لذمَّتنا ». وطلحة بن زيد متروك عندهم . قال ابن عدي: روى بهذا الإسناد سِتَّةَ أحاديث موضوعة "الكامل" (4/1428). وقال الحافظ: متروك . قال أحمد وعلي وأبو داود: كان يضع "التقريب" (ص 282). ... وأخرجه الطبراني في "الصغير" (1/75)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (4/396) من طريق عصمة بن محمد الأنصاري، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيِّب، عن أبي هريرة، به . وقال الطبراني:« لم يروه عن يحيى بن سعيد إلا عصمة بن محمد ». اهـ . ... وعصمة بن محمد قال فيه يحيى: كذّاب يضع الحديث . وقال الدارقطني: «متروك». "الميزان" (3/68). ... وأخرجه الطبراني في "الكبير" (8/129) رقم (7518)، والبيهقيُّ في "الشعب" رقم (8798) عن بكر بن سهل، قال: حدثنا عمرو بن هاشم البيروتي، قال: حدثنا إدريس بن زياد الألهاني، عن محمد بن زياد الألهاني، عن أبي أمامة، به . ... قال الهيثمي في "المجمع" ( 8/23): رواه الطبراني عن شيخه بكر بن سهل الدمياطي، ضعَّفه النسائي .اهـ. وقال الذهبي في "الميزان" (1/345):« حمل عنه الناس، مُقَارِبُ الحال» . ... وقال النسائيُّ: ضعيفٌ". اهـ. كما أنَّ في سنده عمرو بن هاشم البيروتي، قال الحافظ: صدوق يخطئ، "التقريب" (428 رقم 5127) . وإدريس الألهانيُّ لم أقف له على ترجمة.
... فالحاصل: أن الحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لحال بكر وشيخه . وأما الطريقان قبله، فواهيان .
... وصحَّحه الضياء في "المختاره" كما في "فتح الوهاب" (1/234)، وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/79). وقال الألباني في "ضعيف الجامع" (2/242 ):« موضوع ».
(5) ... انظر: "شرح النووي" (2/11)، و"الفتح" (1/56).
(6) ... في (أ): «غير الأول».
(7) ... سبق أن لفظهما غير متحد، فالأوَّل:« أيُّ الإسلام خيرٌ؟ "، والثاني:« أيُّ المسلمين خير ؟"
(8) ... في (غ): «إنما».
(9) ... في (ح): «والأفضلية».
(10) ... هذا عجيب من الشارح _ح؛ فإن هذا الجواب إنما يصح على تقدير اختلاف السؤالين؛ كما في روايتي الحديث، لا على تقدير اتحاد السؤالين كما في صدر كلام الشارح، وأما على تقديرِ اتحاد السؤالَيْن وأنهما بمعنًى واحدٍ - توهَّم الشارح - فالجوابُ: هو الحملُ على اختلافِ حال السائلين أو السامعين، فيرادُ بالجوابِ الأول: ترغيبُ مَنْ رُجِىَ فيه النفعُ العامُّ بالقول أو الفعل . وبالجواب الثاني: من خُشِيَ منه الإيذاءُ بيد أو لسان، فأرشد إلى الكف . وانظر: "الإكمال" (ص 426)، و"شرح النووي على مسلم" (2/10)، و"الصيانة" (201)، و"الفتح" (1/56)، و"العمدة" (1/139)، و"مكمل إكمال الإكمال" (1/137)، و"فتح الملهم" (1/106).
(11) ... قوله: «والله تعالى أعلم، وهذا أولى» في (أ): «وهو الأولى».
(12) ... أخرجه مسلم في الموضع السابق برقم (41).
(13) ... في (ط): «يقول الخبر واحد».
(14) ... في (أ): «سامح».
(15) ... انظر هذا الجواب وأجوبة أخرى عن ذلك في "الإكمال" (1/277 شواط)، و"الصيانة" (ص 201-202)، و"شرح النووي" (2/10)، و"الفتح" (1/54-56).
(16) ... في (أ):« فيلبسه ».
(17) ... قال الحافظ: الألفُ واللام للكمال، وتعقِّب: بأنه يستلزمُ أنه من اتصفَ بذلك، كان كاملاً . ويُجابُ: بأن المراد بذلك مع مراعاة باقي الأركان، وإثباتُ اسم الشيء على معنى إثبات الكمال له مستفيضٌ في كلامهم، ويحتملُ: أن يكون المرادُ بذلك أن يبيِّن علامةَ المسلم التي يُستدلُّ بها على إسلامه، وهي سلامةٌ المسلمين مِنْ لسانه ويده، كما ذكر مثله في علامات المنافق. اهـ مختصرًا . انظر:"الفتح" (1/53)، و"العمدة" (1/132)، و"الإكمال" (1/277 شواط)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/137)، و"الصيانة" (ص 202)، "شرح النووي" (2/10).
(18) ... في (أ):« ويكون ».
(19) ... قوله: «بل يزيد عليه» ليس في (أ).
(20) ... سيأتي تخريجه بعد قليل .
(21) ... قوله: «الإيمان التامّ الكامل» من (ط) فقط.
(22) ... قوله: «إسلامه» في (ط): «إيمانه»، وسقط من (ب) و(ح) و(غ).
(23) ... في (ب) و(ح) و(غ): «إرادته»، وفي (ط): «وإرادته».
(24) ... قوله: «فيما يحاوله معهم» في (ط): «كما يريده لنفسه».
(25) ... ومن الأدلَّة الصريحة على هذا الأصل قولُهُ - صلى الله عليه وسلم - في منى يوم النحر: « إنَّ دماءَكُمْ وأموالَكُمْ وأعراضَكُمْ عليكم حرامٌ كحُرْمة يومكم هذا، في شَهْرِكم هذا، في بلدكم هذا ». ... أخرجه البخاري (1/67) في العلم، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « رُبَّ مبلِّغٍ أوعى من سامع »، ومسلم (3/1305 رقم 1679) في القسامة، باب تغليظِ تحريمِ الدماء والأعراض والأموال؛ من حديث أبي بكرة، $ح.(1/139)
بَابٌ لاَ يَصِحُّ الإِيمَانُ حَتَّى تَكُونَ مَحَبَّةُ ... رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَاجِحَةً عَلَى كُلِّ مَحْبُوبٍ مِنَ الْخَلْقِ
عَنْ أَنَسٍ (1) ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ - وَفِي رِوَايَةٍ: الرَّجُلُ - حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» .
وَمِنْ بَابِ لاَ يَصِحُّ الإِيمَانُ حَتَّى تَكُونَ مَحَبَّةُ ... رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَاجِحَةً عَلَى كُلِّ مَحْبُوبٍ مِنَ الْخَلْقِ (2)
قوله: «لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ (3) حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»، هذا الحديثُ - على إيجازِهِ - يتضمَّنُ ذكرَ أصنافِ ... وَفِي لَفظٍ آخَرَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ».
المَحَبَّةِ (4) ؛ فإنَّها ثلاثة:
محبَّةُ إجلالٍ وإعظام؛ كمحبَّةِ الوالِدِ والعلماءِ والفضلاء.
ومحبَّة ُرحمةٍ وإشفاق؛ كمحبَّة الولد.
ومحبَّةُ مشاكلةٍ واستحسان؛ كمحبَّة غير (5) مَنْ ذكرنا (6) .
.............................................
وإنَّ محبَّةَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لا بدَّ أن تكون راجحةً على ذلك كلِّه (7) .
وإنَّما كان ذلك؛ لأنَّ الله تبارك وتعالى (8) قد كمَّله على جميعِ جنسه، وفضَّله على سائر نوعه، بما جبله (9) عليه مِنَ المحاسنِ الظاهرة والباطنة، وبما فضَّله به مِنَ الأخلاقِ الحسنة والمناقبِ الجميلة؛ فهو أكملُ مَنْ وَطِئَ الثَّرى، وأفضلُ مَنْ رَكِبَ ومَشَى، وأكرمُ مَنْ وافى القيامة، وأعلاهُمْ منزلةً في دارِ الكرامة.
قال القاضي أبو الفضل: فلا يصحُّ الإيمانُ إلاَّ بتحقيق إنافةِ (10) .............................................
قَدْرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ومنزلتِهِ، على كلِّ والدٍ وولد، ومُحْسِنٍ ومُفْضِل، ومن لم يعتقدْ هذا واعتقَدَ سواه، فليس بمؤمنٍ (11) .
قال الشيخ، رحمه الله: وظاهرُ هذا القول أنَّه صرَفَ (12) محبَّةَ &(1/140)&$
__________
(1) ... أخرجه البخاري (1/58رقم15) في الإيمان، باب حبِّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الإيمان، ومسلم (1/67رقم44) في الإيمان، باب وجوب محبَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثَرَ من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين ... .
(2) ... قول القرطبي في هذه الترجمة: «لا يصح الإيمان» ظاهر في نفي لإيمان بالكلية عمَّن لا يجعل محبَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - راجحة على كل محبوب من الخلق، وهذا ما سينكره الشارح عن القاضي عياض أن تلك المحبَّة شرط في صحة الإيمان؛ لأن القاضي حمل هذه المحبَّة على معنى التعظيم والإجلال، ولكن الشارح سيعترض القاضي في ذلك، وسيبيُّن أن المحبة المرادة في حديث الباب ليست باعتقادر الأعظميَّة والأجليَّة، بل هي ميلٌ إلى المعتقد تعظيمُهُ، وتعلُّقُ القلب به، ومن لم يجد من نسفه ذلك الميل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لم يَكْمُلْ إيمانه، أي: لم يكمل إيمانه الكمال الواجب لا الكمال المستحب، كما سيأتي بيان ذلك في التعليقات. ... وهذا يبيِّن أن الشارح رحمه الله قد خالف بين ترجمة الباب، وما ذكره في شرح أول حديث فيه، والصواب ما ذكره في الشرح معترضًا على القاضي عياض؛ كما نقله الحافظ عنه في "الفتح" (1/59-60)، وأقرَّه . وانظر: "الإكمال" (ص 43).
(3) ... أي: لا يؤمنُ عبدٌ الإيمان الواجب، والمراد كماله. انظر: "فتح المجيد" (ص 386 - ط الفريَّان).
(4) ... أي: أصناف محبَّة الخَلْق بعضهم بعضًا، وهذه هي المحبَّة المشتركة، وهذه غير المحبَّة الخاصَّة التي لا تصرف إلا إلى الله تعالى، وهي محبَّة العبوديَّة.
(5) ... قوله: «غير» سقط من (غ).
(6) ... قد سبق الشارح إلى مثل ذلك: القاضي أبو الفضل عياض نقلاً عن بعض المتكلمين على الحديث. "الإكمال" (1/283 شواط)، وقد ذكر ابن القيم _ح في "طريق الهجرتين" (ص 441)؛ أن المحبَّة تكون على قسمين: محبَّةٌ مشتركة، ومحبَّةٌ خاصَّة بالله تعالى لا يَشْرَكُهُ فيها أحدٌ؛ قال:
... «أما المحبَّة المشتركة: فثلاثة أنواع:
... أحدها: محبَّة طبيعيَّة؛ كمحبَّة الجائع للطعام، والظمآن للماء، وغير ذلك؛ وهذه لا تستلزم التعظيم.
... النوع الثاني: محبَّة رحمة وإشفاق؛ كمحبَّة الوالد لولده الطفل، ونحوها، وهذه أيضًا لا تستلزم التعظيم.
... النوع الثالث: محبَّة أُنْس وإلف؛ وهي محبَّة المشتركين - في صناعة، أو علم، أو مرافقة، أو تجارة، أو سفر - بعضهم بعضًا، وكمحبَّة الإخوة بعضهم بعضًا.
... فهذه الأنواع الثلاثة هي المحبَّة التي تصلح للخلق بعضهم من بعض، ووجودها فيهم لا يكون شركًا في محبَّة الله سبحانه...
... أما المحبَّة الخاصَّة التي لا تصلح إلا لله وحده، وحتى أحب العبدُ بها غيره، كان شركًا لا يغفره الله، فهي محبة العبوديَّة المستلزمةُ للذلِّ والخضوعِ والتعظيم، وكمالِ الطاعة، وإيثارِهِ على غيره؛ فهذه المحبَّة لا يجوز تعلُّقها بغير الله أصلاً». اهـ. وانظر: "تيسير العزيز الحميد" (ص 411).
... وبجمع ما ذكره ابن القيم إلى ما ذكره الشارح تكون أنواع المحبة المشتركة أربعة أنواع: محبة إجلال وإعظام، ومحبة طبيعية، ومحبة رحمة وإشفاق، ومحبة من أنس ومشاكلة، والأمر - كما قال الشارح - «أَن محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا بد أن تكون راجحةً على ذلك كلِّ»، كما أن محبَّة الله تعالى لا تكون لغيره، لا بني مرسل، ولا ملك مقرَّب؛ إذ هي محبَّة العبودية والذل!
(7) ... انظر: "الشفا" (2/29 - 30)، و"الإكمال" (1/283 - ط شواط)، و"الإكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/145)، و"شرح النووي" (2/15).
(8) في (أ) و(ط): «لأن الله تعالى».
(9) ... في (ح): «مما جبله»، وفي (ط): «بما جعله».
(10) ... في (غ): «إلا بتحقق إنافة»، والإنافة، اي: الزيادة والارتفاع؛ يقال: أناف عليه إنافةً، أي: زاد؛ كنيَّف. انظر: "الصحاح" (4/1436)، و"القاموس" (ص 858)، و"تاج العروس" ( ).
(11) ... انظر كلام القاضي أبي الفضل عياض في "الإكمال" (1/283 شواط)، وانظر: "الشفا" (2/18-19، وفتح الباري" (2/59) و"شرح النووي" (2/16) و"مجموع الفتاوى" (10/48-61)، و"منهاج السنة" (5/388-416).
(12) ... في (أ): «صدق»، وفي (ط): «فصرف».(1/140)
النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلى اعتقادِ تعظيمِهِ وإجلاله، ولا شكَّ في كُفْرِ مَنْ لا (1) يعتقدُ ذلك.
غيرَ أنَّ تنزيلَ هذا الحديثِ على ذلك المعنى (2) غيرُ صحيح (3) ؛ لأنَّ اعتقادَ الأعظَمِيَّةِ ليس بالمحبَّةِ، ولا الأحبِّيَّة، ولا مستَلْزِمًا لها؛ إذْ قد يجدُ الإنسانُ من نفسه إعظامَ أمرٍ أو =(1/225)=@ شخصٍ، ولا يجدُ محبَّته،، ولأنَّ عمر بن الخَطَّاب (4) - رضي الله عنه - لَمَّا سمع قولَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»، .............................................
قَال (5) : يَا رَسُولَ اللهِ! لَأَنْتَ (6) أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ نَفْسِي، فَقَالَ: «وَمِنْ نَفْسِكَ يَا عُمَرُ»، فَقَالَ: وَمِنْ نَفْسِي، فَقَالَ: «الآْنَ يَا عُمَرُ» (7) (8) .
وهذا كلُّه تصريحٌ بأنَّ هذه المحبَّةَ ليستْ باعتقاد تعظيم، بل ميلٌ إلى المعتقَدِ تعظيمُهُ وتعلُّقُ القلبِ به، فتأمَّلْ هذا الفرق؛ فإنَّه صحيحٌ، ومع ذلك فقد خَفِيَ على كثيرٍ من الناس (9) .
.............................................
وعلى هذا: فمعنى (10) الحديث، والله أعلم: أنَّ مَنْ لم يجدْ مِنْ نفسه ذلك الميلَ، وأرجحيَّتَهُ (11) للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، لم يَكْمُلْ إيمانُهُ (12) .
.............................................
على أنِّي أقولُ: إنَّ كلَّ مَنْ صدَّق بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وآمَنَ به (13) إيمانًا صحيحًا، لم يَخْلُ عن وِجْدَانِ شيء من تلك المحبَّة الراجحةِ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ؛ غير أنّهم في ذلك متفاوتون:
فمنهم: مَنْ أخذ من (14) تلك الأرجحيّةِ بالحظِّ الأوفى؛ كما قد اتَّفَقَ لعمر - رضي الله عنه - حين (15) قال: ومِنْ نَفْسِي (16) ، ولهندٍ امرأةِ أبي سفيان حين قالتْ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : لَقَدْ كَانَ وَجْهُكَ أَبْغَضَ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ ... الحديث (17) ، وكما قال عمرو بن العاص: لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ (18) أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، .............................................
وَلاَ أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ؛ إِجْلاَلاً لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ (19) أَنْ أَصِفَهُ، مَا أَطَقْتُ؛ لأَِنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ (20) ، ولا شَكَّ (21) في أنَّ حظَّ أصحابِهِ من (22) =(1/226)=@ هذا المعنى أعظَمُ؛ لأنَّ معرفتهم بقدره (23) أعظم؛ فالمحبَّةُ (24) ثمرةُ المعرفة، فتقوَى وتضعُفُ بِحَسَبها.
ومن المؤمنين: من يكونُ مستغرِقًا بالشهواتْ، محجوبًا بالغفلات عن ذلك المعنى في أكثرِ الأوقاتْ (25) ؛ فهذا بأخسِّ الأحوال، لكنَّه (26) إذا ذُكِّرَ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (27) ، أو بشيء (28) من فضائله، اهتاجَ لذكرِهِ، واشتاقَ لرؤيته، بحيثُ يُؤْثِرُ رؤيتَهُ، بل رؤيةَ &(1/141)&$
__________
(1) ... في (ط): «لم».
(2) ... في (ط): «على هذا المعنى فسب».
(3) ... نقل كلام القاضي دون اعتراض: النووي في «شرح مسلم» (2/16)، وأشار إليه معترضًا عليه بما ذكره الشارح هنا: الحافظ في "الفتح" (1/59-6)، وانظر: تعليقتنا على ترجمة الباب.
(4) ... قوله: «ابن الخطاب» زيادة من (ط).
(5) ... في (ح): «قال عمر».
(6) ... في (ب) و(ح) و(غ) و(ط): «أنت».
(7) ... أخرجه البخاري (11/523) في الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمينُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - .
(8) ... نقل الحافظ كلام القاضي واعتراض الشارح عليه، وأَمَرَّه، وقال: فهذه المحبَّةُ ليستْ باعتقادِ الأعظميَّة فقطْ؛ فَإنها كانتْ حاصلةً لعمر قبل ذلك قطعًا، ومِنْ علامةِ الحبِّ المذكور: أن يُعْرَضَ على المرء أَنْ لو خيِّر بين فَقْدِ غَرَضٍ من أغراضه، أو فَقْدِ رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لو كانتْ ممكنةً: فإنْ كان فقدها أَنْ لو كانتْ ممكنةً أشدَّ عليه مِنْ فقد شيء من أغراضه - فقد اتصَفَ بالأحبيَّةِ المذكورة، ومَنْ لا فلا، وليس ذلك محصورًا في الوجود والفقد؛ بل يأتي مثله في نُصْرة سنته، والذبِّ عن شريعته، وقَمْعِ مخالفيها، ويدخلُ فيه بابُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، "الفتح" (1/59).
(9) ... هذا المعنى الذي انتهَى إليه الشارح هو الموافقُ لظاهرِ اللفظ وحقيقةِ اللغة؛ ولذا فإنَّ الصواب في ذلك ألا تؤوَّل المحبة هنا، فتفسَّر بلوازمها وآثارها ومقتضياتها من الاتباع والتعظيم والنصرة ونحو ذلك، فنقع فيما نعيبُ به غيرنا مِنْ صَرْفِ معاني الألفاظ عن ظاهرها وحقيقة وضعها بلا مستَنَدٍ ولا ملجئٍ صحيح؛ كما أنها لا تجرَّدُ من لوازمها وآثارها ومقتضياتها، فتكونُ دعوى غير صادقة، وعاطفةً باهتة تنحرفُ لدى فئات من الناس إلى نوعٍ من العشق والتشبيب والتواجد الذي ينزَّه عنه مقام المصطفى - صلى الله عليه وسلم - . وإنَّما تفسَّر المحبة بمعناها الحقيقي، ثم ترتَّب عليه آثاره ولوازمه؛ قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: «والمحبة [أي: محبَّة الله للعبد] لا تستلزم نقصًا؛ بل هي صفة كمال، بل هي أصل الإرادة، فكل إرادة فلا بد أن تستلزم محبَّة؛ فإنَّ الشيء إنما يراد لأنه محبوب، أو لأنه وسيلةٌ إلى المحبوب، ولو قدِّر عدةُ المحبَّة، لا متنعتِ الإرادة؛ فإنَّ المحبَّة لازمةٌ للإرادة، فإذا انتقى اللازم انتقى الملزوم. وكذلك المحبَّةُ مستلزمةٌ للإرادة؛ فمن أحبَّ شيئًا فلا بد أن يتضمَّن حبُّه إياه إرادةً لبعض متعلَّقاته؛ ولهذا كان خَلْقُهُ تعالى لمخلوقاته لحكمة، والحكمةُ مرادةٌ محبوبة؛ فهو خَلَقَ ما خَلَقَ المراد محبوب، وهو سبحانه يحبُّ عيادَهُ المؤمنين فيريدُ الإحسان إليهم، وهم يحبُّونه فيريدون عيادته وطاعته، وقد ثبت في "الصحيحين" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولد ووالده والناس أجمعين»، وما من مؤمن إلا هو يجد في قلبه للرسول من المحبَّة ما لا يجده لغيره، حتى إنه إذا سمع محبوبًا له من أقاربه أو أصدقائه - يَسُبُّ الرسولَ : هان عليه عدوتُهُ ومهاجرته؛ بل وقتله، لحب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وإن لم يفعل ذلك لم يكن مومنًا». ... انظر: "الفتح" (1/59)، و"العمدة" (1/163)، و"شرح التوربشتي" لـ"المشكاة" (ص 40)، وشرح الطِّيبي لـ"المشكاة" (1/118)، و"شرح النووي" (2/15)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/145)، و"منهاج السنة" (5/400).
(10) ... في (أ) و(غ): «معنى»، وفي (ح): «المعنى».
(11) ... في (أ): «وترجيحه».
(12) ... كذا عبَّر الشارح بنفي الكمال، والصحيح: أن هذا من نفي الكمال الواجب، لا من نفي الكمال المستجب؛ كما قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبدالوهاب: «مَنْ قال: إنَّ المنفيَّ هو الكمال [كما ذهب إليه الشارح هنا]: فإنْ أراد نَفْيَ الكمال الواجب الذي يُذَمُّ تاركه، ويتعرَّض للعقوبة، فقد صدَقَ . وإنْ أراد نَفْيَ الكمال المستَحَبِّ، فهذا لم يقعْ قطُّ في كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - قال شيخ الإسلام [الكلام على حقيقة الإسلام» (ص 66)]، "تيسير العزيز الحميد" (ص 415)، وانظر: "فتح الباري" لابن رجب (1/44).
(13) ... قوله: «به» سقط من (غ).
(14) ... قوله: «من» سقط من (أ) و(ح).
(15) ... في (أ) و(غ): «حتى».
(16) ... قد تقدم تخريجه .
(17) ... لعل الشارح أراد الحديثَ الذي فيه قولُ هندٍ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا رسولَ الله، واللهِ ما كان على ظهرِ الأرضِ أهلُ خِبَاءِ أَحَبَّ إليَّ مِنْ أن يُذِلَّهم اللهُ من أهلِ خبائك، وما على ظهرِ الأرضِ أهلُ خباءٍ أَحَبَّ إليَّ من أن يُعزَّهُمُ اللهُ من أهلِ خبائك». ... أخرجه البخاريّ في مناقب الأنصار، باب ذكر هند بنت عتبة (7/141)، ومسلم في الأقضية، باب قضية هند رقم ( 1714 )، من حديث عائشة، رضي الله عنها. وانظر: كلام الشارح على هذا الحديث في كتاب الأقضية، باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغيِّر حكم الباطن، والحكم على الغائب. ... أمَّا ما ذكره الشارح: فقد أخرجه مِنْ قول أبي سفيان حين أسلم: ابنُ هشام في "السيرة النبوية" (6/52).
(18) ... في (أ):« أجد ».
(19) ... في (ب) و(ط): « شئت ».
(20) ... يأتي في باب الإسلامُ إذا حَسُنَ، هدَمَ ما قبله من الآثام، وأحرز ما قبله من البرّ.
(21) ... قوله: «في» ليس في (أ).
(22) ... في (أ):« في ».
(23) ... في (ب) و(ط): «لقدره».
(24) ... في (ب) و(ح) و(ط): « لأن المحبة ».
(25) ... في جميع النسخ: «أوقاته» والمثبت من "الفتح" (1/60)؛ نقلاً عن الشارح، وهو أوفق بالسجع الذي يكثر منه القرطبي!
(26) ... قوله: «لكنه» في (أ):« إليه ».
(27) ... قوله: «بالنبي» في (أ): «به».
(28) ... قوله: «أو بشيء» في (ب) و(ح) و(ط): «وبشيء»، وفي (غ): «والشيء».(1/141)
قبرِهِ ومواضعِ آثاره، على أهلِهِ .............................................
ومالِهِ وولدِهِ، ووالده (1) ، ونفسِهِ والناسِ أجمعين، فيخطُرُ له هذا ويجدُهُ (2) وِجْدانًا لا شَكَّ فيه، غير أنَّه سريعُ الزوال والذَّهَاب؛ لغلبة الشَّهَوَاتِ، وتوالي الغَفَلاَت (3) ؛ ويُخَافُ على مَنْ كان هذا (4) حالُهُ ذَهَابُ أصلِ (5) تلك المحبَّةْ، حتى لا يوجَدَ منها حَبَّةْ، فنسألُ اللهَ الكريم، ربَّ العرش العظيم (6) : أن يَمُنَّ علينا بدوامها وكمالَِها (7) ، وألاَّ (8) يَحْجُبَنَا عنها (9) .
بَابٌ
عَنْ أَنَسٍ (10) ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - : «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأِخِيهِ -أَوْ قَالَ: لِجَارِهِ - مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».
وقوله: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأِخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»، أي (11) : لا يكمُلُ إيمانه (12) ؛ كما تقدَّم؛ إذْ مَنْ يَغُشُّ المسلمَ ولا ينصحُهُ مرتكبٌ كبيرةً (13) ، ولا يكونُ كافرًا بذلك (14) ؛ كما قد بيَّنَّاه غير مرَّة (15) .
وعلى هذا: فمعنى (16) الحديث: أنَّ الموصوفَ بالإيمانِ الكامل: مَنْ كان في معاملته للناس ناصحًا لهم (17) ، مريدًا لهم ما يريده (18) لنفسه، وكارهًا (19) لهم ما يكرهه لنفسه،، ويتضمَّنُ أن يفضِّلهم على نفسه؛ لأنَّ كلَّ أحد يُحِبُّ أن يكونَ أفضَلَ من غيره، فإذا أحَبَّ لغيره .............................................
ما يحبُّ لنفسه، فقد أَحَبَّ أن يكونَ غيره أفضَلَ منه (20) ؛ وإلى هذا المعنى (21) أشار الفُضَيْلُ بنُ عِيَاض _ح لمَّا (22) قال لسفيانَ (23) بنِ عُيَيْنة: إنْ كنتَ تريدُ أن يكون الناسُ مثلَكَ، فما أدَّيْتَ للهِ الكريمِ النصيحة، فكيف وأنتَ تُوَدُّ أنَّهم دونك؟! (24) . =(1/227)=@
بَابٌ حُسْنُ الْجِوَارِ وَإِكْرَامُ الضَّيْفِ مِنَ الإِْيمَانِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَة (25) ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ».
وَمِنْ بَابِ حُسْنُ الْجِوَارِ وَإِكْرَامُ الضَّيْفِ مِنَ الإِْيمَانِ (26)
قوله: «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»، الجارُ هنا: يصلُحُ للمجاوِرِ لك في مسكنك، ويصلُحُ للداخل في جوارك وحُرْمتك؛ إذْ كلُّ واحد &(1/142)&$
__________
(1) ... قوله: «ووالده» سقط من (أ) و(ح).
(2) ... في (أ):« ونحوه ».
(3) ... من قول الشارح: «على أني أقول: إن كل من صدَّق بالنبي .....» إلى هنا: نقله الحافظ في "الفتح" (1/60)، باختصار، وأقرَّه.
(4) ... في (أ):« من هذا حاله ».
(5) ... قوله: «أصل» ليس في (ط).
(6) ... قوله: «الكريم ربَّ العرش العظيم» ليس في (أ) و(ط)، وقوله: «ربَّ العرش العظيم» ليس في (ب) و(ح)، والمثبت من (غ).
(7) ... قوله:« وكماله » سقط من (أ). (11) في (ب):« ولا ».
(8) ... في (ب): «ولا».
(9) ... انظر: في محبَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - : «مجموع الفتاوى" (27/425)، و"الشفا" (2/14)، و"شرح الطيبي" (1/118)، و"شرح النووي" (2/16)، و"الفتح" (1/59).
(10) ... أخرجه البخاري (1/56رقم13) في الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومسلم (1/67رقم 45) في الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير .
(11) ... في (ط): «معناه أي».
(12) ... قوله:« إيمانه » سقط من (أ).
(13) ... في (أ): «لكبيرة».
(14) ... قوله: «بذلك» ليس في (أ).
(15) ... قوله: «كما قد بيَّناه غير مرة» في (ح): «كما بيَّناه غير مرة»، وفي (أ): «كما قدمنا»، وفي (غ): «كما قدَّمناه غير مرة».
(16) ... في (ب): «معنى».
(17) ... قوله: «في معاملته للناس ناصحًا لهم» في (أ): «ناصحًا للناس في معاملته».
(18) ... في (أ): «يريد».
(19) ... في (أ): «كارهًا».
(20) ... سبق إلى هذا المعنى أبو الزِّنَاد بن سراج، وقد نقل عنه الحافظ في "الفتح" أنه قال: «ظاهر هذا الحديث: طَلَبُ المساواة، وحقيقته تستلزم التفضيل؛ لأنَّ كل أحدٍ يحب أن يكون أفضل من غيره، فإذ أحب لأخيه مثله، فقد دخل في جملة المفضولين»، وتبعه عليه القاضي عياض في "الإكمال"، ثم تابعه الشارح هنا. وقد تعقَّبه الحافظ، فقال: فيه نظرٌ؛ لأنَّ المقصودَ الحثُّ على التواضع، فلا يُحِبُّ أن يكون أفضلَ من غيره، فهو مستلزمٌ للمساواة . ويستفادُ ذلك من قوله تعالى: ُ » ف پ ـ لله ْ ّ ِ ُ َ ِ [القَصَص: 83] {تِلْكَ الدَّارُ الآْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَْرْضِ وَلاَ فَسَادًا}، ولا يتمُّ ذلك إلا بترك الحسد والغِلِّ والحقد والغش، وكُلُّها خصال مذمومة. وقال ابن الصلاح: القيام بذلك يحصُلُ بأن يحبَّ له حصولَ مِثْلِ ذلك من جهة لا يزاحمه فيها، بحيثُ لا تَنْقُصُ النعمةُ على أخيه شيئًا من النعمة عليه، وذلك سهلٌ على القلب السليم . "الفتح" (1/58)، و"العمدة القاري" و"الصيانة" (ص 204)، و"إكمال المعلم" (ص 422)، و"إكمال الإكمال" (1/149).
(21) ... قوله: «وإلى هذا المعنى» في (أ): «ولهذا»، وفي (أ): «وإلى هذا».
(22) ... في (أ): «حين».
(23) ... قوله: «رحمه الله لما قال لسفيان» في (ا): «رضي الله عنه معنا لمَّا قال سفيان».
(24) ... انظر: مقالة الفضيل في "الإكمال" (ص 432)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/147-148)، و"عمدة القاري" (1/142)، و"تاريخ دمشق" (48/418). وقد قال الحافظ في "الفتح" (1/58): «فائدة: قال الكرماني: ومن الإيمان أيضًا: أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه من الشرِّ، ولم يذكره [يعني: في الحديث]؛ لأن حُبَّ الشيء مستلزمٌ لبغضِ نقيضه؛ فترك التنصيص عليه؛ اكتفاءً، والله أعلم».
(25) ... أخرجه مسلم (1/68رقم46)في الإيمان، باب بيان تحريم إيذاء الجار .
(26) ... قوله:« من الإيمان » سقط من (أ).(1/142)
منهما يجبُ الوفاءُ بحقه، وتحرمُ أَذِيَّتُهُ تحريمًا أشدَّ من تحريم أذى المسلم مطلقًا.
فمَنْ كان - مع هذا التأكيد الشديد - مُضِرًّا بجاره (1) ، كاشفًا لعوراته، حريصًا على إنزالِ البوائِقِ (2) به: كان ذلك منه (3) دليلاً:
وإمَّا على فسادِ اعتقادٍ ونفاق، فيكونُ كافرًا، ولا شك في أنه (4) لا يدخُلُ الجنة.
وإمَّا على استهانةٍ (5) بما عظَّم اللهُ تعالى مِنْ حرمةِ الجار، ومِنْ .............................................
تأكيدِ عهدِ الجوار (6) ، فيكونُ فاسقًا فِسْقًا عظيمًا، ومرتكبَ (7) كبيرةٍ، يُخَافُ عليه من الإصرار عليها أن يُخْتَمَ عليه بالكفر؛ فإنَّ المعاصيَ بريدُ الكُفْر (8) ، فيكونُ من الصِّنْفِ الأول (9) ،، وإنْ سَلِمَ من ذلك ومات غيرَ تائب، فأمرُهُ إلى الله تعالى، فإنْ عَاقَبَهُ (10) بدخول النار، لم يدخُلِ الجَنَّةَ (11) حين يدخلُهَا مَنْ لم يكنْ كذلك، أو لا يدخُلُ الجنَّةَ المعدَّةَ لمن قام بحقوق جاره (12) (13) .
.............................................
وعلى هذا القانون: ينبغي أن يحمَلَ كلُّ (14) ما في هذا الباب مما قالَ فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنَّ فاعله لا يدخُلُ الجنّة ، مما ليس بشركٍ؛ للأدلَّةِ المتقدِّمة، ولِمَا (15) يأتي في أحاديث الشفاعة (16) (17) .
وَعَنْهُ (18) ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ». وَفِي أُخْرَى: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ» .
«والبوائق» (19) : جمعُ بائقة، وهي الداهيةُ التي تُوبِقُ صاحبها، أي: تُهْلِكه، وقد تقدَّم ذكرها (20) ؛ =(1/228)=@ يقال: باقَتِ البائقةُ بَوْقًا (21) ، وقال صاحبُ "الأفعال": باقت البائقةُ بَوْقًا، وهي الداهية (22) .
وقوله (23) : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ...» الحديثَ (24) ، يعني: مَنْ كان يؤمنُ بالله الإيمانَ .............................................
الكامل، المُنْجِيَ مِنْ عذاب الله، المُوصِلَ إلى رضوان الله (25) ؛ لأنَّ مَنْ آمَنَ بالله تعالى حَقَّ إيمانه (26) ، خاف وعيدَه رجاءَ ثوابَه (27) ، ومَنْ آمنَ باليومِ الآخر (28) ، استعدَّ له، واجتهَدَ في فعل ما يدفَعُ به (29) أهوالَهُ ومكارهه، فيأتمرُ بما أُمِرَ به (30) ، وينتهي عما نُهِيَ (31) عنه، ويتقرَّبُ إلى الله (32) تعالى بفعلِ ما يقرِّبُ إليه (33) ، ويعلمُ أَنَّ مِنْ (34) أهمِّ ما عليه ضَبْطَ جوارحه - التي هي رعاياه، وهو مسؤولٌ عنها - جارحةً جارحةً (35) ؛ كما قال تعالى (36) : ُ ژ 1 2 3 4 5 6 7 8 ِ الآية (37) ، و (38) ا ئ إ گ [ غ ع . ء }ـ! ! ِ .............................................
الآية (39) ، وإِنَّ مِنْ أكثرِ المعاصي عددًا، وأيسرها (40) فعلاً: معاصيَ اللسان، وقد استقرَأَ المحاسِبُونَ لأنفسهم (41) آفاتِ اللسان، فوجدوها تُنَيِّفُ على العشرين (42) (43) .
وقد أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا جملةً؛ فقال: «وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ، فِي النَّارِ (44) إِلاَّ حَصَائِدُ &(1/143)&$
__________
(1) ... في (غ): «لجاره».
(2) ... سيأتي معنى «البوائق» في كلام الشارح.
(3) ... قوله:« منه » ليس في (أ) و(ط).
(4) ... قوله: «ولا شك في أنه» سقط من (أ).
(5) ... في (ب) و(ح) و(غ) و(ط): « امتهانه ».
(6) ... في (أ): «من حرمة للجار وتأكيد عهد الجوار».
(7) ... في (أ) و(غ): «مرتكب» بلا واو.
(8) ... روى أبو نعيم في "الحلية" (10/229)، قال: «سمعتُ أبا عمرو بن حموات يقول: سمعتُ أبي يقول: قال أبو حفص [وهو الإمام القدوة الرباني الزاهد عمرو بن سَلْم النيسابوري]: المعاصي بريد الكفر؛ كما أنَّ الحمَّى بريد الموت»، وفي كشف الخفا» (2/278): «أي: تجرُّ إلى الكفر، ولم أر من ذكره؛ غير أن ابن حجر المكي في "شرح الأربعين" قال: أظنه من قول بعض السلف، وقيل: إنه حديث، وهو معنى ما قيل: الصغيرة تجر للكبيرة، والكبيرة تجر للكفر، وهو معنى: يزيد الكفر». اهـ. وهذه من المقولات المشتهرة في كتب المصنفين.
(9) ... في (غ): «الأولى».
(10) ... في (ط): «فإنْ عاقبه اللهُ».
(11) ... قوله: «لم يدخل الجنة» سقط في (ح).
(12) ... في (أ): «الجوار».
(13) ... وقال النوويُّ: وفي معنى: «لا يدخُلُ الجنَّة» جوابان يجريان في كل ما أشبَهَ هذا:
... أحدهما: أنه محمولٌ على من يستحلُّ الإيذاء، مع عِلْمه بتحريمه؛ فهذا كافرٌ لا يدخلها أصلاً.
... والثاني: معناه جزاؤُهُ ألاَّ يدخُلُهَا وقتَ دخول الفائزين إذا فُتِحَتْ أبوابها لهم، بل يؤخَّر، ثم قد يجازي وقد يُعْفَى عنه فيدخلها أوَّلاً.
... وإنَّم تأوَّلنا هذَيْن التأويلَيْن؛ لأنا قدَّمنا أنَّ مذهبَأهلِ الحق: أنَّ من مات على التوحيد مصرًّا على الكبائر، فهو إلى الله تعالى: إنْ شاء عفا عنه فأدخله الجنة أوَّلاً، وإنْ شاء عاقبه ثم أدخلَهُ الجنة». اهـ.
... وأضاف الحافظُ في الفتح احتمالاً ثالثًا، وهو أنَّ هذا خرَجَ مخرجَ الزجر والتغليظ، وظاهره غير مراد .اهـ. وقال غيره: إنْ حُمِلَ على ظاهره، خُصَّ بالجار المنافق، ويكونُ المراد أناساً معيَّنين هذه صفتهم. انظر: "شرح النووي" (2/17)، و"الفتح" (10/444)، و"الإكمال" (ص 433)، و"إكمال الإكمال" (1/150).
(14) ... قوله: «كل» ليس في (ح).
(15) ... في (أ): «مما ليس بشرط الأدلة المتقدمة، وما».
(16) ... ومنها حديثُ معاذ، وفيه: «وحقُّ العباد على الله: ألا يعذِّبَ من لا يشركُ به شيئًا»، وقد سبق في باب حق الله تعالى على العباد، وحديثُ أبي هريرة: «مَنْ لَقِيتَ خلف هذا الحائط يشهد أنْ لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه، فبشِّرْهُ بالجنة»، وقد سبق في باب لا يكفي مجرَّد التلفظ بالشهادتين، بل لا بد من استيقان القلب.
(17) ... يتكرَّر كثيرًا كلام الشارح _ح حولَ حكمِ أهل الكبائر، وخلاصةن مذهب أهل السنة في مرتكب الكبيرة ما يلي:
1 - أنهم مُجْمِعون على عدمِ كُفْره ما لم يستحلَّ .
2 - وأنه في الآخرة تحت المشيئة إذا لم يتب: إنْ شاء عذَّبه اللهُ عزّ وجلّ، وإنْ شاء عفا عنه.
3 - أنه إنْ دخل النار، فلا يخلَّد فيها .
4 - ويحذِّرون من ارتكاب الكبائر، ويُخْشَى على مرتكبها أن تتراكَمَ عليه الذنوبُ فتوصِّله إلى الكفر، وكذلك يخشى عليه من العقوبات المترتِّبة على بعض الذنوب.
... أما ما يُظَنُّ أنه يخالفُ ذلك مِنْ بعض النصوص، فله عدةُ تفسيرات عند الأئمة:
1 - فالنصوصُ التي فيها نفيُ الإيمان عن مرتكب الكبيرة، المقصودُ فيها: نفيُ كمالِ الإيمان، أو الإيمانِ الواجب .
2 - أما النصوصُ التي فيها براءةُ من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ممَّن يرتكب بعض المعاصي، فمعناها: ليس من المقتدين بنا بفعلِهِ هذا .
3 - وكذلك النصوصُ التي فيها إطلاقُ الكفرِ والشركِ على بعض المعاصي، قال فيها أهلُ السنة: إنها كُفْرٌ دون كفر، وإنَّ المقصود بذلك: إما كفرُ النعمة، أو أنَّ مرتكبَ هذه المعصية قد تشبَّه بالكافرين والمشركين بفعله هذا.
4 - أما النصوصُ التي تحرِّم النارَ على الموحِّد، فالمقصودُ: تحريمُ خلوده المؤبَّد في النار؛ وكذلك النصوصُ التي تحرِّم الجنةَ على من ارتكَبَ بعضَ الكبائر، فالمقصودُ: دخولُ الجنة ابتداءً.
... وبذلك يظهر تميُّزُ مذهبِ أهل السنة في هذا الباب، وتوسُّطُهُ بين الوعيدية والمرجئة، وجَمْعُهُ بين النصوصِ المختلفةِ دون تكلُّفٍ أو تناقض .
... وانظر في مذهب أهل السنة في ذلك: "الشرح والإبانة" لابن بَطَّة: (ص 265)، و"عقيدة أهل الحديث" للصابوني (ص 60)، و"شرح الطحاوية" (ص 355- 357)، و"التوحيد" لابن خزيمة (2/602-690)، و"الاعتقاد" للبيهقي (ص 191 -204)، و"الإيمان" لابن منده (ص 758 - 854)، و"الإيمان الأوسط" لشيخ الإسلام ابن تيميَّة (ص 28)، و"الفرقان" (ص 37)، و"الإيمان" لأبي عبيد (ص 89) وما بعدها وغيرها من كتب أهل السنة. وانظر إلى أحاديث الشفاعة التي أشار إليها الشارح في "صحيح مسلم"، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية(1/163)،وباب أدنى أهل الجنة منزلة (1/175). ... وانظر: كلام الشارح على هذه الأحاديث في كتاب الإيمان - من كتابنا هذا - باب ما جاء في رؤية الله تعالى في الدار الآخرة، وباب ما خُصَّ به نبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - من الشفاعة العامَّة لأهل المحشر، وباب شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن أدخل النار من المؤحِّدين، وباب شفاعة الملائكة والنبيَّين والمؤمنين.
(18) ... أخرجه البخاري (10/445رقم6018)في الأدب، باب من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومسلم (1/68رقم47/74،75) في الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير، وكون ذلك كله من الإيمان .
(19) ... في (أ): «البوائق» بدون واو.
(20) ... قوله:« أي تُهْلِكه وقد تقدم ذكرها » سقط من (أ).
(21) ... قوله:« يقال باقت البائقة بوقًا » سقط من (أ) و(ح).
(22) ... من قوله:« وقال صاحب ... » إلى هنا ليس في (أ) و(ح) و(غ)، والمراد بصاحب الأفعال: ابن القوطيَّة؛ انظر: "كتاب الأفعال" له (ص 283)، وانظر: "الأفعال" للسرقسطي (4/125)، و"الأفعال" لابن القطاع (1/106)، وفي جميعها: معنى باقت البائقة، أي: نزلَتْ، وانظر في معنى "البوائق": "غريب الحديث" لأبي عُبَيْد (1/348)، و"الغريبَيْن" (1/220)، و"غريب ابن قتيبة" (2/18)، و"غريب الخطابي" (3/61)، و"النهاية" (1/162).
(23) ... في (أ): «قوله» بلا واو.
(24) ... قوله: «الحديث» ليس في (أ).
(25) ... في (أ): «يعني الإيمان الكامل، المنجي من عذاب الله».
(26) ... قوله: «بالله تعالى حق إيمانه» في (أ):« حق إيمانه بالله تعالى ».
(27) ... في (أ): «خافه وعبده رجاء ثوابه».
(28) ... في (غ): «بالله واليوم الآخر».
(29) ... في (ط): «ما يدفع عنه».
(30) ... قوله: «به» سقط من (أ).
(31) ... في (غ): «نها».
(32) ... قوله:« إلى الله » سقط من (أ).
(33) ... في (أ): «ما يقربه إليه».
(34) ... قوله:« من » سقط من (أ).
(35) ... قوله: «جارحةً جارحةً» في (أ): «خارجة».
(36) ... قوله: «كما قال» في (أ): «لقوله».
(37) ... سورة الإسراء، الآية: 36 . ذُكِرَ منها في (ط) إلى قوله: ُ 3 ِ ، وفي (أ): إلى قوله: ُ 2 ِ ، سقطت منهما كلمة «الآية».
(38) ... في (أ): «وقوله».
(39) ... سورة ق، الآية: 18، وقوله: « ُ [ غ ع . ِ الآية» في (أ) «الآية»، وفي (ب) و(ح): « ُ [ غ ع . ِ ».
(40) ... في (ح) و(غ): «وأنشرها».
(41) ... في (أ):« لنفسهم »، وفي (ح) و(غ): «أنفسهم».
(42) ... في (غ): «عن العشرين».
(43) ... ومن ذلك استقراءُ الغزاليِّ في "الإحياء"؛ فقد عدَّ آفات اللسان، فأوصلها إلى عشرين . انظر:"الإحياء"، كتاب "آفات اللسان" (3/107)، انظر: كتاب الصمت لابن أبي الدنيا، و"جامع العلوم والحكم" لابن رجب (الحديث التاسع والعشرين)، و"آفات اللسان في ضوء الكتاب والسنة" لسعيد بن وهف القحطاني.
(44) ... قوله: «على مناخرهم في النار» في (أ): «في النار على مناخرهم».(1/143)
أَلْسِنَتِهِمْ» (1) .
.............................................
وقال (2) : «كُلُّ كَلاَمِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لاَ لَهُ (3) ، إِلاَّ ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى، أَوْ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ (4) ، أَوْ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ (5) » (6) .
.............................................
وقال - صلى الله عليه وسلم - (7) : «إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَهْوِي (8) بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» (9) .
فَمَنْ علم ذلك، وآمَنَ به حقَّ إيمانه (10) ، اتَّقَى اللهَ في لسانه، فتكلَّمَ ليَغْنَمَ، أوْ سَكَتَ لِيَسْلَمَ (11) .
.............................................
وقوله (12) : «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ»:
الضَّيْفُ: هو (13) =(1/229)=@ القادمُ على القومِ، النازلُ بهم، ويقال (14) : ضَيْفٌ، على الواحد والجمع، ويجمع أيضًا على (15) : أضياف، وضُيُوف، وضِيفَان، والمرأة ضَيفٌ، وضَيفَةٌ (16) ، وأَضَفْتُ الرَّجُلَ وضَيَّفْتُهُ (17) : إذا أنزلتَهُ بك ضَيْفًا (18) ، وضِفْتُ الرجلَ ضِيَافةً: إذا نَزَلْتَ (19) عليه، وكذلك تَضَيَّفْتُهُ (20) (21) .
.............................................
والضيافةُ: مِنْ مكارم الأخلاقِ (22) ، ومَحَاسِنِ الدين، ومِنْ خُلُق النبيِّين، وليستْ بواجبةٍ، عند عامَّةِ أهل العلم.
خلافًا لِلَّيْث (23) ؛ فإنه أوجبها ليلةً واحدة؛ محتجًّا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : «لَيْلَةَ الضَّيْفِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» (24) ، وبقوله: «إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِحَقِّ الضَّيْفِ فَاقْبَلُوهُ، َوإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا، فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ» (25) (26) .
.............................................
وحُجَّةُ الجمهور: قوله - صلى الله عليه وسلم - : «جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ» (27) ، والجائزةُ: العطيَّةُ والصلةُ (28) ، التي أصلُهَا على الندب، وقلَّما يستعملُ &(1/144)&$
__________
(1) ... أخرجه الترمذي في الإيمان، باب ما جاء في حُرْمة الصلاة رقم ( 2616 )، وابن ماجه في الفتن، باب ما جاء في كفِّ اللسان في الفتنة رقم ( 3973 )، والنسائي في "الكبرى" كما في "التحفة" (8/399)، وأحمد في "المسند" (5/231)، وعبد بن حُمَيْد كما في "المنتخب" رقم ( 112 )، كلُّهم من طريق مَعْمَر بن راشد، عن عاصم بن أبي النَّجُود، عن أبي وائل، عن معاذ، به .
... وهذا إسنادٌ حسن؛ لحالِ عاصم؛ فإنه صدوق له أوهامٌ، وبقيَّةُ رجاله ثقات .
... كما أخرج الحديث أحمد (5/245)، والطبراني (20/563)، والبزار؛ كما في "كشف الأستار"(2/258 رقم1653)، كلُّهم من طريق شَهْر بن حَوْشَب، عن عبدالرحمن بن غَنْم، عن معاذ، به .
... وهذا إسنادٌ حسن؛ لحال شَهْر؛ فإنَّ الراجح مِنْ حاله أنه حَسَنُ الحديث . وقد جزم الحافظُ في "نتائج الأفكار" بتحسين حديثه ."تهذيب التهذيب" (4/371)، و"نتائج الأفكار" (2/749) . وأبو النضر وعبد الرحمن ثقتان، وعبد الحميد صدوق .
... وعليه: فالحديثُ بمجموع الطريقَيْن يرتقي لمرتبة الصحيح لغيره .
... وقد أخرَجَ الحديثَ من غير هذين الطريقين: أحمدُ (5/237، 333)، وابنُ أبي شيبة في كتاب الإيمان رقم (1)، والطبراني (20/142 - 143، 148 رقم 291 - 292، 304 - 305 )، والحاكم في التفسير (2/412)، والبيهقي في السير، بابُ أصلِ فرض الجهاد (9/20) من طرق، عن معاذ، به، وهي طرقٌ لا تخلو من ضعفٍ أو انقطاع، وفي غيرها عنها غِنًى .
(2) ... في (أ):« وقوله ».
(3) ... قوله: «لا له» سقط من (ح) و(ط) و(غ).
(4) ... في (ح) و(غ): «بالمعروف».
(5) ... في "فيض القدير" (5/57) في شرح هذا الحديث قال المناوي «كلام [العبد] يكون بخير، فهو له وفيه ثواب، وشرٌّ فهو عليه وفيه عقاب، ولغوٌ وعليه حسابه وعقابه؛ فلا يضيع نعمة نطقه فيما لا حاجة إليه، وربَّما جَرَّ كثرة الكلام المباح إلى الحرام». وانظر كلاماً حسنًا للملا على القاري في شرح الحديث في "تحفة الأحوذي" للمباركفوري (7/79).
(6) ... أخرجه الترمذيُّ في الزهد، باب: بِحَسْبِ ابن آدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رقم ( 2414 )، وابن ماجه في الفتن، باب كفِّ اللسان في الفتن رقم (3974)، وعَبْد بن حُمَيْد كما في "المنتخب" ( 1552 )، وابن السني في عمل "اليوم والليلة" رقم ( )، والبخاري في "التاريخ" (1/261)، وبحشل في "تاريخ واسط" (ص 245)، والطبراني (23/243 رقم 484)، وأبو يعلى (13/56 رقم 7132)، والحاكم في "المستدرك" (2/513)، والقُضَاعيُّ في "مسند الشهاب" (2/202 رقم 305)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (12/433)، كلُّهم من طريق محمد بن يزيد بن خُنَيْس، عن سعيد بن حَسَّان المخزومي، عن أم صالح، عن صفيَّة بنت شيبة، عن أم حبيبة زوجِ النبي - صلى الله عليه وسلم - ، به. ومحمد بن خُنَيْس قال فيه الحافظ: «مقبول». "التقريب" (ص 513)، لكنْ قال فيه أبو حاتم: ثقة . وقال ابن حبان: كان من خيار الناس، يجبُ أن يعتبر حديثه إذا بيَّن السماع في خبره ."الجرح والتعديل" (8/127)، و"الثقات" (9/61). وقد صرَّح بالسماع في رواية أبي يعلى وغيره؛ ومع ذلك: فالحديثُ ضعيف من هذه الطريق؛ لحال أم صالح بنت صالح، قال الحافظ في "التقريب" (ص 575 ): «لا يعرف حالها» . وأعلَّه بها سفيانُ الثوريُّ، نقله الحاكم حيث أخرَجَ الحديث .
... وأشار البخاريُّ في "التاريخ" إلى الاختلاف في وصله وإرساله، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث محمد بن يزيد بن خنيس . وصحَّحه الحاكم، وأقرَّه الذهبي، وانظر: "فتح الوهَّاب" (1/286).
(7) ... قوله: «وقال - صلى الله عليه وسلم - » في (أ): «وقوله - صلى الله عليه وسلم - »، وفي (ح): «قال».
(8) ... في (أ): «يهوي به في النار»، وفي (ط): «يهوي بها في جنهم».
(9) ... أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان (11/308)، من حديث أبي هريرة $ح.
(10) ... في (ط): «فمن علم بذلك وآمن حقَّ إيمانه».
(11) ... في (ب) و(ح):« فيتكلم إذا غنم، ويسكت إذا سلم »، وفي (غ): «فيتكلم إذا غنم، أو يسكت إذا سلم».
(12) ... في (أ): «قوله» بدون واو.
(13) ... في (أ):« هنا ».
(14) ... في (أ): «يقال» بدون واو.
(15) ... قوله:« على » سقط من (أ).
(16) ... في (أ): «ضيفة وضيف».
(17) ... في (أ) و(غ): «وضفته».
(18) ... قوله: «بك ضيفًا» في (أ): «لك ضيفًا»، وفي (ب): «بك».
(19) ... في (غ): «أنزلت».
(20) ... من قوله:« وضفت الرجل ... » إلى هنا ليس في (ح).
(21) ... من قوله: «ويقال: ضيف، على الواحد والجمع ...» إلى هنا، نقله الشارح من "الصحاح" (4/1392). وأصل الضيف: المَيْل؛ يقال: ضافت الشمسُ للغروب، أي: مالت، والضيف: من مال إليك نازلاً بك. انظر: "الصحاح" (4/1392)، و"النهاية" (3/109)، و"أساس البلاغة" (ص 273)، و"المفردات" (ص 309)، و"عمدة الحفاظ" (ص 315)، و"اللسان" (9/209).
(22) ... قوله : «من» ليس في (أ).
(23) ... في (ب) و(ح):« ومن محاسن ».
(24) ... أخرجه أبو داود في الأطعمة، باب ما جاء في الضيافة رقم ( 3750 )، وابن ماجه في الأدب، باب حق الضيف رقم (3677)، وأحمد (4/130، 132، 133)، والبخاري في "الأدب المفرد" ( 744 )، والطبراني في "الكبير" (20/263 رقم 621)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (4/39)، كلُّهم من طريق منصور، عن الشعبي، عن المقدام بن معدي كرب، به . وإسناده صحيح . وانظر:"سلسلة الأحاديث الصحيحة"(5/239رقم 2204)، وتخريج "المشكاة" (4247).
(25) ... أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب حق الضيف (10/533)، ومسلم في كتاب اللقطة، باب الضيافة ونحوها رقم ( 1727 )، من حديث عقبة بن عامر.
(26) ... ما ذهب إليه الليث هو مذهب الإمام أحمد أيضًا. انظر في مذهب الليث: "التمهيد" (21/43)، و"الإكمال" (434)، و"معالم السنن" (4/129)، وانظر: في مذهب الإمام أحمد: "الشرح الكبير" (6/47)، و"المجموع" (9/57)، و"المنتقى" (7/242).
(27) ... أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب إكرام الضيف وخدمته (10/531)، ومسلم في كتاب اللقطة، باب الضيافة ونحوها (48).
(28) ... انظر في معنى الجائزة: "النهاية" (1/314)، و"الفائق" (1/244)، و"أساس البلاغة" (ص 69)، و"اللسان" (5/328).(1/144)
مثلُ هذا اللفظ في الواجب.
وتأوَّل الجمهورُ أحاديثَ الليث: بأنَّ ذلك كان في أولِ الإسلام؛ إذْ كانت المواساةُ واجبة،، أو كان هذا للمجاهدين في أوَّلِ الإسلام (1) ؛ لقلَّة الأزواد،، أو المرادُ (2) به: مَنْ لزمته الضيافةُ من أهل الذمَّة (3) .
.............................................
ثُمَّ اختلفوا فيمن يخاطَبُ بالضيافة:
فذهب الشافعيُّ، ومحمد (4) بنُ عبد الحكم: إلى أن المخاطَبَ بها أهلُ الحضر والبادية.
وقال مالكٌ وسُحْنون: إنما ذلك على أهلِ البوادي؛ لتعذُّرِ (5) ما .............................................
يحتاجُ إليه =(1/230)=@ المسافرُ في البادية، ولتيسُّرِ ذلك على أهل البادية (6) غالبًا، وتعذُّرِهِ على أهل الحَضَرِ ومشقَّتِهِ عليهم غالبًا (7) (8) . وقد رُوِيَ: «الضَّيَافَةُ عَلَى أَهْلِ الْوَبَر، وَلَيْسَتْ عَلَى أَهْلِ المَدَر» (9) .
بَابٌ: تَغْيِيرُ المُنْكَرِ مِنَ الإِيمَانِ
عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ (10) ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلاَةِ: مَرْوَانُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: الصَّلاةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، فَقَالَ: قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا هَذَا، فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ».
وَمِنْ بَابِ تَغْيِيرُ المُنْكَرِ مِنَ الإِيمَانِ
قوله: «أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلاَةِ: مَرْوَانُ (11) »؛ هذا أصحُّ ما رُوِيَ في أَوَّلِ من قدَّم الخطبةَ على الصلاة (12) ، وقد رُوِيَ أنَّ (13) أوَّلَ مَنْ فعل ذلك عمر بن الخَطَّاب (14) ، وقيل: عثمان، وقيل: .............................................
عَمَّار (15) ، وقيل: ابن الزبير، وقيل: معاوية (16) $ج.
.............................................
قال الشيخ، رحمه الله: وبعيدٌ (17) أن يصحَّ شيءٌ مِنْ ذلك عن مثل (18) هؤلاء (19) ؛ لأنَّهم شاهدوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، وصلَّوْا معه أعيادًا كثيرة، والصحيحُ المنقولُ عنه، والمتواترُ (20) عند أهل المدينة (21) : تقديمُ الصلاة على الخطبة (22) ؛ فكيف يَعْدِلُ أحدهم (23) &(1/145)&$
__________
(1) ... من قوله:« إذ كانت ... » إلى هنا سقط من (أ)، بسبب انتقال النظر.
(2) ... قوله: «أو المراد» في (غ): «والمراد».
(3) ... هذه ثلاثة تأويلات ذكرها الشارح ومن قبله القاضي في "الإكمال"، وذكر ابن حَجَر وغيره تأويلات أخرى للأحاديث التي احتج بها الليث على الوجوب، ومنها: حمل هذه الأحاديث على المضطرَّين، وقوَّاه الحافظ وغيره؛ قال الحافظ: «واستدلَّ به [يعني بحديث عقبة] على مسألة الظَّفر؛ وبها قال الشافعي؛ ......... بجواز لأخذ فيما إذا لم يمكن تحصيل الحق بالقاضي؛ كأنْ يكون غريمة منكرًا ولا بيِّتةَ له عند وجود الجنس؛ فيجوز عنده أخذه إنْ ظفر به، وأَخْذُ غيره بقدره إنْ لم يَجدهُ ويجتهد في التقويم ولا يحيف. فإنْ أمكن تحصيل الحق بالقاضي، ما الأصح عند أكثر الشافعية الجواز أيضًا، وعند المالكية الخلاف، وجوَّزه الحنفيَّة في المثليِّ دون المتقوَّم؛ لما يُخْشَى فيه من الحيف، واتفقوا على أن محلَّ الجواز في الأموال لا في العقوبات البدنية؛ لكثرة الغوائل في ذلك، ومحل الجواز في الأموال أيضًا: ما إذا أَمِنَ الغائلة؛ كَنِسْبَته إلى السرقة ونحو ذلك» اهـ كلام الحافظ. ... انظر: "الفتح" (5/108-109)، و"الإكمال" (ص 434-446)، و"المنتفى" (7/242)، و"شرح النووي" (2/18)، و"المجموع" (9/57-58).
... واختلف أهل العلم في حكم الضيافة: فذهب الليثُ: إلى أنها حقٌّ واحب مطلقًا. وقال الإمامُ أحمد: الضيافةُ على كل المسلمين؛ كلُّ مَنْ عليه ضيفٌ، كان عليه أن يضيَّفه، وله ان يطالبهم بحقِّه الذي جله له النبي - صلى الله عليه وسلم - . وعند الحنابلة: اليومُ والليلةُ حقٌّ واجب، وإنَّ الكمالَ ثلاثة أيام، واحتجُّوا بالأدلة التي ذكرها الشارح.
... وأما الجمهور: فقالوا: لضيافةُ سنَّةٌ مؤكَّدة، وإنها من مكارم الأخلاق، ودليلهم وأجوبتهم عن أدلَّة غيرهم هي ما ذكره الشارح.
... وفي المسألة أقوال أخرى سيذكرها الشارح في المسألة التالية.
... والراجح: -والله أعلم - رأي الجمهور؛ للأدلَّة والتوجيه المذكور، ولعمومِ الأدلَّة الدالَّة على أنه لا يحلُّ مال امرئ مسلم إلا بِطِيبِ نفسٍ منه.
... وانظر: التمهيد (21/43-49)، و"الإكمال" (434 -446)، و"إكرام الضيف" لإبراهيم الحربي و"المنتقى" (7/242)، و"المغني" (13/352)، و"شرح النووي" (2/188)، و"المجموع" (9/57)، و"فتح الباري (5/108).
(4) ... قوله: «محمد» ليس في (أ).
(5) ... قوله: «لتعذر» في (أ): «بقدر».
(6) ... قوله:« على أهل البادية» في (أ): « عليهم ».
(7) ... قوله:« غالبًا » سقط من (ح).
(8) ... وبالرأي الثاني هذا قال الأكثرون، ومنهم الإمام أحمد، انظر في هذه الأقوال ونسبتها إلى قائليها: "التمهيد" (21/43)، و"المنتقى" (7/424)، و"الإكمال" (ص 434-446)، و"شرح النووي" (2/18-19)، و"المجموع" (9/57)، و"فتح الباري" (5/108)، و"شرح الكبير" (6/47)، و"المغني" (13/353).
(9) ... أخرجه القضاعي في "مسند الشهاب" (1/190 رقم202)، وابن عدي في "الكامل" (1/271)، كلاهما من طريق إبراهيم بن عبد الله ابن أخي عبد الرزَّاق، عن عبد الرزَّاق، عن سفيان، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، به.
... وهذا حديث موضوع، آفته إبراهيمُ بن عبد الله هذا، وقد ترجم له ابن عديٍّ في "الكامل" (1/271)، فأورد له أحاديثَ هذا منها، ثم قال: وهذه الأحاديثُ مناكيرُ مع سائر ما يروي ابن أخي عبد الرزاق هذا .
... وقال الذهبي في "الميزان" (1/42)، بعد أن ساقها ونقل عن الدارقطني أنه كذَّاب: فهذه الأشياء من وضع هذا المُدْبِر . وأقرَّه الحافظ في "لسان الميزان" (1/73).
... وقال القاضي عياض في "الإكمال" (ص 436): إنه موضوعٌ عند أهل المعرفة . وتبعه النوويُّ في "شرح مسلم" (2/19). وأورده القاري في "الأسرار المرفوعة" (240 رقم 276)، والطرابلسي في "الكشف الإلهي" (ص 453).
... وانظر:"فتح الوهاب" (1/253)، و"فيض القدير" (4/261)، و"كشف الخفا" (2/47)، و"سلسلة الأحاديث الضعيفة"(2/206)، و«المغير على الأحاديث الموضوعة في "الجامع الصغير"» (ص 66).
(10) ... أخرجه مسلم (1/69رقم49) في الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان.
(11) ... قوله: «مروان» في (غ): «مروان بن عبدالكريم»، وهو مروان بن الحكم - لا عبدالحكم ابن أبي العاص بن أمية القرشي، أبو عبدالملك، من كبار التابعين، ولد بمكة، وقيل: له رؤية، وذلك محتمل؛ روى عن عمر، وعثمان، وعلي، وزيد، وعنه: سهل بن سعد، وسعيد بن المسيِّب، وابنه عبدالملك، توفِّي عام (65هـ). انظر: "طبقات ابن سعد" (5/35)، و"التاريخ الكبير" (7/368)، و"تهذيب التهذيب" (10/91)، و"الإصابة" (3/477)، و"السير" (3/476).
(12) ... قوله:« على الصلاة » سقط من (أ).
(13) ... قوله: «أن» من (ط) فقط.
(14) ... قوله: «ابن الخطاب» ليست في (ح).
(15) ... قوله: «وقيل: عمار» من (غ) فقط.
(16) ... أما فعل عمر: فرواه عبد الرزَّاق في "المصنَّف" (3/283)، وابن أبي شيبة (3/196)، عن ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: أوَّلُ من بدأ بالخطبة قبل الصلاة يوم الفطر عمرُ بن الخطاب؛ لما رأى الناس يَنْقُصون، فلمَّا صلَّى حبسهم في الخطبة. قال الحافظ في "الفتح" (2/452):«إسناده صحيح».
... وأما عثمان: فأخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (3/273). قال الحافظ في "الفتح" (2/452): إسناده صحيح إلى الحسن. اهـ، ولكنَّه منقطعٌ؛ فإنَّ رواية الحسن عن عثمان مرسلة. "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص 31).
... وأما ابن الزبير: فقد أخرج ابن أبي شيبة (2/170)، وابن المنذر (3/273)، من طريق يحيى بن سعيد، عن ابن جُرَيْج، عن عطاء؛ أن ابن الزبير سأل ابن عباس: كيف أصنعُ في هذا اليوم يوم عيد، وكان الذي بينهما حسن، فقال: لا تؤذِّن ولا تُقِمْ وصلِّ قبل الخطبة. فلمَّا ساء الذي بينهما، أذَّن وأقام وخطب قبل الصلاة. وهذا سند رجاله ثقات، إلا أن فيه عنعنةَ ابن جُرَيْج، وهو مدلِّس. وأخرج الشطر الأول منه: مسلمٌ، وفيه تصريح ابن جريج بالسماع، لكنْ ليس فيه الشطر الآخر الذي فيه أن ابن الزبير غيَّر ذلك لما ساء ما بينه وبين ابن عباس.
... وأما معاوية: فقد أخرج عبد الرزَّاق (3/284)، عن ابن شهاب؛ أنه قال: أول من بدأ بالخطبة قبل الصلاة معاوية، وهي رواية مرسلة "جامع التحصيل" (ص 331)، وأخرج الشافعي في "الأم" (1/235) أخبرنا إبرهيم بن محمد، قال: حدَّثنا داود بن الحصين، قال: حدَّثنا عبد الله بن يزيد الخَطْمي؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يبتدئون بالصلاة قبل الخطبة حتى قَدِمَ معاوية، فقدَّم الخطبة. وهذا إسناد واه؛ لحال إبراهيم بن محمد، فهو متروك كما في "التقريب" (ص 93).
... أما الروايات الثابتة الصحيحة: فكلُّها ناطقةٌ بأنهم كانوا يبتدئون بالصلاة قبل الخطبة، ومن ذلك: حديثُ ابن عباس، قال: شهدتُّ العيدَ مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان $ج، فكلُّهم كانوا يصلُّون قبل الخطبة. أخرجه البخاري في العيدين، باب الخُطْبة بعد العيد (2/453 )، ومسلم في صلاة العيدين رقم (884).
... وساق الفِرْيابي في "أحكامِ العيدَيْن": (123) حشدًا من الروايات الصحيحة المرفوعةِ والموقوفة، كلُّها في الصلاة قبل الخطبة "أحكام العيدين للفريابي (ص 123).
... وعليه: فإمَّا أن يحمل ما ورد عنهم من تقديم الخطبة على الندرة ولعارض، وإلا فما في الصحيحِ هو الصحيحُ. انظر: "الفتح" (2/452)، و"الإكمال" (ص 438)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/153)، و"المنهاج" (2/21)، و"نيل الأوطار" (3/294).
(17) ... في (غ): «ويبعد».
(18) ... قوله: «مثل» ليس في (غ).
(19) ... بل الذي صَحَّ عنهم خلافُهُ؛ كما في حديث ابن عباس السابق وغيره.
(20) ... في (أ): «المتواتر» بلا واو.
(21) ... في (غ): «عند أهل الحديث».
(22) ... ويؤيِّد ذلك تصريحُهُ في هذا الحديث بأنَّ أوَّل مَنْ فعَلَ ذلك مروان، وقد ذَكَرَ مثلَ ذلك ابنُ قدامة في "المغني" (3/276).
(23) ... في (ب) و(ح) و(ط): « أحد منهم ».(1/145)
عما فعله النبيُّ (1) - صلى الله عليه وسلم - وداوَمَ عليه إلى أن توفِّي.
.............................................
فإنْ (2) صحَّ عن واحدٍ مِنْ هؤلاء (3) أنَّه قدَّم ذلك (4) ، فلعلَّه إنما فعل (5) ؛ لمَا رأى من (6) انصرافِ
الناسِ عن الخُطْبة، تاركين =(1/231)=@ لسماعها مستعجلين،، أو ليدرك (7) الصلاَة مَنْ تأخَّر وبَعُدَ منزلُهُ (8) .
ومع هذين التأويلين: فلا ينبغي أن تُتْرَكَ سنَّةُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لمثل ذلك، وأولئك الملأُ أعلمُ وأجلُّ من أن يصيروا إلى ذلك، والله أعلم (9) .
وأمَّا (10) مَرْوان وبنو أمية، فإنما قدَّموها (11) ؛ لأنَّهم كانوا في خُطَبهم ينالون من عليٍّ - رضي الله عنه - (12) ، ويُسْمِعون الناسَ ذلك، فكان الناسُ إذا صلَّوْا معهم، انصرفوا عن سَمَاعِ خُطَبِهِمْ (13) لذلك، فلمَّا رأى .............................................
مَرْوَانُ ذلك أو مَنْ شاء الله (14) من بني أميَّة، قدَّموا الخطبة؛ لِيُسْمِعُوا الناسَ مِنْ ذلك ما يكرهون.
والصوابُ: تقديمُ الصلاةِ على الخُطْبة؛ كما تقدَّم (15) ، وقد حكى فيه بعضُ علمائنا الإجماعَ (16) (17) .
وقوله (18) : «فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: الصَّلاَةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، [فَقَالَ: قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ] (19) ؛ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ (20) : أَمَّا هَذَا، فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ»، مقتضَى هذا السياق (21) : أن المُنْكِرَ على مَرْوان رجلٌ غيرُ أبي سعيد (22) ، وأنَّ أبا سعيد مصوِّبٌ للإنكار (23) ، مستدِلٌّ على صحته (24) ، .............................................
وفي الرواية الأخرى: أن أبا سعيد - رضي الله عنه - هو المنكرُ على مروان والمستَدِلُّ (25) .
ووجهُ التلفيقِ بينهما: أَنْ يقال: إنَّ كلَّ واحد مِنَ الرجل (26) وأبي سعيد أنكَرَ (27) على مروان؛ فَرَوَى (28) بعضُ الرواةِ إنكارَ الرجل، وروى بعضهم إنكارَ أبي سعيد.
وقيل: هما واقعتان (29) في وقتَيْنِ، وفيه بُعْدٌ (30) .
وفيه من الفقه: أنَّ سنن الإسلامِ لا يجوزُ تغييرُ شيء منها ولا (31) مِنْ ترتيبها، وأنَّ تغييرَ ذلك منكَرٌ يجبُ تغييره ولو على الملوكِ إذا قُدِرَ .............................................
على ذلك، ولم يَدْعُ إلى منكرٍ أكبَرَ منه (32) .
وعلى الجملة: فإذا تحقَّق المنكَرُ (33) ، وجَبَ تغييرُهُ (34) على مَنْ رآه، وكان قادرًا على تغييره؛ وذلك كالمُحْدَثَاتِ والبِدَع (35) ، والمجتمَعِ على أنَّه منكَر،، فأمَّا (36) =(1/232)=@ إنْ لم يكنْ كذلك - وكان مما قد (37) صار إليه الإمام (38) ، وله وجهٌ مَّا من (39) الشرع – فلا &(1/146)&$
__________
(1) ... قوله: «النبي» ليس في (أ).
(2) ... في (ب):« وإن ».
(3) ... في (أ): «واحد منهم»، وفي (ح): «واحد من هؤلاء».
(4) ... قوله:« ذلك » سقط من (أ).
(5) ... قوله: «فعل» في (ب) و(ح) و(ط): « فعله ».
(6) ... قوله: «من» ليس في (أ).
(7) ... في (ح): «وليدرك».
(8) ... وهذا التعليلُ الواردُ في الخبر عن عمر وعثمان رضي الله عنهما في تقديم الخطبة على الصلاة. انظر: "مصنَّف عبد الرزاق" (3/283، 284).
(9) ... قوله: «والله أعلم» ليس في (أ).
(10) ... في (أ): «أما» بدون واو.
(11) ... في (ح) : «قدمو لها».
(12) ... في (ب) و(ط): «كرم الله وجهه».
(13) ... في (أ): «خطبتهم».
(14) ... في (أ):« فلما ولي مروان، أو من شاء الله».
(15) ... قوله:« كما تقدم » سقط من (أ) و(ط).
(16) ... في (أ): «وحكي بعضُ علمائنا فيه الإجماع».
(17) ... وممَّن حكى الإجماع ابن رشد في "بدارية المجتهد" (1/217)، وابن قدامة في "المغني" (3/277).
(18) ... في (أ): «قوله».
(19) ... زيادة ليست في النسخ التي لدينا، وأضفناها من متن الحديث.
(20) ... هو أبو سعيد الخدري سعد بن مال الصحابي $ح.
(21) ... في (غ): «البيان».
(22) ... في (أ): «مروان وعلي غير أبي سعيد».
(23) ... في (ب): «مصوب الإنكار».
(24) ... قال الحافظ: يحتملُ أن يكون هو أبا مسعودٍ الذي وقَعَ في رواية عبد الرزَّاق أنه كان معهما. "الفتح" (2/450)، و"مصنف عبد الرزَّاق" (3/284).
(25) ... وهي رواية البخاري في العيدين، باب الخروج إلى المصلَّى بغير منبر (2/448).
(26) ... في (ح):« من الفرق ».
(27) ... في (ب) و(ح):« أنكرا ».
(28) ... في (أ):« وروى ».
(29) ... في (أ):« واقعان ».
(30) ... القائلُ هو القاضي عياضٌ في "الإكمال"، وقد استبعَدَ قولَهُ الشارح هنا، وتابعه الأُبِّيُّ، فقال: يبعُدُ أنهما قضيَّتان، بل هي واحدةٌ، بدأ فيها الرجلُ، فلمَّا لم يكُفَّ مروان، قام أبو سعيد. وأما الحافظ: فقد مال إلى ما اختاره القاضي مِنْ تغاير القصَّتين، فقال: ولا بُعْدَ في أن يُنْكَرَ عليه تقديمُ الخُطْبة على الصلاة مرةً بعد أخرى، ويدلُّ على التغاير أيضًا أنَّ إنكار أبي سعيد وقَعَ بينه وبينه، وإنكار الآخر وقع على رؤوس الناس .اهـ. "الإكمال" (ص 440)، و"الفتح" (2/450)، و"إكمال الإكمال" (1/153)، و"شرح النووي" (2/22).
(31) ... قوله: «ولا» في (أ): «ولا بد».
(32) ... في (ب) و(غ): « من ذلك ».
(33) ... في (أ): «إذا تحقَّق منكر».
(34) ... من قوله:« ولو على الملوك... » إلى هنا ليس في (ح)؛ بسبب انتقال النظر.
(35) ... قوله: «وذلك كالمحدثات والبدع» في (أ): «كالبدع والمحدثات».
(36) ... في (أ): «وأما».
(37) ... قوله: «قد» ليس في (أ).
(38) ... في (ب): «إمام».
(39) ... قوله: «من» في (أ): «في».(1/146)
يجوزُ لمن رأى خلافَ ذلك أن يُنْكِرَ على الإمام؛ وهذا لا يُخْتَلَفُ فيه (1) .
وإنما اختلف (2) العلماء: فيمن قلَّده السلطانُ الحِسْبةَ في ذلك، .............................................
هل يَحْمِلُ الناسَ على رأيِِه ومذهبِهِ أم لا؟ على قولَيْن (3) .
وقوله (4) : «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا، فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ»، هذا الأمرُ (5) على الوجوب؛ لأنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهْيَ عن المنكر من واجباتِ الإيمان، ودعائمِ الإسلام، بالكتابِ والسنة وإجماع الأمة، ولا يُعْتَدُّ بخلافِ الرافضة في ذلك (6) (7) ؛ لأنَّهم إمَّا مكفَّرون؛ فليسوا من الأمة، .............................................
وإمَّا مبتدعون (8) ؛ فلا يُعتَدَّ (9) بخلافهم؛ لظهور فِسْقهم؛ على ما حقَّقناه في "الأصول".
ووجوبُ ذلك (10) بالشرعِ لا بالعقل؛ خلافًا للمعتزلة القائلين بأنَّه (11) واجبٌ عقلاً،، وقد بيَّنَّا في "الأصول" أنَّه لا يجبُ شيءٌ بالعقل، وإنما العقلُ كاشفٌ عن ماهيَّاتِ الأمور، ومميِّزٌ لها، لا مُوجِبٌ شيئًا (12) منها (13) .
.............................................
ثم إذا (14) قلنا: إنَّ الأمر بالمعروفِ، والنهيَ عن المنكر واجبٌ، فذلك على الكفاية (15) : مَنْ قام به، أجزَأَ (16) عن غيره؛ لقوله .............................................
تعالى: ُ 7 * ) ، + . - 0 / " ! ِ (17) (18) .
ولوجوبه شرطان:
أحدهما: العلمُ بكون ذلك الفعلِ مُنْكَرًا أو معروفًا .
والثاني: القدرةُ على التغيير. =(1/233)=@
فإذا (19) كان ذلك، تعيَّن التغييرُ باليد إنْ كان ذلك (20) المُنْكَرُ مما يَحْتَاجُ في تغييره إليها، مثلُ: كَسْرِ أواني الخمر، وآلاتِ اللهو؛ كالمزاميرِ (21) والأوتارِ (22) والكُبَرِ (23) ، وكمنعِ الظالمِ .............................................
من (24) الضَّرْبِ والقتلِ وغيرِ ذلك (25) ، فإنْ لم يَقْدِرْ بنفسه، استعان بغيره، فإنْ خاف من ذلك (26) ثَوَرَانَ فتنةٍ، وإشهارَ سلاح، تعيَّن رفعُ ذلك إلى الإمام، فإنْ لم يَقْدِرْ (27) &(1/147)&$
__________
(1) ... لا خلافَ في هذا؛ إذ الاجتهادُ الذي له وَجْهٌ في الشرعِ لا يُنْكَرُ على مَنْ ذهَبَ إليه وعَمَِل به، أمَّا مَنْ رأى خلافه: فعليه أن يبيِّنَ لصاحبِهِ حُجَجَ ما ذهب إليه ومرجِّحاتِهِ، ويتبيَّنَ منه كذلك. فمن اتضحَ له صحةُ أحد القولَيْن، فليتبعْهُ ولا ينكرْ على غيره ممَّن ذهب إلى القولِ الآخر. انظر:"الأحكام السلطانية" للماوردي (240-241)، و"الإحياء" (2/327)، و"الفتاوى" (30/80 )، و"إكمال المعلم" (ص 441).
(2) ... قوله: «اختلف» سقط من (غ).
(3) ... ليس له ذلك فيما يسوغ فيه الاجتهاد - على القول الراجح - إذ ليس معه بالمنع نصُّ من كتاب الله تعالى، ولا سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، ولا إجماع، ولا ما هو في معنى ذلك، وانظر تفصيل هذَيْن القولَيْن، والراجح منهما في "الفتاوى" (28/30، 79، 81)، و"شرح النووي" (2/42)، و"إكمال المعلم" (ص 441)، و"إعلام الموقعين" (3/200)، و"الأحكام السلطانية للماوردي" (ص 240-241)، و"الإحياء" (80-86)، و"الآداب الشرعية" لابن مفلح (1/176 -183).
(4) ... في (أ): «قوله» بدون واو.
(5) ... قوله: «الأمر» سقط من (أ).
(6) ... قوله: «في ذلك» في (أ): «فيه».
(7) ... وذلك أنَّ الرافضة يَرَوْنَ أنَّه لا يؤمرُ بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى يخرُجَ الإمامُ المنتظر؛ قال الغزالي في "الإحياء": والعَجَبُ: أن الروافض زادوا على هذا، فقالوا: لا يجوزُ الأمرُ بالمعروف ما لم يخرُجِ الإمامُ المعصوم، وهو الإمامُ الحقُّ عندهم. وهؤلاءِ أخسُّ رتبةً من أن يكلَّموا، بل جوابهم أن يقال لهم إذا جاؤوا إلى القضاءِ طالبين لحقوقهم وأموالهم: إنَّ نصرتكم أمرٌ بمعروف،واستخراجُ حقوقكم من أيدي مَنْ ظلمكم نهيٌ عن منكر، وطلبكم لحقِّكم مِنْ جملة المعروف، وما هذا بَعْدُ زمانُ النهي عن الظلم وطلبِ الحقوق؛ لأنَّ الإمامَ الحقَّ لم يخرجْ بعد. "إحياء علوم الدين" (2/315).
(8) ... في (ب): «وإما مُبَدَّعون».
(9) ... في (أ): «فلا يعتبر».
(10) ... قوله: «ذلك» في (ط): «الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر».
(11) ... في (ب): «للمعتزلة أنه»، وفي (أ): «للمعتزلة القائلين فإنه».
(12) ... في (أ):« لا موجبُ شيء ».
(13) ... هذه المسألةُ مبنيَّةٌ على مسألة التحسين والتقبيح العقليَّيْن، والتي سبقَتِ الإشارةُ إليها في تعليقات سابقة (ص....).
... ويضافُ هنا: أنَّ في هذه المسألة جوانبَ اتفاقٍ واختلاف:
... أما محلُّ الاتفاق: فهو أنَّ العقل يدركُ الحُسْنَ والقبح فيما هو ملائمٌ للطبع أو مضادٌّ له؛ كاللَّذَّةِ والحلاوة مما هو حَسَن، وكالآلام والمرارة ممَّا هو قبيح، وهذا القدرُ مجمَعٌ عليه.
... وكذلك اتفقو على أن العقل يدرك الحسن والقبح فيما هو من الكمال والنقص، وهذا مجمَعٌ عليه أيضًا.
... أما محل الاختلاف والتنازع: فهو في الحسن والقبح المتعلِّق بما ورَدَ عليه الشرع من الأفعال والأشياء وغيرها، بمعنى كون الفعل حسنًا مستحقًّا للثواب، أو قبيحًا مستحقًّا للعقاب.
... فالمعتزلةُ يَرَوْنَ: أنَّ العقل يحسِّن الأشياءَ ويقبِّحها لذواتها، ويرتِّبُ الثوابَ والعقاب تبعًا لذلك التحسينِ والتقبيح.
... والأشاعرةُ يرون: أنَّ العقل لا يدركُ حُسْنَ الأشياء وقبحها لذواتها؛ فجعلوا الأفعال كلَّها سواءً في نفس الأمر، وهذا هو الذي ذكره الشارح هنا وأقرَّه.
... وكلام المذهبين باطلٌ.
... أمّا أهل السنة: فهم وسَطٌ بين الفريقين، فقالوا: إنّه لا تلازُمَ بين الأمرَيْن، فالعقلُ يدرك حسن الأشياء وقبحها، وهذا ما تقولُ به المعتزلة، ولكنَّ العقل لا يرتِّب الثوابَ والعقاب، بل لا بدَّ من الشرع في ذلك، وهذا ما تقولُهُ الأشاعرة، فأخذوا الحقَّ الذي مع كلِّ طائفة، وتركوا الباطل الذي عند كل طائفة.
... وانظر:"مجموع الفتاوى" (8/90، 308 )،( 11/676)، "درء تعارض العقل والنقل" (8/492)، و"مفتاح دار السعادة" (2/5)، و"مدارج السالكين" (1/91)، و"شرح الكوكب المنير" (1/300)، و"حقيقة البدعة وأحكامها" لسعيد الغامدي (2/128).
(14) ... في (غ): «إننا».
(15) ... اختلف العلماءُ في نوعيَّة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
... فيرى جمهورُ علماء الأمَّة: أنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضُ كفاية؛ وممَّن صرَّح بذلك: الجَصَّاص في "أحكام القرآن" (2/29)، والماوردي في "الأحكام السلطانيّة" (ص 240، وأبو يعلى الحنبلي في "الأحكام السلطانيّة" (ص 284)، والغزالي في "إحياء علوم الدين" (2/307)، وابنُ العربيِّ في "أحكام القرآن" (1/292)، والقرطبي في "تفسيره" (4/165)، وابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى" (15/67)، والسيوطي في "الإكليل" (ص 72)، وأبو السعود في "تفسيره" (2/67).
... ويرى بعض العلماء: أنَّه فرضُ عين، ومن هؤلاء: الزجَّاج، وابنُ حَزْم، وابنُ كثير، وأبو عبد الله التلمساني، ومحمَّد رشيد رضا، ومحمَّد أبو زهرة. انظر: "زاد المسير" لابن الجوزي (6/434- 435)، و"المحلَّى" (10/505)، و"تفسير ابن كثير" (1/418)، و"تحفة الناظر في حفظ الشعائر" (ص 4)، و"تفسير المنار" (4/26- 38)، و"الدرر الغالية في آداب الدعوة والداعية" (ص 14)، والدعوة إلى الإسلام للشيخ محمد أبي زهرة (ص 42).
... وانظر لأدلَّة الطرفَيْن ومناقشتها: "الحسبة وتعريفها ومشروعيَّتها ووجوبها" لفضل إلهي (ص 69-81).
(16) ... في (ح): «أجزأه».
(17) ... في (أ): « ُ 7 * ) ، ِ الآية» ولم يكمل الآية.
(18) ... سورة آل عمران، الآية: 104 .
(19) ... في (ح): «وإذا».
(20) ... قوله: «ذلك» ليس في (أ).
(21) ... في (غ): «كالمزامر)، وفي (أ): «من المزامير».
(22) ... في (ح): «والأوتار».
(23) ... قوله:« والكبر » سقط من (ح)، والكُبَرُ: جمعُ «كَبَر» بفتحتين، وهو: الطَّبْل، وقيل: هو الطبل ذو الرأسين، وقيل: الطَّبْلُ الذي له وجهٌ واحد بلغة أهل الكوفة، وجمع الكَبَرِ: كِبَار، وأَكْبَار؛ كجَمَلٍ وجِمَال، وسَبَبٍ وأسباب. انظر: "معجم مقاييس اللغة" (5/153)، و"النهاية" (4/143)، و"اللسان" (5/125)، و"التاج" (7/432).
(24) ... قوله: «من» ليس في (أ).
(25) ... قوله: «وغير ذلك» في (أ): «وغيره».
(26) ... قوله: «من ذلك» ليس في (أ).
(27) ... في (ح): «لم يقدر بنفسه».(1/147)
على ذلك، غيَّر بالقولِ المرتجى نفعُهُ، مِْن لين أو إغلاظ (1) ؛ حسَبَ ما يكونُ أنفع، وقد يُبْلَغُ بالرِّفْقِ (2) والسياسة، إلى (3) ما لا يُبْلَغ بالسيف والرياسة (4) .
.............................................
فإنْ خاف من القول القتل أو الأذى، غيَّر بقلبه، ومعناه: أن يكره ذلك الفعلَ بقلبه، ويعزمَ على أنْ لو قدَرَ على التغيير لغيَّر (5) .
وهذه (6) آخرُ خَصْلَةٍ منَ الخصالِ المتعيِّنةِ على المؤمن في تغييرِ المُنْكَر، وهي المعبَّرُ عنها في الحديث (7) بأنَّها أضعفُ الإيمان، أي: خصالِ الإيمان (8) ، ولم يبق بعدها للمؤمنِ مرتبةٌ أخرى (9) في تغيير المنكر؛ ولذلك قال في الرواية الأخرى: «لَيْسَ (10) وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِْيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ»، أي: لم يبق وراءَ هذه الرتبةِ رتبةٌ (11) أخرى، والإيمانُ في هذا الحديث بمعنى (12) الإسلام؛ على ما تقدَّم (13) .
وفي هذا الحديث: دليلٌ (14) على أن مَنْ خاف على نفسه (15) وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ (16) ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى فِي أُمَّةٍ قَبْلِي، إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ؛ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ؛ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ».
القتلَ أو الضرر، سقَطَ عنه التغيير، وهو مذهبُ المحقِّقين سَلَفًا وخَلَفًا،، وذهبتْ طائفةٌ من الغلاة: إلى أنه لا يسقُطُ وإن خاف ذلك (17) ،، وسيأتي استيفاءُ هذا (18) المعنى في الجهاد (19) إن شاء الله تعالى (20) .
وقوله: «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ سُبْحَانَهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي، إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ»، أي: ما من (21) رسولٍ من الرسلِ المتقدِّمة، .............................................
ويعني بذلك: غالبَ الرسل =(1/234)=@ لا كلَّهم؛ بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآخَرِ (22) الذي أخبَرَ فيه عن مجيء الأنبياءِ في أممهم يوم القيامة؛ فإنَّه قال فيه: «يَأْتِي النَّبِيُّ (23) وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلاَنِ، وَيَأْتِي النَّبِيُّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ» (24) ؛ فهذا العمومُ - وإنْ كان مؤكَّدًا (25) بـ «مِنْ» بعد النفي - فهو مخصَّصٌ (26) بما ذكرناه.
و «الحواريُّون»: جمع (27) حَوَارِيٍّ، وهم خُلْصَان الأنبياء (28) ، أي (29) : الذين أخلصوا في حُبِّ أنبيائهم، وخَلَصُوا مِنْ كل عيب، .............................................
وحُوَّارَى الدقيقِ (30) : الدقيقُ (31) الذي نُخِلَ؛ قاله الأزهريُّ (32) .
وقال ابن الأنباري: هم المختصُّون المفضَّلون، وسمِّي (33) خُبْزَ الحُوَّارَى؛ لأنه أشرفُ الخبز.
وقيل: هم الناصرون لأنبيائهم (34) ؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم - :«لكلِّ نبيٍّ مِنْ أمَّته حَوَارِيُّون، &(1/148)&$
__________
(1) ... في (ح): «إغلاء».
(2) ... في (أ):« الرفق ».
(3) ... قوله:« إلى » سقط من (ح).
(4) ... وقد ذكَرَ نحوَ ذلك شيخُ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (28/135 -138)، فقال: فلا بدَّ من العلمِ بالمعروف والمنكر، والتمييزِ بينهما، ولا بدَّ من العلم بحال المأمور والمنهي، ومن الصلاح: أن يأتي بالأمر والنهي بالصراط المستقيم... ولا بدَّ في ذلك من الرفق... ولا بدَّ أن يكون حليمًا صبورًا على الأذى... فلا بدَّ من هذه الثلاثة: العلمُ، والرفقُ، والصبر؛ فالعلمُ قبل الأمر والنهي، والرفقُ معه، والصبرُ بعده... إلى آخر كلامه رحمه الله. وانظر: "إكمال المعلم" (ص 442)، و"الفتاوى" (28/66 -68)،"وشرح مسلم" للنووي (2/33)، و"الأحكام السلطانية" للماوردي (ص 241)، و"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" للخَلاَّل (ص 87 -111).
(5) ... في (ح): «لغيره».
(6) ... في (ط): «وهذا».
(7) ... قوله: «وهي المعبر عنها في الحديث» في (أ): «عنها».
(8) ... في (أ):« أي خصاله ».
(9) ... في (أ): «بعدها مرتبة».
(10) ... في (أ): «رواية أخرى: فليس».
(11) ... في (ب):« هذا المرتبة مرتبة »، وفي (غ) و(ط): «هذه المرتبة رتبة».
(12) ... في (أ): «فالإيمان يعني».
(13) ... انظر: ما تقدَّم في العلاقة بين الإسلام والإيمان في باب معاني الإيمان والإسلام والإحسان شرعًا.
(14) ... قوله: «وفي هذا الحديث دليل» في (أ): «ودل»، وفي (ب) و(ح) و(غ): «وفيه دليل».
(15) ... قوله: «على نفسه» ليس في (أ).
(16) ... أخرجه مسلم (1/69-70رقم 50) في الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان.
(17) ... قوله: «ذلك» ليس في (أ).
(18) ... قوله: «هذا» في (ب): «ذلك».
(19) ... قوله: «سيأتي استيفاء هذا المعنى في الجهاد» في (أ): «وسيأتي هذا المعنى مستوفًى في الجهاد».
(20) ... قوله: «إن شاء الله تعالى» سقط من (أ) و(غ).
(21) ... قوله:« من » سقط من (أ).
(22) ... قوله: «الآخر» ليس في (أ).
(23) ... قوله: «النبي» في (أ):« الرجل ».
(24) ... أخرجه البخاري في الطب، باب مَنِ اكتوَى أو كوى غيره وفَضْلِ من لم يكتو (10/155)، وباب من لم يرق (10/211)، وفي الرقاق، باب يدخل الجنَّة سبعون ألفًا بغير حساب (11/405)، ومسلم في الإيمان، باب الدليل على دخولِ طوائفَ من المسلمين الجنَّة بغير حساب رقم ( 220 )؛ من حديث ابن عبَّاس، $ذ، وانظر هذا الحديث في "التلخيص"، كتاب الإيمان؛ باب يدخل الجنة من أمة النبي - صلى الله عليه وسلم - سبعون ألفًا بغير حساب.
(25) ... في (أ): «توكيدًا).
(26) ... في (غ): «مخصوص».
(27) ... قوله:« جمع » سقط من (أ).
(28) ... هذا قول الزجاج؛ كما في "تهذيب اللغة" (5/229)، وفيه: «الحواريُّون: خلصاء الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام وصفوتهم».
(29) ... قوله: «أي» ليس في (ح).
(30) ... في (أ):« الرقيق ».
(31) ... قوله:« الدقيق » سقط من (أ) و(ح) و(غ).
(32) ... في "تهذيب اللغة" (5/229).
(33) ... في (أ): «فسمِّي».
(34) ... في (ح):« للأنبياء ».(1/148)
وإنَّ حَوَارِيَّ (1) الزبيرُ» (2) .
وقيل في حَوَارِيِّي عيسى _ج خمسةُ أقوال: قيل: هم البِيضُ الثيابِ، وقيل: المبيِّضون لها، وقيل: المجاهدون، وقيل: الصَّيَّادون (3) ، وقيل: المُخْلصون (4) .
.............................................
و«الأصحاب»: جمعُ صَحْب، كَفَرْخٍ وأَفْرَاخٍ (5) ؛ قاله الجوهري (6) ، وقال (7) غيره: =(1/235)=@ أصحابٌ - عند سيبوَيْه -: جمعُ صاحب؛ كشاهِدٍ وأشهاد، وليس جمعَ صَحْب؛ لأنَّ «فَعْلاً» (8) .............................................
لا تجمع (9) على أفعال إلا في ألفاظ معدودة، وليس هذا منها (10) .
والصُّحْبَةُ: الخُلْطَةُ والملابَسَةُ على جهة المحبَّة؛ يقال: صحِبَهُ يَصْحَبُهُ صُحْبَةً بالضم، وصَحَابةً بالفتح، وقد يراد (11) به: الأصحابُ، وجمع الصاحب (12) : صَحْبٌ؛ كراكبٍ ورَكْب، وصُحْبَةٌ بضم الصاد؛ كفَارِهٍ وفُرْهَة، وصِحَابٌ بالكسر؛ كجائِع وجِيَاع، وصُحْبَان؛ كشابٍّ وشُبَّان (13) .
وقوله: «ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ»؛ الروايةُ: «إِنَّهَا» بهاء التأنيث فقطْ، وأعادها على الأُمَّة ، أو على الطائفة التي هي معنى حواريِّينَ (14) وأصحاب ،، ويَحْتَمِلُ أن يكون ضميرَ القِصَّة (15) .
.............................................
و«الخُلوفُ» بضمِّ الخاء: جمع خَلْفٍ، بفتح الخاء وسكون اللام، وهو القَرْنُ بعد القرن، واللاحقُ بعد السابق؛ ومنه قولُهُ تعالى: ُ » ف پ ـ ِ (16) ، ويقالُ فيه: خَلَفٌ، بفتح اللام؛ ومنه قولُهُ - صلى الله عليه وسلم - :«يَحْمِلُ هذا العِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ» (17) ، .............................................
وحكى الفَرَّاءُ (18) الوجهَيْن في الذمِّ، والفتحَ في المدحِ لا غير (19) ، وحكَى أبو زَيْدٍ الوجهَيْن (20) فيهما جميعًا (21) . &(1/149)&$
__________
(1) ... قوله: «وإن حواري» في (ب):« وحواريَّ ».
(2) ... أخرجه البخاري في كتاب الجهاد، باب فضل الطليعة (6/52)، ومسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل طلحة والزبير (2415)، وانظر: الحديث في "التلخيص"، كتاب النبوات، باب فضائل طلحة بين عبدالله، والزبير بن العوام، وأبي عبيدة بن الجراح، $ج
(3) ... في (ب):« الصادون ».
(4) ... انتهى كلام ابن الأنباري؛ كما في كتاب "الزاهر في معاني كلمات الناس" له (1/121)، وانظر: أيضًا هذه الأقوال وغيرها مع مناقشتها في: "إكمال المعلم" (1/299-300 شواط)، و"مشارق الأنوار" (2/103)، و"الجمهرة" ( )، و"تهذيب اللغة" (5/229)، و"الصحاح" (2/639)، و"غريب أبي عبيد" (2/15)، و"النهاية" (1/457)، و"اللسان" ( )، و"التاج" ( )، وانظر من كتب التفاسير: "تفسير الطبري" (6/450-451)، و"تفسير القرطبي" (4/98)، و"تفسير ابن عطية" (3/138)، و"زاد المسير" (1/394)، و"تفسير ابن كثير" (2/37)، و"روح المعاني" (3/176).
... في "الإكمال" و"زاد المسير" وغيرهما: أنه قيل: الحواريون: هم القصَّارون، وقيل: الملوك، وإن حواريِّي عيسى عليه السلام كانوا ملوكًا، وإنَّ الحواريَّ هو الناصر، ورجَّع الأخيرَ ابنُ كثير؛ الحديثِ النبي - صلى الله عليه وسلم - «إنَّ لكلِّ نبيٍّ حواريًّا، وحواريَّ الزبيرُ».
... وقال الطبريُّ _ح: «وأشبهُ الأقوالِ التي ذكرنا في معنى الحواريِّين: قولُ من قال: سُمُّوا بذلك؛ لبياضِ ثيابهم، ولأنهم كانوا غسَّالين؛ وذلك أنَّ «الحَوَرَ» عند العرب: شدةُ البياض؛ ومنه قيل للرجل الشديد بياضِ مقلة العينين: أَحْوَر. وقد يجوزُ أن يكون حواريُّو عيسى كانوا سُمُّوا بالذي ذكرنا مِنْ تبييضهُم الثياب، وأنهم كانوا قصَّارين، فَعُرِفوا بِصُحْبة عيسى، واختيارِهِ إياهم لنفسه أصحابًا وأنصارًا، فجرى ذلك الاسمُ لهم، واستعملَ حتى صار كلُّ خاصَّةٍ للرجل من أصحابه وأنصاره: «حواريَّةُ» ولذلك قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : «إنَّ لكلِّ نبيٍّ حوارياًّ، وحواريَّ الزبيرُ». اهـ. ملخصًا من "تفسير الطبري" (6/450-451).
(5) ... في (ح):« كقدح وأقداح »، وفي (أ): «كفوج وأفواج»، والمثبت من (غ) و()، وهو الموافق لما في "الصحاح".
(6) ... "الصحاح" (1/161).
(7) ... في (أ): «قال» بدون واو.
(8) ... قوله: «فَعْلاً» في (أ): «فعلى».
(9) ... في (غ): «لا يجمع».
(10) ... انظر: "الكتاب" (3/568)، و"المقتضب" (2/193)، و"اللسان" (1/520).
(11) ... في (ح):« أراد ».
(12) ... قوله: «وجمع الصاحب» سقط من (غ).
(13) ... "الصحاح" (1/161)، وانظر:"القاموس" (1/95)، و"أساس البلاغة" (ص 249)، و"المفردات" للراغب (ص 275)، و"عمدة الحفَّاظ" (ص 287)، و"اللسان" (1/520).
(14) ... في (أ):« حواري ».
(15) ... ضمير القصَّة: هو ما يسمِّيه النحاة أيضًا: ضمير الشأن والحديث، ويسمِّيه الكوفيون: ضمير المجهول، وضابطة: إذا وقع قبل الجملة ضمير غائب مفرد : فإن كان مذكّرًا يسمَّى: ضمير الشأن؛ نحو قوله تعالى: ُ س ش ص ض ِ [الإخلاص: 1] {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *}، وإن كان مؤنثًا يسمَّمى : ضمير القصَّة، نحو قوله سبحانه: ُ _ . ع غ ِ [الحَجّ: 46] {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَْبْصَارُ}، وضمير الشأن والقصة مخال للقياس المطرد في غيره من الضمائر من خمسة أوجه. انظرها في "معنى اللبيب" (ص 465)، وانظر: "المفصَّل ( ص 173)، و"معجم القواعد العربية" لعبد الغنى الدقر (ص 306).
(16) ... سورة مريم، الآية: 59 .
(17) ... أخرجه ابن أبي حاتم في مقدِّمة "الجرح والتعديل" (2/17)، والعُقَيْليُّ في "الضعفاء" (4/256)، وابن عَدِيٍّ في "الكامل" (1/153)، والخطيبُ في "شرف أصحاب الحديث" (29)، وابن عبد البَرِّ في "التمهيد" (1/59)، والبيهقيُّ في "السنن" (10/209)، وتَمَّام في "فوائده" (1/142 رقم80)، من طُرُقٍ، عن مَعَان بن رِفَاعة اللاميِّ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذريّ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. وهذا إمَّا مرسلٌ، وإمَّا معضل.
... وفيه مَعَانُ بن رفاعة، ضعَّفه ابن معين، وأبو حاتم، والجوزجانيّ، وابن حِبَّان، وابن عديّ، ويعقوب بن سفيان، ووثَّقه ابن المدينيّ، وقال أحمد: لا بأس به. قال ابن القَطَّان: وخفي على أحمد مِنْ أمره ما علمه غيره، ثمَّ ذكر أقوال المضعِّفين له.
... انظر: التقييد و"الإيضاح" (ص 116)، و"المعرفة والتاريخ" (2/451)، و"المجروحين" (3/36)، و"الميزان" (4/134).
... وإبراهيم بن عبد الرحمن العُذْريّ، قال عنه الذهبيُّ في "الميزان" (1/45): لا يُدْرَى من هو ؟
... وقال ابن القطان - كما في "التقييد والإيضاح" (116) -: لا يُعْرَفُ في شيء من العلم غير هذا. وقد جاء موصولاً من طرق:
1 - ... من حديث أبي أمامة، أخرجه العقيليُّ في "الضعفاء" (1/9)، وابن عديّ في "الكامل" (1/153)، من طريق محمد بن عبد العزيز الرمليّ، عن رُزَيْق الألهانيِّ، عن القاسم أبي عبدالرحمن، عنه، به. وهذا إسناد ضعيف؛ فالقاسمُ صدوقٌ يُغْرِبُ كثيرًا، والألهانيُّ صدوقٌ له أوهام، والرَّمْليّ صدوقٌ يهم؛ كما في "التقريب».
2 - ... ومن حديث أسامة بن زيد، أخرجه الخطيب في "شرف أصحاب الحديث" (ص 28 رقم53)، والعلائيّ في بغية "الملتمس" (ص 34)، من طريق عمرو بن هاشم البيروتيّ، عن محمد بن سليمان، عن مَعَان بن رفاعة السلاميّ، عن أبي عثمان النَّهْديّ، عن أسامة بن زيد.
... قال العلائيّ: هذا حديثٌ حسن غريب صحيح .اهـ.
... إلا أنَّ فيه عمرو بن هاشم، صدوقٌ يخطئ. "التقريب" (ص 428)، ومحمد بن سليمان، هو ابن أبي كَرِيمة؛ كما نصَّ عليه الخطيب في "شرف أصحاب الحديث"، وكما تبيَّن من ترجمة عمرو ابن هاشم في "تهذيب الكمال" (22/275).
... وابن أبي كَرِيمة ضعَّفه أبو حاتم، وقال العُقَيْليُّ: روى عن هشام بن عروة بواطل. "الميزان" (3/570).
... على أنَّ العلائيَّ جعل محمد بن سليمان آخر هو الحَرَّانيّ الملقَّب بومة، ولكن يبدو أنَّ هذا وَهَمٌ منه؛ لما سبق.
... 3 - ومن حديث عبد الله بن مسعود، أخرجه الخطيب في "شرف أصحاب الحديث" (ص 28 رقم 54)، من طريق أحمد بن يحيى بن زُكَيْر، وأحمد بن يحيى قال فيه الدارقطنيُّ: ليس بشيء. "لسان الميزان" (1/323).
... 4 - ومن حديث أبي هريرة، أخرجه ابن عديّ في "الكامل" (2/712)، والخطيب في "شرف أصحاب الحديث" (ص 28 رقم 52)، من طريق مَسْلَمة بن عليٍّ الخُشَنيّ، وهو متروك. "التقريب" (ص 531).
... 5 - ومن حديث ابن عمر، أخرجه البزَّار كما في "كشف الأستار" (1/86)، والعقيليّ (1/9)، وابن عبد البرّ "التمهيد" (1/56)، وابن عديّ في "الكامل" (2/711)، من طريق خالد بن عمر القرشيّ، وهو مجمعٌ على تركه: "التهذيب" (3/109).
... وقال العراقيُّ عن هذه الطرق: كلُّها ضعيفة، لا يثبُتُ منها شيء، وليس فيها شيء يقوِّي المرسل المذكور: "التقييد والإيضاح" (116).
(18) ... في "معاني القرآن" له (1/399)، (2/170).
(19) ... من قوله:« وحكى الفراء... » إلى هنا سقط من (أ).
(20) ... قوله: «الوجهين» غير واضح في (ح)، وفي (غ): "الفتح"، وهو خطأ، وانظر التعليق التالي.
(21) ... يعني: أن أبا زيد الأنصاري حكى الفتح الإسكان، في المدح، وحكاهما أيضاً في الذم. انظر: "الإكمال" (1/301 شواط)، و"مشارق الأنوار" (2/161)، و"الصحاح" (2/1356)، و"جمهرة اللغة" 2/237)، و"المفردات" (ص 155)، و"فتح القدير" (2/260)، (3/339)، و"غريب الحديث" للخطابي (2/587)، و"اللسان" ()/29)، و"التاج" (12/185-186).(1/149)
بَابٌ: الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ (1) ، قَالَ: أَشَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ الْيَمَنِ، فَقَالَ: «أَلاَ إِنَّ الإِْيمَانَ ههُنَا، وَإِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِْبِلِ، حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ».
وَمِنْ بَابِ الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ
قوله: أَشَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ الْيَمَنِ، وَقَالَ: «أَلاَ (2) إِنَّ الإِْيمَانَ ههُنَا»:
قيل: إنَّ =(1/236)=@ هذه (3) الإشارة صدَرَتْ عنه - صلى الله عليه وسلم - وهو بتَبُوكَ، وبينه وبين اليمن: مكةُ والمدينة؛ ويؤيِّد هذا: قولُهُ (4) في حديث جابر - رضي الله عنه - : «وَالإِْيمَانُ (5) فِي أَهْلِ الْحِجَازِ»، فعلى هذا: يكونُ المرادُ بأهلِ اليمن: أهلَ (6) المدينة ومَنْ يليهم إلى أوائلِ اليمن (7) .
.............................................
وقيل: كان بالمدينة؛ ويؤيِّده أنَّ كونَهُ بالمدينة كان غالبَ أحوالِهِ؛ وعلى هذا: فتكونُ (8) الإشارة إلى سُبَّاقِ اليمن، أو إلى القبائل اليمنيَّة الذين وَفَدُوا على أبي بكر - رضي الله عنه - لفتحِ (9) الشامِ وأوائلِ العراق؛ وإليهم الإشارةُ بقوله - صلى الله عليه وسلم - :«إنِّي لأَجِدُ نَفَسَ الرَّحْمنِ مِنْ قِبَلِ اليَمَنِ» (10) ، .............................................
أي: نَصْرَهُ في حياتِهِ وتنفيسَه عنه فيها، وبعد مماته (11) ، .............................................
والله تعالى أعلم (12) .
.............................................
وسُمِّيَ (13) اليَمَنُ يَمَنًا؛ لأنَّه عن يمين الكعبة (14) ، وسُمِّيَ الشامُ شامًا؛ لأنَّه عن يسارِ الكعبة، مأخوذٌ من اليدِ الشُؤْمَى، .............................................
وهي اليُسْرَى (15) .
وقوله: «وَإِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِْبِلِ»، «الْقَسْوَةُ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ»: اسمان لمسمًّى واحدٍ، وهو نحوُ قولِهِ تعالى: ُ 6 5 4 3 2 1 ِ (16) ، والبَثُّ: هو الحُزْن (17) . &(1/150)&$
__________
(1) ... أخرجه البخاري(6/350رقم3302)، في بدء الخلق، باب خيرُ مال المسلم غنمٌ يتبع بها شَعَفَ الجبال، ومسلم (1/71رقم51)، في الإيمان،باب تفاضل أهل الإيمان فيه ورجحان أهل اليمن فيه.
(2) ... قوله:« ألا » سقط من (ح).
(3) ... قوله:« هذه » ليس في (أ).
(4) ... قوله: «قوله» سقط من (أ).
(5) ... في (ح): «الإيمان»، بدون واو.
(6) ... قوله: «أهل» سقط من (ح).
(7) ... انظر: "غريب أبي عبيد" (2/168)، و"الإكمال" (ص 459)، و"الصيانة" (2/2)، و"شرح النووي" (2/32)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/157).
(8) ... في (أ):« فيكون ».
(9) ... في (غ): «بفتح».
(10) ... أخرجه أحمد (2/541)، والطبراني في "مسند الشاميين" (1083)، وفي "الأوسط" (4661)؛ كما في "تخريج الكشَّاف" للزيلعي(4/316)، كلاهما من طريق حريز بن عثمان، عن شَبِيب أبي رَوْح، عن أبي هريرة، به. قال الإمام أحمد: حدَّثنا عصام بن خالد، حدَّثنا حريز، به.
... وهذا إسنادٌ حسن، فيه عصام، قال عنه الحافظ (390) صدوقٌ، وهو من رجال البخاريِّ، وبقيَّةُ رجاله ثقات. وقال العراقيُّ في "تخريج الإحياء" (1/104): رجاله ثقات. وقال الهيثمي في "المجمع" (10/56): رجاله رجالُ الصحيحَيْنِ، غير شَبِيب، وهو ثقة.
... كما أخرجه الطبراني (7/60 رقم 6358)، والبزَّار كما في "كشف الأستار" (2/273)، والبيهقي في الأسماء والصفات (ص 583)، كلُّهم من طَرِيق عبد الله بن سالم، حدَّثنا إبراهيم بن سليمان الأفطس، حدَّثنا الوليد بن عبد الرحمن، عن جُبَيْر بن نُفَيْر، عن سَلَمة بن نُفَيْل، فذكر حديثًا طويلاً فيه قولُ الرسول - صلى الله عليه وسلم - :«إنِّي لأجدُ نفَسَ الرحمنِ مِنْ ههنا» يشيرُ إلى اليمن.
... قال البزَّار: لا نعلم رواه بهذا اللفظ إلا سلمةُ بن نُفَيْل، وهذا أحسنُ إسناد يروى في ذلك، ورجاله شاميُّون مشهورون، إلا إبراهيم بن سليمان الأفطس .اهـ. وإبراهيمُ قال فيه الحافظ في "التقريب"(ص 90): ثقة ثبت، إلا أنَّه يرسل .اهـ. وقد صرَّح هنا بالسماع. قال البزَّار:حدَّثنا محمد بن مِسْكين، ثنا عبد الله بن يوسف،ثنا عبد الله بن سالم، به.
... وهذا إسنادٌ صحيح. انظر: "التقريب": (56، 330، 304، 582، 138).
(11) ... قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (6/398) في الكلام على المراد بهذا الحديث:-
... فقولُهُ «مِنَ الْيَمَنِ» يبيِّن مقصودَ الحديثِ؛ فإنَّه ليس لِلْيَمَنِ اختصاصٌ بصفاتِ الله تعالى حتى يُظَنَّ ذلك، ولكنْ منها جاء الذين يحبُّهم ويحبونه، الذين قال فيهم: ُ ُ َ ٍ ٌ ً ي ى و ه ن م ِ [المَائدة: 54] {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}.
... وقد رُوِيَ أنَّهُ لَمَّا نزَلَتْ هذه الآية، سُئِلَ عن هؤلاءِ؟ فذكَرَ أنهم قومُ أبي موسى الأشعريِّ، وجاءتِ الأحاديثُ الصحيحةُ مِثْلُ قوله: «أتاكُمْ أَهْلُ اليَمَنِ أَرَقُّ قُلُوبًا، وأليَنُ أفئدةً،؛ الإيمانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ»، وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهلَ الرِّدَّة، وفتحوا الأمصار؛ فبهم نفَّس الرحمنُ عن المؤمنين الكربات، ومَنْ خصَّص ذلك بأُوَيْسٍ، فقد أبعَدَ».
... وعلى ذلك: فـ«النَّفَس» بفتح الفاء: صفة فعلية لله عزَّ وجلَّ، بمعنى التنفيس؛ كالفَرَج والتفريج، وهي صفة ثابتة بالسنة الصحيحة، ومن عقيدة أهل السنة والجماعة: أنهم يثبتون لله تعالى ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وينفون عنه سبحانه ما نفاه عن نفسه وما نفاه عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
... وأما هذه الصفة فقد ثبتت في عدة أحاديث، منها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي ذكره الشارح، ومنها: - حديث سلمة بن نُفَيْل السَّكُوتي $ح؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال - وهو مولٍّ ظهره إلى اليمن: «إني أجدُ نَفَسَ الرحمنِ من هنا». روه الطبراني في "المعجم الكبير" (7/60 رقم 6358)، من طريق إسماعيل بن عيَّاش، عن الوليد بن عبدالرحمن، به.
... لكنْ تابع إسماعيل عبدُالله بن سالم الحِمْصي، عن إبراهيم بن سليمان الأفطس، عن الوليد بن عبدالرحمن، به.
- ... أخرجه: الطبراني (7/60/رقم 6358)، والبزار في "المسند" (1689 - كشف الأستار)، والبخاريُّ في "التاريخ الكبير" (1990)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (2/209)، وإسنادهم صحيح، ورجاله ثقات.
- ... حديثُ أُبَيِ بن كعب - رضي الله عنه - موقوفًا عليه: «لا تَسُبُّوا الريحَ؛ فإنَّها مِنْ نَفَسِ الرحمنِ تبارَكَ وتعالى»؛ رواه: النسائي في «عمل اليوم والليلة» (ص 521/ رقم 935 و936)، والحاكم في "المستدرك" (2/272)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (2/210) بإسناد صحيح؛ قال الحاكم: "صحيح لى شرط الشيخين"، وقال الذهبي: «على شرط البخاري.
- ... حديثُ أبي هريرة $ح: «مَنْ نَفَّسَ عن مؤمنٍ كُرْبَةً من كُرَبِ الدنيا، نَفَّسَ اللهُ عنه كُرْبَة مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القيامة ..»، رواه مسلم (2699).
... فهذه أربعة أحاديث تثبت هذه الصفة.
... قال الأزهري في "تهذيب اللغة" (13/9) بعد أن ذكر الحديث: «أَجِدُ نَفَسَ ربَّكم مِنْ قِبَلِ اليَمَنِ» ؛ قال: «أجدُ تنفيسَ ربَّكم عنكم مِنْ جهة اليمن؛ لأنَّ اللهجلَّ وعَزَّ نصرَهُمْ بهم، وأيَّدهم برجالهم، وكذلك قوله: «الرِّيحُ من نَفَسِ الرحمن»، أي: مِنْ تنفيسِ اللهِ بها عن المكروبين، وتفريجِهِ عن الملهوفين». اهـ.
... وقال في "القاموس المحيط" (2/264): «وفي قوله: «ولا تسبُّوا الريح؛ فإنها من نَفَسِ الرحمن»، و«أَجِدُ نَفَسَ ربِّكم مِنْ قِبَلِ اليَمَن» ؛ اسمٌ وُضِعَ موضعَ المصدرِ الحقيقيِّ، مِنْ نَفَّس تنفيسًا ونَفَسًا، أي: فَرَّج تفريجًا».
... وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين، _ح في الكلام على هذا الحديث: «إني أجدُ نَفَسَ الرحمن من قِبَلِ اليمن» قال: «هذا الحديث على ظاهره، والنَّفَسُ فيه: اسم مصدر: نَفَّسَ ينفّس تنفيسًا ونفسًا ، مثل : فرَّ يفرِّج تفريجًا وفَرَجًا؛ هكذا قال أهل اللغة؛ كما في "النهاية"، و"القاموس"، و"مقاييس اللغة"، [و"الصحاح"، و"تهذيب اللغة"] ... فيكون معنى الحديث: إنَّ تنفيس الله تعالى عن المؤمنين يكون من أهل اليمن» ثم نقل الشيخ بعض كلام شيخ الإسلام الذي ذكرناه أول هذا التعليق. انظر: "الصحاح" (3/984)، و"تهذيب اللغة" (13/9)، و"معجم مقاييس اللغة" (5/60)، و"النهاية" (5/93)، و"القاموس" (2/264)، و"المجلَّى، في شرح القواعد المُثْلَى، في صفات الله وأسمائه الحسنى" للشيخ محمد بن صالح العثيمين، شرح كاملة الكوَّاري، وانظر أيضًا: "تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة (ص 212)، و"الأسماء والصفات" للبيهقي (ص 583).
(12) ... ذكر الشارح هنا قولَيْن في نسبة الإيمان إلى اليمن، وهناك أقوالٌ أُخَرُ ذكرها أبو عُبَيْد في "الغريب"، ثُمَّ ذكرها مِنْ بعده القاضي عياض، وابنُ الصلاح، والنووي، ومنها:
1 - ... أنَّ المراد باليمن هنا: مكةُ؛ لأنها من تِهَامَةَ، وقد قيل: إنَّ تهامة من اليمن.
2 - ... أنَّ المراد بأهل اليمن: الأنصارُ؛ لأنَّهم يمانيُّون في الأصل، فنُسِبَ إليهم؛ لكونهم أنصارَهُ، وهذا ما استحسَنَهُ أبو عبيد، والقاضي عياض، وكثيرٌ من الناس.
... قال ابن الصلاح: «لو جَمَعَ أبو عُبَيْد ومَنْ سلك سبيله طرقَ الحديث بألفاظه؛ كما جمعها مسلمٌ وغيره، وتأمَّلوها، لصاروا إلى غير ما ذكروه، ولَمَا تركوا الظاهر، ولَقَضَوْا بأن المراد بذلك اليمنُ وأهلُ اليمن؛ على ما هو مفهومٌ من إطلاق ذلك؛ إذْ من ألفاظه: «أتاكم أهلُ اليمن»، والأنصارُ من جملة المخاطَبين بذلك؛ فهم إذَنْ غيرهم».
... ثم قال: «ولا مانعَ من إجراء الكلامِ على ظاهره، وحملِهِ على أهل اليمنِ حقيقةً؛ لأنَّ مَنِ اتصف بشيء، وقَوِيَ قيامُهُ به، وتأكَّد اضطلاعه به، نُسِبَ ذلك الشيءُ إليه؛ إشعارًا بتميُّزه به، وكمالِ حاله فيه».اهـ.
... وهذا الذي رجَّحه ابنُ الصلاح: رجَّحه أيضًا النووي، ومال إليه الحافظُ في "الفتح"، وهو الراجح، والله أعلم . وانظر:"الصيانة" (ص 212)، و"الإكمال" (ص 459)، و"شرح النووي" (2/32)، و"إكمال الإكمال" (1/157)، و"الفتح" (6/352، 532).
(13) ... في (ح):« وتسمَّى ».
(14) ... وقيل في سبب التسمية باليمن: لتيامُنِهِمْ إليها، وقيل: تفرَّقتِ العربُ، فمَنْ تيامَنَ منهم سمت اليمن. انظر: "غريب أبي عبيد" (2/161)، و"النهاية" (5/300)، و"مشكل الآثار" (1/348)، و"فتح الباري" (6/352)، و"شرح النووي" (2/32)، و"إكمال المعلم" (ص 46)، و"معجم البلدان" (5/510)، و"الصحاح" (6/2219).
(15) ... وقيل في سبب تسمية الشام بهذا الاسم: أنه جمعُ شامة؛ وسبَبُ ذلك كثرةُ قراها وتقاربها؛ فتشبِّهت بالشامات. انظر: "أساس البلاغة" (227)، و"معجم البلدان" (3/354)، و"لسان العرب" (12/315)، و"الصحاح" (5/1957).
(16) ... سورة يوسف، الآية: 86 .
(17) ... هذا ذَهَابٌ من الشارح إلى أن البث والحزن مترادفان، وليس كذلك، وفرقُ ما بينهما: أن البث: أشد الحزن، وسمِّي بثًّا؛ لأن صاحبه لا يصبر عليه حتى يبثَّه، أي: يظهره ويفرِّقه ويذيعه، وأصل مادَّة «البث» الدلالة على الانتشار، وأما الحزن: فهو غَمٌّ يلحق من فوات نافع أو حصول ضار، وأيضًا قد قال الحسن في آية سورة يوسف: بَثَّي، أي حاجتي، وقال أبو هلال العسكري: «الفرق بين الحزن والبث»: أن قولنا: الحُزْنُ يفيد غِلَظَ الهمّ، وقولنا: البَثّ، يفيد أنه يَنْبَثُّ ولا ينكتم، من قولك: أَبْثَثْتُهُ ما عندي، وبَثَثْتُهُ: إذا أعلمتَهُ إِياه. وأصلُ الكلمة: كثرةُ التفريق، ومنه قوله تعالى: ُ ئ إ ِ [القَارعَة: 4] {كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ}، وقال تعالى: ُ 6 5 4 3 2 1 ِ [يُوسُف: 86] {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}؛ فعطف البَثَّ على الحزن؛ لما بينهما من الفرق في المعنى، وهو ما ذكرناه».
... انظر: "الفروق اللغوية" (ص 298)، و"المفردات" (ص 108، 231)، و"الكليات" (ص 246، 428)، و"الدر المصون" (6/548)، و"اللباب في علوم الكتاب" لابن عادل الحنبلي (11/192-193، و"معجم مقاييس اللغة" (1/172)، و"الصحاح" (1/273)، و"تهذيب اللغة" (15/68)، و"النهاية" (1/95).(1/150)
.............................................
قال المؤلِّف، رحمه الله: وَيَحْتَمِلُ أن يقال: إِنَّ القسوةَ يرادُ بها: أنَّ تلك القلوبَ لا تَلِينُ لموعظة (1) ولا تخشَعُ لِتَذْكار، وغلظها: أن (2) لا تَفْهَمَ ولا تَعْقِل.
وهذا (3) أولى من الأوَّل (4) .
و«الفَدَّادون» مشدَّدَ الدال: جمعُ فَدَّاد؛ قال أبو عُبَيْدٍ (5) : .............................................
هم المُكْثِرون من الإبل، وهم جُفَاةٌ أهلُ خُيَلاَءَ، واحدهم: فدَّاد، وهو الذي يملكُ من المائتين (6) إلى الألف (7) .
وقال أبو العبَّاس: هم الجَمَّالون والبَقَّارون، والحَمَّارون والرُّعْيان (8) .
.............................................
وقال الأصمعيُّ: =(1/237)=@ هم الذين تعلو أصواتُهُمْ في حروثهم وأموالهم ومواشيهم، قال: والفديدُ: الصوت، وقد فَدَّ (9) الرجلُ يَفِدُّ فديدًا؛ وأنشد:
أَعَاذِلُ مَا يُدْرِيكَ أَنْ رُبَّ هَجْمَةٍ
لأَِخْفَافِهَا فَوْقَ المِتَانِ (10) فَدِيدُ (11)
ورجلٌ فدَّاد: شديدُ الصوت (12) .
.............................................
وأمَّا الفَدَادون، بتخفيف الدال (13) : فهي البَقَرُ التي تحرُثُ، .............................................
واحدها: فَدَّانُ بالتشديد، عن أبي عمرو الشَّيْبانيِّ (14) .
.............................................
قال الشيخ، رحمه الله: وأمَّا الحديثُ فليس فيه إلاَّ روايةُ التشديد (15) ، وهو الصحيحُ على ما قاله الأصمعيُّ وغيره (16) .
وقوله: «عِنْدَ أُُصولِ أَذْنَابِ الإِْبِلِ»، المراد به (17) ، والله أعلم: الملازمون للإبِلِ، السائقون لها (18) .
ويظهر لي أنَّ «الفَدَّادين» هو العاملُ في «عند»؛ فكأنَّه (19) قال: المصوِّتون (20) عند أذناب الإبِلِ؛ سَوْقًا لها، وحَدْوًا بها .
.............................................
وقوله: «حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ» (21) ، هذا تعيينٌ لمواضعهم؛ كما قال في الرواية الأخرى: «رَأسُ الكُفْرِ قِبَلَ المَشْرِقِ» (22) .
.............................................
واختُلِفَ في قَرْنَيِ الشيطان:
فقيل (23) : هما ناحيتا رأسِهِ العُلْيَاوان (24) ، وهذا (25) أصلُ هذا اللفظ وظاهره؛ فإنَّ قَرْنَ الشيءِ (26) أعلاه في اللغة (27) ؛ فيكونُ معناه على هذا: أنَّ الشيطاَن ينتصبُ قائمًا مع طلوعِ الشمس لِمَنْ يسجد للشمس؛ لِيُسْجَدَ له، ويُعْبَدَ (28) بعبادتها، ويَفْعَلُ هذا في الوقت =(1/238)=@ الذي يسجُدُ لها الكُفَّار؛ كما (29) قال - صلى الله عليه وسلم - :«إنَّ الشمسَ تَطْلُعُ ومعها قَرْنُ &(1/151)&$
__________
(1) ... في (ح): «يراد بها تلك القلوب التي لا تلين لموعظة».
(2) ... قوله: «أن» سقط من (ح).
(3) ... قوله: «وهذا» في (أ): «وهو».
(4) ... انظر في معنى «القسوة»: «الفروق اللغوية» للعسكري ( 125).
(5) ... كذا في جميع النسخ التي لدينا: «أبو عبيد»، بلا تاء وكذلك هو في "الإكمال" (1/305 شواط)، و"المشارق" (/148)، و"الغريبين" (5/1421)، ووقع بلفظ "أبو عبيدة" بالتاء في "غريب الحديث" لأبي عبيد (1/203)، و"المعلم" ( )، و"الاقتضاب" للتلمساني (2/509)، و"تهذيب اللغة" (14/74)، و"الصيانة" (ص 215)، "شرح مسلم" للنووي (2/34)، و"الفتح" (6/352).
... والصواب: «أبو عبيدة»، وهو مَعْمَرُ بن المثنَّى، وقد نقل عنه ذلك القول: أبو عبيد القاسم بن سلاَّم في "غريب الحديث" له، وكذلك في "تهذيب اللغة" قال: «قال أبو عبيد: وقول أبي عبيدة هو الصواب عندي»، وممَّن صرَّح بأن هذا القول لمعمر بن المثنى: ابن الصلاح في "الصيانة"، وتبعه النووي في "شرح مسلم"، وابن حجر في "شرح البخاري".
... وبذلك يعلم خطأ ما وجد هنا في "المفهم"، و"الإكمال"، و"المشارق"، و"الغريبين"، ووهم ما وقع من محقِّق "الاقتضاب" حيث غيَّر «أبو عبيدة» إلى «أبو عبيدة».
(6) ... هكذا في جميع لنسخ التي لدينا: المائتين»، بالتثنية، ووقع في "القاموس": «الفدَّاد: مالكُ المئين من الإبل»، فعلَّق عليه الزبيدي في "التاج" (5/56)، قال: هكذا بصفة الجمع في نسختنا. وفي غالب الأمهات اللغوية ["تهذيب اللغةّ (14/74)، و"اللسان" (3/330)، وغيرهما]، وفي بعض النسخ : «المائتين» وهو الذي في "النهاية" [3/419]، ورجَّحه شيخنا، وليس بشيءٍ؛ قال الصاغالي [في "التكملة والذيل والصلة" (2/306)] وكان أحدهم إذا ملك المئتين من الإبل إلى الألف، يقال له: فَدَّاد، وهو في معنى النسب، كسَرَّاج، وعَواج، وبَثَّاث»
... والصواب: ما رجَّحه شيخ الزبيدي ابن الطيب القاسي بالتثنية؛ لأن ذلك في غالب الأمهات اللغوية، وهو كذلك في بعض نسخ القاموس، و"غريب أبي عبيد"، و"الصيانة"، و"الإكمال"، و"النهاية" - وقع في المطبوع منها: «المئين" - و"اللسان" - ووقع فيه كلام أبي عبيدة: "المائتين"، وفي كلام الصناني: «المئين" ولا يعترض على ما في غالب الأمهات اللغوية ودواوين الإسلام بما في كلام الصناني، فلعل ما وقع فيه تصحيف؛ إذ لم يضبطه بالحرق، كما وجد مثل ذلك في بعض الكتب المحققة، وهذا القول أقرب من القول بوقو التصحيف في غالب الأمهات.
(7) ... انظر هذا القول غير مَنْسُوب في "التعليق على الموطأ" للوَقَّشيّ (2/374)، و"النهاية" (3/419)، و"اللسان" (3/330)، و"التاج" (5/157).
(8) ... انظر: هذا القول منسوباً إلى «أبي العباس» دون تعيين: "الإكمال" (1/305 شواط)، و"الفتح" (6/352)، و"تهذيب اللغة" (14/74)، و"الغريبين" (5/1421)، و"اللسان" (3/330)، و"التاج" (5/156)، وقد عيَّنه بأبي العباس المبرِّد: القاضي في "مشارق الأنوار" (2/148)، وعيَّنه بأبي العباس ثعلب: ابن الجوزي في "غريب الحديث" (2/181).
(9) ... قوله: «وقد فَدَّ» في (ب) و(ح) و(غ): «وفَدَّ وفَدَّ»، وهو تكرار.
(10) ... في (ب) و(ح): «المثار».
(11) ... البيت من الطويل، وهو للمَعْلُوط السَّعدي في "كتاب الألباط" لابن السِّكِّيت (ص 44)، و"الصحاح" (2/518) و"سمط اللآلي للبكري (ص 434)، و"اللسان" (3/330)، (12/602)، و"التاج" (5/157)، (17/740)، وبلا نسبة في "جمهرة اللغة" (1/113).
... و«الهَجْمة» القطعة من الإبل، واختلف في عددها على أقوال كثيرة، و«المتان»: جمع مَتْن، وهو ما صَلُبَ وارتفع من الأرض، ورواه ابن دريد: «فوق الغلاة فديد» قال: «ويروي وئيد» قال: «والمعنيان متقاربان»، قال: «قال: فَدَّ يَفِدُّ فدًّا وفديدًا، والفديد: هو شدة الوطء على الأرض من نشاط ومن مَرَح، يقول: وطؤها شديد».
(12) ... انظر: كلام الأصمعي منسوبًا إليه في: "غريب أبي عبيد" (1/203) و"الصحاح" (2/518)، و"تهذيب اللغة" (14/74)، و"الزهر" (2/172، 173)، و"الفائق" (3/93)، و"غريب ابن قتيبة" (2/291)، و"الصيانة" (ص 215)، و"شرح النووي" (2/34)، و"التمهيد" (18/143)، و"مقدمة الشيخ" (ص 166)، و"الإكمال" (1/36 شواط) و"مشارق الأنوار" (2/148)، و"التعليق على الموطأ" للوَقَّشِيّ (2/373)، و"الاقتضاب" للتلمساني (2/508)، و"اللسان" (3/330)، و"التاج" (5/156).
(13) ... صواب العبارة: «وأمَّا الفَدَدِينُ، بتخفيف الدال» بإثبات الياء وضم النون من «الفَدَدين»؛ لأنها جمع تكسير لـ «فَدَّان» وليست جمع مذكَّرٍ سالمًا؛ بخلاف «فَدَّادين» بتشديد الدال؛ فهي جمع مكذكر سلم لـ«فدَّاد» وقد ذكر الفرق بين الجمعَيْن محقِّق "تهذيب اللغة" (14/73). والذي أدخل على الشارح هذا الوهم أمران:
الأول: ظنُّه أن جمع «فَدَّاد» و«فَدَّان» بتشديد الدال فيهما: هو جمع مذكر سالم، وليس الأمر كذلك.
الثاني: وقوع هذا الوهم في كتاب "غريب الحديث" لأبي عبيد فيما نقله عنه صاحب "الإكمال"؛ حيث نقل رَدَّ أبي عبيد لكلام أبي عمر والشيباني هذا، فقال القاضي: «وأنكر أبو عُبَيْد قول أبي عمرو هذا وقال: «لا أرى أبا عَمْرٍو حفظ هذا، وليس الفَدَادُونَ من هذا بشيءٍ» قال القاضي معلِّقًا: «كذا جاء، وصوابه: الفَوَادِينُ»، ثم قال ...... كلام أبي عبيد: «ولا كانت العرب تعرفها، وإنما هي للروم وأهل الشام، وإنما افتتحتِ الشام بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولكنَّهم الفدَّادون بالتشديد، وهم: الرجال، والواحد: فَدَّاد». اهـ. كلام القاضي.
... فقد وقع في كلام أبي عبيد كلمة «الفَدَادين» بتخفيف الدال جَمْعَ مذكَّر سالمًا، وهو خطأٌ فصوَّبه القاضي بردِّه إل جمع التكسير، غير أن محقِّق "الإكمال" علَّق على كلمة القاضي: «كذا جاء، وصوابه: الفَدَادِينُ» فقال بعد أن وضعها بين قوسين: «ما بين القوسين لا يوجد في "غريب أبي عبيد"، و لا في "المُعْلِم"، وهو تدخُّلٌ من القاضي عياض رحمه الله؛ لتصحيح العبارة لغويًا؛ لأن المستثنى يُنْصَبُ، وقد ورد في الكلام المنقول مرفوعًا، فنبَّه على ذلك دون تدخُّل فيما نقله» اهـ. فتوهَّم المحقِّق أن «ليس» في عبارة أبي عبيد استثنائية وليستْ كذلك هنا بثَّة، ولو تنبَّه إلى الفرقبين الجمع المكسَّر وجمع السلامة، لما وقع في هذا الوهم! وههنا تنبيهان:
الأوَّل: أن مجيء «الفَدَادين» بتخفيف الدال جَمْعَ تكسيرٍ على الصواب: جاء في النسخة المحقَّقة من "غريب أبي عبيد": قال أبو عمرو: هي الفدادينُ - محقَّقة - واحدها: فَدَّان - مشدَّدة - وهي التبصر التي تحرُثُ ... قال أبو عبيد: ولا أُرَى أبا عمرٍو حفظ هذا ، وليس الفَدَادينُ من هذا في شيءٍ، و«كانت العرب تعرفها... إلخ»، لكنَّ المحقَّق ظنَّ هذا الصوات خطأً، فقال معلقًا على «الفَدَادين» - من قوله: «وليس (الفدادين)» - : «هكذا جاءت في كل النسخ؛ ولذا وضعتها بين قوسين، وكذا اء قد على الصواب في «الصحاح» (2/518)، و"الزاهر" (2/172).
الثاني: أنَّ من نقل عبارة أبي عبيد عن أبي عمر الشيباني - حاشا القاضي في "الإكمال" - نقل الكلمة على الصواب؛ على أنها جمع تكسير، وممَّن نقلها الأزهري في "تهذيب"، والزبيدي في "التاج"، وممن نَصَّ على أنه جمع مكسَّر لا جمع سلامة: الوقشي في "التعليق على الموطأ"، والتلمساني في "الاقتضاب" وفي "الزاهر" أن الإعراب على النون، أي: أنه جمع تكسير.
... انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (1/256)، تحقيق د. حسين محمد شرف)، و"الإكمال المعلم" (1/306، تحقيق د. حسين شواط)، و"تهذيب اللغة" (14/73)، و"اللسان" (3/330)، و"التاج" (5/156)، و"الصحاح" (2/518)، و"النهاية" (3/419)، و"التعليق على الموطأ" (2/375)، و"الاقتضاب" (2/509).
(14) ... هو أبو عمر إسحاق بن مرار الشيباني، جاور بني شيبان فنسب إليهم، يُعَدُّ من الكوفيين، وهو غير أبي عمرو بن العلاء البصري القارئ المشهور، وقد نسب هذا القول إلى أبي عمرو دون تعيين في: "غريب أبي عبيد"، و"الغريبين" و"الإكمال"، و"تهذيب اللغة"، و"الزاهر"، و"اللسان"، و"التاج"، و"الصحاح"، وقد عينه جماعة أنه أبو عمرو الشيباني، ومنهم الشارح هنا، والوقشي في "التعليق على الموطأ"، والتلمساني في "الاقتضاب"، وابن الصلاح في "الصيانة" والنووي في "شرح مسلم"، والحافظ في "الفتح"، وقد عيَّنه القاضي في "المشارق" في أبي عمر بن العلاء.
... والظاهر: أنه أبو عمرو الشيباني لا أبو عمرو بن العلاء، وأن القاضي قد وَهِمَ في "المشارق" بن العلاء، والعجيب أن محقِّق كتاب "الإيمان" من "الإكمال" (1/305-306) قد وَهِمَ في تعليقه؛ فجعله من قول ابن العلاء لا الشيباني، مع أنه وثَّق قول أبي عمرو هذا من "الصيانة" دون "المشارق" !!
... وأما ما ذهب إليه أبو عمرو من رواية التخفيف: فمعناه: أن ..... والقسوة في أصحاب الفَدَادين، وهي البقر التي يحرث بها، فخذف الأصحاب، وأقام الفَدَادين مقامهم؛ كما قال تعالى: ُ ح خ ِ [يُوسُف: 82] {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}، أي: أهل القرية، وقد رَدَّ أبو عبيد قول أبي عمرو هذا ولم يرتضه في رواية الحديث ومعناه. انظر: "غريب أبي عبيد" (1/256 -حسين شرف) و"الاقتضاب" (2/509).
(15) ... من قوله:« عن أبي عمرو... » إلى هنا ليس في (أ).
(16) ... وما ذهب إليه الشارح هنا هو ما زم به أبو عبيد في "غريبه" في ردِّه على أبي عمرو الشيباني، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في التعليق المقدّم.
(17) ... في (غ): «والمراد به».
(18) ... في (أ) و(ب): «السابقون لها»، والمثبت من (ح).
(19) ... قوله: «في: عند، فكأنه» في (غ) : «في غير مكانه».
(20) ... في (أ): «الموصوفون».
(21) ... قال ابن عبدالبر: «إنَّ العرب وجميعَ أهلِ العلم بالنسب أجمعوا على أنَّ اللبابَ الصريحَ من وَلَدِ إسماعيل بن إبراهيم _ت ربيعة، ومضر، ابنا نزار بن معد بن عدنان، لا خلافَ في ذلك». اهـ. قال ابن حزم: ولا يصحُّ ذلك لغيرهم ألبتة.اهـ.
... ويقال لربيعة: ربيعةُ الفَرَسِ، ولٌمُضرَ: مُضَرُ الحمراء؛ وذلك أنَّه كان لنزارٍ فرسٌ مشهورٌ فضله، فأصابه ربيعة، وكانتْ له ناقةٌ حمراء مشهورةُ الفضل، فأصابها مضر. انظر: "الإنباه، عن قبائل الرواة" (ص 86)، و"جمهرة أنساب العرب" (ص 10)،و"الأذكياء" (ص 85).
(22) ... والمشرق الذي أشار إليه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، وأخبر أنه يطلُعُ منه قرن الشيطان، ورأسُ الكفر: هو مَشْرِقُ المدينة، حيثُ كان - صلى الله عليه وسلم - هناك يشيرُ بيده نحو الشرق، ومشرقُ المدينة: باديةُ العراق ونواحيها؛ كما قاله الخَطَّابي؛ ومما يؤيِّد ذلك: حديثُ ابن عمر عند "مسلم" أنه قال: يا أهلَ العراقِ، ما أسأَلَكُمْ عن الصغيرة، وأركَبَكُمْ للكبيرة، سمعتُ أبي يقول: سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إنَّ الفتنةَ تجيء مِنْ ههنا، وأومأ بيده نحو المشرق مِنْ حيث يطلُعُ قرنا الشيطان. أخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة، باب الفتنة من المشرق (رقم 2905).
... وشواهد التاريخ تبيِّن ذلك؛ كما سينبه عليه الشارح؛ فهناك تقاتَلَ الصحابة، وقُتِلَ علي، وقتل الحسين، وهناك كانتْ فتنُ الخوارج، وفتنةُ الزَّنْج، ومِنْ هناك خرجَتْ كثيرٌ من الفرق العقدية؛ كالقدرية؛ والمعتزلة، والخوارج. وانظر: "الصيانة" (ص 218)، "شرح النووي" (2/34)، و"الديباج" (ص 32)، و"الفتح" (13/46)، و"إكمال البيان، شرح حديث نجدُ قَرْنَ الشيطان" (ص 18- 20). وفي ذلك رَدٌّ على الذين شغَّبوا على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بفهم مغلوط مِنْ هذا الحديث، وحاولوا تنزيلَهُ على وسط الجزيرة، مكابرةً وشنآنًا.
... وفي جمعِ رواياتِ الحديث، وتتبُّعِ كلامِ أهل العلم عليه: ما يكشفُ اللبسَ، ويبطلُ المغالطة، والشيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب _ح إنَّما جاء نابذًا للشرك والكفر، مجدِّدًا لما اندرَسَ من التوحيد والإسلام.انظر:"مشكلات الأحاديث النبويَّة" للقصيميِّ (ص 213).
(23) ... في (أ): «قيل» بلا فاء.
(24) ... في (أ):« العليا ».
(25) ... في (أ): «هذا» بلا واو.
(26) ... قوله: «الشيء» في (أ) و(غ): «الشيطان».
(27) ... انظر: "الصحاح" (6/2179)، و"مقاييس اللغة" (5/76)، و"المفردات" ص 401)، و"النهاية" (4/51)، و"اللسان" (13/331).
(28) ... في (ب): «ويعبده».
(29) ... قوله: «كما» سقط من (ح).(1/151)
الشَّيْطَان، فإذا ارتفعَتْ فارَقَهَا، ثُمَّ إذا استَوَتْ قارَنَهَا، فإذا زالَتْ فارَقَهَا، ثم إذا .............................................
قارَبَتِ (1) الغروبَ قارنَهَا، ثم إذا غرَبَتْ فارَقَهَا» (2) .
.............................................
وقيل: القَرْنُ الجماعةُ من الناس والأُمَّة؛ ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - :«خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الذين يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الذين يَلُونَهُمْ (3) » (4) . وعلى هذا: فيكونُ معنى «قَرْنَيِ الشيطان» في الحديث: أنَّهما أُمَّتان عظيمتان يَعْبُدُونَ غيرَ الله تعالى، ولعلَّهم في ذلك الوقت (5) ربيعةُ ومُضَرُ .............................................
المذكوران (6) في الحديث، أو أُمَّتَانِ من الفُرْسِ يعبدون الشمسَ، ويَسْجُدُونَ لها مِنْ دون الله؛ كما جاء (7) في الحديث: «وحينئذٍ يَسْجُدُ لها الكُفَّارُ».
وقال (8) الخَطَّابِي: قَرْنُ الشيطانِ ضَرَبَ (9) به المَثَلَُ فيما لا يُحْمَدُ من الأمور (10) .
وقيل: المرادُ بهذا الحديث: ما ظهَرَ بالعراق من الفتنِ العظيمة، والحروبِ الهائلة؛ كوقعةِ الجَمَل (11) ، وحروبِ صِفِّين (12) ، .............................................
وحَرُورَاء (13) ، وفِتَنِ بني أميَّة (14) ، وخُرُوجِ الخوارج (15) ؛ فإنَّ ذلك .............................................
كان (16) أصلُهُ، ومنبعُهُ العراقَ ومَشْرِقَ (17) نَجْد، وتلك مساكنُ ربيعةَ ومُضَرَ إذْ ذاك (18) (19) ، والله أعلم (20) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (21) ؛ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً، وَأَضْعَفُ قُلُوبًا، الإِْيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ، السَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ قِبَلَ مَطْلِعِ الشَّمْسِ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «رَأْسُ الْكُفْرِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ».
وقوله في أهل اليمن: «هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً، وَأَضْعَفُ قُلُوبًا»، يعني: مِنْ أهلِ المشرق، لا مِنْ أهل الحجاز؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - قد قال في الحديث الآخر: «وَالإِْيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ»،واليَمَنُ من الحجاز (22) ؛ كما سيأتي بيانُهُ إِنْ شاء الله تعالى (23) .
وقد وصَفَ أهلَ اليمنِ في هذا الحديث بضدِّ ما وصَفَ به فيه (24) أهلَ العراق؛ فإنَّه قابَلَ وصفَي (25) القسوةِ والغِلَظِ بوصفَيِ الرِّقَّةِ والضعف؛ فالرقَّةُ (26) في مقابلة القسوة، =(1/239)=@ والضعفُ يقابلُ الغِلَظَ، فمعنى .............................................
«أَرَقُّ»: أخشَعُ، ومعنى «أضعَفُ»: أسرَعُ (27) فَهْمًا وانفعالاً للخير (28) . &(1/152)&$
__________
(1) ... في (أ):« قارنت ».
(2) ... أخرجه مالكٌ في "الموطّأ"، كتاب القرآن، باب النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر(1/219)، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار،عن عبد الله الصُّنَابِحِيِّ، به.
... ومن طريقه: أخرجه النسائيُّ في «المواقيت»، باب الساعات التي نُهِىَ عن الصلاة فيها (1/275)، والشافعيُّ في "الأُمِّ" (1/147)، وفي "الرسالة (ص 317)، وأحمد (4/349)، والبيهقيُّ في "السنن الكبرى" (2/454).
... وأخرجه عبد الرزَّاق (2/425)، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء، عن أبي عبد الله الصنابحيِّ، ومن طريقه ابنُ ماجه في إقامة الصلاة، باب ما جاء في الساعات التي تُكْرَهُ فيها الصلاة رقم ( 1253 )، وأحمد (4/348).
... قال ابن عبد البر في "التمهيد" (4/1 - 3): جمهورُ الرواة عن مالك قالوا: عبد الله الصنابحي، وخالفهم طائفة، منهم: مطرِّف، وإسحاق بن عيسى الطباع، فرَوَوْهُ عن مالك، عن زيد، عن عطاء، عن أبي عبد الله الصنابحي. والصوابُ: أنَّ كنيته أبو عبد الله، واسمه عبد الرحمن. اهـ. مختصرًا.
... وقال البيهقي - بعد أن ساقه مِنْ طريق مالك -: كذلك رواه مالك بن أنس، ورواه معمر بن راشد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء، عن أبي عبد الله الصنابحي. قال أبو عيسى الترمذي: الصحيح رواية معمر، وهو أبو عبد الله الصنابحي، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة.اهـ.
... وهو ثقة مِنْ كبار التابعين، قدم المدينة بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بخمسة أيَّام، ومات في خلافة عبد الملك، كذا قال الحافظ في "التقريب" (346).
... وانظر:"ذكر أسماء التابعين" للدارقطني (1/209)، و(2/703)، و"الإصابة" (3/97)، و"التهذيب" (6/229)، و"الجمع بين رجال الصحيحين" (1/283)، و"الكاشف" (2/176)، و"مشاهير علماء الأمصار" (ص 111)؛ فهذا مرسلٌ صحيح.
... وله شاهد عند الطبراني في "الكبير"(8/62)، من طريق سعيد المَقْبُرِيِّ عن صفوان بن المعطِّل السُّلَمي؛ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ الشمسَ إذا طَلَعَتْ قارنها الشيطان، فإذا انبسَطَتْ فارقها، فإذا دَنَتْ للزوال قارنها، وإذا زالَتْ فارقها، وإذا دَنَتْ للمغيب قارنها، وإذا غَرَبَتْ فارقها»؛ قال الهيثمي - في "المجمع" (2/224) عند حديث آخر من هذا الطريق -: لا أدري سمع سعيد المقبري منه أم لا؟ وقال عن هذا الحديث (2/227): رواه الطبراني، ورواته موثَّقون.اهـ. وقال الذهبي في "السير" (2/546): حدَّث عنه.. وسعيد المقبري و... وروايتهم عنه مرسلة، لم يلحقوه فيما أرى.اهـ. ولأوَّله وآخره شاهدٌ عند مسلم في صلاة المسافرين، باب إسلام عمرو ابن عبسة رقم (832)، عن عمرو بن عَبَسة في حديث طويل، إلا أنَّه قال في تعليل النهي عن الصلاة عند استواء الشمس وسط السماء: «فإنَّه حينئذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّم».
... وعليه: فالحديث صحيحٌ بشاهده، سوى هذه اللفظة، وهي قوله: «ثُمَّ إذا استوَتْ قارنها»؛ قال الألباني عن هذه اللفظة في هذا الحديث «فإذا استوَتْ قارنها، فإذا زالت فارقها»: "هذا منكر؛ لمخالفته لحديث عمرو بن عبسة ». "الإرواء" (2/238).
... ولا تظهر نكارةُ هذه المخالفة؛ فإنه لا مانع أن تكونَ ساعةٌ تُسْجَرُ فيها جهنَّم ويقارن الشيطان فيها الشمس، وتكون العلة عن الصلاة فيها مجموع الأمرَيْنِ.
(3) ... قوله:« ثم الذين يلونهم » سقط من (أ) و(ح) و(ط).
(4) ... أخرجه البخاري (7/5) في فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، باب فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومسلم في فضائل الصحابة، باب فضائل الصحابة ثم الذين يلونهم (4/1964 رقم 2535).
(5) ... قوله: «الوقت» سقط من (ح).
(6) ... في (أ): «المذكورتان».
(7) ... قوله: «جاء» ليس في (أ).
(8) ... في (أ):« قال ».
(9) ... في (أ): «يضرب».
(10) ... "غريب الحديث" للخطابي (2/295).
(11) ... وقعتْ هذه الوقعة سنة 36هـ بالبصرة، وسمِّيتْ بوقعة الجَمَل؛ لأنَّ أم المؤمنين $خ كانتْ في هَوْجها فوق جَمَلٍ يقال له: عَسْكَر، وكان أصحابها $ج يُمْسِكون بزمام الجمل، وكلَّما قُتِلَ واحدٌ، قام غيره، حتَّى عُقِرَ الجمَلُ، وسقَطَ على الأرض، وكانتْ بين عليٍّ وبين عائشة وطلحة والزبير $ج ومن معهم.
... انظر: "تاريخ الطبري" (4/456-558 مفصَّلاً)،و"تاريخ خليفة" (ص 180-191)، و"العواصم من القواصم" (ص 147-151)، و"البداية والنهاية" (7/230-245)، و"إكمال المعلم" (ص 456)، و"الفتاوى" (25/53-56)، و"الفتوح" (2/309-343).
(12) ... وقعتْ حروبُ صِفِّين سنة 37هـ، بمكان قرب الرَّقَّة على شاطئ الفرات مِنَ الجانب الغربيِّ، وكانتْ بين عليٍّ ومعاوية $ذ.
... قال شيخُ الإسلام ابن تيمية: «جمهورُ أهلِ العلم يفرِّقون بين الخوارج المارقين وبين أهل الجَمَلِ وصِفِّين، وغيرِ أهل الجملِ وصِفِّين ممن يُعَدُّ من البغاة المتأولين. وهذا هو المعروفُ عن الصحابة، وعليه عامَّةُ أهلِ الحديث والفقهاءِ والمتكلِّمين، وعليه نصوصُ أكثرِ الأئمَّة وأتباعهم مِنْ أصحابِ مالكٍ، وأحمدَ، والشافعيِّ، وغيرهم، وأكثَرُ أصحابِ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقاتلوا في هاتَيْن الوقعتَيْن مستدلِّينَ بنصوصٍ كثيرة في تَرْكِ القتال في الفتنة، وقد كان عليٌّ - رضي الله عنه - يَحْمَدُ أحيانًا مَنْ لم ير القتال». اهـ. مختصرًا.
... انظر: "تاريخ الطبري" (4/563)، (5/2-38)، و"تاريخ خليفة" (ص 191-196)، و"معجم البلدان" (3/414)، و"الفتوح" (2/344)، و"البداية والنهاية" (7/258-278)،و"إكمال المعلم" (ص 456)، و"مجموع الفتاوى" (35/53-56)، و"العواصم من القواصم" (ص 162-180).
... ووقعتا الجمل وصِفِّين ممَّا حدَثَ من الفتن في صدر الإسلام، وهما ممَّا وقع بين أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من خلاف وفتنة، يجب على المسلم الكَفُّ عمَّا شجَرَ بينهم فيها.
(13) ... حَرُوراء: قريةٌ بظاهر الكُوفة على مِلَيْنِ منها، تنسب إليها الحَرُورِيَّة من الخوارجِ الذين خالفوا عليَّ بنَ أبي طالب $ح، وبها كان أوَّلُ اجتماعهم حين خالفوا عليه . انظر: "معجم البلدان" (2/245).
(14) ... بنو أميَّة: قامتْ دولتهم عَقِبَ انتهاء فترة الخلفاء الراشدين، وقد حدَثَتْ في خلافتهم فتن عديدة، كان منها قتلُ الحسين - رضي الله عنه - وما أعقَبَهُ من فتنة، وحروبُهُمْ مع مصعب بن الزبير، وابن الأشعث، ويزيدَ بْنِ المهلَّب، وكلُّ هععه كانتْ في المشرق ناحية العراق. انظر: "إكمال المعلم" (ص 456)، وفي خير الحسين. انظر: "السير" (3/291)، وفي خير مُصْعَب: "السير" (4/143)، وفي خبر ابن الأشعث: "السير" (4/183)، و"الكامل" (4/80-85)، و"البداية والنهاية" (9/53).
(15) ... الخوارج: هم طائفةٌ خرَجَتْ في سنة سبعِ وثلاثين للهجرة، بعد حادثة التحكيم، التي تَمَّ الاتفاقُ عليها بين علي ومعاوية $ذ على أن يحكِّم كلُّ واحد رجلاً مِنْ جهته، ثم يَتَّفِقَ الحَكَمان على ما فيه مصلحةُ المسلمين، وعارضَتْ طائفةٌ التحكيمَ، وقالوا: "لا حُكْمَ إلا لله»، ولما دنا جيشُ عليٍّ من الكوفة، اعتزل منه قريبٌ من اثنى عشر ألفًا وهم الخوارج، وأبوا أن يساكنوه في بلده، ونزلوا مكانًا يقال له: حروراء، وأنكروا عليه أشياءَ فيما يزعمون أنَّه ارتكبها، فبعَثَ إليهم عليٌّ - رضي الله عنه - عبدَاللهِ بنَ عبَّاس، فناظرهم، فرجع أكثرهم، وبقي بقيتهم، فقاتلهم عليُّ بنُ أبي طالب وأصحابه. وكان مِنْ رجالاتهم: عُروةُ بن أُذَيْنة، وزُرْعَةُ بن العرج الطائيُّ، وحرقوص بن زهير السعدي، وعبدالله بن وَهْب الراسبي، وزيد بن حِصْن الطائي، وغيرهم. انظر: "مجموع الفتاوى" (4/436، 488)، (13/34)، (35/53، 56)، و"البداية والنهاية" (7/278-308)، وقد عنون ابنُ كثير على ذلك بقوله: "خروجُ الخوارجِ، وتكلَّم فيه عن أهل حروراء وما حصَلَ معهم.
(16) ... قوله:« كان » سقط من (ح).
(17) ... في (أ): «وشرق».
(18) ... وقيل: في معنى قَرْنِ الشيطان: قُوَّتُهُ وما يستعينُ به على إضلال الناس، وقيل: القرنُ: الأمَّة من الناس يَحْدثون بعد فناء الآخرين. وانظر: "الإكمال" (ص 456)، و"الفتح" (13/46).
(19) ... في (أ): «ذلك».
(20) ... انظر: في هذا القول "الإكمال" (ص 456)، و"إكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/160) و"شرح النووي" (2/34)، و"الفتح" (13/46).
(21) ... أخرجه البخاري (6/526رقم3499) في المناقب، باب قول الله تعالى: ُ $ % × ' ( 9 : ، ِ [الحُجرَات: 13] {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى...}، ومسلم (1/73رقم52/89، 90) في الإيمانِ، باب تفاضلِ أهل الإيمان فيه، ورجحان أهل اليمن فيه.
(22) ... في (أ): «من أرض الحجاز».
(23) ... قوله: «إن شاء الله تعالى» ليس في (أ).
(24) ... قوله: «فيه» ليس في (ب)، وهو مثبت من بقية النسخ، إلا أنَّ الحديث الذي وصف فيه أهل اليمن بالرقة والضعف: هو حديث أبي هريرة $ح، والحديث الذي وصف فيه أهل العراق بالقسوة وغلظ القلوب: هو حديث عنه أبي مسعود $ح، وليسا حديثًا واحدًا كما توهمه كلمة «فيه».
(25) ... في (غ): «وصفا».
(26) ... في (ح): «والرقة».
(27) ... في (ح): «ومعنى يضعف: يسرع».
(28) ... قال ابن الصلاح وتبعه النووي: «المرادُ بذلك: الموجودون منهم حينئذ، لا كلُّ أهل اليمن في كلِّ زمان؛ فإنَّ اللفظ لا يقتضيه». "الصيانة" (ص 213)، و"شرح النووي" (2/33)، و"الديباج" (ص 32).(1/152)
و«الأفئدة»: جمعُ فؤاد، وهو القلبُ، وقيل: الفؤادُ داخلُ القلب، أي: اللطيفةُ القابلةُ للمعاني مِنَ العلومِ وغيرها (1) .
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ (2) ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : «غِلَظُ الْقُلُوبِ وَالْجَفَاءُ فِي الْمَشْرِقِ، وَالإِيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ».
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «الإِْيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ»، قد (3) تقدَّم القولُ في الإيمان (4) .
والحِكْمَةُ عند (5) العرب: ما منَعَ من الجهل والجفاء، والحكيم (6) : مَنْ منعهُ عقلُهُ وحِلْمُهُ من الجهل؛ حكاه ابنُ عَرَفة (7) ، وهو (8) مأخوذٌ من حَكَمَةِ الدابَّة، وهي الحديدةُ التي في اللجام، سُمِّيَتْ بذلك (9) ؛ لأنّها تمنعها.
.............................................
وهذه الأحرف (ح ك م) (10) حيثما تَصَرَّفَتْ فيها معنى المَنْع (11) قال الشاعر:
أَبَنِي حَنِيفَةَ أَحْكِموا سُفَهَاءَكُمْ
إِنِّي خَشِيتُ عَلَيْكُمْ أن أَغْضَبَا (12)
وقيل في قوله تعالى: ُ ْ ّ ِ ِ (13) : إنَّها (14) الإصابةُ في القولِ والفهم (15) ؛ قال مالك، _ح: الحِكْمةُ: الفِقْهُ في .............................................
الدين (16) .
وقوله: «وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ»، أي: السكونُ والوَقَارُ والتواضع (17) .
و«الفَخْرُ»: التفاخرُ بالآباءِ الأشراف وكثرةِ الأموال والخَوَل (18) .............................................
والجاه، وغير =(1/240)=@ ذلك مِنْ مراتب أهل الدنيا.
و «الخُيَلاَء»: ممدودٌ (19) وزنُهُ عند سيبويه: فُعَلاَء (20) ، وهي التكبُّرُ والتعاظم؛ يقال: خالَ الرجلُ يَخُولُ، فهو خَالٌ وذو خَالٍ ومَخِيلَةٍ (21) ؛ ومنه قولُ طلحةَ لِعُمَرَ - رضي الله عنه - «إنَّا لاَ نَخُولُ عليك» (22) ، أي: لا نتكبَّر عليك (23) ، ويقالُ: اختالَ يختالُ فهو مختالٌ؛ ومنه قولُهُ تعالى: ُ ] ش س ز ر ظ ِ (24) .
.............................................
و «أهلُ الوَبَر»؛ يعني به (25) : أهلَ ذات الوبر، وهي الإبلُ، والوَبَرُ للإبل (26) كالصوفِ للغَنَمِ، والشَّعْرِ للمَعْز؛ ولذلك (27) قال الله سبحانه وتعالى: ُ 7 6 5 ج ث ت ِ (28) .
وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - إخبارٌ (29) عن أكثرِ حالِ أهلِ الغنم، وأهلِ الإبلِ وأغلبه (30) (31) .
و«رَأْسُ الْكُفْرِ»: معظمُهُ، ويريدُ (32) : أنَّ كثرةَ أهلِهِ ورياستَهُمْ هناك.
و«الحجاز» سُمِّيَ بذلك؛ لِحَجْزه بين نَجْدٍ وتِهَامَةَ؛ قاله .............................................
القتيبي (33) ،، وقال (34) ابنُ دُرَيْد (35) : لحجزه بين نجد والسَّرَاة (36) ،، قال (37) الأصْمعي (38) : إذا انحدَرْتَ من ثنايا ذاتِ عِرْق، فقد أَتْهَمْتَ (39) إلى البحر، فإذا استَقْبَلَتْكَ الحِرَارُ (40) ، فذلك الحجاز، سمِّيت (41) .............................................
بذلك؛ لأنَّها حُجِزَتْ &(1/153)&$
__________
(1) ... الفؤادُ والقلب والعقل: ألفاظُ متداخلة المعاني، وفي تحديدِ معانيها خلافاتٌ شهيرةٌ قديمًا وحديثًا؛ ومردُّ ذلك إلى النزاع حول العلاقة بين العضو المحسوس والوظائف المعنوية. ومن الأقوال الشهيرة: أنَّ المراد بالفؤاد: القلبُ والعقل، ومنهم من يقول: الفؤادُ: باطنُ القلب. واختار شيخ الإسلام ابن تيميَّة: أنَّ العقل متعلِّقٌ بالقلب والدماغ، وأنَّ مبدأ الإرادة في القلب، ومبدأ الفكر والنظر في الدماغ، فيكونُ موضِّحًا؛ لتداخُلِ العَلاَقةِ بين العقل والإرادة في لفظ الفؤاد.
... ومما يدلُّ على ذلك: أنَّ لفظ " الفؤاد " ورَدَ في القرآن بمعنى آلة الإدراكِ في قوله: ُ ژ 1 2 3 4 5 6 7 8 ِ [الإسرَاء: 36] {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}، وذلك معطوفا على قوله: ُ 9 : ؛ چ = عع ؟ ِ [الإسرَاء: 36] {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}. وورَدَ بمعنًى مرتبطٍ بالإرادة، ومنه: ُ ) * / 0 ِ [الفُرقان: 32] {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ}. وانظر في ذلك: «الصحاح" للجوهري (2/517)، و"الكليات" للكَفَوي (3/355)، و"مجموع الفتاوى" (9/303)، و"إحياء علوم الدين" (3/3).
... وحول الآراء الحديثة انظر: "مفهوم العقل والقلب في القرآن والسنة" لمحمد على الجوزو (ص 240)، و"تأملات في وسائل الإدراك" للدكتور محمد الشرقاوي (ص 61)، و"الدماغ والفكر" لتشالز فيرست، ترجمة محمد سيد (ص 13- 45)، وللشيخ محمد الأمين الشنقيطي رسالة مخطوطة في نحو (40) صفحة في العقل، وأنَّ محله القلب.
(2) ... أخرجه مسلم (1/73رقم 53) في الإيمان،باب تفاضلِ أهلِ الإيمان فيه، ورجحانِ أهل اليمن فيه.
(3) ... قوله : «قد» ليس في (أ)، وفي (ب) و(غ): «وقد».
(4) ... تقدَّم ذلك في باب معاني الإيمان والإسلام والإحسان شرعًا.
(5) ... في (ح): «وعند».
(6) ... في (أ): «والحليم».
(7) ... هو أبو عبدِاللهِ إبراهيمُ بنُ محمَّدِ بنِ عَرَفَةَ بنِ سليمانَ العَتَكِيُّ الأزديُّ الواسطيُّ، شهرتُهُ نِفْطَوَيْهِ، صاحب التصانيف. أخذ العربيَّة عن ثعلب، والمبرَّد، وتفقَّه على دود بن عليٍّ الظاهري، وحدَّث عنه أبو بكر بن شاذان، والمعافى بن زكريا؛ من مصنفاته: غريب القرآن، والمقنع في النحو، وتاريخ الخلفاء. ولد سنة 244هـ، ومات سنة 323هـ. انظر: "تاريخ بغداد" (6/159-162)، و"معجم الأدباء" (1/254-272)، و"إنباه الرواة" (1/176-182)، و"السير" (15/75)، و"لسان الميزان" (1/109-110)، و"الشذرات" (2/298-299).
(8) ... قوله: «وهو» ليس في (أ).
(9) ... قوله: «سميت بذلك» ليس في (أ).
(10) ... قوله: «وهذه الأحرف (ح ك م)» في (أ): «ومادة: حكم».
(11) ... قوله: «فيها معنى المنع» في (ب): «فهي تعني المنع»، وانظر في معنى «الحكمة»: "الصحاح" (5/1901)، و"مقاييس اللغة" (2/91)، و"الإكمال" (ص 463)، و"المشارق" (2/50).
(12) ... البيت من الكامل، وهو لجرير بن عطية الخَطَفَى في "ديوان" (1/466)، و"الكامل" للمبِّرد (2/30)، و"المحكم" (3/51)، و"تهذيب اللغة" (4/112)، و"الصحاح" (5/1902)، و"مقاييس اللغة" (2/91)، و"أساس البلاغة" (ص91)، و"الخزانة" (9/236)، و"اللسان" (12/144)، و"التاج" (16/161)، وبلا نسبة في "العين" (3/67)، و"ديوان المعاني" (1/91)، ويروي: «ونهنهوا سفهاءكم»، ومعنى «أحكموا سفهاءكم»، أي: خذوا على أيديهم ورُدُّوهم وامنعوهم من التعرُّض لي، يقال: حَكَمْتُ السفيهَ وأحكَمْتُهُ: إذا أخذتَ على يده، وكلُّ شيءٍ منعتَهُ من الفساد: فقد حَكَمْتَهُ وحَكَّمْتَهُ وأحْكَمْتَهُ. انظر: "الصحاح" و"العين". ويروي عجز البيت: «إني أخاف عليكم أن أغضبا»، وهي الرواية المشهورة.
(13) ... سورة البقرة، الآية: 269 .
(14) ... في (غ) «أي».
(15) ... أخرج هذا القولَ ابنُ جرير من طرق عن مجاهد رحمه الله، وهو مِنْ أجمعِ الأقوال في معنى الحكمة. انظر:"تفسير الطبري" (3/90).
(16) ... أخرجه عنه ابن جرير في"تفسيره" (3/90)، وذكره القاضي في"الإكمال" (ص 463). وقيل فيها أقوالٌ أُخَرُكثيرة، أوصلها أبو حيَّان في «البحر المحيط» إلى تسعة وعشرين قولاً، وبعضها قريبٌ من بعض؛ فقد اقتصَرَ كلٌّ من قائليها على بعضِ صفات الحِكْمة. قال ابن الصلاح وتبعه النوويُّ - بعد الإشارة إلى كثرة الأقوال فيها -: وقد صفا لنا منها: أنَّ الحكمةَ عبارةٌ عن العلم المُتَّصِفِ بالإحكام، المشتمل على المعرفة بالله تبارك وتعالى، المصحوبِ بنفاذِ البصيرةِ وتهذيبِ النفس، وتحقيقِ الحقِّ والعملِ به، والصَّدِّ عن اتِّبَاعِ الهوى والباطل، والحكيمُ: مَنْ له ذلك. انظر "البحر المحيط"(2/320)، و"تفسير القرطبي" (3/330)، و"الصيانة" (ص 214)، و"شرح النووي" (2/33).
... وانظر أقوالاً أخرى في: «زاد المسير" (1/324)، و"مجموع الفتاوى" (19/170)، و"مدارج السالكين" (2/478)، و"الفتح" (1/67، 70)، و"الحكمة في الدعوة إلى الله" لسعيد القحطاني (ص 23 -31).
(17) ... قال الحافظ: «السكينة، أي: الوقار، أو الترجمة، أو الطمأنينة، مأخوذة من سكون القلب، تطلق السكينة أيضًا بإزاء معانٍ غير ما ذكر ...» وذكر بعضها. وأما المراد بأهل الغنم، فقد قيل أراد بذلك أهل اليمن، لأن أكثرهم أهل غنم، بخلاف مقر وربيعة الذين هم أصحاب إيل؛ أفاده القاضي عياض. انظر: "مشارق الأنوار" (2/137)، و"مقدمة الفتح" (ص 133).
(18) ... الخَوَلُ: مثال الخدم والحشم؛ وزنًا ومعنًى، وهو جمع خائل، وقد يكون الخول واحدًا، وهو اسم يقع على العبد والأمة. "الصحاح" (4/1690)، و"المصباح المنير" (ص 98).
(19) ... في (غ): «ممدودة».
(20) ... قوله: «وزنه عند سيبويه فعلاء» في (أ): «عند سيبويه وزنه فعلاء»، وانظر في وزن هذه الكلمة: «الكتاب» السيبويه (4/57)، وانظر: "النهاية" (2/93)، و"مقاييس اللغة" (2/235)،وو"الصحاح" (4/1691)، و"اللسان" (11/226).
(21) ... في "الصحاح" (4/1691): الخال والخُيْلاَء والخِيَلاء: الكبر، تقول منه: اختال، فهو ذو خيلاء، وذو خالٍ، وذو مَخِيلَة، أي: ذو كِبْر، وقد خال الرجلُ فهو خائلٌ، أي: مختال، وجمع الخائل: خالة، مثل: بائع وباعة، وكذلك رجلٌ أخَايلٌ، أي: مختال». اهـ.
(22) ... لم أجده مسندًا، وقد ذكره الهرويُّ في "الغريبين" (2/66)، وابن الأثير في "النهاية" (2/89)، وابن قتيبة في "غريبه" (2/16)، وابن الجوزي في "غريبه" (1/314)، والقاضي في "الإكمال" (ص 451)، والزمخشري في "الفائق" (1/324).
(23) ... قوله: «عليك» من (ح) فقط.
(24) قوله: ُ ] ش س ِ ليس في (أ)، والآية هي: الآية: 23 من سورة الحديد.
(25) ... قوله: «به» ليس في (أ).
(26) ... في (أ): «الإبل».
(27) ... قوله:« ولذلك » سقط من (أ).
(28) ... في (أ): ُ 7 6 ، ِ الآية»، وهذه الآية هي الآية (80) من سورة النحل.
(29) ... في (أ): «وهذا إخبار منه».
(30) ... في (ح): «عن أكثر حال أهل العراق، وأهل الغنم، وأغلبه».
(31) ... قال شيخ الإسلام: «وفي الإبلِ من القوَّة الشيطانيَّة ما أشار إليه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «إنَّها جِنٌّ خُلِقَتْ من جِنٍّ»؛ ولذا فالمدمنون لأكلها يصيبهم من الحِقْدِ وقسوةِ القلوب التي أشار إليها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله: إنَّ الغلظة وقسوةَ القلوب في الفَدَّادِينَ أصحابِ الإبل»؛ ومن ثَمَّ جاء الأمرُ بالوضوءِ مِنْ أكلِ لحمها؛ لإطفاء ذلك ودفعه» اهـ. مختصرًا من "مجموع الفتاوى" (21/10).
(32) ... في (أ): «يريد» بلا واو.
(33) ... في (غ): «القتيبي»، وقد قاله في «المعارف» (ص 316)، وانظر: "الإكمال" (ص 464)، و"الإكمال الإكمال" و"مكمل الإكمال" (1/161).
(34) ... في (أ): «قال» بلا واو.
(35) ... في جمهرة اللغة» (2/55)، وانظر: "الإكمال" (ص 464).
(36) ... السَّرَاةُ: بلفظ الجمع لِسَرِيٍّ، وسراةُ كلِّ شيء: ظهرُهُ. وهي جبالٌ متقاودةٌ من أقصى اليَمَنِ إلى الشام، مُشْرِفَةٌ على البحر من المغرب، وعلى نجدٍ من المشرق. انظر: "معجم البلدان" (3/204)، وهي المعروفة اليومَ بصيغةِ الجمع: جبال السَّرَوَات.
(37) ... قوله: «قال» ليس في (أ).
(38) ... انظر في كلام الأصمعي: "معجم البلدان" (2/63)، (2/219)، و"الإكمال" (ص 464)، و"جمهرة اللغة" (2/55)، و"الصحاح" (3/872)، و"التاج" (........).
(39) ... في (أ): «انتهيت»، وفي (ح): «أنهضت»، وما أثبتُّهُ من بقية النسخ، وهو الموافق لما في "الإكمال" (ص 464)، و"معجم البلدان" (2/63)، ومعنى أَتْهَمْتَ، أي: دخَلْتَ تِهَامة؛ كما يقال: أنْجَدَ: إذا دخل نجدًا، وأعْرَقَ: إذا دخل العراق. ... انظر: ..................
(40) ... في "الإكمال" زيادة: «وانت بنجد»، وفي "معجم البلدان" (2/63) زيادة: «وأنت مُنْجِدْ»، والحِرَارُ: جمعُ حَرَّة، وهي أرضٌ ذاتُ حجارةٍ سُودٍ نخرةٍ؛ كأنها أُحْرِقَتْ بالنار، وتجمع الحَرَّةَ أيضًا على حَرٍّ، وحَرَّات، وحَرَّيْنَ، وإِحَرَّينَ، وهذا الجمعُ «هَرُّونَ» من الجموع الننادرة؛ كثُبينَ وقُلينَ، في جمع ثُبَةٍ وقُلَة، وزيادة الهمزة في أوله بمنزلة الحركة في أرضين، وتغيير أول سينين، وقيل: إن واحد إحَرَّينَ: إحَرَّة،، والحَرَارُ في بلاد العرب كثيرة، وأكثرها حَوَالَيِ المدينة والشام. انظر: "معجم البلدان" (2/245).
(41) ... في (غ): «سمِّي».(1/153)
بالحِرَارِ الخَمْس (1) ،، وقيل: حَدُّ الحجاز مِنْ جهة الشام: شَغْبٌ [وَبَدًا] (2) ، ومما (3) يلي تِهَامَةَ: بَدْرٌ (4) وعُكَاظ (5) .
.............................................
قال بعضُ علمائنا (6) : يجوزُ أن يكون المرادُ بالحجاز في هذا الحديث: المدينةَ فقطْ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال (7) : «إِنَّ الإِْيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ» (8) (9) . =(1/241)=@
بسم الله الرحمن الرحيم
** يوضع في هذا الملف الهوامش الخاصة به من ملف كتاب الإيمان المسمى أ_2 **
بَابٌ المَحَبَّةُ فِي اللهِ تَعَالَى وَالنُّصْحُ مِنَ الإِْيمَانِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ .
وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ : الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَال : للهِ ، وَلِكِتَابِهِ ، وَلِرَسُولِهِ ، ولأَِئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ .
وعَنْ جَرِيرٍ ؛ قَالَ : بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ . وَفِي رِوَايَةٍ : عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ - فَلَقَّنَنِي : فِيمَا اسْتَطَعْتَ - ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.
وَمِنْ بَابٍ المَحَبَّةُ فِي اللهِ تَعَالَى وَالنُّصْحُ مِنَ الإِْيمَانِ
قوله : لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ؛ كذا صحَّت الروايةُ هنا : وَلاَ تُؤْمِنُوا ؛ بإسقاطِ النون ، والصوابُ : إثباتها كما قد وقع في بعض النسخ ؛ لأنَّ لا نَفْيٌ لا نهْيٌ ؛ فلزم إثباتها.
والإيمانُ المذكورُ أوَّلاً هو : التصديقُ الشرعيُّ المذكورُ في حديث جبريل ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والإيمانُ المذكور ثانياً هو : الإيمانُ العمليُّ المذكورُ في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : الإيمانُ بِضْعٌ وسبعون بابًا ، ولو كان الثاني هو الأوَّلَ، &(1/154)&$
__________
(1) ... ذكر الأصمعي مراده بالحرار الخمس فيما ذكره عنه صاحب "معجم البلدان" (2/219) في حد الحجاز»، قال: «وقال الأصمعي أيضًا: ما أحتزمَتْ به الحرار - حَرَّةُ شَوْران، وحرة ليليآ وحَرَّة واقم، وحرَّة النار، وحرة منازل بني سُلَيْم إلى المدينة - فذلك الشَّقُّ كلُّه مجاز»، وانظر: "الصحاح" (3/872)، و"اللسان" (مادة حجز)، و"التاج" ( ).
(2) ... قوله: «شغب وبدا» في جميع النسخ: «شعب» بالشين المهملة والعين، وليس فيها: لفظه: «وبدا»، والصواب إثباتها؛ كما في مصادر التخريج، و«شَغْبٌ» - ويقال له: شَغْيَى - و«بَدَا»، موضعان بين المدينة وأيلة، وقيل: هما قريتان بالبادية كان بنو مروان أقطعوهما الزهري المحدِّث. انظر: "الإكمال" (ص44)، و"معجم البلدان" (1/356)، (2/219)، (3/351).
(3) ... قوله «ومما» في (غ): «ومنه».
(4) ... بدر: ماءٌ مشهور بين مكة والمدينة، بينه وبين ساحل البحر ليلةٌ، وبه كانت الوقعة المباركة المشهورة التي أعزَّ الله بها الإسلام، وفرَّق بين الحق والباطل في شهر رمضان، سنة اثنتين للهجرة، وبين بَدْرِ والمدينة سبعةُ بُرُدٍ، وقد نسب إلى بَدْرٍ جميع من شهدها من الصحابة الكرام، ونُسِبَ إلى سكنى الموضع: أبو مسعود البدري، واسمه: عقبة بن عمرو بن ثعلبة. "معجم البلدان" (1/358)، و"معجم ما استعجم" (1/231)، و"مراصد الاطلاع" (1/170).
(5) ... عُكاظ: اسمُ نخل في واد بينه وبين الطائف ليلة، وبينه وبين مكة ثلاث ليال، وبه كانت تُقام سوقٌ من أسواق العرب في الجاهليَّة، فيجتمعون فيه فيتفاخرون ويتناشدون ما أحدثوا من شعر، وكانتْ للعرب أسواق لم يكنْ فيها أعظمُ من عُكَاظ. "معجم البلدان" (4/142). وانظر: كلام الأصمعي في "الإكمال" (ص 464)، و"المشارق" (1/221)، و"الصحاح" (3/872).
(6) ... هو القاضي في "الإكمال" (ص 464)، وانظر: "إكمال الإكمال" (1/161).
(7) ... قوله: «لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال» في (أ): «لقوله - صلى الله عليه وسلم - ».
(8) ... روى البخاري في "فضائل المدينة"، ومسلم في "الإيمان"، عن أبي هريرة $ح؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ الإيمان لَيَأرِزُ إلى المدينة؛ كما تأرز الحَيَّةُ إلى جُحْرِها»، وسيّأتي تخريج الحديث والكلام عليه في كتاب الإيمان، باب كيف بدأ الإسلام وكيف يعود؟
(9) ... تعدَّدت أقوال العلماء في تحديد المراد بـ«الحجاز» انظر: "الإكمال" (ص 464)، و"معجم البلدان" (2/63، 219)، و"معجم ما استعجم" (1/10)، و"مراصد الاطلاع" (1/356)، (3/351)؛ و"الصحاح" (3/872)، ولعلَّ أولى هذه الأقوال ما رجَّحه ياقوت في "معجم البلدان" (2/219)، فانظره هناك.(1/154)
لَلَزِمَ منه ألاَّ يدخلَ الجَنَّةَ مَنْ أبغَضَ أحدًا من المؤمنين ، وذلك باطلٌ قطعًا ؛ فتعيَّنَ التأويلُ الذي ذكرناه.
و إِفْشَاءُ السَّلاَمِ إظهارُهُ وإشاعته ، وإقراؤُهُ على المعروفِ وغيرِ المعروف.
ومعنى قولِهِ : لاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أي : لا يكمُلُ إيمانكم ولا يكونُ حالُكم حالَ مَنْ كَمُلَ إيمانُهُ ؛ حتى تُفْشُوا السلامَ الجالبَ للمحبَّة الدينيَّة ، والألفةِ الشرعيَّة. =(1/242)=@
وقوله : الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، هي مصدرُ : نَصَحَ يَنْصَحُ ، نَصِيحَةً ، ونُصْحًا بضم النون ، فأمَّا نَصَحْتُ الثوبَ ، فمصدره : نَصْحًا بفتح النون ؛ قاله الجوهريُّ.
وقال الخطَّابِيُّ : النصيحةُ كلمةٌ يعبَّر بها عن جملةِ إرادةِ الخَيْرِ للمنصوح له ، وهي في اللغةِ : الإخلاصُ ؛ من قولهم : نَصَحْتُ العَسَلَ : إذا صَفَّيْتَهُ.
قال نِفْطَوَيْهِ : يقال : نَصَحَ الشيءُ : إذا خَلَصَ ، ونصَحَ له القولَ : أخْلَصَهُ له.
وقيل : هي مأخوذةٌ من النَّصْحِ بالفتح ، وهي الخِيَاطةُ ، والإبرة : المِنْصَحَة ، والنِّصَاح : الخَيْطُ ، والنَّاصِحُ : الخَيَّاط ؛ فكأنَّ الناصحَ لأخيه يَلُمُّ شَعَثَهُ ويَضُمُّهُ كما تَضُمُّ الإبرةُ خَرْقَ الثوب.
فالنصحُ للهِ تعالى : هو صحةُ اعتقادِ الوحدانيَّة لله تعالى ، ووصفُهُ بصفات الإلهية ، وتنزيهُهُ عن النقائص ، والرغبةُ في محابِّه ، والبُعدُ عن مَسَاخطه.
والنُّصُحُ لكتابِ الله تعالى : هو الإيمانُ به ، وتحسينُ تلاوته ، وتفهُّمُ معانيه ، وقد بُّرُ آياته ، وتوقيرُهُ وتعظيمه ، والدعاءُ إليه ، والذَّبُّ عنه.
والنصحُ لرسولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : هو التصديقُ بنبوَّته ، والتزامُ طاعتِهِ فيما أمَرَ به ونَهَى عنه ، وموالاةُ مَنْ والاه ، ومعاداةُ مَنْ عاداه ، وتوقيرُهُ وتعزيرُه ، ومحبَّتُهُ ومحبةُ آل بيته ، وتعظيمُ سُنَّتِه ، وإحياؤُهَا بعد موتِه ، بروايَتِهَا وتصحيحها ، والبَحْثِ عنها والتفقُّهِ فيها ، والذَّبِّ عنها ونَشْرِها والدعاءِ إليها ، والتخَلُّقِ بأخلاقِهِ الكريمة. =(1/243)=@ &(1/155)&$(1/155)
ونصيحةُ أئمَّةِ المسلمين : هي طاعتُهُمْ في الحقِّ ، ومعونَتُهُمْ عليه ، وتذكيرُهُمْ به ، وإعلامُهُمْ بما غَفَلُوا عنه أو جهلوه في أمر دينهم ومصالح دنياهم ، وبالجملة : فأَنْ يكونَ معهم كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أن تُؤْتِيَهُمْ مَا تُحِبُّ أن يُؤْتَى إِلَيْكَ ، وتَكْرَهَ لَهُمْ ما تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ.
وقد تقدَّم القولُ على قولِهِ : لاَ يُؤْمِنُ أحدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَِخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ. وإذا كان هذا في حَقِّ المسلمين ، فالأمراءُ والأئمَّةُ بذلك أولى.
وقولُ جرير : بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ ، كانتْ مبايَعَةُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابِهِ مرَّاتٍ متعدِّدَةً ، في أوقاتٍ مختلفة ، بحسَبِ ما كان يحتاجُ إليه مِنْ تجديدِ عهدٍ ، أو توكيدِ أمرٍ ؛ فلذلك اختلفَتْ ألفاظها ؛ كما دلَّتْ عليه الأحاديثُ الآتيةُ.
وقوله : فلَقَّنَني : فِيمَا اسْتَطَعْتَ :
رويناه : بفتح التاء على مخاطبته إيَّاه ؛ وعلى هذا : فيكونُ قوله : فَلَقَّنَنِي : فِيمَا اسْتَطَعْتَ مِنْ قول النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ مخاطِبًا له به ، فلا يحتاجُ جريرٌ إلى التلفُّظِ بهذا القول.
ورويناه : بضمِّ التاءِ للمتكلِّم ، وعلى هذا : =(1/244)=@ فيكون النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمرَهُ أن ينطق بهذا اللفظ ؛ ، فكأنَّه قال له : قلْ : "فيما استطَعْتُ" ، وعليه فيحتاجُ جريرٌ إلى النطق بذلك امتثالاً للأمر.
وعلى الوجهَيْن : فمقصودُ هذا القولِ التنبيهُ على أنَّ اللازمَ من الأمورِ المبايَع عليها هو ما يُطَاقُ ويُستطاع ، كما هو المُشْتَرَطُ في أصل التكليف ؛ كما قال الله تعالى : ُ َ ٍ ٌ ً ي ى ِ.
ويُشْعِرُ الأمرُ بقولِ ذلك اللفظِ في حال المبايعة : بالعَفْوِ عن الهفوة والسقطة ، وما وقع عن خطأٍ أو تفريط. &(1/156)&$(1/156)
بَابٌ لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ كَامِلُ الإِْيمَانِ
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ : لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَغُلُّ حِينَ يَغُلُّ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، فَإِيَّاكُمْ إِيَّاكُمْ ! وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ ؛ ذَكَرَهُ بِأَسَانِيدَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَمِنْ بَابٍ لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ كَامِلُ الإِْيمَانِ
هذه الترجمةُ مشعرةٌ بأنَّ الأحاديثَ المذكورةَ تحتها ليستْ على ظواهرها ، بل متأوَّلَةٌ ، وهي تحتملُ وجوهًا من التأويلات ، أحدُهَا ما ذُكِرَ في الترجمة ، وسيأتي.
"والزِّنَى" في العُرْفِ الشرعيِّ : "هو إيلاجُ فَرْجٍ محرَّمٍ ، في فرجٍ محرَّمٍ شرعًا ، مُشْتَهًى طَبْعًا ، مِنْ حيثُ هو كذلك" ؛ فتحرَّزوا بـ"مُشْتَهًى طبعًا" من اللِّوَاطِ وإتيانِ البهيمة ، وبقولِهِ : مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ من وَطْءِ المُحْرِمةِ والصائمةِ والحائض ؛ فإنَّ تحريمَ ذلك مِنْ جهةِ الموانعِ الخارجيَّة.
وقوله : وَلا يَنْتَهِبُ أَحَدُكُمْ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ ، النُّهْبَةُ والنُّهْبَى : اسمٌ لما يُنْتَهَبُ من المال ، أي : يؤخذُ من غير قَسْمٍ ولا تقدير ، ومنه سُمِّيتِ الغنيمةُ =(1/245)=@ نَهْبًا ، كما قال : وَأَصَبْنَا نَهْبَ إِبِلٍ ، أي : غنيمةَ إبل ؛ لأنَّها تؤخذُ من غير تقدير ، وتقولُ العرب : أَنْهَبَ الرجلُ مالَهُ فانتهبُوهُ ونَهَبُوهُ وناهبوه ؛ قاله الجوهريُّ.
و ذَاتَ شَرَفٍ ، أي : ذاتَ قَدْرٍ وبالٍ ورفعة ، والروايةُ الصحيحةُ بالشين المعجمة ، وقد رواه الحربي : سَرَفٍ بالسين المهملة ، وقال : معناه : ذاتَ مقدارٍ كبير ينكره الناس ؛ كنَهْبِ الفُسَّاق في الفِتَنِ الماَل العظيمَ القَدْرِ مما يستعظمُهُ الناس ، بخلافِ التمرةِ والفَلْسِ وما لا خطَرَ له.
ومقصودُ هذا الحديثِ : التنبيهُ على جميع أنواعِ المعاصي ، والتحذيرُ منها: &(1/157)&$(1/157)
فنبَّه بـ"الزِّنَى" : على جميع الشهواتِ المحرَّمة ؛ كشهوةِ النَّظَرِ ، والكلامُِ والسمعِ ، ولمسِ اليد ، ونَقْلِ الخُطَا إلى نيلِ تلك الشهوة ؛ كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : زِنَى العَيْنِ النظرُ ، وزِنَى اللسانِ الكلامُ ، وزِنَى اليدِ البَطْشُ ، وزِنَى الرِّجْلِ الخُطَا ، والفَرْجُ يصدِّقُ ذلك ويكذِّبه.
ونَبَّه بـ"السَّرِقَةِ" : على اكتسابِ المال بالحِيَلِ الخفيَّة ، وبـ"النَّهْبِ" على اكتسابه على جهةِ الهَجْمِ والمغالبة ، وبـ"الغلول" : على أَخْذِهِ على جهة الخيانة ؛ هذا ما أشار إليه بعضُ علمائنا.
قال الشيخ رحمه الله : وهذا تنبيهٌ لا يتمشَّى إلاَّ بالمسامحة ، وأولَى منه أن يقال : إن الحديثَ تَضَمَّنَ التحذيرَ عن ثلاثةِ أمور هي مِنْ أعظمِ أصول المفاسد ، وأضدادُهَا مِنْ أُصولِ المصالح ، وهي استباحةُ الفروجِ المحرَّمةِ ، والأموالِ المحرَّمة ، وما يُؤَدِّي إلى الإخلال بالعقول ، [وخَصَّ الخَمْرَ بالذِّكْر ؛ لكونها أغلبَ الوجوه في ذلك ، والسرقة بالذكر ؛ لكونها أغلبَ الوجوه التي يؤخذُ بها مالُ الغير بغير حقٍّ].
وظاهرُ هذا الحديث : حُجَّةٌ للخوارجِ والمعتزلةِ وغيرهم ممَّن يُخْرِجُ عن الإيمانِ بارتكابِ الكبائر ، غيرَ أنَّ أهلَ السنة =(1/246)=@ يعارضونهم بظواهرَ أُخَرَ أولى منها ، كقولِهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث أبي ذَرٍّ : مَنْ مات لا يُشْرِكُ بالله شيئًا ، دَخَلَ الجنةَ وإنْ زنَى وإِنْ سرَقَ ، وكقوله في حديثِ عُبَادَةَ بْنِ الصامت : ومَنْ أصاب شيئًا مِنْ ذلك - يعني : مِنَ القتلِ والسَّرِقَةِ والزنى- فعُوقِبَ به ، فهو كَفَّارةٌ له ، ومَنْ لم يُعَاقَبْ ، فأمرُهُ إلى الله ؛ إنْ شَاءَ عفا عنه ، وإنْ شَاءَ عَذَّبَهُ.
ويعضُدُ هذا قولُهُ تعالى : ُ * ) } ـ صلى الله عليه وسلم ـ { " " ف پ ـ لله ِ ، ونَحْوُ ذلك في الأحاديثِ كثيرٌ.
ولمَّا صحَّتْ هذه المعارضةُ ، تعيَّن تأويلُ تلك الأحاديثِ الأُوَلِ وما في معناها ، وقد اختلَفَ العلماءُ في ذلك :
فقال حَبْرُ القرآنِ عبدُاللهِ ابنُ عبَّاس ـ رضى الله عنهما ـ : إنَّ ذلك &(1/158)&$(1/158)
محمولٌ على المستحِلِّ لتلك الكبائر.
وقيل : إنَّ معنى ذلك : أنَّ مرتكبَ تلك الكبائرِ يُسْلَبُ عنه اسمُ الإيمانِ الكاملِ أو النافعِ ، الذي يفيدُ صاحبَهُ الانْزِجَارَ عن هذه الكبائر.
وقال الحسن : يُسْلَبُ عنه اسمُ المدح الذي يسمَّى به أولياءُ اللهِ المؤمنون ، ويَستَحِقُّ اسمَ الذمِّ الذي يسمَّى به المنافقون والفاسقون.
وفي البخاري : عن ابن عبَّاس ـ رضى الله عنهما ـ : يُنْزَعُ منه نُورُ الإيمان. ورَوَى في ذلك حديثًا مرفوعًا ، فقال : مَنْ زَنَى ، نزَعَ اللهُ نُورَ الإيمانِ مِنْ قلبه ، فإنْ شاء أن يَرُدَّهُ إليه ، رَدَّهُ.
قال الشيخ : وكُلُّ هذه التأويلاتِ حسنةٌ ، والحديثُ قابلٌ لها ، وتأويلُ ابن عبَّاس هذا أحسنُهَا. =(1/247)=@
وقوله : وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ ، هذا منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إرشادٌ لمن وقَعَ في كبيرة أو كبائرَ ، إلى الطريقِ التي بها يتخلَّصُ منها ، وهي التوبةُ.
ومعنى كونها معروضةً ، أي : عرَضَهَا الله تعالى على العباد ، حيثُ أمرهم بها وأوجَبَهَا عليهم ، وأخْبَرَ عن نفسه أنَّه يقبلُهَا ؛ كلُّ ذلك فَضْلٌ من الله تعالى ، ولُطْفٌ بالعبد ؛ لِمَا عَلِمَ الله تعالى مِنْ ضَعْفِهِ عن مقاومةِ الحواملِ على المخالفاتِ - التي هي النفسُ والهوَى ، والشيطانُ الإنسيُّ والجِنِّيُّ - فلمَّا عَلِمَ الله تعالى أنَّه يقع في المخالفات ، رحمه بِأَنْ أرشدَهُ إلى التوبة ، فعرَضَهَا عليه وأوجبها ، وأخبَرَ بِقَبُولها.
وأيضًا : فإنَّه يجبُ على النُصَحاءِ أنْ يعرضوها على أهل المعاصي ويُعرِّفوهم بها ، وبوجوبها عليهم ، وبعقوبةِ الله تعالى لِمَنْ تركها ، وذلك كلُّه لطفٌ مُتَّصِلٌ إلى طلوع الشمس مِنْ مغربها ، أو إلى أن يُغَرْغِرَ العبدُ ؛ كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
و بَعْدُ : ظرفٌ مبنيٌّ على الضمِّ ؛ لقطعِهِ عن الإضافة لَفْظًا ، وإرادةِ المضافِ ضِمْنًا ، ويقابلها قَبلُ ؛ كما قال الله تعالى :{ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ}. =(1/248)=@ &(1/159)&$(1/159)
بَابُ عَلاَمَاتِ النِّفَاقِ
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ ، كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ ، كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ .
وَفِي رِوَايَةٍ- مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ- : آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ - وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ - : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ : وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ .
وَمِنْ بَابِ عَلاَمَاتِ النِّفَاقِ
قوله : أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ ، كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، قال ابنُ الأنباريِّ : "في تسميةِ المنافقِ منافقًا ثلاثةُ أقوال :
أحدها : أنَّه سمِّي بذلك ؛ لأنَّه يستُرُ كفره ؛ فأشبه الداخلَ في النَّفَق ، وهو السَّرَبُ.
وثانيها : أنه شُبِّهَ باليربوعِ الذي له جُحْرٌ يقال له : القَاصِعاء ، وآخَرُ يقال له : النَّافِقاء ، فإذا أُخِذَ عليه مِنْ أحدهما ، خرَجَ من الآخر ؛ وكذلك المنافق : يخرُجُ من الإيمانِ مِنْ غير الوجهِ الذي يدخُلُ فيه.
وثالثها : أنَّه شُبِّه باليربوعِ مِنْ جهة أنَّ اليربوع يَخْرِقُ الأرض ، حتى إذا قاربَ ظاهرَهَا ، أَرَقَّ الترابَ ، فإذا رَابه رَيْب ، دفَعَ الترابَ برأسِهِ فخرَجَ ، فظاهرُ جُحْرِهِ تراب ، وباطنُهُ حَفْر ، وكذلك المنافقُ : ظاهرُهُ الإيمان ، وباطنه الكفر".
قال الشيخ ـ رحمه الله ـ : وظاهرُ هذا الحديثِ : أنَّ مَنْ كانتْ هذه الخصالُ الثلاثُ فيه ، خرَجَ من الإيمان ، وصار في النفاق الذي هو الكُفْرُ الذي قال فيه مالكٌ : "النفاقُ الذي كان على عَهْدِ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو الزندقةُ عندنا اليَوْمَ". =(1/249)=@
وليس الأمرُ على مقتضى هذا الظاهرِ ؛ لِمَا قرَّرناه في أوَّلِ "كتابِ الإيمان" ، وأَعَدْناه في البابِ الذي قبلَ هذا ، ولمَّا استحالَ حملُ هذا الحديثِ على ظاهره على مذهبِ أهل السنة ، اختلَفَ العلماءُ فيه على أقوال :
أحدها : أنَّ هذاالنفاقَ هو نفاقُ العملِ الذي سألَ عمرُ عنه حذيفةَ ـ رضى الله عنهما ـ ، لما قال له : "هل تعلَمُ فيَّ شيئًا من النفاق؟" ، أي : مِنْ صفات المنافقين الفعليَّة ، ووجهُ هذا : &(1/160)&$(1/160)
أنَّ مَنْ كَانَتْ فيه هذه الخصالُ المذكورة ، كان ساترًا لها ، ومظهرًا لنقائضها ؛ فصدَقَ عليه اسمُ منافق.
وثانيها : أنّه محمولٌ على مَنْ غلبتْ عليه هذه الخصال ، واتَّخَذَها عادةً ، ولم يبالِ بها ؛ تهاوُنًا واستخفافًا بأمرها ؛ فإنَّ مَنْ كان هكذا ، كان فاسدَ الاِعتقادِ غالبًا ، فيكونُ منافقًا خالصًا.
وثالثها : أنَّ تلك الخصالَ كانتْ علامةَ المنافقين في زمانه ؛ فإنَّ أصحابَ النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانوا مجتنبين لتلك الخصال ؛ بحيث لا تقع منهم ، ولا تُعْرَفُ فيما بينهم ؛ وبهذا قال ابنُ عبَّاس وابنُ عمر ـ رضى الله عنهم ـ ، ورُوِيَ عنهما في ذلك حديثٌ ، وهو أنهما أَتَيَا النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسألاه عن هذا الحديث ؟ فضحكَ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال : ما لكم ولهنَّ ، إنما خصَصْتُ بهنَّ المنافقين ، أنتم مِنْ ذلك بُرَآء ، وذكر الحديثَ بطولِهِ القاضي عياض ، قال : وإلى هذا صارَ كثيرٌ من التابعين والأئمَّة.
وقوله : وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ، أي : مال عن الحَقِّ ، واحتال في ردِّه وإبطاله =(1/250)=@ ؛ قال الهَرَوِيُّ : "أصلُ الفجور : الميلُ عن القصد ، وقد يكونُ الكذبَ".
و الخَلَّةُ بفتح الخاء : الخَصْلة ، وجمعها : خِلاَل ، وبالضمِّ : الصداقة.
و الزُّعْمُ بضم الزاي : قولٌ غيرُ محقَّق ؛ كما تقدَّم.
وكونُهُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذَكَرَ في حديثِ أبي هريرة : أنَّ علامةَ المنافقِ ثلاثٌ ، وفي حديث ابن عمرو ـ رضى الله عنهما ـ : أنَّها أربعٌ : يَحْتَمِلُ أن يكونَ ذلك ؛ لأنَّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ استجَدَّ [لَهُ] من العلم بخصالِ المنافقين ما لم يكُنْ عنده : إمَّا بالوحي ، وإمَّا بالمشاهَدَةِ لتك منهم.
وعلى مجموعِ الروايتَيْنِ : تكونُ خصالهم خمسًا : الكذبُ ، والغَدْرُ ، والإخلافُ ، والخيانةُ ، والفجورُ في الخصومة ، ولا شَكَّ في أنَّ للمنافقين خصالاً أُخَرَ مذمومةً ؛ كما قد وصفهم الله تعالى حيث قال : {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى &(1/161)&$(1/161)
الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً}، فيحتملُ أن يقال : إنَّما خُصَّتْ تلك الخصالُ الخمسُ بالذِّكْر ؛ لأنَّها أظهرُ عليهم مِنْ غيرها عند مخالطتهم للمسلمين ، أو لأنَّها هي التي يَضُرُّون بها المسلمين ، ويقصدون بها مفسدتهم ، دون غيرها مِنْ صفاتهم ، والله تعالى أعلم. =(1/251)=@
بَابُ إِثْمِ مَنْ كَفَّرَ مُسْلِمًا أَوْ كَفَرَ حَقَّهُ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ ؛ قَال : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأخِيهِ : كَافِرٌ ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا ، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلاّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ .
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَقُولُ : لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ - وَهُوَ يَعْلَمُهُ - إِلاَّ كَفَرَ ، وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ ، فَلَيْسَ مِنَّا ، وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ، وَمَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ ، أَوْ قَالَ : عَدُوَّ اللهِ - وَلَيْسَ كَذَلِكَ - إِلاَّ حَارَ عَلَيْهِ .
وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبِي بَكْرَةَ ، كِلاَهُمَا قَالَ : سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ ، وَوَعَاهُ قَلْبِي ، مُحَمَّدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَقُولُ : مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ - وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ - فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ .
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ .
وَعَنْ جَرِيرٍ ، قَالَ : قَالَ لِيَ النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ : اسْتَنْصِتْ لِيَ النَّاسَ ، ثُمَّ قَالَ : لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا ؛ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ .
وَعَنْهُ ؛ عَنِ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ : أَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ مِنْ مَوَالِيهِ ، فَقَدْ كَفَرَ ، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ .
وَفِي آخَرَ : أَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ .
وَفِي آخَرَ : إِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ : الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ .
وَمِنْ بَابِ إِثْمِ مَنْ كَفَّرَ مُسْلِمًا أَوْ كَفَرَ حَقَّهُ
كَفَّرَ الأوَّلُ : مشدَّدٌ ، ومعناه : نسبَهُ إلى الكفر ، وحكَمَ عليه به ، وكفَرَ الثاني : مخفَّفٌ ، بمعنى : جحَدَ حقَّهُ ، ولم يقم به.
وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأخِيهِ : كَافِرٌ :
صوابُ تقييده : كافرٌ بالتنوين ، على أن يكون خبرَ مبتدأٍ محذوفٍ ، أي : أنتَ كافر ، أو هو كافرٌ.
وربَّما قيَّده بعضهم : كَافِرُ بغير تنوين ؛ فجعله منادًى مفردًا محذوفَ حرف النداء. وهذا خطأٌ ؛ إذ لا يحذفُ حرفُ النداء مع النكرات ولا مع المُبْهَمات ، إلاَّ &(1/162)&$(1/162)
فيما جرى مجرى المَثَل ؛ في نحوِ قولهم : أَطْرِقْ كَرَا ، وافْتَدِ مخنوقُ ، وفي حديث موسى "ثَوْبِي حَجَرُ ، ثَوْبِي حَجَرُ" ، وهو قليلٌ.
و أصلُ الكفر أصله : التغطيةُ والستر ؛ ومنه سُمِّيَ الزارع : كافرًا ؛ ومنه قوله تعالى : ُ ف پ ـ ِ ، أي : الزُّرَّاع ، ومنه قول الشاعر : =(1/252)=@
...................
فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا
أي : ستَرَ وغطَّى ، والغمام : السحاب.
وأمَّا "الكفر" الواقعُ في الشرع ، فهو جحدُ المعلومِ منه ضرورةً شرعيَّةً ، وهذا هو الذي جَرَى به العُرْفُ الشرعيُّ.
وقد جاء فيه الكُفْرُ بمعنَى جَحْدِ المُنْعِم ، وتَرْكِ الشكرِ على النِّعَم ، وتركِ القيامِ بالحقوق ؛ قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ للنساء : تَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ ، وتَكْفُرْنَ العَشِيرَ ، أي : يَجْحَدْنَ حقوقَ الأزواج وإحسانهم ؛ ومِنْ هنا صحَّ أن يقال : كفرٌ دون كفرٍ ، وظُلْمٌ دون ظلمٍ ، وسيأتي لهذا مزيدُ بيان.
وقوله : فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا ، أي : رجَعَ بإثمها ، ولازَمَ ذلك ؛ قال &(1/163)&$(1/163)
الهرويُّ : "أصلُ البَوَاء : اللزوم ؛ ومنه : أَبُوءُ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ ، أي : أُقِرُّ بها وأُلْزِمها نفسي" ، وقال غيره من أهل اللغة : "إنَّ باء في اللغة : رجَعَ بِشَرٍّ.
والهاءُ في بها : راجعٌ إلى التكفيرةِ الواحدة التي هي أقلُّ ما يدلُّ عليها لفظ : كافر .ويحتملُ : أن يَعُودَ إلى الكلمة ، ومعنى هذا : أنَّ المقولَ له كافر إن كان كافرًا كفراً شرعيًّا ، فقد صدَقَ القائلُ له ذلك ، وذهَبَ بها المقولُ له ، وإن لم يكنْ كذلك ، رجعَتْ للقائلِ مَعَرَّةُ ذلك =(1/253)=@ القولِ وإثمُهُ.
و أحدهما هنا يعني به : المقول له على كلِّ وجه ؛ لقوله : إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ ، وأمَّا القائُل ، فهو المَعْنِيُّ بقوله : وَإِلاَّ ، رَجَعَتْ عَلَيْهِ .
وبيانُهُ بما في حديث أبي ذرٍّ الذي قال فيه : مَنْ دَعَا رَجُلاً بِالكُفْرِ ، أَوْ قَالَ : عَدُوَّ اللهِ - ولَيْسَ كَذَلِكَ - إلاَّ حَارَ عَلَيْهِ ، أي : على القائل.
و حار : رجع ، ويعني بذلك : وِزْرَ ذلك وإثمَهُ.
وقوله : لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ - وَهُوَ يَعْلَمُهُ - إِلاَّ كَفَرَ ، أي : انتسَبَ لغير أبيه رغبةً عنه مع عِلْمِه به.
وهذا إنَّما يفعله أهلُ الجفاءِ والجهلِ والكِبْر ؛ لِخِسَّةِ مَنْصِبِ الأب ودناءته ؛ فيرى الانتسابَ إليه عارًا ونقصًا في حقِّه.
ولا شكَّ في أنَّ هذا محرَّمٌ معلومُ التحريمِ ، فمَنْ فعَلَ ذلك مستحلاًّ ، فهو كافرٌ حقيقةً ، فيبقى الحديثُ على ظاهره.
وأمَّا إنْ كان غيرَ مستحلٍّ له ، فيكونُ الكفرُ الذي في الحديثِ محمولاً على كفرانِ النِّعَمِ والحقوقِ ؛ فإنَّه قابَلَ الإحسانَ بالإساءة ، ومَنْ كان كذلك ، صدَقَ عليه اسمُ "الكافر" ، وعلى فِعْلِهِ أنَّهُ "كُفْرٌ" ؛ لغةً وشرعًا على ما قرَّرْناه ، ، ويحتملُ أن يقال : أُطْلِقَ عليه ذلك ؛ لأنَّه تَشَبَّهَ بالكُفَّار أهلِ الجاهليَّةِ وألِ الكِبْرِ والأنفة ؛ فإنَّهم كانوا يفعلون ذلك ، والله تعالى أعلم.
وقوله : مَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ ، فَلَيْسَ مِنَّا ، ظاهره : التبرِّي المُطْلَقُ ، فيبقى على ظاهره في حقِّ المستحِلِّ لذلك ؛ على ما تقدَّم. ويُتأوَّلُ في حقِّ غير المستحلِّ بأنَّه &(1/164)&$(1/164)
ليس على طريقة النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ولا على طريقةِ أهلِ دينه ؛ فإنَّ ذلك ظلمٌ ، وطريقةُ أهلِ الدِّينِ : العدلُ ، وتركُ الظلم ، ويكونُ هذا كما قال : لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ ، وَشَقَّ الجُيُوب ، ويقرُبُ منه : مَنْ لم يَأْخُذْ مِنْ شاربِهِ ، فليس مِنَّا. =(1/254)=@
وقوله : سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ ، وَوَعَاهُ قَلْبِي : مُحَمَّدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، الضميرُ في سَمِعَتْهُ ضميرُ المصدر الذي دَلَّ عليه سَمِعَتْهُ ، أي : سَمِعَتْ سمعًا أُذْنَايَ ؛ كما تقولُ العربُ : ظننتُهُ زيدًا قائمًا ، أي : ظَنَنْتُ ظنًّا زيدًا قائمًا ، وهذا الوجهُ أحسنُ ما يقالُ فيه إنْ شاء الله تعالى.
ويجوزُ : أن يكونَ الضميرُ عائدًا على معهودٍ متصوَّرٍ في نفوسهم ، ومحمّدًا بدلٌ منه ، والله أعلم.
وقوله : سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ ، أي : خروجٌ عن الذي يجبُ من احترامِ المسلم ، وحرمةِ عِرْضِهِ وسَبِّه ، وقد تقدَّم القولُ في الفِسْق.
وقوله : وَقِتَالُهُ كُفْرٌ ، إنِ استباحَ دمه فهو رِدَّة ، وقد يحتمل : على التشبيه بأفعالِ الكفَّارِ دون الكفر. =(1/255)=@
وقوله : لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا ؛ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ، أي : لا تَشَبَّهُوا بالكفَّار في المقاتلةِ والمقاطعة.
وفيه : ما يدلُّ على أنَّ النَّبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يعلم ما يكونُ بعده في أمَّته من الفتن والتقاتل ، ويَدُلُّ أيضًا : على قربِ وقوعِ ذلك مِنْ زمانه ؛ فإنَّه خاطَبَ بذلك أصحابَهُ ، وظاهُرُه : أنَّه أرادهم ؛ لأنَّه بهم أعنَى ، وعليهم أحنَى ، ويَحْتَمِلُ غيرَ ذلك.
وقوله : أَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ مِنْ مَوَالِيهِ ، فَقَدْ كَفَرَ ، محمولٌ على ما ذكرناه.
وقوله : فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ ، أي : ذِمَّةُ الإيمان وعهدُهُ وخَفَارَتُهُ : إنْ كان مستحلاًّ للإباق ، فيجبُ قتلُهُ بعد الاستتابة ؛ لأنَّه مرتدٌّ ، ، وإنْ لم يكن كذلك، &(1/165)&$(1/165)
فقد خرَجَ عن حُرْمة المؤمنين وذِمَّتهم ؛ فإنَّهُ تجوزُ عقوبتُهُ على إباقه ، وليس لأحدٍ أن يحولَ بين سيَّده وبين عقوبتِهِ الجائزةِ إذا شاءها السَّيِّد.
ويقال : بَرِئْتُ مِنَ الرَّجُلِ والدَّيْنِ بَرَاءةً ، وبَرَأْتُ إليه أَبْرَأُ بُرْءًا وبُرُوءًا ، ويقالُ أيضًا : بَرُؤْتُ - بضمِّ الراء - أَبْرُؤُ. =(1/256)=@
وقوله : لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ ، إنْ كان مستحلاًّ ، حُمِلَ الحديثُ على ظاهره ؛ لأنَّه يكون كافرًا ، ولا يُقْبَلُ لكافرٍ عملٌ.
وإن لم يكنْ كذلك ، لم تصحَّ صلاتُهُ على مذهب المتكلِّمين في الصلاة في الدار المغصوبة ؛ لأنَّه منهيٌّ عن الكَوْنِ في المكانِ الذي يصلِّي فيه ، ومأمورٌ بالرجوع إلى سيِّده ، ، وأمَّا على مذهب الفقهاءِ المصحِّحين لتلك الصلاة ، فيمكنُ أن يُحْمَلَ الحديثُ على مذهبهم على أنَّ الإِثْمَ الذي يلحقه من الإباقِ أكثَرُ من الثواب الذي يدخُلُ عليه من جهة الصلاة ؛ فكأنَّ صلاتَهُ لم تُقْبَلْ ؛ إذْ لم يتخلَّصْ بسببها من الإثم ، ولا حصَلَ له منها ثوابٌ يتخلَّصُ به من عقابِ الله تعالى على إباقه ؛ فكان هذا كما قلناه في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إنَّ شَارِبَ الخَمْرِ لاَ تُقْبَلُ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، وقد كنا كتبنا في ذلك الحديثِ جزءًا حسنًا.
وقوله : اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ ، أي : مِنْ خصالِ أهلِ الكفر ؛ كما قال عليه السلام : أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهْنَّ : الطَّعْنُ فِي الأَْنْسَابِ ، وَالْفَخْرُ فِي الأَْحْسَابِ ، وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ ، وَالنِّيَاحَةُ. =(1/257)=@ &(1/166)&$(1/166)
بَابٌ نِسْبَةُ الاِخْتِرَاعِ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى حَقِيقَةً : كُفْرٌ
عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ ، قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ ، أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ، فَقَالَ : هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟ قَالُوا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : قَالَ : أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ ؛ فَأَمَّا مَنْ قَالَ : مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ : مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا ، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : مُطِرَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فَقَالَ النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ ، وَمِنْهُمْ كَافِرٌ ، قَالُوا : هَذِهِ رَحْمَةُ اللهِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ : [الواقِعَة : 75]{فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ *} حَتَّى بَلَغَ {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ *}. [الواقعة : 75-82]
وَمِنْ بَابٍ نِسْبَةُ الاِخْتِرَاعِ إِلَى غَيْرِ اللهِ تَعَالَى حَقِيقَةً : كُفْرٌ
قوله : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ ، أكثرُ الرواة يشدِّدون ياء الحُدَيْبِيَّةِ ، وهي لغةُ أهلُ اليمن ، وأهل العراق يخفِّفونها ، ،
و الجِعِرَّانة يقولها أهلُ المدينة بكسر العين وتشديد الراء ، وأهلُ العراق يُسْكِنون العين ويُخفِّفون الراء ، ، و"ابنُ المسيِّب" : أهلُ المدينة يكسرون الياءَ مشدَّدة ، وأهلُ العراق يفتحونها مشدَّدة ، وكذلك قرأتُهُ ، وقيَّدته على مَنْ لَقِيته وقَيَّدتُّ عليه.
و الحديبية : موضعٌ فيه ماءٌ بينه وبين مَكَّة أميال ، وَصَلَ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليه وهو مُحْرِمٌ بعمرة قبل فتح مكَّة ، فصدَّه المشركون عن البيت ، فصالحهم وشرَطَ لهم وعليهم ، ولم يدخُلْ مكَّةَ في تلك السنة ، ورجَعَ إلى المدينة ، فلمَّا كان العامُ المقبلُ ، دخلها ، وسيأتي تفصيلُ ذلك كلِّه ، إنْ شاء الله تعالى.
و إثْرَ الشَّيْءِ بكسرِ الهمزة وإسكانِ الثاء المثلَّثة : بَعْدَهُ وعَقِبَهُ ، ويقال فيه : أَثَر ، بفتح الهمزة والثاء.
و السَّمَاءُ هنا المطرُ ، سُمِّي بذلك ؛ لأنَّه يَنْزِلُ من السماء ، وحقيقةُ السماء : كلُّ ما علاك فأظلَّك. &(1/167)&$(1/167)
وقوله : فَلَمَّا انْصَرَفَ ، أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ، أي : انصرَفَ مِنْ صلاته ، وفرَغَ منها ؛ فظاهره : أنَّه لم يكن يثبت في مكان صلاتِهِ بعد سلامه ؛ بل كان ينتقلُ عنه ويتغيَّرُ عن حالته ، وهذا الذي استحبَّهُ مالك للإمامِ في المسجد ؛ كما سيأتي. =(1/258)=@
وقوله : أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ ، ظاهره : أنَّه الكُفْرُ الحقيقيُّ ؛ لأنَّه قابَلَ به المؤمنَ الحقيقيَّ ، فيُحْمَلُ على مَنِ اعتقَدَ أنَّ المطر مِنْ فعل الكواكبِ وخَلْقِها ، لا مِنْ فِعْلِ الله تعالى ؛ كما يعتقده بعضُ جهَّال المنجِّمين والطبائعيِّين والعَرَب.
فأمَّا من اعتقَدَ أنَّ الله تعالى هو الذي خلَقَ المَطَرَ واخترعَهُ ثُمَّ تكلَّم بذلك القولِ ، فليس بكافر ؛ ولكنَّه مخطئٌ من وجهَيْن :
أحدهما : أنّه خالَفَ الشرع ؛ فإنَّه قد حذَّر من ذلك الإطلاق.
وثانيهما : أنَّه قد تشبَّه بأهلِ الكفر في قولهم ، وذلك لا يجوزُ :
لأنَّا قد أَمَرَنَا بمخالفتهم ؛ فقال : خَالِفُوا المُشْرِكين ، وخَالِفُوا اليَهُودَ
ونُهِينَا عن التشبُّهِ بهم ؛ وذلك يقتضي الأَمْرَ بمخالفتهم في الأفعالِ والأقوالِ على ما يأتي إنْ شاء الله تعالى ، ، ولأنّ الله تعالى قد مَنَعَنا من التشبُّهِ بهم في النطق ، فقال : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا} ، لمَّا كان اليهودُ يقولون تلك الكلمةَ للنبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقصدون بها رعونتَهُ ، مَنَعَنَا اللهُ مِن إطلاقها وقولِهَا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإنْ قَصَدْنا بها الخيرَ ؛ سَدًّا للذريعة ، ومنعًا من التشبُّهِ بهم.
فلو قال غير هذا اللفظ =(1/259)=@ الممنوع يريدُ به الإخبارَ عمَّا أَجْرَى الله تعالى به سُنَّتَهُ ، جاز ؛ كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إذا أنشَأَتْ بَحْرِيَّةٌ ثُمَّ تشاءَمَتْ ، فَتِلْكَ عَيْنٌ غَدِيقَةٌ.
وقوله : فَأَمَّا مَنْ قَالَ : مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ ، أي : مصدِّقٌ بأنَّ المطر خَلْقِي لا خلقُ الكواكب ، أَرْحَمُ به عبادي، &(1/168)&$(1/168)
وأتفضَّل عليهم به ، كما قال : {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ *}.
و النَّوْء لغةً : النهوضُ بثِقَلٍ ، يقال : ناء بكذا : إذا نهَضَ به متثاقلاً ؛ ومنه قوله تعالى : {لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} ، أي : لَتُثْقِلُهُمْ عند النهوضِ بها.
وكانت العَرَبُ إذا طلع نجمٌ من المشرِقِ وسقَطَ آخر من المغرب ، فحدَثَ عند ذلك مطرٌ أو ريح : فمنهم مَنْ يَنْسُبُهُ إلى الطالِعِ ، ومنهم مَنْ ينسبه إلى الغارب الساقِطِ نِسْبَةَ إيجادٍ واختراعٍ ، ويُطْلِقون ذلك القولَ المذكور في الحديث ، فنهى الشرعُ عن إطلاقِ ذلك ؛ لئلا يَعْتَقِدَ أحدٌ اعتقادَهُمْ ، ولا يتشبَّهَ بهم في نُطْقهم ، والله أعلم.
وقوله : أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ ، وَمِنْهُمْ كَافِرٌ ، أصلُ الشكر : الظهورُ ؛ ومنه قولهم : دابَّةٌ شَكُورٌ : إذا ظهر عليها من السِّمَن فوق ما تأكلُهُ من العلف.
و الشاكرُ : هو الذي يُثْنِي بالنعمةِ ويُظْهِرها ويعترفُ بها للمُنْعِم ، وجَحْدُهَا كفرانُهَا ؛ فمَنْ =(1/260)=@ نسَبَ المطَرَ إلى الله تعالى ، وعرَفَ مِنَّتَهُ فيه ، فقد شكَرَ الله تعالى ، ، ومَنْ نسبه إلى غيره ، فقد جحَدَ نعمةَ الله تعالى في ذلك ، وظلَمَ بنسبتها لغير المُنْعِم بها ؛ فإن كان ذلك عن اعتقاد ، كان كافرًا ظالمًا حقيقةً ، وإن كان غير معتقد ، فقد تشبَّهَ بأهلِ الكفر والظلمِ الحقيقيِّ ؛ كما قلناه آنفًا .
وقد قابل في هذا الحديث بين الشكر والكفر ؛ فدلَّ ظاهره : على أن المراد بالكفر هنا : كفرانُ النعم ، لا الكفرُ بالله تعالى. ويحتملُ : أن يكون المرادُ به الكفرَ الحقيقيَّ ؛ ويؤيِّد ذلك استدلالُ النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله تعالى : ُ = عع ؛ چ ِ ، أي : تجعلون شُكْرَ رزقِكُمُ التكذيبَ ؛ على حذفِ المضاف ؛ قاله المفسِّرون ، وقرأ عليٌّ : وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ ؛ فعبَّر عن الرزق بالشُّكْرِ ، والرزقُ : الشكرُ بلغَةِ أَزْدِ شَنُوءة ، يقال : ما أرزقَهُ ، أي : ما أشكَرهُ ، وما رزَقَ فلانٌ فلانًا ، أي : ما شَكَره.
وقوله : ُ ف ' ( % ِ ، {لا} صِلَةٌ لـ {أُقْسِمُ} ؛ قاله ابنُ عبَّاس.
وقرأ عيسى : لَأُقْسِمُ بحذفِ الألف ؛ كأنه قال : لَأُقْسِمَنَّ ، فحذَفَ نونَ التوكيد ، وكذلك قرأ الحسَنُ ، والقَوَّاس في رواية البَزِّيِّ : (( لَأُقْسِمُ =(1/261)=@ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وتلزمُ ذلك النونُ الشديدةُ أو الخفيفةُ ، وحَذْفُهَا شاذٌّ.
و{مَوَاقع النُْجُومِ} مساقطها ، وقيل : مطالعها ، وقيل : انكدارُهَا وانتثارها يوم القيامة.
وقيل في تأويلِ الآية : إنها قَسَمٌ &(1/169)&$(1/169)
بقلبِ محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والنجومُ هي آيُ القرآن ؛ لأنَّه أُنْزِلَ نجومًا ؛ روي ذلك عن ابن عبَّاس ، ـ رضى الله عنهما ـ ، والقَسَمُ : الإيلاءُ والحَلِفُ.
وهذا وأشباهه قَسَمٌ من الله تعالى على جهة التشريفِ للمقسَمِ به ، والتأكيدِ للمُقسَمِ له ، وأنَّه تعالى له أن يُقْسِمَ بما شاء مِنْ أسمائه وصفاتِهِ ومخلوقاتِهِ تشريفًا وتنويهًا ؛ كما قال : {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *} ، {وَالْعَادِيَاتِ} {وَالصَّآفَّاتِ} ، {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا *} ، {وَالنَّازِعَاتِ} ، ونحو هذا.
وقد تكلَّف بعضُ العلماء ، وقال : إنَّ المقسَمَ به في مثلِ هذه المواضع محذوفٌ للعلم به ؛ فكأنه قال : وربِّ الشمسِ ، وربِّ الليل.
والذي حمله على ذلك : أنَّه لمَّا سَمِع أنَّ الشرع قد نهانا أن نَحْلِفَ بغير الله تعالى ، ظنَّ أنَّ الله تعالى يمتنعُ مِنْ ذلك ، وهذا ظن قاصر وفهمٌ غيرُ حاضر ؛ إذْ لا يَلْزَمُ شيءٌ من ذلك ؛ لأنَّ للهِ تعالى أن يحكمَ بما شاء ، ويفعَلَ من ذلك ما يشاء ؛ إذْ لا يتوجَّهُ عليه حُكْم ، ولا يترتَّبُ عليه حَقٌّ. وأيضًا : فإنَّ الشرع إنما منعنا من القسمِ بغيرِ الله تعالى ؛ حمايةً عن التشبُّهِ بالجاهليةِ فيما كانوا يُقْسِمون به من معبوداتهم ومُعَظَّمَاتِهم الباطلةِ ؛ على ما يأتي الكلامُ عليه في "الأَيْمَان".
وقوله : {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ *فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ *} :
الكريم : الشريفُ الكثيرُ المنافعِ السَّهْلُهَا.
و المكنونُ : المَصُونُ المحفوظ.
ويعني بـ"الكتاب" : اللوحَ المحفوظَ ؛ كقوله تعالى : {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ *فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ *}.
و{الْمُطَهَّرُونَ} ، بحكم عُرْفِ الشرع : هم المتطهِّرون من الحدَثِ ؛ وعليه تكونُ {لاَ} نهيًا ، و{يَمَسُّهُ} مجزومٌ بالنهي ، وضُمَّتْ سينه لأجل الضمير ؛ كما قالوا : شُدُّهُ ومُدُّهُ.
ويجوزُ أن يكون خبرًا =(1/262)=@ عن المشروعيَّة ، أي : لا يجوزُ مسُّهُ إلاَّ لمن تطهَّر من الحدث ، ويكونُ هذا نحوَ قولِهِ تعالى : {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}.
فهذا تقريرُ وجهِ منِ استدلَّ بالآية على تحريمِ مَسِّ القرآنِ على غير طهارة ، وهُمُ الجمهور.
وأَمَّا مَنْ أجاز ذلك ، وهم أهلُ الظاهر : فحملوا الآية على أنَّها خبرٌ عمَّا في الوجود ، أي : لا يَمَسُّهُ ولا ينالُهُ ولا يباشرُهُ إلا الملائكةُ ، وهم المطهَّرون بالحقيقةِ ، وتكونُ هذه الآيةُ مثلَ قوله تعالى : {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ *مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ *بِأَيْدِي سَفَرَةٍ *كِرَامٍ بَرَرَةٍ *} ؛ وإلى هذا صار مالكٌ في &(1/170)&$(1/170)
تفسير هذه الآية ، مع أنَّ مذهبَهُ أنَّه لا يجوزُ لِمُحْدِثٍ مسُّ المصحف ؛ أخذًا لهذا الحكم مِنَ السُّنَّةِ الثابتة عنده ، لا مِنَ الآية ، والله تعالى أعلم.
وقد قيل في الآية : {لاَ يَمَسُّهُ} : لا يفهمُهُ ولا يجدُ حلاوتَهُ إلا المؤمنون المحقِّقون.
والأول الظاهر .
وقوله تعالى : {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ *} ، يعني بـ الحديث : القرآنَ ؛ لأنه أحاديثُ عن الأممِ الماضيةُ والوقائعِ الآتية ، والأحكامِ الجارية ، ، {مُدْهِنُونَ} : مكذِّبون ، وأصله من الدَّهْن ؛ يقال : أَدْهَنَ ، وداهَنَ ، أي : ترَكَ ما هو عليه وتلبَّس بغيره. =(1/263)=@
بَابٌ حُبُّ عَلِيٍّ وَالأَْنْصَارِ آيَةُ الإيمَانِ ، وَبُغْضُهُمْ آيَةُ النِّفَاقِ
عَنْ أَنَسٍ ؛ عَنِ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أَنَّهُ قَالَ : حُبُّ الأَنْصَارِ آيَةُ الإِيمَانِ ، وَبُغْضُهُمْ آيَةُ النِّفَاقِ .
وعَنِ الْبَرَاءِ ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ فِي الأَنْصَارِ : لاَ يُحِبُّهُمْ إِلاَّ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلاَّ مُنَافِقٌ ؛ مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللهُ ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللهُ .
وَمِنْ بَابِ حُبُّ عَلِيٍّ وَالأَْنْصَارِ مِنَ الإيمَانِ
قوله : آيَةُ الإِْيمَانِ حُبُّ الأَْنْصَارِ الحديث :
الآيةُ : العَلاَمَةُ والدَّلاَلة ، وقد &(1/171)&$(1/171)
تكون ظَنِّيَّة ، وقد تكون قطعيَّة.
و حُبُّ الأَْنْصَارِ - من حيث كانوا أنصارَ الدِّينِ ومُظهِريهِ ، وباذلين أموالَهُمْ وأَنْفُسَهُمْ في إعزازِهِ وإعزازِ نبيِّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإعلاءِ كلمته - دلالةٌ قاطعةٌ على صِحَّةِ إيمانِ مَنْ كان كذلك ، وصحَّةِ محبَّته للنبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وبُغْضُهم لذلك : دلالةٌ قاطعةٌ على النفاق.
وكذلك القولُ في حُبِّ عليٍّ وبغضه ـ رضى الله عنه ـ وعنهم أجمعين : فمَنْ أحبَّه لسابقته في الإسلام ، وقِدَمِهِ في الإيمان ، وغَنَائِهِ فيه ، وذبِّه عنه وعن النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ولمكانته منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقرابتِهِ ومصاهرته ، وعلمِهِ وفضائله ، كان ذلك منه دليلاً قاطعًا على صِحَّةِ إيمانه ويقينِهِ ومحبتِهِ للنبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ومَنْ أبغضَهُ لشيء من ذلك ، كان على العكس.
قال الشيخ ـ رحمه الله ـ : وهذا المعنَى جارٍ في أعيان الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ - كالخلفاء ، والعَشَرة ، والمهاجرين - بل وفي كُلِّ الصحابة ؛ إذْ كُلُّ واحدٍ منهم له سابقةٌ وغَنَاءٌ في الدِّين ، وأَثَرٌ حَسَنٌ فيه ؛ فحبُّهم لذلك المعنى محضُ الإيمان ، وبُغْضُهُمْ له محضُ النفاق.
وقد دَلَّ على صحَّة ما ذكرناه : قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما خرَّجه =(1/264)=@ البَزَّار في أصحابه كلِّهم : فَمَنْ أحبَّهم فبحبِّي أحبَّهم ، ومَنْ أبغضَهُمْ فببغضي أبغَضَهُمْ .
لكنَّهم لما كانوا في سوابقهم ومراتبهم متفاوتين ، فمنهم المتمكِّن الأمكن ، والتالي ، والمقدَّم ، خَصَّ الأمكَنَ منهم بالذكر في هذا الحديث ، وإنْ كان كلٌّ منهم له في السوابق أشرَفُ حديث ، وهذا كما قال العليُّ الأعلى سبحانه : ُ ع غ [ گ ] ء _ . ر ، ِ إلى قوله : ُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ { " " ، ِ .
تنبيه : مَنْ أبغض بعضَ مَنْ ذَكَرْنا من الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ من غير تلك الجهات التي ذكرناها ، بل لأمرٍ طارئ ، وحدَثٍ واقعٍ ؛ من مخالفةِ غَرَضٍ ، أو ضررٍ حصل ، أو نحوِ ذلك : - لم يكنْ كافرًا ولا منافِقًا بسبب ذلك ؛ لأنهم ـ رضى الله عنهم ـ قد وقعتْ بينهم مخالفاتٌ كثيرةٌ عظيمة ، وحروبٌ هائلة ، ومع ذلك فلم يكفِّرْ بعضُهُمْ بعضًا ، ولا حُكِمَ عليه بالنفاقِ لِمَا جرى بينهم من ذلك ، وإنما كان حالُهُمْ في ذلك حالَ المجتهدين في الأحكام :
فإمَّا أن يكونَ كلُّهم مصيبًا فيما ظهَرَ له.
أو &(1/172)&$(1/172)
المصيبُ واحدٌ ، والمخطئُ معذورْ ، بل مخاطبٌ بالعملِ على ما يراه ويظنُّه مأجورْ.
فمَن وقع له بُغْضٌ في أحد منهم لشيءٍ من ذلك ، فهو عاصٍ يجبُ عليه التوبةُ من ذلك ، ومجاهدةُ نفسه في زوال ما وقَعَ له من ذلك ، بأنْ يتذكَّر فضائلَهُمْ وسوابقَهُمْ ، وما لهم على كلِّ مَنْ بعدَهم مِنَ الحقوقِ الدينيَّةِ والدنيوية ؛ إذْ لم يصلْ أحدٌ ممن بعدهم لشيءٍ من الدنيا ولا الدِّينِ إلا بهم وبسببهم ؛ وإذ بهم وصلَتْ =(1/265)=@ لنا كلُّ النِّعَمْ ، واندفَعَتْ عنا الجهالاتُ والنِّقَمْ ، ومَنْ حَصَلَتْ به مصالِحُ الدنيا والآخِرَهْ ، فبغضُهُ كفرانٌ للنِّعَمِ الفاخرهْ وصفقتُهُ خاسِرَهْ.
وقوله : فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللهُ ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللهُ ، هذا على مقابلة اللفظ باللفظ ، ومعناه : أنَّ من أحبَّهم ، جازاه الله على ذلك جزاءَ المحبوبِ المُحِبَّ من الإكرامِ ، والتَّرْفِيع ، والتشفيع ، وعكس ذلك في البغض.
وظاهرُ هذا الكلام : أنَّه خبرٌ عن مآلِ حالِ كُلِّ واحدٍ من الصنفين.
ويصلح أنْ يقال : إنَّ ذلك الخبر خرَجَ مخرجَ الدعاء لكلِّ واحدٍ من الصنفين ؛ فكأنَّه قال : اللهمَّ ، افعَلْ بهم ذلك ، كما يقال : صلَّى اللهُ على محمَّد وآله ، والله أعلم.
وَعَنْ زِرٍّ ، عَنْ عَليٍّ قَالَ : وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ ! إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إِلَيَّ : أَنْ لاَ يُحِبَّنِي إِلاَّ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يُبْغِضَنِي إِلاَّ مُنَافِقٌ.
وقولُ عليٍّ ـ رضى الله عنه ـ : وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ ، أي : شقَّها بما يخرُجُ منها ؛ كالنَّخْلة من النواة ، والسنبلةِ مِنْ حَبَّةِ الحنطة ، والحَبَّة بفتح الحاء : لما يُزْدَرَعُ ويُسْتَنْبَتُ ، وبكسرها : لبزر بُقُولِ الصحراء التي لا تزدرع .
وقوله : وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، أي : خلقها ، والنَّسَمَةُ : النَّفْسُ ، وقد يقال على الإنسان : نَسَمة ، وقد يقال أيضًا على الرَّبْوِ ؛ ومنه الحديث : تنكَّبوا الغُبَارَ ؛ فمنه تكونُ النَّسَمَةُ ، أي : الرَّبْوُ والبُهْرُ ، وهو امتلاءُ الجوف من الهواء . =(1/266)=@
وقوله : إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إِلَيَّ أَنْ لاَ يُحِبَّنِي إِلاَّ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يُبْغِضَنِي إِلاَّ مُنَافِقٌ :
العهد : الميثاق.
و الأُمِّيُّ : هو الذي لا يَكْتُبُ ؛ كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ ، وهو منسوبٌ إلى الأُمِّ ؛ لأنَّه باقٍ على أصلِ وِلاَدتها ؛ إذ لم يتعلَّم &(1/173)&$(1/173)
كتابةً ولا حسابًا. وقيل : نُسِبَ إلى معظمِ أُمَّةِ العرب ؛ إذِ الكتابةُ كانتْ فيهم نادرةً.
وهذا الوصفُ مِنَ الأوصافِ التي جعلها الله تعالى مِنْ أوصافِ كمال النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ومدَحَهُ بها ، وإنْ كان وَصْفَ نقصٍ بالنسبة إلى غير النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ وإنَّما كان وصفَ نقصٍ في غيره ؛ لأنَّ الكتابةَ والدراسةَ والدُّؤُوبَ على ذلك : هي الطرقُ الموصِّلَةُ إلى العلومِ التي بها تشرُفُ نفسُ الإنسان ، ويعظُمُ قَدْرُهَا عادةً.
ولمَّا خَصَّ اللهُ تعالى نبيَّنا محمَّدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعلومِ الأوَّلين والآخرين مِنْ غير كتابة ولا مدارسة ، كان ذلك خارقًا للعادة في حقِّه ، ومِنْ أوصافه الخاصَّةِ به ، الدالَّة على صدقه ، التي نُعِتَ بها في الكُتُبِ القديمة ، وعُرِفَ بها في الأممِ السالفة ؛ كما قال الله سبحانه وتعالى : ُ ٍ ٌ ً ي ى وه ن م ل ك ق ِ ؛ فقد صارت الأُمِّيَّةُ في حقِّه من أعظمِ معجزاتِه ، وأجلِّ كراماتِه ، وهي في حَقِّ غيره نقصٌ ظاهر ، وعجزٌ حاضر ؛ فسبحان الذي صيَّر نقصَنَا في حقِّه كمالاَ ، وزادَهُ تشريفًا وإجلالاَ!!
وقوله : أنْ لاَ يُحِبَّنِي ، بفتح همزة أَنْ لا ؛ لأنَّها همزةُ أَنِ الناصبةِ للفعل المضارع ، ، ويَحتمِل : أن تكون المخفَّفةَ من الثقيلة ؛ ولذلك يروى : يُحِبُّنِي ، بضمِّ الباء وفتحها ، وكذلك : يُبْغِضني ؛ لأنَّه معطوفٌ عليه.
والضميرُ في إنَّه ضميرُ الأمر والشأن ، والجملةُ بعده تفسيرٌ له. =(1/267)=@ &(1/174)&$(1/174)
بَابُ كُفْرَانِ العَشِيرِ ، وَكُفْرٍ دُونَ كُفْرٍ
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ أَنَّهُ قَالَ : يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ، تَصَدَّقْنَ ، وَأَكْثِرْنَ الاِسْتِغْفَارَ ؛ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ . فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ : وَمَا لَنَا - يَا رَسُولَ اللهِ - أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ ؟ قَالَ : تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ ! قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ ؟ قَالَ : أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ : فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ ؛ فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ ، ، وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ وَمَا تُصَلِّي ، وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ ؛ فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ .
وَمِنْ بَابِ كُفْرَانِ العَشِيرِ ، وَكُفْرٍ دُونَ كُفْرٍ
قوله : يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ، تَصَدَّقْنَ ، وَأَكْثِرْنَ الاِسْتِغْفَارَ ؛ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ ، هذا نداءٌ لجميع نساء العالم إلى يوم القيامة ، وإرشادٌ لهنَّ إلى ما يُخَلِّصُهُنَّ من النار ، وهو الصدقةُ مطلقًا ، واجبُهَا وتطوُّعُهَا.
والظاهر : أنّ المراد هنا القدرُ المشترَكُ بين الواجبِ والتطوُّع ؛ لقوله في بعض طرقه : ولو مِنْ حُلِيِّكُنَّ.
و الاستغفار : سؤالُ المغفرة ، وقد يعبَّر به عن التوبة ؛ كما قال تعالى : ُ . - 0 / * ِ ، أي : توبوا إليه وإنما عبَّر عن التوبةِ بالاستغفارِ ؛ لأنَّه إنَّما يصدُرُ عن الندمِ وحَلِّ الإصرار ، وذلك هو التوبة.
فأمَّا الاستغفارُ مع الإصرارْ ، فحالُ المنافقين والأشرارْ ، وهو جديرٌ بالردِّ وتكثيرِ الأوزارْ ، وقد قال بعضُ العارفين : "الاستغفارُ باللسانِ توبةُ الكذَّابين".
وقوله : رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ ، أي : اطَّلَعَ على نساءٍ آدميَّات ، من نوع المخاطَبَات ، لا أنفس المخاطبات ؛ كما قال في الرواية الأخرى : اطَّلَعْتُ =(1/268)=@ عَلَى النَّارِ ، فَرَأَيْتُ َأكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ.
فلمَّا سمع النساءُ ذلك ، عَلِمْنَ أنَّ ذلك بسبب ذنبٍ سبَقَ لهنَّ ، فبادرَتْ هذه المرأةُ لجزالتها وشِدَّةِ حرصها على ما يُخَلِّصُ من هذا الأمر العظيم ، فسأَلَتْ عن ذلك ، فقالت : " وَمَا لَنَا أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ؟" ، فأجابها &(1/175)&$(1/175)
ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله : تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ، وتَكْفُرْنَ العشيرَ ، أي : يدور اللعنُ على ألسنتهنَّ كثيرًا لمن لا يجوزُ لعنه ؛ وكأنَّ هذا كان عادةً جاريةً في نساء العرب ، كما قد غَلَبَتْ بعد ذلك على النساءِ والرجال ، حتَّى إنَّهم إذا استحسنوا شيئًا ربَّما لعنوه ، فيقولون : "ما أشعرَهُ! لَعَنَهُ الله!!" ، وقد حكى بعضهم أنَّ قصيدةَ ابنِ دُرَيْدٍ كانتْ تسمَّى عندهم: الملعونة ؛ لأنَّهم كانوا إذا سمعوها ، قالوا : "ما أشعرَهُ! لعَنَهُ اللهُ!!" ، وقد تقدَّم أنَّ أصل اللعن : الطردُ والبُعْد.
و العَشِير : هو المعاشرُ والمخالط مطلقًا ، والمرادُ به هنا : الزَّوْج ، والكفر : كفرانُ الحقوق ؛ ويدلُّ على صحَّة الأمرين : حديثُ الموطَّأ ، الذي قال فيه : يَكْفُرْنَ ، قيل : أَيَكْفُرْنَ بالله ؟ قال : يَكْفُرْنَ العَشِيرَ ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا ، قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ .
و الجَزَالَة : الشهامةُ والحِدَّة ، مع العقل والرفق ؛ قال ابن دُرَيْد : "الجزالةُ : الوقارُ والعقل ، وأصلُ الجزالة : العِظَمُ من كلِّ شيء ، ومنه : عطاءٌ جَزْلٌ.
و اللُّبُّ : العقلُ ، سمِّي بذلك ؛ لأنَّه خلاصةُ الإنسان ولبُّه ولبابُهُ ، ومنه سُمِّيَ قلب الحبَّة : لُبًّا.
والعقلُ الذي نُقِصَهُ النساء : هو التثبُّتُ في الأمور =(1/269)=@ ، والتحقيقُ فيها ، والبلوغُ فيها إلى غاية الكمال ، وهُنَّ في ذلك غالبًا بخلافِ الرجال.
وأصل العقل : العلمُ ، وقد يقال على : الهدوءِ والوقارِ والتثبُّتِ في الأمور.
وللعلماءِ خلافٌ في حَدِّ العقل المشتَرَطِ في حَدِّ التكليف ليس هذا موضعَ ذكره.
و الدِّين هنا يرادُ به : العباداتُ ، وليس نقصانُ ذلك في حقِّهنَّ ذمًّا لهنَّ ؛ وإنَّمَا ذكر النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك مِنْ أحوالهنَّ على معنى التعجيبِ من الرجال ، حيثُ يغلبهم مَنْ نقَصَ عن درجتهم ، ولم يبلُغْ كمالهم ؛ وذلك هو صريحُ قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ؛ وذلك نحوٌ ممَّا قاله الأعشى فيهنَّ :
وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غَلَبْ &(1/176)&$(1/176)
ونحوُ قولهم فيما جرَى مجرى المثل: يَغْلِبْنَ الكِرَامْ ، ويَغْلِبُهُنَّ اللِّئَامْ.
وفيه : مايدلُّ على أنَّ الحائضَ لا تُصَلِّي ولا تصومُ مُدَّةَ حَيْضِها ، وهو مجمعٌ عليه ، وسيأتي القولُ فيه ، إن شاء الله تعالى ، وبالله تعالى التوفيق. =(1/270)=@
بَابُ تَرْكُ الصَّلاَةِ جَحْدًا أَوْ تَسْفِيهًا لِلأَْمْرِ كُفْرٌ
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ؛ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَقُولُ : بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي ، يَقُولُ : يَا وَيْلَهُ!-وَفِي رِوَايَةٍ : يَا وَيْلَتَا!- أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ ؛ فَلَهُ الْجَنَّةُ ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ ؛ فَلِيَ النَّارُ .
وَمِنْ بَابِ تَرْكُ الصَّلاَةِ جَحْدًا أَوْ تَسْفِيهًا لِلأَْمْرِ كُفْرٌ
قوله : بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ : تَرْكُ الصَّلاَةِ ، يعني : أَنَّ من تركَ الصلاَةَ ، لم يَبْقَ بينه وبين الكفر حاجزٌ يحجزه عنه ، ولا مانعٌ يمنعه منه ، أي : قد صار كافرًا ؛ وهذا إنَّما يكونُ بالاتِّفاق فيمَنْ كان جاحدًا لوجوبها.
فأمَّا لو كان معترِفًا بوجوبها ، متهاونًا بفعلها ، وتاركًا لها :
فالجمهورُ : على أنَّه يُقْتَلُ إذا أخرَجَهَا عن آخِرِ وقتها ، ثُمَّ هل يُقْتَلُ كُفْرًا ، أو حَدًّا ؟ :
فممَّن ذهَبَ إلى الأوَّل : أحمدُ بنُ حنبل ، وابنُ المبارك ، وإسحاقُ ، وابنُ حَبِيبٍ من أصحابنا ، ورُوِيَ ذلك عن عليٍّ ـ رضى الله عنه ـ .
وممن ذهَبَ إلى الثاني : مالكٌ ، والشافعيُّ ، وكثيرٌ من أهل العلم ؛ قالوا : يقتل حَدًّا إذا &(1/177)&$(1/177)
عُرِضَتْ عليه فلم يفعلها ، ثم هل يستتاب أم لا؟ قولان لأصحابنا.
وقال الكوفيُّون : لا يقتلُ ، ويؤخذُ بفعلها ، ويعزَّرُ حتى يفعلها.
والصحيحُ : أنََّه ليس بكافر ؛ لأنَّ الكفر الجحد ، وليس بجاحد ، ولأنَّ رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد قال : خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللهُ سبحانه على العِبَادِ ، فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا ، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ ، فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ ؛ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ ؛ فهذا نَصٌّ على أَنَّ تركَ الصلاةِ ليس بِكُفْر ، وأنَّه مما دون الشِّرْكِ الذي قال =(1/271)=@ الله تعالى فيه : {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
واختلف العلماء في أخواتِ الصلاة من الفرائض ؛ كالزكاة ، والصيام ، والحج ، والوضوءِ ، والغُسْلِ من الجنابة ، هل يُقْتَلُ الآبي مِنْ فعِْلِهَا وإن اعترَفَ بوجوبها ، أو يعاقبُ حتى يَفْعَل ؟ وهل هو كافرٌ أم عاصٍ ؟ :
فذهب مالك : إلى أنَّ من قال : لا أتوضَّأُ ولا أصوم ، أنَّه يستتاب ، فإن تاب ، وإلا قتل ، ، وإن قال : لا أُزَكِّي ، أُخِذَتْ منه كرهًا ، فإن امتنع ، قوتل ، ، فإنْ قال : لا أَحُجُّ ، لم يُجْبَرْ ؛ لكونِ فرضِهِ على التراخي.
قال الشيخ ـ رحمه الله ـ : هكذا أطلق أئمتنا ، وينبغي أن يقال : إنَّه إذا انتهى الممتنع إلى حالةٍ يخافُ معها الفَوْتَ ؛ كالهَرَمِ ، والمرض ، حُمِلَ على الفعل ؛ لئلا يُخْلِيَ زمانَهُ عن الحجِّ مع استطاعته ، ، وأما من يقول : إنَّ الحجَّ على الفور إذا &(1/178)&$(1/178)
حصلَتْ الاستطاعةُ ، فقياسُ مذهبه : يقتضي أن يُحْمَلَ على الفعل في تلك الحال ، لكنَّ أصحابنا لم يقولوا به ، ولا كفَّروه بترك الحجِّ كما فعلوا في الصلاة ؛ لأنَّ كونَ وجوبِهِ على الفور ليس بمعلومِ التحديد والتوقيف مِنَ الشرع ؛ كما هو في الصلاة ، وإنما قيل ذلك بالاجتهادِ والظَّنِّ ، والله أعلم.
وقال ابن حَبِيب : مَنْ قال عند الإمام : لا أصلِّي وهي عَلَيَّ ، قُتِلَ ولا يستتاب ، وكذلك من قال : لا أتوضَّأ ، ولا أغتسلُ من الجنابة ، ولا أصوم.
وقال أيضًا : مَنْ ترك الصلاةَ متعمِّدًا أو مُفَرِّطًا : كافرٌ ، ومَنْ ترك أخواتِهَا متعمِّدًا ؛ من زكاة ، وحجٍّ ، وصوم : كافر ، وقاله الحَكَم ابن عُتَيْبة وجماعةٌ من السلف.
وقوله : إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي :
أصلُ السجود في اللغة : الخضوعُ والخشوع ؛ قال زَيْدُ الخَيْلِ : =(1/272)=@
بِجَمْعٍ تَضِلُّ البُلْقُ فِي حَجَرَاتِهِ
تَرَى الأُكْمَ فِيهَا سُجَّدًا لِلْحَوَافِرِ
أي : خاضعةً.
ويقالُ أيضًا : على المَيْلِ ؛ يقال : سجَدَتِ النخلةُ ، أي : مالَتْ ، وسجدَتِ الناقةُ : طأطأَتْ رأسَهَا ، قال يعقوبُ : أسجَدَ الرجلُ : إذا طأطَأَ رأسه ، وسجَدَ : إذا وضع جبهتَهُ في الأرض ، وقال ابن دُرَيْد : أصلُ السجود : إدامةُ النظر مع إطراقٍ إلى الأرض.
قال الشيخ ـ رحمه الله ـ : والحاصلُ أن أصلَ السجودِ : الخضوعُ ، وسُمِّيَتْ هذه الأحوالُ سجودًا ؛ لأنها تلازمُ الخضوع غالبًا ، ثم قد صار في الشرعِ عبارةً عن وضع الجبهة على الأرض على نحوٍ مخصوصٍ.
والسجودُ المذكور في هذا الحديث : هو سجودُ التلاوة ؛ لقوله : إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ... .
وقد اختُلِفَ في حُكْمه :
فذهَبَ الجمهور : إلى أنَّه مندوبٌ فعله.
وصار أبو حنيفة : إلى أنه واجب ؛ مستدلاًّ بهذا الحديث.
ووجهه : أنَّ إبليس عصَى بترك ما أُمِرَ به من السجود ؛ فذُمَّ ولُعِنَ ، وابنُ آدم أطاعَ بفعله ؛ فمُدِحَ وأُثِيبَ بالجنَّة ؛ فلو تَرَكَهُ ، لعصى ؛ إذ السجودُ نوعٌ واحد ، فلزم من ذلك كونُ السجود واجبًا.
والجوابُ : أنَّ ذمَّ إبليس ولَعْنَهُ لم يكنْ لأجلِ تَرْكِ السجود فقطْ ، بل لترك السجود عُتُوًّا على الله &(1/179)&$(1/179)
تعالى ، وكِبْرًا ، وتسفيهًا لأمره تعالى ، وبذلك كفَرَ ، لا بترك العملِ بمطلق السجود ؛ أَلاَ ترى قوله تعالى مُخبِرًا عنه بذلك حين قال : {أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} ، و{قَالَ لَمْ أَكُنْ لأَِسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ *} ، وقال : {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}.
سلَّمنا : أنَّه ذُمَّ على ترك السجود ، لكنْ لا نُسلِّمُ أنَّ السجودَ نوعٌ واحد ؛ فقد قال بعضُ المفسِّرين : إنَّ =(1/273)=@ السجود الذي أمَرَ اللهُ تعالى به الملائكةَ إنَّما كان طأطأةَ الرأسِ لآدمَ ـ عليه السلام ـ تحيَّةً له ، وسجودُ التلاوة وَضْعُ الجبهة بالأرض على كيفيَّة مخصوصة ، فافترَقَا.
سلَّمنا : أنَّه نوعٌ واحد ؛ لكنَّه منقسمٌ بالإضافة ، ومتغايرٌ بها ، فيصحُّ أن يُؤْمَرَ بأحدهما ويُنْهَى عن الآخر ؛ كما يؤمَرُ بالسجود لله تعالى ويُنْهَى عن السجود للصنم ؛ فما أُمِرَ به الملائكةُ من السجود لآدم ـ عليه السلام ـ محرَّمٌ على ذُرِّيَّته ، كما قد حُرِّمَ ذلك علينا ؛ فكيف يُسْتَدَلُّ بوجوبِ أحدهما على وجوبِ الآخر ؟! وسيأتي القولُ في سجود القرآن في بابِهِ ، إنْ شاء الله تعالى.
وبكاءُ إبليسَ المذكورُ في الحديث : ليس ندمًا على معصيتِهِ ، ولا رجوعًا عنها ، وإنَّما ذلك لفرطِ حَسَده وغيظِهِ وألمِهِ بما أصابه مِنْ دخولِ أحدٍ من ذُرِّيَّةِ آدم ـ عليه السلام ـ الجنَّةَ ونجاتِهِ ، وذلك نحوٌ مِمَّا يعتريه عند الأذانِ ، والإقامةِ ويومِ عرفة ؛ على ما يأتي إنْ شاء الله تعالى.
وقوله : يَا وَيْلَتَا : الويلُ : الهلاك ، وويلٌ : كلمةٌ تقال لمن وقَعَ في هلكة ، والألف في يا ويلتا : للندبةِ والتفجُّع . =(1/274)=@ &(1/180)&$(1/180)
بَابٌ الإِيمَانُ بِاللهِ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : الإِْيمَانُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ، قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ ، قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : حَجٌّ مَبْرُورٌ .
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : الإِيمَانُ بِاللهِ ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ ، قَالَ : قُلْتُ : أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا ، وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا ، قَالَ : قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ ؟ قَالَ : تُعِينُ ضَايِعًا ، أَوْ تَصْنَعُ لأَِخْرَقَ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ ؟ قَالَ : تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ ؛ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ .
وَمِنْ بَابٍ الإِْيمَانُ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ
قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد سُئِلَ عن أفضلِ الأعمال : الإْيمَانُ بِاللهِ ، يدلُّ على أنَّ الإيمانَ من جملة الأعمالِ ، وداخلٌ فيها ، وهو إطلاقٌ صحيحٌ لغةً وشرعًا ؛ فإنَّه عملُ القلب وكسبه ، وقد بَيَّنَّا أنَّ الإيمانَ هو التصديقُ بالقلب ، وأنَّهُ منقسمٌ إلى ما يكونُ عن برهان ، وعن غير برهان.
ولا يُلْتَفَتُ لخلافِ مَنْ قال : إنَّ الإيمانَ لا يسمَّى عملاً ؛ لجهله بما ذكرناه.
ولا يخفَى أنَّ الإيمانَ بالله تعالى أفضلُ الأعمال كلِّها ؛ لأنَّه متقدِّمٌ عليها ، وشرطٌ في صحَّتها ، ولأنَّه من الصفات المتعلِّقة ، وشرفُهَا بحسب متعلَّقاتها ، ومتعلَّقُ الإيمانِ : هو الله تعالى ، وكتبُهُ ، ورسلُهُ ، ولا أشرَفَ من ذلك ؛ فلا أشرَفَ في الأعمال من الإيمان ، ولا أفضَلَ منه.
وقوله : ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ ، ظاهرُ هذا الحديثِ : أنَّ الجهاد أفضلُ من سائر الأعمال بعد الإيمان ، وظاهرُ حديثِ أبي ذَرٍّ ـ رضى الله عنه ـ أنَّ الجهادَ مساوٍ للإيمان في الفضل ، وظاهرُ حديثِ ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ : يخالفهما ؛ لأنَّه أخَّر الجهادَ عن الصلاةِ ، وعن بِرِّ الوالدَيْن ، وليس هذا أحوالِ ؛ لأنَّه إنَّما اختلفَتْ أجوبتُهُ لاختلاف أحوالِ السائلين ، وذلك أنَّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يجيبُ كلَّ سائلٍ بالأفضل في حقِّه ، وبالمتأكِّد =(1/275)=@ في وقته :
فمن كان متأهِّلاً للجهاد ، وذا غَنَاءٍ فيه ، كان الجهادُ في حقِّه أفضلَ مِنَ الصلاةِ وغيرها ، وقد يكونُ هذا الصالِحُ للجهاد له أبوانِ يحتاجان إلى &(1/181)&$(1/181)
قيامِهِ عليهما ، ولو تركهما لضاعا ؛ فيكونُ بِرُّ الوالدَيْنِ في حقِّه أفضَلَ من الجهاد ، كما قد استأذن رجلٌ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجهادِ ، فقال : أَحَيٌّ وَالِدَاكَ ؟ ، قال : نعم ، قال : فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ ، ، ، وهكذا سائرُ الأعمال.
وقد يكونُ الجهادُ في بعضِ الأوقاتِ أفضلَ مِنْ سائر الأعمال ، وذلك في وقتِ استيلاءِ العَدُوِّ ، وغَلَبتِهِ على المسلمين ؛ كحالِ هذا الزمان ، فلا يخفَى على مَنْ له أدنى بصيرة : أنَّ الجهادَ اليومَ أوكَدُ الواجبات ، وأفضلُ الأعمال ؛ لما أصابَ المسلمين مِنْ قَهْرِ الأعداء ، وكثرةِ الاستيلاء ، شرقًا وغربًا ، - جَبَرَ اللهُ صَدْعنا وجدّد نصرنا - .
والحاصل من هذا البحث : أنَّ تلك الأفضليَّةَ تختلفُ بِحَسَبِ الأشخاصِ والأحوال ، ولا بُعْدَ في ذلك.
فأمَّا تفصيلُ هذه القواعد مِنْ حيثُ هي ، فعلى ما تقدَّم في حديثِ ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ الذي قال فيه : بُنِيَ الإسلامُ عَلَى خَمْسٍ ، والله أعلم.
و الحَجُّ المَبْرُورُ : هو الذي لا يخالطُهُ شيءٌ من المآثم ؛
قاله شَمِرٌ ، وقيل هو المقبول ، وذُكِرَ أنَّ رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قيل له : مَا بِرُّ الحَجِّ ؟ فَقَالَ : إِطْعَامُ الطَّعَامِ ، وَطِيبُ الكَلاَمِ .
ويقال : بُرَّ حَجُّكَ ، بضمِّ الباء مبنيًّا للمفعول ، وبَرَّ اللهُ حَجَّكَ ، بفتحها للفاعل. =(1/276)=@
وقوله : أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ ؟ ، أي : في العتق .
و أَنْفَسُهَا : أَغْبَطُها وأَرْفَعُها ، والمالُ النفيس : هو المرغوبُ فيه ، قاله الأصمعيُّ ، وأصله : من التنافُسِ في الشيء الرفيع .
وقوله : فَإنْ لَمْ أَفْعَلْ ، أي : إنْ لم أَقْدِرْ عليه ، ولا تيسَّرَ لي ؛ لأنَّ المعلوم من أحوالهم : أنَّهم لا يمتنعون من فِعْلِ مِثْلِ هذا إلاَّ إذا تعذَّر عليهم. &(1/182)&$(1/182)
وقوله : تُعِينُ ضَايِعًا ، الروايةُ المشهورة بالضاد المعجمة ، وبالياء باثنتَيْن مِنْ تحتها ، ورواه عبد الغافرِ الفارسيُّ : صَانِعًا بالصاد المهملة والنون ، وهو أحسَنُ ؛ لمقابلتِهِ لـ أخرق ، وهو الذي لا يُحْسِنُ العَمَلَ ؛ يقال : رجلٌ أخرَقُ ، وامرأةٌ خَرْقاء ، وهو ضدِّ الحاذق بالعمل ، فإنْ كان صانعًا حاذقًا ، قيل : رجلٌ صَنَعٌ ، وامرأةٌ صَنَاعٌ ، بألفٍ بعد النون ؛ قال أبو ذُؤَيْب في المذكَّر :
وَعَلَيْهِمَا مَسْرُوِدَتَانِ قَضَاهُمَا
دَاوُدُ أَوْ صَنَعُ السَّوَابِغِ تُبَّعُ
وقال آخر في المؤنّث :
صَنَاعٌ بِإِشْفَاهَا حَصَانٌ بِشَكْرِهَا
جَوَادٌ بِقُوتِ البَطْنِ وَالعِرْقُ زَاخِرُ
والشَّكْر بفتح الشين : الفَرْج ، وبضمِّها : الثناءُ بالمعروف كما تقدم. =(1/277)=@
وقوله : تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ ؛ دليلٌ على أنَّ الكَفَّ فعلٌ للإنسان ، داخلٌ تحت كسبه يؤجَرُ عليه ، ويعاقَبُ على تركه ؛ خلافًا لبعض الأصوليِّين القائلِ : "إنَّ الترك نَفْيٌ محضٌ لا يدخُلُ تحتَ التكليف ولا الكَسْب" ؛ وهو قولٌ باطل بما ذكرناه هنا ، وبما بسطناه في "الأصول" ؛ غيرَ أنَّ الثواب لا يحصُلُ على الكَفِّ إلاَّ مع النيَّاتِ والقصود ، وأمَّا مع الغفلة والذهول، فلا ، والله تعالى أعلم. &(1/183)&$(1/183)
بَابٌ َأيُّ الأَعْمَالِ بَعْدَ الإِْيمَانِ أَفْضَلُ؟
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا ، قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ، قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ ، فَمَا تَرَكْتُ أَسْتَزِيدُهُ إِلاَّ إِرْعَاءً عَلَيْهِ ، وَفِي رِوَايَةٍ : الصَّلاَةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا .
[ وَمِنْ بَابٍ أيُّ الأَعْمَالِ بَعْدَ الإِيمَانِ أَفْضَلُ ؟ ]
قوله : الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا ، هذه اللامُ للتأقيت ؛ كما قال تعالى : {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} ، {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي} ، أي : عند =(1/278)=@ ذلك ؛ كما قال في الرواية الأخرى : الصَّلاَةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا .
وقد روى الدَّارَقُطْنِيُّ هذا الحديثَ من طرق صحيحة وقال : الصَّلاَةُ لأَِوَّلِ وَقْتِهَا ، وهو ظاهرٌ في أنَّ أوائلَ أوقاتِ الصلوات أفضلُ ؛ كما ذهب إليه الشافعيُّ ، وعند مالك تفصيلٌ يأتي في الأوقات ، إن شاء الله تعالى.
وقوله : وَبِرُّ الوَالِدَيْنِ : هو القيامُ بحقوقهما ، والتزامُ طاعتهما ، والرفقُ بهما ، والتذلُّلُ لهما ، ومراعاةُ الأدبِ معهما في حياتهما ، والترحُّمُ عليهما ، والاستغفارُ لهما بعد موتهما ، وإيصالُ ما أمكنَهُ من الخير والأَجْرِ لهما.
وقوله : مَا تَرَكْتُ أَسْتَزِيدُهُ إِلاَّ إِرْعَاءً عَلَيْهِ ، أي : إلاَّ إبقاءً عليه ؛ لئلا أُحْرِجَهُ ، وأنتقصَ مِنْ حرمته ؛ قال صاحب "الأفعال" : "الإرعاءُ : الإبقاء على الإنسان".
وفيه من الفقه : احترامُ العالِمِ والفاضِلِ ، ورعايةُ الأدبِ معه وإنْ وَثِقَ بِحِلْمه وصَفْحه. =(1/279)=@ &(1/184)&$(1/184)
بَابُ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ ، وَذِكْرِ الكَبَائِرِ
عَنْ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ ؟ قَالَ : أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ ، قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ ؛ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ ، قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَصْدِيقَهَا : {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا *}.
وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فَقَالَ : أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ؟ ثَلاَثًا : الإِْشْرَاكُ بِاللهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ ، أَوْ : قَوْلُ الزُّورِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ مُتَّكِئًا ، فَجَلَسَ ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا : لَيْتَهُ سَكَتَ!.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ : اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ، قِيلَ : يَارَسُولَ اللهِ ، وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : الشِّرْكُ بِاللهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ : إِنَّ مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمَ الرَّجُلِ وَالِدَيْه ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟! قَالَ : نَعَمْ! يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ ؛ فَيَسُبُّ أَبَاهُ ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ ؛ فَيَسُبُّ أُمَّهُ .
وَمِنْ بَابٍ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ ، وَذِكْرِ الكَبَائِرِ
قوله : أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ :
النِّدُّ : المِثْلُ ، وجمعه : أنداد ، وهذا نحوُ قوله تعالى : {فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ، ومعناه : أنَّ اتِّخَاذَ الإنسانِ إلهًا غيرَ خالقِهِ المُنْعِمِ عليه ، مع علمه بأنَّ ذلك المُتَّخَذَ ليس هو الذي خلقَهُ ، ولا الذي أنعَمَ عليه - : مِنْ أقْبَحِ القبائح ، وأعظمِ الجهالات ؛ وعلى هذا فذلك أكبَرُ الكبائر ، وأعظَمُ العظائم.
وقوله : أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ ؛ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ ، هذا مِنْ أعظمِ الذنوب ؛ لأنَّه قتلُ نفسٍ محرَّمةٍ شرعًا ، محبوبةٍ طبعًا ، مرحومةٍ عادةً ؛ فإذا قتلها أبوها ، كان ذلك دليلاً على غلبةِ الجَهْلِ والبُخْل ، وغِلَظِ الطبعِ والقسوة ، وأنَّه قد انتهَى من ذلك كلِّه إلى الغاية القُصْوَى.
وهذا نحوُ قوله تعالى : {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ} ، أي : فقرٍ ، وهذا خطابٌ لمن كان فقره حاصلاً في الحال ، فيخفّف عنه بقتلِ ولدِهِ مؤنتُهُ مِنْ طعامه ولوازمه ، وهذه الآية بخلافِ الآية الأخرى التي قال فيها : {خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ} ؛ فإنَّه خطابٌ لمن كان واجدًا لما يُنْفِقُ عليه في الحال ؛ غيرَ أنَّه كان يقتله مخافةَ الفقر في ثاني حال ، وكان بعضُ جفاةِ الأعرابِ وجُهَّالُهُمْ ربَّما يفعلون ذلك.
وقد قيل : إنَّ الأولاد في هاتَيْنِ الآيتَيْنِ هم البنات ، كانوا يدفنونهنَّ أحياءً ؛ أَنَفَةً وكبْرًا ، ومخافةَ العَيْلَةِ والمَعَرَّة ، وهي الموءودةُ =(1/280)=@ التي ذكرها الله تعالى بقوله : {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ *بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ *}.
والحاصلُ : أنَّ أهلَ الجاهليَّةِ كانوا يصنعونَ كلَّ ذلك ؛ فنهى الله تعالى عن ذلك ، وعظَّم الإثمَ فيه والمعاقَبَةَ عليه ، وأخبَرَ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنَّ ذلك مِنْ أعظمِ الكبائر. &(1/185)&$(1/185)
وقوله : وَأَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ :
الحَلِيلَةُ ، بالحاء المهملة : هي التي يَحِلُّ وطؤها بالنكاح أو التسرِّي.
و الجار : المُجَاوِرُ في المسكن ، والداخلُ في جوار العهد.
و تُزَانِي : تحاولُ الزِّنَى ، يقال : المرأةُ تزاني مُزَانَاةً وزِنَاءً.
والزِّنَى - وإنْ كان من الكبائرِ والفواحش - لكنَّه بحليلة الجارِ أفحشُ وأقبح ؛ لما ينضمُّ إليه من خيانةِ الجار ، وهَتْكِ ما عظَّم الله تعالى ورسولُهُ مِنْ حرمته ، وشِدَّةِ قبح ذلك شرعًا وعادة ؛ فلقد كانتِ الجاهليةُ يتمدَّحون بصون حريمِ الجارْ ، ويَغُضُّون دونهم الأبصارْ ؛ كما قال عنترة :
وَأَغُضُّ طَرْفِي مَا بَدَتْ لِي جَارَتِي
حَتَّى يُوَارِيْ جَارَتِي مَأْوَاهَا
وقوله : فَأَنْزَلَ اللهُ تَصْدِيقَهَا : {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ...} الآية ؛ ظاهِرُ هذا : أنَّ هذه الآيةَ نزلَتْ بسببِ هذا الذنبِ الذي ذكرَهُ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وليس كذلك ؛ لأنَّ الترمذيَّ قد روى هذا الحديثَ ، وقال فيه : وتلا النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذه الآيةَ : {وَالَّذِينَ لاَ =(1/281)=@ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ...} الآيةَ ، بدَلَ : فَأَنْزَلَ اللهُ... ، وظاهرُهُ : أنَّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قرأ بعد ذِكْرِ هذا الحديث ما كان قد أُنْزِلَ منها ، على أَنَّ الآيةَ قد تضمَّنَتْ ما ذكره في حديثِهِ بِحُكْمِ عمومها ، وسيأتي الكلامُ على هذه الآية في تفسيرِ "سُورَةِ الفرقان".
و عُقُوقُ الوَالِدَيْنِ : عصيانُهُمَا ، وقَطْعُ البِرِّ الواجبِ عنهما ، وأصلُ العَقِّ : الشقُّ والقطع ، ومنه قيل للذبيحة عن المولود : عَقِيقَةٌ ؛ لأنَّه يُشَقُّ حُلْقُومها ؛ قاله الهَرَوِيُّ وغيره.
و شَهَادَةُ الزُّورِ : هي الشهادةُ بالكذب والباطل ، وإنما كانتْ مِنْ أكبر الكبائر ؛ لأنها يتوصَّلُ بها إلى إتلاف النفوسِ والأموال ، وتحليلِ ما حرَّم الله تعالى ، وتحريمِ ما أَحَلَّ، &(1/186)&$(1/186)
فلا شيءَ من الكبائر أعظَمُ ضررًا ، ولا أكثَرُ فسادًا منها بعد الشرك ، والله تعالى أعلم.
وقوله : اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ ، أي : المُهْلِكات ، جمعُ مُوبِقَةٍ من =(1/282)=@ أَوْبَقَ ، وَوَابِقَةٌ : اسم فاعل من وَبَقَ يَبِقُ وُبُوقًا : إذا هلَكَ ، والمَوْبِقُ : مَفْعِلٌ منه ، كالمَوْعِد : مَفْعِلٌ من الوعد ؛ ومنه قوله تعالى : ، ، وفيه لغة ثانية : وَبِقَ ، بكسر الباء ، يَوْبَقُ بالفتح ، وَبَقًا ، ، وفيه ثالثة : وَبِقَ يَبِقُ بالكسر فيهما ، وأوْبَقَهُ : أهلكه.
وسمَّى هذه الكبائرَ مُوبِقَاتٍ ؛ لأنَّها تُهْلِكُ فَاعِلَهَا في الدنيا بما يترتَّب عليها من العقوبات ، وفي الآخرة مِنَ العذاب.
ولا شكَّ في أنَّ الكبائرَ أكثَرُ مِنْ هذه السبع ؛ بدليلِ الأحاديثِ المذكورة في هذا الباب وفي غيره ؛ ولذلك قال ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ حين سئل عن الكبائر ، فقال : "هي إلى السبعينَ أقرَبُ منها إلى السبع" ، وفي رواية عنه : "هي إلى سبعمائةٍ أقرَبُ منها إلى سبع".
وعلى هذا : فاقتصارُهُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ على هذه السبعِ في هذا الحديث :
يَحْتملُ : أن تكونَ لأنَّها هي التي أُعْلِمَ بها في ذلك الوقت بالوحي ، ثُمَّ بعد ذلك أُعْلِمَ بغيرها.
ويَحْتملُ : أن يكون ذلك ؛ لأنَّ تلك السبع هي التي دعت الحاجةُ إليها في ذلك الوقت ، أو التي سُئِلَ عنها في ذلك الوقت ؛ وكذلك القولُ في كُلِّ حديثٍ خَصَّ عددًا من الكبائر ، والله تعالى أعلم.
وقد اختلفَ العلماءُ قديمًا وحديثًا في الكبائر ما هي ؟ وفي الفرق بينها وبين الصغائر :
فرُوِيَ عن ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ : أنَّ الكبائر : جميعُ ما نهى الله تعالى عنه من أوَّلِ سورةِ النساء إلى قوله : {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ...} الآية.
وعن الحسن : أنَّها كُلُّ ذنبٍ ختمه اللهُ تعالى بنارٍ أو غضبٍ أو لعنةٍ أو عذاب.
وقيل : هي &(1/187)&$(1/187)
كلُّ ما أوعَدَ اللهُ عليه بنارٍ ، أو بِحَدٍّ في الدنيا.
وروي عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : أنَّها كُلُّ ما نَهَى الله تعالى عنه. =(1/283)=@
قال الشيخ ـ رحمه الله ـ : وما أظنُّه صحيحًا عنه ؛ لأنَّه مخالفٌ لما في كتابِ الله تعالى من التفرقةِ بين المنهيَّاتِ ، فإنَّه قد فرَّق بينها في قوله تعالى : {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} ، وقولِهِ : {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِْثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ} ؛ فجعَلَ من المنهيَّات : كبائِرَ وصغائر ، وفرَّق بينهما في الحُكْمِ لمَاَّ جعَلَ تكفيرَ السيئاتِ في الآيةِ مشروطًا باجتنابِ الكبائر ، واستثنى اللَّمَمَ مِنَ الكبائرِ والفواحشِ ؛ فكيف يَخْفَى هذا الفَرْقُ على مثل ابن عباس وهو حَبْرُ القرآن؟! فتلك الروايةُ عن ابن عباس ضعيفةٌ ، أو لا تصحُّ ، وكذلك أكثَرُ ما روي عنه ؛ فقد كذَبَ الناسُ عليه كثيرًا.
قال الشيخ ـ رحمه الله ـ : والصحيحُ إنْ شاء الله تعالى : أنَّ كلَّ ذنب أطلَقَ الشرعُ عليه أنَّهُ كبيرٌ ، أو عظيمٌ ، أو أخبَرَ بشدَّةِ العقابِ عليه ، أو علَّق عليه حَدًّا ، أو شَدَّدَ النكيرَ عليه وغلَّظه ، وشَهِدَ بذلك كتابُ اللهِ أو سنةٌ أو إجماعٌ - : فهو كبيرة.
والنظَرُ في أعيانِ الذنوب نظَرٌ طويلٌ لا يليق بهذا الكتاب ، وسيأتي القولُ في السحر ، إن شاء الله تعالى.
و الزَّحْفُ : القتال ، وأصله : المشي المتثاقل ؛ كالصَّبِيِّ يَزْحَفُ قبل أن يمشي ، والبعيرِ إذا أعيا ؛ فَجَرَّ رَسَنَهُ ، وقد سُمِّيَ الجيشُ بالزَّحْف ؛ لأنَّه يُزْحَفُ فيه.
والتَّوَلِّي عن القتال : إنما يكون كبيرةً إذا فَرَّ إلى غير فئة ، وإذا كان العدوُّ ضِعْفَيِ المسلمين ؛ على ما يأتي في الجهاد إن شاء الله تعالى.
و قَذْفُ المُحْصَنَاتِ : رَمْيُهُنَّ بالزنى ، والإحصانُ هنا : العِفَّةُ عن الفواحش، &(1/188)&$(1/188)
وسيأتي ذكرُهُ إنْ شاء الله تعالى.
و الغَافِلاَتُ ، يعني : عمَّا رُمِينَ به مِنَ الفاحشة ، أي : هنَّ بريئات من ذلك ، لا خبَرَ عندهنَّ منه ، وسيأتي القولُ في الزنى. =(1/284)=@
وقوله : إِنَّ مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمَ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ ، يعني : مِنْ أكبرِ الكبائر ؛ لأنَّ شتم المسلمِ الذي ليس بِأَبٍ كبيرةٌ ، فشتمُ الآباءِ أكبَرُ منه.
وقوله : وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟! استفهامُ إنكارٍ واستبعادٍ لوقوع ذلك مِنْ أحدٍ من الناس ، وهو دليلٌ على ما كانوا عليه من المبالغة في بِرِّ الوالدين ، ومِن الملازمةِ لمكارمِ الأخلاق والآداب.
وقوله : يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ ؛ فَيَسُبُّ أَبَاهُ ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ ؛ فَيَسُبُّ أُمَّهُ ، دليلٌ على أنَّ سبب الشيء قد ينزله الشرعُ منزلةَ الشيء في المَنْع ؛ فيكونُ حُجَّةً لمن منَعَ بيعَ العنبِ ممَّن يعصره خمرًا ، ومنَعَ بيعَ ثيابِ الحرير ممَّن يلبسها ، وهي لا تَحِلُّ له ، وهو أحدُ القولَيْن لنا.
وفيه : حُجَّةٌ لمالكٍ على القولِ بِسَدِّ الذرائع ، وهو مِنْ نحو قوله تعالى : {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} ، والذريعةُ : هي الامتناعُ مما ليس ممنوعًا في نفسه ؛ مخافةَ الوقوعِ في محظورٍ ؛ على ما بيَّنَّاه في "الأصول". =(1/285)=@
بَابٌ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ كِبْرٌ
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، قَالَ : لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ، فقَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً ؟ قَالَ : إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ؛ الْكِبْرُ : بَطَرُ الْحَقِّ ، وَغَمْطُ النَّاسِ ، وَفِي رِوَايَةٍ : لاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ ، وَلاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ .
وَعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : أَتَى النَّبِيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا الْمُوجِبَتَانِ ؟ قَالَ : مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ .
وَمِنْ بَابٍ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ كِبْرٌ
الكِبْرُ وَ الكِبْرِيَاء في اللغة : هو العظمة ، يقال منه : كَبُرَ الشيءُ ، بضمِّ الباء، &(1/189)&$(1/189)
أي : عَظُمَ ، فهو كبيرٌ وكُبَار ، فإذا أفرَطَ قيل : كُبَّار ، بالتشديد ؛ وعلى هذا يكونُ الكِبْرُ والعظمةُ اسمَيْن لمسمًّى واحد.
وقد جاء في الحديث ما يُشْعِر بالفرق بينهما ؛ وذلك أنَّ الله تعالى قال : الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي ، والْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا ، قَصَمْتُهُ ؛ فقد فرَّق بينهما بأنْ عبَّر عن أحدهما بالرداء ، وعن الآخر بالإزار ، وهما مختلفان ، ويَدُلُّ أيضًا على ذلك : قوله تعالى : فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا ؛ إذ لو كانا واحدًا ، لقال : فمَنْ نازعنيه .
فالصحيحُ إِذَنِ الفرقُ ، ووجهُهُ : أنَّ الكِبْرِيَاءَ : يستدعي متكبَّرًا عليه ؛ ولذلك لمَّا فسَّر الكِبْرَ ، قال : الْكِبْرُ : بَطَرُ الحَقِّ ، وَغَمْطُ النَّاسِ ، وهو احتقارُهُمْ ، فذكَرَ المتكبَّرَ عليه ، وهو الحقُّ أو الخَلْقُ ، والعَظَمَةُ : لا تقتضي ذلك.
فالمتكبِّرُ مُلاَحِظٌ ترفيعَ نفسِهِ على غيره بسببِ مزيَّةِ كمالها فيما يراه ، والمعظِّمُ مُلاَحِظٌ كمالَ نفسه مِنْ غير ترفيعٍ لها على غيره ، وهذا التعظيمُ هو المعبَّرُ عنه بالعُجْبِ في حقِّنا إذا انْضَاف إليه نِسْيانُ مِنَّةِ الله تعالى علينا فيما خصَّنا به مِنْ ذلك الكمال.
و إذا تقرَّر هذا : فالكِبْرِيَاءُ والعَظَمَةُ مِنْ أوصافِ كمالِ الله تعالى =(1/286)=@ واجبان له ؛ إذْ ليس أوصافُ كمالِ الله تعالى وجلالُهُ مُستفادةً مِنْ غيره ، بل هي واجبة له لذواتها ، بحيثُ لا يجوزُ عليها العدَمُ ولا النقص ، ولا يجوزُ عليه تعالى نقيضُ شيءٍ من ذلك ، وكمالُهُ وجلالُهُ حقيقةٌ له ؛ بخلاف كمالنا ، فإنَّه مستفادٌ مِنَ الله تعالى ، ويجوزُ عليه العدَمُ وطروءُ النقيضِ والنقصِ.
وإذا كان هذا ، فالتكبُّرُ والتعاظُمُ خُرْقٌ مِنَّا ، ومستحيلٌ في حقِّنا ؛ ولذلك حرَّمهما الشرع ، وجعلهما من الكبائر ؛ لأنَّ مَنْ لاحظَ كمالَ نفسه ناسيًا مِنَّةَ الله تعالى فيما خصَّه به ، كان جاهلاً بنفسه وبربِّه ، مغترًّا بما لا أصلَ له ، وهي صفةُ إبليسَ الحاملةُ له على قوله : {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} ، وصفةُ فرعونَ الحاملةُ له على قوله : {أَنَا رَبُّكُمُ الأَْعْلَى} ، ولا أقبَحَ ممَّا صارا إليه ؛ فلا جَرَمَ كان فرعونُ وإبليسُ أَشَدَّ أهلِ النار عذابًا ؛ نعوذ بالله من الكِبْرِ والكفر. &(1/190)&$(1/190)
وأمَّا مَنْ لاحظ مِنْ نفسه كمالاً ، وكان ذاكرًا فيه مِنَّةَ الله تعالى عليه به ، وأنَّ ذلك مِن تفضُّله تعالى ولطفه ، فليس مِنَ الكِبْرِ المذمومِ في شيء ، ولا مِنَ التعاظُمِ المذموم ، بل هو اعترافٌ بالنعمة ، وشُكْرٌ على المِنَّة.
والتحقيقُ في هذا : أنَّ الخَلْقَ كلَّهم قوالبُ وأشباح ، تجري عليهم أحكامُ القُدْرة ؛ فمَنْ خصَّه الله تعالى بكمالٍ ، فذلك الكمالُ يرجعُ للمكمِّلِ الجاعل ، لا للقالَبِ القابل.
ومع ذلك : فقد كمَّل الله تعالى الكمالَ بالثناءِ والجزاءِ عليه ؛ كما قد نقَصَ النقصَ بالذمِّ والعقوبةِ عليه ، فهو المُعْطِي والمُثْنِي ، والمُبْلِي والمعافي ؛ كيف لا وقد قال العليُّ الأعلى : أَنَا اللهُ خَالِقُ الخَيْرِ وَالشَّرِّ ؛ فَطُوبَى لِمَنْ خَلَقْتُهُ لِلْخَيْرِ وَقَدَرْتُهُ عَلَيْهِ ، وَالْوَيْلُ لِمَنْ خَلَقْتُهُ لِلشَّرِّ وَقَدَرْتُهُ عَلَيْهِ ؛ فلا حِيلَةَ بعمل مع قهر ؛ {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ *}. =(1/287)=@
ولمَّا تقرَّر أنَّ الكِبْرَ يستدعي متكبَّرًا عليه ، فالمتكبَّرُ عليه :
إنْ كان هو اللهَ تعالى ، أو رُسُلَهُ ، أو الحَقَّ الذي جاءتْ به رسلُهُ : فذلك الكِبْرُ كُفْر.
وإن كان غَيْرَ ذلك : فذلك الكِبْرُ معصيةٌ وكبيرة ، يُخَافُ على المتلبِّس بها المُصِرِّ عليها أنْ تُفْضِيَ به إلى الكُفْر ، فلا يدخُلُ الجنَّة أبدًا.
فإن سَلِمَ مِنْ ذلك ، ونفَذَ عليه الوعيد ، عوقبَ بالإذلالِ والصَّغَارْ ، أو بما شاء اللهُ مِنْ عذابِ النارْ ، حتَّى لا يبقى في قلبه مِنْ ذلك الكِبْرِ مثقالُ ذَرَّه ، وخَلُصَ من خَبَثِ كِبْره حتى يصيرَ كالذَّرَّهِ ؛ فحينئذ يتداركُهُ الله تعالى برحمتِهْ ، ويخلِّصُهُ بإيمانِهِ وبركتِهْ.
وقد نصَّ على هذا المعنى النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المحبوسين على الصِّرَاط لما قال : حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا ، أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الجَنَّةِ ، والله تعالى أعلم.
وقوله : إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ : الجمالُ لغةً : هو الحُسْنُ ؛ يقال: &(1/191)&$(1/191)
جَمُلَ الرجلُ يَجْمُلُ ، بالضمِّ ، جَمَالاً ؛ فهو جميلٌ ، والمرأةُ جميلة ، ويقال : جَمْلاَءُ ؛ عن الكِسائيِّ.
وهذا الحديثُ يدلُّ على أنَّ الجميل مِنْ أسماء الله تعالى ، وقال بذلك جماعةٌ من أهل العلم ، إلاَّ أنَّهم اختلفوا في معناه :
فقيل : معناه معنى الجليل ؛ قاله القشيريُّ.
وقيل : معناه ذو النُّورِ والبهجة ، أي : مالكُهُمَا ؛ قاله الخَطَّابيّ.
وقيل : جميلُ الأفعالِ بكُمْ والنظرِ إليكم ؛ فهو يُحِبُّ التجمُّلَ منكم في قلَّةِ إظهارِ الحاجة إلى غيره ؛ قاله الصَّيْرَفيُّ.
وقيل : الجميلُ : المنزَّهُ عن النقائص ، الموصوفُ بصفاتِ الكمال ، الآمِرُ بالتجمُّلِ له بنظافةِ الثياب والأبدان ، والنزاهةِ عن الرذائلِ والطغيان ، وسيأتي القولُ في أسماء الله تعالى.
و بَطَرُ الحقِّ : إبطالُهُ ؛ من قول العرب : ذهَبَ دمُهُ بِطْرًا أَوْ بِضْرًا ، أي : باطلاً ، =(1/288)=@ وقال الأصمعيُّ : البَطَرُ : الحَيْرة ، أي : يتحيَّرُ عند الحقِّ ؛ فلا يراه حَقًّا.
و غَمْطُ النَّاسِ : احتقارُهُمْ واستصغارهم ؛ لما يرى مِنْ رِفْعته عليهم ، وهو بالغين المعجمة والطاء المهملة.
ويُرْوَى : غَمْص بالصاد المهملة في "كتاب الترمذي" ، ومعناهما واحد ؛ يقال : غَمَطَ الناسَ وغَمَصَهُمْ : إذا احتقرهم.
و المِثْقَالُ : مِفعالٌ من الثِّقَلِ ، ومِثقالُ الشيء : وزنه ، يقال : هذا على مِثْقَالِ هذا ، أي : على وزنه.
والمرادُ بـ الإيمان في هذا الحديث : التصديقُ القلبيُّ المذكورُ في حديث جبريل ـ عليه السلام ـ ، ويُستفادُ منه : أنَّ التصديق القلبيَّ على مراتب ، ويزيدُ وينقصُ ؛ على ما يأتي في "حديث الشفاعة" إن شاء الله تعالى.
وهذه النارُ المذكورةُ هنا : هي النارُ المُعَدَّةُ للكفَّارِ التي لا يُخْرَجُ منها مَنْ دخلها ؛ لأنَّه قد جاء في أحاديثِ الشفاعةِ المذكورةِ بعد هذا أنَّ خَلْقًا كثيرًا ممَّن في قلبه ذَرَّاتٌ كثيرةٌ من الإيمانِ يدخلون النار ، ثُمَّ يُخْرَجون منها بالشفاعة أو بالقَبْضة ؛ على ما يأتي.
ووجهُ التلفيق : أنَّ النارَ دَرَكَاتٌ ؛ كما قال الله تعالى: &(1/192)&$(1/192)
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَْسْفَلِ مِنَ النَّارِ} ، وأهلُهَا في العذاب على مراتبَ ودَرَكاتٍ ؛ كما قال الله تعالى : {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} ، وقال : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَْسْفَلِ مِنَ النَّارِ} ، ، وأنَّ نارَ مَنْ يعذَّبُ من الموحِّدين أخفُّها عذابًا ، وأقرَبُهَا خروجًا ؛ فمَنْ أُدْخِلَ النارَ من الموحِّدين ، لم يُدْخَلْ نار الكفَّار ، بل نارًا أخرى يموتون فيها ، ثُمَّ يُخْرَجون منها ؛ كما جاء في الأحاديث الصحيحة الآتية بعد هذا ، إن شاء الله تعالى. =(1/289)=@
وقوله : ما المُوجِبَتَانِ ؟ سؤالُ مَنْ سمعهما ولم يدر ما هما ، فأجابَهُ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنَّهما : الإيمانُ ، والشِّرْك ، وسُمِّيَا بذلك ؛ لأنَّ الله تعالى أوجَبَ عليهما ما ذكره مِنَ الخلودِ في الجنة أو في النار.
وقوله : مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا ، دَخَلَ الجَنَّةَ ، أي : من لم يتخذْ معه شريكًا في الإلهية ، ولا في الخَلْقِ ، ولا في العبادة.
ومن المعلومِ مِنَ الشَّرْعِ المجمَعِ عليه مِنْ أهل السنَّهْ : أنَّ مَنْ مات على ذلك فلا بدَّ له من دخول الجنَّهْ ، وإنْ جرَتْ عليه قبل ذلك أنواعٌ من العذاب والمحنَهْ ، وأنَّ مَنْ مات على الشرك لا يدخُلُ الجَنَّهْ ، ولا يناله من الله تعالى رَحْمَهْ ، ويخلُدُ في النارِ أبدَ الآبادْ ، مِنْ غيرِ انقطاعِ عذابٍ ولا انصرامِ آمادْ ، وهذا معلومٌ ضروريٌّ من الدِّينْ ، مجمَعٌ عليه بين المسلمينْ.
وأما قولُ ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ المذكورُ في أصلِ "كتاب مسلم" - وهو قوله : قُلْتُ أَنَا : وَمَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا ، دَخَلَ الجَنَّةَ - فيعني بذلك : أنه لم يسمعْ هذا اللفظَ من النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ نصًّا ، وإنما استنبطَهُ استنباطًا من الشريعة ؛ فإمَّا مِنْ دليلِ خطابِ قولِهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا ، دَخَلَ النَّارَ ، أو مِنْ ضرورةِ انحصار الجزاءِ في الجنة والنار ، أو مِنْ غير ذلك.
وعلى الجملة : فهذا الذي لم يسمعه ابنُ مسعودٍ من النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو حقٌّ في نفسه ، وقد رواه جابرٌ في هذا الحديث من قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ ولذلك اكتفينا به في "المختصَرِ" عن نقل قولِ ابن مسعود. =(1/290)=@ &(1/193)&$(1/193)
بَابٌ رُكُوبُ الكَبَائِرِ غَيْرُ مُخْرِجٍ المُؤْمِنَ مِنْ إِيمَانِهِ
عَنْ أَبي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ أَنَّهُ قَالَ : أَتَانِي جِبْرِيلُ ـ عليه السلام ـ ، فَبَشَّرَنِي : أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا ، دَخَلَ الْجَنَّةَ ، قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ : وَإِنْ زَنَى ، وَإِنْ سَرَقَ ، وَفِي رِوَايَةٍ : قَالَهَا ثَلاَثًا ، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ : عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : فَخَرَجَ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ يَقُولُ : وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ.
وَمِنْ بَابٍ رُكُوبُ الْكَبَائِرِ غَيْرُ مُخْرِجٍ المُؤْمنَ مِنْ إِيمَانِهِ
قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أَتَانِي جِبْرِيلُ ، فَبَشَّرَنِي : أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا ، دَخَلَ الجَنَّةَ ، يدلُّ على شِدَّةِ تَهمُّمِ النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأمرِ أُمَّته ، وتعلُّقِ قَلْبِهِ بما يُنْجِيهم ، وخوفِهِ عليهم ؛ ولذلك سكَّن جبريلُ ـ عليه السلام ـ قلبَهُ بهذه البشرَى.
وهذا نحوٌ مِنْ حديثِ عمرو بن العاصي ـ رضى الله عنه ـ الذي يأتي بعد هذا الذي قال فيه : إنَّ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ تلا قولَ إبراهيمَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، وقولَ عيسى ـ صلى الله عليه وسلم ـ : {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *} ، فرفَعَ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدَيْهِ وبكى ، وقال : يَا رَبِّ ، أُمَّتِي أُمَّتِي ، فنزَلَ عليه جبريلُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقال له مُخْبِرًا عن الله تعالى : إِنَّ اللهَ َسيُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلاَ يَسُوؤُكَ.
وهذا منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مُقْتَضَى ما جبله الله تعالى عليه من الخُلُقِ الكريمْ ، وأنَّه بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمْ.
وقوله : لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا ، معناه - بحكم أصلِ الوضعِ - : ألاَّ يَتَّخِذَ معه شريكًا في الإلهية ، ولا في الخَلْقِ ؛ كما قدَّمناه.
لكنَّ هذا القولَ قد صار بحكمِ العُرْف : عبارةً عن الإيمان الشرعي ؛ أَلاَ تَرَى أنَّ من وحَّد الله تعالى ولم يؤمنْ =(1/291)=@ بالنبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، لم ينفعْهُ إيمانُهُ بالله تعالى ولا توحيدُهُ ، وكان من الكافرين بالإجماعِ القطعيِّ.
وقوله : عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ ، رويناه بفتح الراء ، وهي إحدى لغاته ؛ فإنَّه يقال بفتحها وضَمِّها وكسرها ، وهو مصدرُ رَغِمَ ، بفتح الغين وكسرها ، وهو &(1/194)&$(1/194)
مأخوذٌ من الرَّغَامِ ، وهو التراب ، يقال : أرغَمَ اللهُ أنفه ، أي : أَلْصَقَهُ بالتراب ، ورَغِمَ أنفي لله ، أي : خضَعَ وذَلَّ ؛ فكأنَّه لَصِقَ بالتراب.
و المراغمةُ : المغاضبة ، والمُرَاغَمُ : المذهَبُ والمَهْرَب ، ومنه : {يَجِدْ فِي الأَْرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً}.
وإنما واجَهَ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبا ذَرٍّ ـ رضى الله عنه ـ بهذه الكلماتِ ؛ لِمَا فهم عنه من استبعادِهِ دخولَ مَنْ زنى وسرق الجَنَّةَ ، وكان وقَعَ له هذا الاستبعادُ لسببِ ظاهرِ قَوْلِ النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ... الحديثَ ، وما هو في معناه ، فردَّ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا الوَهْمَ وأنكره ، فكان هذا الحديثُ نَصًّا في الرَّدِّ على المُكَفِّرَةِ بالكبائر ؛ كما تقدَّم.
وخروجُ أبي ذَرٍّ قائلاً : وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ ، رجوعٌ منه عمَّا كان وقَعَ له من ذلك ، وانقيادٌ للحقِّ لمَّا تبيَّن له. =(1/292)=@
بَابٌ يُكْتَفَى بِظَاهِرِ الإِْسْلاَمِ ، وَلاَ يُنَقَّرُ عَمَّا فِي القُلُوبِ
عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ ؛ أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلاً مِنَ الْكُفَّارِ ، فَقَاتَلَنِي ، فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ، ثُمَّ لاَذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ ، فَقَالَ : أَسْلَمْتُ لِلّهِ ، أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ ، بَعْدَ أَنْ قَالَهَا ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ : لاَ تَقْتُلْهُ ، قَالَ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّهُ قَدْ قَطَعَ يَدِي ، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَطَعَهَا ، أَفَأَقْتُلُهُ ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ : لاَ تَقْتُلْهُ ؛ فَإِنْ قَتَلْتَهُ ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ ، وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ ، وَفِي رِوَايَةٍ : فَلَمَّا أَهْوَيْتُ لأَِقْتُلَهُ ، قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ.
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فِي سَرِيَّةٍ ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلاً ، فَقَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، فَطَعَنْتُهُ ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أَقَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَقَتَلْتَهُ؟! ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّمَا قَالَهَا ؛ خَوْفًا مِنَ السِّلاحِ ، قَالَ : أَفَلاَ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لاَ؟! فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ ، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ : فَقَالَ : وَلِمَ قَتَلْتَهُ ؟ فقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَوْجَعَ فِي الْمُسْلِمِينَ ، فَقَتَلَ فُلاَنًا وَفُلاَنًا - وَسَمَّى لَهُ نَفَرًا - وَإِنِّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ ، قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أَقَتَلْتَهُ؟! قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟! قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، اسْتَغْفِرْ لِي ، فقَالَ : فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟! ، قَالَ : فَجَعَلَ لاَ يَزِيدُهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ : كَيْفَ تَصْنَعُ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟! .
وَمِنْ بَابٍ يُكْتَفَى بِظَاهِرِ الإِْسْلاَمِ ، وَلاَ يُنَقَّرُ عَمَّا فِي القُلُوبِ
قوله : أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الكُفَّارِ ، فَقَاتَلَنِي ؟ ، دليلٌ على جوازِ السؤالِ عن أحكامِ النوازلِ قبل وقوعها.
وقد رُوِيَ عن بعضِ السلف : كراهيَةُ الكلامِ في &(1/195)&$(1/195)
النوازلِ قبل وقوعها ، وهذا إِنَّما يُحْمَلُ على ما إذا كانتْ تلك المسائلُ مما لا يقَعُ ، أو يقعُ نادرًا ، ، فأمَّا ما يتكرَّر من ذلك ، ويكثُرُ وقوعه : فيجبُ بيانُ أحكامِهَا على مَنْ كانتْ له أهليةُ ذلك ، إذا خِيفَ الشُّغُور عن المجتهدين والعلماءِ في الحالِ أو في الاستقبال ؛ كما قد اتَّفَقَ لأئمَّةِ المسلمين مِنَ السلف : لما توقَّعوا ذلكْ ، فرَّعوا الفروعَ ودوَّنوها وأجابوا عما سُئِلُوا عنه مِنْ ذلكْ ؛ حِرْصًا على إظهارِ الدِّينْ ، وتقريبًا على مَنْ تعذَّرَتْ عليه شروطُ الاجتهادِ مِنَ اللاحقينْ.
وقوله : لاَذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ ، أي : استتَرَ ؛ يقال : لاَذَ يَلُوذُ لِوَاذًا : إذا استتَرَ ، والمَلاَذُ : ما يُسْتَتَرُ به.
وقوله : أَسْلَمْتُ لِلّهِ ، أي : دخلْتُ في دينِ الإسلامِ ، وتَدَيَّنْتُ به.
وفيه : دليلٌ =(1/293)=@ على أَنَّ كلَّ مَنْ صدَرَ عنه أمرٌ مَّا يدُلُّ على الدخولِ في دينِ الإسلامِ مِنْ قولٍ أو فعل ، حُكِمَ له لذلك بالإسلام ، وأنَّ ذلك ليس مقصورًا على النطقِ بكلمتَيِ الشهادة.
وقد حكَمَ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بإسلامِ بني جَذِيمة الذين قتلهم خالدُ بنُ الوليد ، وهم يقولون : صَبَأْنَا صَبَأْنَا ، ولم يُحْسِنُوا أن يقولوا : أَسْلَمْنَا ، فلمَّا بلغ ذلك النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، قال : اللَّهُمَّ ، إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ ثلاثَ مرات ، رافعًا يدَيْهِ إلى السماء ، ثم وَدَاهُمْ.
على أنَّ قوله في هذه الرواية : أَسْلَمْتُ لِلّهِ يَحْتملُ أن يكونَ ذلك نقلاً بالمعنى ، فيكونُ بعض الرواة عبَّر عن قول : لا إله إلا الله بـ أَسْلَمْتُ ؛ كما قد جاء مفسَّرًا في رواية أخرى قال فيها : فَلَمَّا أَهْوَيْتُ لأَِقْتُلَهُ ، قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ .
و أَهْوَيْتُ : مِلْتُ لقتله ؛ قال الجوهريُّ : "أهوَى إليه بيده ليأخذه ، وقال الأصمعيُّ : أهوَيْتُ بالشيءِ : إذا أومأْتُ إليه ، ويقال : أهوَيْتُ له بالسيف ، ، فأمَّا هَوَى ، فمعناه : سقَطَ إلى أسفل ، ويقال : انهوى بمعناه ، فهو مُنْهَوٍ". &(1/196)&$(1/196)
وقوله : إِنْ قَتَلْتَهُ ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ ، يعني ، والله أعلم : أنَّه بمنزلتِكَ في عِصْمة الدم ؛ إذْ قد نطَقَ - بما يوجبُ عصمتَهُ - من كلمتَيِ الإسلام.
وقوله : وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ ، ظاهره : في الكفر ، وليس ذلك بصحيح ؛ لأنَّه إنَّما قتله متأوِّلاً أنَّه باقٍ على كفره ؛ فلا يكونُ قتلُهُ كبيرةً ؛ =(1/294)=@ وإذا لم يكنْ قتلُهُ كبيرةً ، لم يصحَّ لأحدٍ - وإنْ كان مكفِّرًا بالكبائر - أن يقول : "هذا كُفْرٌ" بوجه ؛ فدلَّ ذلك على أنَّه متأوِّل.
وقد اختُلِفَ في تأويله :
فقال أبو الحسنِ بنُ القَصَّار : هو مثلُهُ في كونِهِ غيرَ معصومِ الدمِ مُعَرَّضًا للقِصَاص.
قال الشيخ ـ رحمه الله ـ : وهذا ليس بشيء ؛ لانتفاء سَبَبِ القصاص ، وهو العَمْدُ العدوان ، وذلك منتفٍ هنا قطعًا ؛ لأنَّ المقدادَ تأوَّلَ ما تأوَّله أسامةُ بن زيد ـ رضى الله عنهما ـ : أنَّه قال ذلك خَوْفًا مِنَ السِّلاَحِ ؛ أَلاَ تَرَى قولَ المقداد : إِنَّهُ قَدْ قَطَعَ يَدِي ، ثُمَّ لاَذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ ، فَلَمَّا أَهْوَيْتُ لأَِقْتُلَهُ ، قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهْ .
غير أنَّ هذا التأويلَ لم يُسْقِطْ عنهما التوبيخَ والذم ، ولا يرفع المطالبةَ بذلك في الآخرة ؛ أَلاَ ترى قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأسامة : كَيْفَ تَصْنَعُ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ القِيَامَةِ؟! ، وكرَّر ذلك عليه ، ولم يَسْتغفِرْ له مع سؤالِ أسامةَ ذلك من النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وإنما لم يُسْقِطْ عنه التوبيخَ والتأثيمَ وإنْ كان متأوِّلاً ؛ لأنَّه أخطَأَ في تأويله ؛ وعلى هذا : فيمكنُ أن يحمل قوله : إِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ ، على أنَّه بمنزلتِهِ في استحقاقِ الذمِّ والتأثيم ، ويكونُ هذا هو التأويل الثاني فيه ، غير أنَّ الاستحقاقَ فيهما مختلفٌ ؛ فإنَّ استحقاقَ المقداد ـ رضى الله عنه ـ لذلك استحقاقُ مقصِّرٍ في اجتهاد مؤمن ، والآخَرُ استحقاقُهُ استحقاقُ كافر ، وإنما وقع التشبيهُ بينهما في مجرَّدِ الاستحقاقِ فقط ، والله أعلم.
التأويلُ الثالث : أنَّه بمنزلتِهِ في إخفاءِ الإيمان ، أي : لعلَّه ممن كان يخفي =(1/295)=@ إيمانَهُ بين الكفَّار ، فأُخْرِجَ مكرهًا كما كنتَ أنت بمكَّة ؛ إذْ كنتَ تُخْفِي إيمانك.
ويَعْتَضِدُ هذا التأويلُ : بما زاده البخاريُّ في هذا الحديث ، من حديث ابن عبَّاسٍ ـ رضى الله عنهما ـ ؛ أنّه &(1/197)&$(1/197)
ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال للمقداد : إِذَا كَانَ مُؤْمِنٌ يُخْفِي إِيمَانَهُ مَعَ قَوْمٍ كُفَّارٍ ، فَأَظْهَرَ إِيمَانَهُ فَقَتَلْتَهُ ؟ كذلك كُنْتَ تُخْفِي إيمانَكَ بمكة!!.
وقوله : فَصَبَّحْنَا الحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، رويناه بضم الراء وفتحها ، وهو موضعٌ معروفٌ من بلاد جُهَيْنَةَ ، سمِّي بجمع المؤنَّث السالم ؛ كعَرَفَات ، وأَذْرِعَات؟!.
وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأسامة ـ رضى الله عنه ـ : أَقَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَقَتَلْتَهُ؟! ، وتكرارُ ذلك القولِ عليه : إنكارٌ شديد ، وزجرٌ وكيد ، وإعراضٌ عن قبول عذر أسامة الذي أبداه بقوله : إِنَّمَا قَالَهَا ؛ خَوْفًا مِنَ السِّلاَحِ .
وقوله : أَفَلاَ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لاَ؟! ، أي : أقالها بقلبه ، وتكلَّمَ بها مع نفسه؟!.
ففيه : دليلٌ لأهل السنَّة على أنَّ في النَّفْسِ كلامًا وقَوْلاً ؛ فهو رَدٌّ على مَنْ أنكَرَ ذلك من المعتزلةِ وأهلِ البدع.
وفيه : دليلٌ على ترتيبِ الأحكامِ على الأسبابِ الظاهرة الجليَّة ، دون الباطنةِ الخفيَّة.
وقوله : فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ ، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ ، أي : كلمةَ =(1/296)=@ الإنكار ، وظاهرُ هذه الرواية : أنَّ الذي كُرِّرَ عليه إنَّما هو قولُهُ : أَفَلاَ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لاَ؟! ، وفي الرواية الأخرى أنَّ الذي كُرِّرَ عليه إنَّما هو قولُهُ : كَيْفَ تَصْنَعُ بلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ القِيَامَةِ؟! .
ووجهُ التلفيقِ بينهما : أن يكون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كرَّر الكلمتَيْن معًا ، غيرَ أنَّ بعضَ الرواةِ ذكَرَ إحدى الكلمتَيْن ، والآخَرُ ذكَرَ الأخرى. &(1/198)&$(1/198)
وقوله : كَيْفَ تَصْنَعُ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؟! ، أي: بماذا تحتجُّ إذا قيل لك : كيف قَتَلْتَ مَنْ قال : لا إله إلاَّ الله ، وقد حصلَتْ لدمِهِ حرمةُ الإسلام؟!.
وإنَّما تمنَّى أسامةُ أن يتأخَّر إسلامُهُ إلى يوم المعاتبة ؛ لِيَسْلَمَ من تلك الجناية السابقة ، وكأنَّه استصغَرَ ما كان منه مِنَ الإسلامِ والعملِ الصالح قبل ذلك ، في جَنْب ما ارتكَبَ من تلك الجناية ؛ لِمَا حصَلَ في نفسه من شدَّةِ إنكارِ النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ لذلك ، وعِظَمِهِ.
فإنْ قيل : "إذا استحال أن يكونَ قتلُ أسامةَ لذلك الرجلِ عمدًا ؛ لِمَا ذكرتم ، وثبَتَ أنَّه خطأ ، فلِمَ =(1/297)=@ لم يُلْزِمْهُ الكَفَّارةَ ، والعاقلةَ الديةَ؟" :
فالجوابُ : أنَّ ذلك مسكوتٌ عنه ، وغيرُ منقولٍ شيءٌ منه في الحديث ولا في شيءٍ من طرقه ؛ فيَحْتَمِلُ أن يكونَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حكَمَ بلزومِ ذلك على أسامةَ وعاقلتِهِ ولم يُنْقَلْ.
وفيه بعد ؛ إذْ لو وقَعَ شيءٌ من ذلك ، لَنُقِلَ في طريقٍ من الطرق ، مع أنَّ العادة تقتضي التحدُّثَ بذلك والإشاعةَ.
وَيَحْتملُ أن يقال : إنَّ ذلك كان قبل نزولِ حُكْمِ الكفَّارة والدية ، والله أعلم.
وقد أجاب أصحابنا عن عدمِ إلزامِ الدية بأجوبةٍ ، نذكُرُهَا على ضَعْفها :
أحدها : أنَّها لم تَلْزَمْهُ ولا عاقلتَهُ ؛ لأنَّه كان مأذونًا له في أصل القتال ؛ فلا يضمَنُ ما يكونُ عنه مِنْ إتلافِ نفسٍ أو مال ؛ كالخاتِنِ والطَّبِيب.
وثانيها : إنَّما لم يَلْزَمْهُ ذلك ؛ لأنَّ المقتولَ كان من العدوِّ وفيهم ، ولم يكنْ له وليٌّ من المسلمين يستحقّ ديته ، فلا تجبُ فيه ديةٌ ؛ كما قال الله تعالى : {فَإِنْ كَانَ} {مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} ، ولم يحكُمْ فيه بسوى الكفَّارة ؛ وهذا يتمشَّى على مذهب ابنِ عبَّاسٍ وجماعةٍ من أهل العلم في الآية.
وقد ذهب بعضهم : إلى أنَّ الآية فيمن كان أولياؤُهُ مُعَانِدين ، وقد ذُكِرَ عن مالك ، والمشهورُ عنه : أنها فيمَنْ لم يهاجِرْ من المسلمين ؛ لقوله تعالى : {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}. &(1/199)&$(1/199)
وثالثها : أنَّ أسامةَ اعترَفَ بالقتل ، ولم تَقُمْ بذلك بيِّنة ، ولا تَعْقِلُ العاقلةُ عمدًا ولا عبدًا ، ولا صُلْحًا ولا اعترافًا ، ولم يكنْ لأسامةَ مالٌ فتكونَ فيه الديةُ.
قال الشيخ : وهذه الأوجُهُ لا تسلَمُ من الاعتراض ، وتتبُّعُ ذلك يُخْرِجُ عن المقصود.
ولم أجدْ لأحدٍ من العلماء اعتذارًا عن سقوطِ إلزامِ الكفارة ؛ فالأَوْلى التمسُّكُ بالاحتمالَيْن المتقدِّمَيْن ، والله أعلم. =(1/298)=@
بَابٌ فِيمَنْ تَبَرَّأَ مِنْهُ النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ : مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ ، فَلَيْسَ مِنَّا .
وَفِي حَدِيثِ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِيهِ : مَنْ سَلَّ عَلَيْنَا السَّيْفَ ، فَلَيْسَ مِنَّا .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا ، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً ، فَقَالَ : مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ ؟ ، فقَالَ : أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ : أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ؟! مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي!! .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ ، أَوْ شَقَّ الْجُيُوبَ ، أَوْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ .
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ ، وَأَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى ، قَالاَ : أُغْمِيَ عَلَى أَبِي مُوسَى ، فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ أُمُّ عَبْدِ اللهِ تَصِيحُ بِرَنَّةٍ ، قَالاَ : ثُمَّ أَفَاقَ ، فَقَالَ : أَلَمْ تَعْلَمِي - وَكَانَ يُحَدِّثُهَا - أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ : أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ حَلَقَ وَسَلَقَ وَخَرَقَ .
وَمِنْ بَابِ مَنْ تَبَرَّأَ مِنْهُ النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ
قوله : مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ ، فَلَيْسَ مِنَّا ، أي : مَنْ حَمَلَ علينا بالسلاحِ مقاتلاً ؛ كما قال في الرواية الأخرى : مَنْ سَلَّ عَلَيْنَا السَّيْفَ ، فَلَيْسَ مِنَّا ، ويعني بذلك &(1/200)&$(1/200)
النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ نفسَهُ وغيرَهُ من المسلمين.
ولا شكَّ في كفرِ من حارب النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ وعلى هذا فيكونُ قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : فَلَيْسَ مِنَّا ، أي : ليس بمسلمٍ ، بل هو كافرٌ.
وأمَّا مَنْ حاربَ غيرَهُ مِنَ المسلمين متعمِّدًا مستَحِلاًّ مِنْ غير تأويل ، فهو أيضًا كافرٌ كالأول.
وأمَّا مَنْ لم يكنْ كذلك ، فهو صاحبُ كبيرةٍ ، إنْ لم يكنْ متأوِّلاً تأويلاً مسوَّغًا بوجه. =(1/299)=@
وقد تقدَّم أنَّ مذهبَ أهلِ الحقِّ : أنَّه لا يكفُرُ أحدٌ من المسلمين بارتكابِ كبيرةٍ ما عدا الشِّرْك ؛ وعلى هذا فيحمَلُ قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لَيْسَ مِنَّا في حقِّ مِثْلِ هذا على معنى : ليس على طريقتنا ، ولا على شريعتنا ؛ إذْ سُنَّةُ المسلمين وشريعتهم : التواصُلُ والتراحُم ، لا التقاطُعُ والتقاتل ؛ ويجري هذا المَجْرَى قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : مَنْ غَشَّنَا ، فَلَيْسَ مِنَّا ، ونظائرِهِ ، وتكونُ فائدتُهُ : الرَّدْعَ والزَّجْرَ عن الوقوع في مثل ذلك ؛ كما يقولُ الوالدُ لولدِهِ إذا سلَكَ غيرَ سبيله : "لَسْتُ مِنْكَ ، ولَسْتَ مِنِّي!" ؛ كما قال الشاعر :
إِذَا حَاوَلْتَ فِي أَسَدٍ فُجُورًا
فَإِنِّي لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي
و صُبْرَةُ الطَّعَامِ : هي الجملةُ المصبورة ، أي : المحبوسةُ للبيع ، والصَّبْرُ : هو الحَبْس.
و السَّمَاءُ هنا : المطر ، سمِّي بذلك ؛ لنزوله مِنَ السماء ، وأصلُ السماء : كلُّ ما علاك فأظلَّك.
و الغِشُّ : ضدُّ النصيحة ، وهو بكسر الغين ؛ =(1/300)=@ يقال : غَشَّهُ يَغُشُّهُ غِشًّا ، وأصله من اللبن المغشوش ، أي : المخلوطِ بالماءِ تدليسًا.
و دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ هنا : هي النياحةُ ، ونُدْبَةُ الميِّت، &(1/201)&$(1/201)
والدعاءُ بالويل ، والنَّعْيُ ، وإطراءُ الميِّت بما لم يكنْ فيه ؛ كما كانتِ الجاهليَّةُ تفعل.
وَيَحْتملُ أن يراد بها : نداؤهم عند الهِيَاجِ والقتال : يا بني فلانٍ ، منتَصَرًا بهم في الظُّلْمِ والفساد ، وقد جاء النهي عنها في حديث آخر وقال : دَعُوهَا ؛ فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ ، وأمَرَ بالانتماءِ إلى الإسلامِ ، فقال : ادْعُوا بِدَعْوَةِ المُسْلِمِينَ الَّتِي سَمَّاكُمُ اللهُ بِهَا.
والأولُ : أليقُ بهذا الحديث ؛ لأنَّه قَرَنَهُ بضربِ الخدود ، وشَقِّ الجيوب.
وقوله : أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ حَلَقَ وَسَلَقَ وَخَرَقَ ، أصلُ البراءة : الانفصالُ عن =(1/301)=@ الشيء ، والبينونةُ منه ؛ ومنه : البراءةُ من العُيُوبِ والدَّيْن.
وَيَحْتمل أن يريد به : أنَّه متبرِّئٌ من تصويبِ فِعْلِهِمْ هذا ، أو مِنَ العهدةِ اللازمةِ له في التبليغ.
و حَلَقَ ، أي : شَعْرَهُ عند المصيبة.
و سَلَقَ ، أي : رفَعَ صوتَهُ بها ، ويقال بالسين والصاد ؛ ومنه قوله تعالى : {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} ؛ ومنه قولهم : خَطِيبٌ مِسْلاَق ، وقال أبو زيد : السَّلْقُ : الوَلْوَلَةُ بصوتٍ شديد.
وذُكِرَ عن ابن الأعرابي : أنَّه ضَرْبُ الوجه.
والأوَّلُ : أصحُّ وأعرف. &(1/202)&$(1/202)
بَابٌ فِيمَنْ لاَ يُكَلِّمُهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ
عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ : ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، قَالَ : فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثَلاَثَ مِرَارٍ ، فقَالَ أَبُو ذَرٍّ : خَابُوا وَخَسِرُوا ! مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : الْمُسْبِلُ ، وَالْمَنَّانُ ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ ، فِي رِوَايَةٍ : الْمُسْبِلُ إِزَارَهُ .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلا يُزَكِّيهِمْ ، وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ .
وَعَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلاَةِ يَمْنَعُهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ ، ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلاً سِلْعَةً بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ لَهُ بِاللهِ ، لَأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا ، فَصَدَّقَهُ ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لا يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِدُنْيَا ؛ فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ ، وَفِي رِوَايَةٍ : سَاوَمَ رَجُلاً بِسِلْعَةٍ .
وَمِنْ بَابِ مَنْ لاَ يُكَلِّمُهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
قوله : لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ ، أي : بكلامِ مَنْ يرضى عنه.
ويجوز : أن يكلِّمهم بما يكلِّمُ به مَنْ سَخِطَ عليه ؛ كما جاء في البخاري : يَقُولُ اللهُ لِمَانِعِ المَاءِ : اليَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي ؛ كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ ، وقد حكى الله تعالى أنَّه يقولُ للكافرين : {قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ *}.
وقيل : معناه : لا يكلِّمهم بغير واسطة ؛ استهانةً بهم.
وقيل : معنى ذلك : الإعراضُ عنهم ، والغضَبُ عليهم. =(1/302)=@
ونَظَرُ الله تعالى إلى عباده : رحمتُهُ لهم ، وعطفُهُ عليهم ، وإحسانُهُ إليهم ، وهذا النظَرُ هو المنفيُّ في هذا الحديث.
وقوله : {وَلاَ يُزَكِّيهِمْ} ، قال الزجَّاج : لا يُثْنِي عليهم ، ومن لم يُثْنِ عليه ، عذَّبه ، ، وقيل : لا يُطَهِّرهم مِنْ خُبْثِ أعمالهم ؛ لعظيمِ جُرْمهم.
و العذاب الأليم : الشديدُ الألمِ المُوجِعُ.
وقوله : المُسْبِلُ إِزَارَهُ ، أي : الجارُّهُ خُيَلاَءَ ؛ كما جاء في الحديث الآخر مقيَّدًا مفسَّرًا.
و الخُيَلاَء : الكِبْرُ والعُجْب.
ويَدُلُّ هذا الحديثُ بمفهومه : على أنَّ مَنْ جَرَّ ثوبه على غير وجه الخيلاء ، لم يَدْخُلْ في هذا الوعيد ؛ ولمَّا سَمِعَ أبو بكر &(1/203)&$(1/203)
هذا الحديثَ ، قال : يا رسولَ الله ، إنَّ جَانِبَ إزاري يسترخي ، فقال له النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لَسْتَ مِنْهُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ ؛ خرَّجه البخاري.
وحُكْمُ الإزارِ والرداءِ والثوبِ في ذلك سواءٌ ؛ وقد روى أبو داود مِنْ حديثِ ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ : أنّ رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : الإسْبَالُ في الإِزَارِ وَالقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ ؛ فَمَنْ جَرَّ مِنْهَا شَيْئًا خُيَلاَءَ ، لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، وفي طريقٍ أخرى قال ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ : "ما قاله رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الإزارِ ، فهو في القَمِيصِ". =(1/303)=@
قال الشيخ ـ رحمه الله ـ : وقد بيَّن النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ الحدَّ الأحسَنَ والجائزَ في الإزار الذي لا يجوزُ تعدِّيه ؛ فقال فيما رواه أبو داود ، والنَّسَائي من حديثِ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ : أُزْرَةُ المُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ ، لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الكَعْبَيْنِ ، مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ ، فَفِي النَّارِ .
و المَنَّان : فَعَّالٌ من المَنِّ ، وقد فسَّره في الحديث ، فقال : هُوَ الَّذِي لاَ يُعْطِي شَيْئًا إِلاَّ مَنَّهُ ، أي : إلا امتَنَّ به على المُعْطَى له ، ولا شَكَّ في أنَّ الامتنانَ بالعطاء ، مبطلٌ لأجرِ الصدقةِ والعطاء ، مُؤْذٍ للمُعْطَى ؛ ولذلك قال تعالى : {لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَْذَى}.
وإنَّما كان المَنُّ كذلك ؛ لأنَّه لا يكونُ غالبًا إلا عن البُخْلِ ، والعُجْبِ ، والكِبْر ، ونسيانِ مِنَّةِ الله تعالى فيما أنعَمَ به عليه ؛ فالبخيلُ : يعظِّمُ في نفسه العَطِيَّةَ وإنْ كانتْ حقيرةً في نفسها ، ، والعُجْبُ : يحمله على النظرِ لنفسه بعين العَظَمة ، وأنَّه مُنْعِمٌ بمالِهِ على المعطَى له ، ومتفضِّلٌ عليه ، وأنَّ له عليه حَقًّا تجبُ عليه مراعاتُهُ ، ، والكِبْرُ : يحمله على أن يحتقر المُعْطَى له وإنْ كان في نفسه فاضلاً ، ، ومُوجِبُ ذلك كلِّه : الجهلُ ، ونِسْيانُ مِنَّةِ الله تعالى فيما أنعَمَ به عليه ؛ إذْ قد أنعَمَ عليه بما يُعْطِي ، ولم يَحْرِمْهُ ذلك ، وجعله ممَّنْ يُعْطِي ، ولم يجعلْهُ ممَّن يَسْأَل ، ولو نظَرَ ببصره ، لعَلِمَ أنَّ المِنَّةَ للآخذ ؛ لِمَا يُزِيلُ عن المعطي مِنْ إثمِ المنعِ وذَمِّ المانع ، ومن الذنوب ، ولِمَا يحصُلُ له من الأجرِ الجزيل، والثناءِ &(1/204)&$(1/204)
الجميل ، ولبسط هذا موضعٌ آخر.
وقيل : المَنَّانُ في هذا الحديث : هو مِنَ المَنِّ الذي هو القَطْع ؛ كما قال تعالى : {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} ، أي : غَيْرُ مقطوع ؛ فيكونُ معناه : البخيلَ بقطعِهِ عطاءَ ما يجبُ عليه للمستَحِقِّ ؛ كما قد جاء =(1/304)=@ في حديثٍ آخر : البَخِيلُ المَنَّانُ ، فنَعَتَهُ به.
والتأويلُ الأوَّل أظهر .
قوله : شَيْخٌ زَانٍ ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ :
العائلُ : الفقير ، والمُعِيلُ : الكثيرُ العِيَال ؛ يقال : عال الرجلُ فهو عائلٌ : إذا افتقَرَ ، والعَيْلَةُ : الفقر ، وأعالَ فهو مُعِيلٌ : إذا كَثُرَ عياله.
وإنما غلَّظ العقابَ على هؤلاءِ الثلاثة ؛ لأنَّ الحاملَ لهم على تلك المعاصي مَحْضُ المعاندة ، واستخفافُ أمرِ تلك المعاصي التي اقتحموها ؛ إذْ لم يَحْمِلْهم على ذلك حاملٌ حَاجِيٌّ ، ولا دعتهم إليها ضرورةٌ كما تدعو مَنْ لم يكنْ مثلهم.
وبيانُ ذلك : أنَّ الشَّيْخَ لا حاجةَ له ولا داعية تدعوه إلى الزنى ؛ لضعفِ داعيةِ النكاحِ في حقِّه ، ولكمالِ عَقْلِه ، ولقربِ أجله ؛ إذ قد انتهى إلى طَرَفِ عمره.
ونحوٌ من ذلك : "المَلِكُ الكَذَّابُ" ؛ إذْ لا حاجةَ له إلى الكذب ؛ فإنه يمكنه أنْ يُمَشِّيَ أغراضَهُ بالصِّدْق ، فإنْ خاف من الصدق مفسدةً ، وَرَّى.
وأما "العَائِلُ المُسْتَكْبِرُ" : فاستحقَّ ذلك ؛ لغلبة الكِبْرِ على نفسه ؛ إذْ لا سببَ له مِنْ خارجٍ يحملُهُ على الكبر ؛ فإنَّ الكِبْرَ غالبًا إنما يكونُ بالمالِ والخَوَلِ والجاه ، وهو قد عَدِمَ ذلك كلَّه ؛ فلا مُوجِبَ له إلا غلبةُ الكِبْرِ على نفسه ، وقِلَّةُ مبالاتِهِ بتحريمِهِ وتوعيدِ الشرعِ عليه ، مع أنَّ اللائقَ به والمناسبَ لحالِهِ : الذُّلُّ والتواضُعُ ؛ لفقره وعجزه. =(1/305)=@
وقوله : رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلاَةِ يَمْنَعُهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ ، يعني بـ فَضْلِ المَاءِ : ما فضَلَ عن كفاية السابق للماءِ وأَخْذِ حاجتِهِ منه ؛ فمَنْ كان كذلك فمنَعَ ما زاد على ذلك ، تعلَّق به هذا الوعيد.
و ابنُ السَّبِيل : هو المسافر ، والسبيلُ : الطريق ، وسمِّي المسافرُ بذلك ؛ لأنَّ الطريقَ تُبْرِزه وتُظْهِره ، فكأنَّها وَلَدَتْهُ ، ، وقيل : سمِّي بذلك ؛ لملازمتِهِ إياه ، كما يقالُ في الغراب : ابنُ دَأْيَة ؛ لملازمتِهِ دَأْيَةَ البعيرِ الدَّبِرِ لِيَنْقُرَهَا. (1/205)&$(1/205)