كتاب المفهم
لما أشكل من تلخيص مسلم
لأبي العباس أحمد بن عمر الأنصاري القرطبي
تقديم وتحقيق:
د. عبد الهادي التازي
الجزء الأول(1/1)
ومن باب الحج عن المعضوب (1)
قولُه: ((فجعل الفضلُ ينظرُ إليها، وتنظرُ إليه)) هذا النظرُ منهما بمقتضى الطباعِ؛ فإنها مجبولةٌ على الميلِ إلى الصورِ الحسنةِ؛ ولذلك قال في روايةٍ (2) : ((وكان الفضلُ أبيضَ وسيمًا))؛ أي: جميلاً. وصَرْفُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَجْهَ الفضلِ إلى الشقِّ &(3/348)&$ الآخرِ، منعٌ له من مقتضى الطبعِ، وردٌّ له إلى مقتضى الشرعِ.
وفيه دليلٌ على أن المرأةَ تكشفُ وجهَها في الإحرامِ، وأنها لا يجبُ عليها سترُه وإن خيف منها (3) الفتنةُ، لكنها تُندَبُ إلى ذلك، بخلافِ أزواجِ النبي (4) - صلى الله عليه وسلم - ، فإن الحجابَ عليهنَّ كان (5) فريضةً (6).
وقولُها: ((إن فريضةَ الله أدركتْ أبي شيخًا كبيرًا، لا يستطيعُ أن يثبتَ على الراحلةِ (7) )) هذا هو المسمَّى بالمعضوبِ، والعَضْبُ: القَطْعُ، وبه سُمِّي السيفُ (8) : ((عَضْبًا)) (9) ؛ وكأن من انتهى إلى هذه الحالةِ قُطعت أعضاؤه؛ إذ لا يقدرُ على شيءٍ. وقد =(3/441)=@ بيَّنَتْه (10) في الروايةِ الأخرى بقولِها: ((لا يستطيعُ أن يستويَ على ظهرِ بعيرِه)). فبجموعِ (11) الروايتين يَحصُلُ أنه لا يقدرُ على الاستواءِ على الراحلةِ، ولو استوى لم (12) يثبتْ عليها. %(1/148)%
__________
(1) في (ب): ((المغصوب)).
أخرجه مالك في "الموطأ": (849) ومن طريقه أخرجه البيهقي في "الكبرى" (5/233)، وأخرجه الفاكهي في "أخبار مكة" (5/232)، نقلاً عن "فتح الباري" (3/459).
(2) في (ي): ((الرواية)).
(3) في (ح): ((منه)).
(4) من هنا استؤنفت المقابلة على (م).
(5) في (ز): ((كان عليهن)).
(6) تقدم نحو هذا للشارح في باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقدم التعليق عليه.
(7) الرواية: ((إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت...)) إلخ.
(8) في (ح): ((البيت)).
(9) والمعضوب: الزَّمن الذي لا حراك به؛ كأن الزمانة عضبته ومنعته الحركة. وتسمية السيف ((عَضْبًا تسميةٌ بالمصدر)) "المصباح" (ص215).
(10) في (ز): ((ينتبه)).
(11) في (ز): ((فمجموع)).
(12) في (ز): ((ولم)).(1/148)
وقولُها: ((أدركتْ أبي))، وفي (1) الروايةِ (2) الأخرى: ((عليه فريضةُ الله في الحجِّ)) - ظاهرٌ في أن من لم يستطعِ الحجَّ بنفسِه أنه مخاطبٌ به.
وبهذا الظاهرِ أخذَ الشافعىُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، وأبو حنيفةَ، والجمهورُ؛ على تفصيلٍ لهم يأتي إن شاء الله تعالى.
وخالفهم في ذلك مالكٌ وأصحابُه، ورأوا (3) : أن هذا الظاهرَ مخالِفٌ لقولِه تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} (4) ، فإن الأصلِ في الاستطاعِة إنما هي القوة (5) بالبدنِ؛ ومنه قولُه تعالى: {فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبًا} (6) ؛ أي: ما قَدَروا، ولا قَوُوا. وبالجملةِ (7) : فإذا قال القائلُ: ((فلانٌ مستطيعٌ))، أو ((غيرُ مستطيعٍ)). فالظاهرُ منْ السابقُ إلى الفهمِ: نفيُ القدرةِ أو إثباتهُا،، فلمَّا عَارَضَ ظاهرُ هذا (8) الحديثِ ظاهرَ القرآنِ، َرجَّحَ مالكٌ - رحمه الله - ظاهرَ القرآنِ. وهو مرجَّحٌ بلا شكٍّ من أوجهٍ: منها: أنه مقطوعٌ بتواترِه، ومنها: أن هذا القولَ إنما هو قولُ المرأةِ على ما ظنته (9) من أنه مخاطبٌ (10) . ثم إنه يحتملُ أن يكونَ معنى: ((أدركتْ أبي (11) )): أن (12) الحجَّ فُرِض وأبوها حَيٌّ (13) على تلك الحالِة الموصوفِة (14) . &(3/349)&$
قلتُ (15) : وهذا التأويلُ، وإن قبله قولُها: ((أدركت))، فلا يقبلُه (16) قولُها في الروايةِ الأخرى: ((عليه فريضةُ الحجِّ))، لكنَّ هذا كلَّه منها ظنٌّ وحِسْبَانٌ، ولا حجةَ في شيءٍ من ذلك؛ فإنها ظنتِ الأمرَ على خلافِ ما %(1/149)%
__________
(1) قوله: ((وفي)) في (أ): ((وجه)).
(2) قوله : ((الرواية)) سقط من (ز).
(3) في (ح) و(ي): ((ورأى)).
(4) سورة آل عمران؛ الآية: 97 .
(5) في (م): ((للقوة)).
(6) سورة الكهف؛ الآية: 97.
(7) سقط من (ي).
(8) قوله : ((هذا)) سقط من (أ) و(ح) و(ز) و(ي).
(9) في (ح): ((ظننت))، وفي (ز) و(ي): ((ظنت)).
(10) قوله: ((من أنه مخاطب)) من (أ) فقط، وليس في سائر النسخ.
(11) قوله : ((أبي)) سقط من (ب) و(ز) و(م).
(12) قوله : ((أن)) سقط من (ز).
(13) قوله : ((حي)) سقط من (ب) و(ز) و(م).
(14) هذا معنى كلام القاضي في "الإكمال" (4/436، 438).
(15) في (ز): ((قال الشيخ)) وفي (ب) و(م): ((قال الشيخ رحمه الله)).
(16) في (ز): ((يقبل)).(1/149)
هو عليه.
لا (1) يقالُ: فقد أجابَها (2) النبيُّ (3) - صلى الله عليه وسلم - على سؤالِها، ولو كان سؤالَها غلطًا لما أجابها عليه، ولبيَّنه لها؛ فإن تأخيرَ (4) البياِن عن وقتِ الحاجةِ غيرُ جائزٍ.
لأنا نقولُ: إنه لم يُجبْها على هذا القولِ، بل على قولِها: ((أفأحج عنه؟)) فقال (5) لها: ((نعم))، أو: ((فحجِّي (6) عنه)) على اختلافِ =(3/442)=@ الروايةِ، وإنما قال لها ذلك لما رأى من حرصِها على إيصالِ الخيرِ والثوابِ لأبيها (7) ، فأجابها إلى ذلك؛ كما قال للأخرى (8) التي قالت: إن أمِّي نذرتْ أن تحجَّ، فلم تحجَّ (9) حتى ماتت، أفأحجُّ عنها؟ فقال: ((حُجِّي عنها، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ (10) دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ عَنْهَا؟)) قَالَتْ: نعم. ففي هذا ما (11) يدلُّ على أنه من بابِ التطوُّعاتِ (12) ، وإيصالِ الخيرِ والبرِّ للأمواتِ؛ ألا ترى أنه قد شبَّه فعلَ الحجِّ بالدَّينِ! وبالإجماعِ (13) : لو مات ميتٌ (14) وعليه دينٌ لم يجبْ على وليِّه قضاؤُه من مالِه، فإن تطوَّعَ بذلك تأدَّى الدينُ عنه. ولا يبعدُ في كرمِ الله الوليُّ وفضلِه إذا حجَّ الولىُّ عن الميتِ الصَّرورةِ (15) أن يعفوَ الله عنِ الميتِ بذلك، ويثيبَه عليه، أو لا يطالبَه (16) بتفريطِه، وقد تقدَّم الكلامُ على هذا المعنى في الصومِ (17) . ولم يتعرضِ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لقولها؛ لأنه فهم أن مرادَها الاحتمالُ الذي قدمناه. والله تعالى أعلمُ (18) .
قلت (19) : وقد قال بعضُ أصحابِنا - وهو أبو عمرَ بنُ عبدِ البرِّ-: حديثُ الخثعميةِ عند مالكٍ وأصحابِه مخصوصٌ بها (20) . وقال آخرون: فيه اضطرابٌ (21) . قلت (22) : وفي هذين القولينِ بُعدٌ، والصحيح ما قدَّمتُه (23) . والله تعالى أعلم. %(1/150)%
__________
(1) في (ح): ((ولا)).
(2) في (ز): ((أحالها)).
(3) في (ي): ((رسول الله)).
(4) في (ح): ((تأخر)).
(5) في (ب) و(م): ((قال)).
(6) في (ز): ((تحجي)).
(7) في (ي): ((إلى أبيها)).
(8) أخرجه البخاري (4/64 رقم1852) في جزاء الصيد ، باب الحج والنذور عن الميت ، والرجل يحج عن المرأة . و(11/584 رقم6699) في الأيمان والنذور ، باب من مات وعليه نذر . و(13/296 رقم7315) في الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب من شبه أصلاً معلومًا بأصل مبين ... .
(9) في (أ): ((تحجج)).
(10) في (ح): ((أبيك))، وكأنه صوَّبها.
(11) في (ز): ((مما)).
(12) في (أ): التطوات)).
(13) في (ي): ((بالإجماع)).
(14) قوله : ((ميت)) سقط من (ح).
(15) في (ح): ((الضرورة))، وفي (ي): ((للضرورة)). ومعنى الصرورة : الذي لم يحج قط .
(16) في (ز): ((يطالب)).
(17) في باب قضاء الصيام عن الميت، من كتاب الصيام.
(18) وقال القاضي عياض في "الإكمال" (4/436- 437) بنحو ما ذكره الشارح؛ من أن سؤالها كان عن وصول المنفعة إلى أبيها، وليس عن حصول الفرض عنه، وتعقبه الحافظ في "الفتح" (4/69) قائلاً: وتعقب بأن في بعض طرقه التصريح بالسؤال عن الإجزاء فيتم الاستدلال)).
(19) في (ب) و(م): ((قال الشيخ رحمه الله))، وفي (ز): ((قال الشيخ رضي الله عنه)).
(20) في "التمهيد" (9/124- 125)، "الاستذكار" (12/59- 60) وقول الشارح: ((مخصوص بها)) كذا في النسخ، و"الإكمال" (4/439)، والصواب: ((بهما)) كما تفيده عبارة ابن عبد البر حيث قال: ((... فخص (أي باو الخثعمية) بأن يقضى عنه وينفعه ذلك، وخصت ابنته أيضًا أن تحج عن أبيها وهو حيٌّ. وممن قال بذلك مالك وأصحابه؛ قالوا: خص أبو الخثعمية والخثعمية بذلك...)) إلخ.
(21) ذكره القاضي في "الإكمال" (4/439) وخلاصة هذا الاضطراب أن المسئول عنه تارة يذكر ((أبًا)) وتارة ((أما))، والسائل مرة ((رجل ومرة ((امرأة)) وجمع القضاي بتعدد القصة. أما الحافظ في "الفتح" (4/68)، فقال: بعد أن عدد طرق الحديث وما جاء فيها -: والذي يظهر لي من مجموع الطرق أن السائل رجل وكانت بانته معه فسألت أيضًا، والمسئول عنه أبو الرجل وأمه جميعًا.... فقول الشابة: ((إن أبي)) لعلها أرادت به جدها)).اهـ.
(22) في (ب) و(م): ((قال الشيخ رحمه الله))، وفي (ز): ((قال الشيخ رضي الله عنه)).
(23) في (ح): ((قدمناه)).(1/150)
وقد قال بعضُ أصحابِنا بموجَبِ حديثِ الخثعميةِ؛ فقال: لا تجوزُ النيابةُ في الحجِّ إلا للابنِ (1) عن أبيه خاصةً (2) .
وفي هذا الحديثِ ردٌّ على الحسنِ بنِ حيٍّ (3) ؛ حيث قال: لا يجوزُ حجُّ المرأةِ عن (4) الرجلِ. &(3/350)&$
وقد اختلف العلماءُ في النيابِة في الحجِّ قديمًا وحديثًا؛ فحكي عن النخعي =(3/443)=@ وبعضِ (5) السَّلفِ: لا يحجُّ أحدٌ عن أحدٍ، جملةً من غيرِ تفصيلٍ،، وحُكي مثلُه عن مالكٍ. وقال جمهورُ الفقهاءِ: يجوزُ أن يحجَّ عن الميتِ، عن فرضِه ونذرِه، وإن لم يُوص به (6) ، ويُجزئُ عنه. واختلف قولُ الشافعيِّ في الإجزاءِ عن الفرضِ. ومذهبُ مالكٍ، والليثِ، والحسنِ بن حيٍّ: أنه لا يحجُّ أحدٌ عن أحدٍ، إلا عن (7) ميتٍ لم يحجَّ حجةَ الإسلامِ، ولا ينوبُ عن فرضِه. قال مالكٌ: إذا أوصى به. وكذلك عندَه يُتطوَّعُ بالحجِّ عنِ الميتِ إذا أوصى به. وأجاز أبو حنيفة والثوريُّ وصيةَ الصحيحِ بالحجِّ عنه تطوُّعًا، وروُي مثلُه عن مالكٍ؟
وسببُ الخلافِ في هذه المسألِة: ما قد أشرنا إليه من معارضِة الظواهرِ بعضِها بعضًا، ومعارضةِ القياسِ لتلك الظواهرِ، واختلافِهَم في تصحيحِ حديثَيْ جابرٍ وابنِ عباسٍ:
فأما حديثُ جابرٍ (8) : فخرَّجه عبدُالرزاقِ قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ بِالْحَجَّةِ الْوَاحِدَةِ ثَلَاثَةً الْجَنَّة: الْمَيِّتَ، وَالْحَاجَّ، وَالمُنْفِذَ (9) لِذَلِكَ))، في إسنادِه أبو (10) معشرٍ؛ نجيحٌ، وأكثرُ الناسِ يضعِّفُه، ومع ضعفِه يُكتبُ حديثُه.
وأما حديثُ ابنِ عباسٍ (11) : فخرَّجه أبو داودَ؛ قال فيه: سَمع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يقولُ: لبيك (12) عن شبرمةَ. قال: ((مَنْ شُبْرُمَةُ؟)) قال: أخٌ لي، أو قريبٌ لي. فقالَ: ((حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟)) قال: لا. قال: ((حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةُ)). عَلَّله بعضُهم بأنه %(1/151)%
__________
(1) في (م): ((للأبوين)).
(2) ذكره القاضي في "الإكمال"(4/439) وقال: وقال آخرون: أو عن ذوي القرابة القريبة.اهـ. وذكر نحو القولين ابن عبد البر في "التمهيد" (9/135) عن سفيان الثوري .
(3) في (أ) و(ح) و(ز) و(ي): ((حيي)).
(4) في (ح) و(ي): ((على)).
(5) في (م): ((بعض)).
(6) في (ح) و(ي): ((يفرض له)).
(7) قوله : ((عن)) سقط من (ز).
(8) أخرجه ابن عدي (7/54) من طريق عبدالرزاق ، عن أبي معشر ، عن محمد ابن المنكدر ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله ليدخل بالحجة الواحدة ثلاثًا - يعني : الجنة : الميت ، والحاج عنه ، والمنفذ له))يعني : الموصي.
وأخرجه ابن عدي (1/342) وأبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" (2/367 رقم294)، وابن الجوزي في "الموضوعات" (2/219) - من طريق ابن عدي - والحارث ابن أبي أسامة في "زوائده" (ص122 رقم352)؛ جميعهم من طريق إسحاق بن بشر الكاهلي ، عن أبي معشر ، به .
قال ابن الجوزي : ((هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمتهم به إسحاق ابن بشر ، وهو في عداد من يضع الحديث)).اهـ. لكن قد تابعه عبدالرزاق ، كما عند ابن عدي . لكن الحديث ضعيف لضعف أبي معشر . وضعفه البيهقي في "سننه" (5/180)، والألباني في "الضعيفة" (4/433-434 رقم1964)، وللحديث طرق أخرى، وكلها ضعيفة . [لابن عبد البر كلام على هذا الحديث "الاستذكار" (12/36)، هذا تعليق كتب بجانب الهامش]
(9) في (م): (والمتعد)).
(10) قوله : ((أبو)) سقط من (ز).
(11) أخرجه أبو داود (2/403 رقم1811) في المناسك ، باب الرجل يحج مع غيره ، وابن ماجه (2/969 رقم2903) في المناسك ، باب الحج عن الميت ، وابن الجارود (2/113-114 رقم499)، وأبو يعلى (4/329 رقم2440)، وابن خزيمة (4/345 رقم3039)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (6/375 رقم2547)، وابن حبان (9/299 رقم3988/الإحسان)، والطبراني في "الكبير" (12/34 رقم12419)، والدارقطني (2/270)، والبيهقي (2/336) - جميعهم من طريق عبدة بن سليمان ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن عزرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، فذكره .
قال البيهقي : ((هذا إسناد صحيح ليس في هذا الباب أصح منه)).
وقد توبع عبدة على رفعه : فأخرجه الدارقطني (2/270)، والبيهقي (4/336)، كلاهما من طريق أبي يوسف القاضي .
أخرجه الدارقطني (2/270) من طريق محمد بن بشر ، ومحمد بن عبدالله الأنصاري . ورواه بعضهم موقوفًا؛ فأخرجه الدارقطني (2/271) من طريق غندر ، والحسن بن صالح ، به .
قال البيهقي (4/336): ((ورواه غندر ، عن سعيد بن أبي عروبة ، موقوفًا على ابن عباس ، ومن رواه مرفوعًا حافظ ثقة؛ فلا يضره خلاف من خالفه)).اهـ.
وقال الحافظ في "التلخيص الحبير" (2/223): ((وعبدة نفسه محتج به في "الصحيحين" وقد تابعه على رفعه محمد بن بشر ، ومحمد بن عبدالله الأنصاري ، وقال ابن معين : أثبت الناس في سعيد : عبدة)).اهـ.
وقال عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطى" (2/327): ((علّله بعضهم بأنه روي موقوفًا، والذي أسنده ثقة فلا يضره)).اهـ.
وقال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (5/452): ((فأصحاب سعيد بن أبي عروبة يختلفون فيه ، فقوم منهم يجعلونه مرفوعًا؛ منهم : عبدة بن سليمان ، ومحمد بن بشر، والأنصاري ، وقوم يقفونه؛ منهم: غندر، وحسن بن صالح. والرافعون ثقات ، فلا يضرهم وقف الواقفين له؛ إما لأنهم حفظوا ما لم يحفظوا ، وإما لأن الواقفين رووا عن ابن عباس رأيه ، والرافعين رووا عنه روايته)).اهـ.
وقال الحافظ في "النكت الظراف" (4/429): ((وقال أبو داود في "المسائل": سألت أحمد، فقلت: حديث عزرة هذا ؟ فقال: صحيح ، وعزرة قديم السماع - يعني: من ابن أبي عروبة -، قال : فذكرته لأبي زرعة ؟ فقال : الحديث صحيح)).اهـ.
لكن قال الحافظ في "بلوغ المرام" (ص182رقم737): ((والراجح عند أحمد وقفه)).
وفي"مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح" (2/139-140) لما سئل عن حديث شبرمة قال : ((وقد بيّن ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ((أحجج عن نفسك ، ثم حج عن شبرمة)).اهـ.
ورجَّح بعضهم الوقف : قال الحافظ في "التلخيص الحبير" (2/223): ((وأما الطحاوي فقال : الصحيح أنه موقوف ، وقال أحمد بن حنبل : رفعه خطأ ، وقال ابن المنذر : لا يثبت رفعه)).
وقد خولف ابن أبي عروبة في روايته؛ فأخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (6/381)، والبيهقي (5/179-180). كلاهما من طريق ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن قتادة، أن سعيد بن جبير حدثه أن عبدالله بن عباس مرَّ به رجل ... فذكره موقوفًا .
قال المزي في "تحفة الأشراف" (4/430): (( وذلك معدود في أوهامه؛ فإن قتادة لم يلق سعيد بن جبير فيما قاله يحيى بن معين وغيره)).اهـ. وهذا خلاف ما ذهب إليه الطحاوي ، حيث حمل الوهم فيه على قتادة ، زاعمًا أن ذلك من قتادة لحذقه في التدليس وقد أعل الحديث بتدليس قتادة، فإنه لم يصرِّح بالسماع . وقد اختُلف في تسمية عزرة؛ حيث إنه لم يُنسب؛ فقال الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (6/378): وعزرة هذا هو عزرة بن تميم... وقال البيهقي (4/336): ((وعزرة هذا : هو عزرة بن يحيى))، وحكى عن أبي علي الحافظ ، قوله : ((وقد روى قتادة أيضًا عن عزرة بن تميم ، وعن عزرة بن عبدالرحمن)). فتعقبه ابن التركماني فقال : ((عزرة الذي روى عن سعيد بن جبير ، وروى عنه قتادة: هو عزرة بن عبدالرحمن الخزاعي ، كذا اذكره البخاري في "تاريخه"، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، وصاحب الكمال، والمزي ، وليس في كتاب أبي داود واحد يقال له عزرة بن يحيى ، بل ولا في بقية الكتب الستة ، وترجم المزي في أطرافه لهذا الحديث فقال : عزرة بن عبدالرحمن، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، وفي "تقييد المهمل" للغساني: وروى مسلم عن قتادة ، عن عزرة ، وهو عزرة بن عبدالرحمن الخزاعي ، عن سعيد بن جبير في كتاب اللباس ، قال البخاري : عزرة بن عبدالرحمن الخزاعي كوفي ، عن سعيد بن جبير، وسعيد بن عبدالرحمن بن أبزى ، سمع منه قتادة ، قال : وقال أحمد - يعني : ابن حنبل -: هو عزرة بن دينار الأعور ، قال : ولا أراه يصح. وذكر صاحب الإلمام هذا الحديث، ثم قال : رأيت في كتاب "التمييز" عن النسائي : عزرة الذي روى عنه قتادة: ليس بذاك القوي ...)) اهـ.
وقال الحافظ في "التهذيب" (3/98): ((وأما الحديث الذي روى أبو داود وابن ماجه من طريق عبدة بن سليمان ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن عزرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قصة شبرمة - فوقع عندهما ((عزرة)) غير منسوب ، وجزم البيهقي بأنه عزرة بن يحيى ، ونقل عن أبي علي النيسابوري أنه قال : روى قتادة أيضًا عن عزرة بن ثابت ، وعن عزرة بن عبد الرحمن ، وعن هذا ، فقتادة قد روى عن ثلاثة، كل منهم اسمه : عزرة ، فقول النسائي في "التمييز": ((عزرة الذي روى عنه قتادة ليس بذاك القوي)) لم يتعين في عزرة بن تميم ، كما ساقه المؤلف [أشار لها بسهم وقيل يفسر]، فليتفطن لذلك.اهـ. وانظر "حاشية تهذيب الكمال" (20/52).
وللحديث طرق أخرى : يرويه عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس ، واختلف عليه في وصله وإرساله : فأخرجه الدارقطني (2/268 و269) من طريق حبيب بن أبي ثابت، ومحمد بن عبد الرحمن، وأخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (6/383 رقم2549)، والدارقطني (2/269)؛ كلاهما من طريق أبي بكر بن عياش ، عن يعقوب بن عطاء .
وأخرجه الدارقطني (2/268و269) من طريق الحسن بن ذكوان ، والحسن بن دينار ، والحسن بن عمارة ، ثلاثتهم عن عمرو بن دينار . وأخرجه الطبراني في "الصغير" (1/377 رقم630) عن عبدالله بن سندة ، عن عبدالرحمن بن خالد الرقي ، عن يزيد بن هارون ، عن حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار.
أربعتهم - حبيب بن أبي ثابت ، ومحمد بن عبدالرحمن ، ويعقوب بن عطاء ، وعمرو بن دينار - عن عطاء ، عن ابن عباس مرفوعًا . وقد صحح الألباني في "الإرواء" (4/172) طريق الطبراني ، وجعلها مما يقوي المرفوع .
وقد رواه بعضهم مرسلاً : أخرجه الشافعي في "الأم" (2/123) عن مسلم بن خالد الزنجي،، وسعيد بن منصور ، عن ابن عيينة ، كما في "تلخيص الحبير" (2/123).
كلاهما - مسلم بن خالد ، وابن عيينة - عن ابن جريج ، عن عطاء ، مرسلاً .
قال الحافظ في "التلخيص" (2/123): ((لكنه يقوي المرفوع ؛ لأنه من غير رجاله)).اهـ.
(12) في (ح) و(ي): ((لبيك اللهم)).(1/151)
قد رُوي موقوفًا، والذي أسنده ثقةٌ.
وقد (1) قال سفيانُ، والحسنُ بن عليٍّ: لا يَحجُّ في الوصيةِ بالحجِّ مَنْ لم يَحُجَّ عن نفِسه؛ أخذًا بحديثِ =(3/444)=@ شبرمةَ هذا. وقاله الشافعيُّ فيمن حَجَّ عن ميِّتٍ. وقال غيرُ (2) مَن ذُكر بجوازِ ذلك، وإن كان الأَولى هو الأولُ.
والجمهورُ على كراهيةِ الإجارةِ في الحجِّ (3) (4) ، وقال أبو حنيفة: لا تجوزُ. وقال مالكٌ والشافعيُّ - في أحدِ قوليه-: لا تجوزُ (5) ، فإن وقع مضى. وقال بعضُ أصحابِنا بجوازِ (6) ذلك ابتداءً. &(3/351)&$
و((الرَّوحاءُ)): موضعٌ معروفٌ من عمل الفُرْعِ، بينه وبين المدينة نحوُ الأربعين ميلاً. وفي كتاب مسلمٍ (7) : ستةٌ وثلاثون ميلاً. وفي كتابِ ابنِ أبي شيبةَ (8) : ثلاثون ميلاً.
و((الرَّكْبُ)): أصحابُ الإبلِ الرَّاكبون عليها.
وقولُهم (9) : ((مَنِ القومُ؟)) سؤالُ مَنْ لم يعلم مَن كانوا؛ إما لأنَّهم كانوا في ليلٍ، وإما لأن هؤلاء الركبَ (10) كانوا فيمن أسلم ولم يهاجِرْ (11) .
ورفعُ المرأةِ الصبيَّ؛ يدلُّ على صغرِه، وأنه لم يكنْ جَفْرًا (12) ، ولا مراهقًا؛ إذ لا ترفعُه غالبًا إلا وهو صغيرٌ. وفي "الموطأ" (13) : ((فأخذَتْ بضَبْعَيْ (14) صبيٍّ لها وهي (15) في محفَّتِها)). وفي غيره (16) : ((فأخرجتْه من محفَّتِها)). وهو حجةٌ للجمهورِ (17) في أن الصغيرَ يَنعقدُ (18) حجُّه، ويجتنبُ (19) ما يجتنبُه الكبيرُ (20) . وهو ردٌّ على قومٍ من أهلِ البدعِ منعوا حجَّ الصبيِّ، =(3/445)=@ وعلى أبي حنيفةَ إذ يقولُ: لا ينعقدُ، وإنما هو عندَه %(1/152)%
__________
(1) قوله : ((قد)) سقط من (ب) و(م).
(2) في (ب): ((غيره)).
(3) في (ز): ((كراهية الإجازة في ذلك)).
(4) أشير بسهم وكتب غير واضح بسبب التصوير في (أ) يراجع الشيخ! في إثبات الفروق.
(5) في (أ): ((يجوز)).
(6) في (ي): ((يجوز)).
(7) (1/290 رقم388).
(8) في "مصنفه" (2373)، ومن طريقه أخرجه مسلم في "صحيحه".
في الموضع المشار إليه، مع اختلافهما في التحديد، قال الحافظ في "الفتح" (2/85): وحكى الأعمش عن أبي سفيان رواية عن جابر، أن بين المدينة والدوحاء ستة وثلاثن ميلاً؛ هذه رواية قتيبة عن جرير عند مسلم (ولفظها أن الأعمش سأل أبا سفيان عنها فأجاب بذلك))، وأخرجه (أي مسلم) عن إسحاق، عن جرير ولم يسق لفظه، ولفظ إسحاق في "مسنده": ((حتى يكون بالروحاء وهي ثلاثون ميلاً من المدينة)) فأدرجه في الخبر، والمعتمد رواية قتيبة)).
وقال القاضي في "المشارق" (1/305): ((بينه وبين المدينة نحو أربعين ميلا))، ثم ذكر ما عند مسلم وما عند ابن أبي شيبة ولم يرجح، وكذلك النووي في "تهذيب الأسماء والصفات" (3/132).
(9) كذا في جميع النسخ! والقائل السائل هو النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما جاء في الحديث.
(10) في (ي): ((القوم))
(11) ؟؟؟.
(12) قال في "اللسان": الْجَفْر : الصبي إذا انتفخ لحمه ، وأكل ، وصار له كرش .
(13) (1/422 رقم244) في الحج ، باب جامع الحج. ولفظه، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بامرأة وهي في محفتها فقيل لها: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذت بضبعي صبي كان معها...إلخ.
هذا كلام القاضي عياض في "الإكمال" (4/441) وفيه: وقد تقدم في حديث جابر (في باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ) أنه أُذن في الناس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حاج، فقدم المدينة خلق كثير ليأتموا به، فلعل هؤلاء ممن قدم فلم يلقوه إلا هناك ولذلك لم يعرفوه.
(14) الضَّبْع – بسكون الباء -: العضُد. ومنه الاضطباع، سمي بذلك لإداء أحد الضبعين. "الصحاح" (3/1247- 1248)، "المصباح" (ص185).
(15) في (ح): ((وهو)).
(16) أخرجه أبو داود (2/352-353 رقم1736) في المناسك ، باب في الصبي يحج. ولفظة؛ عن ابن عباس: ((... فقزعت امرأة فأخذا بعضد صبي فأخرجته من محفتها...)) إلخ.
(17) في (ح): ((الجمهور)).
(18) في (ز): ((ينقعه)).
(19) في (أ): ((ويجنب)).
(20) قوله : ((ما يجتنبه الكبير)) سقط من (ح).(1/152)
من بابِ التمرين (1) ، ولا يلزمُ أن يجتنبَ (2) شيئا (3) يجتنبُه (4) المحرمُ.
وكلُّ من قال بصحةِ حجِّ الصغيرِ متفقون على أنه لا يجزئُه عن حجةِ الإسلامِ. وقد شذَّتْ فرقةٌ لا مبالاةَ بها، فقالت: يجزئُه عنها، وهو فاسدٌ (5) ؛ بدليلِ أن الصبيَّ لا يجبُ عليه حكمٌ شرعًا اتفاقًا.
وإنما الخلافُ: هل يُخاطَبون بخطابِ الندبِ من جهةِ الله تعالى؟ أو إنما المخاطَبُ أولياؤُهم بحملِهم (6) على آدابِ الشريعةِ، وتمرينِهم عليها، وأخذِهم بما يمكنُهم من أحكامِها في أنفسِهم وأموالِهم. وهذا هو المرتضى في (7) الأصولِ. ثم لا بُعدَ في أن الله تعالى يُثيبُهم على ما يَصدُرُ عنهم من أفعالِ البرِّ والخيرِ (8) ؛ فإن الثوابَ فضلِ الله تعالى يؤتيه من يشاءُ؛ وبهذا قال عمرُ بنُ الخطابِ (9) رضي الله عنه وكثيرٌ من العلماءِ؛ أعني: أنهم قالوا: إنهم يُثابون على طاعاتِهم (10) ، ولا يُعاقبون على سيئاتِهم. &(3/352)&$
واختلف العلماءُ في الصبيِّ إذا أحرم بالحجِّ ثم بلغ؛ فقال مالكٌ: لا يرفضُ إحرامَه، ويُتمُّ حجَّه، ولا يجزئُه عن حجِة الإسلامِ. وقال: إن استأنف الإحرامَ قبلَ الوقوفِ بعرفةَ أجزأه عنها. وقال أبو حنيفةَ: يلزمُه تجديدُ النيةِ للإحرامِ، ورفضُ الأولى (11) ؛ إذ لا يُتَركُ فرضٌ لنافلةٍ. وقال الشافعيُّ: يجزئُه، ولا يحتاجُ إلى تجديدِ نيَّةٍ.
والخلاف ُفي العبدِ يُحِرمُ ثم يَعْتِقُ كالخلافِ في الصبيِّ.
وقولُه: ((ولكِ أجرٌ))؛ يعني: فيما تكلفَّتْه (12) من أمرِه بالحجِّ (13) وتعليمِها إيَّاه (14) ، وتجنيبِها (15) إيَّاه ممنوعاتِ الإحرامِ. والله أعلمُ (16) . =(3/446)=@ %(1/153)%
__________
(1) وفائدة الخلاف – كما ذكر القاضي في "الإكمال" (4/442) -: إلزام الصبي من الفدية والدم والجبر ما يلزم الكبير، فمن يرى انعقاد حجهم يلزمه، ومن لا فلا.
(2) في (ب) و(م): ((يجنب)).
(3) سقط من (أ).
(4) في (ب) و(م): ((يجتنب)).
(5) قوله : ((وهو فاسد)) سقط من (ز).
(6) في (ب) و(ز): ((تحملهم)).
(7) في (ي): ((من)).
(8) في (ح) و(ي): ((أفعال الخير)).
(9) أخرجه ابن عبدالبر في "التمهيد" (1/106) من طريق حماد بن زيد ، ثنا يحيى البكاء، عن أبي العالية الرياحي، قال : قال عمر بن الخطاب : تكتب للصغير حسناته ، ولا تكتب عليه سيئاته .
(10) في (أ) و(ح): ((طاعتهم)).
(11) في (أ) و(ب) و(م): ((الأول)).
(12) في (ح): ((تكلفية)).
(13) قوله : ((بالحج)) سقط من (ب) و(ز) و(م).
(14) في (ب): ((أباه)). [شطب عليها في الهامش وبقيت في المتن]
(15) في (ح): ((وتحتيبها)).
(16) قوله : ((والله أعلم)) زيادة من (ز).(1/153)
ومن بابِ فَرْضِ الحجِّ مرةً في العمرِ
قولُه: ((قد (1) فرض عليكم الحجَّ فحجُّوا))؛ أي: أَوْجب وأَلْزم، وإن كان أصلُ الفرضِ: التقديرَ، كما قد (2) تقدم. ولا خلافَ في وجوبِه مرةً (3) في العمرِ على المستطيعِ، وقد تقدم الكلامُ على الاستطاعةِ (4) .
وقولُ السائلِ: ((أكلَّ عامٍ؟)) سؤالُ مَنْ تردَّد في فهمِ قولِه: ((فحجوا)) بين التَّكرارِ والمرةِ الواحدةِ (5) ، وكأنه (6) عندَه مجملٌ، فاستفصل، فأجابه بقولِه: ((لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ؟ لَوَجَبَتْ))؛ أي: لوجبت (7) المسألةُ، أو الحجةُ في كلِّ عام (8) ، بحكمِ ترتيبِ الجوابِ على السؤالِ.
وقولُه: ((ولما استطعتم))؛ أي: لا تُطيقون ذلك؛ لثِقَلِه ومشقتِه على القريبِ، ولتعذُّرِه على البعيدِ. &(3/353)&$
وقوله: ((ذروني ما تركتُكم))؛ يعني: لا تكُثروا من الاستفصالِ عن المواضعِ التي تكونُ مقيَّدةً (9) بوجهٍ ما ظاهرٍ وإن كانت صالحةً لغيرِه. وبيانُ ذلك: %(1/154)%
__________
(1) سقط من (ي). والرواية في "الصحيح" و"التلخيص": ((قد فرض الله...)).
(2) ((قد)) من (أ) فقط. وتقدم الكلام على ((الفرض)) في...
(3) سقط من (ي).
(4) في الباب السابق.
(5) اختلف في الأمر المطلق هل يفيد التكرار أو لا، على ثلاثة أقوال: الأول: لا يفيد التكرار؛ بل يفيد طلبا الماهية من غير إشعار بقلة أو كثرة، ويكتفي بالمرة الواحدة في حصول المطلوب.
وهو قول أكثر الفقهاء والمتكلمين، وصححه النووي عند أصحاب الشافعين. وهو رواية عن أحمد، وهو قول الإسفراينيي ، وحكى عن أبي حنيفة، وعامة المالكية.
الثاني: أنه يفيد التكرار. وهو رواية عن أحمد واختارها أكثرأصحابه.
الثالث: التوقف فيما زاد على المرة. واختاره إمام الحرمين.
ينظر تفصيلاً في "المحصول" لابن العربي (ص58- 59)، و"المحصول" للرازي (2/98- 107)، و "تقريب الوصول" مع تحقيقه لـ د/محمد المختار الشنقيطي (ص184- 185)، "أصول السرخسي" (1/38- 43)، و"المسودة" (1/110- 115)، و"البحر المحيط" (2/117- 120)، و"معالم السنن" (2/275- 277).
(6) في (م): ((وكان)) .
(7) قوله : ((أي لوجبت)) سقط من (ب) و(ز) و(م).
(8) قوله : ((في كل عام)) سقط من (ح) و(ي).
(9) في (م): ((مفيدة)).(1/154)
أن قولَه: ((فحجوا)) وإن كان صالِحًا للتكرارِ، فينبغي أن يكتفى بما يَصْدَقُ =(3/447)=@ عليه اللفظُ، وهو المرةُ الواحدةُ؛ فإنها مدلولةٌ للَّفظِ (1) قطعًا، وما زاد عليها يُتغافلُ عنه (2) ، ولا يُكثرُ السؤالُ فيه (3) ، لإمكانِ أن يكثرَ الجوابُ المترتبُ عليه. فيضاهي ذلك قصةَ بقرةِ بني إسرائيلَ التي (4) قيل لهم فيها: ((اذبحوا بقرةً)). فلو اقتصروا على ما يصدقُ عليه اللفظُ، وبادروا إلى ذبحِ بقرةٍ - أيَّ بقرةٍ (5) كانت - لكانوا ممتثلين، لكن لما أكثروا السُّؤالَ كثر عليهم الجوابُ، فشدَّدوا، فَشُدِّد عليهم (6) ؛ وذُمُّوا (7) على ذلك؛ فخاف النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مثلَ (8) هذا على أمتِه؛ ولذلك قال: ((فَإِنَّمَا (9) هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ))، وعلى هذا يحملُ قولُه: ((فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَائْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ))؛ يعني: بشيءٍ مطلقٍ؛ كما إذا قال: ((صُمْ))، أو ((صلِّ))، أو ((تصدَّقْ))، فيكفي من ذلك أقل ما ينطلقُ عليه الاسمُ؛ فيصومُ يومًا، ويصلِّي ركعتين، ويتصدَّقُ بشيءٍ يُتصدَّقُ بمثله. فإن قيَّد شيئًا من ذلك بقيودٍ، ووصفه بأوصافٍ، لم يكن بدٌّ من امتثالِ أمرهِ على ما فصَّل وقيَّد (10) ، وإن كان فيه أشدُّ المشقَّاتِ وأشقُّ التكاليفِ. وهذا مما لا يختلفُ فيه - إن شاء الله تعالى - أنه هو المرادُ بالحديثِ.
وقولُه: ((وإذا نهيتُكم عن شيءٍ فدعوه))؛ يعني: أن النهيَ على نقيضِ الأمرِ (11) ؛ وذلك: أنه (12) لا يكونُ ممتثلاً لمقتضى (13) النهي حتى لا يفعلَ واحدًا من آحادِ ما تناولَه (14) النهيُ، ومتى (15) فعل واحدًا فقد خالف وعصى، فليس في النهيِ إلا تركُ ما نُهي عنه مطلقًا (16) دائمًا، وحينئذٍ يكونُ ممتثلاً لتركِ ما أُمر بتركِه، بخلافِ الأمرِ، على ما تقدَّم. وهذا الأصلُ إذا فُهم هو مسألةُ (17) مطلقِ الأمرِ: هل يحملُ على الفورِ أو التراخِي، أو على المرةِ الواحدةِ أو على التكرار؟
وفي هذا الحديثِ أبوابٌ من الفقهِ لا تخفى. والله أعلمُ (18) =(3/448)=@ &(3/354)&$ %(1/155)%
__________
(1) في (أ): ((اللفظ)).
(2) قال المازري في "المعلم" بعد أن ذكر أن السائل قد يكون احتمل الأمر عنده التكرار أو الاكتفاء بالمرة الواحدة -: ويصح أن يكون إنما احتمل عنده من جه آخر؛ وهو ذلك أن ((الحج)) في اللغة قصد فيه تكرير؛ فيكون احتمل عنده التكرير من جهة اشتقاق اللفظ وما يقتضيه من التكرار. وقد تعلق بما ذكرنا عن أهل اللغة ههنا، من قال بإيجاب العمرة؛ وقال: كما كان قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت} يقضتي على حكم الاشتقاق التكرر، واتفق على أن الحج لا يلزم إلا مرة واحدة – كانت العودة إلى البيت تقتضي أن تكون في عمرة حتى يحصل التردد إلى البيت كما اقتضاه الاشتقاق.اهـ.
قلت: في "المشارق" (1/181)، و"اللسان" (2/227): أن الحج: الإيتان مرة بعد أخرى. قال الماوردي في "الحاوي" (4/3): فسمي الحج حجا؛ لأن الحا ج يأتي إليه (أي: إلى البيت) قبل الوقوف بعرفة، ثم يعدد إليه لطواف الإقامة، ثم ينصرف إلى منى، ثم يعود إليه لطواف الصدر، فيتكرر العود إليه مرة بعد أخرى، فقيل هل: حج.اهـ.
فلا يلزم إذن لتحقيق مقتضى الاشتقاق منه التكرار: القول بإيجاب العمرة!
(3) في (م): ((منه)).
(4) في (ح) و(ي): ((الذي)).
(5) قوله : ((أي بقرة)) سقط من (ز).
(6) سقط من (ز).
(7) في (ب) و(ز) و(م): ((فذموا)).
(8) قوله : ((مثل)) سقط من (ز).
(9) في (ي): ((وإنما)).
(10) قوله: ((ما فصل وقيد)) في (ي): ((ما وقيد)).
(11) في (ح): ((الأمور)).
(12) قوله: ((أنه)) سقط في (ز).
ذكر الحافظ في "الفتح" نحو كلام الشارح هنا – بكثير من ألفاظه – من أول قوله: ((ذروني ما تركتكم)) عن ابن فرج. يراجع من هو!
(13) في (ب) و(ز) و(م): ((بمقتضى)).
(14) في (ح): ((يتناوله))، وفي (م): ((يتاوله)).
(15) في (ح): ((ومن)).
(16) غير مقروءة في (ح).
(17) قوله: ((هو مسألة)) في (أ): ((هو من مسألة))، وفي (ح) و(ي): ((هو ومسألة)).
(18) قوله : ((والله أعلم)) زيادة من (ز).(1/155)
ومن باب ما جاء (1) أن الْمَحْرَمَ من الاستطاعة
ظواهرُ أحاديثِ هذا البابِ متواردةٌ على أنه لا يجوزُ للمرأةِ أن تسافرَ سفرًا طويلاً إلا ومعها ذو محرمٍ منها، أو زوجٌ (2) . وسيأتي القولُ في أقلِّ السفرِ الطويلِ (3) ، وقد مرَّ منه طرفٌ في (4) كتابِ الصلاةِ.
فيلزمُ من (5) هذه الأحاديثِ أن يكون الْمَحْرمُ (6) شرطًا في وجوبِ الحجِّ على المرأةِ لهذه الظواهرِ (7) ؛ وقد رُوي ذلك عن النخعيِّ، والحسنِ، وهو مذهبُ أبي حنيفةَ، وأصحابُ الرأيِ، وفقهاءِ أصحابِ الحديثِ.
وذهب عطاءٌ، وسعيدُ بنُ جبيرٍ، وابنُ سيرينَ، والأوزاعيُّ، ومالكٌ، والشافعيُّ إلى أن ذلك ليس بشرطٍ، وروي مثلُه عن عائشةَ، رضي الله عنها. لكنَّ الشافعيَّ (8) - في أحدِ قوليه - يَشْترِطُ أن يكونَ معها نساءٌ أو امرأةٌ ثقة مسلمةٌ،، وهو ظاهرُ قولِ مالكٍ على اختلافٍ في تأويلِ قولِه: ((تخرجُ مع رجالٍ ونساءٍ (9) )) هل بمجموعِ ذلك، أم في جماعةٍ من أحد الجنسين؟ وأكثرُ ما نقلَه عنه أصحابُنا (10) : اشتراطُ النساءِ (11) .
وسببُ هذا الخلافِ (12) مخالفةُ ظواهرِ هذه الأحاديثِ لظاهرِ قولِه تعالى: {ولله على الناس حجُّ البيت من استطاع إليه سبيلاً} (13) ؛ وذلك أن قوله: {من استطاع} ظاهرهُ الاستطاعةُ بالبَدَنِ (14) ، كما قررناه آنفًا (15) ، فيجبُ على كلِّ (16) مَنْ كان قادرًا عليه ببدنِه، ومن (17) لم تجدْ محرمًا قادرةٌ ببدنِها؛ فيجبُ عليها. فلما تعارضتْ هذه الظواهرُ؛ اختلف العلماءُ في تأويلِ ذلك:
فجمع أبو حنيفة ومن قال بقولِه بينهما؛ بأن جعلَ الحديثَ مبيِّنًا (18) للاستطاعِة (19) في حقِّ المرأةِ. ورأى مالكٌ ومن =(3/449)=@ قال بقولِه أن %(1/156)%
__________
(1) بعده في (أ): ((في)).
(2) قوله: ((أو زوج)) سقط في (أ).
(3) ما سيأتي في هذا الباب أحال فيه الشارح على ما مر في كتاب الصلاة باب ما جاء في قصر الصلاة في السفر!
(4) في (ح): ((من)).
(5) في (ز): ((في)).
(6) قوله : ((المحرم)) سقط من (ز).
(7) في (ز): ((بهذا الظاهر))، وفي (أ) و(ي): ((بهذه الظواهر)) وفي (ح): ((هذه الظواهر)).
(8) زاد بعده في (ب) و(م): ((قال)).
(9) في (ب) و(ح) و(أ) و(ي): ((أو نساء)). وانظر: "الإكمال" (4/446).
(10) في (أ) و(ح) و(ي): ((أصحابنا عنه)).
(11) قال مالك في "الموطأ" (1/425): ((... إن لم يكن لها ذو محرم يخرج معها، أو كان لها فلم يستطع أن يخرج معها، أنها لا تترك فريضة الله عليها في الحج، لتخرج في جماعة النساء)). وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" (13/368) بعد أن حكى مذهب مالك وقوله هذا -: ((ولم يختلف فيه عنه ولا عن أصحابه)). وما ذكره الشارح هنا ذكره القاضي في "الإكمال" (4/441).
(12) قوله: ((وسبب هذا الخلاف)) في (ب) و(م): ((وسبب الخلاف))، وفي (ي): ((وسبب هذه وسبب هذا الخلاف)).
(13) سورة آل عمران؛ الآية: 97.
(14) في (ح) و(ي): ((في البدن)).
(15) في باب الحج عن المعضوب والصبي، الباب قبل السابق.
(16) سقط من (ي).
(17) في (ي): ((وإن)).
(18) قوله : ((الحديث مبينًا)) سقط من (ح).
(19) في (ح): ((الاستطاعة)).(1/156)
الاستطاعة بيِّنةٌ بنفسِها (1) في حقِّ الرجالِ والنساءِ، وأن الأحاديثَ المذكورةَ في هذا لم تتعرضْ (2) للأسفارِ الواجبةِ (3) ؛ ألا ترى أنه قد اتفق على أنها (4) &(3/355)&$ يجبُ عليها أن تسافرَ مع غيرِ ذي محرمٍ إذا (5) خافت على دينِها ونفسِها، وتُهاجرَ من دارِ الكفرِ كذلك (6) ؛ ولذلك (7) لم يُختلفْ في أنها ليس لها أن تسافرُ سفرًا غيرَ واجبٍ مع غيرِ ذي محرمٍ، أو زوجٍ، ويمكنُ أن يقالَ: إن المنعَ في هذه الأحاديثِ إنما خرج لما يؤدِّي إليه من الخلوةِ وانكشافِ عوراتهِنَّ غالبًا، فإذا أمن ذلك بحيث يكون في (8) الرفقة نساء تنحاش إليهن جاز، كما قاله الشافعي، ومالك. وأما مع الرِّجال المأمونين ففيه إشكال؛ لأنه مظنة الخلوة، وكشف العورة. وقد أقام الشرع المظنة مقام العفة في غير ما موضع (9) . والله تعالى أعلم.
وقولُه (10) : ((لا يحل لامرأةٍ)) هو على العمومِ لجميعِ (11) المؤمناتِ؛ لأن ((امرأة)) نكرةٌ في سياقِ النفيِ؛ فتدخلُ (12) فيها (13) الشابةُ والمتجالَّةُ (14) ، وهو قولُ الكافِة. وقال بعضُ أصحابِنا: تخرجُ منه المتجالَّةُ (15) ؛ إذ حالُها (16) كحالِ الرجلِ في كثيرٍ من أمورِها (17) . وفيه بُعدٌ؛ لأن الخلوةَ بها تحرمُ، وما لا يطلعُ عليه من جسدِها غالبًا عورةٌ، فالمظنةُ (18) موجودةٌ فيها، والعمومُ صالحٌ لها؛ فينبغي ألا تخرج (19) منه. والله تعالى أعلمُ.
وقولُه: ((مسيرة (20) ثلاثٍ))، أو((يومين))، أو ((يومٍ وليلةٍ)) لا يُتوهَّمُ منه أنه (21) اضطرابٌ، أو تناقضٌ؛ فإن الرواةَ لهذه الألفاظِ من الصحابةِ مختلفون؛ فروى (22) بعضٌ ما لم يَرْوِ بعضٌ، وكلُّ ذلك قاله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في أوقاتٍ مختلفةٍ بحسبِ ما سُئل عنه (23) . =(3/450)=@
وأيضًا فإن كلَّ (24) ما دون الثلاثِ داخلٌ في %(1/157)%
__________
(1) في (ز): ((في نفسها)).
(2) في (ز) و(ي): ((يتعرض)).
(3) في (ز): ((الواجب)).
(4) في (ز): ((أنه)).
(5) في (ح): ((أو إذا)).
(6) قوله : ((كذلك)) سقط من (ح) و(ي).
(7) كذا في النسخ، وأكثر ناسخي هذه النسخ يلتزم كتابه الكاف صريحة، والصواب: ((وكذلك))؛ لأنه يحكي الاتفاق وعدم الاختلاف في منعها من السفر غير الواجب، دون محرم، ووجوبه – إذا وجب – ولو دون محرمٍ.
وقد نقل النووي في "شرح مسلم" (9/104) نحو عبارة الشارح عن القاضي، لكنها ليست نص ما "الإكمال" (4/445- 446)!
وقد حكى النووي قبل ذكر كلام القاضي اختلاف أصحابهم الشافعيين في سفر المرأة بغير محرم في الأسفار غير الواجبة.
(8) في (ح): ((من)).
(9) قد يقام السبب (أو المظنة) مقام العلة عند تعذر الإطلاع على حقيقة العلة؛ تيسيرا لأمرر على المكلف، ويسقط معه اعتبار العلة، ويدار الحكم على السبب، وهو أقسام:
القسم الأول: أن تكون العلة خفيفة؛ فلا سبيل إلى تعليق الحكم بها فيعلق بسببها، وهو نوعان: أحدهما: أن يكون دليلاً عليها كالعدالة مع الصدق والأبوة في التملك والولاية وعدم القصاص؛ فهنا يعمل بدليل العلة ما لم يعارضه أقوى منه. الثاني: أن يكون حصولها معه ممكنًا؛ كالحدث مع النوم، والوطء في الخلوة الصحيحة.
القسم الثاني: أن تكون ظاهرة في الجملة لكن الحكم لا يتعلق بنوعها وإنما يتعلق بمقدار مخصوص منها وهو غير منضبط؛ كالمشقة مع السفر، والعقل مع البلوغ؛ فإن العقل الذي يحصل به التكليف غير منضبط لنا وكذلك المشقة التي يحصل معها الضرر.
القسم الثالث: أن تكون ظاهرة منضبطة، لكن قد تخفى؛ مثل الإيلاج مع الإنزال، واللمس مع اللذة.
فأما إمساك الخمر إلى ثلاث وتحريم الخليطين والانتباذ في الأوعية، فقد يقال: هو من هذا القسم، وقد يقال: هو من القسم الأول؛ لخفاء مبادئ الإسكار.
ينظر "المسودة" (2/789- 790)، "أصول الشاشي" (1/359- 361).
(10) في (ح) و(ز): ((قوله)).
(11) في (ح): ((جميع)).
(12) في (ز): ((فيدخل)).
(13) سقط من (ح)، وفي (أ) و(ز) و(ي): ((فيه)).
(14) أي : التي كبرت وأسنَّت. [شطب هذا الهامش ولم يشطب من المتن].
(15) من قوله: ((وهو قول الكافة...)) إلى هنا، سقط من (م).
(16) قوله: ((غذ حالها)) في (ز): ((إدخالها)).
(17) نقل هذا الرأي النووي في "شرح مسلم" (9/104) ذكر أن القاضي عياض نسبه إلى الباجي، وكذلك نقله الحافظ في "الفتح" (4/76) وذكر أن ابن دقيق العيد نسبه إلى الباجي. وعبارة "الإكمال" (4/446) ظاهرة في أن هذا الكلام ليس للباجي وإنما هو لـ((غيره))؛ فقد ذكره بعد أن نقل عن الباجي في "المنتقى" (3/82) قوله: وهذا عندي في الانفراد والعدد اليسير، فأما في القوافل العظيمة فهي عندي كالبلاد يصح سفرها دون نساء وذوي محارم)) قال القاضي: قال غيره: وهذا في الشابة فأما المتجالة...))إلخ.
وكذلك عبارة ابن دقيق العيد في "الإحكام" (ص452- 453) ليس فيها تصريح بأنه الباجي – كما نقله الحافظ – وإنما فيها أن هذا قوله ((بعض المالكية)) ثم عبر عنه بقوله: ((أولماكي))، وفي "التاج والإكليل" (2/521) نسبة هذا القول بنصه تقريبا إلى ابن الحكم (ت268هـ).
(18) في (ب) و(م): ((والمظنة)). وفي (ي): ((بالمظنة)) غير منقوطة الباء.
(19) في (م): ((يخرج)).
(20) في (ب): ((ميسرة)).
(21) .
(22) في (أ) و(ح) و(ز) و(ي): ((روى)).
(23) ونحو ذلك وزيادة ذكر القاضي في "الإكمال" (4/447)، قال: وهذا كله ليس يتنافر ولا يختلف، فيكون عليه السلام منع من ثلاث ومن يومين ومن يوم، أو يوم وليلة وهو أقلها. وقد يكون قوله عليه السلام هذا في مواطن مختلفة ونوازل متفرقة، فحدث كل من سمعها بما بلغه منها وشاهدهن وإن حدث بها واحد فحدث مرات بها على اختلاف ما سمعها. وقد يمكن أن يلفق بينها بأن اليوم المذكور مفردًا والليلة المذكورة مفردة بمعنى اليوم والليلة المجموعين؛ لأن اليوم من الليل من اليوم، ويكون ذكره ((يومين)) مدة مغيبها في هذا السفر في السير والرجوع، فأشار مرة بمسافة السفر ومرة بمدة المغيب، وهكذا ذكر الثلاث؛ فقد يكون اليوم الوسط بين السير والرجوع الذي تقضى فيه حاجتها بحيث سافرت له فتتفق على هذا الأحاديث، وقد يكون هذا كله تمثيلا لأقل الأعداد إذ الواحد أو العدد وأقله، والاثنان أول التكثير وأقله، والثلاث أول الجمع، فكأنه أشار أن مثل هذا في قلة الزمن لا يحل لها السفر فيه مع غير ذي محرم.اهـ.
وذكر النووي (9/103) عن البيهقي: كأنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن المرأة تسافر ثلاثًا بغير محرم فقال: لا، وسئل عن سفرها يومين محرم، فقال: لا، وسئل عن سفرها يومًا، فقال: لا... وكله صحيح وليس في هذا كله تحديد لأقل ما يقع لعيه اسم السفر... فالحاصل أن كل ما يسمى سفرًا تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم.اهـ. وانظر: "فتح الباري" (4/75).
(24) سقط من (ب) و(م).(1/157)
الثلاثِ، فيصحُّ أن يعيِّنَ بعضها، ويحكُمَ عليها بحكمِ جميعِها، فينصَّ تارةً على الثلاثِ (1) وتارةً على أقلَّ منها؛ لأنه داخلٌ فيها. وقد تقدَّم الخلافُ في أقلِّ مدةِ السفرِ في بابِ القصرِ (2) .
وقولُه: ((إلا ومعها ذو محرمٍ منها)) هذا يعمُّ ذوي (3) المحارمِ، سواءٌ (4) كان بالصهرِ (5) ، أو بالقرابِة، وهو قولُ الجمهورِ، غير أن مالكًا قد (6) كره سفرَ (7) المرأةِ مع ابنِ زوجِها؛ قال: وذلك لفسادِ الناسِ بعدُ (8) . &(3/356)&$
وقولُه: ((لا تشدُ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ))؛ يعني: لا يسافرُ (9) لمسجدٍ لفعلِ قُربةٍ (10) فيه (11) إلا إلى هذه المساجدِ؛ لأفضليتِها وشرفيتِها (12) على غيرِها من المساجدِ. ولا خلاف في أن هذه المساجدَ الثلاثةَ أفضلُ من سائرِ المساجدِ كلِّها. ومقتضى هذا النهي أن مَنْ نذر المشيَ أو المضيَّ إلى مسجدٍ من سائرِ المساجدِ للصلاةِ فيه، ما عدَا هذه الثلاثةَ، وكان منه على مسافةٍ يحتاجُ فيها إلى إِعمالِ الْمَطِيِّ، وشدِّ رحالِها (13) -: لم يلزمْه ذلك؛ إلا أن يكونَ نذر مسجدًا من هذه المساجدِ الثلاثِة. وقد ألحق محمدُ بنُ مسلمةَ مسجدَ قِباءٍ بهذه (14) المساجدِ، على ما يأتي إن شاء الله تعالى (15) . =(3/451)=@
فصار شدُّ الرِّحالِ في هذا الحديثِ عبارةً عن السفرِ البعيدِ. فأمَّا لو كان المسجدُ قريبًا منه لزمه المضيُّ إليه (16) إذا نذر الصلاةَ فيه؛ إذ لم يتناولْه هذا النَّهيُ (17) . وسيأتي لهذا مزيدُ بيانٍ وتفريعٍ. %(1/158)%
__________
(1) في (م): ((الثلاثة)).
(2) في كتاب الصلاة، باب: ما جاء في قصر الصلاة في السفر.
(3) في (ز): ((ذو)).
(4) في (م): ((سوى)).
(5) في (ز): ((بالصهرية))، وفي (ح): ((بالصغر)).
(6) سقط من (ب) و(ز) و(م).
(7) في (ز): ((سير)).
(8) في (ز): ((بعيد)).
وظاهر هذه العبارة أن هذا التعليل من كلام مالك – رحمه الله-، لكنه تعليل القاضي عيضا وغيره، وعبارته في "الإكمال" (4/448): وكراهة مالك سفرها مع ابن زوجها وإن كان ذا محرم منها، فإنما ذلك لفساد الناس بعدُ (أي: بعد العصر الأول؛ كما شي شرح النووي 9/105) وأن المحرمية منهم في هذا ليست في المراعاة كمحرمية النسب...)) وذكر الباجي في "المنتقى" (3/82) علة ذلك قائلاً: ووجه ذلك عندي ما ثبت للربائب من العدوان وقلة المراعاة في الأغلب، فلا يحصل لها فيه الإشفاق والستر والحرص على طيب الذكر)).اهـ.
وفي "مواهب الجليل" (2/521):
((لكن كره مالك سفرها مع ربيبها أما لفساد الزمان لضعف مدرك التحريم عند بعضهم؛ وعلى هذا فيلحق به محارم محرم الصهر والرضاع. وأما لما بينهما من العداوة فسفرها معه تعريض لضيعتها وهذا هو الظاهر....
وما ذكره عن مالك يفهم منه أنه كرهه مطلقا وليس كذلك إنما كرهه إذا كان أبوه قد طلقها وتزوجت بعده ونصه: وسئل مالك عن سفر الرجل بامرأة أبيه أتراه ذا محرم فقال قال الله سبحانه: {أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] فأتم الآية، وقال: هؤلاء ذو المحرم فأما الرجل يكون أبوه قد طلق المرأة وتزوجت أزواجًا يريد أن يسافر معها فلا أحب ذلك. قال ابن القاسم: وما يعجبني أن يسافر بها فارقها أبوه أو لم يفارقها... ابن رشد: احتجاج مالك بالآية يدل على أنه حمل قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها)) على عمومه في جميع المحارم من نسب أو رضاع، وكراهيته أن يسافر بها إذا كان أبوه قد طلقها وتزوجت الأزواج، استحسان مخافة الفتنة عليه إذ ليست في تلك الحال زوجة لأبيه)).اهـ.
(9) في (ب) و(م): ((تسافر)).
(10) قوله: ((لفعل قربة)) سقط من (أ).
(11) سقط من (أ) و(ب) و(م).
(12) في (ب) و(م): ((وشرفها))، وفي (ح): ((شرفيتها)).
(13) في (ب): ((زحالها)).
(14) في (ي): ((هذه)).
(15) في باب فضل مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
(16) قوله : ((إليه)) سقط من (ز).
(17) حكاه في "الإكمال" (4/449) عن الداودي، واستنبطه الداودي من إتيان النبي - صلى الله عليه وسلم - مسجد قباء.(1/158)
وقولُه (1) : ((مسيرة يوم))، أو ((ليلة)) (2) ؛ لما كان ذِكرُ أحدِهما يدلُّ على الآخرِ ويستلزمُه؛ اكتفى بذكِر أحدِهما عن الآخرِ، وقد جمعهما في الروايةِ الأخرى؛ حيث قال: ((يوم وليلة))، والرواياتُ يُفسِّرُ (3) بعضُها بعضًا. وقد وقع في بعضِ الرواياتِ: ((لا تسافرُ امرأةٌ (4) إلا مع ذي محرم))، ولم يذكرْ مدةً؛ فيقتضي بحكمِ إطلاقِه منعَ السَّفرِ قصيرِه وطويلِه.
وقولُه: ((لا يخلونَّ رجلٌ بامرأة))؛ عامٌّ في المتجالاَّتِ وغيرِهن، وفي الشيوخِ وغيرِهم، وقد اتقى بعضُ السَّلفِ الخلوةَ بالبهيمةِ؛ وقال: ((شيطانٌ مُغْوٍ (5) وأنثى حاضرةٌ)) أو كلامًا هذا معناه. =(3/452)=@
وقولُ الرجلِ: ((إني اكْتُتبت (6) في غزوةِ كذا))؛ أي: أُلزْمتُ وأثبتُّ اسمي في ديوانِ ذلك البعثِ. &(3/357)&$
وقولُه - صلى الله عليه وسلم - للرجلِ (7) : ((انطلقْ فحجَّ مع امرأتِك)) هو (8) فسخٌ لما كان التزم (9) من المضيِّ للجهادِ. ويدلُّ على تأكُّدِ أمرِ صيانةِ النساءِ في الأسفارِ، وعلى أن الزوجَ أحقُّ بالسفرِ مع زوجتِه من ذوي رحمِها؛ ألا ترى أنه لم %(1/159)%
__________
(1) من قوله: ((وسيأتي لهذا...)) إلى هنا، كتب مكانه في (ي): ((من نذر المشي أو المضي إلى مسجد من سائر الناس)).
(2) يعني قوله في الرواية الأخرى: ((مسيرة ليلة)). وانظر الحديث في "التلخيص".
(3) في (أ): ((تفسر)).
(4) قوله : ((امرأة)) سقط من (ز).
(5) في (ي): ((مغر)).
(6) في (ي): ((اكتت)).
(7) سقط من (ي).
(8) في (ي): ((وهو)).
(9) في (ب) و(م): ((ألزم)).(1/159)
يسألْهُ: هل (1) لها (2) محرمٌ أم لا؟ ولأن الزوجَ يطلَّعُ من الزوجة (3) على ما لا يطَّلعُ منها ذو المحرمِ؛ فكان أولى؛ فإذن قوله - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث: ((إلا ومعها ذو محرمٍ)) إنما خرج خطابًا لمن لا زوجَ لها. والله تعالى أعلم (4) .
ومِنْ بابِ ما يقالُ عندَ الخروجِ إلى السفرِ وعندَ الرجوعِ
{سَخَّر} ذلَّل ومكَّن.{مقرنين}: مُطيقين؛ قاله ابنُ عباسٍ (5) ؛ قال الشاعرُ:
لَقَدْ عَلِمَ القَبَائلُ مَا (6) عُقّيْلٌ ... لَنَا في النَّائِباتِ بِمُقْرنِينَا (7)
أي: بمطيقينَ (8) . وقال الأخفشُ: ضابطين. وقال قتادة: مماثلين؛ من (9) القِرْنِ (10) =(3/453)=@ في القتالِ؛ وهو الِمثْلُ. ويحتملُ أن يكونَ من المقارنةِ؛ أي: الملازمِة. &(3/358)&$ و{منقلبون}: راجعون؛ تنبيهًا على المطالبةِ بالشكرِ على ما أنعم، وعلى العدلِ فيما سخَّر.
((البِرُّ)): العملُ الصالُح، والخلُقُ الحسنُ. و((التقوى)): الخوفُ الحاملُ على التحرُّزِ من المكروهِ.
((الصاحبُ))؛ أي: أنت الصاحبُ (11) %(1/160)%
__________
(1) قوله : ((هل)) سقط من (ز).
(2) في (ب) و(م): ((له)).
(3) في (ز): ((الزجة)).
(4) قال الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/115) بعد ذكر الحديث: فدل على أنها لا ينبغي لها أن تحج إلا به، ولولا ذلك لقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((وما حاجتها إليك؛ لأنها تخرج مع المسلمين... ففي ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأمره بذلك وأمره أن يحج معها، دليل على أنها لا يصلح لها الحج إلا به.اهـ.
وقال في "الفتح" (4/77) أخذ بظاهر قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، بعض أهل العلم فأوجب على الزوج السفر مع امرأته إذا لم يكن لها غيره وبه قال أحمد، وهو وجه للشافعية، والمشهور أنه لا يلزم كالولي في الحج عن المريض.اهـ.
(5) أخرجه ابن جرير في "تفسيره" (21/576) عن علي ، عن أبي صالح ، عن معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس { وما كنا له مقرنين }، يقول : مطيقين . وسنده ضعيف . وأورده السيوطي في "الدر المنثور" (7/369)، وزاد نسبته إلى ابن المنذر ، وابن أبي حاتم .
(6) في (أ): ((من)).
(7) البيت من بحر الوافر، وهو لعمرو بن معد يكرب، وليس في "ديوانه" و((عُقيل)) قبيلة. والشاهد فيه قوله: ((بمقرنينا)) أي: ليسوا بمطيقين لنا وليس لهم من القوة ما يماثل قوتنا. والبيت نسبه لعمرو بن معد يكرب. والقرطبي في "تفسيره" (16/59)، وأبو حيان في "البحر المحيط" (8/9)، والسمين الحلبي في "الدر المصون" (9/577)، وابن عادل في "اللباب" (17/238).
(8) في (م): ((بمطيقينا)).
(9) في (م): ((في)).
(10) في (ز): ((القران)).
(11) قوله : ((الصاحب)) سقط من (ح) و(ز).(1/160)
الذي تصحبُنا (1) بحفظِكَ ورعايتِكَ. و((الخليفةُ))؛ أي (2) : الذي تخلُفنا (3) في أهلينا بإصلاحِ (4) أحوالِهم بعدَ مغيبِنا عنهم (5) ، وانقطاعِ نظرِنا عنهم (6) . ولا يسمَّى الله تعالى بـ((الصاحبِ))، ولا بـ((الخليفةِ)) (7) ؛ لعدمِ الإذنِ، وعدمِ تَكرارِهما في الشريعةِ.
و((أعوذ)): أستجيرُ. و((وعثاءُ السفرِ)): مشقتُه وشدتُه؛ وأصلُه من الوَعْثِ: وهو الوَحَلُ، والدَّهْسُ (8) . و((كآبةُ المنظرِ))؛ أي: حُزْنَ المَرْأى، وما يسوءُ منه. و((المنقلَبُ)): الانقلابُ (9) ، وهو مصدرُ ((انقلب)) مَزِيدًا (10) . ((آيبون)): جمعُ ((آيبٍ))، وهو الراجعُ بالخيرِ هنا (11) .
و((تائبون)): جمعُ ((تائبٍ)) من الذنب، وأصلُ التوبةِ الرجوعُ (12) ؛ وكذلك حدَّها بعضُ أئمتِنا بأن قال: ((التوبةُ: هي الرجوعُ (13) عمَّا هو مذمومٌ شرعًا إلى ما هو محمودٌ شرعًا)). وسيأتي القولُ فيها إن شاء الله تعالى (14) . وقد تقدَّم القول في (15) ذنوبِ الأنبياءِ صلواتُ الله وسلامُه عليهم (16) .
((عابدون)):خاضعون متذلِّلون. ((حامدون)): مُثْنُونَ عليه بصفاتِ كمالِه =(3/454)=@ وجلالِه، وشاكرون عوارفَ أفضالِه (17) .
و((الحَوْرُ بعدَ الكَوْرِ)) بالراءِ (18) ؛ هكذا روايةُ العذريِّ وابنِ الحذَّاءِ، ومعناه: الزيادةُ والنقصانُ (19) ،، وقيل: الخروجُ من الجماعةِ بعدَ أن كان فيها؛ يقال: كار عمامتَه؛ أي: لفَّها، وحارها؛ أي: نقَضها،، وقيل: الفسادُ بعدَ الصلاحِ،، وقيل: القلَّةُ بعدَ الكثرةِ،، وقيل: الرّجوعُ من الجميلِ إلى القبيحِ (20) .
ورواه الفارسيُّ وابنُ سعيدٍ (21) - وهو المعروفُ من روايةِ عاصمٍ الأحول ِ-: ((بعدَ الكَوْنِ)) بالنونِ؛ قال أبو عبيدٍ: ((سئل عاصمٌ عن معناه، فقال: ألم تسمعْ إلى قولِهم: ((حار بعدَما كانَ)). %(1/161)%
__________
(1) في (ح) و(غ): ((تصحبنا)).
(2) قوله : ((أي)) سقط من (ب) و(م).
(3) في (م): ((يخلفنا)).
(4) في (ب) و(م): ((بصلاح)).
(5) سقط من (ز).
(6) قوله: ((وانقطاع نظرنا عنهم)) سقط من (ح).
(7) قوله: ((ولا بالخليفة)) في (ح) و(ي): ((والخليفة)).
(8) قوله: ((الوحل والدهس)) في (ح) و(ز): ((الوجل والدهش)). والوحْل والوحَلُ: الطين الرقيق. والدَّهْس: ما غابت فيه قوائم الدواب من الرمال الرقيقة. فالمشي فيها يشتد على صاحبه، ثم جعل الوعث بهذا المعنى مثلا لكل ما يشق على صاحبه.
و((الوعث)) بفتح العين وسكونها وكسرها. ينظر "غريب أبي عبيدة" (1/375)، "تهذيب اللغة" (3/153)، "مشارق الأنوار" (2/290)، و"النهاية" (5/205)، و"المصباح المنير" (ص336، 342)، "تاج العروس" (3/278).
(9) في (م): ((الانفلات)).
(10) في (ز): ((مزيد))، وفي (ي): ((مرتدًا)).
(11) يعني – والله أعلم – أن المقصود هنا ليس مطلق الرجوع؛ فإنه تحصيل حاصل حينئذٍ، لكن المراد الرجوع في حالة خاصة وهي فعل العبادة، واتصافهم بالأوصاف المذكورة من العبادة والتوبة والحمد. قال الحافظ في "الفتح" (11/189). ذكره في "الفواكه الدواني" (1/374).
وقد يقال فيه: راجعون إلى الله بالموت، وأيضًا الأَوْبة: التوبة، والأوَّاب التواب آب إلى الله: تاب من ذنبه "المصباح" (ص20).
(12) قوله : ((وأصل التوبة الرجوع)) سقط من (ح).
(13) من قوله : ((وكذلك حدها ....)) إلى هنا سقط من (ز).
(14) في كتاب الرقاق، باب: وجوب التوبة وفضلها، وفيه بحث جيد في معنى التوبة، وباعثها، نقله عنه الحافظ في "الفتح" (11/103).
(15) في (ح): ((من)).
(16) في كتاب الإيمان، باب: ما خص به نبينا - صلى الله عليه وسلم - من الشفاعة العامة. ومناسبة ذكر الشارح لهذا هنا قوله - صلى الله عليه وسلم - ((تائبون)) والتوبة تكون من الذنب؛ ولدلالته على التقصير في العبادة؛ فيكون - صلى الله عليه وسلم - قاله تواضعًا وتعليمًا؛ كقوله: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا)).
(17) ؟؟؟.
(18) في (ز): ((قالوا)).
(19) في هذه العبارة لفٌّ ونشر غير مرتب؛ يريد أن ((الحور)): النقصان و((الكور)): الزيادة. وانظر ما يأتي.
(20) وكل هذا من ((حار)) بمعنى: رجع، أو نقض عمامته، و((كار)) بمعنى: زاد، أو: لف عمامته. قال أبو عبيد: وكل هذا قريب بعضه من بعض في المعنى.اهـ. وقال الخطابي: وأكثر ما يراد بالحور: الرجوع إلى النقص.اهـ. وقيل: إن معناه: من التردد في الأمر بعد المضي فيه؛ أخذه من ((الحور)) بمعنى المراجعة والمراددة في الكلام.
وانظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (1/276- 277)، "المعلم" (2/74)، و"الإكمال" (4/452)، "غريب الخطابي" (2/194- 195، 307- 308)، "مشارق الأنوار" (1/215)، "النهاية" (1/458)، (4/208، 211)، "شرح النووي" (9/111)، "التعاريف" للمناوي (1/299)، "لسان العرب" (4/218)، (5/154- 155)، "المصباح" (ص83، 280)، "التاج" (6/313)، (7/461).
(21) في (ح): ((سعد)).(1/161)
يقولُ: إنه كان (1) على حالةٍ جميلةٍ فحار عن (2) ذلك؛ أي رجع)) (3) . قال أبو إسحاق الحربيُّ: يُقال: إن عاصمًا وَهَمَ فيه؛ وصوابهُ: ((الكَوْرُ)) بالراءِ (4) . والله تَعَالى أعلم. &(3/359)&$
وإنما استعاذ من دعوةِ المظلومِ؛ لأنها (5) مستجابةٌ؛ كما جاء في "الصحيحِ" (6) ، ولما تضمنتْه من كفايةِ الظلمِ ورفعِه.
و((قَفَلَ)): رَجَعَ من سفرِه، و((القافلةُ)) (7) : الرَّاجعون من السفرِ، ولا يقالُ لهم =(3/455)=@ سفي مبدئِهم (8) : ((قافلةٌ))؛ قاله القتيبيُّ (9) وغيرهُ، لكن (10) رفقةٌ.
و((الجيوشُ)): جمع جيشٍ، وهو العسكرُ العظيمُ. و((السَّرايا)): جمعُ سَريةٍ، وهي دون الجيشِ. وسُمِّيت بذلك لأنها تَسْري (11) بالليلِ. وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ((خَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ، وَلَنْ تُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ (12) )) (13) .
و((أَوْفى)): أَقبل وأَطلَّ. و((الثنيَّةُ)): الهَضْبَةُ، وهي الكَوْمُ دونَ الجبلِ (14) . و((الفَدْفَدُ (15) )): ما غَلُظَ من الأرضِ وارتفعَ، وجمعهُ: ((فَدَافِدُ)) (16) .
وتكبيرُه - صلى الله عليه وسلم - %(1/162)%
__________
(1) قوله : ((كان)) سقط من (ز).
(2) في (ز): ((على)).
(3) قول أبي عبيد في "غريب الحديث" (1/276).
(4) نقل هذا عن الحربي القاضي عياض في "الإكمال" (4/452). قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (9/111): ((وليس كما قال الحربي، بل كلاهما روايتان ، وممن ذكر الروايتين جميعًا الترمذي في "جامعه" وخلائق من المحدثين ، وذكرهما أبو عبيد وخلائق من أهل اللغة وغريب الحديث ، قال الترمذي بعد أن رواه بالنون : ويروى بالراء أيضًا ، ثم قال : وكلاهما له وجه)). اهـ.
وهذه الرواية التي بالنون، من ((الكون)) مصدر ((كان يكون)) التامة بمعنى وجدد استقر. ومنه يقال للرجل: ((كُنْتِيٌّ)) إذا كان لا يزال يقول: كنت شابا، كنت شجاعًا؛ بمعنى أنه كان صالحًا ثم تحول امرأ سَوْءٍ. ويقال له أيضًا: ((كأنِيٌّ))؛ يقول: كان لي، قال: فكنت أهب، وكان لي خيل فكنت أركب. ونحوه. "غريب الحديث" للخطابي (2/194)، "شرح النووي" الموضع السابق.
(5) في (ز): ((لأنه)).
(6) أخرج البخاري في "صحيحه" (1425 و2316 و4090) من حديث ابن عباس في قصة بعث معاذ إلى اليمن ، وفيه : ((واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينه وبين الله حجاب)).
وأخرج البخاري في "صحيحه" (2894) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استعمل مولى له يدعى: ((هنيا)) على الحمى ، فقال : يا هني ! اضمم جناحك عن المسلمين ، واتق دعوة المظلوم ، فإن دعوة المظلوم مستجابة .
(7) في (ز): ((والقافلون)) والمعنى واحد.
(8) في (م): ((مبدتهم)).
(9) في (أ) و(ح) و(ي): ((القتبيّ))، وكلاهما صواب، وهو ابن قتيبة، تقدم الكلام على نسبته وترجمته في أول الكتاب، في باب شرح ما جاء في خطبته.
وقد خطأ إطلاق ((القافلة)) على الجماعة المبتدئة السير، ورأى أن ((القافلة)): الراجعون، فقط – ابن الأنباري في "الزاهر في معاني كلمات الناس"، وابن قتيبة في "أدب الكاتب"، وتبعه الحريري في "درة الغواص"، وعبارة ابن قتيبة: ((ومن ذلك القافلة، يذهب الناس إلى أنها الرفقة في السفر ذاهبة كانت أو راجعة، وليس كذلك إنما القافلة الراجعة من السفر.. ولا يقال لمن خرج من العراق إلى مكة قافلة حتى يصدروا)).اهـ. وعبارة ابن الأنباري: ((والعامة تخطئ في القافلة....))إلخ. وعبارة الحريري: ((ويقولون: ((ودعت قافلة الحاج)) فينطقون بما يتضاد الكلام فيه؛ لأن التوديع إنما يكون لم يخرج إلى السفر والقافلة اسم للرفقة الراجعة إلى الوطن، فكيف يقرن بين اللفظين مع تنافي المعنيين؟!)).اهـ.
وغلط ابن قتيبة الأزهري في "تهذيب اللغة"؛ قال بعد أن ذكر كلام ابن قتيبة: وهو عندي غلط؛ لأن العرب لم تزل تسمى المنشئة للسفر ((قافلة)) على سبيل التفاؤل، وهو سائغ في كلام فصحائهم إلى اليوم)).اهـ. أي: تفاؤلاً بقفولها ورجوعها. ونقل هذا عن الأزهري صاحب "التكملة" و"الذيل" و"الصلة"، و"المصباح"، و"اللسان"، و"التاج". وقال ابن ظفر في حواشي "درة الغواص": ما ذكره أبو محمد (الحريري) مقول منقول، والذي يدفعه أن الرفقة سميت قافلة قبل قفولها تفاؤلا لها بالقفول؛ وهذه كتسميتهم الدمَّل ((دمَّلا)) قبل اندماله، واللديغ سليما قبل سلامته، والبيداء مفازة.اهـ.
وقال الشهاب الخفاجي في "شرح الدرة": تبع (الحريري) في هذا ابن قتيبة، وليس بشيء...)) ثم ذكر نحو كلام ابن ظفر وحكى كلام الأزهري.
وقد ذكر المعنيين القاضي في "المشارق" والنووي في "شرح مسلم" ، و"تحرير التنبيه"!
"الزاهر" (2/70)، "أدب الكاتب" (ص24)، "درة الغواص مع شرحها وحواشيها وتكملتها" (ص348، 790)، "تهذيب اللغة" (9/160- 161)، "التكملة والذيل والصلة" (5/490)، "المصباح" (ص264)، "مشارق الأنوار" (2/192)، و"شرح النووي على صحيح مسلم" (6/171)، "تحرير التنبيه" (ص185)، "لسان العرب" (11/560) (قفل))، و"تاج العروس" (15/623- 624) (قفل).
وخبر الكلام في التقضي من "أغلاط الصوام" (ص44).
(10) قوله: ((لكن)) في (ح): ((تكن))، وفي (ب) و(م): ((لا تكون))، وفي (ي): ((بكسر))!!.
(11) سَرَيْتُ الليلَ، وبالليل، وأَسْريت (لغةٌ حجازية): قطعته بالسير. ومنه ((السُّرَى))؛ جمع ((سَرْية)) و((سُرْية)). تقول: سَرَيْتُ سَرْيةً من الليل. "المصباح" (ص144) بتصرف.
(12) في (ح): ((القلة)).
(13) هذا الحديث يرويه الزهري واختلف عليه في وصله وإرساله.
فأخرجه أحمد (1/294)، وعبد بن حميد (ص218 رقم652)، وأبو داود (3/82 رقم2611) في الجهاد ، باب فيما يستحب من الجيوش والرفقاء والسرايا ، والترمذي (4/105-106 رقم1555) في السير ، باب ما جاء في السرايا ، وأبو يعلى (4/459 رقم2587)، وابن خزيمة (4/140 رقم2538)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (2/45 رقم572)، وابن حبان (11/17 رقم4717/ الإحسان) من طريق أبي يعلى، والحاكم (1/443) و(2/101)، والبيهقي (9/156) - جميعهم من طريق جرير بن حازم ، عن يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((خير الأصحاب أربعة ، وخير السرايا أربعمائة ، وخير الجيوش أربعة آلاف ، ولن يغلب اثنا عشر ألفًا من قلة)).
قال أبو داود : ((والصحيح أنه مرسل)). وقال الترمذي : (( هذا حديث حسن غريب لا يسنده كبير أحدٍ غير جرير بن حازم ، وإنما روي هذا الحديث عن الزهري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ، وقد رواه حبان بن علي العنزي، عن عقيل، عن الزهري ، عن عبيدالله بن عبدالله ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ورواه الليث بن سعد ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً)).اهـ.
وقال الحاكم : ((هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، والخلاف فيه على الزهري من أربعة أوجه قد شرحتها في كتاب "التلخيص")).اهـ. ووافقه الذهبي .
وقال البيهقي : (( تفرد به جرير بن حازم موصولاً ، ورواه عثمان بن عمر ، عن يونس ، عن عقيل، عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطعًا ، قال أبو داود : أسنده جرير بن حازم وهو خطأ)). اهـ.
وتعقبه ابن التركماني بقوله : ((هذا ممنوع ؛ لأن جريرًا ثقة ، وقد زاد الإسناد فيقبل قوله ، كيف وقد تابعه غيره ؟!)) اهـ.
قال الألباني في "الصحيحة" (2/683): ((وعثمان بن عمر هو ابن فارس العبدي ، وهو أوثق من جرير، فقد اتفقوا على توثيقه ، بل قال العجلي : ثقة ثبت)).اهـ.
وقال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (3/483- 484 رقم 1250) – بعد أن حكى كلام الترمذي - : ((فعليه إذن عنده: الاختلاف فيه بالإسناد والإرسال وذلك غير قادح في نظر غيره، فالحديث صحيح)).اهـ.
وقد توبع جرير على وصله:
فأخرجه أحمد (1/299)، والدارمي (2/215) في السير، باب في خير الأصحاب والسرايا والجيوش.
وأبو يعلى (5/103- 104 رقم 2714)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (2/46، 47 رقم573 و574)، وابن عديٍ (2/427).
والقضاعي في "مسند الشهاب" (2/225 و226 رقم1237 و1239) من طريق الطحاوي وغيره . جميعهم من طريق حبان بن علي (زاد بعضهم : ومندل)، عن عقيل (زاد بعضهم : ويونس)، عن ابن شهاب ، به .
وفي سنده حبان بن علي ، ومندل بن علي ، وكلاهما ضعيف ، كما في "التقريب" (ص217 و970 رقم1084 و6931). وجرير بن حازم فيه ضعفي سير من قبل حفظه ، كما قال الحافظ في "التقريب" (ص196 رقم919): ((ثقة ، لكن في حديثه عن قتادة ضعف ، وله أوهام إذا حدث من حفظه)).
قال الألباني في "الصحيحه" (2/683): ((وعلى افتراض أن جريرًا حفظه عن يونس - وهو ابن يزيد الأيلي - فيكون هذا هو المخطئ في وصله ، فإنه وإن كان ثقة محتجًّا به في "الصحيحين " فإن له أوهامًا كما بينه الحافظ في "مقدمة الفتح" (455)، فقال : وثقه الجمهور مطلقًا ، وإنما ضعفوا بعض رواياته ؛ حيث تخالف أقرانه ، أو يحدث من حفظه ، فإذا حدث عن كتابه فهو حجة . وقال في "التقريب" -(ص1100 رقم7976)-: ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهمًا قليلاً ، وفي غير الزهري خطأ . وهذا الحديث مما أخطأ فيه على الزهري - إن لم يكن أخطأ عليه جرير بن حازم كما تقدم - وذلك لأنه خالفه ثقتان احتج بهما الشيخان)).اهـ.
وهذان الثقتان هما : عقيل ، ومعمر :
أما رواية عقيل : فأخرجها سعيد بن منصور في "سننه" (2/150 رقم2387) عن عبدالله بن المبارك ، عن حيوة . ومن طريق سعيد أخرجه أبو داود في "المراسيل" (ص238 رقم313). وأخرجها الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (2/48 رقم575) من طريق عبدالله بن صالح ، عن الليث؛ كلاهما - حيوة ، والليث - عن عقيل ، عن الزهري مرسلاً .
وأما رواية معمر : فأخرجها عبدالرزاق في "المصنف" (5/306 رقم9699) عن معمر ، عن الزهري ، مرسلاً .
قال الألباني في "الصحيحة" (2/648): ((فاتفاق هذين الثقتين على رواية الحديث عن الزهري مرسلاً ، مما يؤكد للمتأمل وَهْم جرير أو يونس في وصله عن الزهري ، عن عبيدالله ، عن ابن عباس . وإذا تبينت هذا ، فستعرف أن رواية حبان بن علي ، عن يونس وعقيل مما لا يصلح للاستشهاد به لمخالفته - مع ضعفه في نفسه كما تقدم - لرواية الثقتين المذكورين كما هو ظاهر .
وإنه مما يؤكد ما تقدم من التحقيق جزم أبي داود والبيهقي بخطأ الرواية المسندة كما تقدم ، وكذلك قال غيرهما ؛ مثل أبي حاتم وابنه ، فقد ساق هذا الحديث في كتابه "العلل " (1/347 رقم1024) من الوجهين المسندين - أعني طريق جرير وحبان-، ثم قال : فسمعت أبي يقول : مرسل أشبه . لا يحتمل هذا الكلام أن يكون كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - )).اهـ.
قلت-: لعل نفي ابن أبي حاتم رحمه الله لهذا الاحتمال إنما هو لمخالفة الحديث لظاهر قوله تعالى: {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم- مائة يغلبوا ألفًا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون. الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين}.
تفرد به جرير بن حازم موصولاً، ورواه عثمان بن عمر عن يونس عن عقيل عن الزهري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منقطعًا. قال أبو داود: أسنده جرير بن حازم، وهو خطأ.
قلت: وعثمان بن عمر هو ابن فارس العبدي، وهو أوثق من جرير، فقد اتفقوا على توثيقه، بل قال العجلي: ثقة ثبت. ومما يؤيد ما قلت أنك إذا قابلت قول الحافظ المتقدم في جرير بقوله في عثمان هذا: إنه ثقة، قيل: كان يحيى بن سعيد لا يرضاه،. وقول يحيى جرح غير مفسر فلا قيمة له، وبخاصة مع اتفاق الأئمة الآخرين على توثيقه.
(14) تقدم تفسير "التنبيه" والتعليق عليه، في باب من أين دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة والمدينة.
(15) في (م): ((الفقد )) وكُتب فوقها بخط مشرقي: ((الفدفد)).
(16) قال القاضي في "الإكمال" بعد أن نقل هذا التعريف عن المازري: هذا قول أبي زيد. وقال ابن الأنباري: الأرض الغليظة ذات الحصى فلا تزال الشمس تبرق فيها. وقال غيرهما: فلاة فدفد: لا شيء فيها.اهـ. وفي "الصحاح": الفدفد الأرض المستوية.اهـ. وانظر "تهذيب اللغة" (14/74)، "الصحاح" (2/518)، "غريب الخطابي" (1/274، 506)، "المعلم" (2/؟؟؟)، و"الإكمال" (4/454)، و"المشارق" (2/149)، والنووي (9/113)، و"النهاية" (3/420).(1/162)
هذه في المواضعِ المرتفعِة إشعارٌ بأن أكبريَّةَ كل كبيرٍ إنما هي منه، وأنها محتقرةٌ بالنسبة إلى أكبريَّتِهِ تعالى وعظمتِه (1) ، وتوحيدُه الله (2) تعالى هناك: إشعارٌ بانفرادِه سبحانه وتعالى بإيجادِ جميعِ الموجوداتِ، وبأنه المأْلوهُ؛ أي: المعبودُ في كلِّ &(3/360)&$ الأماكنِ من الأرضَينَ والسمواتِ؛ كما قال تعالى: {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} (3) .
و((الْمُلْكُ)) و((الْمِلْكُ)): أصلُه الشدَُّّ والرَّبْطُ (4) ، و((الْمُلك)) – بالضمِّ - يتضمَّنُ الْمِلكَ بالكسرِ، ولا يَنعكسُ (5) . و((ساجدين (6) )): جمعُ ((ساجدٍ))، وأصلُه الخضوعُ والتذلُّل؛ ومنه قولُ الشاعرِ:
.................................. ... تَرَى الأُكْمَ فيها سُجَّدًا لِلْحَوافِر (7)
أي: متذلِّلةً خاضعةً. =(3/456)=@
وقولُه - صلى الله عليه وسلم - : ((صدق الله وعدَه، ونصر عبده))؛ خبرٌ (8) عن وفاءِ الله بما وعد (9) به على جهةِ الثناءِ والشكرِ؛ حيثُ (10) قال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض} (11) الآيةَ، وقال: {ولينصرن الله من ينصره} (12) . ويعني بقولِه: ((عبدَه)) نفسَه. %(1/163)%
__________
(1) وقال القاضي عياض في مناسبة التكبير: وقيل تكبيره عليه السلام في رجوعه إظهار لكلمة الإسلام وتعظيم لله؛ لأن سفره عليه السلام إنما كان بذلك كلما علا شرفا: حيث يرى ما فتحه الله عليه من الأرض ومكّن دينه منها؛ ولأن مواضع الإعلان بالذكر: مما علا وشرف كالأذان. "الإكمال" (4/454).
(2) قوله: ((وتوحيده الله)) في (أ) و(ح) و(ي): ((توحيده لله)).
(3) سورة الزخرف؛ الآية: 84.
وقد نقل هذه العبارة عن الشارح، الحافظ في "الفتح" (11/189).
(4) من مَلكتِ المرأةُ العَجينَ: شدَّدته وقوتْه وأَجادت عجنه. "المصباح" (ص299).
(5) في (ز): ((ينعكس)). وقال في أبو هلال العسكري: والفرق بين الملُك والمِلك: هو استفاضة المِلك وسعة المقدور لمن له السياسة والتدبير. والمِلك: استحقاق تصريف الشيء لمن هو أولى من غيره.اهـ. "الفروق اللغوية" (ص207)، و"مفردات ألفاظ القرآن" (ص774)، و"الكليات" (ص853)، و"لسان العرب" (10/492- 493)، و"تاج العروس" (13/646- 647).
(6) في (ب): ((ساجدون)).
(7) عجز بيت من بحر الطويل، لزيد الخيل الطائي الصحابي، والبيت بتمامه:
بِجَمْعٍ تَضِلُّ الْبُلْقُ في حَجَرَاتِهِ ... تَرَى الأُكْمَ فِيها سُجَّدًا لِلْحَوَافِرِ
ويروي: ((بجيش تضل...)). وتقدم البيت بتمامه، وتخريجه والتعليق عليه، في كتاب الإيمان، باب: ترك الصلاة جحدًا أو تسفيهًا للأمر، كفرٌ.
والشاهد فيه هنا: ((سجدًا)) بمعنى: خاضعة متذللة.
البيت في أضداد ابن الأنباري (ص257)، وتصحيح الفصيح (ص2277).
(8) في (ح): ((أخبر)). [شطبت من الحاشية ولم تشطب من المتن].
(9) في (أ): ((وعده)).
(10) في (ز): ((كما)).
(11) سورة النور؛ الآية: 55.
(12) سورة الحج؛ الآية:40.
ووقع في غير (أ): ((ينصره ورسله))، اختلط على النساخ مع قوله تعالى: {وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز} [الحديد: 25].(1/163)
وقولُه: ((وهزم الأحزابَ وحدَه))؛ أي: مِنْ غيرِ محاولةٍ من أحدٍ، ولا سببٍ (1) ولا شركةٍ، بل (2) كما قال تعالى: {فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها} (3) . ويحتملُ أن يكونَ هذا الخبرُ بمعنى الدعاءِ؛ كأنه قال: اللهمَّ افعلْ ذلك وحَدك. والأولُ أظهرُ.
و((الأحزابُ)): جمعُ حزبٍ، وهو القطعةُ المجتمعةُ من الناسِ، ويعني بهم هنا على التأويلِ المتقدمِ: الجيشَ الذين (4) حاصروه بالمدينةِ، ثم نصره (5) الله تعالى عليهم بالريحِ، وعلى التأويلِ الثاني: يعني بهم كلَّ من يتحزَّبُ من الكفارِ عليه ويجتمعُ. والله أعلمُ (6) . =(3/457)=@ &(3/361)&$ %(1/164)%
__________
(1) في (ز): ((بسبب)) غير منقوطة الباء الأولى.
(2) سقط من (ز).
(3) سورة الأحزاب؛ الآية: 9.
(4) قوله: ((الجيش الذين)) في (أ): ((الجيش الذي))، وفي (م): ((والجيش الذين)).
(5) في (ز): ((نصر)).
(6) قوله : ((والله أعلم)) زيادة من (ب) و(ز) و(م). وقد رجح القاضي عياض أن المراد الأول؛ أي: الأحزاب الذين تجمعوا يوم الخندق. وقال عنه النووي: وهو المشهور. قال القاضي وعلى هذا المعنى ينعطف قوله: ((صدق الله وعده)) تكذيبًا لقول المنافقين في (قصة الخندق) والذين في قلوبهم مرض: ما وعدنا الله ورسوله إ لا غرورا.اهـ. وقد ذكر الحافظ على هذا القول اعتراضا بأن هذا يتوقف على أن هذا الدعاء شرع بعد الخندق، وأجاب قائلاً: إن غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - التي خرج فيها بنفسه محصورة، والمطابق منها لذلك غزوة الخندق؛ لظاهر الآيات التي في سورة الأحزاب، وذكر الآيات. ثم نقل من الشارح بعض كلامه هنا، وكله كلام القاضي أعاد صياغته الشارح.
"الإكمال" (4/454)، "شرح النووي" (9/113)، "فتح الباري" (11/190).(1/164)
ومن بابِ التعريسِ بذي الحليفةِ إذا صَدَرَ من الحجِّ أو العمرةِ
((صَدَرَ)): رَجَعَ، والمصدَرُ: الموضعُ الذي يُصْدَر منه، وبه سُمِّي المصدرُ النَّحْوِيُّ. و((الإناخةُ)): تنويخُ الإبلِ. ويقالُ: أنختُ الجملَ فَبَركَ. ولا يقالُ: فَنَاخَ (1) . و((التعريسُ)): النزولُ (2) من آخرِ الليلِ؛ قاله الخليلُ، والأصمعيُّ، وغيرُهما (3) . وقال أبو زيدٍ: ((عرَّس القومُ في المنزلِ؛ أي (4) : نزلوا به، أيِّ وقتٍ كانَ من ليلٍ أو نهارٍ)) (5) . والأولُ أعرفُ. والتعريسُ بذي الحليفةِ ليس من سننِ الحجِّ ولا العمرةِ، ولكنَّه يستحبُّ (6) تبرُّكًا بالنبيِّ (7) - صلى الله عليه وسلم - ،، وأيضًا: فإنَّها بطحاءُ مباركةٌ، كما جاء في الحديثِ الآتي بعدُ، وقد استحبَّ مالكٌ النزولَ به (8) ، والصلاةَ فيه، وقال: إن لم يكنْ وقتَ صلاةٍ؛ أقام به حتى يحلَّ (9) وقتُ الصلاةِ. وقيل: إنما نزل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالناسِ لئلا يَفجؤوا أهليهم =(3/458)=@ ليلاً؛ كما قد &(3/362)&$ نهى (10) أن يأتيَ الرَّجلُ أهلهَ طُروقًا حتى تمتشِطَ (11) الشَّعْثةُ وتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ (12) . ومعنى ذلك: أن الرجلَ إذا فجأ أهلَه من سفرهِ ربما وجدَها على حالةٍ يستقذرُها من الشعثِ والتَّفَل (13) ، ورَثَاثةِ الهيئةِ؛ فيكونُ ذلك سببًا لفقدِ الألفةِ وعدمِ الصحبةِ. وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - إرشادٌ إلى أمرِ مصلحيٍّ ينبغي للأزواجِ أن يراعوه. و((يتحرَّى))؛ أي (14) : يقصدُ. والله أعلم (15) . %(1/165)%
__________
(1) "اللسان" (3/65)، و"تاج العروس" (4/322).
(2) ((النزول)) موضعها في (ي): ((بذي الحليفة)).
(3) "العين" (1/328)، و"الصحاح" (3/948).
(4) قوله : ((أي)) زيادة من (ب) و(م).
(5) في "النوادر" (ص212)، وعبارته: ((وقالوا: عَرَّس القدم تعريسًا في المنزل، حيث نزلوا بأيِّ حينٍ كان من ليلٍ أو نهار)).اهـ. ونقلها عنه في "المصباح" (ص208). وما نقله الشارح هنا القاضي في "الإكمال" (4/456).
يقال: أعرض، عرَّس. والأولى لغة قليلة، والأخرى أكثر. والمعرّس: موضع التعريس، ومنه سمِّي ذو الحليفة. ((المعرس)). وانظر: "النهاية" (3/206)، و"اللسان" (6/136- 137)، "التاج" (8/361).
(6) سقط من (ح). وفي (أ) و(ز): ((مستحب)).
(7) تقدم التعليق على مسألة التبرك بآثار النبي - صلى الله عليه وسلم - ومواضعه التي نزل فيها، وفعل ابن عمر رضي الله عنهما لذلك. في باب من أين دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة والمدينة ومن أين خرج.
(8) قوله : ((به)) سقط من (ز).
(9) في (ب): ((تحل)).
(10) في (ي): ((ذهب)).
(11) في (ز): ((يمتشط)).
(12) المغيبة: التي غاب زوجها؛ يقال: أغابت المراة، فهي مُغيبٌ ومُغِيبةٌ. "المصباح" (ص237). وسيأتي نهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن طروق الأهل في النكاح ، باب من قدم من سفر فلا يعجل بالدخول .
(13) في (أ): ((تحل)).
(14) قوله : ((أي)) زيادة من (ب) و(م).
(15) قوله : ((والله أعلم)) زيادة من (ز).(1/165)
ومن بابِ فضلِ يومِ عرفةَ، ويومِ الحجِّ الأكبرِ (1)
قولُه: ((يؤذنون في الناسِ يومَ النحرِ: لا يحجّ بعدَ العامِ مشركٌ)) هذا يدلُّ على أن يومَ الحجِّ الأكبرِ يومُ النحرِ؛ كما قاله حميدٌ، وهو قولُ سعيدِ بنِ جبيرٍ، =(3/459)=@ ومالكٍ. وقالت طائفةٌ: إنه يومُ عرفَة، وبه قال عمرُ (2) ، وهو قولُ الشافعيِّ (3) . وقال مجاهدٌ: الحجُّ الأكبرُ القِرانُ: والأصغرُ: الإفرادُ. وقال الشعبيُّ: الحجُّ الأكبرُ: الحجُّ، والأصغرُ: العمرةُ.
والأَوْلى: القولُ الأولُ؛ بدليلِ أن الله تعالى أمر نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - بأن يؤذنَ في الناسِ يومَ الحجِّ الأكبرِ، فأذَّن المبلِّغون عنه يومَ النحر بمنًى. وفي ((كتابِ &(3/363)&$ أبي داودَ)) من حديثِ ابنِ عمرَ (4) ، وأبي هريرة (5) رضي الله عنهم (6) ؛ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ))، وهذا يرفعُ كلَّ إشكالٍ، ويريحُ من تلك الأقوالْ. %(1/166)%
__________
(1) قوله: ((يوم الحج الأكبر)) سقط من (م).
(2) أخرجه ابن أبي شيبة (3/360 رقم15103) في الحج ، باب في يوم الحج الأكبر ، وابن أبي حاتم (6/1748 رقم9228)، وابن جرير (14/114 رقم16385 و16386) - جميعهم من طريق عمر بن الوليد الشني ، عن شهاب بن عباد العصري ، عن أبيه، قال : قال عمر : يوم الحج الأكبر : يوم عرفة .
وسنده ضعيف؛ شهاب بن عباد العصري: روى عنه جمع ، وذكره ابن حبان في "الثقات" (4/362)، وقال الدارقطني : صدوق زائغ . "تهذيب التهذيب" (2/181)، وفي "التقريب" (441 رقم2843): مقبول. وذكره البخاري في "تاريخه" (6/34 رقم1600)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (6/88 رقم452)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً . وأورد الأثر السيوطي في "الدر المنثور" (؟؟؟/129)، وزاد نسبته إلى ابن سعد ، وأبي الشيخ .
(3) قوله: ((وهو قول الشافعي)) كذا حكى نسبة ذلك إلى الشافعي القاضي في "الإكمال" (4/458) عن المازري في "المعلم" (2/75). قال النووي في "شرح مسلم" (6/116): ((ونقل القاضي عياض عن الشافعي أنه يوم عرفة، وهذا خلاف المعروف من مذهب الشافعي)).اهـ. وقال في "المجموع" (8/201- 202): والصحيح الذي قاله الشافعي وأصحابنا وجماهير العلماء وتظاهرت عليه الأحاديث الصحيحة أنه يوم النحر)).اهـ.
(4) أخرجه البخاري معلقًا (3/574 رقم1742) في الحج ، باب الخطبة أيام منى، عن هشام بن الغاز ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما : وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج بهذا ، وقال : ((هذا يوم الحج الأكبر))، فطفق النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ((اللهم اشهد))، وودع الناس فقالوا : هذه حجة الوداع .
ووصله أبو داود (2/483 رقم1945) في المناسك ، باب يوم الحج الأكبر ، وأبو عوانة في "مستخرجه"(3/394)، والحاكم (2/331) - ثلاثتهم من طريق الوليد بن مسلم. وأخرجه ابن جرير (14/124 رقم16447)، وابن أبي حاتم (6/1748 رقم9227)، والبيهقي (5/139-140) - ثلاثتهم من طريق أبي جابر محمد بن عبدالملك . وأخرجه ابن ماجه (2/1016 -1017 رقم3058) في المناسك ، باب الخطبة يوم النحر ، عن هشام بن عمار ، عن صدقة بن خالد -: ثلاثتهم (الوليد بن مسلم ، ومحمد بن عبدالملك ، وصدقة بن خالد)، عن هشام بن الغاز ، به .
قال الحاكم : ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة ، وأكثر هذا المتن مخرج في "الصحيحين" إلا قوله : ((إن يوم الحج الأكبر يوم النحر سنة))؛ فإن الأقاويل فيه عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم على خلاف بينهم فيه ، فمنهم من قال : يوم عرفة ، ومنهم من قال : يوم النحر)). ووافقه الذهبي على صحته .
والحديث أورده السيوطي في "الدر المنثور" (4/127)، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن مردويه ، وأبي الشيخ ، وأبي نعيم في "الحلية". [يراجع التخريج لحديث أبي هريرة].
(5) هو حديث الباب .
(6) من قوله: ((أبي داود من...)) إلى هنا، في (أ) موضعه بياض بمقدار ثلاث كلمات، من سقط ملحق بالحاشية.(1/166)
وقولُه: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة))، روينا: ((أكثر)) رفعًا ونصبًا فرفعُه على التميمية، ونصبُه على الحجازيةِ (1) . وهو في الحالينِ خبرٌ لا وصفٌ. والمجروران (2) بعده مُبَيِّنَانِ (3) ؛ فـ((من (4) يوم عرفة)) يبيِّنُ (5) الأكثريةَ مما هي (6) ، و((من أن يعتق)) يبيِّن المميِّزَ (7) . وتقديرُ الكلامِ: ما يومٌ أكثرُ مِنْ يومِ عرفةً عتيقًا (8) من النارِ. والله أعلمُ (9) .
وقوله: ((وإنه ليدنو))؛ هذا الضميرُ عائدٌ إلى الله تعالى، والدُّنوُّ دنوُّ إفضالٍ وإكرامٍ، لا دنوُّ انتقالٍ ومكانٍ؛ إذ يتعالى عنه ويتقدَّسُ (10) . =(3/460)=@
وقولُه: ((ثم يباهي بهم الملائكة))؛ أي: يُثني عليهم عندَهم، ويعظمُهم بحضرتِهم؛ كما قال في الحديثِ الآخرِ (11) : يقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ (12) : ((انْظُرُوا إلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعثًا غُبْرًا، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ))، وكأنَّ هذا والله أعلمُْ، تذكيرٌ (13) للملائكِة بيوم (14) -: {أتجعل فيها من يفسد فيها (15) }. وإظهارٌ لتحقيقِ قولِه تعالى: {إني أعلمْ} (16) .
وقولُه: ((ما أراد هؤلاء))؛ أي: إنما حملهم على ذلك؛ حتى خرجوا عن (17) أوطانِهم، وفارقوا أهليهم ولذَّاتِهم - ابتغاءُ مرضاتِي (18) ، وامتثالُ (19) أمري. والله أعلمُ (20) . &(3/364)&$ %(1/167)%
__________
(1) ما النافية الداخلة على الاسم؛ للعرب فيها مذهبان: مذهب أهل الحجاز ونجد وتهامة، يرجونها مُجرى ((ليس)) في العمل بشروط: ألا ينقض نفيها بـ((إلا))، وألا يتقدم خبرها على اسمها، وألا تدخل عليها ((إنْ)) النافية، وألا يتقدم معمول خبرها على اسمها غير الظرف والجار والمجرور، وزاد بعضهم: وألا تؤكد بمثلها، وألا يبدل من خبرها بدل مصحوب بـ((إلا)). وتسمى هذه ((ما)) ((الحجازية)).
والمذهب الثاني إهمالها وعدم إعمالها عمل ((ليس))، وحكاه سيبويه عن بني تميم، وتسمى ((ما التميمية)). والتميمية أقوى قياسًا، والحجازية أكثر استعمالاً ووردت في القرآن: {ما هذا بشرا} {ما هن أماتِهم}.
ونصب ((أكثر)) في الحديث على أن ((ما)) حجازية عاملة عمل ليس، ورفعها على أنها تميمية غير عاملة؛ كما قال الشارح. ويكون اسم((ما)) الحجازية أو المبتدأ مع ((ما)) التميمية هو ((يوم)) مرفوعًا بالضم المقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة جر حرف الجر الزائد ((من)). وهذا كما في قوله تعالى في سورة الحاقة: {فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين}.
(2) في (ح): ((والفجروران)) بالفاء.
(3) في (ح): ((مبنيان)) وفي (ز)، وكتبها ((مبنيان)) النون ووضع تنوينًا، والنون المكشوطة لا تزال واضحة.
(4) قوله: ((فمن)) في (أ): ((بمن)).
(5) في (ز): ((تبين)).
(6) يريد أناه تبين المفضَّل؛ فإن ((أكثر)) أفعل تفضيل، وتقدير السياق: يوم عرفة أكثر الأيام...إلخ.
(7) أي: التمييز الواقع بعد أفعل التفضيل.
(8) كذا في جميع النسخ، والأولى ((عتقا)) لأن السياق فيه ((أن يعتق)) وهو مصدر مؤول في موضع التمييز، و((عتيق)) مشتق ((فعيل)) بمعنى ((فاعل)) من ((عتق)) اللازم. وتقدير السياق جميعه: يوم عرفة أكثر الأيام عتقًا من النار.
(9) قوله : ((والله أعلم)) ليس في (ح) و(ي).
(10) هذا تأويل لصفة من صفات الله تعالى ثابتةٍ بالكتاب والسنة؛ وهي صفة القرب والدنو، وقد وصف الله نفسه بها في كتابه: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب} [البقرة: 186] وغيرها، ووصف بها نفسه على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، في هذا الحديث وغيره. وأهل السنة يمرون هذه الصفة على حقيقتها بما يليق بجلال الله وعظمته، ويصفونه بما وصفه به نفسه وبما وصفه به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، مع نفي الشبيه والنظير، سبحانه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
لكن - كما قال شيخ الإسلام - ((لا يلزم من جواز القرب عليه سبحانه، أن يكون كل موضع ذكر فيه قربه يراد به قربه نفسه، بل يبقى من الأمور الجائزة، وينظر في النص الوارد؛ فإن دل على هذا، حمل عليه، وإن دل على هذا حمل عليه)). وسبب تأويل من أول مثل هذه الصفة أنه فهم منها أنه سبحانه يتصف بالقرب من كل موجود، وكأنهم ظنوا أن ((القرب)) كـ((المعية))، وليس كذلك فإن ((المعية)) عامة وخاصة، فالعامة كقوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم} والخاصة كقوله تعالى: إن الله مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون أما القرب فلم يرد إلا مخصوصًا بحالٍ من الأحوال؛ مثل الدعاء، والسجود، وتارة يذكر بصيغة الإفراد، وتارة بصيغة الجمع، فالإفراد نحو: {فإني قريب}، ((وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد))، والجمع نحو: {ونحن أقرب إليه منه حبل الوريد}، وقد أفاض شيخ الإسلام في تقريب التعبير بلفظ الجمع، كقوله جل شأنه: {نتلو} {نقص} {فإذا قرأناه} - بأن هذا من أساليب العرب للواحد المعظم نفسه، ويكون له أعوان يطيعونه ويعملون بأمره، فإذا فعلوا بأمره شيئًا قال: نحن فعلنا. وعليه فالقرب في {ونحن أقرب إليه منه حبل الوريد}: قرب ملائكة الرب من المحتضر، بأمر الله عز وجل؛ لأن سياق الآيات في سورة (ق) يدل عليه.
والخلاصة: أنه مع إثبات صفة القرب لله عز وجل، لا يفهم منه أنه قرب عام من كل الموجودات، كما سبق تقريره! فلا يحتاج إلى تأويل ما يأتي من ذكر ذلك على ما أوله المعطلة. والله أعلم.
وانظر كلام شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (5/232- 242، 247- 249، غيرها)، (6/5- 14، 19 - 25)، و"صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة" (ص89- 90)، "منهج الحافظ في العقيدة من خلال فتح الباري" (ص777- 785).
(11) رُوي من حديث جماعة من الصحابة .
1 - في (ح) و(ي): ((الأول)) والحديث حديث أبي هريرة : أخرجه أحمد (2/305)، وابن خزيمة (4/263 رقم2839)، وابن حبان (9/163 رقم3852/ الإحسان)، والحاكم (1/465)، والبيهقي (5/58) من طريق الحاكم وغيره ، وأبو نعيم في "الحلية" (3/305-306). جميعهم من طريق يونس بن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله يباهي بأهل عرفات ملائكة أهل السماء ، فيقول : انظروا إلى عبادي هؤلاء جاءوني شعثًا غبرًا)).
قال الحاكم : ((هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين))، ووافقه الذهبي.
وقال أبو نعيم : ((غريب من حديث مجاهد عن أبي هريرة ، ولا أعلم له راويًا إلا يونس بن أبي إسحاق)). وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1/381 رقم1867)، وتعليقه على ابن خزيمة .
2 - ومن حديث عبد الله بن عمرو: أخرجه أحمد (2/224)، والطبراني في "الصغير" (1/345-346 رقم575)؛ كلاهما من طريق أزهر بن القاسم، عن المثنى بن سعيد ، عن قتادة ، عن عبدالله بن بابيه ، عن عبدالله بن عمرو ، فذكره .
قال الطبراني: ((لم يروه عن قتادة إلا المثنى ، تفرد به أزهر)).
وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (2/158): ((رواه أحمد ، والطبراني في "الكبير" و"الصغير"، وإسناد أحمد لا بأس به)).
وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1/381 رقم1868).
3 - ومن حديث ابن عمر : أخرجه ابن حبان (5/205-207 رقم1887/ الإحسان)، والبزار (2/8-9 رقم1082/"كشف الأستار")، والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/294). ثلاثتهم من طريق يحيى بن عبدالرحمن الأرحبي ، عن عبيدة بن الأسود ، عن القاسم بن الوليد ، عن سنان بن الحارث بن مصرف ، عن طلحة بن مصرف ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، فذكره مطولاً ، وفيه : ((فإذا وقف بعرفة ، فإن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا فيقول : انظروا إلى عبادي شعثًا غبرًا ، اشهدوا أني قد غفرت لهم ذنوبهم ، وإن كان عدد قطر السماء ، ورمل عالج)).
قال البزار: ((قد روي هذا الحديث من وجوه، ولا نعلم له أحسن من هذا الطريق)). وقال البيهقي : ((إسناده حسن)).
(12) قوله: ((يقول للملائكة)) في (م): ((تقول الملائكة)).
(13) في (ب) و(ح) و(م) و(ي): ((تذكيرًا)).
(14) في (ب) و(م): ((بقول)))، والمثبت من سائر النسخ، وهما متقاربان؛ إذ يريد الشارح أنه يذكرهم باليوم الذي قالوا فيه، والأولى: ((بقولهم)).
(15) قوله : ((فيها)) ليس في (غ).
(16) سورة البقرة؛ الآية:30.
وهي بتمامها: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمد ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون}والآيتان بعدها تتمة القصة. واقتصر في نسخة (أ) و(ز) من الآية على قوله: ((أتجعل))، وفي (ب) و(م) اقتصر على ((أتجعل فيها))، والجزء المذكور في كلام الشارح ورد بتمامه في (ح) و(ي).
ويغلب على الظن أن الشارح - رحمه الله- قصد إلى السجع في هذه الفقرة، فاجتزأ الآية وقسمها، وعلى إرادة السجع يترجح إثبات ما وقع في (أ) و(ز) من الاقتصار على ((أتجعل))، مع إثبات ((الحديث الأول)) الواقع في (ح) و(ي) بدل قوله: ((الحديث الآخر)) فيما سبق من كلام الشارح. لكن أكثر النسخ على غير ذلك، وأيضًا لا تتبين ((أولية))) الحديث؛ فلم يذكره الشارح، وليس هو في "صحيح مسلم". وعلى السجع تكون العبارة هكذا: ((... أن يثني عليهم عندهمْ، ويعظمهم بحضرتهمْ، عبادي جاءوني شعثًا غبرًا، أشهدكم أني قد غفرت لهمْ)) وكأن هذا والله أعلمْ، تذكير للملائكة بيوم ((أتجعلْ))، وإظهار لتحقيق قوله تعالى: ((إني أعلمْ)).اهـ. والله تعالى أعلمْ.
(17) في (ح): ((من)). [شطبت من الهامش وبقيت في المتن]
(18) تقرأ في (ي): ((مرضاته)).
(19) في (أ): ((واهتبال)).
(20) قوله : ((والله أعلم)) زيادة من (ز).(1/167)
ومن باب ثواب الحجِّ والعمرة
العمرة (1) في اللغة: هي الزيارة. قال:
يُهِلُّ بالفَدْفَدِ (2) رُكْبانُها ... ... كَما يُهِلُّ الرَّاكِبُ الْمُعْتَمِرْ (3)
=(3/461)=@
وقال بعضُ اللُّغويين: الاعتمارُ والعُمرةُ: القصدُ (4) ؛ قال:
لَقَدْ سَما ابنُ مُعْمَرٍ حين اعْتَمَرْ (5)
أي: حين قَصَدَ.
وهي في عرفِ (6) الشرْعِ: زيارةُ البيتِ على أحكامٍ مخصوصةٍ.
وقد اختُلف في حكمِها؛ فذهب جماعةٌ من السَّلفِ إلى وجوبِها، وهو قولُ الأوزاعيِّ، والثوريِّ، وابنِ حبيبٍ (7) وابنِ الجهمِ (8) من أصحابِنا، وحُكي عن أبي حنيفةَ. وذهب آخرون إلى أنها ليستْ بواجبةٍ؛ وهو قولُ مالكٍ، ومشهورُ قولِ (9) أبي حنيفةَ وأصحابِه، وداودَ. واختلفتِ (10) الروايةُ فيها عن الشافعيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ، وأبي ثورٍ. إلا أن مالكًا قال: إنها سُنةٌ مؤكدةٌ، وبعضُ هؤلاء يجعلُها مستحبةً (11) .
ومُتمسَّكُ مَنْ قال بوجوبِها قولُه تعالى: {وأتمُّوا الحج والعمرة لله} (12) . وليس فيه حُجَّةٌ؛ لأنا نقولُ بموجَبِه؛ فإن من شَرَع في شيءٍ (13) من أعمالِ الطاعاتِ وجب عليه إتمامُه؛ وإن كان مستحبًّا، وقد تقدَّم هذا المعنى غيرَ ما (14) مرةٍ. %(1/168)%
__________
(1) في (ز): ((والعمرة)).
(2) كذا في النسخ، إلا أنها في (م) تقرأ ((الفرفد)) أو الفرقد)).
وقد وقع في "البحر المحيط" و"المعلم" وما نقله عنه في "الإكمال" كما وقع هنا: ((الفدف)). ووقع في "الدر المصون" و"التمهيد": ((الغرقد)) بالغين. والصواب من ذلك كله: ((الفرقد))؛ كما جاء في كل كتب اللغة المعتمدة التي ذكرت البيت وتكلمت على هذه الكلمة. وانظر تخريج البيت.
(3) البيت من بحر السريع، وهو لعمرو بن أحمر بن العمرو الباهلي، شاعر مخضرم، أسلم وغزا في الروم.
والبيت من قصيدة يصف فيها مفازة لا يهتدى فيها.
واختلف في معنى هذا البيت تبعًا لاختلاف في معنى ((الفرقد)) من حيث هي من المشترك اللفظي؛ فالفرقد: ولد البقرة الوحشية. والفرقد: النجم، وهما فرقدان، ويجيء في الشعر مثنى وموحَّدًا. قال ابن سيده: لما لم يخلِّص ابن أحمر معنى الفرقد في هذا البيت؛ أي: لم يذكر لفظًا يرشح المراد منهم – اختلفوا فيه؛ قال: وفيه قولان: قال الأصمعي: إذا انجلى لهما لسحاب عن الفرقد أهلوا؛ أي: رفعوا أصواتهم بالتكبير كما يهل الراكب الذي يريد عمة الحج؛ لأنهم كانوا يهتدون بالفرقد. وقال غيره: يريد أنهم في مفازة بعيدة من المياه، فإذا رأوا فرقدًا، وهو ولد البقرة الوحشية – أهلوا؛ أي: كبروا؛ لأنهم قد علموا أنهم قد قربوا من الماء.اهـ. بتصرف. [تفسير الركبان]
والشاهد فيه قوله: ((المعتمر)) بمعنى الزائر. قال أبو عبيد بن سلام: أراد هنا العمرة، وهو في غير هذا المعتم.اهـ. وقد فسر ((المعتمر)) في البيت على أنه ((المعتم بالعمامة)) أبو عبيدة في ((مجاز القرآن))، وعنه نقل ابن دريد في "الجمهرة".
والبيت في "ديوان عمرو بن أحمر" (ص66)، و"منسوب له في مجاز القرآن" (1/150)، و"المحكم" (1/107)، (1/194)، و"مقاييس اللغة" (4/141)، (6/11)، و"غريب الحديث" لأبي عبيد (3/263)، و"جمهرة اللغة" (2/772)، و"تهذيب اللغة" (5/367)، (10/217)، و"أساس البلاغة" (ص882)، و"لسان العرب" (1/437)، و"تاج العروس" (2/35)، و"الدر المصون" (2/237)، و"الحيوان" للجاحظ (2/25)، و"التمهيد" لابن عبد البر (13/168)، وبلا نسبة في "لسان العرب" (8/120) و(11/701)، و"تاج العروس" (15/811)، و"المعلم" (2/75)، و"الإكمال" (4/460) .
[يراجع الديوان ضروري جدًّا ويضاف تفسير الركبان من "التهذيب"، بناءً على مضمون القصيدة، وتقييم هذا التفسير، وتقييم القول بأنه يصف مفازة وتحقيقه].
(4) المعنيان في "تهذيب اللغة" للأزهري (2/383- 384)، وانظر "النهاية" (3/298)، "تهذيب الأسماء" (3/42).
(5) البيت من مشطور الرجز، للعجاج عبد الله بن رؤبة بن لبيد، في أرجوزة يمدح بها عمر بن عبيد الله بن مَعْمَر، في حربه للخوارج، ومطلعها:
قَدْ جَبَرَ الدِّينَ الإلهُ فَجَبَرْ
وَعَوَّر الرحمنُ مَنْ ولَّى العَوَرْ
فالحمدُ لله الذي أَعطى الحَبَرْ
مَوَاليَ الحقِّ إِنِ المَوْلى شَكَرْ
عَهْدَ نبيٍّ ما عَفَا وما دَثَرْ
وعهدَ عثمانٍ وعهدًا من عُمرْ
وعهدَ إخوانٍ هُمُ كانوا الوَزَرْ
ويقول فيها:
لقد سما ابنُ مَعْمَرٍ حين اعتمرْ
مَغْزًى بعيدًا من بعيدٍ وضَبَرْ
من مُخَّةِ الناس الذي كان امْتَخَرْ
ثلاثةً وستةً واثنَىْ عَشَرْ
ورواية البيت التي ذكرها الشارح هي رواية الديوان، وجل في مصادر التخريج، ووقع في "المحكم" و"المخصص" وأحد موضعي كلٍّ من: "الألفاظ" و"تاج العروس": ((لقد غزا...)). و((سما)): ارتفع. و((اعتمر)): قصد وأمَّ. قال الأصمعي: ويقال إذ أمَّ الرجل أمرًا: قد اعتمره. ويقال: قد اعتمرت فلانًا؛ أي: قصدت إليه. وكل من أتى شيئًا فقد حجَّه واعتمره.اهـ.
و((مغزًى)) مصدر ميمي من ((غزا يغزو)). و((ضبر)): المراد هنا: جمع جيشًا للغزو؛ وأصله من ضَبَرت الفرسُ: إذا جمعت قوائمها لتثب. ومعنى البيت أن ابن معمر قد ارتفع شأنه وعلا قدره حين قصد غزو موضعٍ بعيدٍ وهو البحرين، من موضعٍ بعيدٍ وهو الشام، وجمع لذلك جيشًا عظيمًا.
وموضع الشاهد قوله: ((اعتمر)) بمعنى: قصد.
والبيت للعجاج في "ديوانه" (1/76)، و"المحكم" (2/107)، و"الزاهر" للأزهري (ص206)، و"الصحاح" (2/719)، و"الألفاظ" لابن السكيت (ص36 و417)، و"تفسير الطبري" (3/229)، و"لسان العرب" (4/579)، و"تاج العروس" (7/119، 261). وبلا نسبة في "المخصص" (12/301)، و"تهذيب اللغة" (2/384)، و"المعلم" (2/75)، و"الإكمال" (4/460)، و"تفسير القرطبي" (2/177).
(6) قوله : ((عرف)) سقط من (ح).
(7) قوله : ((حبيب)) سقط من (ح).
(8) قوله: ((وابن الجهم)) موضعه بياض في (أ).
(9) في (ب) و(ز): ((مذهب)). وفوقها في (ب): ((قول)) وعليها علامة أنها في نسخة أخرى كذلك.
(10) في (ز): ((واختلف))، ومن قوله: ((أبي حنيفة...)) إلى هنا، موضعه بياض في (أ).
(11) "الاستذكار" (11/241).
(12) سورة البقرة؛ الآية: 196.
(13) في (م): ((معنى)).
(14) سقط من (أ).(1/168)
وقوله: ((العمرةُ إلى العمرةِ كفارةٌ لما بينهما))؛ يعني: لَمِا يقعُ بينهما من السَّيِّئاِت. وقد استوفينا هذا المعنى في كتابِ الطهارةِ (1) . وقد استدلَّ بظاهرِ هذا مَنْ قال بجوازِ تَكْرارِ العمرةِ في السَّنةِ الواحدةِ، وهم الجمهورُ، وأكثرُ أصحابِ مالكٍ.
وذهب مالكٌ إلى كراهيةِ ذلك؛ ومتمسَّكُه: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اعتمر خمسَ عُمرٍ (2) ، كلَّ &(3/365)&$ عمرة منها في سنةٍ غيرِ الأخرى، مع تمكُّنِه من التَّكرارِ في السنةِ الواحدةِ، ولم يفعلْ (3) . =(3/462)=@ وأيضًا: فإنها نُسُكٌ مشتملٌ على إحرامٍ وطوافٍ وسعيٍ (4) ، فلا يفعلُ (5) في السنِة إلا مرةً؛ أصلُه الحجُّ (6) . وعلى قولِ مالكٍ لو أحرم بالعمرةِ المكررةِ (7) لزمتْه.
وقال آخرون: لا يعتمرُ في شهرِ أكثرَ من مرةٍ واحدةٍ (8) . ولا حُجةَ له (9) في شيءٍ مما تقدَّم.
وقوله: ((والحج (10) المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))؛ المبرورُ (11) : اسمُ مفعولٍ من: ((بُرَّ))- مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعلُه، فهو (12) مَبْرورٌ؛ فـ((بَرَّ (13) ))يتعدَّى بنفسِه؛ يقالُ: ((برَّ الله حجَّك))، ويُبنى (14) لما لم يسمَّ فاعلُه (15) ؛ فيقال: ((بُرَّ حجُّكَ؛ فهو (16) مبرورٌ)). ولا معنى لقول من قال: إنه لا يتعدَّى إلا بحرفِ الجرِّ (17) .
واختلف في معنى المبرورِ، فقيل (18) : الذي لا يخالطُه شيءٌ من المأثمِ، وقيل: المتقبَّلُ، وقيل: الذي لا رياءَ فيه ولا سُمْعَةَ (19) . %(1/169)%
__________
(1) في باب فضل تحسين الوضوء والمحافظة على الصلوات، من كتاب الطهارة.
(2) تقدم في باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم وكم حج ، لكن فيه : أربع عمر .
(3) قال الحافظ في "الفتح" (3/598) ذاكرًا هذا الاستدلال ومتعقِّبَهُ: واستدل لهم (أي: من يكره تكرار العمرة في السنة) بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يفعلها إلا من سنة إلى سنة، وأفعاله على الوجوب أو الندب. وتعقب بأن المندوب لم ينحصر في أفعاله؛ فقد كان يترك الشيء وهو يستحب فعله لرفع المشقة عن أمته، وقد ندب إلى ذلك بلفظه (يعني: قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) ) فثبت الاستحباب من غير تقييد:اهـ.
(4) قوله: ((وطواف وسعي)) في (ح) و(ي): ((من طواف وسعي)).
(5) في (أ) و(م): ((تفعل))، وهي غير منقوطة في (ح) و(ب) و(ي)، والمثبت من (ز).
(6) أي: قياسًا على الحج؛ فالحج أصل، والعمرة فرع، والجامع: أن كليهما نسك فيه إحرام واطواف وسعي، والحج مرة، فالعمرة كذلك.
وأُجيبَ عن هذا القياس: بأن الحج مؤقت لا يتصور تكراره في السنة، بخلاف العمرة فإنها غير مؤقتة؛ فتُصِّور تكرارُها؛ كالصلاة. قاله النووي في "المجموع" (7/140). وانظر "الاستذكار" (11/249- 250).
(7) سقط من (ز). وهذا قول مالكٍ عينه؛ ففي "المدونة" (1/403): قال سحنون: ((قلت لابن القاسم: أرأيت من اعتمر في غير أشهر الحج، لم لا يكون له أن يعتمر بعد عمرته؛ قال: لأن مالكًا يقول: العمرة في السنة إنما هي مرة واحدة. قال: وقال مالك: لو اعتمر للزمته. قلت لابن القاسم: تلزمه إن اعتمر في قول مالكٍ عمرةٌ أخرى إن كان دخل بالأولى في أشهر الحج أو في غير أشهر الحج؟ قال: نعم)).اهـ. وعبارة القاضي عياض في "الإكمال" (4/461): ((ومنعه آخرون وقالوا يستحب ألا يعتمر في السنة إلا مرة... وهو قول مالك إلا أنه إن اعتمر أكثر من مرة لزمه تمام ذلك عنده)).
(8) قوله : ((واحدة)) سقط من (أ) و(ح).
(9) في (ي): ((لهم)) ولعله يريد هنا ((مالكًا)) رحمه الله، مؤيدًا بذلك قول الجمهور بعدم كراه8ة تكرار العمرة في السنة. وأما قوله: ((آخرون)) فالمراد بهم بعض أصحاب مالك كما هو ظاهر عبارة "الإكمال" (4/461)، وظاهر نقل النووي في "شرح مسلم" (9/118) عن القاضي. وعبارة القاضي: ((وقد اختلف السلف في الاعتمار في السنة مرارًا، فأجاز ذلك كثير... ومنعه آخرون... وهو قول مالك... وقال كثير من أصحابه بجواز ذلك، وقال آخرون: لا يعتمر في شهر أكثر من مرة)).
(10) قوله : ((والحج)) سقط من (ز)، وفي (م): ((الحج)).
(11) قوله : ((ليس له جزاء إلا الجنة المبرور)) سقط من (ح).
(12) في (م): ((وهو)).
(13) في (ب) و(ح) و(ز): ((فبر)).
(14) ؟؟؟.
(15) من قوله : ((فهو مبرور وبر ....)) إلى هنا سقط من (ز).
(16) في (ح): ((وهو)).
(17) هو المازري في "المعلم" (2/75). وعبارته: والمبرور وزن مفعول من البر، يحتمل أن يزيد أن صاحبه أوقعه على وجه البر، وأصله ألا يتعد بغير حرف جر، إلا أن يريد بمبرور وصف المصدر فيتعدى حينئذ إليه إذ كل ما لا يتعدى من الأفعال؛ فإنه يتعدى إلى المصدر.
قال القاضي في "الإكمال" (4/461): وهذا الكلام كله إنما يتوجه على أن معنى المبرور ما أشار إليه، من أنه قصد به البرَّ، وأما على غيره من التأويلات فلا يحتاج إلى حرف تعدية)).
ثم ذكر أقوالاً في تفسير ((المبرور)) سيذكر الشارح بعضها.
وقد قال في "الصحاح" (2/588): ((وبَرَّ حجُّه، وبُرَّ حجُّه، وبَرَّ اللهُ حجَّه، بِرًّا، بالكسر في هذا كله)).اهـ. وقال في "المصباح" (ص28): وبَرَّ الحجُّ واليمينُ والقولُ، فهو بَرٌّ وبارٌّ. ويستعمل متعديًا أيضًا بنفسه في الججِّ، وبالحرف في اليمين والقول، فيقال: برَّ اللهُ تعالى الحجَّ يَبَرُّه برورا، أي: قبله، وبَرِرْتُ في القول واليمين: ((إذا صدقت فيهما)) وانظر غريب أبي عبيد (5/520)، و"المشارق" (1/84)، و"النهاية" (1/117).
(18) في (ح): ((فقال)).
(19) ذكرها القاضي في "الإكمال" (4/461) هذه الأقوال، وزاد: وقيل: ((الذي لم تعقبه معصية)). وقال أبو عبيد (5/520): ((والمبرور: إنما هو مأخوذ من البر يعني ألا يخالطه غيره من الأعمال التي فيها المآتم ، وكذلك غرير الحج أيضًا)).
وقال النووي: (9/118- 119): وهو الأصح والأشهر.(1/169)
قلت (1) : وهذه الأقوالُ كلُّها متقاربُة المعنى؛ وهو أنه: الحجُّ الذي وُفِّيتْ أحكامُه، ووقع موافقًا لما طُلب من المكلَّفِ على الوجهِ الأكملِ. والله تعالى أعلمُ (2) .
وقولُه: ((ليس له جزاءٌ إلا الجنة))؛ يعني: أنه لا يُقتصرُ (3) فيه على مغفرةِ بعضِ الذنوبِ، بل لا بُدَّ (4) لصاحبِه من الجنةِ بسببِه (5) . والله تعالى أعلمُ.
وقولُه: ((من أتى هذا البيتَ))؛ أي (6) : حاجًّا؛ بيَّنته (7) الروايةُ الأخرى. =(3/463)=@
و((الرَّفَثُ)): الفحشُ من القولِ، وقيل (8) : الجماعُ، قال الأزهريُّ: هي كلمةٌ جامعةٌ لكلِّ ما يريدُه (9) الرجلُ من المرأةِ (10) .
و((الفسوقُ)): السِّبابُ والمعاصي (11) .
و((الجدالُ)): المجادلُة والمخاصمةُ فيما لا يجوزُ (12) ؛ قال الجوهريُّ: المجادلةُ: الخصومةُ المحكمَةُ (13) .
وقوله: ((رجع كيومَ ولدته أمُّه))؛ أي: بلا ذنبٍ، وهذا يتضمَّنُ غفرانَ الصغائرِ والكبائرِ والتَّبِعاتِ، وقد بيَّنَّا (14) ذلك فيما تقدَّم من كتابِ الصيامِ وغيرِه (15) . &(3/366)&$ %(1/170)%
__________
(1) في (ب): ((قال الشيخ رحمه الله))، وفي (ز): ((قال الشيخ رضي الله عنه)).
(2) نقل هذه العبارة عن الشارح، الحافظ في "الفتح" (3/382).
(3) في (ز): ((تقتصر)).
(4) في (ب): ((يد)).
(5) من قوله: ((الذنوب بل....)) إلى هنا، موضعه بياض في (أ).
(6) قوله : ((أي)) سقط من (ح).
(7) في (ح) و(ب): ((تبينه))، وفي (أ): ((يبينه)).
(8) في (ب): ((فنل)).
(9) في (ي): ((يريد)).
(10) قوله: ((وقال الأزهري...)) هذه عبارة القاضي في "الإكمال" (4/462)، وهذا القول نقله الأزهري في "تهذيب اللغة" (15/77) عن الزجاج. وذكر أبو عبيد في "غريبه" (4/151)، والخطابي في "غريبه" (2/566) عن ابن عباس أنه: التعريض بذكر الجماع.
قال القاضي: قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((فلم يرفث ولم يفسق)) هذا من قوله تعالى: {فلا رفث ولا فسوق} [البقرة: 197].
ورُوي عن ابن عباس أن الرفث في الآية ما خوطب به النساء، بمعنى أنه إن رفث ولم تسمعه امرأة فليس داخلاً في قوله تعالى: فلا رفث. وقال الحافظ في "الفتح" (3/382) والذي يظهر أن المراد به في الحديث ما هو أعم من الجماع وإليه نحا القرطبي.
(11) قوله: ((السباب والمعاصي)) كلمة ((السباب)) في (ح) و(م) و(ي): ((السيئات))، وفي (أ) و(ب) أقرب إلى ((السيئات)) من ((السباب)). والمثبت من (ز) وهو الصواب. وفي "الإكمال" (4/462): ((وقيل: الفسوق هنا السيئات، وقيل: المعاصي.اهـ. ولما كانت السيئات هي المعاصي تبين أن السيئات هنا محرفة عن ((السباب)). وعليه فإن صواب عبارة الشارح أن تكون كما في "الإكمال" مع تصويب التحريف هكذا: ((السباب، وقيل: المعاصي)).
وهذا تفسيران للفسوق الذي وقع في آية الحج، وفي هذا الحديث، والمراد بالمعاصي هنا: المعاصي كلها؛ لأن هناك قولاً آخر بأن الفسوق هو المعاصي الخاصة بالإحرام بارتكاب محظوراته. وقيل: الذبح للأصنام وقيل: قول الزور. وقيل: التنابز بالألقاب. ورجح الطبري كونه المقصود به النهي عن محظورات الإحرام؛ لأن المعاصي كلها محرمة على الحاج وغيره، وهنا خص به الحاج، كما أن الرفث المنهي عنه حال الحج هو الذي كان حلالاً له قبل إحرامه، "تفسير الطبري" (4/135- 141).
(12) قوله: ((فيما لا يجوز)) سقط من (أ).
(13) هذا معنى كلام الجوهري في "الصحاح" (4/1653) فإنه قال: وجاء له؛ أي: خاصمه، مجادلة وجدالاً، والاسم الجدل، وهو شارة الخصومة وجدلت الحبل أجدلُه جَدْلا؛ أي: فتلته فتلاً محكمًا)).
ولفظ ((الجدال)) لم يذك في الحديث هنا، لكنه مذكور في الآية الكريمة: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} وقيل في المراد به أقوال، هذا أحدها؛ أنه المخاصمة والمماراة، وقيل: هو هنا السباب، وقيل: المراد به نوعًا خاصًا من الجدال وهو الاختلاف فيمن هو أتم حجا من الحجاج. وقيل: اختلافهم في البدن الذي فيه الحج، وقيل: اختلافهم في الموقف أيهم المصيب موقف إبراهيم عليه السلام. وقيل: هو إبطال للنسيء الذي كانوا يعملونه في الجاهلية؛ أي: قد استقام أمر الحج على ميقات واحد لا يتقدمه ولا يتأخر عنه ولا جدال فيه. وقال الطبري عن هذا القول الأخير: إنه أولاها بالصواب، وبنى ذلك على أن المنهيات قبله تخص الحج؛ من الجماع المباح قبل، والمحظورات المباحة في غير الحرم والإحرام، فكذلك الجدال يخص الحج، ولأن سائر الأقوال فسرته بما هو منهي عنه أصلاً في الحج وغيره، في الحرم والحل. وفي كلام القاضي ما يظهر منه ترجيح القول بأنه الجدال في الموقف؛ فقد قال في تعليل عدم ذكر ((الجدال)) في الحديث: وقيل لم يذكر هنا الجدال المذكور في الآية مع الرفث والفسوق؛ لأن المجادلة ارتفعت، إنما كانت من العرب وسائر قريش في موضع الوقوف بعرفة أو المزدلفة، فأسلمت قريش وارتفعت المجادلة ووقف الكل بعرفة)).اهـ. وعدم ذكر الجدال في الحديث استدل به الطبري أيضًا على صحة ترجيحه للقول بأنه الجدال في مواقيت الحج؛ فإذا قد ارتفع الجدال واستقام أمر الحج، لم يذكره الرسول وخص استحقاق مغفرة الذنوب بعدم الرفث والفسوق. "تفسير الطبري" (4/144- 155)، "الإكمال" (4/462).
(14) قوله: ((وقد بينا)) في (م): ((وقدمنا)).
(15) لم يتقدم الشارح بحث هذا الموضع في كتاب الصيام، وإنما مرَّ طرف منه في كتاب الطهارة باب فضل تحسين الوضوء (يراجع) وفي نص الحديث هناك اشتراط اجتناب الكبائر لحصول التكفير بقوه - صلى الله عليه وسلم - : ((إذا اجتنبت الكبائر))، أما في هذا الحديث فظاهره الإطلاق كما قال الشارح، وقد ذكر نحو عبارته الحافظ في "الفتح" (3/383) ثم قال: وهو من أقوى الشواهد لحديث العباس بن مرداس المصرح بذلك (أي: بمغفرة الكبائر والتبعات) وله شاهد من حديث ابن عمر في تفسير الطبري)).اهـ.
أما حديث العباس بن مرداس السلمي فإنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((دعوت الله يوم عرفة أن يغفر لأمتي ذنوبها، فأجابني أن: قد غفرت إلا ذنوبها بينها وبين خلقي، فأعدت الدعاء يومئذ فلم أجب بشيء، فلما كان غداة المزدلفة قلت: يا رب، إنك قادر أن تعوض هذا المظلوم من ظلامته وتغفر لهذا الظالم، فأجابني أن: قد غفرت)) قال: فضحك رسول اله. قال: فقلنا: يا رسول الله، رأيناك تضحك في يوم لم تكن تضحك فيه؟! قال: ((ضحكت من عدو الله إبليس لما سمع بما سمع إذ هو يدعو بالويل والثبور ويضع التراب على رأسه)).
وأما حديث ابن عمر فإنه قال: ((خطبنا رسول الله عشية عرفة قال: ((أيها الناس إن الله تطول عليكم في مقامكم هذا فقبل من محسنكم وأعطى محسنكم ما سأل ووهب مسيئكم لمحسنكم إلا التبعات فيما بينكم أفيضوا على اسم الله)) فلما كان غداة جمع قال: ((أيها الناس إن الله قد تطول عليكم في مقامكم هذا فقبل من محسنكم ووهب مسيئكم لمحسنكم والتبعات بينكم عوضها من عنده أفيضوا على اسم الله)). فقال أصحابه: يا رسول الله، أفضت بنا بالأمس كئيبًا حزينًا، وأفضت بنا اليوم فرحًا مسرورًا؟! قال رسول الله: ((إني سألت ربي بالأمس شيئًا لم يجد لي به؛ سألته التبعات فأبى علي، فلما كان اليوم أتاني جبريل، قال: إن ربك يقرئك السلام ويقول: التبعات ضمنت عوضها من عندي)).
"تفسير الطبري" (4/192- 194). [يراجع المحدثون للتخريج](1/170)
ومن باب تَمَلُّك دُور مكة ورِباعها
قولُ أسامة رضي الله عنه للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ((أتنزل في دارك))؛ ظاهرُ هذه الإضافةِ أنها كانت ملكَه، ويدلُّ عليه أيضًا قولُه: ((وهل ترك لنا عقيلٌ من رِباعٍ أو دورٍ)). فأضافها =(3/464)=@ لنفسه، وظاهرُها الملكُ؛ فيكون عقيلٌ اعتدى على دارِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ورباعِه، فأخذها وتصرَّفَ فيها (1) ، كما فعل أبو سفيان بدورِ (2) مَنْ هاجر من المؤمنين (3) ،، قال الداوديُّ (4) : إن عقيلاً باع ما كان للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، ولمن هاجر من بني عبدِ المطلبِ؛ فعلى هذا: يكونُ تَرْكُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لدارِه (5) تحرُّجًا مِنْ أن يرجعَ في شيءٍ أُخرج (6) منه لأجلِ الله تعالى (7) .
وقيل: إنَّه حَكَمَ لها بحُكْمِ الدارِ (8) ، وقد خرجتْ عن ملكِه لما غنمها المسلمون؛ كما يقوله مالكٌ والليثُ في هذه المسألِة لا في هذا الحديثِ (9) . وهذا فيه بُعدٌ؛ لأنه يكونُ تعليلُه - صلى الله عليه وسلم - بأخذِ عقيلٍ لها ضائعًا، ويخرجُ عن (10) أن يكونَ جوابًا عمَّا سُئله.
وقيل: كان أصلُها لأبي طالبٍ فأسكنه إيَّاها، فلما مات أبو طالبٍ ورثه عقيلٌ وطالبٌ؛ لكونِهما مساويَيْنِ له في الكفرِ، ولم يرثْه عليٌّ ولا جعفرٌ؛ لكونهما مسلميِن، فأخذها عقيلٌ لما هاجر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بحكمِ ميراثِه من أبيه (11) ؛ وعلى هذا فتكونُ (12) إضافتُها إليه مجازيةً؛ لأنه (13) سكنها فقطْ.
والقولُ الأولُ أولى.
وقد اختلف في مكةَ ودورِها، ورِباعِها؛ هل هي مملوكةٌ لأحدٍ؛ فيبيعَ ويُكْرِيَ؟ أو لا ملكَ لأحدٍ على شيءٍ منها؛ فلا يجوزَ فيها شيءٌ من ذلك؟ وإلى الأولِ &(3/367)&$ ذهب الشافعيُّ وبعضُ السَّلفِ، وإلى الثاني ذهب أبو حنيفةَ والثوريُّ، وتوسَّط مالكٌ؛ فكره ذلك.
وللخلافِ سببانِ:
أحدُهما: هل فَتْحُ مكةَ كان عُنْوةً؛ فتكونَ مغنومةً، لكنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يقسمْها، وأَقَّرها لأهلِها، ولمن جاء بعدهم، كما فعل عمرُ رضي الله عنه بالأرضِ المغنومةِ (14) ؛ فتبقى على ذلك لا تباعُ ولا تُكرى (15) . وبأنها (16) فُتحت عُنْوةً، قال مالكٌ، وأبو حنيفة، والأوزاعيُّ. أو كان فتحُها صُلْحًا - وإليه ذهب الشافعيُّ - فتبقى (17) ديارُهم بأيديهم وفي أملاكِهم يَتصرَّفون (18) فيها كيف شاءوا. =(3/465)=@ %(1/171)%
__________
(1) في (ح): ((وتصرفها فيها)).
(2) في (م): ((بدار)).
(3) أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (4/102) من طريق الواقدي ، قال : حدثني عمر بن عثمان الجحشي عن أبيه ، وأخرجه الطبراني كما في "مجمع الزوائد" (6/14). قال الهيثمي : فيه عبدالله بن شبيب وهو ضعيف . وذكره الفاكهي في "أخبار مكة" (3/293)، وابن هشام في "السيرة النبوية" (3/28).
(4) في (ي): ((داود)).
(5) قوله : ((لداره)) سقط من (ز).
(6) في (ي): ((خرج)).
(7) هذا تعليل الخطابي في "أعلام الحديث" (2/871). وتعقبه الحافظ في "الفتح" (3/452) قال: ((وتعقب بأن سياق الحديث يقتضي أن عقيلاً باعها، ومفهومه أنه لو تركها لنزلها)). وقال في (8/15): والأظهر أن الذي يختص بالترك إنما هو إقامة المهاجر في البلد التي هاجر منها كما تقدم تقريره، لا مجرد نزوله في دار يملكها إذا أقام المدة المأذون له فيها وهي أيام النسك وثلاثة أيام بعده. والله أعلم)).
(8) يعني بالدار هنا مكة كلها؛ لما فتحت عنوة. وعبارة القاضي في "الإكمال" (4/263). وقال محمد بن أبي صفرة: في الحديث حجة بأن من خرج من بلده مسلمًا وبقي أهله وولده في دار الكفر، ثم غزاها مع المسلمين، أن ما فيها من ولده وماله بحكم البلد، كما كانت دار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حكم البلد ولم ير نفسه أحق بها)). ثم تعقبه بما تعقبه الشارح هنا.
(9) يعني أن مذهب مالك في المسالة أن ما فتح عنوةً تخرج دورها وما فيها عن ملك أصحابها لما غنمها المسلمون، ولما كان في هذا الحديث دلالة على بقاء ملك دور مكة لأصحابها، خالف الأدلة على أن مكة فتحت عنوة وما يقتضيه ذلك من عدم بقاء دورها على ملك أصحابها، فتوسط مالك وقال بكراهة التصرف في دور مكة بالبيع والشراء والكراء، مراعاة للخلاف؛ كما سيذكره الشارح بعد.
(10) قوله : ((عن)) سقط من (ح) و(ز) و(ي).
(11) وهو التعليل المذكور في الحديث.
(12) في (أ) و(ح) و(ز): ((فيكون)).
(13) قوله : ((لأنه)) سقط من (ز).
(14) أخرجه البخاري في "صحيحه" (2334) عن عمر بن الخطاب : لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا قسمتها بين أهلها كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر . وانظر كتاب "الأموال" لأبي عبيد (62-66)، و"سنن البيهقي" (9/135)، و"فتاوى ابن تيمية" (28/582).
(15) في (ز): ((يكرى)).
(16) في (ب) و(م): ((أو أنها)).
(17) في (أ): ((فيبقى)).
(18) في (ز): ((فيتصرفون)).(1/171)
والسببُ الثاني: النظرُ (1) في قولِه تعالى: {سواء العاكف فيه والبادي} (2) ؛ هل الضميرُ راجعٌ إلى المسجدِ الحرامِ أو إلى البلدِ الحرام (3) ؟
والظاهر ُالأولُ، وأن مكَةُ فُتَحتْ عُنْوةً، وأنه - صلى الله عليه وسلم - أمَّنهم، وأقرَّهم على أموالِهم. وهو الصحيحُ من الأحاديثِ (4) . والله تعالى أعلمُ. قال أبو عبيدٍ: ولا نعلمُ مكةَ يُشبهُها شيءٌ من البلادٍ (5) .
قلتُ (6) : وعلى قولِ مالكٍ: إنها مغنومةٌ؛ ينبغي (7) أن يكونَ مذهبُه كمذهبِ أبي حنيفةَ، لكنه راعى الخلافَ، على أصلِه في مراعاةِ الخلافِ الظاهرِ، وتكون (8) فائدةُ حكمِه بالكراهةِ (9) : أَنَّ من باع شيئًا منها أو أَكْرَاهُ لا يفسخُ عقدُه (10) ، ويُمْضَى، غيرَ أنه لا يَسوغُ الإقدامُ عليه. والله تعالى أعلم.
وقولُه: ((هل ترك لنا عقيل من رباع أو دور)) هذا الاستفهامُ معناه النفيُ؛ أي: ما ترك لنا شيئًا من ذلك.
واختلف الرواةُ: هل كان هذا القولُ في فتحِ مكةَ، أو في حجةِ الوداع؟ فرُوِيَ عن الزهريِّ (11) كلُّ ذلك. ويحتملُ أن يكونَ تكرَّرَ هذا السؤالُ والجوابُ في الحالتين. وفيه بُعدٌ. =(3/466)=@ %(1/172)%
__________
(1) في (ح): ((للنظر)).
(2) سورة الحج؛ الآية: 25.
والعاكف: المقيم فيه من أهل بلده، والبادي: الذي أتاه من غير بلد. وثبتت ياء ((البادي)) في جميع النسخ، وهي قراءة، وهي الأصل، قرأ بإثباتها وصلا ووقفًا ابن كثير ويعقوب، وأثبتها وصلا فقط ورش عن نافع وأبو جعفر وأبو عمرو، وحذفها وصلا ووقفا عاصم وقالون عن نافع، وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف.
أما إثباتها فهو الأصل والقياس؛ لأن الكلمة محلاة بـ((أل)) قال سيبويه: إذا لم يكن في موضع تنوين – يعني اسم الفاعل – فإن البيان أجود في الوقف وذلك قولك: هذا القاضي وأما حذفها في الوقف فقد حكى سيبويه أن من العرب من يحذف هذا في الوقف شبهوه بما ليس فيه ألف ولام. وأما حذفها في الوصل فليس قياسيًّا، لكنها في الفواصل. وما أشبهها من الكلام التام الذي يوقف عليه - تشبه القوافي، والقوافي في كثر حذف ذلك منها. وانظر: "السبعة" (ص436)، "المبسوط" (ص309)، "النشر" (2/137- 138)، "كتاب سيبويه" (4/183- 185).
(3) لفظة ((الحرام)) من (أ) فقط. ورجح الطبريّ في الآية أن المراد ((المسجد الحرام))؛ لأن الله تعالى ذكره ذكر في أول الآية صد مَنْ كفر به مَنْ أراد من المؤمنين قضاء نسكه في الحرم عن المسجد الحرام، فقال: {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل اله والمسجد الحرام} ثم ذكر جل ثناؤه صفة المسجد الحرام فقال: {الذي جعلناه للناس} فأخبر جل ثناؤه أنه جعله للناس (الذين آمنوا به) كلهم، فالكافرون به يمنعون من أراده من المؤمنين به عنه، ثم قال: {سواء العاكف فيه والباد} فكان معلومًا أن خبره عن استواء العاكف فيه والباد إنما هو في المعنى الذي ابتدأ الله الخبر عن الكفار أنهم صدوا عنه المؤمنين به، وذلك لاشك طوافهم وقضاء مناسكهم به والمقام، لا الخبر عن ملكهم إياه وغير ملكهم)).اهـ.
وذكر النووي في "المجموع" مناظرة بين الشافعي وإسحاق بن راهويه، استدل فيها إسحاق بالآية الكريمة فقال الشافعي: والمراد المسجد خاصة، وهو الذي حول الكعبة، ولو كان كما تزعم لكان لا يجوز لأحد أن ينشد في دور مكة وفجاجها ضالة ولا ينحر فيها البدن ولا يلقي فيها الأرواث. فسكت إسحاق.
"تفسير الطبري" (18/595- 597)، "المجموع" (18/299- 300).
(4) قال الحافظ في "الفتح" (8/13) بعد حكاية الخلاف في المسألة: ولاحق أن صورة فتحها كان عنوة ومعاملة أهلها من دخلت بأمان.
وانظر: "المعلم" (3/25- 26)، و"الإكمال" (4/142- 145)، و"المجموع" (9/296- 301)، و"فتح الباري" (3/450- 451)، (8/12- 13). وانظر ما يأتي في باب ما جاء أن فتح مكة كان عنوة من كتاب الجهاد والسير.
(5) قول أبي عبيد في "الأموال" (ص70)، وهو يرى خصوصية ذلك بمكة؛ من جهتين: إحداهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان خصه من الأنفال والغنائم بما لم يجعله لغيره؛ وذلك لقوله: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله وللرسول} فنرى هذا كان خالصًا له. والجهة الأخرى أنه قد سن لمكة سننًا لم يسنها لشيء من سائر البلاد.اهـ.
وضعفه ابن عبد البر في "الاستذكار" (14/333)؛ قال: وهذه الآية لم يختلفوا أن قوله عز وجل: {واعملوا أنما غنمتم من شيء فأن الله خمسه...} [الأنفال: 41] نزلت بعد قوله: {قل الأنفال لله والرسول} [الأنفال: 1]. وانظر: "المنتقى" (3/220).
(6) في (ز): ((قال الشيخ)) وفي (ب) و(م): ((قال الشيخ رحمه الله)).
(7) في (ب): ((فينفي)).
(8) في (ز) و(ي): ((ويكون)).
(9) في (ي): ((بالكراهية)).
(10) في (م): ((عنده)) غير منقوطة النون.
(11) في (م): ((الزرعي)).(1/172)
وقولُه: ((للمهاجرِ إقامةُ ثلاثٍ بعدَ الصدْرِ بمكة))؛ المهاجرُ هنا (1) يعني به: كلَّ من هاجر من مكةَ إلى المدينةِ لنصرةِ (2) النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يعني به من هاجر مَنْ غيرِها؛ لأن هذا الحديثَ خرج جوابًا عن سؤالِهم حين تحرَّجوا من الْمُقامِ بمكةِ؛ إذ كانوا قد (3) تركوها لله تعالى، فأجابهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك (4) ، ورأى أن إقامةَ الثلاثِ (5) ليستْ بإقامةٍ.
وقد تقدَّم احتجاجُ مالكٍ بهذا على تحديدِ المدةِ الفاصلِة بين الإقامةِ &(3/368)&$ والسَّفرِ (6) .
وبهذا الحديثِ قال الجمهورُ؛ فحكموا بمنعِ المهاجر من أهلِ مكةَ من المُقامِ بها بعدَ الفتحِ، وأجاز ذلك (7) جماعةٌ لهم بعدَ الفتحِ (8) .
قلت (9) : وهذا الخلافُ وإن كان فيمن مضى حكمُهم وانقرض عصرُهم، وهجرتِهم الخاصةِ (10) بهم، لكن ينبني عليه (11) خلافٌ فيمن فرَّ بدينِه عن (12) موضع ما يخافُ فتنتَه، وترك فيه رِباعًا، ثم ارتفعت تلك الفتنةُ؛ فهل يرجعُ لتلك الرِّباعِ، أم لا؟ فنقولُ: إن كان تَرَكَ رباعَه لوجهِ الله تعالى، كما فعله (13) المهاجرون، فلا يرجعُ لشيءٍ من ذلك،، وإن كان إنما فرَّ بدينه لِيسلمَ له، ولم يخرجْ عن شيءٍ من أملاكِه، فإنه يرجعُ إلى ذلك كلِّه؛ إذ (14) لم يزُلْ شيءٌ من ذلك عن مِلْكِهِ. والله أعلمُ (15) . =(3/467)=@ %(1/173)%
__________
(1) سقط من (أ) وفي (ي): ((منها)).
(2) في (م): ((لنصر)).
(3) قوله: ((إذ كانوا قد))، في (ب): ((إذ قد كانوا))، وفي (ز): ((إذا كانوا)) وفي (م): ((إذ كانوا)).
(4) سقط من (ز).
(5) في (م): ((الثلاثة)). وقد نقل كلام الشارح هنا، الحافظ في "الفتح" (7/267).
(6) تقدم في كتاب الصلاة، باب: من أين يبدأ بالقصر.
(7) في (ي): ((ملك)) وكأن الناسخ ظنها ((مالك)).
(8) وقال القاضي في "الإكمال" (4/467) بعد ما ذكره الشارح -: مع الاتفاق على وجوب الهجرة عليهم قبل الفت، ووجوب سكنى المدينة لنصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومواساتهم له بأنفسهم ولفرارهم بدينهم من الفتنة. وأما لغير المهاجر ممن أمن بعد ذلك، فلا خلاف في جواز سكنى بلده له، مكة أو غيرها.اهـ. وانظر "شرح النووي" (9/122- 123)، و"فتح الباري" (7/267).
(9) في (ز): ((قال الشيخ)). وفي (ب) و(م): ((قال الشيخ رحمه الله)).
(10) في (ح) و(ي): ((الحاصلة)).
(11) في (ح): ((عليهم)).
(12) في (أ) و(ح) و(ي): ((من)).
(13) في (ح): ((فعل)).
(14) في (ز): ((إذا)).
(15) من قوله: ((إذ لم يزل)) إلى هنا، سقط من (ي) وقد نقل هذه الفقرة بتمامها (مع تغير يسير) الحافظ في "الفتح" (7/267)، ثم قال: ((وهو حسن متجه، إلا أنه خص ذلك بمن ترك رباعًا أو دورًا، ولا حاجة إلى تخصيص المسألة بذلك. والله أعلم)).(1/173)
ومن باب تحريمِ مكةَ
قوله: ((لا هجرةَ بعدَ الفتحِ)) هذا رافعٌ (1) لما كان (2) تقرَّر من وجوبِ الهجرةِ إلى المدينةِ على أهلِ مكةَ باتفاقٍ، وعلى غيرِهم بخلافٍ، ولم يتعرَّضْ هذا العمومُ لنفيِ هجرةِ الرجلِ بدينهِ؛ إذ تلك الهجرةُ ثابتةٌ إلى يومِ القيامةِ، وإنما رُفع حكمُ الهجرةِ يومَ الفتحِ لكثرةِ ناصري الإسلامِ، ولظهورِ الدِّينِ وأَمْنِ الفتنةِ عليهم (3) . &(3/369)&$
وقوله: ((ولكنْ جهادٌ ونية)) دليلٌ على بقاءِ فرضِ الجهادِ وتأبيدِه، خلافًا لمن أنكر فرضيَّتَه (4) ، على ما يأتِي (5) .
وقولُه: ((وإذا (6) استُنفرتم فانفروا)) أي: طَلَبَ منكم الإمامُ (7) النَّفيرَ؛ وهو الخروجُ إلى الغزوِ؛ فحينئذ يتعيَّنُ الغزوُ على من استُنفرَ بلا خلافٍ.
وقوله: ((إن هذا البلدَ حرَّمه (8) الله يومَ خلقَ السمواتِ والأرضَ، فهو حرامٌ بحرمةِ الله تعالى إلى يومِ القيامةِ))؛ معنى حرَّمه الله؛ أي: حرَّم على غيرِ المحرِمِ دخولَه إلا أن يُحْرِمَ. ويَجْري هذا مَجْرَى قولِه تعالى: {حُرمت عليكم أمهاتكم} (9) ؛ أي: وطْؤُهنَّ. و{حُرمت عليكم الميتة} (10) ؛ أي: أكلُها. فَعُرْفُ الاستعمالِ دلَّ (11) على تعيينِ (12) المحذوفِ. وقد دلَّ على صحةِ هذا المعنى =(3/468)=@ اعتذارُه - صلى الله عليه وسلم - عن دخولِه (13) مكةَ غيرَ محرمٍ مقاتلاً بقولِه: ((إِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِي إِلَّا %(1/174)%
__________
(1) في (ز): ((رفع))، وفي (أ): ((وقع)).
(2) قوله : ((كان)) سقط من (ح).
(3) قال في شرح النووي (9/123): وفي تأويل هذا الحديث قولان: أحدهما: لا هجرة بعد الفتح من مكة؛ لأنها صارت دار إسلام... وهذا يتضمن معجزة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنها تبقى دار إسلام لا يتصور منها الهجرة. والثاني: معناه: لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضلها قبل الفتح؛ كما قال الله تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل...} الآية. وانظر: "القبس" (3/300-301)، و"فتح الباري" (6/39).
(4) في (م): ((فريضته)).
(5) يراجع.
(6) في (ح): ((إذا)).
(7) في (ز): ((الإمام منكم)).
(8) في (م): ((كرمه)).
(9) سورة النساء؛ الآية: 23.
(10) سورة المائدة؛ الآية: 3.
(11) في (أ): ((دال)).
(12) في (ز): ((تعين))، وفي (ح): ((تقدير))، وفي (ي): ((صحيين)).
(13) في (ح): ((دخول)).(1/174)
سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ...))، الحديثَ (1) .
وبهذا أخذ مالكٌ والشافعيُّ - في أحد قوليهما - وكثيرٌ من أصحابِهما؛ فقالوا: لا يجوزُ لأحدٍ أن يدخلَ مكةَ إلا محرمًا، إلا أن يكونَ ممن يُكثِرُ التَّكرارَ إليها، كالحطَّابين ونحوِهم. وقد أجاز دخولَها لغيِر المحرِمِ (2) ابنُ شهابٍ، والحسنُ، والقاسمُ، ورُوي عن مالكٍ، والشافعيِّ، والليثِ،، وقال بذلك أبو حنيفة إلا لمن منزلُه (3) وراءَ المواقيتِ، فلا يدخلُها إلا بإحرامٍ،، واتفق الكلُّ على أن (4) من أراد الحجَّ أو العمرةَ؛ أنه لا يدخلُها (5) إلا مُحرِمًا.
ثم اختلف أهلُ القولِ الأولِ فيمن دخلَها غيرَ محرمٍ: فقال مالكٌ، وأبو ثورٍ، والشافعيُّ: إنه لا دم عليه،، وقال الثوريُّ، وعطاءٌ، والحسن ُبنُ حيٍّ (6) : يلزمُه حجٌّ أو عمرةٌ،، ونحوَهُ قال (7) أبو حنيفة فيمن منزلُه وراءَ المواقيتِ (8) .
ومتمسَّكُ من قال بجوازِ دخولِها لغيرِ المحرِم قولُه - صلى الله عليه وسلم - في حديث المواقيتِ &(3/370)&$ المتقدِّمِ: ((هُنَّ لَهُمْ وَلِكُلِّ آتٍ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ (9) مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَو العُمْرَةَ (10) )). وتأوَّلوا الحديثَ المتقدِّمَ بأنَ (11) قالوا: إنما اعتذر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن دخولِه (12) مكةَ مقاتِلاً ؛كما قال: ((فَإِنْ أَحدٌ ترخَّص لقتالِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - (13) ...))، الحديثَ.
قال القاضي عياضٌ: لم يُخْتلفْ في دخولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مكةَ: أنه كان حلالاً؛ لدخولِهِ (14) والِمغْفَرُ على رأسِه؛ ولأنه دخلها مُحارِبًا، حاملاً للسلاحِ هو وأصحابهُ، ولم يختلفوا في تخصيصِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وكذلك (15) لم يَختلفوا في أنَّ مَنْ دخلها لحربٍ أو لشيءٍ (16) : أنه لا يحلُّ له أن يدخلَها حلالاً (17) .
وقوله: ((وإنه لم يَحلَّ القتالُ لأحدٍ قبلي)) الضمير في ((إنَّه)) هو ضميرُ الأمرِ والشأنِ. وظاهر هذا أن حكمَ الله تعالى كان في مكةَ: ألا يُقاتَلَ أهلُها، ويُؤَمَّنَ مَنِ =(3/469)=@ استجار بها، ولا يُعْرضَ (18) له، وهو أحدُ أقوالِ المفسرين في قوله تعالى: {ومن دخله كان آمنا} (19) ، وهو قولُ قتادةَ وغيرِه؛ قالوا: هو آمِنٌ من الغاراتِ (20) ،، وهو ظاهرُ قولِه تعالى: {أولم يروا أنا جعلنا حرمًا %(1/175)%
__________
(1) نقل هذه الفقرة الحافظ في "الفتح" (4/48).
(2) قوله: ((لغير المحرم)) في (أ)): ((بغير إحرام)).
(3) موضعه بياض في (أ).
(4) قوله : ((أن)) سقط من (ح) و(ز).
(5) من قوله : ((إلا بإحرام واتفق ...)) إلى هنا سقط من (ح).
(6) في (أ) و(ح) و(ز) و(ي): ((حيي)).
(7) في (ز) كأنها: ((فقال)).
(8) في (أ): ((الميقات)).
(9) في (ي): ((غيرهم)).
(10) تقدم في أول كتاب الحج، باب: المواقيت في الحج والعمرة.
(11) في (ز): ((فإن)).
(12) قوله: ((النبي)) من (أ) و(ي) فقط.
(13) زاد بعدها في (ب) و(م): ((مكة)).
(14) في (ح) و(ي): ((بدخوله)).
(15) في (أ) و(ب) و(ز): ((ولذلك)).
(16) في (أ): (بغي))، وتحرفت في "الإكمال" إلى ((بقي)).
(17) هذا كلام القاضي في "الإكمال" (6/145) في الجهاد، باب: فتح مكة، ونحوه في الحج (4/476).
(18) في (ز): ((يتعرض)).
(19) سورة آل عمران؛ الآية: 97.
(20) والمراد أن ذلك كان في الجاهلية؛ كان الرجل منهم إذا جَرَّ جريرة ثم عاد بالبيت لم يكن بها مأخوذًا؛ كما ذكره الطبري عن قتادة والحسن أما في الإسلام فالحرم لا يمنع من حدود الله، فلو أصاب حدًّا في غير الحرم ثم لجأ إليه أُخرج وأقيم عليه الحد. قال الطبري: فتأويل الآية على قول هؤلاء: والذي دخله من الناس كان آمنا بها في الجاهلية. قال: وقال آخرون: معنى ذلك: ومن يدخله يكن آمنا بها، وقالوا: هذا أمر كان في الجاهلية وكذلك هو في الإسلام، من أصاب حدًّا ثم لجاء إليه لم يتعرض له ولكنه لا يبايع ولا يؤدي حتى يخرج؛ فإن خرج أقيم عليه الحد. وقال آخرون: ومن دخله يكن آمنا من النار. قال الطبري: وأولى الأقوال بالصواب قول ابن الزبير ومجاهد والحسن، ومن قال: معنى ذلك: ومن دخله من غيره ممن لجأ إليه عائذًا به كان آمنا ما كان فيه، ولكنه يخرج منه فقيام فيه أقيم عليه فيه)).اهـ. وقال في آية العنكبوت الآتية: أنا جعلنا بلدهم حرما حرمنا على الناس أن يدخلوه بنارة أو هرب آمنا بأمن فيه من سكن.اهـ.
"تفسير الطبري" (7/29- 34)، (20/62). بتصرف يسير. وما اختاره الطبري هو مذهب أبي حنيفة وأحمد، على تفصيل سيأتي للشارح قريبًا، وسنذكر عنده مذهب الشافعي ومالك، واستدلال القاضي والنووي لهما.(1/175)
آمنًا ويتخطف الناس من حولهم} (1) ، وهو منقولٌ من عادةِ العربِ في احترامِهم مكةَ، ومن كتبِ التواريخِ.
وقوله: ((ولم يحلَّ (2) لي إلا ساعةً من نهار فهو (3) حرامٌ)) الضميرُ في ((يحل (4) )) ((هو))، وهو يعودُ على (5) القتال قَطْعًا؛ كما يدلُّ عليه مساقهُ (6) ؛ فيلزم منه تحريمُ القتالِ فيه مطلقًا، سواءٌ كان ساكنُه مستحقًّا للقتالِ أو لم يكنْ؛ وهو الذي يدلُّ عليه قولُه - صلى الله عليه وسلم - : ((ولا يحل (7) لأحدٍ بعدي (8) ))، ((ولم تحل (9) لي إلا ساعةً من نهارٍ (10) )).
وقولُه: ((فإن أحدٌ ترخص لقتالِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فيها؛ فقولوا: إن الله أذن لرسولِه، ولم يأذن لكم))، وهذا نصٌّ على الخصوصيةِ، واعتذارٌ منه عما أُبيحَ له من &(3/371)&$ ذلك، مع أنَّ أهلَ مكةَ كانوا إذ ذاك مستحقِّين للقتلِ والقتالِ (11) لصدِّهم عنه، وإخراجِهم (12) أهلَهُ (13) منه، وكفرِهم بالله تعالى وبرسولِه (14) - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا هو الذي فهمه أبو شُريحٍ من هذا الحديثِ،، وقد قال بذلك غيرُ واحدٍ من أهلِ العلمِ؛ منهم (15) . غيرَ أن هذا يعارضُه ما جاء (16) في حديثِ أبي شريحٍ من قولِ عمرِو بنِ سعيدٍ، على ما يأتي (17) .
وقولُه: ((لا يُعْضَدُ شوكُه))، وفي حديثِ أبي هريرةَ (18) : ((لا يختبطُ شوكُه (19) )): يُعضد: يُقْطَع. والْمِعْضَدُ (20) : الآلةُ التى يُقطعُ بها (21) . والْخَبْطُ (22) : ضَرْبُ أوراقِ الشجرِ بالعِصِي لعلفِ المواشِي؛ يقال: خَبَطَ واختبط، والمصدرُ منه: =(3/470)=@ ((خبْطًا))، بسكونِ الباءِ، والاسمُ بتحريكِها (23) .
و((الخلى)) مقصورًا (24) ، هو الرَّطْبُ من ((الكلأِ)) - مقصورًا، مهموزًا، و((الحشيشُ)): %(1/176)%
__________
(1) سورة العنكبوت؛ الآية: 67.
وقد نقل الحافظ في "الفتح" (4/43) عبارة الشارح هنا، لكنه لم ينسبها لأحد.
(2) في (م) و(ي): ((تحل)).
(3) في (ح): ((وهو)).
(4) في (ب) و(م): ((تحل)).
(5) في (ح): ((إلى)).
(6) قوله: ((يحل هو وهو...إلخ)) إن عني بـ((هو)) الأولى تقدير الضمير المستتر في ((يحل)) وبـ((هو)) الثانية ضمير هذا الضمير؛ فيكون كلامه: أن في ((يحل)) ضميرًا مستترًا، وهذا الضمير يعود على القتال، ويكون الضمير البارز في ((فهو حرام) عائدًا إلى ((البلد)) المذكور في كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - أولاً، وإن عني بـ((هو)) الثانية ذلك الضمير في قوله: ((فهو حرام))، فيكون كلامه أن الضميرين المستتر في ((يحل)) والبارز في ((فهو حرام)) عائد إلى القتال. لكن سياق الحديث يرجح الأول؛ والبارز في ((فهو حرام)) عائد إلى القتال. لكن سياق الحديث يرجح الأول؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيدها)). كما أنه يجوز أن يعود الضمير الأول في ((يحل)) على البلد أيضًا، فبتحليل الله مكة للرسول حل له القتال، ثم عادت حرمتها فحرم القتال.
(7) في (أ) و(ب) و(ي): ((تحل)).
(8) في (ب): ((يعدي)).
(9) في (أ) و(ب) و(ز) و(م): ((تحل)).
وانظر التعليق الآتي.
(10) قوله: ((ولا يحل لأحد بعدي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار))هذا الكلام بهذا النسق لا يتفق مع رواية الحديث في الصحيح، ولتلخيص الشارح، ولفظ الرسول فيهما في معرض كلامه عن ((مكة)) وأن الله تعالى حبس عنها الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين؛ قال - صلى الله عليه وسلم - : ((وإنها لن تحل لأحد كان قبلي)) كذا في هذه الرواية وفي أخرى: ((لم تحل)) وإنها أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحدٍ بعدي، وواضح أن سياق الحديث عن ((مكة)) فالضمير في ((تحل)) عاد عليها بالمؤنث في الموضعين. وبتقرير هذا اللفظ في الرواية ، لا يستقيم للشارح استدلاله، به على عدد الضمير في اللفظ الذي ذكره قبلُ إلى القتال. ولم تثبت ما وقع في النسخ الأخرى في اللفظين الآخرين ((تحل))؛ لأنا لو أثبتناهما ((تحل)) لم ينضبط كلام الشارح، فأثبتناها على ما يستقيم به كلامه، ثم نقضنا كلامه بذكر الرواية الصحيحة. وعلى كلٍّ، فلو عاد تحريمها وتكريره ذلك في الحديث، يدل على أن البلد لا يحل لأحد بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمعنى الذي حل له به، وهو قتال أهل ومحاربتهم.
قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (9/124- 125):
قال الماوردي في "الأحكام السلطانية": من خصائص الحرم أن لا يحارب أهله فإن بغوا على أهل العدل فقد قال بعض الفقهاء يحرم قتالهم بل يضيق عليهم حتى يرجعوا إلى الطاعة ويدخلوا في أحكام أهل العدل قال وقال جمهور الفقهاء يقاتلون على بغيهم إذا لم يمكن ردهم عن البغي الا بالقتال لأن قتال البغاة من حقوق الله التي لا يجوز إضاعتها فحفظها أولى في الحرم من إضاعتها. قال النووي: وهذا الذي نقله عن جمهور الفقهاء هو الصواب، وقد نص عليه الشافعي وقد نص عليه الشافعي في كتاب "اختلاف الحديث" وفي آخر كتابه المسمى بـ"سير الواقدي" من كتب وقال القفال المروزي: لا يجوز القتال بمكة قال: حتى لو تحصن جماعة من الكفار فيها لم يجز لنا قتالهم فيها وهذا الذي قاله القفال غلط نبهت عليه حتى لا يغتر به وأما الجواب عن الأحاديث المذكورة هنا فهو ما أجاب به الشافعي في كتابه "سير الواقدي": أن معناها تحريم نصب القتال عليهم وقتالهم بما يعم كالمنجنيق وغيره إذا أمكن إصلاح الحال بدون ذلك بخلاف ما إذا تحصن الكفار في بلد آخر فإنه يجوز قتالهم على كل وجه وبكل شيء.اهـ.
وقال ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام" (ص458- 459) بعد نقله كلام الماوردي والنووي:
أقول: هذا التأويل على خلاف الظاهر القوي الذي دل عليه عموم النكرة في سياق النفي في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك دما) وأيضا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين خصوصياته لإحلالها له ساعة من نهار وقال: ((فإن أحد ترخص بقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم)) فأبان بهذا اللفظ أن المأذون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه لم يؤذن فيه لغيره والذي أذن للرسول فيه إنما هو مطلق القتال ولم يكن قتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل مكة بمنجنيق وغيره مما يعم كما حمل عليه الحديث في هذا التأويل. وأيضا فالحديث وسياقه يدل على أن هذا التحريم لإظهار حرمة البقعة بتحريم مطلق القتال فيها وسفك الدم وذلك لا يختص بما يستأصل وأيضا فتخصيص الحديث بما يستأصل.اهـ.
وقال الحافظ في "الفتح" (4/48) بعد نقل كلام الماوردي والنووي أيضًا: وقال ابن المنير قد أكد النبي التحريم بقوله: ((حرمه الله)) ثم قال: ((فهو حرام بحرمة الله)) ثم قال: ((ولم تحل لي إلا ساعة من نهار)) وكان إذا أراد التأكيد ذكر الشيء ثلاثا، قال: فهذا نص لا يحتمل التأويل.
ثم نقل الحافظ كلام الشارح في الفقرة التالية في النص على تخصيص حل القتال بالرسول - صلى الله عليه وسلم - .
(11) قوله: ((للقتل والقتال)) في (أ): ((للقتال و القتل)).
(12) في (ز): ((إخراج)).
(13) في (ح) و(ي): ((له)).
(14) في (ح) و(ي): ((ورسوله)).
(15) لفظة ((منهم)) سقطت من (ي). وبعدها في سائر النسخ بياض يتراوح من كلمتين إلى نصف سطر. وفي البياض الذي في (ب) كتب الناسخ: ((كذا)). وقد نقل الحافظ في "الفتح" (4/48) عبارة الشارح هذه إلى قوله: ((من أهل العلم)) فقط!. وانظر التعليق آخر الفقرة السابقة.
(16) قوله : ((جاء)) من (ح) فقط.
(17) في هذا الباب، من وقل عمر لأبي شريح: ((إن الحرم لا يعيذ عاصيًا ولا فارًّا بخربة)) سيأتي كلام الشارح عليه.
(18) في (ب) و(م): ((أبي شريح))، وهو خطأ .
(19) في (ح): ((ولا يختبط)) والرواية في الصحيح والتلخيص: ((لا يخبط)).
(20) في (م): ((والمعَضَّة)) بالضبط.
(21) عَضَدت الشجرة أعضِده عَضْدا (من باب ضرب): قطعته بالمِعْضَد، قال في "المصباح": والمعضد: سيف يمتهن في قطع الشجر، والشجر معضودٌ وعَضَدٌ: مقطوع. "الصحاح" (2/509)، "المصباح" (ص215)، "النهاية" (3/251).
(22) في (ز): ((والخيط)).
(23) خبطتُ الورق من الشجر خَبْطا (من باب ضرب): أسقطت، فإذا سقط فهو ((خَبَط)) فالخَبَط ((فَعَل)) بمعنى فعولٍ. وحقيقة الخبْط: الضرب. "النهاية" (2/7)، و"المصباح" (ص87).
(24) في (أ) و(ح) و(ز): ((مقصور)).(1/176)
هو اليابسُ (1) منه و((الكلأُ)): يقالُ على الخلى، والحشيشِ (2) .
و((الشَّجرُ)): ما كان على ساقٍ، وفي بعضِ طرقِه: شجراؤها (3) وهو جنسُ الشجرِ (4) ، وهي ((العِضاهُ)) أيضًا (5) في الحديثِ الآخرِ (6) ، والعِضاهُ من شجرِ الباديةِ: كلُّ شجرٍ له شوكٌ، ومنه ما يُسمَّى بـ ((الكَنَهْبُل)) و((السَّيَال (7) )). ولهذا الحديثِ خصَّ الفقهاءُ مطلقَ الشجرِ المنهيِّ عن قطعِه بما يُنبتُه الله تعالى من غيرِ صُنْعِ آدميٍّ اتفاقًا منهم، فأما ما يَنبتُ بمعالجةِ آدميٍّ؛ فيجوزُ قطعُه (8) .
ثم اختلفوا في جزاءِ ما قُطع من النوعِ الأولِ. فقال مالكٌ: لا جزاءَ فيه؛ لعدمِ ما يدلُّ على ذلك،، وقال الشافعيُّ وأبو حنيفة: فيه الجزاءُ؛ فعند (9) أبي حنيفة: تؤخذُ (10) قيمةُ ما قُطع، فيُشترى بها (11) هديٌ (12) . وعندَ الشافعيِّ: في الدوحةِ (13) - وهي الشجرةُ العظيمةُ - بقرةٌ، وفيما دونها شاةٌ.
وأما قطعُ العُشْبِ للرعيِ، فمنع ذلك أبو حنيفةَ ومحمدُ بنُ الحسنِ، وأجازه غيرُهما. &(3/372)&$
وقولُه: ((ولا ينفر (14) صيده))؛ أي: لا يُهاجُ عن حالِه، ولا يُعْرَضُ (15) له. قال عكرمةُ: ((هو أن يُنَحِّيَه (16) من الظلِّ إلى الشمسِ)) (17) ، وقد تقدَّم القولُ فيه (18) .
وقولُه: ((ولا يَلْتقِطُ لُقَطَتهُ إلا منشدٌ)) اتفق رواةُ المحدِّثين على ضمِّ اللامِ وفتحِ القافِ من ((اللقَطَةِ)) هنا؛ أرادوا به الشيءَ الملتقَطَ، وليس كذلك عندَ أهلِ اللسانِ؛ قال الخليلُ: اللقَطةُ - بفتحِ القافِ -: اسمٌ للذِي يَلْتقِطُ، وبسكونِها لما يُلتقَطُ (19) . قال الأزهريُّ: هذا قياسُ اللغةِ؛ لأن ((فُعَلَةٌ)) في كلامِهم جاءَ فاعلاً كـ((الهُزَأَةِ)) (20) للذِي (21) يَهْزَأُ بالناسِ، وجاء (22) مفعولاً كـ((الهُزْأةِ)) للذي (23) يَهْزَأُ به الناسُ (24) ، إلا أن الرواةَ أجمعوا على أن اللُّقَطَةَ: الشيءُ الملتقَطُ (25) .
و((المنشدُ)): هو المعرِّفُ، و((الناشدُ)): هو الطالبُ والباغي (26) ؛ كما قال:
أُنْشُدُ والْبَاغِي يُحِبُّ الوُجْدَان (27) =(3/471)=@ %(1/177)%
__________
(1) في (ي): ((النابس)).
(2) قال الفراء في المقصور والممدود: ((الخلي كل ما اختليته بيدك من البقل، فذلك مقصور يكتب بالياء.اهـ. ونقله عنه أبو على ثم قال: وقال الأصمعي الخلي مقصور: النبت الرقيق كله مادام رطبا... وقال أبو حاتم: قال الأصمعي: الخلي: الرطب من النبات كله وهو الأخضر واحدته: خلاة.اهـ. ونحوه في "الصحاح" للجوهري. وفي "المصباح": الخلي الرطب وهو ما كان غضًا من الكلأ، وأما الحشيش فهو اليابس. وفيه: الكلأ: العشب رطبًا كان أو يابسًا، والجمع أكلاء. لكن في غريب أبي عبيد: قال الأصمعي: ومنه سميت المخلاة؛ لأنه يجعل فيها الخلي، وهو الحشيش اليابس.اهـ.
"المقصود والممدود" للفراء (ص38)، "غريب أبي عبيد" (5/141)، "المقصور والممدود" لأبي علي (ص49)، و"الصحاح" (6/2331)، و"المصباح" (ص96، 278)، و"النهاية" (2/75).
يقال: اختليت الخلى اختلاءً، وخَلَيْتُه خَلْيا (من باب رمى): قطعته.
(3) ذكرها القاضي عياض في "الإكمال" (4/470).
(4) في "الصحاح": الشجر والشجرة: ما كان ساق من نبات الأرض وأرض شَجيرة وشجراء، أي: كثيرة الأشجار. ووادٍ شجير، ولا يقال: واد أشجر. وواحد الشجْراء: شجرة. ولم يأت من الجمع على هذا المثال إلا أحرف يسيرة: شجرة وشجراء، وقصبة وقصباء، وطرفة و طرفاء، وحلفة وحلْفاء... وقال سيبويه: الشجراء: واحد وجمع وكذلك القصباء والطرف والحلفاء.اهـ. وقريب منه في "مشارق الأنوار" (2/244).
(5) في (ح): ((لما)).
(6) البخاري (5/87 رقم2433) في اللقطة ، باب كيف تعرف لقطة أهل مكة، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يعضد عضاهها ولا ينفر صيدها ولا تحل لقطتها إلا المنشد ولا يختلى خلالها)). وستأتي اللفظة في الباب الآتي، في تحريم المدينة.
(7) العِضَاهُ – كما قال الشارح -: كل شجر يعظم وله شوك. وهاؤه أصلية. واختلف في المفرد؛ قيل: ((عِضَهٌ)) هاؤها أصيلة وهي لامها، وقيل: ((عِضَةٌ)) واللام محذوفة وهي الواو وهاء التأنيث عوض؛ فأصلها: ((عِضَوَةٌ)). وقيل اللام المحذوفة هي الهاء؛ وربما ثبتت هاء التأنيث؛ فيقال: ((عِضَهَةٌ)). ويقال في مفردها أيضًا: ((عضاهة)) قال في "المشارق": ((وهو أقبحها)). وعَضِهَ البعير (من باب تعب) عَضَهًا وهو عَضِةٌ: رعى العضاه.
قال في "الصحاح": وهو – أي: العضاه- على ضربين: خالصٌ وغير خالصٍ. فالخالصُ: الغَرْفُ، والطَّلْحُ، والسّلَمُ، وا لسِّدْرُ، والسَّيَالُ، والسَّمُرُ، واليَنْبُوت، والعُرفُط، والقَتَادُ الأعظمُ، والكَنَهْبُلُ، والغَرَبُ، والغَرْقَدُ، والعَوْسَجُ.
وغيرُ الخالصِ: الشَّوْحَطُ، والنَّبْعُ، والشريَانُ، والسَّرَاء، والنَّشَمُ، والعُجْرُمُ، والتَّأْلَبُ، والغَرْفُ. فهذه تُدْعَى عِضَاهُ الْقياس من القوس.
وما صَغُرَ نم شجر الشوك فهو العِضُّ.
وما ليس بِعِضٍ ولا عِضَاهٍ من شجر الشَوك فالسُّكاعَي، والحَلاَوَي، والحَاذُ، والكُبُّ، والسُّلَّجُ.
(8) نقل الحافظ في "الفتح" (4/44) عبارة الشارح هذه والفقرة التالية، لكن عنده: ((فأما ما ينب بمعالجة آدمي فاختلف فيه. والجمهور على الجواز وقال الشافعي: في الجميع الجزاء ورجم ابن قدامة.اهـ. ثم نقل بقية كلام الشارح في الفقرة التالية. وفي "الإكمال" (4/471): ((... وأما ما غرسه الآدمي فلا شيء عليه فيه، وهذا مذهب مالك عند شيوخنا، وحكى الخطابي أن مذهب الشافعي منع قطع ما غرسه الآدمي من شجر البوادي ونماه وأنه وغيره مما أنيته الله سراء)).اهـ. وصحح النووي في "المجموع" (7/451) القطع بالتعميم في الجزاء وضعَّف التخصيص بما ينبته الله عز وجل.
وانظر "معالم السنن" (3/436).
(9) في (م): ((وعند)). والأولى ما أثبتناه، إلا أن العبارة ينقصها: ((واختلفا (أي: الشافعي وأبو حنيفة) في ذلك)) ونحوه.
(10) في (ز) و(م) و(ي): ((يؤخذ)).
(11) في (ح): ((به)).
(12) بعدها في (ي): ((ودونها شاة)).
(13) في (أ): ((الروحة)).
(14) في (ز): ((ينفره)).
(15) في (ي): ((يتعرض)).
(16) في (ب) و(م): ((تنحيه)).
(17) قول عكرمة ذكره البخاري في باب لا ينفر صيد الحرم بعد الحديث (1833)، قال: وعن خالد عن عكرمة قال: هل تدري ما ((لا ينفر صيدها))؟ قال: هو أن ينحيه من الظل ينزل مكانه.
(18) تقدم طرف من الكلام عن الصيد وجزائه في باب ما جاء في الصيد، لكن الشارح لم يتحدث عن مسألة ((تنفير الصيد)) قال القاضي في "الإكمال" (4/472): وقال الطبري: في قوله: ((لا ينفر صيدها)) حجة على تحريم اصطياده؛ لأنه إن نهى عن تنفيره فاصطياده آكد في التحريم.اهـ. ثم ذكر قول عكرمة الذي ذكره الشارح ثم قال: ولا خلاف أنه إن نفر فسلم أنه لا جزاء عليه، إلا أن يهلك، لكن عليه الإثم لمخالفة نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا شيء روى عن عطاء: أنه يطعم.اهـ. وانظر "شرح النووي" (9/126)، "فتح الباري" (4/46).
(19) في "العين" (5/100) وعبارته: ((واللُّقطة: ما يوجد ملقوطًا ملقى واللُّقَطة: الرجل اللقَّاطة وبياع اللُّقاطات يلتقطها)).
(20) الزاهر في "غريب ألفاظ الشافعي" لأبي منصور الأزهري (ص364). والتمثيل بـ((الهزَأة)) و((الهزْأة)) ليس من كلام الأزهري وبقية كلام الأزهري هكذا: ((غير أن كلام العرب جاء في ((اللقطة)) على غير قياس، وأجمع أهل اللغة ورواة الأخبار على أن ((اللقَطة)): هو الشيء الملتقط.
وروى عن الأحمر أنه قال: هي اللقَطة والقصَعة، وكذلك قال الفراء وابن الأعرابي والأصمعي)).اهـ. وفي "تهذيب اللغة" و "المستدرك" (16/249- 250) نقل الأزهري كلام الخليل، عن الليث، ثم قال: وكلام العرب الفصحاء على يغر ما قال الليث... ولم أسمع ((لقْطة)) لغير الليث وإن كان ما قاله قياسًا)).
وذكر ابن قتيبة وثعلب وابن دريد والزمخشري في "الفائق" أن ((اللقْطة)) بالسكون من لحن العامة، بل قال ابن مكي الصقلي والقاضي عياض: ولا يجوز الإسكان. وفي إصلاح المنطق: أن ((القَطة)) بفتح القاف من الأسماء التي جاءت على ((فُعَلة)) وليست من باب النعت على ((فعَلة)) و((فعْلة))، الذي يكون الفتح فيه للفاعل والسكون للمفعول.
ويؤيد عبارة ابن الأثير في "النهاية": وهي بضم القاف وفتح اللام اسم للمال الملقوط؛ أي الموجود.
ومقتضى كلام الأزهري أنها من باب النعت على ((فعَلة)) و((فعْلة)) إلا أن العرب تكلمت بها على غير القياس، ففتحوا في المفعول؛ بل في نوادر أبي زيد: ووجدتُ اللقَطَة مثل همزَة... قال أبو الحسن (الأخفش الأصغر): أبو زيد يذهب إلى أن اللقَطَة: ما يُلقط، واللقْطة: مَنْ يلقط، وغيره يذهب إلى أن ((اللقَطة: اللاقط، واللقْطة: الملقوط. ووجدت أبا العباس محمد بن يزيد يختار هذا القول)).اهـ. وقال الزمخشري في "أساس البلاغة": وهذا لقاطة من اللقاطات، وهي ما كان مطروحًا من شاء أخذه. ووجدت لقطة ولقَطة ولقيطا، ورجُلٌ لقَطة ولقَّاطة)).اهـ.
وقال الفيومي بعد نقل كلام الأزهري وتعقبه عن الليث: واقتصر ابن فارس والفارابي وجماعة على الفتح، ومنهم من يعد السكون من لحن العوّام. ووجه ذلك (وجد أن التسكين لحن) أن الأصل ((لقاطة)) فثقلت عليهم لكثرة ما يلتقطونه في النهب والغارات وغير ذلك، ؟؟؟ بها ألسنتهم اهتمامًا بالتخفيف؛ فحذفوا الهاء مرة، وقالوا: ((لُقاط))، والألف أخرى وقالوا: ((لقطة)) فلو سكن اجتمع على الكلمة إعلالان، وهو مفقود في فصيح الكلام، وهذا وإن لم يذكروه فإنه لا خفاء به عند التأمل؛ لأنهم فسروا الثلاثة (اللقاطة واللقاط واللقَطة) بتفسير واحدٍ.اهـ.
وهذا معناه أنها ليست من باب ((فعَلة)) عنده، وإلا لما احتاج إلى مثل هذا التخريج والقول بأنها مأخوذة من ((لقاطة)) وذكر صاحب "المصباح" أن أبا علي القالي في البارع حكى الفتح والتسكين.
وقد صوَّب ابن بري أيضًا ((اللقْطة)) وفي "اللسان": اللقْطة واللقَطة واللقاطة: ما التقط. وذكر النووي والبعلي عن ابن مالكٍ أنها التسكين لغة في ((اللقطة)) ونظم ابن مالك لغاتها بقوله:
لُقَاطَةٌ وَلُقْطَةٌ وَلُقَطَهْ ... وَلَقَطٌ مَا لاَ قِطٌ قَدْ لَقَطَهْ
وانظر: "العين" (5/100)، و"النوادر" (ص229- 230)، و"إصلاح المنطق" (ص642)، و"أدب الكاتب" (ص382)، و "الجمهرة" (2/923)، و"الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" (ص364)، و"تهذيب اللغة" (16/249- 250 "المستدرك")، و"إسفار الفصيح" (2/711)، و"تثقيف اللسان" (ص267)، و"أساس البلاغة" (ص747)، و"الفائق" (1/391)، "مشارق الأنوار" (1/362)، و"النهاية" (4/264)، و"تهذيب الأسماء واللغات" (3/129)، "تحرير التنبيه" (ص235)، و"المطلع" (ص340- 341)، و"اللسان" (7/392- 393)، و"المصباح المنير" (ص287)، "تاج العروس" (10/400- 401).
(21) في (ح) و(ي): ((الذي)).
(22) كذا في النسخ، وعبارة الأزهري: ((وفعْلة)) جاء...))إلخ. وانظر التعليق آخر النقل عن الأزهري.
(23) في (ح) و(ي): ((الذي)).
(24) قوله: ((يهزأ به الناس)) في (ب) و(م): ((يهزأ الناس به))، وفي (ز): ((به يهزأ الناس)).
(25) في (م): (اللقطة)).
(26) في (ب) و(ي): ((الناغي)).
(27) تقدم في كتاب الإيمان، باب شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين. [يوسع](1/177)
وقال الآخرُ (1) :
إصاخَة النَّاشِدِ للمُنْشِدِ (2)
يقال: نَشَدْتُ الضالَّةَ: طلبتها، وأَنشدتُها: عَرَّفْتُها. وأصلُ الإنشادِ: رَفْعُ الصوتِ، ومنه: إنشادُ الشعرِ (3) .
وقد أفاد ظاهرُ هذا الحديثِ وما في معناه: أن للقُطةِ (4) مكةَ مزيَّةً على لقطةِ غيرِها، لكن اختلفَ العلماءُ في أيِّ شيءٍ تلك المزيةُ:
فقالت طائفةٌ: هي أنها (5) لا تحلُّ للملتقِطِ بوجهٍ من الوجوهِ، ولا يزالُ يُعرِّفُها (6) دائمًا،، وممن (7) ذهب إلى هذا: أبو عبيدٍ، والشافعيُّ، وابنُ مهدِيٍ، والداوديُّ والباجيُّ وابنُ العربيِّ من أصحابِنا، ويعَتْضِدون بنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن لقطةِ الحاجِّ (8) .
وقالت طائفةٌ أخرى: إنَّ المزيةَ (9) هي أنها لا يحلُّ التقاطُها إلا أن يسَمعَ (10) من ينشدها، فيأخذُها ويرفعُها.
وذهب مالكٌ في المشهورِ عنه إلى أن المزيةَ إنما هي في زيادةِ التعريفِ والمبالغةِ فيها، وحكمُها وحكمُ غيرِها من البلادِ سواءٌ (11) ، وسيأتي بيانُ أحكامِها، والقولُ الأولُ أظهرُ من الأحاديثِ المذكورةِ في هذا البابِ. &(3/373)&$
وقد فسَّر بعضُهم ((المنِشدَ)) بالطالبِ، يعني به: ربَّها (12) ؛ أي: لا تحلُّ إلا لَه، ويرجعُ هذا إلى القولِ الأولِ (13) ، وقد تقدم أن المنشدَ هو المعرِّفُ؛ على ما قال أبو عبيدٍ (14) وغيرُه.
((الإذخِر (15) )): هو نبتٌ له رائحةٌ طيبةٌ، معروفٌ.
وفى قولِه - صلى الله عليه وسلم - فى جوابِ (16) =(3/472)=@ العباسِ، وقد سأله عن الإذخِرِ: ((إلاذخرَ))؛ دليلٌ على أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فُوِّضتْ إليه أحكام، فكان (17) يحكمُ فيها باجتهادِه، واستيفاءُ المسألِ في %(1/178)%
__________
(1) في (م): ((آخر)).
(2) عجز بيت من السريع، للمثقب العبدي واسمه محسن بن تعلبةن أو عائذ بن محصن، أو عائذ الله بن محصن، وتمام البيت:
يُصِيخُ لِلنَّبْأَةِ أَسْمَاعَهُ ... إِصَاخَةَ النَّاشِدِ لِلْمُنْشِدِ
من قصيدته التي مطلعها:
هَلْ عِنْدَ غَانٍ لِفُؤَادٍ صَدِى ... مِنْ نَهْلَةٍ ِفي الْيَوْمِ أَوْ فِي غَدِ
يَجْزِي بِهَا الْجَازُونَ عَنِّي، وَلَوْ ... يُمْنَعُ شُرْبِي لَسَقَتْنِي يَدِى
والبيت في أبيات يصف فيها الناقة يقول:
كأنَّها أَسْفَعُ ذُو جدَّةٍ ... يُمْسُدُهُ الوَبْلُ وَلَيْلٌ سَدِى
مُلمَّعُ الخدَّيْنِ قَدْ أُرْدِفَتْ ... أكْرُعُهُ بالزَّمعِ الأسْوَدِ
كأنَّما يَنْظُرُ في ُبرقُعٍ ... مِنْ تَحْتِ رَوقٍ سَلِبِ المِذْوَدِ
(يُصِيخُ للنَّبْأةِ أَسْماعَهَ ... إصاخَةَ النَّاشِدِ للمُنْشِدِ)
فَنَخَبَ القَلْبُ وَمَارَتْ به ... مَوْرَ عَصَافِيرَ حَشَى المَرْعَدِ
ضمَّ صماخيهِ لنكرَّبةٍ ... من خَشيَةِ القانِصِ والموسَدِ
يقول: هذه الناقة كالثور الوحشي المتوجس الذي يجمع باله إذا أحسَّ بشيء من أسباب الصيد والقنص، فهو يصيح – أي: يستمع وينصت باهتمام – " النبأة"؛ وهي الصوت الخفي لا يدري من أين هو؛ كما يستمع من ضَلَّ له شيءٍ إلى صوت من يُعرِّفه، والشاهد فيه قوله: ((الناشد)) و((المنشد)) بمعنى: الطالب، والمعرِّف. وقد تقدم استشهاد الشارح بالبيت في كاب الصلاة باب النهي عن أن تنشد الضالة في المسجد والبيت للمثقب في "ديوانه" (ص41)، و"البيان والتبيين" (2/288)، و"الكامل" (1/142)، "جمهرة اللغة" (2/652)، وبلا نسبة في "جمهرة اللغة" (3/1265)، و"الأمالي" (1/34)، و"مقاييس اللغة" (3/325)، و"أساس البلاغة" (ص827)، و"شرح المفصل" (2/94)، و"تفسير القرطبي" (19/165)، و"الإكمال" (4/472).
(3) وفي "تهذيب اللغة": والنشد رفع الصوت، وكذلك المعرِّف يرفع صوته بالتعريف فسمِّي منشدًا.اهـ. وقال أبو عبيد: ((نَشَدت الضالة أنشُدها نِشْدَانًا)). "غريب الحديث" (4/96)، "تهذيب اللغة" (11/323)، و"إسفار الفصيح" (1/438).
(4) في (م): ((اللقطة)).
(5) في (ح): ((أنها)).
(6) في (ح): ((تعرفها)).
(7) في (أ): ((ومن)).
(8) سيأتي في الأقضية ، باب النهي عن لقطة الحاج. وانظر: "غريب الحديث" (4/95- 96)، "شرح النووي" (9/126)، و"الإكمال" (4/472- 473)، و"المنتقى" (6/138).
(9) قوله: ((إن المزية هي)) في (أ): ((هي أن المزية))، وفي (ح) و(ي): ((أو لأن المزية هي)).
(10) قوله: ((إلا أن يسمع)) في (ز): ((لاكن يسع)).
(11) عبارة المازري في "المعلم" (2/؟؟؟): فعند مالك أن حكم اللقطة في سائر البلاد حكم واحد، وعند الشافعي أن لقطة مكة بخلاف غيرها... ويحمل الحديث على أصلنا على المبالغة في التعريف؛ لأن الحاج يرجع إلى بلده وقد لا يعود إلا بعد أعوام فتدعو الضرورة لإطالة التعريف بها بخلاف غير مكة)). وخلاف المشهور.
(12) في (ز): ((يعني بتركها)) وفي (ي): ((بهار بها)).
(13) يعني أنه بذلك لا تحل أيضًا للملتقط تمللكها.
(14) في (أ) و(ي): ((أبو عبيدة)). ولم يذكر الشارح ذلك فيما تقدم عن أبي عبيد صريحًا، وكلام أبي عبيد في "غريب الحديث" (4/96- 97)، وقد قال أبو عبيد عن القول بأن ((المنشد) هنا هو رب اللقطة: فهذا حسن في المعنى، ولكنه لا يجوز في العربية أن يقال للطالب: ((منشد))، إنما المنشد: المعرف، والطالب هو: الناشد.
(15) و((الإذخر))من (أ) فقط، وفي سائر النسخ: ((الإذخر)).
(16) في (أ): ((حديث)÷.
(17) قوله : ((فكان)) سقط من (ح) و(ي.(1/178)
الأصولِ (1) .
وقد يُوردُ على هذا أن يقالَ: إذا (2) كانتْْ مكةُ مما حرمها الله، ولم يحرمها الناس؛ فكيف لأحدٍ أن يحكم بحلِّيَّة شيء منها وقد حرَّمه الله تعالى؟ والجوابُ: أن الذي حرَّمه الله هو ما عدا (3) المستثنى جملةً؛ لأنه لما جعل لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم - التخصيصَ مع علمِه بأنه يخصِّص كذا، فالمحكومُ به لله تعالى هو ما عدا ذلك المخصَّصَ. والله تعالى أعلمُ (4) .
و((أبو شريح)): هو خويلدُ بنُ عمرٍو، وكذلك (5) سَمَّاه البخاريُّ، ومسلمٌ (6) . وقال (7) محمدُ بنُ سعدٍ (8) : خويلدُ بنُ صخرِ بنِ عبدِ العزيزِ (9) . وقال أبو بكرٍ البَرْقَانُّي (10) : اسمُه: كعبٌ.
وقوله: ((وهو يبعثُ البعوثَ إلى مكة)) ((البعوثُ)): جمعُ ((بعثٍ))، وهي الجيوشُ أو السرايا، ويعني بها هنا الجيوشَ التي وجهها (11) يزيدُ بنُ معاويةَ إلى عبدِ الله بنِ الزبيرِ (12) ، وذلك أنه لما تُوفِّي معاويةٌ وجَّه يزيدُ (13) إلى عبدِالله يَستدعي منه بيعتَه، فخرج إلى مكةَ ممتنعًا من بيعتِه، يحرِّضُ الناسَ على بني أميةَ (14) ، فغضب يزيدُ، وأرسل إلى مكةَ يأمرُ واليَها يحيى بنَ حكيمٍ بأخذِ بيعةِ (15) عبدِالله، فبايعه، وأرسل إلى يزيدَ ببيعتِه، فقال: لا أقبلُ حتَّى يُؤتَى به في وَثَاقٍ،، فأبى (16) =(3/473)=@ ابنُ الزبيرِ، وقال (17) : أنا عائذٌ بالبيتِ،، فأبى يزيدُ، وكتب (18) يزيدُ إلى عمرِو بنِ سعيدٍ أن يوجِّهَ (19) إليه جندًا، فبعث إليه هذه البعوث (20) . &(3/374)&$
وقولُ: ((إن الله حرَّم مكة، ولم يحرمْها الناسُ (21) ))؛ يعني (22) : أنه حرَّمها ابتداءً من غيرِ سببٍ يُعزى إلى أحدٍ ولا مقدمةٍ، ولا لأحدٍ فيه مدخلٌ؛ لا %(1/179)%
__________
(1) أجمعوا على أ،ه يجوز للأنبياء أن يجتهدوا فيما يتعلق بمصالح الدنيا وتدبير الحروب. واختلفوا في اجتهادهم في أمر الشرع: هل كان لهم أن يجتهدوا فيما لا نص فيه: فقيل: ليس لهم ذلك لقدرتهم على النص بنزول الوحي. واحتج بقوله: {وما ينطق عن الهوى}، وبانتظاره - صلى الله عليه وسلم - الوحي إذا سئل. وقيل يجوز لهم ذلك، وهو مذهب الجمهور. وردوا على الآية بأن المراد: القرآن، وعلى تسليم إرادة مطلق النطق: بأن الاجتهاد الشرعي مأذون فيه. وقيل: بالتوقف في المسألة. واختلفوا في وقوعه منه - صلى الله عليه وسلم - : فقيل:وقيل وقع في الفروع ولم يقع في القواعد وقال المنكرون: السنة كلها و هي، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ((ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)). وقال القاضي عياض عن هذا الحديث. وقال المهلب: وقد يكون الجميع مما حرمه الله، لكن قد أعلم رسوله بتحليل المحرمات. وقال النووي: هذا محمول على أنه - صلى الله عليه وسلم - أوحي إليه في الحال باستثناء الإذخر وتخصيصه من العموم أو أوحي إليه قبل ذلك أنه إن طلب أحد استثناء شيء فاستثنه، أو أنه اجتهد في الجميع. والله أعلم.
وقال في المسودة عن القول بأنه لا يجوز له - صلى الله عليه وسلم - أن يقضي في دين الله إلا بوحي – قال: وهذا قول أهل الحق كافةً.
وانظر: "البحر المحيط" (4/502- 506)، "الواضح" (5/3970 318)، "المسودة" (2/910- 914)، "المحصول" (6/27- 14)، "الإكمال" (4/473- 474)، و"شرح النووي" (9/127).
(2) في (ي): ((إن)).
(3) رسمها في (ز) بالياء: ((عدى)).
(4) وقال القاضي في "الإكمال" (4/473): فاستثناء النبي - صلى الله عليه وسلم - الإذخر يدل على أنه مما لم يحرمه الله، وأن حرمتها هي في نفسها من تحريم الله، ومن هذه المحرمات ما حرم الله، ومنها ما حرمه عليه السلام. أو جميعها من تحريمه عليه السلام.
(5) في (ي): ((كذلك)).
(6) سماه كذلك البخاري في "التاريخ الكبير" (3/224)، وكذا سماه مسلم في "الكنى والأسماء" (1/429).
(7) في (ي): ((قال)).
(8) في (ح) و(ي): ((سعيد)).
(9) كذا في النسخ، و"طبقات ابن سعد" (4/295)، وفيه: واسمه: خويلد بن عمرو بن صخر بن عبدالعزى بن معاوية.
(10) في (أ): ((البرقي)). وهو أحمد بن محمده بن أحمد بن غالب، أبو بكر، الخوارزمي، ثم البرقاني، نسبة إلى قرية من قرى ؟؟؟ بنواحي خوازم. أخذ عن الدارقطني، وأخذ عنه الخطيب البغداي (ت425هـ). "سير أعلام النبلاء" (17/464- 468)، "الأنساب" (1/؟؟؟).
(11) في (ح): ((سيّرها)).
(12) انظر "تاريخ الطبري" (3/272)، و"الكامل" (3/380)
(13) من قوله : ((إلى عبدالله بن الزبير ....)) إلى هنا سقط من (ح).
(14) قوله : ((يحرض الناس على بني أمية)) سقط من (أ) و(ب) و(ز) و(م).
(15) في (أ): ((فأخذ بيعته))، وفي (م): (يأخذ بيعة)).
(16) في (ز): ((فأتى)).
(17) في (ز): ((فقال)).
(18) في (أ) و(ح) و(ي): ((فكتب)).
(19) في (ز): ((توجه)).
(20) انظر: "تاريخ الطبري" (6/257- 266)، و"الكامل" لابن الأثير (3/377- 381)، وفيهما أن أمير المدينة عندما تولى يزيد: الوليد بن عتبة، وأمير مكة: عمرو بن سعيد بن العاص.
وأن يزيد كتب إلى الوليد يطلب بيعة ابن الزبير والحسين وابن عمر، ففر ابن الزبير والحسين إلى مكة، وكان واليها عمرو بن سعيد بن العاص، كما سبق، ثم إن يزيد عزل الوليد بن عتبة وأمر على المدينة مكانه عمرو بن سعيد الأشدق، وهو الذي أمره ببعث الجيوش إلى ابن الزبير، وجعل قائدها عمرو بن الزبير أخا عبد الله.
(21) الرواية في "الصحيح" و"التلخيص": ((إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس)) وفي الرواية قبلها: ((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض))..
(22) في (ح): ((معنى)).(1/179)
نبيٌٍّ ولا عالمٌٍ، ولا مجتهدٌ؛ وأكد ذلك المعنى بقولِه: ((ولم يحرمْها (1) الناس))؛ لا يقالُ: فهذا يعارضُه قولُه في الحديثِ الآخرِ: ((اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ الْمَدِينَة)) (2) ؛ لأنا نقولُ: إنما نسبَ الحكمَ هنا لإبراهيمَ - صلى الله عليه وسلم - لأنه مبلِّغُه (3) ، وكذلك نسبتُه (4) لنبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - ، كما قد يُنسبُ الحكمُ للقاضي لأنه مُنَفِّذُه، والحكمُ لله العليِّ الكبيرِ بحكمِ الأصالةِ والحقيقةِ (5) .
وقولُ عمرِو بنِ سعيدٍ: ((إن الحرم لا يعيذ عاصيًا، ولا فارًّا (6) بدم، ولا فارًّا (7) بِخَرْبة (8) ))؛ روايتنا: ((بِخَربةً (9) )) بفتحِ الخاءِ، وهي المشهورةُ الصحيحةُ، وضبطه الأصيليُّ بالضمِّ، وكذلك قاله الخليلُ، وفُسِّرتْ بالسرقِة، وبالفسادِ في الأرضِ (10) . والخاربُ: =(3/474)=@ اللصُّ المفسِدُ، وقيل (11) : سارقُ الإبلِ خاصةً (12) .
قال أبو الفرج الجوزي: انعقد الإجماعُ على أنَّ من جنى في الحرمِ يقادُ منه فيه ولا يؤمَّنُ؛ لأنه هَتكَ حرمةَ الحرمِ، وردَّ الأمانَ. واختلف (13) فيمن ارتكبَ جنايةً خارجَ الحرمِ ثم لجأ إليه؛ فرُويَ عن أبي حنيفةَ، وأحمد: أنه لا يقامُ %(1/180)%
__________
(1) في (ا): ((يحرمه)).
(2) سيأتي في باب تحريم المدينة ، وصيدها ، وشجرها ، والدعاء لها ، في باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها .
(3) في (ح) و(ي): ((مبلغ)).
(4) في (ح): ((نسبه)).
(5) قال القاضي في الجواب عن هذا التعارض الظاهر: فأما إبراهيم فيحتمل أن تحريمه إياها بإعلام الله له أنه حرمها؛ فتحريمه لها بتحريم الله لا من قبل اجتهاده ورأيه. أو وكلّ الله إليه تحريمها فكان عن أمرا لله، فأضيف إلى الله مرة لذلك، ومرة إلى إبراهيم بحكمه، أو لأنه كما جاء في الحديث – دعا لها فكان تحريم الله بدعوته.اهـ. وذكر النووي أن في المسألة خلافًا مشهورًا في وقت تحريم مكة: فقيل إنها مازالت محرمة من يوم خلق السموات والأرض. وقيل: مازلت حلالا كغيرها إلى زمن إبراهيم ثم ثبت لها التحريم من زمنه. وبالقول الأول قال الأكثرون لموافقته الحديث: ((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض)). وأجابوا عن الآخر بأن تحريمها كان ثابتًا ثم خفي حتى أظهره إبراهيم وأشاعه لا أنه ابتدأه. والقائلون بالقول الثاني: أجابوا عن الحديث بأن معناه أن الله كتب في اللوح المحفوظ أو في غيره يوم خلق السموات والأرض أن إبراهيم سيحرم مكة بأمر الله تعالى. انظر: "الإكمال" (4/479)، "شرح النووي" (9/124)، "الفتح" (3/440).
(6) في (ز): ((جارًّا)).
(7) في (ز): ((جارًّا)).
(8) ضبطها في (ز): ((يخربُهُ)).
(9) ضبطها في (ز): ((يخربُهُ)).
(10) في "العين" (4/256)؛ فإنه قال: والخارب: اللص. وما رأينا من فلاير خُربًا وخُرْبة؛ أي: فسادًا في دينه أو شيئًا. هذا نحو من تفسير الخليل.
(11) في (ح): ((ومنه)).
(12) هو قول الأصمعي؛ كما في "الصحاح" (1/119) قال: الأصمعي: هو سارق البعران خاصة. والجمع: خُرَّاب. تقول منه: خَرَبَ فلان بإبلِ فلانٍ يَخْرُبه خِرابة.اهـ.
وحكاه في "المشارق" عن الخليل أيضًا، وذكر أنه فسر في "صحيح البخاري" بـ((البلية)) و((السرقة))، ونسب الحافظ تفسيراه في بـ((البلية)) إلى البخاري نفسه. ومما فسرت به ((الخربة)) هنا: ((العيب. وذكر النووي أنها تطلق على كل خيانة.
انظر: "غريب الخطابي" (2/266)، "مشارق الأنوار" (1/231)، و"شرح النووي" (9/128- 129)، "فتح الباري" (4/45).
(13) في (ي): ((واختلفوا)).(1/180)
عليه الحدُّ فيه، ويُلْجأُ إلى الخروجِ إلى الحِلِّ، ويُمنعُ المعاملةَ والمبايعةَ حتى يضطرَّ إلى الخروجِ، فيخرجَ إلى الحِلِّ؛ فيقامُ عليه الحدُّ فيه (1) . &(3/375)&$
وقولُ عمرِو بن سعيدٍ لأبي شريحٍ: ((أنا أعلم بذلك منك)) ليس بصحيحٍ؛ للَّذي (2) تمسك به أبو شريح، ولما في حديثِ ابن عباسٍ كما قدمناه، وحاصلُ قولِ عمرٍو أنه تأويلٌ غيرُ معضودٍ بدليلٍ (3) .
وقولُه (4) : ((إن الله حبس عن مكة الفيل))؛ يعني به (5) : فيلَ أبرهةَ الأشرمِ (6) الحبشيِّ؛ الذي قصَد خرابَ (7) الكعبةِ، فلمَّا وصل إلى ذي المجازِ، - سوقٍ للعربِ (8) قريبٍ من مكةَ - عبَّأ فِيلَهُ (9) ، وجهَّزه إلى مكةَ، فلمَّا استقبل الفيلُ مكةَ رَزَمَ؛ أي: أقام وثَبَتَ، فاحتالوا عليه بكلِّ حيلةٍ، فلم يقَدرُوا عليه، فاستقبلوا (10) به جهةَ مكةَ فامتنع، فلم يزالوا به هكذا (11) حتى رماهم الله بالحجارةِ التي أرسل الطيرَ بها على ما هو مذكورٌ في السِّيرِ وفي كتبِ التفسيِر. =(3/475)=@
وقوله: ((ومن قُتِل له قتيل فهو بخيرِ النَّظَرَين (12) )) الحديثُ حجةٌ للشافعيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ، وأبي ثورٍ - وروي عن ابن المسيِّبِ، وابن سيرين - على قولِهم (13) : إن ولَّي دمِ (14) العَمْدِ بالخيارِ بين القِصاصِ والدِّيَةِ، ويُجْبَرُ القاتلُ عليها إذا اختارها الوليُّ. وهي روايةُ أشهبَ عن مالكٍ. وذهب مالكٌ في روايةِ ابنِ القاسمِ وغيرِه إلى (15) أن الذي للولِّي إنما هو القتلُ فقطْ، أو %(1/181)%
__________
(1) "زاد المسير في علم التفسير" (1/427)، لكنه ذكر الخلاف في اللاجئ إلى الحرم بجنايته خارجة خارجة بسياق غير الذي ذكره الشارح، وعبارته:
وقد اختلف الفقهاء في ذلك فقال احمد في رواية المروذي إذا قتل أو قطع يدا أو أتى حدا في غير الحرم ثم دخله لم يقم عليه الحد ولم يقتص منه ولكن لا يبايع، ولا يشارى، ولا يؤاكل، حتى يخرج فان فعل شيئا من ذلك في الحرم استوفي منه وقال أحمد في رواية حنبل إذا قتل خارج الحرم ثم دخله لم يقتل وإن كانت الجناية دون النفس فانه يقام عليه الحد وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وقال مالك والشافعي يقام عليه جميع ذلك في النفس وفيما دون النفس.اهـ. كلام أبي الفرج. وقال: النووي في باب: ما يندب للمحرم وغيره قلته من الدواب في الحل والحرم، من "شرح مسلم": وحجتنا عليهم هذه الأحاديث؛ بمشاركة فاعل الجناية للدواب التي أباح الشارع قتلها في الحرم والإحرام، في الفسق، بل فسقه أفحش لكونه مكلفًا، ولأنه هتك حرمة نفسه فأبطل ما جعله الله له من الأمان. وقال القاضي عياض: والحجة عليهم: أن مَن ضُيق عليه هذا التضييق ليس بآمن، قال النووي: قد خالفوا ما فسروا به الآية. وقد تقدم طرف من المسألة في باب ما يقتل المحرم من الدواب. وتقدمت الإشارة إلى تفسير قوله تعالى: {ومن دخله كان آمنا} وأقوال المفسرين فيها. وانظر: "الإكمال" (4/209)، "شرح النووي" (8/117- 118)، "فتح الباري" (4/47)، "المغني" (12/409- 414).
(2) في (ي): ((الذي)).
(3) قال الحافظ في "الفتح" (4/44- 45):
وأغرب عمرو بن سعيد في سياقه الحكم مساق الدليل، وفي تخصيصه العموم بلا مستند... قال ابن حزم: لا كرامة للطيم الشيطان يكون أعلم من صاحب رسول الله ص. وأغرب ابن بطال فزعم أن سكوت أبي شريح عن جواب عمرو بن سعيد دال على أنه رجع إليه في التفصيل المذكور، ويعكر عليه ما وقع في رواية أحمد أنه قال في آخره: قال أبو شريح: فقلت لعمرو: قد كنتُ شاهد وكنتَ غائبًا، وقد أُمرنا أن يبلغ شاهدنا غائبنا، وقد بلغتك. فهذا يشعر بأنه لم يوافقه وإنما ترك مشاققته لعجزه عنه؛ لما كان فيه من قوة الشوكة. وقال ابن بطال أيضًا: ليس قول عمرو جوابًا لأبي شريح؛ لأنه لم يختلف معه في أن من أصاب حدًا في غير الحرم ثم لجأ إليه أنه يجوز إقامة الحد عليه في الحرم، فإن أبا شريح أنكر بعث عمرو الجيش إلى مكة ونصب الحرب عليها، فأحسن في استدلاله بالحديث، وحاد عمرو عن جوابه، وأجابه عن غير سؤاله، وتعقبه الطيبي بأنه لم يحد في جوابه، وإنما أجاب بما يقتضي القول بالموجب، كأنه قال له: صح سماعك وحفظك، لكن المعنى المراد من الحديث الذي ذكرته خلاف ما فهمته منه؛ فإن ذلك الترخص كان بسبب الفتح وليس بسبب قتل من استحق القتل خارج الحرم ثم استجار بالحرم، والذي أنا فيه من القبيل الثاني. قلت: لكنها دعوى من عمرو بغير دليل؛ لأن ابن الزبير لم يجب عليه حد فعاذ بالحرم فرارًا منه، حتى يصح جواب عمرو، نعم، كان عمرو يرى وجوب طاعة يزيد الذي استنابه... وأن ابن الزبير عاص بامتناعه من امتثال أمر يزيد، ولهذا صدر كلامه بقوله: إن الحرم لا يعيذ عاصيا، ثم ذكر بقية ما ذكر استطرادا، فهذه شبهة عمرو وهي واهية.
(4) في (ح) و(ي): ((قوله)).
(5) قوله : ((به)) سقط من (ب)، و(م).
(6) في (م): ((الأشرح)) وصوبت الحاء إلى الميم بالخط المشرقي.
(7) في (م): ((حرب)).
(8) في "السير" أن الموضع الذي نزل فيه أبرهة وبرك فيه فيله، كما سيأتي – هو ((المغمَّس)) وهو موضع قريب من مكة في طريق الطائف، على ثلثي فرسخ من مكة. و((ذو المجاز)) السوق خلف عرفات وهو في طريق الطائف أيضًا، ولعلهما متقاربان!
وانظر: "معجم ما استعجم" (4/1185، 1248)، "معجم البلدان" (4/142)، (5/161)، "الكامل في التاريخ" (1/468). وانظر ما يأتي.
(9) في (م): ((مثله)).
(10) في (ز): ((واستقبلوا)).
(11) في (ز): ((كذلك)).
ولعل في سياق الشارح هنا سقطًا. حاصله: أن الفيل كما وجهوه إلى مكة برك، فوجهوه إلى اليمن راجعًا فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، فإذا وجهوه إلى مكة ثانيًا برك. وفي "السير" أنه لما تهيأ أبرهة لدخول مكة ووجه الفيل، وكان اسمه ((محمودًا)) أقبل نفيل بن حبيب الخثعمي حتى قام إلى جنب الفيل ثم أخذ بإذنه فقال: ابرك محمود، وارجع راشدًا من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام. ثم أرسل أنذه فبرك وخرج نفيل يشتد حتى صعد في الجبل، ثم حاولوا أن يقيموا الفيل وضربوه، فلم يقم إلى غير جهة مكة. ثم أرسل الله تعالى عليهم الطير الأبابيل ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول.
"سيرة ابن إسحاق" (ص38- 44)، "تاريخ الطبري" (2/222- 231)، "تفسير الطبري" (24/609- 614)، "الكامل" (1/342- 345)، "سيرة ابن هشام" (ص43- 54)، "البداية والنهاية" (3/139- 148). ...
(12) أشير لها بسهم وكتب: يعلق في "التخليص" على قوله: (أو يقاد أهل القتيل) إن احتاج الطبعة العامرة.
(13) قوله: ((على قولهم)) سقط من (أ).
(14) في (ح): ((الدم)).
(15) سقط من (أ) و(ي).(1/181)
العفُو (1) ، وليس له أن يُجبِرَ القاتلَ على الدِّيةِ؛ تمسُّكًا بقولِه تعالى: {كتب عليكم القصاص في القتلى} (2) ، وقولِه: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} (3) ، وقولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ((كِتَابُ اللهِ القِصَاصُ (4) )) (5) . وفي المسألِة أبحاثٌ تُنظُر في مسائلِ الخلافِ.
وقوله: ((اكتبوا لأبي شاهٍ (6) )) دليلٌ على جوازِ كتابةِ العلمِ، وهو مذهبُ الجمهورِ. وقد كرهه قومٌ من أهلِ العلمِ؛ تمسُّكًا بحديثِ أبي سعيدٍ (7) الآتي في كتابِ =(3/476)=@ العلمِ، وكان محملُ النهيِ الذي في حديثِ أبي سعيدٍ إنما هو (8) لئلا يتَّكلَ الناسُ &(3/376)&$ على الكتُبِ، ويتركوا الحفظَ، أو لئلا يُختلط (9) بالقرآنِ غيرُه؟ لقولِه في الحديثِ نفسِه: ((مَنْ كَتَبَ عَنِّي شَيْئًا سِوىَ القُرآنِ فَلْيَمْحُهُ)) (10) . %(1/182)%
__________
(1) في (ز): ((والعفو)).
(2) سورة البقرة؛ الآية: 178.
(3) سورة المائدة؛ الآية: 45.
(4) ؟؟؟.
(5) سيأتي في القسامة ، باب القصاص في الجراح . ومن قوله: ((في القتلى...)) إلى هنا ، سقط من (ز).
(6) ((أبو شاه)) هو بهاءٍ تكون في الوقف ولادرج، ولا يقال بالتاء؛ قاله النووي، وقال: قالوا: ولا يعرف اسم أبي شاه هذا، وإنما يعرف بكنية. قال الحافظ ابن حجر: يقال: إنه كلبي. ويقال: إنه فارسي من الأبناء الذي قدموا ليمن في نصرة سيف بن ذي يزن. كذا رأيت بخط السِّلفي. وقيل: إن هاءه أصلية وهو بالفارسي معناه: الملك. قال: ومن ظن أنه باسم أحد الشياه فقد وهم.انتهى.
"شرح النووي" (9/129)، "الإصابة" (11/190).
(7) سيأتي في العلم ، باب النهي عن أن يكتب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء غير القرآن ، ونسخ ذلك.
(8) قوله : ((إنما هو)) سقط من (ز).
(9) في (أ) و(ح) و(ز) و(ي): ((يخلط)).
(10) قال النووي في "شرح مسلم" (9/129- 130): فمن السلف من منع كتابة العلم، وقال جمهور السلف بجوازه. ثم أجمعت الأمة بعدهم على استحبابه. وأجابوا عن أحاديث النهي بجوابين: أحدهما: أنها منسوخة وكان النهي في أول الأمر قبل اشتهار القرآن لكل أحد؛ فنهي عن كتابة غيره خوفًا من اختلاطه واشتباهه، فلما اشتهر وأمنت تلك المفسدة أذن فيه. والثاني: أن النهي نهي تنزيه لمن وثقه بحفظه وخيف اتكاله على الكتابة، والإذن لمن لم يوثق بحفظه والله أعلم.
وهو نحو ما ذكره الشارح لكن عبارته أدق وفيها تحرير للمسألة. وانظر: "فتح الباري" (1/208).(1/182)
وقوله: ((لا يحل لأحدٍ أن (1) يحمل السلاح بمكة (2) ))؛ قال به الحسنُ البصريُّ، وأجازه الجمهورُ إن دعت إليه حاجةٌ وضرورةٌ؛ تمسُّكًا بدخول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مكة بالسلاحِ. وهذا فيه بُعْدٌ؛ لما قدَّمناه مما (3) يدلُّ على خصوصيِة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك. وقد أنكر عبدُالله بنُ عمرَ – رضي الله عنه - (4) على الحَجَّاجِ أَمْرَهُ بحملِ السلاحِ في (5) الحرمِ. ويمكنُ أن يعلَّلَ (6) : بأن ذلك في أيامِ الموسمِ؛ لكثرةِ الخلقِ؛ فيخافُ أن يصيبَ أحدًا أو يروِّعَه؛ كما قد نبَّه عليه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الحديثِ بقولِه: ((مَنْ مَرَّ بِشَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا أَوْ أَسْوَاقِنَا بَنِبْلٍ فَلْيَأْخُذْ عَلَى نِصَالِها، لا يَعْقِر بِكَفِّهِ (7) مُسْلِمًا)) (8) . والله أعلم.
((المغفر)): ما يُلبَسُ على الرأسِ من درعِ الحديدِ، وأصلُه من الغَفْرِ؛ وهو: =(3/477)=@ السَّتْرُ.
وهو دليلٌ على أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دخل مكةَ عُنوةً، وهو الصحيحُ من الأحاديثِ، والمعلومُ من السِّيرِ، لكنَّه عندما دخلها أمَّنَ أهلَها، كما سيأتي. وإنما اغترَّ من قال بأنها فتُحت صلحًا، لما سمع أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يَعْرِضْ لأهلِها بقتلٍ، ولا سَبْيٍ، فظنَّ وقدَّر هنالك صلحًا في الخفاءِ مع أبي سفيان أو غيرِه. وهذا كلُّه وهمٌ، والصحيحُ الأولُ (9) . %(1/183)%
__________
(1) في (ح): ((أي)).
(2) قوله: ((السلاح بمكة)) في (أ) و(ح) و(ي): ((بمكة السلاح)).
(3) في (ي): ((ومما)).
(4) أخرجه البخاري (2/455 رقم966 و967) في العيدين ، باب ما يكره من حمل السلاح في لعيد والحرم .
(5) في (ح): ((من)).
(6) في (ز): ((يقال)).
(7) في (ح): ((بها)).
(8) هذا لفظ البخاري في هذا الحديث، في كتاب الصلاة، باب: المرور في المسجد. الحديث رقم (452). وسيأتي بلفظٍ آخر عند مسلم في كتاب البر والصلة، باب النهي أن يشيرا لرجل بالسلاح على أخيه. وقوله: (لا يعقر)) مجزوم جوابًا للأمر ((فليأخذْ)). ويجوز رفعه. وقوله: ((بكفه)) ليس متعلقًا بـ((بعقر)) بل بـ((فليأخذ)) وتقديره: فليأخذ بكفه على نصالها لا يعقر مسلمًا. رواية أبي أسامة (المشار إليها عند مسلم): ((فليمسك على نصالها بكفه أن يصيب أحدًا من المسلمين منها بشيء)). انتهى من "الفتح" (1/547)
(9) وممن ذكر وقوع الصلح النووي في "شرح مسلم" (12/130)، قال: واحتج الشافعي بالأحاديث المشهورة أنه - صلى الله عليه وسلم - صالحهم بمر الظهران قبل دخول مكة. قال في "الفتح" (8/12): فيه نظر؛ لأن الذي أشار إليه إن كان مراده ما وقع له من قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((من دخل دار أبي سفيان فهو آمن...))؛ فإن ذلك لا يسمى صلحًا؛ إلا إذا التزم من أشير إليه بذلك الكفَّ عن القتال، والذي ورد في الأحاديث الصحيحة ظاهر في أن قريشَا لم يلتزموا ذلك؛ لأنهم استعدوا للحرب؛ كما ثبت في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة أن قريشًا وبشت أوباشا لها وأتباعًا فقالوا: نقدم هؤلاء فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطيناه الذي سألنا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((أترون أوباش قريش؟!)) ثم قال بإحدى يديه على الأخرى؛ أي: احصدوهم حصدًا ((حتى توافوني على الصفا)). قال: فانطلقنا فما نشاء أن نقتل أحدًا إلا قتلنا. قال الحافظ: وإن كان مراده بالصلح وقوع عقد به، فهذا لم ينقل ولا أظنه عني إلا الاحتمال الأول وفيه ما ذكرته.(1/183)
و((ابنُ خَطَل)) هو: هِلال بنُ خطلٍ (1) . وقيل: عبدُالعزَّى بن خطلٍ. هذا قولُ ابنِ إسحاقَ وجماعةٍ. وقال الزبيرُ بنُ بكَّارٍ: ابنُ خطلٍ الذي أمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقتلِه يوم الفتحِ هو: هلالُ بنُ عبدِالله (2) بنِ عبدِ منافِ بنِ أسعدَ بنِ جابرِ بن كَبيرِ (3) بنِ تيمِ بنِ غالبِ بنِ فهرٍ. قال: وعبدُالله هو الذي يُقال له: خَطَل، ولأخيه عبدِ العزى بنِ عبدِ منافٍ أيضًا: خطلٌ، هما جميعًا الخَطَلانِ؛ قاله (4) أبو عمر: وكان (5) قد أسلم، وهاجر، فاستكتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم ارتدَّ، فقتل رجلاً كان يخدمه، وفرَّ إلى &(3/377)&$ مكة، وجعل يسبُّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ويهجوه (6) . وفيه دليلٌ على صحَّةِ مذهبِ الجمهورِ في أن الحدودَ تُقامُ بالحرمِ (7) ، كما تقدَّم.
وقولُ جابرٍ رضي الله عنه: ((إنَّه - صلى الله عليه وسلم - دخل مكةَ يومَ الفتحِ وعليه عمامةٌ سوداءُ)) ليس مناقضًا =(3/478)=@ لقولِه: ((إنه دخل ذلك (8) اليوم وعليه المغفر))؛ لإمكان أن تكونَ (9) العمامةُ تحتَ المغفرِ، وقايةً من صدأ الحديدِ وتَشْعيثِه (10) ، أو يكونَ نَزَعَ المغفرَ عندَ انقيادِ أهل مكةَ ولَبِسَ العمامةَ (11) . والله تعالى أعلمُ. %(1/184)%
__________
(1) ((خَطَل)) ضبطه النووي بفتحتين، وكذلك في "القاموس" و"المصباح" وخَطِل في منطقة خطَلا، من باب ((تعب)): أخطأ، فهو خَطِل. انظر: "شرح النووي" (9/132)، و"القاموس" (ص993)، و"المصباح" (ص93)، و"جمهرة نسب قريش" (ص980).
(2) في (ب) و(ز) و(م): ((عبدالعزى)).
(3) هكذا يمكن أن تقرأ في (ز)، وفي سائر النسخ: ((كثير)). والمثبت هو الصواب إن شاء الله؛ كما في "جمهرة النسب" لابن الكلبي، و "جمهرة نسب قريش وأخبارها" للزبير بن بكار. وكذلك أثبته محقق "التمهيد" وذكر أن في نسخة: ((كثير)) وقال: ولعل الصواب ما أثبتناه.
(1/173 (سطر: 19، 20)، 174 (سطر: 11/17)، و(3/76- اللوحة 33).
(4) في (ب): ((قال)). والمراد أن أبا عمر بن عبد البر، نقل الخلاف في اسمه عن ابن إسحاق والزبير بن بكار وغيرهما، وعنه نقل الشارح.
وقال الحافظ بن حجر: ((والجمع بين ما اختلف فيه من اسمه أنه كان يسمى عبد العزى، فلما أسلم سمي عبد الله، وأما من قال: ((هلال)) فالتبس عليه بأخٍ له اسمه ((هلال)) بين ذلك الكلبي في النسب)).اهـ. وهذا جمع حسن، إلا أنه مخالف تماما لما في "جمهرة النسب" لابن الكلبي، وما ذكره ابن الكلبي موافق لما ذكره الزبير بن بكار ونقله عنه ابن عبد البر ثم الشارح هنا. ومؤداه أن ((عبد الله بن عبد مناف)) يقال له ولأخيه ((بعد العزى بن عبد مناف)): ((الخطلان)) بسبب تسمية أحدهما به وهو ((عبد الله))، وعبد الله هذا هو أبو هلال، الذي عرف بعد بـ((ابن خطل)). وانظر "جمهرة النسب" لابن الكلبي (1/173- سطر: 19- 20، 714 – سطر 11: 17)، (3/76 – اللوحة 33). و "جمهرة نسب قريش وأخبارها" (2/971 – 981)، "التمهيد" (6/157- 158)، "الفتح" (4/61).
تبنيه: في المطبوع من "جمهرة نسب قريش" لابن بكار، عند الكلام على ولد جابر بن كبير، وقع سقط يخل بالمعنى لا يخفى على القارئ، تصويبه واستدراكه في "جمهرة النسب" لابن الكلبي (1/174- سطر:11، 12).
(5) في (أ): ((كان)).
(6) قال الحافظ في "الفتح" (4/61): ((روى ابن إسحاق في المغازي: حدثني عبدالله بن أبي بكر وغيره: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين دخل مكة قال : ((لا يقتل أحد إلا من قاتل ...)) فذكر الحديث، وفيه : ((وإنما أمر بقتل ابن خطل ؛ لأنه كان مسلمًا فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقًا ، وبعث معه رجلاً من الأنصار ، وكان معه مولى يخدمه ، وكان مسلمًا، فنزل منزلاً فأمر المولى أن يذبح تيسًا ويصنع له طعامًا ، فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئًا، فعدا عليه فقتله ، ثم ارتد مشركًا ، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )).اهـ.
وانظر "السيرة النبوية" لابن هشام (4/409-410).
(7) في (ب): ((في الحرم)).
(8) سقط من (ي).
(9) قوله : ((تكون)) رسمها في (ز) بالياء والتاء معًا .
(10) في (ح) و(ي): ((شعثه)).
(11) ذكر هذين القولين في الجمع بين الروايتين، القاضي "الإكمال" (4/476).(1/184)
ومن بابِ تحريمِ المدينةِ
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((إن إبراهيم حرَّم مكة))؛ أي: بلَّغ حكمَ تحريمِها، وعلى ذلك يحملُ قولُ (1) نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - : ((وإني أحرِّم ما بين لابتي المدينة))؛ وقد دلَّ على (2) صحةِ هذا التأويل قولُه - صلى الله عليه وسلم - : ((إِنَّ الله حَرَّمَ مَكَّةَ وَلَمْ يُحرَّمْهَا النَّاسُ)) (3) .
وقولُه: ((وإني دعوتُ في صاعها ومُدِّها بمثلَيْ ما (4) دعا به (5) إبراهيمُ لأهلِ =(3/479)=@ &(3/378)&$ مكة))؛ تفسيره (6) : ما جَاءَ (7) في حديثِ أنسٍ (8) ، وهو قولُه: ((اللهمَّ اجْعَلِْ بالمدينةِ ضِعْفَيْ (9) ما بمكةَ من البركةِ)) (10) .
وقوله: ((في صاعها ومُدِّها))؛ أي: في ذي صاعِها وذي مدِّها. يعني: فيما يُكالُ بالصَّاعِ (11) والمدِّ. ووجهُ البركة تكثيرُ ذلك وتضعيفُه في الوجود أو في الشِّبع. وقد فعل (12) الله تعالى كلَّ ذلك بالمدينةِ، فانجلب الناسُ إليها من كلِّ أرضٍ وبلدٍ، وصارت مستقرَّ ملوكٍ، وجُلبت (13) إليها الأرزاقُ وكثُرتْ فيها، مع قلةِ أكلِ أهلِها، وتَرْكِ نَهَمِهم (14) ، وإنما هي وجبةٌ واحدةٌ يأكلون %(1/185)%
__________
(1) قوله: ((قول نبينا)) في (ي): ((قوله)) وكتب فوقها: ((نبينا)).
(2) كاد ناسخ (ي) يكتب ((هذا)) ثم أراد تصويبها إلى ((على))، لكن تركها تقرأ هكذا: ((هذلي)).
(3) تقدم برقم (1213) وتقدم جواب الشارح والقاضي عياض على هذا التعارض من الظاهر من لفظي الحديثين مع فائدة من النووي في المسألة.
(4) في (ز): ((لما)).
(5) قوله : ((به)) سقط من (ب) و(م).
(6) في (ي): ((يفسره)).
(7) ((جاء)) من (ي) فقط.
(8) سيأتي في هذا الباب بعد ثلاثة أحاديث .
(9) في (أ): ((ضعف)).
والمثبت موافق للرواية. قال الجوهري: وضعف الشيء: مثله، وضعفاه: مثلاه.
وأضعافه: أمثاله.اهـ. وقال الأزهري: ذهب الشافعي رحمه الله – في الوصايا - بمعنى الضعف إلى التضعيف، وهذا هو المعروف عند الناس، والوصايا تمضي على العرف وعلى ما ذهب إليه في الأغلب وهم الموصي لا على ما يوجبه نص اللغة... وأما الضعف من جهة اللغة: فهو المثل فما فوقه إلى عشرة أمثاله وأكثر، وأدناه: المثل؛ قال الله تعالى: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين} [الأحزاب: 30] أراد، والله أعلم: أنها تعذب مثلي ما تعذب به غيرها من نساء المسلمين؛ ألا تراه يقول عز وجل: {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا تؤتها أجرها مرتين} [الأحزاب: 31]، فكان أبو عبيدة من بين أهل اللغة ذهب في قوله عز وجل: {يضاعف لها العذاب ضعفين} إلى أن يجعل الواحد ثلاثة أمثاله، إ لى العرف، كما ذهب الشافعي في الوصايا إلى العرف، والحكم في الوصايا غير الحكم فيما أنزله الله تعالى نصًّا.
وقال أبو إسحاق النحوي في قوله عز وجل: {فأتهم عذابا ضعفا من النار} [الأعراف: 38]، أي: عذابا مضاعفًا؛ لأن الضعف في كلام العرب على ضربين: أحدهما: المثل والآخر: أن يكون في معنى تضعيف الشيء.
وقال في قوله جل ثناؤه: {فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا} [سبأ: 37]، أي: جزاء التضعيف، الذي قال الله عز وجل: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160]، والضعف عند عوام الناس أنه مِثْلاَن فما فوقهما.
فأما أهل اللغة فالضعف عندهم في الأصل: المثل، فإذا قيل: ضَعَّفُتُ الشيء وضَاعَفْتُهُ وأَضْعَفْتُهُ، فمعناه جعل الواحد اثنين، ولم يقل أحد من أهل اللغة في قوله: {يضاعف لها العذاب ضعفين} أن يجعل الواحد ثلاثة أمثاله، غير أبي عبيدة، وهو غلط عند أهل العلم باللغة. والله أعلم. انتهى من "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" (ص373- 374). وقول أبي عبيدة في "مجاز القرآن" (2/136- 137).
(10) يأتي في هذا الباب .
(11) في (أ): ((في الصاع)).
(12) في (ح): ((جعل)).
(13) في (ب) و(م): ((جلب)).
(14) في (ب): ((نهمتهم))، وفي (م): ((تهمهم)). والنَّهَم: إفراط الشهوة، فعله: نَهِم يَنْهَم. ونَهِم أيضًا: زادت رغبته في العلم. ونَهَمَ ينهِم: كثر أكله. "المصباح" (ص323).(1/185)
فيها العُلْقةَ (1) من الطعامِ، والكفِّ من التمرِ، ويُكتفى به (2) . ثم لا يلزمُ أن يكونَ ذلك فيها دائمًا، ولا في كلِّ شخصٍ، بل تتحقَّقُ (3) إجابةُ دعاءِ (4) النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا وجد ذلك في أزمانٍ، أو في غالبِ أشخاصٍ. والله تعالى أعلم.
وقوله: ((إني أحرِّم ما بين لابتي المدينة أن يُقطع (5) عضاهها، أو يُقتل صيدها)): اللابةُ (6) : الأرضُ ذاتُ الحجارةِ. وهي الحرَّةُ، وجمعها في القلةِ: لابات، وفي الكثرة: لابٌ، ولوبٌ؛ كـ ((قَارَةٍ)) و((قُورٍ (7) ))، و((سَاحةٍ)) و((سُوحٍ))، و((بَاحةٍ))، و((بُوحٍ (8) ))، قال (9) ابنُ حبيبٍ (10) ، اللابتان (11) : الحرَّتان الشرقيةُ والغربيةُ، وللمدينة حرتان (12) ، في القبلةِ والجوفِ، وترجعُ (13) إليهما (14) الشرقيةُ والغربيةُ (15) .
قال الهرويُّ: =(3/480)=@ يقال: ما بين لابتيها أجهلُ من فلانٍ؛ أي: ما بين طَرفيْها؛ يعني: المدينة (16) .
وهذا (17) الحديثُ نصٌّ في تحريمِ صيدِ المدينةِ، وقطعِ شجرِها، وهو حجةٌ للجمهورِ على أبي حنيفةَ وأصحابهِ في إباحة ذلك، وإنكارِهم على من قال بتحريمِ المدينةِ؛ بناءً منهم (18) على أصلِهم في ردِّهم (19) أخبارَ الآحادِ فيما (20) تعمُّ به البلوى. &(3/379)&$ وقد تكلَّمْنا معهم في هذا الأصلِ في بابِ أحداثِ الوضوءِ. ولو سُلِّم لهم (21) ذلك جدلاً، فتحريمُ المدينةِ قد انتشرَ عندَ أهلِ المدينةِ والمحدِّثين، وناقلي الأخبارِ، حتى (22) صار ذلك معلومًا عندَهم، بحيثُ لا يشُكُّون فيه (23) ، والذي قصَّر بأبي حنيفةَ وأصحابِه في ذلك قلَّةُ اشتغالِهم بالحديثِ ونقلِ الأخبارِ؛ وإلا فما الفرقُ بين الأحاديثِ الشاهدةِ بتحريمِ (24) مكةَ، وبين %(1/186)%
__________
(1) في (ز) و(م) و(ي): ((العلفة)) وفلانٌ لا يأكل إلا عُلْقة: أي ما يُمسكُ نفسه. والجمع: عُلَق. المصباح (ص221).
(2) وقال القاضي عياض: البركة تكون بمعنى النماء والزيادة، وتكون بمعنى الثبات واللزوم: فقيل: يحتمل أن تكون هذه البركة دينية بما يتعلق بهذه المقادير من حقوق الله في الزكوات والكفارت؛ فتكون هنا بمعنى الثبات والبقاء بها للحكم بها ببقاء الشريعة وثباتها. وتكون من تكثير المكيل والقدر بهذه الأكيال، حتى يجزئ منه ويكفي ما لا يجزئ من غيره في غير المدينة ومكاييليها. أو ترجع البركة إلى التصرف بها في التجارة وأرباحها، أو إلى كثرة ما بها من غلاتهم وثمارهم، أو يكون للزيادة فيما يكال بها؛ لاتساع عيشهم وكثرته بعد ضيقه، لما فتح الله عليهم ووسع من فضله لهم وملكتهم من بلاد الخصب والريف من الشام والعراق ومصر، حتى كثر الحمل إلى المدينة، واتسع عيشهم، وانتقلوا عن ذلك إلى حال آخر ورغد سابغ، حتى صارت هذه البركة في الكيل نفسه غير ذلك، فانتقلوا عن مقاديرهم في عيشهم المعلوم من مد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المد الهاشمي، فزادوا في مدهم مثل نصفه أو ثلثه أو مثله، على الخلاف في مقداره، في هذا كله ظهور إجابة دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم وقبولها... وقيل: يحتمل أن هذا خاص بزمنه وزمن من تلاه من أئمة الحق بعده. "الإكمال" (4/488) وهو كلام الباجي في "المنتقى" (7/187) زاد عليه القاضي.
(تنبيه: وقع في المطبوع من "الإكمال" تحريف وتصحيفًا لبعض هذه العبارة، وقد نقلناه بعد تصويبه من المخطوط).
(3) في (ز) و(م): ((يتحقق)).
(4) في (ز): ((دعوة)).
(5) في (ب) و(ز) و(م): ((تقطع)).
(6) في (ي): ((اللابة)).
(7) في (ح) و(ز) و(ي): ((كفارة وقور)).
(8) انظر "غريب الحديث" لأبي عبيد (3/309- 311) وفيه: ((قال الأصمعي: اللابة الحرة، وهي الأرض قد ألبستها حجارة سود، وجمع اللابة: لابات ما بين الثلاث إلى العشر، فإذا كثرت فهي اللاب واللوب؛ لغتان... ومثل هذا في الكلام قليل ومنه: قارة وقور، وساحة وسوح.اهـ. ونحوه في "العين".
وذكر في المفرد أيضًا ((اللُّوبة)) و((النَّوبة)) بالنون صاحبُ "الصحاح". وفي "التهذيب" أنها لا تكون إلا حجارة سودًا. والقارة: الأصاغر من الجبال والأعاظم من الآكام، وهي متفرقة، خشنة الحجارة وساحة الدار وبساحتها. الموضع الذي أمامها وهو عرصتها وتجمع ((ساحة)) على ((ساحات)) و((ساحٍ)) أيضًا. "العين" (8/337- 338)، "تهذيب اللغة" (15/382- 383)، (9/275)، و"الصحاح" (1/200، 356، 377)، "أدب الكاتب" (ص530)، "التاج" (4/17)، و"المصباح" (ص153)، و"شرح النووي" (9/135).
(9) في (م): ((قاله)).
(10) في (ز): ((الأنباري))، وفي (ح) و(ي): ((فلان))، وموضعها في (أ) بياض، والمثبت من (ب) و(م). وانظر التعليق آخر الفقرة.
(11) في (ح): ((الآبتان)).
(12) في (ز): ((لابتان)).
(13) في (ز): ((ويرجع)).
(14) في (أ) و(ز): ((إليها)).
(15) من قوله: ((وللمدينة حرتان...)) إلى هنا، سقط من (ح) و(ي).
والمراد أن في المدينة أربع حرار: حرتان إحداهما غربية وهي التي ينزل بها الحاج، والأخرى من ناحية شرقي المدينة. وحرتان أخريان إحداهما من ناحية القبلة، والأخرى في الجوف من المدينة، وهما في طرف العمران من جانبي المدينة كالسابقتين، والقبلية والجوفية متصلتان بالشرقية والغربية، فلذلك يقال على الجمع: حرتان، وقد ردهما حسان إلى حرة واحدة في قوله:
لنا حرة مأطورة بجبالها ... بني العز فيها بيته فتأثلا
فقول الشارح: ((وللمدينة حرتان)) لعله سقط من النسخ: ((أخريان)) كما في "الإكمال" للقاضي عياض.
أما قوله: ((قال ابن حبيب)) وما فيه من اختلاف النسخ. فالصواب منه المثبت إن شاء الله؛ كما في "الإكمال"، و"التمهيد". ونسب نحو هذا القول أيضًا لابن نافع وابن وهب، في "المنتقى" و"التمهيد" .
أما ((ابن الأنباري)) و((ابن فلان)) فلعله من تصرف النساخ إذا أراد موضعه بياضًا، ولا يبعد أن ينسب هذا لابن الأنباري أيضًا. [يراجع ابن الأنباري].
(16) في "الغريبين" لأبي عبيد الهروي (5/1708) وهو كلام مبتور، أصله عند ابن قتيبة في "غريبه"، وبترة المازري عن أبي عبيد أو عمن نقل عن أبي عبيد، وتبعه الشارح... وجه الإشكال إيهام أنه في هذا المثال المذكور يتحدث أيضًا عن المدينة مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، لكن المراد أن عبارة ((ما بين لابتيها)) صارت تطلق على أي بلدة؛ قال الخليل: وإنما جرى هذا أول مرة بالمدينة، وهي بين حرتين، فلما تمكن هذا الكلام جرى على أقواه الناس في كل بلدة، فصار كأنه ((بين حدين)).اهـ. وإليك عبارة ابن قتيبة في "غريب الحديث"، ثم عبارة أبي عبيد، قال ابن قتيبة في شرح قول عائشة: ((بعيد ما بين اللابتين)): واللابة الحرة (في المطبوع: الجرة) وجمعها: لاب ولوب. والأصل في هذا أن مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام بين لابتين، وحرّم رسول الله ما بين لابتيها. ويقال: ما بين لابتيها أجهل من فلان؛ يراد: ما بين طرفي المدينة أو القرية أجهل منه. وأرادت عائشة: واسع الصدر واسع العطن.اهـ. وعند أبي عبيد: ((وفي حديث عائشة ووصفت أباها واسع الصدر، والأصل فيه أن مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين لابتين، وحرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ما بين لابتيها؛ يقال: ما بين لابتيها أجهل من فلان، أراد ما بين طرفي المدينة)). وانظر "العين" (8/338)، "غريب ابن قتيبة" (2/464- 465)، و"المعلم" (2/78).
(17) في (ز): ((هذا)).
(18) قوله: ((بناء منهم)) في (ز): ((قياسهم)).
(19) في (أ) و(ح) و(ي): ((رد)).
(20) في (ي): ((بما)).
(21) قوله : ((لهم)) سقط من (أ).
(22) في (ح): ((حتى قد)).
(23) وقال المازري في "المعلم" (2/77):... والحديث اشتهر عند أهل النقل وكثر واتفق على صحته، وقد يكون بيانه عليه السلام شافيًا ولكن اكتفى الناس بنقل الآحاد فيما استغناءً ببعضهم عن بعض.اهـ. وانظر: "التمهيد" (6/309- 313)، "شرح النووي" (9/134)، "فتح الباري" (4/83- 84).
(24) في (ي): ((لتحريم)).(1/186)
الشاهدةِ بتحريمِ المدينةِ في الشهرةِ (1) ، ولو (2) بحثوا عنها وأمعنوا فيه، حصل لهم منها مثلُ الحاصلِ لهم (3) من أحاديثِ مكةَ.
والجمهورُ على أن صيدَها لا جزاءَ فيه (4) ؛ لعدمِ النصِّ على (5) ذلك، ولم يتحقَّقوا جامعًا بين (6) الصَّيدينِ (7) ، فلم يُلحقوه به. وقد قال بوجوبِ الجزاءِ فيه ابنُ أبي ذئبٍ، وابنُ أبي ليلى، وابنُ نافعٍ من أصحابنا. واختلف قولُ الشافعيِّ – رحمه اله- في ذلك.
فأما الشجرُ: فيحرمُ قطعُه منها (8) أيضًا، وهو محمولٌ على مثلِ ما حمل عليه شجرُ مكةَ، وهو ما لم يُعالجْ إنباتَه الآدميُّ. ويدلُّ على صحةِ ذلك أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قطع نخلَ المسجدِ (9) . وقد ذكر ابنُ نافعٍ عن مالكٍ أنه قال: إنما نُهي عن قطعِ شجرِ المدينةِ لئلا تتوحَّشَ (10) ، وليبقى فيها شجرُها؛ ليستأنَسَ ويستظلَّ به مَن هاجر إليها.
قلت (11) : وعلى هذا، فلا يُقطعُ منها نخلٌ ولا غيُره، وحينئذٍ تزولُ خصوصيةُ ذكرِ العضاهِ (12) ، وهو شجرُ الباديةِ، الذي ينبتُ (13) لا بصنعِ آدميٍّ (14) . والأولُ أولى. والله تعالى أعلمُ.
وقوله: ((والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون))؛ يعني: للمُرْتِحِلين عنها إلى =(3/481)=@ غيرِها، ويفسِّرُ هذا حديثُ سفيانَ بن زهيرٍ (15) الآتي بعدَ هذا إن شاء الله تعالى. &(3/380)&$
وقوله: ((لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها (16) من هو خير منه)) إلى آخرِ الحديثِ. ((رغبةً عنها (17) ))؛ أي كراهيةً لها (18) ؛ يقال (19) : رغبتُ في الشيءِ: أحببتُه (20) ، ورغبتُ عنه: كَرِهتُه.
وفي معنى هذا الحديثِ قولان: أحدُهما: أن ذلك مخصوصٌ بمدةِ حياتِه. %(1/187)%
__________
(1) في (م): ((الثمرة)).
(2) في (ح) و(ي): ((لو)).
(3) قوله : ((لهم)) من (ح) فقط .
(4) في (ح): ((له)).
(5) في (ح): ((في)).
(6) في (م): ((من)).
(7) ضبطها في (ح): ((الضِّدَّين)).
(8) في (م): ((فيها)).
(9) تقدم في باب ابتناء مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتاب الصلاة.
وما ذكره الشارح هنا، من استدلاله بقطع النبي - صلى الله عليه وسلم - نخل المسجد، على أ،ه يجوز قطع ما عالج إنباته الآدمي، هو معكوس ما في "الإكمال" (4/؟؟؟) وما ينبغي أن يكون عليه الكلام؛ فالشارح في كلامه هذا يحتاج إلى إثبات أن شجر المسجد كان مما عالج إنباته الآدمي أولاً وما في "الإكمال" عن المهلب؛ قال: قَطْعُ النبي - صلى الله عليه وسلم - النخل فيها حتى بنى مسجده، يدل على أن النهي لا يتوجه لقطع شجرها للعمارة وجهة الإصلاح... وأن توجه النهي إنما هو القطع للفساد لبهجة المدينة وخضرتها في عين الوارد عليها والمهاجر إليها. قال القاضي: وقد ذكر ابن نافع عن مالك نحو هذا... (وهو الذي سيذكره الشارح بعد) وقيل: بل قطعه عليه السلام للنخيل إنما هو قطع لما غرسه الآدمي، والنهي إنما يتوجه إلى ما أثبته الله مما لا صنع فيه لآدمي.اهـ.
فواضح هنا أن مَنْ يحرم المدينة يحمل قطع النبي للنخيل على أنه مما غرسه الآدمي، ردًّا على خصمه المحتج بقطع النبي له في ادَّعاء نسخ التحريم.
قال الحافظ في "الفتح" (؟؟؟/؟؟؟): بعد أن حمل النهي عن قطع شجر المدينة على ما لا صنع للآدمي فيه كما حمل عليه في شجر مكة: وعلى هذا يحمل قطعة - صلى الله عليه وسلم - النخل وعله قبلة للمسجد ولا يلزم منه النسخ المذكور. وأيضًا في قول الشارح: ((قطع نخل المسجد)) المراد: أنه قطع نخلاً من المدينة ليبني المسجد مكانه، وقد جعله - صلى الله عليه وسلم - في قبلة المسجد.
(10) في (ز) و(ي): ((يتوحش)).
(11) في (م) و(ب): ((قال الشيخ))، وفي (ز): ((قال الشيخ رضي الله عنه)).
(12) في (ي): ((الغضاه)).
(13) في (ب): ((تنبت)).
(14) في (ز): ((أحد)).
(15) قوله: ((شعبان بن زهير)) كذا في (أ) و(ب) و(ز) و(م)، وفي (ح): ((ابن زهر)) وفي (ي): ((سفيان بن زهر)). صوابه: ((سفيان بن أبي زهير)) وحديثه سيأتي في باب إثم نم أراد أهل المدينة بسوء.
(16) قوله: ((أبدل الله فيها)) في (أ) و(ح) و(ز) و(ي): ((أبدل فيها)).
(17) قوله : ((عنها)) سقط من (أ) و(ب).
(18) ؟؟؟
(19) في (ي): ((تقال)).
(20) ؟؟؟.(1/187)
والثاني: أنه دائمٌ أبدًا؛ ويشهدُ (1) له قولُه في حديثٍ آخرَ: ((يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابْنَ عَمِّهِ وَقَرِيبَهُ: هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون (2) )).
وقوله: ((لا يثبت أحدٌ على لأوائها وشدَّتها)) اللأواءُ - ممدودٌ-: هو الجوعُ، وشدَّةُ الكسبِ فيها والمشقاتُ. ويحتملُ أن يعودَ الضميرُ في ((شدَّتها)) على اللأواءِ؛ فإنها مؤنثةٌ، وعلى المدينةِ، والأولُ أقربُ (3) .
وقوله: ((إلا كنت له شفيعًا، أو شهيدًا)) زعم قومٌ أن ((أو)) هنا شكٌّ من بعضِ الرواةِ (4) ، وليسَ بصحيحٍ، فإنه قد رواه جماعةٌ من الصحابةِ (5) ومِن الرواةِ، كذلك على لفظٍ واحدٍ، ولو كان شكًّا لاستحال أن يتفقَ الكلُّ عليه. وإنما ((أو)) هنا للتقسيمِ، والتنويعِ؛ كما قال الشاعر (6) :
فَقَالُوا لَنَا ثِنْتانِ لَابُدَّ مِنْهُما ... صُدُورُ رِمَاحٍ أُشْرِعَتْ أَوْ سَلَاسِلُ (7)
&(3/381)&$
ويكونُ المعنى: أنَّ الصابرَ (8) على شدةِ المدينةِ صنفان: مَنْ يشفعُ له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - =(3/482)=@ من العصاةِ، ومَنْ يشهدُ له بما نال فيها من الشدَّةِ ليوفَّى أجره. وشفاعتُه (9) وإن كانت عامةً للعصاةِ من أمته، إلا أن العصاةَ من أهلِ المدينةِ لهم زيادةُ خصوصٍ منها؛ وذلك - والله تعالى أعلمُ- بأن يشفعَ لهم قبلَ أن يعذَّبوا بخلافِ غيرِهم، أو يشفعَ في ترفيعِ درجاتهمِ، أو في السَّبقِ إلى الجنةِ، أو فيما شاء الله من ذلك (10) . %(1/188)%
__________
(1) ؟؟؟.
(2) قوله : ((لو كانوا يعلمون)) ليس في (أ) و(ح) و(ي). وفيهن موضعه: ((وذكر ما تقدم)) ولعله إشارة إلى هذا المحذوف: والحديث سيأتي في باب: المدينة لا يدخلها الطاعون. وقال القاضي في "الإكمال" (4/483) بعدما نقله الشارح هنا: ... وأن كلامه عليه السلام عمن (كذا) يخرج عنها ممن كان مستوطنًا بها.اهـ. وهو نحو من كلام الباجي في "المنتقى"؛ قال: يحتمل أن يريد - صلى الله عليه وسلم - رغبة عن ثواب الساكن فيها، وأما من خرج لضرورة شدة زمان أو فتنة فليس ممن يخرج رغبة عنها.
قال: والظاهر عندي أنه إنما أراد به الخروج عن استيطانها إلى استيطان غيرها، وأما من كان مستوطنًا غيرها فقد عليها طالبًا للقربة بإتيانها أو مسافرًا فخرج عنها راجعًا إلى وطنه أو غيره من أسفاره فليس بخارج منها رغبة عنها.اهـ. "المنتقى" (7/190)، وانظر "فتح الباري" (13/200).
والحديث يأتي في باب المدينة لا يدخلها الطاعون .
(3) قوله: ((... علي لأوائها وشدتها)) الرواية التي في هذا الحديث: ((علي لأوائها وجهدها)) أما ((... وشدتها)) فستأتي في حديث آخر في الباب التالي.
وما ذهب إليه الشارح من عود الضمير في ((شدتها)) إلى ((اللأواء)) غير متجه. أوقعه فيه تفسير المازري ((اللأواء)) بـ((الجوع...)) وعبارةُ القاضي حيث قال: ((وقيل يحتمل أن تعود الشدة على الجوع، وعلى كل ما يشتد معه سكنها ويستضر به)). والقاضي لا يريد ما فهمه الشارح، بل يريد أنه يحتمل أن تكون الشدة المذكورة هي نفسها اللأداء، ويكون من باب العطف التفسيري، أو تكون ((الشدة)) عامة تعم كل ما يشتد معه سكناها، وتكون اللأواء الأولى بمعنى شدة الجوع وتعذر الكسب. يؤيد ذلك أن القاضي قال بعد نقل تفسير المازري: وتفسيره قوله: ((وجهدها)). أي: يفسر اللأواء قوله بعدها: ((وجهدها)) والجَهدِ بالفتح – المشقة. وفسرت ((اللأواء)) في كتب اللغة و"غريب الحديث" بـ((الشدة)) وبـ((شدة الضيق)) وبـ((شدة المجاعة)). وتنجلي حقيقة الأمر إذا عرفنا أن تفسير المازري هذا هو تفسير ((عيسى بن دينار)) كما في "المنتقى"، وأن قول القاضي: ((وقيل يحتمل...)) إلخ، القائل هو ((الباجي)) أو عيسى بن دينار وهو عبارته في "المنتقى" : ((وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ... لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد)) اللأواء: قال عيسى بن دينار: هو الجوع وتعذر الكسب والشدة، ويحتمل أن يريد بها اللأواء، ويحتمل أن يريد بها كلامًا يشتد به سكنها وتعظم مضرته)).اهـ. ومن ذلك يتضح أن الضمير في ((شدتها)) هو للمدينة فقط، وليس كما ذهب إليه الشارح: والله أعلم. وانظر "المنتقى" (7/189)، و"المعلم" (2/80)، و"الإكمال" (4/482)، و"شرح النووي" (9/136)، "العين" (8/353- 354)، و"المقاييس" (5/227)، و"المجمل" (ص800)، و"الصحاح" (5/2478)، و"الجمهرة" (1/246)، و"الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" (ص207)، و"أساس البلاغة" (ص727)، و"مشارق الأنوار" (1/353)، و"المقصور والممدود" (ص319)، و"تحرير التنبيه" (ص93)، و"المصباح" (ص289)، وغريبي أبي عبيد" (5/1665)، و"النهاية" (4/221).
(4) قال الباجي في "المنتقى" (7/189): وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة)) يحتمل أن يكون شكا من ابن عمر، ويحتمل أن يكون شكا من الراوي عنه. قال عيسى بن دينار: هو شك من المحدِّث، وقاله محمد بن عيسى الأعشى.اهـ.
(5) في (أ): ((الباب)). وهو تصحيف.
(6) هو : جعفر بن علية الحارثي . "ديوان الحماسة" (1/9).
(7) البيت من بحر الطويل، وهو لجعفر بن عُلبة بن ربيعة الحارثي، من قصيدة له، يذكر فيها خروج بني عُقيل في طلبه هو وعلي بن جُعْدَب الحارثي والنضر بن مُضارب ؟؟؟، لما أغار الثلاثة عليهم، ووضعوا لهم الأرصاد على المضايق، فكانوا كلما أفلتوا من عصبة لقيتهم أخرى، يقول:
وسائلةٍ عنَّا بغيبٍ وسَائلٍ ... بمَصْدَقِنا في الحربِ كيف نُحاولُ
عشيةَ قُرَّيْ سَحْبَلٍ إذْ تعطفت ... علينا السَّرايا والعَدوُّ المُبَاسِلُ
ففرَّج عنا اللهُ مَرْحى عدِّونا ... وضربٌ ببيضِ المشرفيةِ خابلُ
...
إذا ما رُصِدْنا مَرْصَدًا فُرِجَتْ لنا ... بأيمانِنا بيضٌ جَلَتْها الصَّيَاقِلُ
ولما أَبَوا إلا المضيَّ وقَدْ رَأَوا ... بأنْ ليس منا خشيةَ الموتِ نَاكِلُ
حلفتُ يمينًا بُرَّةً لم أردْ بها ... مقالةَ تسميعٍ ولا قوت باطلِ
ليختصمنَّ الهِندُوانِيُّ منهم ... معاقَد يخْشاها الطبيبُ المزُاولُ
(وقالوا: لنا ثنتانِ لابدَّ منهما ... صدورُ رماحٍ أُشرعت أو سلاسلُ
فقلنا لهمْ تلكُمْ إذن بعدَ كرَّةٍ ... تُغَادرُ صَرْعى نهضِها متخاذلُ...
ب- و((ثنتان)) أي: خصلتان اثنتان. و((صدور رماح)) صدر الشيء أوله، وصدر الرمح، والسهم: من الصفة إلى السنان، والنصل. و((أشرعت)) مبني للمجهول؛ أي: وُجهت للطعن بها. قال البغددادي: ويقدر في المعطوف (أي: سلاسل) صفة تعادل ((أشرعت)) أي: سلاسل وضعت في الأعناق.اهـ.
واختلف في معنى البيت تبعًا لمعنى ((أو)) فيه: فإن كان للتخيير؛ فالمعنى: أن الأعداء خيروهم بين شيئين: إما الحرب التي يعقبها القتل، وإما الاستئسار الذي يعقبه القتل، وإما الاستئسار الذي يعقبه القيد بالسلاسل. وعلى هذا المعنى يكون قوله: ((لا بد منهما)) على سبيل التعاقب، لا على سبيل الجمع بينهما؛ على تقدير حذف مضافٍ: ((لابد من إحداهما)).
وإما أن تكون ((أو)) بمعنى الواو؛ وتفيد التقسيم والتنويع ويكون حينئذٍ قوله: ((لابد منهما)) على ظاهره؛ أي: لابد منهما جميعًا: صدور الرماح لمن يقتل، والسلاسل لمن يؤسر؛ أي: يكون بعضكم كذا، وبعضكم كذا.
ونقل البغدادي عن ابن جني تقديره الكلام هكذا: ((فيكون بعضنا كذا وبعضنا كذا)) ثم قال البغدادي: وهذا يقتضي أن تكون هاتان الحالتان صفتين للمتكلم، ويكون مدح قومه بأنهم لا يفرون، بل بعضهم يقتل وبعضهم يؤسر، وهذا خلاف السياق.اهـ. قلت: لكن هذا غير مُقْتَضًى، لكنه محتمِلٌ.
والشاهد فيه قوله: ((أو)) – على المعنى الثاني المذكور للبيت، حيث جاءت للتفريق والتقسيم المجرد من الإبهام والتخيير، وهي هنا بمعنى الواو. وعلى ذلك استشهد بالبيت ابن مالك، وابن هشام والأشموني.
والقصيدة وأخبار جعفر بن علبة، في "الأغاني" (13/45- 57)، والبيت له مع ستة أبيات من القصيدة في ((شرح حماسة أبي تمام)) للأعلم الشنتمري (1/257- 259)، و"شرح ديوان الحماسة" للمرزوقي (1/44- 49)، و"شرح أبيات المغني" للبغدادي (2/60- 68)، والبيت بلا نسبة في ((شرح التسهيل)) (3/363)، و"المساعد على تسهيل الفوائد" (2/457)، و"مغني اللبيب" (ص77)، و"شرح الأشموني" (3/195).
(8) في (ب) و(م): ((الصابرين)).
(9) ؟؟؟.
(10) هذا كله كلام القاضي عياض في "الإكمال" (4/483) ونحوه له مختصرًا في "المشارق" (2/258- 259)، وقد نقله عنه النووي في "شرح مسلم" (9/136- 137)، قال الزرقاني: (4/274) بعد نقل كلام القاضي: ونقله عن النووي وآخرون وأقروه.... والشارح هنا اختصر كلاما لقاضي، وزاد الاستشهاد ببيت الشعر. وهذا نص كلام القاضي؛ لعمومه الفائدة.
قال القاضي عياض: سئلت قديمًا عن معنى هذا الحديث، ولم خَصَّص – عليه السلام – ساكن المدينة بهذا من شفاعته، مع ما يثبت من ادخاره إياها لجميع أمته، وهل "أو" هنا للشك أو لغيره. ولنا عن هذا جواب شاف مقنع، في أوراق، اعترف بصوابه كل من وقف عليه. نذكر منه هنا لمعا تليق بالموضع.
والأظهر أن ((أو)) هنا ليست للشك، خلاف من ذهب من شيوخنا إلى ذلك؛ إذ قد روى هذا الحديث: جابر، وأبو هريرة، وابن عمر، وأبو سعيد، وسعد بن أبي وقاص، وأسماء بنت عميس، وصفية بنت أبي عبيد؛ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بهذا اللفظ، وبعيدٌ اتفاق جميعهم أو رواتهم على الشك، ووقوعه من جميعهم وتطابقهم فيه على صيغة واحدة، بل الأظهر أنه كذا قاله - صلى الله عليه وسلم - . فإمام أن يكون أعلم عليه السلام بهذه الجملة هكذا، أو تكون ((أو)) للتقسيم، ويكون أهل المدينة صنفين: شهيدا لبعضهم، وشفيعًا لآخرين: إما شفيعًا للعاصين وشهيدا للمطيعين، أو شهيدًا لمن مات في حياته وشفيعًا لمن مات بعده، أو غير ذلك مما الله أعلم به.
وهذه خاصية زائدة على الشفاعة للمذنبين أو للعالمين في القيامة، وعلى شهادته على جميع الأمة؛ وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في شهداء أحد: ((أنا شهيد على هؤلاء))؛ فيكون لتخصيصهم بهذا كله زيادة منزلة وغبطة وحظوة.
وقد يكون ((أو)) هنا هي التي بمعنى الواو؛ فيكون لأهل المدينة شهيدًا وشفيعًا؛ وقد روي: ((إلا كنت له شهيدًا أو له شفيعًا)).
وإذا جعلناها للشك – كما ذهب إليه المشايخ – فإن كانت اللفظة الصحيحة ((الشهادة)) اندفع الاعتراض؛ إذ هي زائدة على الشفاعة المدخرة المجردة لغيرهم. وإن كانت اللفظة الصحيحة ((الشفاعة)) فاختصاص أهل المدينة بهذا مع ما جاء من عمومها وادخارها لجميع أمته: أن هذه شفاعة أخرى غير العامة التي هي لإخراج أمته من النار ومعافاة بعضهم منها بشفاعته - صلى الله عليه وسلم - في القيامة، وتكون هذه الشفاعة لأهل المدينة بزيادة الدرجات، أو تخفيف الحساب، أو ما شاء الله من ذلك، أو بإكرامهم يوم القيامة بأنواع من الكرامة؛ من إيوائهم إلى ظل عرش الرحمن، أو كونهم في روح وعلى منابر، أو الإسراع بهم إلى الجنة، أو غير ذلك من خصوص المبررات الواردة لبعض دون بعض في الآخرةٍ. والله أعلم.(1/188)
وقوله: ((ولا يريد (1) أحدٌ أهلَ المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار))؛ ظاهرُ هذا: أن الله تعالى يعاقبُه (2) بذلك في النار. ويحتملُ أن يكونَ ذلك كنايةً (3) عن إهلاكِه في الدُّنيا (4) ، أو عن توهينِ أمرِه وطمسِ كلمتهِ؛ كما قد (5) فعل الله ذلك بمن غزاها، وقاتل أهلها فيما (6) تقدَّم؛ كمسلمِ بنِ عقبةَ؛ إذ أهلكه الله تعالى مُنْصَرَفَهُ (7) عنها، وكإهلاكِ يزيدَ بنِ معاويةَ إِثْرَ إغزائه (8) أهلَ المدينةِ، إلى غيرِ ذلك (9) .
و((العقيقُ)): موضعٌ (10) بينه وبين المدينةِ عَشَرةُ أميالٍ، وبه مات سعد رضي الله عنه (11) ، وحُمل إلى المدينةِ، فصُلِّي (12) عليه ودفن بها.
و((السَّلبُ))- بفتح اللامِ -: الشيءُ المسلُوبُ؛ أي: المأخوذُ، وبإسكانِها: المصدَرُ. و((نفَّلنيه)): أعطانيه نافلةً (13) . =(3/483)=@ وأصلُ النافلةِ: الزيادةُ (14) .
وإنما فعل سعدٌ (15) هذا؛ لأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك في حقِّ مَن صاد (16) في حرِم المدينةِ؛ كما رواه أبو داود (17) من حديثِ سعدٍ (18) أيضًا، وذكر نحوَ حديثِ مسلمٍ في الشجرِ، ثم قال (19) : قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ((مَنْ أَخَذَ أَحَدًا يَصِيدُ (20) فِي حَرَمِ المَدِينَةِ فَلْيَسْلُبْهُ)).
وكأنَّ سعدًا قاس قَطْعَ (21) شجرِها (22) على صيدِها؛ بجامعِ كونِهما محرَّمينِ بحرمِة الموضعِ. وهذا كلُّه مبالغةٌ في الرَّدعِ، والزَّجرِ، لا أنها (23) حدودٌ ثابتةٌ في كلِّ أحدٍ وفي كلِّ وقتٍ (24) . وامتناعُه من ردِّ %(1/189)%
__________
(1) في (ز): ((يزيد)).
(2) في (ز): ((يعافيهِ)).
(3) في (أ): ((كفاية)).
(4) أي: يكون ((في النار)) مقدمًا في اللفظ، أي: أذابه الله ذَوْبَ الرصاص في النار؛ كما قال في الحديث الآتي في باب إثم من أراد المدينة بسوء -: ((كما يذوب الملح في الماء)). قاله القاضي عياض في "الإكمال" (4/484)، ونقله عنه النووي في "شرح مسلم" (9/138).
وقال: إن زيادة ((في النار)) ترفع إشكال الأحاديث التي لم تذكر فيها، وأن هذا حكمه في الآخرة. ثم ذكر ما نقله الشارح.
(5) سقط من (ب) و(م).
(6) في (ح): ((فيمن))، وفي (م): ((كما)).
(7) في (ي): ((منصرفًا)).
(8) في (ي): ((غزاته)). غير منقوطة الزاي والتاء. والمراد: بعد إزاء يزد مسلمَ بن عقبة؛ أي: أمره إياه بالغزو.
(9) كان ذلك في وقعة ((الحرة)) وسيذكر الشارح أحداثها مختصرة في باب الترغيب في سكنى المدينة، وسيذكر أيضًا – مما يناسب المقام هنا – أن يزيد ومسلمًا ماتا بعد غزوها مباشرة، مات مسلم في طريقه إلى مكة، ثم بلغهم موت يزيد. وانظر تفصيل الأحداث في: "تاريخ الطبري" (6/415- 434)، و"تاريخ الإسلام" (حوادث سنة 63، 64هـ)، و"البداية والنهاية" (11/614- 634).
(10) سقط من (ح).
(11) أي : سعد بن أبي وقاص، وانظر خبر وفاته في "سير أعلام النبلاء" (1/96)، و"الإصابة" (4/162).
(12) في (ب) و(م): ((وصلى)).
(13) قوله : ((نافلة)) سقط من (ب) و(م).
(14) نَفَّلتُه وأَنْفلته: وهبته النَّفَل وغيرَه. وهو عطيَّةٌ لا تريد ثوابها منه. والنَّفَل: الغَنيمة، والزيادة، والنَّفْل والنافلة: الزيادة أيضًا. "المصباح" (ص318).
(15) في (ح): ((سعيد)).
(16) في (ز): ((ضاد)).
(17) قوله : ((أبو داود)) سقط من (ح).
(18) أخرجه أحمد (1/170)، وأبو داود (2/532-533 رقم2037) في المناسك، باب في تحريم المدينة، وأبو يعلى (2/130 رقم806)، وابن خزيمة ، كما في "إتحاف المهرة" (5/108 رقم5017)، والطحاوي (4/191)، والبيهقي (5/199-200) من طريق أبي داود . جميعهم من طريق جرير بن حازم، عن يعلى بن حكيم ، عن سليمان بن أبي عبد الله ، قال : رأيت سعد بن أبي وقاص أخذ رجلاً يصيد في حرم المدينة الذي حرَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلبه ثيابه ، فجاء مواليه فكلموه فيه ، فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرَّم هذا الحرم وقال : ((من أخذ أحدًا يصيد فيه فليسلبه ثيابه)) فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه.
وفي سنده سليمان بن أبي عبدالله؛ لم يرو عنه غير يعلى بن حكيم ، وذكره ابن حبان في "الثقات" (4/312)، والبخاري في "تاريخه" (4/23 رقم1836) وقالا : أدرك المهاجرين ، وقال أبو حاتم - كما في "الجرح والتعديل" لابنه (4/127 رقم549)-: أدرك المهاجرين والأنصار ، ليس بالمشهور ، فيعتبرَ حديثه.
وقال ابن خزيمة - كما في المصدر السابق -: ((سليمان هذا قد روى عن أبي هريرة أيضًا ، وقال : أدركت المهاجرين : عمر وعثمان وغيرهما)).
وفي "التقريب" (ص409 رقم2597): مقبول . وقال الذهبي في "الكاشف" (1/461 رقم2106): وثق. والحديث صححه أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" (3/43- 35 رقم 1460). وله طريق أخرى: أخرجه أبو داود (2/533 رقم2038) في الموضع السابق. من طريق صالح مولى التوأمة ، عن مولى لسعد ، فذكره بمعناه .
قال المنذري في "مختصر السنن" (2/446): ((صالح مولى التوأمة : لا يحتج بحديثه ، ومولى سعد مجهول)).اهـ.
(19) سقط من (ز).
(20) في (ح): ((في صيد))، وفي (ز): ((بصيد)).
(21) قوله: ((وكأن سعدًا قاس قطع)) في (ز): ((وكانَ سعديا من يقطع))، وفي (ب): ((وكان سعد قاس قطع))، وفي (ي): ((وكأن سعدًا قاس من قطع)).
(22) في (ح): ((شجرتها)).
(23) في (ز) و(ي): ((لأنها)).
(24) يشير الشارح إلى أن حكم أخذ سلب الصائد في المدينة، لم يثبت القول به عند أئمة الفتوى، كما قال القاضي عياض في "الإكمال" (4/485) قال: فلم يقله أحد منهم بعد زمن الصحابة إلا الشافعي في قوله القديم في صيد المدينة: يؤخذ سلبه، وفي فعل سعد.اهـ. قال النووي في "شرح مسلم" (9/1399: وفي هذا الحديث دلالة لقول الشافعي في القديم... وبهذا قال سعد بن أبي وقاص وجماعة من الصحابة، ثم ذكر قول القاضي ثم قال: قلت: ولا تضر مخالفتهم إذا كانت السنة معه. وهذا القول القديم هو المختار لثبوت الحديث فيه وعمل الصحابة على وفقه، ولم يثبت له دافع.اهـ. وذك قول القاضي أيضًا الحافظ في "الفتح" (4/84) ثم قال: قلت: واختاره جماعة معه (أي: مع الشافعي) وبعده؛ لصحة الخبر فيه... وأرغب بعض الحنفية فادعى الإجماع على ترك الأخذ بحديث السلب، ثم استدل بذلك على نسخ أحاديث تحريم المدينة؛ ودعوى الإجماع مردودة فبطل ما ترتب عليها.اهـ.(1/189)
السَّلبِ لأنه (1) رأى أن ذلك أدخلُ (2) في بابِ الإنكارِ والتشديدِ، ولتنتشرَ (3) القضيةُ في الناسِ، فينكفُّوا (4) عن الصيدِ وقطعِ الشجرِ (5) .
وقولُه: ((إنها حرم آمن (6) ))يروى: ((آمن)) بمدةٍ بعدَ (7) الهمزةِ وكسرِ الميمِ، على النعتِ لـ((حرمٍ))؛ أي: من أن (8) تغزوَه قريشٌ؛ كما قال يومَ الأحزابِ: ((لَنْ تَغْزُوَكُمْ (9) قُرَيْشٌ بَعْدَ الْيَوْمِ)) (10) ، أو من الدجَّال، أو الطاعونِ، أو آمنٌ صيدُها (11) وشجرُها. &(3/382)&$ ويروى بغيرِ مدٍّ، وإسكانِ الميمِ، وهو مصدرٌ؛ أي: ذاتُ أمنٍ؛ كما يقال: امرأةٌ عَدْلٌ (12) . =(3/484)=@
وقوله لأُحُدٍ: ((هذا جبلٌ يحبنُّا ونحبه)) ذهب بعضُ الناسِ: إلى أن هذا الحديثَ محمولٌ على حقيقتِه، وأن الجبلَ خُلِق فيه حياةٌ ومحبَّة حقيقيةٌ (13) وقال: هو من معجزاتِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - . وهذا لا يصدرُ عن مُحقِّقٍ (14) ؛ إذ ليسَ في اللفظِ ما يدلُّ على ما ذَكرَ (15) . والأصلُ بقاءُ الأمورِ على مستمرِّ عاداتِها (16) حتى يدلَّ قاطعٌ على انخراقِها (17) لنبيٍّ أو وليٍّ، على ما (18) تقررَّ في علمِ الكلامِ (19) . %(1/190)%
__________
(1) في (ح): ((من أنه)).
(2) في (ز): ((دخل)).
(3) في (ز): ((ولينشر)).
(4) في (ز): ((فيكفوا)).
(5) هذا التعليل من الشارح مبني على أن حكم أخذ السلب من الصائد بمكة، يس معمولاً به، وعلى ما صححه النووي وابن حجر، فهذا حقه، ولا ينبغي له أن يرده، وعلى ما صححه النووي وابن حجر، فهذا حقه، ولا ينبغي له أن يرده؛ لأن هذا جزاء من يصيد بالمدينة ؛ أن يأخذ واجدُه سلبَةُ. ولفظ سعدٍ رضي الله عنه في الحديث يقوي مذهب الشافعي ويرو تعليل الشارح،؛ فإنه رضي الله عنه علل فعله بأن ذلك أمر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ووهبه لمن يجد أحدًا يصيد بالمدينة سلب هذا الصائد.
(6) ضبطها في (ب)بسكون الميم وكسرها، وكتب فوقها: ((معًا)).
(7) في (أ): ((قبل)).
(8) قوله: ((أي من أن)) في (ح): ((أي من)) وفي (ز): ((أي آمن أن)).
(9) في (م): ((يغزوكم)).
(10) أخرجه البخاري (7/405 رقم4109 و4110) في المغازي ، باب غزوة الخندق ، ولفظه : ((الآن نغزوهم ولا يغزوننا)).
وأما اللفظ الذي ذكره المؤلف هنا فقد أورده ابن إسحاق في "السيرة" بدون إسناد كما الآن في "سيرة ابن هشام" (3/206)، و"دلائل النبوة" للبيهقي (3/458).
(11) في (ي): ((لصيدها)).
(12) هذا كلام القاضي في "المشارق" (1/39) وقال عن رواية المد والكسر: إنها كذا لعامة الرواة. وفي رواية القصر والسكون: إنها في كتاب التميمي من رواة مسلم. وهو من باب الوصف بالمصدر،؛ يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع؛ للمبالغة كأنهم جعلوا الموصوف نفس ذلك المعنى؛ لكثرة حصوله منه. ولاستواء المذكر والمؤنث فيه يمكن أن يحمل ((أمن)) هنا على أنه وصف لـ((حرم)) أيضًا، كما كان ((آمن)) وصفًا له. أو يكون ((أمن)) خبرًا آخر لـ((إنها)) فيكون راجعًا إلى المدينة، وهي مؤنثة. ومراد الشارح الثاني؛ لقوله: ((ذات أمن؛ كما يقال: امرأة عدل)). وعبارة القاضي: ((ذات أمن كما قيل: رجل عدل)).
انظر: "الخصائص" (2/105- 107)، "شرح المفصل" (3/49- 52).
(13) في (ب) و(ز): ((حقيقة)).
(14) في (ب): ((تحقق)).
(15) في (ح): ((ذكروا)).
(16) في (م): ((عادتها))، وفي (ي): ((قاعدتها)).
(17) في (ي): ((انحرافها)).
(18) قوله: ((على ما)) في (ح): ((كما)).
(19) وعلى هذا النحو تأول ((يحبنا ويحبه)) الباجي في "المنتقى" (7/192) ونقل مثله عن عيسى بن دينار، وكذلك المازري في "المعلم" (2/78)، والقاضي عياض في "الإكمال" (4/485- 486)، وذكر احتمال أن يكون حقيقة وأن يكون معجزةً.
وقول الشارح: (وهذا لا يصدر عن محقق؛ إذ...))إلخ. لعلنا نكتفي بقول أبي عمرو بن عبد البر المالكي في الرد عليه، حيث قال بعد ذكر الخلاف في تفسير قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((اشتكت النار إلى ربها)) وأدلة من قال بأنه على الحقيقة، وشبهات من حمله على المجاز؛ قال أبو عمر: و حمل كلام الله تعالى وكلام نبيه - صلى الله عليه وسلم - على الحقيقة أولى بذوي الدين والحق؛ لأنه يقص الحق وقوله الحق تبارك وتعالى علوًا كبيرًا)).اهـ. وقوله: ((إذ ليس في اللفظ ما يدل على ما ذكر والأصل بقاء الأمور على مستمر عاداتها...)) نعم، فالأصل إذن هنا أن يحمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - على ظاهره وحقيقته ما لم يدل قاطعٌ على صرفه عن حقيقته، وكيف يخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى، بشيء ثم نؤوله نحن على ما يتفق مع عقولنا وأهوائنا!
ويدل على دحض ما يزعم من المجاز في هذا قوله تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم}، وقوله: {وقالوا لجلودهم لما شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء}. وقوله تعالى عن الحجارة بالمقارنة ببني إسرائيل وقسوة قلوبهم: {وإن منها لما يهبط من خشية الله} وخاطب النبي أيضًا حراء؛ حيث قال له: ((اثبت حرا فليس عليك إلا نبي أو صديق... الحديث. والأدلة على ذلك كثيرة، وما تمسكوا به ليس فيه دليل لهم. وانظر إلى تخبط من تأول وحمّل الألفاظ ما لا تطيق، فقد ذكروا في تفسير قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((يحبنا ونحبه)) أقوالاً كثيرة لا دليل عليها، وتركوا ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - . وسنرد على ما استدل به الشارح في موضعه.
وانظر كلام ابن عبد البر في "التمهيد" (5/11- 16) ونحوه قال النووي في "شرح مسلم" (9/139- 140)، والحافظ في "فتح الباري" (6/87)، (7/38، 378).(1/190)
والذي يصحُّ أن يُحملَ عليه الحديثُ أن يقالَ: إن ذلك من بابِ المجازِ المستعملِ: فإما من باب الحذفِ؛ فكأنه قال: يحبُّنا أهلُه، كما قال: {وسئل القريةَ} (1) ، وهذا المعنى موجودٌ في كلامِ العربِ وفي أشعارِهم (2) كثيرًا ، كقوله:
أَمُرُّ عَلَى الدِّيَارِ دِيارِ لَيْلَى ... أُقَبِّلُ ذَا الْجِدَارَ وَذَا الجِدَارَا
وَمَا تِلْكَ الدِّيارُ شَغَفْنَ قَلبِي ... وَلَكِنْ حُبُّ مَنْ سَكَنَ الدِّيَارَا (3)
وإمَّا مِن باب ِالاستعارةِ؛ أي: لو كان ممن يعقلُ لأحبَّنا، أو على جهةِ مطابقةِ اللفظِ اللفظَ (4) ، أو لأنه استُشهد به مَنْ أحبَّه (5) النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كحمزةَ وغيرِه من الشهداءِ الذين استشهدوا به يومَ أحد ٍ رضي الله عنهم أجمعين (6) . &(3/383)&$
وقوله: ((اللهم إني أُحرِّم ما بين جَبَلَيها (7) )) وفي لفظ آخر: ((مَأْزِمَيها)) بكسر الزايِ وفتحِ الميمِ الثانيةِ، بمعنى: جبليها، على ما قاله ابنُ شعبانٍ (8) . وقال (9) =(3/485)=@ ابنُ دريدٍ: ((المآزِمُ: المَضَايقُ)) ومنه (10) : ((مأزما منى (11) ))، وهذا (12) يقربُ من تفسيرِ ابنِ شعبانٍ (13) ؛ لأن المتضايقَ (14) منقطعُ الجبالِ بعضَها من بعضٍ، وهما المعبَّرُ عنهما بـ ((اللابتان)) (15) .
ومقدارٌ حرمِ المدينةِ ما قاله أبو هريرة رضي الله عنه: أنه - صلى الله عليه وسلم - جعل اثني عَشَرَ ميلاً حولَ المدينةِ حِمىً. %(1/191)%
__________
(1) سورة يوسف؛ الآية: 82.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الأمثلة المشهورة لمن يثبت المجاز في القرآن : { واسأل القرية } . قالوا المراد به أهلها فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فقيل لهم : لفظ القرية والمدينة والنهر والميزاب ؛ وأمثال هذه الأمور التي فيها الحال والمحال كلاهما داخل في الاسم . ثم قد يعود الحكم على الحال وهو السكان وتارة على المحل وهو المكان وكذلك في النهر يقال : حفرت النهر وهو المحل . وجرى النهر وهو الماء ووضعت الميزاب وهو المحل وجرى الميزاب وهو الماء وكذلك القرية قال تعالى : { وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة } . وقوله : { وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون } { فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين } . وقال في آية أخرى : { أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون } . فجعل القرى هم السكان . وقال : { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم } . وهم السكان . وكذلك قوله تعالى { وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا } . وقال تعالى : { أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها } . فهذا المكان لا السكان لكن لا بد أن يلحظ أنه كان مسكونا ؛ فلا يسمى قرية إلا إذا كان قد عمر للسكنى مأخوذ من القرى وهو الجمع ، ومنه قولهم : قريت الماء في الحوض إذا جمعته فيه.اهـ.
أي أن المعنى:: { واسأل أهل القرية القرية } مفهوم من لفظ القرية ذاته واستعماله في اللسان لا بتقدير ولا على إرادة المجاز.
ويركز شيخ الإسلام على أن اللفظ لابد أن يكون في سياق لا يخرج عنه؛ قال: اللفظ لا يستعمل قط إلا مقيدًا بقيود لفظية موضوعة، والحال حال المتكلم والمستمع لابد من اعتبار في جميع الكلام... ودلالة اللفظ على المعنى دلالة قصدية إرادية اختيارية ، فالمتكلم يريد دلالة اللفظ على المعنى ؛ فإذا اعتاد أن يعبر باللفظ عن المعنى كانت تلك لغته ولهذا كل من كان له عناية بألفاظ الرسول ومراده بها : عرف عادته في خطابه وتبين له من مراده ما لا يتبين لغيره . ولهذا ينبغي أن يقصد إذا ذكر لفظ من القرآن والحديث أن يذكر نظائر ذلك اللفظ ؛ ماذا عنى بها الله ورسوله فيعرف بذلك لغة القرآن والحديث وسنة الله ورسوله التي يخاطب بها عباده وهي العادة المعروفة من كلامه ثم إذا كان لذلك نظائر في كلام غيره وكانت النظائر كثيرة ؛ عرف أن تلك العادة واللغة مشتركة عامة لا يختص بها هو - صلى الله عليه وسلم - بل هي لغة قومه ولا يجوز أن يحمل كلامه على عادات حدثت بعده في الخطاب لم تكن معروفة في خطابه وخطاب أصحابه . كما يفعله كثير من الناس وقد لا يعرفون انتفاء ذلك في زمانه . ولهذا كان استعمال القياس في اللغة وإن جاز في الاستعمال فإنه لا يجوز في الاستدلال فإنه قد يجوز للإنسان أن يستعمل هو اللفظ في نظير المعنى الذي استعملوه فيه مع بيان ذلك على ما فيه من النزاع ؛ لكن لا يجوز أن يعمد إلى ألفاظ قد عرف استعمالها في معان فيحملها على غير تلك المعاني ويقول : إنهم أرادوا تلك بالقياس على تلك ؛ بل هذا تبديل وتحريف.اهـ. "مجموع الفتاوى" (7/112- 115).
(2) قوله : ((في)) سقط من (أ) و(ح).
(3) البيتان من بحر الوافر، وهما لمجنون ليلى قيس بن الملوح، وهما بيتان لا ثالث لهما ورواية البيت الثاني: ((وما حب الديار...)) في "ديوانه" (ص113)،و "خزانة الأدب" (4/227- 228، 381). و"شرح أبيات المغني" (7/103)، والبيت الثاني بلا نسبة في "مغني اللبيب" (ص484)، و"رصف المباني" (ص244) ذكرهما الحافظ في "الفتح" (6/87) بعد حكاية قول الشارح هنا، والزرقاني في "شرح الموطأ" (4/282).
وشاهد الشارح في البيتين: أن الشاعر قام بتقبيل الجدر والبناء، بسبب حبه لساكن البناء، وهو شاهد معنوي. ويسقط الشارح ذلك على لفظ الحديث، ولفظ الآية التي ذكرها؛ فيكون حب الرسول - صلى الله عليه وسلم - للجبل وحب الجبل له، إنما هو حب لأهل الحيل ومنهم. والآية قد تقدم نقل رد شيخ الإسلام على من قال بالمجاز فيها وما شابهها. وأما لفظ الحديث؛ فالفرق بينه وبين سياق البيتين، واضح؛ حيث إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر ابتداءً عن حبه للجبل وحب الجبل له، أما الشاعر فإنه لم يتعرض لحبه للجماد ولا لحب الجماد له، لحُمل على حقيقته؛ فالمحب لشخص يحب كل ما يتصل به، يحبه حقيقة؛ وقد قال المجنون أيضًا [من الطويل]:
أحب من الأسماء ما وافق اسمها ... أو أشبهه أو كان منه مدانيا
وقال كثير عزوة [من الطويل]:
وأنت التي حببت كل قصيرة إليَّ ... ولم تعلم بذاك القصائر
عنيت قصيرات الحجال ولم أرد ... قصار الخطى شر النساء
وقال الغزالي في "المستصفى" (1/48) البحاتر – في الكلام على الحسن والقبح – قبل إنشاد بيتي المجنون: ((... فالمقرون بالذيذ لذيذ، والمقرون بالمكروه مكروه، بل إن الإنسان إذا جالس من عشقه في مكان؛ فإذا انتهى إليه أحسن في نفسه تفرقة بين ذلك المكان وغيره ولذلك قال الشاعر...)) ثم أنشد البيتين. [يراجع]
(4) قوله : ((اللفظ)) جاء مرة واحدة في (م).
(5) في (ز): ((أحب)).
(6) في (ب): ((رضي الله عنه)) و((أجمعين)) من (ي) فقط.
(7) في (ز): ((جبلها جبليها)). [شطبت من الحاشية وبقيت في المتن]
(8) كذا في (ي) وهو الصواب وفي سائر النسخ: ((المتضايق)) وانظر ما يأتي.
(9) في (ب) و(م) و(ي): ((قال)).
(10) قوله: ((ومنه)) في (ي): ((منه)).
(11) قوله: ((مأزما مني)) في (ب) و(م): ((مأزمي مني)) وقول ابن دريد في "الجمهرة" (2/1071) وعبارته: ((والمآزم: المَضَايِقُ، واحدها: مَأْزِمٌ، ومنه مأزما منى)).اهـ.
(12) في (ي): ((وهما)).
(13) من قوله : ((وقال ابن دريد ....)) إلى هنا سقط من (ز).
(14) من قوله: ((ومنه مأزما...)) إلى هنا، سقط من (ح).
وهكذا في سائر النسخ ((المتضايق)) وقد تقدم أن الصواب: المضايق؛ جمع مضيق.
(15) في (م): ((بالابنان)). وهنا فائدة عن ابن حجر في "الفتح" (4/83) وهي أن بعض الحنفية ادعى اضطراب الحديث؛ لأنه ورد في رواية: ((ما بين لابتيها))، وفي أخرى: ((ما بين جبليها)) وفي رواية: ((مأزميها)) قال الحافظ: ((وتعقب بأن الجمع واضح، وبمثل هذا لا ترد الأحاديث الصحيحة؛ فإن الجمع لو تعذر أمكن الترجيح، ولاشك أن رواية ((لابتيها)) أرجح لتوارد الرواة عليها. ورواية ((جبليها)) لا تنافيها يكوون عند كل لابة جبل، أو ((لابتيها)) من جهة الجنوب والشمال و((جبليها)) من جهة الشرق والغرب، وتسمية الجبلين في رواية أخرى لا تضر. وأما رواية ((مازميها)) فهي في بعض طرق حديث أبي سعيد والمأزم: المضيق بين الجبلين وقد يطلق على الجبل نفسه.اهت. وكلام الحافظ من ((مأزميها)) قرب مما عند النووي في "شرح مسلم" (9/147).(1/191)
وقوله: ((المدينة حرام (1) ، ما بين عَيْر إلى ثور)) كذا روايةُ الرواةِ؛ وللعذريِّ:((عائرٍ)) بدل ((عَير)). وقد أنكر الزبيريُّ مصعبٌ وغيرهُ هاتين الكلمتين، وقالوا (2) : ليس بالمدينةِ عَيْرٌ ولا ثورٌ؛ قالوا: وإنما (3) ثورٌ بمكةَ. وقال الزُّبيرُ (4) : عير (5) : جبلٌ (6) بمكة (7) . وأكثرُ رواةِ البخاريِّ ذكروا ((عيرًا (8) ))، وأما ثورٌ فمنهم من كنَّى عنه بـ ((كذا))، ومنهم من ترك مكانَه بياضًا؛ إذ اعتقدوا (9) الخطأَ في ذكرِه؛ قاله =(3/486)=@ عياضٌ (10) . وقال بعضُهم: ثورٌ وَهْمٌ من بعض الرواةِ؛ قال أبو عبيدٍ: كأنَّ الحديثَ أصلُه: ((من عَيْرٍ إلى أُحدٍ)). والله أعلم (11) . وكذا ذكر المازريُّ قال: ذِكْرُ((ثورٍ)) ههنا وَهْمٌ من الرَّاوي؛ لأنَّ ((ثورًا)) بمكةَ، والصحيحُ: ((إلى أُحُدٍ)) (12) .
وقوله: ((فمن أحدث فيها حدثًا))؛ يعني: من أحدث ما يخالفُ (13) الشرعَ من بدعةٍ، أو معصيةٍ، أو ظلمٍ؛ كما قال: ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ)) (14) .
وقوله: ((أو آوى محدِثًا))؛ أي: ضمَّه إليه، ومَنعَه مِمَّن له عليه حقٌّ، ونَصَرَه. ويقال: أَوى - بالقصر والمدِّ - متعديًا ولازمًا، والقصرُ في اللازمِ أكثرُ، والمدُّ في المتعدِّي أكثرُ (15) . &(3/384)&$ %(1/192)%
__________
(1) من قوله : (( - صلى الله عليه وسلم - جعل ....)) إلى هنا، سقط من (ح).
(2) في (ب) و(م): ((فقالوا))، وفي (ح) و(ي): ((وقال)).
(3) في (ي): ((وإنما هو)).
(4) المثبت من (ي) وفي سائر النسخ: ((الزبيري)). وانظر التعليق الآتي.
(5) في (أ): ((غير))).
(6) في (م): ((حفر)).
(7) قوه: ((وقال الزبير: عير جبل بمكة)) في "الإكمال" (4/489): ((وقال الزبير: عير جبل بناحية المدينة)) ونحوه في "مشارق الأنوار" (2/108) ووقع في نسخ "المفهم" غير (ي): ((الزبيري)) بدل ((الزبير))، وتقدم أن الزبيريَّ وغيره ينكرون وجود ((عير)) أو ((ثور)) بالمدينة.
وما ذكره القاضي نقله عنه النووي في "شرح مسلم" (9/143)، والسيوطي في "الديباج" (3/411)، وحكاه النووي أيضًا في "تهذيب الأسماء" (3/83) عن أبي عبيد وغيره من العلماء؛ أن عيرًا جبل بناحية المدينة.
وقال الحافظ في "الفتح" (4/82): وروى الزبير في "أخبار المدينة" عن عيسى بن موسى، قال: قال سعيد بن عمر لبشر بن السائب: أتدري لمَ سكنَّا العقبة؟ قال: لا. قال: لأنَّا قتلنا منكم قتيلاً في الجاهلية، فأُخرجنا إليها. فقال: وددت لو أنكم قتلتم منا آخر وسكنتم وراء عير. يعني جبلاً. كذا في نفس الخبر)).اهـ.
وقد ذكر ابن الأثير في "النهاية" (1/229) أنه قيل: إن عيرًا جبل بمكة.
فلعل في كلام الشارح هنا سقطًا.
(8) في (ز) و(م): ((عير)).
(9) في (ب) و(م): ((واعتقدوا)).
(10) في "الإكمال" (4/489).
(11) قول أبي عبيد في "غريب الحديث" (3/311) وعبارته بعد ذكر لفظ الحديث: وهذا حديث أهل العراق، وأهلُ المدينة لا يعرفون بالمدينة جبلاً يقال له ((ثور)) وإنما ((ثور)) بمكة – فنُرى أن الحديث أصله: ((ما بين عير إلى أحد)).
(12) نم قوله: ((وكذا ذكر المازري...)) إلى هنا، مثبت من (أ) فقط. وقول المازري في "المعلم" (2/78).
قال الحافظ في "الفتح" (4/82-83): ((وقال المحب الطبري في "الأحكام" بعد حكاية كلام أبي عبيد ومن تبعه : قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبدالسلام البصري : أن حذاء أُحُد عن يساره جانحًا إلى ورائه جبل صغير(كذا، والصواب: ((جبلاً صغيرًا)) اسم ((أن)) ) يقال له : ثور ، وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب ؛ أي : العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال ، فكلٌّ أخبر أن ذلك الجبل اسمه : ثور ، وتواردوا على ذلك ، قال : فعلمنا أن ذكر ثور في الحديث صحيح ، وأن عدم علم أكابر العلماء به: لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه . قال : وهذه فائدة جليلة. انتهى. وقرأت بخط شيخ شيوخنا القطب الحلبي فلهذا في "شرحه": حكى لنا شيخنا الإمام أبو محمد عبد السلام بن مزروع البصري أنه خرج رسولاً إلى العراق ، فلما رجع إلى المدينة كان معه دليل ، وكان يذكر له الأماكن والجبال، قال : فلما وصلنا إلى أُحُد إذا بقربه جبل صغير فسألته عنه ؟ فقال : هذا يسمى ثورًا ، قال: فعلمت صحة الرواية . قلت : وكأن هذا كان مبدأ سؤاله عن ذلك. وذكر شيخنا أبو بكر بن حسين المراغي نزيل المدينة في "مختصره لأخبار المدينة": أن خلف أهل المدينة ينقلون عن سلفهم أن خلْف أُحُد من جهة الشمال جبلاً صغيرًا إلى الحمرة بتدوير يسمى ثورًا . قال : وقد تحققته بالمشاهدة ، وأما قول ابن التين : إن البخاري أبهم اسم الجبل عمدًا ؛ لأنه غلط ، فهو غلط منه ، بل إبهامه من بعض رواته؛ فقد أخرجه في الجزية فسماه ، والله أعلم)).اهـ.
(13) في (ب) و(م): ((ما يخالفه)).
(14) أخرجه البخاري (5/301برقم2697) في الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود. ومسلم (3/1343 رقم1718/17) في الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور.
(15) وهذا لفظ القاضي في "الإكمال" (4/486)، وكذلك قال الجوهري في "الصحاح" : ((قال: ((وآويته أنا إيواءً، وأويته أيضًا: إذا أنزلته بك، فعلت وأفعلت بمعنى، عن أبي زيد)).(1/192)
وقوله: ((فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)) لعنةُ الله: طَرْدُه للملعونِ، وإبعادهُ عن رحمتِه. ولعنةُ الملائكةِ والناسِ (1) : الإبعادُ (2) ، والدعاءُ بالإبعادِ. وهؤلاء هم اللاعنون، كما قال تعالى: {أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} (3) . والصَّرْفُ: التوبةُ، والعدلُ: الفديةُ؛ قاله الأصمعي. وقيل: الصرفُ: الفريضةُ، والعدلُ: التطوُّعُ (4) . وعَكَس ذلك (5) الحسنُ. وقيل: الصرفُ: الحيلةُ والكسبُ، والعدلُ: الِمثْلُ؛ كما قال تعالى: {أو عَدْلُ ذلك صيامًا} (6) . ويقال في العدل بمعنى المثل: عَدْلٌ وعِدْلٌ، كـ((سَلْمٍ)) و((سِلْمٍ)) (7) .
وقوله: ((وذمة المسلمين واحدة))؛ أي: من عَقَد من المسلمين أمانًا، أو عهدًا لأحدٍ من العدوِّ لم يحلَّ لأحدٍ أن ينقضَهُ.
و((الذمة (8) )): العهد. وهو لفظٌ مشترَكٌ بين أمورٍ مُتعددةٍ (9) . =(3/487)=@
وقولُه: ((يسعى بذمتهم أدناهم))؛ أي: أقلُّهم منزلةً في الدُّنيا وأضعفُهم. وهو حجةٌ لمن أجاز أمانَ العبدِ (10) والمرأةِ، على ما سيأتي (11) في الجهادِ إن شاء الله تعالى. &(3/385)&$
وقولُه: ((فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنةُ الله))؛ أي: نَقَضَ عهدَه؛ يقال: أخفرتُ الرجلَ إخفارًا: إذا غدرتَه (12) . وخَفَرتُه: إذا أجرتَه، خُفَارةً (13) . %(1/193)%
__________
(1) قوله : ((والناس)) سقط من (ح) و(ي).
(2) عبارة القاضي في "الإكمال" (4/488) ولعنة الملائكة والناس هنا: الدعاء عليهم بمثل هذا (أي: الإبعاد والطرد). وقد يكون لغته الملائكة هنا ترك الدعاء لهم والاستغفار، و"إبعادهم" عنه، وإخراجهم من جملة المؤمنين الذين يستغفرون لهم)).اهـ.
(3) سورة البقرة؛ الآية: 159.
(4) من قوله: ((قاله الأصمعي التطوع))، في (ي): ((قاله الأصمعي والتطوع)).
(5) قوله: ((وعكس ذلك)) في (ب) و(م): ((كما قال)).
(6) سورة المائدة؛ الآية: 95.
وقد جمع أبو البركات الأنباري في "الزاهر" (1/146- 147) سبعة أقوال في معنى ((العدل)) و((الصرف))، ونسب كل قول إلى صاحبه؛ قال: في الصرف والعدل سبعة أقوال:
الأول: يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: الصرف: التوبة، والعدل: الفدية – وبهذا قال مكحول وهو مذهب الأصمعي.
الثاني: وقال يونس بن حبيب: الصرف: الاكتساب، والعدل: الفدية.
الثالث: وقال أبو عبيدة: الصرف: الحيلة.
الرابع: وقال قوم: الصرف: الفريضة، والعدل: التطوع.
الخامس: وقال الحسن: العدل الفريضة، والصرف: التطوع.
السادس: وقال قتادة في قوله تعالى: ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل [البقرة: 48] قال: لو جاءت بكل شيء لم يقبل منها.
السابع: وقال قوم: العدل: المثل؛ واحتجوا [بالآية التي ذكرها الشارح].اهـ. ونحوه ذكر المازري في "المعلم" (2/78- 79) وزاد القاضي عياض في "الإكمال" (4/487): وقيل: الصرف: الدية، والعدل: الزيادة. وروي عن الحسن في معنى الصرف هنا: التصرف في العمل.اهـ. ونقل عن النووي في "شرح مسلم" (9/141)، وانظر "غريب الحديث" لأبي عبيد (2/663)، و"النهاية" (3/24).
(7) وقال ابن الأنباري في "الزاهر" (1/147) بعد أن ذكر نحو ما ذكره الشارح هنا: قال الفراء: العَدْل ما عادل الشيء من غير جنسه. والعِدْل: ما عادل الشيء من جنسه.
(8) في (ح) و(ي): ((والذم)).
(9) قال و"تاج العروس" (16/265) الذِّمةُ – بالكسر - : العهدُ، والكفالةُ، ومأدبةُ الطعام أو العرس، والقومُ المعاهدون. وفي "المصباح" (ص111): وتفسر الذمة بالعهد والأمان والضمان.
(10) في (ي): ((العهد)) وكتب الناسخ في الحاشية: ((أظن العبد والمرأة)).
(11) في (ب) و(م): ((يأتي)).
(12) في (ز): ((عذرته)).
(13) ((الخفارة)) مثلثة الخاء. والفعل الثلاثي من باب ضرب، وفي لغة من باب قتل. وانظر: "تهذيب الأسماء واللغات" (3/95)، و"المصباح" (ص93).(1/193)
ومجيءُ الناسِ لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بأولِ الثَّمرِ، مبادرةٌ بهديةِ ما يُستطْرَفُ، واغتنامٌ لدعائِه وبركتِه؛ ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ أولَ ذلك الثمرِ وضعَه على وجهِه، كما رواه بعضُ الرواةِ عن مالكٍ (1) في هذا الحديثِ من الزيادةِ. =(3/488)=@
وتخصيصُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك الثمرَ أصغرَ وليدٍ (2) يراه؛ لأنه أقلُّ صبرًا ممن هو أكبرُ منه، وأكثرُ جَزعًا، وأشدُّ فرحًا، وهذا من حسنِ سياستهِ - صلى الله عليه وسلم - ومعاملتِه للكبارِ والصِّغارِ . وقيل: إن ذلك من بابِ التفاؤلِ بنموِّ الصغيرِ وزيادتِه، كنموِّ الثمرةِ (3) وزيادتِها. والله أعلم (4) . =(3/489)=@ %(1/194)%
__________
(1) ذكره القاضي عياض في "الإكمال" (4/492) وقال : ((وقد روى الخشني هذا الحديث عن مالك أنه – عليه السلام- كان إذا أخذ ذلك وضعه على وجهه، وقال ما تقدم (أي: الدعاء). فذكره .
وجاء في "علل الدارقطني" (1671): وسئل عن حديث ابن المسيب عن أبي هريرة: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتي بباكورة الفاكهة وضعها على عينيه ثم على شفتيه ، ثم قال : ((اللهم كما أريتنا أوله فأرنا آخره))، ثم يعطيه من كان عنده من الصبيان، فقال - أي الدارقطني -: ((يرويه الزهري ، واختلف عنه؛ فرواه يونس ، عن الزهري واختلف عن يونس)).
يرويه الزهري واختلف عنه ؛ فرواه يونس ، عن الزهري ، واختلف عن يونس ، فرواه عبد الرحمن بن يحيى العذري ، عن يونس ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة.
وتابعه أبو ربيعة ، عن جرير بن حازم.
وخالفه أبو عاصم ، فرواه عن جرير بن حازم ، عن يونس ، عن الزهري مرسلا.
وكذلك قال حماد بن زيد ، عن جرير بن حازم ، عن يونس.
ورواه أبو عجلان الموصلي ، عن يونس ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك.
وتابعه سفيان محمد المصيصي ، عن ابن وهب ، عن يونس ، عن الزهري كذلك أيضا.
ورواه أيضا صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ، قال ذلك أبو لبابة عثمان بن فايد عنه.
ورواه أبو كرز عبد الله بن عبد الملك ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة.
ورواه عقيل بن خالد ، عن الزهري واختلف عنه ؛ فرواه عمرو بن عثمان ، عن أبيه ، عن ابن لهيعة ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
وكذلك قيل عن يحيى بن يحيى ، عن ابن لهيعة.
ورواه قتيبة ، عن ابن لهيعة ، عن عقيل ، عن الزهري مرسلا ، وهو المحفوظ ولا يصح مسندا عن واحد منهم.
ثنا محمد بن محمود بن محمد بواسط ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور ، حدثنا عبد الرحمن بن يحيى بن سعيد العذري ، حدثنا يونس ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بالباكورة من الفاكهة وضعها على عينيه ثم على شفتيه ، ثم قال : اللهم كما أريتنا أوله فأرنا آخره ، ثم يعطيه من يكون عنده من الصبيان.
حدثنا أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي الرجال ، وإسماعيل بن محمد الصفار ، ومحمد بن مخلد ، قالوا : حدثنا أبو قلابة ، حدثنا أبو ربيعة فهد بن عوف ، حدثنا جرير بن حازم ، عن يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بالباكورة دفعه إلى أصغر من يحضره من الولدان.
حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا عباس بن محمد ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن جرير بن حازم ، عن يونس بن يزيد الأيلي ، عن ابن شهاب ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بالباكورة قبلها ووضعها على عينيه ، أو عينه.
حدثنا محمد بن مخلد ، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا سليمان بن لرحمن الدمشقي ، حدثنا أبو لبابة عثمان بن فايد ، حدثنا صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بالباكورة من الرطب جعلها على فيه وعلى عينيه.
حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا عباس بن محمد ، حدثنا عبد الصمد بن النعمان ، حدثنا عبد الله بن عبد الملك ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بأول ما يدرك من الفاكهة شمها ثم حمد الله ووضعها على عينيه.
حدثنا ابن مخلد ، حدثنا محمود بن محمد بن أبي المضاء الحلبي ، حدثنا عمرو بن عثمان ، حدثنا أبي ، عن ابن لهيعة ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بباكورة الفاكهة ، ... الحديث.
حدثنا ابن مخلد ، حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد بن يحيى النيسابوري ح وثنا ابن مخلد ، حدثنا أحمد بن إبراهيم أبو علي القوهستاني لا : حدثنا يحيى بن يحيى ، أنبأنا ابن لهيعة ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بالباكورة من الفاكهة وضعها على فيه ثم وضعها على عينيه ، ثم قال : اللهم كما أطعمتنا أوله فأطعمنا آخره.
قال أبو علي القوهستاني : سمعت يحيى بن يحيى ، يقول في هذا الحديث : عن عروة ، عن عائشة في كتابي بين السطرين.
وزاد يحيى بن محمد في حديثه ، ثم تناوله من حضره من الولدان ، حدثنا محمد بن مخلد ، حدثنا أبو علي القوهستاني ، حدثنا قتيبة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه.
(2) في (ح) و(ي): ((وليده)).
(3) قوله: ((الثمرة وزيادتها)) في (ي): ((الثمر وزيادتها)) وصوب ((زيادتها)) إلى ((زيادته)) وترك الألف.
(4) قوله : ((والله أعلم)) زيادة من (ز). والقول الأول ذكره القاضي في "الإكمال" (4/492)، والقول الثاني ذكره المازري في "المعلم" (2/81) ونقله عنه القاضي.(1/194)
ومن (1) بابِ الترغيبِ في سُكْنى المدينةِ
قوله: ((إن أهلنا (2) لخُلُوفٌ)) بضمِّ الخاءِ المعجمةِ (3) ؛ أي: لا حافظَ لهم، ولا حاميَ؛ يقال: حيٌّ (4) خُلوفٌ؛ أي: غاب عنهم رجالُهم.
وقوله: ((لآمرنَّ (5) بناقتي تُرحَّل (6) )) مشدَّدة الحاءِ (7) ؛ أي: يُجعلُ عليها الرَّحْلُ (8) . &(3/386)&$
وقوله: ((ثم لا أحلُّ لها - أو عنها (9) - عقدة))؛ أي: أَصِلُ المشيَ (10) والإسراعَ؛ وذلك لمحبتِه (11) الكونَ في المدينِة، وشدَّةِ شوقِه إليها (12) . وقد تقدَّم الكلامُ في ا لمأزِمَين (13) . =(3/490)=@ %(1/195)%
__________
(1) قوله : ((ومن)) سقط من (ح) و(ي).
(2) في (ح) و(ي): ((أهلها)). والرواية في "الصحيح" و"التلخيص" ((وإن عيالنا...)).
(3) زاد بعده في (ح) و(ز) و(ي): ((من فوقها)). وليس لها فائدة؛ فإن رسم ((الحاء)) إما أ، يهمل ويكون حاءً، أو يعمم من فوق ويكون خاءً، ولا يتصور إعجامه من تحت.
(4) قوله : ((يقال حي)) سقط من (ز).
(5) في (ب) و(م): ((لأمرت)).
(6) في (م): ((يرحل)).
(7) في (م): ((الخاء)).
(8) وقد ضبطها النووي في "شرح مسلم" بسكون الراء وتخفيف الحاء؛ من الثلاثي؛ يقال: رَحَلَ البيعر – كمنع – وارتحله: حَطَّ عليه الرَّحل؛ وهو ما يوضع على البعير ليركب عليه، وقال في "المصباح": الرحل: كل شيء يعد للرحيل من وعاءٍ للمتاع ومركب للبعير وحِلْسٍ ورسنٍ.اهـ. ومنه سميت ((الراحلة)) ((فاعلة)) بمعنى ((مفعولة))؛ لأنها تُرْحَلُ: أي: يوضع عليها الرحل.
ويقال، أيضًا: ((المُرحَّلة: الإبل التي عليها رحالها، وهي أيضًا التي وُضعت عنها رحالها؛ ضدٌّ)).
انظر: "مشارق الأنوار" (1/285)، و"شرح النووي" (9/147) (16/101)، و"شر الزرقاني" (4/391)، و"المصباح" (ص117)، و"تاج العروس" (14/274).
(9) في (ي): ((ثم لا أحل لها أو لا أحل عنها)).
(10) في (ب) و(م): ((السير)).
(11) في (م): ((لمحبة)).
(12) ؟؟؟.
(13) في باب تحريم المدينة، في الكلام على قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((اللهم إني أحرم ما بين جبليها)).(1/195)
وقوله: ((لا يُحمل فيها سلاح، ولا تُخبط (1) فيها شجرة)) هذا (2) كلُّه يقضي بالتسويةِ (3) بين حرمِ المدينِة وحرمِ مكةَ، وهو ردٌّ على أبي حنيفةَ، على ما (4) تقدَّم.
وقوله: ((إلا (5) لعلف))؛ لم يذكرْ هذا الاستثناءَ في شجرِ مكةَ، وهو جار فيها. ولا قرن بينهما. وكذلك (6) ذكر في مكة: ((إلا الإذخر)) (7) . ولم يذكره في المدينةِ، وهو أيضًا (8) جارٍ (9) فيها؛ إذ لا فرقَ بين الحرَمين (10) . والحاصلُ من الاستثناءَيْنِ (11) : أنَّ ما دعت الحاجةُ إليه من العلفِ والانتفاعِ (12) بالحشيش، جاز تناولُه على وجهِ الهشِّ (13) والرِّفْقِ من غيرِ عنفٍ، ولا كسرِ غصنٍ (14) . وهو حجةٌ على مَنْ منع شيئًا من ذلك.
وقوله: ((ما من (15) المدينة شِعبٌ (16) ولا نقبٌ إلا عليه ملكان (17) يحرسانها)) ((الشِّعْب)) (18) - بكسرِ الشينِ - هو (19) الطريقُ في الجبلِ؛ قاله يعقوبُ وغيرُه (20) . و((النَّقْب))- بفتح النونِ وضمِّها؛ وهو الطريقُ على رأسِ الجبل (21) . وقيل: هو الطريقُ ما (22) بين الجبلينِ (23) . وقال الأخفشُ: أنقابُ المدينةِ: طُرقُها (24) ، وفِجاجُها (25) .
و((ما يَهيجهم))؛ أي: ما (26) يحرِّكُهم؛ يُقال: هاج الشيءُ، وهجْتُه، وهاجتِ (27) الحربُ، وهاجَها الناسُ؛ أي: حرّكوها وأثاروها.
و((بنو عبدالله بن غطَفان)) كانوا (28) يُسمَّون في الجاهليةِ: ((بني (29) عبدالعُزّى))، فسمَّاهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ((بني عبدالله)). فسمتهم العربُ: ((بني مُحوَّلة))؛ لتحويلِ اسمِهم (30) .
وفي هذا ما يدلُّ على أن حراسةَ الملائكةِ للمدينةِ إنما كان إذ ذاك في مدةِ غيبةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابِه عنها، نيابةً عنهم (31) . =(3/491)=@ %(1/196)%
__________
(1) في (أ) و(ح) و(ز): ((يخبط)).
(2) في (ز): ((فهذا)).
(3) قوله: ((يقضي بالتسوية)) في (ب) و(م): ((يقتضي التسوية)).
(4) قوله: ((على ما)) في (م): ((فيما)). وأبو حنيفة ينكر تحريم المدينة وانظر ما تقدم للشارح في باب تحريم المدينة.
(5) في (أ): ((لا)).
(6) في (ز): ((وكذا)).
(7) تقدم في باب تحريم مكة وصيدها وشجرها ولقطتها .
(8) ((أيضًا)) من (ز) فقط.
(9) في (م): ((جائز)).
(10) انظر ما تقدم في باب تحريم المدينة. و"الإكمال" (4/494).
(11) في (م): ((الاستثناء بين))، وفي (ي): ((الاستثناء)).
(12) في (ح): ((وبالانتفاع)).
(13) في (ز): ((المس)).
(14) هذا معنى كلام القاضي في "الإكمال" (4/494)، وعبارته: ويفسر هذا الاستثناء [أي: قوله: ((إلا لعلف))] – والله أعلم – الحديث الآخر: ((لا يخبط ولا يعضد، ولكن يهش هشًّا رفيقًا)) والهشُّ تحريك الغ صن ليسقط ورقة.اهـ.
ثم ذكر عن الخليل معنى ((الهش))، ثم قال: ومعناه: لا تخبط لتكسر أغصانها، ولا يجوز أن يؤخذ منها إلا ا، يحرك أو يضرب ضربًا رفيقًا لأخذ الورق للعلف)). والحديث الذي ذكره القاضي عند أبي داود، في باب تحريم المدينة رقم (2039) ولفظه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يخبط ولا يعضد حمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن يهش هشًّا رفيقًا)).
(15) في (ح) و(ي): ((في)).
(16) في (م): ((شعبة)).
(17) في (م): ((ملكين)).
(18) في (ز): ((والشعب)).
(19) في (ز): ((هو)).
(20) قول يعقوب ابن السكيت في "إصلاح المنطق" (ص5): قال: والشِّب: ((الطريق في الجبل)).اهـ. وقيل: هو ما انفرج بين الجبلين. انظر "العين" (4/268)، "جمهرة اللغة" (1/343)، "مشارق الأنوار" (2/254)، "شرح النووي" (9/248).
(21) وهو قول الخليل في "العين" (5/179) قال: طريق ظاهر على رءوس الجبال والآكام والروابي لا يزوغ عن الأبصار. وهو المنقبة أيضًا.
(22) في (ز): ((مما)).
(23) انظر: الزاهر في "غريب ألفاظ الشافعي" (ص344)، و"النهاية" (5/101).
(24) في (م): ((طرفها)).
(25) وحكى القاضي عن ابن وهب أنها مداخلها، قال: وقيل: طرقها. وانظر "النهاية" (5/101)، و"شرح النووي" (9/148).
(26) قوله : ((ما)) سقط من (م).
(27) في (م): ((وهاج)).
(28) في (ز): ((وكانوا)).
(29) في (ا9: ((بنو)) وفي (م): ((ببني)) غير منقوطة الباءين.
(30) قال القاضي في "المشارق" (2/117) ((محوّلة)) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وفتح الواو مشددةً؛ لتحويل اسم أبيهم. وانظر "شرح النووي" (9/149)، (16/74).
(31) مراد الشارح هنا – إن شاء الله – الحراسة المذكورة في الحديث، وليست الحراسة من الطاعون والدجَّال المذكورة في حديث آخر؛ يدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((... يحرسانها حتى تقدموا إليها))، وقول الراوي بعد ((ما وضعنا رحالها حين دخلنا المدينة، حتى أغار علينا بنو غطفان، وما يهيجهم قبل ذلك شيء)): وقد كانوا – كما ذكر في الحديث - اشتكوا إليه - صلى الله عليه وسلم - ، تركهم عيالهم بلا حافظ، وأنهم غير آمنين عليه. قال النووي: معناه أن المدينة في حال غيبتهم كانت محمية محروسة، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى إن بني عبد الله بن غطفان أغاروا عليها حين قدمنا، ولم يكن قبل ذلك يمنعهم من الإغارة عليها مانع ظاهر، ولا كان لهم عدد يهجيهم ويشتغلون به، بل بسبب منعهم قبل قدومنا: حراسة الملائكة)).اهـ. ونحوه عند القاضي في "الإكمال" (4/495).(1/196)
وقوله: ((ليالي الحرة (1) ))؛ يعني به: حرةَ المدينةِ، كان بها مَقْتَلةٌ عظيمةٌ في أهلِ &(3/387)&$ المدينةِ؛ كان سببهُا: أن (2) ابنَ الزبيرِ وأكثرَ أهلِ الحجازِ كَرهوا بيعةَ يزيدَ بنِ معاويةِ (3) ، فلما مات معاويةُ وجَّه يزيدُ مسلمَ بنَ عقبة المدنيَّ (4) في جيشٍ عظيمٍ من أهلِ الشامِ، فنزل بالمدينةِ، فقاتل أهلَها، فهزمهم، وقتلَهم بحرَّة المدينةَ قتلاً ذريعًا، واستباح المدينةَ ثلاثةَ أيامٍ، فسُمِّيتْ وقعةَ الحرَّةِ)) لذلك (5) . ثم إنه توجَّه بذلك الجيشِ يريدُ مكةَ، فمات مسلمٌ بقُديد، وولي الجيشَ الحصينُ بن نُمير، وسار (6) إلى مكة (7) ، وحاصر (8) ابنَ الزبيرِ، وأُحرقتِ الكعبةُ، حتى انهدم جدارُها، وسقط سقفُها، فبينما (9) هم كذلك، بلغهم موت يزيد فتفرَّقوا، وبقيَ ابنُ الزبيرِ بمكةَ إلى زمانِ (10) الحجَّاج، وقتلِه لابنِ الزبيرِ، رضي الله عن (11) ابنِ الزبيرِ وأبيهِ (12) .
و((الجَلاء))- بفتحِ الجيمِ والمدِّ -: الانتقالُ من موضعٍ إلى آخرَ. و((الجِلاء)) - بكسرِ الجيمِ والمدِّ -: هو جِلاءُ السيفِ، والعَروسِ. و((الجَلا)) - بفتحِ الجيمِ والقصرِ: هو جَلا الجبهةِ؛ وهو انحسارُ الشَّعَرِ عنها؛ يقال منه: رجلٌ أَجْلى وأَجلحُ (13) . =(3/492)=@ %(1/197)%
__________
(1) في (ز): ((الحر)).
(2) سقط من (ز).
(3) لما اشتهر من فسقِه، وأخرجوا عامله على المدينة، ودعوا إلى الشورى وبايعوا عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة على خلع يزيد، واخرجوا مَنْ بالمدينة من بني أمية.
(4) كذا في النسخ! وصوابه : ((المري))، نسبة إلى مرة بن عوف بن سعد من ذبيان ، وهو الذي يسميه أهل المدينة : مرفًا ؛ لإسرافه وفحشه بالقول والفعل بهم ، هلك في عام ثلاث وستين ، وعمره بضع وتسعون سنة . انظر ترجمته في "تاريخ ابن عساكر" (16/475)، و"الإصابة" (10/28).
(5) كذا في (أ): ((بذلك)).
(6) في (أ): ((صار)).
(7) في (ي): ((المدينة)).
(8) في (أ): ((حاصر)) وفي مكان الواو بياض .
(9) في (ح): ((فبينا)).
(10) في (ي): ((زمن)).
(11) في (ز): ((عنه عن)) وقبله في ي) بياض بمقدار كلمة.
(12) قوله : ((وأبيه)) من (ب) و(م) فقط. وانظر تفصيل الأحداث في "تاريخ الطبري" (6/415- 434)، و"تاريخ الإسلام" (حوادث سنة 63، 64هـ)، "البداية والنهاية" (11/614- 634).
(13) انظر: ((المقصور والممدود)) للفراء (ص106، 107، 110)، ولأبي الطيب الوشاء (ص45)، و"المقصور والممدود" لأبي علي القالي (ص65، 335، 433). و((الجلا)) المقصور يكتب بالألف؛ لأنه واوي؛ فعله جلا يجلو، ويقال: رجلٌ أجلى وامرأة جلْواء.(1/197)
وقوله (1) : ((إذا كان مسلمًا))؛ يُقَيّد (2) ما تقدَّم من مطلقَاتِ هذه الألفاظِ. ويُنَبَّه (3) &(3/388)&$ على القاعدةِ المقرَّرةِ من أن الكافرَ لا تنالُه شفاعةُ شافعٍ؛ كما (4) قال الله (5) تعالى مخبرًا عنهم: {فما لنا من شافعين ولا صديق حميم} (6) .
وقوله في المدينة: ((وهي وَبيئة)) بالهمزِ، من الوباء؛ وهو هنا: شدَّةُ المرضِ (7) ، والحمَّى.
وكانوا لَمَّا قدموا المدينةَ لم تُوافِقْهم في صحَّتِهم، فأصابتهم أمراضٌ عظيمةٌ، ولَقُوا من حُمَّاها شدَّةً، حتى دعا لهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وللمدينةِ، فكشف الله ذلك ببركِة دعائِه - صلى الله عليه وسلم - ، كما ذُكر في هذا الحديثِ، وفي (8) غيرِه.
وقوله: ((وحَوِّلْ حُمَّاها إلى الجحفة))؛ قد ذكرنا الجحفةَ في بابِ المواقيتِ (9) . وإنما (10) دعا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا رحمةً لأهلِ المدينةِ، ولأصحابِه، ونَقِمةً من أهلِ (11) الجحفِة؛ فإنَّهم (12) كانوا إذ ذاك كفَّارًا (13) . قال الخطابيُّ: كانوا يهودًا (14) . وقيل: إنه لم يبقَ أحدٌ من أهل الجحفةِ في ذلك الوقتِ إلا أخذته الحمَّى (15) .
ففيه: الدعاءُ للمسلمِ، وعلى الكافرِ. وهذا وما في معناه من أدعيةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - التي تفَوقُ الحصرَ - حجَّةٌ على بعضِ المعتزلةِ القائلين: لا فائدةَ في الدَّعاءِ مع سابقِ (16) القدرِ،، وعلى غُلاة الصوفيِة القائلين: إن (17) الدعاءَ قادحٌ في التوكُّلِ. %(1/198)%
__________
(1) في (ز): ((قوله)).
(2) كأنها في (ح): ((تقييد)).
(3) في (ح) و(ي): ((وتنبيه)).
(4) قوله : ((كما)) سقط من (ح).
(5) لفظ الجلالة مثبت من (ب) و(ز) و(م).
(6) سورة الشعراء؛ الآية: 100-101.
(7) في (ح): ((الأمراض)).
قال في "الصحاح" (1/79): وَبَأُ، يمدُّ ويقصر: مَرضٌ عامٌّ. وجمع المقصور أوْباءٌ وجمع الممدود أوْبِئَةٌ. وقد وَبِئَتِ الأرضُ تَوْبَأُ وَبَأً فهي مَوْبوءَةً، إذا كثُر مرضها. وكذلك وَبِئَتْ تَوْبَأُ وَباءَةً، فهي وَبِئَةٌ ووَبيئَةٌ، على فَعِلة وفَعيلة. وفيه لغة ثالثة: أَوْبَأْتُ فهي موئبة.اهـ. والمراد في الحديث ما قال الشارح، وليس المراد به المرض العام أو الطاعون، قال النووي في "شرح مسلم" (9/150): الوباء: الموت الذريع، هذا أصله، ويطلق أيضًا على الأرض الوخيمة التي تكثر بها الأمراض لاسيما للغرباء الذين ليسوا مستوطنيها.اهـ. وهو نحو كلام القاضي في "الإكمال" (4/496). وقال القاضي: ويختلف حال النازل والوارد عليها فتعتريهم الأمراض لاختلاف الهواء عليهم.اهـ.
(8) قوله : ((في)) سقط من (ب) و(م).
(9) في أول كتاب الحج.
(10) في (ح): ((إنما)).
(11) قوله: ((من أهل)) في (ي): ((لأهل)). نَقَمْتُ مِنْهُ وانتقمت: عاقبته.
والاسم: ((النَّقمة)) كـ((الكِلَمة)) وتخفف ((نِقْمة)) كـ((كلمة)) ونَقَمت منه ونقِمت: إذا عبته وكرهته لسوء فعَله. والمراد الأول "المصباح" (ص320- 321).
(12) في (ح): ((بأنهم)).
(13) قاله القاضي في "الإكمال" (4/496) عن المازري في "المعلم" (2/81) وهو قول الباجي في "المنتقى" (7/195- 196) وعبارته: وقال بعض أهل العلم إن الجحفة – وهي مَهْيعة – كانوا في ذلك الوقت على غير الإسلام فدعا عليهم بذلك.
(14) "أعلام الحديث" (3/938).
(15) قال الباجي في "المنتقى" (7/196): ومن دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - صارت الجحفة وبئة، قلَّ من يشرب من عينها، ويقال له: حُمَّ، إلا حُمَّ.
(16) في (م): ((سابقة)).
(17) في (ح) و(ي): ((بأن)).(1/198)
وهذه كلُّها جهالاتٌ لا يَنتحلُها إلا جاهلٌ غبيٌّ (1) ؛ لظهورِ فسادِها، وقُبحِ ما يلزم عليها. ولبسَطِ هذا (2) موضعٌ آخرُ. =(3/493)=@ &(3/389)&$
و((يُحنِّسُ (3) )) بضمِّ الياء، وكسرِ النونِ وتشديدِها - رويناه، وهو المشهورُ، وقد (4) ضُبط عن (5) أبي بحرِ: ((يحنَّس)) بفتح النونِ.
وقول ابن عمر – رضي الله عنه - لمولاته: ((اقعدي لكاعِ))؛ معناه: لئيمةٌ، من اللَّكَعِ، وهو اللآمةُ (6) . وقيل: أُخذ من الملاكيعِ؛ وهو الذي يَخرجُ مع السَّلَى (7) من البطنِ (8) .
ولا يستعملُ إلا في النداءِ؛ يقال للذكرِ: يا لُكَعُ، وللأنثى: يا لَكَاع. وقيل: يا لَكْعَاء (9) . وربما جاء في الشعرِ للضرورِة في غيرِ النداءِ؛ كما قال (10) :
.......................... ... إِلَى بَيْتٍ قَعِيدتُهُ لَكَاعِ (11)
وقد يقال للصغيرِ (12) ؛ كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - للحسنِ – رضي الله عنه - حيثُ (13) طلبه: ((أَثَمَّ لُكَعُ)) (14) ؛ أي: الصغيرُ.
وهذا من ابنِ عمر – رضي الله عنهما - تبسُّطٌ مع مولاتِه، وإنكارٌ عليها إرادةَ الخروجِ من المدينةِ. =(3/494)=@ %(1/199)%
__________
(1) في (م): ((غني)).
(2) سقط من (ح) وكرر كلمة ((موضع)).
(3) في (أ) و(ح) و(ي): ((يحنس)). دون الواو. وفي (م): ((يحبس)) دون الواو أيضًا.
(4) قوله : ((قد)) سقط من (أ).
(5) في (ي): ((على)).
(6) قوله: ((وهو اللآمة)) في (ب) و(م): ((وهي الأمة)).
(7) السَّلى: سَلَى الناقة والشاة؛ وهو الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد، يكتب بالياء؛ يقال: شاة سَلْياء، وقد سَلِيَتْ: إذا تلد لي ذلك منها." المقصور والممدود" لأبي علي (ص102).
(8) قاله ابن الأنباري في "الزاهر" (1/144). وحكاه في "تهذيب اللغة" (1/315). عن ابن الأعرابي، وذكره في "اللسان" (8/323) عن ثعلب، عن الأصمعي.
(9) قوله : ((يا)) سقط من (أ) و(ب).
(10) قوله: ((كما قال)) في (أ): ((كما ل)).
(11) هذا عجز بيت من الوافر، والبيت بتمامه:
أُطَوِّفُ مَأ أَطَوِّفُ ثمَّ آوِي ... إِلَى بَيْتٍ قَعِيدتُهُ لَكَاعِ( )
وهو للحطيئة جَرْوَلِ بن أوس، يهجو امرأته. وهو بيت فرد؛ لا سابق له ولا لاحق. ويروى ((أُجوَِّل ما أُجوِّل...)) و((أُطوِّد ما أطوِّد...)) والمعنى واحد. و((قعيدة الرجل)): امرأته، القاعدة في البيت، و((لكاع)): لئيمة. وأصل اللَّكع: وسَخ الغلْفةِ. واللُّكعُ: المُهْر والجحش. ولَكِع لَكَعًا ولَكَاعَةً: لَؤُم وحَمُقَ.
ومعنى البيت: أُكثر الطواف والتجوال في طلب الرزق، ثم أرجع وآوي إلى البيت فيه زوجة لئيمة الطبع.
والشاهد فيه قوله: ((قعيدته لكاعِ))، وقد استعملها لغير النداء، ووقعت خبرًا، ضرورةً، والأصل فيها من الأسماء الملازمة للنداء.
قال المبرد في الكلام على بناء ((فعال)): و((فعال)) معدولٌ عن ((فاعلة))، و((فاعلة))لا ينصرف في المعرفة، فَعُدِ إلى البناء؛ لأنه ليس بعد ما ينصر ف إلا المبنى.
وبني على الكسر؛ لأن في (فاعلة)) علامة التأنيث وكأن أصل هذا أن يكنن إذا أردت به الأمر ساكنًا كالمجزوم من الفعل الذي هو في معناه فكسرته لالتقاء الساكنين.اهـ. ثم ذكر ما كان من هذا البناء اسمًا للفعل نحو ((نزال)) ثم قال: ومنها (أي من أوجه بناء ((فعال)) ) أن يكون صفة غالبة تحل محل الاسم،... تقول في النداء: يا فساق، ويا خباث، ويا لكاع؛ تريد: يا خبيثة، ويا فاسقة، ويا لكعاء؛ لأنه في النداء في موضع معرفة.اهـ. "الكامل" (2/587- 590).
والبيت في ملحق "ديوان الحطيئة" (ص330)، ونسبه له في "الكامل" (1/339)، (2/726)، (3/1231)، و"العقد الفريد" (6/113)، و"خزانة الأدب" (2/404)، و"جمهرة اللغة" (2/662)، و"شرح المفصل" (4/57)، و"شرح التصريح" (2/241)، و"المعلم" (2/80)، و"شرح الزرقاني" (4/273). ولأبي الغريب النصري في "اللسان" (8/323). وبلا نسبة في "الألفاظ" لابن السكيت (ص51) وذكره محققه أن في حاشية الأصل: ((البيت للحطيئة)) وأن التبريزي في "تهذيب الألفاظ نسبة لأبي الغريب النصري" وبلا نسبة أيضًا في ((شرح ابن عقيل)) (1/133)، و"أوضح المسالك" (4/42).
(12) في (ح) و(ي): ((لصغير)). و هو أرجح الأقوال في هذا الحديث؛ حيث قيل: إنه أراد: اللئيم، وقيل: البعد. وقال الأصمعي: هو الذي لا يتجه لمنطق ولا غيره. وصوبه الأزهري؛ كما في "اللسان" (8/323).
(13) في (ح) و(ز): ((حين)).
(14) سيأتي في باب فضائل الحسن والحسين ، من كتاب النبوات .(1/199)
ومن بابِ: المدينةُ لا يدخلُها (1) الطاعونُ ولا الدَّجَّالُ
قوله: ((عَلَى أَنْقَابِ المَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ، لَا يَدْخُلُها الطَّاعُونُ، وَلَا الدَّجَّالُ))؛ قد تقدَّم القولُ في الأنقابِ (2) . و((الطاعونُ)): الموتُ العامُّ الفاشي. ويعني بذلك أنه لا يكونُ في المدينةِ من الطاعونِ مثلُ الذي يكونُ في غيرِها من البلادِ؛ كالذي وقع من (3) طاعونِ عَمَوَاسَ (4) ، والجارِفِ، وغيرِهما (5) . وقد أظهر الله تعالى صدقَ رسولِه &(3/390)&$ - صلى الله عليه وسلم - ؛ فإنه لم يُسمعْ من النَّقلِة، ولا من غيرهِم مَن يقولُ: إنه وقع بالمدينةِ طاعونٌ عامٌّ؛ وذلك ببركةِ دعاءِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حيثُ قال: ((اللَّهُمَّ صَحِّحْهَا لَنَا)) (6) .
وقد تقدَّم الكلامُ على اسمِ الدَّجَّالِ، واشتقاقِه (7) . وهو وإن لم يدخلِ المدينةَ إلا أنه يأتي سَبْختَها من دُبُرِ أُحُدٍ، فيضربُ هناك رِواقَه، فتَرجُفُ المدينةُ بأهلِها ثلاثَ رَجَفَاتٍ، فيخرجُ (8) إليه منها كلُّ كافرٍ ومنافقٍ، كما يأتي في حديثِ أنسٍ (9) في كتابِ ((الفتن))، ثم يَهِمُّ بدخولِ (10) المدينةِ، فتصرفُ (11) الملائكةُ وجهَهُ إلى الشامِ، وهناك يهلكُ بقتلِ عيسى ابنِ مريمَ - صلى الله عليه وسلم - إيَّاه، ببابِ لُدٍّ (12) ، على ما يأتي، وسيأتي أيضًا: أن مكةَ لا يدخلُها الدَّجالُ (13) . =(3/495)=@ %(1/200)%
__________
(1) في (ب): ((تدخلها)).
(2) في الباب السابق.
(3) في (ب) و(ز) و(م): ((في)).
(4) في (م): ((عمراس)) وانظر التعليق التالي.
(5) أما ((عمواس)) فهي بفتح العين والميم، وقيل: بكسر العين وسكون الميم. وهي قرية من قرى الشام، بين الرملة وبيت المقدس. ونُسب إليها الطاعون لأنه بدأ منها؛ وكان في سنة 81هـ، في زمن عمر رضي الله عنه، ومات فيه خلق كثير لا يحصى من الصحابة رضي الله عنهم، ومات فيه نحو خمسة وعشرين ألفًا. وقيل سُمِّي بذلك لأنه ((عَمَّ)) الناس و((تواسوا)) فيه.
وأما ((الجارف)) فسمِّي بذلك لكثرة من مات فيه، والجارف: الموت الذريع، سمي بذلك لاحترافه الناس؛ كالسيل، والجَرْف الغرف من فوق الأرض وكشح ما عليها. وكان بالبصرة. أما زمنه فذكر النووي أن فيه اختلافًا وتباينًا شديدًا، فقيل: سنة67، وقيل: سنة87، وقيل: سنة119، وقيل سنة: 132. ثم ذكر هذا الاختلاف ثم قال: فهذه أقوال متعارضة فيجوز الجمع بينهما بأن كل طاعون من هذه يسمى جارفًا؛ لأن معنى بحرف موجود في جميعها، ثم نقل عن ابن قتيبة تسمية ما وقع من الطواعين في الإسلام وأولها طاعون عمواس، وثانيها بحارف.
وقد استشكل عدم دخول الطاعون المدينة مع كون الطاعون شهادة وكيف قرن بالدجال ومدحت المدينة بعدم دخولهما والجواب أن كون الطاعون شهادة ليس المراد بوصفه بذلك ذاته وإنما المراد أن ذلك يترتب عليه وينشأ عنه لكونه سببه فإذا استحضر ما تقدم من أنه طعن الجن حسن مدح المدينة بعدم دخوله إياها... وقد أجاب القرطبي في "المفهم" عن ذلك فقال: كطاعون عمواس والجارف وهذا الذي قاله يقتضي تسليم أنه دخلها في الجملة وليس كذلك فقد جزم بن قتيبة في المعارف وتبعه جمع جم من آخرهم الشيخ محيي الدين النووي في "الأذكار" بان الطاعون لم يدخل المدينة أصلا ولا مكة أيضا لكن نقل جماعة أنه دخل مكة في الطاعون العام الذي كان في سنة تسع وأربعين وسبعمائة بخلاف المدينة فلم يذكر أحد قط أنه وقع بها الطاعون أصلا.
ولعل القرطبي بني على أن الطاعون أعم من الوباء أو أنه هو وأنه الذي ينشا عن فساد الهواء فيقع به الموت الكثير وقد مضى في الجنائز من "صحيح البخاري" قول أبي الأسود قدمت المدينة وهم يموتون بها موتا ذريعا. فهذا وقع بالمدينة، وهو وباء بلا شك، ولكن الشأن في تسميته ((طاعونا)). والحق أن المراد بالطاعون في هذا الحديث المنفي دخوله المدينة الذي ينشأ عن طعن الجن فيهيج بذلك الطعن الدم في البدن فيقتل فهذا لم يدخل المدينة قط فلم يتضح جواب القرطبي.اهـ.
انظر: "معجم البلدان" (4/157- 158)، "معجم ما استعجم" (3/971)، "مشارق الأنوار" (1/144)، "النهاية" (1/262)، "شرح النووي" (1/105- 107)، و"فتح الباري" (10/190 - 191).
(6) تقدم في باب الترغيب في سكنى المدينة .
(7) في المقدمة، باب التحذير من الكذابين.
(8) في (ب): ((فتخرج)).
(9) سيأتي في باب في هوان الدجال على الله تعالى ، من كتاب الفتن .
(10) في (ح): ((بالدخول)).
(11) في (ز): ((فتضرب)).
(12) يأتي في كتاب الفتن ، باب أشراط الساعة ، باب في صفة الدجال .
(13) سيأتي في الباب والكتاب السابقين أيضًا.(1/200)
وقوله: ((يأتي على النَّاس زمانٌ يدعو الرجلُ ابنَ عمِّه، وقريبَه: هَلُمَّ إلى الرخاءِ)) هذا منه - صلى الله عليه وسلم - إخبارٌ عن أمرِ غيبٍ وقع (1) على نحوِ ما ذَكَرَ؛ فكان (2) ذلك من أدلَّةِ نبوَّتِه - صلى الله عليه وسلم - . وعَنَى بذلك أن الأمصارَ تُفتحُ على المسلمين، فتكثرُ الخيراتُ، وتترادفُ عليهم الفتوحاتُ، كما قد اتفق عندَ فتحِ (3) الشامِ، والعراقِ، والدِّيارِ المصريةِ، وغيرِ ذلك؛ فرَكَنَ كثيرٌ ممن خرج من الحجازِ وبلاد (4) العربِ إلى ما وَجدوا (5) من الخِصْبِ، والدَّعَةِ بتلك البلادِ المفتوحةِ، فاتخذوها دارًا، ودَعَوْا إليهم (6) مَنْ كان بالمدينةِ؛ لشدَّةِ العيشِ بها وضيقِ الحال؛ فلذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : ((والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون (7) ))؛ وهي خيرٌ (8) من حيثُ تعذُّرُ الترفُّهِ فيها، وعدمُ الإقبالِ على الدنيا بها (9) ، وملازمةُ ذلك المحلِّ الشريفِ، ومجاورةُ النبيِّ الكريم (10) - صلى الله عليه وسلم - ، ففي (11) حياتهِ - صلى الله عليه وسلم - : &(3/391)&$ صحبتُه، ورؤيةُ وجهِه الكريمِ، وبعدَ وفاتِه: مجاورةُ جَدَثِه الشريفِ، ومشاهدةُ آثارِه المعظَّمِة. فطوبى لمن ظفر بشيءٍ من ذلكْ، وأحسنَ الله عزاءَ مَنْ لم ينلْ شيئًا مِمَّا (12) هنالكْ. %(1/201)%
__________
(1) في (أ) و(ب): ((ووقع)).
(2) في (ح) و(ي): ((وكان)).
(3) في (ز): ((فتوح)).
(4) في (ح): ((أو بلاد)).
(5) في (ز): ((وجد)).
(6) في (ز): ((إليها)).
(7) قوله : ((لو كانوا يعلمون)) ليس في (أ) و(ب)، (ز)، و(م).
(8) قوله: ((وهي خير)) سقط من (م).
(9) قوله : ((بها)) سقط من (ح) و(ي).
(10) قوله: ((الكريم)) ليس في (ز).
(11) في (ب): ((في)).
(12) في (ح) و(ي): ((من)).(1/201)
وقوله: ((لا يخرجُ أحدٌ رغبةً عنها، إلا أخلف الله فيها (1) خيرًا منه))؛ يعني: أن =(3/496)=@ الذي يخرج ُمن (2) المدينةِ راغبًا عنها؛ أي: زاهدًا فيها؛ إنما هو: إما جاهلٌ (3) بفضلِها وفضلِ المُقامِ فيها، وإما (4) كافرٌ بذلك،، وكلُّ واحدٍ من هذين: إذا خرج منها فمن بَقي من المسلمين خيرٌ منه وأفضلُ على كلِّ حالٍ، وقد قضى الله تعالى بأن مكةَ والمدينةَ، لا تَخْلُوانِ (5) من أهلِ العلمِ والفضلِ (6) والدِّين، إلى أن يرثَ الله الأرضَ ومَنْ عليها؛ فَهُم الخلفُ ممن خرج رغبةً عنها (7) .
وقوله: ((إن المدينةَ كالكِير تُخْرِج (8) الخبَثَ)) هذا تشبيهٌ واقعٌ؛ لأن الكيرَ لشدَّةِ نفْخِه ينفي (9) عن النارِ السُّخام (10) والدُّخَانَ والرَّمادَ، حتى لا يبقى إلا خالصُ الجَمْرِ والنارِ؛ هذا إن أراد بالكيرِ المنْفَخَ (11) الذي تُنفخ (12) به النارُ. وإِن أراد به (13) الموضعَ المشتملَ على النارِ، وهو المعروفُ عند أهلِ اللغةِ (14) ، فيكون معناه: أن ذلك الموضعَ (15) لشدَّةِ حرارتِه ينزعُ خَبَثَ الحديدِ والذهبِ والفضةِ، ويخرجُ خلاصةَ ذلك. والمدينةُ كذلك؛ بما (16) فيها من شدة العيشِ وضيقِ الحالِ، تخلِّصُ النفسَ من شهواتِها وشَرَهها، ومَيلها إلى اللذاتِ والمستحسناتِ، فتتزكَّى (17) ُالنفس عن أدرانِها (18) ، وتبقى &(3/392)&$ خلاصتُها، فيظهرُ (19) سرُّ جوهرِها، وتعمُّ بركاتُها، ولذلك قال في الروايةِ الأخرى: ((تَنْفِي خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ طِيبُهَا)) (20) .
وقوله: ((أُمرت (21) بقريةٍ تأكل القُرى))؛ أي: بالهجرةِ إليها إن كان قاله بمكةَ، أو بسُكناها (22) إن كان قاله بالمدينةِ. وأكلُها للقُرى (23) : هو أن منها افتُتحتْ جميعُ القُرى، =(3/497)=@ وإليها جُبِي فَيْ البلادِ (24) وخَراجُها في تلك الْمُدَدِ (25) . وهو أيضًا من علاماتِ نبوَّتِه - صلى الله عليه وسلم - . %(1/202)%
__________
(1) في (ي): ((له فيها)).
(2) في (ز): ((عن)).
(3) قوله: ((غنما هو إما جاهل)) في (ح): ((إما هو جاهل))، وفي (ي): ((إما جاهل)).
(4) في (ب) و(ز) و(م): ((أو)).
(5) في (أ) و(ي): ((يخلوان)) وهي غير منقوطة في (ح) و(ز).
(6) في (ب): ((وللفضل)).
(7) تقدمت فائدة في المراد عن يخرج من المدينة، عن الباجي والقاضي عياض، في باب تحريم المدينة.
(8) في (م): ((يخرج)).
(9) في (ح): ((تنفي)).
(10) السُّخام – كغراب -: سواد القدر ونحوه. "المصباح" (ص141).
(11) في (ز) و(م): ((النفخ))، وهي غير واضحة في (ح). والمنفخ والمنفاخ: آلة النفخ. "المصباح" (ص317).
(12) كذا في (ز)، وهي في (ح) غير منقوطة التاء، وفي سائر النسخ: ((ينفخ)).
(13) سقط من (ب) و(م).
(14) قوله: ((وهو المعروف عند أهل اللغة))، وكذلك قال الحافظ في "الفتح" (4/88)؛ قال: الكير... وفيه لغة أخرى ((كُور)) بضم الكاف. والمشهور بين الناس أن ((الكير)) هو الذِّق (المنفاخ) الذي ينفخ فيه، لكن أكثر أهل اللغة على أن المراد بالكير: حانوت الحداد، والصائغ، قال ابن التين: وقيل: الكير هو الزق، والحانوت هو الكور)).اهـ. وما حكاه الحافظ عن ابن التين هو قول أكثر أهل اللغة؛ وهو أن: الكير: المنفاخ، والكور: الموضع المنبي بالطين تكون فيه النار؛ قال ابن قتيبة: والكور: كور الحداد المبني من طين. والكير: زق الحداد.اهـ. وقال نحوه ابن السكيت والأزهري والجوهري وابن فارس وابن سيد وهشام الوقشي والفروز آبادي والفيومي وابن منظور والزبيدي. وذكر المعنين في ((الكير)) ابن الأثير، وذكر المعنين أيضًا في ((الكور)) ابن منظور. وانظر: "إصلاح المنطق" (ص32- 33)، و"أدب الكاتب" (ص313)، "تهذيب اللغة" (10/345)، و"الصحاح" (2/811)، و"مقاييس اللغة" (5/149)، و"المجمل" (ص774)، و"التعليق على الموطأ" لهشام الوقشي (2/290) و"المحكم" (7/81، 101)، و"النهاية" (4/217)، و"المصباح المنير" (ص280، 281)، و"القاموس" (2/219- 130)، و"اللسان" (5/155، 157)، و"تاج العروس" (7/460- 461، 465).
(15) من قوله : ((المشتمل على النار ....)) إلى هنا، سقط من (ح).
(16) في (ب) و(م): ((لما)).
(17) في (ح) و(م) و(ي): ((فتزكى)).
(18) في (ي): ((ادراكها)).
(19) في (ب): ((فيطهر)). [شطبت من الحاشية ولم تشطب من المتن]
(20) ذكر ابن عبد البر والقاضي عياض، أن ذلك خاص بزمنه - صلى الله عليه وسلم - ، فلم يكن يصبر على المدينة ولأوائها معه - صلى الله عليه وسلم - إلا المؤمنون، فلما مات خرج عنها كثير من جلة أصحابه. وتعقب النووي القاضي عياض في ذلك بأن نفي المدينة لشرارها إنما في زمن الدجال كما ذكر في الحديث عند مسلم، ثم قال النووي: فيحتمل أنه مختص بزمن الدجال، ويحتمل أنه في أزمان متفرقة.اهـ. ونقل كلامهم جميعًا الحافظ في "الفتح"، وذكر نحو ما ذكره النووي من الاحتمالين. وانظر: "التمهيد" (12/230- 231) (22/280)، (23/171)، و"الإكمال" (4/500)، و"شرح النووي" (9/154)، و"فتح الباري" (4/88) (13/306).
(21) في (ح): ((أخذت)).
(22) في (ح) و(ز): ((سكناها)).
(23) في (ب) و(ز) و(م): ((القرى)).
(24) في (ي): ((فهي)).
(25) هذان قولان، ذكرهما القاضي عياض، والنووي؛ أحدهما: أنها منها تفتح البلاد؛ إذ هي مركز الجيوش الإسلامية. والثاني: أن أكلها وميرتها تكون من تلك القرى التي تفتتح، وإليها تساق غنائمها وخراجها.
والأول ذكر أبو عمر بن عبد البر في "التمهيد" (23/170- 171) أنه روي عن مالك. وانظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/434)، "الإكمال" (4/500)، "شرح النووي" (9/154)، "فتح الباري" (4/87- 88).(1/202)
وقوله: ((يقولون: يثربُ، وهي المدينة))؛ أي: يُسميِّها (1) الناسُ: ((يثربَ))، والذي ينبغي أن تُسمَّى به: ((المدينةُ)). فكأن (2) النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كره ذلك الاسمَ؛ على عادتِه في كراهِة (3) الأسماء ِغيرِ المستحسنةِ، وتبديلِها بالمستحسنِ منها؛ وذلك أن ((يثرب)) لفظٌ مأخوذٌ من ((الثَّرْبِ)؛ وهو الفسادُ، و((التثريبِ)) (4) وهو المؤاخذةُ بالذنبِ، وكلُّ ذلك من قَبيلِ ما يُكرَهُ. وقد فهم العلماء من هذا: مَنْعَ أن يقال: يثربُ؛ حتى قال عيسى بنُ دينارٍ: مَن سمَّاها ((يثربَ)) كُتِبت عليه خطيئةٌ، فأما قوله تعالى: {يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا} (5) ، فهو حكايةٌ عن قولِ المنافقين (6) . وقيل: سُميت: ((يثرب)) بأرضِ هناك (7) ، المدينةُ ناحيةً منها. وقد سماها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ((طَيْبةً))، و((طابة)) (8) ، من الطيِّب (9) ؛ وذلك أنها طَيبةُ التربةِ والرائحةِ. وهي تربةُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وتُطيِّبُ مَنْ سكَنها، ويسَتطيبها المؤمنون.
وقوله: ((تنفي خبثها، وينصعُ (10) طِيبُها)): ينصَع (11) : يَصْفو، ويخلُص. يقال: طِيبٌ ناصع: إذا خَلُصَتْ رائحتُه، وصفَت مما ينقصها. وروينا: ((طيِّبها)) هنا (12) بفتحِ الطاءِ، وتشديد الياءِ، وكسرها،، وقد رويناه في "الموطأ" هكذا، وبكسرِ الطاءِ ... =(3/498)=@ وتسكين الياءِ (13) ، وهو أليقُ بقولِه: و((ينصع))؛ لأنه يقال: نَصَعَ الطِّيبُ: إذا قَوِيَتْ رائحتُه. &(3/393)&$ %(1/203)%
__________
(1) في (ح): ((سمتها)) وفي (أ): ((تسميها)).
(2) في (ب) و(م): ((وكأن)).
(3) في (ز): ((كراهته)).
(4) قوله: ((أو التثريب)) في (م): ((والتثريب)).
(5) سورة الأحزاب؛ الآية: 13.
(6) قول عيسى بن دينار في "المنتقى" (7/191)، وانظر: "الإكمال" (4/501).
(7) في (ح): ((هنالك)).
(8) في (م): ((وطابت)).
(9) وطابة وطَيْبة، لغتان بمعنًى واحد؛ قيل: من الطِّيب، كما ذكر الشارح وقيل: من ((الطَّيِّب)) بفتح الطاء وتشديد الياء مكسورة؛ وهو الشيء المستحسن الموافق. وقد نقل هذه الفقرة – بتصرف – النووي في "شرح مسلم" (9/154)، والحافظ في "الفتح" (4/87) ونقل الشارح بن الباجي في "المنتقى" (7/191)، والقاضي في "الإكمال" (4/501).
(10) قوله: ((ينصع)) في (م): ((ينضع)).
(11) قوله: ((ينصع)) في (م): ((ينضع)).
(12) في (ح): ((ههنا)).
(13) من قوله: ((وقد رويناه في "الموطأ"...)) إلى هنا، سقط من (ي).(1/203)
ومن بابِ إثمِ مَنْ أراد أهلَ المدينةِ بسوءٍ
قد تقدم القولُ على قوله: ((مَنْ أَرَادَ أَهْلَ المدِينَة بِسُوءٍ)) في الباب الذي قبل هذا. وفي بعضِ ألفاظِه: ((من أراد أهلَ المدينة بدَهْمٍ أو بسوء)) (1) على الشكِّ. =(3/499)=@ ((بدهم)) بفتحِ الدالِ: الداهيةُ والجيشُ العظيمُ (2) ، أو الفسادُ العظيمُ. والذَّهمُ، والذَّهماءُ (3) : من أسماء الداهيةِ.
وقوله: ((تُفتح (4) اليمن، فيأتي قوم يَبِسُّون فيتحملون (5) ))رويناه بفتح الياء، وبضمِّ الباء (6) وكسرِها (7) ؛ ثلاثيًّا،، ورويناه أيضًا بضمِّ الياءِ وكسرِ الباءِ (8) ؛ رباعيًّا. قال الحربيُّ (9) : بَسَسْتُ (10) الغنمَ والنُّوقَ: إذا دعوتُها. فمعناه: يَدْعون %(1/204)%
__________
(1) مسلم (2/1008 رقم1387/494) في الحج ، باب من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله .
(2) بعده في (ي) بياض بمقدار كلمة.
(3) في (أ): ((الدهيماء))، وفي (ي): ((الدهمان)).
قوله: ((والدهم والدهماء))، في (أ): ((والدهم والدهيماء))، وفي (ي): ((والدهم والدهمان))، والأصوب ما في "الإكمال" (4/504)، و"المشارق" (1/262): ((والدهيم – والدهيماء – مصغران – من أسماء الدواهي)). قال في "مقاييس اللغة" (2/307): ((والدهيماء)): تصغير ((الدهماء)) وهي الداهية.اهـ.
وقال أبو عبيد في "غريب الحديث" (5/143- 144) في تفسير ((الدهيماء)): وبعض الناس يذهب بها إلى ((الدهيم)) فإن كان من الدهيم؛ فإن ((الدهيم)) الداهية، ويقال: إن سببها أن ناقة كان يقال لها: ((الدهيم))، فغزا قومُهُ قومًا، فقتل منهم سبعة إخوة، فحُملوا على ((الدهيم)) فصارت مثلاً في كل داهية وبلية. وانظر: "النهاية" (2/145)، و"اللسان" (12/211- 212).
(4) في (م): ((يفتح)).
(5) سقط من (أ)، وفي (ح): ((فتحملون))، وهي ساقطة من (أ).
(6) في (ز): ((الياء)).
(7) في (ح): ((وبكسرها)).
(8) في (ز): ((الياء)).
(9) في (ب) و(م): ((القاضي))، وفي (ز): ((الجويني)). وفي "الإكمال" (4/505): ((قال القاضي: قال الحربي)).
(10) في (أ) و(ب) و(م): ((بسبست)).(1/204)
الناسَ إلى بلادِ الخِصْبِ (1) .
وقال ابنُ وهبٍ: يُزيِّنون لهم البلادَ ويحببِّونها (2) ، مأخوذٌ من إبساسِ الحَلُوبةِ كي يدر (3) لبنُها. وقال أبو عبيد: معناه: يَسُوقون، والبسُّ: سُوْقُ الإبلِ (4) .
قلت (5) : والأولُ أليقُ بمساقِ الحديثِ ومعناه.
وهذا الحديثُ من دلائلِ نبوتِه وصدقِه - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه أخبر بوقوعِ أمورٍ قبلَ وقوعِها، ثم وقعتْ بعدَ ذلك على نحوِ خبرِه؛ فكان ذلك دليلاً على صدقِه - صلى الله عليه وسلم - . =(3/500)=@
وقوله: ((تَتْرُكُونَ (6) الَمدِينَةَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ)): ((تتركون)): بتاء الخطابِ (7) . ومرادُه: غيرُ المخاطبين، لكن نوعهم (8) من أهلِ المدينةِ، أو نسلُهم (9) . و((على خيرِ ما كانت))؛ أي: على أحسنِ حالٍ كانت عليه فيما قبلُ.
وقد وُجد هذا الذي قاله &(3/394)&$ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ؛ وذلك: أنها صارت بعدَه - صلى الله عليه وسلم - مَعْدِنَ الخلافةِ وموضِعَها، ومَقْصِدَ الناسِ ومَلجأَهم ومَعقِلَهم، حتى تنافسَ الناسُ فيها، %(1/205)%
__________
(1) قال في "المنتقى" (7/199) في تفسير ((يبسون)): وروى ابن القاسم عن مالك: ((يبسون)) يدعون.
(2) ذكره الباجي أيضًا في "المنتقى" (7/191).
(3) في (ب) و(م): ((تدر)) وفي (أ) رسمها بالنقطين، وكتب فوقها ((معها)). وكلاهما صواب؛ يقال: درَّ اللبن، وردت الناقة لبنها. القاموس (2/28).
(4) "غريب الحديث" لأبي عبيد (2/467- 468). وانظر "المشارق" (1/100)، و"الإكمال" (4/505).
(5) لم تتضح في (ح)، وفي (ز): ((قال الشيخ))، وفي (ب) و(م): ((قال الشيخ رحمه الله)).
(6) في (ز): ((يتركون)).
(7) في (أ): ((المخاطب)).
(8) في (ز): ((فرعهم)).
(9) نقل هذه العبارة الحافظ في "الفتح" (4/90). وقال: وروي: ((يتركون)) بتحتانية، ورجحه القرطبي.اهـ.(1/205)
وتوسَّعوا في خُطَطِها، وغَرسوا وسَكنوا منها ما لم يُسكن من (1) قبلُ، وبنَوْا فيها وشيَّدوا حتى بلغت المساكن إهاب (2) ، كما سيأتي في حديثٍ أبي هريرةَ الآتي إن شاء الله تعالى، وجُلبت إليها خيراتُ الأرضِ كلُّها، فلما انتهتْ حالُها كمالاً وحسنًا، انتقلتِ (3) الخلافةُ عنها إلى الشامِ، فغلبت (4) عليها الأعرابُ، وَتَعاورتْها (5) الفتنُ، فخاف أهلهُا، فارتحلوا (6) عنها. وذكر الأخباريون: أنها خَلَت من أهلِها، وبقيتْ ثمارُها للعوافي: الطيرِ، والسَّباع (7) ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - ، ثم تراجع الناسُ إليها، وفي حالِ خلائِها غَذَتِ (8) الكلابُ على سواري المسجدِ. ((وعَوَافي الطير)): هي الطالبةُ لما تأكلُ. يقال: عَفَوْتُه، أعفوه: إذا طلبتُ معروفَه. وغَذَّى الكلبُ يُغَذِّي (9) : إذا بال دُفْعةً بعدَ دُفْعةٍ (10) .
وقوله: ((ثم يخرجُ راعيان من مزينةَ يَنْعِقان بغنمهما))؛ أي: يصيحان بها، ليسوقاها، والنُّعاقُ: صوتُ السائقِ للغنمِ؛ ومنه قولُه تعالى: {كمثل الذي يَنْعِقُ بما لا يسمع} (11) .
وقوله: ((فيَجدانها وحشًا))؛ أي: خلاءً؛ يقال: أرضٌ وَحْشٌ؛ أي خاليةٌ. ومشى وَحْشًا؛ أي: وحدَه؛ قاله الحربيُّ (12) . ويحتمل أن يكون معناه: كثيرةَ &(3/395)&$ الوحوشِ (13) ؛ كما قال في البخاريِّ (14) : ((فَيَجِدَانِهَا وُحُوشًا)) (15) ؛ أي: يجدانِ المدينةَ كثيرةَ الوحوشِ لمَّا =(3/501)=@ خلتْ من سُكَّانِها، كما قال: ((للعوافي)). والوَحْشُ: %(1/206)%
__________
(1) ((من)) من (ز) فقط.
(2) في (م): ((أنقاب)). وهذا إشارة إلى حديث أخرجه مسلم في كتاب الفتن، باب في سكنى المدينة وعمارتها قبل الساعة، رقم (2903) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((تبلغ المساكن إهابَ أو يهاب)). قال القاضي في "المشارق" (1/58): ((إهاب)) بكسر الهمزة وآخره باء موحدة، موضع بقرب المدينة،... و((يهاب)) بكسر الياء باثنتين عند كافة شيوخنا، وعند التميمي كذلك وبالنون؛ أي: ((نهاب). وانظر: ((شرح النووي)) (18/30).
(3) في (ي): ((انقلبت)).
(4) في (ي): ((فغلب)).
(5) في (ح): ((وتعاوزتها)).
(6) في (ب) و(م): ((وارتحلوا)).
(7) تابع الشارح هنا القاضي عياضًا في "الإكمال" (4/507) وتعقبهما النووي في "شرح مسلم" (9/160): المختار أن هذا الترك للمدينة يكون في آخر الزمان عند قيام الساعة، وتوضحه قصة الراعيين.اهـ. وتابعه الحافظ في "الفتح" (4/900) واستدل له، وقال: وهذا لم يقع قطعًا.
(8) في (ح): ((غدت))، وفي (ز): ((عدت)).
(9) في (ح): ((وغدى الكلب يغدي)).
(10) وقال أبو عبيد في "غريب الحديث" (5/250): ((غَذَّى البعير ببوله، يغذِي: إذا رمى به متقطعًا)). وقال الأزهري في "تهذيب اللغة" (8/174): ((وغذَّى الكلب أرضًا ببوله تغذيةً)).
وفي "القاموس" (4/369) وإذا البعير بوله وغذابه: قطعه، كغذَّاه.
(11) سورة البقرة؛ الآية: 171.
وقوله: ((بما لا يسمع)) ليس في (ب) و(ز) و(م).
(12) نقله عنه في "الإكمال" (4/508).
(13) في (ب) و(ح) و(ز) و(ي): ((الوحش)).
(14) تقدم تخريجه .
(15) جاء هنا في رواية أبي ذر الهروي والأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت ، لصحيح البخاري ، ورواه الباقون : ((وحشًا))، كما عند مسلم . انظر "صحيح البخاري" - النسخة اليونينية -(3/27)، و"شرح القسطلاني" (3/334).(1/206)
كلُّ ما توحَّش من الحيوانِ، وجمعُه: وُحُوشٌ (1) .
والضميرُ في ((يجدانِها)) على هذا: راجعٌ للمدينةِ (2) . وقيل: إنه عائدٌ على الغنمِ؛ أي: صارت هي (3) وُحوشًا؛ إما بأن تنقلبَ كذلك، والقدرةُ صالحةٌ،، وإما بأن تتوحَّشَ، فتنفرَ من أصواتِ الرُّعاةِ (4) .
و((خرَّا على وجوهِهما))؛ أي: سَقطا ميتين. وهذا الذي ذكره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من حديثِ الرَّاعيَيْنِ (5) إنما يكونُ في آخرِ الأمرِ، وعند (6) انقراضِ الدنيا؛ بدليلِ ما قال في (7) البخاريِّ في هذا الحديثِ: ((آخِرُ مَنْ يُحْشَرُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيُنةَ))، قيل: معناه: آخرُ مَن يموتُ بها (8) فيُحشرُ؛ لأن الحشرَ بعدَ الموت. ويحتملُ: أن يتأخَّرَ حشرُهما لتأخيرِ (9) موتِهما.
قلتُ (10) : ويحتملُ أن يكونَ معناه: آخرُ من يحشرُ إلى المدينةِ؛ أي: يُساقُ إليها (11) ؛ كما في لفظِ كتابِ مسلمٍ. والله أعلم (12) . &(3/396)&$
ومن بابِ فضلِ المِنبَرِ والقبرِ والمسجدِ
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((ما بين بيتي ومِنبَري روضةٌ من رياضِ الجنةِ)): الصحيحُ من =(3/502)=@ الرواية: ((بَيْتي))، ورُوي في غيرِ "الأم" (13) : ((قبري)) مكان ((بَيْتي))، وجعل بعض الناس هذا تفسيرًا لقوله: ((بيتي)). والظاهر (14) بيت سكناه. أو التأويلُ الآخرُ جائزٌ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - دفُن في بيتِ سُكناه (15) .%(1/207)%
__________
(1) هذا من كلام القاضي عياض في "الإكمال" (4/508) ونقله النووي أيضًا بعد كلام الحربي، وصوَّب أن معناه: يجدانها ذات وحوش. وقال تبعًا للقاضي – عن الوحش -: ((وقد يعبر بواحدة عن جمعه)) يريد أن ((الوحش)) المفرد تعني ((الوحوش)) الجمع.
وفي "المصباح" (ص335).
أن ((الوحش)) و((الوحشي)) بمعنًى، ثم حكى عن الفارابي أن ((الوحش)) جمع ((الوَحْشيِّ)) فعلى هذا، يكون ما جاء في الحديث محمولاً على الجمع الأصلي، لا على المفرد المستعمل للدلالة على جنسه.
(2) في (ب) و(ح): ((إلى المدينة)).
(3) سقط من (ب) و(م).
(4) حكاه القاضي في "الإكمال" (/508) عن ابن المرابط، وأنكره، واختار الأول؛ أن الضمير عائد إلى المدينة؛ قال النووي في "شرح مسلم" (9/161): وهنا هو الصواب، وقول ابن المرابط غلط. والله أعلم.اهـ.
ونقل الحافظ في "الفتح" (؟؟؟/؟؟؟) كلام القاضي والنووي، وقول الشارح هنا: ((والقدرة صالحة لذلك)) فاهمًا منه أن الشارح يؤيد عود الضمير على ((الغنم)) قال الحافظ: ويؤيده أن في بقية الحديث: ((أنهما يخران على وجوههما إذا وصلا إلى ثانية الوداع)). وذلك قبل دخولهما المدينة بلا شك؛ فيدل على أنهما وجدا التوحش المذكور قبل دخول المدينة فيقوي أن الضمير يعود على غنمهما.
(5) في (ز): ((الراغبين)).
(6) في (ز): ((عند)) دون واو.
(7) سقط من (أ) و(ح) و(ز) و(ي).
(8) قوله : ((بها)) سقط من (ب).
(9) في (ز): ((لنا خير)).
(10) في (ب) و(م): ((قال الشيخ رحمه الله)) وفي (ز): ((قال الشيخ رضي اله عنه)).
(11) في (أ): ((إليهما)).
(12) قوله: ((والله أعلم)) زيادة من (ز). وقول الشارح نقله الأبي في ((شرحه)) (3/475).
(13) جاءت في بعض طرق الحديث غير المشهورة، وأكثر الروايات وما في "الصحيحين" وغيرهما بلفظ : ((بيتي))، وإنما رواه بعضهم بالمعنى فعَبَّر عن البيت بالقبر، وإلا فلم يكن هناك قبر حين حدث به - صلى الله عليه وسلم - ، ثمّ لو كان قال - صلى الله عليه وسلم - لكان معلومًا عند الصحابة فلم يختلفوا حين دّفْنهِ حتى تبينوا أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون .
ولمزيد من البحث ، انظر "قاعدة في التوسل والوسيلة" للإمام ابن تيمية (ص47)، ولمعرفة شذوذ هذه اللفظة انظر رسالة الماجستير المقدمة من الشيخ صالح الرفاعي "فضائل المدينة": الأحاديث الواردة في الروضة (ص456-484) ففيه بحث مستقصى . ***حذف هذا الهامش وكتب بجانبه ينظر ويوسع***.
(14) قوله : ((والظاهر)) جاء مكانه في (ح): ((وجعل بعض)).
(15) من قوله : ((والتأويل الآخر ....)) إلى هنا، سقط من (ب) و(م).
وما ذكره الشارح هنا حكاه القاضي في "الإكمال" (4/509) عن الطبري، ونقله عنه النووي في "شرح مسلم" (9/161). قال الحافظ في "الفتح" (4/100): قوله: ((ما بين بيتي ومنبري)) كذا للأكثر، ووقع في رواية ابن عساكر وحده ((قبري)) بدل ((بيتي))، وهو خطأ؛ فقد تقدم هذا الحديث في كتاب الصلاة قبيل الجنائز بهذا الإسناد بلفظ ((بيتي)) وكذلك هو في "مسند مسدد" شيخ البخاري فيه.اهـ.
وانظر "قاعدة في التوسل والوسيلة" لشيخ الإسلام (ص47).
[يوسع حديثيًّا وينقل من كلام الشيخ].(1/207)
قال القاضي عياضٌ: أجمع المسلمون على أن موضعَ قبر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أفضلُ بقاعِ الأرضِ كلِّها (1) .
وقد حَمل كثيرٌ من العلماءِ هذا الحديثَ على ظاهرِه؛ فقال: يُنقلُ ذلك الموضعُ بعينِه إلى الجنة. وقال بعضُهم: يحتملُ أن يريدَ به: أن العملَ الصالحَ في ذلك الموضعِ يؤدِّي بصاحبِه إلى الجنةِ (2) .
وقوله: ((ومنبري على حوضي)) حمله أكثرُهم على ظاهرِه؛ فقال: يكونُ منبرُه ذلك بعينِه على حوضِه. وقيل: إنَّ له على حوضِه منبرًا آخرَ غيرَ ذلك، أعظمَ وأشرفَ منه. وقيل معناه: أن ملازمَة (3) منبرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، لسماعِ الذكرِ والوعظِ والتعلُّم (4) ، يُفضِي (5) بصاحبِه إلى الورودِ على الحوضِ (6) .
وللباطنيةِ (7) في هذا الحديثِ من الغلوِّ &(3/397)&$ والتحريفِ ما لا ينبغي أن يلتفتَ إليه. والأَوْلى (8) : التمسُّكُ بالظاهرِ؛ فقد جاء في "الصحيحِ": أن هنالك - أعني في أرضِ المحشرِ - أقوامًا على منابرَ، تشريفًا لهم وتعظيمًا؛ كما قال: ((إِنَّ المُقْسِطِين عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ يَوْمَ =(3/503)=@ الْقِيَامَةِ)) (9) ، وإذا كان ذلك في أئمةِ العدلِ فأحرى الأنبياء (10) ، وإذا كان ذلك للأنبياء، فأحرى وأولى بذلك (11) نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - ؛ فيكونُ منبرُه بعينِه، ويزاد فيه ويعظَّم، ويرُفعُ، ويُنوَّرُ (12) ؛ على قدرِ منزلتِه - صلى الله عليه وسلم - ، حتى لا يكونَ لأحدٍ في ذلك اليومِ (13) منبرٌ (14) أرفعُ منه؛ إذ ليس في القيامةِ أفضلُ منه - صلى الله عليه وسلم - ! %(1/208)%
__________
(1) "الإكمال" (4/511).
(2) نقله القاضي في "الإكمال" (4/509) عن المازري في "المعلم" (2/81) وذكره نحوه ابن عبد البر في "التمهيد" (2/287)، والباجي في "المنتقى" (1/341- 342) وحكاه عن الداودي؛ قال: يحتمل أن ينقل ذلك الموضع إلى الجنة فيكون من رياضها، ويحتمل أن يريد بذلك أن ملازمة ذلك الموضع والتقرب إلى الله تعالى فيه يؤدي إلى رياض الجنة؛ كما يقال: ((الجنة تحت ظلال السيوف)). وذلك يحتمل وجهين: أحدهما: أن اتباع ما يتلى فيها من القرآن والسنة، يؤدي إلى رياض الجنة؛ فلا يكون فيها للبقعة فضيلة إلا لمعنى اختصاص هذه المعاني دون غيرها. والثاني: أن يريد أن ملازمته ذلك الموضع بالطاعة والصلاة، يؤدي إلى رياض الجنة لفضيلة الصلاة في ذلك الموضع على سائر المواضع وهذا أبين؛ لأن الكلام إنما خرج على معنى تفضيل ذلك؛ الموضع، ويشبه أن يكون مالك – رحمه الله – تأول فيه هذا الوجه؛ ولذلك أدخله في باب واحد مع فضل الصلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصلاة في سائر المساجد.اهـ.
وقيل: المراد: كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة وحصول السعادة بما يحصل من ملازمة حلق الذِّكر لاسيما في عهده - صلى الله عليه وسلم - ، فيكون تشبيهًا بغير أداة؛ ذكر الحافظ في "الفتح" (4/100)، ثم ذكر احتمال إرادة أن العمل ذلك في الموضع يؤدي إلى الجنة، ثم احتمال أن يكون على ظاهره ثم قال: هذا حاصل ما أوّله العلماء في هذا الحديث، وهي على ترتيبها في القوة.اهـ.
وقال في (11/475) عن الوجه القاتل بأن المراد: أن العمل الصالح في ذلك الموضع يؤدي إلى الجنة-: وهذا فيه نظر؛ إذ لا اختصاص – لذلك بتلك البقعة على غيرها.اهـ.
(3) في (ح): ((ملازمته)).
(4) في (أ): ((التعليم)).
(5) في (ب): ((تفضي)). [هذه الحاشية شطبت في الهامش ولم تشطب من المتن].
(6) ذكر هذه الأقوال القاضي في "الإكمال" (4/509) ونقله عنه النووي في "شرح مسلم" (9/162)، وزاد الحافظ في "الفتح" (4/100) أن المنبر ينقل يوم القيامة فينصب على الحوض. قال: وهو أظهر.اهـ. وقال الباجي في "المنتقى" (1/342) عن القول بأن له منبرًا آخر على الحوض: ((وليس هذا بالبين؛ لأنه ليس في الخبر ما يقتضيه، وهو قطع الكلام عما قبله من غير ضرورة إلى ذلك)).اهـ.
(7) في (ي): ((وللبطانية)).
(8) في (م): ((والأول)).
(9) سيأتي في باب فضل الإمام المقسط ، من كتاب الإمارة والبيعة .
(10) في (ز): ((بالأنبياء)). والمراد أن الأنبياء أولى بذلك من غيرهم، وأحرى الأمرين: أولاهما. وزيدٌ حَرَي أن يفعل كذا، وحَرِيٌّ، وحَرٍ. "المصباح" (ص72- 73).
(11) قوله: ((وأولى بذلك)) في (ز): ((بذلك وأولى)).
(12) قوله: ((وينور)) في (ز): ((وهو)).
(13) سقط من (ي).
(14) في (ب) و(ح) و(ن): ((منبرا)).(1/208)
ومن باب فضل مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسجد الحرام (1)
وقوله: ((صلاةٌ في مسجدي هذا خيرٌ من ألفِ صلاةٍ في غيرِه من المساجدِ إلا المسجدَ الحرامَ))؛ اختلف في استثناءِ المسجدِ الحرام، هل ذلك لأن المسجدَ =(3/504)=@ الحرامَ أفضلُ من مسجدِه - صلى الله عليه وسلم - ، أو هو لأن المسجدَ الحرامَ &(3/398)&$ أفضلُ من سائرِ المساجدِ غيرَ مسجدِه - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه أفضلُ المساجدِ كلِّها؟ وانجرَّ مع هذا الخلافِ الخلافُ (2) في أيُّ البلدين أفضلُ: مكةُ، أو المدينةُ؟
فذهب عمرُ (3) وبعضُ الصحابةِ (4) - رضي الله عنه - ومالكٌ وأكثرُ المدنيِّين: إلى تفضيلِ المدينةِ، وحملوا الاستثناءَ على تفضيلِ الصلاةِ في مسجدِ المدينةِ بألفِ صلاةٍ على سائرِ المساجدِ إلا المسجدَ الحرامَ، فبأقلَّ من الألفِ؛ واحتجُّوا بما قال عمرُ %(1/209)%
__________
(1) كتب بجانبها في هامش الصفحة تراجع النسخ.
(2) في (ز): ((اختلاف)).
(3) ذكر ابن عبدالبر في "التمهيد" (6/18) هذا القول وردَّه بالروايات الصريحة الصحيحة عن عمر بتفضيل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بمائة صلاة . وقال ابن عبدالبر : ((وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب ما يقطع الخلاف ويحسم التنازع))، ثم روى بإسناده حديث ابن الزبير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه ، إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي)). اهـ.
وحديث ابن الزبير حديث صحيح أخرجه أحمد (16117)، وعبد بن حميد (521)، والبزار (425)، وابن حبان (1620) وغيرهم . وقال ابن عبد البر: اختلف على ابن الزبير في وقفه ورفعه، ونم رفعه أحفظ وأثبت ومثله لا يقال بالرأي.
(4) في (ز): ((أصحابه)).(1/209)
رضي الله عنه: ((صَلَاةٌ فِي المسجِد الحرامِ خيرٌ من مائةِ صلاةٍ فيما سواه)). ولا يقولُ عمر - رضي الله عنه - هذا من تلقاءِ نفسهِ، ولا من اجتهادهِ؛ إذ لا يُتوصَّلُ إلى ذلك بالاجتهادِ؛ فعلى هذا تكونُ فضيلةُ مسجدِ الرسولِ (1) - صلى الله عليه وسلم - على المسجدِ الحرامِ بتسعمائةٍ، وعلى غيرِه بألفٍ (2) .
وذهب الكوفيُّون، والمكيُّون، وابنُ وهبٍ، وابنُ حبيبٍ من أصحابنا: إلى تفضيلِ مكة (3) . واحتجُّوا بما زاده قاسمُ بنُ أصبغَ وغيرُه (4) في هذا الحديثِ من روايةِ عبدالله بن الزبيرِ – رضي الله عنهما - بعدَ قولهِ: ((إلا المسجدَ الحرامَ))؛ قال: ((وَصَلَاةٌ فِي المَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي هَذَا بِمِائَةِ صَلَاةٍ)) (5) .
قِلتُ (6) : وقد رَوى هذا الحديثَ عبدُ بن حميدٍ، وقال فيه: ((بمائِة ألفِ صلاةٍ)) (7) ؛ وهذه (8) زياداتٌ منكَرةٌ، لم تشتهرْ (9) عند الحفَّاظ، ولا خرَّجها (10) أهلُ الصحيحِ. والمشهورُ المعلومُ: الحديثُ من غيرِ هذه الزياداتِ (11) ؛ فلا يُعوَّلُ عليها، وينبغي أن يجرَّدَ النظرُ إلى الحديثِ المشهورِ وإلى لفظِه (12) . ولا شكَّ أن المسجدَ الحرامَ =(3/505)=@ مستثنًى من قولِه: ((من المساجدِ))؛ وهي بالاتفاقِ مفضولةٌ، والمستثنى من المفضولِ مفضولٌ إذا سُكت عليه (13) ؛ فالمسجدُ الحرامُ مفضولٌ، لكن لا يقالُ: إنه مفضولٌ بألفٍ؛ لأنه قد استثناه منها، فلا بدَّ أن تكونَ (14) له مزيَّةٌ على غيرِه من المساجدِ، لكن ما هي؟ لم يُعيَّنها الشرعُ، فيتوقَّفُ فيها، أو يُعتمدُ على قولِ عمر – رضي الله عنه - آنفًا (15) . ويدلُّ على صحةِ ما قلناه زيادةُ عبدِالله بن قارظٍ (16) بعدَ قولِه: ((إلا المسجدَ الحرامَ)): ((فإنِّي آخِرُ الأَنبِيَاءِ، &(3/399)&$ وَمَسْجِدِي آخِرُ %(1/210)%
__________
(1) في (ي): ((رسول الله)).
(2) تأول هذا التأويل ابن نافع، ذكره عنه ابن عبد البر في "التمهيد" (16/18- 19)، والباجي في "المنتقى" (1/341)، والقول بأنه يفضله بـ((تسعمائة)) ذكره القاضي في "الإكمال" (4/511).
قال ابن عبد البر: وأما تأويل ابن افع فبعيد عند أهل المعرفة باللسان، ويلزمه أن يقول: إن الصلاة في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بتسعمائة ضعف وتسعة وتسعين ضعفًا، وإذا كان هكذا لم يكن للمسجد الحرام فضل على سائر المساجد إلا بالجزء اللطيف، على تأويل ابن نافع. وحسبك ضعفًا بقول يئول إلى هذا. فإن حد حدًّا في ذلك (وهو ما فعله الشارح تبعًا لام في "الإكمال") – لم يكن لقوله دليل ولا حجة، وكل قول لا تعضده حجة ساقط.اهـ.
(3) في (ح) و(ي): ((مسجد مكة)). [شطبت هذه الحاشية من المتن وبقيت في مكانها ولم يعدلها].
(4) سقط من (ز).
(5) وهو الحديث المشار إليه آنفًا .
(6) في (ز): ((قال الشيخ))، وفي (ب): ((قال الشيخ رحمه الله)).
(7) الموجود في النسخ المطبوعة من "مسند عبد بن حميد": ((مائة صلاة)) كباقي الروايات المعروفة ، فلعلّه وقع للمؤلف رحمه الله نسخة فيها زيادة من الناسخ .
(8) في (ز): ((وهذا)).
(9) في (ز): ((يشتهر)).
(10) في (م): ((خرجه)).
(11) في (ب): ((الزيادة)).
(12) بل صحَّحها الحفاظ، وذكر ابن عبد البر في "التمهيد" (6/18) أن القول بأن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من ا لصلاة في مسجد الرسول بمائة ألف صلاة، هو قول عامة أهل الأثر والفقه، ووصف رواة هذه الزيادة بأنهم ((الثقات)). وذكر في (6/33) حديث: ((والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إليّ...)) وقال: هذا قاطع في موضع الخلاف.اهـ. قال الحافظ في "الفتح" (؟؟؟/؟؟؟) وقد رجع عن هذا القول كثير من المصنفين المالكية.
(13) قوله : ((إذا سكت عليه)) سقط من (أ).
(14) في (ز): ((يكون)).
(15) قال الباجي في "المنتقى" (1/341): وأما الذي يقتضيه الاستثناء في هذا الموضع فأن يكون حكم مكة خارجًا عن أحكام سائر المواطن في الفضيلة المتقدمة في الخبر، ولا يعلم حكم مكة من هذا البخر؛ فيصح أن تكون الصلاة في مكة أفضل، ويصح أن تكون الصلاة في المدينة أفضل، ويصح أن يتساويا)).اهـ. ونقل الحافظ في "الفتح" (3/67) عن ابن بطال نحوه: مرجحًا المساواة، ثم قال الحافظ: وكأنه لم يقف على دليل أفضيلة مكة.
(16) قوله: ((بن قارظ)) في (ز): ((بن فارك))، وفي (ي): ((أبي قارظ)).(1/210)
المَسَاجِدِ)) (1) ، فربط الكلامَ بـ ((فاءٍ التعليلِ)) مشعرًا بأن مسجده (2) إنما فَضُلَ على المساجدِ كلِّها؛ لأنه (3) متأخِّرٌ عنها، ومنسوبٌ إلى نبيٍّ (4) متأخِّرِ عن الأنبياءِ كلِّهم (5) في الزمانِ. فتدبرْه فإنه واضحٌ (6) .
وقولُه عن ابن عباسٍ – رضي الله عنهما-: ((أن امرأةً اشتكتْ شَكوى (7) ))؛ جميعُ رواةِ مسلمٍ رَوَوْا (8) هذا الحديثَ من طريقِ الليثِ، عن نافعٍ، عن إبراهيمَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ مَعْبِدٍ، عن ابنِ عباسٍ: أن امرأةً (9) . وقال النسائيُّ: ((روى هذا الحديثَ الليثُ، عن نافعٍ، عن إبراهيمَ، عن ميمونةَ. ولم يذكرِ (10) ابنَ عباسٍ)) (11) . وكذلك (12) البخاري: عن الليث (13) ، ولم يذكرْ فيه ابنَ عباسٍ (14) . وقال بعضُهم: صوابهُ: إبراهيمُ بن عبدِ الله بن مَعْبدِ بن عباسٍ؛ أنَّه قَالَ: ((إنْ امرأةً (15) اشتكت))، و((عَن ابن عباسٍ (16) )) خطأٌ، والصوابُ (17) : ((ابن)) بدلَ (18) ((عن)). والله أعلمُ (19) .
وقولُ ميمونةَ للمرأةِ التي نَذَرَتْ أَنْ تصلِّيَ في بيتِ المقدسِ: ((اجْلِسِي وصلِّى في مسجدِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - )) إنما أمرتها بذلك لأنها لو مَشَتْ إلى مسجدِ بيتِ المقدسِ؛ فصلَّتْ (20) فيه، حصل لها أقلُّ مما يحصلُ لها (21) في مسجدِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وضيَّعتْ على نفسِها ألفَ صلاةٍ في مسجدِ الرسولِ، مع ما يلَحقُها من مشقَّاتِ =(3/506)=@ الأسفارِ وكثرةِ النفقاتِ؛ فرفعتْ عنها الحرجَ، وكثَّرتْ لها في الأجرِ.
وعلى (22) قياس هذا: فعند مالكٍ: إذا نذر المدنيُّ الصلاةَ %(1/211)%
__________
(1) "صحيح مسلم" (2/102 رقم 1394).
(2) قوله: ((ومسجدي آخر المساجد... مسجده)) في (ز): ((ومسجده)).
(3) في (ب) و(م): ((لأنها)).
(4) في (ز): ((شيء)) وقوله : ((متأخر عنها ومنسوب إلى نبي)) سقط من (ب)، و(م).
(5) في (ز): ((كلها)).
(6) قاله القاضي في "الإكمال" (4/512)؛ قال: وقوله عليه السلام في آخر الحديث من رواية ابن قارظ عن أبي هريرة... ظاهر جلي في تفصيل مسجده لهذه العلة.اهـ.
وانظر تفصيل الكلام في المسألة في "التمهيد" (6/17- 34)، و"شرح النووي" (9/163- 166)، و"فتح الباري" (3/67- 68).
(7) قوله: ((اشتكت شكوى)) في (م): ((اشكت شكوى)).
(8) في (أ): ((روى)).
(9) قوله : ((أن امرأة)) سقط من (أ).
(10) في (ب) و(ز) و(م): ((يذكروا)).
(11) "السنن الكبرى" (2/390 رقم3881).
(12) في (ز): ((وكذا)).
(13) قوله : ((عن الليث)) سقط من (ب) و(م).
(14) انظر "التاريخ الكبير" (1/302). وقال البخاري : ولا يصح فيه: ((ابن عباس)).
(15) في (ب): ((مرأة)).
(16) بعده في (ي) بياض بمقدار كلمة ، كتب فيه الناسخ ((صح)).
(17) في (ز): ((وصوابه)).
(18) في (ح) و(ي): ((بديل)).
والأولى أن يقال: والصواب إسقاط ((ابن)) ونحوُه. وعبارة القاضي في "الإكمال" (4/؟؟؟): وقال بعضهم: وصوابه: إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس، أنه قال: إن امرأة اشتكت. و((عن ابن عباس)) خطأ.
(19) جزم البخاري في "التاريخ الكبير" والنسائي بإسقاط ذكر ابن عباس من الإسناد ، وأن إبراهيم بن معبد سمعه من ميمونة مباشرة ، واستبعد ذلك ابن حبان في "الثقات" والمزي في "تحفة الأشراف" (12/485). وقال المزي : ((كلُّ ذلك - أي إسقاط ابن عباس - وهم ممن قاله)).اهـ.
(20) في (م): ((فضلت)).
(21) قوله : ((لها)) سقط من (أ).
(22) في (ي): ((على))؛ بدون الواو.(1/211)
في مسجدِ مكةَ، صلَّى في مسجدِ المدينةِ؛ لأنها (1) أفضلُ عندَه. ولو نذر المكيُّ الصلاةَ في مسجدِ المدينةِ أتاه. ولو نذر كلُّ واحدٍ منهما الصلاةَ في مسجِد (2) بيتِ المقدسِ صلَّى في مسجدِ (3) بلدِه؛ لأنه أفضلُ منه. قال الإمامُ أبو عبدالله: ذهب بعضُ شيوخِنا إلى ما قالتْ ميمونةُ (4) .
وقوله: ((صلاةٌ فيه أفضلُ من ألفِ صلاةٍ فيما سواه (5) ))؛ أي: في مسجدِ (6) المدينةِ.
واختلفوا: هل يرادُ بالصلاةِ هنا: الفرضُ، أو هو عامٌّ في الفرضِ والنفلِ؟ وإلى الأولِ ذهب الطحاويُّ، وإلى الثاني ذهب مُطرِّفٌ من أصحابِنا (7) .
وقوله: ((لا تُشدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ)) قد قلنا: إن شدَّ الرِّحالِ &(3/400)&$ كنايةٌ عن السفرِ البعيدِ. وقد فسَّر هذا المعنى في الروايةِ الأخرى التي قال فيها: ((إِنَّما (8) يُسَافَرُ إلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدٍ)).
ولا شكَّ في أن هذه المساجدَ الثلاثةَ إنما خُصَّت بهذا لفضْلِها على سائرِ المساجدِ؛ فمن قال: ((لله عليَّ صلاةٌ في أحدها))، وهو في =(3/507)=@ غيرِها، فعليه إتيانُها، بَعُدَ أو قَرُب. فإن قال (9) : %(1/212)%
__________
(1) في (ح): ((لأنه)).
(2) سقط من (ي).
(3) سقط من (ي).
(4) "المعلم" (2/83). ومن قوله: ((وعلى قياس هذا...)) إلى آخر الفقرة، هو من كلام المازري أيضًا، غير ترتيبه الشارح. وقال المازري بعده: قال بعض شيوخنا: الأولى أن يأتي المدني مسجد مكة، والمكي مسجد المدينة؛ ليخرجا من الخلاف الذي وقع في فضل إحداهما على الأخرى.
(5) زاد بعدها في (م): ((من المساجد)).
(6) في (أ): ((المسجد)).
(7) قال الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/128): ((...إنما ذلك على الصلوات المكتوبات لا على النوافل)).اهـ.
وقال الباجي في "المنتقى" (1/341): وسئل مطرف عن هذه الفضيلة هل هي في النافلة أيضًا، قال: نعم؛ رواه ابن سحنون في تفسيره. قال: وقال لي عمر: جمعة (بها) خير من جمعة، ورمضان (بها) خير من رمضان.اهـ. وانظر: "الإكمال" (4/512).
(8) قوله: ((التي قال فيها إنما)) في (ز): ((إلى أن قال إنما)).
(9) من قوله : ((لله علي صلاة في أحدها ....)) إلى هنا، سقط من (ح).(1/212)
((ماشيًا))، فلا يلزمُه المشيُ - على المشهورِ - إلا في مسجدِ مكةَ خاصَّة، وأما المسجدان الآخرانِ: فالمشهورُ: أنه لا يلزمُ (1) المشيُ إليهما مَنْ (2) نذرَهُ، ويأتيهما راكبًا. وقال ابنُ وهبٍ: ((يأتيهما ماشيًا، كما سمَّى)). وهو القياسُ؛ لأن المشيَ إلى مكةَ إنما لزم (3) من حيثُ كان قربةً مُوصلةً إلى عبادةٍ تُفعلُ في مسجد له حرمةٌ عظيمةٌ، فكذلك (4) يلزمُ كلُّ مشيٍ قربةٍ بتلك الصفةِ. ولا يلزمُه (5) المشيُ إلى سائرِ المساجدِ؛ لأن البعيدَ منها قد نُهي عن السفرِ إليه، والقريبةُ (6) منها (7) متساويةُ الفضيلةِ؛ فيصلِّي حيثُ شاء منها. وقد قال بعضُ أصحابِنا: إن كانْت قريبةً على أميالٍ يسيرةٍ، فيأتيها. وإن نذر أن يأتيهَا ماشيًا، أتى ماشيًا؛ لأن المشيَ إلى الصلاةِ طاعةٌ تُرفعُ به الدرجاتُ، وتُحطُّ به الخطايا. وقد ذهب القاضي إسماعيلُ إلى أن (8) من قال: ((عليَّ المشيُ إلى المسجدِ الحرامِ أصلي فيه (9) ))، فإنه يأتي راكبًا إن شاء، ويدخلُ مكةَ مُحْرِمًا. وأحلَّ المساجد الثلاثة (10) محلاً واحدًا (11) المساجد. وسيأتي لهذا مزيدُ بيانٍ في النَّذرِ إن شاء الله تعالى.
وقوله - وقد سُئل عن أيِّ المسجدين الذي (12) أُسس على التقوى -: ((هو مسجدُكم هذا)) لمسجدِ (13) المدينةِ - يردُّ قولَ ابنِ عباسٍ؛ إذ قال: إنَّه مسجد قباءٍ (14) ؛ قال: لأنه أولُ مسجدٍ بُني في الإسلامِ. وهذا السؤالُ صَدَرَ مِمَّن ظهرتْ له =(3/508)=@ المساواةُ بين مسجدين مُعينَّينِ، حصلت ْلهما مزيةٌ على غيرِهما من المساجدِ؛ بحيث يَصلُحُ أن يقالَ على كلِّ واحدٍ منهما: أُسِّس على التقوى؛ وذلك أنه رأى مسجدَ قباءٍ أولُ مسجدٍ بناه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه؛ %(1/213)%
__________
(1) في (ز): ((يلزمه)).
(2) في (أ): ((عن)).
(3) في (ح): ((يلزم)).
(4) في (م): ((وكذلك)).
(5) في (ب) و(ز) و(م): ((يلزم)).
(6) في (ي): ((والقريب)).
(7) سقط من (ب) و(م).
(8) سقط من (م).
(9) سقط من (ح).
(10) في (أ) و(ح) و(ز) و(ي): ((الثلاثة المساجد)) وهو جائز.
(11) أي: في سقوط المشي إليها وإن نطق به، إذا قصد الصلاة فيها. كما في "المعلم" (2/82). وهذه الفقرة كلها من كلام المازري.
(12) في (أ): ((الذين)).
(13) في (ز): ((مسجد)).
(14) أخرجه ابن جرير (14/478 رقم17212)، وابن أبي حاتم (6/1881-1882 رقم10076). كلاهما من طريق أبي صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله:{لمسجد أسس على التقوى}، يعني : مسجد قباء . وسنده ضعيف ؛ لضعف أبي صالح عبدالله بن صالح . وللانقطاع بين علي بن أبي طلحة ، وابن عباس . وأورده السيوطي في "الدر المنثور" (4/288)، وزاد نسبته إلى ابن المنذر ، والبيهقي في "الدلائل".(1/213)
وذلك أنه لما هاجر - صلى الله عليه وسلم - نزل على بني عمروِ بنِ عوفٍ في قباءٍ يومَ الإثنينِ، فأقام فيهم (1) أيامًا، وأسَّس فيها مسجدَ قباء، ثم إنه ارتحل عنهم يومَ الجمعةِ إلى بني سالمِ بنِ عوفٍ، فصلَّى عندهم الجمعةَ، وهي (2) &(3/401)&$ أولُ جمعةٍ (3) جُمعت في الإسلامِ (4) ، ثم إنه دخل المدينةَ فنزلَ على بني مالكِ بنِ النجارِ (5) ، على أبي أيوبَ، فأسَّس مسجدهَ (6) بالمِرْبَدِ الذي كان للغلامَيْنِ اليتيمينِ، فاشتراه من الناظرِ لهم على ما تقدَّم في كتابِ الصلاةِ. فلما تساوى المسجدانِ المذكوران في بناءِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابِه لهما، صار كلُّ واحدٍ من المسجدين مؤسَّسًا على التقوى؛ فلما قال الله تعالى لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم - : {لَمَسْجِدٌ أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه} (7) ، أَشْكل التعيينُ، فسُئل عن ذلك، فأجاب: بأنه (8) مسجدُ المدينةِ.
فإن قيل: إذا كان كلُّ واحدٍ منهما أُسس على التقوى؛ فما المزيةُ التي أوجبت (9) تعيينَ مسجد المدينة؟
قلنا: يمكنُ أن يقالَ: إن بناءَ مسجدِ قُبَاءٍ لم يكن بأمرٍ جَزْمٍ من الله تعالى لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ، بل نَدَب إليه، أو كان رأيًا رآه، بخلافِ مسجدِ المدينةِ، فإنه أُمر بذلك، وجَزَم عليه، فأسَّسه (10) امتثالَ الواجب؛ فكان بذلك الاسمِ أحقَّ. أو حصل له صلى الله عليه وسلم ولأصحابه رضي الله عنهم من الأحوالِ القلبيةِ عند بنائهِ (11) ما لم يحصُلْ لهم عندَ غيرِه؛ فكان أحقَّ بذلك (12) . والله أعلم (13) .
ويلزمُ من تعيين النبي - صلى الله عليه وسلم - مسجده لأن يكونَ هو المرادَ بقولِه تعالى: {لمسجد أسس علىا لتقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه}: أن يكونَ الضميرُ في {فيه رجالٌ} عائدًا (14) على ((لَمَسْجِدٌ أُسَّسَ)) (15) ؛ لأنه لم يتقدمْه ظاهرٌ غيرُه يعودُ عليه، وليس الأمرُ كذلك؛ بدليلِ (16) ما رواه أبو داود من طريقٍ صحيحةٍ، عن =(3/509)=@ أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((نَزَلْتَ هَذِهِ %(1/214)%
__________
(1) في (م): ((فيها)).
(2) في (ح): ((وهو)).
(3) تقرا في (ح): ((جمعية)) وعللها كانت ((جمعت)) ثم صوبها.
(4) ؟؟؟.
(5) بعدها في (ي) بياض بمقدار كلمتين.
(6) في (ز): ((مسجد)).
(7) سورة التوبة؛ الآية: 108.
(8) في (ي): ((أنه)).
(9) في (ي): ((أوجب)).
(10) في (ب) و(ح): ((فأسسه)).
(11) قوله : ((عند بنائه)) سقط من (أ).
(12) في (ز) و(ب) و(م): ((لذلك)).
(13) ورجح أيضًا ابن جرير الطبري، وابن عبد البر، والقاضي عياض، والنووي – أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ لما ورد من الأحاديث في ذلك من لفظ الرسول - صلى الله عليه وسلم - . قال ابن عبد البر: وقد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد الذي أسس على التقوى أنه مسجده - صلى الله عليه وسلم - ، وهو أثبت من جهة الإسناد عنه من قول من قال: إنه مسجد قباء. وجائز أن يكونا جميعًا أُسسا على تقوى الله ورضوانه، بل معلوم أن ذلك كان كذلك إن شاء الله.اهـ.
ورجح أبو حيان أنه مسجد قباء؛ وحكاه عن ابن عباس وفرقة من الصحابة والتابعين، قال: وهو أولى؛ لأن الموازنة بين مسجد قباء ومسجد الضرار أوقع منها بين مسجد الرسول ومسجد الضرار، وذلك لائق بالقصة... ثم ذكر ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((هو مسجدي هذا)) ثم قال: وإذا صح هذا النقل لم يمكن خلافه.اهـ.
أما الحافظ ابن حجر، فحكى القول بأن المراد في الآية مسجد قباء، عن الجمهور، ثم نقل كلام الشارح هنا ثم قال: ويحتمل أن تكون المزية لما اتفق من طول إقامته - صلى الله عليه وسلم - بمسجد المدينة، بخلاف مسجد قباء، فما أقام به إلا أيامًا قلائل، وكفى بهذا مزية من غير حاجة إلى ما تكلفه القرطبي. والحق أن كلاًّ منهما أسس على التقوى، وقوله تعالى في بقية الآية: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} يؤيد كون المراد مسجد قباء... وعلى هذا فالسرُّ في جوابه - صلى الله عليه وسلم - بأن المسجد الذي أسس على التقوى مسجده، رفعُ توهُّم أن ذلك خاص بمسجد قباء. والله أعلم. قال الداودي وغيره: ليس هذا اختلافًا؛ لن كلاً منهما أسس على التقوى. وكذا قال السهيلي، وزاد غيره: أن قوله تعالى: {من أول يوم} يقتضي أنه مسجد قباء؛ لأن تأسيسه كان في أول يوم حل النبي - صلى الله عليه وسلم - بدار الهجرة. والله أعلم.اهـ.
وفي ما قاله الحافظ رد آخر على ما سيتكلفه الشارح أيضًا من رَجْعِ الضمير في قوله تعالى: {فيه رجال...} إلى مسجد قباء، مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - . والجمع بما قاله الحافظ أولى من التكلف!
انظر: "تفسير الطبري" (14/475- 190)، و"البحر المحيط" (5/102)، و"التمهيد" (13/267- 268)، و"الإكمال" (4/518)، و"شرح النووي" (9/169)، و"فتح الباري" (7/244 – 245)
(14) في (ح): ((عائد)).
(15) قوله: ((لمسجد أسس)) في (ز): ((المسجد الذي أسس على التقوى)).
(16) سقط من (ح).(1/214)
الآيَةُ: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} (1) في أَهْلِ قُباءٍ؛ لأَنْهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْماءِ (2) )) فعلى هذا يكونُ الضميرُ في {فيه رجال} عائدٍ على المسجدِ المذكور قبلَه، بل على ((مسجدِ قُباء))؛ الذي (3) دلَّت عليه الحالُ والمشاهدةُ عندَهم (4) ، وأما عندنا: فلولا هذا الحديثُ لحملناه على الأولِ. وعلى هذا يتعينُ &(3/402)&$ على القارئِ أن يقفَ (5) على {فيه} من قولِه: {أحق أن تقوم (6) فيه}، ويبتدئ: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا}؛ ليحصل (7) به التنبيه (8) على ما ذكرناه (9) . والله تعالى أعلم.
وفي إتيانِه - صلى الله عليه وسلم - قباءً كلَّ سبتٍ (10) دليلٌ على جوازِ تخصيصِ بعضِ الأيامِ ببعضِ الأعمالِ الصالحةِ، والمداومِة على ذلك. وأصلُ مذهبِ (11) مالكٍ: كراهُة تخصيصِ شيءٍ من الأوقاتِ بشيءٍ من القُربِ إلا ما ثبت به توقيفٌ (12) . وقُباءٌ بينها وبين المدينةِ نحوُ ثلاثةِ (13) أميالٍ، فليستْ مما تُشدُّ إليها الرِّحالُ (14) ؛ فلا يتناولُها الحديثُ المتقدِّمُ الذِّكرِ (15). وكونُه - صلى الله عليه وسلم - يأتيها راكبًا وماشيًا؛ إنما كان ذلك بحسَبِ ما اتفق له. وكان تعاهدُه لقباءٍ لفضيلةِ مسجدِها، ولتفقُّد أهلِها؛ اعتناءً بهم وتشريفًا لهم، وليس في تعاهدِه - صلى الله عليه وسلم - مسجدَ قباءٍ ما يدل على إلحاقِ مسجدِها بالمساجدِ الثلاثِة، كما ذهب إليه محمدُ بنُ مسلمةَ، كما قدَّمناه (16) .
و((قُباءٌ)): مُلحقٌ بـ((بعاثٍ))؛ لأنه من ((قَبَوْت)) أو ((قَبيت)) (17) ؛ فليست همزتُه للتأنيثِ، بل للإلحاقِ (18) ؛ فلذلك صُرِف (19) . والله تعالى أعلم. =(3/510)=@ &(3/403)&$ %(1/215)%
كمل كتاب الحج بحمد الله، يتلوه كتاب الجهاد (20)
__________
(1) سورة التوبة؛ الآية: 108.
ووقع في (م): ((المتطهرين))، وهي قراءة علي بن أبي طالب. انظر: "البحر المحيط" (5/103)، و"البدر المصون" (6/123).
(2) تقدم في باب ما يستنجى به والنهي عن الاستنجاء باليمين، من كتاب الطهارة.
(3) ((الذي)) من (ز) فقط، وفي سائر النسخ: ((التي)).
(4) قوله: ((والمشاهدة عندهم)) في (ب): ((والمشاهد بعدهم)).
(5) في (ز): ((تقف)).
(6) في (م): ((يقوم)).
(7) في (ب): ((فيحصل))، وفي (م): ((فتحصل)).
(8) في (م): ((التثنية)).
(9) في (ح): ((ذكرنا)).
(10) في (م): ((سبب)).
(11) تقرأ في (ب): ((مذهبنا)).
(12) قوله: ((ما ثبت به توقيف)) في (ح) و(ي): ((ما ثبت بدليل))، وفي (م): ((ما ثبت فيه توقيف)).
(13) في (ي): ((ثلاثة)).
(14) قوله: ((إليها الرحال)) في (ح): ((الرحال إليها)).
(15) قوله : ((الذكر)) من (أ).
(16) في (ح) و(م): ((قدمنا)).
(17) قوله: ((قبوت)) أو ((قبيت)) في (ز): ((فتوت أو فتيت)).
(18) في (م): ((للحاق)).
(19) في (ز): ((صرفه)) وانظر "معجم ما استعجم" (4/1045- 1046)، و"المقصور والممدود" للقالي (ص؟؟؟)، و"تهذيب الأسماء واللغات" (3/286).
(20) من قوله : ((كمل ....)) إلى هنا، من (أ) فقط وفي (ز): ((تم كتاب الحج بعون الله تعالى وحسن توفيقه، وصلى الله على محمد وآله)).(1/215)
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
وصلَّى اللهُ عَلَى محمدٍ وَعلى آلهِ (2)
كتابُ الجهادِ (3)
بابُ التأميرِ علي الجيوشِ
قوله: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمَّر أميرًا على جيشٍ أو سريةٍ، أوصاه في خاصتِه بتقوى الله)) فيه من الفقِه: تأميرُ الأمراءِ، ووصيتهُم. وقد تقدَّم القولُ في الجيشِ (4) ، والسَّريةِ. قال الحربيُّ: السَّريةُ: الخيلُ تَبلُغُ أربعَمائةٍ ونحوها (5) . و((تقوى الله)): التحزُّزُ بطاعتِه من عقوبتِه.
وقوله: ((ومن معه من المسلمين خيرًا))؛ أي: ووَصَّاه (6) بمَنْ معه منهم (7) أن يفعلَ معهم خيرًا. =(3/511)=@ %(1/216)%
__________
(1) البسملة ليست في (ب) و(ي).
(2) قوله: ((وصلى الله على محمد وعلى آله)) من (أ)، وفي (ز): ((رب اختم بالخير)). وفي (م): ((صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصبحه وسلم تسليمًا)).
(3) كتب الشيخ نصر الهوريني في حاشية (م) ما نصه: ((الذي في "صحيح مسلم" ذكر كتاب الجهاد بعد باب استحباب خلط الأزواد، قبيل كتاب الصيد. كتبه نصر الهوريني في رجب بالأزهر سنة 1270.
(4) في (م): ((الجيوش)).
(5) قال النووي في "صحيح مسلم" (12/37): السرية قطعة من الجيش تخرج منه تغير وترجع إليه... قالوا: سميت ((سرية))؛ لأنها تسري في الليل ويخفي ذهابها، وهي ((فعيلة)) بمعنى ((فاعلة))؛ يقال: سرى وأسرى: إذا ذهب ليلاً.اهـ. وانظر: "مشارق الأنوار" (2/214)، و"الإكمال" (5/31).
(6) في (م): ((وصاه)) وفي (ي): ((أوصاه))، كلاهما دون واو العطف.
(7) في (ب) و(ح) و(م): ((من المسلمين)).(1/216)
وقوله: ((اغْزوا باسم الله))؛ أي: اشْرَعُوا في فعلِ الغزوِ مستعينين بالله، مخلِصين له. &(3/404)&$
وقوله: ((قاتلوا من كفر بالله)) هذا العمومُ يشملُ جميعَ أهلِ الكفرِ، المحاربين وغيرَهم، وقد خَصصَ منه (1) مَنْ له عهدٌ، والرُّهبانَ، والنِّسوانَ، ومَنْ لم يبلغِ الحُلُمَ؛ وقد قال متصلاً به: ((وَلَا تَقْتَلُوا وَلِيدًا))؛ وإنما نهى عن قتلِ الرهبانِ والنسوان (2) ؛ لأنهم (3) لا يكون منهم قتالٌ غالبًا، فإن (4) كان منهم قتالٌ أو تدبيرٌ أو أذًى قُتلوا؛ ولأن الذراريَّ والأولادَ مالٌ (5) ، وقد نَهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعةِ المالِ (6) .
وقوله: ((ولا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِروا، ولا تَمْثُلوا (7) )): الغُلُولُ: الأخَذُ من الغنيمةِ من غيرِ قَسْمِها (8) ، والغَدْرُ: نقضُ العهدِ. والتمثيلُ هنا: التشويهُ بالقتيلِ؛ كجَدْع أنفِه وأذنِه، والعبثِ به (9) . ولا خلافَ في تحريمِ الغُلولِ والغدر، وفي كراهةِ الْمُثلةِ.
وقوله: ((وإذا لقيتَ عدوَّك من المشركين فادعُهم إلى ثلاثِ (10) خلالٍ، أو =(3/512)=@ خصال))؛ الرواية ُبـ((أو)) التي للشكِّ، وهو من بعضِ الرواةِ. ومعنى الخلالِ والخصالِ واحدٌ.
وقولُه: ((فأيتهن ما أجابوك، فاقبل منهم وكف عنهم)) قيَّدناه (11) عَمَّن يُوثقُ بعلمِه وتقييده (12) ، بنصب ِ((أيتَهنَّ)) على أن يعملَ فيها ((أجابوك)) %(1/217)%
__________
(1) قوله: ((منه)) سقط من (أ)، وفي (ز) و(ي): ((منهم)).
(2) قوله: (( الرهبان والنسوان)) في (ب) و(ز) و(م): ((الرهبان والنساء)). وفي (ي): (الولدان والنسوان)).
و((النِّساء)) و((النِّسوان)) – بكسر النون – و((النِّسوة)) بضمها وكسرها – جموعُ ((المرأة)) من غير لفظها. "القاموس المحيط" (4/395).
(3) في (ب): ((لأنه)).
(4) في (م): ((وإن)).
(5) في (ز): ((مالي)).
(6) سيأتي في باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة، وأجر في الخطأ من كتاب الأقضية برقم (1807 و1808).
(7) علق على هذه الكلمة في حاشية (ب) بقوله: ((بفتح المثناة، وسكون الميم، وضم الثاء)).
(8) في (ب) و(م): ((قسمتها)).
(9) سقط من (ي).
(10) في (ي): ((ثلاثة)).
(11) في (ز): ((قيدنا)).
(12) سقط من (ي).(1/217)
على إسقاطِ حرفِ الجرِّ، و((ما)) زائدةٌ؛ ويكونُ تقديرُ الكلامِ: فإلى أيتِهن أجابوكَ فاقبلْ منهم؛ كما تقول (1) : أجبتُك (2) إلى كذا، وفي (3) كذا)) فيتعدَّى إلى الثاني بحرفِ الجرِّ (4) . &(3/405)&$
وقولُه: ((ثم ادعهم إلى الإسلام)) كذا وقعتِ الروايةُ في جميعِ نسخِ كتابِ مسلمٍ: ((ثم ادعهم (5) )) بزيادةِ ((ثم))، والصوابُ إسقاطُها (6) ، كما رُوي في غيرِ كتابِ مسلمٍ؛ كـ"مصنف أبي داود" (7) ، و"كتاب الأموال" (8) لأبي عبيدٍ؛ لأن ذلك هو (9) ابتداءُ تفسيرِ الثلاثِ (10) الخصالِ.
وقوله: ((ثم ادعهم إلى التحول من دارهم (11) إلى دار المهاجرين))؛ يعني: المدينة (12) . وكان هذا في أولِ الأمرِ، في وقتِ وجوبِ الهجرةِ إلى المدينةِ على كلِّ من دخلَ في الإسلامِ، أو على أهل مكةَ خاصَّةً (13) . في ذلك خلاف. وهذا يدلُّ على أنَّ الهجرةَ كانتْ واجبةً على كلِّ مِن آمن مَن (14) أهلِ مكةَ وغيرها. وسيأتي إيعابُ ذلك. =(3/513)=@
وقوله: ((فإن أبوا أن يتحوَّلوا فأخبرهم: أنهم يكونون كأعراب المسلمين (15) ، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء؛ إلا أن يجاهدوا مع المسلمين))؛ يعني: أن (16) مَن أسلم ولم يجاهد (17) ولم يهاجر، لا يُعطى من الخمسِ ولا من الفَيْءِ شيئًا، وهذا يتمشَّى على مذهبِ مالكٍ في قسمةِ الخمسِ والفيءِ؛ إذ يرى أن ذلك %(1/218)%
__________
(1) في (ب): ((يقول)).
(2) في (ز) و(م) و(ي): ((أجيبك))، وفي (ب) تقرأ: ((أجيئك)).
(3) في (ب) و(ز) و(ي): ((أو في)).
(4) وقال الأُبيُّ (5/46): ((أيتهن)) مبتدأ، و((ما)) زائدة، والعائد محذوف، تقديره: ((إليها)). وجاز حذفه كقوله: (السمن مَنَوان بدرهم)) فإن قلتَ: إنما جاز حذفه في قضية ((السمن)) لأن حذفه لا يؤدي إلى تهيئة العامل للعمل وقطعة عنه، و((أجاب)) (هنا)) متعدٍّ. قلتُ: وإن كان متعديًّا فقد أخذ مفعوله وهو الكاف، إلا أن يقال: إنه متعد إلى اثنين وإنما أخذ أحدهما فما زال طالبًا للثاني؛ ففيه التهيئة والقطع، فيرجع النظر في ((أجاب)) هل يتعدى إلى واحد أو اثنين.اهـ.
وما قاله الشارح أولى؛ قال "اللسان" (1/283): تقول: أجابه عن سؤاله وقد أجابه إجابة...)).
وفي "معجم الأفعال المتعدية بحرف" (ص40): أجاب سؤاله وعن سؤاله وإلىّ سؤاله رد له الجواب.
يقال: أجابه إلى حاجته؛ أي: ارتاح إلى قضائها.
(5) قوله: ((ثم ادعهم)) سقط من (ب).
(6) وكذا قال القاضي عياض في "المشارق" (2/328)، و"الإكمال" (6/32) وقال عن ((ثم)): ((زائدة مقحمة)). ونقل في "الإكمال" قول المازري في "المعلم" (3/10): ((وقوله: ((ثم ادعهم إلى الإسلام)) لفظ يوهم أنه غير الثلاث الخصال التي أجملها أولاً؛ لذكره لفظة ((ثم)). وإنما دختلت ههنا لافتتاح الكلام والأخذ في تفسير الخصال الأول.اهـ.
وقد نقل النووي في "شرح مسلم" كلام القاضي والإمام، ولم يرجح. والصواب قول المازري؛ فإن ((ثم)) تأتي في اللغة للابتداء، إما اصطلاحًا؛ أي يأتي بعدها المبتدأ والخبر، أو ابتداء الكلام. مثال الأول قوله تعالى: {قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون} [الأنعام: 64]، ومثال الثاني قوله تعالى: {فتبارك الله أحسن الخالقين إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون} [المؤمنون: 14- 16]. قال المالقي: وقد يرجع هذا إلى عطف الجمل، إذا كان الجملتان في كلامٍ واحد، وذلك بحسب إرادة المتكلم، والأظهر في الجمل الانفصال في المراد إلا حيث يدل الدلي على أن المقصود الكلام واحد.اهـ.
وانظر: "رصف المباني" للمالقي (ص173- 174)، و"الجنى الداني" للمرادي (ص431- 432).
(7) في "سننه" (3/83-85 رقم1612) باب في دعاء المشركين، من كتاب الجهاد.
(8) (ص28 رقم60).
(9) قوله: ((ذلك هو)) في (ز): ((سهو)).
(10) في (ح): ((الثلاثة)).
(11) قوله: ((من دارهم)) سقط من (ح).
(12) في (ي): ((أهل المدينة)).
(13) سقط من (ي).
(14) سقط من (ز).
(15) من قوله: ((وقوله: فإن أبوا...)) إلى هنا، مكرر في (ب) و(م)، لكنه في (ب) ضرب على المكرر، وأدخل كلمة ((وقوله)) في الضرب مرتين!.
(16) سقط من (ي).
(17) قوله: ((ولم يجاهد)) من (ز) فقط.(1/218)
موكولٌ لاجتهادِ (1) الإمامِ، يضعُه حيثُ يَراه (2) من المصالحِ الضروريةِ، والأمورِ المهمةِ، ومنافعِ المسلمين العامَّةِ، ويُؤْثِرُ فيه الأحوجَ فالأحوجَ، والأهمَّ فالأهمَّ، ولا شكَّ أن المهاجرين كانوا في ذلك الوقتِ أولى به من غيرِهم من المسلمين الذين لم يُهاجروا وأقاموا في &(3/406)&$ بلادِهم؛ فإنَّ المهاجرين خرجوا من بلادِهم (3) وأموالهم لله تعالى، ووصلوا إلى المدينةِ فقراءَ، ضعفاءَ، غرباءَ (4) ؛ فلا شكَّ في أنهم الأولى.
قال القاضي عياضٌ (5) : ولذلك كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُؤْثرُهم بالخمُس على الأنصارِ غالبًا، إلا أن يحتاجَ أحدٌ من الأنصارِ.
وقد أخذ الشافعيُّ بهذا الحديثِ في الأعراب (6) ؛ فلم يَرَ لهم شيئًا من الفَيْءِ، وإنما لهم الصدقةُ المأخوذةُ من أغنيائهِم وتُردُّ على فقرائِهم، كما أنَّ أَهل الجهادِ وأجنادَ المسلمين لا حقَّ لهم في الصدقةِ عندَه، ويُصرفُ كلُّ مالٍ في أهلِه.
وسوَّى مالكٌ وأبو حنيفةَ – رحمهما الله - بين المالين، وجوَّزا صرفَهما للصنفين.
وذهب أبو عبيدةَ (7) إلى أن هذا الحديثَ منسوخٌ، وأن هذا كان حكمَ من لم يهاجرْ (8) أولاً؛ في أنه (9) لا حق له (10) في الفيْءِ، ولا في الموالاةِ للمهاجرِ، ولا موارثتِه؛ قال =(3/514)=@ الله تعالى: {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا} (11) ، ثم نسخ (12) ذلك بقولِه تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} (13) ، وبقولِه - صلى الله عليه وسلم - بعدَ فتحِ مكةَ: ((لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ)) (14) ، وبقولِه - صلى الله عليه وسلم - : ((المُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ (15) عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ)) (16) ، وهذا فيه %(1/219)%
__________
(1) في (ح): ((إلى اجتهاد)).
(2) في (أ) و(ب) و(ح) و(م): ((رآه)).
(3) قوله: ((فإن المهاجرين خرجوا من بلادهم)) سقط من (ي)، وفي (ز): ((ديارهم)) بدل ((بلادهم)).
(4) في (ز): ((عريا)).
(5) في "الإكمال" (6/32- 33). وما سبق من كلام الشارح، وما سيأتي في الفقرة التالية، هو من كلام القاضي أيضًا، في الموضع نفسه.
(6) في (ح): ((الأغراب)).
(7) قوله: ((وذهب أبو عبيدة)) كذا في جميع النسخ، وفي "الإكمال" (6/33): ((وذهب أبو عبيد)). وهو الصواب، وانظر "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد القاسم بن سلام (ص224- 225).
(8) في (ز): ((تهاجر)).
(9) قوله: ( (في أنه)) في (م): ((فانه)).
(10) في (أ): ((لهم)).
(11) سورة الأنفال؛ الآية: 72. وقوله: ((حتى يهاجروا)) من (ي) فقط.
(12) قوله: ((ثم نسخ)) في (ي): ((ونسخ)).
(13) سورة الأنفال؛ الآية: 75.
(14) تقدم في كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها، وشجرها ولقطتها برقم (1212)، وسيأتي في الإمارة والبيعة، باب لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية وعمل صالح برقم (1438).
(15) زاد بعدها في (ح): ((واحدة)). وانظر مصادر التخريج.
(16) رُوي من حديث علي، وعبدالله بن عمرو، وابن عباس، وعائشة، ومَعْقِل بن يسار:
أما حديث علي: فأخرجه أحمد (1/119 و122)، والنسائي (8/20 و24 رقم4735 و4745 و4746) في القسامة، باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس، وأبو يعلى (1/424-425 رقم562)؛ ثلاثتهم من طريق قتادة، عن أبي حسان، عن علي، فذكره .
وهذا سند رجاله ثقات، إلا أن قتادة مدلس، لم يصرح بالسماع. ورواية أبي حسان مسلم بن عبدالله عن علي مرسلة؛ على ما قاله أبو حاتم وأبو زرعة؛ كما في المراسيل لابن أبي حاتم (ص216 رقم815 و816)، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" (2/198-199 رقم959). وقال الألباني في "الإرواء" (4/251): ((بسند صحيح على شرط مسلم)).
وقد توبع أبو حسان على روايته؛ فأخرجه أبو داود (4/666-669 رقم4530) في الديات، باب: أيقاد المسلم بالكافر؟ والنسائي (8/19-20 رقم4734) في الموضع السابق، والبزار (2/290-291 رقم714)، وأبو يعلى (1/462 رقم628)، والطحاوي (3/192)، وفي "شرح مشكل الآثار" (3/272 رقم1243) و(15/123 رقم5889)، والحاكم (2/141)، والبيهقي (7/133-134) من طريق أبي داود، والبغوي في "شرح السنة" (10/172 رقم2531) - جميعهم من طريق يحيى بن سعيد القطان، وأخرجه البزار (2/2901 رقم713) من طريق حماد بن زيد، وأخرجه أبو يعلى (1/282 رقم338)، والبيهقي (8/29)، كلاهما من طريق يزيد بن زريع.
وأخرجه الحاكم (2/141) من طريق روح بن عبادة، وعبدالوهاب الخفاف - خمستهم – (يحيى بن سعيد، وحماد بن زيد، ويزيد بن زريع، وروح بن عبادة، وعبدالوهاب الخفاف)، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن قيس بن عبادة، عن علي، فذكره .
قال البزار: ((وهذا الحديث قد روي عن علي من غير وجه، وهذا الإسناد أحسن إسناد يروى في ذلك وأصحه، ولا نعلم أسند قيس بن عبادة عن علي إلا حديثين، هذا أحدهما)).اهـ.
وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وحسنه الحافظ في" الفتح" (12/261)، وقال الألباني في "الإرواء" (7/267): ((رجاله ثقات رجال الشيخين)).
وأما حديث عبدالله بن عمرو: فأخرجه الطيالسي (ص299 رقم2258)، وأحمد (2/180 و192 و211 و215)، وأبو داود (3/183-185 رقم2751) في الجهاد، باب في السرية ترد على أهل العسكر، و(4/670 رقم4531) في الديات، باب: أيقاد المسلم بالكافر؟ وابن ماجه (2/895 رقم2685) في الديات، باب المسلمون تتكافأ دماؤهم، وابن الجارود (3/85 رقم330 رقم771 و1703/غوث)، وابن خزيمة (4/26 رقم2280)، والبيهقي (8/29)، والبغوي في "شرح السنة" (10/172-173 رقم2532) - جميعهم من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، فذكره.
وحسنه الحافظ في الفتح (12/261)، والألباني في تعليقه على ابن خزيمة .
وأما حديث ابن عباس: فأخرجه ابن ماجه (2/895 رقم2683) في الموضع السابق، عن محمد بن عبدالأعلى الصنعاني، عن المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكره .
وصحح إسناده الألباني في "الإرواء" في تعليقه على "المشكاة" (2/1033 رقم3476).
وفي الباب من حديث عائشة: أخرجه أبو يعلى (8/197-198 رقم4757)، والدارقطني (3/131)؛ كلاهما من طريق عبيدالله بن عبدالمجيد، عن عبيدالله بن عبدالرحمن بن موهب، عن مالك بن محمد بن عبدالرحمن، عن عمرة، عن عائشة، فذكرته مطولاً.
قال الهيثمي في "المجمع" (6/458): ((ورواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح، غير مالك بن أبي الرجال، وقد وثقه ابن حبان، ولم يضعفه أحد)).
ومالك بن أبي الرجال: قال أبو حاتم - كما في "الجرح والتعديل" (8/216 رقم962)-: ((هو أحسن حالاً من أخويه: حارثة وعبدالرحمن)).
وبيَّض له البخاري في "التاريخ الكبير" (7/315-316 رقم1345)، وذكره ابن حبان في "الثقات" (9/164).
وفي سنده أيضًا: عبيدالله بن عبدالرحمن بن موهب؛ وثقه العجلي، وابن معين في رواية، وضعفه في أخرى، وقال النسائي: ليس بذاك القوي. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال ابن عدي: حسن الحديث يكتب حديثه. وفي"التقريب" (ص461 رقم4343): ليس بالقوي .
والراجح من حاله: أنه صدوق .
وعن معقل بن يسار: أخرجه ابن ماجه (2/895 رقم2684) في الموضع السابق، والطبراني في "الكبير" (20/206 رقم471)، والبيهقي (8/30)؛ ثلاثتهم من طريق إبراهيم بن سعيد الجوهري، عن أنس بن عياض، عن عبدالسلام بن أبي الجنوب، عن الحسن، عن معقل بن يسار، فذكره .
قال الهيثمي في "المجمع" (9/457): ((وفيه عبدالسلام بن أبي الجنوب، وهو ضعيف)).
ولا يصح للحسن سماع من معقل بن يسار؛ قاله أبو حاتم؛ كما في "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص42 رقم136).(1/219)
بُعْدٌ. وسيأتي بيانُ حكمِ الخمسِ والفيءِ والغنيمةِ، إن شاء الله تعالى.
ومحملُ (1) الحديثِ عندَ أصحابِنا المالكيين على ما تقدَّم من مذهبِ مالكٍ، رحمه الله تعالى.
وقوله: ((فإن هم أبوا فسلهم (2) الجزية))؛ حجَّةٌ لمُالكٍ وأصحابه، والأوزاعيِّ، في أخذِ الجزيةِ من كلِّ كافرٍ، عربيًّا كانَ أو غيرَه (3) ، كتابيًّا كان أو غيره (4) . وذهب أبو حنيفة: إلى أنها تُقبلُ من الجميعِ إلا من مشركِي العربِ ومجوسِهم. وهو قولُ عبدِالملكِ (5) وابنِ وهبٍ من أصحابِنا. وقال الشافعيُّ - رحمه الله تعالى -: لا تُقبلُ (6) إلا من أهلِ الكتابِ- عربًا كانوا أو عجمًا، ولا تقبلُ من غيرِهم، والمجوسُ عندَه أهلُ &(3/407)&$ كتابٍ.
واخُتلف في استرقاقِ العربِ: فعند مالكٍ، والجمهورِ (7) : أنهم كغيرِهم؛ يُسترقُّون حيث كانوا. وعند أبي حنيفةَ، والشافعيِّ (8) : لا يُسترقُّون، إما أن يُسلموا، أو يقتلوا. وهو قولُ بعضِ أصحابِنا، غيرَ أن أبا حنيفة (9) : يَسْترِقُّ النساءَ والصغارَ.
وقد (10) اختُلف في القَدرِ المفروضِ من الجزيةِ؛ فقال مالكٌ: هو أربعةُ دنانيرَ على أهلِ الذهبِ، وأربعون درهمًا على أهل الوَرِقِ. وهل يُنقصُ منها للضعيفِ (11) أو لا؟ قولانِ.
وقال الشافعيُّ: هي (12) دينارٌ على الغنيِّ والفقيرِ.
وقال أبو حنيفةَ والكوفيُّون: على الغنيِّ ثمانيةٌ وأربعون درهمًا، والوسطِ: أربعةٌ وعشرون درهمًا (13) ، =(3/515)=@ والفقير: اثنا عشرَ درهمًا (14) . وهو قولُ أحمدَ بنِ حنبلٍ. ويزاد (15) وينقصُ على قدرِ طاقتهِم (16) .
وهي عندَ مالكٍ وكافِة العلماءِ: على الرجالِ الأحرارِ، البالغينَ، العقلاءِ، دون غيرِهم. وإنما تؤخذُ ممن كان تحتَ قهرِ المسلمينَ، لا مِمَّن نأى بدارِه. ويجبُ (17) تحويلهُم إلى بلادِ المسلمينَ، أو حربهم (18) . %(1/220)%
__________
(1) في (ب): ((ويحمل)).
(2) ؟؟؟.
(3) قوله: ((كأن أو غيره)) في (ي): ((كأن أو غير عربي)). وهو مطموس في (ز)، وموضع الطمس لا يتسع لهذه العبارة، فلعله فيها إلى جانب الطمس سقطًا.
(4) قوله: ((كتابيا كان أو غيره)) سقط من (ي).
(5) قوله: ((وهو قول عبد الملك وابن وهب من أصحابنا)) في المطبوع من "الإكمال" (6/34- 35): ((وهو قول ابن وهب من أصحابنا وعند مالك أنها لا تقبل من مجوس العرب)) كذا في مطبوعه، وفي النسخة الخطية: ((وعبد الملك أنها...)). وكذلك نقلها عنه الأبي في "شرحه" (5/45) مرتين، وذكر في "المنتقى" (2/173) ذلك القول عن ابن وهب فقط، وقال في "الذخيرة" (3/452) وروي عن مالك استثناء الفرس،... لأنهم لا كتاب لهم. واستثنى ابن الجهم كفار قريش....، واستثنى ابن وهب مجوس العرب، وعبد الملك والشافعي من ليس بكتابي، وأبو حنيفة مشركي العرب.اهـ. وانظر أيضًا "التاج والإكليل" (3/380). ولو سلمنا صحة ما في النسخة وما نقله الشارح والأبي، وتكون عبارة القاضي مشكلةً؛ حيث كان حقه أن يقول: ابن وهب وعبد الملك من أصحابنا، وعلى ذلك أيضًا يكون قوله: ((أنها لا تقبل من مجوس العرب)) تكرارًا، وإن قلنا: إن الصواب ما في المطبوع؛ فلم يذكر لنا المحقق من أين حصل عليه، ولم يشر إلى ما في النسخ! وأيضًا تكون كلمة ((وعند)) مصحفة أيضًا من ((وعن))؛ لأن قول مالك المشهور أخذها من كل كافرٍ مطلقًا، أما عدم قبولها من مجوس العرب، فلعله رواية عنه. وحق لشيخ الأبي: عبد الله بن ؟؟؟ أن يقول ما شق على...
(6) في (ب): ((لا يقبل)).
(7) قوله: ((والجمهور)) في (ي): ((وغيره)).
(8) سقط من (أ).
(9) زاد بعده في (أ): ((والشافعي)).
(10) قوله: ((قد)) سقط من (أ) و(ب).
(11) في (ي): ((الضعيف)).
(12) في (ز): ((هو)).
(13) قوله: ((درهمًا)) سقط من (ح).
(14) ((درهما)) من (ي) فقط.
(15) في (ز): ((وتزاد)).
(16) في (ي): ((طاعتهم)).
(17) في (ب): ((وتجب)).
(18) في (أ): ((حزبهم)).(1/220)
وقوله: ((وإذا حاصرت أهل حصن...)) الكلامَ إلى آخرهِ - فيه حجَّةٌ لمن يقولُ من الفقهاءِ وأهلِ الأصولِ: إن المصيبَ في مسائلِ الاجتهادِ واحدٌ، وهو المعروفُ من مذهبِ مالكٍ وغيرهِ. ووجهُ الاستدلال (1) : هو (2) أنه - صلى الله عليه وسلم - قد نَصَّ على أن لله تعالى حُكمًا معيَّنًا (3) في المجتهَداتِ، فمن وافقه فهو المصيبُ، ومن لم يوافقْه فهو المخطئْ (4) .
وقد ذهب قومٌ من الفقهاءِ والأصوليين إلى أن كلَّ مجتهدٍ مصيبٌ، وتأوَّلوا هذا الحديثَ بأن قالوا: إن معناه: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يُوصي أمراءَه بألا (5) يُنزلوا الكفارَ على حكمِ ما أنزل الله على نبيِّه في حالِ غَيبةِ الأمراءِ عنه (6) ، وعدمِ علمِهم به (7) ؛ فإنهم لا يَدْرون إذا فعلوا ذلك: هل يُصادفون حكمَ ما أنزلَ الله على نبيِّه أم لا؟ وفي هذا التأويلِ بُعْدٌ وتعسّفٌ (8) . واستيفاءُ المباحثِ في هذهِ المسألةِ في علمِ الأصولِ.
وقوله: ((وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك (9) أن تجعل لهم ذمة الله...)) الحديثَ إلى آخرهِ: ((الذمةُ)): العهدُ. و((تُخْفِروا)): تَنْقُضُوا، وهو رُباعيٌّ؛ يقال: =(3/516)=@ &(3/408)&$ أَخفرتُ الرَّجلَ (10) : نقضتَ عهدَه، وخفَرتُه: أجرتَه.
ومعناه: أنه خاف من نقضِ مَنْ لا يعرفُ حقَّ الوفاءِ بالعهدِ، كجَهَلَةِ الأعرابِ؛ فكأنه يقولُ: إنْ وَقَع نقضٌ من متعدٍّ، كان تقضُ عهدِ الخلقِ أهونَ من نقضِ عهدِ اللهِ تعالى. والله تعالى أعلمُ. %(1/221)%
__________
(1) قوله: ((ووجه الاستدلال)) في (ز): ((ووالاستدلال)).
(2) سقط من (ي).
(3) في (أ): ((مغيبًا)).
(4) قوله: ((يوافقه فهو المخطئ)) كلمة ((فهو)) من (ز) فقط، وكلمة ((المخطئ)) من (ح) فقط، وفي سائر النسخ: ((مخطئ)).
(5) في (ح): ((ألا)).
(6) في (ز): ((عنهم)).
(7) سقط من (ز).
(8) ذكره المازري في "المعلم" (3/10- 11) لكنه قال: إنه يجيب عن هذا من يقول من أهل الأصول: ليس لله جلت قدرته حكم يطلب في مسائل الفروع حتى يُخطأ مرة ويصاب أخرى، سوى ما أرى المجتهد إليه اجتهاد، فهو حكمه الله تعالى.اهـ. ثم ذكر ما ذكره الشارح بمعناه. وعند النووي (12/40) نحو ما هنا، وجمعها الأبي في شرحه (7/50)، عن المازري والنووي.
(9) في (م): ((فإن أدوك)).
(10) في (ز): ((لرجل)).(1/221)
وقولُ نافع ِ- وقد سُئل عن الدعوةِ قبلَ القتالِ -: ((إنها كانت في أولَ (1) الإسلامِ))، واستدلالُه بقضيةِ بني المُصْطلَقِ؛ يفهمُ منه: أن حكمَ الدعوةِ كان متقدِّمًا، وأنه منسوخٌ بقضيةِ بني المصطَلِقِ. وبه تمسَّك من قال بسقوطِ الدعوةِ مطلقًا. =(3/517)=@ ومنهم من ذهب إلى أنَّها واجبةٌ مطلقًا، متمسِّكًا (2) بظاهرِ وصيةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك أمراءَه، ولم تصلحْ عنده قضيةٌ بني المصطلقِ لأَنْ تكونَ ناسخةً لذلك (3) ؛ لأن تلك الوصايا (4) تقعيدٌ (5) قاعدةٍ عامةٍ، وقضيةُ بني المصطلقِ قضيةٌ في عينٍ؛ ولأن الوصيةَ قولٌ، وقضيةُ بني المصطلقِ فعلٌ، والفعلُ لا ينسخُ القولَ على ما يُعرفُ في الأصولِ.
والذي يَجمعُ بين هذه الأحاديثِ صريحُ مذهبِ مالكٍ؛ وهو أنه قال: لا يُقاتَلُ (6) الكفارُ قبلَ أن %(1/222)%
__________
(1) سقط من (ح).
(2) في (ب) و(م): ((تمسكًا)).
(3) سقط من (ب) و(م).
(4) في (ب) و(ز) و(م): ((القضية)).
(5) تقرأ في (ب): ((تفيد)) والنقط غير واضح.
(6) في (ب): ((تقاتل))، وفي (ح): ((تقاتلوا)).(1/222)
يُدْعَوْا، ولا تُلتمسُ (1) غِرَّتُهم، إلا أن يكونوا ممن (2) بلغتْهم الدعوةُ؛ فيجوزُ أن تؤخذَ غِرَّتُهم (3) . وعلى هذا فيُحملُ حديثُ بني المصطلقِ: على أنهم كانوا قد بلغتْهم الدعوةُ، وعَرَفوا ما يطلبُه المسلمون منهم. وهذا الذي صار إليه مالكٌ هو الصحيحُ؛ لأن فائدة الدَّعوةِ أن يعرفَ (4) العدُّو أن المسلمين لا يقُاتِلون للدنيا ولا للعصبيةِ، وإنما يُقاتِلون للدِّينِ، وإذا علموا (5) بذلك أمكنَ أن يكونَ ذلك سببًا مُمِيلاً لهم إلى الانقيادِ للحقِّ (6) ، بخلافِ ما إذا جَهلوا مقصودَ المسلمين، فقد يَظنُّون أنهم يقاتلِون للملك، وللدنيا (7) ، فيزيدون عُتُوًّا وتعصبًا.
وقوله: ((أغار عليهم))؛ أي: أرسلَ عليهم الغارةَ، وهي الخيلُ التي تُغيرِ في أولِ النهارِ. و((غارُّون)): غافلون. و((الغِرُّة)): الغفلةُ. و((الأنعام)): الإبلُ، والبقرُ، والغنمُ. و((المقاتِلة)): الصَّالحون للقتالِ المُطِيقون له. و((السَّبي)): الذَّراريُّ، والنِّساءُ.
وقوله: ((وأصاب يومئذ، قال يحيى: أَحسَبه قال: جويريةَ، أو قال: ابنةَ &(3/409)&$ =(3/518)=@ الحارث)). هكذا صوابُ هذه (8) الروايةِ؛ بإسقاط: ((البتة)) (9) . وقد غلط فيها بعضُ النَّقلةِ، فظن أن يحيى إنما شك (10) في اسمِ ابنةِ (11) الحارثِ: هل هو (12) ((جويريةُ)) أو ((البتةُ))؟! وحمله على ذلك الأخذُ بظاهرِ ذلك (13) اللفظِ المصحَّفِ (14) ، وهو غلطٌ فاحشٌ؛ %(1/223)%
__________
(1) في (ز): ((يلتمس)) وفي (ي): ((تجوز)).
(2) سقط من (ح).
(3) ذكره الباجي في "المنتقى" (3/169). وانظر الأبي (5/44).
وذكر أن هذه رواية العراقيين عن مالك. قال: وفي "المدونة" روايتان عن مالك؛ قال ابن القاسم: لا يبيتون، غزوناهم نحن أو أقبلوا إلينا غزاة، حتى يدعوا. قال: وقد قال مالك أيضًا: الدعوة ساقطة عمن قارب الدار لعلمهم بما يدعون إليه. وأما من شُك في أمره فخيف ألا تبلغه الدعوة فإن الدعوة أقطع للشك وأنزه للجهاد.اهـ. وانظر "شرح الأبي" (5/44).
(4) في (ز): ((تعرف)).
(5) في (ب) و(ح) و(م): ((أعلموا)).
(6) في (ح): ((الحق)).
(7) في (ي): ((والدنيا)).
(8) سقط من (ي).
(9) قوله: ((بإسقاط البتة)) سقط من (أ).
وقوله: إن صواب الرواية بإسقاط هذه اللفظة، فيه نظر؛ فإنها من قول يحيى، وضرورية؛ حيث إنه بذكرها قطع شكه وبتَّ الرواية على الصواب؛ كما قال القاضي في "المشارق" (1/77)، و"الإكمال" (6/28). وكما سيظهر من كلام الشارح بعد وإنما الخطأ في الرواية جعل ((البتة)) اسمًا لابنة الحارث.
كما سيأتي. وقد قال القاضي عياض: كذا قيدنا هذا الحرف في كتاب مسلم عن جميعهم ((البتة)) بياء بواحدة مفتوحة، بعدها تاء باثنتين فوقها مشددة.
(10) كتب هنا في (أ) ما نصه: ((حاشية: معنى ذلك أن الراوي يحيى بن يحيى النيسابوري، شك في هذه اللفظة ((جويرية)): هل تحقق سماعها، أو إنما سمع ((ابنة الحارث)). وكان يحيى هذا كثيرًا ما يعرض له الشك في بعض الألفاظ؛ لكثرة تحرِّيه؛ ولأجل ذلك كان يُلقَّب بـ((الشكَّاك)). وقد غلط في هذا بعض الفضلاء غلطًا عجيبًا؛ فكتب في كتابه ((أليته)) بفتح الهمزة وكسر اللام وبعدها ياء، وظنه اسمًا، وأن شك يحيى بن يحيى إنما هو في نفس الاسم لا في إثباته أو سقوطه؛ قاله شيخنا المنذري.
لكن الناسخ كتبه في متن النسخة، وكتب في آخره ((إلى) لينبه على انتهاء الحاشية، ووضع ذلك بعد قوله: ((إنما شك في)) ثم أعاد ((شك في)) ليصل الكلام!.
(11) في (ز): ((بنت)).
(12) في (ب) و(ز) و(م): ((هي)).
(13) سقط من (أ).
(14) قوله: ((المصحف)) مثبت من (أ) فقط.
وقد أهمل القاضي في "الإكمال" اسم من وقع في هذا التصحيف، وكذلك لم يذكر كيف صحفه، وقد ذكر ذلك كله في "المشارق"؛ قال: ورأيت أبا عبد الله بن أبي نصر الحميدي في مختصره ضبطه ((ألبته))بكسر اللام بعدها ياء باثنتين تحتها.. وهو تصحيف لا شك فيه.اهـ.
وعلى هذا فإن لفظة ((البتة)) في قول الشارح: ((هل هو جيرية أو البتة)) مصحف على ((ألبته)) الذي ضبطه القاضي. وواضح أن الشارح إنما نقل كلام القاض في "الإكمال" دون ما في "المشارق"؛ حيث وقع في مخطوط "الإكمال" ومطبوعه: ((وقد رأيت بعض عظماء أهل الحديث من المصنفين سقط في هذا الحديث سقوطًا عجيبًا، قال: فضبطه في كتابه البتة، وجعله اسمًا لجويرية وهو وهم وتصحيف لا شك فيه.اهـ.(1/223)
لأنه لم يذهبْ أحدٌ من الناسِ (1) إلى أن اسمَ ابنةِ الحارثِ هذه: البتةُ. وإنما (2) يحيى بن يحيى شكَّ في سماعِ اسمِ (3) جويريةَ (4) ، ثم بَتَّ القضيةَ، وحقَّق السَّماعَ لاسمِها؛ بدليلِ قولِه في الروايةِ الأخرى: ((جويريةَ (5) ابنةَ (6) الحارثِ)) ولم يشكَّ (7) . والله أعلمُ.
فرعٌ: إذا قُتل مَنْ أُمر بدعوتِه من (8) قبلِ أن يُدعى، فهل على قاتِله ديةٌ، أم لا؟ فذهب مالكٌ وأبو حنيفةَ: إلى أنه لا ديةَ عليه؛ لأنه حلالُ الدَّم بأصلِ الكفرِ، ولم يتجدَّدْ من جهتِه ما يُوجبُ حرمةَ دمِه؛ فبقي (9) على الأصل؛ لعدمِ الناقلِ، ولا يصلحُ المنعُ من قتالهِم قبلَ الدعوةِ مُوجبًا لحرمتِهم، كما لم يَصلُحْ ذلك موجبًا لحرمِة نسائهِم وأبنائِهم. والله تعالى أعلمُ (10) . =(3/519)=@ %(1/224)%
__________
(1) قوله: ((من الناس)) سقط من (ي).
(2) في (ح): ((فإنما)).
(3) سقط من (ز).
(4) في (أ): ((جويرة)).
(5) في (أ) و(ب) و(م): ((جويرة)).
(6) في (ز): ((ابنت)).
(7) قوله: ((ولم يشك)) سقط من (أ).
(8) سقط من (ب) و(ز) و(م).
(9) في (ب) و(م): ((فيبقى)).
(10) من قوله: ((فرع إذا قتل من...)) إلى هنا، سقط من (ي).(1/224)
ومن باب النهي عن الغدر
قوله: ((لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له)) هذا منه - صلى الله عليه وسلم - خطابٌ للعربِ بنحوِ ما كانت تفعلُ؛ وذلك أنهم كانوا (1) يرفعون للوفاءِ رايةً بيضاءَ، وللغدرِ رايةً &(3/410)&$ سوداءَ؛ ليُشْهِروا به الوفيّ (2) ؛ فيعظِّموه ويمدَحوه، والغادرَ؛ فيذُمُّوه (3) ، ويلوموه (4) بغدرِه. وقد شاهدْنا هذا عادةً مستمِرةً فيهم (5) إلى اليومِ.
فمقتضى هذا الحديثِ: أن الغادَر يُفعلُ به مثلُ ذلك؛ ليشهر (6) بالخيانِة والغدرِ؛ فيذُمُّه أهلُ الموقفِ. ولا يبعدُ أن يكونَ الوفيُّ بالعهدِ يُرفع له لواءٌ يُعرفُ به وفاؤه وبِرُّه؛ فيمدحُه أهلُ الموقفِ (7) ؛ كما يُرفعُ لنبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - لواءُ (8) الحمدِ (9) ؛ فيحمدُه كلُّ من في الموقفِ (10) .
وقوله: ((بقدر غُدرته))؛ يعني: أنه (11) إن كانت غُدرتُه (12) كبيرةً عظيمةً رُفع له لواءٌ كبيرٌ عظيمٌ مرتفعٌ، حتى يعرفَه (13) بذلك مَنْ قَرْب منه ومن بَعُدَ. =(3/520)=@ %(1/225)%
__________
(1) قوله: ((كانوا)) سقط من (أ) و(ح) و(ز) و(ي).
(2) في (ح): ((الولي)).
(3) في (ز): ((ويذمره)).
(4) في (أ): ((يلومونه)).
(5) قوله: ((عادة مستمرة فيهم)) في (ز): ((فيهم عادة مستمرة)).
(6) في (ي): ((ليشتهر)).
(7) من قوله: ((ولا يبعد أن...)) إلى هنا، سقط من (ي).
(8) من قوله: ((يعرف به وفاؤه وبره ....)) إلى هنا، سقط من (ح).
(9) روي هذا عن جماعة من الصحابة :
1 - أنس: أخرجه أحمد (3/144 و144-145)، والدارمي (1/27-28) في المقدمة، باب ما أعطي النبي - صلى الله عليه وسلم - من الفضل. كلاهما من طريق الليث بن سعد، عن يزيد بن الهاد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن أنس، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( إني لأول الناس تنشق الأرض عن جمجمتي يوم القيامة ولا فخر، وأعطى لواء الحمد ولا فخر ...)) الحديث .
قال الألباني في "الصحيحة" (4/100): ((وسنده جيد، رجاله رجال الشيخين)).
2 - ابن عباس: أخرجه الطيالسي (ص 353 رقم2711)، وأحمد (1/281 و295)، وأبو يعلى (4/213-216 رقم2328)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (5/481) من طريق الطيالسي وغيره. جميعهم من طريق حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة قال: خطبنا ابن عباس على منبر البصرة، فحمد الله وأنى عليه، ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ...، فذكره بمعناه .
قال الهيثمي في "المجمع" (10/372-373): ((رواه أبو يعلى وأحمد، وفيه: علي بن زيد، وقد وثق عَلَى ضعفه، وبقية رجالهما رجال الصحيح)).
وقد رُوي من وجهٍ آخر عن أبي سعيد الخدري؛ أخرجه أحمد (3/2)، وابن ماجه (2/1440-1441 رقم4308) في الزهد، باب ذكر الشفاعة؛ كلاهما من طريق هشيم، وأخرجه الترمذي (5/288-289 رقم3148) في التفسير، باب: ومن سورة بني إسرائيل، من طريق سفيان؛ كلاهما - هشيم، وسفيان - عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، فذكره .
قال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح. وقد روى بعضهم هذا الحديث عن أبي نضرة، عن ابن عباس)).
3 – عبد الله بن سلام: أخرجه أبو يعلى (13/480-481 رقم7493) عن عمرو الناقد، عن عمرو بن عثمان الكلابي، عن موسى بن أعين، عن معمر بن راشد، عن محمد بن عبدالله بن أبي يعقوب، عن بشر بن شفاف، عن عبدالله بن سلام، فذكره بمعناه. ومن طريقه أخرجه ابن حبان (14/398 رقم6478/الإحسان).
قال الهيثمي في "المجمع" (8/456): ((ورواه أبو يعلى والطبراني، وفيه: عمرو بن عثمان الكلابي، وثقه ابن حبان عَلَى ضعفه، وبقية رجاله ثقات)).
وعمرو هذا تركه النسائي، وقال أبو حاتم: يتكلمون فيه، كان شيخًا أعمى بالرقة يحدّث الناس من حفظه بأحاديث منكرة لا يصيبونه في كتبه، أدركته ولم أسمع منه، ورأيت من أصحابنا من أهل العلم من قد كتب عامة كتبه لا يرضاه، وليس عنده بذاك. "تهذيب الكمال" (22/147-149 رقم4409).
وفي "التقريب" (ص741 رقم5109): ((ضعيف وكان قد عمي)). وصحح إسناده الألباني في تحقيقه على كتاب "السنة" لأبي عاصم (ص356 رقم793)، وفي "الصحيحة" (4/101).
(10) نقل هذه الفقرة بتصرف، الحافظ في "الفتح" (6/284).
(11) سقط من (ز).
(12) في (ح): ((غدرة)).
(13) في (ح): ((يعرقه)) وفي (ز): ((يعرف)).(1/225)
وقوله: ((عند استه))؛ معناه- والله أعلم-: عندَ مقعِده؛ أي: يلزمُ اللِّواءُ به (1) ، بحيثُ (2) لا يقدرُ على مفارقتِه (3) ، ليمرَّ به الناسُ فيرَوْه، ويعرفُوه، فيزدادَ خجلاً (4) ، وفضيحةً عندَ كل من مرَّ به (5) .
وقوله:((ولا غادر أعظم من أميرِ عامةٍ))؛ يعني: أن الغدرَ في حقِّه أفحشُ، والإثمَ عليه أعظمُ منه على غيرِه؛ لعدمِ حاجتهِ إلى ذلك. وهذا كما قاله - صلى الله عليه وسلم - في الملك الكذَّاب، كما تقدم في كتاب الإيمان (6) . وأيضًا: فلما في غدرِ الأئمةِ من المَفْسَدةِ؛ فإنهم إذا غدروا وعُلم ذلك منهم، لم يأمنْهم العدوّ على عهدٍ، ولا صلحٍ، فتشتدُّ شوكتُه، ويعظمُ ضررُه، ويكونُ ذلك منفِّرًا من الدخولِ في الدينِ، وموجبًا لذمِّ أئمةِ المسلمينْ (7) .
وَقَدْ مَالَ أَكثرُ العلماءِ إلى أنه لا يُقاتَلُ مع الأميرِ (8) الغادرِ، بخلافِ الخائنِ والفاسقِ. وذهب بعضهم إلى الجهادِ معه. والقولان في مذهبِنا. والله تعالى أعلم.
فأما إذا (9) قلنا: لم يكن للعدوِّ عهدٌ، فينبغي أن يُتحيَّلَ (10) على العدوِّ بكلِّ حيلةٍ، وتدار (11) عليهم كلُّ خديعةٍ، وعليه &(3/411)&$ يحملُ (12) قولُه - صلى الله عليه وسلم - : ((الْحرَبْ خَدْعَةٌ)) بفتحِ الخاءِ وسكونِ الدالِ، وهي لغةُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وهي مصدرُ((خَدَعَ)) المحدودُ (13) ؛ ((كغَرفْةٍ))، و((خَطْوةٍ)) - بالفتحِ فيهما - ومعناه: أن الحربَ تكونُ (14) =(3/521)=@ ذاتَ (15) خَدْعةٍ. فوضعَ المصدرَ موضعَ الاسمِ؛ أي: ينبغي أن يستعملَ فيها الخداعُ ولو مرَّةً واحدةً (16) .
ويحتملُ: أن يكونَ معناه: أن الحربَ تتراءَى لأخفاء الناسِ %(1/226)%
__________
(1) قوله: ((اللواء به)) تقرأ في (ز): ((للوآيه)).
(2) في (ي): ((حيث)).
(3) من قوله: ((عند مقعده ....)) إلى هنا، سقط من (ح).
(4) في (م): ((خجلة)).
(5) قال الحافظ في "الفتح" (6/284): قال ابن المنير: كأنه عومل بنقيض قصده؛ لأن عادة اللواء أن يكون على الرأس، فنُصب عند السفل؛ زيادة في فضيحته؛ لأن الأعين غالبًا تمتد إلى الألوية فيكون ذلك سببًا لامتدادها إلى التي بدت له ذلك اليوم؛ فيزداد بها فضيحة.اهـ..
(6) تقدم في باب من لا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه، من كتاب الإيمان برقم (83).
(7) وذكر القاضي عياض "الإكمال" (6/284) في هذا، احتمالين؛ أحدهما ما ذكره الشارح؛ وهو النهي عن أن يغدر الإمام والثاني: أن المراد النهي عن الغدر بالأئمة، والخروج عليهم وشق العصا؛ قال: كما جاء في الحديث الآخر في الثلاثة الذين لا يكلمهم الله: ((ورجل بايع إمامًا لا يبايعه إلا للدنيا؛ فإن أعطى له ما يريد وضفَى له، وإلا لم يف)).اهـ. قال النووي في "شرح مسلم" (12/44): ((والصحيح الأول). وقال الحافظ في "الفتح" (6/284) بعد نقل كلام القاضي: قلت: (أي الحافظ): ولا أدري ما المانع من حمل الخبر على أعم من ذلك وسيأتي مزيد بيان لذلك في كتاب الفتن حيث أورده المصنف (البخاري) فيه أتم مما هنا، وأن الذي فهمه ابن عمر راوي الحديث هو هذا والله أعلم.اهـ.
دليل الحافظ ظن أن القاضي يذكر الاحتمالين في قوله: ((لكل غادر لواء يوم القيامة...))، وليس كذلك؛ لأن هذا عام فعلاً، أما ما عناه القاضي والنووي، فهو في قوله ص: ((ولا غادر أعظم غدرًا من أمير عامة))؛ لأنه ذكره بعد قوله السابق، فترجح التخصيص، وبقي النظر في الاحتمالين، والصحيح ما صححه النووي. والله أعلم.
وانظر "فتح الباري" (13/68- 69) كتاب الفتن، باب: إذا قال عند قوم شيئًا ثم خرج فقال بخلافه.
(8) في (ي): ((الإمام)).
(9) في (ز) و(ي): ((إذا قلنا)).
(10) في (ز): ((يتخيل)).
(11) في (م): ((ويدار)).
(12) في (أ) و(ز) و(ي): ((محمل)).
(13) في (ح): ((المجدود)).
(14) في (م): ((يكون)).
(15) في (ي): ((ذا)).
(16) قال ثعلب عن ((خَدعْة)) بضم الخاء وسكون الدال: ذُكر أنها لغة النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقال الخطابي: وهي أجودها. وقال الجوهري: خَدْعة وخُدْعة، والفتح أفصح. وقال عياض: وهي أفصح اللغات. وقال ابن الأثير: وهو أفصح الروايات وأصحها. وقال النووي: اتفقوا على أنها أفصحها. وقال الحافظ: وبذلك جزم أبو ذر الهروي والقزاز. قال القاضي: قال ثعلب: وقال بعضهم: معناه أنها تخدع أهلها؛ وصف الفاعل باسم المصدر. وقيل يحتمل أن يكون وصفًا للمفعول؛ كما قيل درهم ضرب الأمير؛ أي: مضروبه.
ومعنى أنها ((ذات خَدْعة)) واحدة؛ أي: ينقضي أمرها بخدعة واحدة؛ فمن خُدع فيها مرة لم يقل العثرة بعدها. وخطأ ابن درستويه ثعلبًا في قوله إنها لغة النبي؛ قال: لأنها ليست بلغة قوم دون قوم، بل هي كلام الجميع.اهـ.
قال الحافظ: قال أبو بكر بن طلحة: أراد ثعلب أن النبيَّ كان يستعمل هذه البنية كثيرًا؛ لو جاز لفظها ولكونها تعطى معنى البنيتين الأخيرتين. (أي: خُدْعة وخُدَعة). قال: ويعطى معناها أيضًا الأمر باستعمال الحيلة مهما أمكن ولو مرة، وإلا فقاتل، قال: فكانت مع اختصارها كثير المعنى.اهـ. وقيل: الحكمة في الإتيان بالتاء؛ للدلالة على الوحدة؛ فإن الخداع إن كان من المسلمين فكأنه حضهم على ذلك ولو مرة واحدة، وإن كان من الكفار فكأنه حذرهم من مكرهم ولو وقع مرة واحدة؛ فلا ينبغي التهاون بهم؛ لما ينشأ عنهم من المفسدة ولو قل.اهـ.
انظر: "شرح الفصيح" لابن هشام اللخمي (ص127- 128)، "إسفار الفصيح" (2/602)، "تصحيح الفصيح" (ص263- 264)، "أعلام الحديث" (2/1432)، "معالم السنن" (3/433)، "غريب الحديث" للخطابي (2/166)، "الإكمال" (6/42)، "مشارق الأنوار" (1/231)، "النهاية" (2/14)، "شرح النووي" (7/169)، (12/45)، "الفتح" (6/158).(1/226)
بالصورةِ المستحسنةِ، ثم تتجلَّى (1) عن صورةٍ مستقبحةٍ (2) ؛ كما قال الشاعرُ:
الْحَرْبُ أَوْلُ مَا تَكُونُ (3) فُتَنَّةً ... تَسْعَى (4) بِبِزَّتِهَا (5) لِكُلِّ جَهُولِ (6)
وقال الآخرُ (7) :
وَالْحَربُ (8) لَا يَبْقَى (9) ِلجَـ ... ـحِمِهَا (10) التَّخَيُّلُ والمِرَاحُ (11)
وفائدةُ الحديثِ على هذا: ما قاله (12) في الحديثِ الآخرِ: ((لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَاسْأَلوُا اللهَ العَافِيَةَ)).
وقد رُوي هذا الحرفُ ((خُدْعَة (13) )) بضمِّ الخاءِ وسكونِ الدالِ، وهو اسمُ ما يُفعلُ به الخِداعُ؛ كـ((اللُّعْبة)) لما يُلعَبُ به، و((الضُّحْكةِ)) لمن (14) يُضحكُ منه (15) . فكأنها (16) لما أُوقِع (17) فيها الخداعُ خُدِعتْ هي في نفِسها (18) . ورُوي: ((خُدَعة)) بضمِّ الخاءِ وفتحِ الدالِ؛ أي: هي التي تفعلُ ذلك، لِتَخْدَعَ (19) أهلَها، على ما تقدم. و((فُعَلة)) تأتي (20) بمعنى الفاعلِ؛ كـ((ضُحَكة))، و((هُزَأة)) (21) ، و((لُمَزة))، للذي يفعلُ ذلك (22) . والله تعالى أعلمُ. =(3/522)=@ &(3/412)&$ %(1/227)%
__________
(1) في (أ) و(م) (ي): ((تنجلي)).
(2) في (م): ((مستحسنة)). وهذا المعنى هو الذي أشار إليه القاضي بأنه وصف الفاعل باسم المصدر؛ أي: هي التي تفعل ذلك. وانظر التعليق السابق ومصادره.
(3) في (ب) و(م): ((يكون)).
(4) في (ي): (يسعى)).
(5) في (ي): ((ببزتلها)) غير منقوطة.
(6) البيت من بحر الكامل، وهو أول ثلاثة أبيات، وبعده:
حتى إذا استْعرتْ وشُبَّ ضِرامُها ... عادت عجوزًا غيرَ ذاتِ حِليلِ
شمطاءَ جَزَّتْ رأسَها وتنكْرتْ ... مكروهةً للشمِّ والتقبيلِ
واختلف في نسبة هذه الأبيات، فهي في ديوان عمرو بن معد يكرب الزبيدي، ونسبها إلى سيبويه في "الكتاب"، والسرافي في "شرح أبيات سيبويه"، وبن سيده في "المحكم"، وصاحب الحماسية البصرية فيها، والبطليوسي في "شروح سقط الزند"، والمبرد في "الكامل" (حكاه عنه الحافظ في "الفتح") ونقل عن السهيلي في "الروض الأنف" جزمه بذلك. ونُسبت الأبيات أيضًا لامرئ القيس، وهي في ملحق ديوانه، ونسبت إليه في "صحيح البخاري"، وفي "تاريخ دمشق" أن عَمرًا أنشدها من شعر امرئ القيس؛ حيث قال عَمرو لعُمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سأله عُمر عن الحرب -: وإنها لكما قال عمي امرؤ القيس... ثم ذكر الأبيات.
وقوله: ((فتية)) قال القاضي عياض: تصغير ((فتاة)) وضبطه الأصيلي ((فتية)) بفتح الفاء، وهما بمعنًى، والأول أشهر في الرواية وأصوب؛ لاسيما مع قوله في البيت الثاني: ((ولت عجوزًا...)).
وقوله: ((أول ما تكون فتية)) يجوز فيه أربعة أوجه: رفع ((أول)) ونصب ((فتية)) فـ((الحرب)) مبتدأ و((أول)) مبتدأ ثان و((فتية)) حال سدت مسد الخبر، والجملة خبر ((الحرب)). ومن عكس فتقديره: ((الحرب في أول أحوالها فتية))؛ فـ((الحرب)) مبتدأ و((فتية)) خبرها و((أول)) منصوب على الظرف. ومن رفعهما فالتقدير: ((الحرب أول أحوالها)) فـ((أول)) مبتدأ ثان أو بدل من ((الحرب)) و((فتية)) خبر. ومن نصبهما جعل ((أول)) ظرفًا و((فتية)) حالاً، ,التقدير: ((الحرب في أول أحوالها إذا كانت فتية)) و((تسعى)) خبر عنها؛ أي: ألحرب في حال ما هي فتية؛ أي: في وقت وقوعها يفر من لم يجربها حتى يدخل فيها فتهلكه وقوله: ((ببزتها)) يروى: ((بزينتها)) من الزينة، والبزة اللباس الجيد.
وشاهد الشارح في معنوي؛ وذلك أن الحرب إنما يُعرف ما فيها من الشر إذا أدبرت، فأما إذا أقبلت فإنها تزين ويظن أن فيها خيرا فإذا ذاق الناس ما فيها من الشر والمرارة والبلاء صار ذلك مبينًا لهم مضرتها وواعظًا لهم أن يعودوا في مثلها.
وانظر: ديوان عمرو بن معد يكرب (ص154- 155)، وملحق ديوان امرئ القيس (ص353)، وصحيح البخاري، كتاب الفتن، باب الفتن تموج كموج البحر، قبل الحديث (7096)، و"فتح الباري" (13/49)، وكتاب سيبويه (1/401- 402)، و"شرح أبيات سيبويه" (1/293)، (2/178)، و"المحكم" (1/70)، و"الحماسة البصرية" (1/66)، و"شروح سقط الزند" (4/1638)، و"الكامل" (؟؟؟/؟؟؟)، و"لسان العرب" (8/64)، و "تاج العروس" (11/84) (خدع)، و "تاريخ دمشق" (46/387)، و "العقد" (1/94)، والبيت بلا نسبة في "مجمع الأمثال" (1/144)، و "مشارق الأنوار" (2/146)، و "المقتضب" (3/251)، و"لسان العرب" (15/147)، و "النهاية" (3/412)، و "شرح الحماسة" للمرزوقي (ص252، 368، 408)، و "عيون الأخبار" (1/210)، و "الشعر والشعراء" (1/373).
(7) قوله: ((وقال الآخر)) سقط من (ح) وفي (ي) و(م): ((وقال آخر))، وفي (أ): ((وقال)) فقط.
(8) في (ب) و(ز) و(م): ((الحرب)).
(9) في (م): ((تبقى)).
(10) في (ب) و(ز) و(م): ((لحاجمها))، وفي (ي): ((لجامحها)).
(11) في (ز) و(ي): ((التخبل والمزاح)).
والبيت من بحر الكامل، وهو لسعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة جد طرفة بن العبد، من قصيدة قالها في حرب البسوس يعرِّض فيها بالحارث بن عُباد لما اعتزل الحرب، يقول فيها:
يا بؤسَ للحرب التي ... وضعت أراهطُ فاستراحوا
والحرب لا يبقى لجا ... حمها التخيل والمِراحُ
إلا الفتى الصبار في النْـ ... ـنَجدات والفرس الوَقاحُ
والنَّثْرَةُ الحَصداءُ والْـ ... ـبَبْضُ المُكَلَّلُ والرِّماحُ
و((يبقى)): يصمد ويصبر. و((الجاحم)): التوقد والالتهاب. و((التخيل)): الخيلاء. و((المِراح)): المرح واللعب. يقول: إذا اشتدت الحرب ذهب الخيلاء والمرح، ومن لم يجدَّ في الحرب لم يصبر على شدتها. وهو يعرض هنا بمن قعد عن الحرب ويقول إنهم كانوا أصحاب بطر وخيلاء ومرح ونزق، فلم تثبت أقدامهم عند اللقاء.
والبيت لسعد في شرح أبيات سيبويه (2/178)، و"شرح ديوان الحماسة" للشنتمري (1/170)، "شرح ديوان الحماسة" للمرزوقي (ص500)، "ديوان الحماسة" للتبريزي (1/192)، "الأغاني" (5/46)، "المؤتلف والمختلف" (ص198)، "خزانة الأدب" (1/470)، (3/317). وللحارث بن عُباد في كتاب سيبويه (2/324). وبلا نسبة في الزاهر في "معاني كلمات الناس" (1/13، 121)، و"جمهرة اللغة" (1/562)، و"لسان العرب" (12/85)، و"فتح القدير" (2/68)، و"تاج العروس" (16/95).
(12) في (ب) و(م): ((قال)).
(13) قوله: ((الحرف خدعة)) في (ز): ((الحديث)) فقط.
(14) في (م): ((لما)).
(15) في (ح): ((به)).
(16) في (ز): ((فكأنه)).
(17) في (أ): ((وقع))، وفي (ب) و(م): ((أوقع الله)).
(18) قال القاضي في "المشارق" (1/231): ومن قالها بضم الخاء وسكون الدال فمعناه أنها تُخدع؛ أي: أهلُ الحرب ومباشروها.اهـ. أي: على تقدير مضافٍ.
(19) في (أ) و(ح): ((فتخدع)).
(20) في (م): ((يأتي)).
(21) قوله: ((وهزأة)) في (ي): ((أي هزأة)).
(22) وذكر القاضي في "المشارق" لغة رابعة؛ بفتح الخاء والدال؛ جمع خادع؛ يعني أن أهلها بهذه الصفة؛ فلا تطمئن إليهم؛ كأنه قال: أهل الحرب خَدَعةٌ.
وذكر هذا اللغة في "الفتح" عن المنذري، ثم قال: وحكى مكي ومحمد بن عبد الواحد لغة خامسة؛ كسر أوله مع الإسكان؛ قرأت ذلك بخط مغلطاي.اهـ. وهذه اللغة ذكرها في "القاموس"؛ قال: ((والحرب خدعة مثلته، وكهمزة)). "المشارق" (1/231)، "الفتح" (6/158)، "القاموس" (3/16) .(1/227)
ومن بابِ النهيِ عن تمنِّي لقاءِ العدوِّ
قوله (1) : ((لا تتمنوا لقاء العدو))؛ قيل (2) : إن فائدةَ هذا النهي ألا يُستخف (3) أمرُ العدوِّ؛ فيتساهلَ في الاستعدادِ (4) له والتحرُّزِ منه (5) ؛ وهذا (6) لما فيه من المكارِهِ والمحنِ والنكالِ؛ ولذلك قال متَّصِلاً به: ((واسْألوا (7) الله العافيةَ)).
وقيل: لما يُخافُ من إدالةِ (8) العدوِّ، وظَفَرهِ بالمسلمين. وقد رُوي (9) في هذا الحديثِ: ((فَإِنَّهُمْ (10) يَظْفَرُونَ (11) كَمَا تُنْصَرُونَ)) (12) .
وقيل: لما يؤدِّي (13) إليه من إذهابِ حياةِ النفوسِ التي يزيدُ بها المؤمنُ خيرًا، ويُرجى للكافرِ فيها أن يُراجعُ، وكلُّ ذلك محتَمَلٌ. والله تعالى أعلمُ.
ولا يقالُ: فلقاءُ العدوُّ وقتالهُ (14) طاعةٌ يَحصُلُ (15) منه: إمَّا الظَّفَرُ بالعدوِّ، وإما الشهادةُ؛ فكيف ينهى عنه وقد حَضَّ (16) الشَّرعُ على تمنِّي الشهادِة،ورغَّب فيه، فقال (17) : ((مَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهادَةَ (18) صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ، بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ)) (19) ؟! لأنا نَقول: لقاءُ العدوِّ وإن (20) كان جهادًا وطاعًة ومحصِّلاً لأحدٍ (21) الأمرينِ، فلم يُنه عن تنِّيه (22) من هذه الجهاتِ، وإنما نُهي عنه من جهاتِ تلك الاحتمالاتِ =(3/523)=@ المتقدِّمةِ، %(1/228)%
__________
(1) في (أ): ((قوله)).
(2) في (ح): ((وقيل)).
(3) في (م): ((يستحب)).
(4) في (أ): ((الاستعاد)).
(5) ذكره المازري في "المعلم" (3/11) وذكر قولاً آخر؛ وهو أن معناه: لا تتمنوا لقاء العدو على حالة يشك في غلبته لكم أو يخاف منه أن يستبيح ؟؟؟. وسيذكره الشارح بعد، وذكر القولين النووي في "شرح مسلم" (12/45- 46) وصحح الأول.
(6) قوله: ((وهذا لما...))إلخ، كذا في النسخ، ولعل الصواب: ((وقيل: لما...)) فإن هذا قول آخر في معنى الحديث، ذكره القاضي عياض في "الإكمال" (6/43)، وحكى نحوه الحافظ في "الفتح" (6/156) عن ابن بطال، ثم ذكر القولين الآخرين.
(7) في (ح): ((وسلوا)).
(8) في (ح) و(ي): ((إذالة)).
والإدالة؛ من الدَّولة للجيشين يهزم هذا هذا، ثم يُهزم الهازم.
والمعنى: أن تصير هل الدَّوْلةُ على المسلمين. انظر: "تهذيب اللغة" (14/175).
(9) في (ب): ((وقد ذكر))، في (ح): ((فقد ذكر)).
(10) في (ي): ((بأنهم))
(11) في (ب): ((ينصرون)).
(12) تخريج.
(13) في (أ): ((يؤدي)) بالياء والتاء معًا .
(14) سقط من (م).
(15) يقرا في (ز): ((فنحصل منه))، وقوله: ((طاعة يحصل منه)) في (ي): ((تحصل به)).
(16) قوله: ((وقد حض)) يقرأ في (ب): ((ويرخص)).
(17) في (ب): ((يقال)).
(18) قوله: ((سأل الله الشهادة)) في (أ): ((سأل الشهادة)).
(19) سيأتي في باب الغنيمة نقصان من الأجر .
(20) في (ب): ((فإن)).
(21) في (ب): ((لأجر)).
(22) قوله: ((عن تمنيه)) في (أ): ((عنه)).(1/228)
ثم هو ابتلاءٌ وامتحانٌ لا يُعرفُ عن ماذا تُسفر (1) عاقبتُه، وقد لا تحصلُ فيه لا غنيمةٌ ولا شهادةٌ، بل ضدُّ ذلك.
وتحرُيره: أن تمنيِّ (2) لقاءِ العدوِّ المنهيَّ عنه (3) غير تمنيِّ الشهادةِ المرغَّبِ فيه؛ لأنه قد يحصلُ (4) اللقاءُ ولا تحصلُ الشهادةُ ولا الغنيمةُ؛ فانفصلا (5) . &(3/413)&$
وقد فهم بعضُ العلماءِ من هذا الحديثِ كراهةَ (6) المبارزةِ (7) ؛ وبهذا (8) قال الحسنُ، ورُوي عن عليٍّ - رضي الله عنه - أنه قال: ((يَا بُنَّي! لا تَدْعُ أحدًا إلى المبارزةِ، ومَنْ دَعَاكَ إليها فاخرجْ إليه، فإنه باغٍ، وقد ضَمِن الله تعالى نصرَ من بُغِيَ عليه)) (9) . وقال ابنُ المنذرِ: أجمعَ كلُّ من أحفظُ عنه على (10) جوازِ المبارزةِ والدَّعوةِ إليها.
وشَرط بعضُهم فيها إذنَ الإمامِ؛ وهو قولُ الثوريِّ، والأوزاعيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ،، ولم يشترطْه (11) غَيُرهم؛ وهو قولُ مالكٍ، والشافعيِّ. واختلفوا: هل يعيّن المبارَز غيره أم لا؟ على قولين.
وقوله: ((إنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان ينتظرُ حتى إذا مالت الشمس))؛ يعني: أنه كان يؤخِّر القتالَ عن الهاجرةِ إلى أن تميلَ الشمسُ ليبردَ (12) الوقتُ على المقاتِلةِ، ويخفَّ عليهم حملُ السلاحِ، التي يؤلم حملُهَا في شدَّةِ الهاجرةِ؛ ولأن ذلكَ الوقتَ وقتُ الصلاةِ، وهو مظنَّةُ إجابة الدعاءِ. وقيل: بل كان يفعلُ ذلك لانتظارِ هبوبِ ريحِ النصرِ التي نُصر (13) بها؛ كما قال: ((نُصِرْتُ بالصَّبَا)) (14) ، وفي حديثٍ آخر؛ أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينتظرُ حتى تزولَ الشمسُ، وتهبَّ رياحُ (15) النصرِ (16) . =(3/524)=@ %(1/229)%
__________
(1) في (ح): ((استقرت)) وفي (ب) و(ز) و(ي): ((عما تسفر)) وفي (م): ((عما يسفر)).
(2) سقط من (أ) و(ح).
(3) قوله: ((المنهي عنه)) في (ح): ((والنهي عنه)).
(4) في (م): ((تحصل)).
(5) ذكر نحوه المازري في "المعلم" (3/11) لكنه قال: قد يشكل هذا الموضع أن يقال: إذا كان الجهاد طاعة فتمني الطاعات حسن فكيف ينهى عنه... إلخ. وعبارة الشارح هنا أوفق؛ قال الأبي في "شرحه" (5/54) بعد نقل كلام المازري: قلت جَعَلَ (أي: المازري) تمني لقاء العدو جهادًا، أو مستلزمًا للجهاد، وانظر العكس: وهو تمني الجهاد هل هو تمنٍّ للقاء العدو أو مستلزم له، والأقرب أنه مستلزم له. وأما تمني الشهادة فليست ملزومة لتمني لقاء العدو؛ فتجوز.اهـ.
(6) في (ح): ((كراهية)).
(7) في (ز): ((المبادرة)).
(8) في (ب) و(ح) و(ز) و(م) و(ي): ((وبها)).
(9) بنحوه ذكره ابن حجر في "الفتح" (6/157)، وذكره المناوي في "فيض القدير" (6/388).
(10) قوله: ((من أحفظ عنه على جواز)) في (ب) و(م): ((من أحفظ عنه عن علي كرم الله وجهه جواز)). وقد ذكر عبارة ابن المنذر القاضي في "الإكمال" (6/43).
(11) في (أ) و(ز): ((يشترط)).
(12) لم يتضح في (أ).
(13) في (ز): ((يضر)).
(14) تقدم في الاستسقاء، باب التبرك بالمطر والفرح به برقم(771).
(15) في (م): ((ريح)).
(16) أخرجه ابن أبي شيبة (6/481 رقم33071) في السير، باب في قتال العدو: أي ساعة تستحب، وأحمد (5/444-445)، وأبو داود (3/113 رقم2655) في الجهاد، باب في أي وقت يستحب اللقاء، والترمذي (4/137 رقم1613) في السير، باب ما جاء في الساعة التي يستحب فيها القتال، وابن حبان (11/70-71 رقم4757/الإحسان) من طريق ابن أبي شيبة، والحاكم (2/116)، والبيهقي (9/153) من طريق أبي داود؛ جميعهم من طريق حماد بن سلمة، عن أبي عمران الجوني، عن علقمة بن عبدالله المزني، عن معقل بن يسار؛ أن النعمان - يعني: ابن مقرن - قال: شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يقاتل من أول النهار، أخَّر القتال حتى تزول الشمس، وتهب الرياح، وينزل النصر .
قال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح)). وقال الحاكم: ((صحيح على شرط مسلم))، ووافقه الذهبي. وأصله عند البخاري (6/258 رقم3160) في الجزية والموادعة، باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب .(1/229)
وقوله: ((اللهم مُنْزلَ الكتابِ، ومُجْري السحاب، وهازم الأحزاب (1) ، سريعَ الحسابِ))؛ دليلٌ على جوازِ السَّجْعِ في الدعاءِ إذا لم يُتكلَّفْ (2) .
والأحزابُ: جمع ((حزب))؛ وهم الجمعُ والقطعةُ من الناسِ؛ ويعني بهم الذين تحزَّبوا عليه في المدينةِ، فهزمهم الله تعالى بالريحِ (3) .
ووَصْفُ اللهِ تعالى بأنه سريعُ الحسابِ؛ يعني به: يعلمُ الأعدادَ المتناهيةَ وغيرَها في آنٍ واحدٍ، فلا يحتاجُ في ذلك إلى فكرٍ ولا عَقْدٍ؛ كما يفعلُه (4) الحُسَّاب (5) منَّا. &(3/414)&$
وقوله: ((الجنَّة تحتَ ظلالِ السيوفِ))؛ هذا من الكلامِ النفيسِ البديعِ (6) ، الذي (7) جَمعَ ضروبَ البلاغةِ، من جزالةِ اللفظِ وعُذُوبتِهْ، وحُسْنِ استعارتِهْ، وشمولِ المعاني الكثيرةِ، مع الألفاظِ المعسولةِ (8) الوجيزةِ؛ بحيثُ تعجْز (9) الفصحاءُ، اللُّسْنُ البلغاءُْ، عن إيرادِ مثلِهِْ، أو أن (10) يأتوا بنظيره وشكلِهِْ؛ فإنه استُفيد منه - مع وجازتهِ - الحضُّ على الجهادِ، والإخبارُ بالثوابِ عليه، %(1/230)%
__________
(1) قوله: ((ومجري السحاب وهازم الأحزاب)) سقط من (ح).
(2) في (ب): ((مكلف)). [هذا الهامش حُذف ولم يُحذف من المتن].
(3) يعنيك في غزوة الخندق، وقال النووي: هذا هو المشهور... قال القاضي: وقيل: يحتمل أن المراد أحزاب الكفر في جميع الأيام والمواطن.اهـ. قال الحافظ عن الأول: وقيل فيه نظر؛ لأنه يتوقف على أن هذا الدعاء إنما شرع من بعد الخندق. والجواب أن غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - التي خرج فيها بنفسه محصورة، والمطابق منها لذلك غزوة الخندق. انظر: "شرح النووي" (8/177)، (9/113)، و"الفتح" (11/190).
(4) في (ب): ((تفعله)).
(5) ذكره الطبري في "تفسيره" (4/207- 208)؛ قال في قوله تعالى: {والله سريع الحساب} [البقرة: ]: إنما وصف – جل ثناؤه - نفسه بسرعة الحساب؛ لأنه جل ذكره يُحصى ما يحصى من أعمال عباده بغير عقِد أصابعٍ ولا فكر روية؛ فعلَ العجزة الضعفة من الخلق، ولكنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يعزب عنه مثقال ذرة فيهما، ثم هو مُجازٍ عباده على كل ذلك؛ فلذلك جل ذكره امتدح بسرعة الحساب، وأخبر خلقه أنه ليس لهم بمِثْلٍ، فيحتاجَ في حسابه إلى عقد كف أو وَعْي صدر!.اهـ.
وقال القاضي عياض في "الإكمال" (6/45): و((سريع الحساب)) أي: سريع فيه، أو المعنى أن مجيء الحساب سريع!
(6) في (ز): ((السريع)).
(7) في (م): ((التي)).
(8) في (ز): ((المغسولة)).
(9) في (ح): ((تعجز)).
(10) قوله: ((أو أن)) في (ز): ((وأن)).(1/230)
والحضُّ (1) على مقاربةِ العدوِّ، =(3/525)=@ واستعمالِ السُّيوفِ، والاعتمادِ عليها، واجتماعُ المقاتلين حين الزحفِ بعضِهم لبعضٍ، حتى تكونَ سيوفُهم بعضُها يقعُ (2) على العدوِّ، وبعضُها يرتفعُ عنهم (3) ؛ حتى كأن السيوفَ أظلَّت (4) الضاربينَ بها؛ ويعني: أن الضاربَ بالسيفِ في سبيلِ الله يُدخلُه اللهُ الجنةَ بذلك؛ وهذا (5) كما قالهَ في الحديثِ الآخرِ (6) : ((الجنَّةُ تَحْتَ أَقْدَامِ الأُمَّهَاتِ)) (7) ؛ أي: مَنْ برَّ أُمَّه وقام بحقِّها، دخل الجنَّةَ.
وقوله يوم أحدٍ: ((اللهم إنك (8) إن تشأْ لا (9) تُعبدْ في الأرضِ))؛ هذا منه - صلى الله عليه وسلم - تسليمٌ لأمرِ الله تعالى فيما شاء (10) أن يفعلَه، وهو ردٌّ على غُلاةِ المعتزلِة؛ حيث قالوا: إن الشرَّ غيرُ مرادٍ لله تعالى. وقد ردَّ مذهبَهم نصوصُ الكتابِ؛ كقوله تعالى: {كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء} (11) ، ومثلُها كثيرٌ.
وفي (12) هذا الحديثِ أنه - صلى الله عليه وسلم - قال هذا الكلامَ يومَ أحدٍ. والذي ذكره أهلُ السيرِ: أن ذلك إنما قاله يوم بدرٍ. وكذلك وقع في بعضِ رواياتِ مسلمٍ، وسيأتي (13) . ويحتملُ: أن يكونَ قاله في اليومين معًا. والله تعالى أعلمُ. =(3/526)=@ &(3/415)&$ %(1/231)%
__________
(1) في (أ) و(ي): ((والحظ)).
(2) في (م): ((تقع)).
(3) قوله: ((يرتفع عنهم)) في (ب) و(م): ((ترتفع عليهم))، وفي (ي): ((ترتفع عنهم)).
(4) في (م): ((أضلت)).
(5) في (ب): ((وهو)).
(6) قوله: ((كما قاله في الحديث الآخر)) بدله في (أ): ((كما قال)).
(7) أخرجه أبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" (3/568-569 رقم721)، وفي "الفوائد" (ص58 رقم25)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (ص؟؟؟ رقم118)، والخطيب في "الجامع، لأخلاق الراوي وآداب السامع" (2/347 رقم1765)؛ جميعهم من طريق منصور بن المهاجر البزوري، عن أبي النضر الأبَّار، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((الجنة تحت أقدام الأمهات)).
قال المناوي في "فيض القدير" (3/362): ((قال ابن طاهر: ومنصور وأبو النضر لا يعرفان، والحديث منكر)). وقال الزبيدي في "الإتحاف" (3/1252 رقم1890/ استخراج الحداد): ((وإسناده ضعيف، وفيه من لا يعرف)). وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (ص394 رقم2666)، وانظر "الضعيفة" (2/59 رقم593).
وله شاهد من حديث معاوية بن جاهمة: يرويه محمد بن طلحة، واختلف عليه: فأخرجه أحمد (3/429) عن روح بن عبادة، وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (1/121)، والحاكم (4/151) من طريق الحسن بن سهل المجوز، والخطيب في"الجامع لأخلاق الراوي" (2/347 رقم1764) من طريق عبدالملك بن محمد الرقاشي؛ ثلاثتهم- البخاري، والحسن بن سهل، وعبدالملك بن محمد - عن أبي عاصم النبيل. وأخرجه ابن ماجه (2/930 رقم2781) في الجهاد، باب الرجل يغزو وله أبوان، والنسائي (6/11 رقم 3104 في الجهاد، باب الرخصة في التخلف لمن له والدة، والحاكم (2/104)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/178 رقم7833و7834) من طريق الحاكم وغيره - جميعهم من طريق حجاج بن محمد؛ ثلاثتهم (روح بن عبادة، وأوب عاصم، وحجاج بن محمد) عن ابن جريج، أخبرني محمد بن طلحة بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق، عن طلحة بن عبدالله، عن معاوية بن جاهمة؛ أن جاهمة - رضي الله عنه - أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أردت أن أغزو فجئت أستشيرك، فقال: ((ألك والدة؟ )) قال: نعم، قال: ((اذهب فالزمها؛ فإن الجنة عند رجليها)).
ورواه سفيان بن حبيب، ويحيى بن سعيد الأموي، عن ابن جريج، لكن قالا: عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، عن معاوية بن جاهمة، عن أبيه. أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (1/122)، والطبراني في "الكبير" (2/289 رقم2202)، وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال" (ص276-277 رقم291)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/178 رقم7832)، والخطيب في "تاريخه" (3/324)، وابن الأثير في "أسد الغابة" (1/315) من طريق ابن شاهين .
ورواه محمد بن إسحاق، عن محمد بن طلحة، عن معاوية بن جاهمة؛ أخرجه ابن أبي شيبة (6/522 رقم33449) في السير، باب الرجل يغزو ووالداه حيان، أله ذلك؟ والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/121-122)، وابن ماجه (2/929-930 رقم2781) في الموضع السابق، وأبو الشيخ في "الفوائد" (ص56 رقم24)، والطبراني في "الكبير" (8/311 رقم8162).
وهذا الحديث قد حصل فيه اختلافات كثيرة :
1 - اختلاف بعضهم بوصل السند إلى جاهمة، وبعضهم إلى معاوية بن جاهمة فقط .
2 - اختلافهم على محمد بن طلحة؛ فبعضهم يرويه عن محمد بن طلحة، عن طلحة، عن معاوية. وبعضهم يرويه عن محمد بن طلحة، عن معاوية بن جاهمة .
3 - اختلافهم في نسب محمد بن طلحة: فبعضهم يقول: محمد بن طلحة بن عبيدالله بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق، وبعضهم يقول: محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة .
وقد اختلفت أقوال العلماء في توجيه هذه الروايات: فرجَّح أبو حاتم وأبو زرعة رواية محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن طلحة، كما في "العلل" لابن أبي حاتم (1/312 رقم926). ورجَّح البيهقي في "شعب الإيمان" (6/178) رواية حجاج بن محمد، عن ابن جريج. ورجا الحافظ "الإصابة" (2/54) رواية سفيان بن حبيب. وحكى في "التهذيب" وجوه الاختلاف، ثم قال: ((تلخص من ذلك أن الصحبة لجاهمة، وأنه هو السائل، وأن رواية معاوية ابنه عنه صواب، وروايته الأخرى مرسلة، وقول أبن إسحاق في روايته عن معاوية: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهْم منه؛ لأن بن جريج أحفظ من ابن إسحاق وأتقن، على أن يحيى بن سعيد الأموي قد روى عن ابن جريج مثل رواية بن إسحاق فوهم، وقد نبَّه على غلطه في ذلك أبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة" والله تعالى أعلم. وقال العسكري: معاوية بن جاهمة روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحسبه مرسلاً، والحديث إنما هو عن أبيه جاهمة)).اهـ. "التهذيب" (4/105).
والحديث قال عنه الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. قال الألباني في "الإرواء" (5/21): ((كذا قالا، وطلحة بن عبدالله لم يوثقه غير ابن حبان، لكن روى عنه جماعة، فهو حسن الحديث إن شاء الله، وفي "التقريب"- (ص464 رقم3040)-: ((مقبول)).اهـ.
وجوّد إسناده المنذري في "الترغيب" (3/285 رقم3656)، وحسَّن إسناده الألباني في "صحيح الجامع" (1/269 رقم1248 و1249)، وفي "الضعيفة" (2/59).
وجوَّد إسناده في تعليقه على "المشكاة" (3/1382 رقم4939).
(8) قوله: ((إنك)) سقط من (ح) و(ز) و(ي).
(9) في (ح) و(ي): ((ألا)).
(10) في (ي): ((يشاء)).
(11) سورة المدثر؛ الآية: 31.
(12) في (ح): ((في)).
(13) في باب الإمام مخير في الأسارى برقم (1279).(1/231)
ومن باب النهي عن قتل النساء والصبيان
قوله: ((نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء والصبيان (1) ))هذا اللفظُ عامٌّ في جميعِ نساءِ أهلِ الكفرِ؛ فتدخلُ (2) فيهم المرتدةُ وغيرُها، وبه تمسَّك أبو حنيفةَ في منعِ قتلِ المرتدةِ. ورأى الجمهورُ أنه لم يتناولِ المرتدةَ؛ لوجهين:
أحدُهما: أن هذا العمومَ خرجَ على نساءِ الحَرْبيِّين؛ كما هو مبيَّنٌ في الحديثِ.
الثاني: قولُه - صلى الله عليه وسلم - : ((مَنْ بَدَّلَ دِينَه فَاقْتُلُوهُ)) (3) . وَفي المسألةِ أبحاثٌ تُعلم (4) في علمِ الخلافِ.
قال القاضي أبو الفضل عياضٌ: أجمع العلماءُ على الأخذِ بهذا الحديثِ في تركِ قتلِ النساءِ والصِّبيان، إذا لم يُقاتلوا.
واختلفوا إذا قاتلوا. =(3/527)=@ فجمهورُ العلماءِ وكافةُ مَنْ يُحفظُ عنه على أنهم إذا قَاتلوا قُتلوا. قال الحسنُ: وكذلك لو خرج النساءُ معهم إلى بلادِ الإسلامِ. %(1/232)%
__________
(1) من قوله: ((قوله نهى ....)) إلى هنا، سقط من (ح).
(2) في (ح) و(ي): ((فدخل)).
(3) البخاري (6/149 رقم3017) في الجهاد، باب لا يعذب بعذاب الله، و(12/267 رقم6922) في استبانة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم .
(4) في (م): ((يعلم)).(1/232)
ومذهبُنا: أنها لا تقتلُ في مثلِ هذا، إلا إذا قاتَلَتْ.
واختلف أصحابُنا إذا &(3/416)&$ قاتلوا ثم لم يُظفرْ بهم حتى بَرَد القتالُ، فهل يُقتلون كما تُقتل (1) الأسارى (2) ، أم لا يقتلون إلا في نفسِ القتالِ؟
وكذلك اختلفوا إذا رَمَوْا بالحجارةِ؛ هل حكمُ ذلك حكمُ القتالِ بالسلاحِ أم لا؟ والله أعلم (3) .
قلت (4) : والصحيحُ: أنها إذا قاتلتْ بالسِّلاحِ، أو بالحجارةِ، فإنه يجوزُ قتلُها؛ لوجهين:
أحدُهما: قولُه - صلى الله عليه وسلم - : فيما خرَّجه النَّسائُّي مِن حديثِ عمرَ بنِ مُرَقِّع (5) بنِ صيفيِّ بنِ رباحٍ، عن أبيه (6) ، عن جدِّه رباحٍ (7) : أنه - صلى الله عليه وسلم - مرَّ في غزاةٍ بامرأةٍ قُتيلٍ، فقال (8) : ((ما كانتْ هذه تقاتلُ)) (9) ؛ فهذا تنبيهٌ على المعنى الموجِب للقتلِ؛ فيجبُ طَرْدُه إلا أن يمنعَ منه مانعٌ.
والثاني: قتلُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لليهوديةِ التي طَرَحتِ الرَّحى على رجلٍ من المسلمين فقتلَتْه، وذلك بعدما أَسَرها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - (10) . وكلا الحديثين مشهورٌ.
وقوله: ((لو (11) أن خيلاً أغارت من الليلِ))؛ أي: أسرعتْ طالبةً غِرَّةَ العدوِّ، والإغارةُ: سُرعة السيرِ، ومنه قولهم: ((أَشْرِقْ ثَبِيرْ، كَيْمَا نُغِيرْ (12) )) (13) ؛ أي: نسرع (14) في =(3/528)=@ النَّفْرِ. والغارَةُ: الخيلُ نفسُها. وشَنُّ الغارةَ؛ أي: أرسلَ الخيلَ مسرِعةً (15) .
ويقال: أغارتِ الخيلُ ليلاً، وضُحًى، ومَساءً، إذا كان ذلك في تلك الأوقاتِ. فأما البياتُ: فهو أن يؤخذَ العدوُّ على غِرَّةٍ بالليلِ. %(1/233)%
__________
(1) في (أ): ((يقتل)).
(2) في (ب): ((الأسرى)).
(3) قوله: ((والله أعلم)) من (ب) و(م). وانظر كلام القاضي في "الإكمال" (6/48).
(4) قوله: ((قلت)) سقط من (ح) و(ي). وفي (ب) و(م): ((قال الشيخ رحمه الله)) وفي (ز): ((قال الشيخ رضي الله عنه)).
(5) في (ب): ((المرقع)) وهو صواب أيضًا.
(6) قوله: ((عن أبيه)) سقط من (ح).
(7) سقط من (أ).
(8) في (ح): ((فقالت))!
(9) أخرجه سعيد بن منصور (2/238 رقم2623)، وأحمد (3/488) و(4/346) من طريق سعيد بن منصور، وغيره، وابن ماجه (2/948 رقم2842) في الجهاد، باب الغارة والبيات وقتل النساء والصبيان، والنسائي في "الكبرى" (5/186-187 رقم8626)، وأبو يعلى (3/115-116 رقم1546)، وابن حبان (11/110 رقم4789) من طريق أبي يعلى، والطحاوي (3/221 و222) من طريق سعيد بن منصور، وغيره، والطبراني في "الكبرير"(5/5/72 رقم4619 و4620)، والبيهقي (9/91)؛ جميعهم من طريق المغيرة بن عبد الرحمن. وأخرجه أحمد (3/488)، والطبراني في "الكبير" (5/72 رقم4617 و4618)، والحاكم (2/122) ثلاثتهم من طريق ابن أبي الزناد .
وأخرجه أحمد (3/488) من طريق ابن جريج؛ ثلاثتهم - المغيرة بن عبدالرحمن، وابن أبي الزناد، وابن جريج - عن أبي الزناد.
وأخرجه أبو داود (3/121-122 رقم2669) في الجهاد، باب في قتل النساء، والنسائي في "الكبرى" (5/186 رقم8625)، والطبراني في "الكبير" (5/73 رقم4621 و4622). ثلاثتهم من طريق عمر بن المرقع.
كلاهما (أبو الزناد، وعمر بن المرقع ) عن المرقَّع بن صيفي، عن رباح بن الربيع قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة، فرأى الناس مجتمعين على شيء، فبعث رجلاً، فقال: ((انظر علام اجتمع هؤلاء؟ )) فجاء، فقال: على امرأة قتيل، فقال: ((ما كانت هذه لتقاتل)) الحديث .
قال الحاكم عقب روايته: ((رواه المغيرة بن عبدالرحمن، وابن جريج، عن أبي الزناد، فصار الحديث صحيحًا على شرط الشيخين))، ووافقه الذهبي.
قال الألباني في "الإرواء" (5/25): ((حسبه أن يكون حسنًا، فإن المرقع هذا لم يخرج له الشيخان شيئًا، ولم يوثقه غير ابن حبان، لكن روى عنه جماعة من الثقات، وقال الحافظ في "التقريب"- (ص930 رقم6605) -: ((صدوق)).
وله طرق أخرى: يرويه سفيان الثوري، عن أبي الزناد، عن المرقع بن صيفي، عن حنظلة الكاتب، مرفوعًا - جعله من مسند حنظلة الكاتب، بدلاً من رباح بن الربيع - أخرجه عبدالرزاق (5/201 رقم9382)، وابن أبي شيبة (6/486 رقم33107) في السير، باب من يُنهي عن قتله في دار الحرب، وابن ماجه (2/948 رقم2842) في الموضع السابق، من طريق ابن أبي شيبة، والنسائي في "الكبرى" (5/187 رقم8627)، وابن حبان (11/112 رقم4791/الإحسان)، والطحاوي (3/222).
قال ابن ماجه: قال أبو بكر ابن أبي شيبة: ((يخطئ الثوري فيه)). وقال أبو حاتم وأبو زرعة - كما في "العلل" لابن أبي حاتم (1/305 رقم914) -: (( هذا خطأ، يقال: إن هذا وهم الثوري؛ إنما هو المرقع بن صيفي، عن جده رباح بن الربيع أخي حنظلة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ كذا يرويه مغيرة بن عبدالرحمن، وزياد بن سعد، وعبدالرحمن بن أبي الزناد. قال أبو حاتم: والصحيح هذا)). اهـ.
وقال البيهقي في "معرفة السنن" (13/252): ((وأقام إسناده عن أبي الزناد: ابنه، والمغيرة بن عبدالرحمن، ورواه الثوري، عن أبي الزناد، عن مرقع، عن حنظلة الكاتب، قال البخاري: وهو وهم)).اهـ.
وأما ابن حبان فقد قال في "صحيحه" (12/113): ((سمع هذا الخبر المرقع بن صيفي، عن حنظلة الكاتب، وسمعه من جدِّه، وهما محفوظان)).
وقال الألباني في "الصحيحة"(2/314-315 رقم701): ((وهو الحق؛ لاتفاق من ذكرنا من الثقات عليها، ويقوي ذلك أن عمر بن المرقع بن صفي رواه عن أبيه مثل رواية الثقات عن أبي الزناد، كما تقدم، والابن أدرى برواية أبيه وجدِّه عادة)).اهـ.
(10) أخرجه أحمد (6/277)، وأبو داود (3/123 رقم2671) في الجهاد، باب في قتل النساء، والحاكم (3/35-36)، والبيهقي (9/82) من طريق الحاكم؛ ثلاثتهم من طريق محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: لم يقتل من نسائهم - تعني : بني قريظة - إلا امرأة، إنها لعندي تحدث تضحك ظهرًا وبطنًا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقتل رجالهم بالسيوف؛ إذ هتف هاتف باسمها: أين فلانة؟ قالت: أنا. قلت: وما شأنك؟ قالت: حدث أحدثته. قالت: فانطلق بها فضربت عنقها، فما أنسى عجبًا منها أنها تضحك ظهرًا وبطنًا، وقد علمت أنها تقتل. وسنده حسن .
وقد اختلف في السبب الذي من أجله قُتلت هذه المرأة، فقال ابن هشام في "السيرة" (3/242): ((وهي التي طرحت الرحى على خلاد بن سويد فقتلته)).
وقال ابن الأثير في "أسد الغابة" (2/141): ((يقولون: إن الحجر ألقتها عليه امرأة اسمها: بنانة، امرأة من بني قريظة، ثم قتلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع بني قريظة، لما قتل من أنبت منهم، ولم يقتل امرأة غيرها)).
وقال البيهقي في "سننه" (9/82): ((ذكر الشافعي في رواية أبي عبدالرحمن البغدادي عنه من أصحابه: أنها كانت دلت على محمود بن مسلمة دلَّت عليه رحى فقتلته، فقتلت بذلك. قال: وقد يحتمل أن تكون أسلمت وارتدت ولحقت بقومها فقتلها لذلك، ويحتمل غير ذلك)). ثم قال: ((قال الشافعي: لم يصح الخبر لأي معنى قتلها، وقد قيل: إن محمود بن مسلمة قتل بخيبر ولم يقتل يوم بني قريظة)).اهـ.
(11) سقط من (ح) و(ي).
(12) قوله: ((كيما نغير))، في (ح): ((كما تغير))، وفي (ز): ((كيما تغير))، وفي (م): ((كما يغير)).
(13) أخرجه البخاري (3/531 رقم1684) في الحج، باب متى يدفع من جمع، و(7/ 148 رقم3838) في مناقب الأنصار، باب أيام الجاهلية.
(14) في (ح): ((تسرع))، وفي (ز): ((يسرع)).
(15) وفي "العين" و "غريب الحربي"و "غريب ابن قتيبة" شن الغارة: أي بثها وفرقها. وأصل الإغارة الإسراع. والغارة اسم منها؛ كالطاعة والإطاعة. ثم أطلقت الغارة على الخيل المغيرة "العين" (6/220)، و"غريب الحديث" للحربي (2/872)، و"غريب الحديث" لابن قتيبة (1/356)، و "النهاية" (3/394)، و"مشارق الأنوار" (2/140-141)، (2/149)، و"الإكمال" (ص236).(1/233)
وقولُه: ((سُئل عن الدارِ))؛ الدارُ: هي العشائرُ، تجتمعُ في مَحِلَّةٍ، فتُسمى المحلةُ: ((دَارًا))، وهي من الاستدار (1) ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ)) (2) ؛ يدلُّ على أن اسمَ الدارِ يقعُ على الربَّعِْ العامرِ المسكونِ، وعلى الخرابِ غيرِ المأهولِ، و((الدارُ)) مؤنثةٌ، وقوله تعالى: {ولنعم دار المتقين} (3) فالتذكيرُ على معنى ((المثوى)) و((الموضع)) (4) .
وقوله في ذراريِّ المشركين يُبَيِّتُون: ((هم من آبائهم)): ((الذريةُ)): تُطلقه العربُ على الأولادِ والعيالِ والنساءِ؛ حكاه عياضٌ (5) .
ومعنى الحديثِ: أن حكمَهم حكمُ آبائِهم في جوازِ قتلِهم عندَ الاختلاطِ بهم في دارِ كفرِهم، وبه قال الجمهورُ؛ مالكٌ، والشافعيُّ، وأبو حنيفة، والثوريُّ. ورأوا رميَهم بالمجانيقِ في الحصونِ والمراكبِ (6) .
واختلف أصحابُنا؛ هل يُرمَوْن بالنارِ إذا كان فيهم ذراريُّهم ونساؤهم؟ &(3/417)&$ على قولين. وأما إذا لم يكونوا فيهم؛ فهل يجوزُ رميُ مراكبِهم وحصونِهم بالنارِ؟ أما إذا لم يُوصلْ إليهم إلا بذلك، فالجمهورُ على جوازِه، وأما إذا أمكن الوصولُ إليهم بغيرِه (7) ، فالجمهورُ على كراهتِه؛ لما ثبت من قولِه - صلى الله عليه وسلم - : ((لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا اللهُ)) (8) . وأما إذا كان فيهم مسلمون؛ فمنعه مالكٌ جملةً. وهو الصَّحيحُ من مذهبِه، ومذهبُ جمهورِ العلماءِ. وفي المسألةِ تفصيلٌ (9) يعرفُ في أصولِ الفقهِ (10) .
وقوله: ((قطع نخيل بني النضير (11) ، وحرق)) دليلٌ للجمهورِ على جوازِ قطعِ نخلِ العدوِّ وتحريقها؛ إذا لم يُرْجَ مصيرُها للمسلمين، وكان قطعُها نكايةً للعدوِّ. =(3/529)=@
وقد منع ذلك الليثُ بنُ سعدِ، وأبو ثورٍ، وقد رُوي عن الصِّدِّيق أبي بكرٍ (12) - رضي الله عنه - (13) . واختُلف في ذلك عن الأوزاعيِّ.
واعتُذِر لهم عن هذا الحديثِ: بأنه (14) - صلى الله عليه وسلم - إنما قَطع تلك النخيلَ (15) ليُوسِّعَ موضعَ (16) جَوَلانِ الخيلِ للقتالِ.
وهذا تأويلٌ يدلُّ على فسادِه قولُه تعالى: {ما قطعتم %(1/234)%
__________
(1) كذا في (أ)، وهذه الفقرة كلها ليست في باقي النسخ؛ كما سيأتي وهو مصدر صحيح ((استدار))؛ كـ((الاستدارة))، فـ((أفعل)) و((استفعل)) إذا كان معتل اللام ننقل حركة اللام إلى الفاء وتقلب اللام ألفًا؛ ثم تحذف إحدى الألفين ويعوض عنها بالتاء. قال سيبويه في "الكتاب" (4/83): وإن شئت لم تعوضْ وتركت الحروف على الأصل؛ قال الله عز وجل: {لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاةْ} [النور: 7].اهـ. قال الشيخ خالد الأزهري في "التصريح على التوضيح" (2/32): ((وقد تحذف التاء للإضافة عند ابن مالك؛ نحو الآية، وفي الحديث: ((كاستنار البدر)) والأصل: وإقامة الصلاة، واسننارة البدر، فحذف التاء لسد المضاف إليه سدها، وقد تحذف في غير الإضافة؛ حكى الأخفش: أجاب إجابًا.اهـ. وانظر خاتمة "المصباح" (356).
(2) تخريج.
(3) تخريج.
(4) من قوله: ((وقوله: سئل عن الدار ....)) إلى هنا، من (أ)، وليس في سائر النسخ.
وقوله: ((فالتذكير...)) إلخ. تعليل لا مُلْجئ له؛ فإن ((الدار)) وإن كانت مؤنثة، فإنما تأنيثها غير حقيقي؛ فلا تجب العلامة أصلاً. ((فالدار)) في الآية الكريمة لم تذكَّر، ولكن حذفت علامة التأنيث؛ لأنها غير واجبة، وانظر خاتمة "المصباح" (ص363).
(5) في "المشارق" (1/268).
(6) في (أ): ((والمراكيب)).
(7) سقط من (ي).
(8) أخرجه البخاري (6/115 رقم149 رقم2954 و3016 و3017) في الجهاد، باب التوديع، وباب لا يعذب بعذاب الله. و(12/267 رقم6922) في استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم .
(9) غير مقروءة في (ح)، وقبلها كلمة لا تقرأ أيضًا.
(10) قوله: ((أصول الفقه))في (ب) و(ز) و(م): ((الأصول)).
(11) في النسخ: ((النظير)).
(12) في (ح) و(ي): ((أبي بكر الصديق)).
(13) أخرجه مالك في "الموطأ" (2/447-448 رقم10) في الجهاد، باب النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو، وعبدالرزاق (5/199-200 و200 رقم9375 و9376) عن ابن جريج والثوري ثلاثتهم (مالك وابن جريج، والثوري) عين يحيى بن سعيد. وأخرجه عبدالرزاق (5/200 رقم9378)، والبيهقي (9/90) كلاهما من طريق معمر، عن أبي عمران الجوني. وأخرجه البيهقي (9/85 و90) من طريق سعيد بن المسيب، وصالح بن كيسان؛ أربعتهم (يحيى بن سعيد، وأبو عمران الجوني، وسعيد بن المسيب، وصالح بن كيسان) أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - لما بعث الجنود نحو الشام: يزيد بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة؛ قال: لما ركبوا مشى أبو بكر مع أمراء جنوده يودعهم حتى بلغ ثنية الوداع، فقالوا: يا خليفة رسول الله! أتمشي ونحن ركبان؟ فقال: إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله، ثم جعل يوصيهم فقال: أوصيكم بتقوى الله، اغزوا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، فإن الله ناصر دينه، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تجبنوا، ولا تفسدوا في الأرض، ولا تعصوا ما تؤمرون، فإذا لقيتم العدو من المشركين إن شاء الله، فادعوهم إلى ثلاث خصال، فإن هم أجابوكم فاقبلوا منهم وكفوا عنهم: ادعوهم إلى الإسلام فإن هم أجابوا فاقبلوا منهم وكفوا عنهم، ثم ادعوهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين فإن هم فعلوا، فأخبروهم أن لهم مثل ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، وإن هم دخلوا في الإسلام واختاروا دارهم على دار المهاجرين، فأخبروهم أنهم كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي فرض على المؤمنين، وليس لهم في الفيء والغنائم شيء حتى يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا أن يدخلوا في الإسلام فادعوهم إلى الجزية، فإن هم فعلوا فاقبلوا منهم وكفوا عنهم، وإن هم أبوا فاستعينوا بالله عليهم فقاتلوهم إن شاء الله، ولا تغرقن نخلاً ولا تحرقنها، ولا تعقروا بهيمة ولا شجرة تثمر، ولا تهدموا بيعة، ولا تقتلوا الولدان ولا الشيوخ ولا النساء، وستجدون أقوامًا حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له، وستجدون آخرين اتخذ الشيطان في رءوسهم أفحاصًا، فإذا وجدتم أولئك فاضربوا أعناقهم إن شاء الله .
وهو حديث ضعيف؛ لانقطاعه. وانظر "مختصر استدلال الذهبي" (3/1209-1212 رقم507).
(14) في (ب) و(م): ((أنه)).
(15) في (ح) و(ي): ((النخل))، و((النخيل)) مؤنثة، و((النخل)) تذكر وتؤنث. انظر: ((المذكر والمؤنث)) للسجستاني (ص84- 85)، "الفرق بين المذكر والمؤنث" لابن الأنباري (ص85)، "المصباح المنير" (ص307).
(16) في (ب) و(م): ((في موضع)).(1/234)
من لينة أو تركتموها قائمةً على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين} (1) ، ولا شكَّ في أن هذه الآيةَ نزلتْ فيما عاب المشركون على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - من قطعِ نخيلِ بني النضيرِ (2) ، فبيَّن فيها أن الله تعالى أباحه لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم - خِزْيًا (3) للمشركين ونكايةً لهم. والآيةُ نصٌّ في تعليلِ ذلك.
ويمكنُ أن يحملَ ما روي عن أبي بكرٍ الصديقِ (4) - رضي الله عنه - من منع ذلك، على ما إذا لم يكن في قطِعها نكايةٌ، أو (5) ارتُجِيَ عَوْدُها للمسلمين (6) ، والله تعالى أعلمُ.
و((اللينةُ)): النخلةُ؛ أيَّ نخلةٍ كانت. وقيل: إلا (7) العجوةَ. وقيل: كرامُ النخلِ؛ قاله سفيانُ. وقال جعفرُ بن محمدٍ: هي العجوةُ. وقيل: الفَسِيلُ؛ لأنه أَلْيَنُ (8) . وقيل: أغصانُ الأشجارِ (9) ؛ لِلينها. وقيل: هي النخلةُ القريبةُ من الأرضِ. قال الأخفشُ: اللينةُ (10) من اللَّونِ (11) ، وأصلها (12) : ((لِوْنَةٌ)) (13) ، وتُجمع (14) : لينٌ، ولِيَانٌ. قال (15) : &(3/418)&$
وَسَالِفَةٌ كَسَحُوقِ (16) اللِّيَا ... ... نِ أَضْرَمَ (17) فيها الغَويُّ السُّعُرْ (18)
وَ((البويرةُ (19) )) المذكورةُ في شعرِ حسَّانٍ: موضعٌ من بلادِ بني النضيرِ (20) . و((مستطيرٌ)): منتشرٌ. =(3/530)=@ %(1/235)%
__________
(1) سورة الحشر؛ الآية: 5.
(2) في النسخ: ((النظير)).
(3) في (ح) و(ي): ((حزنًا)).
(4) سقط من (ب) و(م).
(5) في (أ): ((و)).
(6) في (ب) و(م): ((إلى المسلمين)).
(7) سقط من (ي) وتقرأ في (ز): ((الما)).
(8) في (ح) و(ي): ((اللين)).
(9) في (ز): ((الأشجان)).
(10) في (ب): ((الليتة)).
(11) في (ب) و(م): ((اللين)).
(12) في (أ) و(ح) و(ي): ((وأصله)).
(13) في (أ): ((ألونة)).
(14) في (أ) و(ز) و(ي): ((ويجمع)).
(15) ...
(16) في (ح): ((الشعر)).
والبيت من بحر المتقارب، من رائية لامرئ القيس يشبب فيها بابنة العامري هر بنت سلامة بن علند، وقد تقدم استشهاد الشارح ببعض أبياتها في باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي باب التغليس بصلاة الصبح بالمزدلفة من كتاب الحج. وهذا البيت من مقطع في القصيدة يصف فيه ناقته، أوله:
وأركبُ في الرَّوع خَيْفانةً ... كَسا وجَهَها سَعَفٌ مُنتشِرْ
لَها حافرٌ مثلُ قَعْبِ الوليـ ... ـدِ رُكِّبَ فيه وَظِيفٌ عَجِرْ...
ثم يقول:
لَها عُذَرٌ كقُرونِ النِّسا ... ءِ رُكِّبْنَ في يومِ ريحٍ وصِرّْ
وَسَالِفَةٌ كَسَحُوقِ اللِّيَا ... نِ أَضْرَمَ فِيهَا لغوِيُّ السُّعُرْ
والسالفة: صفحة العنق، وأراد بها العنق، ويروى: ((لها عنق))، والسحوق: النخلة الطويلة الجرداء، والليان، جمع لينة، وهي النخلة؛ ويروى: ((كسحوق اللُّبان)) وهو ضرب من الصمغ، وعليه خطئت هذه الرواية، وقيل: اللبان – بالموحدة – هنا: شجر الصنوبر؛ قال ابن سيده: ولا يتجه إلا عليه. والغوي: الغاوي المفسد، والسعر: جمع سعير؛ وهو شدة الوقود. يريد أنها شقراء وأن عنقها كالنخلة الجرداء.
والشاهد فيه قوله: ((الليان)) جمعًا لـ((لينة)) بمعنى النخلة.
وقد اختلف في معناها كما ذكر الشارح؛ قال ابن عطية: واختلف الناس في اللينة فقال الحسن ومجاهد وابن زيد وعمرو بن ميمون: اللينة النخلة؛ اسمان بمعنى واحد وجمعها: لين وليان... (ثم ذكر بيتين امرئ القيس، ثم قال:) وقال ابن عباس وجماعة من اللغويين: اللينة من النخل ما لم يكن عجوة. وقال سفيان بن سعيد الثوري: اللينة الكريمة من النخل. وقال أبو عبيدة فيما روي عنه وسفيان: اللينة ما تمرها لون، وهو نوع من التمر يقال له اللون. قال سفيان: هو شديد الصفرة يشف عن نواة من التمر فيرى من خارج، وأصلها: ((لِوْنَة)) فأبدلت لموافقة الكسرة. وقال أيضًا أبو عبيدة: اللين ألوان النخل المختلطة التي ليس فيها عجوة ولا برني.اهـ.
والبيت في ديوان امرئ القيس (ص165)، و "شرح ديوانه" (ص116)، و"المحكم" (10/385، 426- 427)، و "جمهرة اللغة" (2/674، 989)، (3/1329)، و "الأمالي" (2/249)، و "أشعار الشعراء الستة الجاهليين" (1/117)، و "الحماسة المغربية" (2/1116)، و "المحرر الوجيز" (1/495)، (5/285)، و"روح المعاني" (28/43)، و"تفسير القرطبي" (18/12)، و "لسان العرب" (21/377، 393)، و"تاج العروس" (18/497، 516). وبلا نسبة في "المخصص" (11/132)، و"تهذيب اللغة" (4/25)، (15/364)، و"البحر المحيط" (8/240)، و "إعراب القرآن" للنحاس (4/391)، و "الدر المصون" (10/281)، لسان العرب (10/154)، و"تاج العروس" (13/210).
وانظر: "مشارق الأنوار" (1/365)، و "شرح النووي" (12/50)، و"النهاية" (4/278- 279)، و "فتح الباري" (7/333)، (8/629).
(17) في (أ) و(ب) و(ز) و(م): ((ركب)).
(18) في (ح): ((الشعر)).
(19) تقرأ في (ز): (والسويرة)).
(20) في النسخ: ((النظير)).(1/235)
ومن بابِ تخصيصِ هذه الأمِة بتحليلِ الغنائمِ
قولُ النبيِّ المذكورِ في هذا (1) الحديث – صلى الله على نبينا وعليه وسلم-: ((لا يتبعني (2) رجل قد (3) ملك بضع امرأة، وهو (4) يريد أن يَبنَي (5) بها، ولما يبن))؛ البُضعُ - بضمِّ الباءِ-: كنايةٌ عن فرجِ المرأةِ، وقد يُكنى به عن النكاحِ نفسه (6) ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ((وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُم أَهْلَهُ صَدَقَةٌ)) (7) . و((هَذَا البُضْعُ لَا يُقْرَعُ أَنفُه)) (8) ؛ يُريدُ هذا الكُفُؤ الذي لا يُردَّ. والبُضْعُ: مَهرُ المرأةِ (9) . والبَضْعُ - بِفتحِ الباءِ - مصدرُ بَضَعَ اللحمَ، يَبْضَعُهُ (10) : إذا قطعه. والبِضْعُ - بكسرِ الباءِ - في العدد: ما بين (11) الثلاثةِ إلى التسعةِ. وقد تقدَّم تفسيرُه.
و((الخَلفِات)): جمعُ ((خَلِفَةٍ))؛ وهي الناقةُ التي دنا ولادُها (12) .
وإنما نهى هذا النبيُّ قومَه عن اتباعِه على هذه الأحوالِ؛ لأن أصحابَها يكونون متعلِّقي النفوسِ بهذه الأسبابِ، فتضعفُ عزائمُهم، وتَفْتُرُ رغباتُهم في الجهادِ، والشهادةِ، وربما يُفْرِطُ ذلك التعلقُ بصاحبِه فيُفْضي به إلى كراهيةِ (13) الجهادِ وأعمالِ الخيرِ.
وكأن مقصودَ هذا النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أن يتفرَّغوا (14) من عُلَقِ (15) الدنيا &(3/419)&$ ومُهِمَّاتِ أغراضِها، إلى (16) تمنِّي الشهادةِ بنيَّاتٍ صادقةٍ، وعُزُومٍ حازمةٍ (17) ، صافيةٍ، ليحصلُوا على الحظِّ الأوفْرِ، والأجرِ الأكبْرِ. =(3/531)=@ %(1/236)%
__________
(1) قوله: ((وقول النبي المذكور...)) إلى هنا، موضعه في (أ): ((قول النبي - صلى الله عليه وسلم - المذكور في الحديث)). وفي (ز): ((قول النبي - صلى الله عليه وسلم - )) فقط. وفي (ب) و(م): ((قول النبي المذكور في هذا الحديث صلى الله على نبينا وعليه وعلى جميع النبيين)).
(2) في (أ): ((يبتني)).
(3) سقط من (ب) و(ح) و(ز) و(ي) و(م).
(4) قوله: ((وهو)) سقط من (أ).
(5) في (أ) و(ز): ((يبتني)).
(6) في (ب): ((بعينه)).
(7) تقدم في الزكاة، باب أعمال البر صدقات برقم (872).
(8) ((نعم البُضع لا يقرع أنفه)) قاله عمرو بن أسد عم خديجة رضي الله عنها، عندما ذهب إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - مع بعض عمومته خطابًا إياها، فلما رآه عمرو قال ذلك وقال نحوه أبو سفيان عند تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أم حبيبة رضي الله عنها.
وأصله: أن الرجل يأتي بناقة كريمة إلى رجل له فحل، فيسأله أن يُطرقها فحله، فإن أخرج إليه فحلاً ليس بكريم، قرع أنفه، وقال: لا أريده. وانظر: "الطبقات الكبرى" (1/123)، (8/16، 99)، و "غريب الحديث" للحربي (3/1021)، و "غريب الخطابي" (1/297- 298)، و "تهذيب الأسماء واللغات" (3/268).
(9) من قوله: ((وهذا البضع لا يقرع ....)) إلى هنا، من (أ) فقط، وليس في سائر النسخ.
(10) في (ب): ((يبضعه)).
(11) قوله: ((ما بين)) في (ز): ((من)).
(12) في (أ) و(ح): ((ولادتها)). قال في "المصباح" (ص346): الولادة: وضع الوالدة ولدها. و((الولاد)) بغير هاءٍ: الحمل؛ يقال شاة والد بينة الولاد. ومنهم من يجعلها بمعنى الوضع. وكسرهما أشهر من فتحهما.اهـ. والمراد هنا معنى الوضع.
(13) في (أ): ((كراهة)).
(14) قوله: ((النبي ? أن يتفرعوا)) في (ز) ((البني ليتفرغوا)).
(15) في (ب): ((علل))، وكتب فوقها: ((علق)).
(16) في (أ): ((وعلى)).
(17) في (أ): ((حاضرة))، وفي (م): ((حازمة)).(1/236)
وقوله: ((فأدنى للقرية (1) ))؛ هكذا روايةُ جميعِ الرواةِ ((أدنى)) رباعيًّا.
قال القاضي أبو الفضل عياضٌ (2) : فإما أن تعديةَ ((دنا))؛ أي: قَرُبَ؛ فمعناه (3) : أدنى جيوشَه وجموعَه إليها. أو يكونَ ((أَدْنى)) بمعنى: حان؛ أي: قَرُبَ، وحضر فتحُها؛ من قولِهم: أَدْنت (4) الناقةُ: إذا (5) حان (6) نتاجُها، ولم يُقَلْ في غيرِ الناقةِ (7) .
قلتُ (8) : والذي يظهرُ لي أن ذلك من باب: أنجد، وأغار، وأشهر، وأظهر؛ أي (9) : دخل في هذه الأزمنةِ والأمكنةِ؛ فيكونُ معنى((أدنى)) أي (10) : دخل في الموضعِ (11) الداني منها. والله تعالى أعلم.
والقريةُ: المدينةُ، وهي ((أَرِيحا)) (12) . وكلُّ مدينةٍ قريةٌ؛ لاجتماعِ أهلِها فيها؛ من قريتُ الماءَ في الحوضِ: إذا جمعتَه، وجمعها: ((قُرى)) على غيرِ قياسٍ، والقياسُ المدُّ؛ كَـ((رَكْوَةٍ)) و((رِكاءٍ))، و((ظَبْيَةٍ)) و((ظِبَاءٍ))، وقد قيل: ((قِرية)) بكسرِ القافِ لغةٌ يمانيَةٌ، ولعلها جُمعت على هذه اللغةِ، كـ((ذِروة)) و((ذُرى))، و((لِحية)) (13) و((لُحًى)).
وقوله (14) للشمسِ: ((أنتِ مأمورةٌ))؛ أي: مسخَّرةٌ بأمرِ الله تعالى، وهو كذلك أيضًا (15) ، وجميعُ الموجوداتِ، غيرَ أن أمرَ الجماداتِ أمرُ تسخيرٍ وتكوينٍ، وأمرُ العقلاءِ أمرُ تكليفٍ وتكوينٍ (16) . وحبسُ الشمسِ على هذا النبيِّ ? من أعظمِ معجزاتِه، وأخصِّ كراماتِه. وقد اشتهر أن الذي حُبستْ عليه الشمسُ من الأنبياءِ - صلوات الله وسلامه عليهم- هو: يُوشَعُ بنُ نونٍ عليه السلام.
وقد رُوي أن مثلَ (17) هذه الآيةِ كانت لنبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - في موطنين:
أحدُهما: في حفرِ الخندقِ؛ حينَ شُغلوا (18) عن صلاةِ العصرِ حتى غابتِ الشمسُ، فردَّها الله تعالى عليه (19) حتى صلَّى العصرَ؛ ذكر ذلك الطحاويُّ (20) ، وقال: إن رواتَهُ كلَّهم ثقاتٌ.
والثانيةُ (21) : صبيحةُ الإسراءِ؛ حين انتظروا العِير التي أَخبر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بوصولِها =(3/532)=@ مع شروقِ الشمس ِ (22) . ذكره يونسُ بن بُكَيرٍ في زيادتِه في "سيرِ ابن إسحاقَ". %(1/237)%
__________
(1) في (أ) و(ح) و(ي): ((القرية)).
(2) ((عياض)) من (أ) فقط.
(3) في (ز): ((معناه)).
(4) في (ب): ((أذنت)).
(5) في (ح) و(ي): ((أي)).
(6) في (ب): ((دنا)).
(7) "الإكمال" (6/54) و "المشارق" (1/259) ونقله عن القاضي أيضًا: النووي في "شرح مسلم" (12/52). وقول القاضي ومن تبعته: ((يقتضي أن غير الناقة لا يقال ((أدنت))، لكن ولم يقل في غير الناقة قال في "العين": ((وأقربت الشاة والأتان فهي مقرن و أدنت الناقة فيه مدنٍ لا غير)) وفي "اللسان" ((الليث: أقربت الشاة والأتان فهي مقرب، ولا يقال للناقة إلا أدنت فهي مدنٍ)). وكذلك في "تاج العروس". وهذا يقتضي أن الناقة يقال فيها ((أدنت)) فقط، ولا يقال: ((أقربت))، أما ((أدنت)) فقد تقال لغير الناقة، وفي "أساس البلاغة": وأدنت الفرس فهي مدنٍ: ((دنا نتاجها))، وقد جاء في "اللسان" و "تاج العروس" أيضًا: ((وناقة مدنية ومُدْنٍ)): ((دنا نتاجها. وكذلك المرأة، وقد أدنت)). "العين" (5/154)، و "أساس البلاغة" (ص243)، و "لسان العرب" (1/665)، و "تاج العروس" (19/418).
(8) في (ز): ((قال الشيخ)) وفي (ب) و(م): ((قال الشيخ رحمه الله)).
(9) في (ز): ((إذا)).
(10) قوله: ((أي)) سقط من (ح) و(ي).
(11) في (ز): ((هذا الموضع)).
(12) ((أريحا)) بالفتح، ثم الكسرِ، وبياء ساكنة، والحاءُ مهملة، والقصرِ، وقد قيل بالخاء المعجمة لغة عبرانية. هي مدينة الجبارين في الغور من أرض الأردنّ بالشام، بينهما وبين المقدس يوم للفارس "معجم البلدان" (1/165)، وانظر: "فتح الباري" (6/222)، وقال الحافظ: سماها الحاكم في روايته عن كعب.
(13) من قوله: ((والقرية المدينة...)) إلى هنا، من (أ) فقط.
(14) في (ي): ((قوله)).
(15) سقط من (ي).
(16) في (ب): ((وتلوين)).
(17) قوله: ((مثل)) سقط من (أ).
(18) في (م): ((شغلوه)). وفي هامش (ب) تعليق نصه: ((حاشية: قوله: ((في حفر الخندق)) سبْق وَهْم؛ وإنما كان الشغل عن الصلاة في أيام الأحزاب الذي حفر الخندق من أجلها، حين تحزبت عليه العرب فهزمهم الله، وهي غزوة الخندق، لا حين حفر الخندق)).اهـ. وانظر التعليق التالي.
(19) سقط من (ح) و(ي).
(20) ذكره القاضي عياض في "الإكمال" (6/53)، و"الشفا" (/). قال الحافظ في "الفتح" (6/222): ((وأما ما حكى عياض أن الشمس رُدَّت للنبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق لما شغلوا عن صلاة العصر حتى غربت الشمس، فردَّها الله عليه حتى صلى العصر - كذا قال - وعزاه للطحاوي، والذي رأيته في "مشكل الآثار" للطحاوي ما قدمت ذكره من حديث أسماء، فإن ثبت ما قال، فهذه قصة ثالثة)). اهـ.
والذي وقع في حفر الخندق، أنهم صلوا العصر بعد ما غربت الشمس، وهو عند المصنف، في الصلاة، باب ما جاء في الصلاة الوسطى، وباب من فاتته الصلوات كيف يقضيها برقم (512 و513 و516). وأما ما ذكره الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" من حديث أسماء بنت عميس (3/92 و93 رقم1067 و1068) فهو في قصة وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - رأسه في حجر علي، وعدم صلاته للعصر حتى غربت الشمس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((صليت يا علي؟ )) قال: لا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((اللهم كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد عليه الشمس)). قالت أسماء: فرأيتها غربت، ثم رأيتها طلعت بعد ما غابت .
وهو حديث موضوع. انظر "السلسلة الضعيفة" للألباني (2/395-401 رقم971)، و"الأوسط" للطبراني (4/224 رقم4039).
(21) في (ز): ((الثاني)).
(22) ذكره القاضي أيضًا في الموضع السابق وقال الحافظ في "الفتح" (6/221): ((وهذا منقطع، لكن وقع في "الأوسط" للطبراني من حديث جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الشمس فتأخرت ساعة من نهار. وإسناده حسن)). اهـ.
قال الألباني في "الصحيحة" (1/401): قلت: وفي النفس من تحسينه شيء، وإن كان سبقه إليه شيخه الهيثمي في"المجمع" (8/297)، ولعل الحافظ نقله عنه. والله أعلم. ولئن صح هذا، فلا يعارض حديث يوشع عليه السلام لإمكان الجمع بينهما ... وبعد كتابة ما تقدم وقفت والحمد لله على إسناد الحديث، فتبين أنه ليس بحسن، بل هو ضعيف أو موضوع، ولذلك أودعته في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" برقم (972 ))).اهـ.(1/237)
وقوله: ((فجمعوا ما غنموا، فأقبلت النَّار لتأكله، فأبت أن تطعمه (1) ))؛ كانت (2) سنةُ الله تعالى في طوائفَ من بني إسرائيل أن يسوقَ لهم (3) نارًا، فتأكلُ (4) ما خَلُصَ من قربانِهم وغنائمِهم (5) ، فكان ذلك الأكلُ علامةَ قبولِ ذلك المأكولِ (6) ؛ حكاه السُّدِّيُّ &(3/420)&$ وغيرُه، وهو الذي يدلُّ عديه ظاهرُ القرآنِ في قولِه تعالى: {الذين قالوا (7) إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار} (8) . ويدلُّ على هذا (9) أيضًا: ظاهرُ هذا (10) الحديثِ، وقد كان فيهم - على ما حكاه ابنُ إسحاقَ - نارٌ تحكمُ بينهم عندَ تَنازُعِهم، فتأكلُ الظالَم، ولا تضرُّ المظلومَ. وقد رفع الله تعالى =(3/533)=@ كل ذلك عن هذه الأمةِ، وأحلَّ لهمِ غنائمَهم، وقربانَهم؛ رفقًا بهم ورحمةً لهم؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ((ذَلِكَ بِأَنَّ الله رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَطَيَّبَهَا لَنَا))، وَجَعْلَ ذلك من خصائصِ هذه الأمةِ؛ كما قال (11) : ((فَلَمْ تَحِلَّ الغَنَائِمُ لِأَحَدٍ قَبْلَنَا))، وقد جاء في الكتبِ القديمةِ: أن من خصائصِ هذه الأمةِ: أنهم يأكلونَ قربانَهم في بطونِهم.
وما جرى لهذا النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مع قومِه في أخذِ (12) الغُلولِ، آيةٌ شاهدةٌ على صدقِه، وعلى عظيمِ مكانته عندَ ربِّه عزَّ وجلَّ. وفي حديثِه أبوابٌ من الفقهِ لا تَخفى على فَطِنٍ. والله أعلم (13) . %(1/238)%
__________
(1) في (ح) و(ي): ((تطعم)).
(2) في (أ): ((وكانت)).
(3) في (ح): ((إليهم)).
(4) في (ب) و(م): ((لتأكل)).
(5) في (أ): ((وغنمائمهم)).
(6) قوله: ((قبول ذلك المأكول)) في (أ): ((قبول المأكول))، وفي (ز): ((لقبول المأكول)).
(7) قوله: ((الذين قالوا)) سقط من (ح) و(ي).
(8) سورة آل عمران؛ الآية: 183.
وانظر: "تفسير الطبري" (7/448- 450)، و(14/64- 66).
(9) قوله: ((على هذا)) في (ح) و(ي): ((عليه)).
(10) سقط من (ز).
(11) بعده في (ي): ((تعالى)).
(12) قوله: ((أخذ)) سقط من (ح).
(13) قوله: ((والله أعلم)) من (ز) فقط.(1/238)
ومن بابِ قوله تعالى: {يسألونك عن الأنفال} (1)
قول سعدٍ (2) رضي الله عنه: ((نزلت فيَّ أربع آيات))، ولم يذكرْ غيرَ آيةٍ واحدةٍ هنا، وقد جاءتِ الثلاثةُ الباقيةُ مبيَّنةً في كتابِ مسلمٍ، وسيأتي (3) ، إن شاء الله تعالى (4) . &(3/421)&$
وقوله (5) : ((نَفِّلْنيه))؛ أي: أعطني (6) إيَّاه؛ قال لبيد (7) :
إِنَّ تَقْوَى رَبِّنَا (8) خَيْرُ نَفَل ... ... وَبِإذْنِ اللهِ رَيْثِي (9) وَعَجَلْ (10)
ومنه سُمي الرَّجلُ ((نوفلاً))؛ لكثرةِ عطائِه. ويكون النَّفَلُ أيضًا الزيادةَ (11) . ومنه ((نوافلُ الصلاةِ)) (12) ؛ وهي الزوائدُ على الفرائضِ. =(3/534)=@
وقوله: ((أَوَ أُجْعَل (13) كمن لا غناء له))؛ الرِّواية الصحيحة بفتحِ الواوِ، ومن سكَّنها غَلِطَ؛ لأنها الواو الواقعةُ بعد همزةِ الاستفهامِ، ولا تكونُ إلا مفتوحةً (14) . وأما ((أو (15) )) الساكنةُ: فلا (16) تكونُ إلا لأحدِ الشيئينِ (17) .
وهذا الاستفهامُ من سعدٍ على جهةِ الاستبعادِ والتعجُّبِ من أن يُنَزَّلَ من ليس في شجاعتِه منزلتَه، لا على جهةِ الإنكارِ؛ لأنه لا يصحُّ ولا يحلُّ الإنكارُ على النبي ِّ - صلى الله عليه وسلم - (18) ، لا (19) سيما فيمن (20) يكون في منزلةِ سعدٍ، ومعرفتِه بحقِّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، واحترامِه له.
و((الغَناء)) بفتح الغينِ، والمدِّ: النفعُ. و((الغِنى)) بكسرِ الغينِ والقصرِ: كثرة المال. %(1/239)%
__________
(1) سورة الأنفال؛ الآية: 1.
(2) قوله: (( قول سعد)) في (ي): ((قوله سعد)).
(3) في كتاب الفضائل، باب فضل سعد بن أبي وقاص.
(4) وقوله: ((وسيأتي...)) في (ب) و(م): ((وستأتي..))، و((إن شاء الله تعالى)) من (ب) و(م) فقط.
(5) في (ح) و(ي): ((قوله)) دون الواو.
(6) في (أ) و(ب): ((أعطيني))، وفي (ز): ((أعطاني)).
(7) قوله: ((قال لبيد)) غير واضح في (ب).
(8) قوله: ((تقوى ربنا)) في (ي): (تقوى الله)). وبه ينكسر وزن البيت.
(9) في (أ) و(ز) و(م): ((ربي)).
(10) البيت من الرمل، وهو –كما قال الشارح – للبيد، وهو لبيد بن ربيعة العامري الصحابي المخضرم؛ عاش في الجاهلية والإسلام، في قصيدة يذكر فيها مآثره ويتفجع على فراق أخيه أربد، وهذا البيت هو مطلع القصيدة، يقول بعده:
أحمدُ الله فلا نِدَّ لَهُ ... بيديهِ الخيرُ ما شاء فَعَلْ
مَن هداه سُبُلَ الخيرِ اهتدى ... ناعِمَ البالِ ومَن شاء أَضَلْ
ورَقَاقٍ عُصَبٍ ظُلْمانُه ... كحَزيقِ الحَبَشِيِّين الزُّجَلْ
قد تجاوزتُ وتحتي جَسْرَةٌ ... حَرَجٌ في مَرِفقَيْها كالفَتَلْ
وتظهر فيها روح التدين التي خالطت نفسه حتى قبل أن يسلم ويحسن إسلامه، وقد استشهد بهذه الأبيات بعض العلماء على إثبات القدر عند بعض الجاهليين؛ منهم ابن بطة في "الإبانة" (1/221)، وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان يأمر برواية قصيدة لبيد هذه.
والريث: الإبطاء. وقوله: ((وعجلْ)) أي: وعجلي، وجاء في بعض المصادر: ((والعجل)).
والشاهد فيه قوله: ((نفل)) بمعنى الزيادة والفضل.
والبيت للبيد في "ديوانه" (ص139)، و "جمهرة أشعار العرب" (1/125)، و "الصحاح" (5/1833)، و "المقاييس" (2/4649، و "المصباح المنير" (ص318) (بلا نسبة)، و "مفردات ألفاظ القرآن" (ص250)، و "لسان العرب" (11/670)، و "تاج العروس" (15/746)، و "مجاز القرآن" (1/240)، و "المحرر الوجيز" (2/496)، و "تفسير الطبري" (13/226)، و "زاد المسير" (3/318)، و "الكشاف" (2/549)، و "البحر المحيط" (4/451- 452) ، و "الدر المصون" (5/556)، و "تفسير القرطبي" (7/317)، (15/120)، و "غريب الحديث" للخطابي (2/15)، و "فتح الباري" (13/449).
(11) في (أ): ((للزيادة)).
(12) في (ح) و(ي): ((الصلوات)).
(13) قوله: ((على الفرائض قوله)) و(ي) في (أ): ((وقوله على الفرائض)).
(14) قوله: ((وقوله: أو أجعل...)) إلخ. الرواية في "صحيح مسلم" ((أؤجْعل)) بهمزتين لا واو بينهما، وإنما ترسم الهمزة الثانية على واوٍ، لانضمامها مع فتح ما قبلها. ولم يذكر أحد من شراح مسلم – فيما نعلم – اختلافًا في رواية هذه اللفظة. لكن ما ذكره الشارح حول فتح الواو، وتسكينها، صحيح على كل حال. [يراجع نسخ التلخيص في المطبوع (أو أجعل)].
(15) سقط من (ي).
(16) في (أ): ((لا)).
(17) في (ي): ((شيئين)).
(18) زاد في (ب): ((واحترامه له)). [شطبت من الهامش وبقيت في المتن ولم تشطب].
(19) في (م): ((ولا)).
(20) في (أ) و(ح) و(ي): ((فيمن)).(1/239)
وقوله: ((فنزلت هذه الآيةُ: {يسئلونك عن الأنفال})) يقتضي أن يكونَ ثمَّ سؤالٌ عن حكمِ الأنفالِ، ولم يكن هنالك (1) سؤالٌ عن ذلك على ما يقتضيه (2) هذا الحديثُ؛ ولذلك قال بعضُ أهلِ العلمِ: إن((عن)) صلةٌ؛ ولذلك قرأه (3) ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه بغير((عن)): ((يسألونكَ (4) الأنفال)) (5) . وقال بعضُهم: إن((عن)) بمعنى ((مِنْ))؛ لأنه إنما (6) سألَ شيئًا معينًا، وهو السيفُ (7) ، وهو من الأنفالِ (8) .
و((الأنفالُ)): جمعُ ((نَفَلٍ)) - بفتح الفاء - هنا (9) ؛ كـ((جَمَل)) و(أَجْمالٍ))، و((لبن)) و((ألبان (10) )).
وقد اخُتلف في المرادِ بالأنفالِ هنا في الآية؛ هل هي الغنائم؛ لأنها عطايا، أو هي ما (11) ينفَّلُ من الخمسِ بعدَ القَسْمِ (12) ؟
وكذلك اختُلف في أخذِ سعدٍ لهذا (13) السيفِ؛ هل كان أَخْذُه له من القبضِ قبلَ القسمِ، أو بعدَ القسمِ (14) ؟ وظاهرُ قولِه: ((ضَعْهُ حَيْثُ أَخَذْتَهُ)) أنه قبلَ القسمِ؛ لأنه لو كان أَخْذُه له بعدَ القسمِ لَأَمَره أن يردَّه إلى من طار (15) له (16) في القَسْمِ (17) . =(3/535)=@ &(3/422)&$
وقولُه تعالى: {قل الأنفال لله والرسول} (18) ؛ ظاهرُه - إن حملنا الأنفال على الغنائمِ - أن الغنيمةَ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وليستْ مقسومةً بين الغانمين؛ وبه قال ابنُ عباسٍ (19) وجماعةٌ، ورأوا أنها منسوخةٌ بقولِه تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه...} (20) الآيةَ (21) ، وظاهرُه (22) : أن أربعةَ أخماسِ الغنيمةِ للغانمين.
وقد رُوي عن ابن عباسٍ (23) أيضًا: أنها محكمةٌ، غيرُ %(1/240)%
__________
(1) في (م): ((هناك)).
(2) في (م): ((يقتضي)).
(3) في (ح) و(ي): ((قرأ)).
(4) في (أ): ((يسألونك عن)).
(5) أخرجه الطبري في "تفسيره" (13/378 رقم15665) عن ابن يسار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش قال: كان أصحاب عبدالله يقرأونها: يسألونك الأنفال .
وأخرجه أيضًا في الموضع السابق رقم (15666) عن ابن وكيع، عن المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، قال: هي قراءة ابن مسعود: يسألونك الأنفال .
وسنده ضعيف .
(6) سقط من (ز).
(7) في (ح) و(ي): ((السلف)).
(8) قراءة: ((يسألونك الأنفال)) هي قراءة عبد الله بن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وعلي بن الحسين وولديه: زيد، ومحمد الباقر، وولده جعفر الصادق، وعكرمة، وعطاء، والضحاك وطلحة بن مصرف. قال الطبري بعد أن ذكر الأقوال الثلاثة في الآية، تبعًا للاختلاف في سبب نزولها: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن الله تعالى أخبر في هذه الآية عن قومٍ سألوا رسولَ الله الأنفالَ أن يعطيهموها، فأخبرهم الله أنها لله، وأنه جعلها لرسوله. وإذا كان ذلك معناه، جاز أن يكون نزولُها كان من أجل اختلاف أصحابِ رسول الله فيها، وجائز أن يكون كان من أجل مسألةِ من سأله السيف الذي ذكرنا عن سعد أنه سأله إياه، وجائز أن يكون من أجل مسألةِ من سأله قَسْم ذلك بين الجيش.اهـ.
وقال أبو حيان: والضمير في (يسألونك) يفسره وقعة بدر؛ فهو عائد على من حضرها من الصحابة، وكان السائل معلومًا معينًا ذلك اليوم؛ فعاد الضمير عليه. والسؤال قد يكون لاقتضاء معنًى في نفس المسئول فيتعدى إذ ذاك بـ((عن))، ((يسألونك عن الأنفال)) حكمها ولنم تكون؛ ولذلك جاء الجواب: ((قل الأنفال لله والرسول)). وقد يكون السؤال لاقتضاء مالٍ ونحوه؛ فيتعدّى إ ذاك لمفعولين؛ تقول: ((سألت زيدًا مالاً)). وقد جعل بعض المفسرين السؤال هنا بهذا المعنى، وادعى زيادة ((عن))، وأن التقدير: ((يسألونك الأنفال)) وهذا لا ضرورة تدعو إليه، وينبغي أن تحمل قراءة من قرأ بإسقاط ((عن)) على إرادتها؛ لأن حذف الحرف وهو مراد أسهل من زيادته لغير معنى غير التوكيد. وقيل: ((عن)) بمعنى ((من))؛ أي: يسألونك من الأنفال. ولا ضرورة تدعو إلى تضمين الحرف معنى الحرف.اهـ. بتصرف. وتابعه على ذلك السمين الحلبي. انظر "تفسير الطبري" (13/367- 380)، و "البحر المحيط" (4/453)، و "الدر المصون" (5/555).
(9) قوله: ((هنا)) سقط من (أ) و(ز) و(ي).
(10) والأنفال: العطايا. والنفل: العطية تطوعًا والزيادة على الواجب. قد تقدم تفسيره بنحوه للشارح أول الباب.
(11) في (ي): ((مما)).
(12) انظر ما يأتي للشارح قريبًا في الكلام على الخلاف في هذه الآية: محكمة أو منسوخة.
(13) قوله: ((سعد لهذا)) في (ب): ((هذا)) ,في (م): ((سعيد هذا)).
(14) من قوله: ((وكذلك اختلف ....)) إلى هنا، سقط من (ح) و(ي).
(15) في (م): ((صار)) وطارَ له في القسمة كذا؛ أي: وقع في حصته وصار لهو المعنى واحد. وانظر "النهاية" (1/54).
(16) في (ي): ((إليه)).
(17) وقال القاضي في "الإكمال" (6/55): ((ويحتمل أن يكون هذا قبل الخمس؛ ألا تراه كيف قال: ((ضعه حيث أخذته)). ويحتمل أن يكون هذا قبل نزول حكم الغنائم وتحليلها والحكم فيها، وهو الأظهر والصواب؛ وعليه يدل الحديث، وقد روي في تمامه ما بيَّنه من قوله ? لسعد بعد نزول الآتي: ((خذ سيفك سألتنيه وليس لي ولا لك، وقد جعله الله لي، وجعلته لك)). ويحتمل أن يكون بعد بيان الخمس وقبل القسمة.
(18) سورة الأنفال؛ الآية: 1. ووقع في (ي): ((وللرسول)).
(19) علقه البخاري (8/306) في التفسير، باب قوله { يسألونك عن الأنفال ...}. ووصله الطبري (13/378 رقم 15667)، وابن أبي حاتم (5/1653 رقم8766)، والبيهقي (6/293)؛ ثلاثتهم من طريق أبي صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول} قال: الأنفال: المغانم، كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالصة، ليس لأحد منها شيء ...، ثم أنزل الله: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ...}.
وفي سنده: أبو صالح عبدالله بن صالح، صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة؛ كما في "التقريب"(ص515 رقم3409). وعلي بن أبي طلحة: اختلف في سماعه من ابن عباس .
(20) سورة الأنفال؛ الآية: 41.
(21) قوله: ((الآية)) سقط من (أ).
(22) في (ب): ((وظاهره)).
(23) تخريج.(1/240)
منسوخةٍ، وأن للأمامِ أن ينفلَ من الغنائمِ ما شاء لمن شاء ؛ لما يراه من المصلحةِ. وقيل: هي مخصوصةٌ بما شَذَّ من المشركين إلى المسلمين؛ من عبدٍ، أو أمَةٍ، أو دابةٍ. وهو قولُ عطاءٍ، والحسنِ.
وقيل: المرادُ بها: أنفالُ السَّرايا.
والأولى: أن الأنفالَ المذكورةَ في هذه الآيةِ هي ما ينفِّلهُ الإمامُ من الخمسِ؛ بدليلِ قولهِ تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول} (1) ، ولا يصحُّ الحكمُ بالنسخِ؛ إذ الجمعُ بين الآيتين ممكنٌ، ومتى أمكن الجمعُ فهو أولى من النسخِ (2) ، باتفاقِ الأصوليين.
وقال مجاهدٌ في الآية: إنها محكمةٌ، غيرُ منسوخةٍ، وأن المرادَ بالأنفالِ: ما ينفلُه الإمامُ من الخمسِ (3) . وعلى هذا: فلا نفلَ (4) إلا من الخمسِ، ولا يتعيَّنُ الخمسُ إلا بعدَ قسمةِ الغنيمةِ خمسةَ أخماسٍ؛ وهو المعروفُ من مذهبِ مالكٍ. وقد رُوي عن مالكٍ: أن الأنفالَ من خمسِ الخمسِ؛ وهو (5) قولُ ابنِ المسيِّبِ، والشافعيِّ، وأبي حنيفةَ، والطبريِّ. وأجاز الشافعيُّ النفلَ قبلَ إحرازِ الغنيمةِ وبعدهَا. وهو قولُ أبي ثورٍ، وا لأوزاعيِّ، وأحمدَ، والحسنِ البصريِّ (6) .
وقولُه تعالى: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين} (7) ؛ أي: أصلحوا فيما بينكم، وأطيعوا الله ورسولَه فيما أمرَكم =(3/536)=@ به من الرضا بما قَسَمَ لكم، إن كنتم محقِّقين إيمانَكم. وهذا يدلُّ على أنهم (8) وقع فيما بينهم شَنَآنٌ ومنافرةٌ بسببِ الغنيمةِ. ويدلُّ على هذا: ما رواه أبو أمامةَ الباهليُّ (9) - رضي الله عنه - قال: سألتُ عُبادة بنَ الصامتِ عن ِالأنفالِ؟ فقال: فينا أصحابَ (10) بدرٍ نزلتْ، حين اختلفنا في النَّفلِ، وساءت فيه أخلاقنُا، فنزعه الله من أيدينا وجعله إلى &(3/423)&$ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقسَمه علينا على بواءٍ؛ أي: على سواءٍ (11) . وعن ابن عباسٍ (12) - رضي الله عنهما -: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر: ((من فعل كذا (13) ، فله كذا))، فتسارع الشُّبَّانُ، وثبت الشيوخُ مع الرَّاياتِ، فلما فُتح لهم، جاء (14) الشبانُ يطلبون ما جُعل لهم، فقال لهم الأشياخُ: لا تذهبون (15) به دوننا، فقد كنَّا رِدْءًا لكم، فأنزل الله تعالى (16) : {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} (17) . %(1/241)%
__________
(1) سورة الأنفال؛ الآية: 41. وانظر "تفسير الطبري" (13/361- 367).
(2) من قوله: ((إذا الجمع بين...)) إلى هنا، سقط من (م).
(3) انظر "تفسير الطبري" الموضع السابق.
(4) قوله: ((فلا نفل)) في (ز): ((ما أنفل)).
(5) في (ح): ((وهذا)).
(6) في (ز): ((البصر)).
(7) سورة الأنفال؛ الآية: 1.
(8) في (ز): ((أنه)).
(9) حديثه حسن. انظر "سنن سعيد بن منصور" (5/187-189 رقم982) بتحقيقي.
(10) في (أ) ضبطت: ((أصحاب)) بفتح الباء وبكسرها، وكتب فوقها (( معًا)).
(11) قوله: ((على بواء أي على سواء)) في (ز): ((على بواء أي سواء))، وفي (م): ((على بواد أي على سواء))، وفي (ي): ((على سواء)) فقط، والتواء: المثل، والسواء، والكفء. "العين" (؟؟؟)، و "القاموس" (1/43).
(12) أخرجه أبو داود (3/175-176 و176-177 و177 رقم2737 و2738 و2739) في الجهاد، باب في النفل، والنسائي في "الكبرى" (6/349 رقم11197)، والطبري في "تفسيره" (13/367 و368 و368-369 رقم15650و15651 و15652)، والحاكم (2/131-132 و221 -222)، والبيهقي (6/291-292 و292 و315و315-316) من طريق أبي داود وغيره. جميعهم من طريق داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: ((من فعل كذا وكذا، فله من النفل كذا وكذا))، قال فتقدم الفتيان ولزم المشيخة الرايات فلم يبرحوها، فلما فتح الله عليهم قالت المشيخة: كنا ردءا لكم لو انهزمتم لفئتم إلينا، فلا تذهبوا بالمغنم ونبقى. فأبى الفتيان وقالوا: جعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنا. فأنزل الله تبارك وتعالى: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول...} إلى قوله: {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون}؛ يقول: فكان ذلك خيرًا لهم، وكذلك أيضًا فأطيعوني فإني أعلم بعاقبة هذا منكم .
قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح))، ووافقه الذهبي .
(13) قوله: ((كذا)) سقط من (أ).
(14) في (ز): ((جاءت)).
(15) في (ز): ((تذهبوا)).
(16) في (م): ((عز وجل)).
(17) سورة الأنفال؛ الآية: 1.(1/241)
وقوله: ((بعث رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى نجد سريةً)) إلى قوله: ((ونفلنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بعيرًا بعيرًا))؛ هذه السريةُ خرجتْ من جيشٍ بعثهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى نجدٍ، فلما غنمت قسم ما غنمت على الجيش والسريةِ، فكانت (1) سُهْمَانُ كلِّ واحدٍ من الجيشِ والسَّريةِ: اثني عشر بعيرًا، اثني عشر بعيرًا (2) ، ثم زِيدَ أهلُ السَّرية بِعيرًا بعيرًا؛ فكان لكلِّ إنسانٍ (3) من أهلِ السَّريةِ: ثلاثةَ عشرَ بعيرًا، ثلاثةَ عشرَ بعيرًا (4) . بيّن ذلك ونصَّ عليه أبو داود (5) من حديثِ شعيبِ بن أبي حمزةَ، عن نافعٍ، عن ابنِ عمرَ – رضي الله عنهما -.
ولهذا قال مالكٌ، وعامةُ الفقهاءِ: إن السَّريةَ إذا خرجتْ من الجيشِ، فما غنمتْه كان مقسومًا =(3/537)=@ بينها وبين الجيش. ثم إن رأى الإمامُ أن يُنَفلَهم من الخمسِ جاز عند مالكٍ، واستُحبَّ عندَ غيرهِ.
وذهب الأوزاعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، وأبو عبيدٍ: إلى أن النفلَ من جملةِ الغنيمةِ بعدَ إخراجِ الخمسِ، وما بقي للجيشِ، وحديثُ ابن عمرَ يردُّ على هؤلاءِ؛ فإنه قال فيه (6) : فبلغتْ سُهمانُنا (7) : اثني (8) عشر بعيرًا، اثني (9) عشر بعيرًا، ونفلنَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بعيرًا بعيرًا.
وظاهرُ مساقِ هذه الروايةِ: أن الذي قسَّم بينهم، ونَفَّلهم (10) ، هو (11) رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، حين رجعوا إليه. وفي رواية مالكٍ عن نافعٍ: ((ونُفِّلُوا بعيرًا بعيرًا)) (12) ، ولم يذكرْ ((رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - )). ومن (13) رواية الليثِ عن نٍافع: ((وَنُفِّلوا سوى (14) ذلك بَعيرًا بعيرًا، فلم يُغِّيْره رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - )). وفي كتابِ أبي داودَ (15) من حديثِ محمدِ بنِ إسحاقَ عن نافعٍ، قال: فَأَصَبْنَا نَعَمًا كثيرًا، فنَّفلنا أميرنُا بعيرًا بعيرًا، ثم قَدِمْنا على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، &(3/424)&$ فقسَم بيننا (16) غُنيمتَنا، فأصاب كلَّ إنسانٍ (17) منا: اثنا (18) عشرَ بعيرًا، اثنا (19) عشرَ بعيرًا، وما حاسَبَنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بالذي أعطانا %(1/242)%
__________
(1) في (م): ((وكانت)).
(2) قوله: ((اثنتي عشر بعيرًا)) ذكر مرة واحدة في (ز) و(م)، ووقع في (ز): ((اثنا عشر بعيرًا)).
(3) في (م): ((واحد)).
(4) قوله: ((ثلاثة عشر بعيرًا)) ذكره مرة واحدة في (م).
(5) في "سننه" (3/177-178 رقم2741) في الجهاد، باب في نفل السرية تخرج من العسكر .
(6) سقط من (ي).
(7) في (م): ((سهما منّا)).
(8) في (ز): ((اثنا)).
(9) في (ز): ((اثنا)).
(10) تقرأ في (ي): ((ونقلهم)).
(11) تقرأ في (ي): ((ونقلهم)).
(12) "الموطأ" (2/450 رقم15) في الجهاد، باب جامع النفل في الغزو .
(13) في (ب) و(م): ((وفي)).
(14) قوله: ((سوى)) سقط من (ح).
(15) في "سننه"(3/179 رقم2743) في الجهاد، باب في نفل السرية تخرج من العسكر.
(16) في (ح): ((علينا)).
(17) في (أ): ((رجل))، وفي (ح) و(ي): ((واحد)). [راجع]
(18) في (ح) و(ي): ((اثني)).
(19) في (ح) و(ي): ((اثني)).(1/242)
صاحبُنا، ولا عاب عليه ما صنع؛ فكان لكلِّ رجلٍ ثلاثةَ عشرَ بعيرًا بنَفَلِه.
وهذا (1) اضطرابٌ في حديثِ ابنِ عمرِ (2) ، على أنه يمكنُ أن تحملَ (3) روايةُ من رفع ذلك إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - على أنه لما بلغه ذلك أجازه وسوَّغه. والله تعالى أعلم. أو (4) تكونُ روايةُ عبيدِالله عن نافعٍ في الرَّفع وَهْمًا.
وبمقتضى روايةِ ابنِ إسحاقَ عن نافعٍ قال الأوزاعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، وأبو عبيدٍ؛ كما قدمناه (5) آنفًا من (6) مذهبِهم. لكنَّ محمدَ بنَ إسحاقَ كذَّبه مالكٌ، وضعَّفه غيرُه. =(3/538)=@
وقولُه: ((ونفلنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - نفلاً سوى نصيبِنا من الخمس))؛ هذا المجرورُ الذي هو((من الخمس)) (7) هو في موضعِ الصفةِ لـ((نَفَل))؛ يعني (8) : أنه نفلهم نفلاً (9) من الخمسِ، وليس في موضعِ الحالِ من((نصيبِنا))؛ لأنه كان يلزم عليه أن يكون لهم نصيبٌ في (10) الخمسِ غيرُ النفلِ، ولم ينقلْ (11) هذا بوجهٍ، ولا قاله أحدٌ فيما علمتُه.
و((الشَّارفُ)): المسنُّ الكبيرُ من النُّوقِ (12) .
وقوله: ((كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ينفلُ بعضَ مَن يبعثُ من السَّرايا))؛ يدلُّ على أن ذلك ليس حتمًا واجبًا على الإمامِ، وإنما ذلك (13) بحسبِ ما يظهرُ له من المصلحةِ والتنشيطِ؛ كما يقولُه مالكٌ. وقد كره مالكٌ أن يحرضَ الإمامُ %(1/243)%
__________
(1) في (م): ((وهو)).
(2) جمع بين الروايات كذلك القاضي في "الإكمال" (6/58، والنووي في "شرح مسلم" (12/55)، والحافظ في "الفتح" (6/239-240).
(3) في (م): ((يحمل)).
(4) في (ب) و(م): ((و)).
(5) في (ب) و(ز) و(أ): ((قدمنا)).
(6) تقرأ في (ح): ((ومن)).
(7) قوله: ((الذي هو من الخمس)) سقط ((الذي)) من (ح) و(ي)، وسقط ((هو من الخمس)) من (ي) فقط.
(8) في (ب): ((بمعنى)).
(9) قوله: ((نفلاً)) سقط من (أ).
(10) في (م): ((من)).
(11) في (ز): ((ينفل)).
(12) وكذا فسِّر في "صحيح مسلم". قال القاضي: ((وتمامه: من النوق؛ لا يقال ذلك للذكران؛ والشارف: المسنة الكبيرة. إلا أن يريد بقوله: ((المسن الكبير)): البعير؛ لأنه ينطبق على المذكر والأنثى؛ فذكر الوصف على اللفظ.اهـ. وانظر: "غريب الحديث" لابن قتيبة (1/486).
(13) قوله: ((ذلك)) سقط من (ح).(1/243)
العسكرَ بإعطاءِ جزءٍ من الغنيمةِ قبلَ القتالِ؛ لما يخافُ من فسادِ النيةِ. وقد أجازه بعضُ السَّلفِ. وأجاز النخعيُّ وبعضُ العلماءِ أن تُنفلَ (1) السَّريةُ جميعَ ما غنمت. والكافةُ على خلافِه. =(3/539)=@
وقوله: ((والخمس في ذلك واجبٌ كلِّه))؛ يعني: أن التخميسَ (2) لا بُدَّ منه فيما غنمته السَّريةُ، وفيما غنمه الجيشُ. وعلى (3) هذا يكونُ (4) ((كله)) مخفوضًا تأكيدًا لـ"ذلك" المجرور بـ((في))، وقد قيدناه بالرفعِ على أن يكون تأكيدًا لـ((الخمس)) المرفوعِ. وفيه بُعْدٌ. والله أعلمُ (5) . &(3/425)&$
من بابِ: للإمامِ أن يخصَّ القاتلَ بالسَّلبِ
((الجولُة)): الاضطرابُ. ويعنى به: انهزامَ المنهزمةِ يومَ حنينٍ؛ على ما يأتي. وذكر بعضُ العلماءِ الإجماعَ على أنه لا يجوزُ أن يقالَ: إن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - انهزم أو هُزِم، ولم يَرْوِ ذلك أحدٌ قطُّ، بل خلافُه من الشبابِ والإقدام (6) .
و((حبل العاتق)): هو موصلُ ما بين العنقِ والكاهِلِ. وقيل: هو حبلُ الوريدِ. والوريدُ: عرقٌ بين الحلقومِ والعِلْباوَيْن (7) . %(1/244)%
__________
(1) في (ح): ((ينفل)).
(2) في (ب): ((التخمس)).
(3) قوله: ((وعلى)) في (ز): ((وعن على)).
(4) في (ح): ((فيكون)).
(5) قوله: ((والله أعلم)) ليس في (ح) و(ي). ومن قوله: ((وعلى هذا يكون ....)) إلى هنا، سقط من (أ).
(6) من قوله: ((وذكر بعض العلماء...)) إلى هنا، انفردت به النسخة (أ). وكذا وقع فيها: ((الشباب والإقدام)) وكلمة ((الإقدام)) تقرأ ((الأقوام)). والصواب: ((الثبات والإقدام)). وهذه العبارة عبارة القاضي في "الإكمال" (6/63) وانظر "شرح النووي" (12/58، 122).
(7) في (ب) و(م): ((اللفاديد)) وفي (ي): ((العلياوين)) والعاتق: موضع الرداء من المنكب، والكاهِل: مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق، ما بين الكتفين. وقال الأصمعي: هو موصل العنق وحبل العاتق: قال الخطابي: هو وصلة ما بين العنق والكاهل.
قال القاضي: وقيل: الحبل: الوريد نفسه. والوريد: عرق بين الحلقوم والعِلْباوين. والعلباوان: هما العصبتان الصفراوان اللتان في مأخذ العنق تأخذا من أصل القفا إلى الكاهل بينهما أخدود. والمفرد ((عِلْباء)) مذكر مصروفٌ، والمثنى ((علباوان)) يجري مجرى الإناث.
والجمع: القلَابّي. "الكنز اللغوي" (ص200)، "تهذيب اللغة" (2/406).(1/244)
وقوله: ((فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت))؛ أي: ضمةً شديدةً أَشْرفَ =(3/540)=@ بسببِها على الموتِ. وهي استعارةٌ حسنةٌ. وأصلُها: أنَّ من قُرَب من الشيءِ وجد ريحَه.
وقوله: ((وجلس (1) رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((من قتل قتيلاً له عليه بيّنة فله سلبه)) - دليل على أن هذا القولَ منه - صلى الله عليه وسلم - كان بعدَ أن بَرَدَ القتالُ، وأما قبلَ القتالِ (2) فيَكرهُ مالكٌ للإمام أن يقولَ مثل ذلك؛ لئلا تفسدَ نيةُ المجاهدين.
وهل قال - صلى الله عليه وسلم - ذلك القولُ مُقَعِّدًا لقاعدِة تمليكِ السلبِ للقاتلِ، ومبيِّنًا لحكمِ الله تعالى في ذلك دائمًا، وفي كلِّ واقعةٍ؟ وإليه صار الليثُ، والشافعيُّ (3) ، والأوزاعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، والطبريُّ، والثوريُّ، وأبو ثورٍ؛ قالوا: السلبُ للقاتلِ؛ قاله الإمام أو لم يقلْه، غيرَ أن الشافعيَّ - رحمه الله - اشترط في ذلك أن يقتله مُقْبِلاً. واشترط الأوزاعيُّ أن يكونَ ذلك قبل التحامِ الحربِ.
أو قاله - صلى الله عليه وسلم - على جهةِ أن يبيِّن أن (4) للأمامِ أن يفعلَ ذلك إذا رآه مصلحةً؟ وإلى هذا ذهب مالكٌ، وأبو حنيفة؛ فقالا: إن السلبَ ليس بحقٍّ للقاتلِ، وإنه (5) من الغنيمةِ، إلا أن يجعلَ الأميرُ (6) ذلك له. &(3/426)&$
فأما (7) الطائفةُ الأولى: فتمسَّكتْ بظاهرِ الحديثِ المتقدِّمِ، وقصر الشافعيُّ عمومَ قولِه: ((مَنْ قتل قتيلاً)) على نحوِ (8) ما وقع لأبي قتادة؛ فإنه قتلَ الكافرَ مُقْبلاً (9) ؛ ولذلك ضمَّه الضمةَ الشديدةَ، وليس للأوزاعيِّ على ما اشترطَ حجَّةٌ من الحديثِ، بل هو حجَّةٌ عليه (10) ؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - إنما قال ذلك بعدَ فراغِ القتالِ. %(1/245)%
__________
(1) في (ز): ((فجلس)).
(2) في (ي): ((ذلك)). [عند كلمة القتال كتب عليها الهامش وهي (قبل ذلك القتال)] تراجع.
(3) قوله: ((والشافعي)) سقط من (أ) و(ب).
(4) سقط من (ي).
(5) في (ز): ((وإن)).
(6) في (م): ((الإمام)).
(7) في (ح): ((وأما)).
(8) سقط من (ز).
(9) في (م): ((مقتلا)). وكتب في جانبها في هامش المطبوع راجع في (م).
(10) في (ز): ((عليه)).(1/245)
وأما الطائفةُ الثانيةِ: فإنهم ردُّوا ظاهرَ ذلك الحديثِ لما يعارضُه؛ وهو قولُه تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} (1) فأضاف أربعةَ =(3/541)=@ أخماسٍ من (2) الغنيمةِ للغانمين، ولا يصلحُ قولُه: ((من قتل قتيلاً فله سلبه)) للتخصيصِ؛ للاحتمال الذي أبديناه.
ومما تمسَّكوا به قضيةُ أبي جهلٍ (3) الآتيةُ بعد هذا؛ وذلك: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لابْنَيْ عفراءَ: ((كِلَاكُمَا قَتَلَهُ))، ثم قضى بسلبِه لأحدِهما، وهي نصٌّ في المقصودِ.
لا يقال: إن قضيةَ أبي جهلٍ متقدِّمةٌ وقضية أبي قتادةَ متأخِّرةٌ؛ فتكونُ ناسخةً؛ لأنا لا نسلمُ التعارضَ؛ لإمكانِ الجمعِ بين القضيتين؛ لأن ذلك رأيٌ رآه فيهما (4) ؛ فاختلف الحالُ بحسبِ (5) اختلافِ الاجتهادِ. والله تعالى أعلمُ.
ومما يعتضدُ به هؤلاء: أنه لو كان قولُه: ((من قتل قتيلاً فله سلبه)) مُقعِّدًا للقاعدةِ ومبيِّنًا لها؛ لكان ذلك أمرًا معمولاً به عند الصحابةِ (6) – رضي الله عنهم -، وخصوصًا الخلفاءَ الأربعةَ - رضي الله عنهم - ؛ فإنهم كانوا حضورًا في ذلك الموطنِ (7) ، وقد انقرضتْ أعصارُهم ولم يحكموا بأن السلب (8) للقاتلِ مطلقًا (9) ، على ما حكاه ابن أبي زيدٍ في "مختصره". هذا مع كثرةِ وقائِعهم في العدوِّ وغنائمِهم، وعمومِ الحاجةِ إلى ذلك. فلما لم يكن ذلك كذلك؛ صح أن يقال: إن ذلك موكولٌ لرأيِ (10) الإمامِ. والله تعالى أعلم (11) .
تفريعٌ: لا شك في أن مَنْ كان مذهبُه أن السلبَ للقاتلِ: أنه (12) لا يخمِّسه، وإنما يملكُه بنفسِ القتلِ المشهودِ عليه، وأما من صار إلى أن ذلك للإمامِ يرى فيه &(3/427)&$ رأيه، فاختلفوا؛ هل يخمَّسُ أو لا يُخمَّسُ؟ فقال مالكٌ، والأوزاعيُّ، ومكحولٌ: يُخمَّسُ. وقاله إسحاق إذا كثر. ونحوُه عن عمر – رضي الله عنه - (13) . وحكى ابنُ خواز منداد (14) عن مالكٍ: أن الإمامَ مخيَّرٌ في ذلك كلِّه (15) ؛ قاله القاضي إسماعيل (16) . %(1/246)%
__________
(1) سورة الأنفال؛ الآية: 41.
(2) قوله: ((من)) سقط من (أ) و(ب) و(ز) و(م).
(3) سيأتي في باب لا يستحق القاتل السلب بنفس القتل .
(4) في (ب): ((فيها)).
(5) قوله: ((بحسب)) في (ي): ((باختلاف)). [موضع الهامش غير صحيح في المتن]
(6) في (ز): ((أصحابه)).
(7) في (أ): ((المواطن)).
(8) في (أ): ((السلت)).
(9) سقط من (م) و(ي).
(10) قوله: ((لرأي)) في (ي): ((إلى رأي)).
(11) انظر: ((المنتقى)) (3/190).
(12) قوله: ((أنه)) سقط من (ب) و(م).
(13) أخرجه ابن أبي شيبة (6/482 و482-483 رقم33078 و33079) في السير، باب من جعل السلب للقاتل، من طريقين عن ابن عون، وهشام بن حسان، وعبدالرزاق (5/233 رقم9468)، والطحاوي (3/229-230و230) من طريق أيوب، والبيهقي (6/310-311) من طريق هشام بن حسان ؛ ثلاثتهم - ابن عون، هشام بن حسان، وأيوب - عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك قال: كان السلب لا يخمس، فكان أول سلب خمس في الإسلام سلب البراء بن مالك، وكان حمل على مرزبان الزأرة، فطعنه بالرمح حتى دق قربوس السرج، ثم نزل إليه فقطع منطقته وسواريه، قال: فلما قدمنا المدينة، صلى عمر بن الخطاب صلاة الغداة، ثم أتانا فقال: السلام عليكم: أثم أبو طلحة؟ فقال: نعم، فخرج إليه، فقال عمر: إنا كنا لا نخمس السلب، وإن سلب البراء بن مالك مال، وإني خامسه، فدعا المقومين، فقوموا ثلاثين ألفًا، فأخذ منها ستة آلاف)).
وصححه الألباني في "الإرواء" (5/57-58 رقم1224).
(14) في (أ): ((منذاد)) وفي (ب) و(م): ((منداذ)) وفي (ز): ((بنداذ)).
(15) قوله: ((كله)) سقط من (ح) فقط.
(16) قوله: ((قال القاضي إسماعيل)). كذا في النسخ. وفي "الإكمال" (6/61): ((واختار إسماعيل القاضي)) وقال النووي: (12/59): وعن مالك رواية اختارها إسماعيل القاضي: أن الإمام بالخيار إن شاء خمسه وإلا فلا)).(1/246)
ثم اختلفوا في السلبِ الذي يستحقُّه القاتلُ:
فذهب الأوزاعيُّ، وابنُ حبيبٍ من أصحابنا، إلى أنه (1) : فَرسُه الذي ركبه (2) ، وكلُّ شيءٍ كان عليه؛ من لَبُوسٍ، وسلاحٍ، وآلةٍ، وحليةٍ له ولفرسهِ؛ غير أن ابنَ حبيبٍ قال: إن المنطقةَ التي فيها دنانيرُ =(3/542)=@ ودراهم نفقتِه (3) داخلةٌ في السَّلبِ. ولم ير ذلك الأوزاعىُّ (4) .
وقد عمل (5) بقولِهِما جماعةٌ من الصحابِة (6) . ونحوهُ مذهبُ الشافعيّ، غيرَ أنه تردد في السِّوارينِ، والحليةِ، وما في معناهما من غيرِ حليةِ الحربِ (7) .
وذهب ابنُ عباسٍ (8) – رضي الله عنه - إلى أنه: الفرسُ، والسِّلاحُ، وهو معنى مذهبِ مالكٍ.
وشذَّ أحمدُ، فلم ير الفرسَ من السَّلبِ، ووقفَ في السَّيفِ.
وللشافعيِّ قولان فيما وجد في عسكرِ العدوِّ من أموالِ المقتولِ؛ هل هو من سلبِه أم لا؟ والصحيحُ: العمومُ فيما كان معه؛ تمسّكًا بالعمومِ. والله تعالى أعلمُ.
وقوله: ((له عليه بينة))؛ قال بظاهره الليثُ، والشافعيُّ، وبعضُ أصحابِ الحديثِ؛ فلا يَستحقُّ القاتلُ السلبَ إلا بالبيّنةِ (9) ، أو شاهدٍ (10) ويمينٍ. وقال الأوزاعيُّ والليثُ بنُ سعدٍ (11) : ليستِ البيّنةُ شرطًا في الاستحقاقِ، بل إنِ اتفق ذلك فهو الأَوْلى رفعًا للمنازعةِ، وإن لم يتفق كان للقاتلِ بغيرِ بيّنةٍ؛ ألا ترى أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أعطى أبا قتادةَ سلبَ مقتولِه من غيرِ شهادةٍ، ولا يمين! ولا تكفي (12) شهادةُ واحدٍ، ولا يناطُ بها حكمٌ بمجردهِا.
لا يقال: إنما أعطاه إيَّاه بشهادةِ الذي هو في يدِه، وشهادةِ أبي بكرٍ – رضي الله عنه -. لأن أبا بكر - رضي الله عنه - لم يُقمْ شهادةً لأبي قتادةَ، وإنما منع أن يُدفعَ السلبُ للذي ذَكر (13) أنه في يديه (14) ، ويُمنع (15) منه أبو قتادة.
ويُخرَّجُ على أصولِ المالكيةِ في هذه المسألةِ، ومن قال بقولها (16) : أنه لا يَحتاج الإمامُ فيه إلى بينةٍ؛ لأنه من الإمامِ ابتداءُ &(3/428)&$ عطيّةٍ. فإن شرط فيه (17) الشهادةَ كان له، وإن لم يشترطْ، جاز أن يعطيَه من غيرِ شهادةٍ. والله تعالى أعلم. =(3/543)=@ %(1/247)%
__________
(1) في (ح): ((أن)).
(2) في (ب) و(م): ((يركبه)).
(3) كذا في (أ)، وفي سائر النسخ: ((نفقة)).
(4) قوله: ((غير أن ابن حبيب...)) إلخ. عبارة القاضي في "الإكمال" (6/61- 62): ((واختلفوا ما هو السلب... فقيل: فرسه الذي يركبه وكل شيء عليه من لبوس وسلاح وآلة له ولفرسه ولسلاحه؛ كالشوكار والمنطقة والسوار والخاتم والطوق والتاج... وهذا مذهب الأوزاعي وبه قال ابن حبيب من أصحابنا وبه عمل جمع من الصحابة، ونحوه مذهب الشافعي...)) ثم قال القاضي: ((ورأى ابن حبيب أصحابنا ما في منطقته من دنانير ودراهم لنفقة داخلة في السلب، ولم ير ذلك الأوزاعي ولا غيره)).اهـ..
(5) في (ز): ((قال)).
(6) سقط من (ي).
(7) قوله: ((وقد عمل به جمع من الصحابة..)) إلخ والمراد ب((قولهما)) هنا: قول الأوزاعي وابن حبيب فيما اتفقا فيه، وانظر النقل السابق عن "الإكمال".
(8) أخرجه مالك في "الموطأ" (2/455 رقم19) في الجهاد، باب ما جاء في السلب في النفل، عن ابن شهاب، عن القاسم بن محمد؛ أنه قال: سمعت رجلاً يسأل عبدالله بن عباس عن الأنفال؟ فقال ابن عباس: الفرس من النفل، والسلب من النفل .
ومن طريق مالك أخرجه ابن جرير في "تفسيره" (13/364 رقم 15646)، والطحاوي (3/230). وأخرجه عبدالرزاق في "تفسيره" (2/249) عن معمر، عن الزهري، عن القاسم بن محمد قال: قال ابن عباس: كان عمر - رضي الله عنه - إذا سئل عن شيء قال: لا آمرك ولا أنهاك ...، قال: فسلط على ابن عباس رجل من أهل العراق، فسأله عن الأنفال؟ فقال ابن عباس: كان الرجل ينفل فرس الرجل وسلبه ...
ومن طريق عبدالرزاق أخرجه ابن جرير في "تفسيره" في الموضع السابق برقم (15647)، وفيه: ((كان الرجل ينفل فرس الرجل وسلاحه)).
وأخرجه ابن أبي شيبة (6/483 رقم33086) في السير، باب من جعل السلب للقاتل، من طريق الأوزاعي، عن ابن شهاب، بهذا الإسناد. قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (3/546): ((وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس)).
(9) في (ز): ((بالنية)).
(10) في (ي): ((بشاهد)).
(11) قوله: ((بن سعد)) من (أ) فقط. وهكذا وقع ذكر ((الليث)) في جميع النسخ. وقد تقدم أن مذهبه اشتراط البينة. وعبارة "الإكمال" (6/62): وقال الأوزاعي: يعطي بقوله ولا يحتاج إلى بينة وهو قول المالكية. وحجتهم في هذا الحديث: أن النبي ? أعطاه بشاهد وأحد ولم يحلفه معه وأنه لم يرد ? لابينة وإنما أراد أن يعلم ذلك، [ونحو هذا الليث (كذا ) أيضًا] وأنهم عندهم باب خبر لا باب شهادة)).اهـ. وفي المخطوط: ((... ونحو هذا الحديث أيضًا...)). وذكر النووي أن عدم اشتراط البينة هو قول مالك والأوزاعي ولم يذكر الليث. ونقل الأبي عبارة القاضي لكنه لم يذكر الجملة التي فيها الإشكال؛ وقال: ((... وإنما أراد أن يعلم ذلك هو عندهم من باب خبر الواحد لا من باب الشهادة)).
ولم يذكر الشارح هنا مذهب المالكية. وتصريح القاضي به تعقبه فيه الأبي بما حكاه الباجي قائلاً. قلت: تأمل قوله: ((وهو قول المالكية)) وقال الباجي إن كان الإمام قال: ((من قتل قتيلاً له عليه بينة)) لم يثبت بدونها ولا بشاهد ويمين؛ لأن المثبت القتل لا المال، ولا يثبت قتل بيمين، وإن لم يقل الإمام: ((له عليه بينة)) فقال سحنون: لا يأخذه إلا ببينة لو جاء بسلب، وقال: ((قتلت صاحبه لم يأخذه)) واختلف قوله لو جاء برأس وقال: ((قتلت صاحبه)). الباجي: والفرق بين الرأس والسلف أن الرأس في الغالب لا يأتي به إلا قاتله. قال الباجي: واستدلال أصحابنا بحديث أبي قتادة يدل على ثبوته بخبر الواحد. فأنت ترى لم يحكه الباجي إلا عن مقتضى استدلالهم لا أنه قولُ المالكية.اهـ. وانظر كلام الباجي في "المنتقى" (3/192- 193)، وانظر: "التمهيد" (23/242- 247). [يراجع]
(12) في (أ) و(ز): ((تكفي))!!!. [راجع باقي النسخ]
(13) في (ح): ((ذكره)).
(14) في (ح): ((يده)).
(15) في (ز): ((وتمنع)).
(16) في (أ): ((بقولهما)).
(17) قوله: ((شرط فيه)) في (أ) و(ز): ((شرط فيها))، وفي (ح): ((اشتراط فيه)).(1/247)
وقوله: ((فأرضه من حقِّه، يا رسول الله!)) أي: أَعْطِهِ (1) ما يرضى به بدلاً من حقِّه في السَّلبِ. فكأنه سأل من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أن يتركَه له، ويعطي أبا قتادةَ من غيرِه ما يَرْضى به (2) .
وقولُ أبي بكر – رضي الله عنه -: ((لا ها الله إذًا))؛ الروايةُ هكذا (3) ((إذًا (4) )) بالتنوينِ. قال الخطابيُّ: والصوابُ فيه (5) : ((لا ها اللِه ذا)) بغيرِ ألف قبلَ الذالِ؛ ومعناه في كلامِهم: ((لا والله)). يجعلون الهاءَ مكانَ الواوِ. والمعنى: لا والله لا يكونُ ذا. قال المازريُّ: معناه: ذا يميني، وذا قسمي. وقال أبو زيد: ((ذا)) صلةٌ في الكلامِ (6) .
وقوله: ((فبعت الدرعَ، فاشتريت به (7) مخرفًا))، قال القاضي أبو الفضلِ: ُرويناه بفتحِ الميمِ وكسرِها. فمن كسره (8) جعلَه مثل: ((مِرْبَدٍ))، ومن فتح (9) جعله مثل: ((مَضرَب)).
ورويناه أيضًا بفتح الميمِ وكسرِ الراء؛ كما قالوا: ((مَسكِن)) و((مَسجِد)).
أبو الفرج (10) .
والمَخْرَفُ: البستانُ الذي تُخترف ثمارُه؛ أي: تُجتنى (11) . فأما المِخْرَف - بكسر الميمِ - فهو الوعاء الذي يُجمعَ فيه ما يُخترفُ.
و((تأثلت (12) المالَ)): تملكتُه (13) ، فجعلتُه أصلَ مالِي (14) . وأَثَلَةُ كلِّ شيء: أصلُه.
وقوله: ((كلا، لا يعطيه (15) أضيبع من قريش))؛ ((كلا)): ردعٌ وزجرٌ. وقد تكون بمعنى: ((لا))؛ كقوله تعالى حكايةً عن موسى ?: {كلا} (16) ، =(3/544)=@ %(1/248)%
__________
(1) في (م): ((أعطيه)).
(2) سقط من (ز).
(3) في (ز): ((كهذا)).
(4) قوله: ((إذا)) سقط من (أ).
(5) قوله: (( والصواب فيه)) سقط من (أ)، وفي (ح): ((والصواب)) فقط.
(6) انظر كلام المازري في "المعلم" (2/151)ن وكلام الخطابي في (؟؟؟). وانظر "الإكمال" (5/116). وسيأتي للشارح بحث جيد في المسألة في كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق، في قول عائشة أو بريرة مثل هذه الجملة، وقد استحسنه الحافظ في "الفتح" (8/39)، وانظر النووي (10/145)، (12/60)، و "شواهد التوضيح" (ص167).
(7) قوله: ((به)) سقط من (أ).
(8) في (ب): ((كسر)).
(9) في (ي): ((فتحه)).
(10) من قوله: ((ورويناه أيضًا...)) إلى هنا، من (أ) فقط. والعبارة بقية كلام القاضي عياض في "الإكمال" (6/63)، وفيها: ((كما قالوا: مَسِكن ومسجِد، ومَسْجَد ومَسكَن)). وانظر: "مشارق الأنوار" (1/233). [يراجع قوله: ((أبو الفرج))].
(11) في (ح) و(ي): ((تجنى)).
(12) في (ح): ((تاثتت)) غير منقوطة.
(13) في (ح) و(ي): ((تمليكه)).
(14) في (أ): ((مال)).
(15) في (ح) و(ي): ((تعطيه)).
(16) سورة الشعراء؛ الآية: 62.(1/248)
في جوابِ (1) قولِهم (2) : {إنا لمدركون} (3) . وقد تكون (4) استفتاحًا بمعنى: ((ألا))؛ كما قيل في قوله تعالى: {كلا إن كتاب (5) الأبرار لفي عليين} (6) ، و((أضيبع)) روايتُنا فيه - وهي المشهورةُ - بالضادِ المعجمةِ، والعينِ المهملةِ؛ وهو تصغيرُ ((ضَبُعٍ)) على غيرِ القياسِ؛ فكأنه لما وصفَ الآخرِ بالأسديةِ، صغَّر هذا بالنسبةِ إليه، وشبَّهه بالضَّبُع تصغيرًا له (7) . ورواه السمرقندي: ((أصيبغ (8) )) بالصاد المهملةِ والغينِ المعجمة؛ فقيل: كأنه (9) حقَّره وذمَّه بسوادِ لونِه. وقال الخطابيُّ: الأُصيبغ (10) نوعٌ من &(3/429)&$ الطيرِ. قال (11) : ويجوز أن يشبهَه بنباتٍ صغيرٍ، يقال له (12) : الصبغاء، أولُ ما يطلعُ (13) من الأرضِ (14) فيكون ما (15) يلي الشمسَ منه أصفرَ. وقال الهرويُّ بمعناه (16) .
ومبادرةُ أبي بكرٍ – رضي الله عنه - بالفتيا والرَّدعِ والنَّهيِ بحضرةِ رسولِ الله (17) - صلى الله عليه وسلم - ، وإقرارُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، وتصديقُه على قولِه - شرفٌ عظيمٌ، وخصوصيةٌ لأبي بكر – رضي الله عنه - ليس لأحدٍ من الصحابةِ – رضي الله عنهم - مثلها (18) ، هذا مع أنه قد كان عددٌ من الصحابةِ نحوُ الأربعةَ عشرَ (19) يُفتون في (20) حياةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يعلمُ بهم، ويُقرُّهم (21) ، لكن لم يُسمعْ عن أحدٍ منهم (22) أنه أفتى بحضرتِه، ولا صدر عنه شيءٌ مما صدر عن أبي بكر – رضي الله عنه - في هذه القصةِ (23) .
وفي هذا الحديثِ أبوابٌ من الفقهِ لا تخفى على متأمِّلٍ. %(1/249)%
__________
(1) في (أ) و(ي): ((جواز)).
(2) قوله: ((قولهم)) سقط من (ح) و(ي).
(3) سورة الشعراء؛ الآية: 61.
(4) في (ح) و(ب) و(م): ((يكون)). [راجع].
(5) قوله: ((كتاب)) سقط من (أ).
(6) سورة المطففين؛ الآية: 18، قال السمين الحلبي: للنحويين في هذه اللفظة ((كلا)) ستة مذاهب أحدها: أنها حرف ردعٍ وزجر، قال: وهذا معنى لائق بها حيث وقعت في القرآن. والثاني: أنها حرف تصديق بمعنى ((نعم)) فتكون جوابًا. قال: ولابد حينئذ من أني يتقدمها شيء لفظًا أو تقديرًا. وقد تستعمل في القسم. والثالث: أنها بمعنى ((حقًّا)). والرابع: أنها بمعنى ردٌّ لما قبلها، وهو قريب من معنى الردع. (ولعله هو الذي يعنيه الشارح هنا بقوله: ((قد تكون بمعنى ((لا)) ). والخامس: أنها صلة في الكلام بمعنى ((إي)) كذا قيل، وفيه نظر؛ فإن ((إي)) حرف جواب ولكنه مختص بالقسم. السادس: أنها حرف استفتاح.اهـ. "الدر المصون" (7/637).
(7) قوله: ((له)) سقط من (أ).
(8) في (ي): ((أضيبع)).
(9) قوله: ((فقيل كأنه)) في (ز): ((فكأنه)).
(10) في (ب) و(ح): ((الأصبغ)).
(11) سقط من (ز).
(12) في (ح): ((لها)).
(13) في (ح) و(ي): ((تطلع)).
(14) قوله: ((من الأرض)) سقط من (أ).
(15) في (ح) و(ز) و(ي): ((مما)).
(16) قال القاضي عن رواية: ((أضيبع)): وهو أشبه بمساق الكلام؛ لقوله: ((ويدع أسدًا)). ومقابلة ((ضبع)) له. قال: وشبهه بالضبع لضعف افتراسه وما يوصف به من الحمق والعجز.اهـ.
وقال ابن مالكٍ: ((أضيبع)) تصغير ((أَضْبَع))؛ وهو القصيرُ ((الضبْعِ))؛ أي: العضد، ويكنى به عن الضعيف، وإذا أردت المبالغة صغر.
وقال القاضي في رواية ((أضيبغ)) قيل: معناه: أسيود؛ كأنه عيره بلونه. أما قول الخطابي الذي ذكره الشارح، فقد نقله عنه القاضي عياض، ووقع في ((أعلام الحديث)): ((فيكون ما يلي الشمس منه أصيغر)). والعبارة عند ابن قتيبة: ((فما يلي الشمس من أعاليها أخضر، وما يلي الظل أبيض)).
ثم ذكر قول النبي ?: ((ألم تروها ما يلي الظل منها أصفر أو أبيض، وما يلي الشمس منها أخضر)) – وفي لفظ: ((ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر، ما يكون إلى الشمس منها أصيفر أو أخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض)). قال ابن قتيبة: وإذا كانت كذلك فهي صنعاء)). "غريب الحديث"لابن قتيبة (1/396)، "الغريبين" (4/1062)، "تهذيب اللغة" (8/28)، "أعلام الحديث" (3/1754)، و"الإكمال" (6/64)، و"مشارق الأنوار" (2/39)، "شواهد التوضيح" (ص168)، و"شرح النووي" (12/61- 62)، و"النهاية" (3/9- 10)، و "فتح الباري" (8/41).
(17) قوله: ((رسول الله)) في (م): ((النبي)).
(18) في (ي): ((مثل)).
(19) عقد الإمام ابن سعد في كتاب "الطبقات" (2/334-350) بابًا ذكر فيه الصحابة الذين كانوا يفتون في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وانظر أيضًا "التمهيد" (9/76)، و"فتح الباري" (12/141)، و"تدريب الراوي" (2/129).
(20) في (ي): ((على)).
(21) في (ح): ((ويقررهم)).
(22) سقط من (ي).
(23) في (ح): ((القضية)).(1/249)
غريبُ حديثِ سلمة بنِ الأكوعِ:
قول سلمة - رضي الله عنه -: ((فبينا (1) نحنُ نتضحَّى))؛ يعني (2) : نتغدَّى في وقتِ - الضَّحاءِ بالمد - قاله الخطابيُّ وغيرُه (3) . و((الطَّلَق)): الحبلُ (4) ، وهو بفتحِ اللامِ.
و((الحَقَب)) بفتحِ =(3/545)=@ القافِ، والحقيبةُ: هو ما يجعلُه الرَّاكبُ خلفَه (5) .
و((الضعَفَة))- بفتحِ العين -: جمعُ ((ضعيفٍ))، والأوْجَهُ والأصحُّ (6) : ((ضعْفَة)) بسكونِ العينِ؛ أي: حالةٌ ضعيفةٌ وهزالٌ (7) .
و((يشتدُّ)): يَجْري سريعًا.
و((قعد عليه))؛ أي: رَكِبَهُ؛ لأن الرَّاكبَ قاعدٌ. و((اخترطتُ السَّيفَ))؛ أي: سللتُه من غِمْدِه سريعًا.((فنَدَرَ))؛ أي: سقط وخرج عن جسدِه. ومنه: الشيءُ النادرُ (8) ؛ أي: الخارجُ، والروايةُ فيه بالنونِ والدالُ مهملةٌ (9) . و((الرَّحْلُ)) للبعيرِ كـ((السرَّجْ)) للفرس،ِ و((الإكافِ) للحمارِ.
وفيه من الفقهِ: أن السَّلبَ إنما يستحقُّه القاتلُ بإذن الإمامِ كما تقدَّم؛ إذ لو كان واجبًا له بنفسِ القتلِ لما احتاج إلى تكرارِ هذا القولِ؛ إذ قد (10) تقرَّر الحكمُ في يومِ حنينٍ - على زعمِ الخصمِ - وعُمل به (11) . &(3/430)&$
وفيه: أن كلَّ ما يكونُ على القتيلِ، أو معه، أو عليه - سلب للقاتلِ.
وفيه: أن السَّلبَ لا يُخمَّس.
وفيه حجَّةٌ لمن قال من أهلِ العلمِ: إن للأمامِ أن يُنفِّلَ جميعَ ما أخذتْه السَّريةُ من الغنيمةِ لمن يراه منهم؛ إذ قد كان مع سلمةَ رجلٌ على ناقةٍ، ولم يعطِه من الغنيمةِ شيئًا، وهذا إنما يتمُّ للمحتجِّ به إذا نقُل: أنه لم يكنْ (12) هناك غنيمةٌ إلا ذلك السَّلبَُ، فلعلَّهم غنموا شيئًا آخرَ %(1/250)%
__________
(1) في (ح): ((فبينا)).
(2) سقط من (ز).
(3) قال أبو عبيد: يريد: نتغدى، واسم ذلك الغدَاء: الضحاء، وإنما سمى بذلك؛ لأنه يؤكل في ((الضحاء))، والضحاء: ارتفاع الشمس لأعلى، وهو ممدود مذكر، والضحى مؤنثة مقصورة، وهي حين تشرق الشمس. وانظر: "غريب أبي عبيد" (5/319)، و "غريب ابن قتيبة" (1/347)، و "غريب الخطابي" (1/617)، و"الإكمال" (6/69)، و "شرح النووي" (21/66).
(4) في (م): ((الجبل)). وقال القاضي في "الإكمال" (6/69): القيد من الجلود. وقال النووي: (12/66): هو العقال من جلده والكل بمعنًى.
(5) قال القاضي في "الإكمال" (6/69): وأما الحقب فقال بعض شيوخنا فيما كتبناه عن الصواب أن يكون من ((حَقْبِهِ)) بسكون القاف؛ أي: مما احتقب ضلعه وجعله حقيبته، وهي الرفادة في مؤخرة القتب. قال القاضي: ولم نروه إلا بالفتح في القاف. وقال في "مشارق الأنوار" (1/159): وهو الصواب (أي: فتح القاف)، والحقب: حبل يشد خلف البعير. وقيل: صوابه: ((حقْبه)) بسكون القاف؛ وكذا قيده التميمي عن الجياني؛ أي: مما احتقب خلفه وجعله في حقبته.اهـ. فأنت ترى الشارح ضبطها بالفتح وفسرها تفسير التي بالسكون. وانظر: "غريب الحديث" لابن قتيبة (1/347)، "النهاية" (1/411).
(6) في (ح): ((الأصح)).
(7) وقال القاضي عياض: ((وفينا ضعفة ورقة)) كذا ضبطناه على أبي بحر بسكون العين، وهو الصواب، أي حالة ضعف. ومن رواه بفتح العين فجمع ((ضعيف))، والأول أوجه لا سيما مع ((ورقَّة)). "مشارق الأنوار" (2/61)، "الإكمال" (6/70)، وانظر: "شرح النووي" (12/66). وقد ذكر النووي أن في بعض "نسخ مسلم": ((وفينا ضعف)) بحذف الهاء؛ فيؤيد ذلك الرواية بسكون العين.
(8) في (م): ((البارد)).
(9) انظر: "الإكمال" (6/70).
(10) سقط من (ي).
(11) انظر: "الإكمال" (6/70).
(12) في (م): ((تكن)).(1/250)
غير السَّلبِ (1) ، فإن نقلوا ذلك تمسَّكْنا (2) بقولِه تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} (3) ، وقلنا: ذلك (4) خاصٌّ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - . =(3/546)=@
وفيه: قتلُ الجاسوسِ، ولا خلافَ في ذلك إذا لم يكن مُعاهَدًا، أو مسلمًا. والمعاهد يقتلُ عندنا وعند الأوزاعيِّ لنقضه العهدَ. وقال معظمُ الفقهاءِ: لا يكونُ ذلك نقضًا. وأما المسلمُ فالجمهورُ على أن الإمامَ يجتهدُ فيه (5) . وقال كبارُ أصحابِ مالكٍ: أنه يقتلُ، واختلف في قبولِ توبته على ثلاثةِ أقوالٍ، يُفرْقَُ (6) في الثالثِ بين أن يكونَ معروفًا بذلك أو لا.
وفيه: التنويهُ بأهلِ الفضائلِ، ومعرفةُ حقِّ من فيه فضلٌ وغَنَاءٌ. والله أعلمُ (7) . &(3/431)&$
ومن باب لا يستحقُّ القاتلُ السَّلبَ بنفسِ القَتْلِ
قوله: ((تمنيتُ لو (8) كنت بين أضلع منهما))؛ كذا الروايةُ، بالضادِ المعجمةِ، والعينِ المهملةِ، ووقع في بعضِ رواياتِ (9) البخاريِّ: ((أَصْلَحَ)) (10) بالحاءِ %(1/251)%
__________
(1) قال الحافظ في "الفتح" (6/169): وقال القرطبي: فيه أن للإمام أن ينقل جميع ما أخذته السرية من الغنيمة لمن يراه منهم وهذا يتوقف على أنه لم يكن هناك غنيمة إلا ذلك السلب. قال الحافظ: قلت: وما أبداه احتمالاً هو الواقع فقد وقع في رواية عكرمة بن عمار أن ذلك كان في غزوة هوازن وقد اشتهر ما وقع فيها من بعد ذلك من الغنائم.اهـ. لم يذكر الحافظ بقية كلام الشارح ولا الرد عليه.
(2) في (ح): ((تمسكًا)).
(3) سورة الأنفال؛ الآية: 41.
(4) في (أ) و(ز): ((ذاك)).
(5) عبارة القاضي: (6/71): ((فجلهم على اجتهاد الإمام فيه بغير [القتل] من الضرب والحبس)).اهـ. وقد سقطت كلمة ((القتل)) من المخطوط والمطبوع، ونقله عنه بالنص الأبي (5/69)، وانظر "شرح النووي" (12/67). وقد ذكر القاضي أن مالكًا قال في المسلم: ((يجتهد فيه الإمام)) وأطلق مالك قوله: ولم يفسر الاجتهاد.
(6) في (ز): ((ففرق)).
(7) قوله: ((والله أعلم)) من (ز) فقط.
(8) في (ح): ((تمنيت أني كنت من)).
(9) في (ي): ((الروايات)) من (أ) فقط.
(10) قال الحافظ في "الفتح" (6/248-249): ((ووقع في رواية الحموي وحده: ((بين أصلح منهما)) بالصاد والحاء المهملتين، ونسبه ابن بطال لمسدد شيخ البخاري، وقد خالفه إبراهيم بن حمزة عند الطحاوي، وموسى بن إسماعيل عند ابن سنجر، وعفان عند ابن أبي شيبة؛ يعني: كلهم عن يوسف شيخ البخاري فيه، فقالوا: ((أضلع)) بالضاد المعجمة والعين. قال: واجتماع ثلاثة من الحفاظ أولى من انفراد واحد، انتهى. وقد ظهر أن الخلاف على الرواة عن الفربري؛ فلا يليق الجزم بأن مسددًا نطق به هكذا، وقد رواه أحمد في "مسنده"، وأبو يعلى عن عبيدالله القواريري، وبشر بن الوليد وغيرهما، كلهم عن يوسف كالجماعة، وكذلك أخرجه الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة، عن عفان كذلك)).اهـ.
وقد ضبط الحافظ ((أضلع)) بضم اللام، وقال: كذا للأكثر جمع ((ضلع))، وروي بضم اللام وفتح العين؛ من الضلاعة وهي القوة.اهـ. وكلا الضبطين غير ظاهر، والضبط الثاني لعله في المطبوعة فيه تحريفًا أو تضحيًا، ويكون صوابه: ((بفتح اللام وفتح العين)). وانظر ما يأتي للشارح، و "مشارق الأنوار" (2/59)، و "الإكمال" (6/65)، و "شرح النووي" (12/62)، و "النهاية" (3/97).(1/251)
والصادِ مهملتين؛ من الصلاح، والأولُ أصوبُ. ومعنى((أَضْلَعَ)): أَقْوى، والضلاعةُ: =(3/547)=@ القوةُ؛ ومنه قولُهم: ((هل يدرك الظَّالعُ (1) شَأْوَ الضَّليع)) بالضاد؛ أي: القويّ (2) .
و((الظالع)) (3) بالظاءِ المشالةِ (4) : هو (5) الذي أصابه الظلع (6) ، وهو ألَمٌ يأخذ الدَّابة في بعضِ قوائِمها. وكأنه استضعفهما (7) لصغرِ أسنانِهما، وتمنَّى أن يكونَ بين رَجُلين أقوى منهما (8) .
وقوله: ((لا يفارق سوادي سواده))؛ أي: شخصي شخصَهُ. وأصلُه: أن الشخصَ يُرىَ على البعدِ أَسودَ. والله تعالى أعلم.
وقوله: ((حتى يموتَ الأعجلُ منَا))؛ أي: الأقربُ أجلاً، وهو كلامٌ مستعملٌ عندهم (9) يُفهم منه: أنه يُلازِمُه، ولا يتركُه إلى وقوعِ الموتِ بأحدِهما (10) . وصدورُ (11) مثل هذا الكلامِ في حالِ (12) الغضبِ والانزعاجِ يدلُّ على صحةِ العقلِ وثبوتِ (13) الفهمِ، والتثبتِ العظيمِ في النظرِ في العواقبِ؛ فإن مقتضى الغضبِ أن يقولَ: حتى أقتلَه؛ لكن العاقبةَ مجهولة. &(3/432)&$
وقوله: ((فلم أنشب أن نظرتُ إلى أبي جهل يزول في الناس))؛ معنى لم أنشَبْ: لم أشتغل (14) بشيءٍ. وهو من: نَشِبَ بالشيءِ؛ إذا دخل (15) فيه وتعلَّق به.
و((يزولُ))؛ أي: يجولُ ويضطربُ في المواضعِ، ولا يستقرُّ على حالٍ؛ وهو فعلُ من يعبِّئُ الناسَ ويحرضُهم، أو فِعلُ من أخذه الزَّوِيْل، وهو: الفزعُ والقلقُ. والأولُ أولى؛ لروايةِ ابنِ ماهان لهذا الحرفِ: ((يجولُ)) بالجيمِ (16) . =(3/548)=@ %(1/252)%
__________
(1) في (ز): ((الضالع)).
(2) كتب قبالتها في هامش الورق المطبوع يراجع.
(3) في (ح) ((الظالغ)).
(4) قوله: ((المشالة)) سقط من (ب) و(م).
(5) قوله: ((هو الذي)) في (أ): ((والذي)).
(6) في (أ): ((الضلح)).
(7) في (ي): ((استصغرهما)).
(8) قوله: ((وتمنى أن يكون بين رجلين أقوى منهما)) سقط من (أ) فقط.
(9) قوله: ((عندهم)) من (أ) فقط.
(10) وقال القاضي في "المشارق" (2/68): ((الأعجل منا)) كذا الرواية في الصحيحين وهو الصحيح، وقال بعض المتعقبين: صوابه ((الأعجز)) بالزاي، ولم يقل شيئًا، بل جهل الكلمة، وهي كلمة تستعملها العرب بمعنى الأقرب أجلاً، وهو من العجلة والاستعجال وهو سرعة الشيء. وانظر "الفتح" (6/249).
(11) في (ز): ((وصدر)).
(12) في (ي): ((حالة)).
(13) في (ب): ((ثقوب)).
(14) في (ز): ((يشتغل))، و(ي): ((أشغل)).
(15) في (أ) و(ح): ((وحل)).
(16) قال القاضي في "الإكمال" (6/65): ((يزول)) كذا روايتنا عن كافة شيوخنا في الكتاب.اهـ. وقال النووي: ((يزول)) هو بالزاي والواو هكذا هو في جميع نسخ بلادنا، وكذا رواه القاضي عن جميع شيوخهم. وانظر: "غريب الحديث" للخطابي (3/154)، و "المشارق" (1/166، 296، 313)، و "النهاية" (2/320)، و "شرح النووي" (12/62).(1/252)
((يزول في الناس)) هو المشهورُ، ورُوي: ((يَرْفُل))، وفي البخاريِّ: ((يَجُولُ))؛ فمن رواه ((يزول)) أراد: يتحركُ وينزعجُ، ولا يستقرُّ على حالٍ، ولا في مكانٍ، و((يجولُ)) نحو ذلك، ومن رواه ((يَرْفل))؛ أي: يُسبلُ ثيابَه أو درعَه ويجرُّها (1) .
وقوله: ((هل مسحتُما سيفيكما؟ قالا: لا، فنظر في السيفين فقال: كلاكما قتله)) هذا يدلُّ على أن للإمامِ أن ينظرَ في شواهدِ الأحوالِ ليترجَّحَ عندَه قولُ أحدِ المتداعيين؛ وذلك أن سؤالَه عن مسحِ السيفينِ (2) إنما كان لينظرَ إن كان تعلَّق بأحدِهما من أثر الطعامِ أو الدَّمِ (3) ما لم يتعلَّقْ بالآخرِ؛ فيقضي له، فلما رأى تَساوِيَ سيفيهما في ذلك قال: ((كِلَاكُمَا قَتَلَهُ))، ومع (4) ذلك فقضى (5) بالسَّلبِ لأحدهما؛ فكان ذلك أدلَّ دليلٍ على صحةِ ما قدَّمناه من مذهبِ مالكٍ وأبي حنيفة.
وقد اعتذر المخالفون عن هذا الحديثِ بأوجهٍ:
منها: أن هذا منسوخٌ بما (6) قاله يومَ حنين. وهو فاسدٌ؛ لوجهين:
أحدهما: أن الجمعَ بينهما ممكنٌ، كما قدمناه؛ فلا نسخَ.
والثاني: أنَّه قد رَوى أهلُ السِّير وغيرُهم أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال يومَ بدرٍ: ((مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ))؛ كما قال يومَ حنينٍ (7) . وغايتُه: أن يكونَ من بابِ تخصيصِ العمومِ، على ما قلناه.
ومنها: أن بعضَ الشافعيةِ قال: إنما فعل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك لأنه استطاب &(3/433)&$ نفسَ أحدِهما. وهذا كلامٌ غيرُ محصَّلٍ؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - لا يستطيبُ الأنفسَ بما لا يحلُّ. ثم كيف يستطيبُ نفسَ هذا بإفسادِ قلبِ الآخرِ؟ هذا ما لا يليقُ (8) بذوي المرُوءاتِْ، فكيف بخاتمِ النبواتْ؟! %(1/253)%
__________
(1) من قوله: ((يزول في الناس هو المشهور ...)) إلى هنا، من (أ) فقط. وانظر المراجع السابقة. [وكتب قبالتها في هامش الورقة في المتن لعلها حاشية وكتب في ا لحاشىة أيضًا لعلها حاشية].
(2) في (ح): ((الخفين))!
(3) في (ح): ((الطعام والدم)).
وكذا وقع في جميع النسخ: ((الطعام))، وكذلك في مطبوع "الإكمال" (6/66)، ومخطوطه. وعبارة القاضي: ((... ليرى دليلاً يرجح به جهة القاتل من أثر طعام أو مبلغ الدم)). والصواب في هذه الكلمة والله أعلم: ((الطعان))؛ وقد نقل ذلك القاضي: الأبيُّ في (5/66) وعبارته: ((ونظره ص في سيفيهما إنما هو ليرجح القاتل بما يراه من أثر الطعان و[صبغ] الدم)).
(4) في (ز): ((ومغني)).
(5) في (ي): ((قضى)).
(6) في (أ): ((لما)). [تراجع من (أ)]
(7) قال ابن عبدالبر في "التمهيد" (23/252): ((أما قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين: ((من قتل قتيلاً فله سلبه)) فمحفوظ من رواية الثقات غير مختلف فيه، وأما قوله ذلك يوم بدر وأحد فأكثر ما يوجد ذلك في رواية أهل المغازي .
وقال الزيلعي في "نصب الراية" (3/429): ((اعلم أنه وقع في بعض كتب أصحابنا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك يوم بدر؛ أعني قوله: ((من قتل قتيلاً فله سلبه))؛ قال شيخنا علاء الدين: وهو وهم، وإنما قاله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؛ كما صرح به في مسلم وغيره، والذي قاله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر شيء آخر)). ثم ساق رواية بن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن عطاء بن عجلان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: ((من قتل قتيلا فله سلبه))، وهو ضعيف.
ثم أورد الزيلعي (3/430) طريقًا آخر فقال: رواه الواقدي في كتاب المغازي: حدثني عبدالحميد بن جعفر قال: سألت موسى بن سعد بن زيد بن ثابت: كيف فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر في الأسرى والأسلاب والأنفال؟ فقال: نادى مناديه يومئذ: من قتل قتيلاً فله سلبه، ومن أسر أسيرًا فهو له، فكان يعطي من قتل قتيلاً سلبه. اهـ، وقال الشيخ أبو الفتح اليعمري في سيرته "عيون الأثر" في باب قصة بدر: والمشهور في قوله عليه السلام: ((من قتل قتيلاً فله سلبه))؛ إنما كان يوم حنين، وأما يوم بدر فوقع من رواية من لا يحتج به)).اهـ.
قلت: مما يشهد بأن ذلك وقع يوم بدر ما أخرجه سعيد بن منصور (2689)، وابن أبي شيبة (12/370)، وأبو عبيد في "الأموال" (756)، وأحمد في "المسند" (1556)، وابن زنجويه في "الأموال" (1126)، والطبري (9/173)، والواحدي في "أسباب النزول" (ص155) من طريق محمد بن عبدالله الثقفي، عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم بدر قتل أخي عمير، وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه، وكان يسمى: ذا الكتيفة، فأتيت به إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال: ((اذهب فاطرحه في القبض))، قال: فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي، قال: فما جاوزت إلا يسيرًا حتى نزلت سورة الأنفال، فقال: ((اذهب فخذ سيفك)).
ومحمد الثقفي لم يدرك سعيدًا فيكون؛ منقطعًا، لكن رواه بمعناه أبو داود (2740)، والترمذي (3079)، وأحمد (1538) من طريق عاصم بن أبي النجود، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن مالك به، نحوه .
(8) قوله: ((ما لا يليق)) في (ح): ((ما يليق)). وفي (ي): ((مما لا يليق)).(1/253)
ومنها: أنه لعله أن يكونَ رأى على سيفِ أحدِهما من الأثرِ ما لم ير على الآخرِ؛ فأعطاه السلبَ لذلك (1) ، وقال: ((كِلَاكُمَا قَتَلَهُ)) تطييبًا لقلبِ الآخرِ (2) . وهذا =(3/549)=@ يُبطلُه قولُه: ((كِلاكُمَا قتله)) والقتلُ هو السببُ (3) عندَ القائلِ (4) . وظاهرُه (5) التسويةُ في القتلِ؛ فإن القائَل إذا قال لمخاطبَيْهِ (6) : ((كلاكما قال))، أو ((كلاكما خرج))، فظاهرهُ المشاركةُ فيما نُسب إليهما. ثم يلزمُ هذا القائلَ أن يجوِّزَ (7) على رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - التوريةَ في الأحكامِ. والقولُ بذلك باطلٌ وحرامٌ.
وقولُه: ((والرجلان: معاذُ بن عمرِو بنِ الجموحِ، ومعاذُ بنُ عفراءَ))؛ هكذا الصحيحُ، وقد جاء في البخاريِّ من حديثِ ابنِ مسعودٍ – رضي الله عنه -: ((أن ابني عفراءَ ضَرَبَاهُ حتى بَرَدَ)) (8) . وكأن (9) هذا وَهْمٌ من بعض الرواةِ لحديثِ ابنِ مسعودٍ. وسببُ هذا الوهمِ: أن عفراءَ هذه من بني النجارِ، أسلمت وبايعتْ، وكان أولادُها سبعةً، كلهم شهد (10) بدرًا، وكانت عندَ الحارثِ بنِ رفاعةَ، فولدت له: معاذًا ومعوِّذًا، ثم طلَّقها، فتزوَّجها بُكيرُ بنُ عبدِ (11) ياليلَ، فولدت (12) له: خالدًا، وإياسًا، وعاقلاً، وعامرًا. ثم طلقها فراجعَها (13) الحارثُ، فولدت له عوفًا، فشهدوا كلُّهم بدرًا. فكأنه التبسَ على بعضِ الرُّواةِ معاذُ بن عمرو بن الجموح بمعاذِ بن عفراء وسمعوه (14) ((ابن عفراء)) عندَ السكوتِ عن ذكر عمرٍو والد معاذٍ. والله تعالى أعلمُ. %(1/254)%
__________
(1) في (ب) و(م): ((بذلك)).
(2) قوله: ((تطييبًا لقلب الآخر)) في (أ): ((تطيب للب الآخر)). وفي (ح) و(ي): ((تطييبًا للآخر)).
(3) في (ح) و(ي): ((السيف)).
(4) في (ب) و(ز) و(م): ((القاتل))..
(5) في (ح): ((فظاهره)).
(6) في (ح) و(ي): ((لمخاطبه)).
(7) في (ي): ((نجوز)).
(8) قال الحافظ في "الفتح" (7/394): ((ووقع في رواية السمرقندي في مسلم: ((حتى برك)) بكاف بدل الدال؛ أي: سقط، وكذا هو عند أحمد عن الأنصاري، عن التيمي. قال عياض: وهذه الرواية أولى؛ لأنه قد كلم ابن مسعود، فلو كان مات كيف كان يكلمه؟ انتهى. ويحتمل أن يكون المراد بقوله: ((حتى برد))؛ أي: صار في حالة من مات، ولم يبق فيه سوى حركة المذبوح، فأطلق عليه باعتبار ما سيئول إليه)).اهـ.
وأما قول الشارح: ((وكأن هذا وهم من بعض الرواة لحديث ابن مسعود))، فقد قال الحافظ في "الفتح" (7/296): ((وعفراء والدة معاذ، واسم أبيه الحارث، وأما ابن عمرو بن الجموح فليس اسم أمه عفراء، وإنما أطلق عليه تغليبًا، ويحتمل أن تكون أم معوذ أيضًا تسمى عفراء، أو أنه لما كان لمعوذ أخ يسمى معاذًا باسم الذي شركه في قتل أبي جهل ظنه الراوي أخاه، وقد أخرج الحاكم من طريق ابن إسحاق: حدثني ثور بن يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال ابن إسحاق: وحدثني عبدالله بن أبي بكر بن حزم قال: قال معاذ بن عمرو بن الجموح: سمعتهم يقولون وأبو جهل في مثل الجرحة: أبو جهل الحكم لا يخلص إليه، فجعلته من شأني فعمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه، وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي. قال: ثم عاش معاذ إلى زمن عثمان. قال: ومر بأبي جهل معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته وبه رمق، ثم قاتل معوذ حتى قتل، فمر عبدالله بن مسعود بأبي جهل فوجده بآخر رمق، فذكر ما تقدم. فهذا الذي رواه ابن إسحاق يجمع بين الأحاديث، لكنه يخالف ما في "الصحيح" من حديث عبدالرحمن بن عوف؛ أنه رأى معاذًا ومعوذًا شدَّا عليه جميعًا حتى طرحاه، وابن إسحاق يقول: إن ابن عفراء هو معوذ، وهو بتشديد الواو، والذي في "الصحيح" معاذ، وهما أخوان، فيحتمل أن يكون معاذ بن عفراء شدَّ عليه مع معاذ بن عمرو كما في "الصحيح"، وضربه بعد ذلك معوذ حتى أثبته، ثم حز رأسه ابن مسعود، فتجمع الأقوال كلها)). اهـ.
(9) في (ي): ((كأن)).
(10) في (ب) و(م): ((شهدوا)).
(11) قوله: ((عبد)) سقط من (ب) و(م).
(12) في (م): ((فولد)).
(13) قوله: ((ثم طلقها فراجعها)) في (أ) و(ح) و(ز) و(ي): ((ثم راجعها)).
(14) كذا في النسخ غير (ز) ففيها: ((وسمعوه)). ولعل الصواب: ((وسمَّوه)). [يراجع](1/254)
وفي البخاريِّ ومسلمٍ: أن ابنَ مسعودٍ – رضي الله عنه - هو الذي أجهز على أبي جهلٍ (1) ، =(3/550)=@ واحتزَّ (2) رأسهَ بعد أن جرى له معه كلامٌ سيأتي إن شاء الله تعالى.
وقول عوف لخالدٍ – رضي الله عنه - (3) : ((هل أنجزت لك ما ذكرتُ لك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟)) كلامٌ فيه نوعٌ من التقصيرِ والتهكمِ بمنصبِ الإمارةِ، والإزراءِ عليه؛ ولذلك غضب النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من ذلك حين سمعه، ثم أمضى ما فعله خالدٌ بقولِه: ((لا تعطه يا &(3/434)&$ خالد!))، ونوَّه به (4) وعظَّم حرمتَه بقولِه: ((هَلْ أَنتُمْ تَاركُو (5) لِي أُمَرَائِي؟!)) وهذا يدلُّ دلالةً واضحةً على أن السَّلبَ لا يستحقُّه (6) القاتلُ بنفسِ القتلِ، بل (7) برأْيِ الإمامِ ونظرِه؛ كما قدَّمناه (8) .
وقوله: ((ادفعْهُ إليه))؛ هو أمرٌ على جهةِ الإصلاحِ ورفعِ التنازعِ، فلما صدرَ من عوفٍ ما يقتضي الغضَّ من منصبِ الإمارةِ أمضى ما رآه الأميرُ؛ لأنه لم يكن للقاتلِ فيه حقٌّ. وهذا نحوٌ مما (9) فعله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بماءِ الزبيرِ، حيث (10) نازعُه الأنصاريُّ في السقيِ، فقال النبي (11) عليه السلام: ((اسْقِ يَا زُبَيْرُ! وَأَرْسِلِ الماءَ إلى جَارِكَ))، فأغضبَ الأنصاريُّ النبيَّ (12) - صلى الله عليه وسلم - ، فقال للزُّبيرِ: ((اسْقِ يا زُبَيْرُ (13) ! وَأَمْسِكِ (14) الماءَ حَتَّى يَبْلُغَ (15) الجَدْرَ)) (16) ، فاستوفى للزبيرِ حقَّه.
وهذا الحديثُ من أصعبِ الأحاديثِ على القائلِ بأن السَّلبَ يستحقُّه القاتلُ بنفسِ القتلِ.
و((استُغضبَ)) هو (17) مبنيٌّ لما لم يُسمَّ فاعلُه؛ أي: أُغْضِبَ، زيدتِ فيه السينُ والتاءُ، ومعناه: خُلق فيه الغضبُ عندما سمع ما كَرهه شيئًا فشيئًا. والله تعالى أعلم (18) . =(2/551)=@ %(1/255)%
__________
(1) سيأتي عند المصنف في باب الإمام مخير في الأسارى، ويأتي هناك تخريجه عند البخاري.
(2) في (ب): ((واجتز)).
(3) ؟؟؟
(4) قوله: ((ونوه به)) في (م): ((وتود به)).
(5) في (أ) و(ح) و(ز) و(ي): ((تاركون)). وسيأتي للشارح توجيه هذا اللفظة.
(6) سقط من (ز).
(7) سقط من (م).
(8) في (ب) و(م): ((قدمنا)).
(9) في (ح): ((ما)).
(10) في (ب) و(م): ((حين)).
(11) قوله: ((النبي)) من (م) فقط.
(12) في (ب) و(م): ((رسول الله)).
(13) من قوله: ((وأرسل الماء...)) إلى هنا، سقط من (ي).
(14) في (ب) و(م): ((واحبس)).
(15) في (ي): ((يرجع)).
(16) سيأتي في النبوات، باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والانتهاء عما نهى عنه.
(17) قوله: ((هو)) سقط من (ح) و(ي).
(18) قوله: ((والله تعالى أعلم)) ليس في (ب) و(م).(1/255)
وقوله: ((هل أنتم تاركو لي أمرائي))؛ هكذا الروايةُ بإسقاطِ النونِ من((تاركو))؛ ولحذفها (1) وجهان:
أحدُهما: أن يكون استطالَ الكلمةَ؛ كما استطيلت كلمةُ الاسمِ الموصولِ؛ كما قال تعالى: {وخضتم كالذي خاضوا} (2) ، على أحدِ القولين. وكما قال الشاعرُ:
أَبَنيِ كُلَيْبٍ إِنَّ عَمَّيَّ اللَّذَا ... قَتَلَا المُلُوكَ وَفَكَّكَا الْأَغْلَالَا (3)
والوجهُ الثاني (4) : أن يكونَ ((أمرائي)) مضافًا، وأُقحم الجارُّ والمجرورُ بين المضافِ والمضافِ إليه، ويكون هذا من نوعِ قراءةِ ابنِ عامرٍ: {وكذلك زُيِّن لكثير من المشركين قتلُ أولادَهم شركائِهم} (5) ، بنصبِ {أولادَهم}، وخفضِ {شركائِهم} (6) ، ففصل بين المضافِ والمضافِ إليه بالمفعولِ، وأكثر ما يكون هذا النوعُ (7) &(3/435)&$ في الشعرِ، وكما (8) أنشده سِيبويه:
كَمَا خُطَّ الكِتَابُ بِكَفَِ يَوْمًا ... يَهُودِيٍّ يُقَارِبُ أَوْ يُزِيلُ (9)
وكما أنشد (10) :
فَزَجَجْتُهَا بِمِزَجَّةٍ ... زَجَّ الْقَلُوصَ أَبِي مَزَادَهْ (11)
وُيفهُم من هذا الحديثِ: احترامُ الأمراءِ، وتركُ الاستطالةِ عليهم. %(1/256)%
__________
(1) في (ح) و(ي): ((لحذفها)).
(2) سورة التوبة؛ الآية: 69.
وهذا الذي ذكره الشارح في الآية هو أحد الوجوه فيها؛ وهو حذف نونها تخفيفًا والثاني: أن ((الذي)) صفة لمفرد مفهم للجمع؛ أي وخضتم خوضًا كخوض الفريق الذي خاضوا. والثالث: أن ((الذي)) صفة للمصدر؛ وخضتم خوضًا كالخوض الذي خاضوه. قال لاسمين الحلبي: وهذا الوجه ينبغي أن يكون هو الراجح؛ إذ لا محذور فيه. والرابع: أن ((الذي)) تقع مصدرية، وتقديره: وخضتم خوضًا كخوضهم.
انظر: "الدر المصون" (6/83- 84)، "اللباب" (10/142- 143).
(3) البيت من بحر الكامل، وهو للأخطل غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة، والأخطل لقبه، وهو شاعر نصراني من شعراء الدولة الأموية، في قصيدة له يمدح بها قومه ويهجو جريرًا، ومطلعها:
كَذَبتْكَ عينُكَ أم رأيتَ بواسطٍ ... غَلَسَ الظلامِ من الرَّباب خَيالَا.
وتعرَّتْ لكَ بالأبالخِ بعدما ... قطعتْ بأَبْرَقَ خُلَّةً ووِصالَا
وتغوَّلتْ لتروعَنا جِنِّيَّةً ... والغانياتُ يُرينكَ الأَهوالَا
يَمْدُدْنَ من هَفَواتِهنَّ إلى الصِّبا ... سَببًا يَصِدْنَ به الرجالَ طُوالَا
ما إن رأيتُ كمكرِهنَّ إذا جرى ... فينا ولا كحِبالهنَّ حِبالًا
ويقول فيها:
ولقد علمت إذا العشارُ تَروَّحتْ ... هَدَجَ الرئالِ تَكُبُّهَّن شَمالاَ
ترمي العضاةَ بحاصبٍ من ثلجِها ... حتى يبيتَ على العضاةِ جِفالَا
أنَّا نُعجِّلُ بالعبيطِ لضيفِنا ... قبلَ العيالِ ونقتلُ الأَبطالَا
((أبني كليب................. ... ......................))
وأخوهما السَّفَّاحُ ظَمَّأَ خليَه ... حتى وَرَدْنَ جِبَي الكُلاب نِهالا
وينو كليب ين يربوع: رهط جرير، والأغلال: جمع غل، وهو طوقٌ من حديد يجعل في عنق الأسير؛ أي: أن عميه يفكان الغل من عنق الأسراء وينجونهم من أسر أعدائهم قسرًا عليهم. قال السكري: أحد عميه أبو حنش عصم بن النعمان قاتل شرحبيل بن الحارث بن عمرو بن آكل المرار يوم الكُلاب الأول، والآخر دَوْكَس بن الفَدَوْكَس بن مالك بن جشم بن بكر بن حُبيب. والكُلاب – بضم الكاف -: اسم ماءٍ فيما بين البصرة والكوفة. قال السكري: الصفاح اسمه سلمة بن خالد بابن برة القنفذ.اهـ.
وصوب البغدادي ما قاله ابن قتيبة: يعني بعميه: عمرًا ومرة ابني كلثوم؛ فإن عمرًا قتل عمرو بن هند، ومرة قتل المنذر بن النعمان بن المنذر. وذكر ذلك دريد أيضًا في الاشتقاق.
والشاهد في قوله: ((إن عمى اللذا قتلا الملوك)) حيث حذف النون من ((اللذان)) تخفيفًا لاستطالة الموصول عند البصريين، ولغةً عند الكوفيين. واستشهاد الشارح به على قول البصريين. وفي ((الأزهية)): و((الذي)) في أصلها قولان؛ قيل: أصلها: ((لذي))، وقيل: ((ذا)). وفي المفرد خمس لغات: ((الذي، و((اللذِ))، و((اللذْ))، و((اللذيُّ))، و((ذو)). وفي التثنية أربع لغات؛ يقال: ((اللذانِ)) بتخفيف النون، و((اللذانِّ)) بتشديدها يشدد عوضًا مما حذف، وقيل: ليفرق بينهما وبين ما يحذف في الإضافة، ويقال: ((اللذيَّان))، بتشديد الياء، وقال: ((اللذا)) بغير نون. ونقل الأزهري عن أبي بكر الأنباري في قول الشاعر:
إن الذي حانت بفلج دماؤهم هم ... القوم كل القوم يا أم خالد
إن ((الذي)) في هذا البيت جمع مفرده: ((اللذْ)) ومثناه: ((اللذا)).
والبيت للأخطل في "ديوانه" (ص86)، و "الأزهية" (ص296)، و "الاشتقاق" (ص338)، و "خزانة الأدب" (3/185)، و "تهذيب اللغة وسر صناعة الإعراب" (2/536)، و "كتاب سيبويه" (1/186)، و "المقتضب" (4/146)، و "الشعر والشعراء" (1/236)، و "تهذيب اللغة" (7/520)، (15/39، 40)، و "لسان العرب" (2/349)، (14/233)، (15/245)، و "تاج العروس" (20/149)، و "البحر المحيط" (7/411)، و "الدرر المصون" (9/427)، و "رصف المباني" (ص406)، و "شرح المرزوقي لديوان الحماسة" (1/79)، و "المحتسب" (1/185).
(4) من قوله: ((أن يكون استطال الكلمة ....)) إلى هنا، سقط من (ح).
(5) سورة الأنعام؛ الآية: 137.
(6) قوله: ((بنصب أولادهم وخفض شركائهم)) سقط من (ح) و(ي).
وتتمة ضبط هذه القراءة: أن ابن عامر رحمنه الله قرأ: ((زين) بالبناء للمفعول، و((قَتْلُ)) بالرفع دون تنوين على أنه نائب الفاعل، و((أولادهم)) بالنصب على أنه مفعول به لـ((قَتْل)) و((شركائهم)) بالخفض على أنه مضاف إليه، والمضاف ((قَتْل)). وقرأ الجمهور: ((زَيَّنَ)) بالبناء للفاعل، ((قَتْلَ)) بالنصب، مفعولاً لـ((زين))، ((أولادهم)).
بالخفض مضافًا إليه ((قتل)) من إضافة المصدر إلى المفعول، ((شركاؤهم)) بالرفع فاعلاً لـ((زين)). وفي الآية قراءات كثيرة تواتر منها هاتان فقط. وقراءة ابن عامر على الفصل بين المضاف والمضاف غليه بأجنبي غير الظرف والجار والمجرور، في اختيار الكلام. وهي مسألة اختلف فيها البصريون والكوفيون؛ قال أبو حيان: فجمهور البصريين يمنعونه متقدموهم ومتأخروهم ولا يجيزون ذلك إلا في ضرورة الشعر. وبعض النحويين أجازها، وهو الصحيح؛ لوجودها في هذه القراءة المتواترة المنسوبة إلى العربي الصريح المحض ابن عامر الآخذ القرآن عن عثمان بن عفان قبل أن يظهر اللحن في لسان العرب، ولوجودها أيضًا في لسان العرب في عدة أبيات.اهـ. وقد ضعف هذه القراءة عدد من العلماء الأكابر، ووهَّم بعضهم ابن عامر فيها ونسبه إلى الغلط واتباع مجرَّد الرسم، نمهم الفراء، وأبو عبيد، والطبري، ومكي، وأبو علي، والزمخشري، وابن الأنباري، وغيرهم، وقد انتصر لها علماء أكابر مثلهم أيضًا؛ قال السمين الحلبي: وهذه القراءة متواترة صحيحة، وقد تجرأ كثير من الناس على قارئها بما لا ينبغي، وهو أعلى القراء السبعة سندًا، وأقدمهم هجرة.اهـ.
وقال أبو حيان معلقًا على طعن الزمخشري في ابن عامر وقراءته: ((و؟؟؟ لعجمي ضعيف في النحو يرد على عربي صريح محض قراءة متواترة موجود نظيرها في لسان العرب في غير ما بيت، وأعجب لسوء ظن هذا الرجل بالقراء الأئمة الذي تخيرتهم هذه الأمة لنقل كتاب الله شرقًا وغربًا، وقد اعتمد أخيك، و((إن الشاة لتجتر فتسمع صوت والله رنها)) وهذا الحديث هنا شاهد على ذلك
وقال ابن جني في "الخصائص" باب ما يرد عن العربي مخالفًا للجمهور: إذا اتفق شيء من ذلك نظر في ذلك العربي وفيما جاء به: فإن كان فصيحًا وكان ما جاء به يقبله القياس فيحسن الظن به؛ لأنه يمكن أن يكون قد وقع إليه ذلك من لغة قديمة قد طال عهدها وعفا رسمها... ثم نقل بسند عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله...)) قال ابن جني: فإذا كان الأمر كذلك لم نقطع على الفصيح يسمع منه ما يخالف الجمهور بالخطأ ما وُجد طريق إلى تقبل ما يورده إذا كان القياس يعاضده)).اهـ. والأحرى لو لم تكن متواترة، فكيف وهي متواترة؟!
وقد قال الإمام الشافعي في ((حرز الأماني)) في قراءة ابن عامر والانتصار لها:
و((زين)) في ضمن وكسر، ورفع ((قَتْـ ... ـل)) ((أولادهم)) بالنصب شاميُّهم تلا
ويخفض عنه الرفع في ((شركاؤهم)) ... وفي مصحف الشامِينَ بالياء مُثِّلَا
ومفعوله بين المضافينِ فاصلٌ ... ولم يُلْفَ غيرُ الظرف في الشعر فَيصلاَ
كـ((له درُّ اليومَ مَن لامها)) فلا ... تُلُمْ من مُليمي النحوِ إلا مُجَهِّلَا
وانظر: "السبعة" (ص270)، و "النشر" (2/197- 199)، "غاية الاختصار" (2/489)، "البحر المحيط" (4/231- 233)، "الدرر المصون" (5/161- 176)، "الخصائص" (؟؟؟/385- 387)، "الكشاف" (2/399- 402)، و"تفسير القرطبي" (12/137- 139).
(7) رسمت في (ي): ((المفعول ع)). ولعله أراد تصويبها.
(8) في (ح): ((كما)).
(9) قوله: ((يقارب أو يزيل)) سقط من (ي). والبيت من بحر الوافر، وهو لأبي حية النميري الهيثم بن الربيع بن زرارة، وبعده:
على أن البصيرَ بها إذا ما ... أعاد الطَّرْفَ يَعْجُمُ أو يَفِيلُ
و((يقارب)) أي: يقارب بعض كتابته من بعضها، ((ويزيل)): يفرق كتابته ويميزها، وكان اليهود مشهورين بالكتابة، ويروى البيت: ((كتحبير الكتاب بخط يوما يهودي....))، ((كتحبير الكتاب بكف يوما يهودي...)) يصف الديار ويشبه ما بقي من رسمها بكتابة اليهودي. وقوله: ((يعجم أو يفيل)) أي: يعرف أو يشك.
والبيت شاهد على الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف وهو أجنبي عنهما مقحم بينهما في قوله: ((بكفِّ يومًا يهوديٍّ))؛ أي: بكفِّ يهوديِّ يومًا. وانظر التعليق السابق على آية سورة الأنعام.
والبيت لأبي حية في "ديوانه" (ص163)، و "كتاب سيبويه" (/178- 179)، و "المحكم والمحيط الأعظم" (1/209)، و "لسان العرب" (12/390)، و "الإنصاف في مسائل الخلاف" (2/432)، و"شرح التصريح" (1/736)، و "خزانة الأدب" (4/419)، و "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" (2/349)، (3/347)، وغيرها. وبلا نسبة في "الخصائص" (2/405)، و "رصف المباني" (ص153)، والمقتضب (4/377)، و "الأصول في النحو" (2/277)، (3/467)، و "تهذيب اللغة" (5/34)، و "شرح المفصل" (1/103)، و "أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك" (3/168)، و "شرح الأشموني" (2/524)، و "شرح ابن عقيل" (2/78)، و "البحر المحيط" (1/501)، (4/232)، و "الدر المصون" (2/42)، (6/163، 165، 168)، و "لسان العرب" (4/15)، و "تاج العروس" (6/234)، وغيرها.
(10) في (ب) و(م): ((قال)).
(11) هذا البيت من مجزوء الكامل، وهو من الشواهد التي لا يعرف قائلها، قال البغدادي: قال ابن خلف: هذا البيت يروى لبعض المدنيّين المولّدين، وقيل: هو لبعض المؤنّثين ممن لا يحتج بشعره. وزجّ الناقة: طعنها لتسرع، والمزجة – بكسر الميم-: ما يُزج به. وتروى بفتحها، وهو موضع الزج. والقلوص: الناقة الشابة. وأبو مزداة: كنية لرجل. والمعنى أنه زج راحلته لتسرع كما يفعل أبو مزادة بالقلوس. والشاهد فيه فصله بين المتضايفين بالمفعول به في قوله: ((زج القلوص أبي مزداه)).
وأُنشد هذا البيت هكذا.
فزججتُها متمكِّنًا ... زجَّ الصعابِ أبو مزادَهْ
فلا شاهد فيه. ويروى: ((زج الصعابَ أبي مزداه)). وهو من شواهد الكوفيين في المسألة وقد منعها البصريون. قال البغدادي: وهذا البيت لم يعتمد عليه متقنو كتاب سيبويه حتى قال السيرافيّ: لم يثبته أحدٌ من أهل الرواية وهو من زيادات أبي الحسن الأخفش في حواشي كتاب سيبويه فأدخله بعض النّسّاخ في بعض النسخ حتّى شرحه الأعلم وبان خلف في جملة أبياته... قال الزمخشريّ في مفصّله: وما يقع في بعض نسخ الكتاب من قوله: ((فزججتها بمزجة...)) البيت، فسيبويه بريء من عهدته، أراد أن سيبويه لم يورد هذا البيت في كتابه بل زاده غيره في كتابه وإنّما برّأ سيبويه من هذا لأنّ سيبويه لا يرى الفصل بغير الظرف وإذا كان هذا مذهبه فكيف يورد بيتًا على خلاف مذهبه.اهـ. وقد رد هذا البيت الفراء من الكوفيين. وأيا كان أمر هذا البيت ففي المسألة شواهد غيره كثير تعضد قول الكوفيين شعرًا ونثرًا وقرآنًا. وانظر التعليق على قراءة ابن عامر رحمه الله في آية الأنعام.
وقد ورد البيت بلا نسبة في "تفسير الطبري" (12/137)، و "المحرر الوجيز" (2/350)، (3/3/346)، و "البحر المحيط" (4/232)، و "الدر المصون" (5/164، 165، 170)، و "الإنصاف في مسائل الخلاف" (2/427)، و "الخصائص" (2/406)، و "خزانة الأدب" (4/415 – 423)، و "شرح المفصل" (3/189)، "كتاب سيبويه" (1/176)، و "مجالس الشعبي" (1/152)، و"المقرب" (ص78)، و "الكشاف" (2/401).(1/256)
وقوله: ((اسُتْرعِيَ رعيةً))؛ أي: كُلِّف رعَيها ورعايتَها، وهذا مثالٌ مطابقٌ (1) =(3/552)=@ للمُمثَّلِ (2) به من كلِّ وجهٍ (3) .
و((الصَّفوْ)): الصَّافي عن (4) الكَدَرِ، وهو عبارةٌ عما يأخذُه الناسُ بالقسمِ (5) .
و((الكَدِْرُ (6) )): المتغيِّرُ، وهو (7) مثالٌ لما يبقى للأمراءِ؛ لما يتعلَّقُ به من التبعاتِ والحقوقِ. والله تعالى أعلم.
ومن بابِ التنفيلِ بالأسارى
((التَّعريسُ)): النزولُ من (8) آخرِ الليلِ. و((شن الغارة)): فَرَّقها وأرسلها، وهو بالشِّين، فأما ((سَنَّ الماءَ)) فهو بالسِّينِ المهملةِ؛ أي: صَبَّه (9) . و((العُنُقُ)) (10) من الناسِ: =(3/553)=@ الجماعةُ منهم. و((القَشْع)): النَّطع، وفيه لغتان: كسرُ القافِ، وفتحُها. ورُوي بالوجهين هنا، وفي البخاريِّ (11) . &(3/436)&$ %(1/257)%
__________
(1) في (أ): ((مطلق)).
(2) في (ح) و(م) و(ي): ((للمثل)). وفي (ز): ((للمتمثل)).
(3) في (م): ((الوجوه)).
(4) في (ب) و(م): ((من)).
(5) قال النووي: قال أهل اللغة: ((الصفو)) هنا بفتح الصاد، لا غير، وهو الخالص. فإذا ألحقوه الهاء فقالوا: ((الصفوة)) كانت الصادر مضمومة ومفتوحة ومكسورة؛ ثلاث لغات. "شرح النووي" (12/65).
(6) الكدر: بفتح الكاف وسكون الدال وكسرها. نقيض الصفو: "القاموس" (2/125)، وضبطها كذلك في الطبعة العامرة من "صحيح مسلم".
(7) في (م): ((وهذا)).
(8) سقط من (ز).
(9) قال المازري: ((شن الغارة؛ أي: فرقها، وقيل: صبها عليهم صبًّا؛ كما يقال شن عليهم الماء؛ أي: صبه.اهـ. وقال القاضي: أي: فرقها وصبها، كصب الماء وتفريقه)).اهـ. ولعل الشارح هنا يريد تعقب المازري والقاضي في ذلك، فقرر أن الذي يقال في الماء ((سن)) بالمهملة. والتحقيق أن ((سن)) بالمهملة والمعجمة كلاهما يقال في صب الماء، غير أنه بالمعجمة صب متقطع فيه تفريق، وبالمهملة إرساله إرسالاً متصلاً دون تفريق. والأنس هان تشبيه شن الغارة ((شن الماء)) بالمعجمة؛ كما ذكره المازري والقاضي.
وقد ذكر ذلك الجوهري، والحربي، وابن قتيبة، والخطابي؛ قال الحربي: الشن الأخفش: الصب المتقطع، والسن: الصب المتصل المتتابع.اهـ. انظر: "الصحاح" (5/2141، 2145)، "غريب الحديث" للحربي (2/872)، و "غريب ابن قتيبة" (1/434)، و "غريب الخطابي" (1/438)، و "المعلم" (3/15)، و"المشارق" (2/254)، و"لسان العرب" (13/242).
(10) في (ح): ((الغش))، وفي (ي): ((العس)).
(11) كذا في جميع النسخ! وليس الحديث عند البخاري. وفي "الإكمال" (6/72): ((وبالوجهين - أي الفتح والكسر - ذكرها الخطابي.اهـ. فلعلَّ ((الخطابي)) تصحّفت هنا إلى ((البخاري)).
وتفسيرها بـ((النطع)) ذُكر في الحديث، و((النطع)) بساط من الجلد. وفي ((النطع)) أربع لغات: فتح النون وكسرها، ومع كل منهما فتح الطاء وسكونها. وقال أبو عبيد في "القشع": الجلود اليابسة، ولا يكون القشع إلا يابسًا.اهـ. وقال في "النهاية": ((قيل: أراد: الفرو الخَلَق)). وقد ذكر "القشع" بفتح القاف وكسرها الخطابي في "معالم السنن"، والقاضي في "المشارق"، والنووي في "شرح مسلم". انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (5/211، 212)، "معالم السنن" (/31)، "مشارق الأنوار" (2/193)، "شرح النووي" (12/68)، "النهاية" (4/65).(1/257)
وقوله: ((فنَّفلني أبو بكرِ ابنتَها))؛ أي: أعطانِيها نافلةً؛ أي: زيادةً من الخمسِ على سهمهِ من الغنيمةِ؛ لِمَا رأى من نَجْدتِه، وَغَنائِهِ.
وقوله: ((لقد أعجبتني وما كشفتُ لها ثوبًا))؛ يعني: أنه توقَّف عن الاستمتاعِ بها منتظرًا براءتَها (1) ، أو إسلامَها، وسيأتي في النكاحِ قولُ الحسنِ: إن عادةَ الصحابِة كانت: إذا سَبَوُا المرأة لم يَقْرَبوها حتى تُسلمَ وتَتَطهّرَ (2) .
وقوله (3) : ((لله أبوك))، العادةُ أن الشيءَ إذا أضيفَ إلى عظيمٍ اكتَسى عظمًا وشرفًا؛ كما قيل: ((ناقةُ الله))، و((بيتُ الله))، فإذا وُجد من الولدِ ما يحسُنُ موقعُه قيل: ((لله أبوك))؛ حيث أنجبَ بك وجاءَ بمثلِكَ؛ أي: أنه نجيبٌ (4) .
وقوله: ((لا أباك)) (5) ؛ هو مدحٌ؛ أي: لا كافِيَ لك ولا مُجْزِيَ، وقولهم: ((لا أمُّ له))؛ ذمٌ؛ أي: أنت لقيطٌ لا تَعرفُ أمُّكَ، وقيل: ((لا أبا لك))؛ مدحًا؛ أي: لا كافَي لك غيرُ نفسِكَ، وقد يكون ذمًّا؛ أي: لا يُعرفُ أبوكَ، وقيل: معنى ((لا أبا لك)) أي: جِدَّ في أمرِكَ وشَمِّر، فإن من له أبٌ ربما يتكَّلُ عليه ليكفيَه بعضَ الأمورِ، ومن لا له أبٌ؛ يتولَّى الأمورَ بنفسه فيحتاج إلى زيادة عناية، فمعنى: ((لا أبا لك))؛ التخضيضُ والتحريضُ. وقيل في قوله: ((لا أم لك)): إنه يكون مدحًا، ويكون ذمًّا، ويقال أيضًا: ((لا أباك))، في معنى: ((لا أبا لك)) و((لا باك)) أيضًا من غيرِ همزٍ (6) .
وقولُه: ((فبعث بها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكةَ ففدى بها ناسًا من المسلمين)) =(3/554)=@ - حجَّةٌ على أبي حنيفةَ؛ حيث لم يُجزِ للإمامِ المفاداةَ، ولا الفداءَ بالأسيرِ، وعندَ مالكٍ: أن الإمامَ مخيَّرٌ في الأسارى بين خمسِ خصالٍ: القتلِ، والاسترقاقِ، والمنِّ، والفداءِ، والاستبقاءِ. وذلك هو الصحيحُ؛ بدليلِ قولِه تعالى: {فإما مَنًّا بعد وإما (7) فداءً} (8) ، ولأن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فعل كلَّ ذلك، فكان الأسارى مخصوصين من حكمِ الغنيمةِ بالتخييرِ (9) . والله تعالى أعلمُ. &(3/437)&$ %(1/258)%
__________
(1) في (م): ((براها)).
(2) في (أ) و(ح) و(ي): ((وتطهر)). ولم يذكر الشارح قول الحسن هذا في كتاب النكاح أو غيره.
(3) من هنا إلى قوله الآتي: ((... من غير همز)) انفرد به (أ).
(4) نقل هذه الفقرة ابن الأثير في "النهاية" (1/19) عن أبي موسى محمد بن أبي بكر الأصفهاني (ت581هـ) وذكرها كذلك النووي (2/171). [يراجع فتح المغيث]
(5) كذا في النسخة، وقول الشارح: ((وقوله: ((لا أباك...)) إلى آخر ما انفردت به (أ)، استطرد؛ حيث لم تذكره هذه اللفظة في الحديث هنا، وإنما تقدمت في كتاب الإيمان باب رفع الإمانة والإيمان من القلوب. والرواية هنا: ((لا أبا لك)). وقال الشارح هناك: ((إن ((اللام)) في ((لا أبا لك)) مقحمة)).
"المفصل" (1/107)، "الكتاب" (؟؟؟)، "شذرات الذهب" (؟؟؟)، "الخصائص" (1/345)، "اللامات" (1/100).
(6) من قوله: ((وقوله: لله أبوك العادة...)) قبل عشرة أسطر إلى هنا سقط من (ب)و(ح). [شطب من الحاشية ولم يشطب في المتن].
(7) ؟؟؟.
(8) سورة محمد - صلى الله عليه وسلم - ؛ الآية: 4. ووقع في (م): ((وإلا فداء)).
(9) في (ب): ((بالتخير)).(1/258)
ومن بابِ ما يُخمَّسُ من الغنيمةِ وما لا يخمَّسُ
قوله: ((أيما قريةٍ أتيتموها، فأقمتم (1) فيها، فسهمُكم فيها))؛ يعني بذلك - والله تعالى أعلم -: أن ما أُجْلي عنه (2) العدوُّ، أو صُولحوا عليه، وحَصل بأيدي المسلمين من غيرِ قتالٍ، فمن أقام فيه كان له سهمٌ من العطاءِ (3) . وليس المراد بالسَّهمِ هنا: أنها (4) تخمَّسُ، فتقسم سُهمامًا (5) ؛ لأن هذا هو حكمُ القِسمِ الآخرِ الذي ذكره بعدَ هذا، حيث قال: ((وأيما قريةٍ عصتِ الله ورسولَه فإن خمسَها لله ورسولِه (6) ، ثم هي (7) لَكُمْ)). تُقسم أخماسًا؛ فيكون الخمسُ لله ورسولِه (8) ، وأربعةُ أخماسِها لكم. يخاطبُ (9) بذلك الغانمين. وهذا كما قال تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى (10) } (11) الآيةَ. ولم يختلفِ العلماءُ في أن أربعةَ أخماسِ =(3/555)=@ الغنيمةِ يقسم (12) بين الغانمين. وأعني بـ((الغنيمة)) ما عدا الأرَضين؛ فإن فيها خلافًا يذكرُ إن شاء اللهُ تعالى.
وأما الأسارى(9) ففيهمُ الخلافُ المتقدِّم. وأما الخمسُ والفيءُ: فهل يُقسَمُ في أصنافٍ، أو لا يقسمُ، وإنما هو موكولٌ إلى نظرِ الإمامِ واجتهادِه، فيأخذُ %(1/259)%
__________
(1) كذا في (ز)، وفي سائر النسخ: ((أقمتم)) دون الفاء، والرواية في "صحيح مسلم" و"التلخيص": ((وأقمتم)) بالواو.
(2) في (ح): ((أجلى عنها)). وجَلَا العدوُّ عن البلد يجلو، وأَجْلى يُجْلي، وجَلَوْناه، وأَجليناه: خرج، وأخرجناه "المصباح" (ص59).
(3) في (ز): ((العطايا)).
(4) في (ح): ((أن)).
(5) في (أ): ((سهانًا)).
(6) في (ح): ((ولرسوله)).
(7) قوله: ((هي)) في (ب): ((ما بقي)).
(8) من قوله: ((فإن خمسها لله...)) إلى هنا، سقط من (ي)، ومن قوله: ((ثم هي لكم...)).
(9) في (م): ((مخاطب)).
(10) قوله: ((ولذي القربى)) سقط من (أ) و(ب).
(11) سورة الأنفال؛ الآية: 41.
(12) في (م): ((تقسم)).(1/259)
منه حاجتَه (1) من غيرِ تقديرٍ، ويُعطي القرابةَ منه باجتهادِه (2) ، ويصرفُ الباقيَ في مصالحِ المسلمين. وهذا هو مذهبُ مالكٍ – رحمه الله-، وبه قال الخلفاءُ الأربعةُ – رضي الله عنهم - (3) ، وبه عملوا، وعليه يدلُّ قولُه - صلى الله عليه وسلم - : ((مَالِي مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسَ)) (4) ، فإنه لم يقسمْه أخماسًا &(3/438)&$ ولا أثلاثًا.
فأما من قال: بأنه يقسم فقد اختلفوا، فمنهم من قال: يُقسمُ على ستةِ أسهمٍ: سهمٌ لله، وسهمٌ للرسول ? (5) ، وهكذا بقيةُ الأصنافِ المذكورةِ في الآيةِ. ثم منهم (6) من قال: إن سهمَ اللهُ يُدفُع للكعبةِ؛ وبه قال طاووسٌ، وأبو العاليةِ ومنهم من قال: للمحتاجين. وأما سهمُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فكان له في حياتِه، ثم هو (7) للخليفةِ بعدَه. وقيل: يُصرفُ في مصلحةِ الغزاةِ. وقيل: يردُّ على القرابةِ.
وقال الشافعيُّ: يُقسمُ على خمسةٍ، ورأى: أن سهمَ اللهِ ورسولِه واحدٌ، ثم إنه يصرفُ في مصالحِ المسلمين، والأربعة ُالأخماس على الأربعةِ الأصنافِ المذكورينَ في الآيةِ.
وقال أبو حنيفةَ: يُقِسمُ (8) على ثلاثةِ أسهمٍ: سهمٌ لليتامى، وسهمٌ لابنِ السبيلِ، وسهمٌ للمساكينِ، فأما سهمُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وسهمُ القرابةِ، فقد سقط؛ لأنه إنما كان لهم (9) لغَنَائِهم ونُصرتِهِم؛ لأن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكنْ يأخذُه لنبَّوتِهِ فيكونَ لهم (10) . وأما (11) ذكرُ الله تعالى في أولِ الآيةِ فإنما هو على جهةِ التشريفِ لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم - لئلَّا يأنَف (12) من الأخذِ. هذا نقلُ حُذاقِ المصنِّفين.
قلتُ (13) : ولا شك (14) في أن الآيةَ ظاهرةٌ في قسمةِ الخمسِ على ستةٍ، ولولا =(3/556)=@ ما استُدلُ به لمالكٍ من عملِ الخلفاءِ على خلافِ ظاهرِها، لكان الأولى التمسُكَ بظاهرِها، لكنَّهم - رضي الله عنهم - (15) هم أعرفُ بالمقالِ، وأقعدُ بالحالِ، لا سيما مع تَكْرارِ هذا الحكمِ عليهم وكثرتِه فيهم. فإنهم لم يَزالوا آخذين للمغانمِ (16) ، قاسمين لها طولَ مدتِهم؛ إذ هي عيشُهم (17) ، ومنها رزقُهم، وبها قام (18) أمُرهم؛ فكيف يخفى عليهم أمرها، أو يشذَّ عنهم (19) حكمٌ من أحكامِها؛ هذا ما لا يظنُّه بهم مَنْ يعرفهُم. %(1/260)%
__________
(1) قوله: ((وأما الأسارى)) في (أ) ((أما الأسارى))، وفي (ب): ((وأما الأسرى)).
(2) في (أ): ((باجتهاد)).
(3) وأما قول أبي بكر وعمر وعلي - رضي الله عنهم - فسيأتي قريبًا في باب بيان ما يصرف فيه الفيء والخمس برقم (1277)، وفي باب تصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - بما وصل إليه من الفيء، ومن سهمه برقم (1278).
وأما قول عثمان: فكونه أقطع مروان فدك، وسيأتي تخريجه في باب فضل القتيل في سبيل الله .
(4) تقدم تخريجه في "سنن سعيد بن منصور" (5/187-198 رقم982) بتحقيقي .
(5) قوله: ((سهم لله وسهم للرسول ?))في (أ): ((لله سهم، وللرسول ? سهم)).
(6) سقط من (م).
(7) سقط من (ز).
(8) في (ح): ((تقسم)). ولم تنقط ياؤها في (ب) و(ي).
(9) قوله: ((لهم)) سقط من (ح) و(ي).
(10) قوله: ((لغنائهم ونصرتهم)) لأن رسول الله ? لم يكن يأخذ لبيوته فيكون لهم)) كذا في (أ). وفي (ح) و(ي): ((لغنائهم ونصرتهم رسول الله ?)). في (ز): ((لغنائهم ونصرتهم لأن رسول الله ? لم يكن يأخذه لنبوته)). وفي (ب) و(م): ((لغنائهم ونصرتهم رسول الله ? لم يكن يأخذه بنوايب)) وهذه الكلمة الأخيرة غير مفتوحة في (ب)، و(م) وتقرأ في (م): ((هوايب)) وعلى كلٍّ، فالعبارة مضطربة؛ وعبارة الحنفية – كما في "المبسوط" للسَّرخسي، و"بدائع الصنائع" -: ((ولنا أن الخلفاء الراشدين ما رفعوا هذا السهم لأنفسهم، وكان لرسول الله ? بسبب النبوة، ولم ينتقل ذلك إلى أحدٍ بعده))، ((وأما سهم ذوي القربى فقد كان رسول الله ? يصرفه إليهم في حياته... ولم يكن هذا السهم مستحقًا بالقرابة بل كان رسول الله ? يصرفه إليهم مجازاة على النصرة التي كانت منهم، ولم يبق ذلك المعنى بعد رسول الله ?)) ولعل في عبارة الشارح سقطًا.
"المبسوط" (3/17- 19)، (10/8- 11)، "البدائع" (7/125). [بيان حكم الغنائم وما يتصل بها]
(11) في (ح): ((وأما ما)).
(12) في (ح): ((يأخذ)).
(13) في (ز): ((قال الشيخ)) وفي (ب) و(م): ((قال الشيخ رحمه الله)).
(14) قوله: ((ولا شك)) سقط من (ز).
(15) سقط من (م).
(16) في (ب) و(م): ((للغنائم)).
(17) في (أ) و(ز): ((عيشتهم)).
(18) في (ب) و(م): ((قوام)).
(19) في (أ): ((عليهم)).(1/260)
وقوله: ((كانت (1) أموالُ بني النضير (2) مما أفاء الله على رسوله ?)) أفاء: أي: رَدَّ على رسولِه من أموالِ الكفارِ. وهذا يدلُّ على أن الأموالَ إنما كانت للمسلمين بالأصالِة، ثم صارتْ للكفارِ بغير الوجوهِ الشرعيةِ (3) ، فكأنهم لم يملكوا ملكًا صحيحًا، لاسيما إذا تَنَزَّلْنا على أن الكفار (4) مخاطَبُون بفروعِ الشريعةِ، ومع ذلك فلهم شبهةُ الملكِ؛ إذ قد أضاف الله تعالى إليهم أموالاً؛ كما (5) أضاف إليهم أولادًا، فقال: {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم} (6) ،
وقد اتفق المسلمون على أن &(3/439)&$ الكافرَ إذا أسلم وبيدهِ مالٌ غيرُ متعيِّنٍ للمسلمين، كان له، لا (7) ينتزعُه أحدٌ منه (8) بوجهٍ من الوجوهِ. وسيأتي للمسألِة مزيدُ بيانٍ.
وقوله: ((مما لم يوجِفْ عليه (9) ))؛ أي: يُسْرِعْ. والإيجافُ: الإسراعُ، ووجيفُ (10) الخيلِ: إسراعُها. والرِّكابُ: الإبلُ (11) .
وقولُه: ((فكانت (12) للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصَّةً))؛ هذا الحديثُ حجَّةٌ لمالكٍ على أن الفيءَ لا يُقسمُ، وإنما هو موكولٌ لاجتهادِ (13) الإمامِ، والخلافُ الذي ذكرناه في الخمسِ هو الخلافُ هنا، فمالكٌ لا يَقْسمُه، وأبو حنيفة يَقْسمُه أثلاثًا، والشافعيُّ يَقسِمُه (14) أخماسًا. =(3/557)=@
وقوله: ((فكان ينفقُ على أهلِه نفقةَ سنةٍ))؛ أي: يُعطيهم قوتَ سنتِهم، كما في البخاريِّ (15) : ((أَنَّه - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَبِيعُ نَخْلَ بَني النَّضِيرِ (16) ، وَيَحْبِسُ (17) لأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ)). وأما لنفسِه فما رُوي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه ادَّخر، ولا احْتكر؛ وإنما كان %(1/261)%
__________
(1) في (ح): ((فكانت))، وفي (ي): ((لكانت)).
(2) كذا على الصواب في (أ)، وفي سائر النسخ: ((النظير)).
(3) في (ح): ((المشروعة)) وكتب في هامش (ي): ((الشرعية)) ووضع علامة أنها من نسخة أخرى.
(4) في (ي): ((للكفار)).
(5) قوله: ((أضاف الله إليهم أموالًا كما)) سقط من (ح).
(6) سورة التوبة؛ الآية: 55.
(7) في (أ) و(ب) و(ز) و(م): ((ولا)).
(8) في (ي): ((منهم)).
(9) قوله: ((عليه)) سقط من (أ).
(10) في (ز): ((وإيجاف)). قال في "النهاية" (5/156): الوجيف: ضرب من السير سريع، وقد وَجَفَ البعير يَجِفُ وَجْفًا ووجيفًا.اهـ. وانظر: "القاموس" (3/303).
(11) قال الخطابي: الركاب: الإبل التي تركب، اسم جماعة، ولا يفرد من لفظه اسم الواحد.اهـ. وقال في "القاموس" (1/75): واحدتها: راحلة. وتجمع على رُكُب ورِكابات وركائب. وانظر: "مشارق الأنوار" (1/289).
(12) في (أ) و(ز): ((وكانت)).
(13) في (ي): ((إلى اجتهاد)).
(14) ((يقسمه)) من (م) فقط.
(15) في "صحيحه" (9/501-502 رقم5357) في النفقات، باب حبس الرجل قوت سنة على أهله، وكيف نفقات العيال .
(16) كذا في (أ) على الصواب، وفي سائر النسخ: ((النظير)).
(17) في (م): ((ويخمس)).(1/261)
يفعلُ ذلك بأهلِه قيامًا لهم بحقُوقِهم. ودفعًا لمطالبِتهم، ومع ذلك فكان أهلُه يتصدَّقْنَ، يمسكْنَ شيئًا، ولذلك ما قد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ربما (1) ينزلُ به الضيفُ فيَطلُبُ (2) له (3) شيئًا في بيوتِ أزواجِه، فلا (4) يوجدُ عندهنَّ شيءٌ.
وفيه ما يدلُّ على جوازِ ادخارِ قوتِ العيالِ سنةً، ولا خلافَ فيه إذا كان من غلَّةِ المدخِّرِ، وأما إذا (5) اشتراه من السُّوقِ، فأجازه قومٌ ومنعه آخرون إذا أضرَّ بالناسِ. وهو مذهبُ مالكٍ في الاحتكارِ مطلقًا.
و((الكُراعُ)): الخيلُ (6) والإبلُ.
وقوله: ((قسم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في النَّفَل للفرس سهمين وللرجل سهمًا))، رواه العذريُّ، والخُشَنُّي: ((للراجل)) بالألف، وغيرُهما: بغيرِ ألفٍ. و((النَّفَل)) هنا: الغنيمةُ (7) ؛ لأنها هي التي تُقسَمُ على الفارسِ والراجلِ بالسهامِ.
وهذا الحديثُ حجَّةٌ لمالكٍ والجمهورِ على أنه يقسمُ للفرسِ وراكبِه ثلاثةُ =(3/558)=@ أسهمٍ، وللراجلِ (8) سهمٌ؛ لا سيما على روايةِ: ((وللرجلِ (9) )) فإنه يريدُ به راكبَ &(3/440)&$ الفرسِ، وأن الألف واللام فيه (10) للعهدِ. وقد رُوي من طريقٍ %(1/262)%
__________
(1) في (ز): ((وربما)).
(2) في (ح) و(ي): ((فينظر)).
(3) كذا في (ز)، وفي سائر النسخ: ((شيء)).
(4) في (ز): ((فلم)).
(5) قوله: ((وأما إذا)) في (ح): ((وأما وإذا)).
(6) في (ح): ((والكراع والخيل)).
(7) في (ب) و(م) و(ز): ((الغنيمة هنا)).
(8) في (ح): ((واللرجل)).
(9) في (ب): ((للراجل)). بالألف، ودون الواو.
(10) قوله: ((فيه)) سقط من (ح).(1/262)
صحيحٍ عن ابنِ عمرَ – رضي الله عنهما -: أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم لرجلٍ وفرسِه ثلاثةَ أسهمٍ؛ سهمًا له، ولفرسِه سهمين (1) . ذكره أبو داود (2) . وفي البخاريِّ (3) عن ابنِ عمرَ: جعلَ للفرسِ (4) سهمينِ ولصاحبِه سهمًا.
ومن جهة المعنى: أن مؤنَ الفارسِ أكثرُ (5) ، وغَناءَه أعظمُ؛ فمن المناسبِ أن يكونَ سهمُه أكثَر من سهمِ الرَّاجلِ.
وشذّ أبو حنيفة فقال (6) : يُقسمُ للفرسِ كما يُقسم للرَّجلِ (7) . ولا أثر له يعضدُه، ولا قياسَ يَعتمدُه؛ ولذلك خالفه في ذلك كبراءُ أصحابهِ؛ كأبي يوسفَ ومحمدِ بنِ الحسنِ (8) ، وغيرِهما.
حمل أبو حنيفة رحمه الله حديثَ ابنِ عمرَ الواقعَ في "صحيحِ مسلمٍ" ((للفرسِ سهمين))؛ أي: هو وفارسُه، وقال: لا أفضلُ بهيمةً على مسلمٍ! فقيل: فلا تَساوِيَ بينهما، ولم يقلْه غيرُه، إلا شيءٌ روي عن عليٍّ (9) وأبي موسى (10) ، رضي الله عنهما. وحديثُ البخاريِّ وأبي داودَ راجعٌ (11) لذلك الاحتمالِ، ولفظُ ابنِ ماجَهْ (12) : أن رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أسهمَ يومَ خيبرَ للفارسِ ثلاثةَ أسهمٍ: للفرسِ سهمان، وللرجل سهمٌ (13) .
وقد ذكر أبو بكرِ بنُ أبي شيبةَ من حديثِ ابنِ عمرَ – رضي الله عنهما -: أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَسَم للفارسِ سهمين، وللراجلِ سهمًا (14) .
والصحيحُ من حديثِ ابنِ عمر ما خرَّجه البخاريُّ ومسلمٌ، كما ذكرناه (15) . ثم اختلفوا (16) هل يُسْهَمُ (17) لأكثرَ من فرسٍ واحدٍ، أو لا يُسْهَمُ إلا لواحدٍ؟ فقال مالكٌ: لا يُسهم إلا لفرسٍ واحدٍ؛ لأنه لا يُقاتَلُ إلا على فرسٍ واحدٍ، وما عداه إنما هو قوةٌ واستظهارٌ.
وقال الجمهورُ، وابنُ وهبٍ، وابن الجهم - من أصحابِ مالكٍ (18) -: يُقسمُ (19) لفرسين، ولم يقلْ أحدٌ: إنه يُسهُم (20) لأكثرَ من فرسين، إلا شيئًا روي عن سليمانَ بن موسى - وهو الأشدقُ - أنه يسهمُ لمن عندَه أفراسٌ، لكلِّ فرسٍ سهمانِ (21) ، وهو شاذٌّ. والله أعلم (22) . =(3/559)=@ &(3/441)&$
ومن بابِ مَا يُصرفُ فيه الفيءُ والخمسُ
((تعالى (23) النهار)): ارتفع. و((مفضيًا إلى رِمالِه))؛ أي: لم يكنْ بينَه وبين الحصيرِ حائلٌ يقيه آثارَ عيدانِه. ورِمالُ الحصيرِ: ما يُؤثِّرُ فِي جنبِ المضطجِعِ %(1/263)%
__________
(1) قوله: ((سهمًا له ولفرسه سهمين)) سقط من (ز).
(2) في "سننه" (3/172-173 رقم2733) في الجهاد، باب في سهمان الخيل. وأخرجه عبدالرزاق (9320)، وسعيد بن منصور (2760)، وأحمد (4448)، والدارمي (2/225)، وابن ماجه (2854) من طرق عن عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، به، نحوه، وإسناده صحيح كما قال الشارح رحمه الله .
(3) (2863 و4228).
(4) في (ح): ((للرجل)).
(5) سقط من (ز)، وفي (ح): ((أعظم)).
(6) في (ح): ((فيقال)).
(7) في (أ): ((للراجل)).
(8) انظر: ((السير)) لمحمد بن الحسن الشيباني (ص247).
(9) أخرجه ابن أبي شيبة (33185) عن غندر، عن شعبة، عن أبي إسحاق بن هانئ، عن علي.
(10) أخرجه ابن أبي شيبة (33183) عن معاذ، ثنا حبيب بن شهاب، عن أبيه، عن أبي موسى، به.
(11) كذا في النسخة. والصواب: ((رافع)) أي: التصريح في الحديث عند البخاري وأبي داود، وقد ذكرهما الشارح آنفًا، يرفع الاحتمال الذي حمل عليه أبو حنيفة الحديث؛ وما يتوهم مع رواية: ((وللراجل)). قال المزري: وحَمْلُ أبي حنيفة ما وقع من الأثر على أن المراد بقوله: ((سهمان للفرس)) أي: هو وفارسه – خروج عن الظاهر؛ لأنه إنما أضاف هذا للفرس. قال القاضي: أما مع رواية: ((وللرجل)) فبينٌ، وأما مع رواية: ((وللراجل)) فمحتمل، لكن يرفع الاحتمال ما ورد مفسرًا في حديث ابن عمر هذا... إلخ. ثم ذكر نحو ما ذكره الشارح هنا من حديث ابن عمر. وانظر: "المعلم" (3/19)، و"الإكمال" (6/92)، و"شرح النووي" (21/83).
(12) في "سننه" (854)، والدارمي (2472) من طريق أبي معاوية محمد بن خازم، عن عبدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، به.
(13) آخر ما انفردت به النسخة (أ).
(14) هو في "المصنف" (6/492 رقم33159) في السير، باب في الفارس: كم يقسم له؟ من قال: ثلاثة أسهم ولفظه: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل للفرس سهمين، وللرجل سهمًا)).
وقول الشارح: ((والصحيح من حديث ابن عمر ما خرَّجه البخاري ومسلم، كما ذكرناه)) إشارة منه إلى أن ما وقع عند ابن أبي شيبة وهم من الراوي.
وقد ذكر الحافظ نحوه عن الدارقطني نحوه، قال الدارقطني عن شيخه أبي بكر النيسابوري: وهم فيه الرمادي وشيخه. قلت: لا؛ لأن المعنى أسهم للفارس بسبب فرسه سهمين غير سهمه المختص به، وقد رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" و"مسنده" بهذا الإسناد فقال: للفرس.
وقال الحافظ: وكذلك أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الجهاد له عن ابن أبي شيبة، وكأن الرمادي رواه بالمعنى، وقد أخرجه أحمد عن أبي أسامة وابن نمير معًا بلفظ: أسهم للفرس، وعلى هذا التأويل أيضًا يحمل ما رواه نعيم بن حماد، عن ابن المبارك، عن عبيدالله مثل رواية الرمادي أخرجه الدارقطني، وقد رواه علي بن الحسن بن شقيق وهو أثبت من نعيم عن ابن المبارك بلفظ: أسهم للفرس، وتمسك بظاهر هذه الرواية بعض من احتج لأبي حنيفة في قوله: إن للفرس سهمًا واحدًا، ولراكبه سهم آخر، فيكون للفارس سهمان فقط، ولا حجة فيه؛ لما ذكرنا. واحتج له أيضًا بما أخرجه أبو داود من حديث مجمع بن جارية - بالجيم والتحتانية في حديث طويل في قصة خيبر قال: فأعطى للفارس سهمين، وللراجل سهمًا، وفي إسناده ضعف، ولو ثبت يحمل على ما تقدم؛ لأنه يحتمل الأمرين، والجمع بين الروايتين أولى ولا سيما والأسانيد الأولة أثبت ومع رواتها زيادة علم... قال محمد بن سحنون: انفرد أبو حنيفة بذلك دون فقهاء الأمصار، ونقل عنه أنه قال: أكره أن أفضل بهيمة على مسلم، وهي شبهة ضعيفة؛ لأن السهام في الحقيقة كلها للرجل. قلت: لو لم يثبت الخبر لكانت الشبهة قوية؛ لأن المراد المفاضلة بين الراجل والفارس، فلولا الفرس ما ازداد الفارس سهمين عن الراجل، فمن جعل للفارس سهمين فقد سوى بين الفرس وبين الرجل، وقد تُعقب هذا أيضًا؛ لأن الأصل عدم المساواة بين البهيمة والإنسان، فلما خرج هذا عن الأصل بالمساواة فلتكن المفاضلة كذلك، وقد فضل الحنفية الدابة على الإنسان في بعض الأحكام، فقالوا: لو قتل كلب صيد قيمته أكثر من عشرة آلاف أداها، فإن قتل عبدًا مسلمًا لم يؤد فيه إلا دون عشرة آلاف درهم، والحق أن الاعتماد في ذلك على الخبر، ولم ينفرد أبو حنيفة بما قال، فقد جاء عن عمر وعلي وأبي موسى، لكن الثابت عن عمر وعلي كالجمهور، واستدل للجمهور من حيث المعنى بأن الفرس يحتاج إلى مؤنة لخدمتها وعلفها، وبأنه يحصل بها من الغنى في الحرب ما لا يخفى)).اهـ.
(15) في (ز): ((ذكرنا)).
(16) قوله: ((ثم اختلفوا)) في (ي): ((واختلفوا).
(17) في (م) و(ي): ((يقسم)). ...
(18) قوله: ((من أصحاب مالك)). سقط من (ح) و(ي).
(19) في (ب) و(م): ((يسهم)).
(20) في (ح): ((يقسم)). ...
(21) في (ح) و(ي): ((سهمًا)).
(22) قوله: ((والله أعلم)) زيادة من (ز).
(23) في (ز): ((قوله تعالى)). ورسمت ((تعالى)) في (ح) و(ي) هكذا: ((تعلا)).(1/263)
عليه (1) . ورَمَلْتُ الحصيرَ: نَسَجْتُه، وقد (2) تقدَّم.
و((مَالِ)) ترخيمُ ((مالكٍ)) في النداءِ. و((دَفَّ أهلُ أبيات))؛ أي: نزلوا بهم مسرعين محتاجين. وأصلُه من الدَّفيفِ؛ وهو: السَّيرُ السَّريعُ، وكان (3) الذي تنزلُ (4) به فاقةٌ يُسرعُ المشيَ لتنجليَ عنه.
و((الرَّضْخُ))- بسكونِ الضادِ -: هي العطيةُ القليلةُ، غيرُ المقدرةِ.
و((يَرْفَأُ)) مقصورٌ، وهو (5) مولى (6) عمرَ رضي الله عنه وآذِنهُ (7) .
وقوله: ((هل لك يا أمير المؤمنين في عثمان وعبد الرحمن؟)) في الكلامِ حذُفُ؛ تقديرُه (8) : هل لك إذنٌ في هؤلاء؟
وقول العبَّاس: ((اقضْ بيني وبين هذا الكاذبِ، الآثمِ، الغادرِ، الخائنِ))؛ قولٌ =(3/560)=@ لم يُردْ به ظاهرَه؛ لأن عليًّا - رضي الله عنه - مُنَزَّهٌ عن ذلك كلِّه، مبَّرأٌ منه (9) قطعًا، ولو أراد ظاهرَه لكان محرَّمًا، ولاستحال على عمرَ، وعثمانَ، وعبدِ الرحمنِ، والزبيرِ، وسعدٍ (10) – رضي الله عنهم -، وهم المشهودُ لهم بالقيامِ بالحقِّ وعدمِ المبالاةِ بمن يخالفُهم فيه (11) ، فكيف يجوز ُعليهم الإقرارُ على المنكرِ؟! هذا ما لا يصحُّ؛ وإنما هذا (12) قولٌ أخرجَه من العبَّاسِ الغضبُ، وصولةُ سلطنِة العمومةِ؛ فإنَّ العمَّ صِنْوُ الأبِ (13) ، ولا شكّ أن الأبَ إذا أطلقَ هذه الألفاظَ على ولدِه؛ إنما يُحملُ ذلك منه على أنه قَصْدِ الإغلاظِ والرَّدعِ؛ مبالغةً (14) في تأديبِه، لا أنَّه (15) موصوفٌ بتلك الأمورِ. ثم انضاف إلى هذا: أنهم في محاجَّةٍ ولايةٍ دينيَّهٍ (16) ، فكأنَّ العباسَ يعتقدُ أن مخالفتَه فيها لا &(3/442)&$ تجوزُ، وأن المخالفةَ (17) فيها تؤدِّي (18) إلى أن يَتصفَ (19) المخالفُ بتلك الأمورِ، فأطلقها ببوادرِ الغضبِ على هذه الأوجهِ، ولما (20) علم الحاضرون ذلك لم يُنكروه. والله تعالى أعلمُ.
وهذا التأويلُ أشبهُ ما ذُكر في ذلك، وإلا فَتَطْريقُ (21) الغلطِ لبعضِ النَّقَلِة لهذه القصةِ (22) فيه بُعْدٌ؛ لحفظِهم وشهرتِهم، والذي اضطرَّنا إلى تقديرِ (23) أحدِ الأمرين: ما نعلمُه من أحوالِ (24) تلك الجماعةِ، ومن عظيمِ (25) منازلهِم في الدِّينِ والورعِ والفضلِ؛ كيف لا، وهم من هم، – رضي الله عنهم - وحشرنا في زمرتِهم (26) . %(1/264)%
__________
(1) سقط من (ي).
(2) ((رمال الحصير)) بكسر الراء، وتضم. والمراد: ضلوع الحصير المتداخلة بمنزلة الخيوط في الثوب المنسوج؛ قاله الخطابي قال الحافظ: وكأنه لم يكن فوق الحصير فراش ولا غيره، أو كان بحيث لا يمنع تأثير الحصير.اهـ. ويقال: رَمَلْت الحصيرَ، وأرملته، ورمَّلته. و((رَمَل)) أعلى وأكثر. قال الزمخشري: الرُّمال: ما رُمِل؛ أي: نسج، ونظيره: الحُطام والرُّكام؛ لما حُطِم ورُكِمَ. انظر: "أعلام الحديث" (2/1230)، و "الفائق" (2/83)، و "النهاية" (2/265)، و "شرح النووي" (10/92)، و "الفتح" (5/117)، (6/205)، (9/287).
(3) في (ب) و(م): ((فكان)).
(4) سقط من (ز).
(5) قوله: ((مقصور وهو)) في(أ): ((وهو)).
(6) في (م): ((قول)).
(7) قال النووي في "شرح مسلم" (21/71): ((يرفا)) بفتح المثناة تحت وإسكان الراء وبالفاء غير مهموز، هكذا ذكره الجمهور، ومنهم من همزه.اهـ. في "الفتح" (/205): وهي روايتنا من رطيق أبي ذر.اهـ. قال الحافظ في "الفتح" (6/205): وهي روايتنا من طريق أبي ذر.اهـ. يعني همز ((يرفأ)). قال: ويرفا هذا كان من موالي عمر أدرك الجاهلية، ولا تعرف له صحبة، وقد حج مع عمر في خلافة أبي بكر.
(8) قوله: ((حذف تقديره) في (ي): ((حده)).
(9) في (أ) و(ب) و(ح) و(ز): ((عنه)).
(10) في (ز): ((وسعيد وسعد)). وما ذكر في الرواية ((سعد)) فقط.
(11) قوله: ((فيه)) سقط من (ب) و(م)، وفي (أ): ((بالجنة)) بدل (( فيه)).
(12) في (ح): ((هو)).
(13) تقدم في الزكاة، باب ليس فيما اتخذ للقنية صدقة، وتقديم الصدقة وتحملها عمن وجبت عليه، برقم (852).
(14) في (ح): ((مبالغًا)).
(15) قوله: ((لا أنه)) في (م): ((لأنه)).
(16) في (ز): ((دينه)).
(17) في (ح): ((المخالف)).
(18) في (م): ((يؤدي)).
(19) قوله: ((يتصف موضعه)) في (ح): ((الإنسان)).
(20) في (م): ((وإذا)).
(21) في (أ): ((تطرق)) والمراد: أن يجعل للغلط طريقًا إلى الرواة؛ أي: ينسبهم إلى الغلط. من طَرَّقت القطاة: إذا فحصت للبيض؛ كأنها تجعلَ له طريقًا. "اللسان" (10/223).
(22) في (ب) و(ح) و(ي): ((القضية)).
(23) قوله: ((إلى تقدير)) في (ب): ((إلى هذا تقدير))، وفي (م): ((تقدير)) فقط.
(24) في (ي): ((حال)).
(25) في (ز): ((عظم)).
(26) ذكر احتمال توهيم الرواة في هذه القصة، المازري في "المعلم" (3/16)، وهو أيضًا الذي أول التأويل الذي ارتضاه الشارح هنا، ونقله عنه أو عن القاضي عنه. قال المازري بعد أن نزه العباس وعليًّا عن مثل هذه الأوصاف: ولسنا نقطع بالعصمة إلا للنبي ? أو لمن شهد له بها، لكنا مأمورون بتحسين الظن بالصحابة رضي الله عنه جميعهم، ونفي كل رذيلة عنهم، وإضافة الكذب لرواتها عنهم إذا انسدت طرق التأويل. وقد حمل بعضا لناس هذا الرأيُ على أن أزال من نسخته ما وقع في هذا الحديث من هذا اللفظ وما بعده تورعًا عن إثبات مثل هذا، ولعله يحمل الوهم على رواته.
وإن كان هذا اللفظ لابد من إثباته ولا يضاف الوهم إلى رواته، فأمثل ما حمل عليه أنه صدر من العباس على جهة الإدلال على ابن أخيه...))إلخ. ثم ذكر نحو ما نقله الشارح هنا. وانظر: "الإكمال" (6/77- 79)، و "شرح النووي" (12/72- 73)، و "الفتح" (6/25).(1/264)
و((أَجَلْ)) بمعنى: نعم. و((اتَّئدوا)) بمعنى: تَثَبَّتُوا وارفُقُوا.
وقولُ عمر (1) : ((أُنشُدُكم الله))؛ أي: أُقسم (2) عليكم بالله، يخاطبُ الحاضرين.
وقوله ?: ((لا نُورَثُ، ما تركنا صدقةٌ))؛ جميعُ الرواةِ لهذه اللفظةِ في "الصحيحين" وفي غيرِهما يقولون (3) :((لا نُورَثُ)) بالنون، وهي نونُ جماعةِ الأنبياءِ عليهم الصلاة والسلام (4) ؛ كما قال: ((نَحْنُ مَعَاشِرَ الأَنبِيَاءِ لَا نُورَثُ)) (5) .
و((صدقةٌ)): مرفوعٌ على أنه خبُر =(3/561)=@ المبتدأِ الذي هو: ((ما تركنا))، والكلامُ جملتان؛ الأُولى فعليةٌ، والثانيةُ اسميةٌ. لا خلافَ بين المحدِّثين في هذا.
وقد صحَّفه بعضُ الشيعةِ، فقال: ((لا يُورَثُ - بالياءِ - ما (6) تركنا صدقةً)) بالنصب، وجعلَ الكلامَ جملةً واحدةً، على أن يجعل (7) ((ما)) مفعولاً لما (8) لم يسمَّ فاعلُه، و((صدقةً)) نصبٌ (9) على الحالِ؛ ويكونُ معنى الكلام: إن ما يتركُه (10) صدقةً لا يورثُ (11) ، وإنما فعلوا هذا (12) واقتحموا هذا المحرَّمَ، لما يلزمهُم على روايةِ الجمهورِ من إفسادِ قولهمِ ومذهبِهم؛ أنهم يقولون: إن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُورَثُ كما يُورَثُ (13) غيرُه، متمسِّكين بعمومِ آيةِ المواريثِ، مُعْرِّضين عمَّا كان معلومًا عندَ الصحابةِ من الحديثِ الذي يدلُّ على خصوصيةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بأنه لا يُورثُ (14) .
وقد حكى الخطابيُّ (15) حكايةً تدلُّ على صحةِ مذهبِ أهلِ السُّنةِ، وعلى بطلانِ مذهبِ أهلِ البدعِ: حُكي عن (16) ابن الأعرابيِّ: أن أبا العبَّاسِ السفَّاحِ قام في أولِ مقامٍ قامه (17) خطيبًا في قريةٍ تسمى ((العباسيةَ)) بـ((الأنبارِ))، حمد (18) الله وأثنى عليه، فلما &(3/443)&$ جاء عندَ الفراغِ، قام إليه رجلٌ (19) ، وفي عنقِه المصحفُ، فقال: يا أميرَ المؤمنين! أُذكرُكَ اللهََ الذي ذكرتَه إلا قضيتَ لي على خَصْمي بما في كتابِ الله تعالى. فقال: ومن خَصْمُكَ؟ قال: أبو بكرٍ الذي منع %(1/265)%
__________
(1) قوله: ((وقول عمر)) في (ي): ((وقوله)). وفي (أ): ((وقوله عمر)).
(2) في (ز): ((قسم)).
(3) سقط من (أ)، وفي (ز): ((يقول)).
(4) جاء في رواية البخاري لهذا الحديث، من قول عمر – رضي الله عنه -: ((يريد رسولُ الله ? نفسه)) ب‘د أن ذكر قول النبي ?: ((لا نورث)).
قال الحافظ: وفي قول عمر: ((يريد نفسه)) إشارة إلى أن النون في قوله: ((نورث)) للمتكلم خاصة، لا للجمع.
وسيأتي الشارح في مناقشته للشيعة تقريره أن النبي ? مختص بهذه الخاصية؛ أنه لا يورث.
(5) قال الحافظ ابن كثير في "تحفة الطالب بمعرفة أحاديث ابن الحاجب" (ص213-214): ((هذا الحديث بهذا اللفظ لم أره في شيء من الكتب الستة؛ وإنما الذي في "الصحيحين" من حديث أبي بكر وعمر عائشة - رضي الله عنهم - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا نورث ما تركنا صدقة)).
وقد روى الترمذي في غير جامعه بإسناد على شرط مسلم عن عمر، عن أبي بكر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة)).
وقال الحافظ في "الفتح" (12/8): ((وأما ما اشتهر في كتب أهل الأصول وغيرهم بلفظ: ((نحن معاشر الأنبياء لا نورث))، فقد أنكره جماعة من الأئمة، وهو كذلك بالنسبة لخصوص لفظ: ((نحن))، لكن أخرجه النسائي من طريق ابن عيينة، عن أبي الزناد بلفظه: ((إنا معاشر الأنبياء لا نورث)) الحديث أخرجه عن محمد بن منصور عن ابن عيينة عنه، وهو كذلك في "مسند الحميدي" عن بن عيينة، وهو من أتقن أصحاب ابن عيينة فيه. وأورده الهيثم بن كليب في "مسنده: من حديث أبي بكر الصديق باللفظ المذكور، وأخرجه الطبراني في "الأوسط" بنحو اللفظ المذكور، وأخرجه الدارقطني في "العلل" من رواية أم هانئ عن فاطمة عليها السلام، عن أبي بكر الصديق بلفظ: ((إن الأنبياء لا يورثون)).
قال ابن بطال وغيره: ووجه ذلك والله أعلم أن الله بعثهم مبلغين رسالته وأمرهم ألا يأخذوا على ذلك أجرًا... فكانت الحكمة في ألا يورثوا لئلا؛ يظن أنهم جمعوا المال لوارثهم... وقد حكى ابن عبد البر أن للعلماء في ذلك قولين، وأن الأكثر على أن الأنبياء لا يورثون، وذكر أن ممن قال بذلك من الفقهاء إبراهيم بن إسماعيل بن علية، ونقله عن الحسن البصري عياضٌ في "شرح مسلم"... قلت: وعلى تقدير تسليم القول المذكور، فلا معارض من القرآن (يعني: نحو قوله تعالى على لسان زكريا: {يرثني ويرث من آل يعقوب}) لقول نبينا عليه الصلاة والسلام: ((لا نورث ما تركنا صدقة))؛ فيكون ذلك من خصائصه التي أكرم بها، بل قول عمر: ((يريد نفسه)) يؤيد اختصاصه بذلك)). اهـ.
(6) قوله: ((فقال لا: نورث بالياء ما تركنا)) في (ب): ((فقال لا ة رث ما تركنا)). وفي (م): ((فقالوا لا نورث ما)).
(7) قوله: (( على أن يجعل)) في (ي): ((يجعل)) غير منقوطة الباء.
(8) قوله: ((لما)) سقط من (أ) و(ز).
(9) في (ح) و(ي): ((تنصب)) وفي (.): ((ينصب)).
(10) في (ز): ((نتركه)).
(11) في (م): ((نورث)).
(12) في (ي): ((ذلك)).
(13) في (ح): ((تورث)).
(14) قال القاضي: وقد اعترض بهذا الهوس أبو عبد الله بن المعلم أحد أئمة الإمامية، على القاضي أبي علي بن شاذان، لما استدل عليه بهذا الحديث، وقال له: إنما نفى وراثة ما تركوه صدقة، وأما ما ترك على غير الصدقة فلا تمنع وراثته. واعتمد بهذه النكتة لعلمه بقصور أبي علي في العربية، فقال له أبو علي في جوابه: لا أعلم ما ((صدقةٌ)) من ((صدقة))، ولا أحتاج إليه في هذه المسألة؛ فإنه لا شك عندي وعندك أن فاطمة من أفصح العرب وأعلمهم بالفرق بين اللفظين، وكذلك العباس وهم ممن يستحقون الميراث وعلي كذلك رضي الله عنه، وقد طلبت ميراثها من النبي ? من أبي بكر، فجاوبها أبو بكر بهذا اللفظ بما فهمت منه أنه لا شيء لها، وكذلك علي وسائر الصحابة ولم يعترض أحد منهم بهذا العالمين بذلك، ولو كان اللفظ لا يقتضي المنع لما أورده أبو بكر ولا تعلق به، ولم يسلم له الآخرون أيضًا؛ فإن الرفع هو المروي، ومدعِي النصب مبطل. "الإكمال" (6/89- 90).
(15) ذكرها الخطابي في "معالم السنن" (4/210)؛ قال: وحدثني أبو عمر محمد بن عبد الواحد النحوي، أخبرنا أبو العباس أحمد بن يحيى، عن ابن الإعرابي وانظر "المعلم" (3/17)، "الإكمال" (6/79).
(16) قوله: ((عن)) سقط من (ح).
(17) في (ي): ((قام)).
(18) في (ب) و(م): ((فحمد)).
(19) كذا في النسخ، والذي عند الخطابي: ((فلما افتتح الكلمة وصار إلى الشهادة من الخطبة، قام رجل من آل بني طالب وفي عنقه مصحف...)) هو أنسب لما يأتي على لسان الرجل: ((أذكرك الله الذي ذكرته))، وقوله في آخر الحكاية: ((ثم أخذ في خطبته)) .(1/265)
فاطمةَ ((فَدَكَ)). فقال: هل كان بعدَه أحدٌ؟ قال: نعم. قال: ومن؟ قال: عمرُ. قال: فأقام (1) على ظلمِكم؟ قال: نعم. قال: فهل كان بعده أحدٌ؟ قال: نعم. قال: فمن (2) ؟ قال: عثمانُ. قال: فأقام على ظلمِكم؟ قال: نعم. قال: فهل كان بعدَه أحدٌ؟ قال: نعم. قال: فمن (3) ؟ قال: عليُّ بنُ أبي طالبٍ. قال: فأقام (4) على ظلمِكم؟ قال: فأُسكت (5) الرجلُ، وجعل يلتفتُ يمينًا وشمالاً (6) يطلبُ مخلِّصًا. فقال أبو العباسِ: والله الذي لا إله إلا هو، لولا أنه أولُ مقامٍ قمتُه، ولم أكنْ تقدمتُ إليك (7) ، لأخذتُ الذي فيه (8) عيناك، اجلسْ. ثم أخذ في خطبتِه. =(3/562)=@
وحاصلُ هذه الحكايةِ: أن الخلفاءَ - رضي الله عنهم - علموا وتحقَّقوا صحَّةَ قولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ((لا نُورثُ، ما تركنا (9) صدقةٌ))، وعملوا على ذلك إلى أن انقرضتْ أزمانُهم الكريمة ُبلا خلافٍ في ذلك.
فأما طلبُ فاطمة َ رضي الله عنها ميراثهَا من أبيها من أبي بكرٍ، فكان ذلك قبل أن تسمعَ الحديثَ الذي دلَّ على (10) خصوصيةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وكانت متمسِّكةً (11) بما في كتابِ اللهِ تعالى من ذلك، فلما أخبرها أبو بكرٍ بالحديثِ توقَّفتْ عن ذلك، ولم تعدْ عليه بطلبٍ (12) .
وأما منازعةُ عليٍّ والعباسِ فلم تكن (13) في أصلِ الميراثِ، ولا طلبَا أن يتملَّكا ما ترك النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من أموالِ بني النضيرِ (14) ؛ لأربعةِ أوجهٍ: &(3/444)&$
أحدُها: أنهما قد كانا (15) ترافعا إلى أبي بكرٍ – رضي الله عنه - (16) في ذلك، فمنعهما أبو بكرٍ مستدلاً بالحديثِ الذي تقدَّم، فلما سمعاه أذعنا، وسكتا وسلَّما (17) ، إلى أن توفيِّ أبو بكرٍ ووَلِيَ عمرُ - رضي الله عنهما - فجاءاه، فسألاه أن يوليَهُما على النظرِ فيها، والعملِ بأحكامِها، وأَخْذِها من وجوهِها، وصرفِها في مواضعهِا، فدفعَها إليهما على ذلك، وعلى ألا (18) ينفردَ أحدُهما عن الآخرِ بعملِ حتى يستشيرَه، %(1/266)%
__________
(1) في (ب): ((وأقام)).
(2) في (ح) و(ز) و(م): ((ومن)).
(3) في (ي): ((من)).
(4) في (ز): ((وأقام)).
(5) في (ح) و(ي): ((فأمسك)).
(6) قوله: ((يمينا وشمالاً)) من (ي) فقط.
(7) في "معالم السنن": ((ثم إني لم أكن تقدمت إليك في هذا قبل...)).
(8) في (ي): ((فيك)).
(9) في (ز): ((تركناه)).
(10) في (ح): ((عليه)).
(11) في (ح): ((مستمسكة)).
(12) في (م): ((تطلب)).
(13) في (م): ((يكن)).
(14) في (ب) و(م) و(ي): ((النظير)).
(15) قوله: ((قد كانا)) في (ز): ((كانا))، وفي (م)): ((قد كانوا)).
(16) قوله: ((إلى أبي)) في (أ) و(ب) , و(ز)، و(م) ((لأبي)).
(17) سقط من (ب) و(م).
(18) قوله: ((وعلى ألا)) في (ز): ((وألا)).(1/266)
ويكونَ معه فيه، فعملا كذلك إلى أن (1) شقَّ عليهما العملُ فيها مجتمعَيْنِ، فإنهما كانا بحيثُ لا يقدرُ أحدهُما أن يستقلَّ بأدنى عملٍ حتى يحضرَ الآخرُ، ويساعدَه، فلما شقَّ عليهما (2) ذلك، جاءا إلى (3) عمرَ - رضي الله عنهم - مرَّةً (4) ثانيةً - وهي هذه الكرة التي (5) ذُكرت هنا (6) يطلبانِ منه أن يقسمها بينهما، حتى يستقلَّ (7) كلُّ واحدٍ منهما بالنظرِ فيما يكونُ في يديه منها، فأبى عليهما (8) عمر ذلك، وخاف إن فعل ذلك أن يظن ظانٌّ (9) أن ذلك قسمة ميراث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيعتقد بطلان قوله: ((لا نُورَثُ ))، لا سيما لو قسمَها نصفينِ، فإنَّ ذلك كان يكون موافقًا لسنِة القَسْمِ في المواريثِ؛ فإن من ترك بنتًا، وعمًّا، كان المالُ بينهما نصفينِ (10) : للبنتِ النصفُ بالفرضِ، وللعمِّ النصفُ بالتعصيبِ. فمنع ذلك عمر =(3/563)=@ – رضي الله عنه - حَسْمًا للذريعةِ، وخوفًا من ذهابِ حكمِ قولِه: ((لَا نُورَثُ)). &(3/445)&$
والوجهُ الثاني: أن عليًّا – رضي الله عنه - لما وَلِيَ الخلافةَ لم يغيْرها عما عُمل عليهِ (11) فيها في عهدِ أبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ – رضي الله عنه -، ولم يتعرضْ لتملُّكِها، ولا لقسمةِ شيءٍ منها، بل كان يصرفهُا في الوجوهِ التي كان مَنْ قبلَهُ يُصرفهُا فيها، ثم كانت بيدِ حسنِ بنِ عليٍّ، ثم بيدِ (12) حسينِ بنِ عليٍّ، ثم بيدِ عليِّ بنِ الحسينِ (13) ، ثم بيدِ الحسنِ (14) بنِ الحسنِ، ثم بيدِ زيدِ بنِ الحسنِ، ثم بيد عبدِاللهَ بنِ الحسنِ، ثم تولاها بنو العباسِ على ما ذكره أبو بكر البَرْقانيُّ في"صحيحِه" (15) . وهؤلاء كبراءُ أهلِ البيتِ – رضي الله عنهم -، وهم مُعتمَدُ الشيعةِ وأئمتُهم، لم يُروَ عن واحدٍ منهم أنه تملَّكَها، ولا وَرِثَها، وَلَا وُرِثتْ عنه، فلو كان ما يقولُه (16) الشيعة حقًّا لأخذها عليٌّ، أو أحدٌ من أهلٍ (17) بيتهِ لما ظَفِروا بها، ولَمْ فلا.
والوجهُ الثالثُ (18) : اعترافُ عليٍّ والعبَّاسِ – رضي الله عنه - بصحةِ قولِه - صلى الله عليه وسلم - : ((لا نُورَثُ، ما تركنا صدقُةُ))، وبعلمِ (19) ذلك حين سألهَما عن علمِ (20) ذلك، ثم إنهما أذعنا وسلَّما ولم يُبْديا - ولا أحدٌ منهما (21) - في ذلك اعتراضًا، ولا مَدْفعًا، ولا يحلُّ لمن يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أن يقولَ: إنهما اتَّقيا (22) على أنفسِهما؛ لما يُعلمُ من صلابتِهما في الدينِ، وقوتِهما فيه، ولما يُعلمُ من عدلِ عمرَ، وأيضًا: فإن المحلَّ محلُّ مناظرةٍ، ومباحثةٍ عن حكمِ مالٍ (23) من الأموالِ، ليس فيه ما يُفضي (24) إلى شيءٍ مما يقولُه أهلُ الهَذَيانِ من الشيعةِ. ثم الذي يقطعُ دابرَ العنادِ ما ذكرناه من تمكن علي وأهل بيته من الميراث، ولم يأخذوه (25) ، كما قلناه.
والوجهُ (26) الرابعُ: نصُّ قولِ عمرَ – رضي الله عنه - لهما، وحكايتُه عنهما في آخر الحديثِ؛ حيثُ قال لهما: ((ثم (27) جئتَني أنتَ وهذا، وأنتما جميعٌ، %(1/267)%
__________
(1) قوله: ((إلى أن)) في (م): ((أن أن)).
(2) سقط من (ب) و(م).
(3) قوله: ((إلى)) سقط من (أ) و(ب).
(4) قوله: ((مرة)) سقط من (ب) و(ح).
(5) في (أ): ((الذي)).
(6) في (ح): ((ذكرناها)).
(7) في (ي): ((مستقل)).
(8) في (أ): ((عليهم)).
(9) في (أ) كتب فوق: ((ظان)) "صح"، وكتب في الحاشية: ((بعد طول الزمن))، وعليه "حـ".
(10) من قوله: ((فإن ذلك كان يكون ....)) إلى هنا، سقط من (ح).
(11) قوله: ((عليه)) من (أ) فقط.
(12) سقط من (ز).
(13) كذا في (ح)، وفي (ز): ((حسين))، وفي باقي النسخ: ((الحسين)). ووقع في "الإكمال" (الحسن بن الحسين). ثم ذكر القاضي ما جاء في البخاري (3809) من قوله في الحديث: ((ثم كان بيد علي بن حسين وحسين بن حسن كلاهما كانا يتداولانها)).
والذي في البخاري ((وحسن بن حسن)) وكذلك نقله في "المشارق" (2/404)، عن البرقاني والبخاري ((الحسن بن الحسين))وكذلك نقله الأبي عن القاضي في "شرحه" (5/76).
(14) في و(م) و(ي) و(ح): ((الحسن)).
(15) ذكره القاضي في "الإكمال" (6/80)؛ قال: قطع مسلم هذا الحديث عند قوله: ((فإن عجزتما عنها فرداها عليّ)) زاد البخاري: ((فأنا أكفيكماها)) فلم يكملا الحديث. وقد ذكر مسلم بعد هذا أيضًا زيادة: قال: فدفعها عمر إلى علي وعباس – رضي الله عنهم - فغلبه عليها علي أي على القيام بها. وقد خرجه بتمامه أبو بكر البرقاني في "صحيحه"؛ قال فغلب عليٌّ عليها العباسَ، فكانت بيدِ علي، ثم كانت بيد حسن بن علي...)) ثم ذكر نحو ما ذكره الشارح هنا. وينظر هنا أن أخذ علي لها كان في خلافة عمر، تولي على الخلافة. وانظر "التمهيد" (8/163)، و "مشارق الأنوار" (2/404).
(16) في (ز) و(م): ((تقوله)).
(17) قوله: ((أهل)) سقط من (ح).
(18) في (أ): ((الثاني)).
(19) في (م) و(ي) و(ح): ((ويُعلم)).
(20) في (ي): ((حكم)).
(21) في (أ): ((منها)).
(22) في (م) و(ي): (ابقيا)).
(23) في (ز): ((مالي)).
(24) في (ي): ((يقضي)).
(25) في (ح): ((يأخذون)).
(26) في (أ) و(ب) و(ح) و(ز) و(م): ((الوجه)) دون الواو.
(27) سقط من (ي).(1/267)
وأمرُكما واحدٌ، فقلتما (1) : ادفعْها =(3/564)=@ إلينا، فقلتُ: إن شئْتُم (2) دفعتها إليكما، على أنَّ عليكما عهدَ الله أن تعملا (3) &(3/446)&$ فيها بالذي كان يعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأخذتماها بذلك، قال: أكذلك؟ قالا: نعم)). وهذه نصوص منهم على صحة ما ذكرناه (4) .
وإنما طوَّلنا الكلامَ في هذا الموضعِ لاستشكالِ كثيرٍ من الناسِ لهذا الحديثِ، والآتي (5) بعده، ولخوضِ الشيعةِ في هذا الموضعِ (6) ، ولتَقَوُّلِهم فيه بالعظائمِ على الخلفاءِ، البرَرَة الحُنْفَاءِْ (7) .
وقولُ عمرَ – رضي الله عنه -: ((إن الله تعالى خصَّ رسوله (8) ? بخاصيةٍ (9) لم يخصِّصْ بها أحدًا غيرَه)). يعني (10) بذلك أن الله تعالى أحلَّ له الصَّفيّ وطيَّبَهُ له، ولم يحلَّ ذلك لأحدٍ من الأنبياءِ قبلَه؛ كما قال في الغنيمةِ: ((أُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبِلْي)) (11) .
وليس معنى ذلك أن عمرَ كان يعتقدُ أن الله خصَّ الرسولَ بهذا الفيءِ المعينِ فيصرفهُ حيثُ شاءَ؛ فتكون وجهُ الخصوصيةِ أنه لا يخمِّسُه ولا يَقسمُه بخلافِ غيرِه من الفيِء؛ فإنه يقسمُ عندَ الشافعيِّ على خمسةٍ، وعند الحنفيِّ على ثلاثةٍ، وعند مالكٍ يقسمُ على الاجتهادِ؛ لأنا نقولُ: ذلك فاسدٌ من وجهين:
أحدُهما: أن الآيةَ التي استدلَّ بها عمرُ على خصوصيةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك مصرِّحةٌ بالقَسْمِ؛ فإنه قال فيها: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} (12) . وحينئذٍ كانت تكونُ الآيةُ مصرِّحةً بنقيضِ مقصودِه (13) .
والوجهُ الثاني: أن عمرَ المصرِّحَ بالخصوصيةِ حَكَمَ فيِ كلِّ فَيْءٍ بالقسمةِ، ولما قرأ عمرُ هذه الآيةَ إلى قولِه: {والذين جاؤوا من بعدهم} قال: أرى هذه الآيةَ قدِ استوعبتَ الناسَ كلَّهم حتَّى الراعِيَ وهذا، ونصٌّ بعدمِ الخصوصيةِ في الآيةِ؛ فوجهُ الخصوصيةِ التي ذكر ما قلناه والله أعلم.
وقد ذكرنا في كتابِ الزكاةِ الفقيرَ والمسكينَ وابنَ السبيلِ، فأما ذوو القربى فهم قرابةُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - . واخُتلف فيمن همُ؛ فالجمهورُ على أنهم بنو هاشمٍ وبنو المطلبِ، وذهب بعضُ السلفِ إلى أنهم قريشٌ.
ثم هل يستحقَّه الفقراءُ منهم خاصةً دونَ الأغنياءِ، أم جميعُهم؟ ثم هل يقسمُ بينهم على السواءِ، أم على حكمِ قسمةِ المواريثِ. ومذهبُ الشافعيِّ أنه حقٌّ لهم؛ فيستوي فيه صغيرهُم وكبيرهُم، غنيُّهَم وفقيرهُم، لذكرِهم سهمان، وللأنثى سهمٌ. ومذهبُ عليٍّ قسْمتُه على ما يؤدِّي إليه اجتهادُ الإمامِ (14) . =(3/565)=@
وقولُ عمر – رضي الله عنه -: ((والله لا أقضي بينكما بغير ذلك))؛ أي (15) : لَا أَوْلِّي أحدَكما على جزءٍ منها، والآخرَ على جزءٍ آخرَ. وهذا هو الذي طلبا على ما قرَّرناه. %(1/268)%
__________
(1) في (ب): ((فقلتما)).
(2) في (ح) و(ي): ((شئتما)).
(3) في (ب) و(م): ((تفعلا)).
(4) في (ب) و(م): ((ذكرته))، وفي (ح) و(ز): ((ذكره)).
(5) في (ب) و(ز) و(م): ((وللآتي)) وفي (ي): ((واللآتي)).
(6) ((الموضع)) من (ي) فقط.
(7) وقد ذكر نحو الوجه الأول ابن عبد البر في "التمهيد" (8/167)، عن القاضي إسماعيل، وذكره أيضًا القاضي في "الإكمال" (6/79)؛ قال ابن عبد البر: قال إسماعيل بن إسحاق: الذي تنازعا فيه عند عمر ليس هو الميراث؛ لأنهم قد علموا أن رسول الله ? لا يورث، وإنما تنازعا في ولاية الصدقة وتصريفها)). وقاله الخطابي في "أعلام الحديث" (2/1440-1441). قال الحافظ: وفي "الفتح" (6/207): وفي ذلك إشكال شديد؛ وهو أن أصل القصة صريح في أن العباس وعليًّا قد علما بأنه ? قال: ((لا نورث)) فإن كانا سمعاه من النبي ? فكيف يطلبانه من أبي بكر؟! وإن كانا إنما سمعاه من أبي بكر أو في زمنه بحيث أفاد عندهما العلم بذلك، فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر؟! والذي يظهر – والله أعلم – حملُ الأمر في ذلك على ما تقدم في الحديث الذي قبله في حق فاطمة، وأن كلاً من عليٍّ وفاطمة والعباس اعتقد أن عموم قوله: ((لا نورث)) مخصوص ببعض ما يخلفه دون بعض؛ ولذلك نسب عمر إلى علي وعباس أنهما كانا يعتقدان ظلم من خالفهما في ذلك. وأما مخاصمة علي وعباس بعد ذلك ثانيًا عند عمر فقال إسماعيل القاضي، فيما رواه الدارقطني من طريقه: لم يكن في الميراث؛ إنما تنازعها في ولاية الصدقة وفي صرفها كيف تصرف. كذا قال، لكن في رواية النسائي وعمر بن شبة من طريق أبي البختري، ما يدل على أنهما أرادا أن يقسم بينهما على سبيل الميراث، ولفظة في آخره: ((ثم جئتماني الآن تختصمان يقول هذا: أريد نصيبي من ابن أخي، ويقول هذا: أريد نصيبي من امرأتي، والله لا أقضي بينكما إلا بذلك. أي: إلا بما تقدم من تسليمها لهما على سبيل الولاية. وكذا وقع عند النسائي من طريق عكرمة بن خالد عن مالك بن أوس نحوه، وفي السنن لأبي داود وغيره: أراد أن عمر يقسمها لينفرد كل منهما بنظر ما يتولاه، فامتنع عمر من ذلك وأراد ألا يقع عليها اسم قسم؛ ولذلك أقسم على ذلك. وعلى هذا اقتصر أكثر الشراح واستحسنوه، وفيه من النظر ما تقدم، وأعجب من ذلك جزمُ ابن الجوزي ثم الشيخ محيي الدين بأن عليًّا وعباسًا لم يطلبا من عمر إلا ذلك، مع أن السياق صريحٌ في أنهما جاءاه مرتين في طلب شيء واحد، لكن العذر لابن الجوزي والنووي أنهما شرحا اللفظ الوارد في مسلم دون اللفظ الوارد في البخاري. والله أعلم.
وانظر: "شرح النووي" (12/74)، و "الإكمال" (6/81).
(8) في (ز): ((رسول الله)).
(9) في (ب) و(م): ((خاصة))، وفي (أ): ((بخاصية)).
(10) من هنا باقي النسخ إلى قوله: ((اجتهاد الإمام)) قبل قوله: ((وقول عمر: والله لا أقضي)) من (أ) فقط، وجاء بدلاً منه في باقي النسخ: ((يعني بذلك: أن الله تعالى جعل النظير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة دون غيره ممن كان معه من ذلك الجيش، كما رواه ابن وهب عن مالك، ورواه أيضًا ابن القاسم عنه))، =(3/565)=@ ووقع في (ز): ((لرسول الله ? خاصة))، وفي (م): ((خاصة لرسوله)) وزاد في (ب): ((وحينئذ كانت تكون الآية مصرَّحة بنقيض مقصوده))، والزيادة ستأتي بعد قليل في (أ).
(11) تقدم في الصلاة، باب أول مسجد وضع في الأرض وهو في "التلخيص" من حديث جابر برقم (119)، ومن حديث أبي هريرة برقم (122).
وذكر القاضي أقوالًا في تفسير قول عمر هذا؛ قال: قيل: معناه تحليل المغانم له ولأمته، أو كونها له، أو تخصيصه بما أفاء الله عليه ملكًا كما قال بعضهم، أو تصريفًا وحكمًا كما عليه الجمهور على قول أكثرهم؛ قال الأبي: أي جعل حكم ذلك له يحكم فيه بما يراه. قال القاضي: وهذا الوجه أظهر لاستشهاد أبي بكر (كذا، والصواب: عمر) رضي الله عنه على هذا بالآية.
أي: قوله تعالى: {ما أفاء الله على رسوله...} الآية.
وسيرد الشراح اختيار القاضي هنا فيما يأتي من كلامه!
خصائص النبي، كان يصطفيه من رأس الغنيمة قبل قسمها، أو من رأس الخمس. وانظر: "التمهيد" (20/42- 45)، "الإكمال" (6/82)، و"شرح النووي" (12/75- 76)، و"شرح الأبي" (5/75).
(12) سورة الحشر؛ الآية: 7.
(13) كتب في حاشية (أ) ما نصه: ((أعني الذي دل عليه قوله تعالى: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى} فإنها الآية التي استدل بها عمر على الخصوصية التي افتتح بها كلامه.حاشية)).
(14) هنا نهاية ما انفردت به النسخة (أ).
(15) في (م): ((إني)).(1/268)
وقوله: ((فإن عجزتما عنها))؛ أي: عن القيامِ بها مجتمعَيْنِ، كما قررناه. وفي هذا الحديثِ أبوابٌ من الفقهِ لا تخفى على متأمِّلٍ فَطِنٍ. =(3/566)=@
ومن بابِ تَصدُّقِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بما وصل إليه من الفيءِ والخمِس
وسيأتي (1) العذرُ لفاطمةَ – رضي الله عنها - عن طلبِها ميراثَها من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بعدَ هذا.
وقولُه (2) : ((مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك)) كانت الأراضي التي تصدَّقَ بها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - تَصَيَّرتْ إليه بثلاثة طرقٍ: &(3/447)&$ %(1/269)%
__________
(1) في (أ): ((ويأتي)).
(2) في (أ): ((له)) بدل (( وقوله)).(1/269)
أحدُها: ما وصَّى له به عند (1) موته مُخَيْريقُ (2) اليهوديُّ لمَّا أسلم يومَ أحدٍ (3) ، وكانتْ سبعةَ حوائطَ في بني النضيرِ (4) . وما أعطاه الأنصارُ من أَرَضِيهم (5) .
والثاني (6) : حقُّه من الفيءِ من سائرِ أرضِ بني النضيرِ (7) ، حين أجلاهم (8) ، وكذلك (9) نصفُ أرضِ فَدَكَ (10) ، صالحَ أهلَها على النصفِ بعدَ حنيبرَ (11) ، وكذلك ثلثُ أرضِ وادي القُرى (12) ، صالح عليه (13) يهودَ، وكذلك حِصنان من حصونِ خيبرَ: الوَطِيحُ، والسُّلَالمُ (14) ، فتح أحدَهما صلحًا (15) ، وأجلى (16) أهلها.
والثالثُ: سهمُه من خُمسِ خيبرَ، وما افتتح (17) منه عَنْوةً، وهو حصنُ الكُتَيْبةِ (18) ، خرج كلُّه في خمسِ الغنيمةِ منها، واقتسم الناسُ سائرَها؛ حكاه أبو الفضل عياضٌ.
فهذه الأراضي التي وصلتْ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، كان يأخذُ منها حاجةَ عيالِه، ويصرفُ الباقي في مصالحِ المسلمين، وهي التي تصدَّق بها؛ حيث قال: ((مَا تَرَكْتُ =(3/567)=@ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي، وَمُؤْنَةِ (19) عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ)) (20) . فلما مات ? عَمِل فيه أبو بكرٍ - رضي الله عنه - كذلك، ثم عمرُ - رضي الله عنه - ثم عثمانُ - رضي الله عنه -، غير أنه يُروى: أن عثمانَ أَقْطع مروانَ فَدَكَ (21) ، وهو مما نُقِمَ (22) على عثمانَ. قال الخطابيُّ: ((لعل (23) عثمانَ تأوَّل قولَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ((إِذَا أَطْعَمَ اللهُ نَبِيًّا طُعْمَةً فَهِي لِلَّذِي يَقُومُ مِنْ (24) بَعْدِهِ)) (25) ، فلما استغنى عثمانُ عنها (26) بمالِه، جعلها لأقربائِه)) (27) .
قلتُ (28) : وأولى من هذا أن يقالَ: لعلَّ عثمانَ دفعها له على جهةِ المساقاةِ، وخَفِيَ وجهُ ذلك على الرَّاوي، فقال: ((أَقْطَعَ)). والله تعالى أعلمُ. &(3/448)&$ %(1/270)%
__________
(1) في (ز): ((بعد)).
(2) تقرأ في (ي): ((محيزنق)) دون نقط الياء، وفي (م): ((مخيرتق)).
(3) أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (1/501 و502) باب ذكر صدقات رسول لله - صلى الله عليه وسلم - من طريق الواقدي، بعدة ألفاظ وروايات مختلفة .
وأخرجه عمر بن شبة في "تاريخ المدينة" (173) من طريق أبي عون، عن الزهري، قال: كانت صدقات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أموالاً لمخيريق، فأوصى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وأخرجه الزبير بن بكار في "أخبار المدينة"، كما في "الإصابة" (6/57) عن محمد بن الحسن بن زباله - وهو ضعيف - عن غير واحد، فذكر نحوه في قصة .
وانظر خبر مخيريق في "الإصابة" (9/151 -152)، و"فتح الباري" (5/402) و(6/203)، و"السيرة النبوية" (3/51) و(4/37 و38)، و"تاريخ الطبري" (2/73)، و"تركة النبي - صلى الله عليه وسلم - " لحماد بن إسحاق (1/78).
(4) كذا في (أ)، وفي سائر النسخ: ((النظير)).
(5) في (م): ((أرضهم)).
(6) في (ب) و(م): ((والباقي)).
(7) كذا في (أ)، وفي سائر النسخ: ((النظير)).
(8) أخرجه البخاري (2904 و3094)، ومسلم (1757).
(9) سقط من (ي).
(10) أخرجه البخاري (2328 و2329 و3152)، ومسلم (1551).
(11) في (أ) و(ح) و(ز) و(ي): ((حنين)). وكتب هامش (ز): ((خيبر)) ولم تظهر علامة التصحيح.
(12) الموضع السابق من "تاريخ المدينة" و"الطبقات".
(13) في (م): ((عليها)).
(14) في (ب) و(ح): ((الوضيح والسلالم)) قال في "النهاية": ((الوطيح هو بفتح الواو وكسر الطاء، وبالحاء المهملة؛ حصن من حصون خيبر)). وقال في ((السلالم)): هي بضم السين وقيل: بفتحها. وقال النووي: هو بضم السين وتخفيف اللام. "النهاية" (2/396)، (5/202)، "تهذيب الأسماء واللغات" (3/151- 152)، وانظر "معجم ما استعجم" (3/745)، (4/1380)، و "معجم البلدان" (2/409)، (3/233)، (5/379).
(15) قوله: ((فتح صلحًا)) من (أ) فقط. وفي سائر النسخ: ((أحدهما صلح)).
(16) في (ح): ((فأجلي))، وفي (ب) و(م): ((وأخلي)).
(17) في (ح): ((افتح)).
(18) ضبطها ابن الأثير بضم الكاف مصغرًا، وقال البكري: بفتح أوله وكسر ثانيه، على لفظ واحدة الكتائب من الجيش. وانظر: "معجم ما استعجم" (2/521)، (4/1115)، "معجم البلدان" (2/409)، (4/437)، "النهاية" (4/149).
(19) قوله: ((نسائي ومؤنة)) سقط من (ح) و(ي).
(20) سيأتي في الوصايا والفرائض، باب قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا نورث)).
(21) أخرجه أبو داود (3/378-379 رقم2972) في الخراج والإمارة والفيء، باب في صفايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عن عبدالله بن الجراح، عن جرير، عن المغيرة، قال: جمع عمر بن عبد العزيز بني مروان حين استخلف، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت له فدك، فكان ينفق منها، ويعود منها على صغير بني هاشم، ويزوج منها أيمهم، وإن فاطمة سألته أن يجعلها لها فأبى، فكانت كذلك في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى مضى لسبيله، فلما أن ولي أبو بكر - رضي الله عنه - عمل فيها بما عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته حتى مضى لسبيله، فلما أن ولي عمر عمل فيها بمثل ما عملا حتى مضى لسبيله، ثم أُقطعها مروانُ، ثم صارت لعمر بن عبدالعزيز، قال عمر - يعني ابن عبد العزيز -: فرأيت أمرًا منعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطمة عليها السلام ليس لي بحق، وأنا أشهدكم أني قد رددتها على ما كانت، يعني: على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
عبدالله بن الجراح: وثقه النسائي، وقال أبو زرعة: ((صدوق)) وقال أبو حاتم: كان كثير الخطأ ومحله الصدق)). وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: ((مستقيم الحديث، وكان من أهل جنابذ)). وقال الحاكم أبو عبدالله: ((محدث كبير سكن نيسابور، وبها انتشر علمه، وقد كتب عنه في طريق الحجاز)). وفي "التقريب" (ص496 رقم3265): ((صدوق يخطئ. والأقرب أنه: صدوق)).
والمغيرة: هو ابن مقسم الضبي، ثقة متقن إلا إنه كان يدلس، ولا سيما عن إبراهيم. كما في "التقريب" (ص966رقم6899). ولم أجد من نص على سماعه من عمر بن عبدالعزيز، والمغيرة بن مقسم كوفي، وعمر مدني .
(22) في (م): ((يقم)).
(23) في (م): ((لعلى)).
(24) سقط من (م).
(25) أخرجه أحمد (1/4)، وعمر بن شبة في"تاريخ المدينة" (1/198)، وأبو داود (3/379 رقم2973) في الخراج والإمارة والفيء، باب في صفايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأموال، والبزار (1/124 رقم54)، والمروزي في "مسند أبي بكر الصديق" (ص.. رقم78)، وأبو يعلى (1/40 رقم37)، والبيهقي (6/303)؛ جميعهم من طريق الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل قال: لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسلت فاطمة إلى أبي بكر: أنت ورثت رسول الله أم أهله؟ قال فقال: لا، بل أهله. قالت: فأين سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: فقال أبو بكر: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن الله عز وجل إذا أطعم نبيّا طعمة ثم قبضه، جعله للذي يقوم من بعده))، فرأيت أن أرده على المسلمين، فقالت: فأنت وما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال البزار: ((وهذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه بهذا اللفظ إلا أبو بكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا نعلم له طريقًا عن أبي بكر إلا هذا الطريق. وأبو الطفيل قد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث. والوليد بن جميع رجل من أهل الكوفة قد حدث عنه جماعة واحتملوا حديثه)).اهـ. "تهذيب الكمال" ج: 27 ص: 571.
والوليد بن جميع: وثقه ابن معين، والعجلي، وابن سعد. وقال أحمد وأبو داود: ليس به بأس. وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال العقيلي: في حديثه اضطراب. وقال الحاكم: لو لم يخرج له مسلم لكان أولى. وذكره ابن حبان في الثقات، ثم عاد وذكره في المجروحين، وقال: كان ممن ينفرد عن الأثبات بما لا يشبه حديث الثقات، فلما فحش ذلك منه، بطل الاحتجاج به. "تهذيب الكمال مع حاشيته" (31/36-37).
وفي "التقريب" (ص1039 رقم7482): ((صدوق يهم، ورُمي بالتشيع)).
وقال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (5/289): ((ففي لفظ هذا الحديث غرابة ونكارة، ولعله روي بمعنى ما فهمه بعض الرواة، وفيهم من فيه تشيع، فليعلم ذلك، وأحسن ما فيه قولها: أنت وما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ...))إلخ.اهـ.
ومثله قول الحافظ في "الفتح" (6/202): ((ثم مع ذلك ففيه لفظة منكرة، وهي قول أبي بكر: بل أهله، فإنه معارض للحديث الصحيح: إن النبي لا يورث)).اهـ.
والحديث صححه أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" (1/160 رقم14)، وحسنه الألباني في "الإرواء" (5/76-77 رقم1241)، وساق له شاهدًا من حديث سعد بن تميم: أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(4/46)، والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (1/279)، والطبراني في "الكبير" (6/45 رقم5461)، وتمام في "الفوائد" (3/113 و114 رقم916 و917 و918/كما في الروض البسام)، والسهمي في " تاريخ جرجان" (ص 493)، وأبو نعيم في "الحلية" (5/233) من طريق الطبراني، وغيره. جميعهم من طريق سليمان بن عبدالرحمن، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا عبدالله بن العلاء بن زبر وغيره: أنهما سمعا بلال بن سعد يحدث عن أبيه سعد، قال: قيل يا رسول الله! ما للخليفة من بعدك؟ قال: ((مثل الذي لي إذا عدل في الحكم، وقسط في القسط، ورحم ذا الرحم فمن فعل غير ذلك فليس مني ولست منه)).
قال الألباني في "الإرواء" (5/77 رقم1241): ((وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات)).
(26) قوله: ((عثمان عنها)) في (ب) و(م): ((عنها عثمان)).
(27) "معالم السنن" 04/218). وعبارة: وكأن تأويله (يعني: عثمان) في ذلك والله أعلم. ما بلغه عن رسول الله ? أنه قال:... إلخ.
(28) في (ز): ((قال الشيخ))، وفي (ب) و(م): ((قال الشيخ رحمه الله)).(1/270)
وقولُه: ((إنما (1) يأكلُ آلُ محمدٍ في (2) هذا المال))؛ يعني هنا بـ((آل محمد)): نساءه؛ كما قال في الحديثِ الآخرِ (3) : ((ما تركتُ بعدَ نفقةِ نسائِي)).
وقوله: ((فأبى أبو بكرِ أن يدفعَ إلى فاطمةَ (4) شيئًا، فوجدتْ فاطمةُ على أبي بكرٍ في ذلك، فهجرَتْه، فلم تكلِّمْه))؛ لا (5) يُظنُّ بفاطمةَ - رضي الله عنها - أنها اتَّهمتْ أبا بكرٍ – رضي الله عنه - فيما ذكره عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، لكنها (6) عَظُمَ عليها تركُ العملِ بالقاعدةِ الكليةِ المقرَّرةِ في الميراثِ، المنصوصةِ في القرآنِ (7) ، وجَوَّزتِ السهوَ والغلطَ على أبي بكر، ثم إنها لم تلتقِ بأبي بكرٍ لشغلِها بمصيبِتها برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، =(3/568)=@ ولملازمتِها (8) بيتَها، فعبَّر الراوي عن ذلك بالهِجْرانِ، وإلا فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ((لَا يَحِلُّ لمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ)) (9) ، وهي أعلمُ الناسِ بما يَحلُّ من ذلك ويَحرمُ، وأبعدُ الناسِ عن مخالفةِ (10) رسولِ اللهِ (11) - صلى الله عليه وسلم - ، كيف لا تكون (12) كذلك وهي بضعةٌ من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - (13) ، وسيدةُ نساءِ أهلِ الجنةِ (14) ؟ &(3/448)&$
ودَفْنُ عليٍّ لفاطمةَ – رضي الله عنها - ليلاً، يُحتملُ أن يكونَ ذلك مبالغةً في صيانِتها، وكونُه لم يُؤْذِنْ أبا بكرٍ – رضي الله عنهما - بها؛ لعلَّه إنما لم يفعلْ ذلك لأنَّ غيرَه قد كفاه ذلك، أو خاف أن يَكونَ ذلك من بابِ النَّعْيِ المنهيِّ عنه، وليس في الخبرِ ما يدلُّ على أن أبا بكرٍ لم يعلمْ بموتِها، ولا صلَّى عليها، ولا شاهد جنازتَها (15) ، بل اللائقُ بهم، المناسبُ لأحوالِهم: حضورُ (16) جنازتِها، واغتنامُ بركتهِا، ولا تَسمعْ (17) أكاذيبَ الرَّافضةِ المبُطْلِين، الضالين المُضِلِّين. %(1/271)%
__________
(1) قوله: ((إنما)) سقط من (ح).
(2) سقط من (ز).
(3) قوله: ((الحديث الآخر)) في (ب) و(م): ((الرواية الأخرى)).
(4) قوله: ((إلى فاطمة)) في (ح) و(ي): ((لفاطمة)).
(5) في (ب): ((ولا)).
(6) في (ز): ((لكنه)).
(7) في (ح): ((بالقرآن)).
(8) في (ز): ((وبملازمتها)).
(9) سيأتي في البر والصلة، باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة .
(10) في (أ): ((مخالة)).
(11) قال القاضي عياض: ((وما ذكر من هجران فاطمة أبا بكر - رضي الله عنهما – إنما معناه انقباضها عن لقائه ومواصلته، وليس مثل هذا من الهجران المحرم من ترك السلام والإعراض. وقوله هنا: ((فلم تكلمه))؛ أي: في هذا الأمر أو في غيره؛ لانقباضها عنه فلم تطلب منه حاجة ولا اضطرت إلى كلامه، ولم يأت في خبر أنهما التقيا فلم تسلم عليه ولا كلمته)).
وقال الحافظ: ((روى البيهقي من طريق الشعبي أن أبا بكر عاد فاطمة فقال لها علي: هذا أبو بكر يستأذن عليك قالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم. فأذنت له فدخل عليها فترضاها حتى رضيت. وهو وإن كان مرسلا فإسناده إلى الشعبي صحيح؛ وبه يزول الإشكال في جواز تمادي فاطمة عليها السلام على هجر أبي بكر. وقد قال بعض الأئمة... (ثم ذكر الحافظ نحو كلام القاضي ثم قال:) وكأن فاطمة عليها السلام لما خرجت غضبى من عند أبي بكر تمادت في اشتغالها بحزنها ثم بمرضها. وأما سبب غضبها مع احتجاج أبي بكر بالحديث المذكور فلاعتقادها تأويل الحديث على خلاف ما تمسك به أبو بكر؛ وكأنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله: ((لا نورث)) ورأت أن منافع ما خلَّفه من أرض وعقار لا يمتنع أن تورث عنه، وتمسك أبو بكر بالعموم، واختلفا في أمر محتمل للتأويل، فلما صمم على ذلك انقطعت عن الاجتماع به لذلك، فإن ثبت حدث العشبي أزال الإشكال، وأَخْلِقْ بالأمر أن يكون كذلك؛ لما علم من وفور عقلها ودينها عليها السلام)). "الإكمال" (6/81)، و "شرح النووي" (12/73)، و "الفتح" (6/202)، و "شرح الأبي" (5/77).
(12) في (أ) و(م): ((يكون)) ولم تنقط في (ح).
(13) من قوله: ((كيف لا تكون...)) إلى هنا سقط من (ي) وسيأتي حديث كونها بضعة من رسول الله ? في النبوات، باب فضائل فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - .
(14) أخرجه ابن أبي شيبة (6/391 رقم32260) في الفضائل، باب ما ذكر في فضائل فاطمة، وعنه ابن حبان (15/402 رقم6952/الإحسان)، والطبراني في "الكبير" (22/419-420 رقم1034). وأخرجه النسائي في "الكبرى" (5/95 رقم8366)، والطبراني في "الكبير" في الموضع السابق، وابن شاهين في فضائل فاطمة (ص20 و20-21 رقم4 و5) كما في "مجموع فيه من مصنفات ابن شاهين، ت البدر".
جميعهم من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: قلت لفاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : رأيتك أكببت على النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه فبكيتِ، ثم أكببت عليه الثانية فضحكت، قالت: أكببت عليه الثانية فأخبرني أنه ميت فبكيت، ثم أكببت عليه فأخبرني أني أول لحوقًا به، وأني سيدة نساء أهل الجنة، إلا مريم بنت عمران فضحكت. وسنده حسن .
وأخرجه الحاكم (3/185-186) من طريق إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب، عن عروة قال: قالت عائشة ...، فذكره بمعناه.
سكت عنه الحاكم، وصححه الذهبي على شرط الشيخين .وقال الألباني في "الصحيحة" (4/14): ((وهو كما قال)). وله شاهد من حديث ابن عباس، وحذيفة .
أما حديث ابن عباس: فأخرجه أحمد (1/293 و316 و322)، وعبد بن حميد (ص205 رقم597)، والنسائي في "الكبرى" (5/93 و94-95 رقم8655 و8657 و8364)، وأبو يعلى (5/110 رقم2722)، والطحاوي في"شرح معاني الآثار" (1/140-141 رقم148)، وابن حبان (15/470 رقم7010/ الإحسان)، والطبراني في "الكبير" (11/226 رقم11928)، و(22/407 رقم1019) و(23/7 رقم1)، والحاكم (3/160 و185) من طريق أحمد وغيره. جميعهم من طريق داود بن أبي فرات، عن علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأرض خطوطًا أربعة، قال: ((أتدرون ما هذا؟ )) قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون)). وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وصحح إسناده الحافظ في "الفتح" (7/135). وقال الألباني في "الصحيحة" (4/3 رقم1508): ((ورجاله ثقات رجال البخاري غير علباء بن أحمر، فهو من رجال مسلم)).
وله طريق أخرى: أخرجه الطبراني في "الكبير" (11/328 رقم12179)، وفي "الأوسط" (2/23-24 رقم1107) عن جعفر بن محمد الفريابي، عن أبي جعفر النفيلي، عن عبدالعزيز بن محمد الدراوردي، عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس، فذكره بمعناه .
قال الألباني في "الصحيحة" (3/410 رقم1424): ((وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم)).
وأما حديث حذيفة: فأخرجه ابن أبي شيبة (6/391 رقم32261) في الفضائل، باب ما ذكر في فضل فاطمة، وأحمد (5/391)، والترمذي (5/619 رقم3781) في المناقب، باب مناقب الحسن والحسين، والنسائي في "الكبرى" (5/95 رقم8365)، والحاكم (3/151). جميعهم من طريق إسرائيل، عن ميسرة بن حبيب النهدي، عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش، عن حذيفة قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج فاتبعته، فقال: ((ملك عرض لي استأذن ربه أن يسلم علي، ويخبرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة)).
قال الحاكم: ((صحيح الإسناد))، ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: ((هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل)).
وقد توبع ميسرة بن حبيب على روايته: فأخرجخ الحاكم (3/151) من طريق أبي مري الأنصاري، عن المنهال، عن عمرو، بهذا الإسناد. وقال: ((صحيح الإسناد))، ووافقه الذهبي .
وفي الباب: عن أبي سعيد الخدري: أخرجه الحاكم (3/154).
(15) ذكر هذه العبارة الحافظ في "الفتح" (7/494) غير منسوبة!.
(16) في (ح): ((حظور)).
(17) في (ب): ((تستمع))، وفي (ي): ((نسمع)).(1/271)
وقولُه: ((وكان لعليٍّ من الناس جهةٌ حياةَ فاطمةَ))؛ ((جهةُ)) (1) ؛ أي: جاهٌ واحترامٌ؛ كان الناسُ يحترمون عليًّا في حياتِها كرامةً لها؛ لأنها بضعةٌ من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو مباشرٌ لها، فلما ماتتْ وهو لم يبايعْ أبا بكرٍ، انصرف الناسُ عن ذلك الاحترامِ؛ ليدخلَ فيما دخل فيه (2) الناسُ، ولا يُفِّرقَ جماعتَهم؛ ألا ترى أنه لما بايع أبا بكرٍ – رضي الله عنه - أقبل الناسُ عليه بكلِّ إكرامٍ وإعظامٍ (3) ؟!
وقولُه: ((لم (4) يكنْ علي – رضي الله عنه - بايعَ تلكَ الأشهرَ))؛ يعني: الستةَ الأشهرَ التي عاشتْها =(3/569)=@ فاطمةُ بعدَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يُظنُّ بعليٍّ – رضي الله عنه - أنه خالف الناسَ في البيعةِ، لكنه تأخَّرَ عن الناسِ لمانعٍ منعه، وهو (5) الموَجْدَةُ التي وجدها حيثُ (6) استُبِدَّ بمثلِ هذا (7) الأمرِ العظيمِ، ولم يُنتظرْ، مع أنه كان (8) أحقَّ الناسِ بحضورهِ ومشورتهِ (9) ، لكن العذرَ للمبايعين لأبي بكرٍ على ذلك (10) الاستعجالِ مخافةُ ثَورَانِ (11) الفتنةِ (12) بين المهاجرين والأنصارِ؛ كما هو معروفٌ في حديثِ السقيفةِ (13) ، فسابقوا الفتنةَ؛ فلم يَتَأَتَّ لهم &(3/450)&$ انتظارهُ لذلك (14) . وقد جرى بينهما في هذا المجلسِ من المحاورةِ =(3/570)=@ والمكالمةِ، والإنصافِ، ما يدلُّ على %(1/272)%
__________
(1) قوله: ((جهة)) سقط من (ب).
(2) سقط من (ز).
(3) قال الحافظ: ولذلك قالت عائشة في آخر الحديث لما جاء وبايع: فكان المسلمون إلى علي قريبًا؛ حين راجع الأمر بالمعروف. وكأنهم كانوا يعذرونه في التخلف عن أبي بكر في مدة حياة فاطمة لشغله بها وتمريضها وتسليتها عما هي فيه من الحزن على أبيها ?، ولأنها لما غضبت من رد أبي بكر عليها سألته عن الميراث رأى علي أن يوافقها في الانقطاع عنه)). "الفتح" (7/494). وانظر ما يأتي من كلام الشارح.
(4) في (أ): ((فلم))، وفي (ب) و(م).
(5) في (م): ((وهي)).
(6) في (ح) و(ي): ((حين)).
(7) في (ب) و(م): ((استند بهذا)).
(8) سقط من (ز).
(9) في (ح) و(ز) و(ي): ((وبمشورته)).
(10) قوله: ((ذلك)) سقط من (ح) و(ي). وفي (م): ((تلك)).
(11) في (ي): ((توارت)).
(12) في (أ): ((فتنة)).
(13) أخرجه البخاري (7/19-20 رقم3666) في فضائل الصحابة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((لو كنت متخذًا خليلاً)). و(12/144-145 رقم6830) في الحدود، باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت .
(14) قال المازري: أما تأخر علي عن البيعة فقد ذكر عذره عنه في "كتاب مسلم" واعتذر الصديق عنه. ويكتفي في بيعة الإمام بآحاد من أهل الحل والعقد، ولا يفتقر إلى بيعة كل الأمة، ولا يلزم كل الأمة أن يأتوا إليه يصنعون أيديهم بيده، وإنما يلزم إذا عقد أهل الحل والعقد انقيادُ البقية، وألا يظهروا خلافًا ولا يشقوا العصا وهكذا كان علي – رضي الله عنه – ما أظهر على أبي بكر خلافًا ولا شق عصاه، لكنه تأخر عن الحضور عنده في هذا الأمر العظيم مع عظيم قدره هو في نفسه لموجدة في نفسه ذكرها في هذا الكتاب... إلخ. "المعلم" (3/18)، وانظر "الإكمال" (6/84)، "شرح النووي" (12/77)، و"الفتح" (7/494).(1/272)
معرفةِ بعضِهم بفضلِ (1) بعضِ، وأن قلوبَهم متفقةٌ على احترامِ بعضهم لبعضٍ، ومحبةِ بعضِهم (2) لبعضٍ، ما يَشْرَقُ به الرافضيُّ اللعينُْ، وتُشْرِقُ (3) قلوبُ أَهلِ الدِّينِْ.
والنفاسةُ هنا: الحَسَدُ (4) . و((أَزيغُ)): أميلُ عن الحقِّ.
وقولُه: ((فغلبه (5) عليها عليٌّ))؛ يعني: على الولايةِ عليها والقيامِ بها. وكأَن العباسَ رأى عليًّا – رضي الله عنه - أقوى عليها، وأَضْلَعُ بها (6) ، فلم يَعرضْ له بسببِها، فعبَّر الراوي عن هذا بالغلبةِ (7) ، وفيه بُعْدٌ.
و((تَعْروه)): تنزلُ به.
وقوله: ((قال: فهما على ذلك إلى اليوم))؛ يعني: إلى يومِ حدَّثَ الراوي بهذا الحديثِ، وقد ذكرنا زيادةَ البَرْقانِّي في هذا المعنى (8) .
وفي هذا الحديثِ أبوابٌ من الفقهِ لا تخفى. =(3/571)=@ &(3/451)&$ %(1/273)%
__________
(1) في (ح) و(ي): ((لفضل)).
(2) في (ي): ((بعض)).
(3) في (ي): ((ويشرق)).
(4) يقال: نَفِس لعيه الشيءَ يَنفَسُه نفاسة: رآه غير أهل له. وانظر: "غريب الخطابي" (2/31)، و "مشارق الأنوار" (2/21)، و "شرح النووي" (12/79)، و"النهاية" (5/94- 95).
(5) في (ح): ((فعليه)).
(6) سقط من (ز).
(7) في (ي): ((لغلبه)).
(8) في الباب السابق.(1/273)
ومن بابِ ((الإمامُ مُخيَّرٌ في الأُسارى (1) ))
((بدر)): اسمُ بئرٍ لرجلٍ يقال له: بدرٌ، فسُمِّي البئرُ به؛ قاله الشافعيُّ (2) .
وقولُه: ((وهم ألفٌ، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة (3) عشر)) هذه روايةٌ شاذّةٌ، والمشهورُ بين أهلِ التواريخِ: أن جميعَ مَنْ شَهِد بدرًا مع من ضَرب له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بسهمهِ وأجرِه، في عددِ ابن إسحاقَ: ثلاثمُائةٍ وأربعةَ عشرَ (4) . وفي عددِ موسى بنِ عقبةَ: ثلاثمُائةٍ وستةَ عشرَ.
وقولُه: ((فجعل يَهتِفُ بربه))؛ أي: يرفعُ صوتَه؛ يقال: هَتَفَ يَهْتِفَ: إذا رفع صوتَه بدعاءٍ أو غيرِه.
وقوله: ((اللهم أنجز لِي ما وعدتني))؛ أي: عجِّلْ لي (5) ما وعدتَني به (6) من النصرِ، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يُبيَّنْ (7) له وقتُ نصرِه، فطلبَ تعجيلَه.
وقوله: ((اللهم إن تَهْلِكْ هذه العصابةُ من أهل الإسلام لا تعبدْ في الأرض))؛ العصابةُ: الجماعةُ من الناسِ، واعصَوْصَب (8) القومُ: صاروا عِصابةً (9) ، =(3/572)=@ وعَصَبَ القومُ بفلانٍ؛ أي: أحاطوا به، وبه (10) سُميتْ قَرابةُ الرَّجلِ: عَصَبةً (11) .
وقد &(3/452)&$ أَشكل هذا الحديثُ على طوائفَ من العلماءِ. ووجهُ الإشكالِ: أنه - صلى الله عليه وسلم - %(1/274)%
__________
(1) في (م): ((الأسرى)).
(2) قوله: ((قاله الشافعي)) كذا في النسخ، وقد روي ذلك عن الشعبي؛ أنه قال: كانت ((بدر)) بئرًا لرجل يقال له: ((بدر))؛ فسميت به؛ أخرجه ابن جرير في "تفسيره" (7/170- 171)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/750)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (7/353 رقم36646)، وعبد بن حميد، وابن المنذر.
وقيل: سمت باسم بدر بن قريش بن الحارث بن يخلد (أو: مخلد) بن النضر بن كنانة؛ لأنه احتفرها كما سميت قريش باسم أبيه؛ لأنه كان دليل تجارتها. وقيل: بدر رج من بني ضمرة سكن هذا الموضع فنسب إليه ثم غلب اسمه عليه.
قال الواقدي فذكرت ذلك (يعني: قول الشعبي) لعبد الله بن جعفر ومحمد بن صالح، فأنكراه: وقالا: لأي شيء سميت ((الصفراء)) ولأي شيء سمي (موضعان)؟! إنما هو اسم لموضع. قال: وذكرت ذلك ليحيى بن النعمان الغفاري فقال: سمعت شيوخنا من غفار يقولون: هو ماؤنا ومنزلنا وما ملكه أحد قط يقال له بدر، وما هو من بلاد جهينة إنما هو من بلاد غفار. قال الواقدي: هو المعروف عندنا.
وانظر: "الصحاح" (2/587)، و "معجم ما استعجم" (1/231)، و"معجم البلدان" (1/357 – 358)، و "القاموس" (2/؟؟؟)، و "مشارق الأنوار" (1/117)، و "المصباح" (ص25)، و "فتح الباري" (7/285)، و "عمدة القاري" (1/154)، و "لسان العرب" (4/50)، و "تاج العروس" (6/64). [يراجع هل ذكره الشافعي، ويوثق عبد بن حميد وابن المنذر].
(3) في (ب) و(ح) و(ي): ((وسبعة)). وكذلك في "التلخيص" وهو خطأ .
(4) قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (7/291-292): ((وقد سبق في الباب قبله أن في حديث عمر عند مسلم؛ أنها تسعة عشر، لكن أخرجه أبو عوانة وابن حبان بإسناد مسلم بلفظ: بضعة عشر، وللبزار من حديث أبي موسى: ((ثلاثمائة وسبعة عشر))، ولأحمد والبزار والطبراني من حديث ابن عباس: (((كان أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر)) وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي من رواية عبيدة بن عمرو السلماني أحد كبار التابعين، ومنهم من وصله بذكر علي، وهذا هو المشهور عند ابن إسحاق وجماعة من أهل المغازي، ويقال عن ابن إسحاق: ((وأربعة عشر))، وروى سعيد بن منصور من مرسل أبي اليمان عامر الهوزني ووصله الطبراني والبيهقي من وجه آخر عن أبي أيوب الأنصاري قال: ((خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر، فقال لأصحابه: تعادُّوا، فوجدهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً، ثم قال لهم: تعادُّوا، فتعادُّوا مرتين، فأقبل رجل على بكر له ضعيف وهم يتعادُّون فتمت العدة ثلاثمائة وخمسة عشر)). وروى البيهقي أيضًا بإسناد حسن عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر ومعه ثلاثمائة وخمسة عشر، وهذه الرواية لا تنافي التي قبلها لاحتمال أن تكون الأولى لم يعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الرجل الذي أتى آخرًا. وأما الرواية التي فيها: ((وتسعة عشر)) فيحتمل أنه ضم إليهم من استصغر ولم يؤذن له في القتال يومئذ؛ كالبراء وابن عمر. وكذلك أنس فقد روى أحمد بسند صحيح عنه أنه سُئل: هل شهدت بدرًا؟ فقال: وأين أغيب عن بدر)).اهـ.
(5) سقط من (ي). **راجع ص101 هامش رقم (8)***
(6) سقط من (ز).
(7) في (ح) و(ي): ((يبن)).
(8) في (م): ((واعصوصبت)).
(9) في (أ) و(ح) و "الصحاح" (1/183): ((عصائب)) والمثبت من سائر النسخ، و "العين" (1/310).
(10) في (أ) و(ب) و(ز) و(م): ((ومنه)).
(11) في (أ) و(ح): ((عصابة)).(1/274)
أشار إلى أصحابهِ من أهلِ بدرٍ، مع أنه قد كان (1) انتشرَ الإسلامُ بمكةَ والمدينةِ، وكَثُرَ أهلُه في مواضع كثيرةٍ، بحيثُ يكونُ أهل بدرٍ (2) بالنسبةِ إليهم قليلاً، وعلى تقديرِ (3) هلاكِ هؤلاءِ المشار إليهم، فيبقى مَنْ كان من بالمدينةِ من المسلمين ومكة (4) وغيرهما من المواضع التي أسلم أهلها. ولو لم يكن في الوجود مسلم غير أهل بدر تقديرًا، ففي الإمكانِ إيجادُ قومٍ آخرين يَعبدون اللهَ تعالى، والقدرةُ صالحةٌ (5) لذلك؛ كما قال الله تعالى (6) : {وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} (7) . وإذا كانت قدرةُ الله تعالى صالحةً لهذا، فمن أين يَجْزِمُ بذلك؟ ومن أين يَلْزَمُ من هلاكِ هؤلاءِ عدمُ عبادةِ الله تعالى في الأرضِ؟
وقد رَسَخَ هذا الإشكالُ عند (8) بعض المتشدِّقين وقال: إنها بادرةٌ (9) بَدَرَتْ من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقدَّر معاتبةً من الله تعالى له (10) على ذلك، في كلامٍ تَفَاصحَ (11) فيه، فَعُدَّ (12) ذلك من زلاَّتِ هذا القائلِ؛ إذ قد جهل من حالِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ما نَزَّهَهُ الله عنه بقولِه تعالى: {وما ينطق عن الهوى} (13) ، وقد قال حين قال له (14) عبدُالله بنُ عمرٍو (15) : أنكتبُ عنكَ في السُّخْطِ والرِّضا (16) ؟ قال: ((نَعَمْ، لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَقُولَ إِلاَّ حَقًّا)) (17) .
وقد انفصل أهلُ التحقيقِ عن ذلك بأوجهٍ:
أحدُها: أنه يحتملُ أن يكونَ قال ذلك عن وحيٍ (18) أُوحي إليه بذلك، فمن الجائزِ أن يكونَ: لو هلكتْ تلك (19) العصابةُ في ذلك الوقتِ على يَدَيْ عدوِّهم؛ أن =(3/573)=@ يفتتنَ (20) غيرهُم، فلا يبقى على الأرضِ (21) مسلمٌ يَعْبدُ الله، ثم لا يبعثُ نبيٌّ آخرُ، وتنقطعُ العبادةُ.
وثانيها (22) : أن هذا اللفظَ وَهْمٌ من بعضِ الرُّواةِ (23) في حديثِ عُمَر؛ وإلا فَقَدْ (24) روي &(3/453)&$ هذا الحديثُ من جهاتٍ متعددةٍ؛ من حديثِ أنسٍ (25) وابنِ عباسٍ (26) ، وليس (27) فيها هذا اللفظُ، وإنما فيها: ((اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تَشَأْ لَا تُعْبِدُ فِي الأَرْضِ)). وقد تقدم الكلامُ عليه (28) . %(1/275)%
__________
(1) في (ح) و(ي): ((كان قد)).
(2) قوله: ((أهل بدر)) سقط من (م).
(3) قوله: ((وعلى تقدير)) في (ح) و(ي): ((وعلى هذا التقدير)).
(4) قوله: ((من المسلمين بالمدينة وبِمكة وغيرهما)) في (أ) و(ب) و(م): ((بالمدينة من المسلمين وبمكة وغيرها)).
(5) في (م): ((الصالحة)).
(6) قوله: ((كما قال الله تعالى)): كذا في (ي). وفي (ز): ((كقوله تعالى))، وفي سائر النسخ: ((كما قال تعالى)).
(7) سورة محمد - صلى الله عليه وسلم - ؛ الآية: 38.
(8) سقط من (ي).
(9) في (ح): ((بادرت)).
(10) قوله: ((معاتبة من الله تعالى له)) في (ح) ,(ي): ((معاتبة له من الله تعالى)).
(11) في (ز) و(ي): ((تفاضح)).
(12) في (ح): ((بعد)).
(13) سورة النجم؛ الآية: 3.
(14) قوله: ((له)) سقط من (ح).
(15) في (ح): ((عمر)).
(16) قوله: ((والرضا)) سقط من (ح)، و(ي).
(17) روي عن عبدالله بن عمرو، وله عنه ثلاث طرق :
1 - أخرجه ابن أبي شيبة (5/314 رقم26419) في الأدب، باب من رخص في كتابة العلم. وأحمد (2/162 و192)، والدارمي (1/125) في المقدمة، باب من رخص في كتاب العلم، وأبو داود (4/60-61 رقم3646) في العلم، باب في كتاب العلم، من طريق ابن أبي شيبة وغيره، والحاكم (1/105-106)، وابن عبدالبر في "جامع بيان العلم وفضله" (1/300 رقم389) من طريق أبي داود، جميعهم من طريق يحيى بن سعيد، عن عبيدالله بن الأخنس، عن الوليد بن عبدالله، عن يوسف بن ماهك، عن عبدالله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتكلم في الغضب والرضاء؟ فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأومأ بأصبعه إلى فيه، وقال: ((اكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق)).
قال الحاكم: ((رواة هذا الحديث قد احتجا بهم عن آخرهم، غير الوليد هذا، وأظنه الوليد بن أبي الوليد الشامي؛ فإنه الوليد بن عبدالله، وقد علمت على أبيه الكتبة - كذا! ولعل الصواب: وقد غلبت على أبيه الكنية؛ فإنه كان كذلك فقد احتج به مسلم)). ووافقه الذهبي .
والوليد بن عبدالله، هو ابن أبي مغيث العبدري، كما وردت نسبته في رواية أبي داود؛ اللهم إلا أن تكون من زيادة المحقق؛ فقد وضعها بين معكوفين، لكن في ترجمته من "تهذيب الكمال" أنه يروي عن يوسف بن ماهك، وروى عنه عبيدالله ابن الأخنس، ولم أجد في رواية مسلم من اسمه: الوليد بن أبي الوليد الشامي.
والحديث صححه العراقي في تخريج "الإحياء" (4/1804 رقم2857/استخراج الحداد).
الطريق الثاني: أخرجه أحمد (2/207 و215)، وابن خزيمة (4/26 رقم2280)، والحاكم (3/528)، وابن عبدالبر في "جامع بيان العلم وفضله" (1/299-300 رقم388)، والخطيب في "تقييد العلم" (ص80)؛ جميعهم من طريق محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، فذكره بمعناه. قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وقد وقع تصريح محمد بن إسحاق بالسماع في رواية الخطيب .
الطريق الثالث: أخرجه الحاكم (1/104-105) من طريق زيد بن الحباب، وعبدالله ابن صالح، عن الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن عبدالواحد بن قيس، عن عبدالله بن عمرو، فذكره بمعناه. وصححه، ووافقه الذهبي .
والحديث أورده الحافظ في "الفتح" (1/207) وأشار إلى بعض طرقه، وقال: ((ولهذا طرق أخرى عن عبدالله بن عمرو يقوي بعضها بعضًا)).
(18) قوله: ((عن وحي)) في (ب) و(م): ((بوحي)).
(19) في (ي): ((هذه)).
(20) في (م): ((يفتن))، وفي (ي): ((يقتتتن)).
(21) في (أ): ((وجه الأرض)) وكأنه ضرب على كلمة ((وجه)).
(22) في (أ): ((والثاني)).
(23) لم أقف على من ذكر أن ذلك وهم. [يراجع]
(24) قوله: ((عمرَ وإلا فقد))كذا في (أ)، وفي (ح): ((عمر إذ قد)) وفي (ز): ((عمرَ وإذ قد))، وفي (ب) و(م) و(ي): ((عمرو إذ قد)).
(25) تقدم في باب النهي عن تمني لقاء العدو .
(26) أخرجه البخاري (6/99 رقم2915) في الجهاد، باب ما قيل في درع النبي - صلى الله عليه وسلم - والقميص في الحرب، و(7/287 رقم3953) في المغازي، باب قول الله تعالى: { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم ...}، و(8/619 رقم4875 و4877) في التفسير، باب قوله: {سيهزم الجمع ويولون الدبر}، وباب قوله: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر}.
(27) في (ب): ((فليس)).
(28) في باب النهي عن تمني لقاء العدو؛ وذكر الشارح هناك ما قاله القاضي في "الإكمال" (6/46).(1/275)
وثالثها: أن هذه العصابةَ ليس المرادُ بها الحاضرين (1) في بدرٍ فقط، بل المسلمون (2) كلُّهم في المدينة ِوغيرِها. وسماهم عصابةً بالنسبةِ إلى كثرةِ عدوِّهم، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ((عُصيبة (3) مِنَ المُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ (4) البيْتَ الأَبْيَضَ؛ بَيْتَ (5) كِسْرَى)) (6) . فقلَّلهم بالنسبةِ إلى عدوِّهم، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - لما علم (7) أنه لا نبيَّ بعدَه، وقدَّر (8) في نفسِه الهلاكَ (9) عليه وعلى كلِّ مَنْ آمن به، ونظر إلى سنةِ الله تعالى في العبادةِ (10) التي لا تُتلقَّى إلا من جهةِ الأنبياءِ، لزم من ذلك نفيُ العبادةِ جزمًا، والله تعالى أعلم. وهذا أحسنُ الأوجهِ وأولاها (11) .
وقوله: ((فما زال يَهتِفُ بربه، مادًّا يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه))؛ هذا منه - صلى الله عليه وسلم - قيامٌ بوظيفةِ ذلك الوقتِ من الدُّعاءِ والالتجاء إلى الله تعالى، وتعليم لأمته ما (12) يلجئون إليه عند الشدائد والكُرَبِ الواقعةِ بهم، فإن ذلك الوقتَ كان وقتَ اضطرارٍ وشدةٍ، وقد وعدَ الله تعالى المضطرَّ بالإجابةِ؛ حيثُ قال: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء (13) } (14) ؛ يعني: عن المضطرِّ عندَ الدُّعاءِ، فقام بعبادةِ ذلك الوقتِ.
ولا يلزمُ من اجتهادِه فيِ الدعاءِ في ذلك الوقتِ أن يكونَ ارتابَ في أن الله تعالى سيُنْجِزُ له (15) ما وعده به، كما (16) ظهر مما وقع لأبي بكرٍ – =(3/574)=@ رضي الله عنه -؛ حيثُ قال له (17) : ((كفاك (18) مناشدتُكَ ربَّك (19) ؛ فإنه سينجزُ لك مَا وعدك (20) ))،، كما لا يلزمُ من دعائهِ في أن يدخلَه اللهَ (21) الجنةَ، وينجيَهُ من النارِ، ويغفرَ له ذنوبه أن يكونَ في شكٍّ من شيءٍ من ذلك؛ فإن الله تعالى قد أعلمه قطعًا أنه يُدخله (22) الجنةَ وينجيهِ من النارِ، ويغَفرُ له (23) ، لكنه قام بحقِّ العبوديِة؛ من إظهارِ الفاقِة وامتثالِ العبادةِ؛ فإنَّ &(3/454)&$ ((الدُّعَاء مُخُّ العبِادَةَ)) (24) ، فقَلْبُه - صلى الله عليه وسلم - مستغرقٌ بمعرفة الواعدِ (25) ؛ وإنجازِ الموعودِْ، ولسانُه وجوارحُه مستغرقةٌ بالقيامِ بحقِّ عبادةِ (26) المعبودِْ؛ فقام في كلٌ جارحةِ بوظيفتِها، ولكلِّ عبادةٍ بحقيقتهِا (27) . %(1/276)%
__________
(1) في (أ): ((الحاضرون)).
(2) كذا في (أ) وفي سائر النسخ: ((المسلمين)).
(3) في (ز): ((عصابة)).
(4) في (ز): ((يفتحون)).
(5) في (ز): ((يعني بيت كسرى)). [مسح هذا الرقم من المتن].
(6) سيأتي في الإمارة والبيعة، باب اشتراط نسب قريش في الخلافة .
(7) قوله: ((لما علم)) في (ز): ((علم))، وفي (م): ((لما أعلم)).
(8) في (ب): ((وقرر)).
(9) تقرأ في (ح): ((إهلاك)).
(10) في (ز): ((العباد)).
(11) قوله: ((وهذا أحسن الأوجه وأولاها)) سقط من (ز). وقد ذكر هذا الوجه الحافظ في "الفتح" (7/289) واقتصر عليه ولم ينسبه.
(12) في (ب): ((بما)).
(13) زاد في (ح):{ ويجعلكم خلفاء الأرض}. [حذف من الهامش وبقي في المتن]
(14) سورة النمل؛ الآية: 62.
(15) سقط من (ز).
(16) في (ز): ((وكما)).
(17) سقط من (ي).
(18) في (م): ((كأنك)).
(19) في (ح): ((لربك)).
(20) تقرأ في (ز): ((أعدل)).
(21) لفظ الجلالة ليس في (ح) و(ي).
(22) في (ب): ((يدخل)).
(23) قوله: ((ويغفر له)) في (ب): ((ونغفر له)). ,من قوله: ((ذنوبه أن يكون...)) إلى هنا، سقط من (م).
(24) أخرجه الترمذي (5/425-426 رقم3371) في الدعوات، باب ما جاء في فضل الدعاء، عن علي بن حجر، عن الوليد بن مسلم، عن ابن لهيعة، عن عبيدالله بن أبي جعفر، عن أبان بن صالح، عن أنس بن مالك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الدعاء مخ العبادة)). قال الترمذي: ((هذا حديث غريب من هذا الوجه، لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة)).
وقال الألباني في تعليقه على "المشكاة" (2/693 رقم2231): ((إسناده ضعيف، فيه ابن لهيعة، وهو سيِّء الحفظ)).
قلت: الحديث صحيح بلفظ: ((الدعاء هو العبادة ))؛ أخرجه الطيالسي (838)، وابن المبارك في "الزهد" (1298)، وأحمد (18437)، والبخاري في "الأدب المفرد" (714)، وأبو داود (1479)، والطبراني في "الدعاء" (2) من طريق شعبة، عن منصور بن المعتمر، عن ذر بن عبدالله المرهبي، عن يسيع الكندي، عن النعمان بن بشير، به، مرفوعًا. وإسناده صحيح رجاله ثقات .
(25) قوله: ((بمعرفة الواعد)) في (ح): ((بمعرفة المواعد))، وفي (ي): ((بمعرفته المواعيد)).
(26) في (ي): ((العبادة)).
(27) وقال القاضي في "الإكمال" (6/95): ومناشدة النبي ? ليراه أصحابه بتلك الحال؛ فتقوى قلوبهم بدعائه وتضرعه. وقد كان وعده الله تعالى إحدى الطائفتين أنها له، وعلم فوات الواحدة، وقد كان على ثقة من ربه في ذلك، ولم يشك فيما وعده حتى يثبته أبو بكر – رضي الله عنه -.(1/276)
وسقوطُ ردائِه - صلى الله عليه وسلم - عن مَنِكبيَهِ (1) أوجبَه غيبتُه عن ظاهرِه بما (2) وجَده في باطنِهِ. وردُّ أبي بكرٍ - رضي الله عنه - رداءَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - على مَنكبيه بعدَ سقوطهِ، أوجبَه مراعاةُ أبي بكرٍ – رضي الله عنه - أحوالَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حتَّى تتحفظَ (3) عليه (4) محاسنُ آدابِه. والتزامُه إيَّاه (5) ، وتثبيتهُ (6) له بما قاله له، أوجبه فرطُ محبتِه وشفقتِه (7) ، وقَصْرُ نظرِه على ظاهرِه، مع ذُهوله بما (8) استغرقه من ذلك عن الالتفاتِ إلى ما ذكرناه من المعاني والأسرار التي لاحت للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في باطنِه.
ولا يظنُّ أحدٌ أنَّ أبا بكرٍ – رضي الله عنه - كان في تلك الحالةِ أقوى من النبيِّ (9) - صلى الله عليه وسلم - وأوثقُ بما وعدهَ الله (10) به من النصرِ؛ فإن ذلك ظنُّ مَنْ لم (11) يعرفْ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - حقَّ معرفتِه، ولا قَدَّرَه حقَّ قدرِه. وكيف يصيرُ (12) إلى غيرِ (13) هذا المعنَى، مَنْ سمع قولَه له (14) في الغارِ ويومَ سراقةَ: {لا تحزن إن الله معنا} (15) ، وكيف يظنُّ ذلك مَنْ يعلمُ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سيدُ ولدِ آدْم (16) ، وأكملُهم وأقواهم، ولو وُزن بجميعِ أمتِه لرَجَحَهم (17) ، وبلا شكِّ أن الأنبياءَ أفضلُ النَّاسِ، وأعلمُهم باللهِ وبحدودِه، ولا شكَّ في (18) أنه - صلى الله عليه وسلم - أفضلُ الأنبياءِ وأكملُهم (19) . وإذا كانت هذه حالُه - صلى الله عليه وسلم - مع =(2/575)=@ الأنبياءِ – عليهم السلام -، فحالهُ مع من ليس بنبيٍّ أعلى وأكملُ، وهو فيها أقوى.
وكيف لا يكونُ في هذه القصةِ حالُه (20) وحدثني أتمَّ وأقوى من حالِ أبي بكرٍ؛ وقبل ذلك الوقتِ (21) بيسيرٍ كان قد أَخبر أصحابَه: بأنَّ الله يَنصرُه على عدوِّه ذلك، حتى (22) أَراهم مصارعَهُم (23) واحدًا واحدًا باسمِه وعينهِ؛ فكان الأمرُ كما ذَكر؛ فثبت (24) ما قلناه. &(3/455)&$
وقوله: ((كفاك مناشدتك ربك)) هكذا روايةُ العُذْريِّ :((كفاك)) بالفاءِ، وروايةُ الكافةِ: ((كَذَاكَ (25) مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ)). ورواه (26) البخاريُّ: ((حَسْبُكَ)) (27) . وكلُّها متقاربةٌ، إلا أن: ((كَذَاك))، بابُها بابُ الإغراءِ، كـ((إليك)) (28) ؛ كما أنشدوا:
يَقُلْن (29) وَقَدْ تَلَاحَقَتِ الْمَطَايَا ... كَذَاكَ الْقَوْلَ إِنَّ عَلَيْكَ عَيْنَا (30)
%(1/277)%
__________
(1) في (ي): ((منكبه)).
(2) في (ح): ((مما)).
(3) في (م): ((تنحفظ)).
(4) تقرأ في (ح): ((عليهم)).
(5) قوله: ((إياه)) سقط من (ح).
(6) في (ح) و(ي): ((وتنبيه)).
(7) قال القاضي: لم شك النبي ? فيما وعده الله حتى يثبته أبو بكر – رضي الله عنه – بقوله هذا؛ فقوة يقين البني ? فوق قوة أبي بكر بغير مرية، ولهذا أمسك ?، لما قال له أبو بكر ما قال؛ إذ ظهر من قوة يقينة (أي: أبي بكر) وطمأنينة نفسه وما علّمه الله تعالى به جواب دعائه. ونقل الأبي عن ثابت السرقسطي قوله في "الدلائل" بأن ذلك لم يكن من أبي بكر تثبيتًا، وإنما كانت رقة وشفقة لما رأى من تعبه وتضرعه في الدعاء؛ فالمعنى: لم أتعبت نفسك هذا التعب والله قد وعدك بالنصر. وكان أبو بكر رقيق القلب. "الإكمال" (6/95)، و "شرح الأبي" (5/85- 86)، وانظر: "أعلام الحديث" للخطابي (3/1702 – 1703)، و "فتح الباري" (7/289).
(8) كذا في (أ)، وفي سائر النسخ: ((عما)).
(9) في (ب) و(م): ((رسول الله)).
(10) قوله: ((بما وعده الله به)) في (ح): ((بما عند الله به))، وفي (ي): ((بما وعد الله به)).
(11) كذا في (أ) فقط، وفي سائر النسخ: ((لا)).
(12) في (م): ((تصير)).
(13) ((غير)) سقط من (ح) و(ي). ومؤدى العبارة واحد، مع اختلاف المراد بقوله: ((هذا المعنى)) في حالة إثباتها عنه في حالة حذفها.
(14) قوله: ((له)) سقط من (أ) و(ح) و(ي).
(15) سورة التوبة؛ الآية: 40 .
(16) سيأتي في النبوات، باب كونه مختارًا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة.
(17) رُوي من حديث جماعة من الصحابة :
1 – من حديث أبو ذر: أخرجه الدارمي (1/9) في المقدمة، باب كيف كان أول شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والطبري في "تاريخه" (2/390)؛ كلاهما من طريق الطيالسي، عن جعفر بن عبدالله بن عثمان القرشي، عن عمر بن عروة بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله! كيف علمت أنك نبي حين استنبئت؟ فقال: ((يا أبا ذر! أتاني ملكان وأنا ببعض بطحاء مكة، فوقع أحدهما على الأرض، وكان الآخر بين السماء والأرض، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: نعم. قال: فزنه برجل، فوزنت به فوزنته، ثم قال: فزنه بعشرة، فوزنت بهم فرجحتهم، ثم قال: زنه بمائة، فوزنت بهم فرجحتهم، ثم قال: زنه بألف، فوزنت بهم فرجحتهم، كأني أنظر إليهم ينثرون علي من كفة الميزان، قال: فقال أحدهما لصاحبه: لو وزنته بأمته لرجحها)).
جعفر بن عبدالله بن عثمان: وثقه أبو حاتم؛ كما في "الجرح والتعديل" (2/482-483 رقم1963).
وعمر بن عروة: هو عمر بن عبدالله بن عروة، روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/166)، وبيض له البخاري في "تاريخه" (6/167 رقم2056)، وابن أبي حاتم؛ كما في "الجرح والتعديل" (6/117 رقم634)، وفي "التقريب" (ص722 رقم4965): ((مقبول)).
2 – ومن حديث ابن عمر: أخرجه أحمد (2/76)، وعبد بن حميد (ص267-268 رقم850)، وعبدالله بن أحمد في "زوائده على فضائل الصحابة" (1/206-207 رقم228).
ثلاثتهم عن أبي داود الحفري، عن بدر بن عثمان، عن عبيدالله بن مروان، عن أبي عائشة، عن عبدالله بن عمر، فذكره بمعناه .
وفي سنده: عبيدالله بن مروان، لم يرو عنه غير بدر بن عثمان، وذكره البخاري في "تاريخه" (5/400 رقم1290)، وابن أبي حاتم (5/334 رقم1580) وسكت عنه، وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/151).
وأبو عائشة: ترجمه البخاري في "الكنى" (8/60) وقال: وكان رجل صدق .
3 - ومن حديث خالد بن معدان: أخرجه ابن هشام في "السيرة" (1/166) قال: قال ابن إسحاق، وحدثني ثور بن يزيدة عن بعض أهل العلم ولا أحسبه إلا عن خالد بن معدان الكلاعي: أن نفرًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله! أخبرنا عن نفسك؟ ... الحديث .
وهو عند الطبري في "تفسيره" (3/82 رقم2070) مختصرًا .
قال الشيخ أحمد شاكر: ((وهذا الإسناد مرسل؛ لأن خالد بن معدان لم يذكر أنه عن أحد من الصحابة ...، ولكنه ثبت موصولاً، من رواية ابن إسحاق أيضًا، فرواه الحاكم في "المستدرك" (2/600) من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثني ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أنهم قالوا: يا رسول الله! أخبرنا عن نفسك؟ ... فذكر الحديث مختصرًا .اهـ.
وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي .
وقال الألباني في "الصحيحة" (4/59-60 رقم1545): ((وهذا إسناد جيد قوي)).
4 – ومن حديث سفينة: أخرجه البزار (2/223 رقم1567/كشف)، والحاكم (3/71)؛ كلاهما من طريق مؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة مولى أم سلمة رضي الله عنها ..، فذكرته بمعناه .
قال الهيثمي في "المجمع" (5/325): ((رواه البزار، وفيه مؤمل بن إسماعيل؛ وثقه ابن معين وابن حبان، وضعفه البخاري وغيره، وبقية رجاله ثقات)).
ومؤمل هذا، قال عنه الحافظ في "التقريب" (ص987 رقم7078): ((صدوق سيء الحفظ)).
(18) قوله: ((في)) سقط من (ح) و(ي).
(19) في (أ): ((وأجلهم)).
(20) قوله: ((في هذه القصة حاله)) في (ز): ((حاله في هذه القصة)).
(21) قوله: ((الوقت)) سقط من (ح).
(22) قوله: ((عدوه ذلك حتى)) في (ح): ((عدوه وذلك حيث))، وفي (ي): ((عدوه وذلك وذلك حيث)).
(23) سيأتي في باب محاصرة العدو وجواز ضرب الأسير، وطرف من غزوة الطائف .
(24) في (م): ((فتبت)).
(25) في (ب): ((كذلك)). ...
(26) في (أ): ((رواه)) بلا واو.
(27) "صحيح البخاري" (6/99 رقم2915) في الجهاد، باب ما قيل في درع النبي - صلى الله عليه وسلم - والقميص في الحرب، و(7/287 رقم3953) في المغازي، باب قول الله تعالى: { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم...}، و(8/619 رقم4875 و4877) في التفسير باب قوله: {سيهزم الجمع ويولون الدبر}، وباب قوله: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر}.
(28) قوله: ((كإليك)) لم يتضح في (ز).
(29) في (ب) و(م): ((فقلن)).
(30) البيت من بحر الوافر، وهو لجرير بن عطية بن حذيفة الخطفي، الشاعر الأموي، من قصيدة يهجو فيها الفرزدق والبعيث، مطلعها:
عفا قَوٍّ وكان لنا مَحلاً ... إلى جَوَّيْ صلاصلَ من لُبَيْنَى
ألا نادِ ا لظعائن لو لَوَيْنا ... ولولا من يراقب ارْعوينَا
يقلن وقد.
ألم ترني بذلتُ لهن وُدي ... وكذَّبتُ الوشاةَ فما جزينَا
إذا ما قلتُ حان لنا التقاضي ... بَخِلْنَ بعاجلٍ ووَعَدْنَ دينَا
وهذه رواية الديوان، ويروى في عبض المصادر: ((فقلن))، ((أقول))، ((فقلت))، ويروى: ((ترامحت المطايا))، ويروى: ((كفاك القول))، و((كذاك الصوت)).
والشاهد في قوله: ((كذاك)) بمعنى: كُفَّ، أو حَسْبُكَ. وقد ترد بمعنى الإغراء بالشيء؛ قال ابن الأثير: وقيل: حقيقة ((كذاك)) أي: مثل ذاك، ومعناه: الزم ما أنت عليه ولا تتجاوزه. ورواية الديوان: ((يقلن...)) والضمير للظعائن، ترجح معنى الكف والإحساب في البيت، كما ترجحه في الحديث الرواياتُ الأخرى: ((كفاك مناشدتك ربك))، و((حسبك مناشدتك ربك))، و((بعض مناشدتك ربك)).
وذكر القاضي عياض عن بعض العلماء أنها تكون بمعنى ((دون)) في غير الحديث، قال: ويصح هنا أيضًا؛ أي: دون هذا الإلحاح في الدعاء والمناشدة وأقل منه يكفيك. قال ثابت السرقسطي في الدلائل (1/366): بعض الناس يتوهم قول أبي بكر: "كذاك مناشدتك ربك" على الإغراء؛ أي: كن في دعائك، وأنشد قول الأعشى:
كذاك فافعل ما حييت إليهمُ ... واقدم إذا ما أعين الناس تزرق
وتفسيره والله اعلم أن ((كذاك)) يكون في بعض المواضع بمنزلة الكف والإحساب؛ كقولك: حسبك، وهذا من مواضعه؛ لأنه أوى لرسول الله من نصب القيام وطول الدعاء؛ ومما يبين ذلك أنه جاء في غير هذه الرواية قالك ((بعض مناشدتك ربك))؛ قال جرير:
يقلن........................... ... كذاك صوت................
انتهى كلام "الدلائل". وفي "تاج العروس": وقد تكلم ابن مالك على استعمالها (أي: لفظة كذا) مفردة ومركبة ومتعاطفة وبسط فيه... قال: ومن غرائب ((كذا)) أنها تلحقها الكاف فيقال: ((كذاك)) وتكون اسم فعل بمعنى: دع واترك؛ فتنصب مفعولاً؛ قال جرير:
يقلن........................... ... كذاك القول................
أي: دع القول. وهي مركبة من كاف التشبيه واسم الإشارة وكاف الخطاب، وزال معناه التركيبي وضمنت معنى ((دع)).اهـ.
والبيت لجرير في "ديوانه" (ص353)، و "العين" (8/195)، و "الدلائل" (1/366)، و "لسان العرب" (10/327)، و "تاج العروس" (20/394)، و "الروض الأنف" (3/68- 69)، وبلا نسبة في "الخصائص" (3/37)، و "المشارق" (1/1/338)، و "تاج العروس" (13/425)، و "الفتح" (7/289). وانظر: "غريب الحديث" لابن قتيبة (2/38)، و "مشارق الأنوار" (2/356)، و "النهاية" (4/160- 161)، و "شرح النووي" (12/85).(1/277)
والروايةُ: ((مناشدتُك)) بالرفعِ على أنه (1) فاعلٌ بما (2) في ((كفاك))، و((كذاك)) (3) من معنى الفعلِ. وقد ضبط عن (4) أبي بحرٍ بالنصبِ على المفعولِ، ويكونُ الفاعلُ مضمرًا في الأمرِ المقدَّرِ الذي ناب (5) ((كذاك (6) )) عنه.
وقوله تعالى: {إذ تستغيثون ربكم} (7) ؛ أي: تَطلبون منه الغَوْثَ، وهو النصرُ. {فاستجاب لكم (8) }؛ أي: أجاب.{ممدُّكم (9) }: مُقَوِّيكم (10) ومعينكم. {مُرْدَفين} بفتحِ الدالِ (11) : اسمُ مفعولٍ؛ أي: أَرْدف اللهُ بهم المسلمين. وبكسرِ الذالَّ: اسمُ فاعلٍ؛ قال أَبو عليِّ: يحتملُ وجهين:
أحدُهما: مردِفين مثلَهم؛ يقال: أردفتُ زيدًا دابَّتي؛ فيكونُ المفعولُ الثَّاني محذوفًا. =(3/576)=@
والثاني: أن يكونَ المعنى: جاءوا بعدَكم؛ تقولُ العربُ: بنو فلانٍ مُردِفونا؛ أي: يجيئون بعدنا (12) .
{من فورِهم (13) }: وَجْهِهم (14) وحِينهم. و{مسوَّمين}- بفتحِ الواو -: اسمُ مفعولٍ؛ أي: معلمين، من السِّيما (15) ، وهي العَلَامةُ؛ أي: قد عُلِّموا بعلامةٍ. وبكسرِ الواوِ: اسمُ فاعلٍ؛ أي: عَلَّموا أذنابَ خيلِهم بصوفٍ أبيضَ، وقيل: أنفسَهم بعمائمَ صَفُرٍ. %(1/278)%
__________
(1) قوله: ((على أنه)) في ((ز)): ((على أنه)).
(2) في (ح) و(ي): ((ما)).
(3) في (ز): ((كذلك)).
(4) في (ح): ((على)).
(5) في (أ): ((تاب)).
(6) سقط من (ي).
(7) سورة الأنفال؛ الآية: 9.
(8) قوله: ((لكم)) سقط من (أ) و(ز).
(9) تقرأ في (ح): ((مملكم)).
(10) قوله: ((مقويكم)) سقط من (ح) وتقرأ في (ز): ((مقربكم)).
(11) وهي قراءة نافع وأبو جعفر ويعقوب والباقون بسكر الدال.
(12) الحجة لأبي علي (4/124). وقرأ بفتح الدال نافع وأبو جعفر ؟؟؟، ويعقوب الحضرمي، وقرأ الباقون بكسرها. وانظر: "السبعة" (ص304)، "النشر" (2/207).
(13) جزء من الآية (125) من سور آل عمران، والتي فيها ((مردفين)) في سورة الأنفال، ولم يذكر مسلم في "صحيحه" آيات آل عمران، وهي قوله تعالى: {إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين}. وقرأ ((مسومين)) بكسر الواو ابن كثير، وأبو عمرو ويعقوب وعاصم، والباقون بفتحها. وانظر: "السبعة" (ص216)، و "النشر" (2/182)، و "الحجة" (3/76- 77).
(14) في (ب): ((ووجههم))، وفي (ح) (ي): ((وجهتهم)). وفي (م): ((ووجهم)).
(15) في (م): ((السما)). و((السيما)) مقصورة، والسيماء، والسِّيمِياء)) ممدودان: العلامة. "الصحاح" (5/1956)، "المقصور والممدود" لأبي علي (ص95، 457).(1/278)
وقوله: ((اقْدُمْ حَيْزُومُ))؛ ضُبِطَ عن أبي بحرٍ بضمِّ الذالِ من: ((اقْدُم))؛ فيكونُ من القُدومِ، بمعنى (1) التقدُّمِ؛ كقولِه تعالى في فرعون:َ {يقدم قومه يوم القيامة} (2) ؛ أي: يَتَقَدمهم إلى النارِ. وقالَه ابنُ دريدٍ بقطعِ الألفِ، وكسرِ الدالِ؛ من &(3/456)&$ الإقدامِ (3) .
وعندَ الجمهورِ: ((حيزومُ)) بالميمِ (4) ، وهو اسمُ مَلَكٍ. وفي روايةِ العذريِّ: ((حَيْزُونُ)) بالنونِ والأول المعروفُ (5) .
و((خُطِمَ أَنفُه))؛ أي: أَثَّر فيه أثرًا كالخطامِ، وهو الزِّمامُ، إلا أنَّه أرقُّ منه، والخطم والخُرطومُ: الأَنفُ (6) .
وقوله: ((ذلك من مدد السماء الثالثة))؛ أي: من ملائكةِ السَّماءِ الثالثةِ التي أُمدُّوا بهم. وهذا يدلُّ على أنهم كانوا (7) أُمِدُّوا بملائكةٍ من كلِّ سماءٍ. ويدلُّ هذا الخبرُ على أن الملائكةَ قاتلت يومئذٍ، وهو قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ (8) . =(3/577)=@
وقوله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: ((ما ترون في هؤلاء الأسارى))؛ يدلُّ على أنَّه - صلى الله عليه وسلم - ما كان أُوحي إليه في أمرِهم بشيءٍ (9) ، فاستشارهم لينظروا في ذلك بالنظرِ الأصلحِ، فاختلف نظرُ أبي بكرٍ وعمرَ – رضي اله عنهما-. فمال أبو بكرٍ – رضي الله عنه - إلى الإبقاءِ؛ طمعًا في إسلامِهم، وإلى الفداءِ؛ ليكونَ ذلك قوةً عليهم. ومال عمرُ – رضي الله عنه - إلى القتلِ؛ محْقًا %(1/279)%
__________
(1) قوله: ((القدوم بمعنى)) سقط من (أ).
(2) سورة هود؛ الآية: 98.
(3) قال القاضي عياض: ((وقوله: ((اُقْدمُ جيزوم)) كذا ضبطناه عن أبي بحر فيك تاب مسم وفي السير؛ بضم الدال من التقدم؛ يقال: ((قدَم القومَ)) – بالفتح في الماضي -: إذا تقدمهم. وضبطناه عن القاضي التميمي.فيها ((أقدِم)) وكذا قيده عن أبي مروان بن سراج، وكذا قيدته أنا عن ابنه أبي الحسين شيخنا: ((أُقِدم)) وكذا قيده عن أبي مروان بن سراج، وكذا قيدته أنا على ابنه أبي الحسين شيخنا: ((أقدِم))، وكذا حكاه ابن دريد؛ وجاء في الخبر: ((اقِدَم حيزوم)) بكسر الهمزة - يريد: وفتح الدال – والوجه ما أنبأتك به. وقال ثابت يقول في أولها: ((ويقال للفرس: ((أقدم)) زجر له؛ كأنه يؤمر بالإقدام هكذا في كلام العرب)).
وقال ابن الأثير: ((هو أمر بالإقدام وهو التقدم في الحرب والإقدام:الشجاعة. وق تكسر همزة ((اقدام)) ويكون أمرًا بالمتقدم لا غير، والصحيح في "الفتح" من ((أقدم)).
انظر: "جمهرة اللغة" (2/675- 676)، و "مشارق الأنوار" (2/174)، و "الإكمال" (6/95)، و "النهاية" (4/26)، و "شرح النووي" (12/85- 86).
(4) قوله: ((بالميم)) سقط من (ب).
(5) قوله: ((وهو اسم ملك)). وفي "جمهرة اللغة" (2/676)، و "المشارق" (1/219)، و "الإكمال" (6/95)، و "النهاية" (1/467)، و "شرح النووي" (21/85): أنه اسم فرس الملك؛ قال ابن الأثير: جاء التفسير أنه اسلم فرس جبريل عليه السلام؛ أراد: ((أقدم يا حيزوم)) فحذف حرف النداء. والياء فيه زائدة.
(6) الخَطْم. من كل طائر: منقاره، ومن كل دابة: مقدم الأنف والفم. والمخطم أيضًا: الأنف. والخطام: قال الأزهري:جبل من ليف أو شعر أو كتان يجعل في أحد طرفيه حلقة يسلك فيها الطريق الآخر حتى يصير كالحلقةن ثم يقلد البعير، ثم يثني على مخطمه. فأما الذي يجعل في الأنف دقيقًا فهو الزمام. وقال ابن قتيبة في معنى ((يخطم أنفه)): يضرب فيجعل له أثر مثل أثر الخطام. وقال الخطابي: والخطام: سمة في عرض الوجه إلى الخد. قال القاضي: أي جاءت الضربة له في موضع الخطام، أو مثل الخطيب هناك، وهي سمة من الكي تجعل – على الأنف والخدين من البعير، أو يكون معناه: ضربه على خطمه، والخطم الأنف. "غريب ابن قتيبة" (1/536)، "غريب الخطابي" (1/374)، "تهذيب اللغة" (؟؟؟/؟؟؟)، "مشارق الأنوار" (1/235)، و "الإكمال" (6/95- 96)، "النهاية" (2/50)، "شرح النووي" (1/172)، (12/86).
(7) سقط من (ز).
(8) قال الحافظ في "الفتح" (7/313): قال الشيخ تقي الدين السبكي: سئلت عن الحكمة في فقال الملائكة مع النبي ?، مع أن جبريل قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناحه؟ فقلت: وقع ذلك لإرادة أ، يكون الفعل للنبي ? وأصحابه، وتكون الملائكة مددًا، على عادة مدد الجيوش؛ رعاية الصورة الأسباب وسننها التي أجراها الله تعالى في عباده، والله تعالى هو قاتل الجميع. والله أعلم.
(9) قال الحافظ في "الفتح" (724): ((روى الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح عن علي قال: جاء جبريل إلى النبي ? يوم بدر فقال: خير أصحابك في الأسرى إن شاءوا القتل، وإن شاء الفداء مع أنه يتل مننهم عامًا مقبلاً مثلهم، قالوا: الفداء ويقتل منا (وسيأتي تخريجه).(1/279)
للكفر، وقصاصًا منهم، وردعًا لأهله. فمال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ما قال أبو بكر، على مقتضى رأفتِه ورحمتِه بالمؤمنين؛ ليتقوَّوْا على عدوِّهم، وعلى مقتضى حِرصِه على إيمانِ من أُسر منهم (1) .
وكلٌّ من النظرينِ له أصولٌ تشهد (2) بصحتِه، بل نقولُ: إن نظرَ أبي بكرٍ تشهدُ لصحتِه قضيةُ سرية ِعبدِ الله بنِ جَحْشٍ (3) ، وكانت قبلَ بدرٍ (4) بنحوِ ثلاثةِ أشهرٍ، قُتل فيها ابنُ الحضرميِّ، وأُسر عثمانُ بنُ عُبدِاللهِ، والحَكَمُ بنُ كَيْسَانٍ، وأَخذوا عِيرهَم (5) ، وقَدِموا على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَقِبَلَ (6) فداءَ الأسيرين. ولما عظم على الناسِ قتلُ ابنِ الحضرميِّ في الشهرِ الحرامِ، سألوا النبيَّ (7) - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فأنزل الله تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه (8) } (9) ، الآيةَ، وسوَّغ الله لهم الفداءَ؛ فكان ذلك (10) دليلاً (11) على صحةِ ما اختاره أبوبكرٍ - رضي الله عنه -، ولذلك (12) مال إليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهَوِيَه (13) .
وعندَ هذا (14) يُشْكِلُ مَا جَاء في آخرِ هذا الحديثِ من عَتْبِ الله تعالى لنبيِّه &(3/457)&$ - صلى الله عليه وسلم - بقولِه تعالى: {ما كان لنبي أن يكون (15) له أسرى حتى يثخن في الأرض} (16) ، وبقولِه - صلى الله عليه وسلم - : ((لَقَدْ عُرض علي عذابهُم أدنى من هذه الشجرة)). =(3/578)=@
ووجهُ هذا الإشكالِ: أن هذا الاجتهادَ الذي (17) صدر من أبي بكرٍ - رضي الله عنه -، ووافقه عليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : إما أن يكونَ اللهُ قد سوَّغه لهم، أو لا: فإن كان الأولَ (18) ، فكيف يُعاتَبون، ويتوعدون على ما سُوِّغ لهم؟ وإن لم يكن مسوَّغًا، فكيف أقدَموا (19) عليه، لا سيما النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الذي قد بَرَّأَ اللهُ نُطقَه عن الهوى، واجتهادَه عن الخطأِ؟!
ولما أشكلَ هذا اختلفت أجوبةُ العلماءِ عنه، فقيل فيه أقوالٌ: %(1/280)%
__________
(1) قوله: ((على إيمان من أسر منهم)) في (م): ((على من امن منهم)).
(2) في (م): ((يشهد)).
(3) علّقه البخاري في"صحيحه" (1/153-154) في العلم، باب ما يذكر في المناولة، ووصله أبو يعلى (3/102-103 رقم1534)، وابن جرير في "تفسيره" (4/306- 307 رقم4084)، وفي "تاريخه" (3/26)، والطبراني في "الكبير" (2/162-163 رقم1670)، والبيهقي (9/11-12)؛ جميعهم من طريق المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحضرمي، عن أبي السوار، عن جندب بن عبدالله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه بعث رهطًا، وبعث عليهم أبا عبيدة، فلما أخذ لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبعث رجلاً مكانه يقال له عبدالله بن جحش، وكتب له كتابًا، وأمره ألا يقرأ الكتاب حتى يبلغ كذا وكذا، ولا تُكْرِهَنَّ أحدًا من أصحابك على السير معك، فلما قرأ الكتاب استرجع ثم قال: سمعًا وطاعة لأمر الله ورسوله، فخبرهم بالخبر وقرأ عليهم الكتاب، فرجع رجلان ومضى بقيتهم، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه، ولم يدروا ذلك اليوم من رجب أو من جمادى! فقال المشركون للمسلمين: فعلتم كذا وكذا في الشهر الحرام، فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثوه الحديث، فأنزل الله عز وجل: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال في...} إلى قوله: {والفتنة أكبر من القتل}، الفتنة هي الشرك. وقال بعض الذين)) أظنه قال: ((كانوا في السرية: والله ما قتله إلا واحد، فقال: إن يكن خيرًا فقد وليت، وإن يكن ذنبًا فقد عملت)).
قال الهيثمي في "المجمع" (6/295): ((ورواه الطبراني، ورجاله ثقات)). وروي من وجهٍ آخر مرسلاً: أخرجه ابن جرير في "تفسيره" (4/302-305 رقم4082) من طريق ابن إسحاق، عن الزهري، والبيهقيُّ (9/58) من طريق ابن إسحاق، حدثني يزيد بن رومان . وأخرجه أيضًا (9/12) من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري. كلاهما - الزهري، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية ... الحديث .
قال الحافظ في "الفتح" (1/155)- بعد أن تكلم عن إيراد البخاري له معلقًا -: ((والحديث الذي أشار إليه لم يورده موصولاً في هذا الكتاب، وهو صحيح، وقد وجدته من طريقين: إحداهما مرسلة، ذكرها ابن إسحاق في المغازي، عن يزيد بن رومان، وأبو اليمان في نسخته عن شعيب، عن الزهري، كلاهما عن عروة بن الزبير، والأخرى موصولة أخرجها الطبراني من حديث جندب البجلي بإسناد حسن، ثم وجدت له شاهدًا من حديث ابن عباس عند الطبري في التفسير. فبمجموع هذه الطرق يكون صحيحًا)).اهـ.
(4) في (ح) و(ي): ((نجد)).
(5) في (ح): ((غيرهم)).
(6) في (ب): ((فقيل)).
(7) في (ي) و(م): ((رسول الله))، وكتب فوقها في (ي): ((النبي)).
(8) من قوله: ((سألوا النبي ....)) إلى هنا، سقط من (ح). وقوله: ((قتال فيه)) زيادة من (ز) و(ي): فقط.
(9) سورة البقرة؛ الآية: 217.
(10) قوله: ((ذلك)) سقط من (ح) و(ي).
(11) في (ب): ((دليل)).
(12) في (ب) و(ح): ((وكذلك)).
(13) في (ز): ((وصوبه)).
(14) في (ب) و(م): ((ذلك)).
(15) في (ز): ((تكون)).
(16) سورة الأنفال؛ الآية: 67.
(17) في (م): ((والذي)).
(18) في (ب) و(ح): ((الأولى)).
(19) في (أ): ((يقدموا)).(1/280)
أحدُها: أنهم أَقدموا عليه لأنه أمرٌ مَصْلَحِيٌّ دُنْيويٌّ، والأمورُ المصلحيةُ (1) الإقدامُ عليها مسوَّغٌ، ولا بُعْدَ (2) في العتبِ على تركِ المصلحةَ الراجحةَ وإن كانت دنيويةً.
وهذا فاسد من وجهين:
أحدُهما: أن هذا الاجتهادَ منهم إنما كان في أمر شرعيٍّ حُكْميٍّ؛ لأنه يقتضي سفكَ دماءٍ، واستباحةَ أموالٍ، وإرقاقَ أحرارٍ (3) ، وهذه لا تستباحُ إلا بالشرعِ.
وثانيهما: أن العتبَ الشرعيَّ لا يتوجَّهُ على تركِ مصلحةٍ دنيويةٍ لا يَتعلَّقُ بها مقصودٌ شرعيٌّ، كما لم يتوجَّهْ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عتبٌ في قضيةِ إبارِ النخلِ (4) ، وإن كان عَدَلَ فيه عن المصلحةِ الدنيويةِ (5) الراجحةِ، وهذا من نوعِ الأول (6) .
الثاني: أنهم (7) إنما عُوتبوا (8) ؛ لأن قضيةَ بدر عظيمةُ الموقعِ، والتصرفَ في صناديدِ قريشٍ وساداتِهم (9) وأموالِهم بالقتلِ (10) ، والاسترقاقِ، والتملُّكِ، ذلك (11) كلُّه عظيمُ الموقعِ، فكان حقُّهم أن ينتظروا الوحيَ، ولا يَستعجلوا، فلما استعجلوا ولم ينتظروا تَوَجَّه =(3/579)=@ عليهم ما توجه.
وهذا أيضًا فاسدٌ؛ لأنه يلزم (12) منه أن يكونوا أقَدموا على ما لا يَجوزُ لهم (13) شرعًا، ووافقهم على ذلك النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - . وكلُّ ذلك عليهم مُحالٌ بما قدّمناه من وجوب عصمةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عن الخطأِ في الشريعةِ، ومن ظهورِ الأدلةِ (14) المرجحةِ (15) بما (16) قدمناه. &(3/458)&$ %(1/281)%
__________
(1) في (ح): ((والأمر المصلحي)).
(2) في (أ) و(ز): ((يعد)).
(3) في (ح): ((إرفاق أحوال)).
(4) سيأتي في النبوات، باب عصمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى.
قال في "المصباح" (ص7): ((أَبَرْتُ النخل أبْرًا، من بابي ضرب وقتل: لقحته وأبَّرته تأبيرًا: مبالغة وتكثير. والإبار وزان ((كتاب)): النخلة التي يؤبر بطلعها وقيل: الإبار مصدرٌ كالقيام والصيام.
(5) سقط من (أ) و(ح) و(ي).
(6) قوله: ((وهذا من نوع الأول)) سقط من (أ).
(7) قوله: ((أنهم)) سقط من (ح) و(ي). وفي (ز): ((لأنهم)).
(8) في (ح) و(ي): ((عتبوا)).
(9) في (ح) و(ي): ((سادتهم)).
(10) تقرأ في (ب): ((والقتل)).
(11) في (ي): ((وذلك)).
(12) في (أ) و(ح) و(ي): ((لا يلزم)).
(13) .
(14) في (ب): ((الأمور)).
(15) في (ي): ((الراجحة)).
(16) في (ز): ((لما)).(1/281)
الثالثُ: أن ذلك إنما توجَّه على مَنْ أراد بفعلِه عَرَضَ (1) الدنيا، ولم يردِ الدِّينَ، ولا الدَّارَ الآخرةَ؛ بدليلِ قوله تعالى: {تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة} (2) ، ولم يكن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أبو بكرٍ ولا مَنْ نحا نحوهما (3) ممن يريدُ عَرَضَ الدنيا، فالتوبيخُ والوعيدُ (4) متوجِّهان إلى غيرِهم ممن أراد ذلك. وهذا أحسنُها (5) . والله تعالى أعلمُ.
وبكاءُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكرٍ – رضي الله عنه - لم يكن لأنهما دخلا فيمن تُوعِّد بالعذابِ، بل شفقةَ على غيرِهما ممن تُوعِّد بذلك (6) ؛ بدليلِ قولِه - صلى الله عليه وسلم - : ((أَبْكِي لِلَّذِي عُرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابْكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضِ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ))، لا سيما وقد أُوحي إليه (7) : أنه يقتلُ منهم عامًا قابلاً مثلُهم (8) . فبكى لذلك.
وأما قولُه تعالى: {ما كان لنبي أن يكون (9) له أسرى حتى يثخن في الأرض} (10) ، فليس بتوبيخٍ ولا ذمٍّ، وإنما (11) هو من بابِ التنبيهِ على أن القتلَ كان =(3/580)=@ الأَوْلى (12) ، والأردعُ، مع أنه ما كان الله تعالى تقدَّم له في ذلك بشيءٍ (13) ، كما قررناه (14) . وهذا من بابِ قولِه تعالى: {عفا الله عنك لم (15) أذنت لهم} (16) ، فقدَّم العفَو على المعاتبةِ؛ إذ لم يتقدَّمْ له (17) في إذنِهم بشيءٍ (18) ، والله تعالى أعلمُ (19) .
و((الإثخانُ)): إكثارُ القتلِ، والمبالغةُ فيه (20) ، ومنه الثَّخَانةُ في الثوبِ، وهي: غِلَظُهُ وُكثرةُ سُدَاه.
و((الأسرى)): جمعُ أسيرٍ، وأصلُ الأَسْرِ: الشدِّ والرَّبط. وقرأ أبو جعفر: ((أسارى)) (21) . %(1/282)%
__________
(1) سقط من (ز).
(2) سورة الأنفال؛ الآية: 67.
(3) في (ز): ((نحوهم)).
(4) في (ح): ((فالوعيد والتوبيخ)).
(5) ذكره القاضي في "الإكمال" (6/96).
وقال الطبري: وإنما قال الله جل ثناءه ذلك لنبيه محمد ?، يعرفه أن قتل المشركين الذين أسرهم ? يوم بدر ثم نادى بهم، كان أولى بالصواب من أخذ الفدية منهم وإطلاقهم.
قال ابن القيم:
وقد تكلم الناس، في أي الرأيين كان أصوب، فرجحت طائفة، قول عمر لهذا الحديث، ورجحت طائفةٌ قول أبي بكر، لاستقرار الأمر عليه، وموافقته الكتاب الذي سبق من الله بإحلال ذلك لهم، ولموافقته الرحمة التي غلبت الغضب، ولتشبيه النبي ? له في ذلك بإبراهيم وعيسى، وتشبيهه لعمر بنوح وموسى ولحصول الخير العظيم الذي حصل بإسلام أكثر أولئك الأسرى، ولخروج من خرج من أصلابهم من المسلمين، ولحصول القوة التي حصلت للمسلمين بالفداء، ولموافقة رسول الله ? لأب بكر أولاً، ولموافقة الله له آخرًا حيث استقر الأمر على رأيه، ولكمال نظر الصديق، فإنه رأى ما يستقر عليه حكم الله آخرًا، وغلب جانب الرحمة على جانب العقوبة.
قالوا: وأما بكاء النبي ?، فإنما كان رحمة لنزول العذاب لمن أراد بذلك عرض الدنيا، ولم يرد ذلك رسول الله ?، ولا أبو بكر، وإن أراده بعض الصحابة، فالفتنة كانت تعم ولا تصيب من أراد ذلك خاصة، كما هزم العسكر يوم حنين بقول أحدهم: (ن نغلب اليوم من قلةٍ) وبإعجاب كثرتهم لمن أعجبته منهم، فهزم الجيش بذلك فتنة ومحنة، ثم استقر الأمر على النصر والظفر والله أعلم.
"تفسير الطبري" (14/58)، و "زاد المعاد" (3/100- 101)، و "الفتح" (6/172) (7/325).
(6) في (ز): ((بالعذاب)).
(7) قوله: ((أوحي إليه)) في (م): ((أوحى الله)).
(8) أخرجه ابن أبي شيبة (14/368)، والترمذي (1567)، والنسائي في :الكبرى" (8662)، وابن حبان في "صحيحه" (4795) من طريق هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن علي – رضي الله عنه -.
وأخرجه الحاكم (2/140)، والبيهقي (6/321) من طريق ابن عون، عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن علي.
واختلف عليهما فيه: فرواه محمد بن عبدالله الأنصاري، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن عبيدة مرسلاً. أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (2/22). [كتب بجانب هذا الهامش: يكتب التخريج الذي في ظهر الورقة 255 وفي هذه الورقة لم يكتب أي تخريج].
(9) في (ز) و(ي): ((تكون)).
(10) سورة الأنفال؛ الآية: 67.
(11) في (ح) و(ي): ((إنما)).
(12) في (ح) و(ي): ((أولى)).
(13) في (م): ((شيء)).
(14) في (أ): ((قدرناه)).
(15) قوله: ((عنك لِمَ)) في (أ): ((عتك لم))، وفي (م): ((عنك لما)).
(16) سورة التوبة؛ الآية: 43.
(17) في (ي): ((لهم)).
(18) في (م): ((شيء)).
(19) قوله: ((والله تعالى أعلم)) ليس في (ح) و(ي)، وجاء بدلاً منه فيهما: ((كما قررناه)).
(20) سقط من (ي).
(21) ....(1/282)
قال الفَّراءُ: أهلُ الحجازِ يقولون: أُسارى، وأهلُ نجدٍ يقولون: أَسْرى في أكثرِ كلامِهم، وهو أصوبُها في العربيةِ؛ لأنه بمنزلةِ: ((جريح))، و((جَرْحى)) (1) . قال الزَّجَّاجُ: ((فَعْلى)): جَمْعٌ (2) لكلِّ ما أُصيب به الناسُ في أبدانِهم وعقولِهم؛ يقالُ: هالكٌ وهَلْكى، ومريضٌ ومَرْضى. ومن قرأ: {أُسارى} فهو (3) جمعُ الجمعِ؛ لأن جمعَ أسيرٍ: أَسْرى، وجمع أسرى: أُسارى. قال أبو عمرٍو (4) : أسارى (5) في القدِّ، وأسرى في اليدِ.
{والله عزيز (6) } في قهرِ الأعداءِ {حكيم} في عتابِ الأولياءِ. &(3/459)&$
وقوله تعالى: {لولا كتاب من الله سبق} (7) ، فيه (8) أربعةُ أقوالٍ:
أحدُها: لولا أنه سبق في أمِّ الكتابِ: أنه سيُحِلُّ (9) لهم الغنائمَ والفداءَ؛ قاله ابنُ عباسٍ (10) . =(3/581)=@
الثاني: لولا ما سبق لأهل بدرٍ من أنه لا يُعذِّبُهم؛ قاله الحسنُ (11) .
الثالثُ: لولا ما (12) سبق من (13) أنه لا يعذبُ من غيرِ أن يَتقدَّم بالإنذارِ؛ قاله ابنُ إسحاقَ (14) .
الرابعُ: لولا ما سبق من أنه يُغفرُ لمن عمل الخطايا ممن تاب؛ قاله الزجَّاجُ.
فيتخرَّج على هذه الأقوال في {الكتابِ} قولان:
أحدُهما: أنه كتابٌ مكتوبٌ.
والثاني: أنه قضاءٌ مَقْضِيٌّ. %(1/283)%
__________
(1) في (أ): ((وقرحا)).
(2) في (ي): ((جميع)).
(3) في (ب): ((فقد)).
(4) في (ح) و(ي): ((عمر)).
(5) سقط من (ح).
(6) قوله: ((والله عزيز)) في (ح) و(ي): ((والله عزيز ذو انتقام عزيز)).
(7) سورة الأنفال؛ الآية: 68.
(8) في (أ) و(ب) و(م): ((فيها)).
(9) في (ز): ((ستحل)).
(10) أخرجه ابن أبي حاتم (5/1734 رقم9614) عن أبي صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: قوله: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض}، وذلك يوم بدر أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - المغانم قبل أن يؤمروا به، وكان الله تبارك وتعالى قد كتب في أم الكتاب: المغنم والأسرى حلال لمحمد وأمته، ولم يكن أحله لأمة قبلهم، وأخذوا المغانم وأسروا الأسارى قبل أن ينزل إليهم في ذلك؛ قال الله: {لولا كتاب من الله سبق}؛ يعني في الكتاب الأول أن المغانم والأسارى حلال لكم، {لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم}.
وسنده ضعيف، لضعف عبدالله بن صالح، وللانقطاع بين علي بن أبي طلحة وابن عباس .
وكتب بجانبه راجع المحذوف وكتب: أخرجه ابن جرير في "تفسيره" (14/65 رقم16297) عن ابن سعد، عن أبيه، عن عمه، عن أبيه، عن أبيه، عن ابن عباس.
يعاد النظر في التخريج؛ أخرجه ابن جرير، عن ابن عباس (14/65 رقم16297).
وذكر هذا القول ابن جرير أيضًا عن أبي هريرة (16300، 16301، 16302)، وعن الأعمش (16299)، وعن الحسن (16295، 16296، 16298).
(11) أخرجه ابن جرير (14/69 رقم16313) عن الحارث، عن عبدالعزيز، عن عبدالوارث بن سعيد، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن: {لولا كتاب من الله سبق} قال: سبق ألا يعذب أحدًا من أهل بدر .
وفي سنده: عمرو بن عبيد، المعتزلي المشهور، كان داعية إلى بدعته، اتهمه جماعة مع أنه كان عابدًا؛ كما في "التقريب" (ص74 رقم5106).
وأخرجه ابن جرير أيضًا في الموضع السابق ( رقم16311) عن محمد بن عبدالأعلى، عن محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: {لولا كتاب من الله سبق}، قال: سبق من الله خير لأهل بدر. وسنده صحيح .
وذكره ابن جرير أيضًا عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، (الأرقام: 16309، 16310، 16312، 16314، 16315).
(12) سقط من (ز).
(13) سقط من (ز).
(14) ذكره ابن جرير في "تفسيره" (14/69- 70)، عن محمد بن إسحاق رقم (16317، 16318)، وعن مجاهد رقم (16316).(1/283)
وقد أفاد هذا الحديثُ: أن الإمامَ مُخيَّرٌ في الأسارى بين الفداءِ، والقتلِ، والمنِّ، فإنه قَتَل منهم، وفَدى، ومَنَّ. وقد سوَّغَ اللهُ تعالى لهم (1) كلَّ ذلك. وقد استوفينا هذا المعنى فيما تقدَّم.
وقولُ أبي جهلٍ: ((لو غَيْرُ أكَّارٍ قتلني))؛ الأكَّارُ: الزرَّاعُ (2) ، يغضُّ ممن قتله كِبْرًا وأَنَفَةً، ويتمنَّى أن (3) لو كان قتلُه على يَدَيْ أعظمَ منهم (4) .
و((بَرَدَ)) بمعنى: سكن.
وقوله: ((وهل فوقَ رجلٍ قتلتموه))؛ أي: لا أعظمَ منه. وفي بعضِ طرقِ هذا =(3/582)=@ الحديثِ: ((وهل أَعْمَدُ من رجلٍ قتله قومُه)) (5) ؛ أي: أعظمُ سؤددًا. وعميدُ القومِ: سيدُهم؛ لأنهم يَعتمدون عليه في أمورِهم (6) .
وهذا الحديثُ يدلُّ على أنَّ ابني عفراء قتلا أبا جهلٍ؛ أي: أنفذا مَقَاتِلَهُ، وأنَّ عبَد الله بنَ مسعودٍ أجهز عليه. وفي كتابِ أبي داودَ (7) : أن ابن مسعود قتله، ونفله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيفه؛ ويعني بذلك أنه (8) أجهز عليه. وعلى هذا: يرتفغ التناقض بين هذه الأحاديث. والله أعلم. &(3/460)&$ %(1/284)%
__________
(1) في (ب) و(ز) و(م): ((فيهم)).
(2) في (ب) و(ح) و(م) و(ي): ((الزارع)).
قال في "المصباح" (ص15): أَكَرْتُ الأرض حرثتها، واسم الفاعل: ((أكَّار)) للمبالغة، والجمع: ((أَكَرَة)) كأنه جمع ((آكر))، وإن ((كفرة)) جمع ((كافر)).
(3) في (م): ((أو)).
(4) قال النووي في "شرح مسلم" (12/160): أشار أبو جهل إلى ابني عفراء اللذين قتلاه، وهما من الأنصار، وهم أصحاب زرع ونخيل.اهـ.
قال القاضي في "الإكمال" (6/175): ووقع مكان الكلام في بعض نسخ مسلم: ((فلو غيرك كان قتلني)) وهو تصحيف من الأول، والأول المعروف.
(5) أخرجه البخاري (7/293 رقم3961) في المغازي، باب قتل أبي جهل .
(6) قال أبو عبيد: قوله: ((أعمد)) يقول: هل زاد على سيد قتله قومه؟ أي: هل كان إلا هذا؛ يقول: إن هذا ليس بعار وكان أبو عبيدة يحكي عن العر: ((أعمد من كَيلِ مُحِقٍّ)) أي: هل زاد على هذا، بلغني ذلك من بي عبيدة.اهـ.
وقال القاضي: قيل: معناه: أعجب. وروي: ((أعذر)) قال القاضي: معناه من المبالغة في الإبلاء والجد؛ أي: أشد رجل بلاءً في أمره قتله قومه؛ يقال: أَعْذَرَ الرجل: إذا أبلى، وعَذَّرَ: إذا قَصَّر. وقال ابن الأثير: وقيل: أعمد بمعنى: ((أغضبُ))، من قولهم: عمدني الأمر فَعَمِدْت؛ أي: أوجعني فوَجِعتُ. والمراد بذلك كله أن يهون على نفسه ما حل به من الهلاكِ، وأنه ليس بعار عليه أن يقتله قومه.
وقال الحافظ: و((أعمد)) أفعل تفضيل من ((عمد)) أي: هلك، يقال: عَمِدَ البعير؛ يَعْمَد عَمَدًا بالتحريك: إذا ورم سنامه من عض القتب. ويكنى بذلك عن الهلاك. ثم ذكر قول أبي عبيد؛ ثم قال: ورجح السهيلي الأول، قال الحافظ: ويؤيد تفسير أبي عبيدة ما وقع بلفظ: ((وهل فوق رجل قتلتموه)). انظر: "غريب أبي عبيد" (5/65- 66)، و "مشارق الأنوار" (2/71- 87)، و "الإكمال" (6/175)، و "النهاية" (3/296- 297)، و "الفتح" (7/294).
(7) أخرجه أحمد (1/444)، وأبو داود (3/166 رقم2722) في الجهاد، باب من أجاز على جريح مثخن ينفَّل من سلبه، وأبو يعلى (9/149 رقم5231)، والطبراني في "الكبير" (9/82-83 رقم8469)؛ جميعهم من طريق أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبدالله قال: نفلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر سيف أبي جهل؛ كان قتله .
قال الهيثمي في "المجمع" (6/102): ((رواه كله أحمد، والبزار باختصار، وهو من رواية أبي عبيدة، عن أبيه، ولم يسمع منه، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح)).
(8) قوله: ((أنه)) سقط من (ح).(1/284)
ومن بابِ المنِّ على الأسُارى
((النَّجْدُ)): المرتفِعُ من الأرضِ، والغَوْرُ: ما انخفض منها. و((اُثالٌ)): أبو ثمامةَ؛ بضمِّ الهمزةِ لا غيرُ فيما أعلمُ (1) .
وقوله: ((فربطوه بساريةٍ من سواري المسجد)) بهذا تمسَّك (2) الشافعيُّ على (3) جوازِ دخولِ الكفارِ المساجدَ، واستثنى من ذلك مسجدَ مكةَ وحَرَمَها. وخصَّ أبو حنيفةَ هذا الحكمَ بأهلِ الكتابِ لا غيرُ.
ومنع مالكٌ - رحمه الله - دخولَ الكفار جميعَ المساجدِ والحرمَ؛ وهو قولُ عمرَ بن عبدِ العزيزِ، وقتادةَ، والمزنيِّ.
ويُستدلُّ لهم بقولِه تعالى: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} (4) ، ووجهُ التمسُّكِ بها: أنه نبَّه على أنَّ منعَهم دخولَ المسجدِ الحرامِ إنما كان =(3/583)=@ لنجاستِهم، وهذا يَقتضي تَنزيهَ المساجدِ عنهم، كما تُنَرَّهُ عن سائرِ الأنجاسِ.
والشافعيُّ يَحملُ النجسَ هنا على عينِ المشرِكِ (5) ، ومالكٌ يحملهُ على أنه نجسٌ بما &(3/461)&$ يخالطُه من النجاسةِ؛ إذ كان لا ينفكُّ عنها، ولا يَتحرَّزُ منها.
وبقولِه تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه} (6) ، ودخولُ (7) الكفار فيها مناقِضٌ لتَرْفيعِها. %(1/285)%
__________
(1) قال القاضي في "المشارق" (1/62) وثمامة بن أثال بثاء مثلثة في اسمه واسم أبيه. قال الثوري في "تهذيب الأسماء واللغات" (1/148): ((أثال)) بضم الهمزة وتخفيف الثاء المثلثة، وهو معروف بلا خلاف .اهـ. وقال الحافظ في "الفتح" (1/556)، و((ثمامة)) بمثلثة مضمومة. ثم ذكر ضبط ((أثال)) نحو ما سبق، وانظر "الفتح" (8/87).
(2) في (ب) و (م): ((يتمسك)).
(3) في (ب) و (م): ((في)).
(4) سورة التوبة؛ الآية: 28، وقوله بعد عامهم هذا، في (2) فقط.
(5) قال الحافظ في "الفتح" (1/390 – 391): ((وأغرب القرطبي في الجنائز من "شرح مسلم" فنسب القول بنجاسة الكافر إلى الشافعي)) .اهـ.
(6) سورة النور؛ الآية: 36.
(7) في (ب) و(م): ((فدخول)).(1/285)
وبقوله ?: ((إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ البَوْلِ وَالْقَذَرِ)) (1) . والكافرُ لا يَخلو عن ذلك. وبقولِه ?: ((لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضْ، وَلَا جُنُبٍ)) (2) . والكَافرُ جُنُبٌ (3) ، وإن كانت امرأةً فعليها الغسلُ من الحيضِ، لا سيما إذا قلنا: إنهم مخاطبون بالفروع.
وقد اعتذر أصحابُنا عن حديثِ ثمامةَ بأوجهٍ:
أحدُها: أن ذلك كان متقدِّمًا على قولهِ تعالى: {إنما المشركون نجس} (4) ، وهذا يحتاجُ إلى تحقيقِ نقلِ التواريخِ (5) .
وثانيها: أن النبيَّ ? كان قد علم بإسلامِه. وهذا فيه بُعدٌ؛ فإنه نصَّ في الحديثِ على أنه إنما أسلم بعدَ أن مَنَّ عليه وأطلقه، ثم إنه رجع فأسلم.
وثالثُها: أن هذه قضيةٌ في عين؛ فلا ينبغي أن تُدفعَ (6) بها الأدلةُ التي ذكرناها (7) آنفًا؛ لكونِها مفيدةً (8) حكمَ القاعدةِ الكليةِ.
ويمكنُ أن يقالَ: إنَّ النبيَّ ? إنما ربط ثُمامةَ في المسجدِ لينظرَ حُسْنَ صلاةِ المسلمين، واجتماعَهم (9) عليها، وحسن آدَابهم في جلوسِهم في المسجِد، فيَأنَسَ (10) بذلك ويُسْلمَ، وكذلك كان (11) . ويمكن أن يقالَ: إنهم لم يكنْ لهم موضعٌ يُرَبِطُونه فيه إلا في (12) المسجد. والله تعالى أعلمُ.
وقوله: ((إن تقتل تقتل ذا دم)) (13) ؛ هو بالدالِ المهملةِ (14) ؛ ويعني به: إنه مِمَّن يُشْتَفَى =(3/584)=@ بدمِه (15) ؛ لأنه كبيرٌ في قومِه، وقد سمعتُ (16) من بعضِ النقلةِ أنه يقولهُ (17) %(1/286)%
__________
(1) تقدم في الطهارة، باب النهي أن يبال في الماء الراكد .
(2) حديث ضعيف، وقد تقدم تخريجه في الطهارة، باب ما يحل من الحائض .
(3) في (أ): ((خبيث)).
(4) سقط من (ب) و(م).
(5) ذكره القاضي عياض؛ قال: ولعل هذا كان قبل نزول الآية وورد في حاشية النسخة (ب) تعليق نصه: ((حاشية)): التاريخ معروف؛ وذلك أن إسلام ثمامة هذا قبل الفتح بلا خلاف؛ وشاهد ذلك ما ذكره من عمرته وإغاظته لقريش؛ ونزول ((لا يقربوا المسجد الحرام)) (كذا، والآية: فلا يقربوا) في سنة تسع بعد الفتح بسنة فحج أبو بكر رضي الله عنه بالناس، ورد عليه علي رضي الله عنه ((ببراءة)) والله أعلم)) اهـ. قال الحافظ في "الفتح" (8/87)، معلقا على ترجمة البخاري ((باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال)) -: ((وكان وفد بني حنيفة .. في سنة تسعٍ ... وأما ثمامة ... فكانت قصته قبل وفد بني حنيفة بزمان؛ فإن قصته صريحة في أنها كانت قبل فتح مكة ... فكان البخاري ذكر ههنا استطرادًا)).
(6) في (ب)، و(م): ((يرفع))، وفي (ح)و(ي): ((ترفع)).
(7) في (ب) و (م): ((ذكرنا)).
(8) في (م): ((مقيدة)).
(9) في (ح) و(ي): ((واجتهادهم)).
(10) في (أ): ((فيتأس)).
(11) سقط من (ح).
(12) سقط من (ب).
(13) قوله: ((تقتل تقتل ذا دم)) في (م): ((يقتل فقتل ذا ادم)).
(14) قوله: ((بالدال المهملة)) في (ح) : ((بالذال المعجمة)) وفي (ي): ((بالدال المعجمة)).
(15) قوله: ((يشتفي بدمه)) في (أ) و (ز) : ((يستشفي بدمه))، وفي (ح) و(ي): ((يستشفي به)).
(16) في (ح): ((سمعته)).
(17) في (أ): ((يقولها)).(1/286)
بالذالِ المعجمةِ، &(3/462)&$ وفسَّره بالعيبَ (1) ، وليس بشيءٍ في المعنى، ولا صحيح في الروايةِ، وهو تصحيفٌ؛ ولو أراد به العيبَ لقال: ((ذامٍ)) (2) ، بألفٍ، كما (3) في المثل: ((لا تعدم (4) الحسناء ذامًا)) (5) ؛ أي: عيبًا (6) .
وقولُه ?: ((أطلقوا ثمامة)) دليلٌ على جوازِ المنِّ على الأُسارى، كما قدّمناه .
وقوله: ((فانطَلق الى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد)) هذا يدلُّ: على أنَّ غسلَ الكافرِ كان عندَهم مَشْروعًا، معمولاً به معروفًا. ألا ترى إلى (7) أنه لم يَحْتَجْ في ذلك إلى مَنْ (8) يأمرهُ بالغسلِ، ولا لمن يُنَبِّهُهُ (9) عليه؟!
وقد ورد الأمرُ به من النبيِّ ? من حديثِ ابن عمرَ (10) : أن قيسَ بنَ عاصمٍ – رضي الله عنه - أسلم، فأمره النبيُّ ? أن يغتسلَ. وبه تمسَّكَ من قال بوجوبِ الغسلِ على الكافرِ إذا أسلم؛ وهو قولُ أحمدَ، وأبي ثورٍ. وأما مالكٌ فقال في المشهورِ عنه: إنه (11) إنما يغتسلُ لكونه جُنُبًا. ومن أصحابِه من قال: يغتسلُ للنظافةِ. وقال بسقوطِ الوجوب الشافعيُّ، وقال: أحَبُّ إليَّ (12) أن يغتسلَ. ونحوهُ لابن القاسم. ولمالك أيضًا قولٌ: أنه لا يَعرِفُ =(3/585)=@ الغسلَ؛ رواه عنه ابنُ وهبٍ، وابنُ أبي أويسٍ (13) .
والروايةُ الصحيحةُ في البخاريِّ ومسلمٍ: ((نخل)) بالخاءِ المعجمةِ (14) ، وقال بعضُهم: صوابُه: بالجيم، وهو الماءُ الْمُنْثَعِبُ (15) ، %(1/287)%
__________
(1) في (ح): ((بالعبت)).
(2) في (ب) و (م): ((ذا ذام)).
(3) في (م): ((كما قال)).
(4) في (م): ((يقدم)).
(5) الذَّيم والذَّام: العيبُ يُضرب في عزةتهذيب الأشياء وخلوِّ( ) عن المعاب. قيل: أول من تكلم به حبي بنت مالك بن عمرو العدوانية، وكانت أجمل النساء، فتزوجها مالك بن غسان، فقالت أمها لتباعها: إن لنا عند الملامسة رشحة فيها هنةٌ، فإذا أردتن إدخاله على زوجها فطيِّبْنها بما في أصدافها. فلما كان الوقت أعجلن زوجُها، فغفلن عن ذلك، فلما أصبح قيل له: كيف رأيت طروقتك البارحة؟ فقال: ما رأيت كالليلة قط، لولا ريحة أنكرتها . فقالت هي من خلف الستر: ((لا تعدم الحسناء ذامًا)). وقد يضرب هذا المثل في غير المنطق أيضا؛ وذلك كالرجل يكون الغالب عليه أفعال الأمور الجميلة، ثم يكون منه الفلتة من الزلل. ((مجمع الأمثال)) (3/178)، ((الزاهر)) لابن الأنباري (2/3 – 4)، ((جمهرة اللغة)) (2/703)، ((الصحاح)) (5/1926)، ((المزهر)) (1/386 – 387).
(6) زاد بعده في النسخة (أ) حاشية نصها:
((رواه بعضهم عن أبي داود: ((ذا ذم)) بالمعجمة، وفسره بالذمام، وصحح بعضهم الأول، وقال: تلك الرواية تقلب المعنى؛ لأن من له ذمام لا يستوجب القتل ولا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قتله، ويحتمل أن يكون معناه: إنني رجل عزيز مطاع؛ إذا عقدت ذمامًا لأحدٍ فلا يتجاسر أحد على التعرض له وانتهاك حرمته، والله أعلم، قاله شيخنا المنذري)) .اهـ . لكنه كتبها داخل المتن.
قال القاضي في ((مشارق الأنوار)) (1/ 258)، (1/272): وقوله: ((وإن تقتل تقتل ذا دم)) أي: صاحب دم يشتفي بقتله ويدرك قاتله به ثأره، فاختصر اقتصارا على مفهوم كلامهم فيه، ورواه بعضهم عن أبي داود في مصنفه: ((ذا ذم)) بالمعجمة، وفسره بالذمام، والصحيح الأول، وتلك الرواية تقلب المعنى؛ لأن من له ذمام لا يستوجب القتل، ولا كان النبي عليه السلام يقتله .اهـ.
قال النووي في "شرح مسلم" (12/ 88) بعد نقله كلام القاضي: وقال آخرون: معناه تقتل من عليه دم ومطلوب به، وهو مستحق عليه، فلا عتب عليك في قتله. ثم ذكر رواية أبي داود ثم قال: قلت : ويمكن تصحيحها على معنى التفسير الأول؛ أي: تقتل رجلاً جليلاً يحتفل قاتله بقتله، بخلاف ما إذا قتل ضعيفًا مهينًا، فإنه لا فضيلة في قتله ولا يدرك به قاتله ثأره. اهـ. قال الحافظ في "الفتح" (8/ 88) بعد حكاية كلام القاضي والنووي: وأَوْجَهُ الجميع الوجه الثاني (أي: من عليه دم مطلوب به)؛ لأنه مشاكل لقوله بعد ذلك: ((وإن تنعم تنعم ما شاكر)).
(7) قوله: ((إلى)) في (أ) فقط.
(8) قوله: ((ذلك إلى من)) في (ح): ((ذاك إلى لمن)).
(9) في (ب): ((يننهه)).
(10) أخرجه عبدالرزاق (6/9 رقم9833) و (10/318 رقم 19225)، وأحمد (5/61)، وأبو داود (1/251-252 رقم355) في الطهارة، باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل، والترمذي (2/502-503 رقم605) في الصلاة، باب ما ذكر في الاغتسال عندما يسلم الرجل، والنسائي (1/109 رقم188) في الطهارة، باب ذكر ما يوجب الغسل وما لا يوجبه، غسل الكافر إذا أسلم، وابن الجارود (1/24-25 رقم14/غوث)، وابن خزيمة (1/126 رقم 254 و 255)، وابن حبان (4/45 رقم1240/الإحسان)، والطبراني في "الكبير" (18/338 رقم866)، والبيهقي (1/171).
جميعهم من طريق سفيان الثوري، عن الأغر بن الصباح، عن خليفة بن حصين، عن جده قيس بن عاصم، قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أريد الإسلام، فأمرني أن أغتسل بماء وسدر. قال الترمذي: ((هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وانظر "تحفة الأشراف" (8/290)، و"العلل" لابن أبي حاتم" (1/24)، و"تهذيب التهذيب" (1/551). ولا ذكر لابن عمر في روايات الحديث.
(11) سقط من (ب) و (م).
(12) سقط من (ز).
(13) انظر "الإكمال" (5/99)، و"شرح النووي" (12/88) وقال النووي من مذهب الشافعي: قال أصحابنا: إذا أراد الكافر الإسلام بادر به، ولا يؤخره للاغتسال، ولا يحل لأحد أن يأذن له في تأخيره، بل يبادر به ثم يغتسل، ومذهبنا أن اغتساله له واجب إن كان عليه جنابة في الشرك، سواء كان اغتسل منها أم لا . وقال بعض أصحابنا إن كان اغتسل أم لا.وقال بعض أصحابنا إن كان اغتسل أجزأه، وإلا وجب، وقال بعض أصحابنا وبعض المالكية: لا غسل عليه ويسقط حكم الجنابة بالإسلام هذا كله إذا كان جنب في الكفر. أما إذا لم يجنب أصلاً، ثم أسلم، فالغسل مستحب له، وليس بواجب هذا مذهبنا ومذهب مالك وآخرين، وقال أحمد وآخرون: يلزمه الغسل)) اهـ . وما ذكره الشارح من مذهب الشافعي تبع فيه القاضي.
(14) في (ز): ((معجمة)).
(15) في (ح) و (ز) و (ي): ((ينبعث))، وفي (أ) كأنه وضع جميع النقط لتقرأ ((ينبعث)) و ((ينثعب))، وانثعب الماء: جرى في المثعب، وثعبت الماء: فجرّته. انظر "الصحاح" (1/92)، و"الجمهرة" (/)(1/287)
وقيل: الجَاري. قال (1) ابنُ دريدٍ: النَّجْلُ: هو (2) أولُ مَا ينثعبُ (3) من البئرِ إذا جَرَتْ، واستَنْجَل (4) الوادي: إذا ظهرَ ماؤُه (5) .
وقوله: ((وإن (6) خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فبشره، وأمره أن يعتمر))؛ لا يفهمُ منه أنه لما أراد أن يعتمرَ وهو في الجاهليةِ أنَّ ذلك لزمه، فأمره النبيُّ ? &(3/463)&$ بإتمامهِ؛ لأنه لم يَصِرْ أحدٌ من المسلمين إلى أنَّ إرادةَ فعل القربة تُلْزِمُهَا (7) من غيرِ التزامٍ بالنذرِ ولا شروعٍ في العملِ، بل ولو التزم وشَرَع لم يَلْزَمْهُ ذلك في حالةِ (8) كفرِه؛ لأنا وإن قلنا: إنه مخاطبٌ بالفروعِ، فلا يتأتَّى منه قصدُ الالتزامِ، ولا يصحُّ منه الشروعُ؛ إذ لم يفعلْ ذلك على وجهٍ شرعيٍّ، بل هو فاسدٌ؛ لعدمِ (9) شروطِه (10) ، لا سيَّما إذا كان مما (11) يحتاجُ إلى نيةِ القُربةِ (12) . وإنما أمره النبيُّ ? أن ينشئ عمرةً مُبتدَأةً، ليحرزَ فيها له الأجرَ (13) ، وليغيظَ (14) بإسلامهِ كفارَ قريشٍ (15) ، فإنَّ الرجلَ كان عظيمًا في قومهِ وغيرِهم، ولذلك لما قدم مكةَ أظهر إسلامَه، ولم يبالِ بهم (16) ، بل أخبرهم بما ناقضَهم به وأغاظهم (17) ؛ وهو قولُه:((واللهِ (18) ! لا يأتيكم (19) من اليمامة (20) حَبَّةُ حنطة حتى =(3/586)=@ يأذن فيها رسول الله ?)). وأيضًا: فما كانتِ العمرةُ والحجُّ في ذلك الوقتِ مشروعين (21) ، بل شُرِعَا بعدَ ذَلك. والله تعالى أعلمُ. %(1/288)%
__________
(1) في (ز): ((وقال)). ...
(2) قوله: ((هو)) في (ح)، و(ي) فقط.
(3) في (ح) و(ي): ((المنبعث))، ونقرأ في (ز): ((المنسعب))..
(4) في (ح): ((وانتجل)).
(5) عبارة ابن دريد في "الجمهرة" (1/ 492): ((النجل: أول ما يظهر من ماء البئر إذا حفر، وجمعه: ((نِجَالٌ)) لا غير واستنجل الماء: إذا ظهر في الواد)) ، ونحوه في (2/1193).
وقال النووي بعد نقله بعض كلام القاضي الذي ذكره الشارح هنا -: قلت: بل الصواب الأول؛ لأن الروايات صحت به، ولم يرو إلا هكذا، وهو صحيح لا يجوز العدول عنه .اهـ. قال الحافظ: الجاري قلت ويؤيد الرواية الأولى أن لفظ ابن خزيمة في صحيحه في هذا الحديث فانطلق إلى حائط أبي طلحة . اهـ . و"الحائط" البستان .. اهـ . انظر "الإكمال" (6/ 99) و"شرح النووي" (12/89)، و"الفتح" (1/566).
(6) كذا في (أ) وهو موافق لرواية "كتاب مسلم" والتلخيص، وفي سائر النسخ: ((إن)) دون الواو.
(7) كذا في (ح)، وهي غير منقوطة التاء في (ب)، وفي سائر النسخ: ((يلزمها)).
(8) في (ب) و(م) و(ي): ((حال)).
(9) في (أ): ((لعموم)).
(10) في (ي): ((شرطه)).
(11) في (ي): ((ممن)).
(12) في (أ): ((التقرب)).
(13) قوله: ((فيها له الأجر)) في (أ): ((فيها الأجر))، وفي (م): ((له فيها الأجر)).
(14) في جميع النسخ : ((وليغيض)).
(15) قوله: ((كفار قريش))، في (م): ((الكفار من قريش)).
(16) في (م): ((منهم)).
(17) في (ب) و (ز) و (م): ((وأغاضهم)).
(18) قوله: ((والله)) ليس في (ح) و (ي).
(19) في (ح) و(ز): ((تأتيكم))، وهي غير منقوطة في (ب) و (ي).
(20) تقرأ في (م): ((اليمانية)).
(21) في (ز): ((مشروعتين)).(1/288)
ومن بابِ إجلاءِ اليهودِ والنَّصارى من المدينةِ ومن جزيرةِ العربِ
قوله: ((أَسلِموا تَسْلموا))؛ أي: ادْخُلوا في دينِ الإسلامِ طائعينْ (1) تَسْلَموا من القتلِ والسِّباءِ مأجورينُ. وفيه دليلٌ على استعمالِ التجنيسِ، وهو من أنواعِ البلاغةِ. =(3/587)=@ &(3/464)&$
وقولهم (2) : ((قد بلَّغْتَ يا أبا القاسم)) كلمةُ مكرٍ ومُداجَاةٍ (3) ليُدافِعوه بما يُوهمْه (4) ظاهرُها؛ وذلك: أن ظاهرها يقتضي أنه قد بلَّغ رسالةَ ربِّه تعالى؛ ولذلك قال لهم رسولُ الله ?: ((ذَلِكَ أُريدُ))؛ أي: التبليغَ (5) . قالوا ذلك وقلوبُهم مُنكِرةٌ (6) مُكِّذبةٌ. ويحتملُ أن يكونوا قالوا ذلك خوفًا منه، وطيبةً له. والله تعالى أعلمُ.
وقوله: ((اعلموا أن الأرض لله ولرسوله))؛ يعني: مِلْكًا وحُكْمًا. ويعني بها (7) : أرضَهم التي كانوا فيها (8) ؛ أعلمَهم بهذه اللفظة أنه يُجليهم منها، ولا يتركُهم فيها، وأن ذلك حكمُ الله فيهم (9) . %(1/289)%
__________
(1) قوله: ((طائعين)) سقط من (أ).
(2) في (أ): ((وقوله)).
(3) المداجاة: المداراة، ويقال: داجاه إذا داراه، كأنه ساتره العداوة. "مختار الصحاح" (1/84).
(4) في (ز): ((توهمه)).
(5) نقل عبارة الشارح هنا، الحافظ في "الفتح" (6/271).
(6) في (ب) و(م): ((تنكره)).
(7) في (م): ((به)).
(8) سقط من (م)، وفي (ي): ((عليها)).
(9) قوله: ((حكم الله فيهم)) في (ز): ((حكم فيهم)).
وقد أعلمهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإجلائه إياهم، بصريح اللفظ حيث قال: ((وأني أريد أن أجليكم من هذه الأرض فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه)).(1/289)
وقوله: ((من كان له مال فليبعه)) (1) ؛ دليلٌ على أنهم (2) كان لهم (3) عهدٌ على نفوسِهم (4) وأموالهِم، لا على المقامِ في أرضِهم؛ ولذلك أجلاهم منها. وهؤلاء هم يهودُ بني قينقاعَ، وبنو حارثةَ، ويهودُ المدينةِ، المذكورون بعد هذا (5) . =(3/588)=@
وفي قتل النبيِّ ? لبني قريظةَ (6) حين حاربوا؛ دليلٌ على أن من نَقَضَ العهدَ &(3/465)&$ من العدوِّ (7) جاز قتلُه، ولا خلافَ فيه إذا حاربوا، أو (8) عاونوا أهلَ الحربِ. قال (9) أبو عبيدٍ: وكذلك لو تيقَّن غَدْرًا أو غِشًّا (10) . قال الأوزاعيُّ (11) : وكذلك لو أطلع (12) أهلَ الحربِ على عورة المسلمين، أو آوَوْا عُيونَهم. وليس هذا نقضًا عندَ الشافعيِّ. %(1/290)%
__________
(1) الرواية في كتاب مسلم والتلخيص: ((فمن وجد بماله شيئا فليبعه)). قال الحافظ في "الفتح" (6/271): ((من الوجدان؛ أي: يجد مشتريا. أو من الوَجد؛ أي: المحبة؛ أي: يحبه. والغرض: أن منهم من يشق عليه فراق شيء، من ماله مما يعسر تحويله، فقد أذن له في بيعه.
(2) قوله: ((على أنهم)) لم يظهر في (ح).
(3) في (ح): ((له)).
(4) في (ز): ((أنفسهم)).
(5) قوله: ((بعد هذا)) في (ز): ((بعدها)).
قال الحافظ في الفتح (6/ 271)، ولم أر من صرح بنسب اليهود المذكورين والظاهر أنهم بقايا من اليهود تأخروا بالمدينة بعد إجلاء بني قينقاع وقريظة والنضير والفراغ من أمرهم لأنه كان قبل إسلام أبي هريرة وإنما جاء أبو هريرة بعد فتح خيبر ... ويحتمل والله أعلم أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن فتح ما بقي من خيبر هم بإجلاء من بقي ممن صالح من اليهود ثم سألوه أن يبقيهم ليعملوا في الأرض فبقاهم أو كان قد بقي بالمدينة من اليهود المذكورين طائفة استمروا فيها معتمدين على الرضا بإبقائهم للعمل في أرض خيبر ثم منعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من سكنى المدينة أصلا والله أعلم . بل سياق كلام القرطبي في شرح مسلم يقتضي انه فهم أن المراد بذلك بنو النضير ولكن لا يصح ذلك لتقدمه على مجيء أبي هريرة وأبو هريرة يقول في هذا الحديث أنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - .
(6) في (م): ((قريضة)).
(7) قوله: ((من العدو)) سقط من (ب) و (م).
(8) في (ح) و(ي): ((و)).
(9) في (م): ((قاله)).
(10) في (ح): ((غدوًا وغشًّا))، وتقرأ في (ي): ((عدوا وعشيا)).
وكذا وقع في جميع نسخ المفهم وفي مطبوع "الإكمال" (6/ 101) ومخطوطه: ((أبو عبيد)) والصواب: ((أبو عبيدة))؛ قاله في ((مجاز القرآن))، (1/249)، في تفسير قوله تعالى: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء} [الأنفال: 59]، قال: ((معناها : وإما توقنن منهم خيانة؛ أي: غدرًا وخلافا وغشًا ونحو ذلك)). وقد وقع في مطبوع "الإكمال": ((توقعت لهم خيانة))، وفي مخطوطه: ((توقنن ...))؛ كما في ((مجاز القرآن)).
(11) قوله: ((وكذلك لو تيقن غدرًا أو غشا قال الأوزاعي)) سقط من (م).
(12) كذا في النسخ غير (ي)، ففيها: ((أقطع))، وصواب العبارة هنا: ((أطلعوا)). والعبارة كذلك في "الإكمال" (6/101).(1/290)
وقوله: ((لأُخرِجن اليهود والنَّصارى من جزيرة العرب)) قال الخليلُ: جزيرةُ العربِ: مَعْدِنُها (1) ، ومسكنُها، وإنما قيل لها: جزيرةُ (2) ، لأن بحرَ الحبشِ، وبحر فارسَ، ودجلةَ، والفراتَ (3) ؛ قد أحاطتْ (4) بها. وقال الأصمعيُّ: جزيرةُ العربِ: من أقصى عَدَنِ أَبْينَ إلى ريفِ العراقِ في الطولِ، وأما العرضُ: فمن جُدةَ وما والاها من ساحلِ البحرِ إلى أطرافِ الشامِ (5) . =(3/589)=@
ومن باب إذا نزل العدوُّ على حكمِ الإمامِ
فله أن يردَّ الحكمَ إلى غيرِه (6)
(( ابن العَرِقة))- بالعينِ المهملةِ، وكسرِ الراءِ - هي روايةُ الحفَّاظِ، وضبطُ المتقِنين، واسمُه: حِبَّان - بكسرِ الحاءِ - ابن أبي قيس بن علقمة بن عبد مناف. والعَرِقة (7) : أُمُّه، واسمها: قِلابةُ - بكسرِ القافِ، والباءِ بواحدةٍ- بنتُ سعدِ بنِ سهمِ بنِ عمروِ بنِ &(3/466)&$ هُصِيْصٍ. وقيل: اسمهُ: جبَّار (8) بنُ قيسٍ، %(1/291)%
__________
(1) في (م): ((معد بها)).
(2) في (ب) و (ح) و (م) و (ي): ((جزيرة العرب)).
(3) في (م): ((والفرا))
(4) في (أ): ((أحطات)). وعبارة "العين" (6/62) وجزيرة العرب: محلتها؛ لأن البحرين: بحر فارس [وبحر] الحبش؛ ودجلة والفرات، قد أحاطت بجزيرة العرب وهي أرضها ومعدنها . اهـ.
قال في "اللسان" (4/133): قال الليث: الجَزْر - مجزومٌ -: انقطاع المد؛ يقال مدَّ البحر والنهر: في كثرة الماء والانقطاع اهـ . قال الخليل في "العين": ((والجزيرة أرض في البحر ينفرج عنها ماء البحر فتبدو، وكذلك الأرض لا يعلوها السيل فيحدقَ بها، فهي الجزيرة اهـ . وقال الجوهري: سميت بذلك لانقطاعها عن معظم الأرض . قال النووي: وأضيفت إلى العرب لأنها الأرض التي كانت بأيديهم قبل الإسلام وديارهم التي هي أوطانهم وأوطان أسلافهم
(5) زاد في (أ) حاشية نصها: ((ويهودُ)) مَعرِفة، وكذلك ((مجوسُ)) والألف واللام فيهما زائدتان؛ لأن الاسم لا يعرف من وجهين ؛ والدليل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((ثبرتكم يَهُودُ)) وغيرُ ذلك، وقول الشاعر: ((كَنَارِ مَجٌوسَ تَضْطَرِمُ اضْطِرَامًا)) قاله المنذريُّ)) اهـ لكنه كتبها داخل المتن.
قال الجوهري في "الصحاح" (2/557): أرادوا باليهود اليهوديين ولكنهم حذفوا ياء الإضافة كما قالوا: زنجي وزنج وإنما عرف على هذا الحد فجمع على قياس شعيرة وشعير ثم عرف الجمع بالألف واللام ولولا ذلك لم يجز دخول الألف واللام عليه لأنه معرفة مؤنث فجرى في كلامهم مجرى القبيلة، ولم يجعل كالحي، وقال الزمخشري في "الفائق" (1/156): والأصل في يهود ومجوس أن يستعملا بغير لام التعريف؛ لأنهما علمان خاصان لقومين كقبيلتين ... وإنما جوز تعريفهما باللام لأنه أجرى يهودي ويهود ومجوسي مجرى شعيرة وشعير وتمرة وتمر.
قال النووي في ((تهذيب الأسماء واللغات)) (3/357 - 358: وقيل اليهود معرب من يهوذا بن يعقوب - عليهما الصلاة والسلام - بالذال المعجمة - عرب ثم نسب الواحد إليه؛ فقيل: يهودي، ثم حذفت الياء في الجمع؛ فقيل: يهود، وكل جمع منسوب إلى جنس فهو بإسقاط ياء النسبة؛ كقولهم: زنجي وزنج، ورومي وروم، هذا الكلام في أصل هذا الحرف ... وفي حديث القسامة؛ ((تحلف لكم يهود)) لفظة ((يهود)) مرفوعة غير منونة؛ فلا تنصرف؛ لأن العرب أجرته اسما للقبيلة؛ فامتنع صرفه لتأنيثه وتعريفه، وكذلك مجوس. قال أبو حاتم السجستاني: يهود ومجوس لا ينصرفان؛ لأنهما اسمان لأمتين كالاسمين للقبيلتين، قال: وأما المجوس واليهود فالمراد: مذهب المجوسي واليهودي .اهـ.
وقد اختلف في حد جزيرة العرب والمراد بها: فقيل: ما بين أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول، وأما في العرض فمن جدة وما والاها إلى أطراف الشام؛ ذكره أبو عبيد عن الأصمعي. وقيل: ما بين حَفَر أبي موسى إلى أقصى اليمن في الطول، وأما في العرض فما بين رمل يبرين إلى منقطع السماوة، ذكره أبو عبيد عن أبي عبيدة. وقال ابن عبد البر في ((التمهيد)) (1/172): ذكر ابن وهب عن مالك قال: أرض العرب مكة والمدينة واليمن، وقال أحمد بن المعذل: حدثني يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري قال: قال مالك بن أنس : جزيرة العرب المدينة ومكة واليمامة واليمن قال: وقال المغيرة بن عبد الرحمن: جزيرة العرب المدينة ومكة واليمن وقرياتها . اهـ . وذكر القاضي عياض في "مشارق الأنوار" (1/169) نحوه عن إسماعيل القاضي عن مالك، وعن البخاري عن المغيرة، قال القاضي: وحكاه (أي قول المغيرة) إسماعيل القاضي عن مالك؛ قال: هو كل بلد لم تملكه الروم ولا فارس .اهـ. ثم ذكر القاضي قول أبي عبيدة والأصمعي.
وقال النووي في ((شرح مسلم)) (10/ 213)، مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب: إخراجهم من بعضها وهو الحجاز خاصة؛ لأن تيماء من جزيرة العرب لكنها ليست منها الحجاز. والله أعلم . اهـ. وقال الحافظ في "الفتح" (6/171)، الذي يمنع المشركون من سكناه منها الحجاز خاصة وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها، لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب؛ لاتفاق الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها مع أنها من جملة جزيرة العرب؛ هذا مذهب الجمهور .اهـ.
وانظر: غريب الحديث لأبي عبيد (3/441 - 442)، وشرح النووي (10/213).
(6) في (ب) و(م) و(ز): ((لغيره)).
(7) تراجع (ح).
(8) في (أ): ((حَبَّار)) ووضع علامة الإهمال تحت الحاء. وفي (ب) و (م): ((حبان)). وانظر التعليق الآتي بعد.(1/291)
أحدُ بني العرقة (1) . قال الدارقطنيُّ: والأولُ أصحُّ.
وقيل: ((العرَقة)) - بفتحِ الراءِ؛ قاله الواقديُّ. وقال: إن أهلَ مكةَ يقولونَه كذلك. والأولُ أصحُّ، وأشهرُ (2) .
والأَكْحلُ: عِرْقٌ معروفٌ. قال الأصمعيُّ: إذا قُطع في اليدِ لم يَرْقَأِ الدمُ، وهو عِرقُ الحياةِ، في كلِّ عضوٍ منه شعبةٌ لها اسمٌ (3) .
وقوله: ((فضرب له رسول الله ? خيمةً في المسجد، يعوده من قريب)) هذا (4) نصٌّ على أن سعدًا كان مقيمًا في المسجدِ (5) في هذه الحالةِ، وقد ذكر في هذا الحديثِ بعدَ هذا: أن رسولَ الله ? أرسل إليه، فأتاه، فلما دنا قريبًا من المسجدِ، =(3/590)=@ قال رسولُ الله ?: ((قُومُوا إِلى سيدكم))، وظاهرهُ: أنه كان خارجًا عن (6) المسجدِ، وأنه أَتى إليه. وهذا إشكالٌ أَوْجبه (7) اعتقادُ اتخاذِ المسجدِ في الموضعين، وأن النبي (8) ? كان قد استدعى سعدًا - رضي الله عنه - لمسجدِه في المدينةِ (9) ، وليس الأمرُ كذلك، بل كان نازلاً على بني قريظةَ، ومنها وجَّه إليه، فيحتملُ أن يكونَ سعدٌ اختطَّ هنالك (10) مسجدًا يصلِّي فيه، فعبَّر الراوي عنه. وقال بعضُ علمائِنا: المسجدُ هنا تصحيفٌ من بعضِ الرواةِ، وإنما اللفظ: ((فلما دنا (11) من النبيِّ ?))؛ بدليلِ ما قد (12) جاء في كتابِ أبي داودَ (13) : ((فلما دنا من رسولِ الله ?))، فكأن الراويَ سمعَ: ((من النبي ?))، فتصحَّف (14) عليه. والله تعالى أعلمُ (15) .
وقوله: ((فلما رجع رسولُ الله ? من الخندق ووضعَ (16) السلاحَ، فاغتسل، فأتاه جبريل ?)) هكذا وقع في الروايةِ: ((فأتاه)) (17) بالفاء %(1/292)%
__________
(1) قوله: ((أحد بني العرقة)) سقط من (ز).
(2) زاد هنا في (أ) حاشية كتبها داخل المتن؛ نصها: ((ويقال بنت سعد القرشية السهمية، كنيتها أم فاطمة، وسميت العرقة بطيب ريحها؛ قاله المنذري)).
(3) ذكره القاضي والنووي والحافظ، عن الخليل وعبارة "العين": ((والأكحل عرق الحياة في اليد، وفي كل عضوٍ منه شعبةٌ على حدة)) . وكذلك ذكره الأزهري عن الليث، قال النووي: قال غيره (أي غير الخليل): هو عرق واحد، يقال له في اليد: الأكحل، وفي الفخذ النساء، وفي الظهر الأبهر .اهـ. زاد الفيوم: وفي العنق الوَدَج والوريد، وفي الظهر: النياط، والوتين في البطن،والأبجل في الرِّجل، والصافن في الساق .اهـ. وانظر: ((البين)) (3/ 62)، ((المحكم)) (3/ 43)، و"تهذيب اللغة" (4/ 62)، و"الإكمال" (6/ 106)، و"النهاية" (4/154)، و"شرح النووي" (12:\/94)، (14/ 197 - 198)، و"المصباح" (ص 336)، و"الفتح" (7/ 413).
(4) في (ب): ((وهذا)).
(5) في (م): ((على)).
(6) في (أ): ((من)).
(7) قوله: ((أوجبه)) في (م): ((أوفيه)).
(8) في (ي): ((رسول الله)).
(9) قوله: ((لمسجده في المدينة)) في (ب) و (ز): ((بمسجده بالمدينة)).
(10) في (أ): ((هناك)).
(11) قوله: ((فلما دنا)) سقط من (أ).
(12) سقط من (ح).
(13) في "سننه" (5/390 رقم5216) في الأدب، باب ما جاء في القيام، ولفظه: ((فلما كان قريبًا من المسجد قال للأنصار: قوموا إلى سيدكم)). وقريبًا من هذا اللفظ الذي ساقه المصنف: ما أخرجه البخاري (6/165 رقم3043) في الجهاد، باب إذا نزل العدو على حكم رجل. و(7/411 رقم4121) في المغازي، باب مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم، ولفظه: ((فلما دنا من المسجد، قال للأنصار: قوموا إلى سيدكم)).
(14) في (ي): ((فصحف)).
(15) ذكر نحو هذا القاضي عياض عن ((بعضهم))؛ قال: انظر قوله: ((من المسجد)) وكذا جاء في حديث شعبة في مسلم والبخاري، وأراه وهمًا، فإن كان أراد مسجد النبي ?؛ فقد جاء [منه] سعد بن معاذ وفيه كان، على ما سيأتي تفسيره في الحديث الآخر، والنبي ? إنما كان - حين وجه إليه - نازلا على بني قريظة، ومنها وجه [إلى] سعد ليأتيه، إلا أن يريد مسجدا [اختطه] النبي ? هناك كان يصلي فيه مدة مقامه، قال: والصحيح ما جاء في غير كتاب مسلم: ((فلما دنا من رسول الله ?))، أو : ((فلما طلع إلى رسول الله ? )) كذا جاء في كتاب أبي داود وابن أبي شيبة؛ فيحتمل أن ((المسجد)) تصحيف من لفظة ((النبي)) ?، وأن صوابه: ((فلما دنا من النبي ?))، كما جاء في الحديث الآخر في الأصول: ((فلما دنا من رسول الله ?)).اهـ.
وقد نقل كلام القاضي هذا النووي ولم يتعقبه لكن قال الحافظ: وقوله فلي هذه الرواية: ((فلما بلغ قريبًا من المسجد))، أي: الذي أعده النبي ?؛ أي: الذي أعده النبي ? أيام محاصرته لبني قريظة للصلاة فيه، وأخطأ من زعم أنه غلط من الراوي؛ لظنه أنه أراد بالمسجد: المسجد النبوي بالمدينة: وقال: ن الصواب ما وقع عند أبي داود من طريق شعبة أيضًا بهذا الإسناد بلفظ: ((فلما دنا من النبي ?)) انتهى. وإذا حمل على ما قررته لم يكن بين اللفظين تنافٍ، وقد أخرجه مسلم كما أخرجه البخاري كذلك.
انظر : ("الإكمال" (6/ 104)، و"شرح النووي" (12/93)، "والفتح" (7/ 124)، (7/412).
(16) قوله: ((ووضع)) في (أ) و(ح) و(ي): ((وضع)) دون واو العطف، ورواية المطبوع من "صحيح مسلم"، و"التلخيص" دون الواو، وذكر في الطبعة العامرة أن في نسخة ((ووضع))، وعليها كلام الشارح فأثبتناه؛ لأنه لو حذفت الواو، بطل الكلام على زيادة الفاء أصلاً. وانظر الآتي.
(17) زاد بعدها في (ب) و(م): ((جبريل)).(1/292)
والصوابُ: طَرْحُها؛ فإنه جوابُ ((لما))، ولا تدخلُ (1) الفاءُ في جوابِ ((لما)) (2) ، وكأنها زائدةٌ (3) ؛ كما زيدتِ الواوُ في جوابِها في قولِ امرئِ (4) القيسِ:
فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الْحَيِّ وَانْتَحَىبِنَا بَطْنُ حِقْفٍ ذِي رُكَامٍ عَقَنْقَلِ (5)
&(3/467)&$
وإنما هو: ((انتحى))، فزاد الواوَ.
وقولُه: ((فقاتلهم رسول الله ? فنزلوا على حكم رسول الله ?، فرد رسول الله ? الحكم فيهم إلى سعد رضي الله عنه)) هذا تفسيرٌ؛ فينبغي أن يحملَ عليه ما ليسَ =(3/591)=@ بمفسَّرٍ مما في الروايةِ الأخرى: أنهم نزلوا على حكمِ سعدٍ، فإنهم إنما نزلوا على حكمِه بعد أن حَكَّمَهُ (6) رسولُ الله ? فيهم. ومن هذا الموضعِ يؤخذُ الحكمُ (7) الذي أشرنا إليه في الترجمةِ، وفيه ردٌّ على الخوارجِ المانعين للتحكيمِ في الدينِ، ولم يصرْ أحدٌ من علماءِ الصحابةِ ولا غيرِهم إلى مَنْعِه سِوى الخوارجِ (8) .
قال القاضي عياضٌ: ((والنزولُ على حكمِ الإمامِ أو غيرهِ جائزٌ، ولهم الرجوعُ عنه ما لم يَحكمْ، فإذا حكم لم يكنْ للعدوِّ الرجوعُ، ولهم أن ينقلوا من حكمِ رجلٍ إلى غيرِه (9) . وهذا كلُّه إذا كان الحَكَمُ ممن يجوزُ تحكيمُه من أهلِ العلمِ والفقهِ والديانةِ، فإذا حَكَم لم (10) يكن للمسلمين ولا للإمامِ المجيز لتحكيمِه نقضُ حكمهِ (11) ؛ إذا حكم بما هو نظرٌ للمسلمين من قتلٍ، أو سباءٍ (12) ، أو إقرارٍ على الجزيةِ، أو إجلاءٍ. فإن حكم بغيرِ هذا من الوجوهِ التي (13) لا يبيحُها الشرعُ لم ينفذْ حكمُه، لا على المسلمين، ولا على غيرِهم)) (14) .
%(1/293)%
__________
(1) في (ح): ((يدخل)) وهي غير منقوطة في (ب).
(2) قوله: ((ولا تدخل الفاء في جواب لما)) سقط من (أ).
(3) قال الحافظ في "الفتح" (7/413): قوله: ((فلما رجع النبي ? من الخندق وضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل)) هذا السياق يبين أن الواو زائدة في الطريق التي في الجهاد، حيث وقع فيه بلفظ: ((لما رجع يوم الخندق ووضع السلاح فأتاه جبريل))، وهو أولى من دعوى القرطبيِّ: أن الفاء زائدة ...، ودعوى زيادة الواو في قوله: ((وضع)) أولى من دعوى زيادة الفاء لكثرة مجيء الواو زائدة ووقع في أول هذه الغزاة: ((لما رجع من الخندق ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل)) فمن هنا ادعى القرطبي أن الفاء زائدة))، وانظر في مواضع زيادة الفاء "الأزهية" (ص246 - 248) "ومغني اللبيب" (ص 171 - 173)، وانظر تخريج بيت امرئ القيس الآتي.
(4) في (ي): ((امر))
(5) البيت من معلقة امرئ القيس المشهورة. انظر "المعلقات السبع" (ص24) أضف إليها تعليق على الجهاز.
(6) في (ز): ((حكم)).
(7) من قوله: ((سعد فإنهم إنما نزلوا ....)) إلى هنا، سقط من (ح)، و(ي).
(8) قال الحافظ فتح الباري (7/413 - 414):
قوله: ((فنزلوا على حكمه فرد الحكم إلى سعد)) كأنهم أذعنوا للنزول على حكمه ?، فلما سأله الأنصار فيهم رّدَّ الحكمَ إلى سعد، ووقع بيان ذلك عند ابن إسحاق؛ قال: لما اشتد بهم الحصار أذعنوا إلى أن ينزلوا على حكم رسول الله ?، فتواثبت الأوس فقالوا: يا رسول الله، قد فعلت في موالي الخزرج؛ أي بني قينقاع، ما علمت فقال: ((ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟)) قالوا: بلى، قال: ((فذلك إلى سعد بن معاذ)) وفي كثير من السير أنهم نزلوا على حكم سعدْ ويجمعُ بأنهم نزلوا على حكمِه [?] قبل أن يحكَّم فيه سعدٌ، وفي رواية علقمة بن وقاص المذكورة: ((فلما اشتد بهم البلاء قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله، ? فلما استشاروا أبا لبابة قال: ننزل على حكمه سعد بن معاذ. ونحوه في حديث جابر عند ابن عائذ؛ فحصل في سبب رد الحكم إلى سعد بن معاذ أمران؛ أحدهما: سؤال الأوس، والآخر: إشارة أبي لبابة. ويحتمل أن تكون الإشارةُ إثر توقفهم، ثم لما اشتد الأمر بهم في الحصار عرفوا سؤال الأوس، فأذعنوا إلى النزول على حكم النبي ? وأيقنوا بأنه يرد الحكم إلى سعدْ وفي رواية علي بن مسهر عن هشام بن عروة عند مسلم: ((فرد الحكم فيهم إلى سعد وكانوا حلفاءه)).
(9) عبارة القاضي: ((...من حكم رجل قبل حكمه إلى غيره)).
(10) في (ب): ((لمن)).
(11) قوله: ((المجيز لتحكيمه نقض حكمه)) لفظة ((لتحكيمه)) من (ح) و((الإكمال)) فقط، وفي سائر النسخ: ((لتحكيمهم)) ولفظة ((المجيز)) في (أ): ((المجيب))، و((نقض)) في (ح): ((أن ينقض)).
(12) في (ب)، و(م): ((إسار))، و((السِّباء)) - كـ ((كتاب)) - اسمٌ من سَبَى العدو يَسْبيِهِ سَبْيًا، والقصر في ((السباء) لغة. ((المصباح)) (ص 140), ((والإسار)) مصدرٌ لـ ((أسره يأسره))، كـ ((الأَسْر)) و((الإسار)) أيضًا: ما يشد به الأسير ((الصحاح)) (2/578).
(13) في (ب) و (م): ((الذي)).
(14) ((الإكمال)) (6/104).(1/293)
وقوله: ((قوموا لسيدكم أو خيركم)) استدلَّ بهذا مَنْ قال بجوازِ القيامِ للفضلاءِ والعلماءِ؛ إكرامًا (1) لهم، واحترامًا. وإليه مال عياضٌ، وقال: إنما القيامُ المنهيُّ عنه: أن يقامَ عليه وهو جالسٌ، وهو الذي أنكره النبيُّ ? على أصحابِه؛ حيثُ صلوا قيامًا وهو قاعدٌ للخَدْشِ الذي أصابه، فقال لهم: ((مَا لَكُمْ تَفْعَلُونَ &(3/468)&$ فِعْلَ =(3/592)=@ فَارِسَ وَالرُّومِ؛ يقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ)) (2) . وعليه حُمل قولُ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ: ((إن تَقوموا نقمْ (3) ، وإن تقعدوا نقعدْ، وإنما يقومُ الناسُ لربِّ العالمين (4) )). وقد رأيت (5) لعبدِالملكِ جوازَ قيامِ الرجلِ لوالديه، والزوجةِ لزوجِها. ومذهبُ مالكٍ: كراهيةُ (6) القيامِ لأحدٍ مطلقًا. واستُدلَّ له على ذلك بقوله ?: ((مَنْ سَرَّهُ (7) أَنْ يَتَمَثَّلَ (8) لَهُ النَّاسُ (9) قِيَامًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)) (10) . وعليه حُمِلَ قولُ عمرَ بنِ عبدِالعزيزِ، رضي الله عنه. وقد جاء في كتابِ أبي داود مَرْفوعًا: ((لَا تَقُومُوا كَمَا تَقُوُم الأَعَاجِمُ، يُعَظِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا)) (11) . ويعتضدُ هذا: بأن النبيِّ ? لم يكن يَقُوم (12) له أحدٌ (13) ، ولا يقوُم هو لأحدٍ. هذا هو المنقولُ من سيرتهِ، وعليه دَرَجَ الخلفاءُ رضوانُ اللهِ عليهم، ولو كان القيامُ لأحد من العظماءِ مَشْروعًا، لكان أحقَّ الناسِ بذلك رسولُ الله ? وخلفاؤُه. وَلَمْ فلا.
وتأوَّل بعضُ أصحابِنا حديثَ: ((قُومُوا إلىَ سَيدِكُمْ)) على (14) أنَّ ذلك خُصوصٌ بسعدٍ، لما تَقتضيه تلك الحالُ المعيَّنةُ والله تعالى أعلم (15) . وقال بعضُهم: إنما أمرَهم بالقيامِ له (16) ليُنْزِلوه (17) عن الحمارِ لمرضِه، وفيه بُعدٌ (18) . والله تعالى أعلمُ. %(1/294)%
__________
(1) في (ي): ((وإكرامًا)).
(2) تقدم في الصلاة، باب إنما جعل الإمام ليؤتم به .
(3) في (ح): ((إن تقولوا تقم)).
(4) ((الإكمال)) (6/ 105). وانظر التعليق آخر كلام الشارح في المسألة.
(5) في (ز): ((رويت)).
(6) في (ح)، و(ي): ((كراهة)).
(7) في (ح)، (ي): ((أحب)).
(8) في (ب): ((يمثل)) وفي (م): ((يثمثل)).
(9) في (ح): ((الناس له)) و((الناس)) سقط من (ي).
(10) أخرجه ابن الجعد في "مسنده" (ص222 رقم1482)، وابن أبي شيبة (5/235 رقم25573) في الأدب، باب في الرجل يقوم للرجل إذا رآه، والبخاري في "الأدب المفرد" (2/441 رقم977)، وأحمد (4/91 و93 و100)، وعبد بن حميد (ص156 رقم413)، وأبو داود (5/397-398 رقم5229) في الأدب، باب في قيام الرجل للرجل، والترمذي (5/84 رقم2755) في الأدب، باب ما جاء في كراهية قيام الرجل للرجل، والدولابي في "الكنى" (1/95)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3/156رقم1127)، وابن أبي حاتم في "العلل" (2/336 رقم3531)، والطبراني في "الكبير" (19/351 و351-352 رقم819 و820 و821)، والبغوي في "شرح السنة" (12/295 رقم3330) من طريق ابن الجعد؛ جميعهم من طريق حبيب بن الشهيد، عن أبي مجلز، عن معاوية، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من سرَّه أن يتمثل له الناس قيامًا، فليتبوأ مقعده من النار)) قال الترمذي: ((هذا حديث حسن)).
وله طرق أخرى: فأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3/154 رقم1125)، والطبراني في "الكبير" (19/362 رقم852)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (13/193)؛ ثلاثتهم من طريق المغيرة بن مسلم، عن عبدالله بن بريدة، عن معاوية، فذكره بمعناه.
وصحح إسناده المنذري في "الترغيب" (3/421 رقم4003)، والألباني في "الصحيحة" (1/694-695 رقم357)، وفي تعليقه على "المشكاة" (3/1332 رقم4699)، وانظر "العلل" لابن أبي حاتم (2/336 رقم3531)، و"الفتح" (11/50).
(11) حديث مضطرب: أخرجه ابن أبي شيبة (5/235 رقم25572) في الأدب، باب في الرجل يقوم للرجل إذا رآه، وعنه أبو داود (5/398 رقم5230) في الأدب، باب في قيام الرجل للرجل، وابن حبان في "المجروحين" (3/159-160)، والطبراني في "الكبير" (8/278-279 رقم8072)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/469 رقم8937). وأخرجه أحمد (5/253)، والرامهرمزي في "المحدث الفاصل" (ص296-297)، والطبراني في "الكبير" في الموضع السابق؛ جميعهم من طريق ابن نمير، وأخرجه تمام (3/416 رقم1186) من طريق يحيى بن هاشم؛ كلاهما - ابن نمير، ويحيى بن هاشم -، عن مسعر - (في رواية: الرامهرمزي: سفيان!)، عن أبي العنبس، عن أبي العدبس، عن أبي مرزوق، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوكئًا على عصا، فقمنا إليه، فقال: ((لا تقوموا كما تقوم الأعاجم، يعظم بعضهم بعضًا)).
وأخرجه أحمد(5/253)، وعبدالغني المقدسي في "الترغيب في الدعاء" (ص76 رقم77)؛ كلاهما من طريق سفيان بن عيينة، عن مسعر بهذا الإسناد. لكن في رواية أحمد: عن أبي، عن أبي، عن أبي، ولم يذكر بقية كُناهم .
وأخرجه أحمد (5/256)، والروياني في "مسنده" (2/312-313 رقم1271)؛ كلاهما من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن مسعر، عن أبي العدبس، عن أبي خلف، عن أبي مرزوق، عن أبي أمامة، فذكره. فسقط من الإسناد: أبو العنبس، وأبو غالب. وزاد ((أبا خلف)). قال أبو حاتم: ((لم يعمل يحيى القطان في هذا شيئًا، إنما هو مسعر، عن أبي العنبس، عن أبي العدبس، عن أبي مرزوق، عن أبي غالب، عن أبي أمامة. "العلل" (2/26-27 رقم2095).
وأخرجه ابن ماجه (2/126 رقم 3836) في الدعاء، باب دعاء رسول الله ? عن علي بن محمد، عن وكيع، عن مسعر، عن أبي مرزوق عن أبي وائل، عن أبي أمامة فذكره. قال لامزي في "تحفة الأشراف" (4/183 رقم 4934) كذا عنده، وهو وهم والصواب الأول - أي: رواية أبي داود من طريق ابن أبي شيبة - ووقع في بعض النسخ المتأخرة: عن أبي مرزوق، عن أبي وائل، عن أبي أمامة، وهو وهم ممن دون المصنف .اهـ.
قال الحافظ في "الفتح" (11/50): ((وأجاب عنه الطبري، بأنه حديث ضعيف مضطرب السند، فيه من لا يعرف)).اهـ.
وقال الألباني في "الضعيفة" (1/521-522 رقم346): ((وفي إسناده اضطراب وجهالة ...، وهذا اضطراب شديد يكفي وحده في تضعيف الحديث، فكيف وأبو مرزوق لين كما قال الحافظ في "التقريب" [(ص1203 رقم8419)] وقال الذهبي في "الميزان" [(4/571-572 رقم1059)]: قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج بما انفرد به)). ثم ساق له هذا الحديث من الطريق الأول، ثم ساقه من طريق ابن ماجه، إلا أنه قال: ((أبي العدبس)) بدل: ((أبي وائل))، ثم قال: وهذا غلط وتخبيط، وفي بعض النسخ: ((عن أبي وائل)) بدل ((عن أبي العدبس)). وأبو العدبس مجهول؛ كما في "الميزان" للذهبي -(4/551 رقم10412)- و"التقريب" لابن حجر -(ص1177 رقم8311)-، وبه أعلَّ الحديث الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (2/181)؛ قال: ((...، والحق: أن الحديث ضعيف، وعلته ممن دون أبي غالب، كما سبق)).اهـ.
ويشهد له ما أورده مسلم، وهو عند المصنف في الصلاة، باب إنما جعل الإمام ليؤتم به برقم (328)، وفيه: ((إن كدتم آنفًا تفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا)).
(12) في (ح) و(ي): ((يقم)).
(13) أخرجه ابن أبي شيبة (5/235 رقم25574) في الأدب، باب في الرجل يقوم للرجل إذا رآه، والبخاري في "الأدب المفرد" (2/398 رقم946)، وأحمد (3/132 و134 و151 و250)، والترمذي (5/84 رقم2754) في الأدب، باب ما جاء في كراهية قيام الرجل للرجل، وأبو يعلى (6/417-418 رقم3784)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3/155رقم1126)، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي ?" (ص58) من طريق أبي يعلى، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/469 رقم8936)، والبغوي في "شرح السنة" (12/294-295 رقم3329)، والضياء المقدسي في "المختارة" (6/13 و13-14 و14 و14- 15 رقم 1958 و1959 و1960 و1961) من طريق ابن أبي شيبة، وأحمد، وأبي يعلى؛ جميعهم من طريق حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس. وفي رواية أحمد (3/134): حماد بن سلمة، عن ثابت أنس، مقرونة مع رواية حميد، عن أنس .
قال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه)). وقال البغوي: ((حسن صحيح)). وقال الألباني في "الصحيحة" (1/698رقم 358): ((وإسناده صحيح على شرط مسلم)).
من طريق ابن الجعد .
(14) سقط من (ب)، و(م).
(15) زاد في (ح): ((والله تعالى أعلم)) زيادة من(ح).
(16) سقط من (ح)، و(ز) و(ي). وفي (أ): ((لهم)).
(17) أخرجه ابن سعد (3/421-423)، وابن أبي شيبة (7/373-374 رقم36785) في المغازي، باب غزوة الخندق، وأحمد (6/141-142)، وابن حبان (15/498-501 رقم7028/الإحسان).
جميعهم من طريق محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبيه، عن جده، عن عائشة قالت: خرجت يوم الخندق أقفو أثر الناس ... الحديث مطولاً، وفيه: فلما طلع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((قوموا إلى سيدكم فأنزلوه)).
قال الحافظ في "الفتح" (11/51): ((وسنده صحيح)). وحسن إسناده الألباني في "الصحيحة" (1/143-145 رقم67).
(18) قال الحافظ في ((الفتح)): نقل المنذري عن بعض من منع ذلك مطلقًا أنه رد الحجة بقصة سعد بأنه ? إنما أمرهم بالقيام لسعد لينزلوه عن الحمار لكونه مريضا، قال: وفي ذلك نظر . قلت: (أي: الحافظ): كأنه لم يقف على مستند هذا القائل، وقد وقع في مسند عائشة بني قريظة وقصة سعد بن معاذ ومجيئه ، مطولا، وفيه: ((قال أبو سعيد : فلما طلع قال النبي ?: ((قوموا إلى سيدكم فأنزلوه)) وسنده حسن [وانظر تخيجه في التعليق السابق]، وهذه الزيادة تخدش في الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه)) . اهـ وقد ذكر ابن رشد في "البيان والتحصيل" للقيام أربعة أحوال: محظور؛ وهو لمن يريد أن يقام إليها تكبرا، ومكروه، لمن لا يتكبر لكنه يخشى دخول ذلك على نفسه. والثالث: جائز؛ وهو الذي على سبيل البر والإكرام لمن لا يريد ذلك، ويؤمن من دخول شيء من الكبر إلى نفسه. والرابع: مندوب وهو لمن قدم من سفر فرحًا بقدومه ليسلم عليه،ولمن تجددت له نعمة ليهنئه بحصولها وقال ابن القيم: القيام على ثلاثة مراتب: قيام على رأس الرجل، وهو فعل الدبابرة، وقيام إليه عند قدومه، ولا بأس به، وقيام له عند رؤيته وهو المتنازع فيه، وقد ألف النووي رحمه الله جزءًا في هذه المسألة مستدلا على جواز القيام، ورد عليه ابن الحاج في "المدخل" وقد ذكر أقوالهما ومناقشتهما الحافظ في "الفتح"، فلتنظر هناك!
وانظر: "البيان والتحصيل" (4/359 - 361)، وشرح النووي (12/93)، و((المدخل)) لابن الحاج (1/158 - 182)، و"حاشية ابن القيم" (8/82 - 83)، (92 - 93)، و"فتح الباري" (11/49 - 54).(1/294)
واختلف تأويلُ الصحابةِ فِيمن عَنى النبيُّ ? بذلك؛ هل الأنصارَ خاصةً، أو جميعَ من حضر من الأنصار والمهاجرين، وعلى الجملةِ (1) : فهي قضيةٌ معينةٌ، محتمِلَةٌ، والتمسُّكُ بالقاعدةِ المقرَّرةِ أَوْلى. والله تعالى أعلمُ.
والسيدُ: المتقدِّمُ على قومِه بما فيه من الخصالِ (2) الحميدةِ. =(3/593)=@
وقوله: ((أو خيركم))؛ على جهةِ الشكِّ من الرَّاوي، وفي بعضِ طرقهِ في غيرِ كتابِ (3) مسلمٍ: ((قُومُوا إلى سيِّدكم)) (4) من غيرِ شكٍّ. &(3/469)&$
وقوله ?: ((إن هؤلاء نزلوا على حكمك)) إنما قال له هذا بعدَ أن ردَّ له الحكمَ، كما قال في الروايةِ المتقدمةِ.
وقوله :((إني أحكمُ فيهم أن تُقتل المقاتلة، وتُسبى الذريةُ، وتُقسمَ (5) الأموالُ)) إنما (6) حكم (7) فيهم بذلك؛ لعظيمِ جناياتِهم؛ وذلك أنهم نقضوا ما بينهم وبين النبيِّ ? من العهدِ، ومَالَؤُوا عليه قريشًا، وقاتلوه، وسبُّوه أقبحَ سبٍّ؛ فاستحقوا (8) ذلك - لعنهم الله!. فلَمَّا حكمَ فيهم سعد بذلك، أخبره (9) بأنه (10) قد أصاب فيهم حكم الله، تنويهًا به، وإخبارًا بفضيلتِه،وانشراحِ صدرِه، ورَدْعًا للقومِ الذين (11) سألوا رسولَ الله ? في (12) أن يتركَهم، وأن يحسنَ فيهم (13) (14) ، فإنهم كانوا حلفاءَهم (15) . فلما جعل رسولُ الله ? حكمَهم إلى سعد انطلق مواليهم إلى سعدٍ (16) ، فكلَّموه في ذلك (17) ، وقالوا له: أَحْسِنْ في مواليكَ، فلما أَكثروا عليه، قال: أما إنه قد آنَ لسعدٍ ألا تأخذَه في الله لومةُ لائمٍ (18) . فلما سمعوا ذلك يَئِسوا مما (19) طلبوا منه (20) ، وعزَّى بعضهم بعضًا في بني قريظةَ. ومِن ههنا تظهرُ (21) خصوصيةُ سعدٍ بقولهِ - عليه السلام -: ((قوموا إلى سيدكم))، وأن الأولى أنه إنما قال ذلك لقومِه خاصةً دون غيرهم؛ لأن قومَه كلَّهم مالوا إلى إبقاءِ (22) بني قريظةَ، والعفوِ عنهم، إلا ما كان منه - رضي الله عنه - ؛ لا جرم لما مات اهتزَّ له عرشُ الرحمنِ (23) . وسيأتي بيانُ معناه، إن شاء الله تعالى. %(1/295)%
__________
(1) قوله: ((وعلى الجملة)) سقط من (ز).
(2) في (ح)، و(ي): ((الخلال)).
(3) سقط من (ح)، و(ي).
(4) أخرجه البخاري (6/165 رقم3043) في الجهاد، باب إذا نزل العدو على حكم رجل .
(5) في (أ): ((وتسبى)).
(6) في (ب)، و(م): ((وإنما)) وفي (ح)، و(ي): ((أما)).
(7) في (ح) و (ي): ((حكمه)).
(8) في (ز): ((واستحقوا)).
(9) في (ح)، و(ي): ((أخبر)).
(10) في (ز): ((أنه)).
(11) في (ح): ((الذي)).
(12) قوله: ((في)) سقط من (أ).
(13) في (ح): ((إليهم)).
(14) انظر "سيرة ابن هشام" (3/239)، وانظر "الفتح" ().
(15) في (ب): ((حلفاء لهم)) وفي (م): ((خلفاء لهم)).
(16) قوله: ((انطلق مواليهم إلى سعد)) سقط من (ح).
(17) قوله: ((في ذلك)) في (ي): ((فيهم)).
(18) طرف من حديث محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده، عن عائشة. وقد تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.
(19) في (ز): ((ما)).
(20) قوله: ((منه)) مثبتة من (أ) فقط.
(21) في (م): ((يظهر)).
(22) قوله: ((إبقاء)) سقط من (ح).
(23) سيأتي في النبوات، باب فضائل سعد بن معاذ .(1/295)
وفيه دليلٌ لمذهبِ مالكٍ في تصويبِ (1) أحدِ المجتهدين، وأنَّ لله تعالى في الوقائعِ (2) حُكْمًا معيَّنًا، فمن أصابه =(3/594)=@ فهو المصيبُ، ومن لم يصبْه، فهو المخطئُ، لكنه (3) لا إثمَ عليه إذا اجتهدَ. وقد تقدَّم هذا المعنى. وغاية (4) ما في هذا الحديثِ: أن بعضَ الوقائعِ فيها حكمٌ معيَّنٌ لله، لكن من أين يلزمُ منه (5) أن يكونَ حكمُ كلِّ واقعةٍ كذلك؟ بل يقال: إنها منقسمةٌ إلى ما لله فيه (6) حكمٌ معيَّنٌ، ومنها (7) ما ليس لله تعالى فيه (8) ذلك، وتكميلُ ذلك في علمِ الأصولِ. &(3/470)&$
وقوله: ((لقد قضيتَ بحكم الملك))؛ الروايةُ فيه (9) بكسرِ اللامِ؛ وهو الله تعالى؛ وكذلك في (10) الروايةِ الأخرى: ((بحكمِ (11) الله)).
وفي غيرِ كتابِ مسلمٍ: ((لَقَدْ حَكَمْتَ بِحْكْمِ اللهِ مِنْ فَوْقِ (12) سَبعةِ (13) أَرْقِعَةٍ)) (14) ، وهي السمواتُ، وهي (15) جمعُ رقيعٍ، كـ((رغيفٍ، وأرغفةٍ)).
والفوقيةُ هنا راجعةٌ إلى أن اللهَ تعالى أظهرَ الحكمَ لمن (16) هناك من ملائكتهِ، أو أثبته في اللوحِ المحفوظِ. ونسبةُ الفوقيةِ المكانيةِ إلى الله تعالى محالٌ؛ لأنه مُنَزَّهٌ عن الفوقيَّةْ (17) ، كما هو منزَّهٌ عن التحتيَّهْ؛ إذ كلُّ ذلك (18) من لوازمِ الأجرامْ، وخصائصِ الأجسامْ، ويتقدّسُ عنها الذي ليس كمثلِه شيءٌ من (19) جميع الأنامْ.
وقوله: ((وتحجَّر كَلْمُهُ للبُرْءِ)) (20) ؛ أي: تجمَّدَ، وتهيَّأ للإفاقةِ، فظنَّ (21) عند ذلك أنها =(3/595)=@ تُفيقُ، فقال عندَ ذلك ما ذَكره من الدُّعاءِ. %(1/296)%
__________
(1) في (ح): ((تجويز)).
(2) في (ح)، و(ي): ((الواقع)).
(3) مطموسة في (ح).
(4) في (ي): ((وغايته)).
(5) قوله: ((منه)) سقط من (ح)، و(ي).
(6) قوله: ((ما لله فيه)) في (ز): ((ما فيه)).
(7) في (ح): ((ومن)).
(8) قوله: ((ليس لله تعالى فيه)) في (ز): ((ليس فيه)).
(9) قوله: ((فيه)) سقط من (ح).
(10) قوله: ((في)) سقط من (ح)، و(ي).
(11) قال القاضي في "الإكمال" (6/ 105):
كذا رويناه في هذا الكتاب بغير خلاف، وقد ضبطه بعضهن في كتاب البخاري بالوجهين: فتح اللام وكسرها فالمعنى بـ ((الملِك)): الله تعالى . و((الملك)) بفتح اللام - إن صحت هذه الرواية - جبريل، والرواية الأولى أصح؛ لقوله في الحديث الآخر: ((بحكم الله)) .اهـ. وذكره الحافظ في ((الفتح)) أن رواية فتح اللام هي رواية القابس، ورواية الكسر هي رواية الأصيلي، في "صحيح البخاري" .
وانظر "مشارق الأنوار" (1/ 380)، و"النهاية" (4/359 - 360)، و"شرح النووي" (12/94)، و"الفتح" (7/412)، (11/54).
(12) في (ح): ((فوقع))!
(13) في (أ) و (ح) و(ز) و(م): ((سبع))، والمثبت من (ب)، و (م). وبه جاءت الرواية، وقيل في ((الرقيع)) إنه اسم للسماء الدنيا، وكل سماء بعد سماء فهي رقيع، قاله الحربي وأبو عبيد والجوهري، وإذا كانت اسمًا للسماء؛ فإن الأولى هنا تذكير العدد؛ فيقال: ((سبع أرقعة)) أي: سبع سموات. قال الجوهري وفي الحديث: ((من فوق سبعة أرقعة)) فجاء به على التذكير؛ كأنه ذهب به إلى ((السقف)) وذكره نحوه ابن سيده في "المحكم". انظر "المحكم" (1/204)، "الصحاح" (3/1223)، "غريب أبي عبيد" (/)، "غريب الحربي" (3/1031)، "تهذيب الأسماء واللغات" (3/118).
(14) أخرجه ابن إسحاق في "السير" (4/200)، ومن طؤقه الطري في "تاريخه" (2/101)، وفي "التفسير" (21/153) عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبدالرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، عن علقمة بن وقاص الليثي قال: قال رسول الله ...، فذكره .
قال ابن كثير في "تحفة الطالب" (1/458): ((وروى مثله سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في مغازيه، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، عن أبيه، عن معبد بن كعب بن مالك. وقد روي بإسناد جيد من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه)).اهـ.
(15) في (ح): ((وهو)).
(16) في (ز): ((من)).
(17) المؤلف رحمه الله متأثر بمذهب الأشاعرة في تأويل صفة العلو والفوقية لله عز وجل، والفوقية والعلو ثابتة بالكتاب والسنة حقيقة، وعليه اعتقاد أهل السنة والجماعة؛ إذ يثبتون أن الله عز وجل مستو على عرشه فوق سماواته، بائن من خلقه، عاليًا عليهم، يعلم أعمالهم، ويسمع أقوالهم، ويبصر أفعالهم، ويعلم ما تكن صدورهم، وما تخفى نفوسهم، ولا يخفى عليه شيء من أمورهم، والأدلة من الكتاب والسنة متواترة على ذلك ولا مجال لبحثها هنا .
وأما التحتية فالله منزه عنها؛ لأنها صفة نقص، ولأنه لم يرد لها دليل من الكتاب والسنة، ونحن متعبدون بوصف ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير تأويل أو تعطيل أو تشبيه أو تمثيل { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
(18) سقط من (ح) و(ي).
(19) في (ب) و(م): ((في)).
(20) في (ز) و(م): ((كلمته)).
(21) في (ي): ((وظن)).(1/296)
وقوله: ((وإن كنتَ وضعتَ الحربَ بيننا وبينهم فافْجُرْها، واجعلْ موتي فيها))؛ هذا منه تَمَنٍّ للشهادةِ، وشوقٌ لما عندَ الله تعالى، وليس تمنيًا للموتِ؛ لضرٍّ نزل به الذي نهي عنه (1) .
وقوله: ((فانفجرت من لَبتَّه))؛ كذا الرِّواية (2) عن الأسديِّ (3) ، بالباءِ بواحدةٍ. وعن الصَّدفيِّ: ((من لِيتهِ)) (4) بلامٍ مكسورةٍ، وياءٍ باثنتين من تحتهِا (5) ساكنةٍ. وعندَ الخشنيِّ: ((من لَيْلَتِهِ))، قال: وهو الصَّوابُ. والَّلبَّةُ (6) : المَنْحَرُ (7) . واللِّيتُ: صَفْحَةُ العنقِ (8) .
وقوله: ((فإذا سعد جرحه يغِذُّ (9) )) بكسرِ الغينِ وتشديدِ الذالِ عند كافةِ الرواةِ، وعندَ بعضِهم (10) :((يَغْذُو))، ومعناه: يسيلُ، وهما لغتانِ؛ يقال: غَذَّ (11) الجرحُ يَغِذُّو مشدَّدًا، وغذا يغْذو، وأنشدوا (12) : %(1/297)%
__________
(1) تقدم في الجنائز، باب النهي عن تمني الموت لضر نزل به، وانظر "الإكمال" (6/107).
(2) في (أ): ((للرواة))، وكانت ((الرواية)) فغيرها إلى ((للرواة)) . وعبارة القاضي عياض في "الإكمال" (6/107): ((كذا روايتنا عن الأسدي))..
(3) في (ز): ((الأسود)).
(4) في (ب): ((ليتته)).
(5) قوله: ((وياء باثنتين من تحتها)) في (ب) و(م): ((مثناة من تحت)).
(6) في (ح): ((والليلة)).
(7) في (ب)، و(م): ((النحر)).
(8) قوله: ((والليت صفحة العنق)) في (م): ((واللبة صفحة العين)).
قال القاضي في "مشارق الأنوار" (1/ 355): وقوله في حديث سعد: ((فانفجرت من لبته)) كذا عند أبي بحر ... وعند الصدفي: ((من ليته)) وهو صفحة العنق؛ بكسر اللام بعدها ياءي باثنتين تحتها: وللباجي: ((ليلته)) وهو إن شاء الله الصواب. وقال نحوه في "الإكمال" (6/ 107)، قال: ((كما جاء في الحديث الآخر))، ونقله عنه النووي في "شرح مسلم" (12/59)، لكن قال الحافظ في "الفتح" (7/415): قوله: ((فانفجرت من لبته)) بفتح اللام وتشديد الموحدة؛ هي موضع القلادة من الصدر، وهي رواية مسلم والإسماعيلي، وفي رواية الكشمهيني: ((من ليلته)) وهو تصحيف؛ فقد رواه حماد بن سلمة عن هشام فقال في روايته: ((فإذا لبته قد انفجرت من كلمة)) أي: من جرحه؛ أخرجه ابن خزيمة؛ وكأن موضع الجرح ورم حتى اتصل الورم إلى صدره، فانفجر من ثَم)).
وانظر "الصحاح" (1/217، 265).
(9) قوله: ((جرحه يغذ)) في (ح)، و(ي): ((يغذ جرحه)) .
(10) لم تتضح في (أ)، وبعدها علامة لحق، ولم يظهر شيء في الحاشية!
(11) في (ي): ((عند)).
(12) في (أ) و(ح) و(ي): ((وأنشد)).(1/297)
بطَعْنٍ كَفَمِ الزِّقِّ غَذَا وَالزِّقُّ مَلآْنُ
&(3/471)&$
وعندَ ابنِ ماهانٍ: (( يَصُبُّ)) مكانَ(( يغذو)) (1) . وهو تفسيرٌ للَّفظِ (2) الأولِ. =(3/596)=@
وقوله (3) في الشعرِ: ((فما (4) فعلت قريظةُ والنضير (5) ))؛ الروايةُ عندَ الكافةِ بالفاءِ (6) هكذا، والصوابُ:((لما فَعَلَتْ قريظة والنضير (7) )) باللامِ المكسورةِ، وقد رواه بعضُهم هنا كذلك، وهي الروايةُ في السيرِ، ليس فيها (8) غيرُها.
وقوله - شعرٌ (9) - : ((تَرَكْتُمْ قِدْركم لا شيء فيهاوقدر القوم حامية تفور))؛ هذا ضربُ مثلٍ لعزَّةِ (10) الجانبِ، وعدمِ الناصرِ. ويريدُ بقولِه: ((تركتم قدركم)): الأوسَ؛ لقتلِ حلفائِهم من قريظةَ. و((قدرُ القومِ)): يعني به: الخزرجَ؛ لشفاعتِها لحلفائِها بني قينقاعِ، حتى مَنَّ عليهم النبيُّ ?، وتركَهم لعبدِالله بن أُبَيٍّ (11) ، وهو: أبو حُبابٍ المذكورُ في الشعرِ.
وقوله: ((كما (12) ثقلت بِمَيطانَ الصخور (13) )). ((مَيطان)): بفتحِ الميمِ (14) ، وبالنونِ، عليه أكثرُ الرواةِ، إلا أن أبا عبيدٍ (15) البكريَّ ضبطه بكسرِ الميمِ. قال: وهو
__________
(1) في (ح) و(ي): ((يغذ)).
(2) في (ز): ((لللفظ)).
(3) في (ح)، و(ز)، و(ي): ((قوله)).
(4) في (ح) و(ي): ((كما)).
(5) في (ب)، و(ح) و (م) و(ي): ((والنضير)).
(6) في (ي): ((بالكاف))!.
(7) قوله: ((قريظة والنضير)) من (ح) فقط، ووقع فيها: ((والنظير)).
(8) انظر "الإكمال" (6/ 108)، و"المشارق" (2/162)، و"شرح النووي" (12/96).
(9) قوله: ((شعر)) - زيادة من (ز) فقط.
(10) في (أ): ((لفرة)).
(11) أورده ابن هشام في "السيرة" (2/48): قال: قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: فحاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزلوا على حكمه، فقام إليه عبدالله بن أُبَي بن سلول حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد! أحسن في موالي، وكانوا حلفاء الخزرج، قال: فأبطأ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: يا محمد! أحسن في مواليّ .. الحديث، وفيه: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((هُمْ لك)).
ومن طريق ابن إسحاق: أخرجه الطبري في "تاريخه" (3/85).
وعاصم بن عمر بن قتادة: ثقة عالم بالمغازي، كما في "التقريب" ص 473 رقم 3088 وهو من صغار التابعين مات بعد العشرين ومائة. فروايته منقطعة، لكن جرت عادة أهل العلم أنهم يتساهلون في ذكر مثل هذه الروايات في السير والتاريخ .
(12) في (ز): ((فما)).
(13) سقط من (ي).
(14) كتبها في (ي): ((الواو)) ثم صوبها إلى ((الميم)) فوق حروف نفس الكلمة!
(15) في (ح) و(ي): ((عبيد الله)).(1/298)
من بلادِ مزينةَ =(3/597)=@ من أرضِ الحجازِ. ووقع في روايةِ العذريِّ: ((بميطار)) بالراءِ مكانَ النونِ. وفي (16) روايةِ ابنِ ماهانٍ:((بحيطان))، بالحاءِ مكانَ الميمِ. قال القاضي (17) عياضٌ - رحمه الله -: والصوابُ ما تقدَّم (18) . %(1/299)%
__________
(16) في (ح) و(ي): ((وهي))!.
(17) سقط من (أ) و(ب) و(ز) و(م).
(18) وقد ضبطه ياقوت في "معجم البلدان" (5/243) بفتح أوله، وقال: من جبال المدينة مقابل الشوران به بئر ماء، وهو لمزينة وسليم.(1/299)
وقائلُ هذا الشعرِ إنما قاله يحرِّض سعدًا على استحياءِ بني قريظةَ وحلفائهِم، ويلومهُ على فعلِه فيهم، ويذكره (1) بفعلِ أبي حبابٍ، عبدِالله بن أُبيٍّ، وشفاعتِه لحلفائه بني قينقاعٍ.
ويستفادُ من ضربِ رسولِ الله ? الخيمةَ لسعدٍ في المسجدِ، مع ما كان عليه من الجراحِ والدَّمِ: أن الضرورةَ أو الحاجةَ إذا دعت إلى مثلِ ذلك، جاز وإن أدَّى (2) إلى تلطيخِ المسجدِ بشيءٍ مما يكونُ (3) من المريضِ، لكنَّ ذلك على حَسَبِ الحاجةِ والضرورةِ. والله تعالى أعلمُ. هذا (4) إن تنَّزلْنا على أنه كان بمسجد مخطوطٍ (5) مباحٍ للمسلمين، وإن تنزلنا على أنه كان بمسجدِ بيتهِ كما تقدَّم لم ينتزعْ منه شيء (6) من &(3/472)&$ ذلك. والله تعالى أعلمُ (7) .
وقد قدَّمنا: أن المساجدَ الأصلُ فيها الأمرُ بتطييبِها (8) ، وتنظيفِها، ومباعدتِها عن الأنجاسِ والأقذار. ووجههُ الضرورةِ في حديثِ سعدٍ - رضي الله عنه-: أن النبيِّ ? لم يجدْ له موضعًا غيرَ المسجدِ، وكان بالنبيِّ ? حاجةٌ إلى معاهدتهِ، وَتَفَقُّدِ أحوالهِ، فلو حُمل إلى موضعِ بعيدٍ منه، أدَّى (9) إلى الحرجِ والمشقةِ على النبيِّ ?. وعلى هذا المعنى نبَّه الراوي بقولهِ: ((يَعُودُهُ مِنْ قَرِيبٍ)) والله أعلمُ (10) . =(3/598)=@ %(1/300)%
__________
(1) انظر "الإكمال" (6/108)، وشرح النووي (12/69)، و"الفتح" (10/415). وانظر قول أبي عبيد البكري عن "ميطار" في "معجم ما استعجم" (4/1484).
(2) كذا في (ب) و(م)، ورسمت في (أ) و(ح) و(ز) و(ي): ((ودى)).
(3) في (ح): ((تكون)).
(4) في (ز): ((وهذا)).
(5) قوله: ((بمسجد مخطوط)) في (ز): ((بمسجد مخصوص))، وفي (ي): ((بمسجده مخطوط)).
(6) في (ز): ((بشيء)).
(7) من قوله: ((هذا إن تنزلنا ....)) إلى هنا، سقط من (ح).
(8) في (ح): ((بتطيينها)).
(9) في (م): ((أدعى)).
(10) قوله: ((ابن مغفل)) في (ز)، : ((ابن معقل)) وفي (م): ((أبي مغفل)).(1/300)
ومِن بابِ أخذِ الطعام والعَلُوفةِ من الغَنيمة من غيرِ تخميسٍ
حديثُ ابنِ مُغَّفلٍ (1) هذا يدلُّ: على جوازِ أخذِ الطعامِ من الغنيمةِ قبلَ القسمةِ؛ ألا ترى أنه ? أقرَّه على أخذِ الجرابِ بمَا فيه من الطعامِ، من الغنيمةِ قبلَ القسمةِ (2) ، وهو مما أجمع المسلمون عليه ما داموا في أرضِ الحربِ؛ على ما حكاه عياضٌ (3) . والجمهورُ على أنه لا يَحتاج في ذلك إلى إذنِ الإمامِ. وحُكي عن الزهريِّ: ((أنه لا يجوزُ إلا بإذنِ الإمامِ)) وإن لم يُوَافَقْ عليه (4) (5) .
ثم اختلفوا في القدرِ الذي يأخذُه الغانم؛ فقال الشافعيُّ (6) : لا يأخذُ منه إلا بقدرِ حاجتِه، فإن أخذ فوقَها أدَّى قيمتَه في المقاسِمِ. وكذلك إن أَخذ ما لا يضطرُّ إليه في القوتِ (7) ، كالأشربةِ، والأدويةِ. وأجاز مالكٌ له أخذَ مَا فَضَلَ عن &(3/473)&$ كفايتهِ وأكلهِ في أهلهِ؛ وقاله (8) الأوزاعيُّ، وذلك فيما قلَّ. وقال سفيان وأبو حنيفةَ: يَرُدُّ ذلك إلى الإمامِ. وأجازه الشافعيُّ مرةً. والجمهورُ على منعِ أن يخرجَ بشيءٍ من الطعامِ له قيمةٌ وبَالٌ إلى أرضِ الإسلامِ.
واختلفوا فيما يَحتاجُ إليه من غيرِ الطعامِ؛ كالسلاح والدَّوابِّ والثيابِ؛ ليقاتلَ به (9) ويركبَها (10) في قُفُولِه، ويلبَسَهُ في مُقامِه. فعن مالكٍ وأصحابِه في ذلك قولان: بالمنعِ مطلقًا، وبالجوازِ؛ وبه قال الثوريُّ، والحسنُ. وممن أجاز ذلك في وقتِ الحربِ: الشافعيُّ، وأحمدُ، وأبو حنيفةَ، =(3/599)=@ والجمهورُ. وقال ابنُ المنذرِ والخطابيُّ: إن هذا مما لم يختلِفْ أهلُ العلم فيه، إلا أن الأوزاعيَّ شَرَطَ في هذا إذنَ الإمامِ (11) .
واختلفوا فيما قلَّ قدره مما يحتاجُ إليه؛ كالجلدِ يَقْطَعهُ خِفافًا أو نِعالاً؛ فأجازه مالكٌ وغيرُه، وأحمدُ. ومنع ذلك الشافعيُّ وأصحابُ الرأيِ. وقال %(1/301)%
__________
(1) قوله: ((والله أعلم)) زيادة من (ز) فقط.
(2) قوله: ((من الغنيمة قبل القسمة)) مثبت من (ح) و(ي) فقط.
(3) حكى الإجماع مع ذلك ابن عبد البر في "التمهيد" (2/19)، وذكره القاضي في "الإكمال" (9/114).
(4) قوله: ((وإن لم يوافق عليه)) كذا في (أ)، وهو ساقط وحده من (ب) و(م) و(ز). وضمن سقط آخر في (ح)، و(ي).
والصواب: ((ولم يوافق عليه))؛ أي: لم يوافق الزهري على ما روي عنه؛ وهي عبارة القاضي في "الإكمال" (6/114).
وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (2/ 19) بعد نقله هذه الرواية عن الزهري: وهذا لا أصل له؛ لأن الآثار المرفوعة تخالفه؛ ولم يقل به فيما علمت غيره)).
(5) ((كذا، وفي "معالم السنن" ((المغنم)) وفي الفتح ((المغانم)) ولعلها الصواب، المقاسم تحتمل)).
(6) من قوله: ((لا يجوز إلا بإذن ....)) إلى هنا سقط من (ح) و(ي).
(7) في (م): ((الفوت)).
(8) في (ي) والمطبوع من "الإكمال" (6/114): ((وقال)).
(9) في (ح) و(ز) و(ي): ((بها)).
(10) في (أ): ((ويركبه)). وفي العبارة لف ونشر مرتب! وعبارة القاضي في "الإكمال" (6/114): ((ليقاتل عليه، ويركبه في رجوعه، ويلبسه مدة مقامه)).
(11) انظر "الأوسط لابن المنذر" (11/78 - 80))، و((معالم السنن)) (4/37). وانظر "الإكمال" (6/114 - 115).(1/301)
الشافعيُّ: وعليه قيمتُه إن تلف، وأجرةُ استعمالِه، وما نقصه الانتفاعُ (1) . ولم يختلفْ فيما بِيعَ من طعامٍ أو (2) غيرِه؛ أنَّ ثمنَه مغنمٌ (3) .
وتبسُّم رسولِ الله ? إنما كان لما رأى من شدَّةِ حرصِ ابنِ مُغَفَّلٍ (4) على أخذِ الجِرابِ، ومن ضِنَّتِهِ به.
وفيه ما يدلًّ على جوازِ أكلِ شحومِ اليهودِ المحرَّمةِ عليهم؛ وهو مذهبُ أبي حنيفةَ، والشافعيِّ وعامةِ (5) العلماءِ، غير أن مالكًا كَرِهه؛ للخلافِ فيه. وحكى ابنُ المنذرِ عن مالكٍ تحريمَها، وإليه ذهب كُبراءُ أصحابِ مالكٍ. ومتمسَّكُ هؤلاء: أن ذكاتَهم لم تَعْمَلْ في الشحمِ، كما عَمِلتْ في اللحمِ؛ لأن الذكاةَ تتبعَّضُ عندَهم. والحديثُ حجَّةٌ عليهم (6) .
وفيه دليلٌ: على جوازِ ذبائحِ أهلِ الكتابِ، وقد أجمع أهلُ العلمِ على ذلك إذا ذكروا اسمَ الله عليها، وأكثرُ العلماءِ على أن المرادَ بقولِه تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} (7) : ذبائُحهم، إلا ما رُوي عن ابنِ عمَر – رضي الله عنهما - مِن كراهتِها؛ على ما حكاه الداوديُّ عنه (8) ، والمعروفُ عنِ ابنِ عمرَ: لا تؤكلَ ذبائحُهم ما لم يُسمُّوا اللهَ عليها (9) . وقد ذهب مالكٌ، والليثُ، والثوريُّ (10) ، والنخعيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، وأصحابُ الرأي: إلى كراهة ما أَهلُّوا به (11) لغيرِ الله؛ من اسمِ المسيحِ، أو كنائسِهم، وأشباهِها.
وأباحه =(3/600)=@ عطاءٌ، ومجاهدٌ، ومكحولٌ، والشعبيُّ. ورأوا (12) : أن آيةَ المائدةِ ناسخة &(3/474)&$ لآيةِ الأنعامِ، أو مُخصِّصةٌ لها (13) . وقالوا: قد علم الله أنهم يقولون ذلك، وقاله ابنُ حبيبٍ.
واختلفوا أيضًا إذا ذَبح ولم يُسَمِّ شيئًا؛ فمنعه أبو ثورٍ، وهو مذهبُ عائشةَ، وعليٍّ، وابنِ عمرَ (14) . وقال أحمدُ وإسحاقُ: لا بأسَ به.
واختُلف (15) إذا ذَبحوا ما كان لمسلمٍ، وغيرَ ملكِهم؛ فمنعَه ربيعةُ، واختلف فيه عن مالكٍ.والله أعلمُ (16) . %(1/302)%
__________
(1) انظر "الأوسط" (11/73).
(2) في (ز): ((و)).
(3) انظر "الأوسط(11/71).
(4) في (ح): ((معقل)).
(5) في (ب) و(ز) و(م): ((وكافة)).
(6) ذكر النووي في"شرح مسلم" (12/102)، أن هذا قول ابن القاسم وأشهب من أصحاب مالك، وانظر "الإكمال" (6/114)، و"الفتح" (9/937)؛ قال الحافظ: ((وقال ابن القاسم: لأن الذي أباحه الله طعامهم، وليس الشحوم من طعامهم ولا يقصدونها عند الزكاة. وتعقب بأن ابن عباس فسر طعامهم بـ ((ذبائحهم)) ... وإذا أبيحت ذبائحهم لم يحتج إلى قصدهم أجزاء المذبوح، والتذكية لا تقع على بعض أجزاء المذبوح دون بعض، وإن كانت التذكية شائعة في جميعها دخل الشحم لا محالة، وأيضًا فإن الله سبحانه وتعالى نصه بأنه حرم عليهم كل ذي ظفر، فكان يلزم على قول هذا القائل أن اليهودي إذا ذبح ماله ظفر لا يحل للمسلم أكله، وأهل الكتاب أيضًا يحرمون أكل الإبل فيقع الإلزام كذلك)) .اهـ.
(7) سورة المائدة؛ الآية: 5.
(8) القول بأن المراد من الآية: الذبائح، ورد عن عدد من الصحابة والتابعين:
1 - ابن عباس: علّقه البخاري في "صحيحه" (9/636)، ووصله البيهقي من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس (9/282).
2 - علي بن أبي طالب: علّقه البخاري تمريضًا، وأخرجه عبدالرزاق (6/118 رقم10177).
وكأن البخاري رحمه الله ضعف رواية علي السابقة كما قال ابن حجر حيث وردت روايات مخالفة لذلك عن علي أيضًا .
أخرجه البيهقي في "سننه" (9/285)، ونحوه في "سنن الدارقطني" (4/296 رقم97)، وساق ابن حجر بإسناده إلى الشافعي في ذلك أثرًا .
أما كراهة ابن عمر لها فلم أجده من حكاية الداودي. ولعله ما جاء عن عبدالرزاق (6/120 رقم10187) فلينظر فيه .(يراجع التخريج وأسلوبه)
(9) .....
(10) قوله: ((والليث والثوري)) في (أ): ((والثوري والليث)).
(11) قوله: ((به)) سقط من (ح) و(ي).
(12) في (ب): ((ورووا)). وفي هامشها: ((ورأوا)) وفوقها: ((خ)).
(13) في (م): ((بها)). وآية المائدة تقدمت قريبًا، وآية الأنعام قوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه...} الآية (121). والقول بأن آية المائدة ناسخة لآية المائدة أو مستثناة منها، أو مخصصة لها، ذكره الطبري في تفسيره (12/87 رقم 13835) عن عكرمة والحسن.
قال الطبري: والصواب من القول عندنا أن هذه الآية محكمة فيما أنزلت، لم ينسخ منها شيء، وأن طعام أهل الكتاب حلال وذبائحهم ذكية، وذلك عما حرم الله مع المؤمنين أكله بقوله: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} بمعزلٍ، لأن الله إنما حرم علينا بهذه الآية المثبتة وما أهل به للطواغيت، وذبائح أهل الكتاب ذكية سموا عليها أو لم يسموا؛ لأنهم أهل توحيد وأصحاب كتب لله يدينون بأحكامها يذبحون الذبائح بأديانهم، كما يذبح المسلم بدينه، سمى الله على ذبيحته أو لم يسمه، إلا أن يكون ترك من ذكر تسمية الله على ذبيحته الدينونة بالتعطيل أو بعبادة شيء سوى الله، فيحرم حينئذ أكل ذبيحته، سمى الله عليها أو لم يسم.
(14) .....
(15) في (ز): ((واختلفوا)).
(16) قوله: ((والله أعلم)) زيادة من (أ) فقط.(1/302)
ومن بابِ كتابِ النبيِّ ? إلى هِرَقْلَ
قولُ أبي سفيان: ((في المدة التي كانت بيني وبين (1) رسول الله ?))؛ يعني به: صلحَ النبيِّ ? مع قريشٍ بالحديبيةِ (2) ، وكانوا تَعاقَدوا على صلحٍ عشرَ سنينَ، فاستمرَّ (3) ذلك إلى أن نَقَضتْ قريشٌ العهدَ (4) ، فكان ذلك سببَ فتحِ (5) .
و((دِحية)): يقال بفتحِ الدالِ وكسرِها. قال ابنُ السِّكِّيتِ: هو بالكسر لا غيرُ. وقال أبو حاتمٍ: هو بالفتحِ لا غيرُ. قال (6) المطرِّز: الدِّحى: الرؤساءُ، واحدُهم: دِحيةَ (7) .
قلت (8) : وعلى هذا فالكسرُ هو الصوابُ، كما قال ابنُ السِّكيتِ؛ لأن: ((دحية (9) ، ودِحًى))، كـ((لحيةٍ، ولِحًى))، و((فِرْية، وفِرى)) (10) ، وهو القياسُ؛ لأن نظيرَه من الصحيحِ: ((قِرْبة &(3/475)&$ وقِرَبٌ)) (11) ، لكن لا يبعدُ أن يقالَ: إنه لما نُقل إلى العلميةِ غُيِّرَ بالفتحِ، كما قد (12) فعلتِ العربُ في كثيرٍ =(3/601)=@ من الأعلامِ (13) .
و((بُصْرى)) بضمِّ الباءِ، وهي من مدنِ الشامِ، وهي مدينةُ ((حَوْرَان)) (14) . و((التَرْجُمَانُ)): هو المعبِّر عنِ القومِ، يقالُ: بضمِّ (15) التاءِ (16) وفتحِها (17) . و(( هِرَقْل))- بكسرِ الهاءِ، وفتحِ الراءِ، وسكونِ القاف؛ وهو اسمٌ لكلِّ ملِكٍ للرومِ؛ ((كالنَّجَاشِي)): اسمٌ لكلِّ ملكٍ للحبشةِ، و((كِسْرَى)) (18) : اسمٌ لكلِّ ملِكٍ للفرسِ (19) . وقد قدَّمنا هذا في كتابِ (20) : ((الجنائز)). %(1/303)%
__________
(1) قوله: ((بيني وبين)) سقط من (ح) و(ي).
(2) سيأتي قريبًا في باب صلح الحديبية .
(3) في (ي): ((فاستمرت)).
(4) في (ب): ((العهد)).
(5) سيأتي في باب ما جاء أن فتح مكة عنوة، وقوله ? لا يقتل قرشي حبرا بعد اليوم.
(6) في (ح): ((وقال)).
(7) ذكر هذه الأقوال المازري في ((المعلم)) (3/ 240)، وعنه القاضي في "الإكمال" (6/117)، قال ابن اسيد بعد حكاية ابن السكيت: وحكاه غيره بالفتح، قال أبو عمرو: وأصل هذه الكلمة "السيد" بالفارسية . اهـ. وقال القاضي عياض في "المشارق"، وأصل هذه الكلمة "السيد" بالفارسية .اهـ . وقال القاضي عياض في "المشارق"؛ وقال أبو حاتم والأصمعي هو بالفتح لا غير .اهـ. وذكره في "تاج العروس" قول ابن بري أجاز ابن السكيت في "دحية الكلبي" فتح الدال وكسرها، وأما الأصمعي ففتح الدال وأنكر الكسر .اهـ. وما في "إصلاح المنطق" ذكره ابن السكيت في "باب ما هو مكسور الأول مما فتحته العامة أو ضمته" وقال النووي: هو بكسر الدال وفتحها لغتان مشهورتان اختلف في الأرجح منهما.
قال في "تهذيب اللغة": والدحية رئيس الجند، وبه سمي دحية الكلبي، وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: الدحية: رئيس القوم وسيدهم، بكسر الدال.اهـ. وجزم الجوهري وابن دريد أيضًا بالكسر، وظاهر ما رجحه القاضي عياض الكسر، كما رجح الشارح هنا؛ فإنه قال في "الإكمال": ((إنما هو هنا اسم لا صفة)) انظر "تهذيب اللغة" (5/190) و"جمهرة اللغة" (1/507)، "الاشتقاق" (ص 77 – 78) و"المحكم" (3/329 – 330)، و"مشارق الأنوار" (1/269 – 266)، "المشتبه" (ص284)، "توضيح المشتبه" (4/26)، "الصحاح (6/2334 – 2335)، "الفائق" (1/419)، "غريب ابن قتيبة" (3/736)، و"أدب الكاتب" (ص426)، "تهذيب الأسماء واللغات" (1/184)، "شرح النووي" (2،232) (12/103)، "إصلاح المنطق" (ص175)، "تاج العروس" (19/402) "المصباح" (ص101)، و"النهاية" (2/107)، والمغرب (1/283).
(8) في (ز): ((قال الشيخ))، وفي (ب) و(م): ((قال الشيخ رحمه الله)).
(9) من قوله: ((قلت وعلى هذا ....)) إلى هنا، سقط من (ح).
(10) قوله: ((وفرية وفرى)) كذا في (أ)، و(ب). وفي (ح) و(م): ((وقرية وقرى))، في (ز): ((وفدية وفدى))، وفي (ي): ((وقربة وقرا)). وما في (ز) صوابٌ، موافق أيضًا لما يريده الشارح، أما ما في (ح)، و(م) و(ي)، فلا.
(11) في (م): ((قرية)).
(12) سقط من (م).
(13) ذكره الزمخشري في "الفائق" (1/419)، قال: وروى أبو حاتم عن الأصمعي ((دحية الكلبي))، ولا يقال بالكسر، ولعل هذا من تغيرات الأعلام؛ كـ ((شمس)) و((مَوْهب)) و((الحجاج)). بالإمالة.
(14) قاله البكري، وهي بالقصر؛ قال: هي قصبة كورة حَوران، من أعمال دمشق؛ وانظر: معجم ما استعجم" (1/253، 474)، "معجم البلدان" (1/441)، (2/317، 500)، "الإكمال" (6/118)، "مشارق الأنوار" (1/116)، "تهذيب الأسماء" (3/35)، "شرح النووي" (3/69)، "فتح الباري" (1/38).
(15) في (أ): ((بكسر)).
(16) في (ح): ((الياء)).
(17) هذه إحدى لغات ((الترجمان))؛ فإنه يقال بفتح التاء والجيم معًا، وبضمهما معًا، وبفتح التاء وضم الجيم، قال الحافظ في الفتح: ولم يصرحوا بالرابعة وهي ضم التاء وفتح الجيم .اهـ. واختلف في تائه؛ هل هي أصلية، أو زائدة، فذكره الجوهري في ((رجم))، وقال ابن الأثير: والتاء والنون زائدتان .اهـ.
وقال الأصفهاني في باب ((رجم)): والتَّرجُمان: تَفْعُلان من ذلك: أي من ((المراجعة)) بمعنى المسابة.
واستخدم الفعل "ترجم" منه يدل على أصالة التاء؛ كما قال في "القاموس"، قال ابن جني: والتاء فيمن فتحها أصلية وإن لم يكن في الكلام مثال: ((جَعْفرُ))؛ لأنه قد يجوز مع الألف والنون من الأمثلة ما لولاهما لم يجز؛ من ذلك ((عُنْفوان)) ألا ترى أنه ليس في الكلام: ((فُعْلٌو)) إلا بالهاء، وكذلك ((خِنِظِيَان)) لأنه ليس في الكلام: ((فِعْلِي)) إلا بالهاء.
واختلف أيضًا هل هو عربيٌ، أو معرب ((درغمان))؛ قال الزبيدي: إذا كان معربًا فموضع ذكره هنا (أي في ترجم) لأنه حينئذ لا يشتق من ((رجم)) .اهـ.
وعلى القول بأنه عربي، اختلف في اشتقاقه؛ فقيل: من الرجم بالحجارة، لأن المتكلم يرمي به، وقيل: من الرجم بالغيب، لأن المترجم يتوصل إلى ذلك به؛ قولان لا تنافي بينهما.
وانظر: "المحكم" (7/409)، "تهذيب اللغة" (11/68)، "مشارق الأنوار" (1/120)، "الصحاح" (5/1928)، "الخصائص" (3/193 – 194)، "تهذيب الأسماء" (3/ 38)، "النهاية" (1/186)، "المصباح" (ص 43)، "تاج العروس" (16/ 73 – 74، 273).، و"فتح الباري" (1/34) (8/217)، و"المفردات" (ص346).
(18) قوله: ((وكسرى)) في (ب)، و(م): ((وقيصر وكسرى)) وفي سائر النسخ: ((وقيصر)) فقط. وانظر التعليق التالي.
(19) أما ضبط ((هرقل)) فبوزن ((دِمَشْق)) كما ضبطه الشارح، وذكره الجوهري بوزن ((خِنْدِف)) بكسر الهاء وسكون الراء وكسر القاف. وأما قول الشارح : ((وهو اسم لكل ملك للروم)) فقد ذكره الشارح في كتاب الجنائز – كما ذكر – عن بعض اللغويين، سمَّى منهم القاضي عياضٌ في كتاب الجنائز أيضًا من "الإكمال" ابنَ خالويه والمطرز؛ قال القاضي: وقال المطرز وابن خالويه وغيرها: النجاشي اسم لكل ملك من ملوك الحبشة، وكسرى اسم لملك الفرس، وهرقل اسم لملك الروم، وقيصر كذلك، وخاقان اسم ملك الترك، وتبع اسم لملك اليمن، والعَيْل ملك حمير)) وذكر نحوه ابن الجوزي في غريبه، لكن قال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" : ((وقيصر لقب لكل من ملك الروم... وكان اسم قيصر الذي كان بالشام وكتب إليه النبي ? كتابه: ((هِرَقل))... وتنازع ابنا عبد الحكم في أنه هل يقال له هرقل أم قيصر، وتراضا إلى الشافعي رحمه الله تعالى، فقال: هرقل وهو قيصر؛ فهرقل اسم علم له، وقيصر لقب)).اهـ. وكذلك ذكر الحافظ في "الفتح": أن هرقل اسمه، وقيصر لقب لكل من يملك الروم.
انظر "الصحاح" (5/1849)، "الإكمال" (3/414)، "غريب الحديث لابن الجوزي" (2/275)، "تهذيب الأسماء واللغات" (2/374 – 375)، "فتح الباري" (1/33) (8/216)، و"شرح الأبي" (5/104).
(20) كذا في (ي) فقط، وفي سائر النسخ: ((باب)).(1/303)
قلتُ (1) : إذا تأملتَ هذا الحديثَ علمتَ فطنةَ هذا الرجلِ، وجوّدةَ قريحتهِ، وحسنَ نظرِه (2) وسياستِه، وتثبتَهُ. وأنه علمَ صحةَ نًبوَّةِ نبِّينا محمدٍ ? وصِدْقَه. غير أنه ظهر منه بعدَ هذا ما يدلَّ (3) على أنه لم يؤمنْ، ولم ينتفعْ بذلك العلمِ (4) الذي حصل له؛ فإنه هو الذي جيَّشَ الجيوشَ على أصحابِ رسولِ الله ? (5) وقاتلهم، وأَلَّبَ عليهم، ولم يقصِّرْ في تجهيزِ الجيوشِ عليهمْ، وإرسالهِ إليهم (6) الجموعَ العظيمةَ من الرومِ وغيرِهمْ، الكرَّةَ بعدَ الكرَّةِ، فيهزمُهم اللهُ تعالى ويُهلكُهُمْ، ولا يَرجعُ إليهم (7) منهم إلا فَلُّهُمْ (8) ، واستمرَّ على ذلك إلى أن مات وقد فتح الله على المسلمين أكثرَ بلادِ الشام، ثم ولي ولدُه بعدَه، وعليه فُتحتْ جميعُ البلادِ الشامِيَّهْ، وبهلاكهِ هلكتِ المملكةُ الرومِيَّهْ. =(3/602)=@
وقوله: ((فإن كَذَبني فَكذِّبوه))؛ ((كَذَبني (9) )) بفتحِ الذالِ، وتخفيفِها، وبالنون؛ يعني: أنه إن كَذَبَ لي فأَظْهِروا كَذِبَه، وهو مما يُعدَّى بحرفِ الجرِّ وبغيرِه، يُقالُ (10) : كَذَبْتُه، وكذبتُ له. و((كَذِّبوه))- مشدَّد الذالِ-؛ أي: عرِّفوني بكذبهِ، وأَظهروا كذبَه، ولذلك أجلس أصحابَه خلفَه. وإنما سأل عن أقربِهم نسبًا منه؛ لأنه أعلمُ بدُخْلةِ (11) أمرِ صاحبِه في غالبِ الحالِ. وهذه كلُّها التفاتاتٌ من هرقلَ تدلُّ (12) على قوةِ عقلِه. &(3/476)&$ %(1/304)%
__________
(1) في (ز) ((قال الشيخ رضي الله عنه))، وفي (ب)، و(م): ((قال الشيخ رحمه الله)).
(2) في (ز): ((فكره)).
(3) قوله: ((ما يدل)) سقط من (ز).
(4) قوله: ((العلم)) سقط من (ح) و(ي).
(5) ....
(6) في (ز): ((لهم إليهم)).
(7) في (ح) و(ي): ((إليه)).
(8) في (ز): ((أقلهم))، والهمزة والنقطة الثانية واضح أنها مزيدة بخط مخالف. و((فَلُّ)): منهزمُهم، يستوي فيه الواحد والجمع؛ يقال: رجل فَلٌ، وقوم فَلٌّ، قال الجوهري: وربما قالوا: فُلُول وفِلالٌ. "الصحاح" (5/1793).
(9) قوله: ((كذبني)) سقط من (أ).
(10) سقط من (ب) و(م).
(11) في (ب) و(م): ((بداخلة)) ودَُِخْلةُ الرجلِ وداخلته: نيته ومذهبه وجميع أمره. "القاموس" (3/743).
(12) الرقم مثبت في المتن ولا يوجد تعليق بالهامش.(1/304)
وقولُ أبي سفيان: ((وَايْمُ اللهِ)) هي كلمةٌ محذوفةٌ من((أَيْمُنُ اللهِ)) تستعملُها العربُ اسمًا مرفوعًا في القسمِ على الابتداءِ، والخبرُ محذوفٌ. وقد اختلف النحويون فيها:
هل هي اسمٌ مفردٌ وهَمْزته (1) همزةُ وصلٍ، وإنما فُتحت همزتُه لأنه غيرُ منصرِفٍ (2) ، فخالف جميعَ هَمزاتِ الوصلِ، وهو مذهبُ سيبويِه.
أو هل هي جمعٌ ((يمين))، وهمزتُه همزةُ قطعٍ؛ لأنها همزةُ الجمعِ (3) . وهو قولُ الفراءِ، وهي عندَه (4) جمع (5) ((يمينٍ)).
وقولُ سيبويه أشبهُ؛ بدليل أنهم كَسروا همزتَها، وأنهم تصرَّفوا فيها بلغاتٍ مختلفةٍ، منها: ((إِيْمُنٌ الله)) (6) بالكسرِ، وبالفتحِ: ((أَيْمُنٌ))، وبحذفِ النونِ والهمزةِ وضمِّ الميمِ من((مُِ الله)) وكسرِها. وقد أبدل بعضُهم من الهمزةِ(( هاءً))، فقال: ((هيمن (7) الله)). وهذا النحوُ من التصرُّف لم تفعلْه العربُ في صيغِ الجموعِ.
وقوله: ((لولا أن يُؤثَر عَلَيَّ الكذبُ لكذبتُ عليه))؛ يعني: لولا أن يُتحدَّثَ ويُنقلَ عنه الكذبُ. وإنما وقع له هذا في ذلك الوقتِ لشدَّةِ عداوتهِ للنبيِّ (8) ? =(3/603)=@ وحسدِه (9) ، وحرصِه على إطفاءِ نورِه، ويأبى الله إلا أنْ يتمَّ نورَه! وفيه ما يدلُّ على أن الكذبَ مذمومٌ في الجاهليةِ والإسلامِْ، وأنه %(1/305)%
__________
(1) سقط من (ز).
(2) في (ح) و(ي): ((منصرف)).
(3) قوله: ((همزة الجمع)) في (ز): ((همزة جمع))، وفي (م): ((همزة بالجمع)).
(4) في (ح) و(ي): ((عندهم)).
(5) في (ز): ((جميع))
(6) قوله: ((واجد برفعها)) في (ز): ((واجد يرفعها)).
(7) في (ي): ((وهيمن)).
(8) قوله: ((عداومته للنبي ?)) كذا في (ي) فقط، وفي (أ) و (ح) و(ز): ((عداوته له وحده))، وفي (ب) و(م): ((عداوته له)) فقط.
(9) قوله: ((وحسده)) سقط من (ب).(1/305)
ليس من خُلقِ الكرامِْ.
و(( الحسبُ)): الشرفُ. والحسيبُ من الرجالِ: هو الذي يَحْسُبُ لنفسِه آباءً أشرافًا (1) ومآثرَ جميلةً. وهو من الحِسابِ؛ وهو (2) العَدَدُ.
و((السِّجالُ)) مصدرُ: ساجَلَه، يُساجِلهُ (3) ، سِجَالاً: إذا نَاوَأَه (4) وقاومه. وأصله من السَّجْلِ؛ وهو: الدلوُ العظيمةُ التي (5) لا يستقلُّ واحدٌ برفعِها (6) من البئرِ؛ وقد فَسَّر معناه بقولِه: ((يُصِيبُ منَّا، ونُصيبُ (7) منه)) (8) .
وقوله: ((والله ما (9) أمكنني من كلمةٍ أُدخلُ فيها شيئًا غير هذه الكلمة))؛ يعني: أنه كان يعلمُ من خُلُقِ رسولِ الله ? الوفاءَ والصدقَ، وأنه يفي بما عاقدهم (10) عليه، لكن لما كان المستقبلُ غيرَ حاصلٍ في وقتهِ ذلك، لبَّس (11) بتطريقِ الاحتمالِ؛ تمويهًا بما يعلمُ خلافَه. &(3/477)&$
وقولُ هرقل في الضعفاءِ: ((هم أتباعُ الرسل)) إنما كان ذلك لاستيلاءِ الرئاسةِ على الأشرافِ، وصعوبةِ الانفكاكِ عنها، والأنفةِ من الانقيادِ للغيرِ، والضعيفُ خَلِيٌّ (12) عن تلك الموانعِ (13) ، وهذا غالبُ أحوالِ أهلِ الدنيا، وإلا فَقَدْ ظهرَ أن السُّبَّاقَ =(3/604)=@ للإسلامِ كانوا أشَرافًا في الجاهليةِ والإسلامِ؛ كأبي بكرٍ، وعمرَ، وحمزةَ، وغيرِهم من الكبراءِ والأشرافِ. %(1/306)%
__________
(1) في (ز): ((أشراف)).
(2) قوله: ((الحساب وهو)) سقط من (ح).
(3) في (م): ((نساجله)).
(4) في (ز): ((ناوبه)) وفي (ي): ((ناوله)).
(5) قوله: ((العظيمة التي)) في (أ) و(ح) و(ي): ((العظيمة الذي))، وفي (ز): ((العظيم التي)). وتأنيث (الدلو) أكثر من تذكيرها . انظر "المصباح" (ص 105).
(6) قوله: ((واجد برفعها)) في (ز): ((واجد يرفعها)).
(7) تقرأ في (ي): ((ويصيب)).
(8) قال القاضي: أصله: من المستقيان بالسَّجْل؛ يكون لكل واحدٍ منهما سجل، والسجل الدلو الملأَى. اهـ . قال في "القاموس": السجل: الدلو العظيمة مملوءَةً. انظر "الإكمال" (6/119)، "القاموس" (3/393).
(9) في (ح) و(ي): ((أمكني)).
(10) في (ب) و(ح): ((عاهدهم))، وفي (م): ((عادهم)).
(11) في (ي): ((ليس)).
(12) في (م): ((جلي)).
(13) في (م): ((المواضع)).(1/306)
وقوله: ((وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها))؛ إنما كان ذلك لما خصَّ اللهُ به الأشرافَ من مكارمِ الأخلاقِ، والتباعدِ عن سَفْسَافِها (1) ، والصدقِ والأمانةِ، ولتنجذبَ النفوسُ إليهم؛ فإن الأبصارَ مع الصورِ، وأقلُّ ما في الوجودِ إدراكُ البصائرِ!.
وقوله: ((وكذلك (2) الإيمان حين يخالطُ (3) بشاشةَ القلوب))؛ هكذا وقعتْ هذه الروايةُ هنا، وفي البخاريِّ: ((حِينَ تُخالِطُ بَشَاشَتُهُ القلوب)) (4) ، وهي أوضحُ (5) . وأصل البشاشةِ: التلطُّفُ والتأنسُ عند اللقاءِ؛ يقال: بَشَّ به، وَتَبَشْبَشَ (6) . ومعنى هذا: أن القلوبَ المنشرحةَ إذا سمعت الإيمانَ وأصغْت إليه، بَشَّتْ له، ورَحَّبتْ بلقائِه، كما يُفعلُ بالغائبِ عندَ اللقاءِ، ثم إذا حلَّ (7) الإيمانُ في القلبِ انكشفتْ له محاسنُه، وتوالتْ عليه أنوارُه، حتَّى يكرهَ أن يعودَ في الكفرِ، كما (8) يكرهُ أن يُقذفَ في النارِ (9) . =(3/605)=@
وقوله: ((وكذلك الرسلُ تبتلى، ثم تكون لهم العاقبة)) ابتلاءُ الرسلِ بنحوِ ما ذَكر إنما هو ترفيعٌ لدرجاتِهم (10) ، وسترٌ لأحوالِهم، حتى لا يصيرَ العلمُ بهم ضروريًّا. والله تعالى أعلم.
و((العاقبة)) و((العقبى)) (11) : الخاتمةُ الحسنةُ. %(1/307)%
__________
(1) في (ز): ((سفهائها)).
(2) في (أ) و(ي): ((كذلك)).
(3) قوله: ((حين يخالط)) الرواية في مطبوع "صحيح مسلم" و"التلخيص": ((إذا خالط)).
(4) في "صحيحه" (1/31-33 و125 رقم7 و51) في بدء الوحي، باب وفي الإيمان، و(6/109 – 111 رقم 2941)، في الجهاد، باب دعاء النبي ? الناس إلى الإسلام والنبوة...
(5) كذا قال القاضي في "الإكمال"، لكن ظاهر ما ذكره أن هذه الرواية التي رجحها موجودة في "كتاب مسلم"؛ فإنه قال: ((قوله: كذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب)) أصل البشاشة: اللطف بالرجل وتأنيسه؛ يقال: بش وبشش (كذا)، وهذه الرواية أصح من رواية ((بشاشة القلوب)). ولم يذكر النووي اختلافًا في الرواية في "كتاب مسلم"، ولم يُذكر كذلك في الطبعة العامرة اختلاف نسخ.
انظر: "الإكمال" (6/119)، "والمشارق" (1/101)، و"شرح النووي" (12/106)، و"فتح الباري" (1/36 – 37).
(6) كذا في (ب)، و(م)، وفي سائر النسخ: ((وبشبش)) والمثبت موافق لما في "الصحاح" و"القاموس" و"النهاية"، و"غريب ابن قتيبة" و"شرح النووي" ووقع في مطبوع "الإكمال": ((وبشش)).
قال ابن قتيبة في تفسير "يتبشبش": هو من البشاشة، وهو "يتفعّل"، إلا أنهم يستثقلون الكلمة إذا جاءت على هذا الوزن، وذلك لأنه يجتمع فيه ثلاثة أحرف، فيبدلون الأوسط منها" .اهـ.
أي أن أصله – كما قال الجوهري أيضًا – "يبشَّش، فأبدلوا من الشين الوسطى فاءَ الفعل، أي: الباء.
انظر: "غريب ابن قتيبة" (1/414)، "الصحاح" (3/996)، "الإكمال" (6/119)،، "المشارق" (1/101)، و"شرح النووي" (12/106)، "فتح الباري" (1/36 – 37)، النهاية (1/130).
(7) في (ح): ((ثم أدخل)) وفي (م) ((اذا خلى)).
(8) في (ي): ((بما))
(9) طرف من حديث تقدم في الإيمان، باب من يذوق طعم الإيمان وحلاوته .
(10) قوله: ((ترفيع لدرجاتهم)) في (ز): ((لترفيع درجاتهم)).
(11) حُذف الهامش ومثبت الرقم بالمتن(1/307)
وقوله: ((هل قال هذا القولَ أحدٌ قبلَه؟ )) يعني: من عربِ (1) قومِه، وإلا فالرسلُ كثيرٌ، وقد كان في العربِ غيرَ قومِه رسلٌ، كهودٍ، وصالحٍ، كما ذُكر (2) في حديثِ أبي ذرٍّ – رضي الله عنه (3) - ولذلك قال تعالى: {لتنذر (4) قومًا ما أنذر آباؤهم} (5) ؛ أي: لم (6) يُبْعَثْ في آبائِهم المشهورِين عندَهم رسولٌ يُنذِرهُم. وهو قولُ المحقِّقين من &(3/478)&$ المفسِّرين (7) . وقد دلَّ عليه قولُه تعالى في آية أخرى: {لتنذرَ قومًا ما أتاهم من نذير من قبلك} (8) .
و((الصلةُ))؛ يعني بها: صلةَ الأرحامِ (9) . و((العفافُ))؛ يعني به: عن الفواحشِ.
وقوله: ((إن يكنْ ما تقولُ (10) حقًّا فإنه نبيٌّ))؛ هذا الكلامُ محذوفُ المقدمةِ الاستثنائيةِ (11) ؛ لدلالةِ الكلامِ عليها؛ وتقديرُها: لكنَّ ما تقولُ حقٌّ (12) فهو نبيٌّ. ويدلُّ =(3/606)=@ على أن هذا مرادُه قطعًا الكلامُ (13) الذي بعدَه؛ فإنه قَطَعَ فيه بنبوَّتِه، فتأملُهُ.
وقوله: ((وقد (14) كنتُ أَعلم أنه خارج))؛ أي بما (15) في الكُتبِ التي اطَّلعَ عليها، والبشائرِ (16) (17) به، والإخبارِ (18) بمجيئهِ، ووقتهِ، وعلاماتِه.
وقوله: ((ولم أكن أظن أنه منكم)) (19) ؛ كأنه (20) استبعد أن يكونَ نبيٌّ من العربِِ؛ لما كانوا عليه من الأعمال الجاهليَّهْ، والطبيعةِ الأميَّهْ، والحالةِ الضعيفةِ الزريَّهْ (21) ، وتمسّكًا بكثرةِ الرسلِ في الملةِ الإسرائيليَّهْ (22) ، وقد كان كلُّ ذلك، لكن جَبَر الله صَدْعَ هذه الأمَّهْ؛ بأن اختصَّهم بهذا الرسولِ العظيمِ الذي شرّفهم بهِ وكرَّمهم حتى صيَّرهم خيرَ أمَّهْ (23) ، والحمدُ (24) للهِ على هذهِ النعمَهْ. %(1/308)%
__________
(1) تقرأ في (ز): ((عرف)).
(2) في (ز): ((ذكرنا)).
(3) أخرجه ابن حبان (2/76-79 رقم361/الإحسان)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/166-168)؛ كلاهما من طريق إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني، عن أبيه، عن جده، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس وحده ...، فذكر الحديث بطوله، وفيه: قلت: يا رسول الله! كم الأنبياء؟ قال: ((مائة ألف وعشرون ألفًا))، قلت: يا رسول الله! كم الرسل من ذلك؟ قال: ((ثلاث مائة وثلاثة عشر جَمًّا غفيرًا))، قال: قلت: يا رسول الله! من كان أولهم؟ قال: ((آدم))، قلت: يا رسول الله! أنبي مرسل؟ قال: ((نعم، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلاً))، ثم قال: ((يا أبا ذر! أربعة سريانيون: آدم، وشيث، وأخنوخ؛ وهو إدريس، وهو أول من خط بالقلم، ونوح، وأربعة من العرب: هود، وشعيب، وصالح، ونبيك محمد)).
وسنده ضعيف جدًّا؛ إبراهيم بن هاشم، كذبه أبو حاتم وأبو زرعة، وقال الذهبي: ((متروك، وهو صاحب حديث أبي ذر الطويل)). "الجرح والتعديل" (2/142-143 رقم469)، و"الميزان" (1/72-73 رقم244).
(4) في (ب) و(ح): ((لينذر)).
(5) سورة يس؛ الآية: 6 .
(6) في (م): ((لن)).
(7) قاله قتادة وهو اختيار أكثر المفسرين ومعربي القرآن؛ كالعكبري ومكي والأنباري والزجاج، والزمخشري على أن ((ما)) هنا نافية لا محل لها من الإعراب، ويكون ((آباؤهم)) هم القريبين منهم.
وقيل بإثبات النذارة، ويكون المراد آباؤهم الأولون من ولد إسماعيل، وتكون ((ما)) على هذا: اسمًا موصولاً، أو نكرة موصوفة، أو مصدرية، أو زائدة. انظر: "تفسير الطبري" (20/491 – 492) (ولم يرجح)، و"إعراب النحاس" (3/383)، "مشكل إعراب القرآن" لمكي (2/599)، "تفسير البغوي" (3/632)، "الكشاف" (5/165)، "التبيان" (2/1079) "تفسير القرطبي" (15/11)، "البحر المحيط" (7/310)، "الدر المصون" (9/246)، "اللباب" لابن عادل (16/169 – 170).
(8) سورة السجدة؛ الآية: 3.
(9) في (ز): ((الرحم)).
(10) في (م): ((يقول))، وفي (ي): ((يقوله)).
(11) قوله: ((محذوف المقدمة الاستثنائية)) في (ب) و(ز): ((محذوفا مقدمة الاستثناية))، وفي (م): ((محذوف مقدمة الاستثناء به)).
(12) في (أ) و(ي): ((حقًا)). وفي (م): ((يقول حق)).
(13) سقط من (ح)، وفي (ي): ((للكلام)).
(14) في (ب) و(ز) و(م): ((قد)) دون الواو.
(15) في (أ): ((لما)).
(16) في (ح): ((في البشائر)).
(17) قوله: ((والبشائر)) في (ح): ((في البشائر)).
(18) زاد بعده في (ز): ((والبشائر)).
(19) في (م): ((فيكم)).
(20) في (ح): ((كأن)).
(21) في (ب) و(م): ((الردية))، وفي (ح): ((الرزية)).
(22) قال الحافظ في "الفتح" (8/219): ((وزعم بعض الشراح (لعله يعني أبا العباس القرطبي) أنه كان يظن أن من بني إسرائيل لكثرة الأنبياء فيهم، وفيه نظر؛ لأن اعتماد هرقل كان على ما اطلع عليه من الإسرائيليات وهي طافحة بأن النبي الذي يخرج في آخر الزمان من ولد إسماعيل، فيحمل قوله: ((لم أكن أظن أنه منكم)) أي: من قريش)) .اهـ.
(23) في (م): ((الأمة)).
(24) في (ب): ((الحمد)).(1/308)
وقوله: ((ولو أنِّي (1) أعلم أنِّي أخلص إليه لأحببتُ لقاءه))؛ هكذا جاءت هذه الروايةُ عندَ جميعِ رواةِ مسلمٍ، وفيها بُعدٌ. وأوضحُ منها ما جاء (2) في البخاريِّ (3) : ((لتجشَّمتُ لقاءَه))؛ أي: لتكلَّفتُ ذلك على مشقتِه (4) .
وقوله: ((ولو كنتُ عنده لغسلتُ عن قدميه (5) ))؛ أي: إكرامًا واحترامًا وخدمة (6) ؛ فهو على ظاهرِه، ويحتملُ أن يريدَ المبالغةَ في طاعتِه وامتثالِ أمرِه، حتى يكونَ بصورةِ مَنْ يباشرُ هذا الأمرَ (7) .
وقوله: ((وليبلغنَّ مُلْكُه ما تحت قدمي))؛ يعني بذلك أرضَه التي كان فيها، ومملكتَه التي كان عليها وكذلك كان؛ وهذا منه تحقيقٌ لنبوَّتِه ?، وعلمٌ بما يفتحُ (8) &(3/479)&$ الله عليه، وبما ينتهي إليه أمرُه. ومع ذلك ففي (9) البخاريِّ (10) : أنه استمرَّ على كفرِه، فنعوذُ باللهِ من علمٍ لا ينفعُ. =(3/607)=@
وقولُه ? في الكتابِ الذي كَتبه (11) إليه: ((إلى هرقل عظيم الروم))؛ أي: الذي تُعظِّمُه الرومُ، وهو مفاتحةٌ (12) بخطابِ استلطافْ، يقتضي (13) التأنيسَ والاستئلافِْ، مع أنه حقٌّ في نفسِه، فإنه كان معظَّمًا في الرومِ، وكان أعظمَ ملوكِهم (14) .
وقوله: ((سلامٌ على من اتبع الهدى))؛ عدولٌ عن السلامِ عليه - لأن الكافرَ لا يُفاتَحُ بالسلامِ - إلى التعريضِ له باتباعِ طريقٍ الهدايةِ (15) ، وقد رأىَ بعضُ أهلِ العلمِ: أن السلامَ على أهلِ الكفرِ والبدعِ (16) هكذا يكونُ.
و((دعايةُ الإسلام)) بكسرِ الدال، وهي في أصلِها: مصدر: ((دعا، يدعو، دعوةً، ودعايةً))؛ كـ((رمى، يرمي، رَمْية، ورِمايةً))، و((شكا، يشكو، شَكْوةً، وشِكاية)). ويعني بها هنا (17) : كلمتَيِ الإسلامِ؛ وهي: شهادةُ أن لا إله إلا اللهُ، %(1/309)%
__________
(1) سقط من (ب) و(ز) و(م).
(2) ((جاء)) من (ح) فقط، وليس في سائر النسخ.
(3) في "صحيحه" (1/31-33 رقم7) في بدء الوحي، باب، و(6/109-111 رقم2941) في الجهاد، باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس إلى الإسلام والنبوة .
(4) في (ب)، و(ح)، و(ي)، و(م): ((مشقة)).
وقال القاضي عياض عن رواية البخاري: وهو أصح في المعنى من أحببت. ويحتمل أن ((أحببت)) مغيرة منها. والتجشم هو تكلف الوصول إليه على ما فيه من المشقة عليه؛ لبعد داره ومخالفة حاله، ولكنه رأى أن تخلصه إليه بعيد؛ من كثرة من بينه وبينه ممن كان يختطفه ويحول بينه وبين الوصول إليه، ولما كان من الملك الذي كان يزول عنه، وكأن الإسلام لم يتمكن من قلبه ولم يرد الله سبحانه هدايته كما أراد هداية النجاشي.اهـ. وقال في "المشارق": والأول (أي رواية البخاري) أوجه وأليق بالكلام؛ لأن الحب والنية لا يصد عنها لأنها تملك، كما يصد عن العمل الذي لا يمكل في كل حين .اهـ. قال النووي: ولا عذر له في هذا؛ لأنه قد عرف صدق النبي ?، وإنما شح في الملك ورغب في الرياسة فآثرها على الإسلام.اهـ.
انظر: "الإكمال" (6/121)، و"مشارق الأنوار" (1/160 – 161)، و"شرح النووي" (12/107)، و"فتح الباري" (8/219).
(5) في (أ): ((قدمه)).
(6) في (ز): ((وحرمة)).
(7) من قوله: ((فهو على ظاهره ....))، من (أ) فقط. قال الحافظ في "الفتح" (1/37): ((وفي اقتصاره على ذكر غسل القدمين إشارة منه إلى أنه لا يطلب منه إذا وصل إليه سالمًا لا ولاية ولا منصبًا، وإنما يطلب ما تحصل له به البركة)).
(8) في (ب)، (م): ((فتح)).
(9) في (أ): ((في)).
(10) يشير إلى ما ورد في "صحيح البخاري" (1/31-33 رقم7) في بدء الوحي، باب، وفيه: ((إني قلت مقالتي آنفًا أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت، فسجدوا له ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل)).
(11) قوله: ((كتبه إليه)) في (ب): ((كتبه النبي ? إليه)) وفي (م): ((كتب إليه النبي ?)).
(12) في (ح): ((مفاتحته)).
(13) في (ي): ((ويقتضي)).
(14) ولم يقل له ?: ((إلى ملك الروم)) لما تحت هذه الكلمة من المعاني التي لا يستحقها إلا من أوجبه له الإسلام، ولما فيه من التسليم له بالمِلْكِ لهم))؛ قال القاضي عياض، قال الحافظ: وذكر المدائني أن القارئ لما قرأ: ((من محمد رسول الله إلى عظيم الروم)) غضب أخو هرقل واجتذب الكتاب، فقال له هرقل: مالك؟ فقال: بدأ بنفسه وسماك صاحب الروم!، فقال هرقل: إنك لضعيف الرأي، أتريد أن أرمي كتابًا قيل أن أعلم ما فيه؟!، لئن كان رسول الله إنه لأحق أن يبدأ بنفسه، ولقد صدق؛ أنا صاحب الروم، والله مالكي ومالكهم)). "الإكمال" (6/123)، و"الفتح" (8/220).
(15) قوله: ((التعريض له باتباع طريق الهداية)) كذا في (أ) و(ب) و(م). وفي (ح) و(ي): ((التعريض باتباع الهداية))، وفي (ز): ((التعريض باتباع طريق الهدي)).
(16) قوله: ((أهل الكفر والبدع)) في (ح): ((أهل البدع والكفر)).
(17) في (ح): ((هاهنا)).(1/309)
وأنَّ محمدًا رسول الله. وأما روايةُ: ((دَاِعية)) فهي صفةٌ لـ((الكلمةِ)) المحذوفةِ؛ فكأنه قال: بالكلمةِ الداعيةِ للإسلامِ. &(3/480)&$
وقوله: ((أسلمْ تسلم))؛ يعني: اُدْخُلْ في دينِ (1) الإسلامِ تَسلمْ في الدنيا من الخزيِ، وفي الآخرة من العذابِ، وهو من التجنيسِ البديعِ.
وقوله: ((يؤتك الله أجرك مرتين))؛ يعني: باتباعهِ لدينِ عيسى، وباتباعهِ لدينِ محمدٍ صلى الله عليهما وسلم، وهذا كقوله ?: ((ثَلَاثَةٌ (2) يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ، ثُمَّ أَدْرَكَ النَّبِيَّ ? فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، فَلَهُ أَجْرَانِ)) (3) .
قلتُ (4) : وهذا إنما يتحصَّلُ للكتابيِّ إذا كان مُتَّبعًا لدينِ (5) نبيِّه من (6) الاعتقادِ الصحيحِ، والعملِ على مقتضَى شريعتهِ. أما لو اعتقد في عيسى أو في الله تعالى ما لم تجئْ به شريعتُه، فلا يحصلُ له أجرانِ إذا أسلم، بل أجرُ الإسلام خاصةً؛ =(3/608)=@ لأنه لم يكنْ على شريعةِ عيسى، ولا على غيرِها (7) (8) ، فلم يتبْعه؛ فلا يحصلُ له أجرٌ (9) .
وقوله: ((فإن توليت فإن عليك (10) إثم الأريسيين))؛ يروى: ((الأريسيين)) (11) بالهمزةِ، وبالياءِ (12) مكانَ الهمزةِ؛ فيقال: ((اليريسيين)) (13) : فأما بالهمزةِ: فقيل: همُ الملوكُ (14) ، وقيل: الأَكَّارون، وهم الفَّلاحونَ. قال ابنُ الأعرابيِّ: ((أَرس، يأرس (15) ، أرسًا: إذا صار رَئيسًا. فيكونُ معناه: أنه إن أعرضَ عن الدخول في الإسلامِ كان عليه إثمٌ من اتبعَه من رؤساءِ مملكتِه ورعاياه. قال أبو عبيدٍ: ليس الفلاحون الزارعينَ (16) فقطْ، لكن أراد بهم &(3/481)&$ جميعَ أهلِ مملكتِه؛ لأن كلَّ من يزرعُ عندَ العربِ فلاحٌ. وأمَّا من رواه بالياءِ، فقد قيل فيه ما تقدم؛ فتكون (17) لغتين. وقال بعضُهم: يكونُ من التبختُرِ؛ يقال: رَاس، يَريس، رَيْسًا، وَرَيَسَانًا: إذَا (18) تبختر. وراس يَرُوس، رَوْسًا، أيضًا (19) . %(1/310)%
__________
(1) قوله: ((دين)) سقط من (ح)، (ي).
(2) في (ز): ((ثلاث)).
(3) تقدم في الإيمان، باب مضاعفة أجر الكتابي إذا آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وشدة عذابه إذا لم يؤمن .
(4) في (ب) و(م): ((قال الشيخ))، وفي (ز): ((قال الشيخ رضي الله عنه))
(5) في (ز): ((لذين)).
(6) في (ح) و(ي): ((في)).
(7) في (أ) و(ح) و(ي): ((غيره)).
(8) في (أ) و (ح): ((غيره)).
(9) نقل الحافظ في "الفتح" (1/191)، بعض كلام الشارح هنا، ثم قال: ويشكل عليه أن النبي ? كتب إلى هرقل: ((أسلم يؤتك الله أجرك مرتين)) وهرقل كان ممن دخل في النصرانية بعد التبديل. وقال في (1/38): ويحتمل أن يكون تضعيف الأجر له من جهة إسلامه ومن جهة أن إسلامه يكون سببًا لدخول أتباعه)).
(10) قوله ((فإن عليك)) في (ح) و(ي): ((فعليك)).
(11) سقط من (أ).
(12) في (ب) و(ح) و(م) و(ي): ((والياء)).
(13) قوله: ((فيقال اليريسيين)) من (أ) فقط.
(14) في (ب): ((فأما بالهمزة فهم الملوك))، قوله: ((فقيل هم الملوك)) في (ي)، (ح): ((فهم الملوك)).
(15) في (أ) و(ح) و (ي): ((يرس)).
(16) كذا في (أ) و(ح) و(ي)، وفي (ب): ((الزراعون)) وفي (م): ((الزارعون)) وفي (ز): ((الزراعين)).
(17) في (ح) و(ي): ((فيكون)).
(18) في (ب): ((إذ)).
(19) من قوله: ((إذا تبختر وراس ....)) إلى هنا سقط من (ح).(1/310)
قلتُ (1) : وعلى هذا فيكونُ المرادُ به: أن عليه إثمُ من تكبَّرَ على الحقِّ، ولم يدخلْ فيه مِنْ أهلِ مملكتِه.
و(( أهل (2) الكتاب)): اليهودُ والنصارى، نسبوا إلى الكتابَيْنِ المنزلينِ على موسى وعيسى صلى الله عليهما وسلم.
(( تعالوا)) بمعنى (3) : أجيبوا إلى ما دُعيتم إليه؛ وهو (4) الكلمةُ العادلةُ المستقيمةُ، التي ليس فيها ميلٌ عن الحقِّ، وقد فسَّرها بقولِه: {ألاَّ نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله} (5) .
((أربابٌ)) جمع: ربٍّ. وقد تقدَّم تفسيرُه. و((دون)): هنا (6) بمعنى: ((غير)). {فإن تولوا}: أَعرضوا عمَّا دُعوا إليه. {فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}؛ أي: مُتَّصفون بدينِ الإسلامِ، منقادون لأحكامِه، مُعترفون بما لله علينا في ذلك من المِنَنِ والإنعامِ. =(3/609)=@
وفيه دليلٌ على جوازِ مَسِّ الجُنبِ، والكافرِ، كُتُبِ التفسيرِ والفقهِ وإن كان فيها قرآنٌ؛ لأن القرآنَ فيها تابعٌ لغيرِه (7) ، فجاء ضِمنًا؛ بخلاف ما إذا كان القرآنُ وحدَه؛ فلا يجوزُ للجنبِ، ولا للكافرِ (8) أن يمسَّ
ا (9) منه شيئًا، قليلاً كان أو كثيرًا. ومن هنا قال مالكٌ رحمه الله: إن (10) المصحفَ إذا كان في عِدْلٍ أو خُرْجٍ ليس مخصوصًا بالمصحفِ، جاز للجنبِ والنصرانيِّ أن يحملاه في خُرْجِه أو عِدْلِهِ. وأما جوازُ قراءةِ الجنبِ الآياتِ اليسيرةَ للتعوُّذِ، فلا يستثمر (11) من هذا الحديثِ، فتأمَّلْه.
و(( اللغط)): اختلافُ الأصواتِ واختلاطها، وهو السَّخَبُ أيضًا، كما وقع في البخاريِّ (12) . %(1/311)%
__________
(1) في (ز): ((قال الشيخ))، وفي (ب) و(م): ((قال الشيخ رحمه الله)).
(2) كذا في (أ)، وفي سائر النسخ: ((أهل)) دون الواو.
(3) في (م): ((يعني)).
(4) في (ح) و(ي): ((وهي)).
(5) سورة آل عمران؛ الآية: 64.
قال الراغب الأصفهاني: ((وتعال)) قيل: أصله أن يدعى الإنسان إلى مكان مرتفع، ثم جُعل للدعاء إلى كل مكان. قال بعضهم: أصله من العلو، وهو ارتفاع المنزلة، فكأنه دعا إلى ما فيه رفعة. "المفردات" (ص584).
(6) كثا في (أ)، وفي سائر النسخ: ((هي)).
(7) قوله: ((القرآن فيها تابع لغيره))، في (ز): ((القرآن تابع)).
(8) قوله: ((للجنب ولا للكفار)) في (ز): ((للكافر ولا للجنب)).
(9) في (ب) و(م): ((يمس)).
(10) سقط من (ز).
(11) كذا في (ز)، وهي غير منقوطة الياء في (ي). وفي (أ) و(ب): ((تستثمر))، وفي (ح): ((يستمر))، وفي (م): ((تستمر)) والصواب: ((يُسْتَمَدُّ)).
(12) (6/128 رقم2978) في الجهاد، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((نصرت بالرعب مسيرة شهر ...)). ولفظه: ((فلما فرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب)).(1/311)
وقولُ أبي سفيان: ((لقد أَمِرَ أَمْرُ ابن أبي كبشة؛ إنه ليخافه ملك بني الأصفر))؛ أَمِر أي: علا وعَظُمَ، وهو من: أَمِرَ القومُ: إذا كَثُروا. ومنه قوله تعالى: &(3/482)&$ {أَمَرْنا مترفيها} (1) ، فيمن (2) قرأه بالتخفيفِ على أحدِ الوجوه (3) .
ونسبةُ النبيِّ ? لابنِ أبي كبشةَ؛ قال فيه أبو الحسنِ الجرجانيُّ النسَّابةُ: نسبتهُم إياه لابن أبي كبشةَ عداوةٌ له؛ إذ لم يمكنهمُ الطعنُ في نسبهِ الشهيرِ، وكان وهبُ بنُ عبدِ منافِ (4) بنِ زهرةَ جدُّه أبو أمِّه، يكنى أبا كبشةَ، وكذلك عمرُو بنُ زيدِ بنِ أسدٍ النجَّاريِّ أبو سلمى أمِّ عبدِالمطلبِ؛ كان يُدعى أبا كبشةَ، وكذلك أيضًا في أجدادِه مِن قبلِ (5) أمِّه أبو كبشةَ جُزْءُ بنُ غالبِ بنِ الحارثِ (6) ، وهو أبو قَيْلةَ (7) أمِّ وهبِ بنِ عبدِ مناةَ (8) أبي آمنةَ أمِّه ?، وهو خزاعيٌّ، وهو الذي كان يَعْبُدُ الشِّعرى (9) . وكان أبوه من الرضاعة يُدعى =(3/610)=@ أبا كبشة (10) ، وهو الحارثُ بن عبدِ العزَّى (11) السَّعديُّ. وقال مثلَ هذا كلِّه محمدُ بنً حبيبٍ البغداديُّ. وزاد أبو (12) نصرِ بنُ ماكولا؛ وقال (13) : أبو كبشةَ: عمُّ (14) والدِ حليمةَ مرضعتِه. وقيل: إنما نسَبوه لأبي كبشَة لأنه خرجَ من دينِ العربِ، كما فعل أبو كبشةَ الذي عَبَدَ الشِّعرى العَبورَ (15) ، وإنما عَبدها؛ لأنه رآها تَقْطَعُ السَّماءَ عَرْضًا بخلافِ سائرِ النجومِ. %(1/312)%
__________
(1) سورة الإسراء؛ الآية: 16.
(2) في (م): ((فمن)).
(3) قوله: ((على أحد الوجوه)) سقط من (أ)، وقراءه ((أمرنا)) بتخفيف الميم وفتحها قراءة الجمهور، وروي عن نافع وابن كثير: ((آمرنا)) بمد الهمزة وهي قراءة يعقوب، وروي عن أبي عمرو: ((أمَّرنا)) مشددة الميم وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر وعكرمة: ((أمرْنا)) بقصر الهمزة وكسر الميم.
أما ((أَمَرْنا)) مقصورة الهمزة مفتوحة الميم خفيفة، فاختلف في معناها: فقيل: كثرْنا، قال: أَمَر الله القومَ؛ كثرهم، فأمِرُوا: فكثروا، وأما ((أمِرْنا)) معناه أيضا: ((كثرنا)). وأما ((أمَّرْنا)) فإما أن يكون أيضًا بمعنى ((كثَّرْنا))، أو يكون بمعنى ولَّيْنا انظر: "مجاز القرآن" (1/373)، "غريب الحديث" لأبي عبيد (3/369 – 370)، "غاية الاختصار" (2/545)، "المفردات" (ص 88 – 89)، "الدر المصون" (7/325 – 330)، "المحتسب: (2/15 – 17)، "المبسوط في القراءات العشر" (ص 268)، "النشر" (2/230)، "السبعة" (ص 379)، "إعراب القراءات الشواذ" (1/780 – 781) "التبيان (2/815 – 816) "البحر المحيط" (6/15 – 18)، "الحجة" للفارس (5/91 – 93) وتفسير الطبري ().
(4) قوله: ((بن عبد مناف)) في (م): ((بن أبي عبد مناف)).
(5) في (ح): ((أهل)).
(6) وسمها في (ب) دون الألف التي بعد الحاء ودون فقط الثاء، وتقرأ هكذا: ((الحارث)) أيضًا، لكن نقلها عنه في (م): ((الحرب)).
(7) في (م): ((قتلة)).
(8) في (ح) و(ي): ((مناف)).
(9) كوكب نير يقال له المرزم، وهما الشعريان: العبور التي في الجوزاء، والغميصاء التي في الذراع، نجم من نجوم الجوزاء. يحقق .
(10) قوله: ((أبا كبشة)) في (ز): ((بالكبشة)).
(11) تقرأ في (ب): ((المعزى)).
(12) سقط من (أ).
(13) سقط من (ز)، وفي (أ): ((وقيل)).
(14) كذا في (ب) و(م)، وفي (أ) و(ح) و(ي): ((عمر)) وفي (ز): ((عمرو)).
(15) في (ب): ((الغيور)).(1/312)
وفي تسميةِ الرومِ بـ((بني الأصفر)) قولان:
أحدُهما: ما قاله ابنُ الأنباريِّ؛ أن جيشًا من الحبشةِ غلبوا على ناحيتِهم في بعض الدهرِ، فوطئوا نساءَهم، فَوَلَدْنَ أولادًا صُفْرًا (1) .
والثاني: قاله أبو إسحاقَ الحربيُّ (2) ، وهو أنهم نُسبوا إلى جدِّهم (3) الأصفرِ بنِ الرومِ بن عِيصُو بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ. وهذا أشبهُ من القولِ الأولِ (4) .
وقوله: ((شكرًا لما أبلاه))؛ أي: أنعم عليه به (5) . وأصلُ الابتلاءِ: الاختبارُ. وفيه لغتان؛ ثلاثيًّا، ورباعيًّا؛ يقال: بَلاَ، وَأَبْلَى. وقد جَمع بينهما زهيرٌ فقال:
فَأَبْلَاهُمَا خَيْرَ الْبَلَاءِ الَّذِي يَبْلُو (6) .
وقيل: ((أبلى)) في الخيرِ، و(( بلا (7) )) في الشرِّ. والأولُ أشهرُ (8) . =(3/611)=@ &(3/483)&$ %(1/313)%
__________
(1) "الزاهر في معاني كلمات الناس" (2/162).
وعبارته: ... لأن حبشيًّا (كذا) غلب على ناحيتهم في بعض الدهور، فوطئ نساءَهم، فولدن أولادًا فيهن (كذا) من بياض الروم وسواد الحبشة، فكن (كذا) صفرًا لُعْسًا، فنسب الروم إلى الصفر والأصفر لذلك. اهـ.
(2) في (ز): ((الحرمي)).
(3) قوله: ((جدهم)) سقط من (أ) فقط.
(4) حكاه عن الحربيِّ القاضي عياضٌ في "المشارق" (2/49)، و"الإكمال" (6/122 – 123)، ونقله عن القاضي النوويُّ في "شرحه" (12/111) وكذا قال ابن الأثير في "النهاية" (3/37) لكنه جعل "الأصفر" لقبًا لجدهم روم بن عِيصُو بن إسحاق، وليس ابنًا له. ونسب الحافظ في "الفتح" (1/40) إلى ابن الأنباري القول بأن هم سُمُّوا بذلك لأن جدهم روم بن عيصو تزوج بنت ملك الحبشة فجاء لون ولده بين البياض والسواد فقيل الأصفر. قال الحافظ: وقال ابن هشام في "التيجان": إنما لقب الأصفر لأن جدته سارة زوج إبراهيم حلته بالذهب.
(5) قوله: ((به)) سقط من (ح).
(6) تقرأ في (م): ((يبلوه)) وهذا .... اكمل من الجهاز
(7) في (ز): ((وأبلى)).
(8) قوله: ((والأول أشهر)) سقط من (ب) و(م) والمراد: أن الأشهر استعمال الثلاثي المجرد والمزيد بالهمزة، في الخير والشرِّ معا، دون فرق بين فعليهما؛ قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} [ : ]؛ ذكره ابن سيده وابن الأثير وذكر الفرق بين الفعلين ابن قتيبة في "أدب الكاتب"؛ قال: وبلاه الله يبلوه بلاءً: إذا أصابه ببلاء، ... وأبلاه يبليه إبلاءً حسنًا: إذا صنع به جميلاً، ثم ذكر بيت زهير، وحمل قوله: ((يبلو)) الثلاثي على معنى الاختيار؛ قال: أراد الذي يختبر به عباده .اهـ. قال القاضي عياض: والابتلاء ينطلق على الخير والشر، وأصله الاختبار، وأكثر ما ينطلق مطلقًا في المكروه، ويأتي في الخير مقيدًا.
قال ابن القطاع: بلاه الله بالخير والشر بلاء: اختبره به، وصنعه له، وأبلاه الله بلاء حسنًا: فعله به، ... وبلاه أيضًا: أحسن إليه .اهـ.
"المشارق" (1/89 – 90)، و"الإكمال" (6/124)، "أدب الكاتب" (ص337)، "الأفعال" لابن القطاع (1/ ص 103)، و"النهاية" (1/155)، "وشرح النووي" (12/111)، و"تهذيب اللغة" (15/280).(1/313)
ومن بابِ كُتُب النبيِّ ? إلى الملوكِ يَدْعوُهُمْ
وقوله: ((وليس (1) بالنجاشي (2) الذي صلَّى عليه النبيُّ ?))؛ هذا تَحَرُّزٌ من الراوي؛ لئلا يظنَّ أن النجاشِيَ المسمَّى: "أَصْحَمَةَ" (3) ؛ الذي هاجرَ إليه أصحابُ رسولِ الله ? (4) هو هذا، وليس كذلك؛ لأن هذا احتاج في إسلامِه إلى أن يدعُوَه النبيُّ ? إلى الإسلامِ (5) ، ويِكاتبَهُ في ذلك، ولم يحتْج أصحمة – رضي الله عنه - إلى شيءٍ من ذلك، بل بنفسِ ما سمع القرآنَ من جعفرٍ وأصحابِه الذين هاجروا إلى أرضهِ، وأُخبر بقواعدِ الإسلامِ (6) ، وبمحاسنهِ، ورأى ما كان (7) الصحابةُ، رضي الله عنهم، عليه أحب دينَ الإسلامِ، وانقاد إليه، وصَرَّحَ بأنه على اعتقادِ المسلمين في عيسى عليه السلام، وعَرض على أهلِ مملكتِه الدخولَ في الإسلامِ، فلما رأى نُفْرَتَهُم (8) وَيئِس منهم، كَتَمَ إِسلامَه تَقِيَّةً على نفسِه، منتظرًا التخلُّصَ (9) منهم، إلى أن تُوفِّيَ على الإسلامِ والإيمانِ بشهادةِ =(3/612)=@ رسولِ الله ? له بذلك، حيثُ نَعاه لهم، وقال: ((إِنَّ أخًا لَكُمْ (10) بِأَرْضِ الحْبَشَةِ قَدْ مَاتَ، فَقُومُوا، فَصَلُّوا عَلَيْهِ))؛ كما تقدَّم في الجنائزِ (11) ، وإنما النَّجّاشِي الذي كَاتَبه رسولُ &(3/484)&$ الله (12) ? آخرُ غيرُ هذا من ملوكِ الحبشةِ، إمَّا في جهةٍ أخرى، أو بعدَ موتِ أصحمة. والله تعالى أعلمُ.
وهذه الأحاديثُ كلُّها تدلُّ (13) على جوازِ مفاتحةِ الكفارِ بالمكاتبةِ، وهو حكمٌ لم يختلفْ فيه. والله أعلمُ (14) . %(1/314)%
__________
(1) في (ب) و(م): ((ليس)) دون الواو.
(2) في (ح) و(ي): ((وقوله كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي وليس بالنجاشي)).
(3) أخرجه مسلم (2/657 رقم952/64) - (65) من حديث جابر رضي الله عنه، ولفظه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلَّى على أصحمة النجاشي فكبر عليه أربعًا. وفي لفظ: ((مات اليوم عبد لله صالح: أصحمة)).
قال القاضي عياض: بفتح الهمزة وسكون الصاد بعدها حاء مهملة مفتوحة، وهو قول ابن إسحاق وغيره، ومعناه بالعربية: ((عطية)) .اهـ.
أما ((النجاشي)) بفتح النون وتخفيف الجيم، وفي الياء لغتان التخفيف والتشديد، والتخفيف أعلى وأفصح؛ كما حكاه الصنعاني والمطرزي ، وصوبه ابن الأثير؛ قال الزبيدي: لأنها ليس للنسب.
قال الفيروزابادي: وتكسر نونه أو هو أفصح. قال الزبيدي: وهو اختيار مقلب .اهـ. وقال في الجمهرة: النجاشي كلمة حبشية؛ يقال للملك منهم: نجاشي؛ كما يقال: كسرى وقيصر.اهـ.
انظر: "المحكم" (7/178)، "المشارق" (1/63)، (2/35)، "التكملة" (3/ 515 – 516)، "المغرب" (2/290)، "تاج العروس" (9/204)، "الجمهرة (1/478)، "التنبيه" (ص 97).
(4) "صحيح مسلم"(4/1946-1947 رقم2502 و2503) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأهل سفينتهم ( .
(5) قوله: ((إلى الإسلام)) سقط من (ح).
(6) في (ز): ((الأم)) ولعلها مصوبة!.
(7) بعده في (ح): ((من)).
(8) في (ي): ((ويتبين))
(9) قوله: ((منتظرًا التخلص)) في (أ): ((منتظر التخلص)) وفي (ب) و (ز) و(م): ((منتظرا للتخلص)).
(10) قوله: ((رسول الله)) في (ز): ((أخاكم)).
(11) باب الأمر بالصلاة على الميت، وكيفية الصلاة عليه، وكم التكبيرات .
(12) قوله: ((رسول الله)) في (ب) و(ز) و(م): ((النبي)).
(13) في (م): ((قول))!
(14) قوله: ((والله أعلم)) زيادة من (ز) فقط.(1/314)
ومن بابِ غزوةِ حنينٍ
كانتْ غزوةُ حنينٍ (1) بعد فتحِ مكةَ بأيامٍ؛ وذلك أن مكةَ فُتحت لعشرٍ بَقِين من رمضانَ سنةَ ثمانٍ من الهجرةِ، وكانت وقعةُ هَوَازِنَ يومَ حنينٍ في أولِ شوَّالٍ من =(3/613)=@ تلك السَّنةِ. و((حُنَينٌ)): موضعٌ معروفٌ، سُمِّي (2) باسمِ رجلٍ لازَمَهُ، ويُصْرَفُ ولا يُصرفُ. وَأَنْشدَ في ((الصِّحاح)) (3) :
نَصَرُوا نَبِيَّهُمُ وَشَدُّوا أَزْرَهُ بَحُنَيْنَ يَوْمَ تَوَاكُلَ الْأَبْطَالُ
والأغلبُ عليه الصرفُ (4) . &(3/485)&$
و((فَروة بن نُفاثة)) صوابه: بالنونِ المرفوعةِ، والفاءِ، والثاءِ المثلثةِ؛ كذا لجميعِ الرواةِ، وقد قيده (5) بعضُهم (6) : ((نُباتة (7) )) بالنونِ والباءِ بواحدةٍ (8) ، والتاءِ باثنتين من فوقِها، وكأنه تصحيفٌ، وقد رواه مسلمٌ (9) من حديثِ معمرٍ عن ابنِ شهابٍ. فقال: ((فروة بن نعامة (10) ))، والأولُ أشهرُ (11) . واختُلف في إسلامهِ (12) .
وفي "البخاريِّ" (13) : أن مُهدِيَ البغلةِ للنبيِّ ? ملكُ (14) أَيٍلَةَ، واسمُه فيما ذكره ابنُ إسحاقَ: يُحَنَّة (15) بن رُوبَةَ (16) ، وقَبُولُه (17) ? هديةَ فروةَ يعارضُه قولُه ?: ((إِنِّي نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ (18) الْمُشْرِكِينَ)) (19) ، وامتنعَ مِن قَبُولِ هديتِهم.
وقد اختَلف في هذين الحديثينِ؛ فمن %(1/315)%
__________
(1) قوله: ((كانت غزوة حنين)) سقط من (ح).
(2) في (م): ((مسمىًّ))
(3) ذكره ابن منظور في "لسان العرب" (13/133) ونسبه إلى حسان بن ثابت رضي الله عنه. على الجهاز.
(4) قال في "الصحاح": إن قصدت به البلد والموضع ذكرته وصرفته، وإن قصدت به البلدة والبقعة أنثته ولم تصرفه .اهـ. قال البكري: وهو واد بين قريب من الطائف بينه وبين مكة بضعة عشر ميلاً .اهـ.
الصحاح (5/2105)، "معجم ما استعجم" (2/471 – 472) "فتح الباري" (8/27)، "معجم البلدان" (2/313).
(5) في (ز): ((شذ)).
(6) سقط من (ب) و (م).
(7) في (ز): ((بأنه)).
(8) في (أ): ((الواحدة)).
(9) "مسلم" (77/1775).
(10) في (ز) ((نغامة)).
(11) وكذا ذكره القاضي عياض في "الإكمال (6/126)، و"المشارق" (2/35)، وانظر "شرح النووي" (12/113 – 114)، و"فتح الباري" (6/75).
(12) قال النووي نقلا عن القاضي: واختلفوا في إسلامه فقال الطبري أسلم وعمرَّ عمرًا طويلاً، وقال غيره (وهو أبو عمر بن عبد البر): لم يسلم. وانظر "الإكمال" (6/126)، و"شرح النووي" (12/114)، و"شرح الأبي" (5/105).
ذكره القاضي أن الطبري قال بأنه أسلم وعمر عمرًا طويلاً، وأن أبا عمر بن عبد البر ذكر أن الذي أسلم غيره . انظر "الإكمال" (6/126)، و"شرح النووي" (12/114)، و"شرح الأبي" (5/105).
(13) في "صحيحه" (3/343-344 رقم1481) في الزكاة، باب خرص التمر. و(6/266 رقم3161) في الجزية والموادعة، باب إذا وادع الإمام ملك القرية، هل يكون ذلك لبقيتهم؟.
قال القاضي عياض: قوله: ((على بغلة له بيضاء)) وفي الحديث: ((بغلته الشهباء)) [عند مسلم برقم: 1776] وهي تلك المسماة ((دلدل)) لا يعرف له سواها. اهـ. ونقله عنه النووي. قال الحافظ: ((وتعقب بأن الحاكم في "المستدرك" عن ابن عباس أن كسرى أهدى للنبي ? بغلة فركبها بحبل من شعر ثم أردفني خلفه ... الحديث، وهذه غير دلدل، ويقال: إن النجاشي أهدى له بغلة، وأن صاحب دومة الجندل أهدى له بغلة، وأن ((دلدل)) إنما أهداها له المقوقس، وذكر السهيلي أن التي تحته يوم حنين تسمى ((فضة)) وكانت شهباء)) وقال في موضع آخر: ((وقد أغرب النووي فقال: وقع عند مسلم: ((على بغلته البيضاء)) وفي أخرى: ((الشهباء)) وهي واحدة ولا يعرف له بغلة غيرها، وتعقب بـ ((دلدل))؛ فقد ذكرها غير واحد، لكن قيل: إن الاسمين لواحدة)). وقال في موضع ثالث: ((ومما ينبه عليه هنا أن البلغة البيضاء التي كان عليها في يوم حنين غير البغلة البيضاء التي أهداها له ملك أيلة؛ لأن ذلك كان في تبوك، وغزوة حنين كانت قبلها، وقد وقع في مسلم من حديث العباس أن البغلة التي كانت تحته في حنين أهداها له "فروة بن نفاثة" بضم النون بعدها فاء خفيفة ثم مثلثة، وهذا هو الصحيح، وذكر أبو الحسين بن عبدوس أن البغلة التي ركبها يوم حنين دلدل وكانت شهباء أهداها له المقوقس، وأن التي أهداها له فروة يقال لها "فضة" ذكر ذلك ابن سعد وذكر عكسه والصحيح ما في مسلم)).
انظر"الإكمال" (6/126)، و"شرح النووي" (12/113)، و"فتح الباري" (3/345 – 346)، (6/75)، (8/31).
(14) في (م): ((تلك)).
(15) في (ب) و(م): ((تحية)).
(16) في (ب) و(م): ((روزبة))، وفي (أ): ((رورنة)) وفي (ز): ((روزنة)).
أما ((يحنة)) فاتفقت النسخ على رسمه هكذا، واختلفت في نقطه؛ ففي (ب) و(م): ((تحية)) بالقاء والياء، وفي سائر النسخ: ((يحنة)) بالياء والنون. وأما ((روبة)) فهكذا وقع في (ح) و(ي)، وفي (أ): ((روربة)) وفي (ب) و(م): ((روزبة))، وفي (ز): ((روزنة)).
ووقع في المطبوع من "الإكمال" : ((بحينة بن ريبة)) وكانت "رؤية)) وغيرها المحقق تبعًا لما وقع في "شرح الأبي". ونقل النووي عن القاضي: ((يحنة بن روبة)). وقد ضبط اسمه الحافظ في "الفتح" فقال: و((يوحنا)) بضم التحتانية وفتح المهملة وتشديد النون، و"روبة" بضم الراء وسكون الواو بعدها موحدة. انظر "الإكمال" "الإكمال" (6/126)، و"شرح النووي" (12/114)، و"فتح الباري" (3/345)، و"شرح الأبي" (5/105).
(17) في (ح) و(ي): ((وقوله)).
(18) في (ب) و(ز): ((ربد)). و((الزَّبْد)) بفتح الزاي المعجمة وسكون الباء الموحدة: الرِّفْد، وهو العطية، والمعاونة. "المصباح" (ص122، 131)، "فتح الباري" (5/231).
(19) ..... مرفق للصياغة .(1/315)
العلماءِ مَنْ ذهب إلى أنَّ حديثَ فروةَ ناسخٌ للحديثِ الآخرِ. ومنهم من رام الجمعَ بينهما؛ فقالَ: حيثُ قَبل فإنما (1) قبلَ استئلافًا وطمعًا في إسلامِ الْمُهدِي، وحيث رَدَّ لم يطمعْ في =(3/614)=@ ذلك. وقيل: إنما ردَّ حيث لم تكنْ (2) فيه مصلحةٌ للمسلمين، وقبل حيثُ كان فيه ذلك (3) . وقيل: إنما رد (4) ما أُهدي له في خاصةِ نفسهِ، وقبل (5) ما عَلم منه خلافَ ذلك؛ قاله (6) الطبري؛ قال (7) : ولا حجةَ لمن احتجَّ (8) بنسخِ أحدِ الحديثينِ للآخرِ؛ إذ لم يأتِ في ذلك بيانٌ (9) . وقيل: إنما قبلَ هديةَ أهلِ الكتابِ؛ إذ قد أبيح لنا طعامُهم، ورَدَّ هدايا المشركين؛ إذ لم يُبح لنا ذلك منهم. وأشبهُ هذه الأقوالِ قولُ مَنْ قال بالاستئلافِ والمصلحةِ، والكلُّ مُحتَمَلٌ. والله تعالى أعلمُ (10) .
ورُكوبهُ ? البغلةَ في ذلك الموطنِ مبالغةٌ في الثباتِ والصبر، ويدلُّ على &(3/486)&$ العزمِ (11) على عدم الفِرار؛ كما قد فعل حين انهزم الناسُ عنه، وهو مقبلٌ على العدوِّ، يَرْكُضُ بغلتَه نحوهَم. وقد زاد على ذلك - كما ذكر في الرواية الأخرى – أنه (12) نزل بالأرضِ؛ على عادةِ الشجعانِ في المنازلةِ (13) . وهذا كلُّه يدلُّ على أنه ? كان أشجعَ الناسِ وأثبتَهم في الحربِ؛ ولذلك قالت الصحابة - رضي الله عنهم - : ((إن الشُّجَاعَ منا للذي (14) يلوذُ بجانبِهِ)) (15) .
و((السَّمُرة)): هي شجرةُ الرِّضوان التي بايعَه تحتَها أصحابُه (16) بيعةَ الرِّضوانِ (17) بالحديبيةِ. وكانوا بايعوه على ألاَّ يفرُّوا، فلما سمعوا النداءَ، تذكَّروا العهدَ؛ فارتجعوا رجعةً واحدةً، كرجلٍ واحدٍ، وهمْ يُلَبُّون النبيَّ ?، %(1/316)%
__________
(1) في (م): ((إنما)).
(2) في (م): ((يكن)).
(3) في (ب) و(م): ((تلك)). وهذا القول قال عنه القاضي: وهو قول الأوزاعي ومحمد بن الحسن، وابن القاسم وابن حبيب من أصحابنا، وحكاه ابن حبيب عمن لقيه من أهل العلم. قال القاضي: وذهب آخرون إلى أنها له خاصة، وهو قول أبي يوسف، وبه قال أشهب وسحنون من أصحابنا.
(4) من قوله: ((حيث لم تكن ....)) إلى هنا، سقط من (ح)، و(ي).
(5) في (ز) و(ي): ((وقيل)).
(6) في (ز): ((قال)).
(7) كتبها في (ز) ثم ضرب عليها!
(8) في (ب)، و(م): ((يحتج)).
(9) انظر: "الإكمال" (6/126)، و"شرح النووي" (12/114).
(10) قوله: ((والله تعالى أعلم)) ليس في (ح) و(ي).
قوله: ((والله تعالى أعلم)) ليس في (ح)، و(ي). وانظر تفصيلاً في المسألة وزيادة في "التمهيد" (2/12 – 17)، "وفتح الباري" (5/230 – 231).
(11) قوله: ((على العزم)) سقط من (ب) و(م).
(12) سقط من (أ)
(13) في (م): ((النازلة)).
(14) في (ز): ((الذي)).
(15) نص الرواية في "صحيح مسلم" و"التلخيص": ((وإن الشجاع منا لَلَّذي يُحاذي به؛ يعني النبي ?)).
(16) في (ز) و(ي): ((أصحاب)).
(17) "صحيح مسلم" (3/1483 رقم1856) وما بعده، كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عن إرادة القتال ... .(1/316)
ولسرعةِ رجعتهِم =(3/615)=@ واجتماعِهم شَبَّهَهم (1) بَعَطْفَةِ (2) البَقَرِ على أولادِها. وهذَا كلُّه يدُّل على قربِهم من النبيِّ ? إذ ذاك، وأن انهزامَهم لم يكنْ إلى بُعْدٍ، ولا من جميعهِم، بل المنهزمُ إنما كان (3) أكثرهُم من أهلِ مكةَ والطلقاءِ، ومَنْ في قلبهِ مرضٌ، ولذلك كان بعضُهم يقولُ في حالِ انهزامهم (4) : لا يردُّهم إلا البحرُ (5) .
وقوله: ((فاقتتلوا والكفارَ)) بنصبِ الراءِ على أن تكونَ الواوُ بمعنى((مع))، وهو أولى؛ لما يلزمُ في الأحسنِ من توكيدِ الضميرِ المرفوعِ حينَ يُعطفُ عليه (6) .
وقوله ?: ((هذا حين حميَ الوطيسُ)) يجوز في ((حين)) البناءُ على الفتحِ؛ لأنه مضافٌ إلى جملةٍ مبنيةٍ، ويجوزُ فيه الضمُّ، على أن يكونَ((الحينُ)) خبرَ المبتدأِ، وهذا على نحوِ قول الشاعر (7) :
عَلَى حِيِنَ عَاتَبْت (8) المشَيِبَ عَلَى الصِّبَا (9)
رُوي بالخفضِ والفتحِ.
و((حمي)): استَعر (10) واتَّقَد. و((الوطيسُ)): موضعُ =(3/616)=@ وَقود النارِ، واستعارَه هنا لشدةِ الحربِ، وهذا (11) نحوُ قولِه (12) تعالى: {كلما %(1/317)%
__________
(1) في (ز): ((يشبههم)).
(2) في (ح): ((برجعة)).
(3) سقط من (ح)، و(ي).
(4) كذا في (ي)،، وفي سائر النسخ: ((انهزامه))، وانظر التعليق التالي.
(5) قاله أبو سفيان صخر بن حرب، وكان إسلامه حينئذ مدخولاً، وكانت الأزلام معه في كنانته؛ أخرجه الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) بسنده عن جابر بن عبد الله قال: لما انهزم الناس يوم حنين، جعل أبو سفيان بن حرب يقول: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ... إلخ، وكذلك أخرجه الطبري في "تاريخه"، بسنده عن جابر بن عبد الله أيضًا، وقال اليعقوبي: وأبدى بعض قريش ما كان في نفسه، فقال أبو سفيان ... فذكره.
انظر "تاريخ الطبري" (3/316)، "شرح مشكل الآثار" (6/412)، "الكامل" (2/137)، "تاريخ اليعقوبي" (2/41).
(6) قال القاضي عياض: قوله: ((فاقتتلوا والكفار))، كذا للسجزي ورواة البخاري، وسقطت الواو لغيرهم، ولا وجه له، ولغيره: ((اقتلوا)) وهو وهم، و((الكفار)) بنصب الراء على المفعول معه، وبالرفع على العطف على الضمير. ((المشارق)) (2/171 – 172، 299، 356 – 357).
والعطف على الضمير المرفوع المتصل دون توكيده حائز سائغ عند الكوفيين في اختيار الكلام، وعند البصريين لا يجوز إلا على قبح في ضرورة الشعر، وأجمعوا على أنه إذا كان هناك توكيد أو فصل فإنه يجوز العطف من غير قبح. انظر: ((كتاب سيبويه)) (1/278 – 279)، "الإنصاف في مسائل الخلاف" (2/474 – 478)، و"اللمع" لابن جني (ص 96) و"أوضح المسالك" (3/346).
(7) قوله: ((قول الشاعر)) في (أ): ((قوله)).
(8) تقرأ في (ح) و(ي): ((عاينت)).
(9) على الجهاز
(10) في (أ): ((استعار)).
(11) في (ب): ((وهو)).
(12) قوله: ((نحو قوله)) في (ز): ((كقوله)).(1/317)
أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله} (1) . وهذه الاستعارةُ العجيبةُ لا يُعرفُ مَنْ تكلَّم (2) بها قبلَ النبيِّ ? من العربِ، ومنهُ تلقِّيَتْ، فصُيِّرتْ مثلاً في الأمر إذا اشتدَّ؛ &(3/487)&$ قاله ابنُ الأعرابيِّ. وقال الأصمعيُّ: ((الوطيسُ: الحجارةُ المُحْمَّاةُ. وعلى هذا فهو جمعُ ((وطيسةٍ)). وقال أبو عمرَ المطرّزُ (3) : ((هو التَّنُّورُ)). وحينئذٍ لا يكونَ جمعًا.
ورميهُ ? في وجوهِ الكفارِ بالترابِ، وإصابتُه أعينَ جميعِهم من أعظمِ مُعجزاتهِ؛ إذ ليس في قوةِ البشرِ إيصالُ ذلك إلى أعينهِم، ولا يسعُ كفُّه ما (4) يعمُّهم، وإنما كان ذلك من صنعِ الله تعالى لنبيِّه ?؛ ولذلك قال تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} (5) . وكذلك قولُه: ((انهزموا (6) وربِّ الكعبةِ)) قبلَ وقوعِ الهزيمة، هو (7) من معجزاتهِ الخبريَّةِ؛ فإنه (8) خبرٌ عن الغيبِ.
وقولُه: ((شاهت الوجوه))- على ما في حديث سَلَمَةَ -: خبرٌ معناه الدعاءُ؛ أي: اللهمَّ شَوِّهْ وجوهَهم. أو هو خبرٌ عمَّا يحلُّ بهم من التشويهِ عندَ القتلِ والأسرِ والانتقامِ. %(1/318)%
__________
(1) سورة المائدة؛ الآية: 64.
(2) في (ح) و(ي): ((يتكلم)).
(3) في (أ): ((المطرس))، وفي (ي): ((المطرز))، وكذا وقع هنا نسبة هذا القول إلى المطرز، وفي "الإكمال": ((قال أبو عمر المطرز: الوطيس شبه التنور يُخبر فيه ... وقال غيره الوطيس: التنور نفسه)) وأثبت المحقق فرقًا بين النسخ في قوله: ((أبو عمر المطرز)) وأن موضعه في نسخة: ((أبو عمرو)) فهنا خطآن: في القول والقائل؛ وعبارة القاضي عياض هي ذاتها عند الأنباري في "الزاهر في معاني كلمات الناس" وفيه: ((قال أبو عمرو ... وقال غير أبي عمرو...)) الخ. وممن ذكر ((الوطيس)) بمعنى ((التنور)) نفسه الجوهري، وقال أبو عبيد: هو شيء مثل التنور. يراجع في الجهاز ويوثق
(4) في (م): ((مما)).
(5) سورة الأنفال؛ الآية: 17.
(6) في (ز): ((وانهزموا)).
(7) في (أ) و(ح): ((وهو)).
(8) في (ح) و(ي): ((فمعناه)).(1/318)
و((الُحسَّرُ)): جمع حاسرٍ، وهو الذي لا دِرْعَ معه (1) ، ولا شيءَ يتقي به النبلَ. =(3/617)=@
و(( الأخِفَّاء)): المسرعون المستعجلون. وقد رواه الحربيُّ (2) ، والهَرَويُّ (3) : ((جُفَاءٌ مِنَ النَّاس)) بجيمٍ مضمومةٍ مخففةٍ والمدِّ وفسَّره المهدويَّ (4) بالسِّراعِ، شبَّههم بجُفاءِ السيلِ، وهو غُثاؤُه. قال (5) غيرُه: إنما أراد به أخلاطَ الناسِ، وضعفاءَهم ممن لم يقصدِ القتالَ، بل الغنيمةَ، وفي قلبِه مرضٌ، شبههم بغُثاءِ السيلِ؛ وهو ما (6) احتمله السيلُ (7) .
و(( استنصر))؛ أي: سأل النصرَ ودعا به.
وقوله: ((أنا النبيُّ لا كذبْ، أنا ابنُ عبدُالمطلبْ))؛ أي: أنا النبيُّ المعروفُ عندَ علماءِ الكتابِ، المنعوتُ في كتبهِم حقًّا بلا كذبٍ.
وانتسابُه لعبدِالمطلبِ؛ لأنه بذلك كان شُهر (8) عندَهم؛ لأن أباه عبدَالله مات وتركه حَمْلاً (9) ، فُولِدَ (10) ، ونشأ في حِجْرِ جَدِّه عبدِ المطلبِ، ثم إن عبدَالمطلبِ أحبَّه حبًّا شَديدًا، بحيثُ كان يفضِّلُه على أولادِه؛ لما كان يظهرُ (11) له من بركاتهِ وكراماتِه، فكان يلازمهُ لذلك، فعُرف (12) به؛ ولذلك ناداه ضِمامُ بنُ ثعلبةَ: يا بنَ عبدِالمطلبِ (13) ، فانتمى هو عندَ الحربِ (14) على &(3/488)&$ عادةِ الشجعانِ في انتسابِهم لمن كانوا يعرفون (15) به. وقيل: إنما كان ذلك منه =(3/618)=@ تنبيهًا على ما قال سيفُ بنُ ذِي يَزَنَ لعبدِالمطلبِ حين قَدِم عليه في وفدِ قريشٍ، حيثُ %(1/319)%
__________
(1) كانت في (ح): ((له)) ثم صوبها إلى ((معه)) وترك اللام، فصارت: ((لمعه))!..
(2) في (ح): ((البخاري)) ورواية البخاري كما في مسلم، وانظر الآتي.
(3) في (أ) و (ح) و(ز) و(ي): ((المغربي))، والمثبت من (ب) و(م)، وهو ما في "الإكمال" (6/130)؛ قال القاضي: وروى أبو إسحاق الحربي وأبو عبيد الهروي...)). وذكره أبو عبيد في كتابه ((الغربيين)) (1/347).
(4) كذا في النسخ إلا (ح) و(ي) ففيهما: ((المهدي))، وكلا الكلمتين محرف عن ((الهروي))؛ ففي "الإكمال" (6/130): ((وفسره القتبي والهروي...)).
وعبارة ابن قتيبة في ((غريب الحديث)) له (2/401): الجفاء ههنا سَرَعان الناس، شبههم بجفاء السيل)) وعنه نقل الهروي. قال ابن الأثير بعد نقله كلام الهروي: هكذا جاء في كتاب الهروي، والذي قرأناه في كتاب البخاري ومسلم: ((اخفاء)) جمع خفيف .اهـ. وقد نقل كلام القاضي هنا النووي في "شرح مسلم" (12/117 – 118). وانظر "النهاية" (1/281)، و"الغريبين" (1/347).
(5) في (ح) و(ب): ((وقال)).
(6) في (م): ((مما)).
(7) هذا من كلام القاضي عياض، وقد عبر الشارح عنه هنا بقوله: ((قال غيره))!. وعبارة القاضي: إن صحت هذه الرواية فإنما معناها ما تقدم من خروج من خرج معهم من أهل مكة ومن انضاف إليهم ممن لم يستعد للقتال، وإنما خرج للغنيمة من النساء والصبيان والضعفاء، ومن في قلبه مرض من مسالمة الفتح، فهؤلاء شبه جفاء السيل الذي لا ينتفع به ويرميه بجانبه، وهو الغثاء أيضًا .اهـ.
(8) في (ح): ((اشهر)) وفي (ي): ((اشتهر)).
(9) "الطبقات" لابن سعد (1/99-100)، ورجحه ابن سعد بعد أن ذكر روايات أخرى .
(10) في (ح): ((فولدت)).
(11) كذا في (أ)، وفي سائر النسخ: ((ظهر)).
(12) في (ز): ((يعرف)).
(13) أخرجه البخاري (1/148-149 رقم63) في العلم، باب ما جاء في العلم، وقوله تعالى: {وقل رب زدني علمًا}.
(14) في (ز): ((العرب)).
(15) قوله: ((كانوا يعرفون)) كذا في (ح) و(ي)، وفي سائر النسخ: ((كان يعرف)).(1/319)
بَشَّره بأنه يكونُ من ولدهِ نبيٌّ يَقتلُ أعداءَه (1) . ولم يكن ذلك منه ? على جهةِ الافتخارِ بآبائِه؛ فإن ذلك من خُلقِ الجاهليةِ (2) التي قد نَهى عنها النبيُّ ?، وحرَّمها، وذمَّ من انتمى إليها.
لا يقال: فكيف (3) يصحُّ أن ينسبَ هذا الشعرُ للنبيِّ (4) ? مع قولِه تعالى: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له} (5) ؛ لأنا نُجيب عن ذلك بأوجهٍ:
أحدُها: أَنَّ هذا قُصد به السجعُ لا (6) الشعرُ، فليس بشعرٍ؛ بل (7) قد قال الأخفشُ: إن هذا رَجزٌ، والرَجزُ ليسَ من الشعرِ.
والثاني: أنه ? لم يقصدْهُ (8) نَظْمًا ووَزْنًا (9) ؛ فيكونَ شعرًا (10) ، فقد يأتي (11) في الكلامِ والقرآنِ ما يتزن بوزنِ الشعرِ وليس بشعرٍ؛كقولِه تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} (12) ، وقولُه: {نصر من الله وفتح قريب} (13) ، وكثيرًا ما يقعُ للعوامِّ في كلامِهم الكلامُ (14) المقفَّى (15) الموزونُ، وليس بشعرٍ، ولا يسمَّى قائلهُ شاعرًا؛ لأنه لم يقصدْه ولا شَعَر به، والشِّعر إنما سُمي (16) بذلك لأن قائلَه يَشْعُر به ويقصدُه نظمًا، ووزنًا، ورَوِيًّا، وقافيةً، ومعنًى.
والثالثُ: على تسليمِ أن هذَا (17) شعرٌ؛ فلا يلزمُ منه أن يكونَ النبيُّ ? عالِمًا بالشعرِ، ولا شاعرًا؛ فإن التمثُّلَ (18) بالبيتِ النذر، وإصابةُ القافيتين (19) من الرجزِ وغيرِه، لا يوجبُ (20) أن يكونَ قائلُها عالمًا بالشعر، ولا يسمَّى (21) شاعرًا باتفاقِ العقلاء (22) . وأما الذي نفى (23) الله تعالى عن نبيِّه ? فهو العلمُ بالشعرِ وأصنافِه %(1/320)%
__________
(1) ذكره ابن حجر في "الفتح" (8/31) بنحوه. وابن منده في "الإصابة" كما في "الإصابة" لابن حجر (5/43 رقم3818)، وفي موضع آخر من "الصحابة" (7/326 رقم6718) وانظر "الإكمال" (6/132) "وشرح النووي" (12/119 – 120).
(2) تقدم في الجنائز، باب التشديد في النياحة، وما جاء في اتباع الجنائز برقم (803).
(3) في (أ): ((كيف)).
(4) في (م): ((إلى النبي)).
(5) سورة يس؛ الآية: 69.
(6) في (ح): ((لأن)).
(7) في (ز): ((قيل)).
(8) كذا في (أ) فقط، وفي سائر النسخ: ((يقصد)).
(9) قوله: ((نظْمًا ووزنًا)) في (ح) و(ي): ((نظمًا وزنًا)) .
(10) في (ب) و(م): ((شعر)).
(11) في (ح): ((تأتي)).
(12) سورة آل عمران؛ الآية: 92. وقد وافقت ألفاظ الآية الكريمة وزن بخر الرمل، ((فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن)) وهو هنا من مجزوئه المذيَّل: ((فاعلاتن فاعلاتن * فاعلاتن فاعلاتان)).
(13) سورة الصف؛ الآية: 13. ووافقت ألفاظ الآية الكريمة، شطر بيت من بحر السريع ((مستفعلن مستعلن مَفْعُلاتْ)). وقد أفاض الحافظ في ((الفتح)) (10/542) في التمثيل لما وافق أوزان الشعر من آيات القرآن الكريم.
(14) سقط من (ح).
(15) تقرأ في (م): ((المنقا)).
(16) في (ب) و(م): ((يسمى)).
(17) في (م): ((بشعر)).
(18) في (ح) و(ي): ((التمثيل)).
(19) في (ب) و(م): ((القافية)).
(20) في (ح): ((توجب)).
(21) سقط من (ح) و(ي).
(22) قال النووي في ((تهذيب الأسماء واللغات)) (3/163 – 164): قال ابن القطاع في كتابه "الشافي في علم القوافي": ((قد رأى قوم منهم الأخفش – وهو شيخ هذه الصناعة بعد الخليل – أن مشطور الرجز ومنهوكه ومشطور السريع ومنهوك المنسرح، ليس بشعر؛ لقول النبي ?: ((الله مولانا ولا مولى لكم)) [من الرجز] وقوله ?: ((هل أنت إلا أصبع دميت * وفي سبيل الله ما لقيت)) [من الرجز] وقوله ?: ((أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب)) وقوله ?: ((لا هم إن الدار دار الآخرة)) [من الرجز] وقوله ?: ((الجار قبل الدار)) [منهوك الرجز] قال ابن القطاع: وهذا الذي زعمه الأخفش وغيره غلط بيِّن؛ وذلك أن الشاعر إنما سمي شاعرًا لوجوه؛ منها: أنه شَعَرَ القولَ؛ وقصده وأراده، واهتدى إليه، وأتى به كلامًا موزونًا على طريقة الضرب [كذا، والصواب: ((العرب))] مقفى، فأما إذا خلا من هذه الأوصاف أو بعضها، فلا يستحق أن يسمى شاعرًا، ولا قوله شعرًا، بدليل أن كثيرًا من الناس يأتون بكلام موزون مقفًّى غير أنهم ما شعروا به ولا قصدوه ولا أرادوه، فلا يستحقون التسمية بذلك ... والنبي ? لم يقصد بكلامه ذلك الشعر ولا شعر له ولا أراده، ولا يعد ما وافق الموزون شعرًا لذلك وإن كان كلامًا موزونًا؛ ألا ترى أنه جاء في كتاب الله تعالى من هذا شيء كثير، فهو جار مجراه؛ فموافقة الإنسان الشعر في الوزن مع عدم القصد من قائله والإرادة له، لا حكم له)) فهذا مختصر ما ذكره ابن القطاع وقد بسطه بسطًا كثيرًا في آخر كتابه المذكور وبه ختم كتابه.
وذكر هذا الجواب الحافظ في "الفتح" (8/31) وقال: وهذا أعدل الأجوبة. وانظر "غريب الحديث" لابن قتيبة، (1/451 – 452)، وشرح النووي (12/118 – 120)
(23) في (م): ((يعني)).(1/320)
وأعاريضِه وقوافِيه؛ =(3/619)=@ والاتصافُ بقولِه، ولم يكنْ موصوفًا بشيءٍ من ذلك بالاتفاقِ؛ ألا ترى أن قريشًا &(3/489)&$ تراوَضَتْ (1) فيما يقولون (2) للعربِ فيه إذا قدموا عليهم الموسمَ، فقال بعضُهم: نقول (3) : إنه شاعرٌ (4) ، فقال أهلُ الفطنةِ منهم: والله لتَكُذَّبَنَّكم (5) العربُ؛ فإنهم يَعرفون أصنافَ الشعرِ، فوالله ما يشبهُ (6) شيئًا منها (7) ، وما قولُه بشعرٍ. وقال أُنَيْسٌ أخو أبي ذرٍّ: لقد وضعتُ قولَه على أَقْراءِ (8) الشعرِ فلم يلتئمْ أنه شعرٌ. وكان أُنيسٌ من أشعرِ العربِ. وهذا الوجهُ هو المعتمدُ في الانفصالِ. والله تعالى أعلمُ. &(3/490)&$
وفائدةُ قولِهِ ?: ((أنا النبي لا كذب...)) إلى آخره - جوازُ الانتماء عندَ الحربِ؛ كما قال سلمةُ بنُ الأكوعِ: ((خُذْهَا وأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ)) (9) . وقد روي ذلك عن جماعةٍ من السَّلفِ. وقال ابنُ عبدِالحكمِ من أصحابِنا: إنما يُكره أن يكونَ ذلك على وجهِ الكِبْرِ، والافتخارِ (10) ، كما كانتِ الجاهليةُ تفعلُ.
وقوله - أعني البراءَ -: ((كنا إذا احمر البأس نتقي (11) به)) (12) ؛ هذا كنايةٌ عن شدةِ الحربِ؛ إما لحمرةِ (13) دمِ الجرحى والقتلى، وإما لتشبيهِ (14) ذلك بحمرةِ جَمْرِ النار (15) . و (16) ((البأسُ)) (17) هنا: الحربُ. %(1/321)%
__________
(1) في (ح): ((تروضت)).
(2) سقط من (ح).
(3) في (ز): ((يقول، وفي (ي): ((يقولون)).
(4) لا يوجد تعليق بهذا الهامش
(5) في (ح) و(ي): ((لتكذبنهم))، وفي (م): ((ليكذبنكم)).
(6) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
(7) في (م): ((منه)).
(8) في (ز): ((أقوال)).
(9) سيأتي في باب غزوة ذي قرد، وما تضمنته من الأحكام برقم (1320).
(10) من قوله: ((من أصحابنا...)) إلى هنا، سقط من (م).
(11) في (م): ((نتغنى))!.
(12) في (ب): ((هذه)).
(13) في (أ): ((لحرمة))، وفي (ح): ((الحمرة)).
(14) في (م): ((لنسبة)).
(15) قال أبو عبيد في "غريب الحديث" (4/371 – 372): قال الأصمعي: يقال: هو الموت الأحمر والموت الأسود. قال: ومعناه الشديد، قال: وأرى أصله مأخوذًا من ألوان السباع؛ يقول: كأنه من شدته سبع إذا أهوى إلى الإنسان... قال أبو عبيد: فكأن عليًّا أراد بقوله: ((احمرَّ البأس)) أنه صار في الشدة والهول مثل ذلك . ومن هذا حديث عبد الله بن الصامت قال: ((أسرع الأرض خرابًا البصرة ومصر، قيل: ومال يخربهما؟ قال: القتل الأحمر والجوع الأغبر)). قال الأصمعي: يقال: ((هذه وطأة حمراء)): إذا كانت جديدة، و((وطأة دهماء)): إذا كانت دارسة... فكأن المعنى في هذين الحديثين الموت الجديد مع ما يشبه به من ألوان السباع.
(16) قوله: ((النار و)) سقط من (ح). الهامش مثبت والرقم محذوف
(17) قوله: ((بحمرة جمر النار والبأس...)) كذا في (أ) و(ب) و(م). وفي (ح) وفي (ي): ((بحمرة جمرة البأس...)) ، وفي (ز): ((بحمرته جمر النار والبأس...)) وفي (ي): ((بحمرة النار جمرة البأس...)).(1/321)
وقوله: ((ولكن رسول الله ? لم يفرَّ))؛ هذا هو (1) المعلومُ من حالِه، وحالِ الأنبياءِ،صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين (2) ؛ من إقدامِهم، وشجاعتِهم، وثقتِهم بوعدِ =(3/620)=@ الله تعالى، ورغبتهِم في الشهادةِ وفي لقاءِ الله تعالى. ولم يثبتْ قطُّ عن واحدٍ منهم أنه فرَّ، ولا انهزم، ومن قال ذلك عن النبيِّ ?، فقال: فرَّ أو انهزم؛ قُتل، ولم يُستَتَبْ؛ لأنه صار (3) بمنزلةِ من قال: إنه ? كان أسودَ، أو أعجميًّا (4) ، فأَنكر ما عُلم من وصفِه قَطْعًا، وكَذَّبَ بهِ (5) ، وذلك كُفرٌ، ولأنه قد أضاف إليه نقصًا وعيبًا. وقد حكى أصحابُنا الإجماعَ (6) على قتلِ من أضاف إليه نقصًا أو عيبًا. وقيل: يُستتابُ، فإن تاب، وإلا قُتل (7) . &(3/491)&$
وقولُ سلمة: ((ومررتُ على رسول الله ? مُنْهزمًا)) يُفهم (8) منه ثبوتُ النبيِّ ?، وتوجُّهُه نحوَ الكفارِ، بل كان يَرْكُضُ بغلتَه نحوَهم، ولما غشيه القومُ، نزل عن البغلةِ وثبت لهم قائمًا، حتى تراجعَ الناسُ إليه عندَ نداءِ العباسِ. ولم يُسمعْ لأحدٍ من الشجعانِ مثلُ هذا. والله تعالى أعلمُ (9) . =(3/621)=@ %(1/322)%
__________
(1) سقط من (ح).
(2) لم ترد الصلاة على النبي والأنبياء في (ي)، واختلفت سائر النسخ في صيغتها، والمثبت ملفق منها.
(3) سقط من (ز).
(4) في (م): ((عجميا)).
(5) سقط من (ز).
(6) قوله: ((الإجماع)) سقط من (أ).
(7) انظر للمزيد في هذه المسألة كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية "الصارم المسلول على شاتم الرسول ?" وانظر: "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" للقاضي عياض (ص760 – 808).
(8) في (ز): ((يلزم)).
(9) قال النووي: قال العلماء: قوله((منهزمًا)) حال من ابن الأكوع كما صرح أولا بانهزامه، ولم يرد أن النبي ? انهزم... إلخ "شرح النووي" (12/122)، وانظر "الإكمال" (6/134).(1/322)
وقوله: ((ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف)) هذا من أنس تقديرٌ لا تحقيقٌ، إن لم يكنْ غلطًا (1) من بعضِ الرواةِ (2) . وأصحُّ من هذه الروايةِ الروايةُ (3) الأخرى التي قال (4) فيها: ((إنهم كانوا عشرةَ آلافٍ غيرَ الطلقاءِ)). وسُمُّوا (5) بذلك؛ لأن النبيَّ ? أطلقهم عندَ فتحِ مكةَ، وهم غيرُ العُتقاءِ. والعُتقاءُ: هم السبعونَ أو الثمانون من أهلِ مكةَ (6) الذين راموا أن يَغْدِرُوا (7) بالنبيِّ ? وبعسكرِه يومَ الحديبيةِ؛ فأُخذوا فأُعتقوا (8) ، فَسُمُّوا ((العتقاء)) بذلك؛ قاله أبو عمرَ بنُ عبدِالبرِّ (9) .
وقول أنسِ بنِ مالكٍ (10) : ((هذا حديثُ عَميِّهْ)) (11) ؛ يعني: ((عَمِّي))، وزاد هاءَ السكتِ =(3/622)=@ التي تثبتُ في الوقفِ. يعني بذلك أن نداءَ رسولِ الله ?: ((يالَ المهاجرين)) (12) إنما رواه عن عمه (13) .
وقوله: ((فايمُ (14) الله ما أتيناهم حتى هزمهم الله))؛ يعني بذلك: أنه (15) ما رجع أوَّلُ (16) المنهزمةِ حتى هزم الله تعالى العدوَّ على أيدي المتسارعين (17) إلى النداءِ من %(1/323)%
__________
(1) في (أ): ((غلطٌ)).
(2) قال بأنها وَهْمٌ من الراوي عن أنس، القاضي عياض، في "الإكمال" (3/603)، و"المشارق" (1/382، 385)، وانظر "شرح النووي" (7/153 – 154) و"فتح الباري" (8/55).
(3) سقط من (ي).
(4) ((قال)) مثبتة من (ب) و (م) فقط.
(5) في (أ): ((سموا)).
(6) من قوله: ((وهم غير العتقاء ....)) إلى هنا سقط من (ح) و(ي).
(7) في (ح): ((يغدوا)).
(8) في (ح) و(ي): ((واعتقوا)).
(9) ذكر ابن هشام عن ابن إسحاق، أن قريشًا بعثت أربعين رجلاً منهم أو خمسين لينالوا من عسكر رسول الله ?، فأتي بهم إلى النبي فعفا عنهم، وخلَّى سبيلهم، وما ذكره الشارح هنا ابن عبد البر لم نقف عليه عنه، ولكن ذكره القرطبي صاحب "التفسير". عن ابن هشام عن وكيع. انظر "سيرة ابن هشام" (3/143)، "تفسير القرطبي" (16/28).
(10) قوله: ((بن مالك)) مثبت من (ح) و(ي) فقط.
(11) في (م): ((عميد)).
(12) كذا وقع في جميع نسخ "المفهم"، قال النووي في "شرح مسلم" (7/154) قوله: ((يال المهاجرين، يال المهاجرين، ثم قال: يال الأنصار، يال الأنصار)): كذا في جميع النسخ في المواضع الأربعة ((يال)) بلام مفصولة مفتوحة، والمعروف وصلها بلام التعريف التي بعدها .اهـ. وقد سأل علي الفارسي ابنَ جني عن ألف "يا" في قول الشاعر [من الوافر]:
فخيرٌ نحن عند الناس منكم * إذا الداعي المثوِّبُ قال: يالا
هل هي أصلية أو منقلبة؛ بل هي الآن محكوم عليها بالانقلاب؛ لأنها كألف ((ما)) و((لا)). قال أبو علي: بل هي الآن محكوم عليها بالانقلاب؛ كألف ((باب)) و((دار)) قال ابن جني: فسألته عن علة ذلك فقال: لما خُلطت بها لام الجر من بعدها وحسن قطعها والوقوف عليها والتعليق لها في قوله: ((يالا)) أشبهت هذه الكلمة الثلاثية التي عينها ألف، فأوجب القياس أن يحكم عليها بأنها كـ ((باب)) و((ساق)). قال ابن جني: وهذا الحديث الذي نحن الآن عليه هو الذي سونح عندي أن يكتب. نحو قول: ((يال بكر أنشروا لي كليبًا)) ونحو ذلك مفصولة اللام الجارة عما جرَّته؛ وذلك أنها حيزت إلى ((يا)) من قبلها حتى صارت ((يال)).
ومذهب الكوفيين في هذه الكلمة أنها بقية ((يا آل)) حذفت الهمزة تخفيفًا، وإحدى الألفين، وضعفه البصريون بأنه يقال فيما لا يصلح أن يقال فيه ((آل))؛ نحو: ((يا الله))، و((يا للدواهي)) ونحوه، فهي عندهم أيضا تكتب مفصولةً.
وانظر: "الزاهر في معاني كلمات الناس" (1/137)، وة"الخصائص" (1/276 – 277)، (2/375)، (3/288 – 230)، و((خزانة الأدب)) (2/6 – 8).
(13) زاد بعده في (أ) وحدها: ((واسمه)) ثم ترك بعدها بياضًا.
وما ذكره الشارح هنا هو أحد الأوجه في ضبط لفظة ((عميه)) وتفسيرها، وهو بفتح العين وكسر الميم المشددة وتخفيف الياء وبعدها هاء السكت؛ أي: هذا حديثهم. قال صاحب ((العين)) العم الجماعة. وأنشد عليهم ابن دريد في "الجمهرة":
((أفنيت عما وجبرت عما))
قال القاضي: وهذا أشبه بالحديث. والوجه الثاني: ((عمية)) بكسر العين والميم وتشديد الميم والياء، قال القاضي: كذا روينا هذا الحرف عن عامة شيوخنا، قال: وفسر بالشدة والوجه الثالث: ((عمية)) كذلك إلا أنه بضم العين. والرابع: مثل الأول إلا أنه بتشديد الياء، وهو الذي ذكره الحميدي صاحب ((الجمع بين الصحيحين)) وفسره بعمومتي؛ أي: هذا حديث فضل أعمامي، أو هذا الحديث الذي حدثني به أعمامي كأنه حدَّث بأول الحديث عن مشاهدة، ثم لعله لم يضبط هذا الموضع لتفرق الناس، فحدثه به من شهده من أعمامه أو جماعته الذين شهدوه؛ ولهذا قال بعده: قال: قلنا: لبيك يا رسول الله . والله أعلم. وما نقله القاضي عن صاحب "العين" لم نقف عليه في "العين".
وانظر "الإكمال" (3/603)، و"مشارق الأنوار" (2/89)، و"شرح النووي" (7/154، 155)، و"جمهرة اللغة" (1/157). و"تهذيب اللغة" (1/88)، و"إصلاح المنطق" (1/60)، و"اللسان" (12/427).
(14) في (م): ((فأتم)).
(15) قوله: ((أنه)) سقط من (ح) و(ز)..
(16) في (أ) و(ح): ((أولى)).
(17) في (م): ((المسارعين)).(1/323)
المهاجرين والأنصار الذين قاتلوا بين يَدَيْ رسولِ الله ?؛ حين تطاولَ (1) عليهم وقال: ((الآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ))، وبعد أن رمى الحصا في وجوههِم، وقال: ((شَاهَتِ الوجوهُ))؛ كما تقدم. &(3/492)&$
وقوله (2) في الروايةِ الأخرى: ((فأدبروا عنه حتى بَقي وحدَه))؛ يعني به (3) : المقاتلين، وإلا فقد ثَبت أنه كان بَقِي (4) معه العباسُ وأبو سفيان.
وقوله: ((فنادى يومئذٍ ندائين))؛ هذان النداءان من النبيِّ ? إنما كانا (5) بعدَ =(3/623)=@ أن رجعَ إليه المهاجرون والأنصارُ بنداءِ (6) العباسِ (7) حين (8) نادى: ((يا (9) أصحاب السَّمُرةِ))؛ كما تقدم. وقد تقدم في كتابِ الزكاةِ الكلامُ على باقي (10) ما في هذا الحديثِ. والله أعلمُ (11) . %(1/324)%
__________
(1) في (ز): ((تطاولوا)).
(2) في (ي): ((وقال)).
(3) سقط من (ز).
(4) قوله: ((بقي)) سقط من (ح).
(5) كذا في (أ) فقط، وفي سائر النسخ: ((كان)).
(6) تقرأ في (ب): (فدا) ولعلها مصوبة.
(7) في (أ): ((عباس)).
(8) في (ح): ((حتى)).
(9) سقط من (ي).
(10) قوله: ((على باقي ما)) في (م): ((على ما يأتي ما))!.
(11) قوله: ((والله أعلم)) زيادة من (ز) فقط.(1/324)
ومن بابِ محاصرةِ العدوِّ
قوله: ((حاصر رسولُ الله ? أهلَ الطائفِ)) (1) ؛ كان هذا الحصارُ بعدَ هزيمةِ هَوَازن؛ وذلك أنه لجأ إليهَا فَلُّهم، واجتمع بها شوكتُهم ورماتُهم مع رماةِ =(3/624)=@ ثقيفٍ. وكان النبيُّ ? لما رأى جِدَّهم وامتناعَهم قال لأصحابه: ((إنَّا قافلون غدًا إن شاء الله (2) ))؛ على جهةِ الرفقِ بهم والشفقةِ عليهم؛ فعظم عليهم أن يَرجعوا ولم يَفْتتحوا (3) ذلك الحصنَ، ورأوا أن هذا العرضَ من النبيِّ ? على جهةِ (4) المشورةِ، &(3/493)&$ فلما رأى رسولُ الله ? جِدَّهم في هذا وما ظهر لهم، قال لهم: ((اغْدُوا على القتال))، فلما أصابتهم الجراحُ، وقُتل منهم جماعةٌ؛ على (5) ما ذكر أهلُ التواريخِ، قال لهم: ((إنا قافلون غدًا))، فأعجبهم ذلك؛ لما أصابهم من شدةِ الحالِ ولما لقوا، فضحك النبيُّ ? لما رأى من %(1/325)%
__________
(1) قوله: ((أهل الطائف)) في (ب) و(م): ((أهل حصن الطائف)). ولعله ضرب عليها في (ب)، والرواية؟؟؟؟؟؟؟؟؟
(2) قوله: ((إن شاء الله)) سقط من (أ) في (ح) فقط، وكأنه ضرب عليه، وقد قال الرسول ? هذا القول في الحديث مرتين، الأولى: ((إنا قافلون إن شاء الله)) والثانية: ((إنا قافلون غدًا)) ومراد الشارح هنا: المرة الأولى وهي التي فيها ((إن شاء الله))..
(3) في (ح): ((يفتحوا)) وفي (ز): ((يفتح)).
(4) وفي (ي): ((سبيل)).
(5) قوله: ((على ما)) في (ز): ((كما)).(1/325)
اختلاف قولِهم عند اختلافِ الحالين، ورجوعِهم إلى الرأيِ السديدِ، لكن بعدَ مشقةِ.
وفيه من الفقهِ: جوازُ محاصرةِ العدوِّ والتضييق عليهم، ومشاورةُ الإمامِ أصحابَه، وعرضُه عليهم ما في نفسِه، وسلوكُه بهمُ طريقَ الرفقِ والرحمةِ.
و((القافلُ)) هو الراجعُ من السفرِ. والجماعةُ: القافلةُ، ولا (1) يقالُ لهم في ابتداءِ (2) سيرِهم: ((قافلة)). بل: ((رفقة)) (3) .
ومشاورةُ النبيِّ ? أصحابَه حين بلغه (4) إقبالُ أبي سفيان، وإعراضُه عن =(3/625)=@ تكليمِ المهاجرين؛ إنما كان ليستخرجَ ما عندَ الأنصارِ من خروجِهم معه للحربِ؛ وذلك أنهم إنما كانوا بايَعوه ليمنَعوه من الأحمرِ والأسودِ، ولم يأخذْ عليهم أن يَخْرجوا معه؛ فأراد أن (5) يعلمَ ما عندَهم من ذلك، فعرض عليهم ذلك، فأجابوه بالجوابِ الذي ذكره سعدُ بنُ عبادةَ - رضي الله عنه - الذي حصل لهم به المقامُ المحمودُ، والشرفُ المشْهودُ (6) .
و(( بَرْك الغِمَاد)): موضعٌ بأقصى (7) هَجَرَ، بينه وبينهم بُعدٌ عظيمٌ. والروايةُ &(3/494)&$ المشهورةُ فيه(( بَرْك)) بفتحِ الباءِ بواحدةٍ وسكونِ الراءِ، و((الغِمَاد)) بكسرِ الغينِ المعجمةِ. وقيده شيوخُ أبي ذرٍّ في البخاريِّ بكسرِ الباءِ. وقال بعضُ اللغويين: هو الصوابُ. وضبطه الأصيليُّ: بفتح الراءِ %(1/326)%
__________
(1) في (ب) و(م): ((لا)).
(2) في (ز): ((الابتداء)).
(3) انظر ما تقدم في كتاب "الحج" باب ما يقال عند الخروج إلى السفر وعند الرجوع.
(4) في (ي): ((بلغهم)).
(5) في (ي): ((وأن)).
(6) روي من حديث جابر، وكعب بن مالك، وعبادة بن الصامت، ومرسل الشعبي :
1 - حديث جابر رضي الله عنه: أخرجه أحمد (3/322-323 و323 و339-340)، والبزار (2/307-308 رقم1756/الكشف)، وابن حبان (14/172 – 174 رقم 6274/ الإحسان) و(15/474-476 رقم7012/ الإحسان)،والحاكم (2/624-625)، والبيهقي (8/146) و(9/9)، وفي "الدلائل" (2/442-443). جميعهم من طريق عبدالله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبدالله: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لبث عشر سنين يتتبع الناس في منازلهم في الموسم ومجنة، وعكاظ، وفي منازلهم بمنى، يقول: ((من يؤويني وينصرني حتى أبلغ رسالات ربي وله الجنة ...))، فذكر الحديث بطوله، وفيه: ((تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا يأخذكم في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم، وتمنعوني ما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم فلكم الجنة)).
قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد، جامع لبيعة العقبة، ولم يخرجاه)). ووافقه الذهبي .
وحسن إسناده الحافظ في "الفتح" (7/222).
وقال البزار: ((قد رواه غير واحد عن ابن خثيم، ولا نعلمه عن جابر إلا بهذا الإسناد)).
وقال الهيثمي في "المجمع" (6/56): ((رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح)). وقد صرح أبو الزبير بالتحديث عند أحمد، والبيهقي، فانتفت شبهة تدليسه .
2 - حديث كعب بن مالك: أخرجه أحمد (3/460- 462) وابن حبان (15/471 – 474 رقم 7011 الإحسان)، والطبراني في "الكبير" (19/87-91 و91 رقم174 و175)، والحاكم (3/441)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(2/444-449) من طريق الحاكم. جميعهم من طريق محمد بن إسحاق، قال: حدثني معبد بن كعب بن مالك، عن أخيه عبيد الله بن كعب، وكان من أعلم الأنصار، حدثه: أن أباه كعب بن مالك، وكان كعب ممن شهد العقبة، وبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكر الحديث بمعناه .
وأورده ابن هشام في "السيرة" (1/440-443) عن ابن إسحاق بهذا الإسناد .
قال الهيثمي في "المجمع" (6/54): ((رواه أحمد والطبراني بنحوه، ورجال أحمد رجال الصحيح، غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع)).
قال ابن هشام (1/446): ((قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري، أخو بني سالم بن عوف: يا معشر الخزرج! هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم. قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس ...)).
3 - حديث عبادة بن الصامت: أخرجه أحمد (5/325)، والبيهقي في"الدلائل" (2/451-452).
4 - مرسل الشعبي: أخرجه أحمد (4/119-120)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(2/450-451 و451)، كلاهما من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن عامر قال: انطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - معه العباس عمه إلى السبعين من الأنصار عند العقبة تحت الشجرة ... الحديث.
ووصله أحمد (4/120)، والطبراني في "الكبير" (17/256 رقم710). كلاهما من طريق مجالد عن عامر الشعبي، عن عقبة بن عمرو أبي مسعود، فذكره .
قال الهيثمي في "المجمع" (6/58): ((رواه أحمد هكذا مرسلاً، ورجاله رجال الصحيح، وقد ذكر الإمام أحمد بعده سندًا إلى الشعبي عن أبي مسعود عقبة بن عمرو، وقال بنحو هذا، قال: وكان أبو مسعود أصغرهم سنًّا، وفيه مجالد، وفيه ضعف، وحديثه حسن إن شاء الله)).
وقوّى الحافظ في "الفتح" (7/223) مرسل الشعبي، وقال: ((ووصله الطبراني من حديث أبي موسى الأنصاري)) كذا قال، ولعل الصواب: ((أبو مسعود الأنصاري)) .
(7) في (أ): ((بأقصى)).(1/326)
وسكونِها؛ أعني: راءَ (1) ((بَرْك)). وحكى ابنُ دريدٍ: الكسرَ، والضمَّ في غين(( الغماد))، والصحيحُ المشهورُ؛ الأولُ (2) .
وفي ضربِ الصحابةِ للغلامِ، وإقرارُ النبيِّ ? إيَّاهم عليه - ما يدلُّ على جوازِ ضربِ الأسيرِ، وتعزيرِ المتهمِ إذا كان هنالك سببٌ يقتضي ذلك، وأنه يضربُ في التعزيرِ فوقَ العشرةِ، خلافًا لمن أبى ذلك، وقال (3) : لا يضربُ فوقَ العشرةِ. وستأتي المسألةً إن شاء الله تعالى. =(3/626)=@
واختُلف في إقرارِ المتهمِ عندَ الضربِ: فعندَ (4) الشافعيِّ - رحمه الله - وكثيرٍ من أصحابِه: لا يقبلُ إقرارُه حتى يتمادى؛ سواءٌ عُيِّنَ ما أَقرَّ به من سرقةٍ أو قتلٍ، أو لم يعيِّنْ (5) . ومن أصحابنا مَنْ أَلْزمه ذلك (6) إذا عيَّن المقَرَّ به وإن رجع عن إقرارِه، ومنهم من أجازه وإن لم يعيِّن، ومنهم من منعه وإن تمادى عليه؛ لأن خوفَه أن يعادَ عليه العذابُ باقٍ.
وقوله ?: ((والذي نفسي بيدِه لتضربوه (7) إذا صدقكم، وتتركونه إذا كذبكم))؛ إخبارٌ عن غيبٍ؛ فهو من أعلام نبوتهِ (8) ، وكذلك قوله: ((هذا مَصْرع فلان، وفلان))؛ إذ (9) قد وقع ذلك، ووُجد كما أخبر عنه.
وقوله (10) : ((فما ماط أحدُهم موضع يده ?))؛ أي: ما تباعد؛ يقال: ماط &(3/495)&$ الرجلُ: إذا تباعد، وأماطَ غيرَه: إذا باعدَه. وقيل: ماط الرجلُ، وأماط: إذا تباعدَ، لغتان (11) . والله أعلم (12) . =(3/627)=@ %(1/327)%
__________
(1) في (م): ((راي)).
(2) أما ((برك)) فحكي في بائها الفتح والكسر، مع الاتفاق على سكون الراء، إلا ما حكي عن الأصيلي من فتحها، وضعفه النووي. وأما ((الغماد)) ففي غينها الضم والكسر، ونص صاحب "القاموس" أنها مثلثة. واختلف في موضع ((برك الغماد))؛ فقيل: موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن، وقيل: هي أقاصي هجر، وقيل: هو في أقصى اليمن، وقيل: هو بقعة في جهنم. وانظر "جمهرة اللغة" (2/670)، و"الاشتقاق" (ص492)، و"مشارق الأنوار" (1/115)، (2/143)، و"الإكمال" (6/136)، و"معجم ما استعجم" (1/243 - 244)، (3/1001)، و"معجم البلدان" (1/399 - 400)، و"شرح النووي" (12/124 - 125)، و"فتح الباري" (7/232)، و"النهاية" (1/121)، و"تاج العروس" (5/125).
(3) في (ز): ((قال)).
(4) في (ب) و(م): ((فقال)).
(5) في (ب) و(م): ((تعين)).
(6) سقط من (ح) و(ي)، وفي (أ): ((في ذلك))..
(7) كذا في (ب) و(م): ((لتضربوه)) دون النون، وكذلك وقعت الرواية في "صحيح مسلم" دون الواو، في الموضعين: ((لتضربوه ... ولتتركوه)). ووقع هنا في باقي النسخ في الموضع الأول: ((لتضربونه))، وفي الموضع الثاني في جميع النسخ: ((ولتتركونه)) بالنون.
قال النووي: وهكذا وقع في النسخ: ((تضربوه)) و((تتركوه)) بغير نون، وفي لغة؛ أعني: حذف النون بغير ناصب ولا جازم. اهـ. وقال في موضع آخر؛ وهي لغة صحيحة وإن كانت قليلة الاستعمال)).
وذكر ابن مالك أن علتها التخفيف، وقد حُذفت الضمة أيضًا للتخفيف، والنون نائب عن الضمة، فلو لم تعامل النون معاملة الضمة في جواز حذفها؛ لفضِّل النائب عن المنوب عنه؛ وانظر: "شرح التسهيل" (1/51 - 53)، و"شواهد التوضيح" (228 - 230)، "ارتشاف الضرب" (2/845). "شرح النووي" (2/36)، (12/126)، (17/207).
(8) في (ح) و(ي): ((النبوة)).
(9) في (م): ((أو)).
(10) في (ز): ((وقال)).
(11) قال في "المصباح" (ص 303): ومنهم من يقول: الثلاثي والرباعي يستعملان لاومين ومتعدديين، وأنكره الأصمعي، وقال: الكلام ما تقدم. أي: أن ماط لازم، يتعدي بالهمزة وحرف الجر.. وانظر مشارق الأنوار (1/191)، "النهاية" (4/381).
(12) قوله: ((والله أعلم)) زيادة من (ز) فقط.(1/327)
ومن باب ما جاء أنَّ فتحَ مكةَ عَنْوةٌ
قولُه: ((كان كل (1) رجلٍ منَّا يصنع (2) طعامًا يومًا لأصحابه، فكانت نوبتي (3) ))؛ هذه المناوبةُ في الطعامِ كانت منهم (4) على جهةِ المكارمةِ والمطايبةِ، والتبركِ بالمؤاكلةِ والمشاركةِ فيها، لا على جهةِ المعاوضةِ والمشاحَّةِ؛ ولذلك قال أبو هريرة للذي دعاه: ((سبقتَني))؛ ففيه ما كان السلفُ عليه من حُسنِ التودُّدِ والمزاورةِ والمواصلة، والمكارمةِ. و((لو)) هي هنا (5) للتمنِّي؛ أي: ليتَكَ حَدَّثْتَنا. و(( أدركَ طعامُنا))؛ أي: انتهى إلى النُّضْجِ. =(3/628)=@
وقولُه: ((وجعل أبا عبيدةَ على البياذقةِ)) البياذقة: هم الرَّجَّالَةُ. وأصلُه بالفارسيَّةِ: أصحابُ ركابِ (6) المَلكِ (7) . وقد رواه بعضُهم :((السَّاقة)) وفيها بُعدٌ. وبعضُهم قال: ((الشَّارفة))؛ أي: المُشْرِفةُِ، وهي تصحيفٌ. والأُولى هي (8) الصوابُ. وفي روايةٍ &(3/496)&$ أُخرى: ((الحسَّر))، مكانَ ((البياذقة)) وهو جمعُ ((حاسرٍ))؛ وهو هنا (9) : الذي لا درعَ معه. وهذا الوصفُ صادقٌ على الرَّجَّالةِ؛ فإنهم كذلك غالبًا. وقد صحَّفه بعضُهم فقال :((الحُمْس)) مكانَ ((الحسَّرِ)) (10) . %(1/328)%
__________
(1) قوله: ((كل)) سقط من (ح) و(م) و(ي).
(2) في (ز): ((يضع)).
(3) سقط من (ي).
(4) في (م): ((تنوبني)).
(5) قوله: ((هنا)) سقط من (ح) و(ي).
(6) في (ب) و(م): ((ركابة)).
(7) أصله بالفارسية: ((بِيَادَه)) ومعناه: الرَّاجل. قال الجواليقي: البيذق بالفارسية "بيذه"، وجمعه "بياذِق)) .اهـ. قال ف. عبد الرحيم: قول المؤلف: إن أصله بالفارسية "بيذه" ليس بصحيح، والصحيح أن أصله "بياده" كما قال الزبيدي، هذا بالفارسية الحديثة، ويكون بالفهلوية "بيادك" معرب" بياذَق" بفتح الذال، ثم كسرت كما كسرت في "الباذق" و"الدانق" وغيرهما فأصبح "بياذِق" فوافق "فَعالِل"، وهو بناء من أبنية الجمع فظنوه جمعًا وقالوا للفرد: ((بيذق)). ((المعرب)) (ص 210 – 211) وانظر "الإكمال" (6/138 – 139)، "مشارق الأنوار" (1/108)، "شرح الندوي" (12/ 132)، و"قصد السبيل" (ص 315)، و"تاج العروس" (13/17 – 18).
(8) في (ح) و(ي): ((هو)).
(9) سقط من (ب) و(م).
(10) قوله: ((وقد صحفه بعضهم فقال: ((الحمس)) مكان المحسر)) مثبت من (أ) فقط . وهو في "الإكمال" (6/139)، لكن وقع في المطبوع ((الحبيشي)). وما في المخطوط يمكن أن يقلرأ ((الحبس)) كما نص عليه الحميدي في "تفسير غريب ما في الصحيحين"؛ قال: وروى بعض أصحاب الغريب أنه بعث أبا عبيدة على "الحبس" بالباء قبل السين، وقال: هم الرجالة سموا بذلك لتحبسهم عن الركبان وتأخرهم، قال: وأحسب الواحد "حبيسًا" فعيلٌ بمعنى ((مفعول))، قال: ويجوز أن يكون ((حابشا)) كأنه يحبس من يسير من الركبان بمسيره. اهـ.
وانظر "شرح النووي" (12/112).(1/328)
وقوله: ((وبطن الوادي)) منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ؛ أي: وجعل طريقَه بطنَ الوادي، كما جاء مفسَّرًا في الروايةِ الأخرى (1) ، ولا يجوزُ خفضُه؛ لأنه يلزمُ منه أن يكونَ النبيُّ ? جعل أبا عبيدةَ على سكانِ بطنِ الوادي، وذلك غيرُ مرادٍ قطعًا (2) .
ونداؤه ? للأنصارِ (3) خاصةً: إما لأنَّ المهاجرين كانوا حُضورًا معه؛ فلم يَحْتَجْ إلى ندائِهم، وإما ليُظْهِرَ لهم شدةَ اعتنائِه بهم، وتعويلَهِ عليهم. ويظهرُ لي أن اختصاصَه بالأنصارِ في هذا الموضعِ، وقولُه: ((لا يأتيني إلا أنصاريٌّ))؛ كما جاء في الروايةِ الأخرى - إنما كان لأنه وصَّاهم (4) بقتل مَنْ تعرَّض (5) لهم من قريشٍ؛ إذ لا قرابةَ ولا رحمَ بينهم، فلا مُوجِبَ للعطفِ عليهم، بخلافِ المهاجرين؛ فإن بينهم قراباتٍ وأرحامًا؛ فلا جَرَمَ لما سمعتِ الأنصارُ أَمْرَهُ مَضَوْا لذلك، فلم يتعرَّضْ لهم أحدٌ (6) إلا أناموه؛ أي: قَتَلُوه، فصيَّروه كالنائمِ. والله تعالى أعلمُ.
و((أوباشُ قريشٍ)): أخلاطُهم. وفي الروايةِ الأخرى: ((ووبشت (7) قريشٌ أوباشًا (8) لها))؛ أي: جَمَّعَتْ جُمُوعًا (9) من قبائلَ مختلفةٍ. ويقالُ: أوباشٌ وأوشابٌ. بمعنًى =(3/629)=@ واحدٍ.
و(( الحصد)): القَطْعُ، وأصلُه في الزرعِ، واستعارَهُ هنا للقتلِ لما كانتِ (10) الرؤوسُ والأيدي تُقطَعُ (11) فيه. &(3/497)&$ %(1/329)%
__________
(1) قوله: ((الأخرى)) من (ز) فقط، وهي عند مسلم قبل الحديث الذي ذكره الشارح هنا، ورقمه في مسلم (1780).
(2) ؟؟؟؟؟؟؟؟ لا يوجد تعليق.
(3) في (ب) و(م): ((الأنصار)).
(4) في (ح): ((أوصاهم)).
(5) في (ب): ((يعرض)).
(6) في (ي): ((أحدًا)).
(7) في (د): ((أووبشت)) وفي (م): ((ووبشت)).
(8) قوله: (أوباشًا)) رسمها في (م): ((أوماهنا)) وهذه الرواية عند مسلم برقم (1780).
(9) في (ح) و(ي): ((جموعها)).
(10) في (ح): ((كان)).
(11) في (ب): ((يقطع)) وفي (ز): ((نقطع)).(1/329)
وقوله: ((وأحفى بيده ووضع يمينه على شماله))؛ كذا صحيحُ الروايةِ؛ بالحاءِ المهملةِ؛ معناه: اسْتأصَل؛ أي: أشار إلى ذلك. وبعضُهم رواه: ((وَأَكْفَى)) بالكاف؛ أي: مال بيدِه؛ فكأنه ? وضع يُمناه على يُسراه، وأمرَّها عليها مشيرًا إلى الاستئصالِ. والله تعالى أعلمُ.
وقولُه: ((موعدُكم الصفا))؛ ظاهرُه خطابهُ للأنصارِ؛ فكأنه ? سَلكَ الطريقَ الأعلى من مكةَ، وسلكتِ (1) الأنصارُ من أسفلِها، حتى اجتمعوا عندَ الصفا. و((الموعِدُ)) هنا: موضعُ الوعْدِ، وقد يأتي (2) كذلك في الزمانِ؛ كقوله تعالى: {إن موعدَهم الصبح أليس الصبحِ بقريب} (3) ، ويأتي كذلك للمصدرِ، وهو في كلِّ ذلك مكسورُ العينِ.
وقولُ أبي سفيان: ((أُبيدت خضراءُ قريشٍ))؛ أي: أُفنيت وأُذهبت. وفي روايةٍ أخرى : (( أُبيحت))؛ من الإباحةِ. وكلاهما متقاربٌ. و((خضراءُ قريشٍ)): معظمُها، وجموعُها.
وقوله: ((لا قريشَ بعدَ اليوم))؛ أي: لا وجودَ لقريشٍ بعدَ هذا؛ وذلك لما رأى من هولِ الأمرِ، والغلبةِ والقهرِ، والاستطالةِ (4) ، والاستيلاءِ عليهم.
وهذا الحديثُ لمالك نصٌّ على أن النبيَّ ? دخلَها عَنْوةً وقهرًا. وهو =(3/630)=@ الذي صار إليه جمهورُ العلماءِ والفقهاءِ (5) ؛ مالك وغيرُه، ما عدا الشافعيَّ؛ فإنه قال: فُتحت (6) صُلْحًا. وقد اعتذرَ (7) بعضُ أصحابِه عنه (8) في ذلك %(1/330)%
__________
(1) في (ح): ((وسلك)).
(2) في (ي): ((تأتي))
(3) سورة هود؛ الآية: 81.
(4) في (ح) و(ي): ((الاستصالة)).
(5) قوله: ((والفقهاء)) سقط من (ح).
(6) في (ح): ((فتحها)).
(7) قوله: ((عنه)) سقط من (ح) و(ي).
(8) في (ز): ((قال الشيخ))، وفي (ب) و(م): ((قال الشيخ رحمه الله)).(1/330)
بأن قال: أراد الشافعيُّ بقولِه: إنه ? دخلَ مكةَ صُلحًا؛ أي: فعل فيها (1) ما يفعله (2) مَنْ صالح؛ فَمَلَّكهم أنفسَهم، ومالَهم (3) ، وأَرَضِيهم. &(3/498)&$
قلت (4) : والكلُّ متفقون على أن النبيَّ ? لما دخل مكةَ أَمَّنَ أهلَها ولم يَغْنَمْهُم، وتركَ لهم (5) أموالَهم، وَذَرَاريَّهم، وأَرَضِيهم (6) ، ولمْ يُجْرِ عليها (7) حكمَ الغنيمةِ، ولا حكمَ الفيءِ، فكان ذلك أمرًا خاصًّا بمكةَ؛ لشرفِها وحرمتهِا، ولا يساويها في ذلك غيرُها من البلادِ بوجهٍ من الوجوهِ. والله تعالى أعلمُ.
وقد تقدَّم الكلامُ في بَيْعِ دُورِ مكةَ وإجارتِها.
وقولُ الأنصارِ: ((أما الرَّجلُ فقد أخذته رأفةٌ بعشيرتِه، ورغبةٌ في قريته))؛ هذا القولُ ليس فيه تنقيصٌ ولا تصغيرٌ (8) ، وإنما هم - لما رأوا (9) منه ما تَقتضيه (10) خُلُق الكرامِ وجِبِلَّاتُ الفضلاءِ؛ من الرأفةِ (11) على العشيرةِ، والصَّغْو للوطنِ والحنينِ له - خافوا أن يُؤْثِرَ المُقامَ فيها على المقامِ بالمدينةِ؛ فحملَهم شدةُ محبتهِم له، وكراهةُ =(3/631)=@ مفارقتِه، أو (12) مفارقةِ (13) أوطانِهم، على أن قالوا هذا الكلامَ، وقد بيَّنوا عُذْرَهم عن هذا؛ حيثُ قالوا: ((ما قلناه إلا ضنًّا برسولِ (14) الله ?))؛ أي: بخلاً. %(1/331)%
__________
(1) قوله: ((فيها)) سقط من (ح) و(ي).
(2) في (ز): ((يفعل)).
(3) في (ح): ((وأموالهم)).
(4) في (ب): ((تجر)).
(5) سقط من (أ)، وفي (ح) و(ي): ((اليوم)).
(6) في (أ): ((وأرضهم)).
(7) في (أ): ((عليهم)).
(8) في (ب) و(م): ((تقصير)).
(9) في (ز): ((رأوه)).
(10) في (ح) و(ز): ((يقتضيه)).
(11) زاد بعدها في (م): ((والرحمة)).
(12) في (ب) و(م): ((و)).
(13) قوله: ((مفارقته أو مفارقة)) سقط من (ز).
(14) قوله: ((برسول)) في (م): ((يا رسول)).(1/331)
وإخبارُه ? إيَّاهم (1) بما قالوا (2) ، معجزةٌ من معجزاته.
وقولُه ?: ((ألا فما اسمي إذن؟ )) قيل: إنما قال ذلك تنبيهًا على صدقِه لما (3) ظهرتْ معجزتُه (4) بإخبارِه عمَّا غاب عنه، كما كان يقولُ عندَ ظهورِ الخوارقِ (5) على يديه: ((أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ)) (6) . وقيل: إنما قال ذلك مُنبِّهًا على أنَّ صِدْقَ اسمه((محمدٍ)) عليه، يَمْنَعهُ (7) من نقضِ العهدِ وتركِ القيامِ بحقِّ مَنْ له حقٌّ، فكأنه قال: لو فعلتُ ذلك لما استحقَقْتُ أن أُسمَّى: ((محمدًا))، ولا: ((أحمد))؛ إذ كلاهما (8) مأخوذٌ من الحمدِ (9) . ويدلُّ على صحةِ هذا التأويلِ قولُه: ((المحيا محياكم، والممات مماتكم))؛ أي: لا أفارقُكم &(3/499)&$ حياتي ولا موتي (10) . وبكاءُ الأنصارِ إنما كان فرحًا وصبابةً برسولِ الله ?. =(3/632)=@
و((سيةُ القَوْسِ)): طرفُها المنحنِي. وله سِيتان (11) . وقد قال في طريقٍ أخرى (12) : ((وَأَخَذَ (13) بِعُودٍ في يَدَيْهِ))، يُريدُ به (14) القوسَ.
وقوله: ((كان حولُ الكعبةِ ثلاثمائةٍ وستون صنمًا)) إنما (15) كانت بهذا (16) العددِ؛ لأنهم كانوا يعظِّمون في كلِّ يومٍ صنمًا، ويَخُصُّون أعظمَها بيومينِ. %(1/332)%
__________
(1) قوله: ((إياهم)) سقط من (ح).
(2) في (ح): ((قالوه)).
(3) في (ح) و(ي): ((ولما)).
(4) في (ز): ((معجزاته)).
(5) رسمها في (ح) و(ي): ((الحق ارق))!
(6) تقدم في الإيمان، باب لا يغتر بعمل عامل حتى ينظر بما يختم عليه.
(7) في (م): ((تمنعه)).
(8) قوله: ((أحمد إذ كلاهما))، في (ح) و(ي): ((أحمدًا كلاهما)).
(9) ذكر التأويلين القاضي في "الإكمال" (6/145).
(10) في (ي): ((مماتي)).
(11) قال في "المصباح" (ص 156): ((سية القوس، خفيفة الياء ولامها محذوفة وترد في النسبة فيقال: ((سِيَوِيّ)) والهاء عوض عنها، ويقال لسيتها العليا: يدُها، ولسيتها السفلى: رجلها.
(12) قوله: ((طريق أخرى)) في (ي): ((طريق آخر))، وفي(م): ((طرق أخرى))، وفي (ح): ((طريق)) فقط.
(13) قوله: ((وأخذ)) مثبت من (ح) فقط.
(14) سقط من (ح) و(ي).
(15) في (ح): ((أي)).
(16) في (ب) و(م): ((هذه)).(1/332)
وقوله: ((فجعل يطعنُها بعودٍ في يده))؛ يقال (1) : كانتْ مثبتةَ بالرَّصاصِ، وأنه كلما طعنَ منها (2) صنمًا في وجههِ خَرَّ لقفاه، أو في قفاهُ خَرَّ لوجههِ (3) . ذكر هذا القولَ عياضٌ في كتابِ"الشفاء (4) ".
وقوله ?: ((لاَ يُقتلُ قرشيٌّ صبرًا بعدَ اليوم إلى يومِ القيامةِ))؛ أصلُ الصبرِ: الحَبْسُ. فمعنى: قُتِلَ صبرًا؛ أي: قُتِلَ (5) محبوسًا مَأسورًا، لا (6) في معركةٍ، ومنه: المصبورةُ المنهيُّ عن قتلِها (7) .
قال الحميديُّ: وقد تأوَّلَ بعضُ العلماءِ هذا الحديثَ &(3/500)&$ على معنى: أنه لا يقتلُ قرشيٌّ مُرْتدًّا ثابتًا على الكفرِ صَبْرًا (8) ؛ إذ قد وُجد مَنْ قُتل منهم صبرًا (9) في القتالِ وغيرِه (10) ، ولم يوجدْ من قُتل منهم صَبْرًا وهو ثابتٌ على الكفرِ (11) . =(3/633)=@
وقال (12) القاضي (13) عياضٌ: هذا (14) إعلامٌ منه ? أنهم (15) يُسلمون كلُّهم، كما كان، وأنهم لا يَرْتدُّون بعدَه كما ارتدَّ غيرهم ممن حُورب وقُتل صَبْرًا.
وقوله: ((لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ مِنْ عُصَاةِ قُرَيْشٍ غَيْرِ مُطِيع بْنِ الأسْوَدِ))؛ قال القاضي (16) عياضٌ (17) : ((عصاةٌ)) هنا: جمعُ ((العاصي)) (18) ، من الأسماءِ، لا من الصفاتِ؛ أي: لم يُسلمْ ممن كان اسمُه(( العاصي))؛ كالعاصي بنِ وائلٍ السهميِّ، والعاصي بنِ هشامِ بنِ (19) البَخْتَريِّ، والعاصِي بنِ سعيد (20) بنِ العاص بن أميَّةَ، والعاص بنِ هشامِ بنِ المغيرةِ (21) المخزوميِّ، والعاصي بن %(1/333)%
__________
(1) قوله: ((يده يقال)) في (ح): ((يديه يقال))، وفي (ي): ((يديه قِفِال)).
(2) سقط من (م).
(3) قوله: ((خر لوجهه)) سقط من (ز).
(4) قوله: في كتاب "الشفا" في (ح): في "الشفا"، وفي (ي): في"شفاه".
(5) سقط من (م).
(6) قوله: ((مأسورًا لا)) في (ي): ((مأسورًا إلا)).
(7) سيأتي في الصيد والذبائح، باب النهي عن صبر البهائم .
(8) في (ح): ((شبرصا)).
(9) قوله: ((صبرًا)) سقط من (أ). وانظر ما يأتي في باب فيما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - من أذى قريش .
(10) قوله: ((في القتال وغيره)) كذا في النسخ، والذي في كتاب الحميدي: ((في الفتن وغيرها)) وهو أليق!
(11) انظر "تفسير غريب ما في الصحيحين" للحميدي (ص 462).
(12) في (ح) و(ي): ((قال)) وفي (م): ((وقد قال)). ...
(13) قوله: ((القاضي)) سقط من (أ) و(ب) و(ز) و(م).
(14) في (ح) و(ي): ((وهذا)).
(15) في (ب) و(م): ((أنه)) وفي (ز): ((بأنهم)).
(16) قوله: ((القاضي عياض وفي (أ) و(ز): ((القاضي)) فقط، وفي (ب) و(م): ((عياض)) فقط.
(17) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ رقم الهامش مثبوت والهامش محذوف من الأسفل
(18) ((العاصي)) لأنه اعتصى بالسيف أي أقام السيف مقام العصا، وليس هو من العصيان؛ كذا حكاه الآمدي عنه. قلت: (أي: الحافظ): وهذا إن مشى في العاصي بن وائل، لكن لا يطرد؛ لأن النبي ? غيَّر اسم العاص بن الأسود والد عبد الله فسماه مطيعًا؛ فهذا يدل على أنه من العصيان. ((تبصير المنتبه)) (3/889 – 890).
(19) في (ح) و(ز) و(ي): ((أبي)).
(20) في (ح) و(ي): ((سعد)).
(21) في (أ) و(ز) و(م): ((مغيرة)).(1/333)
ِمُنَبِّهِ بنِ الحجاجِ، وغيرهم - سوى العاصيِ بنِ الأسودِ العدويِّ، فغيَّر النبيُّ ? اسمَه، فسماه: ((مطيعًا)). وإلا فقد أسلم عصاةُ قريشٍ وعُتَاتُهم، والحمدُ لله. لكنَّه قد ذُكر: أن (1) أبا جندل بنَ سهيلِ بنِ عمرٍو، وهو (2) ممن أَسْلم: واسمُه: ((العاصي)) (3) . فإذا صحَّ هذا فيحتملُ أن هذا (4) لَمَّا غَلَبَتْ عليه (5) كنيتُه، وصار اسمُه كأنه غيرُ معروفٍ؛ فلم (6) يَستثنِه كما استثنى مطيعَ بنَ الأسودِ (7) . والله تعالى أعلمُ. =(3/634)=@
ومن بابِ صلحِ الحديبيةِ
((جُلُبان السلاحِ)) بضمِّ الجيمِ واللامِ. وذكره الهرويُّ: بإسكانِ اللامِ، وصوَّبه &(3/501)&$ ثابتٌ. وهو مثلُ الجُلُبانِ من القَطانِيِّ، وَقَاله (8) بعض المتقنين بالراءِ: ((جُربان)) بدلَ اللامِ. وَجربان السيف والقميص. وفي البخاريِّ (9) : ((بجُلُبِ (10) السَّلاحِ)). ولعله (11) جمعُ ((جلبان)). وقد فَسَّرَ الجلبانَ في الحديثِ: بالسيفِ وما هو فيه، وهو شبهُ الجرابِ من الأَدَمِ، يُوضعُ (12) فيه السيفُ مَغْمودًا، ويُطرحُ %(1/334)%
__________
(1) سقط من (ح) و(ي).
(2) في (أ): ((هو)).
(3) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ مضاف رقم هامش دون تعليق
(4) قوله: ((فيحتمل أنه)) في (ب) و(م): ((فيحمل هذا على أنه)).
(5) سقط من (ب) و(ز) و(م).
(6) في (ب) و(م): ((لم)).
(7) ذكر أن اسم أبي جندل: العاص، الزبير بن بكار في "جمهرة نسب قريش" (2/930)، ونقله عنه النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" (2/492)، وانظر "الإكمال" (6/174)، و"الإصابة" (7/69).
(8) قوله: ((القطافي)) وقاله في (ز): ((القطان وقال)). و((القطاني)) جمع القِطْنيَّة؛ وهي اسم جامع للحبوب التي تطيخ؛ مثل العدس والباقلاء واللوبياء والأرز. "المصباح" (ص263).
(9) (5/304 رقم2700) في الصلح، باب الصلح مع المشركين .
(10) في (م): ((بجلت)).
(11) قوله: ((ولعله)) سقط من (ح).
(12) في (ح) و(ي): ((ويوضع)).(1/334)
فيه السوطُ (1) .
وفائدةُ اشتراطِهم ذلك: ألا يدخلَ عليهم على حالةِ المحاربين وهيئتهم، فيظنَّ أنه دخلَها عليهم قهرًا (2) .
وقوله ?: ((هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله))؛ أي: ما (3) صالح عليه (4) . وفيه (5) حجَّةٌ لأربابِ الوثائقِ على افتتاحِهم الوثائقَ التي لها بالٌ بهذا؛ كقولِهم: ((هذا ما اشترى))، و((هذا ما أعتق))، و((هذا ما أصدق)). وعلى تقديم الرجلِ الكبيِر في صَدْرِ الوثيقةِ، بَائعًا كان أَوْ مُبْتاعًا.
وَ((يَمْحاها (6) )): يُذْهبهُا وَيُزيلُهَا (7) ؛ يعني: الكلمةَ التي نازعَه فيها؛ يقال: مَحَوْتُ الشيءَ، ومَحَيْتُه (8) ، أَمْحُوه وَأمحاه (9) ، مَحْوًا، وَمَحْيًا.
وامتناعُ عليٍّ – رضي الله عنه - من المحوِ، مع أمرِ النبيِّ ? بذلك - إنما كان لأنَّه لم (10) يَفْهَمْ من ذلك الأمرَ الجزمَ، ولا الإيجابَ، وإنما فهم أن النبيَّ ? أمره بذلك =(3/635)=@ على جهةِ المصلحةِ في موافقتِهم على ما طلبوه، لكن خَفِيَ عَلَى عليٍّ وعمرَ وغيرهما – رضي الله عنهم - وَجْهُ المصلحةِ في ذلك؛ ولذلك عَظُمَتْ عليهم تلك الحالُ، واشتدتْ (11) عليهم، حتى قال عمرُ ما قال، وحلف عليٌّ ألا يمحوَ ما أَمره بمحوِه؛ تعظيمًا (12) لمحوِ اسمِ الرسالةِ عن النبيِّ ?، والنبيُّ ? في كلِّ ذلك (13) مُقْبِلٌ على ما أراه الله تعالى، وممتثلٌ أمرَ الله تعالى، ساكنَ الجأشِ، واثقًا بأنَّ الله لا يُضيعُه، وأن الله (14) سيجعلُ لهم في ذلك خيرًا وفَرَجًا، وكذلك كان حالُ أبي بكرٍ – رضي الله عنه - من سُكونِ الجأشِ، والثقةِ بالله تعالى! حتى قال لعمر – رضي الله عنهما - ما قال؛ مما دل على موافقتِهِ رسولَ اللهِ ? ظاهرًا وَباطنًا، حتى نصَّ على عمرَ ما قاله له (15) رسولُ الله ? حرفًا حرفًا، حَسَبَ ما نصَّه في حديثِ سهلِ (16) بن حُنَيْفٍ. &(3/502)&$ %(1/335)%
__________
(1) تقرأ في (ي): ((السيوط)).
(2) ذكر القاضي سببًا آخر؛ وهو أن كون السلاح في القراب آمن [من] التقلد بها وحبسها في الأيدي لسرعة السلت والمبادرة بها لأوله ؟؟؟ ؟؟؟؛ أي: أنه إن عرضت فتنة أو نحوها يكون في الاستعداد بالسلاح صعوبة. انظر: "الإكمال" (6/153)، "شرح النووي" (12/236).
(3) سقط من (ح) و(ي).
(4) سقط من (ب) و(ز) و(م).
قال القاضي في "الإكمال" (6/148): معنى ((قاضى))؛ أي: فَاصَلَ، وأمضيا أمرهما عليه وأتماه، ومنه قضى القاضي، أي: فصل الحكم وأمضاه؛ ولهذا سميت تلك السنة ((عام المقاضاة)) و((عمرة القضاء)) و((عمرة القضية)). وانظر: "شرح النووي" (12/135)، و"النهاية" (4/78)، و"فتح الباري" (5/343).
(5) في (ح): ((وهو)).
(6) في (م): ((وتمحاها)).
(7) في (ح) و(ي): ((يزيلها ويذهبها)).
(8) في (ب) و(م): ((ومحيت)).
(9) سقط من (ح).
(10) في (ز): ((لا)).
(11) في (ي): ((واشتد)).
(12) في (ب) و(/): ((تعظيم)).
(13) قوله: ((في كل ذلك)) سقط من (ح) و(ي).
(14) قوله: ((وأن الله)) في (أ): ((وأنه)).
(15) قوله: ((له)) سقط من (ح). ومن قوله: ((رسول الله ? ظاهرًا...)) إلى هنا، سقط من (ح).
(16) في (م): ((سهيل)).(1/335)
وقوله: ((أَرِني مكانَها، فأراه، فمحاها وكتب)) ظاهرُ هذا أنه ? مَحَا تلك الكلمةَ التي هي ((رسول الله ?)) بيدِه، وكتب (1) مكانها :((ابن عبد الله (2) ))، وقد رواه البخاريُّ (3) بأظهرَ من هذا فقال: فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ ? الكتابَ، فكتب (4) )). وزاد في طريقٍ =(3/636)=@ أخرى: ((وَلَا يُحْسِنُ أَنْ يَكْتُبَ)) (5) . فقال جماعةٌ بجوازِ هذا الظاهر عليه، وأنه كتب (6) بيده؛ منهم السمناني (7) ، وأبو ذرٍّ، والباجيُّ، ورأوا أن ذلك غيُر قادحٍ في كونِه أمِّيًا، ولا معارضٍ (8) لقولِه (9) تعالى: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك} (10) ، ولا لقولِه: ((إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ)) (11) ؛ بل رأوه زيادةً في معجزاتِه، واستظهارًا على صدقِه وصحةِ رسالتِه؛ وذلك: أنه كتب من غيرِ تعلمِ الكتابةِ (12) ، ولا تعاطٍ لأسبابِها، فكان ذلك خارقًا للعادةِ، كما أنه ? عَلِم عِلْمَ الأولين والآخِرين من غيرِ تعلُّمٍ (13) ولا اكتسابٍ؛ فكان ذلك أبلغَ في معجزاتِه، وأعظمَ في فضائلِه،، هذا لو فُرض أنه عَلِمَ الكتابةَ كلَّها، ودام (14) عليها، فكيف وَلم يُرْو عنه قطّ أنه (15) كتب في غيرِ ذلك الموطنِ الخاصِّ! بل لم يفارقْ (16) ما كان عليه من عدمِ معرفتِه (17) بالكتابِة حالةَ كتابتِه تلك، وإنما أَجْرى الله تُعالى على يدِه وقلمِه (18) حركاتٍ كانتْ عنها (19) خطوطٌ، مفهومُها: ((ابن عبدالله)) لمن قرأها (20) .
ثم هل كان عالِمًا في تلك الحالِ (21) بنظمِ تلك الحروفِ الخاصةِ؟! كلُّ ذلك محتملٌ.
وعلى التقديرين: فلا يزولُ عنه اسمُ الأميِّ بذلك؛ ولذلك قال الراوي عنه في هذه الحالةِ: ((وَلَاَ يُحْسِنُ أَنْ يَكْتُبَ))؛ فبقي عليه اسمُ الأميِّ مع كونِه قال (22) : %(1/336)%
__________
(1) في (ي): ((وكبت)).
(2) قوله: ((ابن عبد الله)) في (م): ((محمد بن عبد الله)).
(3) (5/303-304 رقم2699) في الصلح، باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان ابن فلان، فلان بن فلان.
(4) في (ي): ((فكبت)).
(5) البخاري في "صحيحه" (7/499 رقم4251) في المغازي، باب عمرة القضاء .
(6) في (ي): ((كبت)).
(7) في (ب) و(م): ((السمتاني))، وفي (ز): ((المسمنان))! ووقع في مطبوع "الإكمال" (6/151): ((الشيباني))، تابع فيه محققه ما وقع في "شرح الأبي" (5/124)، وهي في مخطوط "الإكمال" واضحة: ((السمناني)). وعبارة القاضي عياض: وإلى جواز ذلك ذهب الباجي وحكاه عن الشيباني وأبي ذر غيرهما.اهـ. وههما من شيوخ الباجي، والسمنانيُّ بكسر السين وسكون الميم، نسبة إ لى ((سِمْنان)) العراق، وضبطه في "الأنساب" بفتح الميم، وهو أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمود، فقيه حنفي، متكلم أشعري، أخذ عنه أبو الوليد الباجي علم الكلام، توفي 444هـ. انظر: "الأنساب" (1/246)، (3/306)، "معجم البلدان" (3/251)، "تاريخ بغداد" (2/217- 218)، "تاج التراجم" (ص256)، "الجواهر المضية" (3/1192)، وانظر "شرح النووي" (12/137)، و "فتح الباري" (7/504).
(8) قوله: ((ولا معارض)) في (ب) و(م): ((ولا معارضًا))، وفي (ح) و(ي): ((والمعاريض))!، والمثبت من (أ) و(ز)، وهو الصواب.
(9) في (ح): ((كقوله)).
(10) سورة العنكبوت؛ الآية: 48. ووقع في (ب) و(م): ((ما كنت...)) دون الواو.
(11) تقدم في الصوم، باب فصل شهر رمضان، والصوم والفطر لرؤية الهلال .
(12) في (أ): ((لكتابة)).
(13) في (م): ((تعليم)).
(14) في (ح) و(ي) و(ز): ((وداوم)).
(15) قوله: ((قط أنه)) في (ز): ((أنه قط)).
(16) قوله: ((بل لم يفارق)) في (ب) و(م): ((ففارق)).
(17) في (ي): ((معرفة)).
(18) في (ح) و(ي): ((وقلبه)).
(19) في (م): ((عليها)).
(20) قوله: ((لمن قرأها)) سقط من (ح).
(21) في (ح): ((الحالة)).
(22) سقط من (م).(1/336)
((كَتَبَ)).
وقد أنكر هذا كثيرٌ من متفقِّهةِ (1) الأندلس وغيرِهم، وشدَّدوا النكيرَ (2) فيه، ونسبوا قائلَه إلى الكفرِ،، وذلك دليلٌ على عدمِ &(3/503)&$ العلومِ النظريةِ، وعدمِ التوقُّفِ في تكفيرِ المسلمين، ولم يتفطنوا (3) أن تكفيرَ المسلمِ كقتلِه (4) ، =(3/637)=@ على ما جاء عنه ? في "الصحيحِ" (5) ، لاسيما رَمْيُ مَنْ شَهد له أهلُ عصرِه بالعلمِ والفضلِ (6) ، والإمامةِ (7) . على أن المسألةَ ليست ْقطعيةً، بل مستندُها ظواهُر أخبارِ آحادٍ صحيحةٍ، غيرَ أن العقلَ لا يُحيلها (8) ، وليسَ في الشريعِة (9) قاطعٌ يحيلُ وقوعَها على ما تقدَّم (10) .
وقولُه في الروايةِ الأخرى لعليٍّ – رضي الله عنه -: ((اكتبْ: من محمدِ بنِ عبدِالله))؛ ليس معارضًا للروايةِ التي (11) تقدَّم ذكرُها؛ إذ ليس فيها: أنَّ عليًّا كتبَ بيدهِ، وإنما فيها: أنه ? أَمره (12) بالكتابةِ كما أمَره (13) بالمحوِ، فلم يمحُ عليٌّ، ولم يكتبْ، فلما امتنع عليٌّ منهما جميعًا؛ للوجهِ الذي ذكرناه، قال له ?: ((أَرني مكانَها))؛ فأراه إيَّاه، فمحاه النبيُّ ?، وكتب بيدِه، على ما تقرَّر من المذهبِ الأولِ، وعليه تجتمعُ الرواياتُ المذكورةُ (14) المخَتلفةُ. %(1/337)%
__________
(1) في (أ): ((متفقة)).
(2) في (م): ((التكبر)).
(3) فَطَن للأمر يفطن، من بابي تعب وقتل، ويتعدَّى بالتضعيف؛ فيقال: فطنته للأمر، و((تفطَّن)) مطاوع للمتعدي. وانظر "المصباح" (ص247).
(4) في (ب): ((كقبله)). وفي (أ): ((كقلته))!.
(5) الذي ورد في الصحيح: ((لعن المؤمن كقتله))، وقد تقدم في الإيمان، باب من قتل نفسه بشيء عذب به برقم (86). ولعل المصنِّف أراد قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر))، وقد تقدم في الإيمان، باب إثم من كفر مسلمًا برقم (53).
(6) في (م): ((والعقل)).
(7) يعني ما وقع لأبي الوليد الباجي لما قال بذلك؛ إذ شنع علماء الأندلس ورموه بالزندقة وأن الذي قاله مخالف للقرآن، قال الحافظ: حتى قال قائلهم:
برئت ممن شرى دنيا بآخرة ... وقال إن رسول الله قد كتبا
فجمعهم الأمير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة وقال للأمير هذا لا ينافي القرآن بل يؤخذ من مفهوم القرآن لأنه قيد النفي بما قبل ورود القرآن فقال وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك وبعد أن تحققت أميته وتقررت بذلك معجزته وأمن الارتياب في ذلك لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة أخرى وذكر بن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك منهم شيخه أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء إفريقية وغيرها واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه بن أبي شيبة وعمر بن شبة من طريق مجاهد عن عون بن عبد الله قال ما مات رسول الله ? حتى كتب، وقرأ: قال مجاهد فذكرته للشعبي فقال صدق قد سمعت من يذكر ذلك ومن طريق يونس بن ميسرة عن أبي كبشة السلولي عن سهل بن الحنظلية أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر معاوية أن يكتب للأقرع وعيينة فقال عيينة أتراني اذهب بصحيفة المتلمس، فأخذ رسول الله ? الصحيفة فنظر فيها، فقال: ((قد كتب لك بما أمر لك)) قال يونس فنرى أن رسول الله ? كتب بعد ما أنزل عليه قال عياض وردت آثار تدل على معرفة حروف الخط وحسن تصويرها كقوله لكاتبه: ((ضع القلم على إذنك فإنه أذكر لك))، وقوله لمعاوية: ((ألق [كذا، ولعلها: أنق] الدواة وحرف القلم، وأقم الباء، وفرِّق السين، ولا تعور الميم وقوله لا تمد بسم الله قال وهذا وان لم يثبت أنه كتب فلا يبعد أن يرزق علم وضع الكتابة فإنه أوتي علم كل شيء.
وأجاب الجمهور بضعف هذه الأحاديث وعن قصة الحديبية بأن القصة واحدة والكاتب فيها علي وقد صرح في حديث المسور بأن عليًّا هو الذي كتب فيحمل على أن النكتة في قوله: ((فأخذ الكتاب وليس يحسن يكتب)) لبيان أن قوله: ((أرني إياها)) أنه ما احتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها إلا لكونه كان لا يحسن الكتابة، وعلى أن قوله بعد ذلك: ((فكتب)) فيه حذف؛ تقديره: فمحاها فأعادها لعلي فكتب وبهذا جزم بن التين وأطلق ((كتب)) بمعنى أمر بالكتابة وهو كثير؛ كقوله: ((كتب إلى قيصر)) و((كتب إلى كسرى)). وعلى تقدير حمله على ظاهره فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم وهو لا يحسن الكتابة أن يصير عالمًا بالكتابة ويخرج عن كونه أميًّا فإن كثيرًا ممن لا يحسن الكتابة يعرف تصور بعض الكلمات ويحسن وضعها بيده وخصوصًا الأسماء ولا يخرج بذلك عن كونه أميًّا ككثير من الملوك ويحتمل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ وهو لا يحسنها، فخرج المكتوب على وفق المراد فيكون معجزة أخرى في ذلك الوقت خاصة ولا يخرج بذلك عن كونه أميًّا، وبهذا أجاب أبو جعفر السمناني أحد أئمة الأصول من الأشاعرة وتبعه بن الجوزي وتعقب ذلك السهيلي وغيره بأن هذا وإن كان ممكنًا ويكون آية أخرى لكنه يناقض كونه أميًّا لا يكتب وهي الآية التي قامت بها الحجة وأفحم الجاحد وانحسمت الشبهة فلو جاز أن يصير يكتب بعد ذلك لعادت الشبهة وقال المعاند كان يحسن يكتب لكنه كان يكتم ذلك قال السهيلي والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضًا والحق أن معنى قوله: ((فكتب)) أي أمر عليًّا أن يكتب. انتهى. وفي دعوى أن كتابة اسمه الشريف فقط على هذه الصورة تستلزم مناقضة المعجزة وتثبت كونه غير أمي نظرٌ كبيرٌ، والله أعلم.
"الفتح" (7/503- 504)، "الإكمال" (6/151- 152)، و "شرح النووي" (12/137- 138). [يراجع هل يوجد كلام الشيخ سعد].
(8) في (ز): ((يحملها)).
(9) في (م): ((الشرع)).
(10) قوله: ((على ما تقدم)) سقط من (ب) و(م).
(11) في (أ): ((الذي)).
(12) في (ح) و(ز) و(ي): ((أمر)).
(13) في (ز): ((أمره)).
(14) قوله: ((المذكورة)) مثبت من (م) فقط.(1/337)
وقوله: ((فاشترطوا عليه: أن من جاء منكم لم نرده عليكم (1) ، ومن جاء منا رددتموه علينا))؛ لا خلافَ بين الرواةِ والمتأوِّلين: أن الرجالَ داخلون في هذا اللفظِ العامِّ، واختلفوا: هل دَخَل فيه النساءُ؟
فمنهم من منع ذلك، واستدلَّ بما جاء في البخاريِّ في (2) كتاب الشروط (3) ، في هذا الحديثِ، وهو (4) أنه قال: ((وَلَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ =(3/638)=@ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا)). وهذا نصٌّ؛ وعلى (5) هذا فلا يحتاجُ إلى اعتذارٍ عن حبسِ النبيِّ ? النساءَ اللاتي أسلمْنَ وهاجرْنَ إلى المدينة، ولا أن نقولَ (6) في قولِه تعالى: {فلا ترجعوهن إلى الكفار} (7) : إنه (8) ناسخٌ.
والأكثرُ على أنهنَّ دَخَلْنَ في ذلك العمومِ. وقد رُوي أن سبيعةَ الأسلميةَ بنتَ الحارثِ (9) جاء &(3/504)&$ زوجُها صَيْفيٌّ يَطلبُها، وكانت أسلمت، وهاجرت (10) ،، وكذلك أمُّ كلثوم بنتُ عقبةَ، فجاء زوجُها: مسافرٌ يطلبُها بالشَّرطِ (11) (12) ؛ فأنزل الله تعالى هذه (13) الآيةَ في النهيِ عن رَدِّهنَّ، ورأوا أن هذه الآيةَ ناسخة لما تقرَّر بالشرطِ المتقدِّمِ؛ الذي هو ردُّهنَّ إلى الكفارِ. والطريقةُ الأولى أحسنُ، وأبعدُ عن الإشكالِ؛ إذ لم يدخلْنَ (14) في الشرطِ (15) .
ثم اختلفوا: فيما إذا صُولح العدوُّ على مثلِ هذا الشرطِ:
فذهب الكوفيُّون: إلى أن ذلك لا يَجوزُ؛ لا (16) في الرجالِ ولا في النساءِ، ورأوا أن كلَّ (17) ذلك منسوخٌ. ونحوَهُ حَكَى مكيٌّ (18) في "الناسخِ والمنسوخِ" له، عن المذهبِ.
وذهب مالكٌ في المشهورِ عنه - وحُكِي عن أصحاب الشافعي - إلى (19) جواز ذلك، ولزومه في الرجال دون النساء، لكن بشرط أن يكونوا مأمونين (20) على دمه (21) .
وقيل: إنما فعل النبيُّ ? ذلك لضعفِ المسلمين عَن مقاومةِ %(1/338)%
__________
(1) في (ي): ((إليكم)).
(2) في (ز): ((من)).
(3) (5/329-333 رقم2731 و2732) في الشروط، باب الشروط في الجهاد ... .
(4) سقط من (ي).
(5) في (ز): ((على)).
(6) في (ح): ((تقول)).
(7) سورة الممتحنة؛ الآية: 10.
(8) في (ز): ((على أنه)).
(9) قوله: ((سبيعة الأسلمية بنت الحارث)) كذا في (أ)، وفي سائر النسخ: ((سبيعة بنت الحارث الأسلمي)).
قال الحافظ في "الفتح" (9/419- 420): وذكر ابن الطلاع في ((أحكامه)) أن سبيعة الأسلمية هاجرت فأقبل زوجها في طلبها، فنزلت الآية، فرد على زوجها مهرها والذي أنفق عليها ولم يردها. واستشكل هذا بما في الصحيح أن سبيعة الأسلمية مات عنها سعد بن خولة - وهو ممن شهد بدرًا – في حجة الوداع؛ فإنه دال على أنها تقدمت هجرتها وهجرة زوجها. ويمكن الجمع بأن يكون سعد بن خولة إنما تزوجها بعد أن هاجرت ويكون الزوج الذي جاء في طلبها ولم ترد عليه آخر لم يسلم يومئذٍ.اهـ. وقد أخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" في "تفسيره" (10/3350 رقم18866) عن مقاتل بن حيان، قال: كان بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أهل مكة عهد، شرط فيه أن يرد النساء، فجاءت امرأة تسمى سعيدة، وكانت تحت صيفي بن الراهب، وهو مشرك من أهل مكة، وطلبوا ردَّها، فأنزل الله: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات}.
(10) ؟؟؟
(11) في (أ): ((بالشروط)) ويظهر أنه كشط الواو.
(12) البخاري (5/312 رقم2711 و2712) في الشروط، باب ما يجوز من الشروط في الإسلام، والأحكام، والمبايعة. و(7/453-454 رقم4180 و4181) في المغازي، باب غزوة الحديبية ... .
(13) ((هذه)) من (أ) فقط، وليست في سائر النسخ.
(14) في (ز): ((يدخل)).
(15) قال الحافظ في "الفتح" (9/419): اختلف في ترك رد النساء: هل نسخ حكم النساء، أو لم يدخلن في أصل الصلح، أو هو عام أريد به الخصوص؛ قال: وتمسك من قال بالثاني بما وقع في بعض طرق، ثم ذكر ما ذكره الشارح هنا عند البخاري، قال الحافظ: وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق مقاتل بن حيان أن المشركين قالوا للنبي ?: ((رد علينا من هاجر من نسائنا، فإن شرطنا أن من أتاك منا أن ترده علينا))، فقال: ((كأن الشرط في الرجال ولم يكن في النساء)). وهذا لو ثبت كان قاطعًا للنزاع، لكن يؤيد الأول ؟؟؟؟ لما هاجرت جاء أهلها يسألون ردها فلم يردها لما نزلت: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات...} الآية والمراد منها قوله فيها: {فلا ترجعوهن إلى الكفار}.
(16) قوله: ((لا)) سقط من (أ) و(ب) و(ز) و(م).
(17) سقط من (ي).
(18) ذكره عنه القاضي في "الإكمال" (6/149). و[يراجع كتابه!]
(19) سقط من (ز).
(20) في (ي): ((مأمومين)).
(21) في (ب) و(م): ((دينه)) ولعله صوبها في (ب).(1/338)
عدوِّهم في ذلك الوقتِ؛ وذلك (1) لأنه إنما ردَّ مَنْ رد ممن (2) جاء مسلمًا لآبائِهم وذوي أرحامِهم؛ لعطفِهم عليهم ولحبِّهم فيهم، ولصحةِ إسلامِ مَنْ أسلم منهم (3) ، وللذي (4) علمه النبيُّ ? من حالِ مَنْ رَدَّ: أنه سيجعلُ الله لهُ فَرَجًا ومخرجًا، وكذلك كان. وكلُّ هذه (5) الأمورِ معدومةٌ (6) في حقِّ غيرِه ?، فلا يحتجُّ بتلك القضيةِ (7) على جوازِ ذلك. والله تعالى أعلمُ. =(3/639)=@
وقولُ سهلِ بن حنيفٍ، رضي الله عنه: ((أيها الناس اتهموا أنفسَكم))، وفي الأخرى: ((رأيَكم))؛ يعني به: التثبتَ فيما كانوا فيه، والتبصرَ (8) ، ولا يستعجلوا (9) في (10) أمرِهم. ووجهُ استدلالِه بها: أن تلك الحالةَ كان ظاهرُها مكروهًا لهم صعبًا عليهم، فلما &(3/505)&$ تثبَّتوا في أمرِهم (11) وأطاعوا رسولَ الله ? جعل اللهُ لهم من أمرِهم فَرَجًا ومَخْرجًا، فكأنه (12) يقولُ لهم: إن صبرتُمْ على المكروهِ، وتثبتُّم في أمرِكم، واتقيتُم اللهَ، جعل الله لكمَّ من هذه الفتنِ مَخْرجًا، كما جعلَه لأصحابِ رسولِ الله ? يومَ الحديبيةِ!.
وقال (13) القاضي عياضٌ: إنما قال ذلك سهلُ بن حنيفٍ لما ظهر في أصحابِ عليٍّ – رضي الله عنه - من كراهةِ شأنِ التحكيمِ (14) ، ومراوضةِ الصلحِ، وكان الظفرُ لهم، حتى رفع (15) لهم أهلُ الشامِ المصاحفَ، ودعَوْهم إليها، ورَغِبوا في المصالحةِ (16) (17) .
وقولُ عمرَ – رضي الله عنه -: ((لِمْ نُعْطِي (18) الدنيَّةَ في ديننا))؛ يعني بالدنيةِ: الحالةَ الخسيسةَ، ويعني به: الصلحَ على ما شَرَطوا. ولم يكنْ ذلك من عمرَ – رضي الله عنه - شكًّا ولا معارضةً، بل كان استكشافًا لما خَفِيَ عنه، وحثًّا على قتالِ أهلِ الكفرِ وإذلالِهم، وحرصًا على ظهورِ المسلمين على عدوِّهم. وهذا على %(1/339)%
__________
(1) قوله: ((ذلك)) سقط من (أ).
(2) في (م): ((من)).
(3) في (م): ((فيهم)).
(4) في (ي): ((والذي)).
(5) سقط من (ي).
(6) في (م): ((معروفة)).
(7) في (ح) و(ي): ((الصفة)).
(8) في (ح) و(ي): ((والتبصر)).
(9) في (ح) و(ي): ((تستعجلون))، وفي (م): ((تستعجلوا))
(10) قوله: ((في)) سقط من (أ).
(11) في (ز): ((أمورهم)).
(12) في (ح) و(ي): ((فكان)).
(13) في (ب) و(ز) و(م): ((قال)).
(14) في (ب) و(م): ((التحكم)).
(15) في (ز): ((دفع)).
(16) في (ح) و(ي): ((المصلحة)).
(17) "الإكمال" (6/154)، وانظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3/32)، و(4/254)، و"فتح الباري" (8/588)، و(12/283-284) وغيرها.
(18) في (ب) و(م): ((نعط)).(1/339)
مقتضَى ما تعالى كان عندَه من القوةِ في دينِ الله، والجرأةِ والشجاعةِ التي خصَّه الله تعالى بها. وجوابُ النبيِّ ? وأبي بكرٍ – رضي الله عنه - بما جاوباه (1) به، يدلُّ على أن عندَهما من علمِ باطنةِ (2) ذلك، وعاقبةِ (3) أمرِه ما ليس عندَ (4) عمرَ – رضي الله عنه -؛ ولذلك لم يسكنْ عمرُ حتى بَشَّره النبيُّ ? بالفتحِ، فسكن جأشُه، وطابتْ نفسُهُ. =(3/640)=@
وقول سهلُ بن حُنيفٍ (5) : ((ما وَضَعْنا سيوفنَا على عواتِقنا إلى أمرٍ قطُّ إلا أسهلْنَ بنا إلى أمرٍ نعرفه، إلا أمركم هذا))؛ ((وضعْنا)): رفعنا، هنا (6) ؛ أي: وضعناها على عواتِقنا. والعواتقُ: جمعُ عاتقٍ، وهو من (7) المَنْكِبِ وما يليه إلى العنقِ، وهو الكَاهِلُ، والكَتِدُ، والثَّبَجُ.
و((أَسْهَلْن))؛ أي: حملتنا إلى أمرٍ سهلٍ، وهو من: &(3/506)&$ ((أَسْهَل)): إذا دخل سَهْلاً من الأرضِ؛ كـ((أنجد))، و((أشأم)) (8) ، و((أعرق)): إذا دخل تلكَ المواضعَ.
ويعني بهذا الكلامِ: أنَّ كلَّ قتالٍ قاتلَ فيه ما رفع سيفَه فيه إلا عن بصيرةٍ (9) لعاقبةِ أمرِه، فسَهُل عليه بسببِها ما يلقاه من مشقاتِ الحروبِ، غيرَ تلك الأمورِ التي كانوا فيها، فكانوا كلَّما لاح %(1/340)%
__________
(1) في (ح) و(ي): ((جاوبا)).
(2) في (ي): ((باطن)).
(3) في (م): ((وعاقبته)).
(4) في (ب) تقرأ: ((يجيز)) وكأنه صوبها لكن ترك النقط!.
(5) قوله: ((بن حنيف)) مثبت من (ح) و(ي).
(6) قوله: ((رفعنا هنا)) في (ز): ((رفعناها))، وفي (أ) و(ح) و(ز): ((رفعنا)).
(7) سقط من (م) و(ب).
(8) في (ب) و(م): ((وأتهم)).
(9) في (م): ((بصرة)).(1/340)
لهم منها (1) مصلحةٌ وعاقبةٌ حسنةٌ ظهر لهم نقيضُها. ويدلُّ (2) على صحةِ هذا قولُه (3) : ((ما فتحنا منها (4) مِنْ خُصْمٍ إلا انفجر علينا منه (5) خصمٌ)). أصلُ الخُصْمِ: طرفُ الشيءِ وجانبهُ الذي يؤخذُ به. وخصم الراويةِ: طرفُها. وخُصم العِدْل: جانبهُ الذي يؤخذُ به (6) . =(3/641)=@
وقوله: ((ما فتحنا)) وَهْمٌ من بعضِ الرواةِ، وصوابهُ: ((ما سَدَدْنا))؛ لأنه مقابلُ: ((انفجر علينا))، وكذا وقع في البخاريِّ:((سددنا)) (7) مكان: ((فتحنا )) (8) .
وهذا الحديثُ يدلُّ على جوازِ الصلحِ على ما شَرَطه العدوُّ عند (9) ضعفِ المسلمين عن مقاومةِ عدوِّهم، وعندَ الحاجةِ إلى ذلك، ولا خلافَ في جوازِ الصلحِ عند ذلك، إلا ما ذُكر من الخلافِ في رَدِّ من جاء مسلمًا،، وكذلك لو صُولحوا &(3/507)&$ على مالٍ يؤُخذ منهم.
فأما إن لم تَدْعُ (10) حاجةٌ ولا ضرورةٌ إلى ذلك، ولم يكنْ للعدوِّ قوةٌ، إلا لما بذلوه من المالِ (11) ، فأجاز ذلك جماعةٌ منهم الأوزاعي، ومنع ذلك مالكٌ وأصحابُه، وعلماءُ المدينةِ (12) .
واختُلف في مقدارِ مدةِ الصلحِ حيث يجوزُ (13) : فقال مالكٌ: ذلك مفوَّضٌ إلى اجتهادِ الإمامِ (14) . وحدَّ الشافعيُّ أكثرَه بعشرةِ أعوامٍ (15) ؛ بناءً منه على صلح الحديبيةِ؛ =(3/642)=@ فإنه كان عشرَ سنين (16) . واختلف فيها؛ فقال عروةُ بنُ الزبيرِ: كانت أربعَ سنين. وقال ابنُ جريجٍ: ثلاثَ سنين. والأولُ أشهرُ. %(1/341)%
__________
(1) في (ح) و(ز): ((فيها)).
(2) في (ح): ((وتدل)).
(3) سقط من (ي).
(4) سقط من (ح).
(5) في (ب) و(ز) و(م): ((منها)).
(6) قال القاضي: الخصم بضم الخاء وسكون الصاد. وأصله: خُصم القربة وهو طرقها. ولهذا استعاره هنا مع ذكر التفجر كما يتفجر الماء من نواحي القرية.
قال المازري: ومنه قيل للخَصْمين خَصْمان؛ لأن كل واحد منهما يأخذ في ناحية من الدعوى غير ناحية صاحبه. "المعلم" (3/28)، و "الإكمال" (6/156)، و "المشارق" (1/243)، وانظر: "شرح النووي" (12/143).
(7) البخاري (7/457 رقم4189) في المغازي، باب غزوة الحديبية ... .
(8) انظر: "الإكمال" (6/156)، و "المشارق" (2/؟؟؟)، و "شرح النووي" (12/143).
(9) في (أ): ((وعند)).
(10) في (م): ((يدع)).
(11) أي: ولكن يصالحون من أجل أن يفيد المسلمون مما يبذلوا الكفار من مالٍ.
(12) لما فيه من ضيعة الثغور تلك المدة، ولأن يؤخذ من الكفار في الغارة عليهم أكثر مما يؤخذ في الصلح غالبًا. ذكره القاضي في "الإكمال" (6/153)، وانظر: "شرح الأبي" (5/123).
(13) في (ي): ((تجوز)).
(14) في (؟؟؟): ((الأمرِ)).
(15) قوله: ((بعشرة أعوام)) في (ي): ((بعشر سنين)).
(16) تقدم في باب كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام .(1/341)
ومن باب التحصُّنِ وحفرِ الخنادقِ
الأحزابُ: جمعُ حِزْبٍ، وهو (1) الجماعةُ من الناسِ، والجملةُ من الشيءِ. وتحزَّب (2) الناسُ: اجتمعوا. والحزبُ من القرآنِ: جملةٌ مجتمعةٌ منه.
ويومُ الأحزابِ: عبارةٌ عن غزوةِ (3) الأحزابِ، وهي غزوةُ الخندقِ (4) . وكانت في السنةِ الخامسةِ من الهجرةِ في شهرِ شوالٍ، وكان (5) سببُها أنَّ نفرًا من رؤساءِ اليهودِ &(3/508)&$ انطلقوا إلى مكةَ مُؤَلِّبين على رسولِ الله ? ومشجِّعين (6) عليه، فجَمَّعوا الجموعَ، وحزَّبوا الأحزابَ، فاجتمعتْ قريشٌ وقادتُها، وغطفانُ وقادتُها، وفَزَارةُ (7) وقادتُها، وغيرُهم من أخلاطِ الناسِ. وخرجوا بحَدِّهم وجِدِّهم في عَشَرةِ آلافٍ حتى نزلوا (8) المدينةَ، ولما سمع رسولُ الله (9) ? بهم (10) شَاوَر أصحابَه، فأشار سلمانُ (11) - رضي الله عنه - بالخندقِ (12) ، فَحفروا الخندقَ (13) ، وتحصَّنوا به، ثم إنَّ رسولَ الله ? خرج من المدينةِ (14) بمن معه من المسلمينَ في ثلاثِة آلافٍ، فبَرزَ، وأقام على الخندقِ (15) ، وجاءتِ الأحزابُ، ونزلت من الجانبِ الآخرِ، ولم يكن بينهم حربٌ إلا الرميُ بالنبلِ، غيرَ أن فوارسَ (16) من قريشٍ اقتحموا الخندقَ، فخرج عليُّ بن أبي طالب – رضي الله عنه - (17) في فرسانٍ (18) من المسلمين، فأخذوا عليهم الثغرةَ التي اقتحموا منها، فقتل عليٌّ – رضي الله عنه - عمرَو بنَ وُدٍّ مبارزةً، واقتحم الآخرون =(3/643)=@ بخيلِهم الخندقَ منهزمين إلى قومِهم. ونقضتْ قريظةُ ما كان بينها وبينَ رسولِ الله ?، وعاوَنوا الأحزابَ عليه (19) ، واشتدَّ البلاءُ على أصحابِ رسول الله (20) ?؛ إذ جاء عدوُّهم من فوقِهم، ومن أسفلَ منهم، %(1/342)%
__________
(1) في (ب) و(م): ((وهم)).
(2) في (ب): ((وتحزف)).
(3) في (م): ((غزو)).
(4) انظر "الدرر" لابن عبدالبر (1/169)، و"تاريخ الطبري" (2/90). [أشير لها بسهم وكتب (9أم90)؟]
(5) في (م): ((كان)).
(6) في (ز): ((ومنتجعين)).
(7) في (م): ((ونزارة)).
(8) قوله: ((حتى نزلوا)) موضعه في (ح) كلمة واحدة كأنه صوبها إلى ((خرجوا)) أو ((جاءوا)) أو نحوها.
(9) قوله: ((رسول الله)) في (ب) و(م): ((النبي)).
(10) سقط من (ز).
(11) في (ح): ((سليمان)).
(12) انظر "طبقات ابن سعد" (2/66)، و"فتح الباري" (7/392-393).
(13) قوله: ((فحفروا الخندق)) سقط من (ز).
(14) قوله: ((من المدينة)) سقط من (ح).
(15) قوله: ((فبرز وأقام على الخندق)) في (م): ((فبرزوا على الأخندق)).
(16) في (ز): ((الفوارس)).
(17) قوله: ((رضي الله عنه)) في (ز): ((كرم الله وجهه ورضي عنه)).
(18) في (م): ((فارسين)).
(19) سقط من (ي).
(20) قوله: ((رسول الله))) في (ب): ((النبي)).(1/342)
فأقام المسلمون على تلك الحالِ قريبًا من شهرٍ، إلى أن خذَّل الله بين قريشٍ وبين بني (1) قريظةَ على يدَيْ نُعَيْمِ بن مسعودٍ الأشجعيِّ (2) ، فاختلفوا (3) ، وأرسل الله تعالى عليهم ريحًا عاصفةً في ليالٍ شديدةِ البردِ، فجعلتْ تَقْلِبُ أبنيتَهم (4) ، وتُطفئ نيرانَهم، وَتكْفأُ قدُورَهم، حتى أَشْرفوا على الهلاكِ؛ فارتحلوا متفرِّقين في كلِّ وجهٍ، لا يَلْوي أحدٌ على أحدٍ، وكفى الله المؤمنين القتالَ! ثم إنَّ رسول الله ? خرج إلى بني قريظةَ، فحاصَرهم حتى نزلوا على حكمِ سعدِ بن معاذٍ – رضي الله عنه -، كما تقدَّم.
وقولُه: ((فأَنزِلَنْ سكينةً (5) علينا))؛ السَّكينةُ: السُّكون والثَّباتُ، والطُّمأنينةُ.
وقوله: ((إن الأُولى قد بَغَوْا علينا (6) ))؛ كذا صحَّتِ الروايةُ: ((الأولى)) بالقصرِ، فيحتملُ أن يريدَ به مؤنَّثَ (7) ((الأولِ)) (8) ، ويكونَ معناه: إن الجماعةَ السابقةَ بالشرِّ بَغَوْا علينا. ويحتملُ أن تكونَ ((الأُلى)) هي الموصولةَ بمعنى ((الذين))، كما قال (9) أبو ذؤيبٍ (10) : &(3/509)&$
وَيَأْشِبُنِي فيهَا الْأُلَى لَا َيُلوَنَهَا ... وَلَوْ عَلِمُوا لَمْ يَأْشِبُونِي بِبَاطِلِ (11)
=(3/644)=@ وقَالَ ابنُ دريدٍ (12) :
إِنَّ الأولى فَارَفْتُ عَنْ غيْرِ قِلًى ... مَا زَاغَ قَلْبيِ عَنْهُمُ وَلَا هَفَا
%(1/343)%
__________
(1) سقط من (ي).
(2) من قوله: ((قريبًا من شهر ....)) إلى هنا، سقط من (ح).
(3) في (ح) و(ي): ((واختلفوا)).
(4) في (ح): ((أبليتهم)).
(5) قوله: ((فأنزلن سكينة)) في (ز): (فأنزل الله تعالى سكينته)).
(6) قوله: ((قد بغوا علينا)) مثبت من (أ) فقط.
(7) تقرا في (ز): ((مؤنة)).
(8) في (م): ((الأولى)).
(9) ؟؟؟.
(10) قوله: ((أبو ذؤيب)) مثبت من (أ) فقط.
(11) قال ابن منظور في "لسان العرب"(1/215): ((هذا البيت في الصحاح: بباطل، والصحيح: بطائل)).
(12) قوله: ((وقال ابن دريد)) في (ز): ((وقيل ابن دريد)).(1/343)
ويكون خبرُ(( إنَّ)) محذوفًا، تقديرُه: إن الذين بغوا علينا ظالمون. وقيل: إنَّ هذا تصحيف من بعضِ الرواةِ، وإنَّ صوابهَ: ((أُولاءِ)) ممدودةً (1) ، التي لإشارةِ الجماعةِ، وهذا صحيحٌ من جهةِ المعنى والوزنِ. والله تعالى أعلمُ (2) .
وغيرُ خافٍ ما في هذا الحديثِ من الفقِه؛ من جوازِ التحصُّن والاحترازِ من المكروهات، والأخذِ بالحزمِ، والعمل في العاداتِ بمقتضاها، وأن ذلك كلَّه غيرُ قادحٍ في التوكُّلِ ولا مُنْقِصٌ (3) منه (4) ؛ فقد كان النبيُّ ? على كمالِ المعرفةِ بالله تعالى والتوكُّلِ عليه والتسليمِ لأمره، ومع ذلك فلم يَطرَحِ الأسبابَ ولا مقتضَى العاداتِ، على ما يراه جُهّالُ المتزهدِّين أهلُ الدَّعاوى المُمَخْرقين.
وقد يَستِدلُّ بإنشادِ النبيِّ ? وأصحابِه هذه الأسجاعَ وأشباههَا، أهلُ المجونِ والبدعِ من المتصوّفة على إباحة ما أحدثوه من السَّماع المشتملِ على مناكرَ لَا يرَضى بها أهل المروءات، فكيف بأهل الدياناتِْ؟! كالطاراتِ والشباباتْ،ِ واجتماعِ المغاني وأهلِ الفسادِ والشُّبَّانْ، والغناءِ بالألحانْ، والرقصِ بالأكمامْ،ِ وهزِّ (5) الأقدام، كما يفعلُه (6) الفَسَقةُ الْمُجَّانِْ، ومجموعُ ذلك يُعلمُ فسادُه وكونُه معصيةً من ضرورةِ الأديانِْ، فلا يحتاجُ في إبطالِه إلى إقامةِ دليلٍ ولا برهانٍْ. وقد كتبنا في ذلك جزءًا حسنًا سميناه: "كَشْفَ القناعِْ، عن حُكمِ مسائلِ الوجْدِ والسَّماعِ". &(3/510)&$ %(1/344)%
__________
(1) ؟؟؟
(2) وفي بعض روايات هذا الرجز:
إن الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا
خبر ((إن)) الجملة الشرطية: إن أرادوا فتنة أبينا خبر ((إن)) الجملة الشرطية: ((إذا أرادوا)) و((الألي)) بمعنى ((الذين))، وقد وقع في بعض الروايات مصرحًا به:
إن الذين قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا
- يخرج "مشارق" أي في ظهر الورقة السابقة.
(3) في (ب): ((ينقص)).
(4) في (ي): ((له)).
(5) في (ح) و(م) و(ي): ((وضرب)).
(6) في (م): ((تفعله))، ونقطها في (ز) بالياء والتاء معًا.(1/344)
وقولهم (1) :
((نَحْن الذين بايعوا محمدَا ... على الجهاد ما بقينا (2) أبدَا))
تذكيرٌ منهم (3) =(3/645)=@ لأنفسِهم بعهدِ البيعةِ، وتجديدٌ منهم لها، وإخبارٌ منهم له (4) بالوفاءِ بمقتضاها. ولما سمع منهم ذلك (5) ، أجابَهم ببشارةٍ: ((لا عيش إلا عيش الآخره))، وبدعاءٍ: ((فاغفر (6) للأنصار والمهاجره (7) )).
و((المهاجرةُ)) أَجْراها صفةً مؤنثةً على موصوفٍ محذوفٍ؛ فكأنه قال: للجماعةِ المهاجرةِ (8) . الرواية: ((والمهاجرة (9) )) بألفٍ بعدَ الواوِ وقبلَ اللامِ (10) ، وهو غيرُ موزونٍ؛ لأنه سجعٌ، ولا يشترطُ فيه الوزنُ، ولو اشتُرط فإنَّ الله تعالى قال: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له} (11) ، ولو قال: و((للمهاجرة (12) ))بلامينِ، لاتَّزن، إذا نقلَ حركةَ ((الأنصار)) إلى الساكنِ (13) .
وقول الرجل: ((لو أدركتُ رسولَ الله ? قاتلتُ معه فأَبليتُ))؛ أي بالغتُ في ذلكِ واجتهدتُ فيه حتى يظهرَ مني ما يُبتلى؛ أي: ما (14) يُختبرُ. وقد تقدَّم (15) : أن أصلَ هذا اللفظِ: الاختبارُ. وأن فيه لغتين جمعُهما زهيرٌ في قولِه:
فَأَبْلَاهُمَا (16) خَيْرَ الْبَلَاءِ الَّذِي يَبْلُو
%(1/345)%
__________
(1) في (ح) و(ز) و(ي): ((قولهم)).
(2) في (أ): ((يقينا))، وفي (ز): ((بقين)).
(3) سقط من (ي).
(4) في (ي): ((أنه)).
(5) في (ب): ((منهم ذلك))، وفي (أ): ((ذلك منهم))، وفي (ب): ((منهم ذاك)).
(6) في (أ): ((فاغفره)). [شطب في الهامش ولم يشطب من المتن]
(7) في البخاري (2679) أن النبي ? بقوله: ((اللهم إن العيش عيش الآخره، فاغفر للأنصار والمهاجرة)) لما رأى ما بهم من النصب ولجوع، فقالوا مجيبين له:
نحن الذين بايعوا محمدَا ... على الجهاد ما بقينا أبدا
وفيه أيضًا (2801) كما ذكره الشارح هنا، أنهم قالوا ذلك فأجابهم النبي ? وفيه: ((فأكرم الأنصار والمهاجره)) وفي (3584): ((فأصلح...)). وعند مسلم (524، 1805): ((فانصر الأنصار والمهاجره)).
(8) من قوله: ((والمهاجرة أجراها ....)) إلى هنا، سقط من (ح).
(9) سقط من (ز).
(10) قوله: ((وقبل اللام)) سقط من (ح).
(11) سورة يس؛ الآية: 69.
(12) في (ز): ((والمهاجرة)).
(13) يتزن على ما قاله الشارح على بحر الرجز ((مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مُتَفْعِلُن)) على الخرم زيادة سبب خفيف في أدله، وبداية وزن البيت من اللام الثانية في ((اللَّهم )). أما على رواية: (( لا عيش إلا عيش الآخره)) فلا يتنزن. وقوله: ((اللهم إن الخير خير الآخرة)) على الرجز متزن أيضًا لكن فيه .
(14) قوله: ((ما)) سقط من (أ).
(15) في آخر كتاب النبي ? إلى هرقل.
(16) ؟؟؟(1/345)
وقد قيل: إن(( بلا)) في الخيرِ، و(( أبلى)) في الشرِّ (1) .
ولما قال هذا الرجلُ هذا الكلامَ ولم يستثنِ (2) فيه، فهم منه حذيفةُ الجزمَ والقطعَ بأنه كذلك كان يفعلُ، فأنكر =(3/646)=@ ذلك عليه، وأخبره بما يَفهمُ منه أن أصحابَ رسولِ الله ? كانوا أقوى في دينِ الله، وأحرصَ على إظهارِه، وأحبَّ في رسول الله ?، وأشجع؛ منك، ومع ذلك فقد انتهتْ بهم الشدائدُ، والمشاقُّ إلى أن حصل منهم (3) ما ذكره، وإذا كان هذا فغيرُهم بالضعفِ أولى (4) . وحاصله: أن الإنسانَ ينبغي له (5) ألا يتمنى الشدائدَ والامتحانَ؛ فإنه لا يدري كيف يكونُ حالهُ فيها (6) . فإن ابتُلي صبر، وإن عُوفي شكر. &(3/511)&$
وقوله ?: ((مَنْ يأتيني بخبر القوم؟)) يتضمنُ إخبارَه ? بسلامِة المارِّ، ورجوعِه إليه.
وقوله: ((جعله الله معي في الجنة))؛ أي: مصاحبًا لي وملازمًا حَضْرتي. وكلُّ واحدٍ منهما على منزلتِه في الجنِة، ومنزلةُ النبيِّ ? لا يَلْحقُه فيها أحدٌ. %(1/346)%
__________
(1) في (م): ((الشعر))! ويمكن أن تقرأ كذلك في (ب).
(2) في (ح) و(ي): ((يستتر)) وهي غير منقوطة في (ح).
(3) في (ح): ((مني)).
(4) في (ح): ((أولى بالضعف أولى)).
(5) سقط من (ح) و(ي).
(6) في (ي): ((فيهما)).(1/346)
وقوله: ((ولا (1) تَذْعَرْهُم علي))؛ الذُّعْر: الفَزَع؛ أي: لا تُفْزعِهم، فتَهِيجَهم عليَّ. و((يَصْلِي ظهره))؛ أي: يُسخِّنُه بالنار (2) ، ومصدرُه: ((الصِّلاء (3) )) - مكسورًا، ممدودًا - والصَّلى- مفتوحًا، مقصورًا (4) -. =(3/647)=@
وقولُه: ((كأنما أمشي في حَمَّامِ (5) ))؛ أي: لم يُصبه شيءٌ من ذلك البردِ ببركةِ طاعةِ رسولِ الله ?، وهي من كراماتهِ، ألا ترى أنه لما فَرَغَ من ذلك العملِ أخذه البردُ كما كان أولَ مرةٍ؟ !
و(( كَبِدُ (6) القوسِ)): وسَطُها، حيثُ يقبضُ الرامي؛ قال الخليلُ: &(3/512)&$ كَبِدُ كلِّ شيءٍ: وسطه (7) . و((قَرَرْتُ))؛ أي: أصابني القُرُّ (8) ، وهو: البردُ. و((العَباءة))- بفتحِ العينِ والمدِّ -: هي الشَّمْلَةُ (9) ، وهي كِساءٌ يُشْتمَلُ به؛ أي: يُلْتَفُّ فيه. و((نَوْمَانُ)): كثيرُ النومِ؛ نسبه (10) إلى ذلك لأنه نام حتى دخل عليه وقتُ صلاةِ الصبحِ. ولا يُستعملُ إلا في النداءِ خاصةً (11) .
ومن بابِ اقتحامِ الواحدِ على جمعِ (12) العدوِّ
((رَهِقُوهُ))؛ أي: غَشُوه ولَحِقُوه، وهو مكسورُ العينِ (13) ثلاثيًّا، وقد جاء رباعيًّا بمعنًى. ومنه قولهُ تعالى: {ولا ترهقني من أمري عسرًا} (14) . قال ابنُ الأعرابيِّ: رَهِقْتُه، وأَرْهقَتُه (15) : بمعنًى واحدٍ (16) . =(3/648)=@ %(1/347)%
__________
(1) في (ح) و(ي): ((لا)).
(2) في (ح) و(ي): ((بالقار)).
(3) تقرا في (ب): ((المصلا)).
(4) في (أ) و(ح) و(ي): ((مقصور))، ووضع في (أ) فوق ((مفتوحًا)) و((مقصورٌ)) كلمة ((صح)) مؤكِّدًا لضبطها هكذا.
وهذا الضبط يعني أنه مجرد تنبيه على أن مفتوح الصاد مقصور. ومراد الشارح يقتضي الضبط الذي أثبتناه، وهو أن مصدر صَلَى يصلي: تكسر صاده وتفتح، فإذا كسرت مُدَّ، وإ،ذا فُتحت قُصِر، ويوضح ذلك عبارة القاضي في "الإكمال" (6/161) قال: وهو الصلاء ممدود مكسور، وهو الصلى أيضًا مفتوح مقصور.اهـ. قال أبو علي القالي: والصلا ء من النار إذا كسرت الصاد منه مُدَّ وقصر والاختيار المد... وقال أبو بكر (بن الأنباري): قال الأصمعي: لا أعرف كسر الصاد مع القصر؛ إنما القصر مع فتح الصاد "المقصور والممدود" (ص288- 444).
(5) قوله: ((كأنما أمشي في حمام)) في (ح): ((كلماته ألا ترى في حمام))!. وفي (م): ((كلما أمشي في حمام))!.
(6) في (ح): ((وكبدة)).
(7) "العين" (5/333)، وفيه: ((والكبد كبد القوس وهو مقبضها حيث يقع السهم على كبد القوس ، وقوس كبدا: غليظة الكبد.
(8) في (ح) و(ي): ((القرة)).
(9) في (م): ((البغلمة)).
(10) في (م): ((نسبه)).
(11) قوله: ((ولا يستعمل إلا في النداء خاصة)) من (أ) فقط، وزاد موضعه في (ز) فقط: ((والله أعلم)).
وانظر "المحكم" (10/525)، وقال ابن الأثير في "النهاية" (5/129): ((وأكثر ما يستعمل في النداء)). وفي "تهذيب اللغة" (15/373): ((ورجل نومان كثير النوم)).
(12) في (ي): ((جميع)).
(13) ألحق في هامش (ب) بإزائها: ((الهاء)).
(14) سورة الكهف؛ الآية: 73.
(15) في (أ): ((أهقته)).
(16) قال القاضي في "المشارق" (1/301): ولا يستعمل إلا في المكروه. وقال ثابت: كل شيء ودنوت منه فقد رهقته. انظر: "الأفعال" (2/29).(1/347)
وقولُه (1) : ((لصاحبيه (2) ))؛ يعني بهما: القرشييَّنِْ (3) المذكورَيْن في أولِ الحديثِ. وقولُه ?: ((ما أنصفنا أصحابنا))، الروايةُ: ((أَنصفْنا (4) )) بسكونِ الفاءِ. ((أصحابنا)) بفتحِ الباءِ؛ يعني بهم: السبعةَ الذين قُتلوا.
قال عياضٌ: أي: لم نُدِلْهُم (5) القتالَ حتى قُتلوا هم (6) خاصَّةً، وقد رواه بعضُ شيوخِنا (7) : ((ما أنصفَنا أصحابُنا))- بفتحِ الفاءِ (8) ، وضمِّ الباءِ مِن ((أصحابُنا))- وهذا (9) يرجعُ إلى مَنْ فرَّ عنه وتَركه (10) .
و((اِلمجَنُّ)): التُّرْسُ؛ لأنه يُستجَنُّ به؛ أي: ُيستَتُر.
و((الرَّباعية)) بفتح الراء (11) ، وتخفيف الياء (12) ، وهي (13) : كل سنٍّ بعدَ ثَنيَّهٍ، و((هُشمت)): كُسرت. و((سَلَتَ الدمَ عنه)): نَزَعَه (14) بيدِه. =(3/649)=@
وقوله: ((كيف يُفلح (15) قوم شَجُّوا نبيَّهم؟)) هذا منه ? استبعادٌ لتوفيقِ مَنْ فعل ذلك به (16) . وقولُه تعالى: {ليس لك من الأمر شيء} (17) ، تقريبٌ لما استبعدَه، وإطماعٌ في إسلامهِم. ولَمَّا أُطمع في ذلك، قال ? (18) : ((اللَّهُمّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ %(1/348)%
__________
(1) في (ح): ((قوله)).
(2) في (ح) و(ي): ((لصاحبه)).
(3) في (ح): ((القرينين)). وتقرأ في (ي): ((القريتين)).
(4) سقط من (ي).
(5) في (ب): ((يذلهم))، وفي (ح) و(م): ((يدلهم))، وفي مطبوع "الإكمال" (6/163): ((يدلهما))ز وهي غير واضحة في مخطوط "الإكمال". قال النووي: ومعناه ما أنصفت قريش الأنصار؛ لكون القرشيين لم يخرجا للقتال، بل قاتلت الأنصار واحدًا بعد واحدٍ.اهـ.
وقد نقل الأبي معنى كلام القاضي قائلاً: أي: قدمناهم للقتال حتى قتلوا هم خاصة.اهـ. ولعله من ((الإدالة)) و((الإكمال)) أي: لم نتناوب معهم القتال فقاتلوا وحدهم حتى قتلوا.
قال الأبيُّ: هو ? غير داخل في نفي الإنصاف، وإنما خلط نفسه في ذلك على سبيل التنزل والإيناس للقرشيين ثم إن الأظهر أعدم إنصافهما إنما هو لترك مندوب؛ لأنه ? لا يجب عليه أن يدفع عن نفسه، إلا إذا لم يكن معه أحد، وأما إن كان معه أحد فالدفع إنما يجب على من معه، ثم الدفع إنما هو فرض كفاية وقد قام به السبعة فهو في حق القرشيين مندوب.اهـ.
انظر: "شرح النووي" (15/147- 148)، و "مشارق الأنوار" (3/16، 357)، و "شرح الأبي" (5/132).
(6) قوله: ((قتلواهم)) في (ز) ومطبوع "الإكمال" (6/163) ((قتلوهم)) والمثبت من باقي النسخ... و؟؟؟ "الإكمال".
(7) في (ح): ((بعض الناس شيوخنا)). [شطب هذا الهامش وبقى في المتن]
(8) في (ز): ((الحاء)).
(9) في (ب) و(م): ((وهو)).
(10) وقال القاضي عياض في "المشارق" (2/357): والصواب الرواية الأولى، ومساق الخبر يدل على ترجيح هذه الرواية.
(11) في (ب) و(م): ((الباء)).
(12) في (ح) و(ز): ((الباء)).
(13) في (أ) و(ب): ((هي)).
(14) سقط من (ز).
(15) في (م): ((تفلح)).
(16) قوله: ((به)) سقط من (ح).
(17) سورة آل عمران؛ الآية: 128.
(18) من قوله: ((استبعاد لتوفيق...)) إلى هنا، سقط من (ي).(1/348)
لَا يَعْلَمُونَ)) (1) . وإذا تأمَّل الفَطِنُ هذا الدعاءَ في مثلِ تلك الحالِ، علم معنَى قولهُ تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} (2) ؛ فإنه ? لم يَدْعُ عليهم فينتصرَ، ولم &(3/513)&$ يقتصرْ على العفوِ حتى دعا لهم، ولم يقتصرْ على الدعاءِ لهم حتى أضافَهم لنفسِه على جهةِ الشفقةِ، ولم يقتصرْ على ذلك حتى جعل لهم جهلَهم بحالِه كالعذرِ، وإن لم يكن عذرًا. وهذا (3) غايةُ الفضلِ والكرمِ التي لا يُشارَكُ فيها (4) ولا يوصلُ إليها (5) . =(3/650)=@
وقوله: ((اشتدَّ غضبُ الله على قومٍ كَسروا رَبَاعِيَةَ نبيِّهم))؛ يعني (6) بذلك المباشرَ لكسرِها ولشجِّه، وهو: عَمْرو بن قَمِئَة؛ فإنه لم يُسلمْ، ومات كافرًا (7) . فهذا (8) عمومٌ والمراد به (9) الخصوصُ، وإلا فقد أسلم جماعةٌ ممن شَهِد أحُدًا كافرًا (10) ، ثم أسلموا وَحَسُنَ إِسلامُهم.
قوله: ((اشتدَّ غضبُ الله على رجلٍ قتله رسولُ الله ?))؛ خصوصٌ، والمراد به العمومُ في كلِّ كافرٍ قتله نبيٌّ من الأنبياءِ على الكفرِ؛ فيستوى في هذا الأنبياءُ كلُّهم. وقد جاء هذا نصًّا فيما ذكره البزَّارُ (11) عن ابنِ مسعودٍ %(1/349)%
__________
(1) أخرجه الفسوي في "تاريخه" (1/؟؟؟)، وابن حبان (3/254 رقم973/الإحسان)، والطبراني في "الكبير" (6/120 رقم5694)؛ جميعهم من طريق إبراهيم بن المنذر، عن محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن الزهري، عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد: ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)). قال الهيثمي في "المجمع"(6/170): ((رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح)).
وفي سنده: محمد بن فليح بن سليمان؛ قال ابن معين: ((فليح بن سليمان، ليس بثقة، ولا ابنه)). وقال أبو حاتم: ((ما به بأس، ليس بذاك القوي)). وقال العقيلي: ((مدني، لا يتابع في بعض حديثه)). ووثقه الدارقطني. "تهذيب الكمال" (26/ 299-301 رقم5549) مع حاشيته. وفي "التقريب" (ص889 رقم6268): ((صدوق يهم)). وأحاديثه عند البخاري متابعةٌ أكثرها. انظر "هدي الساري" (ص442).
(2) سورة القلم؛ الآية: 4.
(3) في (ب) و(م): ((وهذه)).
(4) في (ز): ((فيهما)).
(5) في (ز): ((إليهما)).
(6) في (ح): ((تعني)).
(7) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/130-131 و131 رقم7596 و7597) من طريق حفص بن عمر بن ميمون، عن ثور بن يزيد، عن مكحول وراشد بن سعد، عن أبي أمامة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رماه عبد الله بن قمئة بحجر يوم أحد فشجه في وجهه وكسر رباعيته، وقال: خذها وأنا ابن قمئة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يمسح الدم عن وجهه: ((ما لك أقمأك الله!))، فسلط الله عليه تيس جبل، فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة.
قال الهيثمي في "المجمع" (6/169): ((رواه الطبراني، وفيه حفص بن عمر العدني، وهو ضعيف)).
وحفص هذا كذبه أبو حاتم؛ في "الجرح والتعديل" (3/183 رقم789).
قال الحافظ في "الفتح" (7/366): ((وأخرج ابن عائذ في "المغازي" عن الوليد بن مسلم، حدثني عبدالرحمن بن يزيد، عن جابر، فذكر نحوه منقطعًا)).اهـ.
وقيل: إن الذي كسر رباعيته - صلى الله عليه وسلم - السفلى، وجرح شفته السفلى: عتبة بن أبي وقاص. وأن الذي شجه في جبهته: عبدالله بن شهاب الزهري، وأن ابن قمئة جرح وجنته ? فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته ?. انظر "سيرة بن هشام (2/79-80 و86).
(8) في (ح) و(ي): ((وهذا)).
(9) قوله: ((والمراد به)) في (ح): ((والرواية))!.
(10) في (م): ((كفارًا)).
(11) أخرجه أحمد (1/407)، والبزار (2/238 رقم1603/كشف). كلاهما من طريق عبد الصمد بن عبدالوارث، عن أبان بن يزيد، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله: أن رسول الله ? قال: ((أشد الناس عذابًا يوم القيامة رجل قتل نبيًّا، أو قتله نبي، وإمام ضلالة)).
قال الألباني في"الصحيحة" (1/569 رقم281): ((هذا إسناد جيد)). وصححه المناوي في "فيض القدير" (1/517)، ونقل عن العراقي أنه قال: ((إسناده صحيح)).(1/349)
مرفوعًا: ((أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ رَجُلٌ قَتَلَ نَبِيًّا، أَوْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ، أَوْ إِمَامُ ضَلَالَةٍ)).
وقولُ عبدِالله: ((كأني أنظرُ إلى رسولِ الله ? يَحكي نبيًّا من الأنبياءِ...)) إلى آخره النبيُّ ? هو الحاكي، وهو المحكيُّ عنه، وكأنه أوحي إليه بذلك قبلَ وُقوعِ قضيةِ (1) يومِ أحدٍ، ولم يُعيَّنْ له (2) ذلك النبيُّ، فلما وقع ذلك له (3) تَعَيَّنَ أنه هو (4) المعنيُّ بذلك والله أعلم (5) . =(3/651)=@ &(3/514)&$
ومن بابِ ما لقي النبيُّ ? من أذى المشركين
الجَزورُ من الإبلِ: ما يُجزر؛ أي: يُقطع. والجَزرة من الشاءِ، و((سلاها)) مقصورًا (6) ، مفتوحَ السينِ (7) : هي الجلدةُ التي يكونُ فيها الولدُ، كاللِّفافِة؛ يقال لها من سائرِ البهائمِ: سَلًى، ومن بني آدمَ: المَشِيمةُ. %(1/350)%
__________
(1) في (ح): ((قصة)).
(2) سقط من (ي).
(3) سقط من (ب) و(م).
(4) سقط من (ب) و(م).
(5) قوله: ((والله أعلم)) زيادة من (ز) فقط.
قال الحافظ في "الفتح" (6/521): ((وأغرب القرطبي فقال: [أشر بسهم إلى جانب الورقة هنا ثم كتب نقل كلام الشارح هنا ثم قال]: ((ويعكر عليه أن الترجمة لبني إسرائيل [أي: البخاري، وهي قوله: ؟؟؟]، فيتعين الحمل على بعض أنبيائهم))، ثم قال: ((وجدت في "مسند أحمد" من طريق عاصم، عن أبي وائل، ما يمنع تأويل القرطبي، ويعين الغزوة التي قال فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، ولفظه: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائم حنين بالجعرانة، قال: فازدحموا عليه، فقال: ((إن عبدًا من عباد الله بعثه الله إلى قومه، فكذبوه وشجوه، فجعل يمسح الدم عن جبينه ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. قال عبدالله: فكأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح جبهته يحكي الرجل)). قال الحافظ: ولا يلزم من هذا الذي قاله عبدالله أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح أيضًا، بل الظاهر أنه حكى صفة مسح جبهته خاصة كما مسحها ذلك النبي، وظهر فساد ما زعمه القرطبي)).اهـ.
(6) في (ح) و(ي): ((مقصور)).
(7) في (ح) و(ي): ((العين)).(1/350)
وقوله: ((فاسُتْضحكوا)) بضمِّ التاء (1) ، وكسرِ الحاءِ (2) ؛ مبنيًّا لما لم يسمَّ فاعلُه؛ أي: أُضْحكوا (3) ، ومال بعضُهم على بعضٍ مبالغةً في الضحكِ والاستهزاءِ. و((منْعة)) بسكونِ النونِ؛ أي: مَنْعٌ وقوةٌ (4) ؛ وإنما قال ابنُ مسعودٍ – رضي الله عنه - ذلك؛ لأنه لم تكن (5) له عشيرةٌ فيهم؛ لأنه من هُذيلٍ، فلم (6) يكن له قومٌ يمتنِعُ بهم، ولا يمنعُ غيرَه. وقد رُوي: ((ومنَعةٌ)) بالفتحِ: جمعَ مانعٍ، كـ((كاتبٍ)) وكتبةٍ (7) .
واستمرارُ النبيِّ ? على سجودِه والنجاسةُ عليه، يدلُّ لمن قال: إن إزالةَ النجاسةِ ليستْ بواجبةٍ؛ وهو =(3/652)=@ قول أشهبَ من أصحابِنا، كما تقدَّم في الطهارةِ. على أن بعضَ علمائنا قال: إن السَّلى لم تكن (8) فيه (9) نجاسةٌ محقَّقةٌ. ومنهم من قال بموجَبِه، ففرَّق بين ابتداءِ الصلاةِ بالنجاسةِ (10) ؛ فقال (11) : لا يجوزُ، وبينَ طُروئها على المصلِّي في نفسِ الصلاةِ فقال: يَطْرحُها (12) عنه وتصحُّ صلاته (13) ، إذا (14) لم يمكنْ طرحُها؛ بناءً على أن إزالتَها واجبةٌ.
وإقبالُ فاطمةَ – رضي الله عنها - على أشرافِ قريشٍ وكبرائِهم تَسبُّهم وتَلعنُهم دليلٌ على قوةِ نفسِها من صِغَرِها، وعلى عزتِها وشرفِها في قومِها. &(3/515)&$ %(1/351)%
__________
(1) في (ي): ((الياء)).
(2) في (م): ((الخاء)).
(3) في (أ): ((ضحكوا)).
(4) في (ز): ((وقوعه)).
(5) في (ح) و(م) و(ي): ((يكن)).
(6) في (ب) (م): ((ولم)).
(7) قوله: ((بالفتح جمع مانع ككاتب وكتبة)) ليس في (ي) وجاء بدلاً منه: ((بسكون النون أي: منع وقوة)) مكرر مما سبق!.
(8) في (م): ((يكن)).
(9) في (ح): ((فيها)).
(10) في (ي): ((النجاسة)).
(11) في (ب) و(م): ((وقال)).
(12) في (ب) و(م): ((يطردها)).
(13) قوله: ((فقال يطرحها عنه وتصح صلاته)) ألحق في حاشية (أ) ولم يتضح في التصوير.
(14) في (ي): ((إذ)).(1/351)
وخوفُهم من دعوةِ النبيِّ ? دليلٌ على علمِهم بفضلِه وبصحةِ حاله، ومكانتِه عندَ الله تعالى، وأنه (1) من الله تعالى بحيثُ يُجيبهُ إذا دعاه، ولكن لم ينتفعوا بذلك؛ للحسدِ والشقوةِ الغالبةِ عليهم.
ووقع هنا في أصلِ "كتابِ مسلمٍ": ((الوليدُ بن عقبة)) عندَ جميعِ رواتِه (2) ، وصوابهُ: ((الوليد بن عتبة)) كما قال في الرواية الأخرى.
وقول أبي إسحاق: ((لم أحفظِ السابعَ)) ذكر البخاريُّ (3) : أنه عُمارةُ بن الوليدِ، وكذلك (4) ذكره البرقانيُّ.
وقولُ ابنِ مسعودٍ – رضي الله عنه -: ((لقد رأيتُ الذين (5) سَمَّى صرعى يوم بدر))؛ يعني به: أكثرَهم، وإلا فعمارةُ بنُ الوليدِ ذكر أهلُ السِّيرِ (6) أنه هلك في أرضِ الحبشةِ حين =(3/653)=@ اتَّهمه النجاشِي فنفخ في إحليلهِ سِحْرًا، فهام على وجهِه في البِّرَّيةِ فهلك. ويدلُّ على ذلك أيضًا: أن عقبةَ بنَ أبي معيطٍ لم يقتلْ ببدرٍ، بل حُمل منها أسيرًا حتى (7) قتله النبيُّ ? بعرق (8) الظبيةِ صَبْرًا (9) .
و(( القليبُ)): البئرُ غيرُ المطويةِ. &(3/516)&$ وإجابة الله تعالى لنبيِّه ? في مثلِ هذا الدعاءِ من أدلةِ نبوَّتهِ، وصحِتها.
و((سُحِبوا)): جُرُّوا (10) على وُجوهِهم. و((يومُ العقبة)): هو اليومُ الذي لقيَ فيه ابنَ عبدِ ياليل بنِ عبدِ كلالٍ في آخرين، فكذَّبوه وسبُّوه، واستهزؤوا به، فرجع عنهم، فلقيه سفهاءُ قريشٍ، فرمَوْه بالحجارةِ حتى أَدْمَوْا رِجْليهِ، وآذوْهُ أذًى كثيرًا (11) . %(1/352)%
__________
(1) في (م): ((آية)).
(2) في (ح) و(ي): ((الرواة)).
(3) (1/594 رقم520) في الصلاة، باب المرأة تطرح عن المصلي شيئًا من الأذى .
(4) في (ز): ((وكذا)).
(5) في (ح) و(ي): ((الذي)).
(6) "سيرة ابن إسحاق" (2/148).
(7) في (ز): ((حين)).
(8) في (ح) و(ي): ((بعرف)).
(9) أخرجه البيهقي (9/64) من طريق الشافعي، أنبأ عدد من أهل العلم من قريش وغيرهم من أهل العلم بالمغازي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسر النضر بن الحارث العبدي يوم بدر وقتله بالبادية أو الأثيل صبرًا، وأسر عقبة بن أبي معيط فقتله صبرًا .
قال الألباني في "الإرواء" (5/39): ((وهذا مفصل كما ترى)).اهـ
لكن أخرج أبو داود (3/135-136 رقم2686) في الجهاد، باب قتل الأسير صبرًا .
والبيهقي (9/65) كلاهما من طريق عبد الله بن جعفر، عن عبيدالله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن إبراهيم قال: لما أراد الضحاك بن قيس أن يستعمل مسروقًا، فقال له عمارة بن عقبة: أتستعمل رجلاً من بقايا قتلة عثمان – رضي الله عنه -؟ فقال له مسروق: حدثنا عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه - وكان في أنفسنا موثوق الحديث -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أراد قتل أبيك قال: ((من للصبية؟)) قال: ((النار))، قد رضيت لك ما رضي لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال الألباني في "الإرواء" (5/40): ((وهذا إسناد جيد، ورجاله ثقات كلهم رجال الشيخين)).اهـ
(10) في (ز): ((أي: جروا)).
(11) من قوله: ((هو اليوم...)) إلى هنا، مطموس في (أ).(1/352)
وقولُه: ((ولم (1) أستفقْ))؛ أي: لم أفُق - مما كان غَشِيَه من الهمِّ (2) - إلا بـ((قَرْنِ الثعالبِ))؛ أي: لم يشعرْ بطريقهِ إلا وهو في هذا الموضع، وهو قريبٌ من ((قَرْنِ المنازلِ))، الذي هو ميقاتُ أهلِ العراقِ، وهو على يومٍ من مكةَ.
و((الأخشبان)): جبلا (3) مكةَ. و((أُطْبِق))؛ أي: أجعلُهما عليهم كالطبقِ. وإذا تأملتَ هذا الحديثَ انكشف لك من حالِه ? معنى قولِه تعالى (4) : {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (5) !. =(3/654)=@
وقوله ?: ((هل أنتِ إلا إصبعٌ دميتِ، وفي سبيل الله ما لقيت)). &(3/517)&$ %(1/353)%
__________
(1) في (ح) و(ي): ((لم)).
(2) قوله: ((أي لم أفق مما كان غشيه من الهم)) سقط من (ح).
(3) في (م): ((جبل)).
(4) قوله: ((قوله تعالى)) سقط من (أ) و(ز).
(5) سورة الأنبياء؛ الآية: 107.(1/353)
هذا البيتُ أنشده النبيُّ ? وهو لغيرِه؛ قيل: إنه للوليدِ بن المغيرةِ، وقيل: لعبدِالله (1) بنِ رواحةَ. ولو كان من قولِه فقد تقدَّم العذرُ عنه في غزوةِ حنينٍ.
وقوله: ((كان النبيُّ ? في غارٍ فنُكبت إصبعه))؛ أي: أصابتْها نَكبةٌ دَمِيَتْ لأجلِها. وفي الروايةِ الأخرى: أنه كان في بعضِ المشاهدِ (2) . وفي البخاريِّ (3) : فبينا (4) النبيُّ ? يمشي إذ أصابه حجرٌ، فقال البيتَ المذكورَ (5) . ظاهرُ هاتين (6) الروايتين =(3/655)=@ مختلفٌ، وأنهما قضيتان، ولكنَّ العلماءَ حملوا الروايتينِ على أنهما قضيةٌ واحدةٌ. فقال القاضي أبو الوليدِ: لعلَّ قولَه: ((في غار)) مصحَّفٌ من (7) ((غزوٍ)).
وقال (8) القاضي عياضٌ: قد يرادُ بالغارِ هنا: الجيشُ والجمعُ، لا واحدُ ((الغِيران)) (9) التي هي (10) الكهوفُ؛ فيتوافق (11) قولُه: ((في بعضِ المشاهدِ)). وقوله: ((يمشي)). ولا يُعدُّ (12) ذلك وهمًا.
قلت (13) : وهذا ليس بشيءٍ؛ إذ الغارُ ليس من أسماءِ الجيشِ (14) .
ومن بابِ دعاءِ النبيِّ ? إلى الله تعالى
((الإكافُ)) للدابةِ: كـ((الرحلِ)) للبعيرِ، و((السَّرْجِ)) للفرسِ. و((القطيفةُ)): كساءٌ غليظٌ. و((فَدَكِية)) منسوبةٌ إلى ((فَدَكَ))؛ لأنها تُعملُ فيها. و((عَجَاجة الدابة)): ما ارتفع =(3/656)=@ &(3/518)&$ من غبارِها. و(( العَجَاج)): الغبارُ المتطايرُ المتراكبُ.
و((خَمَّر %(1/354)%
__________
(1) في (أ): ((لزيد)).
(2) من قوله: ((وفي الرواية الأخرى ....)) إلى هنا، سقط من (أ).
(3) (10/537 رقم6146) في الأدب، باب ما يجوز من الشعر، والرجز والحداء، وما يكره منه .
(4) في (أ): ((بينا)).
(5) في (م): ((المذكور)).
(6) من هنا حتى أول باب غزوة ذي قرد، توجد كلما وعبارات واضحة في (ز)، ولعله بسبب التصوير للنسخة.
(7) في (م): ((بن)).
(8) في (أ): ((قال)).
(9) في (أ): ((غيران))، وفي (ح) و(ي): ((للغيران)).
(10) في (ح): ((هو)).
(11) في (ب) و(ح): ((فيوافق)).
(12) قوله: ((يمشي ولا يعد)) في (م): ((نمشي ولا نعد)).
(13) في (ب) و(م): ((قال الشيخ))، وفي (ز): ((قال الشيخ رضي الله عنه)).
(14) من قوله: ((قلت...)) إلى هنا، سقط من (أ).(1/354)
أنفه))؛ أي: غطَّاه. و((أن يتواثبوا))؛ أي: يثبَ بعضُهم إلى بعضٍ مناولةً، ومقاتلةً (1) ؛ من: الوَثْبِ. و((يخفضهم)): يسكنُهم (2) ، ويسهل أمرَهم. و((البُحَيرة (3) )): صحيحُ الروايةِ فيه بضمِّ الباءِ مصغرةً، وقد رُوي في غير "كتاب مسلم" (4) : ((البَحِيرة (5) )) بفتحِ (6) الباءِ وكسرِ الحاءِ. وقيل: هما بمعنًى واحدٍ، وأراد به هنا: المدينةَ، والبحارُ: القُرى؛ قال الشاعر (7) :
وَلَنَا الْبَدْوُ كُلُّهُ وَالْبِحَارُ
و((يُتوِّجوه))؛ أي: يُعمموه بعمامةِ الملوكِ (8) ، فإن العمائمَ تيجانُ العربِ (9) . و((يُعصِّبوه بِعصابةِ الملوكِ (10) ))، كما جاء في روايةِ ابنِ إسحاقَ: ((لقد جاءنا اللهُ بك وإنا لنَنْظِمُ (11) له (12) الخَرزَ (13) ؛ ليتوِّجوه)) (14) . فكأنهم كانوا ينظمون لملوكِهم عصابةً فيها خَرزٌ، فُيُعمِّمونه (15) بها؛ تشريفًا وتعظيمًا. وهذا أولى من قولِ من قال: أن ((يعصبونه (16) )) بمعنى: ((يملِّكونه)) ويعصبون به أمورهم؛ لأن ذلك كله يبعده (17) قولهم: أن يعصبوه بالعصابة (18) .
و((شرق)): اختنق. يقال: شرق بالماء، وغص باللقمة، وشجي بالعظم، وجرض بالريق عند الموت. وأنشدوا على ((شرق)) (19) : =(3/657)=@ &(3/519)&$ %(1/355)%
__________
(1) في (ز): ((ومقابلة)).
(2) في (ح): ((يسكتهم)).
(3) في (م): ((والبحيرة)).
(4) ورد في "البخاري": ((البحرة)) نسخة ابن حجر. انظر "الفتح" (8/232)، ولم يذكر غيرها وغير (( البُحيرة)) بالتصغير. وكذلك "مقدمة فتح الباري" (ص85).
(5) من قوله: (( فيه بضم الباء مصغرة ....)) إلى هنا، سقط من (ح).
(6) في (م): ((بكسر)).
(7) ....
(8) في (ح): ((الملك)).
(9) ورد في ذلك عدة أحاديث، ولا يصح منها شيء. انظر "فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب" (1/69-72 رقم46).
(10) من قوله: ((فإن العمائم تيجان...)) إلى هنا، سقط من (ح).
(11) في (ح) و(ي): ((لنظم)).
(12) سقط من (م).
(13) أخرجه ابن إسحاق في "سيرة ابن هشام" (3/131) قال: وحدثني الزهري، عن عروة، عن أسامة به، في قصة. وإسناده صحيح .
(14) قوله: ((ليتوجوه)) سقط من (أ).
(15) في (أ): ((يعممونه)).
(16) في (ح) و(ز): ((يعصبوه)).
(17) في (ب) و(م): ((بعده)).
(18) في (ح) (أ): ((العصابة)).
(19) ...(1/355)
لَوْ بِغَيْرِ المَاءِ حَلْقِي شَرِقٌ ... كَنْتُ كَالْغَصَّانِ بِالمَاءِ اعْتِصَارِي
وفي هذا الحديثِ من الفقهِ: جوازُ الابتداءِ بالسلامِ على مسلمين وكفارٍ في مجلسٍ واحدٍ، وينَبغي أن ينويَ المسلمين.
وفيه: الاستراحةُ ببثِّ الشكوى للصاحبِ، ولمن يُتسلَّى بحديثهِ، ويُنتفعُ برأيِه. و((الأرضُ السَّبِخةُ)): التي لا تُنبت (1) شيئًا لِملْحٍ أرضِها. والطائفةُ التي غضبتْ لعبدِالله كان منها منافقون على رأي عبدالله، ومنها مؤمنون حملَهم على ذلك بقيةُ حَمَّيةِ الجاهليةِ ونزغةُ الشيطانِ، لكن لطف الله تعالى بهم (2) ، حيث أبقى (3) عليهم اسم المؤمنين بقولِه تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} (4) ، ليراجعوا بصائرهم، ويطهِّروا ضمائرَهم. =(3/658)=@ %(1/356)%
__________
(1) في (ي): ((ينبت)).
(2) في (ح) و(ي): ((لكن الله تعالى لطف بهم)).
(3) في (ز): ((بقى)).
(4) سورة الحجرات؛ الآية: 9.(1/356)
وقول سعدٍ للنبيِّ ? ما قال في عبدالله، إنما كان على جهة الاستلطافِ والاستمالةِ؛ ليستخرجَ منه ما كان في خُلُقِه الكريمِ من العفوِ والصفحِ عن الجُهَّالِ، فلا جرمَ عفا حتَّى تم له ما أراد، وصفا (1) وصبرَ حتى ظفر، ? تسليمًا كثيرًا (2) إلى يومِ الدينِ (3) . والله أعلم (4) . &(3/520)&$
ومن بابِ جوازِ إعمالِ الحيلةِ في قتلِ الكفارِ
قوله: ((مَنْ لِكعبِ بنِ الأشرفِ))؛ كعب (5) هذا رجلٌ من بني نبهان من طيِّىءٍ، وأمُّه من بني النضيرِ (6) ، وكان شاعرًا، وكان قد عاهده النبيُّ ? ألا يعينَ عليه، =(3/659)=@ ولا يتعرضَ لأذاه، ولا لأذى (7) المسلمين، فنقض العهدَ، وانطلق إلى مكةَ إِثْر وقعةِ بدرٍ، فجعل يَبْكي مَنْ قُتل مِن الكفارِ، ويحرضُ على رسولِ الله ?، وهو الذي أغَرى قريشًا وغيرَهم حتى اجتمعوا لغزوةِ أحدٍ، ثم إنه رجع إلى بلدِه، فجعل يَهجو رسول الله ?، ويؤذيه والمسلمين. فحينئذٍ قال رسولُ الله ?: ((مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرِفِ، فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ))، فأغرى بقتلِه، ونبَّه على علةِ ذلك، وأنه مستحِقٌّ للقتلِ، ولا %(1/357)%
__________
(1) قوله: ((وصفا)) سقط من (ب) و(م).
(2) قوله: ((? تسليمًا كثيرا)) من (ح) و(ي) فقط.
(3) قوله: ((إلى يوم الدين)) من (ح) فقط.
(4) قوله: ((والله أعلم)) من (ز) فقط.
(5) سقط من (ي).
(6) في (ح) و(ي): ((النظير)).
(7) في (ح): ((أذى)).(1/357)
يَظُنُّ أحدٌ: أنه قُتل غَدْرًا، فمن قال ذلك قُتل (1) ، كما فعله عليُّ بنُ أبي طالبٍ – رضي الله عنه -؛ وذلك أنَّ رجلاً قال ذلك في مجلسِه، فأمر عليٌّ – رضي الله عنه - بضرب عنقهِ، وقاله آخرُ: في مجلسِ معاويةَ، فأنكر ذلك محمدُ بن مسلمةَ، وأنكر على معاويةَ سكوتَه، وحلف ألا يظلَّه وإيَّاه سقفٌ أبدًا (2) ، ولا يخلوَ بقائلِها إلا قتلَه (3) . &(3/521)&$
قلتُ (4) : ويظهر ُلي أنه يقتلُ ولا يستتابِ؛ لأن ذلك زندقةٌ إن نَسب الغدر َللنبيِّ ?. فأما لو نسبه (5) للمباشِرين لقتلِه؛ بحيثُ يقولُ: إنهم أَمَّنوه، ثم غَدَروه. لكانت هذه النسبةُ كذبًا محضًا؛ لأنه (6) ليس في كلامِهم معه ما يدلُّ على أنهم أَمَّنوه، ولا صَرَّحوا له بذلك، ولو فعلوا ذلك لما كان أمانًا؛ لأن النبيَّ ? إنما وجههم لقتِله (7) لا لتأمينِه (8) ، ولا يجارُ على الله ولا على رسولِه. ولو كان ذلك لأدَّى إلى إسقاطِ (9) الحدودِ، وذلك لا يجوزُ بالإجماعِ.
وعلى هذا فيكونُ في قتلِ مَنْ نَسب ذلك لهم (10) نظرٌ وتردُّدٌ. وسببهُ: هل يلزمُ من نسبةِ الغدرِ لهم نسبتهُ للنبيِّ ?؛ لأنه قد صوَّب فعلهم ورضِيَ به، فيلزم منه (11) : أنه قد رَضي بالغدرِ (12) ، ومن صرَّح بذلك قُتل،، أو لا (13) يلزمُ ذلك لأنه لم يُصرِّحْ به؛ وإنما هو لازمٌ على قولِه، ولعلَّه لو تنبَّه لذلك الإلزام (14) لم يصرِّحْ بنسبةِ الغدرِ إليهم، ويكونُ هذا من بابِ التكفيرِ بالمآلِ (15) ، وقد اختلف فيه.
والصحيحُ: أنه لا يُكَّفُرُ بالمآلِ (16) ، ولا بما يلزمُ علىِ المذاهبِ، إلا إذا صُرِّح بالقولِ اللازمِ. وإذا قلنا: إنه لا يقتلُ فإنه لا بدَّ من تنكيلِ ذلك (17) القائلِ، وعقوبتِه بالسجنِ، والضربِ الشديدِ والإهانة العظيمةِ. =(3/660)=@ %(1/358)%
__________
(1) في (ح) و(ي): ((يقتل)).
(2) في (ح) و(ي): ((ألا يظله سقفه أبدًا)).
(3) أخرجه ابن وهب في "جامعه" ومن طريقه أخرجه الخطابي في "أعلام الحديث"، ومن طريقه القزويني في "أخبار قزوين" (3/48) عن ابن عيينة، عن عمر بن سعيد الثوري، عن أبيه، عن عباية قال: ذكر قتل كعب الأشرف عند معاوية فقال ابن يامين كان قتله غدرًا، فقال محمد بن مسلمة: يا معاوية! أيُغدَّر عندك رسول الله ? ثمَّ لا تنكر؟! والله! لا يظلني وإيَّاك سقف بيت، ولا يخلو لي دم هذا إلا قتله.
(4) في (ب) و(ز): ((قال الشيخ))، وفي (م): ((وقال الشيخ)).
(5) في (أ): ((فأما إن نسبة)).
(6) سقط من (أ).
(7) في (ز): ((لقتاله)).
(8) في (أ): ((لتأمنه)).
(9) في (ب) و(ح) و(ز) و(ي): ((لإسقاط)).
(10) في (ح) و(ي): ((إليهم)).
(11) قوله: ((منه)) سقط من (أ).
(12) في (ح) و(ي): ((بالكفر)).
(13) في قوله: ((أو لا)) في (أ): ((ولا)).
(14) قوله: ((لذلك الإلزام)) في (ز): ((على ذلك الإلزام)).
(15) قوله: (( التكفير بالمآل)) في (أ): ((التكفير))، وفي (ح): ((التكثر بالبال))، وفي (ي): ((التكفير بالبال)).
(16) في (ي): ((بالبال)).
(17) قوله: ((ذلك)) سقط من (ح).(1/358)
وقوله: ((إن هذا الرجلَ قد أراد صدقةً، وقد عَنَّانا))؛ هذا الكلامُ ليس فيه تصريحٌ بأمانٍ (1) ، بل هو كلامٌ ظهر لكعبِ (2) منه: أن محمدَ بن مسلمةَ ليس محقّقًا، ولا مُخْلِصًا في اتباع النبي ? ولا في الكون معه، ولذلك أجابه بقوله: وأيضًا (3) والله لتمَلُّنَّه. وكلامُ محمدٍ من بابِ المعاريضِ، وليس فيه من الكذبِ ولا من الباطلِ شيءٌ، بل هو كلامُ حقٍّ، فإن محمدًا ? رجل (4) ، لكن أيُّ رجلٍ! وقد أراد صدقةً من أمته، وأوجبها (5) عليهم، وقد عنَّاهم بالتكاليفِ (6) ، أي: أتعبهم (7) ، لكن تعبًا (8) حصل لهم به خيرُ الدنيا (9) والآخرِة. وإذا تأملتَ كلامَ محمدٍ هذا؛ علمتَ أن محمدَ بن مسلمةَ من أقدرِ الناسِ على البلاغةِ، واستعمالِ المعاريضِ (10) ، وعلى إعمالِ الحيلةِ، وأنه من أكملِ الناسِ عقلاً ورأيًا. &(3/522)&$
وقوله: ((يُسَبُّ ابنُ أحدِنا)) من السَّبِّ، وهو الصوابُ، وصحيحُ الرواية، وقد قيده الطبري: ((يَشِبُّ)) من الشبابِ، بالشينِ المعجمةِ، وهو تصحيفٌ. وإنما عيَّن السلاحَ للرَّهْنِ؛ لئلا ينكرَها إذا جاؤوا بها.
وقولُ امرأةِ كعبٍ: ((إني (11) لأسمعُ صوتًا كأنه صوتُ دم))؛ أي: صوتُ طالب =(3/661)=@ دمٍ. كانت هذه المرأةُ من شياطينِ الإنسِ، أو تكلَّم (12) على لسانِها %(1/359)%
__________
(1) في (أ): ((لأمان)).
(2) بعده في (ي): ((بن الأشرف)).
(3) قوله: ((وأيضًا)) سقط من (ح) و(ي).
(4) في (ز): ((رجلا)).
(5) في (ب) و(م): ((أوجبها)).
(6) في (أ) و(ب) و(م): ((بالتكليف)).
(7) في (م): ((أتعنهم)).
(8) في (م): ((تعنا)).
(9) في (ب): ((الدنا)).
(10) في (م): ((المعارض)).
(11) قوله: ((إني)) سقط من (ح).
(12) في (ز): ((يكلم)).(1/359)
شيطانٌ؛ كما قال تعالى: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم} (1) ، وإلا فَمِنْ أين أدركتْ هذا؟! بل هذا من نوعِ ما وقع للزَّبّاءِ في قصتِها مع قصِيرٍ (2) ، حين جاءها (3) بالصَّناديقِ فيها الرِّجالُ، وأَوْهمها (4) أن فيها تجارةً، فلما رأتها أنشدتْ (5) : ...
مَا لِلْجِمَالِ مَشْيُهَا وَئِيدَا (6) ؟! ... أَجَنْدَلاً يَحْمِلْنَ أَمْ حَدِيدَا؟!
أَمْ صَرَفَانًا (7) بَارِدًا شَدِيدا (8) ؟َ ... أمِ الرِّجَالَ جُثَّمًا قُعُودَا؟!
وكذلك كان!.
وقولُه: ((إنما هو محمدٌ ورضيعُه وأبو نائلة))؛ هكذا صحتِ الروايةُ فيه على أنَّ أبا نائلة غيرُ رضيعِ محمدٍ، وقد رواه أهلُ السيرِ بإسقاطِ الواوِ (9) على أنه بدلٌ من((رضيعهُ)). وفي البخاريِّ (10) : ((ورضيعي أبو نائلة)) على أن يكونَ أبو نائلةَ (11) رضيعَ كعبٍ. والمعروفُ أنه رضيعُ محمدٍ. والله تعالى أعلمُ. &(3/523)&$
وقوله: ((نزل وهو متوشِّحٌ))؛ أي: بثوبٍ جعله (12) على أحدِ منكبيه، وأخرج الآخرَ. و((دونَكم)) منصوبٌ على ا لإغراءِ؛ أي: بادروا إلى قتلِه ولازموه. والله أعلمُ (13) . =(3/662)=@ %(1/360)%
__________
(1) سورة الأنعام؛ الآية: 121. وقوله: ((ليجادلوكم)) من (ح) و(ي) فقط.
(2) قوله: ((مع قصير)) سقط في (ح).
(3) في (ز): ((جاء)).
(4) في (ح): ((فأوهمها)).
(5) ذكرها أبو الفرج في "الأغاني" (15/310)، و"مجمع الأمثال" (1/236).
(6) في (ح) و(ي): ((رويدا)).
(7) في (ح): ((صرفا)).
(8) في (ب): ((شديد)).
(9) قوله: ((الواو)) سقط من (أ).
(10) (7/336-337 رقم4037) في المغازي، باب قتل كعب بن الأشرف، وفيه: ((فجاء ليلاً ومعه أبو نائلة، وهو أخو كعب من الرضاعة)).
(11) قوله: ((يكون أبو نائلة)) سقط من (ي) وقوله: ((أبو نائلة)) سقط من (ح).
(12) في (م): ((جعلها)).
(13) قوله: ((ولازموه)) في (ز): ((ولازمو)). وقوله: ((والله أعلم)) من (ز) فقط.(1/360)
ومن بابِ غزوةِ خيبرَ
قولُه: ((ألا تُسمعنا من هُنيَّاتك (1) ؟)) أي: من أراجيِزكَ، وهو تصغير: ((هَنَّة))، و((هَنَّة (2) )): كنايةٌ عن النكراتِ. وفيه ما يدلُّ على الشعر استنشادِ الشعرِ على جهةِ التنشيطِ على الأعمالِ الشاقةِ والأسفارِ، وترويحِ النفوسِ من الغمِّ، لكن إذا سَلِم (3) من الآفاتِ التي قدّمنا (4) ذكرَها، ثم على [القلةِ، والنُّدورِ (5) .
و((الحَدْوُ (6) )) أصلُه (7) : الشَّوْقُ، ولما كان إنشادُ الشعرِ في السفرِ (8) ] يَسُوقُ [الإبلَ سُمّي: حَدْوًا] (9) .
وقولُه: [((اللهم لولا أنت ما اهتدينا (10) ))]؛ كذا الروايةُ هنا مخزومًا - بالزاي (11) - =(3/663)=@ [أي (12) زائدًا فيه حرفٌ (13) (14) ]. وصوابهُ (15) من جهة الوزن: لَا هُمَّ، أو تَاللهِ (16) ، أو: واللهِ، [كما جاء في الحديثِ] الآخرِ: ((والله لولا اللهُ ما اهتدينا)). &(3/524)&$ %(1/361)%
__________
(1) في (أ) و(ح) و(ي) و(ز): ((هنيهاتك)).
(2) في (ب) و(ز): ((هن))، وفي (ح) و(ي): ((وهي)).
(3) في (ي): ((لسلم)).
(4) قوله: ((قدمنا)) لم يتضح في (ز).
(5) في (أ): ((والنذور)).
(6) في (أ): ((الحدو)) بدون الواو . وفي (ب): ((والخذو)).
(7) في (ح): ((والجد وأصله)).
(8) ما بين المعقوفين: بياض في (ز). وقوله: (الحديث)) سقط من (ي).
(9) ما بين المعقوفين: بياض في (ز). وقوله: (الحديث)) سقط من (ي).
(10) ما بين المعقوفين: بياض في (ز). وقوله: (الحديث)) سقط من (ي).
(11) في (ب): ((مخروما بالراء)).
(12) قوله: ((أي)) سقط من (م).
(13) ما بين المعقوفين: بياض في (ز). وقوله: (الحديث)) سقط من (ي).
(14) قوله: ((مجزومًا بالزاي أي زائدًا فيه حرف)) سقط من (أ).
(15) في (ب) و(م): ((فصوابه)).
(16) في (م): ((يا الله)).(1/361)
وقوله: [((إنا إذا صيح بنا] (1) أبينا (2) )) من الإباء، و(( أتينا)) من الإتيانِ؛ الروايتان صحيحتان، [ومعناهما] (3) : إذا (4) صاح بنا (5) أعداؤنا أبينا الفرارَ، وثَبتْنا لا يهولُنا صياحُهم. وعلى الأخرى: إذا صُرخ بنا أتينا للنُّصْرةِ، أو إذا (6) صاح بنا أعداؤُنا أَتيناهم مسرعين غيرَ مُتربِّصين ولا مُتوقِّفين.
وقوله: ((فاغفر فِداءٌ لك (7) ما اقتفينا)) الروايةُ هنا بكسرِ الفاءِ من((فِداء)) وبالمدِّ، وقد رواه بعضُهم بفتحِ الفاءِ والمدِّ، وقد حكاه الأصمعيُّ. وحكى الفراءُ: ((فَدًى)) مفتوحًا مقصورًا؛ وهو- أعني في البيت - مرفوعٌ بالابتداءِ، وخبرهُ: ما اقتفينا، ومفعولُ ((اغفرْ)) محذوفٌ؛ أي: ذنوبَنا. ويجوزُ أن يكون(( ما اقتفينا)) مفعولَ ((اغفرْ (8) ))، وخبرُ المبتدأِ محذوفٌ؛ أي: فداءٌ (9) لك نفوسُنا (10) (11) .
ومعنى ((اقتفينا)) أي: اكتسبنا. وأصلُه: من القَفا (12) . وكأنَّ المكتسِبَ للشيءِ يَجْري خلفهَ حتى يصلَ إليه. وهذا الكلامُ إنما يقالُ لمن يجوز عليه لحوقُ المكارهِ (13) والمشقَّات، فإذا قاله أحدُنا لجنسِه، كان معناه: أنَّ نفسي (14) وقايةٌ لك من المكارهِ؛ أي: تصيبُني ولا تصيُبك. وهذا المعنى لا يليقُ بالله تعالى، فيحتملُ أن يكونَ إطلاقهُ هذا اللفظَ على الله تعالى بحكمِ جَريان ذلك (15) على ألسنتِهم من غيرِ قصدٍ، كما قالوا: ((قاتَله الله)). و((تربت يمينك)). على (16) ما قدمناه في كتابِ الطهارةِ. ويحتملُ أن يحملَ على الاستعارِة؛ ووجهها: أنه لما كان الفداءُ مبالغة (17) في رضا المفدَّى عبَّر بالفداءِ عن الرضا. أو يريدُ بذلك: فداء لدينِك. أو: لطاعتِك؛ أي: نجعلُ نفوسنا فداءً لإظهارِهما (18) .
وقوله: ((وألِقيَنْ سكينةً علينا))؛ أي (19) : سكونًا وتثبيتًا في أوقاتِ الحروبِ، =(3/664)=@ وصبرًا في مواطنِ المشقاتِ. %(1/362)%
__________
(1) ما بين المعقوفين: بياض في (ز). وقوله: (الحديث)) سقط من (ي).
(2) في (ي): يشبه أن تكون ((أيبنا)).
(3) ما بين المعقوفين: بياض في (ز). وقوله: (الحديث)) سقط من (ي).
(4) في (ي و(أ) و(ب) وفي (ح): ((إنا إذا))، وفي (م): ((أن إذا)).
(5) في (ز): ((فذاك نفوسنا)).
(6) في (أ): ((أو إذا)).
(7) في (ز): ((بذلك)).
(8) من قوله: ((وخبره ما اقتفينا...)) إلى هنا سقط من (ز).
(9) في (ب) و(م): ((فداؤك)).
(10) قوله: ((أي فداء لك نفوسنا)) سقط من (ز).
(11) من قوله: ((ومفعول اغفر ....)) إلى هنا سقط من (أ).
(12) في (ز): ((الفقا)).
(13) في (ح) و(ي): ((المكان)).
(14) في (م): ((يقعي)).
(15) في (ي): ((حريان العادة على)).
(16) في (ز): ((كما)) بدل ((على ما)).
(17) في (م): ((انفدا متالفة)).
(18) في (ح): ((لإظهارها))، وفي (ب): ((لاصهارهما)).
(19) في (أ): ((أي سكينة علينا أي)).(1/362)
وقوله: ((وبالصِّياح عوَّلوا علينا (1) ))؛ أي: ليس عندَهم إلا الصياحُ، فلا نبالي (2) بهم. &(3/525)&$ [وقولُ الرجل: ((وجبت))؛ أي: الرحمة التي دعا له (3) بها (4) النبيُّ ?، وكان هذا الرجل من أهلِ العلمِ بحالِ رسول الله ?؛ وذلك أنه] (5) علم أنَّ دعوتَه مستجابةٌ لمكانتِه عندَ ربِّه [تعالى، وفَهِمَ أن تلك الرحمةَ] (6) تُعَجَّلُ (7) للمدعوِّ له، فقال :((لولا متعتنا به))؛ أي: هلَّا [دعوت الله في أن] (8) يمتعَنا ببقائِه.
و((المخمصة (9) )): الجوعُ الشديدُ. وقوله ?: ((إن الله عز وجل فَتَحها عليكم))؛ أي: يفتحُها علِيكم (10) ؛ فوضع الماضيَ موضعَ المستقبلِ لما (11) كان أمرًا محقَّقًا (12) عندَه. أو يكون أَخبر عما علم الله مِنْ فَتْحِها.
و((أَنَسيَّة)) روي بفتح الهمزةِ والنونِ؛ قال البخاري (13) : كان ابن أبي (14) أُويس يقولُ: ((الأَنسية))- بفتحِ الألفِ والنونِ؛ وأكثرُ رواياتِ الشيوخِ فيه (15) : ((الإِنْسِية)) بكسرِ =(3/665)=@ الهمزةِ وسكونِ النونِ؛ وكلاهما صحيحٌ. والأَنَسُ- بالفتح ِ-: التأنُّسُ (16) . %(1/363)%
__________
(1) قوله: ((عولوا علينا)) لم يتضح في (ز).
(2) في (ي) و(م) و(ب): ((نبالي)).
(3) قوله: ((له)) سقط من (ب) و(م) وفي (ي): ((ادعى له)).
(4) قوله: ((بها)) سقط من (م).
(5) ما بين المعقوفين: بياض في (ز).
(6) ما بين المعقوفين: بياض في (ز).
(7) في (ح) و(ي): ((التي تعجل)).
(8) ما بين المعقوفين: بياض في (ز).
(9) في (م): ((الخمصة)).
(10) قوله: ((عليكم)) سقط من (ح) و(أ) و(ي).
(11) في (ز): ((ما)) بدل ((لما)).
(12) في (م): ((مخففًا)).
(13) (5/121 رقم2477) في "المظالم، باب هل تكسر الدنان التي فيها خمر، أو تحرْق الزقاق .
(14) قوله: ((أبي)) سقط من (أ).
(15) في (ب) و(م): ((فيها)).
(16) في (ب) و(م): ((الناس)).(1/363)
قال الشيخ – رضي الله عنه -: فهو (1) بالفتحِ منسوبٌ إلى الأنسِ، بمعنى التأنُّسِ، وبالكسرِ إلى الإِنسِ &(3/526)&$ الذي هو نوعُ الإنسانِ. وقيل: إن كليهما منسوبٌ إلى الإنسِ (2) ، لكنَّ الأولُ (3) على غيرِ قياسٍ، والأولُ أولى. والله تعالى أعلم.
وقوله (4) : ((أَهْريقوها واكسروها))؛ الضميرُ (5) في((أهريقوها)) للُّحومِ. وفي((اكسِروها)) للقُدورِ، وإن لم يَجْرِ لها ذكر، لكنها تدلُّ عليها (6) الحالِ. والهاءُ الأولى (7) في ((أهريقوها)) زائدةٌ؛ لأن أصلَه: أراق، يُريق. وقد يُبدلون من هذهِ الهمزةِ ((هاءً)) فيقولون: هرَاقَ الماء، وهَرِقْ ماءَك، كما يقول (8) : أَرَاق، وأَرِقْ.
وفيه دلالةٌ (9) على تحريمِ (10) لحومِ الحمرِ الإنسيةِ، وسيأتي في الأطعمةِ إن شاء الله تعالى (11) .
وقوله: ((أو ذاك)) ساكنةَ (12) الواوِ، إشارةٌ (13) إلى إجازةِ غَسلِ القدورِ، وتخييرٌ (14) بينه وبين الكسرِ المأمورِ به أولاً. وهذا (15) يدلُّ لمن قال: إنَّ النبيَّ ? كان أُبيح له الحكمُ بالرأيِ والاجتهادِ.
و((قفلوا)): رَجَعوا. و((شاحبًا)): متغيِّرًا. و((حَبِط)): بَطَلَ. و((كَذَبَ (16) )) هنا (17) : أَخْطأ. =(3/666)=@ %(1/364)%
__________
(1) في (ح) و(ي): ((وهو)).
(2) من قوله: ((بمعنى التأنس وبالكسر....)) إلى هنا سقط من (ح).
(3) في (ح): ((الأولى)).
(4) في (أ): ((قوله)).
(5) في (ح): ((والضمير)).
(6) في (أ) و(ب) و(ح) و(ي): ((لهما ذكر لكنهما تدل عليهما)). وفي (ز): ((لهما ذكره لكنهما تدل عليهما)). وفي (م): ((لكنها يدل عليهما)).
(7) في (ي): ((والأولى)).
(8) في (ح) و(ز): ((تقول)).
(9) في (م): ((دليل)).
(10) في (ي): ((والأولى)).
(11) قوله: (( وسيأتي في الأطعمة إن شاء الله)) سقط من (أ).
(12) في (ز): سالته.
(13) في (ز) و(م) و(ب: ((إشارة)) وفي (ي): ((أو إشارة)) وكأنه ضرب على ((أو)).
(14) في (ب) وفي (ي) و(م): ((وتخيير)).
(15) في (م): ((هذا)) بلا واو.
(16) في (ي): ((وكذا)) بدل ((وكذب)).
(17) قوله: ((هنا)) سقط من (ب) و(ح) و(ي).(1/364)
وقوله: ((لما (1) كان يوم خيبر (2) قاتل أخي قتالاً شديدًا))؛ القصةُ (3) مخالفةٌ (4) لما [ذكره في الرواية المتقدَّمة، ولما يأتي (5) ] بعدُ في (6) أن هذه القصةَ (7) إنما (8) وقعت [لعمِّه عامرِ (9) بن] (10) الأكوعِ، وهو الصحيحُ، ولعلَّ (11) سلمةَ أطلق على عمِّه اسم الإخوةِ لرضاعٍ كان بينهما، أو لمؤاخاةٍ، وإلا فهو وَهْمٌ من بعضِ الرواةِ. والله تعالى أعلمُ. &(3/527)&$
وقوله: ((إنه لجاهِدٌ مُجَاهِدٌ (12) )) الروايةُ الصحيحةُ المشهورةُ (13) : بكسرِ الهاءِ فيهما، وضمِّ الذال وتنويِنها فيهما (14) ، وضمِّ الميمِ. وعندَ ابن (15) أبي (16) جعفر: ((لَجَاهَدَ مَجَاهِدَ (17) (18) ))، بفتحِها (19) كلِّها، إلا هاءَ ((مَجَاهِدَ)) فإنها بالكسرِ، على أن (20) يكونَ الأولُ: فعلاً ماضيًا، والثاني جمعًا لا نظيرَ له في الآحادِ، فلم يصرفْه، وكذلك رواه (21) بعضُ رواةِ البخاريِّ. والصوابُ الأولُ. ومعنى (22) : جَاهِدٌ جادٌّ في أمرِه؛ قاله ابن دريد. والثاني: تكرارٌ على جهةِ التأكيدِ. قال ابنُ الأنباري: العربُ إذا بالغتْ في الكلامِ اشتقتْ من اللفظةِ الأولى لفظةً على غيرِ بنائِها (23) ، زيادةً في التوكيدِ؛ فقالوا (24) : جادٌّ مُجِدٌّ (25) ، وليلٌ (26) لائلٌ، وشِعْرٌ شاعرٌ. قال غيرُه: وقد يكونُ ((جاهِد))؛ أي: مبالغٌ في سُبلِ (27) الخيرِ، و((مُجاهِدٌ)) لأعدائِه (28) .
قال الشيخ: ويظهرُ لي أن هذا القولَ أحسنُ بدليلِ قولِه في الروايةِ الأخرى: ((مَاتَ جَاهِدًا مُجاهِدًا؛ فله أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ))؛ فأشار بفاءٍ (29) التعليلِ إلى الجهتين اللتين يُؤجَرُ (30) منهما، وهما: ((جاهد مجاهد))؛ فمعنى أحدِهما غيرُ الآخرِ (31) . والله تعالى أعلمُ (32) . %(1/365)%
__________
(1) قوله: ((هنا أخطأ وقوله لما)) لم يتضح في (ز).
(2) في (ح) و(ب) و(ي) و(ز): ((يوم خيبر)) و(أ).
(3) قوله: ((القصة)) لم يتضح في (ز).
(4) في (ح): ((مخالف)) و(أ) و(ي) و(ب) و(م).
(5) ما بين المعقوفين: بياض في (ز).
(6) في (ب) و(ح) و(م) و(ي) و(ز): ((من)).
(7) في (ب) و(م) و(ي): ((القضية)).
(8) قوله: ((إنما)) سقط من (ح) و(ي).
(9) في (أ): ((عابد)).
(10) ما بين المعقوفين: بياض في (ز).
(11) في (ب) و(ح) و(م) و(ي) و(ز): ((فلعل)).
(12) في (ح) و(ي): ((مجاهدة)).
(13) في (ح) و(ي): ((المشهورة الصحيحة)).
(14) في (م): يشبه أن تكون ((فيها)).
(15) قوله: ((ابن)) سقط من (م).
(16) في (ي): ((لي)) بدل ((أبي)).
(17) في (ح) و(ي): ((مجاهدة)).
(18) في (م): يشبه أن تكون ((تجاهد)).
(19) في (ز): ((بفتح)).
(20) في (ح): ((على أن لا)).
(21) في (ح): ((رواية)).
(22) في (أ) و(ب) و(ز): ((ومعنى)).
(23) في (م): ((بيانها)).
(24) في (ح) و(ي): ((فقال)).
(25) في (ز): ((محيد)).
(26) في (ح) و(ي): ((وذيل)).
(27) في (ز): ((سبيل)).
(28) قوله: ((لأعدائه)) تكرر في (ح) بسبب وجود بعض الكلام في الهامش.
(29) قوله: ((بفاء)) لم يتضح في (ز) وفي (م): ((بهاء)).
(30) في (ز): ((يؤخذ)).
(31) في (أ) و(ح): ((الأمر)).
(32) في (ي): ((ماض وبها بغير تنوين الهاء)) بدل ((غير الآخر والله تعالى أعلم)).(1/365)
وقوله: ((قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى (1) بِهَا مِثْلَهُ))؛ أكثرُ الرواياتِ على أن (( مشى)) مفتوحَ =(3/667)=@ الميمِ على أنه فعلٌ (2) ماضٍ، و((بها)) بغيرِ تنوينِ الهاءِ، على أنه جارٌّ ومجرورٌ. وللفارسيِّ (3) وحدَه: (( مُشابِهًا))- بضمِّ الميمِ، وتنوينِ الهاءِ (4) ؛ من المشابهة. وفي البخاري (5) لبعض الرواة: ((نشأ بها)) من النشء. وكل بعيدٌ (6) في المعنى والعربيةِ، والصوابُ روايةُ الجماعةِ، والضميرُ في(( بها)) قيل: إنه (7) عائدٌ على الأرضِ، وقيل: على الحربِ.
قال الشيخ رضي الله عنه: ويحتملُ أن يعودَ على الشهادةِ والحالةِ الحسنةِ التي مضى بها (8) إلى الله تعالى (9) . وهذا (10) يَعضدُه المعنى، ومساقُ (11) الكلامِ (12) . والله تعالى أعلمُ (13) . =(3/668)=@ &(3/528)&$ %(1/366)%
__________
(1) في (ب) و(م): ((يمشي)). وفي (أ): ((مشاي)) كذا رسمت.
(2) في (ي): ((ماض وبها بغير تنوين الهاء)) بدل ((غير الآخر والله تعالى أعلم)). ***راجع المخطوط***
(3) في (ز): ((للفارس)) بلا واو.
(4) من قوله: ((على أنه جار...)) إلى هنا سقط من (م).
(5) (7/463-464 رقم4196) في المغازي، باب غزوة خيبر، و(10/537-538 رقم6148) في الأدب، باب ما يجوز من الشعر والرجز، والحداء وما يكره منه .
(6) في (م): ((يعتد)).
(7) قوله: ((قيل أنه)) من (أ) و(ب) وليس في (ي).
(8) قوله: ((مضى بها)) لم يتضح في (ز).
(9) من قوله: ((قلت: ويظهر لي أن هذا القول أحسن....)) إلى هنا غير واضح في (ح) بسبب التصوير.
(10) في (ح) و(ي): ((وهذه)).
(11) في (ز): ((وسياق)).
(12) قوله: ((الكلام)) لم يتضح في (ز).
(13) زاد في (ز) بعدها: ((في الصواب)).(1/366)
ومن باب غزوة ذي قرد
((الحديبية (1) )) يقال (2) بتخفيف الياء وتشديدها؛ لغتان. وهو موضعٌ فيه ماءٌ على قربٍ (3) من (4) مكةَ، كما تقدَّم. والروايةُ الصحيحةُ المشهورة (5) : ((جَبَا الرَّكيةِ)) بالفتحِ في الجيمِ والباءِ بواحدةٍ (6) مقصورًا، وهو جانبُ البئرِ. و((الركيَّةُ)) البئرُ غيرُ المطويةِ، فإذا طُويت فهي (7) : الطَّوِيُّ (8) . وللعُذري: ((جُبِ ركية (9) )) بضمِّ (10) الجيمِ وكسر الباءِ (11) . والْجُب: البئرُ (12) ليستْ بعيدةَ القعرِ. و((جاشت))؛ أي: ارتفعت؛ يقال: جاش الشيءُ، يجيش (13) جَيْشًا: إذا ارتفع. =(3/669)=@
وقوله: ((حجفة (14) أو درقة)) على الشكَّ من الراوي. والحجفةُ: التُّرسْ، وإنما يكون (15) من عِيدانٍ، والدَّرقَ (16) من الجلُودِ. واختصاصُه ? سلمةَ (17) بتكرارِ البيعةِ (18) ثلاثًا؛ تأكيدٌ (19) في حقِّه، لما عَلم ? من خصالِه ? (20) ، وكثرةِ غَنائه، كما قد ظهر منه على ما يأتي (21) . &(3/529)&$ %(1/367)%
__________
(1) قوله: ((ذي قرد الحديبية)) بياض في (ز) وفي (م): ((الحذيبية)).
(2) قوله: ((يقال)) سقط من (ي) وفي (م): ((تقال)).
(3) في (أ): ((القرب))، والألف واللام زائدة بخط مغاير.
(4) قوله: ((من)) سقط من (ح).
(5) قوله: ((المشهورة)) سقط من (ب).
(6) في (ب): ((في الجيم والموحدة والصحيح على الموحدة)).
(7) في (ح): ((سميت)).
(8) في (أ): ((الطوا)).
(9) قوله: ((ركية)) سقط من (أ).
(10) في (أ): ((بكسر)).
(11) في (ز): ((الياء)).
(12) في (م): ((بئر)).
(13) في (ح): ((تجيش)).
(14) في (ز): ((ججفة)).
(15) في (ب): ((وإنها تكون)).
(16) قوله: ((والدرق)) لم يتضح في (ز).
(17) في (أ): ((أبا سلمة)).
(18) في (م): ((البقعة)).
(19) في (ب) و(ح): ((تأكيدًا)).
(20) في (ز) و(ب) و(ي) و(م): ((? من خصاله)).
(21) قوله: ((على ما يأتي)) سقط من (ب) و(ز) و(م).(1/367)
و((عزلاً (1) )) الروايةُ فيه هنا وفي الحرفِ الآتي بعدَه: بفتحِ العينِ وكسرِ الزاي. قال (2) بعضُ اللغويين: الصوابُ: أَعْزل، ولا يقال: عَزِل. وقيده بعضُهم: ((غُزُلاً))- بضمِّ العينِ والزاي، وكذا ذكره الهرويُّ، كما يقال (3) : ناقة عُلُطٌ (4) ، وجمل فُنُقٌ (5) . والجمعُ: أَعْزال. كما يقال: جُنُبٌ وأجناب (6) ، وماء سُدُمٌ، ومياه أَسْدام (7) . والأعزل: الذي لا سلاحَ معه (8) .
و((أَبْغِني)): أعطني. يقال: بَغَيْتُ الشيء من فلان فأبغانيه؛ أي: أعطاني ما طلبتُه.
وقوله: ((ثم إن المشركين راسلونا الصلح)) هذه روايةُ (9) العذريِّ، وهي من الرسالةِ. ورواه جماعةٌ من رواة مسلمٍ: ((راسُّونا)) بسينٍ (10) مهملةٍ مشددةٍ (11) مضمومةٍ، =(3/670)=@ وهو من: رَسَّ الحديثَ، يَرُسُّه: إذا ابَتدأه. ورَسَسْت بين القومِ: أصلحتُ بينهم. ورسَا لك الحديثَ رَسْوًا: إذا ذَكر لك منه طرفًا. وروي: ((رَاسَوْنا)) بفتحِ السينِ لابن ماهان. قال عياضٌ (12) : ولا وجهَ لها (13) . %(1/368)%
__________
(1) في (ز): ((عزلاً)) بلا واو.
(2) في (ح) و(ز): ((وقال)).
(3) في (أ): ((قال)).
(4) في (ح) و(م): ((غلط)). والعلط: الذي لا خطام له، والفنق: السمينة الفتية اللحمية. وفي (ي): ((غلظ)).
(5) في (م): ((فيق)).
(6) في (ي): ((خبث وأخباث)).
(7) قوله: ((ومياه أسدام)) سقط من (ح).
(8) في (ي): ((له)) بدل ((معه)).
(9) في (ي): ((الرواية)).
(10) في (ب) و(م): ((بالسين)).
(11) قوله: ((مشددة)) سقط من (ح).
(12) في (ز): ((عياض من لا)).
(13) في (ي): ((له)) بدل ((لها)).(1/368)
وقوله (1) : ((كنتُ تبيعًا لأبي طلحة))؛ أي: خديمًا له. وهو من: تبعت الرَّجل (2) : إذا سرتُ خلفه. و((أحسه)) أَنفض عنه (3) التراب. والحسُّ (4) : الحك. و((كسحت (5) شوكها)): [كنسته. و((الضغث)): القبضةُ من الحشيشُ] (6) وغيره. و(( العَبْلات)) بطنٌ من بني عبدِ شمس، نُسبو إلى أمٍّ لهم تسمى: عَبلة (7) بنت عبيد، من البراجم. و((الفرس المجفف)): الذي عليه تِجْفاف - بكسرِ التاء - وهو الجُلُّ (8) . و((بدء (9) الفجور)): أولُه، والفجُور ضد البرِّ. و((ثِنَاه)): عُوده، وهو (10) بكسرِ الثاء المثلثةِ (11) ، مقصورًا. وهي الرواية =(3/671)=@ المشهورة، ولابن ماهان: ((وثُنْياه)) بضمِّ الثاءِ، وهو بالمعنى الأولِ. والفجور هنا هو (12) : نقضُ العهدِ، ورَوْم غِرةِ المسلمين، وكان هذا في صلحِ الحديبيةِ. وعفوُ النبيِّ ? عن هؤلاء السبعين ليتم (13) أمرُ الصلحِ. والله تعالى أعلم. &(3/530)&$ %(1/369)%
__________
(1) في (ي): ((قوله)) بلا واو.
(2) قوله: ((الرجل)) مطموس في (ز).
(3) في (ي): ((وأخسبه أنفض عليه)).
(4) في (أ): ((الجس)).
(5) قوله: ((وكسحت)) لم يتضح في (ز).
(6) ما بين المعقوفين: بياض في (ز).
(7) قوله: ((نسبوا إلى أم لهم تسمى عبله)) لم يتضح في (ز).
(8) في (ز): ((لحبل)) كذا رسمت.
(9) في (ز): ((وبدو)) و(ي) و(م).
(10) قوله: ((وهو)) سقط من (ز).
(11) من قوله: ((من: رس الحديث، يرسه... إلى هنا)) لم يتضح في (ح) بسبب التصوير في السطور الأولى من اللوحة.
(12) قوله: ((هو)) سقط من (أ) و(ب) و(ز) و(ي) و(م).
(13) في (ح) و(م) و(ي) و(ز) و(ب): ((ليتم)) ولم تنقط التحتية.(1/369)
وقد (1) اختلف في سبب نزول قوله تعالى: {وهو الذي كف أيدهم عنكم (2) } (3) على أقوالٍ هذا أحدُها، وهو أصحُّها.
وقوله: ((وهم المشركون)) بضمِّ الهاء وتخفيفِ الميمِ، وهي ضميرُ الجمعِ. وقد ضبطه بعضُ الشيوخِ: ((وهَمَّ)) بفتح (4) الهاءِ والميمِ وتشديدِها؛ على أنه فعلٌ ماضٍ. و((المشركون)) فاعلٌ به.
قال عياض: معناه: همَّ النبيُّ ? والمسلمين (5) أمرُهم لئلا يَغْدِروهم (6) ، ويُبيِّتُوهم (7) لقربِهم منهم. يقال: هَمَّني الأمرُ، وأَهمني. ويقال: همَّني: آذاني (8) ، وأهمَّني: غَمَّني.
قال الشيخ: والأقربُ أن يكون معناه: هم المشركون بالغدرِ (9) ، واستشعر المسلمون منهم بذلك. =(3/672)=@
و((الظَّهر)): الإبل التي تُحمل (10) على ظهورِها الأثقالُ. و((أُنَدِّيه مع الظهر))؛ أى: أُورده الماءَ فيشرب (11) قليلاً، ثم أرعاه وأُورده. وهي (12) التَّنْدِيَة (13) ، وأصلُها للإبل. وقد تكونُ التنديةُ في الفرسِ بمعنى: التضميرِ، وهي (14) : أن يُجرى (15) الفرسُ حتى يَعْرقَ. ويقال لذلك (16) العرقِ: الندى؛ قاله (17) الأصمعي.
و((استاقه))؛ أي: حمله، والتاءُ زائدةٌ للاستفعالِ. و((السَّرح)): الإبلُ التي تَسْرحَ في المرعى. و((الأَكَمة)): الجُبيلُ (18) الصغيرُ. %(1/370)%
__________
(1) قوله: ((قد)) سقط من (ب) و(ز) و(م).
(2) زاد في (ي) بعدها: ((وأيدكم عنهم))، وفي (ب): ((أيديكم عنكم))، وفي (م): ((أيديكم عنهم)).
(3) سورة الفتح؛ الآية: 24.
(4) في (ب): يشبه أن تكون ((بالفتح)).
(5) قوله: ((والمسلمين)) سقط من (م).
(6) في (ز): ((يغدر م هم)). [وتراجع].
(7) في (ح): ((ويبيتونهم))، وفي (ي): ((ويثبتوهم)).
(8) في (أ): ((أذاني)) ولم تتضح في (ح).
(9) قوله: ((بالغدر)) لم يتضح في (ز).
(10) في (م): ((يحمل)).
(11) في (ب): ((فشرب)).
(12) في (ح) و(ي): ((وعن)).
(13) في (ي): ((البدية)).
(14) في (ز): ((وهو)).
(15) في (ي): ((تجري)).
(16) في (ح): ((ويقال العرق الذي لذلك)). وفي (ي): ((ويقال العرق الذي لذلك الفرس الندى)).
(17) في (ح) و(ي): ((قال)).
(18) في (ح) و(ي): ((الجبل)).(1/370)
وقوله: ((يا صباحاه)) هاؤه ساكنة (1) ، وهو يُشبه (2) المنادى المندوبَ، ولييس به. ومعناه (3) هنا: الإعلام (4) بهذا (5) الأمرِ المهمِّ الذي قد دَهمهم في الصباحِ. &(3/531)&$
وقوله: ((وأنا ابن الأكوع)) الكُوَعُ: اعوجاجٌ في اليد من قبل (6) .الكُوع،، والوَكَعُ في الرِّجْلِ: أن (7) تميلَ إبهامُها (8) على أصابِعها. واسمُ الأكوع: سنانُ بن عبدالله بن [بشير،] (9) وهو أبوسَلَمة على؛ [ما ذكره محمد بن سعد (10) . وقيل: اسم] (11) أبي سلمة: عمرو بن الأكوع، وهو [جدُّ سلمة] (12) ، فنسُب (13) إليه.
وقوله: ((واليوم (14) يوم الرُّضع)): الرُّضع (15) : جمعُ راضعٍ، وهو اللَّئيمُ. وأصله: أن البخيلَ كان يَرْضَعُ الإبلَ ولا يحَلُبها؛ لئلا يُسمَع صوتُ الحلبِ فيُقْصَدَ، فعبَّروا =(3/673)=@ عن كلِّ لئيمٍ بذلك. وعليه (16) قالوا في المثلِ: ((لئيمٌ راضع)). وقيل: لأنه يرتضع (17) اللؤمَ من أمِّه، وهو مطبوعٌ عليه. وقيل: معناه: اليوم يظهرُ من أرضعته (18) كريمةٌ أو لئيمةٌ. وقيل: اليوم يعرفُ من أرضعْته الحربُ من صِغرِه. %(1/371)%
__________
(1) في (ز): يشبه أن تكون: ((فساكنه)).
(2) في (م): ((شبه)).
(3) في (ي): ((ومعناها)).
(4) في (ب) و(م): ((بالإسلام)).
(5) في (م): ((لهذا)).
(6) في (ز): ((اليدين قبل)).
(7) قوله: ((الكوع والوكع في الرجل أن)) مطموس في (ح).
(8) قوله: ((أن تميل إبهامها)) لم يتضح في (ز).
(9) ما بين المعقوفين: بياض في (ز).
(10) "الطبقات" (4/302)، وفيه: ((قشير)) بدل (( بشير)) وهما قولان في اسمه .
(11) ما بين المعقوفين: بياض في (ز).
(12) ما بين المعقوفين: بياض في (ز).
(13) في (ز): يشبه أن تكون: ((تنسب)).
(14) في (أ): ((اليوم)) بلا واو.
(15) في (ز): ((الرضيع)).
(16) قوله: ((وعليه)) سقط من (أ). وفي (ي): لم تتضح
(17) في (ح): ((يرضع)).
(18) في (أ): ((ارتضعه)).(1/371)
وقوله: ((فأصك (1) سهمًا في رَحْله (2) ، حتى خلص نصلُ السهم إلى كتفه))؛ كذا روايتنا فيه، بالحاءِ (3) المهملةِ (4) ؛ ويعني به: أن سهمَه أصاب آخرةَ رَحْلِه (5) فنفذها، ووصل إلى كتفِه. وفي بعض النسخ: ((فأصكه سهمًا في رجله حتى خَلَصَ إلى كعبه))، والأول (6) أشبهُ. و((أُصِكَّ)): أَضْرَبَ. و((ألحق)) و((أصك)): مضارعان، ومعناهما: ا لمضي. &(3/532)&$
وقوله: ((فما زلت أرميهم وأعقر بهم (7) ))؛ أي: أرميهم بالسهام. ((وأعقر بهم)) خيلهم، ومنه ((فُعقر بعبدالرحمن فرسُه))، ويحتمل أن يكون معناه: أَصيحُ بهم، من (8) قولهم: رفع =(3/674)=@ عَقيرته؛ أي: صوتَه. و((يتضحَّون))؛ يتغدَّون. وأصله: يأكلون عندَ الضّحى. و((يُقْرَوْن)): يُضافون (9) . أخبرهم ? بأنهم قد (10) وصلوا إلى بلادهم، وأنهم قد فاتوهم. و((الآرام)): بألف ساكنةٍ من غيرِ همزٍ: الأعلامُ من الحجارةِ؛ قال الشاعرُ (11) :
وَبَيْداءَ نَحْسَبُ (12) آرامَها ... رِجالَ إيَادٍ بأَجْيَادِهَا (13)
%(1/372)%
__________
(1) في (ب) و(م): ((فأصكه)). [وأشير لها بسهم وكتب قبالتها في المتن كذا في (ح): فأصك].
(2) في (م): ((رجله)).
(3) في (ز) و(م): ((بالخاء)).
(4) قوله: ((المهملة)) سقط من (ب) و(م).
(5) في (ز): ((أخوه جله)) [وتراجع]. وفي (م): ((أخرة رجله)).
(6) في (أ): ((والأولى)).
(7) قوله: ((وأعقر بهم)) سقط من (ي).
(8) في (ح) و(ي): ((فمن)).
(9) في (ي): ((ويضافون)).
(10) قوله: ((قد)) سقط من (ح).
(11) الأعشى. انظر "أدب الكاتب" (1/387).
(12) في (ب) و(ح) و(ز): ((تحسب)).
(13) في (ب) و(ح)و(م) و(ي) و(ز): ((بأجلادها)).(1/372)
يعني: بأشخاصها. و(( الأرآم)) بهمزِ الألفِ (1) : الظباءُ. و((القرن (2) )): جبلٌ صغيرٌ منفردٌ منقطعٌ من جبلٍ كبيرٍ. و((البَرْح (3) )) مفتوحةَ الباءِ، ساكنةَ الراءِ، يعني به: المشقةَ الشديدةَ.
وقوله: ((أنا أظنُّ)) أي: أتيقَّن؛ كما قال تعالى: {إني ظننت أني ملاقٍ حسابيه} (4) ؛ أي: تحققت وأيقنت (5) . ويُحتملُ البقاءُ على أصلِ الظن الذي هو تغليبٌ (6) لأحدٍ المحتمَلَين، وقد اقُتصر عليها ولم يُذكر لها هنا مفعولٌ،، ويُحتملُ أن يكونَ (7) حُذفَ مفعولُها للعلم به (8) ، وهو ((ذاك)) الذي (9) هو إشارةٌ إلى (10) أن (11) المصدر الذي يكتفى به عن المفعولين، كما تقول (12) : ظننت ذاك (13) . والله أعلم.
و((أعدو (14) على رِجْلي))؛ أي: أشتدُّ (15) في (16) الجري. و((حليتهم (17) )) كذا وقع في رواية القاضي بالياء، وقال: أصلُه الهمزُ فسُهّل. =(3/675)=@ &(3/533)&$ %(1/373)%
__________
(1) في (أ): ((بالهمز)).
(2) في (م): ((والغزل)).
(3) في (ح) و(ي): ((والبر)).
(4) سورة الحاقة؛ الآية: 20.
(5) في (م): ((وايتقنت)).
(6) في (ح): ((تعلبة)).
(7) قوله: ((أن يكون)) لم يتضح في (ز).
(8) قوله: ((للعلم به و)) بياض في (ز).
(9) قوله: ((هو ذاك الذي)) لم يتضح في (ز).
(10) قوله: ((إلى)) سقط من (أ).
(11) قوله: ((أن)) سقط من (ب) و(ح) و(م) و(ي).
(12) في (م): ((كما يقول)).
(13) في (م): ((كما يقول)).
(14) في (م): ((وأغدو)).
(15) في (ح): ((أشد)).
(16) قوله: ((في)) بياض في (ز).
(17) ف (ز): ((وجليتهم)).(1/373)
قال الشيخ رضي الله عنه: وصوابهُ: الهمزُ، وهو أصلُه، وهذا تسهيلٌ لا يقتضيه القياسُ، وروايتي فيه بالهمزِ على الأصلِ. ومعناه: طردتُهم عن الماءِ (1) .
و((الثنية (2) )): الطريقُ في الجبلِ. وقوله: ((يا ثَكلتْه أمُّه)) يا (3) : للنداءِ (4) ، والمنادى (5) محذوفٌ ويشبه أن يكونَ المحذوفُ (( مَن)) الموصولةُ متصلةً (6) بـ((ثكلته (7) أمه (8) ))، كأنه (9) قال: يا مَنْ ثكلته أمُّه، =(3/676)=@ فحذفها للعلمِ بها. ويحتمل غير هذا، وهذا أشبهُ. والثكل: الفقدُ. والثكلى (10) : المرأةُ الفاقدةُ (11) ولدَها، الحزينة عليه. ومنه قولهم: ((ثِكلٌ (12) خيرٌ من عقوقٍ))، وكأنه دعا عليه بالفقدِ والهلاكِ. %(1/374)%
__________
(1) في (ب): ((المياه)).
(2) في (ي): ((والثنية)).
(3) من قوله: ((في الجبل... إلى هنا مطموس في (ح).
(4) في (ز): ((بالنداء)).
(5) في (ز): ((والمنادى)) بلا واو.
(6) في (ب) و(ح) و(م) و(ي) و(ز): ((متعلقة)).
(7) في (م): ((بثكليه)).
(8) قوله: ((أمه)) سقط من (ح).
(9) في (ح): ((وكأنه)).
(10) في (ي): ((والثكل)).
(11) في (ح): ((العاقد)). وفي (ي): ((الفاقد)) وفي (م): ((العاقدة)).
(12) في (م): ((بكل)).(1/374)
وقوله: ((أكوعه بكرةَ)) الضميرُ في ((أكوعه)) يعودُ على المتكلِّمِ على تقديرِ الغيبةِ، كأنه قال: أكوع الرجل المتكلم، وقد فهم منه هذا سلمة؛ حيث أجابه بقوله: ((أكوعك بكرة))، فخاطبه بذلك و((بكرة)) منصوبٌ غيرُ منون ٍ، على الظرفِ؛ لأنه لا ينصرفُ للتعريفِ والتأنيثِ؛ لأنه أريد بها بكرةٌ معينةٌ (1) ، وكذلك: ((غدوة)). وليس (2) ذلك لشيءٍ (3) من ظروفِ الأزمنِة سواهما فيما علمتُ. &(3/534)&$
وقوله (4) : ((وأرذوا (5) فرسين))، روايتي فيه بالذالِ المعجمةِ (6) ، ومعناه: تركوا فرسين معيبين (7) لم يقدرا (8) على النهوضِ من الضعفِ والكَلالِ. والرذية (9) : المعيبة (10) ، وجمُعها: رذايا (11) ، ومنه قول الشاعر (12) :
فَهُنٌ (13) رَذَايَا (14) فِي الطَّرِيقِِ (15) وَدَائِعُ
وقد رُوي بالدالِ المهملةِ ((أردوا (16) ))؛ أي: تركوهما هلكى (17) ، من الردى، وهو (18) الهلاك، والأول أوجه؛ لأنه قال: ((فأقبلت بهما أسوقهما))؛ فدل على أنهما لم يَهْلِكا، وإنما ثقلا (19) كلالاً وإعياءً.
و((السَّطيحة)): إناءٌ من جلودٍ يُسطَّحُ (20) بعضُها فوق َبعضٍ. و((المَذْقَة)) (21) : القطرةُ من اللبنِ الممزوجِ بالماءِ. و((المِذَق)): مَزْجُ اللبنِ بالماءِ، وقد تقدَّم القولُ في النواجِذ (22) ، وأن المراد بها - هنا (23) -: الضَّواحك. =(3/677)=@ %(1/375)%
__________
(1) قوله: ((معينة)) مطموس في (ز).
(2) في (ز): ((يشبه أن تكون ((ولبسله)).
(3) في (ز): ((بشيء)).
(4) قوله: ((وقوله)) ألحقها بهامش (ب) ولم تتضح بسبب التصوير.
(5) في (ح) و(ز) و(ي): ((وأردوا)) بالدال المهملة.
(6) قوله: ((المعجمة)) سقط من (أ) و(ح) و(م) و(ي) و(ز).
(7) في (أ): ((معييين)).
(8) في (ح): ((يقدروا)).
(9) في (ح) و(ي): ((والرديه)) بالدال المهملة.
(10) في (ح): ((المعيبة)).
(11) في (ح) و(ي): ((ردايا)) بالدال المهملة.
(12) ...
(13) في (ز): ((فمن)).
(14) في (ح) و(ي): ((رداي)) بالدال المهملة.
(15) في (ح): ((بالطريق)).
(16) في (ح) تشبه أن تكون ((أرذوا)).
(17) في (ي): ((اتركوهما هلكًا)).
(18) قوله: ((هو)) سقط من (ز).
(19) في (ز): ((نقلاً)).
(20) في (ب): ((سطح)).
(21) في (ح) و(ي): ((المرقة)) بالدال المهملة.
(22) في (ح) و(ي): ((النواجد)) بالدال المهملة.
(23) قوله: ((هنا)) سقط من (ح).(1/375)
وقوله: ((أعطاني سهمين (1) : سهم الفارس، وسهم الرَّاجل))؛ أما سهمَ الرَّاجل فهو حقُّه، وأما سهمُ (2) الفارس فإنما (3) أعطاه النبيُّ ? إيَّاه (4) لشدَّة غَنَائِه (5) ، ولأنه هو الذي استنقذ تلك الغنائمَ، وهو الذي تنزل (6) منزلةَ الجيش فيما (7) فعل، ولم يُسمعْ بمن فعل مثلَ فعلِه (8) – رضي الله عنه - في تلك الغَزَاةِ، ثم لعل (9) النبيَّ ? إنما أعطاه سهمَ الفارسِ من الخُمس، فإن كان أعطاه من الغنيمةِ فذلك خصوصٌ به لخصوصِ فِعلِه.
وقوله: ((ألا مسابِقَ؟)) ((ألا مسابِق)): قيدناه مفتوحًا بغير تنوين؛ لأنها ((لا)) التي للنفيِ والتبرئةِ، زيدتْ عليها همزةُ الاستفهامِ، وأُشربت معنى التمني (10) ؛ كما قالوا: ألا سيفَ صارمًا (11) ، ألا ماءَ باردًا (12) ؛ بغيرِ تنوينٍ على ما حكاه سيبويه، وأنشد (13) :
ألا طِعَانَ، ألا فُرْسانَ عاديةً (14) ... إلا تجشُّؤُكُمْ (15) عِنْدَ التَّنانِيرِ (16) =(3/678)=@
&(3/535)&$ %(1/376)%
__________
(1) كتب في نسخة (م) فوقها ((منه)).
(2) قولهم ((أما سهم)) بياض في (ز).
(3) في (ح) و(ي): ((فأما)).
(4) قوله: ((إياه)) سقط من (ح) و(ي).
(5) في (ز): ((عنائه)).
(6) في (م): ((ينزل)).
(7) في (أ): ((مما)).
(8) في (ح): (( من فعل كفعله)).
(9) في (أ): ((لعل أن)).
(10) في (م): ((النهي)).
(11) في (ب) و(ح) و(م) و(ز): ((صارمًا)).
(12) في (ب) و(ح) و(ز) و(م): ((باردًا)).
(13) القائل: حسان بن ثابت - رضي الله عنه - . "ديوانه" (1/215).
(14) في (ح) و(ي): ((إلى فرسان غادية)).
(15) في (ز): ((تجسؤكم))، وفي (ي): ((تخشوكم))، وفي (م): ((نخشوكم)).
(16) في (ح): ((التناتير))، وفي (ي): ((التباثير)). القائل حسان بن ثابت – رضي الله عنه – "ديوان حسان" (1/215).(1/376)
و (1) يجوزُ الرفعُ على أن تكون((ألا)) استفتاحًا (2) ، ويكون (3) ((مسابق (4) )) مبتدأً خبرهُ محذوفٌ، تقديره: ألاَ هنا مسابق (5) ، أو نحوه.
وقول سلمة للرَّجل (6) : ((أَمَا تُكَرمُ (7) كريمًا، ولا تَهابُ شريفًا؟)) يدلُّ على أنه فهم من قولِ الرَّجل: ((ألا مسابق)) النفيَ (8) ؛ فكأنه قال: لا أحدَ يسبقني؛ فلذلك أنكر عليه سلمةُ (9) .
و((ذرني (10) ))؛ أي: دَعني (11) ((فلأسبقَ)) منصوبٌ بلام كي، على زيادةِ الفاء. و((طفرت (12) )): وثبتُ وقفزتُ. و((ربطت عليه)): شددتُ عليه. ((شرفًا أو شرفين))؛ يعني: طَلَقًا أو طَلَقين. ((أستبقي)) أبقي. ((نَفسي)) رويناه بفتحِ الفاءِ وسكونِها. ففي (13) الفتحِ يعني به: التنفسَ. يريد: أنه رفق في جريه مخافةَ ضيقِ النفسِ (14) . وبالسكونِ يعني به (15) : أُروح نفسِي وأُجمُّها لجريٍ آخرِ.
وقوله: ((ثَمَّ إني رفعت))؛ أي: زدتُ في السير. ويروى: ((دفعت)) بالدَال؛ أي: دفعتُ (16) دفعةً شديدةً من الجري، وكلاهما قريبٌ في المعنى. =(3/679)=@ %(1/377)%
__________
(1) قوله: ((و)) بياض في (ز).
(2) في (ب) و(م): ((استفهامًا)).
(3) في (ح): ((نكون)).
(4) في (ي): ((متقارب)).
(5) في (ز): ((سابق)). [وتراجع].
(6) في (ب): ((الرجل)).
(7) في (م): ((نكرم)).
(8) في (ز): ((النقي)).
(9) في حاشية (ب) وفي أصل (م) ما نصه: ((ولو كان عَرضًا فقط لم يكن فيه ما ينكره))، وهو ليس في (أ).
(10) في (ز): ((وذربي)).
(11) قوله: ((دعني)) لم تتضح في (ب).
(12) في (ح) و(ي): ((فطفرت)).
(13) في (م): ((وفي)).
(14) في (ح) و(ي) و(ز) و(م): ((النفس)).
(15) قوله: ((به)) سقط من (ب) و(م).
(16) في (م): ((دفعة دفعة شديدة)).(1/377)
وقوله: ((اذهب إليك))؛ قيدناه على من يُوثقُ بعلمِه على الأمرِ؛ أي: انفذ لوجهِك (1) وخذ في الجري؛ يقوله (2) سلمةُ (3) وهو راكبٌ خلف النبيِّ ? للرَّجلِ الذي قال: ((ألا مسابق)). ولذلك قال: ((وثنيت رجلي)) أي: نزلت عن ظهرِ العضباءِ. و((إليك)) على (4) هذا معمولٌ (5) لـ((اذهب))؛ أي: انفذ لوجهِك.
وقوله: ((فوالله (6) ! ما لبثنا إلا ثلاثَ ليالٍ حتى خرجنا إلى خيبر))؛ ظاهر (7) هذا الكلامِ (8) : أن غزوةَ خيبرَ كانت على إثرِ غزوةِ ذي قردِ؛ إذ لم يكن بينهما إلا هذا الزمانُ (9) اليسير، الذي هو ثلاث ُليالٍ، وليس كذلك (10) عند أحدٍ من أصحابِ السِّيرِ والتواريخِ؛ فإن غزوةَ ذي قرد كانتْ في جمادى الأولى من السَّنةِ السادسةِ من &(3/536)&$ الهجرةِ، ثم غزا بعدَها بني المصطلقِ في شعبانَ من تلك السنةِ، ثم اعتمر عمرةَ الحديبيةِ في ذي القعدةِ من تلك السنةِ، ثم رجع إلى المدينةِ، وأقام بها ذا الحجَّةِ وبعضَ المحرمِ، وخرج في بقيةٍ منه إلى خيبرَ، هكذا (11) ذكره أبو عمرَ بنُ عبدِالبرِّ (12) وغيرهُ، ولا يكادون يختلفون (13) في ذلك. وهذا الذي وقع في هذا الحديثِ وَهْمٌ من بعضِ الرُّواةِ (14) (15) ، ويحتملُ أن يكونَ النبيُّ (16) ? أغزى سريةً فيهم سلمةُ إلى خيبَر قبلَ فتحِها، فأخبر سلمةُ عن نفِسه وعمَّن خرج معه. وقد ذكر ابنُ إسحاقَ في كتابِ &(3/537)&$ "المغازي (17) " له (18) أنه ? أغزى إليها (19) عبدَالله بنَ رواحةَ (20) قبلَ فتحِها مرتين. والله أعلم (21) .
و((ذو (22) قرد)) المشهور فيه (23) بفتح (24) القافِ والرَّاءِ. وقد قيل فيه (25) بضمِّهما (26) . والقَرَدُ في اللغِة هو: الصوفُ الرديءُ. يقال (27) في المِثل: ((عَثَرتْ على الغَزْل %(1/378)%
__________
(1) في (ح): ((وجهك)).
(2) تحتمل في بعض النسخ بقوله: فراجع؟ منها (ح) ففيها يشبه أن تكون ((بقوله)): وكذلك (أ).
(3) في (أ) و(ز): ((أبو سلمة)).
(4) في (ي): ((عن)) بدل ((على)).
(5) في (ب): ((معمولاً)).
(6) في (ح) و(ي): ((والله))، وفي (ز) لم يتضح.
(7) في (ي): ((وظاهر)).
(8) قوله: ((الكلام)) سقط من (ي).
(9) في (ح): ((الزمن)) و(ي).
(10) في (ح): ((ذلك)).
(11) في (أ): ((هذا)).
(12) "الدرر في اختصار المغازي والسير" (1/196).
(13) في (م): ((مختلفون)).
(14) في (ب): ((الوواة)).
(15) قال الحافظ في "الفتح" (7/460- 461): ((قال القرطبي شارح مسلم في الكلام على حديث سلمة بن الأكوع: لا يختلف أهل السير: أن غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبية فيكون ما وقع في حديث سلمة من وهم بعض الرواة، قال: ويحتمل أن يجمع بأن يقال يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أغزى سرية فيهم سلمة بن الأكوع إلى خيبر قبل فتحها فأخبر سلمة عن نفسه وعمن خرج معه؛ يعني حيث قال: خرجنا إلى خيبر. قال: ويؤيده أن ابن إسحاق ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أغزى إليها عبدالله بن رواحة قبل فتحها مرتين انتهى. وسياق الحديث يأبى هذا الجمع؛ فإن فيه بعد قوله حين خرجنا إلى خيبر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل عمر يرتجز بالقول، وفيه: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : مَنْ السائق، وفيه مبارزة علي لمرحب وقتل عامر وغير ذلك مما وقع في غزوة خيبر حين خرج إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ فعلى هذا ما في "الصحيح" من التاريخ لغزوة ذي قرد أصح مما ذكره أهل السير، ويحتمل في طريق الجمع أن تكون إغارة عيينة بن حصن على اللقاح وقعت مرتين الأولى التي ذكرها بن إسحاق وهي قبل الحديبية، والثانية بعد الحديبية قبل الخروج إلى خيبر، وكان رأس الذين أغاروا عبدالرحمن بن عيينة؛ كما في سياق سلمة، مسلم ويؤيده أن الحاكم ذكر في الإكليل: أن الخروج إلى ذي قرد تكرر، ففي الأولى خرج إليها زيد بن حارثة قبل أحد، وفي الثانية خرج إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - في ربيع الآخر سنة خمس، والثالثة هذه المختلف فيها انتهى. فإذا ثبت هذا قوى هذا الجمع الذي ذكرته والله أعلم)).اهـ.
(16) قوله: ((النبي ?)) ليس في (ز).
(17) في (م): ((الغازي)).
(18) قوله: ((له)) سقط من (ي).
(19) في (ح): ((أهلها)).
(20) في (أ): ((أغزى عبدالله بن رواحة إليها)).
(21) قوله: ((والله أعلم)) سقط من (ز).
(22) في (أ): ((ذو)) بدون الواو الأولى .
(23) في (م): ((منه)).
(24) في (ز): ((فتح)).
(25) في (م): ((فيهما)).
(26) في (ي): ((بضمها)).
(27) في (ز): ((هو الصوت الذي يقال)).(1/378)
بأَخَرَة (1) فلم تَدَعْ =(3/680)=@ لعنز (2) قَرَدة. وهو في الحديثِ: موضعٌ معروفٌ؛ حكى هذا كلَّه السهيليُّ.
وقول عمر – رضي الله عنه -: ((يا رسولَ الله! لولا متَّعْتَنَا به)) أي: هلّا دعوتَ الله أن يمتعنا ببقائه. و((يخطر بسيفه))؛ أي: يهزُّه متكبرًا، ومُرْهبًا للعدوِّ (3) . و((شاكي السلاح)) هو الذي جَمَع عليه سلاحَه (4) . يقالُ فيه (5) : شاكي السلاحِ (6) ، و((شاكِ)) بالكسر، و((شاكُ)) بالرفعِ، و((شائك)) (7) ، وهذا أصوبُ (8) ، وما (9) قبله مقلوب. والشِّكة، والشوكة: السلاحُ. و((مجرَّب)) روايتنا فيه &(3/538)&$ بفتحِ الراءِ على أنه اسمُ (10) مفعولٍ؛ يعني: أنه جُرِّبت حروبُه، وعُلمت. ويصحُّ أن يقالَ بالكسرِ على أنه اسمُ فاعلٍ، يعني: أنه جَرَّبَ الحروبَ بنفسِه، فخَبَرَها.
وقول عامر: ((بطل مغامر))؛ البطلُ: الشجاعُ؛ يقال: بَطَلٌ بيِّنُ البطولةِ والبَطَالةِ. و((المغامرُ)): اسمُ فاعلٍ مِن: غَامَر؛ يعني (11) : أنه يأتي (12) غَمَراتِ (13) الحروبِ ويقتحمُها (14) . وأصلُه من الغَمْر، وهو الماءُ الكثيرُ. و(( يسفّل (15) )) بسيفه؛ أي: يختِل أن يضربَه (16) به، من أسفلِه. =(3/681)=@ %(1/379)%
__________
(1) في (ز): ((باجرة)).
(2) في (ز): ((لغز)).
في النسخ: ((لعنز))؟ والتصويب من "مجمع الأمثال" (2/5)، و"جمهرة الأمثال" (2/48)، و"المستقصى في الأمثال" (2/157)، وهو مثل يضرب في المفرط مع الإمكان ثم الطلب بعد فوات الأوان، وأصله في المرأة تدع الغزل وهي تجد ما تغزله من قطن وكتان وغيره، حتى إذا فاتها ذلك تتبعت القَرد في القمامات فتلتقطه وتغزله، والقَرد: ما تمعط عن الإبل والغنم من الصوف والوبر والشعر من غيرِ جزٍّ. انظر "جمهرة الأمثال" الموضع السابق.
في (ح): ((لعنز)) وهو الصواب إذ العنز هي التي عليها الصوف ((الشعر)) وهي التي يجز صوفها لتغزله الغازلة ويمكن أن يشار لام في "مجمع الأمثال" و"جمهرة الأمثال" بـ لعل الصواب:... [تراجع]
(3) قوله: ((ومرهبًا للعدو)) سقط من (ب) و(ح) و(ي) و(ز) و(م).
(4) في (ز): ((بسلاحه)).
(5) قوله: ((فيه)) سقط من (ح)، وفي (ب) و(م): ((منه)).
(6) قوله: ((السلاح)) سقط من (ب).
(7) في (م): ((ومشابك)).
(8) في (ي): ((أصوب)).
(9) أشير لها بسهم وكتب [تراجع كذا في (ح)].
(10) قوله: ((اسم)) سقط من (ح) و(ي).
(11) قوله: ((يعني)) سقط من (ح). وفي (أ): ((أي يعني)) وفي (ب): ((نعني)).
(12) في (أ): ((يأخذ)).
(13) في (ح): ((غمران)). وفي (ز) و(ب) و(م): ((السندرة)).
(14) في (ح) و(ي): ((ويفتحها)). وفي (ز): ((ويفتحهما))
(15) في (ب): ((وسفل)).
(16) في (ح): ((يجبل أي يضرب)). وفي (ز) و(ب) و(م): ((يحتل أن يضربه من أسفله))، وفي (ي): ((يخيل أي يضرب به)).(1/379)
وقول علي – رضي الله عنه -: ((أنا الذي سمتني (1) أمي حيدره))؛ حيدرة (2) : من أسماءِ الأسدِ، وله أسماءٌ كثيرةٌ. وكان علي – رضي الله عنه - سماه أبوه عليًّا، وسمته أمه أسدًا باسم أبيها، فغلب عليه ما سماه به أبوه، فذكر الآن ما سمتْه به أمُّه لمناسبةِ ما بين الحربِ وصوْلةِ الأسدِ. والهاء في((حيدره)) وفي ((المنظره)) زائدةٌ (3) للاستراحةِ. والمنظرة: النظر. ويعني: أنه كريه النظر في عين عدوِّه؛ لأن موت عدوه مقرونٌ بنظرِه إليه.
و((ليث)) من =(3/682)=@ أسماءِ الأسدِ. و((الغابات)): جمع غابةٍ، وهي %(1/380)%
__________
(1) في (أ): ((سمتنِ)).
(2) أشير لها بسهم وكتب [يراجع] (حيدر).
(3) في (ز): ((زائد)).(1/380)
ملتفُّ الشجرِ؛ لأنها يغيبُ (1) فيها من يَدْخلُها. و((السَّندرة)) (2) : مكياٌل واسعٌ. قال القتبي (3) : ويحتمل أن يكونَ أُخذ من &(3/539)&$ السِّدرةِ (4) وهي شجرةٌ يُعملُ (5) منها النبلُ (6) والقِسيُّ. قال صاحبُ "العين": كيلُ السندرةِ: ضربٌ من الكيلِ، ومعناه: أقتلهُم قتلاً واسعًا. وقيل: السندرةُ: العَجَلةُ؛ أي: أقتلهُم قَتْلاً عجلاً عاجلاً.
وفي هذا الحديثِ من معجزاتِ رسولِ الله ? أربعٌ، ومن الفقه والأحكامِ ما فيه كثرةٌ لا تخفى على فطنٍ، من أهمها: جوازُ استقتالِ (7) المرءِ نفسَه في سبيلِ الله إرادةَ الشهادةِ. واقتحامُِ الواحدِ على الجمعِ؛ إذا كان من أهلِ النجدةِ. وجوازُ المبارزةِ بغيرِ إذنِ الإمامِ. وهو حجَّةٌ على مَن كرهها مطلقًا؛ وهو الحسنُ، وعلى &(3/540)&$ مَن اشترط في جوازها إذنَ الإمام؛ وهو إسحاقُ، وأحمد (8) ، والثوريُّ. ثم هل يعانُ المبارزُ أم لا؟ أجازها أحمدُ وإسحاقُ، ومنعها الأوزاعيُّ، وفسَّر الشافعيُّ فقال: إن شرط المبارزُ عدمَها لم يجز، وإن لم يشترطْ جاز.
وظاهرُ هذا (9) الحديِث: أن الذي قَتَل مَرْحبًا هو عليٌّ - رضي الله عنه - . وقد روي: أن الذي قتله محمد (10) بن مسلمة (11) . وحكى محمدُ بن سعدٍ: أن الذي قتله، محمدٌ، وذفَّفَ (12) عليه عليٌّ رضي الله عنهما. =(3/683)=@ %(1/381)%
__________
(1) في (ح) و(ي): ((تغيب)). وفي (ز): ((بها يغيب)).
(2) في (ز): ((وللسندرة)).
(3) في (ب) و(م) و(ز): ((القتيبي)).
(4) في (ب): ((السندرة)).
(5) في (ز): (((تعمل)).
(6) في (ي): ((التبنل)).
(7) في (ح): ((استقبال)).
(8) في (ز): ((أحمد وإسحاق)).
(9) قوله: ((هذا)) سقط من (ب) و(م).
(10) في (ي): ((قتله هو محمد)).
(11) أخرجه أحمد (15134)، وأبو يعلى (1861)، والحاكم (3/436)، والبيهقي (9/131) من طريق ابن إسحاق: حدثني عبدالله بن سهل،عن جابر بن عبدالله به.
(12) في (ح): ((ودفق)) [وتراجع ل140أ]، والتذفيف: الإجهاز على الجريح وتحرير قتله، ويروى بالدال المهملة؟ "ألنهاية" (2/162).(1/381)
ومن باب: خروج النساء في الغزو
((الخنجر)) بفتح الخاء: السكين، ويقال بكسرها. و((بقرت (1) بطنه)): شققته، ووسعته. و((الطلقاء)) أهل مكة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - منَّ عليهم، وأطلقهم يوم فتح مكة. و((من بعدنا))؛ أي: من وراءنا. &(3/541)&$
وقولها (2) : ((انهزموا بك))؛ أي: انهزموا حتى اتصلتْ (3) هزيمتُهم بك، أو انهزموا (4) عنك، بمعنى: فرُّوا، مُنْكرة ذلك عليهم، ومقبحة لما فعلوا، ظانَّة: أنهم يستحقون القتل على ذلك، وبأنهم (5) لم يتحققوا في الإسلام.
وقوله: ((إن الله قد كفى وأحسن))؛ أي: كفانا مؤنة (6) العدو، وأغنانا (7) عمَّن فرَّ، وأحسن في التمكين (8) من العدوّ والظفر به (9) .
و((يستقين (10) الماء))؛ أي: يحملنه (11) على ظهورهن فيضعنه بقرب الرجال، فيتناوله الرجال بأيديهم فيشربون. و((يداوين))؛ أي: يهيئن (12) الأدوية للجراح ويصلحنها، ولا يلمسن من الرجال ما (13) (14) لا يحل.
ثم =(3/684)=@ أولئك النساء إمَّا متجالاّت (15) ، فيجوز لهن كشف وجوههن، وإمَّا شوابُّ (16) ، فيحتجبن. وهذا كله على عادة نساء %(1/382)%
__________
(1) في (م): ((ونقرت)).
(2) في (م): ((وقوله)).
(3) في (ي): ((وصلت)).
(4) في (ي): ((وانهزموا)).
(5) في (ي): ((وأنهم)).
(6) في (ب): ((مؤونة)).
(7) في (ح): ((وأغنانيا)).
(8) في (ب) و(م): ((التمكن)).
(9) قوله: ((به)) سقط من (ز).
(10) في (ز) و(م) و(ي): ((ويسقين)).
(11) في (ح) مهملة الأول.
(12) في (ح): ((يهبن)).
(13) في (ح): ((من)). و(أ) و(ي) و(ب).
(14) أشير لها بسهم وكتب [تراجع كذا في (ز)].
(15) في (ح) و(ي): ((متجللات)). والمتجالَّة: المرأة العجوز الكبيرة الطاعنة في السن. "النهاية" (1/288).
(16) في (ز): ((الشواب)).(1/382)
العرب في الانتهاض، والنجدة، والجرأة (1) ، والعفة. وخصوصًا نساء الصحابة.
و((مجوِّبٌ عليه (2) بحجفة (3) ))؛ أي: مُترِّسٌ عليه بها تقيه (4) الرمي. و((النَّزع)): الرمي الشديد. و((بأبي أنت وأمي))؛ أى: أفديك بهما، و((أنت)): مبتدأ، وخبره محذوف؛ أي: مفدًى. و((بأبي)) متعلق (5) به. و((الْخَدَم (6) )) هنا: جمع خَدَمة، وهي &(3/542)&$ الخلخال، و((سوقهما)): جمع ساق. وقيل في الخدم: هي سيور (7) من جلود تُجعل في الرِّجل، وقيل: أريد به ها هنا: مخرج الرِّجل من السراويل. ومنه: فرس مُخَدَّم؛ إذا كان أبيض الرُّسغين. وكان هذا منهن (8) لضرورة ذلك العمل في (9) ذلك الوقت. ويحتمل أن يكون ذلك قبل نزول الحجاب. وقد يتمسك (10) بظاهره من يرى (11) =(3/685)=@ أن تلك المواضع ليست بعورة من %(1/383)%
__________
(1) في (م): ((والمجزاة)).
(2) قوه: ((عليه)) سقط من (ح). و(أ) و(ز) و(ي) و(ب) و(م).
(3) في (أ): ((بجحفته))، وفي (ح) و(ز) و(ي): ((بحجفته)).
(4) في (ب) و(م): ((يقيه)). وفي (ز): ((بقيه)).
(5) في (ح) و(ي): ((يتعلق)).
(6) في (ح): ((والجدم)).
(7) في (م): ((ستور)).
(8) في (ز): ((مبين)).
(9) في (أ) و(ب) و(ز): ((وفي)).
(10) في (ز): ((وهو متمسك)).
(11) في (ح) و(ي): ((يريد)).(1/383)
المرأة، وليس بصحيح؛ فإن (1) النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أم سلمة؛ الذي رفعه أبو داود حين سئل (2) : ما تصلي فيه المرأة؟ فقال (3) : ((تصلي في الدرع السابغ الذي يغطي (4) ظهور قدميها)) (5) . وقد أمرت المرأة أن ترخي ثوبها شبرًا، فإن خافت أن
تنكشف (6) أرخته ذراعًا (7) .
و((النُّعاس)): ما يكون في الرأس، والسِّنة: في العين، وقد تقدَّم ذلك. وكان طنين هذا النعاس الذي ألقي عليهم في يوم أحد لطفًا بهم من الله تعالى بهم (8) ، أزال (9) به خوفهم، واستراحوا به من شدَّة التعب، وقويت به نفوسهم. وهكذا فعل الله تعالى بهم يوم بدر. &(3/543)&$ وهو الذي دلّ عليه قوله تعالى: {إذ يغشيكم (10) النعاس أمنة منه (11) } (12) . =(3/686)=@ %(1/384)%
__________
(1) في (ح): ((لأن)).
(2) في (أ): ((سل)).
(3) في (ح): ((قال)).
(4) في (ح) و(أ) و(ي) و(ز) و(م) و(ب): ((يغيب)).
(5) يرويه محمد بن زيد بن قنفد، واختلف عليه في رفعه ووقفه :
فأخرجه أبو داود (1/420-421 رقم640) في الصلاة، باب في كم تصلي المرأة، والدارقطني (1/62) من طريق أبي داود، وغيره، والحاكم (1/250)، والبيهقي (1/233) من طريق الحاكم، وغيره؛ جميعهم من طريق عثمان بن عمر، عن عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار، عن محمد بن زيد بن قنفذ، عن أم محمد بن زيد، عن أم سلمه: أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - : أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: ((إذا كان الدرع سابغًا يغطي ظهور قدميها)).
وأخرجه مالك (1/420 رقم36) في صلاة الجماعة، باب الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار. وعنه أبو داود (1/420 رقم639) في الموضع السابق. وأخرجه البيهقي (2/232) من طريق ابن وهب، عن مالك وابن أبي ذئب وهشام بن سعد وغيرهم: أن محمد بن زيد القرشي حدثهم عن أمه: أنها سألت أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - : ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ فقالت: في الخمار والدرع السابغ الذي يغيب ظهور قدميها .
وقد رجح الموقوف جماعة:
قال أبو داود في "سننه" (1/421): ((روى هذا الحديث مالك بن أنس، وبكر بن مضر، وحفص بن غياث، وإسماعيل بن جعفر، وابن أبي ذئب، وابن إسحاق، عن محمد بن زيد، عن أمه، عن أم سلمة، لم يذكر أحد منهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قصروا به على أم سلمة رضي الله عنها)).
وقال ابن عبدالبر في "التمهيد" (6/367): ((والذين وقفوه على أم سلمة أكثر وأحفظ)).
وقال ابن عبدالهادي في "تنقيح التحقيق" (1/748): ((عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار روى له البخاري في "صحيحه"، ووثقه بعضهم، لكنه غلط في رفع هذا الحديث، والله اعلم ... وقد سئل الدارقطني عن هذا الحديث في "العلل"، فقال: يرويه محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ، عن أمه، عن أم سلمة، واختلف عنه في رفعه، فرواه: عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار عنه مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتابعه هشام بن سعد، عن رواية مالك بن سعد ؟؟؟. وخالفه ابن وهب فرواه عن هشام بن سعد موقوفًا، وكذلك رواه مالك، وابن أبي ذئب، وابن لهيعة، وأبو غسان، ومحمد بن مطرف، وإسماعيل بن جعفر، والدراوردي، عن محمد بن زيد، عن أمه، عن أم سلمة موقوفًا، وهو الصواب)).
وقال عبدالحق في "الأحكام الوسطى" (1/317): ((هذا هو الصحيح أنه من قول أم سلمة، وقد ذكر بعضهم فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - )).
وقال الحافظ في"التلخيص الحبير" (1/506): ((وأعله عبدالحق بأن مالكًا وغيره رووه موقوفًا، وهو الصواب)).
وقال الألباني في تعليقه على "المشكاة" (1/238 رقم763): ((الصواب موقوف، على أنه لا يصح إسناده لا مرفوعًا ولا موقوفًا)).
وله شاهد يأتي في الذي بعده .
(6) في (ح): ((ينكشف)).
(7) يرويه نافع، واختلف عليه: فأخرجه أحمد (2/55)، و(6/293 و315)، وأبو داود (4/365 رقم4118) في اللباس، باب في قدر الذيل، وابن ماجه (2/185 رقم3580) في اللباس، باب ذيل المرأة كم يكون؟ والنسائي (8/209 رقم5339) في الزينة، باب ذيول النساء، وفي "ألكبرى" (5/495 و496 رقم9743 و9744)، وأبو يعلى (12/316 رقم6890).
جميعم من طريق عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة، قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كم تجر المرأة من ذيلها؟ قال: ((شبرًا))، قلت: إذًا ينكشف عنها. قال: ((ذراع لا تزيد عليه)).
وأخرجه مالك في "الموطأ" (2/915 رقم13) في اللباس، باب ما جاء في إسبال المرأة ثوبها ،عن أبي بكر بن نافع، وعنه أبو داود (4/364-365 رقم4117) في الموضع السابق. وابن حبان (12/265-266 رقم5451/الإحسان)، والبغوي (12/13-14 رقم3082).
وأخرجه أحمد (6/295-296 و309)، والدارمي (2/279) في الاستئذان، باب في ذيول النساء، والنسائي في "الكبرى" (5/495 رقم9741)، وأبو يعلى (12/411 -412 رقم6977)، والطبراني في "الكبير" (23/358 رقم840)، والبيهقي (2/233). جميعهم من طريق محمد بن إسحاق .
النسائي (8/209 رقم5338) في الموضع السابق، وأبو يعلى (12/316-317
رقم6891)، أخرجه الطبراني في "الكبير" (23/416-417 و417 رقم 1007 و1008). ثلاثتهم من طريق أيوب بن موسى .
ثلاثتهم - أبو بكر بن نافع، ومحمد بن إسحاق، وأيوب بن موسى -، عن نافع، عن صفية بنت أبي عبيد، عن أم سلمة به .
وأخرجه النسائي في "الكبرى" (5/494-495 رقم9739) عن عمرو بن عثمان، عن الوليد بن مسلم، عن حنظلة بن أبي سفيان، عن نافع، حدثني بعض نسوتنا، عن أم سلمة، به. ولا خلاف بين قول نافع: عن صفية بنت أبي عبيد، وبين قوله: حدثني بعض نسوتنا. وبقي الترجيح بين روايتي سليمان بن يسار، عن أم سلمة، ورواية صفية بنت أبي عبيد، عنها .
فذهب الإمام الدارمي إلى ترجيح رواية سليمان بن يسار، فقال عقب إيراده الحديث من طريق صفية بنت أبي عبيد: ((الناس يقولون: عن نافع، عن سليمان بن يسار)).
قال الألباني في "الصحيحة" (4/478-479 رقم1864) تعقيبًا على كلام الدارمي: ((إن صح هذاالقول، فلا مناص من تصحيح الوجه الأول - أي: طريق صفية بنت أبي عبيد - أيضًا، لا تفاق ثلاثة ثقات عليه كما تقدم، فيكون لنافع فيه إسنادان عن أم سلمة)).
(8) في (ز): ((بهم من الله))، وفي (ب): ((من الله الكريم بهم)).
(9) في (ب) و(م) و(ي) و(ز): ((زال))، وفي (ح): ((ثم زال)).
(10) في (ح) و(ي): ((يغشاكم)).
(11) قوله: ((منه)) سقط من (أ).
(12) سورة الأنفال؛ الآية: 11.(1/384)
ومن باب لا يسهم (1) للنساء (2) من الغنيمة
((نجدة)) هذا هو ابن عامبر (3) الحروري، نسب إلى حروراء، وهي (4) موضع بقرب الكوفة، خرج فيه (5) الخوارج على (6) علي - رضي الله عنه - ، وفيه (7) قُتلوا، وكان نجدة هذا منهم وعلى رأيهم؛ لذلك استثقل (8) ابن عباس مجاوبته، وكرهها، لكن أجابه مخافة (9) جهل يقع له، فيفتي (10) ، ويعمل به.
وقول ابن عباس – رضي الله عنهما -: ((إن النساء كن يُحْذَين (11) من الغنيمة، ولا يسهم لهن منها))؛ هذا مذهب جمهور العلماء: أن المرأة لا يضرب لها بسهم (12) وإن قاتلت، ما خلا الأوزاعي؛ فإنه قال: إن قاتلت أسهم (13) لها. وقد مال إليه ابن حبيب من أصحابنا. وهل يحذين (14) ؛ أي: يعطين (15) من الغنيمة بغير تقدير. فالجمهور على أنهن (16) يرضخ (17) لهن. وقال (18) مالك: لا يرضخ لهن (19) ، ولم يبلغني ذلك.
وكذلك (20) الخلاف في العبد سواء؛ غير أن القائل: بأنه (21) يسهم له إن قاتل؛ هو الحكم، وابن سيرين، والحسن، وإبراهيم. وقد تقدَّم: أن اليتيم (22) في بني آدم من قبل فقد الأب، وفي البهائم من قبل فقد (23) الأم. &(3/544)&$
وقوله: ((متى ينقضي يتم اليتيم؟)) أي: متى ينقضي حكم اليتم عنهم، فيسلم لهم مالهم؛ هذا مما اختلف فيه. فمقتضى كلام ابن عباس هذا، %(1/385)%
__________
(1) في (أ): ((سهم)).
(2) في (م): ((لنساء)).
(3) في (ح): ((عامر)). و(أ) و(ز) و(ي) و(ب) و(م).
(4) في (ز): ((وهو)).
(5) في (ب) و(م) و(ز): ((منها)).
(6) في (ز): ((إلى علي بن أبي طالب)).
(7) قوله: ((وفيه)) سقط من (ح)، وفي (ب): ((وفيها)) و(م).
(8) في (ح): ((استثقل)).
(9) في (ز): ((مجافة)).
(10) قوله: ((فيفتي)) لم تتضح في (م). [وتراجع].
(11) في (ب): ((يحذين كن)). وفي (ز): ((كن يجزين)) وفي (م): ((يحذين ركن من)).
(12) في (م): يشبه أن تكون ((سهم)).
(13) في (ز): ((سهم)).
(14) في (ز): ((يحرين)).
(15) في (ب): يشبه أن تكون ((تططين)).
(16) في (أ): ((أنهم)).
(17) في (ح): ((يرضح)).
(18) في (ز): ((قال)) بلا واو.
(19) قوله: ((لهن)) سقط من (أ).
(20) في (أ): ((وكذا)).
(21) في (ح): ((بأن)).
(22) في (ح) و(ب) و(ي): ((اليتم)).
(23) قوله: ((فقد)) سقط من (أ).(1/385)
ومذهب =(3/687)=@ مالك، وأصحابه، وكافة العلماء: أن مجرد البلوغ لا يخرجه عن اليتم، بل حتى يؤنس رشده، وسداد تصرفه. وقال أبو حنيفة: إذا بلغ خمسًا وعشرين سنة، دفع إليه ماله وإن كان غير ضابط له.
وهل من شرط رفع الحجر عنه العدالة، أو يكفي في ذلك حسن الحال، وضبط المال؛ الأول للشافعي، والثاني للجمهور. وهو مشهور مذهب مالك. ثم إذا كان عليه مقدَّم، فهل بنفس صلاح حاله (1) يخرج من الولاية، أو لا يخرج منها (2) إلا بإطلاق حاكم أو وصي، في كل واحد منهما قولان عن مالك والشافعي، غير أن المشهور من (3) مذهب مالك: أنه لا يخرج منها (4) إلا بإطلاق من (5) حاكم أو وصي. وكافة السَّلف، وأهل المدينة، وأئمة الفتوى على أن (6) الكبير السفية يحجر عليه الحاكم، وشذ أبو حنيفة فقال: لا يحجر عليه. وقد حكى ابن القصَّار في المسألة الإجماع، ويعني به: إجماع أهل المدينة. والله تعالى أعلم.
وقوله: وكتبت (7) تسألني (8) عن الخمس، لمن هو؟ وإنا كنا (9) نقول: هو لنا، فأبى علينا قومنا))؛ هذا الخمس المسؤول عنه هو خمس الخمس، لا خمس الغنيمة، =(3/688)=@ ولا &(3/545)&$ يقول ابن عباس، ولا غيره: إن خمس الغنيمة يصرف في القرابة، %(1/386)%
__________
(1) في (أ): ((الحال)).
(2) في (ب) و(م): ((عنها)).
(3) أشير بسهم وكتب [كذا في (ح)].
(4) قوله: ((منها)) سقط من (أ) و(ب) و(ز) و(م).
(5) قوله: ((من)) سقط من (ح) و(ي).
(6) في (ي): يشبه أن تكون ((أنه)).
(7) في (ب) و(ح) و(ي) و(ز): ((كتبت)) بلا واو.
(8) في (م): يشبه أن تكون ((سألني)).
(9) قوله: ((كنا)) ليست في النسخ و(ح) و(ز) و(ي) و(ب) و(م).(1/386)
وإنما يصرف إليهم خمس الخمس على قول من يقسم خمس الغنيمة على (1) خمسة أخماس (2) ؛ على ما تقدَّم من مذهب الشافعي، وهو الذي أشار إليه ابن عباس، وهو مذهب أحمد بن حنبل.
وقوله: ((فأبى علينا قومنا))؛ كأنه (3) قال: هو لبني هاشم، وقال (4) بنو المطلب: هو لنا. قاله أبو الفرج ابن (5) الجوزي وقد قدَّمنا مذهب مالك في هذا، وحجته عليه.
وقوله: ((وكتبت تسألني عن قتل الصبيان، فلا تقتل (6) الصبيان))؛ هذا مذهب كافة العلماء: أن الصبيان (7) لا يقتلون إلا أن يبيت العدو، فيصاب (8) صبيانهم معهم. وقد تقدَّم: أن الصبيان لا يقتلون (9) لأنهم (10) لا يكون منهم قتال (11) غالبًا، ولأنهم (12) مال.
وقوله: ((إلا أن تكون تعلم (13) منهم ما علم (14) الخضر))؛ يعني: أن قتل الخضر؛ =(3/689)=@ لذلك الصبي كان بأمر الله تعالى له بذلك، وبعد أن أعلمه الله تعالى: أن قتل (15) ذلك الغلام مصلحة لأبويه. وهذا (16) النوع من العلم متعذر (17) %(1/387)%
__________
(1) قوله: ((على)) سقط من (أ).
(2) في (ح) و(ي): ((أقسام)).
(3) في (ب) و(م): ((فإنه)).
(4) في (م): يشبه أن تكون ((قالوا بنوا)) .
(5) قوله: ((ابن)) سقط من (أ) و(ح) و(ز) و(ي).
(6) في (م): ((يقتل)).
(7) من قوله: ((هذا مذهب ....)) إلى هنا سقط من (ح) و(ي).
(8) في (ي): ((فيضاف)) وفي (م): ((فتصاب)).
(9) قوله: ((أن الصبيان لا يقتلون)) سقط من (ب) و(م).
(10) في (ز): ((لأنه)).
(11) في (ح): ((قتال منهم)).
(12) في (ز): ((لأنهم)) بلا واو.
(13) في (م): ((يكون يعلم)).
(14) أشير لها بسهم وكتب [كذا في (ح)].
(15) في (ب) و(ح) و(ي) و(م): ((قتله)).
(16) في (ي): ((هذا)) بلا واو.
(17) أشير لها بسهم وكتب [كذا في (ح)].(1/387)
على السائل وغيره (1) ممن (2) لا يُعلمه الله بذلك، فلا يحل قتل صبي بحال من الأحوال. هذا معنى (3) كلامه.
وقوله: ((لولا أن أرده عن نتنٍ يقع فيه))؛ أي (4) : عن فعل فاحش يستقبحه (5) من سمعه من العلماء، ويستخبثه (6) كما يستخبث الشيء المنتن. وفي الرواية الأخرى: ((لولا أن (7) يقع في أُحْمُوقةٍ)) (8) ؛ أي: في فعل من أفعال الحمقى (9) . يعني به: العمل على غير العلم (10) . &(3/546)&$
وقوله (11) : ((ولا نُعْمَةَ عينٍ))، الرواية بضم النون، وفيها لغات: نَعمة - بفتح النون -، ونعم عينٍ (12) ، ونِعمْ، ونُعْمَى عين (13) ، ونُعامى عين (14) ، ونعيم عين (15) ، ونعام. وكل ذلك بمعنى واحد؛ أي (16) : لا (17) أنعم عينه، ولا أريها (18) ما يسرها. وهي منصوبة على المصدر.
و((البأس)): الحرب. ومنه قوله تعالى: {سرابيل (19) تقيكم الحر (20) وسرابيل تقيكم (21) بأسكم} (22) ، وأصل البأس: الشدة، والمشقة. والله تعالى أعلم (23) (24) (25) . =(3/690)=@ %(1/388)%
__________
(1) وقوله: ((وغيره)) سقط من (م).
(2) في (ب) و(م): يشبه أن تكون ((لمن)).
(3) قوله: ((معنى)) لم يتضح في (ي). [وتراجع].
(4) قوله: ((أرده عن نتن يقع فيه أي)) مطموس في (ح).
(5) في (أ): ((يستفحشه)).
(6) في (ب) و(م): ((أو يستخبثه)).
(7) في (أ) و(م) و(ب) و(ز): ((أنه)) بدل ((أن)).
(8) مسلم (3/1445 رقم1812/139) في الجهاد والسير، باب النساء الغازيات يرضخ لهن ولا يسهم، والنهي عن قتل صبيان أهل الحرب.
(9) في (م): ((الحمقة)).
(10) في (م): ((الحلم)).
(11) أشير لها بسهم وكتب [كذا في (ح)].
(12) في (ز): ((غين)).
(13) قوله: ((عين)) سقط من (أ) و(ح) و(ز) و(ي).
(14) قوله: ((عين)) سقط من (أ) و(ح) و(ز) و(ي).
(15) قوله: ((عين)) سقط من (أ) و(ح) و(ز) و(ي).
(16) في (ح): ((أن)).
(17) في (ز): ((فلا)).
(18) في (ز): ((أربها)).
(19) في (ح): ((وسرابيل)) و(أ) و(ي).
(20) قوله: ((سرابيل تقيكم الحر)) ليس في (ز) و(ب) و(م).
(21) قوله: ((الحر وسرابيل تقيكم)) (ح) فقط وليس في (أ).
(22) سورة النحل؛ الآية: 81.
(23) قوله: ((والله تعالى أعلم)) سقط من (ح) و(أ) و(ي) و(م).
(24) زاد بعدها في (ز): ((تم الجزء الثاني من كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ويتلوه بعده المجلد الثالثة من كتاب الجهاد وهو باب عدد غزوات رسول الله ? ووافق الفراغ منه على يدي أضعف عباد الله وأحوجهم إليه العبد المذنب الفقير إلى رحمة ربه محمود بن عبد الغفور بن يوسف بن عبد العزيز بن عمر العجمي حامدًا لله تعلى ومصليًّا على رسوله محمد ? وعلى آله وصبحه وسلم وذلك بالقدس الشريف في أواخر شهر الله المبارك رمضان سنة ست وتسعين وستمائة أحسن الله خاتمتها آمين آمين آمين رَبّ العالمين)).
(25) إلى هنا انتهت المقابلة من نسخة (ز).(1/388)
ومن باب عدد غزوات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قول زيد بن أرقم - رضي الله عنهما -: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا تسع (1) عشرة غزوة))، وقول بريدة: ((سبع عشرة، قاتل في ثمان منهن (2) ))؛ مخالف لما عليه أهل التواريخ (3) والسِّير. قال محمد بن سعد في كتاب "الطبقات" (4) ، له (5) : إن غزوات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسليمًا كثيرًا سبع وعشرون غزوة (6) ، وسراياه ست وخمسون. وفي رواية: ست وأربعون. والتي قاتل فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بدر، وأحد، والمريسيع، والخندق، وخيبر، وقريظة، والفتح، وحنين، والطائف. قال ابن سعد: هذا الذي اجتمع (7) لنا عليه. وفي بعض الروايات: أنه قاتل في بني النضير (8) ، وفي وادي القرى؛ مُنصرفه من خيبر، وفي الغابة.
قال الشيخ - رحمه الله-: وعلى هذا: فقول زيد بن أرقم وغيره: أنه غزا تسع عشرة غزوة (9) ، أو سبع عشرة، أو ست عشرة؛ إنما أخبر كل واحد (10) منهم عما في علمه، أو شاهده. والله تعالى أعلم. &(3/547)&$
وقول زيد بن أرقم (11) : ((إن أول غزوة غزاها ذات العشير))؛ يقال (12) بالشين =(3/691)=@ والسين. ويزاد عليها((ها))، فيقال (13) : العشيرة. وهو موضع بقرب الينبوع سكن بني مدلج، بينه وبين المدينة تسعة برد. وهذا مخالف لما قاله (14) أهل %(1/389)%
__________
(1) في (ب): ((عثرة)).
(2) في (ح) و(م) و(ب) و(ي): ((منهن كله مخالف)).
(3) .
(4) (2/5-6).
(5) قوله: ((له)) سقط من (ب) و(م).
(6) قوله: ((غزوة)) سقط من (أ) و(ب) و(م).
(7) في (ي): ((أجمع)).
(8) في (ح) و(ب) و(ي): ((النظير))و(أ).
(9) قوله: ((غزوة)) سقط من (أ) و(ب) و(م).
(10) قوله: ((واحد)) سقط من (ب) و(ح) و(ي) و(م).
(11) قوله: ((بن أرقم)) سقط من (أ) و(ح) و(ي) و(ب) و(م).
(12) في (م): ((تقال)).
(13) في (ي): ((فقال)).
(14) في (ح): ((نقله)).(1/389)
التواريخ (1) والسير. قال محمد بن سعد: كان قبل غزوة العشيرة ثلاث (2) غزوات؛ يعني: غزاها بنفسه. وقال أبو عمر بن عبد البر: أول غزوة غزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة ودّان، غزاها بنفسه في صفر، وذلك: أنه وصل إلى المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، وأقام (3) بها (4) بقية ربيع الأول، وباقي العام كله إلى صفر من (5) (6) سنة اثنتين (7) من الهجرة، ثم خرج في صفر المذكور، واستعمل على المدينة سعد بن عبادة حتى بلغ ودّان، فوادع بني ضمرة، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربًا، وهي المسماة: بغزوة الأبواء، ثم أقام بالمدينة إلى ربيع الآخر من السنة المذكورة، ثم خرج منها، واستعمل على المدينة السَّائب بن عثمان بن مظعون، حتى بلغ بواط من ناحية رضوى، ثم رجع، ولم يلق حربًا، ثم أقام (8) بها بقيه ربيع الآخر، وبعض جمادى الأولى (9) ، ثم خرج (10) غازيًا، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبدالأسد، وأخذ على طريق ملل (11) إلى العشيرة، فأقام بها بقية (12) جمادى الأولى، وليالي (13) من جمادى &(3/548)&$ الآخرة، ووادع فيها بني مدلج، ثم رجع، ولم يلق حربًا، ثم كانت بعد ذلك غزوة بدر الأولى بأيام قلائل. هذا الذي لا يشك (14) فيه أهل التواريخ (15) والسّير، فزيد بن أرقم إنما أخبر عما عنده، والله تعالى أعلم.
وقول جابر - رضي الله عنه - : ((لم أشهد بدرًا ولا أُحدًا))؛ هذا هو الصحيح، وقد ذكر ابن الكلبي (16) : إنه شهد أُحدًا، وليس بشيء.
وقوله: ((منعني أبي))، سبب منعه له: أنه كان لجابر أخوات، ولم يكن لأبيه =(3/692)=@ عبدالله من يقوم عليهن غيره، فحبسه عن الغزو لذلك، كما جاء في الرواية الأخرى، وقتل أبوه يوم أحد (17) ، وهو عبدالله بن عمرو (18) ابن حرام الأنصاري (19) . %(1/390)%
__________
(1) في (م): ((التاريخ)).
(2) في (ب): ((بثلاث)).
(3) في (أ): ((أقام)).
(4) قوله: ((بها)) سقط من (ح).
(5) قوله: ((من)) سقط من (ب) و(م).
(6) قوله: ((العام كله إلى صفر من)) مطموس في (ح).
(7) في (م): ((اثنين)).
(8) في (ب) و(م): ((وأقام)) بدل ((ثم أقام)).
(9) في (ح) و(ي): ((الأول)).
(10) في (ي): ((خزح)).
(11) في (ب) و(ح) و(م): ((سلك)). وفي (ي): ((ملك)).
(12) قوله: ((بقية)) سقط من (ي).
(13) في (ح) و(ي): ((وليالٍ)).
(14) في (ب): ((تشك)).
(15) في (م): ((التاريخ)).
(16) في (م): ((الكليبي)).
(17) في (ب) و(م): ((يومئذ)).
(18) قوله: ((ابن عمرو)) سقط من (ح).
(19) قوله: (( وهو عبدالله بن عمرو بن حرام الأنصاري)) إلى هنا سقط من (ب) و(م).(1/390)
ومن باب غزوة ذات الرِّقاع
كانت هذه الغزوة في جمادى الأولى من السنة الرابعة من الهجرة، وذلك: أنه خرج - صلى الله عليه وسلم - من المدينة في الشهر المذكور، واستعمل على المدينة أبا ذر، وقيل: =(3/693)=@ &(3/549)&$ عثمان بن عفان، وغزا نجدًا يريد بني محارب، وبني ثعلبة بن سعد بن غطفان، فتوافقوا ولم يكن بينهم قتال، وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ صلاة الخوف.
وفي تسمية هذه الغزوة بذات الرّقاع أربعة أقوال:
أحدها: كما (1) قاله جابر.
والثاني: لأنهم رقعوا راياتهم.
والثالث (2) : لشجرة (3) هنالك (4) كانت تدعى: ذات الرقاع، وكان المشاة يجعلون عليها رقاعًا.
والرابع: لجبل (5) كان هناك، كانت أرضه ذات ألوان.
وفي هذا الحديث ما يدل على ما كانوا عليه من شدة الصبر والجلد، وتحمل تلك الشدائد (6) العظيمة، وإخلاصهم في أعمالهم، وكراهية إظهار أعمال البر، والتحدث بها (7) إذا لم تدع إلى ذلك حاجة. والله أعلم (8) . =(3/694)=@ %(1/391)%
__________
(1) في (ب) و(ح): ((ما)).
(2) في (ي): ((والثالث)).
(3) في (أ): ((بشجرة)).
(4) قوله: ((هنالك)) سقط من (أ) و(ح).
(5) في (أ): ((بجبل)).
(6) إلى هنا انتهت المقابلة من نسخة (م).
(7) قوله: ((بها)) سقط من (ح).
(8) قوله: ((والله أعلم)) سقط من (أ) و(ح).(1/391)
كتاب المفهم
لما أشكل من تلخيص مسلم
لأبي العباس أحمد بن عمر الأنصاري القرطبي
تقديم وتحقيق:
د. عبد الهادي التازي
الجزء الثاني(2/392)
ومن باب تحريم الدماء والأموال والأعراض
قوله: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض))؛ اختلف في معنى هذا اللفظ (1) على أقوال كثيرة. وأشبه ما فيها ثلاثة أقوال: =(5/42)=@
أحدها: قاله إياس بن معاوية (2) ، وذلك: أن المشركين كانوا يحسبون السنة (3) اثني عشر شهرًا وخمسة عشر يومًا، فكان الحجُّ يكون (4) في رمضان، وفي ذي القعدة، وفي كل شهر من السَّنة بحكم استدارة الشهر بزيادة الخمسة عشر يومًا، فحجَّ أبو بكر - رضي الله عنه - سنة تسع في ذى القعدة (5) ،(بحكم الاستدارة، ولم يحج النبي - صلى الله عليه وسلم - . فلما كان في (6) العام المقبل وافق الحجّ ذا الحجَّة في العشر، ووافق ذلك الأهلة. وقد روي أن أبا بكر إنما حجَّ في ذي الحجة.
الثاني: روى (7) عن ابن عباس (8) : أنَّه قال: كانوا إذا كانت السنه التي ينسأ فيها، قام خطيبهم وقد اجتمع إليه الناس يوم الصَّدر فقال: أيها الناس! إني قد نسأت العام صفرًا الأول. يعني: الْمُحَرَّم. فيطرحونه من الشهور (9) ، ولا يعتدُّون به (10) . ويبدؤون العدَّة، فيقولون لصفر وشهر ربيع الأول: صفران، ولربيع (11) الآخر وجمادى الأولى (12) : شهر ربيع، ولجمادى الآخرة ورجب: جماديان، ولشعبان: رجب، ولرمضان: شعبان، وهكذا (13) إلى محرَّم (14). %(2/393)%
__________
(1) في (ح): ((في هذا المعنى)).
(2) لم أجده من رواية إياس بن معاوية، ولكن وجدته من رواية أبي مالك وهو غزوان الغفاري قال: كانوا يجعلون السنة ثلاثة عشر شهرًا فيجعلون المحرم صفرًا فيستحلون فيه المحرمات، فأنزل الله : {إنما النسيء زيادة في الكفر}.
رواه ابن جرير (14/249 رقم16715) عن سفيان بن وكيع، عن عمران بن عيينة، عن حصين - وهو ابن عبدالرحمن السلمي -، عن أبي مالك به. وهذا إسناد ضعيف: سفيان بن وكيع قال عنه الحافظ في "التقريب" (2469): ((كان صدوقًا إلا أنه ابتلي بوراقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنصح فلم يقبل فسقط حديثه. وعمران بن عيينة صدوق له أوهام)).
(3) في (ح): ((وفي كل سنة من الشهر)).
(4) في (ك): ((يقع)).
(5) من قوله: ((بحكم الاستدارة....)) إلى هنا سقط من (ح).
(6) قوله: ((في)) سقط من (ح) و(ك).
(7) في (ح): يشبه ((يروى)).
(8) روى الطبري (14/245 رقم 16706): حدثنا المثنى، حدثنا عبدالله بن صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس...، هو: أن جنادة بن عوف بن أمية الكناني كان يوافي الموسم في كل عام، وكان يكنى أبا ثمامة، فينادي: ألا إن أبا ثمامة لا يجاب ولا يعاب، ألا وإن صفر العام الأول حلال، فيحله الناس، فيحرم صفر عامًا ويحرم المحرم عامًا. وعزاهالسيوطي في "الدر المنثور" (4/188) إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.
ولكن روى عبدالرزاق في "تفسيره" (2/275)، ومن طريقه ابن جرير (14/248 رقم16713)، ونسبه السيوطي في "الدر" (4/9) إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ من طريق معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بمعنى ما ذكره المؤلف.
(9) في (ف): ((الشهر)).
(10) قوله: ((به)) سقط من (ك).
(11) في (ح): ((وربيع)).
(12) في (ح): ((الأول)).
(13) في (ك) و(ح) و(ف): ((هكذا)) بلا واو.
(14) في (ف): ((المحرم)).(2/393)
ويبطلون من هذه السَّنة شهرًا، فيحجون في كل سنة (1) حجتين. ثم ينسأ في السَّنة الثالثة صفرًا الأوّل في عدَّتهم (2) ، وهو الأخير (3) &(5/33)&$ في العدَّة المستقيمة، حتى يكون حجهم (4) في صفر حجتين. وكذلك الشهور كلها حتى يستدير (5) الحجَّ في كل أربع وعشرين سنة إلى المحرم الشهر الذي ابتدؤوا (6) فيه النَّساء. ونحوه قال ابن (7) الزبير، إلا أنه قال: يفعلون ذلك في كل ثلاث سنين، يزيدون شهرًا. قيل (8) : وكانوا يقصدون بذلك موافقة شهور العجم لشهور الأهلة حتى تأتي الأزمان واحدة.
الثالث: قيل (9) : كانت العرب تحجُّ عامين في ذي القعدة، وعامين في ذي الحجة (10) ، فصادفت حجَّة أبي بكر - رضي الله عنه - ذا القعدة من السَّنة الثانية. وصادفت حجَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - ذا الحجة بالاستدارة (11) . =(5/43)=@
والأشبه القول الأول؛ لأنَّه هو الذي استفيد نفيه من قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((إن الزمان قد استدار))؛ أي: زمان الحجِّ عاد إلى وقته الأصلي؛ الذي عينه الله تعالى له يوم خلق السموات والأرض بأصل المشروعية التي سبق بها علمه، ونفذ بها حكمه. ثم قال: ((السَّنة اثنا (12) عشر شهرًا))؛ ينفي بذلك الزيادة التي زادوها في السنَّة؛ وهي الخمسة عشر يومًا بتحكمهم (13) . ثمَّ هذا موافق لقوله تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم} (14) ، فتعيَّن الوقت الأصلي، وبطل التحكُّم الجهليّ. والحمد لله (15) .
قلت: وهذه أقوال سلف هذه الأمَّة، وعلماء أهل السُّنة، وقد تكلَّم على هذا الحديث بعض من يدَّعي علم التعديل بقولٍ صدر عنه من غير تحقيق ولا تحصيل، فقال: إن الله سبحانه أول ما خلق الشمس (16) أجراها في %(2/394)%
__________
(1) في (ح) و(ف): ((شهر))، وأشار في حاشية (ك) قوله: ((في شهر)).
(2) قوله: ((في عدتهم)) سقط من (ك).
(3) في (ك) و(ح): ((الآخر)).
(4) في (ح) و(ك): ((حتى تكون حجتهم)).
(5) في (أ): ((يستديم)).
(6) في (ف): ((ابتدأ)).
(7) في (أ): ((الزبير)).
(8) في (ف): ((قبل)).
(9) في (ف): ((قبل)).
(10) في (ح): ((في الحجة)).
(11) رواه ابن جرير الطبري (14/248 رقم 16714) عن محمد بن عبدالأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد به. وهذا إسناد صحيح.
(12) في (ف): ((اثني)).
(13) في (ف): ((بتحكيمهم)).
(14) سورة التوبة؛ الآية: 36.
(15) في (ك): ((ولله الحمد))، وفي (ح): ((والحمد لله الولي)).
(16) في (ح): ((خلق الله الشمس)).(2/394)
برج الحمل، وكان الزمان الذي أشار إليه (1) النبي - صلى الله عليه وسلم - صادف حلول الشمس في برج الحمل (2) .
قلت: وهذا تقوُّل بما لم يصحّ نقله؛ إذ مقتضى قوله: إن الله تعالى خلق البروج قبل الشمس، وأنه أجراها في أول برج الحمل. وهذا لا (3) يتوصل (4) إليه إلا بالنقل (5) عن الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم (6) - ولا نقل (7) صحيحًا (8) عنهم بشيء &(5/34)&$ من ذلك. ومن ادَّعاه فليُسْنده. ثمَّ: إن العقل يجوز خلاف ما قال. وهو: أن يخلق (9) الله تعالى الشمس قبل البروج. ويجوز أن يخلق كل (10) ذلك دفعة واحدة. ثم إن علماء التعديل قد اختبروا كلام ذلك الرجل فوجدوه خطأ صراحًا؛ لأنَّهم اعتبروا بحساب التعديل اليوم الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - (11) ذلك القول، فوجدوا الشمس فيه في برج الحوت بينها (12) وبين الحمل عشرون درجة. ومنهم من قال: عشر درجات، والله تعالى أعلم (13) .
وقوله: ((منها أربعة حرم))؛ أي: من الاثني (14) عشر شهرًا، وأولها (15) المحرم. =(5/44)=@ سُمي بذلك: لتحريم القتال فيه. ثمَّ صفر. سُمي بذلك: لخلوِّ مكة من أهلها فيه. وقيل: وقع فيه وباءٌ فاصفرَّت وجوههم. أبو عبيد (16) : لصفر (17) الأواني من اللَّبن. ثم الربيعان: لارتباع (18) الناس فيهما؛ أي: لإقامتهم في الربيع. ثم جماديان، وسُميا (19) بذلك: لأن الماء جمد فيهما. ثم رجب، وسُمي (20) بذلك: لترجيب العرب إياه؛ أي: لتعظيمهم له، أو لأنَّه (21) لا قتال فيه. والأرجب: الأقطع. ثم شعبان. وسُمي بذلك: لتشعب القبائل فيه. ثم رمضان. وسمي بذلك: لشدَّة الرمضاء فيه. ثم شوَّال. وسُمي بذلك: لأن اللقاح تشول فيه أذنابها. ثم ذو القعدة، سُمي (22) بذلك لقعودهم فيه عن الحرب. ثم ذو الحجَّة، وسمي بذلك: لأن الحجَّ فيه. ويجوز في ((فاء)): ذي القعدة وذي الحجَّة الفتح والكسر، غير أن %(2/395)%
__________
(1) في (أ) و(ح) و(ف): 0(به)) بدل ((إليه)).
(2) قال المازري كما في "إكمال المعلم" (5/480) وقد وقفت للخوارزمي على تأويل لهذا الحديث، غرَّه فيه ما قد سُبق إليه من علم التخيم، فقال: فذكره.
(3) في (ح): يشبه ((وهو الا)) بدل ((وهذا لا)).
(4) في (ح): ((يوصل)).
(5) في (ف): ((بالنفل)).
(6) في (أ): ((الأنبياء عليهم السلام)).
(7) في (ف): ((نقلاً)).
(8) في (ح): ((صحيح)).
(9) في (ف): يشبه ((لخلق)).
(10) قوله: ((كل)) سقط من (ح) و(ك).
(11) في (أ) و(ف): ((قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه)).
(12) في (ف): ((بينهما)).
(13) ألحق ناسخ (ف) في الهامش: ((قال شيخنا المنذري لو كان الأمر كما قال من حلول الشمس الحمل يوم النحر سنة عشر لم يكن فيه فائدة وليس بمهم أن يذكر فيه فائدة وليس بمهم أن يذكر في خطبته أن الشمس قد حلت الحمل؛ لن ذلك لا يفيد حكمًا ولا يليق به أن يترك ما هو المهم من تعليم الأحكام إلى مثل هذا. وأما مطابقة ذي الحجة في النسيء لذي الحجة الذي وصفه الله يوم خلق السموات والأرض ففيه فائدة التعليق بالحكم وهو أن ذي الحجة الذي وضعه الله تعالى متعين لإفاضة الحج فيه وقد قيل إنهم كانوا ينسئون سنتين بسنتين ولما حج أبو بكر سنة تسع وقع في ذي الحجة أيضًا. وكتب صح.
(14) في (أ): ((اثنى)).
(15) في (ك): ((أولها)) بلا واو.
(16) في (أ) و(ف): ((أبو عبيدة)).
(17) في (ح): ((بصفر)).
(18) في (أ): ((لاتباع)).
(19) في (ح): ((فسميا)).
(20) في (ح): ((سمي)).
(21) في (ك): ((ولأنه)).
(22) في (أ): ((وسمّي)) و(ك).(2/395)
الفتح في ((القعدة (1) )) أفصح.
وسميت الْحُرُم (2) حرمًا: لاحترامها وتعظيمها بما خصَّت به (3) من أفعال البر، وتحريم (4) القتال، وتشديد أمر البغي والظلم فيها (5) . وذلك: أن العرب كانت في غالب أحوالها، ومعظم أوقاتها قبل مجيء الإسلام أهل غارة، ونهب، وقتال، وحرب، يأكل القوي الضعيف، ويصول على المشروف الشريف، لا يرجعون لسلطان قاهر، ولا لأمر (6) جامع، وكانوا فوضى فضا (7) ، من غلب سلب، ومن عز بزَّ، لا يأمن لهم سِرب، ولا يستقر لهم (8) حال. فلطف الله تعالى بهم أن جعل (9) في نفوسهم احترام أمور يمتنعون فيها من الغارة، والقتال، والبغي، والظلم، فيأمن بها (10) بعضهم من بعض، ويتصرَّفون فيها في &(5/35)&$ حوائجهم، ومصالحهم، فلا يهيج فيها أحدٌ أحدًا (11) ، ولا يتعرَّض له، حتى إن الرَّجل يلتقي فيها بقاتل (12) أبيه وأخيه فلا يتعرض له بشيء، ولا بغدر (13) ؛ بما جعل الله تعالى في قلوبهم من تعظيم تلك الأمور. ولا يبعد أن يكون أصل ذلك مشروعًا لهم من دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام (14) ؛ كالحجِّ، والعمرة، وغيرهما مما كان عندهم من شرائعهما. =(5/45)=@
وهذه الأمور من الزمان: الأشهر الحرم. ومن المكان: حرم مكة. ومن الأموال: الهدى والقلائد. ويشهد لما ذكرناه قوله تعالى: {يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتالٌ فيه كبير} (15) ، وقوله تعالى: {منها أربعة حُرُم} (16) ، ثم قال: {ذلك الدِّين القيّم} (17) ، وقوله تعالى في الحرم: {ومن %(2/396)%
__________
(1) في (ح) و(ك): ((ذي القعدة)).
(2) في (ف): ((المحرم)).
(3) في (أ): ((فيه)).
(4) في (ح): ((تحرم)).
(5) قوله: ((فيها)) سقط من (أ) و(ف).
(6) في (ح) و(ك): ((أمر)).
(7) في (ك): ((فضي)) وفي (ح): ((فضاض غلب)) وتراجع.
(8) في (ح): ((بهم))، وفي (ف): ((ولا نستقر بهم)).
(9) في (ح) و(ك): ((بأن جعل)).
(10) قوله: ((بها)) سقط من (ح).
(11) في (ف): ((أحد على أحد)).
(12) في (ح): ((قاتل)).
(13) في (أ): ((يقدر))، وفي (ح): ((بقدر)). تراجع النسخ، وفي (ك) و(ف): ((ولا يقدر)).
(14) أشير لها بسهم وكتب: كذا في (ح): ((الصلاة والسلام)).
(15) سورة البقرة؛ الآية: 217.
(16) سورة التوبة؛ الآية: 36.
(17) سورة التوبة؛ الآية: 36.(2/396)
دخله كان آمنًا} (1) ، وقوله: {أولم يروا أنَّا جعلنا حرمًا آمنًا ويتخطف الناس من حولهم} (2) ، وقوله: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنًا} (3) ، وقوله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد} (4) ، ومعنى كون هذه الأمور قيامًا للناس؛ أي: تقوم بها أحوالهم، وتنتظم بها مصالحهم من أمر أديانهم ومعايشهم (5) . هذا معنى ما قاله المفسرون. فلما جاء الإسلام لم يزد (6) تلك الأمور إلا تعظيمًا وتشريفًا، غير أنه لما حدَّ الحدود، وشرع الشرائع، ونصب العقوبات والزواجر؛ اتفقت كلمة المسلمين، والتزمت شرائع الدين، فأمن الناس على دمائهم ونفوسهم، وأموالهم، فامتنع أهل الظلم من ظلمهم، وكف أهل البغي عن بغيهم، واستوى في الحق القويّ والضعيف، والمشروف والشريف. فمن صدر عنه بغي، أو عدوان قمعته (7) كلمة الإسلام، وأقيمت عليه الأحكام، فحينئذ لا يعيده (8) شيء من تلك المحرَّمات، ولا يحول بينه وبين حكم الله تعالى أحدٌ من المخلوقات. فالحمد لله الذي هدانا لهذا الدِّين القويم، والمنهج المستقيم. وهو المسؤول بأن ينعم علينا بالدَّوام، والتَّمام، ويحشرنا (9) في زمرة واسطة النظام محمد (10) عليه الصلاة والسلام.
والْهَدْي: ما يُهدى من الأنعام إلى البيت الحرام (11) والقلائد؛ يعني به (12) : ما &(5/36)&$ تُقلَّدُ به الهدايا، وذلك بأن (13) يجعل في عنق البعير حبل يُعلَّق فيه (14) نعل، كما تقدَّم في %(2/397)%
__________
(1) سورة آل عمران؛ الآية: 97.
(2) سورة العنكبوت؛ الآية: 67.
(3) سورة البقرة؛ الآية: 125.
(4) سورة المائدة؛ الآية: 97.
(5) في (أ) و(ف) و(ح): ((ومعاشهم)).
(6) في (ف): ((تزد)).
(7) في (ك): ((فمنعته)).
(8) في (أ): ((يعيده)).
(9) في (ح): ((وأن يحشرنا)).
(10) في (أ): ((بمحمد)) وقوله: ((محمد عليه الصلاة والسلام)) سقط من (ح).
(11) في (أ): ((ما يهدى إلى مكة من الأنعام)).
(12) قوله: ((يعني به)) سقط من (ح).
(13) في (ف): ((أنه)).
(14) في (ح): ((به)).(2/397)
كتاب الحج. ويعني بذلك: أن الهدي مهما أُشعر وقُلِّد لم يجز لأحد أن يتملَّكه، ولا أن يأخذه إن وجده. بل يجب عليه (1) أن يحمله إلى مكة إن أمكنه ذلك حتى يُنْحَر هناك على ما تقدَّم. =(5/46)=@
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((ثلاثة (2) متواليات))؛ أي: يتلو بعضها بعضًا، كما قد قال في الرواية ا لأخرى: ((ثلاثة (3) سردٌ، وواحدٌ فرد)).
وقوله: ((رجب مُضَر الذي بين جمادى وشعبان))؛ هذه مبالغةٌ في تعيين هذا الشهر ليتميَّز (4) عمَّا كانوا يتحكَّمون به من النَّساء، ومن تغيير (5) أسماء الشهور. وقد تقدَّم: أنهم كانوا يسقطون من السَّنة شهرًا وينقلون اسم الشهر للَّذي (6) بعده، حتى سَمُّوا شعبان رجبًا. ونسبة هذا الشهر لِمُضَر: إما لأنهم أول من عظمه، أو: لأنهم (7) كانوا أكثر العرب له تعظيمًا، واشتهر (8) ذلك حتى عرف بهم (9) .
وقوله: ((أيُّ شهر هذا؟)) و: ((أيُّ بلد هذا؟)) و: ((أيُّ يوم هذا؟)) وسكوته بعد كل واحد منها؛ كان ذلك منه (10) استحضارًا لفهومهم (11) ، وتنبيهًا لغفلتهم، وتنويهًا بما يذكره لهم؛ حتى يُقبلوا عليه بكليتهم، ويستشعروا عظمة حرمة ما عنه يخبرهم. ولذلك قال بعد هذا: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، %(2/398)%
__________
(1) قوله: ((عليه)) سقط من (ح).
(2) في (ك) و(ح): ((ثلاث)).
(3) في (أ) و(ف): ((ثلاث)).
(4) في (ك): ((أسماء الشهور لتتميز)).
(5) في (ح): ((تغير)).
(6) في (ف): ((الذي)) بدل ((للذي)).
(7) في (أ): ((أنهم)).
(8) في (أ): ((واستمر)).
(9) ألحق ناسخ (ف) في الهامش: ((وقيل لأن ربيعة كانت تجعل رجبًا رمضان وتبقيه مضر على حاله فهذا إضافته إليهم)) وكتب صح و؟؟؟.
(10) قوله: ((منه)) سقط من (ف).
(11) في (ف): ((لفهومهم)) كذا رسمت.(2/398)
في شهركم هذا)). وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - مبالغة في بيان تحريم هذه الأشياء، وإغياءٌ (1) في التنفير عن الوقوع فيها؛ لأنَّهم كانوا قد اعتادوا فعلها، واعتقدوا حليتها، كما تقدَّم من (2) بيان أحوالهم، وقبح أفعالهم (3) . =(5/47)=@
وقوله: ((وسَتَلْقُون (4) ربكم فيسألكم (5) عن أعمالكم))؛ أي: ستوقفون (6) في موقف (7) العرض موقف من لقي (8) فحبس حتَّى تعرض عليه أعماله، فيسأل عنها، وهذا إخبارٌ بمقام عظيم، وأمر هائل، لا يُقْدَرُ قدرُه (9) ، ولا يتصور هوله، أصبح الناس عن التذكر فيه معرضين، وعن الاستعداد له متشاغلين. فالأمر كما قال (10) في كتابه &(5/37)&$ المكنون: {قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون} (11) . فنسأل الله تعالى من فضله أن يوقظنا من رقدتنا، وينبهنا من غفلتنا، وبجعلنا ممن استعدَّ للقائه، وكُفِي فواجِىءَ نِقْمَه وبلائه.
وقوله: ((فلا ترجعوا بعدي ضُلالاً - وفي أخرى (12) : كفارًا - يضرب بعضكم رقاب بعض))؛ بهذا وأشباهه كفر الخوارج عليًّا، ومعاوية، وأصحابهما (13) . وهذا إنما صدر عنهم؛ لأنَّهم سمعوا الأحاديث ولم يُحط بها فهمهم (14) ، كما قرؤوا القرآن ولم يجاوز (15) تراقيهم (16) ، فكأنهم (17) ما قرؤوا قول الله تعالى (18) : {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} إلى قوله تعالى (19) : {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} (20) ، فأبقى (21) عليهم (22) اسم الإيمان وأخوّته، مع أنهم قد تقاتلوا، وبغت إحداهما على الأخرى، وقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفرُ ما دون ذلك لمن يشاء} (23) ، والقتل ليس بشرك %(2/399)%
__________
(1) في (أ): ((وإعياء)).
(2) في (ح) و(ك): ((في)).
(3) في (ك): ((فعالهم)).
(4) في (أ): ((ستلقون)) بلا واو.
(5) في (أ): ((فيسلكم)).
(6) في (ك): ((ستقفون)).
(7) قوله: ((موقف)) سقط من (ح) و(ك).
(8) في (ف): ((ألقي)).
(9) في (ك): ((لا يقدر على رده)).
(10) في (ح): ((قاله)).
(11) سورة ص؛ الآية: 67-68.
(12) قوله: ((ضلالاً وفي أخرى)) سقط من (ح).
(13) في (ف): ((وأصحابه)).
(14) في (أ) و(ف): ((فهومهم)).
(15) أشير لها بسهم وكتب: كذا في (أ).
(16) في (ح): ((تراقهم)).
(17) في (ف): ((كأنهم)).
(18) في (ح): ((عز وجل)).
(19) أشير لها بسهم وكتب: كذا في (أ).
(20) سورة الحجرات؛ الآيتان: 9-10.
(21) في (ف): ((وأبقى)).
(22) في (ح): ((عليه)).
(23) سورة النساء؛ الآيتان: 48، 116.(2/399)
بالاتفاق والضرورة. وكأنهم لم يسمعوا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((تبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إلا بالحق. فمن وفيّ منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارةٌ له))، وقد تقدم هذا المعنى في كتاب الايمان (1) . =(5/48)=@
وإنَّما يُحمل الحديث على التشبيه تغليظًا؛ وذلك: أن المسلمين إذا تحاجزوا، وتقاتلوا (2) ؛ فقد ضلَّت الطائفة الباغية منهما، أو (3) كلاهما إن كانتا باغيتين عن الحق، وكفرت حق الأخرى وحرَّمتها. وقد تشبَّهوا بالكفار. وكأنه - صلى الله عليه وسلم - اطَّلع على ما يكون في (4) أمَّته من الْمِحَن والفتن، فحذَّر من ذلك، وغلَّظه بذلاً للنصيحة (5) ، ومبالغة في الشفقة ?.
وقوله: ((ألا ليبلِّغ الشاهد الغائب))؛ أمرٌ بتبليغ العلم، ونشره. وهو فرض من فروض الكفايات.
وقوله: ((فلعل بعض من يبلغه يكون أوعى له ممن سمعه))؛ حجة على &(5/38)&$ جواز أخذ العلم والحديث عمَّن لا يفقه ما ينقل (6) ؛ إذا أدَّاه كما سمعه. وهذا كما قال - صلى الله عليه وسلم - فيما خرَّجه الترمذي (7) : ((نضَّر الله امرأً سمع منَّا حديثًا فبلَّغه غيره كما سمعه، فربَّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه، وربَّ حامل فقه ليس بفقيه)) (8) .
فأمَّا نقل الحديث بالمعنى: فمن جوَّزه إنَّما جوَّزه من الفقيه العالم بمواقع الألفاظ. ومن أهل العلم من منع ذلك (9) مطلقًا. وقد تقدَّم ذلك. %(2/400)%
__________
(1) وسيأتي في باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له من كتاب الحدود.
(2) في (أ): ((تقابلوا)).
(3) في (أ) و(ف): ((و)) بدل ((أو)).
(4) في (ف): ((من)) بدل ((في)).
(5) في (ك): ((منه للنصيحة)).
(6) في (ح): يشبه ((ينقل)).
(7) ؟؟؟.
(8) تقدم تخريجه في اب مباني الإسلام من كتاب الإيمان.
(9) في (ح): ((من ذلك)).(2/400)
وفيه حجَّة: على أن المتأخر قد يفهم من الكتاب والسُّنة ما لم يخطر للمتقدم؛ فإن الفهم فضل الله يؤتيه من يشاء. لكن هذا يندر ويقل، فأين البحر من الوَشَل (1) (2) . والعَلُّ من العَلَلِ. ليس التكحُّل في العينين كالكَحَل.
وقوله: ((ألا هل بلَّغت))؛ استفهام على جهة التقرير؛ أي: قد بلغتكم ما =(5/49)=@ أمرت بتبليغه لكم، فلا عُذر لكم (3) ؛ إذ لم يقع مني تقصير في التبليغ. ويحتمل: أن يكون على جهة استعلام ما عندهم، واستنطاقهم بذلك، كما تقدَّم في حديث جابر (4) ، حيث ذكر خطبته - صلى الله عليه وسلم - بعرفة فقال: ((وأنتم تسألون عنِّي، فما أنتم قائلون؟)) قالوا: نشهد: أنك قد بلَّغت، وأدَّيت(، ونصحت. فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، ويَنْكُبُها (5) إلى الناس (6) : ((اللهم! اشهد - ثلاث مرات -)).
وقوله: ((ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما))؛ وإلى جُزَيْعَةٍ (7) من الغنم فقسمها بيننا. ((انكفأ)): انقلب ومال. و((الملحة)): أن يكون في الشاة لمعٌ سودٌ، ويكون الغالب البياض. و((الجزيعة)): القطيعة. والجزع: منقطع الوادي. ورواية الكافة: ((جزيعة)) بالزاي. وقد قيَّدها بعضهم: ((جذيعة)) بالذَّال، وهو (8) وَهْمٌ.
قال الدارقطني (9) : قوله: ((ثم انكفأ إلى كبشين...)) الخ، وهم من ابن عون فيما قيل (10) ؛ وإنما رواه ابن سيرين عن أنس. &(5/39)&$
قلت: إنما نسب هذا الوهم لابن عون؛ لأنَّ هذا الحديث قد رواه عن ابن سيرين أيوب السّختياني، وقرَّة بن خالد، وانتهى %(2/401)%
__________
(1) ألحق ناسخ (ف) في الهامش: ((الماء القليل أسفل الجبل)).
(2) الوشل: الماء القليل. "النهاية" (5/188).
(3) قوله: ((لكم)) سقط من (ح).
(4) في باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتاب الحج.
(5) في (ك): ((وينكسها)).
(6) في (ح) و(ك): ((إلى الأرض)).
(7) في (أ): ((خزيعة)). والجزيعة القطعة من الغنم. "القاموس :(( جزع)).
(8) في (أ): ((وهي)).
(9) "الإلزانات والتتبع" (ص220-221).
(10) في (ك): ((قيَّد)) وألحق بالهامش ((قيل)).(2/401)
حديثهما في خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجَّته (1) يوم النَّحر عند قوله: ((ألا هل بلغت)) في رواية أيوب. وزاد قرَّة إلى هذا: قالوا: نعم. قال: ((اللهم اشهد)). وبعد قوله: ((ألا هل بلغت)) زاد ابن عون عن محمد (2) بن سيرين، عن أبي بكرة: ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما... الخ. وهذا الكلام إنما كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبة عيد الأضحى؛ على ما رواه أيوب وهشام، =(5/50)=@ عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك؛ على ما ذكره مسلم في الضحايا، عنه، قال أنس: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلَّى ثمَّ خطب، فأمر مَنْ كان ذبح قبل الصلاة أن يعيد ذبحًا. قال: وانكفأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى كبشين (3) ، فذبحهما، فقام الناس إلى غنيمة، فتوزعوها. أو قال: فتجزعوها (4) . فكان ابن عون اختلط عليه الحديثان فساقهما مساقًا واحدًا. وأن ذلك كان في خطبة عرفة. وهو وَهْمٌ لا شكَّ فيه.
وقد فهم بعض علمائنا: أن يوم الحج الأكبر يوم النحر من تعظيمه - صلى الله عليه وسلم - ليوم النَّحر بما ذكره في هذا الحديث. وفيه نظر، غير أنَّه قد ورد في بعض روايات البخاري (5) : أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أيُّ يوم تعلمونه أعظم؟))، قالوا: يومنا هذا. وهذا حجَّة واضحة على ذلك. وقد ذكرنا الخلاف في ذلك في كتاب الحج. =(5/51)=@ &(5/40)&$ %(2/402)%
__________
(1) في (ك): ((حجة))، وفي (ح): ((حجة الوداع)).
(2) قوله: ((محمد)) سقط من (ح) و(ك).
(3) في (ك): ((كبشين املحين)).
(4) "صحيح مسلم" (3/1554) كتاب الأضاحي (1962).
(5) البخاري (15/85 رقم6785) الحدود، باب ظهر المؤمن حمى إلا في حد أو حق.(2/402)
ومن باب الحث على العفو عن القصاص بعد (1) وجوبه
قوله: ((جاء رجل يقود آخر بنِسعَةٍ))؛ النِّسعة: ما ضفر من الأدم كالحبال. وجمعها (2) : أنساع. فإذا فُتل ولم يُضْفر؛ فهو الجديل. والجدْل: الفَتْل. وفيه من الفقه: العنف على الجاني، وتثقيفه (3) ، وأخذ الناس له حتى يحضروه إلى الإمام، ولو لم يجعل ذلك للناس لفرَّ الجناة، وفاتوا، ولتعذر نصر المظلوم، وتغيير المنكر.
وقوله: ((هذا قتل أخي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أقتلته))؛ فيه من الفقه سماع، دعوى المدَّعي في الدَّم قبل إثبات الموت (4) والولاية. ثم لا يثبت الحكم حتى يثبت كل ذلك. فإن قيل: فقد حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - على القاتل في هذا الحديث من غير إثبات ولاية المدَّعي. فالجواب: إن ذلك كان معلومًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وعند غيره، فاستغنى عن إثباته لشهرة ذلك.
وفيه: استقرار المدَّعى عليه (5) بعد سماع الدعوى لإمكان إقراره، فتسقط وظيفة إقامة البينة عن المدَّعي. كما جرى في هذا الحديث.
وقوله: ((لو لم يعترف أقمت عليه البينة))؛ بيان: أن الأصل في ثبوت الدِّماء الإقرار، أو البيِّنة. وإمَّا القسامة: فعلى خلاف الأصل، كما تقدم؛ وفيه: استقرار المحبوس، والمتهدَّد، وأخذه بإقراره. وقد اختلف في ذلك العلماء، %(2/403)%
__________
(1) في (ح): ((من بعد)).
(2) في (أ): ((وجمعه)).
(3) في (أ): ((وتثقيقه))، وفي (ف): ((وتتقيفه)).
(4) في (ح): ((المون)) بدل ((الموت)).
(5) قوله: ((علبه)) سقط من (ف).(2/403)
واضطرب =(5/52)=@ المذهب عندنا في إقراره بعد الحبس والتهديد. هل يُقبل جملة، أو لا يقبل جملة؟ والفرق &(5/41)&$ فيقبل إذا عيَّن ما اعترف به من قتل، أو سرقة، ولا يُقبل إذا لم يعين ثلاثة أقوال (1) .
وقوله: ((كيف قتلته؟)) سؤال استكشاف عن حال القتل (2) ، لامكان أن يكون خطأ، أو عمدًا. ففيه من الفقه: وجوب البحث عن تحقيق الأسباب التي تنبني (3) عليها الأحكام، ولا يكتفى بالإطلاق. وهذا كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - مع ماعز حين اعترف على نفسه بالزنى (4) على ما يأتي.
وقوله: ((كنت أنا وهو نختبط من شجر (5) ، فسبَّني، فأغضبني، فضربته بالفأس على قرنه فقتلته)). نختبط، نفتعل من الخبط، وهو ضرب الشجرة (6) بالعصا ليقع يابسُ ورقها، فتأكله الماشية. وقرن الرأس: جانبه الأعلى. قال (7) :
وضَرَبْتُ قَرْنِي كَبْشِها فَتَجَدَّلا (8)
وقوله: ((هل لك من شيء تؤدِّيه عن نفسك))؛ يدلّ على أنه ? قد ألزمَه (9) حكم إقراره، وأن قتله كان عمدًا؛ إذ لو كان خطأ لما طالبه بالدِّية، ولطولب بها العاقلة، ويدلُّ على هذا أيضًا قوله: ((أترى قومك يشترونك؟)) لأنه لما استحق أولياء المقتول نفسه بالقتل العمد صاروا كالمالكين له، فلو دفع أولياء القاتل عنه عوضًا فقبله أولياء المقتول لكان %(2/404)%
__________
(1) وهي : ... 1 - يقبل جملة. ... ... 2 - لا يقبل جملة.
3 - التفريق بين ما اعترف به وما لم يعترف به.
(2) في (ك): ((القتيل)).
(3) في (أ): ((تُبْنى)) و(ك) و(ف).
(4) سيأتي في باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنى، من كتاب الحدود.
(5) في (ك) و(ح) و(ف): ((شجرة)).
(6) في (ح) و(ف): ((الشجر)).
(7) في (ك): ((قال الشاعر)). والقائل: عنترة بن شداد في "ديوانه" (ص207)، وعجز البيت: وحملتُ مهري وسطها فمضاها
(8) في (ك): ((فتجندلا)).
(9) في (ف): ((لزم))، وفي (ح): ((لزمه)).(2/404)
ذلك كالبيع. وهذا كله إنما عرضه =(5/53)=@ النبي - صلى الله عليه وسلم - على القاتل بناء منه: على أنه إذا تيسَّر له ما يؤدي إلى أولياء المقتول سألهم في العفو عنه.
ففيه من الفقه: السعي في الإصلاح بين الناس، وجواز الاستشفاع، وإن رفعت حقوقهم للإمام؛ بخلاف حقوق الله تعالى، فإنَّه لا تجوز الشفاعة فيها (1) إذا بلغت الإمام.
وقوله: ((مالي (2) إلا كسائي وفاسي))؛ فيه ما يدل على (3) أنَّ المال يُقال على كل ما يتموَّل من العروض وغيرها. وأن ذلك ليس مخصوصًا بالإبل ولا بالعين. وقد تقدَّم ذلك.
وقوله: ((فرمى إليه بنِسْعَة (4) وقال: دونك صاحبك))؛ أي: خذه (5) &(5/42)&$ فاصنع (6) به ما شئت. هذا: إنَّما حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا تحقق السبب، وتعذَّر عليه الإصلاح، وبعد أن عرض على الولي العفو فأبى، كما قاله ابن أشوع، وبعد أن علم: أنه لا مستحِقَّ للدَّم إلا ذلك الطالب خاصة. ولو كان هناك (7) مستحقٌّ آخر لتعيَّن (8) استعلام ما عنده من القصاص أو العفو.
وفيه ما يدلُّ على أن القاتل إذا تحقق عليه السبب، وارتفعت الموانع لا يقتلُه الإمام، بل يدفعه للولي يفعل فيه (9) ما يشاء من قتل، أو عفو، أو حبس، إلى أن يرى رأيه فيه (10) . ولا يسترقَّه بوجه؛ لأنَّ الحرَّ لا يملك. ولا خلاف فيه فيما أعلمه.
وقوله (11) : ((فانطلق به فلمَّا ولى: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن قتله فهو مثله))؛ ظاهره: أنه إن قتله كان عليه من الإثم مثل (12) ما على القاتل الأول. وقد صرَّح بهذا في الرواية الأخرى التي قال فيها: ((القاتل والمقتول في النَّار))، وهذا فيه إشكال عظيم. =(5/54)=@ فإن القاتل الأوَّل قَتَل عمدًا. والثاني يَقْتُلُ قِصَاصًا، %(2/405)%
__________
(1) في (ح): يشبه ((فها)).
(2) في (أ) و(ح): ((مالي مال)) و(ك).
(3) في (ك): ((فيه من الفقه)).
(4) في (أ): ((إليه النبي ? بنسعته))، و(ك) و(ف) و(ح).
(5) قوله: ((أي خذه)) سقط من (ح).
(6) في (ف): ((واصنع)).
(7) في (ف) و(ح): ((هنالك)).
(8) في (ف): ((لتعيين)).
(9) في (ح): ((به)).
(10) قوله: ((فيه)) سقط من (ح).
(11) في (أ): ((قوله)) بلا واو.
(12) قوله: ((مثل)) سقط من (ح). وفي موضعه إشارة لحق، ولم يظهر شيء في التصوير.(2/405)
ولذلك: لما سمع الولي ذلك قال: ((يا رسول الله! قلت ذلك؟! وقد أخذته بأمرك)).
فاختلف العلماء في تأويل هذا على أقوال :
الأول: قال الإمام أبو عبدالله المازري: أمثلُ ما قيل فيه: أنَّهما استويا بانتفاء التِّباعةِ عن القاتل بالقِصاص.
قلت: وهذا كلامٌ غير واضح. ويعني به – والله تعالى أعلم -: أن القاتل إذا قَتَل قِصَاصًا لم تَبق (1) عليه تبعة من القتل. والمقتصّ: لا تبعة عليه؛ لأنَّه استوفى حقه، فاستوى الجاني والولي المقتصُّ (2) في أن كل واحد منهما لا تبعة عليه.
الثاني: قال القاضي عياض: معنى قوله: ((فهو مثله))؛ أي: قاتل مثله، وإن اختلفا بالجواز والمنع، لكنهما اشتركا (3) في طاعة الغضب، وشِفَاء النفس، لاسيما مع رغبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في العفو، على ما جاء في الحديث.
قلت: والعجيبُ (4) من هذين الإمامين: كيف قنعا بهذين الخيالين (5) ولم يتأمَّلا &(5/43)&$ مساق الحديث، وكأنهما لم يسمعا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - حين انطلق به (6) يجرُّه ليقتله: ((القاتل والمقتول في النار)). وهذه الرواية مفسِّرة لقوله في الرواية المتقدمة: ((إن قَتَلَه فهو مِثْلُه))؛ لأنها ذُكِرت بدلاً منها، فعلى مقتضى قوله: ((فهو مثله))؛ أي: هو في النار مثله (7) ، ومن هنا عظم الإشكال. ولا يلتفت لقول من قال: إن ذلك إنما قاله (8) - صلى الله عليه وسلم - للولي لِمَا عَلِمَه منه من معصية يستحق بها دخول النار؛ لأنَّ تلك المعصية المقدرة (9) ، إما أن يكون لها مدخل في هذه القصَّة، أو لا مدخل لها فيها. فإن كان =(5/55)=@ الأول فينبغي لنا أن نبحث عنها حتى نتبيَّنها (10) ونعرف وجه مناسبتها لهذا الوعيد الشديد. وإن لم يكن لها مدخل في تلك القِصَّة لم يلق بحكمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا ببلاغته، ولا ببيانه أن يذكر وعيدًا شديدًا في قضية ذات أحوال وأوصاف متعددة، ويقرن ذلك الوعيد بتلك القصَّة، وهو يريد أن ذلك الوعيد إنَّما هو لأجل شيء لم %(2/406)%
__________
(1) في (ك) و(ف): ((يبق)).
(2) قوله: ((المقتص)) سقط من (ك).
(3) في (ح): يشبه ((اشركا)).
(4) في (ك) و(ح) و(ف): ((والعجب)).
(5) في (ح): ((الحالين)).
(6) قوله: ((به)) سقط من (أ).
(7) من قوله: ((لأنها ذكرت...)) إلى هنا سقط من (ح).
(8) في (ف) و(ح): ((قاله النبي ?)).
(9) قوله: ((المقدرة)) سقط من (ح).
(10) في (ك): ((نثبتها))، وفي (ف): ((نبينها)).(2/406)
يذكره هو، ولا جرى له ذكر من غيره. ثمَّ إن المقول له ذلك قد فهم: أن ذلك إنما كان لأمر جرى في تلك القصة، ولذلك قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : تقول ذلك، وقد أخذته بأمرك؟! ولو كان كما قاله هذا القائل؛ لقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنَّما قلت ذلك للمعصية التي فعلت، أو: للحالة (1) التي أنت عليها، لا لهذا، ولما كان يسكت عن ذلك، ولبادر لبيانه في تلك الحال؛ لأنَّ الحاجة له داعية، والنصيحة والبيان واجبان عليه - صلى الله عليه وسلم - . والله تعالى أعلم.
الثالث: أن أبا داود (2) روى هذا الحديث من طريق أبي هريرة وقال فيه: قتل رجل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرفع ذلك (3) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فدفعه إلى ولي المقتول. فقال القاتلُ: يا رسول الله! والله (4) ما أردت قتله! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للولي (5) : ((أما إنَّه إن كان صادقًا ثمَّ قتلته دخلت النار))؛ فحاصله: أن هذا المعترف بالقتل زعم أنه لم يرد قتله، وحلف عليه، فكان القتل خطأ، فكأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خاف أن يكون القاتل صدق فيما حلف عليه، وأن القاتل يعلم ذلك؛ لكن سلمه له (6) بحكم إقراره &(5/44)&$ بالعمد ولا شاهد يشهد له بالخطأ. ومع (7) ذلك فتوقَّع صدقَهُ، فقال: إن قتلته دخلت النَّار. فكأنه قال: إن كان صادقًا وعلمت أنت صدقه، ثمَّ قتلته فأنت في النار. وهذا - على ما فيه من التكلُّف - يبطله قوله: ((القاتل والمقتول في النار))، فسوَّى بينهما في الوعيد. فلو كان القاتلُ مُخطِئًا لما استحق بذلك النَّار، ولَمَا باء (8) بإثْمِه وإثم صاحبه؛ فإن المخطئ لا يكون آثِمًا، ولا يتحمَّل إثمَ من أخطأ عليه. =(5/56)=@
الرابع: أن أبا داود (9) روى هذا الحديث عن وائل بن حجر، وذكر فيه ما يدلّ: على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قصد تخليصه فعرض (10) الدِّية، أو العفو على الولي ثلاث مرَّات، والولي في كل ذلك يأبى إلا القتل معرضًا عن شفاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - %(2/407)%
__________
(1) في (ح): ((الحالة)).
(2) رواه أبو داود (4/637 رقم4498) كتاب الديات، باب الإمام يأمر بالعفو في الدم، وابن ماجه (2/897 رقم2690) في الديات، باب العفو عن القاتل، والترمذي (4/15 رقم1407) في الديات، باب ما جاء في حكم القتيل في القصاص والعفو، والنسائي (8/13 رقم4722) كتاب القسامة، باب القود، وابن أبي شيبة في "المصنف" (5/463 رقم27998)، وابن أبي عاصم في "الديات" (1/49)،وأبو عوانة في "مسنده" (4/107 رقم1193).
كلهممن طريق أبي عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة به.
وهذا إسناد صحيح.
(3) قوله: ((ذلك)) سقط من (ح) و(ك).
(4) قوله: ((الله)) ليس في (أ).
(5) قوله: ((للولي)) سقط من (ف).
(6) في (ك): ((إليه)).
(7) في (ح): ((مع)) بلا واو.
(8) قوله: ((باء)) سقط من (ف).
(9) رواه الدارمي (2/191) كتاب الديات، باب لمن يعفو عن قاتله، وأبو داود (4/638 رقم4499) كتاب الديات، باب الإمام يأمر بالعفو عن الدم ،والنسائي (8/14 رقم4724) كتاب القسامة، باب القود، وفي (8/244 رقم5415) باب إشارة الحاكم على الخصم بالعفو، من طريق عوف الأعرابي، عن حمزة أبي عمرو العائذي، عن علقمة بن وائل، عن أبيه، فذكره بنصه.
ورواه النسائي (8/13 رقم4723) في نفس الباب من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق، عن عوف، عن علقمة، لم يذكر حمزة. وعوف ثقة، والرواة عنه ثقات، ويحتمل أن يكون سمعه من حمزة ثم من علقمة.
ورواه النسائي (8/15 رقم4725 و4726) من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن جامع بن مطر، عن علقمة بن وائل، عن أبيه.
وجامع بن مطر: صدوق، فهذا الإسناد حسن إن شاء الله.
وأصل الحديث في مسلم (3/1308 رقم1679-1680) في الحدود، من رواية سماك، وإسماعيل بن سالم، عن علقمة به، ولم يذكر فيه طلب العفو من ولي المقتول.
(10) في (ك): ((يعرض)).(2/407)
وعن حرصه على تخليص الجاني من القتل، وكأن (1) الولي صدر منه جفاء في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث ردَّ متأكد شفاعته، وخالفه في مقصوده. ويظهر هذا من مساق الحديث. وذلك: أن وائل بن حجر قال: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جيء برجل قاتل في عنقه (2) نسعة. قال: فدعا ولي (3) المقتول، فقال: ((أتعفو؟))، قال: لا. فقال: ((أتأخذ الدِّية؟)) قال: لا. قال: ((أتقتل؟)) قال: نعم. قال: ((اذهب به))، فلمَّا ولى، قال: ((أتعفو؟)) قال: لا. قال: ((أفتأخذ (4) الدِّية؟)) قال: لا. قال: ((أفتقتل؟)) قال: نعم. قال: ((اذهب به))، فلمَّا كان في الرابعة قال: ((أما إنَّك إن عفوت عنه يبوء بإثمه وإثم صاحبه))، قال: فعفا عنه. فهذا المساق (5) يفهم منه: صحَّة قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - لتخليص ذلك القاتل، وتأكيد (6) شفاعته له في العفو، أو قبول الدِّية. فلمَّا لم يلتفت الولي (7) إلى ذلك كله صدرت منه تلك الأقوال الوعيدية مشروطة باستمراره على لَجَاجه، ومضيه على جفائه. فلما سمع الولي ذلك القول عفا &(5/45)&$ وأحسن، فقُبِلَ، وأُكرِمَ. وهذا أقرب من تلك التأويلات والله أعلم بالمشكلات. وهذا (8) الذي أشار إليه ابن أشوع حيث قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله أن يعفو فأبى.
تنبيه: إنَّما عظم الإشكال من جهة قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((القاتل والمقتول في النار))، ولما كان ذلك قال بعض العلماء: إن هذا اللفظ أعني (9) : قوله ?: ((القاتل والمقتول في النار))؛ إنما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر، وهو قوله: ((إذا التقى المسلمان =(5/57)=@ بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)) (10) . فوهم بعض الرواة، فضمه إلى هذا الحديث الآخر (11) .
قلت: وهذا فيه بُعد. والله تعالى أعلم.
وقوله: ((أما تريد أن يبوء (12) بإثمك وإثم صاحبك؟)) أي: ينقلب، ويرجع. وأكثر ما يُستعمل: ((باء بكذا (13) )) في الشر. ومنه قوله تعالى: {فباءوا %(2/408)%
__________
(1) في (ح) و(ك): ((فكأن)).
(2) في (أ): يشبه أن تكون ((عتقه)) وتراجع.
(3) أشير لها بسهم وكتب: كذا في (أ).
(4) في (ف): ((أتأخذ)).
(5) في (ح): ((مساق)).
(6) في (أ) و(ح) و(ف): ((وتأكد)) و(ك).
(7) في (ف): ((النبي)).
(8) في (ك) و(ف): ((وهو)).
(9) في (ح) و(ك): ((يعني)).
(10) سيأتي في باب الفرار من الفتن، وكسر السلاح فيها وما جاء أن القاتل والمقتول في النار، من كتاب الفتن وأشراط الساعة. برقم (2783).
(11) قوله: ((الآخر)) سقط من (ح).
(12) في (أ): ((تبوء)).
(13) في (أ) و(ف): ((هكذا)).(2/408)
بغضب على غضب} (1) ، ويعني بذلك - والله تعالى أعلم -: أن المقتول ظلمًا تُغفر له ذنوبه عند قتل القاتل له. والولي يغفر له عند عفوه عن القاتل. فصار ذهاب ذنوبهما بسبب القاتل، فلذلك قيل عنه: إنَّه باء بذنوب كل واحد منهما. هذا أحسن ما قيل فيه. والله تعالى أعلم.
وقوله: ((ألك شيء تؤدِّيه عن نفسك))؛ يفيد: أنَّه لو حضرت الدِّية لدفعت للولي، ولسقط (2) القصاص لكن برضى (3) الولي، ولا يُجبر على أخذها؛ لأنَّ الذي للولي القصاص أو التخيير. وهو حقه، ولا يختلف في هذا. و (4) إنَّما اختلف في إجبار القاتل على إعطاء الدية إذا رضي بها الولي. فذهبت (5) جماعة: إلى إجباره عليها؛ منهم: الشافعي وغيره على ما تقدَّم في كتاب الحجِّ. وقالت طائفة أخرى: لا يجبر (6) عليها، ولا يكون ذلك إلا برضا القاتل والولي، وإليه ذهب الكوفيون. وهو مشهور مذهب مالك. وسبب هذا (7) الخلاف معارضة السُّنة (8) للقرآن. وذلك: أن ظاهر القرآن وجوب القصاص. وذلك (9) قوله تعالى: {كتب عليكم &(5/46)&$ القصاص في القتلى} (10) ، وفي قوله (11) : {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} (12) ، وقد ثبت: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين، =(5/58)=@ بين أن يأخذوا العقل، وبين أن يقتلوا)) (13) ، وهذا نصَّ في التخيير. وبيان الأرجح يستدعي تطويلاً. وبسطه في كتب الخلاف. %(2/409)%
__________
(1) سورة البقرة؛ الآية: 90.
(2) في (ف): ((ويسقط)).
(3) أشير لها بسهم وكتب: كذا في (أ).
(4) أشير لها بسهم وكتب: كذا في (أ).
(5) في (ك): ((فذهب)).
(6) قوله: ((لا يجبر)) سقط من (ك).
(7) قوله: ((هذا)) سقط من (ح) و(ك).
(8) في (ف): ((للسنة)).
(9) في (ك): ((وهو)).
(10) سورة البقرة؛ الآية: 178.
(11) في (ك): ((وقوله)).
(12) سورة المائدة؛ الآية: 45.
(13) تقدم في باب تحريم مكة وصيدها، من كتاب الحج.(2/409)
ومن باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين
قوله: ((اقتتلت امرأتان من هذيل - وفي أخرى: من بني لحيان (1) -، فرمت (2) إحداهما الأخرى بحجر)). وفي حديث المغيرة: ضربتها بعمود فسطاط (3) . =(5/59)=@ لا تباعد بينهما؛ إذ يحتمل أن تكون (4) جمعت ذلك عليها، فأخبر أحدهما بإحدى ا لآلتين، والثاني بالأخرى. &(5/47)&$
وقوله: ((فقتلتها وما في بطنها))؛ ظاهر العطف بالفاء: أن القتل وقع عقيب (5) الضرب، وليس كذلك لما رواه سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال (6) : إن رسول الله ? قضى(في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتًا بغرة عبد أو وليدة (7) ، ثمَّ: إن المرأة توفيت (8) ، وهذا نصٌّ في تأخر موتها عن وقت الضرب. وفي هذه الرواية أيضًا: بيان أن الجنين خرج ميتًا. والأولى محتملة لأن (9) يكون خرج، ولأن يكون لم يخرج، لكنه مات، وبينهما فرقان، فإنَّه إذا مات في بطنها ولم يخرج فلا شيء فيه عند كافة العلماء؛ لأنَّه لم تتحقق (10) حياته، ولأنَّه كالعضو منها، ولم ينفصل عنها، فلا شيء فيه. وأجمع أهل العلم: على (11) أن في الجنين الذي يسقط من ضرب أمه حيًّا، ثم يموت؛ الدِّية كاملة في الخطأ وفي (12) العمد بعد القسامة. وقيل: بغير قسامة، لكن اختلفوا فيما به تُعلم (13) حياته. وقد اتفقوا: على أنه إذا استهل صارخًا، أو ارتضع، أو تنفس نفسًا محققًا حيّ، فيه الدِّية كاملة. واختلفوا فيما إذا تحرَّك. فقال %(2/410)%
__________
(1) من قوله: ((اقتتلت....)) إلى هنا سقط من (أ).
(2) في (ف): ((وقوله فرمت)).
(3) رواه مسلم (3/1310 رقم1682) في نفس هذا الباب من حديث المغيرة، بنفس قصة حديث أبي هريرة.
(4) في (أ): ((يكون)).
(5) في (ك): ((عقب)).
(6) قوله: ((قال)) سقط من (ح).
(7) .
(8) أخرجه البخاري(12/252) في الديات رقم (6909)، ومسلم (3/1309) في القسامة رقم (1681)، ولم يذكره في التلخيص، وهو في نفس الباب هنا.
(9) في (ح): ((أن)).
(10) في (ف): ((تعلم به)).
(11) قوله: ((على)) سقط من (ك).
(12) قوله: ((في)) سقط من (ح).
(13) في (ح): ((يحقق)).(2/410)
الشافعي، وأبو حنيفة: حركته تدل على حياته. وقال مالك: لا؛ إلا أن يقارنها طول إقامة. وسببه اختلاف شهادة الحركة في الوجود (1) للحياة.
وقوله: ((فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن دية جنينها غرة (2) عبد، أو وليدة)). قضى: حكم وألزم. و((غزة عبد أو وليدة)) روي (3) : ((غرة)) بالتنوين ورفع ((عبدٌ)) على البدل. وروي بغير تنوين وخفض عبد بالإضافة. ومعناهما متقارب (4) وإن اختلف توجيههما النحوي. =(5/60)=@
وقوله: ((أو وليدة)) معطوف على ((عبد)) رفعًا وخفضًا (5) . وأو فيه للتنويع، أو للتخيير، لا للشكِّ. وكذلك فهمه مالك وغيره. ويعني بالوليدة: الأمَة. وقد جاء في بعض ألفاظه: ((أو أمة)) مكان: ((وليدة)). وغرَّة المال: خياره. قال ابن فارس: غرة كل شيء: أكرمه وأنفسه. وقال أبو عمرو (6) : معناه: الأبيض. ولذلك سميت: غرة. فلا يؤخذ فيها أسود. ولذلك: اختار مالك أن تكون من الْحُمر. &(5/48)&$ ومقتضى مذهب مالك: أنَّه مخيَّر بين إعطاء غرة، أو عُشْر دية الأمِّ، من نوع ما يجري بينهم؛ إن كانوا أهل ذهب فخمسون دينارًا، أو أهل ورق فستمائة درهم، أو خمس فرائض من الإبل. وقيل: لا يعطى من الإبل. وعلى هذا في قيمة الغرة الجمهور. وخالف الثوري، وأبو حنيفة، فقالا: الغرة خمسمائة درهم؛ لأنَّ دية أمِّه عندهم (7) خمسة الآف درهم. وعمدة الجمهور في تقويم الغرَّة بما ذكر قضاء الصحابة – رضي الله عنهم - بذلك. وذهب بعض السَّلف؛ منهم: عطاء، ومجاهد، وطاووس (8) : إلى غرة عبد، أو وليدة (9) ، أو فرس. وقال بعضهم: أو بغل. وقال ابن سيرين: عبد (10) ، أو وليدة، أو مائة شاة. ومتمسك هؤلاء ما رواه أبوداود (11) من حديث %(2/411)%
__________
(1) كتب فوقها في (ك): ((خ، ب)).
(2) قوله: ((غرة)) سقط من (ح).
(3) في (ف): ((وروي)).
(4) في (ح): ((متفاوت)).
(5) في (ف): ((رفعًا ونصبًا)).
(6) رواه عنه الخطابي في "غريب الحديث" (1/236)، وهو أبو عمرو بن العلاء التميمي المقرئ الأديب ت154هـ، ونقل ابن حجر في "الفتح" (12/249) أن ابن المنذر والخطابي نقلاه أيضًا عن عروة بن الزبير.
(7) في (ح): ((دية الأم عنده)).
(8) في (أ) و(ف): ((طاووس ومجاهد)).
(9) في (أ): ((أو وليد)).
(10) في (ح): ((عبدًا)).
(11) أخرجه أبو داود (4/4578)، ومن طريقه البيهقي (8/115)، وأخرجه ابن أبي عاصم في "الديات" (1/38)، والنسائي (8/46 رقم4813)، وفي "الكبرى" (4/236 رقم7016)، والروياني (67) من طرق عن عبيدالله بن موسى، عن يوسف بن صهيب الكندي، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه به مرفوعًا.
وأخرجه النسائي (8/47 رقم4814)، وفي "الكبرى" (4/237 رقم7017)، من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين، عن يوسف بن صهيب، عن عبدالله بن بريدة به مرسلاً.
قال ابن أبي حاتم في "العلل" (2/291): ((سألت أبي، وذكر هذين الطريقين، فقال أبوه: حديث أبي نعيم أصح مرسل.اهـ.(2/411)
أبي هريرة قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنين بغرة عبد، أو أمة، أو فرس، أو حمار، أو بغل (1) . وفي بعض طرقه: خمسمائة شاة (2) . وهو وهْمٌ. وصوابه: مائة شاة. وفي "مسند الحارث بن أبي أسامة" (3) : في الجنين (4) غرَّة عبد، أو أمة، أو عشر من الإبل، أو مائة شاة. خرَّجه من حديث حمل بن مالك. والصحيح: ما خرَّجه مسلم. وقال داود =(5/61)=@ وأصحابه: كل ما وقع عليه اسم ((غرة)) يجزىء. وأقل سن الغرَّة عند الشافعي سبع سنين في أحد قوليه. وقد شذَّت شرذمة فقالوا: لا شيء في الجنين. وهي محجوجةٌ بكل ما تقدم في الباب، وبإجماع الصحابة على أن فيه حكمًا، وبحديث المغيرة الآتي بعده (5) .
وقوله: ((فطرحت جنينها))، وفي اللفظ الآخر:(( سقط ميتًا)). الجنين (6) : &(5/49)&$ اسم لما يجتنُّ في بطن المرأة من الولد (7) . والمتفق على اعتباره من أحواله أن يزايل أُمَّه وهو تامُّ التصوير والتخطيط.
واختلف فيما قبل ذلك من كونه: علقة، أو مضغة؛ هل يعتبر (8) أم لا؟ فعندنا وعند أبي حنيفة: يعتبر. وعند الشافعي: لا، حتى يتبيَّن شيء من خلقه وتصويره، ولا فرق بين أن يكون ذكرًا، أو أنثى؛ إذ كل واحد منهما يسمَّى جنينًا، وكأن الشرع قصد بمشروعية الغرَّة في الجنين دفع الخصومة والتنازع. كما قد فعل (9) في باب المصرَّاة، حيث قدر فيها الصاع من الطعام رفعًا للتنازع (10) ، وجبرًا للمتلف بما تيسَّر. وقد بالغت الصحابة ( في هذا المعنى، حيث قدَّروا الغرَّة بخمسين دينارًا، أو ستمائة درهم. والله تعالى أعلم. فإن زايل الجنين أمَّه بعد موتها، فهل فيه غرَّة أم لا؟ قولان:
الأول: لربيعة، وا لليث، وا لزهري، وأشهب، وداود. %(2/412)%
__________
(1) قوله: ((بغل)) سقط من (ح).
(2) أخرجه أبو داود (4579)، وابن حبان في "صحيحه" (6022)، والدارقطني في "سننه" (3/114)، والطبراني في "الأوسط" (3/212)، و(8/102)، وابن أبي عاصم في "الديات" (1/38)، والبيهقي في "سننه" (8/115) من طرق عن عيسى ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة به.
وخالفه في ذلك جمع من الحفاظ: فأخرجه الترمذي -1410) من طريق أبي زائدة، وابن ماجه (2639) من طريق محمد بن بشر، وأحمد في "المسند" (9655)، وأبو ليلى في "المسند" (5197) من طريق يحيى بن سعيد. وأخرجه أحمد (10467)، والطحاوي في "شرح المعاني" (3/205) من طريق يزيد بن هارون. وأخرجه ابن أبي شيبة (27259) عن عبدالرحمن بن سليمان الكناني، وذكره أبو داود (4/705) عن حماد بن سلمة وخالد بن عبدالله الواسطي.
سبعتهم عن محمد بن عمرو به، ولم يذكروا فيه ((فرس أو بغل))، مما يدل على وهم عيس بن يونس فيه. ولذلك قال الدارقطني في "العلل" (9/294): ((لم يقل أحد من الرواة عن محمد بن عمرو: أو فرس أو بغل؛ إلا عيسى بن يونس)). وكذا قال الطبراني في "الأوسط" (8/103). وقال ابن قدامة في "المغني" (8/216): ((هذا لا يثبت رواه عيسى بن يونس ووهم فيه)). وقال النووي في "شرح مسلم" (11/176): ((رواية باطلة)). وقال الخطابي في "معالم السنن" (4/705): ((يقال: إن عيسى بن يونس قد وهم فيه، وهو قد يغلط أحيانًا فيما يرويه...)).
(3) رواه الحارث بن أبي أسامة كما في "بقية الحارث" (584)، و"زوائد الهيثمي" (2/569رقم523)، وأخرجه الطبراني في "الكبير" (3485)، وابن بشكوال في "غوامض الأسماء" (1/222) من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي المليح: أن حمل بن النابغة كانت له امرأتان، فذكر الحديث، وفيه قصة.
وأخرجه الطبراني في "الكبير" (513) من طريق أسد بن موسى، عن سفيان بن عيينة، عن أيوب قال: سمعت أبا المليح، عن أبيه، وكان صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره بنحوه. قال ابن حجر في "الإصابة" (4/708): ((سنده صحيح)).
وأخرجه ابن مندة كما في "الإصابة" (7/384) من طريق الحسن بن عمارة، عن الحكم ابن عتيبة، عن أبي المليح، عن المغيرة به. قال الحافظ: ((وأبو المليح هذا ممن حضر القصة ،وليس هو أبو المليح بن أسامة التابعي المشهور)).
(4) أشير لها بسهم وكتب: كذا في (أ).
(5) في (أ): ((بعدُ)) و(ك) و(ف) و(ح).
(6) في (ح) و(ك): ((والجنين)).
(7) قوله: ((من الولد)) سقط من (ا) و(ح).
(8) في (أ): ((تعتبر)).
(9) في (ك): ((فعل ذلك)).
(10) من قوله: ((كما قد فعل...)) إلى هنا سقط من (ح).(2/412)
والثاني: لمالك، والشافعي، وعامة العلماء. =(5/62)=@
وقوله: ((فقضى فيه بغرَّة، وجعله على أولياء المرأة))؛ يعني: الضاربة. وهذا نصٌّ: في أن الغرة تقوم بها العاقلة. وبه قال الكوفيون، والشافعي. وهو أحد قولي مالك. وقيل: على الجاني. وهو المشهور من قول مالك. وقاله أهل البصرة. واختلفوا: هل تلزمه الكفارة مع الغرَّة أم لا؟ قولان. الأول لمالك.
قلت: وهذه الأحاديثُ كلُّها إنَّما جاءت في جنين واحد كامل، انفصل من حرَّة مسلمة ميتًا. فلو خالف شيئًا من هذه القيود ففيه تفصيل. وذلك (1) يعرف بمسائل :
الأولى: لو ألقت أجنه لكان في كل جنين غرَّة. هذا قول الكافة، ولا يعرف فيه خلاف.
الثانية: لو ألقت بعضه فلا غرَّة فيه. وقال الشافعي: فيه الغرَّة.
الثالثة (2) : لو كان جنين أمة ففيه (3) عشر قيمة أمَّه. هذا قول عامة أهل العلم. وذهب الثوري، والنعمان، وابن الحسن: إلى أن فيه عشر قيمته لو كان حيًّا ذكرًا كان أو أنثى. وذهب الحسن: إلى أن فيه نصف عشر ثمن أمَّه. وذهب سعيد بن المسيب: إلى أن فيه عشرة دنانير. وقال حمَّاد بن أبي سليمان: فيه حُكم. &(5/50)&$
الرابعة: جنين الكتابية. فيه (4) عشر دية أمَّه، ولا يحفظ فيه خلاف.
الخامسة: من أعتق ما في بطن جارية (5) ، فضربها ضارب، فطرحته، فديته دية المملوك (6) . وهو قول الزهري، والثوري، وأحمد، وإسحاق. %(2/413)%
__________
(1) قوله: ((وذلك)) سقط من (ك).
(2) في (أ): ((الثالث)).
(3) قوله: ((ففيه)) سقط من (ف).
(4) في (ح): ((وفيه)).
(5) في (ك): ((جاريته)).
(6) في (ف): ((ففيه دية المملوك)).(2/413)
السادسة: إذا اختلف الجاني والمجني عليه، فقال الجاني: طرحته ميتًا. وقال المجني عليه: بل (1) حيًّا. فالقول قول الجاني. وبه قال الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
السابعة: دية الجنين موروثة على كتاب الله تعالى. وقال الزهري والشافعي (2) : =(5/63)=@ إن كان الضارب هو الأب لم يرث من الغرَّة شيئًا. وقال الليث، وربيعة: هي للأم خاصَّة (3) .
وقول حمل (4) بن النابغة: ((أنغرم من لا شربَ، ولا أكلَ، ولا نطقَ، ولا استهلَ))؛ يدل على أن عاقلة الجاني تحمل الغرَّة كما هو أحد القولين.
وقوله: ((فمثل ذلك يُطَلُّ))؛ رويناه بالياء باثنتين من تحتها، بمعنى: يُهدر ولا يطلب به (5) . ورويناه بالباء بواحدة من تحتها، من البطلان؛ أي: هو ممن ينبغي أن يبطل (6) . والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد؛ أي: هذا لا ينبغي أن يكون فيه شيء.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((إنَّما هذا من إخوان الكهَّان))؛ فسَّره الراوي: بقوله (7) : من أجل (8) سجعه؛ يعني بذلك: أنه تشبَّه بالكهَّان، فسجع كما يسجعون (9) حين يخبرون عن المغيِّبات، كما قد ذكر ابن إسحاق من سجع شقّ وسطيح وغيرهما. وهي عادةٌ مستمرَّة في الكهَّان. وقيل: إنما أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك السَّجع لأنه جاء به في مقابلة حكم الله تعالى مستبعدًا له، ولا يذمُّه من حيث السَّجع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تكلم بكلام يشبه السجع (10) (11) في غير ما موضع. %(2/414)%
__________
(1) قوله: ((بل)) سقط من (ح).
(2) في (ح): ((الشافعي والزهري)).
(3) قوله: ((خاصة)) سقط من (أ).
(4) في (أ): ((حميل)).
(5) قوله: ((ولا يطلب به)) سقط من (ح).
(6) كتب في هامش (ف): ((حكمه)) ووضع فوقها (خ).
(7) قوله: ((بقوله)) سقط من (ك).
(8) قوله: ((أجل)) سقط من (أ).
(9) في (أ): ((يشجعون)).
(10) في (أ): ((الشجع)).
(11) من قوله: ((لأن النبي....)) إلى هنا سقط من (أ).(2/414)
وقيل: إنما أنكر عليه تكلّف الإسجاع (1) على طرق الكهَّان وحوشية الأعراب. وليس بسجع فصحاء العرب، ولا على مقاطعها.
قلت: وهذا القول الأخير إنَّما يصحُّ أن يقال على قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((أسجع =(5/64)=@ كسجع الأعراب)) (2) ، لا على قوله: ((إنَّما هذا من إخوان الكهَّان))، فتامله. &(5/51)&$
وحَمَل بن النابغة - بفتح الحاء المهملة والميم -. وقال فيه في الرواية الأخرى: حمل بن مالك. وهو هذلي من قبيل القاتلة. ولحيان: فخذ من هذيل، ولذلك صدق أن يقال على القاتلة: أنها هذلية لحيانية (3) . ولحيان يقال بفتح اللام وكسرها.
قلت: وقد ذكر الحديث الحارث بن أبي أسامة عن أبي المليح مرسلاً (4) قال: إن حمل بن مالك (5) كانت له امرأتان: مليكة، وأم عفيف، فحذفت (6) إحداهما الأخرى بحجر فأصابت (7) قبلها، فماتت، وألقت جنينها (8) ميِّتًا، وذكر الحديث كنحو ما تقدم. وعلى هذا فكأن حَمَلٌ زوجَ المقتولة والقاتلة، وعاصبَ القاتلة، ووالدَ الجنين. وحينئذ يكون قوله: أنغرم من لا شربَ ولا أكلَ؛ دليل: على أنه غارم وليس بوارث. فلهذا (9) قال الليث بن سعد، وربيعة: إن الغرَّة للأمّ خاصة. ويحتمل: أن يكون معبِّرا عن العصبة دون نفسه، مستبعدًا للحكم، كما تقدم. والله تعالى أعلم.
وقوله: ((وقضى بدية المرأة على عاقلتها))؛ فيه تلفيف في الضمائر أزالته (10) الرِّواية الأخرى؛ التي قال فيها: ((فجعل دية المقتولة على عصبة القاتلة)).
وقد احتج =(5/65)=@ بظاهر الحديث من رأى: أنه لا يستقاد ممن قتل بمثقل، وإنَّما عليه الدِّية. وهم الحنفية. ولا حجَّة لهم في ذلك لما تقدم: من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - %(2/415)%
__________
(1) في (ح): ((الإشجاع)).
(2) رواه مسلم (3/1311 رقم1682/38) في نفس هذه القصة من حديث المغيرة ولم يذكره المصنف في "التلخيص".
(3) من قوله: ((ولحيان....)) إلى هنا سقط من (أ) و(ف).
(4) تقدم تخريجه قبل قليل.
(5) في (ح): ((النابغة))، وفي (أ): ((حميل بن مالك)).
(6) في (أ) و(ف): ((فقذفت)).
(7) في (أ): ((فأصاب)).
(8) في (ح) و(ك) و(ف): ((جنينًا)).
(9) في (ح) و(ك) و(ف): ((ولهذا)).
(10) في (أ) و(ح) و(ف): ((أزاله)).(2/415)
قد أقاد ممن قتل بحجر، كما تقدم في حديث (1) اليهودي، ولقوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم (2) } (3) ، والمماثلة بالمثقَّل ممكنة، ولإمكان كون هذا القتل خطأ أو شبه عمد (4) فاندفع القصاص لذلك (5) ، ولو سلّم: أنه كان عمدًا لكان ذلك برضا العصبة، وأولياء الدَّم (6) لا بالحكم، وكل ذلك محتمل، فلا حجَّة (7) لهم فيه.
وفيه ما يدل: على أن العاقلة تحمل الدِّية. وقد أجمع المسلمون: على أنَّها تحمل دية الخطأ، وما زاد على الثلث. واختلفوا في الثلث. فقال الزهري: الثلث فدونه هو في مال الجاني، ولا تحمله العاقلة. وقال سعيد بن المسيب: الثلث فما زاد على العاقلة، وما دون (8) الثلث في مال الجاني (9) ، وبه قال مالك، وعطاء، وعبدالعزيز بن أبي سلمة. وأمَّا ما دون الثلث فلا تحمله العاقلة عند من ذكر، ولا عند أحمد. وقالت طائفة: عقل الخطأ على عاقلة الجاني؛ قَلَّتْ الجنايةُ أو كثرت. وهو &(5/52)&$ قول الشافعي. وقد تقدم القول (10) في الدِّيات وانقسامها. فإن قيل: كيف ألزم العاقلة الدية والقتل عمدٌ؟ والعاقلة لا تعقل (11) عمدًا، ولا صلحًا، ولا اعترافًا.
فالجواب: أن هذا الحديث قد (12) خرَّجه النَّسائي (13) من حديث حَمَل بن مالك. وقال فيه: فقضى (14) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنينها بغرَّة، وأن تقتل بها. وهو طريق صحيح. =(5/66)=@ وهذا نصٌّ: في أنه قضى بالقصاص من القاتلة؛ بخلاف الأحاديث المتقدمة؛ فإن فيها: أنه قضى على العاقلة بالدِّية.
ووجه التلفيق (15) ؛ وبه يحصل الجواب على (16) التحقيق: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى (17) بقتل القاتلة أولاً، ثم إن العصبة، والأولياء اصطلحوا: على أن التزم (18) العصبة الدِّية ويعفو الأولياء. فقضى النبي (19) - صلى الله عليه وسلم - بالدِّية على العصبة لما التزموها (20) . والله تعالى أعلم. %(2/416)%
__________
(1) قوله: ((في حديث)) ليس في (ك).
(2) قوله: ((بمثل ما اعتدى عليكم)) سقط من (أ) و(ف).
(3) سورة البقرة؛ الآية: 194.
(4) في (ح) و(ك): ((العمد)).
(5) قوله: ((فاندفع القصاص لذلك)) سقط من (ح) و(ك).
(6) في (ف): ((الأم)).
(7) قوله: ((لهم)) سقط من (ح).
(8) في (ك) و(ح): ((وأما دون)).
(9) من قوله: ((ولا تحمله....)) إلى هنا سقط من (ح).
(10) قوله: ((القول)) سقط من (ح) و(ك).
(11) في (ك) و(ح): ((لا تحمل)).
(12) قوله: ((قد)) سقط من (ح).
(13) إسناده صحيح على شرط الشيخين. لكن قوله: ((وأن تُقتل)) شاذ لم يَرِد في غير هذه الرواية، والمحفوظ أنه قضى بديتها على عاقلة القاتلة، والدارقطني (3/117) من طريق محمد بن بكر وحده، بهذا الإسناد. وسقط من المطبوع: ((عن عمر)). وأخرجه الدارمي (2381)، وأبو داو (4572)، وابن ماجه (2641)، وابن حبان (6021)، والدارقطني (3/115-117)، والبيهقي 8/114) من طريق أبي عاصم، والنسائي (8/21-22) من طريق حجاج بن محمد، كلاهما عن ابن جريج، به. ولم يذكروا فيه شكّ عمرو بن دينار غير البيهقي، فقد قال بعد إيراد الحديث: ((ثم شك فيه عمرو بن دينار، والمحفوظ أنه قضى بديتها على عاقلة القاتلة)). وقال المنذري في "مختصر سنن أبي داود" (6/367): ((وقوله: "وأن تُقتل" لم يذكر في غير هذه الرواية، وقد روي عن عمرو بن دينار أنه شك في قتل المرأة بالمرأة)).
قال الشيخ أحمد شاكر: ((ويظهر أن هذا التشكيك كان له عند عمرو أثره، فروى الحديثَ مرةً أخرى دون هذا الحرف الذي شك فيه)).
قلنا: أخرجه - دون ذكر الأمر بقتل المرأة - عبدالرزاق (18343)، ومن طريقه الطبراني (3482)، والدارقطني (3/117)، والحاكم (3/575) عن سفيان بن عيينة، عن عمروبن دينار، به. وزاد في آخره عند عبد الرزاق والدارقطني قولَ عمر: ((الله أكبر، لو لم نسمع بمثل هذا قضينا بغيره))، وعند الطبراني والحاكم: ((الله أكبر، لو لم نسمع بهذا ما قضينا بغيره))، ورجَّح الحافظ ابن حجر في "موافقة الخبر الخبر" (1/448-449): أن عمرقال: ((لو لم نسمع هذا قضينا بغيره)).
وأخرج أبو داود (4574)، والنسائي (8/51-52)، وابن حبان (6019)، والطبراني (11767)، والبيهقي (8/115)، والخطيب في "الأسماء المبهمة" (ص512-513 و513) من طريق أسباط بن نصر الْهَمْداني، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قصة حَمَل بن مالك، قال: فأسقطت غلامًا قد نَبَتَ شعرُه ميتًا، وماتت المرأة، فقضى على العاقلة الديةَ، فقال عمها: إنها قد أسقطت يا نبيَّ اللهِ غلامًا قد نَبَت شعرُه، فقال أبو القاتلة: إنه كاذب، إنه والله ما استَهَل، ولا شرب، ولا أكل، فمثله يُطَل. فقال النبي ?: ((أسَجْعَ الجاهلية وكهانتَها! أدِّ في الصبي غُرَّة))، قال ابن عباس: كان اسم إحداهما مُلَيكة، والأخرى أم غُطَيْف. واللفظ لأبي داود، وأسباط بن نصر الهمداني ضعيف، ورواية سماك عن عكرمة فيها اضطراب.
وقد روي الحديث مرسلاً من طريق طاووس، فأخرجه الشافعي في "مسنده"، (2/103)، وأبو داود (4573) من طريق سفيان بن عيينة، والنسائي (8/47)، والبيهقي (8/115) من طريق حماد بن زيد، كلاهما عن عمروبن دينار، عن طاووس، عن عمر مرسلاً، لم يذكر فيه ابن عباس، ولم يذكر فيه الأمر بقتل القاتلة. وزاد سفيان في آخر كل روايته: قال عمر: الله أكبر، لو لم نسمع بهذا لقضينا بغير هذا. وأخرجه كذلك الشافعي في "مسنده" (2/103-104)، وفي "الرسالة" (1174)، ومن طريقه البيهقي (8/114) عن سفيان، عن عمرو بن دينار وابن طاووس، عن طاووس، عن عمر بن الخطاب، بنحوه.
وأخرجه عبدالرزاق (18342) عن ابن جريج، عن ابن طاووس، عن طاووس، قال: ذكر لعمر بن الخطاب قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، فأرسل إلى زوج المرأتين، فأخبره أنما ضَربت إحدى امرأتيه الأخرى بعمود البيت، فقتلتها وذا بطنِها، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بديتها وغرة في جنينها، فكبر عمر، وقال: إن كِدنا أن نقضي في مثل هذا برأينا. وأخرجه عبد الرزاق (18339)، ومن طريقه الدارقطني (3/117) عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، قال: استشار عمر...، فذكر نحو حديث ابن جريج، عن ابن طاووس. وزاد عليه: فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدية في المرأة، وفي الجنين بغرة: عبدٍ أو أمة، أو فرس، وزاد في آخر الحديث عند عبدالرزاق: فقال الرجل: يا رسول الله! كيف أعقل من لا أكل ولا شرب، ولا نطق ولا استهل، ومثل هذا يُطَل! وأخرج عبدالرزاق (18344) عن سفيان بن عيينة، عن ابن طاووس، عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى فيه بغرة: عبدٍ أو أمةٍ أو فرس. قال الحافظ في "الفتح" (12/249): ((ووقع في حديث أبي هريرة من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عنه: قضى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنين بغرة: عبدٍ أو أمةٍ أو فرس أو بغل، وكذا وقع عند عبدالرزاق في رواية ابن طاووس، عن أبيه، عن عمر مرسلاً. فقال حمل بن النابغة: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدية في المرأة وفي الجنين غرة: عبد، أو أمة، أو فرس، وأشار البيهقي إلى أن ذكر الفرس في المرفوع وَهم، وأن ذلك أُدرِجَ من بعض رواته على سبيل التفسير للغرة، وذكر أنه في رواية حماد بن زيد، عن عمروبن دينار، عن طاووس بلفظ: فقضى أن في الجنين غرة، قال طاووس: الفرس غرة.
وكذا أخرج الإسماعيلي من طريق حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: ((الفرس غرة))، وكأنهما رأيا أن الفرسَ أحق بإطلاق لفظ الغرة من الآدمي.....
وفي الباب عن عبدالله بن عمرو، وأبي هريرة، والمغيرة بن شعبة، وعبادة بن الصامت.
(14) في (ح): ((قضى)).
(15) التلفيق: الجمع.
(16) قوله: ((الجواب على)) سقط من (أ).
(17) في (ف) و(ح): ((أنه عليه السلام قضى)).
(18) في (ف): ((الزم)).
(19) في (ح): ((رسول الله)).
(20) في (أ): ((ألزموها)).(2/416)
وقوله: ((وورثها عصبتها ومن معهم))؛ أعاد الضمير الأول على الدِّية، والثاني على المقتولة. وعنى (1) بالعصبة: بنيها (2) ، وبمن (3) معهم من (4) الزوج. ولم يختلف: في أن الزوج يرث هنا من دية زوجته فرضه، وإن كانوا قد اختلفوا فيه: هل يرث من دية الجنين؛ على ما تقدم. والدِّية موروثة (5) على الفرائض سواء كانت عن خطأ، أو عن (6) عمدٍ تعذَّر فيه القود. والذي يبين الحق في هذا الباب حديثان خرَّجهما الترمذي.
أحدهما: عن سعيد بن المسيب. قال: قال عمر (7) : الدِّية على العاقلة، ولا ترث المرأة من زوجها شيئًا (8) . فأخبره الضحَّاك بن (9) سفيان الكلابي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إليه: أن ورث امرأة أشيم الضَّبابي من دية زوجها. وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وثانيهما: عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة (10) : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - =(5/67)=@ قضى في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتًا بغرَّة عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بغرة توفيت، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بأن ميراثها (11) لبنيها وزوجها، وإن عقلها على عصبتها (12) .
ثمَّ حيث وجبت الدِّية على العاقلة؛ فلا تؤخذ منهم حالَّة، بل مُنجَّمة في ثلاث سنين. وهو قول عامَّة أهل العلم من السَّلف والخلف. وتوزع على &(5/54)&$ الأحرار، البالغين، الأغنياء، الذكور. فلا تؤخذ من عبدٍ، ولا من صبي (13) ، ولا من امرأة، ولا من فقير بالإجماع على ما حكاه ابن المنذر. واختلفوا في قدْر ما توزع (14) على من يُطالَب بها. %(2/417)%
__________
(1) في (ح): ((يعني)).
(2) في (ح): ((بالعصبة منها بنيها)).
(3) في (ح): ((ممن)).
(4) قوله: ((من)) سقط من (ح) و(ك) و(ف).
(5) في (ح): ((لموروثة)).
(6) قوله: ((عن)) سقط من (ك).
(7) ؟؟؟.
(8) قوله: ((شيئًا)) سقط من (ك).
(9) في (ف): ((عن)) بدل ((بن)).
(10) أخرجه الشافعي في "مسنده" (409-410)، ومن طريقه البيهقي (8/134)، وأخرجه سعيد بن منصور (295)، وابن أبي شيبة (27541)، ومن طريقه ابن ماجه (2/883 رقم642) كتاب الديات، باب الميراث من الدية، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1496)، والطبراني في "الكبير" (8 رقم8142).
وأخرجه أبو داود (3/339-340 رقم2927) كتاب الفرائض، باب في المرأة ترث من دية زوجها. ومن طريقه البيهقي (8/57).
وأخرجه الترمذي (4/19 رقم1415) كتاب الديات، باب ما جاء في المرأة هل ترث من دية زوجها، والنسائي في "الكبرى" (4/78-79 رقم6363 و6364) كتاب الفرائض، باب توريث المرأة من دية زوجها، والبيهقي (8/134) كلهم من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عمرو - رضي الله عنه - مثله. وسقط اسم عمر من إسناد سعيد بن منصور.
وأخرجه عبدالرزاق (17764)، ومن طريقه أبو داود في الموضع السابق، والطبراني في "الكبير" (8/8139)، وأخرجه سعيد بن منصور (297)، كلاهما عبدالرزاق وسعيد، من طريق معمر، عن الزهري، به نحوه.
وأخرجه عبدالرزاق (17765)، وسعيد بن منصور (296)، وابن أبي شيبة (27542)، ومن طريقه ابن أبي عاصم في الموضع السابق (1497)، والطبراني في "الكبير" (8 رقم8140).
وأخرجه النسائي في "الكبرى" في الموضع المتقدم رقم (6365)، والطبراني في "الكبير" (8 رقم8141) من طرق الزهري، عن سعيد به نحوه.
وأخرجه مالك في "الموطأ" (2/866 رقم9) كتاب العقول، باب ما جاء في ميراث العقل والتغليظ فيه، وعنه الشافعي في "مسنده" (ص410) مختصرًا، والنسائي في "الكبرى" في الموضع السابق رقم (6366) من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، كلاهما عن الزهري، عن الضحاك بن سفيان به. ولم يذكر سعيد بن المسيب في "المسند". وزاج مالك: قال ابن شهاب: وكان قتل أشيم خطأ.
وذكر الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (1/81) أن هذه الزيادة أخرجه أبو يعلى من طريق مالك، عن الزهري، عن أنس...، وقال: وهو في "الموطأ" عن الزهري بغير ذكر أنس، قال الدارقطني في "الغرائب": وهو محفوظ.
قال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم)).اهـ.
(11) في (ف): يشبه ((متراثها)).
(12) هذا لفظ إحدى روايات مسلم للحديث المتقدم (1772)، انظر "مسلم" (3/1309 رقم1681/35)، ولم يذكره المصنف في "التلخيص".
(13) قوله: ((ولا من صبي)) سقط من (ك).
(14) في (ك): ((يوزع)).(2/417)
فقال الشافعي: من كثر ماله أخذ منه نصف دينار، ومن كان دونه ربع دينار، لا (1) ينقص منه، ولا يزاد عليه. وحكى أبو ثور عن مالك: أنه قال: على كل رجل ربع دينار. وبه قال أبو ثور. وقال أحمد: يحملون بقدر (2) ما يطيقون. وقال أصحاب الرأي: ثلاثة دراهم، أو أربعة دراهم (3) .
قلت: والقول ما قاله أحمد. فإن التحديد يحتاج إلى شرع جديد.
وقوله: ((استشار عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - الناس في ملاص المرأة))؛ كذا صحيح الرواية: ((ملاص)) بغير ألف. وقد وقع في بعض نسخ الأئمة: ((إملاص))، وكذا قيَّده الحميدي. وكلاهما صحيح في اللغة. فإنَّه قد جاء: أملص، وملص: إذا أفلت. قال الهروي: وسُئل عمر (4) عن إملاص المرأة الجنين قال: يعني: أن تزلقه قبل =(5/68)=@ وقت الولادة. وكل ما زلق من اليد فقد ملَص يملَص. ومنه حديث الدَّجال (5) : وأملصت (6) به أمُّه. قال أبو العبَّاس: يقال: أملصت (7) به. وأزلقت به. وأسهلت به، وخطأت (8) به.
قلت: وإملاص فيما حكاه الهروي (9) عن عمر هو المصدر؛ لأنَّه ذكر بعده (10) الجنين، وهو مفعوله. وفيما ذكره مسلم: ((ملاص))؛ ويعني به: الجنين نفسه، فلا يتعدَّى هنا لأنه نقل من (11) المصدر المؤكد، فسمِّي به. فإن أصله: ملص يملص ملاصًا؛ كـ ((لزم، يلزم، لزامًا (12) )).
وفيه من الفقه: الاستشارة في الوقائع الشرعية، وقبول أخبار الآحاد، والاستظهار بالعدد (13) في أخبار العدول. وليس ذلك عن (14) شك في العدالة، وإنَّما هو استزادة يقين، وطمأنينة نفس. ولا حجَّة فيه لمن يشترط العدد في قبول أخبار الآحاد؛ لأنَّ عمر - رضي الله عنه - قد قبل خبر الضَّحَّاك وغيره من غير استظهار. والله تعالى أعلم. =(5/69)=@ &(5/54)&$ %(2/418)%
__________
(1) في (ح): ((ولا)).
(2) قوله: ((بقدر)) سقط من (ح).
(3) قوله: ((أو أربعة دراهم)) سقط من (أ).
(4) قوله: ((عمر)) سقط من (ح)، وهو ملحق بهامش (ك).
(5) يأتي...
(6) في (أ): ((وأمصلت)).
(7) في (أ): ((أمصلت)).
(8) في (ك): ((وحطأت)).
(9) في (أ): ((الجوهري)).
(10) في (ف): ((بعد)).
(11) في (ح): ((عن)).
(12) كتب ناسخ (ف) في الهامش: ((وقيل ملاص اسم للولادة كالخداج اسم للنقصان)).
(13) قوله: ((بالعدد)) سقط من (ح).
(14) في (ح): ((من)).(2/418)
(1) كتاب الحدود (2)
وهي (3) : جمع حدّ (4) . وأصل الحدّ: المنع حيث وقع وإن اختلفت أبنيته وصيغه. وسميت العقوبات (5) المترتبة (6) على الجنايات: حدودًا؛ لأنَّها تمنع من عود الجاني ومن فعل المعتبر بها (7) .
ومن باب حدّ السَّرِقة وما يقطع فيه
السَّرِقةُ والسَّرِقُ - بكسر الراء فيهما -: هو اسم الشيء (8) المسروق، والمصدر من ((سَرَق، يَسْرِقُ)): سَرَقًا - بفتح الرَّاء - كذا قاله (9) الجوهري. وأصل هذا اللفظ إنما هو: أخذ الشيء في خفية. ومنه: اسْتَرَق السَّمع. وسَارَقَه النظر. قال ابن عرفة: =(5/70)=@ السارق عند العرب هو: من جاء مستترًا إلى حرزٍ فأخذ منه ما ليس له. فإن أخذ من ظاهرٍ فهو مختلس، ومستلبٌ، ومنتهبٌ، ومحترسٌ. فإن منع مما في يده فهو غاصبٌ له. &(5/55)&$ %(2/419)%
__________
(1) كتب قبلها في (ك): ((بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيد محمد واله وصحبه وسلم)). وكتب قبلها في (ق): ((بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا)). وكتب قبلها في (ن): ((بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر)).
(2) كتاب الحدود في (ح) جاء بعد كتاب الضحايا.
(3) قوله: ((وهي جمع حد)) سقط من (ن).
(4) قوله: ((وهي جمع حد)) سقط من (ن).
(5) في (ك): ((العوبات)).
(6) في (ح) و(ك): ((المرتبة)).
(7) قوله: ((ومن فعل المعتبر بها)) سقط من (ن).
(8) قوله: ((الشيء)) سقط من (ن).
(9) في (ق): ((قال)).(2/419)
قال الشيخ: وهذا الذي قاله ابن عرفة هو السارق في عُرْفِ الشرع. ويستدعي النَّظر في هذا الباب النَّظر في: السَّارق، والمسروق منه (1) ، والشيء المسروق، وحكم السَّارق. ولا خلاف في (2) أن السَّارق إذا كملت شروطه يقطع دون الغاصب، والْمُخْتَلِس، والْخَائِن. وفيمن يستعير المتاع فيَجْحَدُهُ (3) خلاف شاذٌّ. وحكي (4) عن أحمد، وإسحاق، فقالا: يقطع. والسَّلف (5) والخلف على خلافهما. وسيأتي القول في حديث (6) المخزوميَّة.
وإنَّما خصَّ الشرع القطع بالسَّارق لأن أخذ الشيء مُجاهَرَة يمكن أن يُسْتَرجع منه غالبًا. والخائن مكَّنَهُ (7) ربُّ الشيء منه، وكان متمكنًا من الاستيثاق بالبينة (8) . وكذلك الْمُعير. ولا يُمَكَّن شيء من ذلك في السَّرِقة، فبالغ الشرع في الزجر عنها؛ لما انفردت به عن غيرها بقطع (9) اليد.
وقد أجمع المسلمون: على أن (10) اليمنى (11) تقطع إذا وجدت؛ لأنَّها الأصل في محاولة كل الأعمال.
وقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (12) يَقْطع في ربع دينار =(5/71)=@ فصاعدًا)). وفي الطريق الأخر (13) : ((لا تُقطع (14) يد السَّارق إلا في ربع دينار فصاعدًا)). هذا تقرير (15) لقاعدة ما تقطع فيه (16) يد السَّارق من النبي - صلى الله عليه وسلم - وبلفظه (17) . لكنَّه ظاهر فيما إذا كان المسروق ذهبًا، فلو (18) كان غير ذهب، وكان فضة، فهل يعتبر (19) قيمتها بالذهب؛ فإن سوّيت ربع دينار فصاعدًا قطع فيها، أو إنما تعتبر بنفسها؛ فاذا بلغت ثلاثة دراهم وزنًا قطع فيها (20) ، فيكون كل واحد من الذهب والفضة أصلاً معتبرًا بنفسه؛ قولان:
الأول: للشافعي (21) ، والأوزاعي، والليث بن سعد، وأبي ثور، وهو مروي عن عمر، وعلي، وعثمان (22) ، وبه قالت عائشة، وعمر بن عبدالعزيز – رضي الله عنهم - .
والثاني: لمالك وأصحابه. %(2/420)%
__________
(1) قوله: ((منه)) سقط من (ن).
(2) قوله: ((في)) سقط من (ن).
(3) قوله: ((فيجحده)) سقط من (أ) و(ك) و(ف). وفي (ق): ((فيجحد)).
(4) في (أ) و(ف) و(ك) و(ق) و(ن): ((حكي)) بلا واو.
(5) في (ح): يشبه ((فالسلف)).
(6) قوله: ((حديث)) سقط من (ك).
(7) في (ق): ((يمكنه)).
(8) قوله: ((بالبينة)) مكرر في (ح).
(9) ألحق ناسخ في الهامش قوله: ((معموله بالغ)).
(10) قوله: ((المسلمون على أن)) بياض في (ق).
(11) في (ح): ((اليمين)).
(12) من قوله: ((إذا وجدت...)) إلى هنا سقط من (ح).
(13) في (ك): ((الأخرى)).
(14) تراجع النسخ. في (ك) و(ف): ((لا يقطع)).
(15) في (ح): ((تقدير)).
(16) في (ف): ((يقطع فيها)) وفي (ق): ((يقطع فيه)) والحق في الهامش قوله: ((به)) وكتب فوقها (خ).
(17) في (ن): ((بلفظه)) بلا واو.
(18) في (ن): ((فلولا)).
(19) في (ف) و(ق): ((تعتبر)).
(20) قوله: ((فيها)) سقط من (ك).
(21) في (ن): ((للشافعي)) وكأنه أصلحها ((للشافعية)).
(22) في (ق): ((وعثمان وعلي)).(2/420)
وقال أحمد وإسحاق: إن سرق ذهبًا فربع دينار، وإن سرق غير الذهب والفضة فكانت قيمته ربع دينار، أو ثلاثة دراهم من الورق. وهذا نحو مما &(5/56)&$ صار إليه مالك في أحد القولين. وفي المشهور: أنه إنما تقوَّم (1) العروض بالدراهم، كما (2) قال في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -. وقال بعض أصحابنا: يقوَّم (3) بالغالب في موضع السَّرِقة من الذهب والفضة كما تقوَّم المتلفات. وهو القياس. وهذان القولان ناشئان من حديثي (4) عائشة، وابن عمر المذكورين في هذا الباب.
وقد نقلت أقوال عن كثير من السلف والعلماء في تحديد نصاب السَّرِقة لم يثبث فيها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث (5) معتمد، ولا لها (6) في الأصول ظاهر مستند؛ فمنها ما روي عن عمر – رضي الله عنه -، وقال به سليمان بن يسار، وابن شبرمة (7) . وهو (8) : أنَّ الْخَمْسَ لا تقطع إلا في خَمْسٍ (9) .
ومنها: =(5/72)=@ أنَّها لا تقطع إلا (10) في عشرة دراهم. وبه قال عطاء، والنُّعمان، وصاحباه.
ومنها: أنها تقطع (11) في أربعة دراهم فصاعدًا. وهو مروي عن أبي هريرة، وأبي سعيد رضي الله عنهما.
ومنها: أنها تقطع في درهم فما فوقه، وهو مروي (12) عن عثمان رضي الله عنه (13) .
ومنها: أنها تقطع في كل ماله قيمة، وروي عن الحسن في أحد(أقواله، وهو قول الخوارج، وأهل الظاهر. واختاره ابن بنت الشافعي (14) .
ومنها: أنها لا تقطع في أقل من درهمين، وروي عن الحسن (15) .
ومنها: أنها لا تقطع في أقل من أربعين درهما، أو أربعة دنانير. وروي عن النخعي.
قال الشيخ: وهذه كلها أقوال (16) متكافئة، خلية (17) عن الأدلة (18) الواضحة الشافية، ولا يصحُّ ما رواه الحجَّاج (19) بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه مرفوعًا: ((لا تقطع (20) يد السَّارق في أقل من عشرة دراهم)) (21) ؛ لضعف إسناده، ولما (22) يعارضه (23) من قوله في "الصحيح": ((لا تقطع (24) يد السَّارق إلا %(2/421)%
__________
(1) في (ح): ((نقوم)).
(2) في (ن): ((مما)) بدل ((كما)).
(3) في (ن): ((فهو)) بدل ((وهو)).
(4) في (ك): ((حديث)).
(5) قوله: ((حديث)) سقط من (ح).
(6) في (ك): ((له)) وألحق بالهامش ((لها)) ووضع فوقها ((خ)).
(7) كتب مقابلها في هامش (ك): ((وابن أبي ليلى والحسن لا تقطع إلا في خمس دراهم)) ووضع فوقها ((ع ص)).
(8) في (ن): ((فهو)) بدل ((وهو)).
(9) أخرجه ابن أبي شيبة (28090)، ومن طريقه البيهقي (8/261-262): حدثنا ابن إدريس، عن ابن أبي عروبة وإسماعيل، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن عمر قال: لا تقطع الخمس إلا في خمس، إلا أن البيهقي لم يذكر إسماعيل في "المسند". وسعيد لم يسمع من عمر. قاله أبو حاتم كما في "المراسيل" لابنه (ص71)، وقال: ((سعيد بن المسيب عن عمر مرسل)). وقال الإمام أحمد كما في "العلل" لابن أبي حاتم (4/61): ((هو عندنا حجة قد رأى عمر وسمع منه، وإذا لم يقبل سعيد عمر فمن يقبل؟)).
وأخرجه أحمد في "العلل ومعرفة الرجال" (1/468-469)، وابن المنذر كما في "الفتح" (12/107)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (2/188)، وذكره الذهبي في "ميزان الاعتدال" (4/500)، وفي "سير أعلام النبلاء" (8/505) في ترجمة أبي بكر بن عياش. جميعهم من طرق عن منصور، عن مجاهد، عن سعيد بن المسيب، عن عمر به مثله. وعد كل من العقيلي والذهبي الحديث من مناكير أبي بكر بن أبي عياش ونقلا في ذلك قولاً عن ابن مهدي.
وأخرجه أحمد في المصدر السابق (1/468)، والدارقطني (3/186) كلاهما من طريق هشيم بن بشر، عن منصور، عن قتادة، عن سليمان بن يسار، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.
وأشار إليه البيهقي فيما تقدم وقال: وهو منقطع.
قال العلائي في "جامع التحصيل" (ص191): ((وأرسل - يعني سليمان - عن جماعة منهم عمر - رضي الله عنه -)).
(10) قوله: ((في)) سقط من (ن)
(11) في (ح): ((ومنها لا تقطع)).
(12) في (ن): ((روي)) بدل ((وهو مروي)).
(13) في (ك) و(ح) و(ف) و(ق): ((وروي عن عثمان)).
(14) قوله: (( واختاره ابن بنت الشافعي)) سقط من (ح) و(ك).
(15) كتب في هامش (ق): ((وهو قول الحسن)) ووضع فوقها (خ) وفي (ن): ((وهو قول الحسن)).
(16) في (ح) و(ك) و(ف): ((وهذه الأقوال)).
(17) في (ن): ((خليا)).
(18) في (ق): ((لأدلة)) كذا رسمت.
(19) في (أ) و(ق) و(ف) و(ن) و(ك): ((حجّاج)).
(20) في (ق): ((لا يقطع)).
(21) أخرجه أحمد في "المسند" (16900) عن نصر بت باب، والدارقطني في "سننه" (3/192-193) من طريق أبي مالك الجنبي وزفر بن الهذيل، جميعًا عن حجاج بن أرطاة به. وحجاج ضعيف كثير الخطأ والتدليس، وبه أعلَّه الحافظ في "الفتح" (12/103).
(22) في (ن): ((وأما ما)).
(23) في (ق): ((تعراضه)) نقط الحرف الأول باثنتين من فوق واثنتين من تحت.
(24) في (ق): ((لا يقطع)).(2/421)
في ربع دينار فصاعدًا)). ولا حجَّة لمن احتجَّ بقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((لعن الله السَّارق يسرق (1) البيضة فتقطع (2) يده ويسرق الحبل فتقطع (3) يده))؛ لأنَّه وإن احتمل أن يراد بالبيضة بيضة (4) الحديد، وبالحبل حبل السُّفن، كما قد قيل فيه: فالأظهر من مساقه: أنَّه (5) يراد به التقليل (6) ، لكن أقل (7) ذلك (8) القليل مقيَّد بقوله: ((لا تقطع (9) يد السَّارق إلا في ربع دينار)) (10) ، وهذا نصٌّ، وبقول عائشة رضي الله عنها: لم تكن (11) يد السَّارق تقطع (12) في الشيء التَّافه، خرَّجه البخاري (13) وغيره. وهذا منها خبر عن &(5/57)&$ عادة الشرع الجارية عندهم. ومعلوم: أن الواحدة من بيض الدَّجاج، والحبل الذي يشدّ =(5/73)=@ به المتاع والرَّحل تافهٌ. وإنَّما سلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث مسلك العرب فيما إذا أغْيَت (14) في تكثير شيء أو تحقيره (15) ، فإنَّها تذكر في ذلك ما لا يصحّ وجوده، أو ما (16) يندر وجوده إبلاغًا في ذلك، فتقول: لأصْعَدنَّ (17) بفلان إلى السماء، ولأهبطنَّ به إلى تخوم الثَّرى. وفلانٌ مناطُ الثُّريَّا (18) . وهو مِنِّي مقعد القابلة (19) . و: ((من بنى لله مسجدًا ولو مثل (20) مفحص (21) قطاة بُني له بيتٌ في الجنة)) (22) . ولا يُتصوَّر مسجد مثل ذلك. و: ((تصدَّقن ولو بظلفٍ مُحرَّقٍ)) (23) . وهو مِمَّا لا يُتصدقُ به. ومثل هذا كثير في كلامهم، وعادة لا تستنكر (24) في خطابهم. وقيل في الحديث: أنَّه إذا سرق البيضة أو الحبل (25) ربما حمله ذلك (26) على أن يسرق ما يقطع (27) فيه، لأنه ربما يجتريء (28) على سرقة غيرهما (29) ، فيعتاد ذلك فتقطع (30) يده.
وقوله: ((لعن الله السَّارق))؛ أي: أبعده الله. وقد تقدَّم: أن أصل اللعن: الطرد، والبعد.
وفيه ما يدلّ على جواز لعن جنس العصاة؛ لأنَّه لا بدَّ أن يكون في ذلك الجنس من يستحق ذلك اللعن، أو الذم، أو الدُّعاء (31) عليه. وليس (32) كذلك العاصي المعيَّن؛ لأنَّه قد لا يستحق ذلك (33) ، فيعلم الله أنَّه يتوب من ذلك، فلا (34) يستحق ذلك اللعن بذلك.
وقد ذهب بعض النَّاس: إلى أنَّه (35) يجوز لعن المعيَّن من أهل المعاصي ما لم (36) يُحَدّ. فإذا حدّ لم يجز (37) ؛ لأن الحدود (38) كفارة. وهذا فاسد؛ لأنَّ العاصي المؤمن لم يخرج بمعصيته عن اسم المؤمن. وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ((لعن المؤمن %(2/422)%
__________
(1) في (ن): ((فيسرق)).
(2) في (ق): ((فيقطع)).
(3) في (ق): ((فيقطع)).
(4) في (أ) و(ف): ((بيض)).
(5) قوله: ((أنه)) سقط من (ح).
(6) ألحق ناسخ (ف) في الهامش: ((كبيضة الحيوان يعني أنه بذل يده النفيسة العظيمة المنفعة في خسيس لا قدر له وقيل المراد به جنس البيض وجنس الحبال)) وكتب ؟؟؟ وصح.
(7) قوله: ((أقل)) لم يتضح في (ن).
(8) في (ح) و(ف): ((أقل من ذلك)).
(9) في (ق): (( لا يقطع)).
(10) تقدم في أول الباب.
(11) في (ق): ((لم يكن)).
(12) قوله: ((تقطع)) سقط من (ن).
(13) أخرجه إسحاق بن راهوية في "المسند" (738)، والإسماعيلي في "فتح الباري" (12/103)، والبيهقي في "الكبرى" (8/256) من طريق عبدة لن سليمان، عن هشام بن عروة: أن رجلاً سرق قدحًا فأتى به عمر بن عبدالعزيز، فقال هشام: فقال أبي: إن اليد لا تقطع في الشيء النافه، ثم قال: حدثتني عائشة: أنه لم تكن اليد تقطع في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أدنى من ثمن مجنّ: حجفةٍ أو تُرْس. وحديث عائشة المرفوع في البخاري، وغيره، وأما قوله: ((إن اليد لا تقطع في الشيء التافه))، فهو من كلام عروة بن الزبير، وليس في البخاري، فلعل المصنف أراد الحديث الذي قبله.
(14) في (ن): ((أعيت)).
(15) في (ق): ((تقليله)) وكتب في الهامش ((تحقيره)).
(16) قوله: ((ما)) سقط من (ق).
(17) في (ن): ((لأمعدن)).
(18) في (ن): ((الثري)).
(19) في (ح): ((المقابلة)).
(20) قوله: ((مثل)) سقط من (ن).
(21) في (ك): ((ولو كمفحص))، وهو لفظ رواية أخرى.
(22) تقدم تخريجه في كتاب الإيمان، باب يقاتل الناس إلى أن يوحدوا الله....
(23) .......تقدم تخريجه
(24) في (أ): ((تسكثر)) وتراجع؛ وفي (ح): ((تستكثر)).
(25) في (ك): ((والحبل)).
(26) قوله: ((ذلك)) سقط من (ن).
(27) في (ن): ((تقطع)).
(28) في (ق): ((يجترئ)).
(29) في (أ) و(ح) و(ف) و(ق) و(ن): ((غيرها)).
(30) في (ق): ((فتقطع)) باثنتين من فوق ومن تحت، وفي (ن): ((فيقطع)).
(31) في (ح): ((للدعاء)).
(32) في (ف): ((ولبس)).
(33) قوله: ((لأنه قد لا يستحق ذلك)) سقط من (ح).
(34) في (ح): ((قد لا يستحق)) بدل ((فلا يستحق)).
(35) من قوله: ((يتوب من ذلك...)) إلى هنا سقط من (ن).
(36) في (ن): ((لا)) بدل ((لم)).
(37) قوله: ((يجز)) لم يتضح في (ق).
(38) في (ن): ((الحد)) بدل: ((الحدود)).(2/422)
كقتله)) (1) . وقد نهى عن اللَّعن. وهو كثير. وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن لعن الملقب بـ ((حمار (2) ))؛ الذي كان يشرب الخمر كثيرًا، وحُدَّ مرَّات فلعنه بعضهم، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن لعنه (3) . وهو صحيح =(5/74)=@ نصٌّ في الباب. وفرق بين لعن الجنس والشخص (4) ؛ لأنَّ (5) لعن الجنس تحقيق وتحذير، ولعن الشخص حسبان وتعيير (6) . وأمَّا الكافر فلا حُرْمةَ له (7) . &(5/58)&$ ويجب الكفُّ عن أذى (8) مَنْ له ذمَّة (9) .
ولا حجَّة لمن رأى: أنَّه لا يُقطع (10) الْخَمْس (11) إلا في (12) خَمْسٍ بما رواه أنس عن أبي بكر رضي الله عنهما: أنَّه قَطَع في خمسة دراهم (13) ؛ لأنَّه ليس فيه دلالة على أن هذا أقلّ ما تُقطع (14) فيه، ولو كان نصًّا لكان (15) معارضًا لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تقطع يد السَّارق في أقل من ربع دينار)). فإن هذا نصٌّ من النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا (16) يعارض بغيره. واختلف العلماء في الحدّ الذى تقطع منه (17) اليد. وفيمن قطعت يده ثمَّ سرق؛ ما الذي يقطع (18) له، وفيمن كانت له يمين (19) شَلاَّء. فهذه ثلاث مسائل:
الأولى: لا خلاف: أن اليمين (20) هي التي تقطع أولاً. ثمَّ اختلفوا إن سرق ثانية. فقال مالك، وأهل المدينة، والشافعي، وأبو ثور، وغيرهم: تقطع (21) رجله اليسرى، ثمَّ في الثالثة يده اليسرى، ثمَّ في الرابعة رجله اليمنى، ثم بعد هذا (22) يعزر ويحبس. قال (23) أبو مصعب من أصحابنا: يقتل بعد الرابعة. وقد ثبت عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما (24) : أنهما قطعا اليد بعد اليد، والرِّجل بعد الرِّجل. وقيل: تقطع (25) في الثانية رجله اليسرى، ثمَّ لا قطع في غيرها، فإن عاد حبس، وعزر. روي (26) ذلك عن علي – رضي الله عنه -، وبه قال الزهري، وحمَّاد، %(2/423)%
__________
(1) هذا لفظ إحدى روايات مسلم للحديث المتقدم في باب من قتل نفسه بشيء عذب به، من كتاب الإيمان برقم (86).
(2) في (أ): (بخمّار)).
(3) أخرجه البخاري (12/75) كتاب الحدود رقم (678) باب ما يكره من لعن شار بالخمر، وأنه ليس بخارج من الملة.
(4) كتب ناسخ (ق) فوقها: ((بين لعن)) ووضع فوقها (خ). وفي (ن): ((ولعن الشخص)).
(5) في (ح) و(ك) و(ن) و(ق): ((أن)) بدل: ((لأن)).
(6) في (ف): ((وتعبير)).
(7) في (أ): ((لهم)).
(8) قوله: ((أذى)) سقط من (ك).
(9) في (أ) و(ن) و(ق) و(ح): ((ذمة منهم)).
(10) في (ن): ((لا تقطع)).
(11) في (ق): ((للخمس)).
(12) قوله: ((في)) سقط من (ك).
(13) روي هذا الأثر مرفوعًا وموقوفًا عن أبي بكر - رضي الله عنه - :
فالمرفوع: أخرجه ابن عدي في "الكامل" (6/214)، والبيهقي (8/260) من طريق شيبان. والطبراني في "الأوسط" (2552)، والدارقطني (3/186)، والبيهقي في الموضع المتقدم من طريق سليمان بن حرب. والبيهقي في الموضع السابق، من طريق موسى بن إسماعيل. ثلاثتهم - شيبان، وسليمان، وموسى بن إسماعيل- عن أبي هلال الراسبي، عن قتادة، عن أنس قال: قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر في مجن، فقلت: كم كان يساوي؟ قال: خمسة دراهم.
وهذا لفظ ابن عدي، والبقيّة نحوه بمعناه مع اختلاف في الألفاظ، إلا أن عند البيهقي من حديث شيبان زيادة: عمر، فقال: قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر. وعند الطبراني والدارقطني والبيهقي من حديث سليمانبنحرب الإشارة إلى الخلاف في رفعه أو وقفه.
وأخرجه البيهقي في الموضع السابق من طريق سعيد بن عامر، عن قتادة، عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع في مجن ثمن خمسة دراهم، وأن أبا بكر - رضي الله عنه - قطع في مجن ثمنه خمسة دراهم. قال البيهقي: كذا قال، والمحفوظ من حديث سعيد بن أبي عروبة.
وأخرجه النسائي (8/77 رقم4911) في كتاب قطع السارق، باب القدر الذي إذا سرقه السارق قطعت يده، من طريق هشام، عن قتادة، عن أنس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع في مجن. هكذا مختصرًا، ثم قال النسائي: ((هذا خطأ)).
وأخرجه البيهقي (8/259-260) من طريق يحيى بن أبي كثير، ثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس: أن رجلاً سرق مجنًّا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو أبي بكر، أو عمر، فقوّم خمسة دراهم فقطعه.
والموقوف: أخرجه النسائي (8/77 رقم4912) في الموضع السابق، والبيهقي (8/259-260) كلاهما من طريق شعبة من طريق سعيد بن أبي عروبة. كلاهما شعبة وسعيد بن أبي عروبة، عن طريق قتادة، عن أنس قال: قطع أبو بكر - رضي الله عنه - في مجن فيمته خمسة دراهم. ثم قال النسائي: ((هذا هو الصواب)). وزاد البيهقي في الموضع الثاني: ((أو أربعة دراهم)).
قال الدار قطني في "العلل" (1/228-229)- وسُئل عن حديث أنس، عن أبي بكر؛ أنه قطع في مجن قيمته خمسة دراهم فقال-: ((يرويه شعبة، وأبو عوانة، وسعيد بن أبي عروبة، وحجاج بن أرطاة، عن قتادة، عن أنس: أن أبا بكر قطع في مجن. وكذلك رواه حميد الطويل قال: سمعت قتادة سأل أنسًا، فذكر عن أبي بكر نحوه. واختلف عن شعبة، وعن سعيد؛ فرواه يحيى بن أبي بكير، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع في مجن. وكذلك رواة عبيدة بن الأسود وسعيد بن عامر، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع في مجن. وكذلك قال أبو هلال الراسبي، عن قتادة، عن أنس: قطع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر. والصحيح قول من قال: عن أنس، عن أبي بكر فعله، غير مرفوع.
(14) في (ح) و(ك) و(ن) و(ق): ((يقطع)).
(15) في (أ) و(ح) و(ف): ((لما كان))، وفي (ن): ((لحان)).
(16) في (ف): ((لا)) بدل ((فلا)).
(17) في (ق): ((يقطع فيه)) وكتب في الهامش ((منه)) ووضع فوقها (خ).
(18) في (ن): ((تقطع له)).
(19) في (ن): ((يمنى)).
(20) في (ف): ((اليمنى)).
(21) في (ق): ((يقطع)).
(22) في (أ): ((ذلك)).
(23) في (ف): (وقال)).
(24) ... تخريج.
(25) في (ح) و(ق): ((يقطع)).
(26) في (ف) و(ق) و(ن): ((وروي)).(2/423)
وأحمد.
فلو كانت اليمنى شلاَّء، أو مقطوعة أكثر الأصابع، أو لا يمين له - وهي المسألة الثانية (1) -؛ ففيه (2) عن (3) مالك روايتان :
إحداهما: تُقطع يده (4) اليسرى. والأخرى: رِجله اليسرى. وقال الزُّهري: تُقطع الشَّلاَّء؛ لأنَّها جمال. وبه قال إسحاق، وأبو ثور. وقال أحمد: إذا كان يُحَرِّكُها قُطِعت. وعند الحنفية (5) تفصيلٌ بعيدُ التحصيل (6) . =(5/75)=@
ثم إلى أين تُقطع (7) ؟- وهي المسألة الثالثة (8) -؛ فعند الكافة (9) : تقطع اليد من الرُّسغ، والرِّجل من المفصل. وهو مروي عن عمر وعثمان (10) رضي الله عنهما. وقال علي (11) - رضي الله عنه -: تُقطع الرجل من شطر القدم، ويُترك له العقب، وبه قال أحمد، وأبو ثور. وقيل: تُقطع اليد (12) إلى المرفق. وقيل: إلى المنكب. وهما شاذان.
تنبيه: آيةُ السَّرقة وردت عامة مطلقة، لكنها مخصَّصة مقيَّدة عند كافة العلماء؛ إذ قد خرج من عموم السَّارق من سرق ملكه، ومن سرق أقل من نصاب، وغير ذلك. وتقيَّدت باشتراط الحِرز، فلا قطع على من سرق شيئًا من &(5/59)&$ غير حرز بالإجماع إلا ما شذَّ فيه الحسن، وأهل الظاهر، فلم (13) يشترطوا الحِرز. وقد روى النسائي (14) من حديث رافع بن خديج – رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا قطع في كَثَرٍ ولا ثَمَرٍ))، والكَثَر: الْجُمَّار (15) .
وروي من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده (16) : أنَّه سُئل عن الثمر الْمُعَلَّق؟ فقال: ((من أصاب منه من (17) ذي حاجة غير مُتَّخِذٍ (18) خُبْنَة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه (19) والعقوبة، ومن سرق شيئًا منه بعد أن %(2/424)%
__________
(1) قوله: ((وهي المسألة الثانية)) سقط من (أ) و(ف).
(2) في (أ) و(ف): ((فيه)).
(3) في (ح): ((فعن)) بدل: ((ففيه عن)).
(4) قوله: ((يده)) لم يتضح في (ن).
(5) في (ح) و(ن): ((وعند أبي حنيفة)).
(6) في (ح) و(ك) و(ن) و(ق): ((تفصيل طويل)) بدل: ((بعيد التحصيل)).
(7) في (ك): ((يقطع)).
(8) في (ف): ((الثانية)).
(9) في (ن): ((الحافة)).
(10) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (18759) عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار، عن عكرمة: أن عمر كان يقطع القدم من مفصلها، وأن عليًّا - عن غير عكرمة - كان يقطع القدم - أشار لي عمرو - إلى شطرها. وعنه ابن حزم في "المحلى" (11/161)، وسيأتي في أثر علي الآتي مثل هذا عند ابن أبي شيبة (28589)، وفيه قطع اليد من المفصل، بدل القدم.
وأما عن عثمان - رضي الله عنه -: فأخرج ابن حجر في "التلخيص" (4/132-133) وعزاه لأبي الشيخ في كتاب الحدود من طريق نافع، عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يقطعون السارق من المفصل.
(11) أخرجه الشافعي في "الأم" (7/182)، وسعيد بن منصور كما في "فتح الباري" (12/99)، ومن طريق سعيد بن منصور أخرجه البيهقي (8/271) كلاهما من طريق حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار: أن عليًّا - رضي الله عنه - عنه قطع من شطر القدم. وعند سعيد بن منصور زيادة: كان عمر بن الخطاب - صلى الله عليه وسلم - يقطع السارق من المفصل...، فذكره. إلا أن في "الفتح": مشط القدم. بدل: شطر القدم.
وأخرجه الشافعي فيما تقدم، والدارقطني (3/217)، وابن حجر في "تغليق التعليق" (5/230) ثلاثتهم من طريق هشيم، عن مغيرة، عن الشعبي: أن عليًّا...، وذكروا مثله، وزادوا: ويدع العقب يعتمد عليها، وعند الشافعي وابن حجر يقول: ادع له ما يعتمد عليه.
وأخرجه البيهقي فيما تقدم: وحدثنا وكيع، ثنا قيس، عن مغيرة، عن الشعبي: أن عليًّا...، وذكر مثل ما عند الشافعي.
وأخرجه ابن أبي شيبة (28589): حدثنا محمد بن ميسر، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة: أن عمر بن الخطاب قطع اليد من المفصل وقطع عليٌّ القدم. وأشار عمرو إلى شطرها.
(12) قوله: ((اليد)) سقط من (أ) و(ف).
(13) في (ن): ((فلا)) بدل ((فلم)).
(14) حديث صحيح، وهذا إسناد فيه انقطاع بين محمد بن يحيى بن حبَّان ورافع بن خديج. ويزيد: هو ابن هارون، ويحيى: هو ابن سعيد الأنصاري. وأخرجه الدارمي (2/ 174)، والطبراني في "الكبير" (4339) من طريق يزيد ابن هارون، بهذا الإسناد. وقد رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري هكذا منقطعًا عدد من الرواة: منهم يحيى القطان عند النسائي في "المجتبى" (8/87)، وفي "الكبرى"(7449 و7451).
وحماد بن زيد عند أيي داود (4389)، والنسائي في "المجتبى" (8/87)، وفي "الكبرى، (7450)، والطبراني في "الكبير" (4342)، والبيهقي في "السنن" (8/ 262-263)، وابنُ عبدالبر في "التمهيد" (23/ 306). وذكر بعضهم قصة من سرق ورُفع أمره إلى مروان بن الحكم، وأراد أن يقطعه.(
وسفيان الثوري عند النسائي في "المجتيى" (8/87)، وفي "الكبرى" (7454 و 7455)، والدارمي (2/ 174)، والطبراني في "الكبير" (4340)، وابن عبدالبر في "التمهيد" (23/306). وأبو معاوية الضرير عند النسائي في "المجتبى" (8/87)، وفي "الكبرى" (7453).
وأبو خالد الأحمر عند ابن أبي شيبة (10/26)، والطبراني في "الكبير" (4350).
وجرير بن عبدالحميد وعبدالوهاب الثقفي عند الدارمي (2/174). وأبو شهاب الحنَّاط عند البيهقي في "السنن" (8/263). وأبو عوانة عند ابن عبدالبر في "التمهيد" (23/307-308). وعبدالوارث بن سعيد، وزهير بن معاوية، وعبيد الله بن عمرو، ويونس بن راشد، وزائدة بن قدامة، وعبدالعزيز الدراوردي، وأنس بن عياض، ورواياتهم على الترتيب عند الطبراني في "الكبير" (4343) (4344) (4345) (4346) (4347) (4348) (4349). ومالك في "الموطأ" (2/ 839)، ومن طريقه الشافعي في "المسند" (2/83-84 بترتيب السندي)، وفي "السنن" (563)، وفي "الأم" (6/118)، وأبو داود (4388)، والطحاوي في "شرح المعاني" (3/172)، والطبراني في "الكبير" (4341)، والبيهقي في "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" (ص 274 و 274- 275)، والبغوي في "شرح السنة" (2600)، وابن بشكوال في "غوامض الأسماء المبهمة" (104)، مع ذكر القصة. قال الطحاوي: ((هذا الحديث تلقت العلماءُ متنه بالقبول)). قال ابنُ عبدالبر في "التمهيد" (23/303): هذا حديث منقطع، لأن محمد ابن يحرص لم يسمعه من رافع بن خديج. وكذلك نقل الزيلعي في "نصب الراية" (3/361) عن عبدالحق. وقد وقع في إسناد مطبوع مسند الشافعي زيادة: ((عن عمه واسع))، ولم ترد من طريق مالك، ولم ترد من طريقه في "السنن، ولا في "الأم". وأخرجه البيهقي في "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" (ص 273) من طريق الربيع، عن الشافعي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبَّان، أن رافع بن خديج أخبره أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... وقال: هكذا وقع هذا الحديث القطع في السرقة: أن رافع بن خديج أخبره. وهو خطأ من الربيع أو من دونه أو الكاتب. وقد رواه الشافعي في كتاب الحدود، فقال: عن رافع بن خديج أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لم يقل فيه أخبره، ثم أورد البيهقي رواية مالك المنقطعة من طريق الشافعي، وقال: كذلك رواه الشافعي في القديم، وقال: هذا مرسل، يعني بين محمد بن يحيى بن حبَّان ورافع، فكيف يَحكُمُ بإرساله ثم يرويه موصولاً؟! دلَّ أن هذا الخطأ وقع من غيره، وقد يحتمل أنه رواه حين رراه مختصرًا فقال:(( إن رافع بن خَدِيج أخبر أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )) بغير هاء، فزاد فيه الكاتب هاءً. فأما الشافعي فإنما رواه على الإرسال، وكذلك أصحاب مالك، وإنما رواه موصولاً من حديث ابن عُيينة، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حَيَّان، عن عمه واسع بن حَبَّان، عن رافع.
قلت: قد أخرجه موصولاً بذكر واسع بن حَبَّان من طريق ابن عُيينة، عن يحيى بن سعيد، به: الشافعي في "المسند" (2/84 بترتيب السندي)، وفي "السنن" (564)، والحميدي (407)، والدارمي (2/ 174)، والنسائي في "المجتى" (8/ 87)، وفي "الكبرى" (7456)، وابن ماجه (2593)، والطحاوي في "شرح المعاني، (3/ 172)، وابن الجارود (826)، وابن حبان (4466)، والبيهقي في "السنن" (8/263)، وابن عبدالبر في "التمهيد" (23/304-305). وذكر بعضهم القصة. ونقل ابنُ عبدالبر عن الحُميدي، قال: فقيل لسفيان: ليس يقولُ أحدٌ في هذا الحديث :(( عن عمه))، فقال: هكذا حفظي. وقال ابنُ عبدالبر أيضًا (23/303): فإن صح هذا، فهو متصل مسند صحيح، ولكن قد خُولف ابنُ عُيينة في ذلك، ولم يُتابع عليه، إلا ما رواه حماد بن دُلَيل المداثني عن شعبة. قلت: بل تابع ابنَ عُيينة غيرُ واحد، فقد وصله أيضًا زهير بن محمد التميمي عند الطيالسي (958)، والليثُ بنُ سعد عند الترمذي (1449)، والنسائي في "المجتبى" (8/ 87-88)، وفي الكبرى" (7457) كلاهما عن يحيى ابن سعيد الأنصاري بمثل إسناد ابنِ عُيينة. قال الترمذي: هكذا روى بعضُهم عن يحيى بن سعيد،عن محمد بن يحيى بن حَبَّان، عن عمه واسع بن حبان، عن رافع بن خديج، عن النيي - صلى الله عليه وسلم - نحو رواية الليث بن سعد، وروى مالك بن أنس وغيرُ واحدٍ هذا الحديث عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حَبَّان، عن رافع بن خَديج، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يذكروا فيه: عن واسع بن حَبَّان. قلت: والذين زادوا الوصل ثقات، وزيادةُ الثقة مقبولة. وأخرجه الدارمي (2/ 174)، والنسائي في "المجتيى" (8/ 88)، وفي " الكبرى "(7459)، وابن عبدالبر في "التمهيد" (23/306-307) من طريق أبي أسامة، وعبدُالرزاق (18916) ومن طريقه الطبراني في "الكبير"، (4351) عن ابن جُريج، كلاهما عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبَّان، عن رجل من قومه، عن رافع، به. ولم يقل ابن جريج: ((من قومه)). وسقط من إسناد الطبراني عبارة: ((عن رجل)). ويظهر أن هذا الرجل هو واسع بن حَبَّان، كما سماه ابن عيينة ومن تابعه، فيما سلف، وهو عم محمد بن يحيى بن حبان. وأخرجه الدارمي (2/ 175)، والنسائي في "المجتيى" (8/88)، وفي "الكبرى" (7458) من طريق عبدالعزيز بن محمد الدراوردي، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حَبَّان، عن أبي ميمون، عن رافع، به. وقال النسائي: هذا خطأ، أبو ميمون لا أعرفه. وقال في "الكبرى": هذا خطأ. رواه أبو أسامة فقال: عن رجل من قومه. قال الدارمي: القول ما قال أبو أسامة. وأبو ميمون وقع عند الدارمي والرازي في "العلل" (1/ 456): أبو ميمونة.
وأخرجه النسائي في "المجتنى" (8/ 88)، وفي "الكبرى" (7460)، وابن عبدالبر في "التمهيد" (23/307) من طريق بشر بن المفضل، عن يحيى بن سعيد، أن رجلاً من قومه حدَّثه عن عمة له - في "التحفة" للمزي (3/160): عن عم له -، أن رافع بن خديج، كذا وقع عند النسائي، ووقع عند ابن عبدالبر: عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، أن رجلاً من قومه حدَّثه عن عمة له. ففيه زيادة: محمد بن يحيى بن حَبَّان. وأخرجه الطبراني في "الكبير" (4352) من طريق الليث، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حَبَّان، عن عمة له، عن رافع، به. وسبق من طريق الليث من وجه آخر. وهذا اختلاف فيه عن الليث. وأخرجه النسائي في "المجتبى" (8/ 86)، وفي "الكبرى" (7448)، والطبراني في "الكبير" (4277) من طريق الحسن بن صالح، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، عن رافع بن خديج، به. قال المزي في "التحفة": غريب. المحفوظ حديث يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حَبَّان، عن رافع بن خديج، وقيل: عن عمه واسع بن حَيَّان، عن رافع بن خديج وسيأتي من طريق شعبة برقم (15814)، ومكررًا مسندًا ومستنًا (4/140- 142). وله شاهد من حديث أبي هريرة عند ابن ماجه (2594) أخرجه عن هشام ابن عمار، عن سعد بن سعيد المقبري، عن أخيه، عن أبيه، عنه، وإسناده ضعيف جدًّا، سعد بن سعيد المقبري ضعيف، وأخوه- واسمه عبدالله- متروك. وفي الباب في الثمر المعلَّق: عن عبدالله بن عمرو سلف برقم (6683)، وذكرنا له في تخريجه هناك شاهد آخر. وعن عمرو بن شعيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الشافعي في "المسند" (2/84)، والبيهقي في "السنن" (8/263) بلفظ: ((لا قطع في ثمر معلّق، فإذا آواه الجرين ففيه القطع)). وإسناده معضل.
وانظر مذاهب العلماء في فقه هذا الحديث في "شرح السنة" (10/319- 320).
(15) الْجُمَّار: هو قلبُ النخل وشحمها. "النهاية" (...).
(16) أخرجه أحمد (2/180 و203 و207) بمعناه، وابن ماجه (2/865-866 رقم2596)، كتاب: الحدود، باب: من سرق من الحرز، وأبو داود (2/335-336 رقم1710)، والترمذي (3/584 رقم1289) مختصرًا جدًّا، و(4/550-551 رقم4390)، والنسائي في "المجتبى" (8/85-86 رقم4959)، و(8/85-86 رقم4958) مختصرًا، وفي "الكبرى" (4/344 رقم7447)، وابن الجارود (827)، والطبراني في "الأوسط" (1983) بمعناه، بزيادة في أوله، و(5212) مختصرًا، والدارقطني (3/194-195) بمعناه، و(4/236)، والحاكم (4/38)، والبيهقي (4/152-153 و190) بزيادة في آخره، و(8/278)، والبغوي في "شرح السنة" (2211) مطولاً بزيادة.
جميعهم من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو: أن رجلاً من مزينة أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! كيف ترى في حريسة الجبل؟ فقال: ((هي ومثلها، والنكال ،وليس في شيء من الماشية قطع، إلا فيما آواه المراح فبلغ ثمن المجن؛ ففيه قطع اليد، وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال)). قال يا رسول الله! كيف ترى في الثمر المعلَّق؟ قال: ((هو ومثله معه والنكال، وليس في شيء من الثمر المعلَّق قطع إلا فيما آواه الجرين، فما أخذ من الجرين فبلغ ثمن المجن؛ ففيه القطع وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال)).
قال الترمذي: ((هذا حديث حسن)).
وقال الحاكم في "المستدرك" (4/423): ((هذه سنة تفرد بها عمرو بن شعيب بن محمد، عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص، إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب ثقة، فهو كأيوب، عن نافع، عن ابن عمر)).
(17) قوله: ((من)) سقط من (ن).
(18) في (ك): ((متخدٍ)).
(19) في (ق): ((مثليه)) وكتب في الهامش ((مثله)) ووضعم فوقها (خ). وفي (ن): ((مثله)).(2/424)
يؤويه (1) الجرين فبلغ ثمن الْمِجَنِّ فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة)). وفي رواية: ((وليس في الماشية قطعٌ إلا فيما آواه المراح فبلغ ثمن الْمِجَنِّ ففيه ففيه قطع اليد، ومالم يبلغ ثمن الْمِجَنِّ غرامة مثليه وجلدات)).
قال أبو عمر: قوله: وغرامة مثليه: هو منسوخ. لا (2) أعلم أحدًا من الفقهاء (3) قال به إلا رواية عن أحمد. ومحمل هذا على التشديد، والعقوبة. وأبو عمر يصحح حديث عمرو بن شعيب إذا كان الرَّاوي عنه ثقةٌ، والراوي عنه =(5/76)=@ لهذا الحديث (4) ابن عجلان، وهو ثقة.
وإذا تقرَّر اشتراط (5) الحِرز في السرقة: فالحِرز عبارة عن المحلّ الذي يحفظ فيه (6) ذلك الشيء عادة. ثم هو مختلف بحسب اختلاف الشيء الْمُحْرز (7) . وتفصيل ذلك وبقية ما يتعلَّق (8) بالسَّرِقة في الفروع. &(5/60)&$
ومن باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام
قولها (9) : ((إن قريشًا أهمَّهم شأن المخزومية (10) التي سرقت))؛ هذا هو الصحيح: أن هذه المرأة سرقت، وقطعت (11) يدها لأجل سرقتها (12) ، لا لأجل جحد المتاع. ويدلّ على صحة ذلك أربعة أوجه:
أولها: إن رواية من روى: ((أنها سرقت))؛ أكثر وأشهر من رواية من قال (13) : ((إنَّها كانت تجحد المتاع)). وإنَّما انفرد معمر بذكر الجحد وحده من بين الأئمة الحفاظ، وقد تابعه على ذلك من لا يعتد بحفظه كابن أخي ابن شهاب ونَمَطِه (14) . هذا قول ا لمحدِّثين. %(2/425)%
__________
(1) في (ف): ((يوتيه)).
(2) في (ح): ((ولا)).
(3) في (خ): ((العلماء)).
(4) في (ق): ((والراوي لهذا الحديث عنه)).
(5) في (ح): ((اشراط)).
(6) قوله: ((فيه)) سقط من (ن).
(7) في (ق): ((المحروز)) وكتب فوقها ((المحرز)) ووضع فوقها (خ).
(8) قوله: ((وبقية ما يتعلق)) مكرر في (ح) وكأنه ضرب عليه.
(9) في (ك) و(ن) و(ح): ((قوله))، وفي (ق) لم تتضح.
(10) في (ح) و(ن) و(ق): (( المرأة المخزومية)).
(11) في (ح): يشبه ((وقطعت)).
(12) في (أ) و(ف): ((السرقة)).
(13) في (ق): ((من روى)) وكتب في الهامش ((من قال)) ووضع فوقها (خ).
(14) قوله: ((ونمطه)) سقط من (ن).(2/425)
ثانيها (1) : إن معمرًا (2) وغيره ممن روى هذه القِصَّة (3) متفق: على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال - حيث أنكر على أسامة -: ((لو أن فاطمة سرقت لقطعت يدها))، ثم أمر بتلك (4) المرأة فقطعت. وهذا يدلُّ دلالة قاطعة (5) : على أن المرأة قطعت في السَّرِقة؛ إذ لو كان قطعها لأجل جحد المتاع لكان ذكر السِّرِقة هنا لاغيًا، لا فائدة له (6) ، وإنما كان (7) يقول: لو أن فاطمة جحدت المتاع لقطعت يدها.
وثالثها: إن جاحد المتاع خائن، ولا قطع على خائن عند جمهور العلماء (8) =(5/77)=@ خلافًا لما ذهب إليه أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الترمذي (9) من حديث جابر – رضي الله عنه - مرفوعًا: ((ليس على خائن، ولا منتهب، ولا مختلس قطع)). وقال: حديث (10) حسن صحيح. وهذا نصٌّ. ولأنَّه لو كان في جَحْدُ &(5/61)&$ المتاع قطعٌ لكان يلزم القطع كلَّ (11) من جَحَد شيئًا من( الأشياء (12) ثمَّ ثبت عليه. وهذا لا قائل به فيما أعلم (13) .
ورابعها: إنَّه لا تعارض بين رواية من روى: ((سرقت)) ولا بين رواية من روى: ((جحدت ما استعارت))؛ إذ يمكن أن يقال: إن المرأة فعلت الأمرين، لكن قطعت في السرقة، لا في الجحد، كما شهد (14) به مساق الحديث، فتأمله
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟!)) إنكارٌ على أسامة، يُفْهَم منه: تحريم الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام، فيَحْرُم على الشافع وعلى الْمُشَفَّع، وهذا لا يختلف فيه. وقد ذكر الدارقطني (15) عن عروة بن الزبير قال: شفع الزبير (16) – رضي الله عنه - في سارق، فقيل: حتى نُبْلِغَهُ (17) الإمامَ. قال: إذا بلغ الإمام فلعن الله الشافع والْمُشَفَّع، كما (18) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ورواه مالك عن ربيعة بن (19) أبي عبد الرحمن: أن الزبير قال ذلك، ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - . والموقوف هو الصحيح. =(5/78)=@ &(5/62)&$ %(2/426)%
__________
(1) في (ك) و(ق) و(ح) و(ف) و(ن): ((وثانيها)).
(2) في (ح): ((هذا)) بدل ((معمر)).
(3) في (ح): ((القضية)).
(4) في (أ) و(ف): ((بيد)).
(5) في (ق): ((قطعية)) وكتب في الهامش ((قاطعة)).
(6) في (ك) و(ن): ((فيه)).
(7) في (ك): ((وكان)).
(8) في (ن): ((للعلماء)).
(10) إسناده على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي الزبير، فمن رجال مسلم، وهو وابن جريج قد عنعنا، لكن ابن جريج قد صرح بسماعه من أبي الزبير عند غير واحد ممن خرجه، وقيل: لم يسمعه منه، ثم هو متابع كما سيأتي. وأخرجه أبو داود (4391 و4392) من طريق محمد بن بكر، بهذا الإسناد. وأخرجه عبدالرزاق (18844 و 18858 و18860)، وابن أبي شيبه (10/45 و47)، والدارمي (2310)، وأبو داود (4393)، وابن ماجه (2591) و(3935)، والترمذي (1448)، والنسائي في "المجتيى" (8/ 88 و 89)، وفي "الكبرى" (7463) و7464 و7465 و 7466)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/171)، وفي "شرح مشكل الآثار" (1314)، وابن حبان (4456 و4457)، والدارقطني (3/187)، وابن حزم في "المحلى" (11/359-360)، والبيهقي (8/279)، والخطيب في "تاريخه " (1/256) و(11/153)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1326) من طرق عن ابن جريج، به. وبعضهم يزيد فيه على بعض، لم يذكره أحد منهم بتمامه، ومعظمهم زاد فيما لا قطع فيه المختلس، وتفرد ابن حبان في إسناده فقرن بأبي الزبير عمرو بن دينار، وقال الترمذي: ((حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم)).
قلت: وقد ذكر بعض أهل العلم أن ابن جريج لم يسمعه من أبي الزبير، وأن بينهما ياسين بن معاذ الزيات، وممن قال ذلك أحمد بن حنبل، وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان كما فيا "العلل" لابن أبي حاتم (1/450) والنسائي، ونقل ذلك أبو داود والخطيب وابن عدي في "الكامل" (7/2642)، والبيهقي، لكن هذا مردود بأن ابن جريج قد صرح بسماعه عند عبدالرزاق (18844)، والدارمي، والنسائي في "الكبرى" (7463)، والخطيب البغدادي (1/ 256)، رابن الجوزي، فلا وجه بعد ذلك لاعتبار عنعنة ابن جريج علة قادحة فيه. وأخرجه النسائي في "المجتبى"، (8/88)، وفي "الكبرى) (7461 و 7462)، وابن حبان (4458)، والخطيب (9/135) من طريق سفيان الثوري، والنسائي في "المجتبى" (8/89)، وفي "الكبرى" (7467 و7468)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/171)، والبيهقي (8/279) من طريق المغيرة بن مسلم، وعبدالرزاق (18845 و18859)، وابن عدي في "الكامل" (7/2641-2642) من طريق ياسين الزيات. ثلاثهم عن أبي الزبير، به.
قلت: سفيان الثوري ثقة إمام، لكن قال النسائي: لم يسمعه من أبي الزبير، والمغيرة ابن مسلم صدوق حسن الحديث، لكن قال النسائي: ليس بالقوي في أبي الزبير. وكذلك استنكر أحاديثه عن أبي الربير يحيى بن معين في رواية عنه. وأما ياسين الزيات فضعيف، لكن هذه الطرق الثلاثة مجتمعة تصلح لتقوية حديث ابن جريج. وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((من انتهب نهبة مشهورة فليس منا))، سلف برقم (14351) روي من طريق زهير بن معاوية، عن أبي الزبير، وهذه متابعة أخرى قوية لابن جريج. وقد وقع في طريق ياسين الزيات عند عبدالرزاق (18859) تصريح أبي الزبير بسماعه من جابر، لكن ياسين ضعيف، فلا يعتمد عليه في تثبيت سماع أبى الزبير من جابر. وأخرجه ابن أبي شيبة (10/47)، والنسائي في "المجتبى" (8/89)، و"الكبرى" (7469) من طريق أشعث بن سوار، عن أبي الزبير، عن جابر موقوفًا. وأشعث بن سوار ضعيف. وأخرجه مرفوعًا الطبراني في "الأوسط" (3864) من طريق أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن جابر. إسناده ضعيف جدًّا، لا يصلح للمتابعة. وللنهي عن الاختلاس انظر.... وله شاهد من حديث أنس بن مالك عند الطبرانى في "الأوسط" (513)، ورجال إسناده ثقات ولقصة المختلس شاهد من حديث عبدالرحمن بن عوف عند ابن ماجه (2592)، وصححه الحافظ في "التلخيص" (4/66).
والنهب: الأخذ على وجه العلانية والقهر. والخائن: هو الآخذ مما في يده على وجه الأمانة. وأما الاختلاس: فهو أخذ الشيء من ظاهر بسرعة."حاشية النسائي" للسندي. وانظر "شرح السنة" (10/323)، و"المغني" (2/416).
( ) في (ك): ((هذا حديث)).
(11) في (ح) و(ك): ((على كل)).
(12) في (ن): ((سائر الأشياء)) بدل ((شيئًا من الأشياء)).
(13) ألحق ناسخ (ف) في الهامش: ((وجه خامس وهو أن قولها كانت تستعير المتاع وتجحده تعريف لها أي أن المرأة التي كانت تستعير المتاع سرقت كما يقال المرأة التي تغزل الحرير مثلاً سرقت فحذف لفظ لفظ سرقت لدلالة الروايات عليه وفي الحديث نفسه ما يدل عليه، وقد جاء صريحًا أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله ? فقطعت لذلك ذكره الخطابي في المعالم)) وكتب فوقها حشـ.
(14) في (ح): يشبه ((نهد)) .
(15) أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2284)، وفي "الصغير" (158)، والدارقطني (3/205) كلاهما من طريق أبو غزية محمد بن موسى المدني، عن عبدالرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه به مثله.
قال الطبراني في "الأوسط" لم يرو هذا الحديث عن هشام بن عروة إلا عبد الرحمن بن أبي الزناد. قال في "الصغير": ((لا يروى عن الزبير إلا بهذا الإسناد تفرد به أبو غزية)).
وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (6/396) وقال: ((رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير"، وفيه أبو غزية محمد بن موسى الأنصاري ضعفه أبو حاتم وغيره، ووثقه الحاكم. وعبدالرحمن بن أبي الزناد ضعيف)).
وأخرجه الإمام مالك في "الموطأ" (2/835 رقم29) كتاب الحدود، باب ترك الشفاعة للسارق إذا بلغ السلطان، عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن: أن الزبير بن العوام لقي رجلاً قد أخذ سارقًا وهو يريد أن يذهب به إلى السلطان، فشفع له الزبير ليرسله، فقال: لا حتى أبلغ به السلطان، فقال الزبير: إذا بلغت به السلطان فلعن الله الشافع والمشفع. هكذا موقوفًا على الزبير.
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (12/87) بعد أن أشار إلى تخريج الإمام مالك لهذا الأثر: ((وهو منقطع مع وقفه، وهو عند ابن أبي شيبة بسند حسن عن الزبير)).
قال الصنعاني في "سبل السلام" (4/21): ((قيل: وهذا الموقوف هو المعتمد)).
أخرجه ابن أبي شيبة (28066)، والدارقطني في الموضع السابق. كلاهما من طريق وكيع، عن هشام بن عروة، عن عبدالله بن عروة، عن الفرافصة الحنفي قال: مروا على الزبير بسارق فتشفع له، قالوا: أتشفع لسارق؟ فقال: نعم ما لم يؤت به إلى الإمام، فإذا أُتي به إلى الإمام فلا عفا الله عنه إن عفا عنه.
قال ابن حزم في "ألمحلى" (11/153) عقب ذكره لرواية مالك الموقوفة: ((فنظرنا في الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجدناها لا يصلح منها شيء أصلاً)).
(16) في (ن): ((ابن الزبير)).
(17) في (ن): ((يبلغه)).
(18) قوله: ((كما)) سقط من (ن).
(19) في (ف): (عن)) بدل: ((بن)).(2/426)
وأمَّا الشفاعة قبل بلوغ (1) الإمام: فقد أجازها أكثر أهل العلم لما جاء في السِّتر على المسلم مطلقًا، لكن قال مالك: ذلك فيمن لم يُعرف منه أذى للنَّاس، فأما من عرف منه (2) شرٌّ، وفسادٌ: فلا أحبُّ أن يُشْفع فيه.
وأمَّا الشفاعة فيما ليس فيه حدٌّ وليس فيه حق لآدمي، وإنَّما فيه التعزير فجائزة (3) عند العلماء بلغ الإمام أم لا (4) .
وقوله: ((إنَّما أهلك (5) الذين قبلكم أنَّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدَّ))؛ تهديد، ووعيد شديد على ترك القيام بالحدود (6) ، وعلى ترك التسوية فيما (7) بين الدَّنيء والشريف، والقوي والضعيف. ولا خلاف في وجوب ذلك.
وفيه حجَّة لمن قال: إن شرع من قبلنا شرع لنا (8) .
وقوله: ((لو أن فاطمة سرقت لقطعت يدها))؛ إخبارٌ عن مقدَّر يفيد القطع بأمر محقق. وهو وجوب إقامة الحد على البعيد والقريب (9) ، والبغيض والحبيب، لا تنفع (10) في ذريةٍ (11) شفاعة، ولا تحولُ (12) دونه قرابة ولاجماعة (13) . %(2/427)%
__________
(1) في (ح): ((قبل البلوغ)) وكتب في الهامش ((بلوع الإمام)).
(2) قوله: ((منه)) سقط من (ن).
(3) في (أ) و(ق) و(ح) و(ف) و(ن): ((فجائز)).
(4) في (ق): ((أم لا)) وكتب في لاهامش ((أو لا))، ووضع فوقها (خ)، وفي (ن): ((أو لا)).
(5) في (ن): ((هلك)).
(6) في (ق): ((بالحقوق))و كتب في الهامش ((بالحدود)) ووضع فوقها (خ).
(7) في (أ) و(ق) و(ح) و(ف): ((فيها)).
(8) من قوله: ((والضعيف ولا خلاف...)) إلى هنا سقط من (ن).
(9) في (ن): ((القريب والبعيد)).
(10) في (ق): ((لا ينفع)).
(11) في (ف): ((درئة)) كذا رسمت.
(12) في (ق) و(ن): ((ولا يحول)).
(13) في (ح): يشبه ((حماية)).(2/427)
وقولها: ((فحسنت توبتها، وتزوَّجت...)) إلى آخره؛ يدلّ على صحة توبة =(5/79)=@ السَّارق، وأنها ماحيةٌ لإثم السَّرِقة، وللمعرَّة (1) اللاحقة، فيحرم (2) تعييره بذلك. أو يعاب (3) عليه شيء مما كان هنالك. وهكذا (4) حكم أهل الكبائر إذا تابوا منها، وحسنت أحوالهم بعدها، تُسمعُ أقوالهم، وتُقبل شهادتهم (5) . وهذا مذهب الجمهور، غير أن أبا حنيفة قال: لا تقبل شهادة القاذف المحدود مطلقًا وإن تاب. وقال مالك: لا تُقبل شهادة المحدود فيما حدّ فيه، وتُقبل في غيره. &(5/63)&$
ومن باب حدّ البكر والثيِّب (6) إذا زنيا (7)
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً))؛ أي: افهموا عني تفسير السبيل المذكور (8) في قوله تعالى: {فأمسكوهن فى البيوت حتى يتوفاهنَّ الموت أو يجعل الله لهنَّ سبيلاً} (9) ، واعملوا به. وذلك: أن مُقْتضى (10) هذه الآية: أن من زنى حبس في بيته (11) إلى أن يموت. وكذا (12) قاله ابن عباس في النساء، وحكي عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن ذلك حكم (13) الزانيين؛ يعني: الرَّجل والمرأة. فكان ذلك =(5/80)=@ الحبس هو حدّ الزناة (14) ؛ لأنَّه (15) كان يحصل به إيلام %(2/428)%
__________
(1) في (ح): ((والمعرة))، وفي (ق): ((أو المعرة)).
(2) في (ن): ((فيحروم)) كذا رسمت.
(3) في (أ) و(ح) و(ف) و(ك) و(ق) و(ن): ((يعاد)).
(4) في (ف) و(ن): ((وهذا)).
(5) في (ح) و(ن) و(ق) و(ف): ((شهاداتهم)).
(6) في (ق): ((الثيب والبكر))، وفي (ن): ((الثيب والبكر إذا زنت)).
(7) كتب ناسخ (ف) في الهامش: ((الزنى مقصور وهي لغة القرآن ونبه لغة بالمد ونمه قول الفرزدق:
أبا حاضر من يزن يعرف زناؤه ... ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرًا
الخرطوم الخمر وزنا في الجبل مهموز صعد)) وكتب تتميم.
(8) قوله: ((المذكور)) سقط من (ك).
(9) سورة النساء؛ الآية: 15.
(10) ف (ن): ((تقتضي)).
(11) في (ك) و(ق): ((بيت)).
(12) في (ح) و(ك): ((كذا)).
(13) في (ك): ((في)) بدل ((حكم)).
(14) في (ق): ((الزاني)) وألحق في الهامش ((الزناة)).
(15) في (ن): ((ولأنه)).(2/428)
الجاني وعقوبته؛ بأن يمنع من التصرف والنكاح وغيره طول حياته، وذلك عقوبةٌ وزجرٌ، كما يحصل (1) من (2) الجلد والتغريب. فحقيق (3) أن يُسمّى ذلك الحبس حدًّا، غير أن ذلك الحكم كان محدودًا (4) إلى غاية وهو أن يبين الله لهن سبيلاً آخر غير الحبس، فلما بلغ وقت (5) بيانه المعلوم (6) عند الله أوضحه الله تعالى لنبيَّه (7) - صلى الله عليه وسلم - فبلَّغه لأصحابه – رضي الله عنهم -، فقال لهم: ((خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً: البكر بالبكر جلد مائة، وتغريب عام، والثيِّب بالثيِّب جلد مائة والرَّجم))، فارتفع حكم الحبس في البيوت لانتهاء غايته. وهذا نحو قوله (8) تعالى: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} (9) ، فإذا جاء الليل ارتفع حكم الصيام، لانتهاء غايته، لا لنسخه (10) . ولهذا (11) يعلم بطلان قول من قال: إن الحبس في البيوت في حق البكر منسوخ بالجلد المذكور في النور (12) ، وفي حق الثيِّب بالرَّجم المجمع (13) عليه. وهذا ليس بصحيح لما ذكرناه (14) أولاً، ولأن الجمع بين الحبس، والجلد، والرَّجم ممكن، فلا تعارض، وهو شرط النسخ مع علم المتأخر (15) من &(5/64)&$ المتقدم (16) ، كما قدَّمناه في باب النسخ في الأصول (17) . وإذا تقرر هذا فاعلم: أن الأمَّة مُجْمِعة: على أن البكر، وتعني (18) به: الذى لم يحصن إذا زنى (19) جلد الحدّ. وجمهور العلماء من الخلفاء، والصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، على وجوب التغريب مع الحدّ (20) إلا أبا حنيفة، وصاحبه محمد بن الحسن، فإنَّهما قالا: لا تغريب عليه. فإن النصّ الذي في الكتاب إنَّما هو على جلد الزاني، والتغريب زيادةٌ عليه، والزيادة على النصّ نسخ فيلزم عليه نسخ القرآن القاطع (21) بخبر الواحد، فإن التغريب إنما ثبت (22) بخبر الواحد.
والجواب: أنا لا نسلِّم: أن الزيادة على النص نسخٌ، بل زيادة حكم آخر مع (23) =(5/81)=@ الأصل، فلا تعارض (24) ، فلا (25) نسخ. وقد بيَّنا ذلك في الأصول، سلمنا %(2/429)%
__________
(1) في (ن): ((عما كان يحصل)).
(2) في (ك): ((في)).
(3) في (ن): ((فتحقيق)).
(4) في (أ) و(ن): (((ممدودًا))، و(ك) و(ف) وكذا في هامش (ق).
(5) في (ح): ((وقر)).
(6) في (أ): ((لعلوم)).
(7) في (ن): ((أوضحه لنبيه)).
(8) في (ق): ((من قوله)) ووضع فوقها (خ).
(9) سورة البقرة؛ الآية: 187.
(10) في (ح): ((لفسخه)). وكذا في هامش (ق). ووضع فوقها (ب).
(11) في (ح): ((المجتمع)).
(12) في (ح): ((البكور)).
(13) في (ح): ((المجتمع)).
(14) في (ك): ((ذكرنا)).
(15) في (ن): ((المستأخر)).
(16) في (ك): ((مع علم المتأخر والمتقدم))، وصوبت بالحاشية.
(17) في (ق) و(ن): ((في أصول الفقه)).
(18) في (ك) و(ن): ((ويعني)) وفي (ف): ((يعني)) بلا واو.
(19) في (ن): ((راى)) بدل ((زنى)).
(20) في (ح) و(ن): ((الجلد)). وكذا ألحق في هامش (ق).
(21) في (ح): ((المقطوع به)).
(22) في: (أ): يشبه أن يكون ((يثبت))، وفي (ف): ((يثبت)).
(23) في (ف): ((على)) بدل ((مع)).
(24) في (ن): ((فلا يعارض)).
(25) في (ق): ((ولا)).(2/429)
ذلك، لكن هذه الآية ليست بنصٍّ، بل (1) عموم (2) ظاهرٌ، فيخصّص منها بعض الزناة (3) بالتغريب، كما يخصِّص (4) بعضهم بالرَّجم، ثمَّ يلزمهم (5) ردَّ الحكم بالرجم فإنه زيادة على نصّ القران، وهو ثابت بأخبار الآحاد. ولو سلَّمنا: أن الرَّجم ثبت بالتواتر، فشرطه الذي هو الإحصان ثبت باخبار الآحاد، ثم هم (6) قد نقضوا هذه القاعدة التي قعدوها في مواضع كثيرةٍ بيَّناها في الأصول.
ومن أوضح ذلك: أنهم أجازوا الوضوء بالنبيذ معتمدين في ذلك على خبر ضعيف لم يصحّ عند أهل العلم بالحديث (7) ، وهو زيادة على ما نصّ عليه القران من استعمال الماء.
ثم القائلون بالتغريب اختلفوا فيه. فقال مالك: ينفى من مصر إلى الحجاز وشَغْب (8) وأسوان ونحوها. ومن (9) المدينة إلى خيبر وفدك (10) ، وكذلك فَعَل عمر بن عبد العزيز. وقد نفى عليٌّ - رضي الله عنه - من الكوفة إلى البصرة (11) (12) . قال مالك: ويحبس (13) في البلد الذي نُفي إليه. وقيل (14) : يُنفى إلى عمل (15) غير عمل بلده. وقيل: إلى غير بلده (16) . وقال الشافعي: أقلُّ ذلك يوم وليلة.
قال الشيخ رحمه الله: والحاصل: أنَّه ليس في ذلك حدٌّ محدود، وإنَّما هو بحسب ما يراه الإمام، فيختلف بحسب اختلاف أحوال الأشخاص على حسب (17) ما يراه أردع.
ثمَّ القائلون بالتغريب لم يختلفوا في تغريب الذكر الحرّ. واختلفوا في تغريب المرأة والعبد. فمن (18) رأى التغريب فيهما؛ أخذ (19) بعموم حديث (20) التغريب.
وممن رأى التغريب (21) ابن عمر، وقد &(5/65)&$ حدّ مملوكة له في الزنى، ونفاها إلى فدك (22) . وبه قال الشافعي، وأبو ثور، والثوري، وا لطبري، وداود. %(2/430)%
__________
(1) في (ح): ((على)).
(2) في (ن): ((بعموم)).
(3) في (ق): ((الزيادة)).
(4) في (ق): ((تخصص)).
(5) في (ف): ((يلزم)).
(6) في (ن): ((هو)) وكأنه أصلحها إلى ((هم)).
(7) قال النووي في "شرح مسلم" (2/91): ((وحديث النبيذ ضعيف باتفاق المحدثين)).
وقال الحافظ في "فتح الباري" (1/354): ((وهذا الحديث أطبق على السلف على تضعيفه)).
(8) شغْب - بسكون الغين -: موضع بين المدينة والشام. "لسان العرب" (1/505)، وفي (أ) و(ق) و(ك) و(ف): ((شعب))، ولم تتضح في (ن).
(9) في (ح): ((من)) بلا واو.
(10) فدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان، وقيل: ثلاثة. "معجم البلدان" (4/238).
(11) في (ن): ((من البصرة إلى الكوفة)).
(12) أخرجه الشافعي في "الأم" (7/180)، ومن طريقه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (12/291).
وأخرجه البيهقي (8/223) كلاهما من طريق هشيم، عن الشيباني، عن الشعبي: أن عليًّا نفى إلى البصرة. هكذا مختصرًا عند الشافعي. وعند البيهقي في الموضع الأول، إلا أنه قال في الإسناد: فيما بلغه عن هشيم.
وزاد البيهقي في الموضع الثاني: من البصرة إلى الكوفة، أو من الكوفة إلى البصرة.
وأخرجه الشافعي في أيضًا فيما تقدم عن ابن مهدي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أشياخه: أن عليًّا، فذكره مثل ما تقدم مختصرًا. ومن طريقه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (12/292)، وقال في الإسناد: ((فيما بلغه عن ابن مهدي)).
وأخرجه عبدالرزاق (13323)، وذكره ابن عبدالبر في "التمهيد" (9/89-90) من طريق سفيان، عن أبي إسحاق: أن عليًّا...، فذكر مثله.
وأخرجه ابن أبي شيبة (28790): حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن يحيى: أن عليا نفى إلى البصرة.
(13) في (ن): ((يحبس)) بلا واو.
(14) في (ق): ((وقد)).
(15) في (ن): ((بلد)) بدل ((عمل)).
(16) قوله: ((وقيل إلى غير بلده)) سقط من (أ) و(ف) و(ق) و(ن).
(17) في (ن): ((حيسب)).
(18) في (ف) و(ح): ((فممن)).
(19) في (ف) و(ح): ((أخذا)).
(20) قوله: ((حديث)) سقط من (ك) و(ح) و(ن).
(21) قوله: ((وممن رأى التغريب)) سقط من (أ) و(ح).
(22) ...تخريج.(2/430)
وهل يُنْفى العبد والأمة سنة أو نصف سنة؟ قولان عند الشافعي. وذهب معظم القائلين بالنفي إلى (1) أنه لا نفي على مملوك وبه قال الحسن وحماد بن =(5/82)=@ أبي سليمان، ومالك، وأحمد، وإسحاق. ولم ير مالك، والأوزاعي على النساء نفيًا. وروي مثله عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - (2) بناءً على تخصيص حديث النفي.
أما في الأَمَة: فبقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ثلاثًا)). ثم قال بعد ذلك: ((ثم إن زنت فبيعوها ولو بِظفِير (3) ))، ولم يذكر النفي، وهو موضع بيان، ووقته، ولا (4) يجوز تأخيره عنه، ولأن تغريب المملوك عقوبة لمالكه يمنعه من منافعه في مدة تغريبه، ولا يناسب ذلك تصرُّف الشرع، فلا (5) يعاقب غير الجاني، ألا ترى أن العبد لا يجب (6) عليه الحجَّ، ولا الجمعة، ولا الجهاد لحق السيِّد؟ فِبأنْ (7) لا يغرب أولى.
وأمَّا في حق الحرَّة: فلأنها لا تسافر مسيرة (8) يوم وليلة إلا مع ذي محرم أو زوج، فإن أوجبنا التغريب على هؤلاء معها كنا قد عاقبناهم وهم برءاءُ، وإن لم نوجبه (9) عليهم لم يجز لها أن تسافر وحدها فتعذَّر سفرها. فإن قيل: تسافر مع رفقة (10) مأمونة أو النساء؛ كما يقوله (11) مالك في سفر الحجّ. فالجواب: إن ذلك من مالك سعيٌ في تحصيل وظيفة (12) الحجّ لعظمها (13) وتأكد أمرها، بخلاف تغريب الزانية؛ فإن المقصود منه (14) المبالغة في الزجر والنكال، وذلك حاصل بالجلد، ولأن إخراج المرأة (15) من بيتها الأصل منعه. ألا ترى: أن صلاتها في بيتها أفضل، ولا تخرج منه في العِدَد (16) . وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ((أَعْرُوا (17) النساء يَلْزَمْن الحِجالَ)) (18) .
وحاصل ذلك: أن في إخراجها من بيتها إلى بلد آخر تعريضها (19) لكشف عورتها، وتضييعٌ (20) لحالها، وربما يكون ذلك سببًا لوقوعها فيما (21) أخرجت من سببه، وهو (22) الفاحشة. ومآل (23) هذا البحث تخصيص عموم التغريب بالمصلحة المشهود لها بالاعتبار، وهو مختلف فيه، كما ذكرناه (24) في الأصول. =(5/83)=@ &(5/66)&$ %(2/431)%
__________
(1) قوله: ((إلى)) سقط من (ف).
(2) ...... تخريج.
(3) في (ف): ((نظفير)).
(4) في (ك): ((لا)).
(5) في (ن): ((ولا)).
(6) في (ك): ((لا يحب)).
(7) في (ح): ((فأن)).
(8) في (ق): ((سفر)).
(9) في (ن): ((نوجب)).
(10) في (ن): ((رقيقة)).
(11) في (ح): يشبه ((قوله)).
(12) في (أ): ((وضيفة)) و(ك).
(13) في (ن): ((لفضلها)).
(14) في (ق): ((منها))، وفي (ن): ((هنا)).
(15) في (ق): ((امرأة)).
(16) في (ح) و(ك): ((العدة)).
(17) في (ق): يشبه ((اغروا)).
(18) أخرجه الطبراني في "الكبير" (1063)، وفي "الأوسط" (3073)، والصيداوي في "معجم الشيوخ" (1/150)، والقضاعي في "مسند الشهاب"، والخطيب في "تاريخ بغداد" (9/367)، و(12/319) و(6/117)، وابن عساكر في "تاريخه" (25/214)،و(40/53)، وابن الجوزي في "الموضوعات" (1297). كلّهم من طريق شعيب بن يحيى، عن يحيى بن أيوب، عن عمرو بن الحارث، عن مجمع بن كعب، عن سلمة بن مخلد، به مرفوعًا.
قال ابن الجوزي عقب إخراجه: ((ليس من هذه الأحاديث حديث ما يصح، وأما حديث سلمة - وهو الذي معنا - فقال أبو حاتم: شعيب بن يحيى ليس بمعروف، وقال إبراهيم الحربي: ليس لهذا الحديث أصلٌ)).اهـ.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/138): ((فيه مجمع بن كعب، لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات)).
(19) في (ق): ((تعريضها)) وكتب في الهامش ((تعرضها))، وفي (ن): ((تعرضها)).
(20) في (ح) و(ك) و(ن) و(ق): ((تضييعًا)).
(21) في (أ): ((فلما)).
(22) في (ح): ((وهي)).
(23) في (ق): ((وقال)).
(24) في (ح): ((ذكره))، وفي (ك): ((ذكرنا)).(2/431)
وقوله: ((والثيِّب بالثيِّب جلد مائة والرَّجم))؛ الثيب هنا: هو المحصن، وهو البالغ، العاقل، الحرّ، المسلم، الواطيء وطئًا مباحًا في عقد صحيح. هذه شروط الإحصان عند مالك، وقد اختلف (1) في بعضها. ولبيان ذلك موضع آخر. فإذا زنى المحصن وجب الرَّجم بإجماع (2) المسلمين، ولا(التفات لانكار الخوارجِ والنّظَّامِ الرَّجْمَ، إمَّا لأنهم ليسوا بمسلمين عند من يكفِّرهم، وإما لأنَّهم لا يعتد بخلافهم؛ لظهور بدعتهم وفسقهم على ما قرَّرنا (3) في الأصول.
وهل يجمع عليه الجلد والرَّجم؟ كما هو ظاهر هذا الحديث؛ وبه قال الحسن البصري، وإسحاق، وداود، وأهل الظاهر. وروي عن علي (4) بن أبي طالب - رضي الله عنه -: أنَّه جمع ذلك على شراحة (5) ، وقال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . أو يقتصر على الرَّجم وحده؟ وهو مذهب الجمهور، متمسكين بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجم ماعزًا والغامدية ولم يجلدهما، وقال: ((أُغْدُ يا أُنَيْس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها)) (6) ، ولم يذكر الجلد، فلو (7) كان مشروعًا لما سكت عنه، وكأنَّهم رأوا: أن هذا أرجح من حديث الجمع بين الجلد والرَّجم، إما لأنَّه منسوخ إن عرف (8) التاريخ، وإمَّا لأن العمل المتكرر من النبي - صلى الله عليه وسلم - في أوقات متعددة أثبت (9) في النفوس، وأوضح، فيكون أرجح. وقد شذَّت طائفة فقالت: يجمع الجلد والرجم على الشيخ، ويُجلد الشابُّ تمسُّكًا (10) بظاهر لفظ (11) ((الشيخ)). وهو خطأ، فإنَّه قد سَمَّاه في الحديث الآخر: ((الثيب)). =(5/84)=@
وقوله في الأصل: ((كرب لذلك وتَرَبَّد وجهه))؛ أي: أصابه كربٌ، وعلت وجهه غَبَرَةٌ. والرَّبدة: تغيير (12) البياض للسواد (13) ، وقد تقدم في الإيمان. %(2/432)%
__________
(1) في (ن): ((اختلفوا)).
(2) في (ح): ((بالإجماع)) وكأنه ضرب على ((لا)).
(3) في (ك) و(ن) و(ق) و(ح): ((قررناه)).
(4) حدثنا حسين بن محمد، حدثنا شعبة، عن سلمة والمجالد، عن الشعبي أنهما سمعاه يحدث: أن عليًّا حين رَجَمَ المرآة من أهل الكوفةِ، ضَرَبَها يومَ الخميس، ورَجَمَها يومَ الجمعةِ، وقالت: أجلِدُها بكتابِ اللهِ، وأرجُمُها بسنةِ نبي الله.
حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين من طريق سلمة- وهو ابن كهيل-، وأما مجالد - وهو ابن سعيد - ضعيف، روى له مسلم مقرونًا وأصحاب السنن. وقد طعن بعضهم - كالحازمي في "الاعتبار" (ص 201). في هذا الإسناد بأن الشعبي لم يسمعه من علي. وقال الحاكم في "معرفة علوم الحديث"(ص 111): لم يسمع الشعبي من علي، إنما رآه رؤية. وقد ذكر الدارقطني في "العلل" (4/96 و97) لهذا الحديث طريقين إحداهما فيها بين الشعبي وبين علي والدُ الشعبي، والثانية فيما بينهما عبد الرحمن بن أي ليلى، ووَهَّم الروايتين جميعًا، وصوَّب روايةَ الشعبي عن علي، وقال: سمح الشعبي من علي حرفًا ما سمع غيرَ هذا. وأخرجه النسائي في "الكبرى" (7141) من طريق وهب بن جرير، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" (505)، وأبو نعيم في "الحلية" (4/329) من طريق علي بن الجعد، كلاهما عن شعبة، بهذا الإسشاد. وأخرجه، البخاري (6812) عن آدم بن أبي إياس، وابن نصر المروزي في "السنة" (356) من طريق محمد بن جعفر، والنسائي (7140) من طريق بهز بن أسد، والطحاوي (3/140) من طريق أبي عامر العقدي، أربعتهم عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، به. ورواية آدم مختصرة بقصة الرجم دون الجلد. وأخرجه أبو نعيم (4/329) من طريق حماد بن زيد، عن مجالد، به. وأخرجه أبو نعيم (4/329)، والحاكم (4/365) من طريق إسماعيل بن أبي خالد، والدارقطني (3/124) من طريق أبي حَصِين وحُصين بن عبدالرحمن، ثلاثتهم عن الشعي، به. وصحح الحاكم إسناده ووافقه الذهبي. وأخرجه الطحاوي (3/145) من طريق عبدالرحمن بن أبي ليلى والرضراض بن سعد وحبَّة العُرني، ثلاثتهم عن علي بن أبي طالب.
(5) في (ن): ((سراحه)).
(6) أخرجه البخاري (2190 و2549 و2575 و6440 و4446 و4451 و6467 و6770 و6832)، ومسلم (1697) من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني به. وأبو داود (4445)، والنسائي (8/340-241)، وابن ماجه (2549).
(7) في (ف): ((ولو)).
(8) في (أ): ((عرفه)).
(9) في (ن): ((فأثبت)).
(10) في (أ) و(ف): ((وهو تمسك))، وفي (ن): ((تمسكوا)).
(11) في (ح) و(ك): ((تمسكًا بلفظ)).
(12) في (أ) و(ن) و(ق): ((تغير)).
(13) في (ق): ((للسواد)) وكتب في الهامش ((بالسواد)).(2/432)
وقول عمر – رضي الله عنه -: ((كان مما (1) أنزل الله تعالى على نبيه (2) - صلى الله عليه وسلم - آية الرَّجم، فقرأناها، ووعيناها، وعقلناها))؛ هذا نصٌّ من عمر - رضي الله عنه - على أنَّ هذا كان قرآنًا يُتلى. &(5/67)&$ وفي آخره ما يدلُّ على أنَّه (3) نُسخ كَونُها من القرآن، وبقي حُكْمُها معمولاً به (4) ، وهو الرَّجم. وقال ذلك عمر – رضي الله عنه - بمحضرِ الصحابة. وفي مَعْدن الوحي، وشاعت هذه الخطبة في المسلمين، وتناقلها (5) الرُّكبان، ولم يسمع (6) في الصحابة ولا فيمن بعدهم من أنكر شيئًا مِمَّا قاله عمر – رضي الله عنه -، ولا راجعه في حياته (7) ولا بعد (8) موته، فكان ذلك إجماعًا منهم على صحة هذا النوع من النسخ. وهو نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، ولا يلتفت لخلاف من تأخر زمانه، وقل علمه (9) في ذلك. وقد بيَّنا في الأصول: أن النسخ على ثلاثة أضرب: نسخ التلاوة والحكم، ونسخ الحكم مع بقاء التلاوة، ونسخ التلاوة مع بقاء الحكم.
وقوله: ((فرجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده))؛ يعني: نفسه وأبا بكر رضي الله عنهما.
وقوله: ((فأخشى إن طال زمان أن يقول قائل: ما نجدُ الرَّجم في كتاب الله فيضلُّوا بترك فريضةٍ (10) أنزلها الله عز وجل (11) ))؛ هذا الذى توقعه عمر – رضي الله عنه - قد وقع بعده للخوارج، =(5/85)=@ والنّظَّام؛ فإنَّهم أنْكَرُوا الرَّجم، فهم (12) ضالون (13) بشهادة عمر - رضي الله عنه -، وهذا من الحق الذي جعل الله تعالى على لسان %(2/433)%
__________
(1) في (ن): ((فيما)).
(2) في (ق): ((ببينا)).
(3) في (ف): ((أنها)).
(4) قوله: ((معمولاً به)) سقط من (ف).
(5) في (ح): يشبه ((وتنافلها)).
(6) في (ن): ((ولا سمع)).
(7) في (ح) و(ك) و(ن) و(ق) و(ف): ((لا في حياته)).
(8) في (ح): ((ولا في بعد)).
(9) في (ن): ((عمله)) بدل ((علمه)).
(10) في (ن): ((فريضة الله)).
(11) أشير لها وكتب: من (ق).
(12) قوله: ((فهم)) سقط من (ك).
(13) في (ق): ((ضلال)) وألحق في الهامش ((ضالون)).(2/433)
عمر وقلبه - رضي الله عنه -، ومما يدلُّ على أنَّه كان محدِّثًا (1) بكثير مما غاب عنه، كما شهد له بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (2) .
وقوله: ((فإن (3) الرَّجم في كتاب الله))؛ أي: في حكم الله الذي كان نزل في الكتاب، وكان فيه ثابتًا قبل نسخه، كما قدَّمناه. وقد نصَّ على هذا المعنى فيما ذكره عنه مالك في "الموطأ" (4) ؛ فقال: لولا أن يقول (5) الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبته بيدي: ((الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)). وهذا من قوله يدلّ على أن الكتاب قد أحكمت آياته وانحصرت حروفه وكلماته، فلا يقبل (6) الزيادة ولا النقصان.
وقوله: ((حقٌّ))؛ أي: ثابت يعمل به إلى يوم القيامة.
وقوله: ((على من زنى من الرِّجال أو النساء إذا أحصن))؛ هذا مجمع عليه؛ &(5/68)&$ إذ لم يسمع بمن (7) فرَّق فيه (8) بين الرجال والنساء (9) . وقد رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماعزًا والغامدية على ما يأتي.
وقوله: ((إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو (10) الاعتراف))؛ فيعني بالبينة الأربعة الشهداء العدول، المؤدين للشهادة (11) في (12) فَوْرٍ واحد؛ الذين يَصفُون رؤية فرجه في فرجها كالْمِرُّود (13) في المكحلة، المقيمين على شهادتهم (14) إلى أن يقام الحدّ على ما يُعرف في كتب الفقه.
و((الْحَبَلُ)): يعني به: أن يظهر بامرأة لا زوج لها، ولا سيِّد، وكانت غير طارِئةٍ - حَبَلٌ، ولم يظهر ما يدلُّ على الإكراه مثل أن تتعلق =(5/86)=@ به، وتفضح نفسها، وهي تُدْمَى (15) ، فأما لو %(2/434)%
__________
(1) قوله: ((محدثا)) لم يتضح في (ن).
(2) (1506).
(3) قوله: ((فإن)) مطموس في (ق).
(4) ؟؟؟
(5) في (ن): ((تقول)).
(6) في (ق) و(ن): ((فلا تقبل)).
(7) في (ن): ((لمن)).
(8) قوله: ((فيه)) سقط من (ح).
(9) في (ك): ((النساء والرجال)).
(10) في (ق): ((و)) بدل ((أو)).
(11) في (ك): ((الشهادة)).
(12) في (ف): ((من)) بدل ((في)).
(13) المرود - بكسر الميم -: الميل الذي يكتحل به. "النهاية" (4/321).
(14) في (أ) و(ن): ((شهاداتهم))، وفي (ح): يشبه ((شهاداتهم)).
(15) في (ن): ((ترمي)).(2/434)
لم يكن إلا قولها أنها أكرهت، ولم يظهر ما يدلّ على الإكراه (1) ، فإنَّها لا يَدْفَع (2) الحدّ عنها مجرَّدُ (3) قولِها، ولا يكون قولها شبهة عندنا، وهو شبهة عند أبي حنيفة يدْرأ بها الحدّ (4) . وبه (5) قال ابن المنذر، والكوفيون، والشافعي، قالوا: إذا(وجدت المرأة حاملاً فلا حدّ عليها إلا أن تقرَّ بالزنى، أو تقوم (6) عليها بيِّنة. ولم يفرِّقوا بين الطارئة وغيرها. ويرد عليهم قول عمر - رضي الله عنه -: ((أو الْحَبَل)) بحضرة الصحابة ولا منكر. وأيضًا: فمثل هذا لا يقوله (7) عمر - رضي الله عنه - عن اجتهاد إنَّما (8) يقوله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكنَّه لم يصرَّح بالرفع. ولا يضرُّنا ذلك (9) . ولو سلَّمنا: أنَّه قاله عن اجتهاد فاجتهاده راجحٌ على اجتهاد غيره؛ لشهادة النبي - صلى الله عليه وسلم - ((بأن الله تعالى جعل (10) الحق على لسانه وقلبه)) (11) . وسيأتي الكلام في الاعتراف، إن شاء الله تعالى (12) . =(5/87)=@ &(5/69)&$
********إلى هنا انتهى تنزيل حواشي محمد مصطفى********
ومن باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنى
قول ماعز - رضي الله عنه - في هذه الرِّواية: ((يا رسول الله! طهرني))؛ ولم يذكر فيها مماذا يُطهَّر (13) ؟ وإنما أراد به: من إثم الزنى، بإقامة الحدّ، كما قد (14) جاء في الرِّواية الأخرى، فإنَّه قال: يا رسول الله! إني قد (15) ظلمت نفسي، وزنيت، وإني أريد أن تطهرني. وهذه رواية محكمة ،(وهكذا هذا الحديث روي بألفاظ متعددة (16) بعضها يفسر بعضًا، أو يُقيِّد (17) .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((ويحك! ارجع فاستغفر الله وتب إليه))؛ يدل: على أن ما كان من حقوق الله تعالى يكفي في الخروج من إثمه التوبة (18) ، والاستغفار، %(2/435)%
__________
(1) من قوله: ((مثل أن تتعلق به...)) إلى هنا سقط من (أ).
(2) في (ق): ((لا يدفع)) وكتب في الهامش ((يرفع))، وفي (ن): ((ترفع)).
(3) في (ق) و(ن): ((بمجرد)).
(4) في (ن): ((الحدود)).
(5) قوله: ((وبه)) سقط من (ن).
(6) في (ح): ((وتقوم)).
(7) في (ق): ((لا يفعله))، وألحق في الهامش: ((لا يقوله عمر)).
(8) في (ف): ((بل إنما)).
(9) في (ن): ((ولا يضر ذلك)).
(10) في (ح) و(ك): ((قد جعل)).
(11) حديث صحيح، وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير نافع بن أبي نعيم، فقد روى له ابن ماجه في "التفسير"، وهو صدوق.
وأخرجه ابن سعد (2/335)، وعبد بن حميد (758) عن عبدالملك بن عمرو، بهذا الإسناد. وأخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/327) من طريق القعنبي، وابن عبدالبر في "التمهيد" (8/109) من طريق سعيد بن أبي مريم، كلاهما عن نافع بن عبدالرحمن بن أبي نعيم، به. وأخرجه عبدالله بن أحمد في زياداته على "فضائل الصحابة" (395)، والقطيعي في زياداته عليه (525)، والطبراني في "الأوسط" (291) من طريق الضحاك بن عثمان، وأبو محمد البغوي في "شرح السنة"، (3875) من طريق عبدالله بن عمر، كلاهما عن نانع، به.
وفي الباب عن أبي هريرة، وصححه ابن حبان (6889). وعن أبي ذر (5/145). وعن بلال عند ابن أبي عاصم (1248)، والطبراني في "الكبير" (1077)، وابن أبي حاتم في "العلل" (2669)، ونقل عن أبي زرعة أن حديث أبي ذر أشبه. وعن معاوية عند الطبراني في "الكبير، (19/707). وعن عائشة مطولاً عند ابن سعد في "الطبقات" (2/335).
(12) قوله: ((إن شاء الله تعالى)) سقط من (ح) و(ك).
(13) في (ك): ((يطهره)).
(14) قوله: ((قد)) سقط من (ح) و(ك).
(15) قوله: ((قد)) سقط من (ح).
(16) قوله: ((متعددة)) سقط من (ك).
(17) في (ح): ((ويقيده)).
(18) في (ح): ((بالتوبة)).(2/435)
وإن كان فيه حدٌّ. وفيه: جواز ستر الإمام على الزاني ما لم يتحقق السبب، فاذا تحقق السبب الذي يترتب عليه الحدّ فلا بدَّ من إقامته، كما ذكره مالك في "الموطأ" من مراسيل ابن شهاب (1) ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من بلي بشيء من هذه القاذورات (2) فليستتر، =(5/88)=@ فإنَّه من يُبْد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله)). فأمَّا حقوق الآدميين: فلا بدَّ مع التوبة من الخروج منها.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((أبك جنون؟)) هذا سؤال أوجبه ما ظهر على السَّائل (3) من الحال &(5/70)&$ التي تشبه حال المجنون، وذلك: أنَّه كان دخل (4) إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منتفش الشعر، ليس عليه رداء، يقول: زنيت فطهرني. كما قد صحَّ في الرِّواية، وإلا فليس من المناسب أن ينسب الجنون لمن (5) أتى على هيئة العقلاء، وأتى بكلام منتظم مُفيد (6) ، لا سيما إذا كان فيه طلب الخروج من مأثم.
وقوله: ((أَشرِبَ (7) خمرًا؟)) و((استِنْكَاهُهُم له))؛ يدلُّ على أن مَنْ (8) وجدت منه رائحة الخمر حكم له بحكم من شربها. وهو مذهب مالك، والشافعي. وهو قول عمر بن الخطاب (9) ، وابن مسعود (10) ، وعمر بن عبدالعزيز. وقال آخرون: لا يُحَدُّ بالرِّيح بل بالاعتراف، أو البيِّنة، أو يُوجد سكران. وإليه ذهب عطاء وعمرو بن دينار، والثوري، غير أنه قال: يعزر من وجد منه ريح الخمر.
وفيه من الفقه ما يدلُّ على أن المجنون لا تعتبر أقواله، ولا يتعلَّق بها حكم، وهذا لا يختلف فيه. =(5/89)=@ %(2/436)%
__________
(1) هو في "الموطأ" عن زيد بن أسلم به، وليس من رواية ابن شهاب كما ذكر المصنِّف. وروي هذا الحديث مرفوعًا ومرسلاً :
فالمرفوع: أخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (2/248) من طريقين في ترجمة عبدالله ابن دينار، والحاكم (4/244) و(4/383)، والبيهقي (8/330) من طريقين، ثلاثتهم من طريق يحيى بن سعيد، عن عبدالله بن دينار، عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن رجم الأسلمي قال: ((اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله، فإنه من يُبد لنا صفحته نقم كتاب الله عليه)). هذا لفظ الحاكم. وعند العقيلي والبيهقي مثله، إلا أن العقيلي لم يذكر قوله: ((وليتب إلى الله)). وقال البيهقي في الطريق الأولى: ((قال الجعفي: أراه عن ابن عمر)).
وأخرجه عبد الرزاق (13336) قال ابن جريج: فأخبرني يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن دينار مولى ابن عمر؛ أنه بلغه: أن رجلاً من أسلم جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال...، فذكر مثله مختصرًا، هكذا بلاغًا.
ومن طريقه العقيلي في "الضعفاء" (2/248-249) بلاغًا أيضًا.
وأخرجه عبدالرزاق (13342) من طريق ابن عيينة، فأخبرني عبدالله بن دينار قال: قام النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فقال: يا أيها الناس! اجتنبوا هذه القاذورة... وذكر نحوه مختصرًا بزيادة عن قصة ماعز ومراجعته عمر، ثم أبي بكر قبل إتيانه النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأخرجه العقيلي - فيما تقدم -: حدثنا بشر بن موسى قال: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا بهذا الحديث يحيى بن سعيد، عن عبدالله بن دينار. ثم سألت ابن دينار عنه؟ فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر: ((اجتنبوا هذه القاذورة))، فذكره.
قال العقيلي: ((وقد روي عن عبدالله بن دينار شعبة، وسفيان...)) إلى أن قال: ((وأما ما رواية المشائخ عنه ففيها اضطراب)).
قال الحاكم في الموضع الول: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
وأما المرسل: فأخرجه مالك في "الموطأ" (2/825 رقم12) كتاب الحدود، باب ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنا. وعنه الشافهي في "الأم" (6/145)، ومن طريق الشافعي البيهقي في "شعب الإيمان" (9226). جميعهم من طريق مالك، عن زيد بن أسلم: أن رجلاً اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فدعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسوط، فأتي بسوط مكسور، فقال: ((فوق هذا))، فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته، فقال: ((دون هذا))، فأتي بسوط قد ركب به ولان، فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلد، ثم قال: ((أيها الناس! قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر الله، فإنه من يُبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله)).
وذكره ابن عبد البر في "التمهيد" (5/321). قال الشافعي - فيما تقدم -: ((هذا حديث منقطع ليس مما يثبت به هو نفسه حجة...)) اهـ.
وقال ابن عبدالبر - فيما تقدّم -: ((هكذا روى هذا الحديث مرسلاً جماعة الرواة للموطأ، ولا أعلمه يستند بهذا اللفظ من وجه من الوجوه. وقد روى معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله سواء)).
(2) في (أ): ((القاذورة)).
(3) في (أ) و(ح): ((المسئول)).
(4) في (ح) و(ك): ((وذلك أنه جاء)).
(5) في (ح) و(ك): ((إلى من)).
(6) قوله: ((مفيد)) سقط من (ح)، وفي (ك): ((مُقيد)).
(7) في (ك): ((أشربت)).
(8) قوله: ((من)) سقط من (أ).(2/436)
وظاهر هذا الحديث: أن السَّكران مثل المجنون في عدم اعتبار إقراره، وأقواله. وبه قالت طائفة من أهل العلم. وقالت طائفة (1) أخرى (2) ، وهو مالك، وجل أصحابه: يؤخذ بإقراره؛ لأنه لا يعرف المتساكر من السَّكران، ولأنَّه لَمَّا كان مختارًا لإدخال السُّكر على نفسه صار كأنه مختار لما يكون في سكره. وهذا مع أنا نقول: إن من ذهب عقله حتى لا يميز شيئًا فليس بمكلَّف، ولا مخاطب خطاب تكليف في تلك الحال بالإجماع، على ما حكاه ابن العريف. وإنَّما يتعلَّق به خطاب الإلزام المسمَّى بخطاب الوضع والإخبار؛ على ما بيَّناه (3) في الأصول.
واعترافه على نفسه مول أربع مرَّات يَسْتدلُ به من يشترط في قبول إقرار الزاني العدد. وهم (4) : الحكم، وابن أبي ليلى، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي؛ فقالوا: لا يقام عليه الحدّ إلا إذا أقرَّ على نفسه أربع مرَّات تمسُّكًا بهذا الحديث، وبأن الإقرار بالزنى كالشهادة عليه، وقد انعقد الإجماع: على أن شهود الزنى أربعة، فيكون الإقرار أربعة. ومن هؤلاء من شرط أن تكون الأربع الإقرارات (5) في مجلس واحد. &(5/71)&$ وإليه ذهب ابن أبي ليلى، وأحمد. وقال أصحاب الرأي: إذا أقرَّ أربع مرَّات في مجلس واحد فهو بمنزلة مرة واحدة.
قلت: والأوَّل (6) مقتضى قياس الإقرار بالزنى على الشهادة به، وعلى القول الثاني يمتنع الإلحاق. والصحيح: أنَّه لا يشترط في الإقرار بالزنى، ولا غيره عدد. وهو مذهب الجمهور: مالك، والشافعي، وأبي ثور. وبه قال الحسن، وحمَّاد. والدَّليل على صحة ذلك: أنه - صلى الله عليه وسلم - رجم الغامدية بإقرارها مرة واحدة، ولم يستعد منها الإقرار، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((وأغْدُ يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها))، (7) ، ولم يأمره بأن (8) =(5/90)=@ يستعيد إقرارها بذلك أربع مرَّات. وأما %(2/437)%
__________
(1) قوله: ((طائفة)) سقط من (أ).
(2) قوله: ((أخرى)) سقط من (ح).
(3) في (ح): ((على ما ذكره)).
(4) في (ح): ((وهو)).
(5) في (ك): ((الإقرارات الأربعة)).
(6) في (ك): ((الأول)).
(7) تقدم تخريجه في الباب.
(8) في (ك): ((أن)).(2/437)
تكرار اعتراف ماعز فإنما كان لأجل إعراضه عنه - صلى الله عليه وسلم - في الثلاث المرَّات ليستر نفسه، وليتوب، ولم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعادة ذلك. وأمَّا قياسهم الإقرار على الشهادة فليس بصحيح، للفرق بينهما من وجوه متعددة. وذلك: أن إقرار الفاسق والعبد على نفسه مقبوذ بخلاف شهادتهما، ويكفي منه في سائر الحقوق مرة واحدة بالإجماع، إلا من شذَّ فقال: إنَّ الإقرار بالقتل لا يكون إلا مرَّتين كالشهادة به، ولو كان الإقرار كالشَّهادة مطلقًا لاشترط فيه العدد مطلقًا، ولو كان كالشهادة لما قُبل إقرار المرأة على نفسها بأنها جُرِحت أو (1) أعتقت؛ لأنَّها لا تقبل شهادتها في ذلك، فظهر بطلان تمسكهم (2) با لخبر والقياس. والله الموفق.
وقوله: ((أزنيتَ؟ فقال (3) : نعم))؛ جاء هذا المعنى في كتاب أبي داود بأوضح من هذا: قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((أنكتها؟)) قال: نعم. قال: ((حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟)) قال: نعم. قال (4) : ((كما يغيب الْمِرْوَد في الْمُكْحُلَة، والرِّشاء في البِئْر؟)) قال: نعم. قال: ((هل تدري ما الزنى؟)) قال: نعم، أتيتُ منها حرامًا ما يأتي الرَّجُل من أهله حلالاً)) (5) . وهذا منه - صلى الله عليه وسلم - أخذ لماعز بغاية النصّ الرافع لجميع &(5/72)&$ الاحتمالات كلها تحقيقًا للأسباب، وسعيًا في صيانة الدماء. ثمَّ لما فرغ - صلى الله عليه وسلم - من استفصاله (6) عن ذلك سأله عن الإحصان. فقال: ((فهل (7) أحصنت؟)) فقال (8) : نعم؛ يعني: هل تزوجت تزويجًا صحيحًا، ووطئت وطئًا مباحًا؟ فعندما أجابه بنعم، أمر برجمه، وذلك عند تحقق السبب الذي هو الزنى بشرطه؛ الذي هو الإحصان. وقد أخذ علماؤنا من حديث أبي داود: أن شهود الزنى يصفون الزنى كما وصف ماعز، فيقول الشاهد: رأيت فرجه في فرجها كالمرود في المكحلة. وإليه ذهب معاوية، والزهري، ومالك، والشافعي، وأبوثور، وأصحاب الرأي. =(5/91)=@ %(2/438)%
__________
(1) في (ك): ((و)).
(2) في (ح): ((ذلك فبطل تمسكهم)).
(3) في (ك): ((قال)).
(4) قوله: ((قال)) سقط من (أ).
(5) أخرجه أبو داود (4428)، والنسائي (7165)، وابن حبان (4399)، وابن الجارود (813)، والدارقطني (339) جميعًا من طريق عبدالرزاق: أخرجه في "المصنف" (3340) عن ابن جريج قال: أخبرني الزبير، عن عبدالرحمن بن الصامت، عن أبي هرير به.
(6) في (ك): ((استقصائه)).
(7) في (ك): ((هل)).
(8) في (ك): ((قال)).(2/438)
وقوله: ((فأمر به، فرجم))، وفي الرِّواية الأخرى: ((فأمر به فحفر له))، وفي الرواية الأخرى قال: ((فما أوثقناه، ولا حفرنا له))، وفي حديث الغامدية: ((أنها حُفِر لها إلى صدرها)) (1) ؛ اختلاف هذه الروايات هو الموجب لاختلاف العلماء في هذا الحكم الذي هو: الحفر. فلم يبلغ(مالكًا من أحاديث الحفر شيء، فلم يقل به، لا في حق المرأة، ولا في حق الرَّجل، لا هو، ولا أصحابه. وكذلك قال أحمد، وأصحاب الرأي. وقالوا: إن حفر للمرأة فحسن. وقيل: يحفر لهما. وبه قال قتادة وأبو يوسف. وروي في ذلك (2) عن علي (3) ، ووسَّع الشافعي، وابن وهب للإمام في ذلك، وخيراه.
ثم قال في هذه الرواية الأخيرة: ((فرميناه بالعظم، ثمَّ المدر، والخزف))، قال: ((فاشتد واشتددنا خلفه حتى أتى عُرْض الْحَرَّة، فانتصب لنا، فرميناه بِجَلامِيد الحرَّةِ حتى سكت (4) ))؛ يعني بالعظم: العظام، والمدر: التراب الأحمر المنعقد، والخزف: الشِّقاف، وهي: كِسَر الفخَّار. وعُرْض الْحَرَّة - بضم العين -: جانبها، وسكت: معناه: سكن؛ أي: مات. وقال أبو داود (5) فيه من حديث هَزَّال (6) ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((هلاَّ تركتموه لعلَّه أن يتوب فيتوب الله عليه)). وقال أيضًا من حديث جابر (7) : أن جابرًا قال: لنا خرجنا به فرجمناه، فوجد مس الحجارة صرخ بنا: يا قوم! ردوني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن قومي قتلوني، وغرُّوني من نفسي، وأخبروني: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير قاتلي. فلم ننزع عنه حتى قتلناه، فلمَّا &(5/73)&$ رجعنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأخبرناه فقال: ((هلا تركتموه وجئتموني به))؛ ليتثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه، فأمَّا لترك حدّ فلا.
هذه الروايات متواردة: على أن ماعزًا لَمَّا وجد ألم الحجارة صدر منه ما =(5/92)=@ يدلّ على أنه أراد أن يردَّ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لا سيما وقد صرح بذلك في %(2/439)%
__________
(1) جميع هذه الروايات أخرجها مسلم في "صحيحه" (1693-1695).
(2) في (ح) و(ك): ((وروي في ذلك)).
(3) أخرجه عبدالرزاق في "المصنف" (13351) عن الثوري، عن عبدالرحمن بن عبدالله، عن القاسم بن عبدالرحمن قال: حفر علي لشراحة الهمدانية حين رجمها ،وأمر بها أن تحبس حتى تضع. وتقدم الكلام عليه.
(4) في (ح): ((سكن)).
(5) (4419)، والنسائي في "الكبرى" (7205 و7274)، وأحمد (21940 -21942)، وابن أبي شيبة (28767 و28784)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2393)، وابن سعد في "الطبقات" (323)، والبيهقي (16735-16378) من طرق عن يزيد بن نعيم بن هزال، عن أبيه نعيم، عن هزال به.
قال الحافظ في "تلخيص الحبير" (4/58): ((إسناده حسن)).
قلت: لأجل يزيد بن نعيم، وقد وثقه ابن حبان والعجلي كما في "الثقات" (2/368)، ولم ينفرد به بل تابعه أبو سلمة بن عبدالرحمن فرواه عن نعيم بن هزال به: أخرجه أحمد في "المسند" (21941)، ورجاله ثقات غير أن يحيى بن أبي كثير لم يصرِّح فيه بالسماع، وهو مدلِّس.
(6) ضبطت في (ح): ((هُزال)) بضم الهاء.
(7) أخرجه أبو دواد (442)، والنسائي في "الكبرى" (7206 و7207)، وأحمد في "المسند" (15089)، وابن أبي شيبة (10/77-78) من طريق محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن الحسن بن محمد بن علي، عن جابر به نحوه. وقد صرَّح ابن إسحاق فيه بالتحديث عند أبي داود والنسائي.(2/439)
حديث جابر، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فهلا تركتموه، وجئتموني به))، فاستنبط منه كثير من العلماء: أن المعترف بما يجب عليه من الحد إن رجع عن إقراره مطلقًا لم يُحدَّ، وممن ذهب إلى هذا: عطاء، ويحيى بن يعمر، والزهري، وحمَّاد، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، والنعمان، ومالك في رواية القعنبي. وقيل: لا ينفعه رجوعه مطلقًا. وبه قال سعيد بن جبير، والحسن، وابن أبي ليلى (1) ، وأبو ثور. وهي رواية ابن عبدالحكم عن مالك. وقال أشهب: قال مالك: إن جاء بعذر قُبل منه، وإلا لم يقبل ذلك منه.
قلت: وليس في شيء من (2) هذه الروايات ما ينصّ على أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل رجوعه مطلقًا لا سيما (3) مع قول جابر: ليتثبت في أمره، فأمَّا لترك حدّ فلا. ولعلَّه كان يستدعي منه النبي - صلى الله عليه وسلم - الرُّجوع إلى شبهة كما صار إليه مالك في رواية أشهب. وهذا القول أعجب ما في هذه المسألة. أنَّه إن رجع إلى شبهة دريء عنه الحد، وإلا فلا. وقد قال أحمد بن حنبل، وأبو ثور: إذا هرب (4) تُرك اتِّباعًا لهذه الزيادة. وقاله بعض أصحابنا. وقال: إن وُجد بالفور كمل عليه الحد. وإن وجد بعد زمان تُرِكَ. %(2/440)%
__________
(1) في (ك): ((الحسن ابن أبي ليلى)).
(2) قوله: ((شيء من)) سقط من (ك).
(3) في (ك): ((ولا سيما)).
(4) في (ح): ((رغب)).(2/440)
وقوله: ((فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة))؛ الإشارة بـ ((ذلك)) إلى ما وقع لهم من الاختلاف في شأن ماعز؛ يعني: أنَّهم بقوا كذلك إلى أن تبيَّن لهم حاله بقوله: =(5/93)=@ ((لقد تاب توبة لو قُسِمَت بين أُمَّةٍ لوسعتهم)). والأمَّة: الجماعة من الناس. وقد يقال على الجماعة مما لا يعقل. فيقال: أمَّة من الحمير، ومن الطير. ومنه قوله تعالى: &(5/74)&$ {وما من دابة في الأرض ولاطائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم} (1) . ويعني بالأمَّة في هذا الحديث السبعين الذين ذكروا في حديث الغامدية. وزاد أبو داود من رواية ابن عباس: أن ماعزًا لما رجم سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه، فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب، فسكت عنهما، ثم سار ساعة حتى مرَّ بجيفة حمار شائلٍ (2) بِرِجْلِه. فقال: ((أين فلان وفلان؟)) فقالا: نحن ذانِ يا رسول الله! فقال: ((انزلا وكلا من جيفة هذا الحمار)) فقالا: يا رسول الله! من يأكل من هذا؟ قال: ((فما نِلْتُما من عِرْضِ أَخِيكُما آنفًا أشد من أكلٍ منه، والذي نفسي بيده! إنَّه الآن في أنهار الجنة ينغمسُ فيها)).
قلت: فهذه الروايات كلها متواردة على أن الحدّ كفارة، كما جاء في حديث عبادة بن الصامت (3) حيث قال: ((فمن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة. وقد زاد أبو داود (4) في حديث ماعز (5) من حديث خالد بن اللجلاج (6) : أنه لَمَّا رجم جاء رجل يسأل عن المرجوم، فانطلقنا به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: هذا جاء يسأل عن الخبيث. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لهو أطيب عند الله من ريح المسك))، فاذا هو أبوه، فأعنَّاه على غسله وتكفينه، ودفنه. قال: وما أدري؛ قال: والصلاة عليه، أم لا؟ =(5/94)=@ %(2/441)%
__________
(1) ؛ الآية: 38. سورة الأنعام.
(2) شائل: مرتفعةٌ رجلُه من الانتفاخ، وكلُّ شيءٍ مرتفعٌ فهو: شائلٌ. "العين" للفراهدي (6/285).
(3) تقدم.....
(4) أخرجه أبو دواد (4435)، والنسائي في"الكبرى" (7184)، والطبراني في "الكبير" (488)، والبيهقي (16731). كلهم من طريق حرمي بن حفص العتكي قال: عن محمد بن عبدالله بن علاثة، ثنا عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز: أن خالد بن اللجلاج حدثه أن اللجلاج أباه أخبره: أنه كان قاعدًا يعتمل في السوق فمرَّت امرأة تحمل صبيًا، فثار الناس معها وثرت فيمن ثار، فانتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: ((من أبو هذا معك؟)) فسكتت، فقال شابٌّ حذوها: أنا أبوه يا رسول الله! فأقبل عليها فقال: ((من أبو هذا معك؟)) قال الفتى: أنا أبوه يا رسول الله! فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بعض من حوله يسألهم عنه؟ فقالوا: ما علمنا إلا خيرًا، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((أحصنت؟)) قال: نعم، فأمر به فرجم. قال فخرجنا به فحفرنا له حتى أمكنا، ثم رميناه بالحجارة حتى هدأ فجاء رجل يسأل عن المرجوم... الحديث. وإسناده لا بأس به.
(5) في (ح): ((عامر)).
(6) في (أ): ((الحلاج))، وفي (ح) و(ك): ((الجلاح))، والتصويب من مصادر التخريج.(2/441)
وفيه دليل: على أن المرجوم يُغسَّل، ويكفَّن، ويصلَّى عليه. وفي معناه: كل من قتل في حدّ من المسلمين، غير أن الإمام يجتنب الصلاة على من قتله في حدّ؛ على مذهب مالك، وأحمد بن حنبل؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل على ماعز. (1) &(5/75)&$ وعند أبي بكر بن أبي شيبة (2) : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (3) أمر بالغامدية فصُلِّي عليها - بضم الصاد -كذا الرواية. وفي كتاب أبي داود (4) : أنَّه أمرهم: أن يصلوا عليها. وظاهر هذين الحديثين: أنَّه لم يصل عليها، غير أنَّه في كتاب مسلم: صَلَّى عليها (5) . وظاهره: أنَّه صلَّى بنفسه، حتى قال له عمر: أتصلي عليها (6) وقد زنت؟! وبهذا استدل من قال: إن الإمام يُصلِّي على من قتله في حدّ، على أنه يحتمل أن قول الراوي: صلَّى عليها؛ أي: دعا لها، واستغفر لها. أو يكون معناه: أنه أمر أن يصلِّى عليها. ولمجتضد هذا بائه لم يُصلِّ على ماعز، كما قد روي من حديث معمر: أنه لم يصلِّ عليه. وفي بعض طرقه: أنَّه ما صلَّى عليه، ولا استغفر له، مع أنَّه قد صحَّ قوله: ((استغفروا لأخيكم)). فقالوا: غفر الله له (7) . ولم يتلفظ هو بالاستغفار، ولكنه أمر به، فيجوز أن يكون جرى في الصلاة عليه كذلك.
وقوله: ((لعلك قبَّلت أو غمزت)) (8) ، وفي بعض طرقه: ((لعلك)) (9) ، واقتصر عليها.
فيه من الفقه: جواز تلقين الإمام للمقرِّ ما يدرأ عنه الحدّ. وقد روي ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأئمة العلماء. وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال لسارقٍ: ((ما أخالُك سَرَقْتَ)) (10) ، وروي عن أبي بكر، وعمر (11) ، وأبي الدرداء (12) قالوا لسارقٍ: ((أسرقتَ؟ قُل: =(5/95)=@ لا)). وعن عمر (13) : ما أَرَى يد سارقِ. وعن ابن مسعود (14) : لعلك وجدته. وعن عليٍّ (15) - رضي الله عنه - وقال لِحُبْلَى: %(2/442)%
__________
(1) أخرجه البخاري في "صحيحه" (6434): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال خيرًا وصلّى عليه.
(2) في "المثنف" (28807)، وأوب داود (4442) من طريق بشير المهاجر، حدثني عبدالله بن بُريدة، عن أبيه، به مرفوعًا. وبشير بن المهاجر: صدوق لين الحديث.
(3) من قوله: ((لم يصل على ماعز....)) إلى هنا سقط من (أ).
(4) أخرجه أبو داود (444) عن مسلم بن إبراهيم: أن هشامًا الدستوائي وأبان بن يزيد حدثاهم - المعنى -،عن يحيى بن كثير، عن أبي قلابة، عن أبي الْمُهلَّب المسمعي، عن معاذ بن هشام الدستوائي، عن أبيه، به، وفيه: ((ثم أمر بها فرجمت، ثم صلَّى عليها، فقال عمر: أتصلّي عليها يا نبي الله...)).
(5) في (أ): ((عليه)).
قال القاضي عياض: هي بفتح الصاد واللام عند جماهير رواة صحيح مسلم. "شرح النووي" (11/204).
(6) قوله: ((عليها)) سقط من (أ).
(7) "صحيح مسلم" (1695).
(8) هذه الرواية أخرجها مسلم (1692) من حديث جابر بن سَمُرة.
(9) هذه الرواية أخرجها البخاري في "صحيحه"(6438) من حديث ابن عباس.
(10) أخرجه أبو داود (4/544) كتاب الحدود، باب التلقين في الحد، عقب الحديث رقم (4380)، ولم يسق لفظه. والدولابي في "الكنى والأسماء" (1/13-14)، والبيهقي في "الكبرى" (8/276)، وفي "شعب الإيمان" (6660). ثلاثتهم من طريق همام، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة، عن بن المنذر مولى أبي ذر، عن أبي أمية المخزومي به مثله، إلا أن أبا دواد لم يسق الحديث في هذاالموضع، ولم يذكر أبا المنذر في السند.
وأخرجه أحمد (5/293)، والدارمي (2/173) كتاب الحدود، باب المعترف بالسرقة (2/866 رقم2579) كتاب الحدود، باب تلقين السارق، وأبو داود (4/542 رقم4380) كتاب الحدود، باب التلقين في الحد، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2/51)، والنسائي في "المجتبى" (8/67 رقم4877) كتاب قطع السارق، باب تلقين السارق، وفي "الكبرى" (4/328 رقم7363) في نفس الكتاب والباب السابقين في "المجتبى"، والدولابي في "الكنى والأسماء" (1/14).
وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/168-169)، والطبراني في "الكبير" (22 رقم905) من طريقين، وومن طريقي الطبراني هاتين أخرجه المزي في "تهذيب الكمال" (33/57). جميعهم من طريق حماد بن سلمة، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة، عن ابن المنذر مولى أبي ذر، عن أبي أمية المخزومي به مثله.
قال ابن حزم في "المحلى" (11/149): ((وأما حديث حماد بن سلمة ففيه أبو المنذر لا يدري من هو، وأبو أمية المخزومي ولا يدري من هو، وهو أيضا مرسل)).اهـ.
قال الخطابي في "مختصر سنن أبي داود" (6/217): ((على أن في إسناد هذا الحديث مقالاً، والحديث إذا رواه رجل مجهول لم يكن حجة، ولم يجب الحكم به)).
وقال الإمام الذهبي في "ميزان الإعتدال" (4/577): ((أبو المنذر، عن مولاه أبي ذر: لا يعرف)).(
وقال الزيلعي في "نصب الراية" (4/76): ((وفيه ضعيف، فإن أبا المنذر هذا مجهول، لم يرو عنه إلا إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة، قاله المنذري)).(اهـ.
وقال الحافظ في"التقريب" (8392): ((مقبول)).
وقد روي هذاالحديث أيضًا من طريق يزيد بن خصيفة، عن محمد بن عبدالرحمن بن ثوبان: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بسارق... الحديث. أخرجه عبدالرزاق، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، واختلف في وصله وإرساله. انظر في ذلك "مراسيل أبي داود" (ص205).
(11) أخرجه عبدالرزاق (18919)، وابن أبي شيبة (28571). كلاهما من طريق ابن جريج قال: سمعت عطاء يقول: كان من مضى يؤتى أحدهم بالسارق فيقول: أسرقت؟ قل: لا، أسرقت؟ قل: لا. علمي أنه سَمَّى أبا بكر وعمر. إلا أن عند ابن أبي شيبة قوله :(( أسرقت؟ قل: لا)) مرة واحدة. وأروده ابن حجر في "تلخيص الحبير" (4/126)، والزيلعي في نصب الراية (4/78).
(12) أخرجه عبدالرزاق (18922)، وابن الجعد في "مسنده" (1102)، وابن أبي شيبة (28565)، وأسلم الواسطي في "تاريخ واسط" (ص113)، والبيهقي (8/276). جميعهم من طريق يزيد بن أبي كبشة، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه -: أنه أتي بامرأة سرقت يقال لها: سلامة، فقال لها: يا سلامة! أسرقت؟ قولي: لا. قالت: لا، فدرأ عنها الحد. وعند ابن الجعد وأسلم زيادة في آخره.
وذكره ابن حجر في "تلخيص الحبير" في الموضع السابق ،والزيلعي في الموضع السابق أيضًا، وعزاه ابن حجر للبيهقي والزيلعي وعبدالرزاق.
(13) أخرجه عبدالرزاق (18920) من طريق معمر، عن ابن طاووس، عن عكرمة بن خالد قال: أُتي عمر بن الخطاب برجل، فسأله: أسرقت؟ قل لا، فقال: لا، فتركه ولم يقطعه.
وأخرجه ابن أبي شيبة (28570) بمعناه من طريق محمد بن بكير، عن ابن جريج، عن عكرمة بن خالد قال: أُتي عمر بسارق قد اعترف، فقال عمر: إني لأرى يد رجل، ما هي بيد سارق، قال الرجل: والله ما أنا بسارق، فأرسله عمر، ولم يقطعه. وذكر رواية عبدالرزاق ابن حجر في "التلخيص" في الموضع السابق.
وذكر ابن حجر أيضًا في "الدراية" (2/170) قال: ((وأم اتلقين الصحابة فروى عبدالرزاق وابن أبي شيبة من طريق عكرمة بن خالد، ثم ذكر لفظ عبدالرزاق، ثم قال :(( وفي رواية الآخر))، وذكر لفظ ابن أبي شيبة.
(14) لم أجد هذا الأثر عن ابن مسعود، وإنما روي عن أبي مسعود الأنصاري. أخرجه محمد بن الحسن في "الآثار" كما في نصب الراية للزيلعي (4/78)، وفي "الدراية لتخريج أحاديث الهداية" لآبن حجر (2/171). وسفيان في "جامعه" كما في "تلخيص الحبير" (4/126)، وعبدالرزاق (1892)، والبيهقي (8/276). جميعهم من طريق عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي، عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: أتي أبي مسعود بامرأة سرقت جملاً، فقال: أسرقت؟ قولي: لا، فقالت: لا، فتركها.
وأخرجه ابن أبي شيبة (28566) من طريق شريك، عن جابر، عن مولى لأبي مسعود، عن أبي مسعود قال: أتي برجل سرق، فقال: أسرقت؟ قل: وجدته. قال: وجدته، فخلى سبيله. هكذا بذكر رجل، وليس امرأة كما عند الآخرين. وكذا ذكر رواية ابن أبي شيبة الزيلعي في "نصب الراية" الموضع السابق.
(15) هذا طرف من حديث شراحة الهمدانية المتقدم تخريجه قبل قليل.(2/442)
لعلَّكِ استُكْرِهْتِ، لعلَّك وُطِئْتِ نائمةً. وقال للحُبْلى الباكِيَة: إن المرأة قد تُسْتَكْرَه (1) . وقد أجاز ذلك أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وغير هم. &(5/76)&$
وقوله:(( جاءت امرأة من غامد من الأزد))؛ كذا قال في هذه الرِّواية. وفي الرواية الأخرى: ((من جهينة))، ولا تباعد بين الروايتين؛ فإن غامدًا قبيلة من جهينة، قاله عياض. وأظن أنَّ (2) جهينة من الأزد. وبهذا تتفق الروايات.
وقولها (3) : ((إنَّها (4) لَحُبْلَى من الزنى))؛ اعتراف منها من(غير تكرار يطلب منها. ففيه دليلٌ على عدم اشتراطه على ما مرَّ. وكونه شر لم يستفصلها كما استفصل ماعزًا؛ لأنَّها لم يظهر عليها (5) ما يُوجب ارتيابًا في قولها، ولا شكًّا في حالها، بخلاف حال ماعز، فإنَّه ظهر عليه ما يشبه الجنون، فلذلك استفصله النبي - صلى الله عليه وسلم - لِيَستَثْبِت في أمره، كما تقدَّم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((حتى تضعي ما في بطنك))؛ يدل على أن الجنين وإن كان من زنى - له حُرْمَة، وأن الحامل لا تُحَدُّ حتى تضع حملها (6) . وهذا =(5/96)=@ لا خلاف فيه إلا شيء روي عن أبي حنيفة على خلاف عنه فيه.
وقال (7) في الرواية الأخرى: ((إمَّا لا، فاذهبي حتى تلدي))؛ إمَّا بكسر الهمزة التي هي همزة ((إن)) الشَّرطية، زيدت عليها ((ما)) المؤكدة؛ بدليل دخول الفاء في جوابها. و((لا)) التي بعدها للنفي. فكأنه قال: إن رأيت أن تستري على نفسك وترجعي عن إقرارك فافعلي، وإن لم تفعلي فاذهبي حتى تلدي. %(2/443)%
__________
(1) لم أجد هذا الأثر عن علي - رضي الله عنه -، وإنما الوارد عن عمر - رضي الله عنه -، فقد أخرجه ابن أبي شيبة (28492) من طريق عبد الملك بن ميسرة، عن النزال بن سبرة قال: بينما نحن بمنى مع عمر، إذا امرأة ضخمة على حمارة تبكي، قد كاد الناس أن يقتلوها من الزحام، يقولون: زنيت، فلما انتهت إلى عمر قال: ما يبكيك؟ إن امرأة ربما استكرهت، فقالت: كنت امرأة ثقيلة الرأس، وكان الله يرزقني من صلاة الليل، فصليت ليلة ثم نمت، فوالله! ما أيقظني إلا الرجل قد ركبني، فرأيت إليه مقفيًا، ما أدري من هو من خلق الله، فقال عمر: لو قتلت هذه خشيت على الأخشبين النار، ثم كتب إلى الأمصار ألا تقتل نفس دونه.
وذكره الجصاص في "أحكام القرآن" (5/106)، وابن حجر في "فتح الباري" (12/154).
(2) قوله: ((أن)) سقط من (ك).
(3) في (ح): ((وقوله)).
(4) قوله: ((إنها)) سقط من (ك).
(5) قوله: ((عليها)) سقط من (ح).
(6) في (ح) و(ك): ((لأجل حملها)).
(7) في (ح): ((فقال)).(2/443)
ثمَّ اختلف العلماء فيها إذا وضعت. فقال مالك: إذا وضعت رجمت، ولم ينتظر بها أن تكفل (1) ولدها. وقاله أبو حنيفة، والشافعي في أحد قوليه. وهذا قول من لم تبلغه (2) هذه الرواية الي فيها تأخير الغامدية إلى أن فطمت ولدها. وقد روي عن مالك: أنها لا ترجم حتى تجد من يكفل ولدها بعد الرَّضاع. وهو مشهور قول مالك، والشافعي، وقول أحمد، وإسحاق.
وقد اختلفت الروايات في رجمها متى كان؟ هل كان قبل فطام الولد، أو بعد فطامه. والأولى: رواية من روى: أنها لم ترجم حتى فطممت ولدها، ووجدت من يكفله؛ لأنَّها مُثْبِتةٌ حكما زائدًا على الرواية الأخرى التي ليس فيها ذلك، ولمراعاة حق الولد. وإذا روعي حقه وهو جنين، فلا ترجم لأجله بالإجماع (3) ، فمراعاته إذا خرج للوجود (4) &(5/77)&$ أولى.
ويستفاد من هذه الرِّواية: أن الحدود لا يبطلها طول الأزمان. وهو مذهب الجمهور. وقد شذَّ بعضهم فقال: إذا طال الزمان على الحدّ بطل. قاله أبو حنيفة في الشهادة بالزِّنى والسَّرِقة القَدِيمين (5) . وهو قول لا أصل له. =(5/97)=@
باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره ويشد عليه ثيابه
وقوله: ((وأمر الناس فرجموها))؛ ظاهره: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يرجمها معهم، لا في أول الأمر، ولا في آخره (6) . فلا يلزم الإمام أن يبدأ بالرجم. وهو مذهب الجمهور. وقد ذهب أبو حنيفة: إلى أنَّه إن ثبت الزنى بالإقرار حضر الإمام، وبدأ قبل الناس بالرَّجم. وإن كان بالشهادة حضر الشهود (7) ، وبدؤوا بالرَّجم قبل الناس. %(2/444)%
__________
(1) في (ح) و(ك): ((إلى أن تكفل)).
(2) في (ك): ((تغله)).
(3) قوله: ((بالإجماع)) سقط من (ح).
(4) في (ح): ((إلىا لوجود)).
(5) في (ح): ((القديمتين)).
(6) في (أ): ((أجره)).
(7) في (ح): ((حضر والشهود)).(2/444)
قلت: وأحاديث (1) هذا الباب كلُّها (2) تردُّ ما قال (3) أبو حنيفة، غير أنَّه وقع في كتاب أبي داود (4) من حديث الغامدية:أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ حصاة مثل الحِمَّصَة فرماها =(5/98)=@ بها (5) . وهي رواية شاذةٌ، مخالفة للمشهور من حديث الغامدية.
وقوله: ((فَتَنَضَّخ الدَّم على وجه خالد))؛ أي: تطاير متفرقًا، وهو بالخاء المعجمة. والعين النضاخة هي: الفوارة بالماء الغزير؛ الذي يسيل ويتفرَّق. وقد روي بالحاء المهملة، وهو الرشُّ الخفيف، وهو أخف من النضخ - بالخاء المعجمة -. %(2/445)%
__________
(1) في (ح): ((وأما أحاديث)).
(2) قوله: ((كلها)) سقط من (ك).
(3) في (ح) و(ك): ((ما قاله)).
(4) أخرجه أبو داود (4444)، وأحمد في "المسند" (20436)، والنسائي في "الكبرى" (7209 و7210)، البزار في "مسنده" (3665)، والبيهقي في "الكبرى" (16744). جميعًا من طريق زكريا بن سُليم الْمَنْقَري قال: سمعتُ رجلاً يُحدِّث: أن أبا بكرةَ حدثهم...، فذكر الحديث، وفيه قصَّة.
وهذا إسناد ضعيف، لجهالة الراوي عن عبدالرحمن بن أبي بكرة.
قال البزار (9/117): ((وهذا الحديث بهذا اللفظ لا نحفظه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، ولا نعلم له هذا الطريق. اهـ.
قلت: وزكريا بن سليم: قال عنه ابن معين :(( صالح)). وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال ابن حجر في "التقريب": ((مقبول)).
(5) في (ك): ((به)).(2/445)
وقوله: ((مهلاً يا خالد!)) أي: كفَّ عن سبِّها. ففيه دليل: على أن من أقيم عليه الحدَّ لا يُسَبُّ، ولا يُؤْذَى بِقَذَعٍ كلامٍ.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((لقد تابت توبةً لو تابها صاحبُ مَكْسٍ لغُفِر له)). صاحب (1) المكس: هو الذي يأخذ (2) من الناس ما لا يلزمهم شرعًا من الوظائف المالية بالقهر والجبر. ولا شك في أنه من أعظم الذنوب، وأكبرها، وأفحشها، فإنَّه غصب، &(5/78)&$ وظلمٌ، وعَسفٌ على الناس، وإشاعةٌ للمنكر، وعملٌ به، ودوامٌ عليه. ومع ذلك كلِّه: فإن (3) تاب من ذلك، وردَّ المظالم إلى أربابها (4) صحَّت توبته، وقبلت، لكنَّه بعيد أن يتخئص من ذلك؟ لكثرة الحقوق وانتشارها في النَّاس، وعدم تعيين المظلومين، وهؤلاء كضمان ما لا يجوز ضمان أصله من الزكوات، والمواريث، =(5/99)=@ والملاهي، والمرتَّبين في الطرق (5) ، إلى غير ذلك مِمَّا قد كثر في الوجود، وعمل عليه في سائر البلاد. &(5/79)&$ %(2/446)%
__________
(1) قوله: ((صاحب)) سقط من (ح).
(2) في (ح): ((يؤخذ)).
(3) في (ح) و(ك): ((إن)).
(4) في (ح): ((أهلها)).
(5) قوله: ((الطرق)) سقط من (ك).(2/446)
وقوله: ((فشدَّت عليها ثيابها))؛ أي: جمع بعضها إلى بعض بشوك أو خُيُوط، ومنه: الْمِشَكُّ، وهي: الإبرة الكبيرة. وشككت الصيد بالرَّمح؛ أي: نفذته به (1) . =(5/100)=@
وقوله: ((فخرجنا به إلى بقيع الغرقد))؛ الغرقد: شجر من شجر البادية كانت في ذلك الموضع (2) ، فنسب إليها، فذهبت تلك الشجر، واتخذ ذلك الموضع مقبرةٌ، وهو الذي عبَّر عنه في الرِّواية الأخرى بـ((المصلى))؛ أي: مصلى الجنائز. &(5/80)&$ %(2/447)%
__________
(1) قوله: ((به)) سقط من (ح).
(2) قوله: ((الموضع)) سقط من (أ).(2/447)
وقوله: ((له نبيب كنبيب التَّيس))؛ وهو صوت التيس (1) عند السفاد.
وقوله: ((يننح أحدهم الكثبة)). ((يمنح)): يعطي. و((الكثبة)): القليل من اللَّبن، والطعام. والجمع: كُثَُب. وقد (2) كَثَبْتُهُ، أكْثِبُهُ؛ أي: جَمَعْتُه.
وقوله: ((على ألا أُوتَى برجل فعل ذلك إلا نَكَّلْتُ به))؛ أي: فعلت به ما ينكِّله؛ أي: ما يسوؤه، ويكدره. وأصله من النَّكَل، وهو: القيد. ومنه قوله تعالى: {إنَّ لدينا أنكالاً} (3) ؛ أي: قيودًا. قاله الأخفش. وقال الكلبي: أغلالاً. ويعني به: الرَّجم لمن كان محصنًا، أو الجلد (4) لمن لم يحصن. =(5/101)=@
وقوله في صفة ماعز: ((أعضل))؛ أي: ذو عضلات. والعضلة: كل ما اشتمل من اللحم على عصب. وماعز هذا: هو ابن مالك الأسلمي. قيل: يكنى: أبا عبدالله بولدٍ كان له. وفي الصَّحابة: ماعز التميمي غير منسوب لأبٍ (5) . ويقال: هو المكنى بأبي عبدالله. وكان ماعز هذا تحت حِجر هزَّال بن رئاب، أبي نُعَيْم الأسلمي، فوقع على جارية هزَّال، فجاء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له (6) : ((هلاَّ سترته بردائك؟!))
وقوله: ((فلمَّا أذلقته الحجارة))؛ أي: أصابته بحدِّها. وذلق كل شيء: حدَّه. ومنه: لسان ذَلِق (7) . وفي حديث ابن عبَّاس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لماعز: &(5/81)&$ ((أحقٌّ ما بلغني عنك؟)) قال: وما بلغك عني؟ قال: ((بلغني أنَّك وقعت (8) بجاربة آل فلان))، قال: نعم.
هذه الرِّواية مخالفة لما تقدَّم؛ لأنَّها تضمنت: أن ماعزًا هو الذي بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسؤال (9) ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - مُعْرضٌ عنه؟ حتى أقرَّ أربع مرات، وهذا أحد المواضع الثلاثة (10) المضطربة في حديث ماعز.
والثاني: في الحفر له (11) ، ففي بعضها: أنه حُفِر له، وفي بعضها: أنَّه لم يُحْفَر له، وفي %(2/448)%
__________
(1) قوله: ((وهو صوت التيس)) سقط من (أ).
(2) قوله: ((وقد)) سقط من (ك).
(3) قوله: ((12)) سقط من (ح) و(ك).المزمل.
(4) في (ك): ((والجلد)).
(5) في (أ) قوله: ((وفي الصحابة ماعز التميمي غير منسوب لأب)) جاء بعد قوله:(( هلا سترته بردائك)). الآتي بعد.
(6) قوله: ((له)) سقط من (ح).
(7) في (ك): ((ذليق)).
(8) في (ك): ((زنيت)).
(9) قوله: ((بالسؤال)) سقط من (ح).
(10) قوله: ((الثلاثة)) سقط من (ك).
(11) قوله: ((له)) سقط من (ح).(2/448)
بعضها: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - صلَّى عليه بعد ما رُجِمَ. وفي بعضها: لم يصلِّ عليه. وكذلك في الاستغفار له، وكلُّها في الصحيح - والله تعالى أعلم - بالسقيم من الصحيح. =(5/102)=@
وفي حديث ماعز والغامديَّة ما يدلُّ على: أن التوبة وإن صحت لا تسقط حدّ الزنى، وهو (1) متفق عليه. واختلف فيما عداه من الحدود، فالجمهور: على أنَّها لا تسقط شيئًا من الحدود إلا حدّ الحرابة؛ فإنَّه يسقط لقوله تعالى: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فعلموا أن الله غفور رحيم} (2) ، فتسقط عنه الحدود، ويؤخذ بحقوق الآدميين من الدِّماء والأموال. وروي عن عليّ (3) - رضي الله عنه -: أن التوبة تسقط عنه كل شيء. وروي عن ابن عبَّاس وغيره: أن التوبة لا تُسقط عن المحارب حقًّا ولا حدًّا. وروي عن الشافعي: أن التوبة تُسقط حدّ الخمر. =(5/103)=@ &(5/82)&$ %(2/449)%
__________
(1) في (ك): ((وهذا)).
(2) ؛ الآية: 34. سورة المائدة.
(3) أخرجه ابن أبي شيبة (26054 و32789)، وابن أبي الدنيا في "الأشراف" (440)، وابن جرير (6/221)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "تفسير ابن كثير" (2/53) من طريق مجالد بن سعيد وأشعث بن سوّار - متفرقين -، عن الشعبي، عن علي بن أبي طالب به في قصة حارثة بن بدر التيمي.(2/449)
ومن باب: لا تغريب على امرأة، ويقتصر على رجم الزاني الثيِّب، ولا يجلد قبل الرَّجم
قوله: ((يا رسول الله! أنشدك إلا قضيت لي (1) بكتاب الله))؛ هكذا وقع في صحيح الرواية: ((أنشدك)) من غير ذكر اسم الله. وهو المراد (2) ، لكنَّه حُذِف لفظًا (3) للعلم به. وقد وقع في بعض النُّسخ: ((أنشدك الله!)) ومعناه: أقسم عليك بالله. وكتاب الله هنا: يُراد به: حكم الله إن كانت هذه القضية وقعت بعد فسخ تلاوة آية الرَّجم كما تقدم. وإن كانت قبل ذلك: فكتاب الله محمول على حقيقته.
وقوله: ((فقال الخصم الآخر -وهو أفقه منه -: نعم، فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي))؛ إنما فضل الراوي الثاني على الأول بالفقه؛ لأنَّ الثاني ترفق ولم يستعجل، ثمَّ تلطَّف بالاستئذان في القول، بخلاف الأوَّل، فإنَّه استعجل، وأقسم على النبي - صلى الله عليه وسلم - في شيء كان يفعله بغير يمين، ولم يستأذن (4) ، وهذا كله من جفاء الأعراب، فكان للثاني عليه مزيَّه، في(الفهم والفقه. ويحتمل: أن يكون ذلك؛ لأنَّ الثاني وصف القضية بكمالها، وأجاد سياقتها. %(2/450)%
__________
(1) في (ك): ((قضيت بيننا)).
(2) في (ح) و(ك): ((المراد به)).
(3) في (ح) و(ك): ((لفظه)).
(4) قوله: ((ولم يستأذن)) سقط من (ح).(2/450)
وقوله: ((إن ابني كان عَسِيفًا على هذا، فزنى بامرأته))؛ العسيف: الأجير (1) ، =(5/104)=@ على ما قاله مالك. ولم يكن هذا من الأب قذفًا لابنه، ولا للمرأة؛ لاعترافهما بالزنى على أنفسهما.
وفي هذا الحديث أبواب من الفقه. فمنها: أن كل صلح خالف السُّنَّة فهو باطل، ومردودٌ. وأن الحدود التي هي ممحَّصَةٌ لحقِّ (2) الله تعالى لا يصح الصُّلح &(5/84)&$ فيها.
واختلف في حدّ(القذف؛ هل يصحُّ الصلح فيه أم لا؟ ولم يختلف في كراهته لأنَّه ثمنُ عِرْضٍ. ولا خلاف في أنَّه يجوز قبل رفعه. وأمَّا حقوق الأبدان من الجراح، وحقوق الأموال: فلا خلاف في جوازه مع الإقرار. واختلف في الصلح على الإنكار. فأجازه مالك، ومنعه الشافعي.
وفيه: جواز استنابة الحاكم في بعض القضايا من يحكم فيها مع تمكُّنه من مباشرته.
وفيه: أن الإقرار بالزنى لا يشترط فيه تكرار أربع مرَّات، ولا أن المرجوم يجلد قبل الرَّجم. وقد تقدم الخلاف فيهما. وفيه: أن ما كان معلومًا من الشروط والأسباب التي تترتب عليها الأحكام لا يحتاج إلى السؤال عنها. فإن إحصان المرأة كان معلومًا عندهم، فإنَّها كانت(ذات زوج معروف الدخول عليها. وعلى هذا: يحمل حديث الغامدية؛ إذ لو لم تكن محصنة؛ لما جاز رجمها بالإجماع.
وفيه: إقامةُ الحاكم (3) الحدّ بمجرَّد إقرار المحدود وسماعه منه من غير شهادة عليه (4) . وهو أحد قولي الشافعي، وأبي ثور. ولا يجوز ذلك عند %(2/451)%
__________
(1) في (ك): ((الأخير)).
(2) في (ح): ((محضة بحق)).
(3) قوله: ((الحاكم)) سقط من (ك).
(4) في (أ): ((على المحدود)).(2/451)
مالك إلا بعد ضبط (1) الشهادة عليه. وانفصل عن ذلك بأنه (2) ليس في الحديث ما ينصُّ على أنها (3) لم يسمع إقرارها إلا أُنَيْس خاصَّة، بل العادة قاضية بأن مثل هذه القضيَّة لا تكون في (4) خلوةٍ، =(5/105)=@ ولا ينفرد بها الآحاد، بل لا بدَّ من حضور جمع كثير تلك القضيَّة، وشهرتها، لا سيما قضية منل هذه تُرفع إلى الإمام، ويَبْعَث من يكشفها ويرجم فيها. ولا بدَّ من إحضار طائفة من المؤمنين لإقامة الحدّ كما قال تعالى (5) ، مع صغر المدينة، فمثل هذا لا يخفى، ولا ينفرد به الواحد(ولا الاثنان. وهذا كلُّه مبنيٌّ: على أن أنيسًا كان حاكمًا، ويحتمل أن يكون رسولاً لها (6) ليستفصلها، ويعضد هذا التأويل قوله في آخر الحديث: ((فاعترفت فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجمت))؛ فهذا يدلُّ على أن أنيسًا إنَّما سمع إقرارها، وأن تنفيذ الحكم؛ إنما (7) كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - (8) بعد سماع(إقرارها من أُنَيس، حين أبلغه إيَّاه، وحينئذ يتوجَّه إشكال آخر. وهو: أن يقول: فكيف اكتفى في ذلك (9) بشاهد واحد (10) ؟!
وقد اختلف في الشهادة على الإقرار بالزنى. هل يكتفى فيه (11) بشهادة شاهدين كسائر الإقرارات أو (12) لا بدَّ من أربعة كالشهادة على رؤية الزنى؟ على قولين لعلمائنا، ولم يذهب أحدٌ من المسلمين إلى الإكتفاء بشهادة واحد.
والجواب: أن هذا اللفظ؛ الذي قال فيه (13) : فاعترفت، فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجمت. هو من رواية الليث عن الزهري (14) . وقد روى هذا الحديث عن الزُّهري مالك (15) ، وقال فيه: فاعترفت، فرجمها. ولم يذكر: ((فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجمت)) (16) . وعند التعارض: فحديت مالك أولى لما يعلم من حال مالك، وحفظه، وضبطه، وخصوصًا في حديث الزهري، فإنَّه أعرف الناس به. وعلى رواية مالك فظاهرها: أن أُنيسًا كان حاكمًا، فيزول الإشكال، ولو سلَّمنا: أنَّه كان رسولاً؛ فليس في الحديث ما ينصُّ على %(2/452)%
__________
(1) قوله: ((ضبط)) سقط من (ح) و(ك).
(2) في (ح): ((بأن)).
(3) في (ك): ((أنه)).
(4) في (ك): ((على)).
(5) يعني قوله عز وجل : {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}.[النور: 2].
(6) قوله: ((لها)) سقط من (ح).
(7) قوله: ((إنما)) سقط من (ك).
(8) في (أ): ((صلى الله عليه السلام)).
(9) قوله: ((في ذلك)) سقط من (ك).
(10) في (ك): ((بشهادة واحد))، وفي (ح): ((بشهادة واحدة))، وفي حاشيتها: ((بشاهد)).
(11) قوله: ((يكتفي فيه)) سقط من (ح)، وقوله: ((فيه)) سقط من (ك).
(12) في (ح): ((أم)).
(13) قوله: ((فيه)) سقط من (ح).
(14) أخرجه البخاري في "صحيحه" (2575)، ومسلم (1698).
(15) في "الموطأ" (1760)، وعنه رواه عبدالله بن يوسف التنيسي. أخرجه البخاري (6447-6451). وإسماعيل بن ألب أدريس في البخاري (6450)، وعبدالله بن مسلمة القعنبي عند أبي داود (4445)، ومعن بن عيسى القزَّاز عند الترمذي (1433)، وعبدالرحمن بن القاسم عند النسائي (5410)، وعبدالله بن وهب عند النسائي في "الكبرى" (5971)، وإسحاق بن عيسى عند أبي عوانة (6300). جميعهم بهذااللفظ المذكور.
(16) رواه بهذا اللفظ أيضًا عن الزهري ابن جريج: أخرجه عبدالرزاق (13310)، ومن طريقه أبو عوانة في "المستخرج" (6298)، والطبراني في "الكبير" (5188).(2/452)
انفراد أُنيس بالشهادة عليها، فيكون غيره شهد عند =(5/106)=@ النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك. ويعتضد هذا بما ذكرناه (1) : من أن القضيَّة انتشرت، واشتهرت. فيَبُعد أن ينفرد بها واحدٌ، سلَّمناه، لكنَّه خبر، وليس بشهادة، فلا يشترط فيه العدد. وحينئذ يستدلُّ به على قبول أخبار الآحاد والعمل بها في الدِّماء وغيرها. والله تعالى أعلم.
وفيه دليل على جواز الاستفتاء والفُتيا (2) في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع (3) إمكان &(5/85)&$ الوصول إليه. وجواز استفتاء المفضول مع وجود الأفضل. ولو كان ذلك غير جائز لأنكره النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وفيه دليل: على جواز اليمين بالله تعالى، وإن لم يُسْتَحْلَف. وعلى أنَّ ما يفهم منه اسم الله تعالى يمين جائزة وإن لم يكن من أسمائه تعالى، فإنَّ قوله: ((والذي نفسي بيده!)) ليس من أسماء الله تعالى، ولكنه (4) تنزل منزلة الأسماء في الدلالة، فيلحق به كل ما كان في معناه، كقوله: والذي خلق الخلق، وبسط الرزق. وما أشبه ذلك.
وقوله: ((وأغْدُ يا أنيس على امرأة هذا))؛ معناه: امضِ، وسِر. وليس معناه: سر إليها بُكْرةً، كما هو موضوع الغداة. وكذلك قوله: ((فغدا عليها))؛ أي: مشى إليها، وسار نحوها.
وفيه ما يدلُّ على أن زنى المرأة تحت زوجها (5) لا يفسخ نكاحها، ولا يوجب =(5/107)=@ تفرقة بينها وبين زوجها؛ إذ لو كان ذلك لفرَّق بينهما قبل الرَّجم ولَفَسَخَ النِّكاحَ. ولم يُنْقَل شيءٌ من ذلك، ولو كان لَنُقِل كما نُقِلَت القضيَّة (6) ، وكثيرٌ من تفاصيلها.
وفيه دليلٌّ على صحة الإجَارَة. %(2/453)%
__________
(1) في (ك): ((ذكرنا)).
(2) في (ك): ((والاستفتاء)).
(3) في (ك): ((من)).
(4) في (ك): ((ولكن)).
(5) في (ح): ((الزوج)).
(6) في (ك): ((القصة)).(2/453)
ومن باب إقامة الحدّ ملى من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة
قوله: ((إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أٌتِيَ بيهوديٍّ ويهوديَّةٍ قد زنيا))، وفي الرواية الأخرى: ((إن اليهود جاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل وامرأة قد زنيا))، وفي الثالثة: &(5/86)&$ ((مرَّ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيهوديٍّ مُحَمَّمٍ مَجْلُودٍ))؛ هذه الروايات كلها متقاربة في المعنى، ولا يعدُّ مثل هذا اضطرابًا؛ لأن ذلك كلُّه حكاية عن حال قضيَّة وقعت، فعبَّر كلٌّ منهم بما (1) تيسَّر له. والكلُّ صحيحٌ إذ هي متواردة: على أنَّه حضر بين يديه - صلى الله عليه وسلم - يهوديّ زنى بيهوديةٍ، وهو في موضعه. وفي كتاب أبي داود (2) : أنَّه كان في المسجد. غير أنَّه قد جاء في كتاب أبي داود (3) أيضًا من حديت ابن عمر ما يظهر منه تناقضٌ، وذلك أنَّه (4) قال: ((أَتَى نفرٌ من يهود فدعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى القُفِّ، فأتاهم في بيت الْمِدْرَاس. فقالوا: يا أبا القاسم! إن رجلاً مِنَّا زنى بامرأة فاحكم بينهم. وظاهر هذا: أنه مشى =(5/108)=@ إليهم، وأن ذلك لم يكن في مسجده، بل في بيت دَرْسِهم. ويرتفع هذا التَّوهُم بحديث أبي هريرة الذي ذكره أبو داود (5) أيضًا. واستوفى هذه (6) القصَّة، وساقها سياقة حسنة فقال: زنى رجل من اليهود وامرأة (7) ، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإنَّه نبيٌّ بُعِثَ %(2/454)%
__________
(1) في (ح): ((ما)).
(2) أخرجه أبو داود (4450) من طريق الزهري، ثنا رجل من مُزينة، عن أبي هريرة به، قصة اليهودي، وهذا إسناد ضعيف لجهالة الراوي عن أبي هريرة.
(3) أخرجه أبو داود (4449) عن أحمد بن سعيد الهمداني، ثنا ابن وهب، حدثني هشام بن سعد: أن زيد بن أسلم حدَّثه عن ابن عمر به، وإسناده لا بأس به، هشام بن سعد فيه كلام، ولكنه من أثبت الناس في زيد بن أسلم كما قاله أبو داود في "تهذيب الكمال" (30/208).
(4) في (أ) و(ب): ((أن)).
(5) أخرجه أبو داود في "سننه"(4450 و3624 و488) مختصرًا ومطولاً، من طريق معمر ويونس بن يزيد الأيلي، مجتمعين ومتفرقين، عن الزُّهريِّ، عن رجل مِن مُزينة، عن أبي هريرة.
و أخرجه عبدالرزاق (13330)، وفي "التفسير" (1/189 -190)، ومن طريقه أخرجه أبو داود هنا (4450)، والطبري في "تفسيره" (6/249) من طريق معمر بن راشد، عن الزهريِّ به - ومعمر اتهم رواية -.
وأخرجه الطبري (6/233) من طريق عبدالله بنِ المبارك وعقيل بنِ خالد، وأخرجه البيهقي في "الدلائل" (6/269-270) من طريق ابنِ المبارك، وأخرجه ابن عبدالبر في "التمهيد" (14/398) من طريق عقيل بن خالد.
وأخرجه ابن إسحاق في "السير" كما في "ابن هشام" (2/213)، ومن طريقه أبو داود (3625 و4451)، والطبري (6/232)، والبيهقي في "الكبرى" (8/246-247)، وفي "الدلائل" (6/271)، وابن عبدالبر في "التمهيد" (4/400) عن الزهري به.
وأخرجه أحمد في "المسند" (7761) عن عبدالرزَاق، عن مَعْمَر، عن الزُّهري، عن رجلٌ من مُزَيْنةَ: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - رَجَمَ يَهُوديًّا ويَهُوديةً. هكذا جاء عند أحمد مختصرًا ومرسلاً، وأظن الإرسال خطأ، فجميع الرواة عن عبدالرزاق رووه موصولاً كما تقدَّم.
والحديث بهذا الإسناد ضعيف لجهالة الرجلَ من مُزينة، كما تقدم، وأصل الحديث في الصحيحين من حديث ابن عمر.
(6) في (ك): ((في)). يراجع
(7) قوله: ((وامرأة)) سقط من (ك).(2/454)
بالتخفِيفَات، فإن أفتى بالفتيا دون الرَّجم قبلناها، واحتججنا بها عند الله. وقلنا: فتيا نبي من أنبيائك. قال: فأتَوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالسٌ في المسجد في أصحابه. فقالوا: يا أبا القاسم! ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا؟ فلم يُكلِّمْهُمُ النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى بيت مدراسهم، فقام على الباب فقال: ((أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى! ما تجدون في التوراة (1) على من زنى إذا أحصن؟)) قالوا (2) : يُحَمَّم، ويُجَبَّه، ويُجْلَد - والتَّجْبيهُ: أن يحمل الزانيان على حمار، وتقابل أقفيتهما، ويطاف بهما - قال: وسكت شابٌّ منهم. فلمَّا رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - سكت: أَلَظَّ به النُّشْدَةَ، فقال: اللَّهم إِذْ أنشدتنا، فإنا نجد في التوراة الرَّجم. وساق الحديث إلى أن قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((فإني أحكم بما في التوراة))، فأمر بهما فرجما. &(5/87)&$
فقد بيَّن في هذا الحديت: أن اليهود جاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في مسجده، ثمَّ بعد ذلك مشى معهم إلى بيت المدراس بعد أن سألوه عن ذلك، على ما رواه ابن عمر. وذكر في هذا الحديث أيضًا السبب الحامل لهم على سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ وعليه يدلُّ مساق قوله تعالى: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم} (3) إلى آخر الآيات. وذكر أبو داود (4) أيضًا من حديث جابر؛ قال (5) : جاءت اليهود برجلٍ وامرأةٍ منهم زنيا (6) ، فقال (7) : ((إِيتُوني بأعلم رجلين منكم))، فأتوا بابني =(5/109)=@ صوريا، فنشدهما: ((كيف تجدا (8) في التوراة؟)) قالا: نجد في التوراة: إذا شهد أربعة: أنَّهم رأوا ذكره في فرجها %(2/455)%
__________
(1) في (ح) و(ك): ((التورية)).
(2) في (أ): ((قال)).
(3) ؛ الآية: 41. سورة المائدة وما بعدها.
(4) في "سننه" (4452) عن يحيى بن موسى البلخي، ثنا أبو أسامة - وهو حماد بن أسامة -، قال مجالد: أخبرنا عن عامر، عن جابر به.
وأخرجه ابن ماجه (2374) من طريق أبي أسامة به مختصرًا.
وأخرجه الحميدي (1294) عن سفيان، ثنا مجالد بن سعيد الهمداني، عن الشعبي به مطولاً. وأخرجه أبو يعلى في "مسنده" (1928) عن طريق عبدالرحيم بن سليمان، عن مجالد به مختصرًا. ومجالد بن سعيد: ضعيف.
وقد خالفه مغيرة بن مقسم وعبدالله بن شبرمة؛ فروياه عن الشعبي مرسلاً. أخرجه أبو داود (4453 و4454). والحديث في "صحيح مسلم" (1701) من طريق ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرًا بن عبدالله يثول: رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً من أسلم، ورجلاً من اليهود وامرأة.
(5) في (ك): ((فقال)).
(6) في (ح): ((زنيا فيهم)).
(7) في (أ): ((فقالوا)).
(8) في (ح) و(ك): ((تجدون)). وعند أبي داود :(( كيف تجدان أمر هذاين)).(2/455)
مثل الميل في الْمُكْحُلة رجما. وذكر الحديث. قال: فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشهود، فجاؤا (1) أربعة فشهدوا: أنهم رأوا فرجه في فرجها مثل الْمِيل في المكحلة. فأمر برجمهما.
قلت: فالحاصل من هذه الروايات: أن اليهود حَكَّمَت النبي - صلى الله عليه وسلم - فَحَكَم (2) عليهم بمقتضى ما في التوراة (3) ، واستند في ذلك إلى قول ابني صزريا. وأنَّه سمع شهادة اليهود وعمل بها، وأنَّه ليس الإسلام شرطًا في الإحصان. وهذه مسائل يجب البحث عنها فلنشرع (4) في ذلك مستعينين بالله.
المسألة الأولى في التحكيم: فإذا ترافع أهل الذمَّة إلى الإمام؛ فإن كان ما رفعوه ظلمًا، كالقتل العدوان، والنصب؛ حكم بينهم، ومنعهم منه بلا خلاف. وإمَّا إن لم يكن كذلك؛ فالإمام مخيَّر في الحكم بينهم وتركه عند مالك والشافعي، غير أن مالكًا رأى الاعراض (5) عنهم أولى، فإن حكم حكم بحكم الإسلام، غير أن الشافعي قال: لا يحكم بينهم في الحدود. وقال أبو حنيفة: يحكم بينهم على كل حال. وهو قول الزهري، وعمر بن عبدالعزيز، والْحَكَم، وروي عن ابن عبَّاس (6) ، وهو أحد قولي الشافعي. والأولى ما صار إليه مالك لقوله تعالى: {فإن (7) &(5/88)&$ جاؤك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} (8) ، وهو (9) نصٌّ في التخيير. ثم إنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث حكم عليهم فعل أحد ما خيَّره الله تعالى فيه، غير أنَّه يبقى على مالك أن يقال له: لِمَ قلتَ: إن الإعراض عنهم أولى مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حكم بينهم، ولا يُتلَّخص من ذلك بأن يقال (10) : لأنهم يستهزئون بأحكام المسلمين؛ لأنَّا نقول: إن أظهروا ذلك =(5/110)=@ عاتبناهم، وإن أخفوه فما يخفون من اعتقادهم تكذيب نبينا - صلى الله عليه وسلم - أكبر، مع %(2/456)%
__________
(1) في (ك): ((فجاء)). وعند أبي داود :(( فجاؤا بأربعة)).
(2) قوله: ((فحكم)) سقط من (ح).
(3) رسمت في (ح): ((التورية))، وفي (ح): ((التورة)).
(4) في (ح) و(ك): ((فنشرع)).
(5) في (ح): ((أن)). تراجع
(6) أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (6388)، وأبو جعفر النحاس في "الناسخ" (1/398)، والطبراني في "الأوسط" (8482)، والبيهقي في "الكبرى" (16902)، وابن عبدالبر في "التمهيد"(14/402)، وابن حجر في "المحلى" (9/425). كلهم من طريق سعيد بن سليمان الواسطي، عن عبَّاد بن العوام، عن سفيان بن حسين الواسطي، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس في نسخ قول الله جلَّ وعلا: {فإن جاؤك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم}، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُخيًّرا إن شاء حكم بينهم، وإن شاء أعرض عنهم، فنزلت : {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم}، قال: فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحكم بينهم بما في كتابنا.
قال النحاس: ((هذا إسناد مستقيم، وأهل الحديث يدخلون في المسند))، وقال ابن حزم: ((هذا مسند)). وصححه الحاكم.
وأما ابن عبدالبر فقال: هذا خبرٌ، إنما يرويه سفيان بن حسين وثقه يحيى بن معين والعجلي والنسائي، وإنما عيب عليه في رواياته عن الزهري ،وكذا قال الحافظ في "التقريب": ثقة في غير الزهري باتفاقهم.اهـ. ولم ينفرد به رواه أحمد كما في "نواسخ القرآن" لابن الجوزي (1/47) عن حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس به نحوه.
(7) في (ح): ((وإن)).
(8) ؛ الآية: 42. سورة المائدة.
(9) في (ح) و(ك): ((وهي)).
(10) في (ك): ((يقول)).(2/456)
قطعنا بأنَّهم يعتقدون ذلك، لكنا عاقدناهم على ذلك، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علم منهم: أنهم يهزؤن بديننا وأحكامنا، ومع ذلك فحكم عليهم، وأقرَّهم. ألا تسمع قوله (1) تعالى: {وإذا ناديت إلى الصلاة(اتخذوها هزوًا} (2) ؟!
وأمَّا قول الشافعي: إنه لا يحكم بينهم في الحدود؛ فمخالف لنصّ الحديث المذكور في الواقعة، فلا يعول عليه. وقد تأوَّل الشافعي حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - على اليهود بالرجم بأن ذلك منه كان إقامة لحكم كتابهم لَمَّا حرفوه، وأخفوه، وتركوا العمل(به. ألا ترى أنَّه قال - صلى الله عليه وسلم - : ((اللهم! إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه)) (3) . وأيضًا: فإنه (4) - صلى الله عليه وسلم - لم يكن بعد نزل عليه حكم الزاني، ولذلك جاء في بعض طرق هذا الحديث: أن ذلك كان حين قدم المدينة (5) ، وأيضًا: فلأنه - صلى الله عليه وسلم - قد استثبت ابني صُوريا عن حكم التوراة (6) ، واستحلفهما على ذلك. وأقوال الكُفَّار في الحدود وفي شهاداتهم (7) عليها غير مقبولة بالإجماع، لكن فعل ذلك على طريق إلزامهم ما التزموه وعملوا به. وقد قال هذا كله بعض أصحابنا. وهذا البحث هو المسألة الثانية.
والجواب عنه أن نقول: إنَّه - صلى الله عليه وسلم - حكم بما علم أنَّه حقٌّ في (8) التوراة (9) ، وأنه حكم الله، ولولا ذلك لما أقدم على قتل من ثبت له (10) عهدًا. ثمَّ لا يلزم أن يكون طريق في حصول العلم بذلك له قول ابني صوريا، بل الوحي (11) ، أو ما ألقى الله تعالى في روعه من تعيين صدقهما فيما قالاه من ذلك. ولا نسلِّم: أن حكم &(5/89)&$ الرَّجم لم يكن مشروعًا له قبل ذلك، فإنَّها دعوى يُحتاج (12) إلى إثباتها بالنقل. سلمنا ذلك، لكنا نقول: من ذلك الوقت بيان مشروعية الرَّجم ومبدؤه، فيكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أفاد بما فعله إقامة حكم التوراة، وبيان: %(2/457)%
__________
(1) في (ح): ((إلى قوله)).
(2) ؛ الآية: 58. سورة المائدة.
(3) هو حديث البراء بن عازب في الباب نفسه من "صحيح مسلم" (1700).
(4) في (ح): ((فإن النبي)).
(5) أخرجه ابن إسحاق كما في "سيرة ابن هشام" (2/213) عن الزهري، عن رجل من مزينة، وقد تقدم الكلام عليه.
(6) في (ح): ((التورية)).
(7) في (ح) و(ك): ((شهاداتهم)).
(8) في (ك): ((من)).
(9) في (ح): ((التورية)).
(10) في (ح): ((أن له)).
(11) في (ح): ((بالوحي)).
(12) في (ح): ((تحتاج)).(2/457)
أن ذلك حكم شريعته، وأن التوراة يحكم بما صحَّ وثبت فيها: أنَّه حكم الله. وعلى هذا يدلُّ قوله تعالى: {إنَّا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا} (1) ، وهو نبي من الأنبياء. وقد قال عنه =(5/111)=@ أبو هريرة: ((فإني أحكم بما في التوراة)) على ما ذكره (2) أبو داود (3) . وقد استوفينا هذا المعنى في الأصول.
المسألة الثالثة في شهادة أهل الذمَّة: فالجمهور على أن الكافر لا تقبل شهادته على مسلم، ولا على كافر؛ لأنَّ الله عزَّ وجلَّ قد شرط في الشهادة العدالة. والكافر ليس بعدل؛ ولأن الفاسق المسلم مردود الشهادة بالنص، فالكافر أولى؛ ولأن العبد المسلم مسلوب أهلية الشهادة للكفر الأصلي الذي كان سبب رقِّه. فالكفر الحاصل في الحال أولى بأن يكون مانعًا، ولا فرق بين الحدود وغيرها، ولا بين السفر والحضر. وقد قبل شهادتهم جماعة من التابعين، وأهل الظاهر إذا لم يوجد مسلم؛ تمسُّكًا بما ذكرناه من حديث (4) أبي داود المتقدم. وقال أحمد بن حنبل: تجوز شهادة أهل الذمَّة على المسلمين في السفر عند عدم المسلمين تمسُّكًا في ذلك (5) بما جاء في كتاب أبي داود (6) عن الشعبي: أن رجلاً من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقاء (7) هذه، ولم يجد أحدًا من المسلمين يشهد على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب، فقدما الكوفة، فأتيا الأشعري، فاخبراه، وقدما بتركته ووصيته، فقال الأشعري: هذا أمرٌ لم يكن بعد الذى كان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحلفهما بعد العصر بالله: ما كذبا، ولا خانا، فأمضى شهادتهما. =(5/112)=@ ولا حجة فيه؛ لأنَّه مرسل وموقوف. ولو صحَّ؛ فلم يحكم بمجرد %(2/458)%
__________
(1) ؛ الآية: 44. سورة المائدة.
(2) في (ك): ((ما ذكر)).
(3) تقدم تخريجه من حديث أبي هريرة.
(4) في (ح): ((تمسُّكًا في ذلك بما جاء في كتاب أبي داود)).
(5) قوله: ((في ذلك)) ملحق بحاشية (أ).
(6) في "سننه" (3605)، ومن طريقه البيهقي (20413). وأخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (857)، ومن طريقه ابن حزم في "المحلى" (9/407)، وأخرجه ابن جرير في "التفسير" (7/109). كلهم من طريق هشيم بن بشير، ثنا زكريا بن أبي زائدة، قال: ثنا الشعبي: فذكره وقد تابع هشيمًا في روايته ابن عيينة ووكيع وعبدالله بن نمير، ويحيى القطَّان. أما رواية ابن عيينة فأخرجها عبدالرزاق في"المصنف"(15539).
وأما رواية وكيع فأخرجها ابن أبي شيبة (22447)، وأما رواية ابن نمير فأخرجها البيهقي في "ألكبرى" (20413). وأما رواية فأخرجها ابن جرير (7/110) عن عمر بن علي الفلاس عن يحيى به.
وأخرجه ابن جرير (7/105) من طريق أبي داود الطيالسي، عن شعبة، عن مغيرة، عن الشعبي به.
وأخرجه الدارقطني (23)، والحاكم في "المستدرك" (2/314) من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي به.
قال الحاكم: ((صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)). ووافقه الذهبي، وقال ابن كثير (2/114) بعد إيراده للحديث من طريق ابن جرير :(( وهذان إسنادان صحيحان إلى الشعبي عن أبي موسى)). وقال الحافظ في "الفتح" (5/412): روى أبو داود بإسنادٍ رجاله ثقات عن الشعبي))، فذكره.
والحديث ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (13/224)، وعزاه لعبدالرزاق، وأبي عبيد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، والحاكم.
(7) دقوقاء - بفتح أوله ن وضمّ ثانيه -: مدينة بين إربل وبغداد. "معجم البلدان" (2/459).(2/458)
شهادتهما حتى ضم إليها يمينهما، &(5/90)&$ والشاهد لا يستحلف. وإنَّما كان هذا من أبي موسى عملاً بما تُفِيدُه القرائن (1) . والله تعالى أعلم.
وأمَّا (2) إِخْبَار أهل الكفر فيما (3) لا يُعْرَف إلا من جهتهم، كإخبارهم عن ذبائحهم، ونسائهم، وأحكامهم، وأقوال أطِبَّائهم، فتُسْمَع إذا احتيج إلى ذلك لضرورة الحال، وهي أخبار لا شهادات. والله تعالى أعلم.
ويُعْتَذَر للجمهور عن (4) رجم النبي - صلى الله عليه وسلم - الزانيين عند شهادة اليهود: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، نفَّذ عليهم ما علم أنَّه حكم التوراة، وألزمهم العمل به على نحو ما عملت به بنو إسرائيل إلزامًا للحجَّة عليهم، واظهارًا لتحريفهم وتغييرهم، فكان منفِّذًا لا حاكمًا. وهذا يمشي على تأويل الشافعي المتقدم. وأمَّا على ما قرَّرناه من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حاكمًا في القضيَّة بحكم الله (5) ، فيكون العذر عن سماع شهادة اليهود: أن ذلك كان خاصًّا بتلك الواقعة؛ إذ لم يُسمع (6) في الصدر الأول شهاداتهم (7) في مثل ذلك. والله تعالى أعلم.
المسألة الرابعة: وهي أن هذا الحديث يدلُّ على أن الإسلام ليس شرطًا في الإحصان. فإنه رجم اليهودتين، ولو كانا شرطًا لما رجمهما. وبهذا قال الزهري، وابن أبي ليلى، وأبو حنيفة، والشافعي، وأحمد. وقالت طائفة أخرى: إنَّه من شروط الإحصان. وله قال مالك، والشافعي - في أحد قوليه - متمسكين بأن الشرع إنَّما حكم برجم الحرِّ، المسلم، الثيب، إذا زنى؛ لعلو منصبه، وشرفيته بالحرية والإسلام؛ بدليل: أن العبد لا يرجم، وينصف عليه الحدّ لخسَّة قدره. والكافر أخس من العبد المسلم، فكان أولى بألا يرجم، ولأن من شرط =(5/113)=@ الإحصان صحة النكاح، وأنكحة الكفار فاسدة، فلا يصح فيهم الإحصان لعدم شرطه، واستيفاء مباحثها في الخلاف. ويُعتذر لمالك، ولمن قال بقوله بما تقدم، وبما رواه &(5/91)&$ عيسى عن ابن القاسم: أنَّه قال: إن اليهوديين المرجومين لم يكونا أهل ذِمَّة، وإنَّما كانا (8) أهل حرب، كما رواه الطبرى (9) وغيره: أن الزانيين كانا من أهل فدك وخيبر، وكانوا حربًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - . واسم المرأة الزانية: بُرْة. وكانوا بعثوا إلى يهود المدينة ليسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا لهم (10) : سلوا محمدًا عن هذا، فإن أفتاكم بغير الرَّجم فخذوا به، وإن أفتى بالرَّجم (11) فاحذروا.
قلت: وهذا الاعتذار يحتاج أن (12) يعتذر عنه. وسبب ذلك بعد تسليم صحة الحديث: أن مَجِيئهم سائلين يوجب عهدًا لهم، كما إذا جاؤونا، ودخلوا بلادنا لغرضٍ مقصود: من تجارة، أو رسالة، أو ما أشبه ذلك. فإن ذلك (13) يوجب لهم أمانًا، فإمَّا أن يقضي غرضهم، أو يُرَدُّوا إلى مأمنهم، ولا يحل قتلهم، ولا أخذ مالهم. قاله القاضي أبو بكير بن العربي. %(2/459)%
__________
(1) في (ك): ((بما يفيده ظاهر القرآن)).
(2) في (ك): ((فأما)).
(3) في (ح): ((فما)).
(4) في (ح): ((من)).
(5) قوله: ((بحكم الله)) سقط من (ح).
(6) في (ك): ((تسمع)).
(7) في (ك): ((شهادتهم)).
(8) في (أ): ((كانوا)).
(9) في "تفسيره"(6/235) عن محمد بن الحسين، ثنا أحمد بن المفضل، ثنا اسباط، عن السُّدي به في تفسير قوله تعالى : {ومن الذين هادوا سَمَّاعون للكذب...} الآية.
(10) قوله: ((لهم)) سقط من (ك).
(11) في (أ): ((بغيره)).
(12) في (ح): ((إلى أن)).
(13) في (ك): ((كان)) بدل ((ذلك)).(2/459)
المسألة الخامسة: قد يحتجُّ بهذا الحديث من يرى على الإمام إقامة الحدّ على زناة أهل الذمِّة وإن لم يتحاكموا إلينا، وهو قول أبي حنيفة، وأحد قول الشافعي. وقد روي عن ابن عباس (1) . وقال مالك: لا يعرض لهم الإمام، ويردُّهم =(5/114)=@ إلى أهل دينهم إلا أن يظهر منهم ذلك بين المسلمين (2) ؛ فيمنعوا من ذلك. ولا حجَّة لمن خالف مالكًا في هذا الحديث، لما قدَّمناه من أنهم حكَّموا النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، فحكم بأحد ما خيَّره الله تعالى فيه على ما تقدَّم.
الغريب: الْحُمَم: الفَحْم، واحدته: حُمَمَة. والْمُحمَّمُ: المسوَّد. وروى العذري، والشمرقندي: نُسَوِّد وجوههما ونُحمِّمهُما (3) . ورواها (4) السَّجري: نُجْمِلْهُما - بنون مضومة، وجيم -؛ بمعنى: نحملهما على جمل، ويطاف بهم (5) . ورواها الطبري: نَحْمِلهما - بنون مفتوحة، وحاء مهملة - من الحمل. وكلتا الروايتين أحسن من رواية العذري، لأن فيها تكرارًا. فإن قوله: نسوِّدهما. هو (6) بمعنى: نُحَمِّمهُما. وقد تقدم ذكر ((التَّجبيه))، وقد تقدم: أن هذا الفعل إنما كان مما اخترعته (7) اليهود، وابتدعوه، وجعلوه عوضًا عن حكم الرَّجم، ولذلك لم يقل به &(5/92)&$ أحدٌ من أهل الإسلام في الزنى، وإنَّما عمل به بعض أهل العلم في شاهد الزور، فرأى أن يحمم وجهه، ويجلد، ويحلق رأسه، ويطاف به. وروي ذلك عن عمر بن الخطاب (8) . وقد روي ذلك عن بعض قضاة البصرة. ولم يره مالك. %(2/460)%
__________
(1) ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/82)، وعزاه لابن أبي حاتم، والنحاس في "ناسخه"، والطبراني، والحاكم وصححه. وابن مردويه والبيهفي. اهـ.
قلت: وقد سبق تخريجه والكلام عليه قريبًا.
(2) في (ح): ((بين يدي المسلمين)).
(3) في (أ): ((ويحممهما)).
(4) في (ح): ((رواها)).
(5) في (ح): ((بهما)).
(6) في (ح): ((وهو)).
(7) في (ح) و(ك): ((اخترعه)).
(8) أخرجه عبدالرزاق في "المصنف" (15392)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (28643)، والبيهقي في "الكبرى" (20281) من طريق الحجاج بن أرطاة، عن مكحول، عن الوليد بن أبي مالك: أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله بالشام في شاهد الزور: أن يُجلد أربعون جلدة، وأن يُسخم وجهه، وأن يُحلق رأسه، وأن يطال حبسه.
وأخرجه سعيد بن منصور، ومن طريقه البيهقي في "ألكبرى" (20280) عن ابن عياش، عن أبي بكر، عن مكحول وعطية بن يونس: أن عمر بن الخطاب ضرب شاهد الزور أربعين سوطًا، وسخم وجهه، وطاف به في المدينة.
قال البيهقي بعد ذكره لهاتين الروايتين (10/142): ((هاتان الروايتان ضعيفتان ومنقطعتان)).(2/460)
وقوله: ((فأتوا بالتوراة))؛ دليل على جواز المطالبة بإقامة الحجج على الأحكام. =(5/115)=@
وقوله: ((فلقد رأيته يقيها الحجارةَ بنفسه))؛ هذا يدلُّ على أنهما لم يُحفر لهما، ولا رُبِطا. وقد تقدَّم القولُ في ذلك. وقد وقع هذا اللفظُ في "الموطأ" (1) : فرأيتُ الرَّجلَ يحني على المرأة، يقيها الحجارة. رويناه: ((يَحْنِي)) بياء مفتوحةٍ، وبحاء مهملة، من الْحنُوِّ، وهو الصواب (2) . ورويناه: ((( يَجْنِي)) بالجيم من غير همزٍ، وليست بصوابٍ. وحكى بعضُ مشايخنا: أن صوابها: ((يَجْنَأ)) بفتح الياء وبالجيم (3) وهمزة، وحكاها عن أبي عبيد، وأظنه: القاسم بن سلاَّم (4) . والذي رأيته في "الغريبين" لأبي عبيد الهروي: قال: ((فجعل الرَّجل (5) يُجْنِئ عليها))، بياء مضمومة وهمزةٍ. قال: أي: يكبُّ عليها. يقال: أجنأ عليه، يُجنئ، إجناءً (6) : إذا أكبَّ عليه يقيه شيئًا. قال: وفي حديثٍ (7) آخر: فلقد رأيته يُجانىءُ عليها يقيها الحجارة بنفسه (8) . هذا نصُّه. وفي الصِّحاح: جنأ الرَّجل على الشيء (9) ، وجانأ عليه، وتجانأ عليه: إذا أكبَّ عليه. قال الشاعر (10) :
أغَاضِرُ لَوْ شهدتِ غَداةَ بِنْتُم جُنُوءَ العَائِداتِ على وِسَادِي
ورجلٌ أجنأُ: بيِّن الْجَنَأ؛ أي: أحدب الظهر. والْمُجنأُ - با لضم-: الترس. =(5/116)=@ %(2/461)%
__________
(1) (1497).
(2) قال ابن عبدالبر في "التمهيد" (14/385):(( هكذا قال يحيى عند أكثر شيوخنا: ((يحني على المرأة))، وكذلك قال القعنبي زابن بكير: بالحاء، وقد قيل عن كلِّ واحد منهما :(( يجني)) بالجيم... الخ.
(3) في (أ): ((والجيم)).
(4) "غريب الحديث" (2/62).
(5) قوله: ((قال فجعل الرجل)) سقط من (ح).
(6) قوله: ((إجناء)) سقط من (ك).
(7) في (ك): ((وقال في حديث))، وفي (ح): ((قال في حديث)).
(8) "الغريبين" لأبي عبيد الهروي (1/371).
(9) في (ح): ((شيء)).
(10) "ديوان كثير عزَّه" (90).(2/461)
قلت: ويحصل من مجموع حكاية أبي عبيد وصاحب الصِّحاح: أنَّه يُقال: جنأَ - مهموزًا (1) ثلاثيًّا ورباعيًّا (2) .
وقوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)) (3) ؛ يحتجُّ &(5/93)&$ بظاهره من يُكفِّرُ (4) بالذنوب، وهم الخوارج، ولا حجَّة لهم فيه؛ لأنَّ هذه الآيات نزلت في اليهود المحرفين كلام الله تعالى، كما جاء في هذا الحديث، وهم كفار، فيشاركهم في حكمها من يشاركهم في سبب نزولها. وبيان هذا: أن المسلم إذا علم حكم الله تعالى في قضيَّة قطعًا، ثم لم يحكم به؛ فإن كان عن جَحْدٍ كان كافرًا، لا يختلف في هذا. وإن كان لا عن جَحْدٍ كان عاصيًا مرتكب كبيرة؛ لأنَّه مصدق بأصل ذلك الحكم، وعالم بوجوب تنفيذه عليه، لكنه عصى بترك العمل به (5) ، =(5/117)=@ وهكذا في كل ما %(2/462)%
__________
(1) في (ك): ((مهموز)).
(2) قال الحافظ في "فتح الباري" (12/169): ((وجملة ما حصل لنا من الاختلاف في ضبط هذه اللفظة: عشرة أوجه)). ثم ذكرها بالتفصيل.
(3) ؛ الآية: 44. سورة المائدة.
(4) في (ح): ((كفر)).
(5) قوله: ((به)) سقط من (ك).(2/462)
يعلم من ضرورة الشرع حكمه، كالصلاة، وغيرها من القواعد المعلومة. وهذا مذهب أهل السُّنه (1) . وقد تقدم ذلك في كتاب الإيمان؛ حيث بيَّنَّا: أن الكفر هو الجحد والتكذيب بأمرٍ معلوم ضروري من الشرع، فما لا (2) يكن كذلك فليس بكفر. ومقصود هذا البحث: أن هذه الآيات المراد بها: أهل الكفر، والعناد. وأنها كانت ألفاظها عامة، فقد خرج منها المسلمون؛ لأنَّ ترك العمل بالحكم مع الإيمان بأصله هو دون الشرك. وقد قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (3) . وترك الحكم بذلك ليس بشرك بالاتفاق، فيجوز أن يُغفر، والكفر لا يُغفر، فلا يكون ترك العمل بالحكم كفرًا. ويعتضد هذا بالقاعدة المعلومة من الشرع المتقدمة (4) . &(5/94)&$ والظلم والفسق في هاتين الآيتين المراد به: الكفر؛ لأنَّ الكافر وضع الشيء في (5) غير موضعه، وخرج عن الحق، فصدق على الكافر: أنَّه ظالم وفاسق، بل هو أحق بذينك الإسمين ممن ليس بكافر؛ لأنَّ (6) ظلمه أعظم الظلم، وفسقه أعظم الفسق. وقد تقدَّم في الإيمان بيان كفر دون كفر، وظلم دون ظلم. =(5/118)=@ %(2/463)%
__________
(1) يحتاج إلى تعليق.
(2) في (ح) و(ك): ((لم)).
(3) ؛ الآية: 48 و116. سورة النساء.
(4) في (ك): ((المتقدم)).
(5) قوله: ((في)) سقط من (أ) و(ك).
(6) في (ح): ((ولأن)).(2/463)
ومن باب إقامة السَّادة الحدَّ على الأرقَّاء
قوله: ((إذا زنت أَمَةُ أحدكم فتبيَّن زناها فليجلدها))، الأمة: هي المملوكة. وتجمع الأمة: إماءٌ وأَمَوانٌ. قال (1) :
أمَّا الإماء فلا يدعونني ولدًا إذا ترامى بنو الأُموانِ (2) بالعار
وتبيُّنُ زنى الأمة يكون بالإقرار وبالْحَبَل، وبصحة الشهادة عند الإمام. وهل يكتفي السيِّد بعلم الزنى أو لا؟ عندنا في ذلك روايتان.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((فليجلدها))، أمرٌ للسيِّد بجلد أمنه الزانية وعبده. وبه قال الجمهور من الصحابة، والتابعين، والفقهاء، خلا أهل الرأي أبا حنيفة وأصحابه، فإنَّهم قالوا: لا يقيم الحدّ إلا السلطان. وهذه الأحاديث - النصوص الصحيحة - حجَّة عليهم. وفي معنى حدّ الزنى عند الجمهور سائر الحدود، غير أنهم اختلفوا في حد السَّرِقة، وقصاص الأعضاء. فمنع مالك وغيره إقامة السيِّد ذلك مخافه أن يمثل بعبده، ويدعي أنَّه سرق وأقام (3) الحدّ عليه، فيسقط العتق الواجب بالْمُثْلَة. &(5/95)&$
قلت: وعلى هذا لو قامت بيِّنة توجب حدّ السَّرِقة أقامه. وقاله بعض أصحابنا إذا قامت على السَّرِقة بيِّنة (4) . وقال الشافعي: يقطع السيِّد عبده إذا سرق. %(2/464)%
__________
(1) القتَّال الكيلابي في قصيدة يهجو بها: عُليَّة بنت شيبة وإخوانها. "الأغاني" (24/150).
(2) في (ح): ((الأمواء)).
(3) في (أ): ((ويدعي أنه أقام)).
(4) في (ح) و(ك): ((البينة)).(2/464)
قلت: وعلى هذا فله أن يَقْتل عبده إذا قتل؛ لكن إذا قامت البيِّنة. =(5/119)=@
وكل من قال بإقامة السيِّد الحدّ على أمته لم يفرِّق بين أن تكون الأمة ذات زوج، أو غير ذات زوج؛ خلا مالكًا فإنَّه قال: إن كانت غير ذات زوج، أو كانت متزوجة بعبد السيِّد أقام عليها الحدّ، فلو كانت متزوجة بأجنبي لم يقم سيِّدها (1) عليها الحدّ لحق الزوج؛ إذ قد يُعِيبُها عليه، وإنَّما يقيمه الإمام.
والجلد المأمور به هنا: هو (2) نصف حدِّ الحرِّ. الذي (3) قال الله تعالى فيه: {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} (4) .
وقوله: ((ولا يُثَرِّب عليها))؛ أي: لا يُوبِّخ، ولا يُعيِّر (5) ، ولا يُكْثِر من اللَّوم، فإنَّ الإكثار من ذلك يزيل الحياء والحشمة، ويُجزئ على ذلك الفعل. وأيضًا: فإن العبد غالب حاله: أنَّه لا ينفعه اللوم والتوبج، ولا يؤثر، فلا يظهر له أثر، وإنما يظهر أثره في حق الحر. ألا ترى قول الشاعر (6) :
واللَّوم للحرِّ مُقيمٌ رادِعٌ والعبدُ لا يَرْدَعُهُ إلا العصا
وأيضًا: فإن التوبيخ واللَّوم (7) عقوبة زائدة على الحد الذي نصّ الله تعالى عليه فلا ينبغي أن يلتزم ذلك. ولا يدخل في ذلك الوعظ والتخويف بعقاب الله تعالى، والتهديد إذا احتيج لذلك (8) ؛ إذ ليس بتعريب ولأن الصحابة ( قد قالوا لشارب الخمر: أما اتَّقيت الله، أما استحيت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (9) . =(5/120)=@ %(2/465)%
__________
(1) قوله: ((سيدها)) سقط من (ح).
(2) قوله: ((هو)) سقط من (ح).
(3) قوله: ((الذي)) سقط من (ك).
(4) ؛ الآية: 25. سورة النساء.
(5) قوله: ((ولا يعير)) سقط من (أ).
(6) من مقصورة ابن دريد المشهورة "صبح العشى" (1/256).
(7) في (أ): ((والذَّم)).
(8) في (ك): ((إلى ذلك)).
(9) أخرجه أبو داود (4/620-621 رقم4478) كتاب الحدود، باب الحد في الخمر عقب الحديث رقم (4477) من طريق ابن وهب، أخبرني يحيى بن أيوب وحيوة بن شريح وابن لهيعة، عن ابن الهاد بإسناده ومعناه قال فيه بعد الضرب: ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: ((بكتوه))، فأقبلوا عليه يقولون: ما اتقيت الله، ما خشيت الله، وما استحيت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ثم أرسلوه.وقال في آخره: ولكن قولوا: ((اللهم اغفر له، اللهم ارحمه))، وبعضهم يزيد الكلمة ونحوها.
قال المنذري: ((والحديث أخرجه البخاري، يعني به حديث المدعو حمار، ورقمه فيه (6781). وأخرجه الشافعي "الأم" (6/180)، وفي "مسنده" (438)، ومن طريقه أخرجه البيهقي(8/319) من طريق معمر، عن الزهري، عن عبدالرحمن بن أزهر قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - عام حنين، وذكره نحوه بمعناه بزيادة في أوله وآخره، ولم يذكر الدعاء له.(2/465)
وقوله: ((ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير))، الضفير: الحبل المضفور، فعيل بمعنى: مفعول. وفي الرِّواية الأخرى: ((ولو بحبل من شعر))، فوصف الحبل بكونه من شعرًا (1) ؛ لأنَّه (2) أكثر حبالهم. وهذا خرج مخرج التقليل والتزهيد في الجاربة الزانية، فكأنَّه قال: لا تمسكها، بعها بما تيسَّر. ففيه دليل على إبعاد أهل المعاص واحتقارهم. &(5/96)&$
فرع (3) : إذا باعها عرَّف بزناها، لأنَّه (4) عيبٌ، فلا يحلُّ أن يكتم. فإن قيل: إذا كان مقصود هذا الحديث إبعاد الزانية، ووجب على بائعها التعريف بزناها، فلا ينبغي لأحد أن يشتريها، لأنها مِمَّا قد أُمِرَ بإبعادها. فالجواب: أنَّها مالٌ ولا يُضاع (5) للنهي عن إضاعة المال، ولا تُسيَّب، ولا تحبس دائمًا؛ إذ كل ذلك إضاعة مال، ولو سُيِّبت لكان ذلك إغراءً لها بالزنى وتمكينًا منه، فلم يبق إلا بيعها. ولعل السيِّد الثاني يُعِفُّها (6) بالوطء، أو يبالغ في التحرز بها (7) ، فيمنعها من ذلك. وعلى الجملة فعند تَبَدُّل الأملاك تختلف عليها الأحوال. وجمهور العلماء حملوا الأمر ببيع الجارية (8) الزانية على النَّدب، والإرشاد للأصلح ما خلا داود وأهل الظاهر فإنهم حملوه على الوجوب تمسُّكًا بظاهر الأمر، والجمهور صرفوه عن ظاهره تمُّسكًا بالأصل الشرعي، وهو: أنَّه لا يجبر أحدٌ على إخراج ملكه لملك آخر بغير الشفعة. فلو وجب ذلك عليه لجبر عليه، ولم يجبر عليه فلا يجب. وقد استنبط بعض العلماء من هذا الحديث جواز البيع بالغَبْن، قال: لأنه بيع خطير بثمن يسير. وهذا ليس بصحيح؛ لأنَّ الغبن المختلف فيه إنَّما هو مع الجهالة من المغبون. وإمَّا مع علم البائع بقدر ما باع وبقدر ما %(2/466)%
__________
(1) قوله: ((فوصف الحبل بكونه من شعرًا)) سقط من (أ).
(2) في (أ): ((لأنها)).
(3) في (ح) و(ك): ((فروع)).
(4) في (ك): ((فإنه)).
(5) في (ح) و(ك): ((تضاع)).
(6) في (ح) و(ك): ((يعتقها)).
(7) قوله: ((بها)) سقط من (ح).
(8) في (ح): ((الأمة)).(2/466)
قبض فلا يختلف فيه؛ لأنَّه =(5/121)=@ عن علم منه ورضًا، فهو إسقاط لبعض الثَّمن، وإرفاق بالمشتري (1) ، لاسيَّما وقد بيَّنَّا: أن الحديث خرج على جهة التزهيد، وترك الغبطة.
وقوله: ((سُئِل عن الأَمَة إذا زنت ولم تحصن))؛ هذه الزيادة التي هي قوله: ((ولم تحصن)) هي رواية مالك عن ابن شهاب. قال الطحاوي: لم يقله غير مالك. قال غيره: ليس ذلك بصحيح، بل قد رواه سفيان بن عيينة، ويحيى بن سعيد عن ابن شهاب، كما قاله مالك (2) .
واختلف في تأويل قوله: ((ولم تحصن)). فقيل: لم تعتق، وتكون فائدته: أنها لو زنت وهي مملوكة فلم يحدَّها سيِّدها حتى عتقت لم يكن له سبيل لجلدها (3) . والإمام هو الذي يقيم ذلك (4) عليها إذا ثبت عنده. وقيل: ما لم تتزوَّج. وفائدة ذلك: أنَّها إذا تزوَّجت لم يكن للسِّيد أن يجلدها (5) لحق الزوج؛ إذ قد يضره ذلك. وهذا مذهب مالك إذا لم يكن الزوج ملكًا للسيِّد، فلو كان جاز للسيِّد ذلك؛ لأنَّ حقَّهُما (6) حقُّه. وقيل: لم تسلم. &(5/97)&$ وفائدته: أن الكافرة لا تُحدُّ، وإنما تُعزر وتُعاقب. وعلى هذا فيكون الجلد المأمور به في هذا الحديث على جهة التعزير، لا الحدّ. وهذا كله إنَّما هو تَنَزُّل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علَّق الجلد المأمور به في الجواب على نفي الإحصان المأخوذ قيدًا في السؤال، وعلى القول بدليل الخطاب. وحينئذ يكون هذا الحديث على نقيض قوله تعالى: {فإذا أحصنَّ فإن أتين بفاحشة فعليهن نضف ما على المحصنات من العذاب} (7) ، فإن شرط الجلد في الإحصان، وشرط الحدِّ (8) في الآية ثبوت الإحصان، فلا بدَّ أن يكون أحد الإحصانين غير الآخر. ولو قدَّرناه واحدًا فيهما للزم أن يكون الجلد المترتب على نفي الإحصان في الحديث غير الحد المترتب على الإحصان المثبت في الآية. =(5/122)=@ %(2/467)%
__________
(1) في (أ): ((للمشتري)). تراجع النسخ.
(2) رواية سفيان بن عيينة أخرجها البخاري في "صحيحه" (2417) عن مالك بن إسماعيل، عن سفيان، عن الزهري به.
ورواية يحيى بن سعيد القطَّان أخرجها النسائي في "الكبرى" (7258) من طريق صالح بن كيسان، عن الزهري به. وأخرجه عبدالرزاق في "المصنف" (13598)، وعنه مسلم في "صحيحه" (1704)، وأبو عوانة (6325)، عن معمر بن راشد، عن الزهري به. فهؤلاء الأربعة: سفيان، ويحيى بن سعيد القطَّان ،وصالح بن كيسان، ومعمر، تابعوا مالكًا في روايته عن الزهري.
(3) في (ح) و(ك): ((إلى جلدها)).
(4) قوله: ((ذلك)) سقط من (ح).
(5) في (ح): ((أن يقيم عليها)) بدل ((أن يجلدها)).
(6) في (ك): ((حقها)).
(7) ؛ الآية: 25. سورة النساء.
(8) في (ح): ((الجلد)).(2/467)
وقد اختلف في إحصان الآية، كما اختلف في الإحصان المنفي في الحديث. فقال قوم: هو الإسلام. قاله ابن مسعود (1) ، والشعبي، والزهري، وغيرهم. وعلى هذا: فلا تُحدُّ كافرةٌ. وقال آخرون: إنَّه التزويج. قاله ابن عباس (2) ، وسعيد بن جبير. وعلى هذا فتُحدُّ المتزوجة وإن كانت كافرة، كما قاله الشافعي. وقال آخرون: أنَّه الحرية. وروي ذلك عن عمر (3) ، وابن عباس (4) ، وعلي (5) (6) . وعلى هذا: فلا تُحدُّ أمةٌ؛ بوجه وإن كانت مسلمة، لكنها يجلدها سيِّدها تعزيرًا. وكل هذا الخلاف أوجبه اشتراك الإحصان، فإنَّه قد جاء في كتاب الله تعالى بمعنى: الإسلام، والحرية، والتزويج، والعفاف. والعفاف غير مراد في هذا الحديث، ولا في هذه الآية بالاتفاق، فبقي لفظ الإحصان محتملاً لأن يراد به واحد من تلك المعاني الثلاثة، فترتب عليه الخلاف المذكور.
والذى يرفع الإشكال عن الحديث إن شاء الله تعالى: أن نفي الإحصان إنما هو من قول السَّائل، ولم يصرَّح النبي - صلى الله عليه وسلم - بأخذه قيدًا في الجلد. فيحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أعرض عنه، وأجابه (7) بالجلد (8) مطلقًا. ويشهد لهذا التأويل: الأحاديث الواردة في جلد الأمة إذا زنت، ليس فيها (9) ذكر لذلك القيد من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوله (10) : ((إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحدّ)) (11) ولو سلمنا: &(5/98)&$ أن ذلك القيد من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وتنزلنا على القول بدليل الخطاب، فأولى الأقوال به (12) أن يحمل على التزويج.
ويستفاد منه صحة مذهب مالك على ما قدَّمناه للاشتراك، وتنزيلاً (13) للحديث على فائدة مستجدَّة. والذى يحسم مادة الإشكال عن الحديث والآية حديث علي بعد هذا، وهو قوله في حال (14) خطبته: يا أيها النَّاس أقيموا على أرقائكم الحدّ (15) ، من أحصن منهم ومن لم يحصن. وهذا الحديث وإن كان موقوفًا على علي - رضي الله عنه - في كتاب مسلم (16) ، فقد رواه النسائي (17) ، وقال فيه: قال =(5/123)=@ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم؛ من أحصن منهم، ومن لم يحصن))؛ وهذا ينصّ على أمر %(2/468)%
__________
(1) أخرجه عبدالرزاق في "المصنف" (13604)، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (5/22)، والطبراني في "الكبير" (6691) من طريق حماد بن زيد، عن إبراهيم النخعي، عن ابن مسعود به. وإسناده صحيح.
وله طرق أخرى ذكرها ابن جرير في "تفسيره".
(2) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (17580)،والطبري في "تفسيره" (5/23)، والبيهقي (16872) من طريق هشيم بن بشير، عن حصين بن عبدالرحمن السُّلمي، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنه كان يقرأ : {فإذا أحصن} قال: إذا تزوجن. وإسناده صحيح.
(5) قوله: ((وعلي)) سقط من (ح) و(ك).
(7) في (ح) و(ك): ((وأفتى)).
(8) في (ح): ((بالحد)).
(9) في (أ): ((فيه)).
(10) في (ك): ((كقوله)).
(11) في (أ): ((الحد الحديث)).
(12) قوله: ((به)) سقط من (ح).
(13) في (أ): ((تنزلاً)).
(14) قوله: ((حال)) سقط من (أ).
(15) في (ح): ((أقيموا الحد على أرقائكم)).
(16) "صحيح مسلم" (1705).
(17) أخرجه النسائي في "الكبرى" (7239 و7268) من طريق سفيان الثوري، ليس فيه قوله: ((من أحصن ولم يحصن)). وكذلك أخرجه عبدالرزاق (13601)، وأحمد (736 و1137 و1230)،والبزار (762)، وأبو يعلى (320)،والدارقطني (3/158). جميعًا من طريق سفيان الثوري، عن عبدالأعلى الثعلبي، عن أبي جميلة الطفوي، عن علي - رضي الله عنه - به مرفوعًا: ((أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم))، وليس فيه ذكر: ((من أحصن ولم يحصن)).
قال الدارقطني: ((تابعه أبي سفيان: شعبة وإسرائيل وشريك وإبراهيم بن طهمان وأبو وكيع، عن الأعلى)).
قلت: رواية شعبة أخرجها النسائي في "الكبرى" (7267) مختصرة قال: ((زنت جارية لي فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((لا تضربها حتى تضع)).
ورواية إسرائيل أخرجها أبو داود (4473)، والبيهقي (16883)، ورواية شريك أخرجها علي بن الجعد في "مسنده" (2237)، ومن طريقه البغوي في "شرح السنة" (2589)، والبيهقي (16883).
ورواية ابن طهمان لم أقف عليها.
ورواية أبي وكيع الجرّاح بن مليح أخرجها الطيالسي في "مسنده" (139)، وعبدالله بن أحمد في "زوائد المسند" (1142)، وتابعه أيضًا أبو الأحوص سلاّم بن سليم أخرجه الطيالسي (139) مقرونًا بأبي وكيع، وأخرجه ابن أبي شيبة (36088)، والنسائي في "الكبرى" (7269)، والطحاوي في "شرح المعاني" (3/136)، والبيهقي في "الكبرى" (16882). وليس في رواية الجميع ممن سبق ذكرهم قوله: ((من أحصن ولم يحصن)). وإنما أخرجه البيهقي في "الكبرى" (16867) من طريق علي بن قادم، عن عبدالسلام، عن السدي، عن عبد خير، عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إذا زنت إماؤكم فأقيموا عليهن الحدود؛ أحصنَّ، أو لم يُحصنَّ)). وقد خالف عبدالسلام هذا وهو ابن حرب كلّ من إسرائيل بن يونس وزائدة بن قدامة فروياه عن السُّدي بن إسماعيل، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبدالرحمن السُّلمي قال: خطب علي - رضي الله عنه -...، فذكره من قول علي.
أخرجه مسلم كما تقدم وغيره.
قال الدارقطني في "العلل" (485) قول إسرائيل أصح.
ستتهم عن عبدالأعلى بن عامر الثعلبي، عن أبي جميلة الطفوي ميسرة بن يعقوب، عن علي به. وعبدالأعلى: صدوق يهم، وأوب جميلة: مقبول. وتابع عبدالأعلى؛ عبدُ الله بن أبي جميلة وهو مجهول: أخرجه البيهقي (16883).(2/468)
السَّادة بإقامة الحد الذي ذكر (1) الله تعالى، وليس بتعزير، فإنَّه قد (2) سمَّاه حدًّا، وصرَّح بإلغاء اعتبار الإحصان مطلقًا؛ إذ سوَّى بين وجوده وعدمه، فتُحدُّ الأَمَة الزانية على(أي حال كانت. ويعتذر عن تخصيص الإحصان في الآية بالذكر: بأنه (3) أغلب حال الإماء، أو (4) الأهم في مقاصد الناس، لا سيما إذا حمل الإحصان على الإسلام. وهو أولى الأقوال على ما قد أوضحه (5) القاضي أبو بكر بن العربي. والله تعالى أعلم.
وقوله: ((فإن أمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - زنت))؛ كذا جاء في كتاب مسلم. وفي كتاب أبي داود (6) : ((فجرت جارية لآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )). وظاهره: أن هذه الجارية كانت لبعض عشيرته. وهذه الزيادة (7) أحسن من رواية مسلم وأليق بحال من ينتسب (8) لحضرة بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وملكه، استصحابًا لما شهد الله تعالى به من الطهارة لذلك الجناب الكريم، كما قال تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا} (9) ، وكيف يليق بمن كان في مثل ذلك (10) البيت الكريم، وبمن صحَّ له ذلك الملك الشريف أن تقع منه فاحشة الزنى. هذا والله من البعد على (11) الغاية القصوى، فإن العبد من طينة سيِّده. ألا ترى أنَّه لما كثر المنافقون على مارية في ابن عمها؛ الذي كان يزورها، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عليّ بن أبي طالب &(5/99)&$ ليقتله، فدخل عليه، فلما رآه كشف عن فرجه فاذا هو أَجَبُّ، فقرأ عليٌّ - رضي الله عنه -: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا} (12) . =(5/124)=@ هذا كله مع احتمال أن يراد بآل محمد نفسه، كما قدمنا (13) في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((اللَّهم صلِّ على آل أبي أوفى)) (14) ، وفي قوله: ((لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود)) (15) . وتكون هذه الأمة من الأَمَة الْمُتخذات للخدمة والتصرف، ولعلَّها قريبة عهد بالجاهلية. لكن الأوَّل أليق وأسلم. والله تعالى أعلم. %(2/469)%
__________
(1) في (ح) و(ك): ((ذكره)).
(2) قوله: ((قد)) سقط من (ح).
(3) في (ح): ((فإنه)).
(4) في (ح): ((و)).
(5) في (ح): ((على ما قاله)).
(6) (4473) من طريق إسرائيل، عن عبدالأعلى، عن أبي جميلة، عن علي به. وتقدم الكلام عليها قريبًا.
(7) في (ك): ((الرواية)).
(8) في (ح): ((تنسب)).
(9) ؛ الآية: 33. سورة الأحزاب.
(10) في (ك): ((هذا)).
(11) في (ك): ((إلى)).
(12) ؛ الآية: 33. سورة الأحزاب. وسيأتي في باب....
(13) في (ح) و(ك): ((قدمناه)).
(14) تقدم في باب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتاب الصلاة.
(15) أخرجه البخاري (4761)، ومسلم (793) من حديث أبي موسى الأشعري.(2/469)
وقوله: ((فأمرني أن أجلدها))؛ هذا إنَّما كان لما ظهر زناها (1) بالْحَبَل، كما دلَّ عليه قوله: ((فاذا هي حديثة عهد بنفاس)).
وقوله: ((فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها)). هذا فيه أصل من أصول الفقه. وهو ترك العمل بالظاهر لِمَا هو أولى منه، وتسويغ الاجتهاد. ألا ترى أن عليًّا - رضي الله عنه - قد ترك ظاهر الأمر بالجلد مخافة أمر آخر؛ هو أولى بالمراعاة، فحسَّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - له وصوَّبه. ولو كان الأمر (2) على ما ارتكبه أهل الظاهر من الأصول الفاسدة لجلدها وإن هلكت.
وفيه من الفقه ما يدلُّ على أن من كان حدُّه دون القتل لم يقم عليه الحدّ في مرضه حتى يفيق، لا مُفَرَّقًا، ولا مجموعًا، ولا مخففًا، ولا مثقلاً. وهو مذهب في الجمهور تمسُّكًا بهذا الحديث، وهو أولى مما خرَّجه أبو داود من حديث سهل بن =(5/125)=@ حنيف: أن رجلاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - اشتكى حتى أَضْنَى، فعاد جِلْدَةً على عَظْمٍ، فوقع على جارية لغيره، ثمَّ ندم، فاستُفْتِيَ له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة؛ لأنَّ &(5/100)&$ إسناده مختلف فيه. ولحديث سهل هذا؛ قال الشافعي: يضرب المريض ضربة بِعثْكُولِ نخل تصل شماريخه كلها إليه، أو بما يقوم مقامه. وهذا في مريض ليس عليه حدُّ القتل. فلو كان عليه جلدٌ وقتلٌ؛ يجلد الحدّ ثم يقتل بعد ذلك. وحديث عليّ هذا: قد خرَّجه (3) النسائي، والترمذي، وزاد (4) فيه: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((دعها حتى ينقطع دمها ثم أقم عليها الحدّ، وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم))، وهذا لفظ أبي داود (5) . وهو (6) نصٌّ على صحة مذهب الجمهور (7) ، وهو أصحُّ من حديث سهل وأعلى، فالعمل به أوجب وأولى، والحدُّ الذي أمر علي بإقامته هو نصف حدّ الحرَّة الذي قال الله تعالى فيه: {فعليهنَّ نصف ما على المحصنات من العذاب} (8) . وهو قول الجمهور. ولا رجم على أمة وإن كانت متزوجة بالإجماع. %(2/470)%
__________
(1) في (ك): ((من زناها)).
(2) قوله: ((الأمر)) سقط من (ح).
(3) في (ك): ((أخرجه)).
(4) في (ك): ((وزادا)).
(5) في "سننه" (4473)، وقد تقدم تخريجه، وتقدم رواية النسائي. أما رواية الترمذي فأخرجها في "سننه" (1441) من طريق أبي داود الطيالسي أخرجها في "المسند" (114)، وعن الطيالسي أخرجه أحمد (1340)، ومسلم (1705)، وأبو يعلى (326) وغيرهم، وتقدم ذكرها في الأصل.
(6) في (أ): ((وهذا)).
(7) في (ح): ((السلف)).
(8) ؛ الآية: 25. سورة النساء.(2/470)
فروع: قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ (1) عنه من أهل العلم: أن الجلد بالسَّوط؛ والسَّوط الذي يجلد به سوط بين سوطين، ولا تُجَرَّد المرأة، وتُسْتَر، ويُنزع عنها ما يقيها. وهو مذهب مالك وغيره، بل لا خلاف فيه (2) فيما أعلم. وأمَّا الرَّجل: فاختلف في تجريده. فقيل: لا يجرد. وبه قال طاووس، والشعبي، وقتادة، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور. وروي ذلك عن ابن مسعود (3) ، وأبي عبيدة بن الجرَّاح. وقالت طائفة أخرى: يجرَّد وتستر عورته. وبه قال عمر بن عبدالعزيز، ومالك. وقال الأوزاعي: ذلك إلى الإمام، إن شاء جرَّد، وإن شاء لم يجرد. واتفقوا على أن المجلود وعليه قميصه مجلود.
وتُضرب المرأة قاعدة عند =(5/126)=@ &(5/101)&$ الجمهور. واختلف في الرِّجال. فالجمهور على أنهم يجلدون قيامًا. قاله الشافعي، وغيره. وقال مالك: قعودًا. واتفقوا: على أن الجلد كيفما وقع أجزأ. ولا يُمدُّ المجلود، ولا يُربط. وتُترك له يداه عند الجمهور. قال ابن مسعود (4) : لا يحل في هذه الأُمَّة تجريدٌ، ولا مَدٌّ. والضرب الذي يجب هو أن يكون مؤلِمًا؛ لا يجرح، ولا يبضع (5) ، ولا يُخرج الضارب يده من تحت إبطه. وبه قال الجمهور، وبه قال (6) علي (7) ، وابن مسعود (8) . وابن عمر ( برجلٍ في حدٍّ، فأُتي بسوط بين سوطين، وقال للضارب: اضرب، ولا يُرى إبطك، وأعط كل عضو حقَّه (9) . واتفقوا: على أنه لا يضرب في الوجه؛ لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، ولا يُضرب في الفرج عند العلماء. والجمهور على اتِّقاء الرأس. وقال أبو يوسف: يُضرب في الرأس. وقد روي: أن عمر ضرب صَبِيغًا (10) في رأسه، وكان تَعْزِيرًا، لا حدًّا (11) .
قلت: وإنَّما (12) منع من الضرب في الفرج مخافة الموت. فيجب أن تُتَّقَي المقاتل كلُّها، كالدماغ، والقلب، وما أشبه ذلك. وهذا لا يُخْتَلف فيه إن شاء الله تعالى. %(2/471)%
__________
(1) في (أ): ((يحفظ)).
(2) قوله: ((فيه)) سقط من (ح) و(ك).
(3) يأتي بعد قليل.
(4) أخرجه عبدالرزاق في "المصنف" (13522) عن سفيان الثوري، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن مسعود به , ومن طريق عبدالرزاق أخرجه الطبراني في "الكبير" (9690)، وأخرجه البيهقي في "ألكبرى" (17355) من طريق آحر عن الثوري ،عن جويبر به.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (6/235): ((رواه الطبراني وهو منقطع الإسناد، وفيه جويبر وهو ضعيف)).اهـ.
قلت: وهو كما قال: فإن جويبر بن سعيد الأزدي راوي التفسير، ضعيف جدًّا، والضحاك بن مزاحم كثير الإرسال، وقيل: لم يسمع من أحد من الصحابة، ووفاة ابن مسعود 32 هـ، ووفاة الضحاك 105 هـ فبَعيدٌ أن يكون سمع منه.
(5) قال الأصمعي وغيره: يبضع: يعني يشقُّ الجلد. "غريب الحديث" (لابن سلام 3/242).
(6) قوله: ((وبه قال)) سقط من (ح).
(7) أخرجه عبدالرزاق في "المصنف" (13517) عن الثوري، عن ابن أبي ليلى، عن عدي بن ثابت، عن عكرمة بن خالد قال: أتي عليًّا رجلٌ في حدٍّ، فقال: اضرب واعط كل عضو حقه، واجتنب وجهه ومذاكيره.
وأخرجه ابن أبي شيبة (28675)، وأبو يوسف في "الخراج" (175) من طريق ابن أبي ليلى، عن عدي، عن المهاجر بن عميرة، عن علي به نحوه.
وأخرجه البيهقي (17359) من طريق سعيد بن منصور، عن هشيم، ابن أبي ليلى، عن عدي، عن هنيدة بن خالد، عن علي به.
(8) أخرجه الحميدي (89)، وعبدالرزاق (13519)، وابن أبي شيبة (28674)، والبيهقي (17356) جميعًا من طريق يحيى بن عبدالله التيمي، عن أبي ماجد الحنفي، عن ابن مسعود.
(9) أخرجه عبدالرزاق (13516)، وابن أبي شيبة (28673)، والبيهقي (17353) كلهم من طريق عاصم الأحول ،عن أبي عثمان النهدي، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - به. وإسناده صحيح، وصححه ابن حزم في طالمحلى" (11/172).
(10) في (ح) و(ك): ((ضبيعًا)).
(11) أخرجه أحمد في "فضائل الصحابة" (717)، وابن بطه في "الإبانة" (ل35/أ)، والآجري في "الشريعة (73)، واللالكائي في "اعتقاد أهل السنة" (1136) جميعًا ن طريق مكي بن إبراهيم، عن الجعيد بن عبدالرحمن، عن يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد به في قصة تأويل القرآن.
وأخرجه مالك في "الموطأ" (974) عن الزهري، عن القاسم بن محمد، عن ابن عباس به.
وأخرجه عبدالرزاق (20906) عن معمر بن راشد، عن ابن طاووس، عن أبيه به.
وأخرجه الدارمي (144) من طريق حماد بن زيد، عن يزيد بن حازم، عن سليمان بن يسار به. وأخرجه أيضًا (148) من طريق الليث، عن ابن عجلان، عن نافع: أن صبيغًا، فذكره.
وأخرجه البزار (299) من طريق ابن أبي سبرة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، به. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (7/614) معزوًّا للبزار والدارقطني في "الأفراد"، وابن مردويه وابن عساكر، عن سعيد بن المسيب به. وذكره أيضًا معزوًّا للفريابي، عن الحسن البصري قال: سأل صبيغ التميمي، فذكره.
(12) قوله: ((وإنما)) سقط من (ح).(2/471)
ومن باب الحدّ في الخمر
قوله: ((أُتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجل قد شرب الخمر فجلده))؛ ظاهره يقتضي: أن شرب الخمر بمجرَّده موجبٌ للحدِّ؛ لأن الفاء للتعليل، كقولهم: سها فسجد، =(5/127)=@ وزنى فرُجِم. وهو مذهب الجمهور من الصحابة وغيرهم. ولم يفرِّقوا بين شرب (1) خمر العنب وغيره، ولا بين شرب (2) قليله وكثيره؛ إذ الكل خمر، كما قدَّمناه (3) ، وللكوفيين تفصيل ينبني على ما تقدَّم ذكره في باب تحريم الخمر. وهو: أن من &(5/102)&$ شرب شيئًا من خمر العنب النيَّئة وجب عليه الحدّ، قليلاً كان أو كثيرًا، لأن هذا هو المجمع عليه، فإن شرب غيره من الأشربة فسكر: حُدَّ، وهذا أيضًا مجمع عليه (4) ، فإن (5) لم يسكز لم يُحدَّ عندهم. وكذلك قالوا في مطبوخ العنب. وذهب أبو ثور: إلى أن من رأى تحريم القليل من النبيذ جلد ومن لم يره لم يجلد؛ لأنَّه متأوِّل. وقد مال إلى هذا الفرق (6) بعض شيوخنا المتأخرين. والصحيح ما ذهب إليه الجمهور بما سبق ذكره في باب تحريم الخمر، وبدليل قوله: ((من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه (7) ، ثم إن شرب فاقتلوه)) (8) ، فعلَّق الحكم على نفس شرب (9) ما يقال عليه خمر، ولم يفرق بين قليل، ولا (10) كثير. وقد بيَّنَّا: أن الكل يقال عليه خمر لغة وشرعًا، بالطرق التي لا مدفع لها.
فأما قتل الشارب في الرابعة: فمنسوخ (11) بما روي من حديث جابر الذي خرَّجه النسائي (12) : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتي بنعيمان، فضربه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربع مرات. قال: فرأى المسلمون أن الحدّ قد وقع، وأن القتل قد رفع (13) .
فيحصل من هذا الحديث معرفة التاريخ ومعرفة (14) إجماع المسلمين على رفع القتل. ومن حكي عنه =(5/128)=@ خلاف %(2/472)%
__________
(1) قوله: ((شرب)) سقط من (أ).
(2) في (ك): ((من شرب)).
(3) في (ك): ((كما قدمنا)).
(4) قوله: ((وهذا أيضًا مجمع عليه)) سقط من (ح) و(ك).
(5) في (ح): ((وإن)).
(6) قوله: ((الفرق)) سقط من (ح).
(7) قوله: ((ثم إن شرب فاجلدوه)) سقط من (ك).
(8) حديث صحيح: جاء عن جمع كبير من الصحابة: أخرجه الطيالسي (2458)، وأحمد (7898 و10554)، والدارمي (2111)، وأبو داود (4484)، والنسائي (5678)،وابن ماجه (2572)، وابن الجارود (831)، والطحاوي (3/159)، وابن حبان (4447)،والحاكم (4/371)، والبيهقي (17280) من طريق ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبدالرحمن، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، به.
وأخرجه أحمد (10740) من طريق عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة به. وأخرجه عبدالرزاق (7081)، وعنه أحمد (7748)، والنسائي في "الكبرى" (5296)، والحاكم (8116) عن معمر بن راشد، عن سهيل بن أبي صالح، عن معاوية بن أبي سفيان، أخرجه عبدالرزاق (13550 و17087)، وأحمد (16859 و16869 و16926)، وأبو داود (4482)، والترمذي (1444)، وابن ماجه (2573)، وأبو يعلى (7363)، والطحاوي في "شرح المعاني" (3/59) وابن حبان (4446)، والطبراني في "الكبير" (19/334). والحاكم (4/372) من طرق عن عاصم بن بهدلة به.
قال الترمذي (4/48): ((سمعت محمدًا - أي البخاري - يقول: حديث أبي صالح عن معاوية، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحّ من حديث أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - )).
قلت: ولا يلزم من ذلك تضعيف حديث أبي هريرة كما فهم بعضهم فردَّ على البخاري قوله، فالحديث سمعه أبو صالح من أبي هريرة ومن معاوية، وأصحها فيما أرى - والله أعلم - رواية أبي صالح، عن أبي هريرة؛ لتتابع ابن جريج ومعمر بن راشد وسعيد الجمحي على روايته كذلك عن أبي صالح، وعاصم بن بهدلة لا يقارن بهم، والله أعلم.
وقد رواه ابن حبان في "صحيحه" (4445) عن أبي يعلى، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري به، ثم ذكره من رواية عاصم، عن أبي صالح، عن معاوية كما تقدم، وقال: سمع هذا الخبر أبو صالح من معاية وأبي سعيد الخدري جميعًا.
قلت: أخطأ ابن حبان في روايته وإنما هو عندد شيخه أبي يعلى في "المسند" (7363) في مسند معاوية بنفس الإسناد الذي رواه ابن حبان، عن معاوية، فما أدري كيف وقع لابن حبان رحمه الله هذاالخطأ؟!
وحديث معاوية أخرجه أيضًا أحمد (16847 و16888)، والنسائي في "الكبرى" (5298 و5299)، والطحاوي في "شرح المعاني" (3/159)، والطبراني في "الكبير" (19/334)، والحازمي في "الاعتبار" (ص199) من طرق عن مغيرة بن مقسم الضَّبي، عن معبد القاص، عن عبدالرحمن بن عبد، عن معاوية به، وهذا إسناد صحيح.
وجاء الحديث أيضًا من رواية شرحبيل بن أوس: أخرجه ابن سعد (7/431)، وأحمد (18053)، وعبد بن حميد (408)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني"(2434)، وابن قانع في "معجمه" (1/331)، والطبراني في "الكبير" (620 و7212)، وفي "مسند الشاميين" (1082)، والحاكم (4/373) من طرق عن جرير بن عثمان، ثنا نمران بن مِخْمر، عنشرحبيل بن اوي به. وإسناده لا بأس به، رجاله ثقات، ونمران بن مخمر ذكره ابن حبان في "الثقات" (7/545)، وقال أبوداود: ((شيوخ جرير كلهم ثقات)).
وللحديث شواهد أخرى منها: حديث الشريد بن سويد: أخرجه الدارمي (2313)، والنسائي في "الكبرى" (5301)، والطبراني في "الكبير" (7244) من طرق عن محمد بن إسحاق، ثنا عبدالله بن أبي عاصم بن عروة، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه، به.
وأخرجه أحمد (19460) عن يعقوب، عن أبيه، عنابن إسحاق به، وذكر فيه: ((ثم إذ شرب فاجلدوه: أربع مرات أو خمس، ثم إذ شرب فاقتلوه)).
ومن شواهد الحديث: حديث عبدالله بن عمرو: أخرجه أحمد (6553 و7003)، والطحاوي في "شرح المعاني" (3/159)، والحاكم في "المستدرك" (8119) جميعًا من طريق قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبدالله بن عمرو به مرفوعًا: ((الخمر إذا شربوها فاجلدوهم... ثلاثًا، ثم قال: ثم إذا شربوها فاقتلوهم عند الرابعة)).
وإسناده ضعيف من أجل شهر بن حوشب، لكن أخرجه أحمد (6791 و6974)، والطحاوي في "شرح المعاني" (3/159) من طريق الحسن البصري، عن عبدلله بن عمرو به نحوه، وفي آخره قال عبدالله بن عمرو: ائتوني برجل قد شرب الخمر في الرابعة فلكم علي أن أقتله.
والحسن البصري لم يسمع من عبدالله بن عمرز إذ قال في الرواية الثاني عند أحمد: والله لقد زعموا أن عبدالله بن عمرو شهد بها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ومن شواهده أيضًا: حديث عبدالله بن عمر: أخرجه أحمد (6197)، وأبو داود (4483)، والبيهقي (8/313) من طريق حماد بن سلمة، عن حميد بن يزيد بن الخطاب، عن نافع، عن ابن عمر به نحوه، وحميد بن يزيد مجهول. لكن جاء الحديث من طريق مغيرة بن مقسم الضبي، عن عبدالرحمن بن أبي نعيم، عن ابن عمر، ونفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - به :أ أخرجه النسائي في "المجتبى" (5661)، والحاكم في "المستدرك" (8114)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
ومن شواهده أيضًا حديث غضيف بن الحارث: أخرجه البزار (1563)، والطبراني في "الكبير" (18/264) من طريق إسماعيل بن عياش، عن سعيد بن سالم الكندي، عن معاوية بن عياض بن غطيف، عن أبيه، عن جده به.
وللحديث شواهد أخرى من حديث قبيصة بن ذؤيب عند أبي داود (4485)، ومن حديث جرير البجلي عند الحاكم (8113)، ومن حديث رجل من الصحابة عند أحمد (5/369)، ومن حديث أبي موسى الأشعري عند عبدالرزاق (13555 و107080)، وأحمد في "الأشربة" (84)، ومن حديث ديلم الحميري عند أحمد (18034)، وفي "الأشربة" (210) من حديث أم حبيبة عند أحمد (6/427)، وأبي يعلى (7147)، وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف.
(9) قوله: ((شرب)) سقط من (ك).
(10) قوله: ((لا)) سقط من (ك).
(11) وإلى هذا ذهب أكثر العلماء، وهو المشهور من مذاهب الأئمة، حتى قال الشافعي في "الأم" (6/144): ((والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره، وهذا مما لا اختلاف فيه بين أحد من أهل العلم علمته)).
(12) في "ألكبرى" (5303) من طريق محمد بن إسحاق، عن محمد بن المنكدر، عن جابر به. وكذلك أخرجه البزار (1562)، والطحاوي في "شرح المعاني" (2/161)، والحاكم في "المستدرك" (4/373)، والبيهق ي(8/314). وعلَّقه الترمذي في "السنن" (4/48). كلهم من طريق محمد بن إسحاق به. قال البزار: ((لا نعلم أحدًا حدذَث به إلا ابن إسحاق)).
(13) في (أ): ((وقع)).
(14) في (ح): ((في معرفة)).(2/472)
ذلك فإنما هو خلاف متأخر مسبوق بالإجماع المتقدم (1) .وقد عضد حديث جابر ما خرَّجه البخاري (2) من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: أن رجلاً كان اسمه: عبدالله، وكان يلقب حمارًا، وكان يُضْحِك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جلده في الشراب، فأُتي به يومًا، فأمر به(فجلد. فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يُؤتى به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تلعنوه، فوالله ما علمت: إلا أنه يحب الله ورسوله. وظاهره: أن هذا الشارب شرب أكثر من أربع مرَّات، ثم لم يقتله، بل شهد له: أنَّه يحب الله ورسوله. &(5/103)&$
وقوله: ((فجلده بجريدتين نحو أربعين))، وفي الرواية الأخرى: ((جلد في الخمر بالجريد والنعال أربعين)). هذه الروايات تدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحد في الخمر حدًّا محدودًا، وإنما كان ذلك منه تعزيرًا وأدبًا، لكن انتهى في ذلك إلى به أربعين. ومما يدلّ على ذلك ما رواه أبو داود (3) عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتي برجل قد (4) شرب، فقال: ((اضربوه)). قال: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه. ثم قال لأصحابه: ((بكتوه))، فأقبلوا عليه يقولون (5) : أما اتقيت الله؟! أما استحييت من رسول الله؟! وهذا كله يدلّ: على أن ذلك كله أدب، وتعزيز. ولذلك قال علي (6) - رضي الله عنه -: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يَسُنَّه؛ أي: لم يحدَّ فيه حدًّا، ولذلك اجتهدت الصحابة فيه، فألحقوه بأخف الحدود، وهو حدُّ =(5/129)=@ القذف. هذا قولُ طائفةٍ من علماء أصحابنا (7) وغيرهم، وهو ظاهرٌ من الأحاديث التي ذكرناها. غير أنه يرد عليهم أن يقال: هذا معارضٌ بوجهين: %(2/473)%
__________
(1) ممن حكى الإجماع الترمذي في "السنن"(4/49)، والقاضي عياض في"إكمال المعلم" (5/540)، والنووي في "شرح مسلم" (5/298)، وهو مذهب أكثر العلماء والأئمة. وردّ ابن حزم دعوى الإجماع في كتابه "الأحكام" (4/120)، وفي "المحلى" (11/369). وتوسط ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في ذلك فذهبا إلى أن القتل في الخامسة ليس حكمًا، وإنما هو تعزير ن فإن رأى الإمام ما يوجب القتل قتل، أو ترك، انظر "مجموع الفتاوى" (34/219)، و"تهذيب السنن" لابن القيم (6/238).
(2) في "صحيحه" (6780).
(3) أخرجه أبو داود (4478) من طريق يحيى بن أيوب وحيوة بن شريح وعبدالله بن لهيعة، ثلاثتهم عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة به.
وأخرجه الشافعي في "مسنده" (1/285)، ومن طريقه البيهقي (17315) عن معمر، عن الزهري، عن عبدالرحمن بن أزهر قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - عام حنين، سأل عن رحل خالد بن الوليد، فجريت بين يديه أسأل عن رحل خالد بن الوليد، حتى أتاه جريجًا وأُتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بشارب فقال: ((اضربوه))، فضربوه بالأيدي، والنعال، وأطراف الثياب، وحثوا عليه من التراب، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((بكتوه))، فبكتوه، ثم أرسله... الحديث.
(4) قوله: ((قد)) سقط من (ح) و(ك).
(5) في (ح): ((يقولون له)).
(6) .....
(7) في (ح): ((علمائنا)).(2/473)
أحدهما: أن عليّ بن أبي طالب قد قال: جلد رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين، وأبو بكرٍ أربعين، وجلد علي بحضرة عثمان، والصحابة ( أربعين (1) ، ودوامهم على مراعاة هذا العدد يدل على أنَّه حدٌّ محدود، ولو كان تعزيراً لاختلف بحسب اجتهاد كلّ واحدٍ منهم.
وثانيهما: أن الأمَّة مُجمعون على أنَّ الحدَّ في الخمر أحد العددين؛ إمَّا أربعون، وإمَّا ثمانون. قال القاضي عياض (2) : أجمع المسلمون على وجوب الحدِّ في الخمر. وكيف تُجْمِعُ (3) الأمَّةُ على خلاف ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟!
فالجواب (4) عن الوجهين: أن الصحابة رضوان الله عليهم هم الذين نقلوا عن النبيٌ - صلى الله عليه وسلم - ما يدلُّ على التعزير، وهم الذين نقلوا ما يدل على التحديد. والذين قاسوا واجتهدوا هم الذين عدَّدوا وحدَّدُوا، ولم ينصَّ أحدٌ منهم على نفي &(5/104)&$ أحد الوجهين وثبوت الآخر، وإنما هو نقل أحوالٍ محتملة (5) ، فلا بدَّ من التلفيق بين أقوالهم؛ لاستحالة التناقض والكذب عليهم.
ووجهُ التلفيق: أن الصحابةَ ( فهمت عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أنَّ جَلده كان تعزيرًا؛ لأنَّه قد اختلف حاله فيه (6) : فمرةً جلد فيه بالأيدي، والنِّعال، والثياب من غير عددٍ. ومرَّةً جلد فيه بالجريد والنعال أربعين. ومرَّةً جلد فيه بجريدتين نحو الأربعين، فهذه نحو الثمانين. فهذا تعزيز بلا شك، لكن لَمَّا كان أكثر جلده أربعين اختاره أبو بكر، وعمر في أول أمره، فلمَّا كثر إقدامُ الناس على شرب الخمر، تفاوضت الصحابة في ذلك ونظروا، فظهر لهم: أن ذلك القدر =(5/130)=@ لا يزجرهم، ولا يبالون به، فظهر لهم أن يلحقوه بأخف حدود الأحرار المذكورة في القرآن، فوجدوه %(2/474)%
__________
(1) في (ح): ((وجلد علي أربعين بحضرة عثمان والصحابة)). وأخرجه مسلم (1707) في قصة الوليد بن عقبة.
(2) في "إكمال المعلم" (5/540)، وممن نقل الإجماع في ذلك ابن دقيق العيد، والنووي ومن تبعهما، وتعقب بأن الطبري وابن المنذر وغيرهما حكموا عن طائفة من أهل العلم: أنَّ الخمر لا حدَّ فيها، وإنما فيها التعزير."فتح الباري" (12/72).
(3) في (ك): ((يجمع)).
(4) في (ح): ((والجواب)).
(5) في (ح): ((مختلفة)).
(6) قوله: ((فيه)) سقط من (ك).(2/474)
القذف، مع أنهم (1) قد ظهر لهم جامع بينهما، فقالوا (2) : إذا سَكِرَ هَذَى، وإذا هَذَى افترى. ومع ما تقدَّم لهم: من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قارب فيه الثمانين، فأثبتوها، ومنعوا من الزيادة عليها. ولما ظهر هذا المعنى لعليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال مصرِّحاً به: جلد رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين، وأبو بكرٍ أربعين، وعمر ثمانين، وكل سُنَّة. ثمَّ إنَّه جلد هو أربعين، وأقرَّه على ذلك عثمان، ومَن حضر من الصحابة (. وظهر له: أن الاقتصار على أربعين أولى من الثمانين؛ مخافةَ أن يموتَ فتلزمه الدِّية، كما قد صرَّح به؛ حيث قال: ما كنت أقيمُ على أحدٍ حدًّا فيموت فيه، فأجد في نفسي، إلا صاحب الخمر، لأنه إنْ مات وَدَيْتُهُ. وهذا يدلُّ على أنَّه جلد فيه ثمانين في ولايته، وأنَّه لم يخالف عمر في الثمانين، وإيَّاها عَنَى بقوله: ((فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يَسُنَّه))، ولا يصحُّ أن يريدَ بذلك إلأربعين؛ لأنه هو الذي روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلد فيه أربعين. ولو مات في الأربعين لم تجب له ديةٌ بوجهٍ. ولذلك قال الشافعيُّ: لو مات في الأربعين فالحقُّ قَتَلَهُ، كما تقدَّم. فتفهَّم هذا البحث، فإنَّه حسن.
وحاصله: أن الجلدَ على الخمر تعزيزٌ مُنِع من الزيادة على غايته. فرأت طائفه: أن غايته أربعون، فلا يُزاد عليه. وبه قال الشافعيُّ من الفقهاء، &(5/105)&$ والإجماع: على أنَّه لا يزاد على الثمانين، فإن (3) قيل: كيف (4) يكون تعزيرًا وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ((لا يُخلَدُ أحدٌ فوق عشرة أسواطٍ إلا في حدٍّ من حدود الله (5) ؟ فمقتضى هذا: ألا يُزاد في التعزير على العشرة. وبه قال من يأتي ذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى (6) . فالجواب: أنَّه سيأتي الكلام على ذلك الحديث. =(5/131)=@ %(2/475)%
__________
(1) في (ح): ((أنه)).
(2) قوله: ((فقال)) سقط من (ح) و(ك)، وكتب فوقها في (ك) لوا إشارة إلى قالوا، وأمامها ((خ))، وكتب في الحاشية: ((وقائل هذا علي - رضي الله عنه -)).
(3) في (ح): ((وإن)).
(4) في (ح): ((فكيف)).
(5) أخرجه مسلم (1708).
(6) من قوله: ((وبه قال....)) إلى هنا سقط من (أ).(2/475)
وقوله: فلمَّا كان عمر ودنا النَّاس من الرِّيف والقرى))؛ كان هنا تامَّهٌ. وفي الكلام حذفٌ؛ أي: لما وقع، ووجد زمن خلافة عمر. والرِّيف: أرض الزرع والخصب. والجمع: أرياف. يقال: أَرَافَتْ الأرض - رباعيًّا - أخصبت. ورافت الماشية: إذا رعت الريف. وأَرْيَفْنا: أي: صرنا إلى الريف. ((من الصحاح))؛ ويعني بذلك: أنَّه لما فتحت البلاد بالشَّام وغيرها، وكثرت الكروم ظهر في الناس شُرْبُ الخمر، فشاور عمرُ الصحابةَ - رضي الله عنه - في التشديد في العقوبة عليها، فتفاوضوا في ذلك، واتفقوا على إلحاقها بحدِّ القذف؛ لأنَّه أخف الحدود، كما قال عبد الرحمن (1) . وقد جاء في "الموطأ" (2) : أن عمر لَمَّا استشارهم في ذلك قال علي: نرى أن تجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر، وإذا سَكِرَ هَذَى، وإذا هَذَى افترى. فصرَّح بكيفية الإلحاق. وحاصلها راجعٌ: إلى أنه أقام السُّكر مقامَ القذف؛ لأنه لا يخلو عنه غالبًا، فأعطاه حكمه، فكان هذا الحديث من أوضح حجج القائلين بالقياس والاجتهاد؛ إذ هذه القضيةُ نصٌّ منهم على ذلك. وهم الملأ الكريم. وقد انتشرت القضيةُ في ذلك الزَّمان، وعمل عليها (3) في كل مكانٍ، ولم يتعرَّض بالإنكار (4) عليها إنسان، مع تكرار الأعصار، وتباعد الأقطار، فكان ذلك إجماعًا على صحة العمل بالقياس الذي لا ينكره إلا (5) الأغبياء من الناس. وقد أورد بعض من &(5/106)&$ يتعاطى العلم الجدلي على هذا النظر الشديد العَلَوِي أن قال: إن حكم للسُّكر بحكم القذف - لأنه مظنَّته - فليحكم له بحكم الزِّنى والقتل لأنه مظنتهما. وأيضاً: فلأنه يلزم عليه ألا يُحَدَّ على مجرد الشرب، بل على السُّكر %(2/476)%
__________
(1) أي: عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه -، أخرجه مسلم (1706).
(2) أخرجه مالك (1533) عن ثور بن زيد الديلي، عن عمر بن الخطاب به. وعن مالك أخرجه الشافعي في "المسند" (1/286)، وعنه البيهقي في "المعرفة" (17423)، وثور لم يدرك عمر بن الخطاب، بينهما عكرمة وابن عباس كما سيأتي، فهو معضلٌ.
وأخرجه النسائي في "الكبرى" (5288 و5289)، والدارقطني في "السنن" (245)، والحاكم (8132)، والبيهقي (17321) من طريق يحيى بن فليح الخزاعي أبو المغيرة، ثنا ثور بن زيد الديلي، عن عكرمة، عن ابن عباس به نحوه.
وفي سنده يحيى بن فليح: قال ابن حزم بعد روايته في "الأحكام" (7/453): ((يحيى بن فليح بن سليمان مجهول البتة، والحجو لا تقوم بمجهول)).
وذكره الحافظ في "لسان الميزان" (7/342)، وذكر هذا الإسناد في حدِّ الخمر، ثم قال: ((قال ابن حزم: مجهول، وقال مرةً: ليس بالقوي)).اهـ.
وأخرجه عبدالرزاق (13542) عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة: أن عمر بن الخطاب شاور النَّاس فذكره، وليس فيه ذكر ابن عباس.
(3) في (ك): ((بها)).
(4) في (ح): ((للإنكار)).
(5) قوله: ((إلا)) سقط من (ك).(2/476)
خاصةً، لأنَّه هو المظنَّة، لا الشُرب. =(5/132)=@ وقد حدُّوا على شرب الخمر وإن لم يسكر. فدلَّ على أن السُّكر ليس معتبرًا في الحدِّ، فلا يكون علَّة له، ولا مظنَّة.
والجواب عن الأول: منع كون السُّكر مظنة للزنى والقتل؛ لأنَّ المظنَّة اسم لما يظن فيها تحقق (1) المعنى المناسب غالبًا. ومن المعلوم: أن السُّكر لا يخلو عن الهذيان والقذف غالبًا في عموم الأوقات والأشخاص، وليس كذلك الزنى والقتل (2) ؛ فإن ذلك إن وقع فنادرٌ، وغير غالبٍ. والوجود يحققه.
والجواب عن الثاني: أن الحدّ على قليل الخمر لما هو من باب سدِّ الذرائع؛ لأنَّ القليل يدعو إلى الكثير، والكثير يُسكر، والسُّكر المظنَّة، كما قررته الصحابة (؛ فهم الأسوة، وفيهم القدوة (3) .
وقوله في "الأم" (4) : ((عبدالله الدَّاناج)) بالجيم. ويقال: الدَّاناء. بهمزة مكان الجيم. ويقال بهاء (5) . وهو بالفارسية: العالم. عن حُضَيْن (6) بالحاء المهملة، والضاد المعجمة: تصغير ((حُضن)) وهو ما دون الإبط إلى الكتف. وحضن الشيء: جانبه. ونواحي كل شيء: أحضانه (7) . و((الوليد)) هو ابن عقبة بن أبي مُعيط، ظهر عليه: أنَّه شرب الخمر، فَكُثِّرَ (8) على عثمان فيه، فلما شهد عنده بأنَّه شربها أقام عليه الحدّ كما ذكر.
وقوله: ((فشهد حمران: أنَّه شربها، وشهد آخر: أنَّه رآه يتقيَّأ)): فيه من =(5/133)=@ الفقه: تلفيق الشهادتين إذا أدَّتا (9) إلى معنى واحد، فإن أحدهما شهد %(2/477)%
__________
(1) في (أ): ((تحقيق)).
(2) في (ك): ((القذف)).
(3) في (ح) و(ك): ((فهم الأسوة، وبهم القدوة)).
(4) أي في الأصل "صحيح مسلم".
(5) في (ح) و(ك): ((مهما)).
(6) في (أ): ((مغبر)).
(7) انظر"لسان العرب" (13/122).
(8) في (أ): ((وكبر)).
(9) في (أ): ((أدت)).(2/477)
برؤية الشرب. والآخر بما يستلزم الشرب، ولذلك قال عثمان: أنَّه لم يتقيَّأ حتى شربها. غير أنَّه &(5/107)&$ قد ذكر الْحُمَيْدِي (1) محمد بن نصبر في حديث عمر حين شهد عنده الجارود: بأن قدامة شرب الخمر ثمَّ دعا بأبي هريرة وقال: علام تشهد؟ قال (2) : لم أره حين شرب! وقد رأيته سكران يقيء. فقال عمر: لقد تنطَّعتَ يا أبا هريرة في الشهادة! فلمَّا استحضر قُدامة أنكر. فقال أبو هريرة: يا أمير المؤمنين! إن كنت تشك في شهادتي (3) فَسَلْ بنت الوليد امرأة ابن مظعون. فأرسل عمر إلى هند ينشدها بالله. فأقامت هند على زوجها الشهادة، فجلده. فظاهر هذا: أن عمر لم يسمع شهادة أبي هريرة لما قال له: أنَّه لم يره يشرب، وإنَّما رآه يتقيَّأ.
والجواب: أن عمر - رضي الله عنه - إنَّما توتف في شهادة أبي هريرة؛ لأنَّ أبا هريرة سلك في أداء الشهادة مسلك من يُخبر بتفصيل قرائن الأحوال التي أفادته العلم بالمشهود فيه، ومهما شرع الشاهد في تفصيل ذلك وحكايته لم يحصل لسامع الشهادة الجزم بصحتها؛ لأنَّ قرائن الأحوال لا تنضبط بالحكاية عنها، وإنما حق الشاهد أن يعرض عنها، ويُقْدِم على الأداء إقدام الجازم المخبر عن علم حاصل، فكان توقف عمر لذلك. ثمَّ إن أبا هريرة لما جزم في الشهادة سمعها عمر وحكم بها، لكنه استظهر بقول هند على عادته في الاستظهار في الشهادات والإخبار، ولا يظن به: أنه ردَّ شهادة أبي هريرة،وقبل شهادة امرأة في الحدود، إلا من هو عن المعارف مصدود.
وقول عثمان لعليّ: ((قم يا علي فاجلده))؛ دليل على أن الحدَّ إنَّما ينبغي أن يقيمه (4) بين أيدي الخلفاء والحكام فضلاء الناس، وخيارهم. وكذلك كانت الصحابة تفعل كلَّما وقع لهم (5) شيء من ذلك. وسبب ذلك: أنَّه قيامٌ بقاعدةٍ شرعية، وقُربة تعبديِّة تجب المحافظة على فعلها، وقدْرها، ومحلِّها، وحالها، بحيث لا يُتَعَدَّى =(5/134)=@ من شروطها، ولا أحكامها. %(2/478)%
__________
(1) أخرجه عبدالرزاق (17076) عن معمر، عن الزهري، عن عبدالله بن عامر بن ربيعة، عن عمر بن الخطاب به. ومن طريق عبدالرزاق أخرجه البيهقي في "الكبرى" (17293).
وأخرجه أبو نعيم في "ألحلية" (9/15) من طريق عبدالرحمن بن مهدي، عن إسماعيل بن مسلم، عن أبي المتوكل الناجي... فذكره.
وأخرجه البيهقي (17294) من طريق مسلم الكجي، عن محمد بن عبدالله الأنصاري، عن ابن عون، عن ابن سيرين.
وأخرجه أبو علي بن السكن كما في "الإصابة" (5/425) من طريق علي بن عاصم، عن أبي إسحاق، عن علقمة الخصي قال: لما قدم الجارود على عمر، فذكره.
(2) في (ح) و(ك): ((فقال)).
(3) في (ح) و(ك): ((شهادتنا)).
(4) في (أ): ((يقيم)).
(5) في (ك): ((لها)).(2/478)
ولذلك يجب عند جميع العلماء أن يختار لها أهل الفضل، والعدل؛ إذا أمكن ذلك مخافة التعدِّي في الحدود. وقد وقع في زماننا من جلد في الخمر ثمانين، فتعدَّى عليه الضاربُ، فقتله بها، وحُرْمةُ دم المسلم عظيمة، فتجب مراعاتها بكل ممكن.
وقول(عليّ - رضي الله عنه -: ((قم يا حسن فاجلده))؛ دليل على أن من استنابه الإمام في أمر فله أن يستنيب من يتنزل منزلته في ذلك الأمر. &(5/108)&$
وقول حسن: ((ولِّ حارَّها من تولى قارَّها)). هذا مثل من أمثال العرب. قال الأصمعي: معناه: وَلِّ شدَّتها من تولى هنيئها. والقارُّ: البارد. ويعني الحسن بهذا: ولِّ شدة إقامة الحدّ من تولى إمرة المسلمين، وتناول (1) حلاوة ذلك.
وقوله: ((فكأنه وجد عليه))؛ أي: غضب عليه لأجل توقفه فيما أمره به، وتعريضه بالأمراء.
وقوله: ((فقال: يا عبد الله! قم (2) فاجلده))؛ يحتمل أن يكون الآمر لعبد الله عليًّا، فكأنه أعرض عن الحسن لَمَّا توقف. ويحتمل أن يكون الحسن استناب عبدالله فيما أمره به عليِّ طلبًا لرضا عليّ. والله تعالى أعلم.
وقوله: ((فجلده وعلي يعدُّ (3) حتى بلغ أربعين، فقال: أمسك))؛ ظاهر هذا: أنَّه لم يزد على الأربعين. وفي البخاري (4) من حديث المسور بن مخرمة، وعبدالرحمن بن الأسود وذكر هذا (5) الحديث طويلاً، وقال في آخره: إن عليًّا جلد الوليد ثمانين. وهذا تعارض، غير أن حديث حضين أولى، لأنَّه %(2/479)%
__________
(1) في (أ): ((وناول)).
(2) في (أ): ((قم يا عبدالله)).
(3) في (ح): ((فجلده علي فعدَّ)).
(4) أخرجه البخاري (3639) عن أحمد بن شبيب بن سعيد، قال: حدثني أبي، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عبيدالله بن عدي بن الخيار، عن المسور بن مخرمة به.
وأخرجه أيضًا (3872) عن عبدالله بن محمد الجعفي، ثنا هشام، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة به.وفيه: ((فجلد اربعين)) على الصواب.
والرواية الأولى وهم فيها أحد الرواة فقال :(( ثمانين))، والوهم فيها إما أن يكون أحمد بن شبيب، أو أباه شبيب، ورجحّ الحافظ أن الوهم فيها من شبيب، والله أعلم.
(5) قوله: ((هذا)) سقط من (ك).(2/479)
مفضل في مقصوده، =(5/135)=@ حسنٌ في مساقه، ساقه (1) روايه (2) مساق الْمُتثبِّت (3) . والأقرب أن بعض الرواة وَهِمَ في حديث المسور، فوضع ((ثمانين)) مكان ((أربعين)).
وقول علي: ((جلد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين. وأبوبكر أربعين. وعمر ثمانين وكل سُنَّه))؛ دليل واضح على اعتقاد علي (4) - رضي الله عنه - صحة إمامة الخليفتين أبي بكر، وعمر، وأن حكمهما يقال عليه: سُنَّه؛ خلافًا للرافضة والشيعة، وهو أعظم حُجَّة عليهم؛ لأنَّه قول متبوعهم؛ الذى يتعصبون له، ويعتقدون فيه ما يتبرأ هو منه. وكيف لا تكون أقوال أبي بكر وعمر، وأفعالهما سنة وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ((اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر)) (5) ؟!.
وقوله: ((وهذا أحبُّ إليّ))؛ ظاهره: أنَّه أشار إلى الأربعين التي أمر بالإمساك عليها. وقد روي: أن المعروف من مذهبه الثمانون. فيكون له في ذلك القولان، لكنه دام هو (6) على الثمانين لما كثر الإقدام على شرب الخمر. &(5/109)&$
وحاصل هذا الاختلاف في الأحاديث، وبين الصحابة راجع إلى أنه لم يتقدَّر في الخمر حدٌّ محدود. وإنما كان الأدب والتعزير، لكن استقر الأمر: أن أقصى ما بلغ فيه إلى الثمانين، فلا يزاد عليها بوجه. وقد نصَّ على هذا المعنى السائب بن يزيد فيما خرَّجه البخاري (7) قال: كنَّا نُؤتى بالشارب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإِمرة أبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا، ونعالنا، وأرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر، فجلد (8) أربعين، حتى إذا عَتَوا وفَسَقُوا جلد ثمانين. وعلى هذا: =(5/136)=@ فلا ينبغي أن يعدل عن الثمانين؛ لأنَّه الذي استقرَّ عليه آخر أمر الصحابة أجمعين. %(2/480)%
__________
(1) في (ح): ((وساقه)).
(2) في (ك): ((رواية)).
(3) في (أ): ((المثبت)).
(4) قوله: ((اعتقاد علي)) سقط من (ك).
(5) حديث صحيح أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (31942 و37049)، وأحمد في "المسند" (23333 و23467)، وفي "فضائل الصحابة" (478)، والترمذي (3799)،وابن ماجه (97)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (8/209)، والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (1/480)، وابن أبي عاصم في "الاسنة" (1148-1149) والبزار في "كشف الأستار" (2828 و2829)، والطبراني في "الأوسط" (5503)، والحاكم في "المستدرك"(4454)، والبيهقي في "الكبرى" (16367 و16368)، والخطيب في "التاريخ" (4/346). كلهم من طريق سفيان الثوري، عن عبدالملك بن عمير، عن مولى لربعي بن خراش، عن ربعي بن خراش، عن حذيفة به. وفي بعض الروايات تسميةُ مولى ربعي: هلالاً.
وأخرجه أحمد في "المسند" (23293)،والحميدي في "المسند" (449)، والبزار في "كشف الأستار" (2827) من طريق سفيان بن عيينة، عن زائدة بن قدامة، عن عبدالملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة به.
ورواه سفيان بن عيينة، عن عبدالملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة به. فأسقط زائدة بن قدامة كذا أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (2/334)، والترمذي في "العلل" (689)، وابن أبي حاتم في "العلل" (2648)، والبيهقي (9836).
قال الترمذي:(( كان سفيان بن عيينة يروي هذا ولا يذكر فيه: عن زائدة في كل وقت)).
وذكر ابن أبي حاتم عن أبيه: أن سفيان كان يحدث به أيام الموسم عن عبدالملك بن عمير، لم يذكر زائدة، ثم قال: لم آخذه من عبدالملك إنما حدثناه زائدة، عن عبدالملك.
وقال سفيان: إذا ذكرت لهمزائدة لم تسألوني عنه.اهـ.
وبذلك يتبين أن رواية الثوري أصح، حيث جوَّد إسناده، وأثبت فيه رجلاً وسماه هلالاً، ولذا قال أبو حاتم (2/381) لما سأله ابنه: أيها أصح؟ قال ما قال الثوري، زاد رجلاً وجوَّد الحديث.اهـ.
وللحديث طريق آخر عن حذيفة: فأخرجه ابن سعد في "الطبقات" (2/334)، وأحمد في "المسند" (23334)، وفي "فضائل الصحابة" (479)، والبخاري في "الكنى" (433)، والترمذي (3663)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (2/85)، وابن حبان في "صحيحه" (6902)، والخلال في "السنة" (335)، وأبو القاسم الأصبهاني في "دلائل النبوة" (1/130)، والخطيب في "التاريخ" (7/402)، و(14/366) من طريق سالم المرادي أبي العلاء، عن عمرو بن هرم، عن ربعي بن خراش، عن حذيفة به. وهذا الحديث إسناده لا بأس به، سالم المرادي وثقه ابن حبان والطحاوي والعجلي، وضعفه ابن معين ،وقال أبو حاتم: يكتب حديثه. قلت: واتهم بالتشيع، وهذا مما يدل على عدالته لروايته لهذا الحديث.
وللحديث شاهد من حديث ابن مسعود: أخرجه عبدالله بن أحمد في "فضائل الصحابة" (294)، والحاكم في "المستدرك" (4456)، والطبراني في "الكبير" (8426) من طريق يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن أبي الزعراء، عن ابن مسعود به.
ويحيى بن سلمة هذا متروك الحديث، ولكن أخرجه الطبراني في "الأوسط" (7177) من طريق ابن المبارك عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن ابن مسعود به. وهذا إسناد جيد، سلمة بن كهيل ثقة، وأوب الزعراء عبدالله بن هانئ الكندي تابعي صدوق وثقه ابن سعد وابن حبان والعجلي. وله شاهد أيضًا من حديث أبي الدراء: أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (913). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/53): ((وفيه من لم أعرفهم)).
وله شاهد آخر ضعيف: أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (1649) في ترجمة محمد بن عبدالله بن عمر بن القاسم، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر به. قال العقيلي: ((حديث منكر، لا أصل له من حديث مالك، وهذا يروى عن حذيفة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد جيد ثابت)).اهـ. وهو كما قال رحمه الله.
(6) قوله: ((هو)) سقط من (أ).
(7) في "صحيحه" (6779).
(8) في (ح): ((فحد)).(2/480)
وقول علي: ((ما كنت لأقيم على أحد حدًّا فيموت فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر؛ لأنَّه إن مات وديته))؛ يدلُّ على أن ما كان فيه حدٌّ محدود فأقامه الإمام على وجهه، فمات المحدود بسببه؛ لم يلزم الإمام شيء، ولا عاقلته، ولا آل بيت المال. وهذا مجتمعٌ (1) عليه؛ لأنَّ الإمام قام بما وجب عليه، والميت قتيل الله. وأمَّا حدّ الخمر فقد ظهر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يحدّ فيه حدًّا. فلما قصرته الصحابة ( على عدد محدود، وهو (2) الثمانون، وجد علي - رضي الله عنه - في نفسه من ذلك شيئًا، فصرَّح بالتزام (3) الدِّية إن وقع له موت المجلود (4) احتياطًا، وتوقيًّا، لكن ذلك (5) - والله أعلم - فيما زاد على الأربعين إلى الثمانين. وإمَّا الأربعون: فقد صرَّح (6) هو على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر جلداها (7) ، وسمى ذلك سنة. فكيف يخاف من ذلك؟
وهذا هو الذي فهمه الشافعي من فعل علي هذا، فقال: إن حدّ أربعين بالأيدي، والنعال، والثياب فمات؛ فالله قتله. وإن زِيدَ على الأربعين (8) بذاك (9) ، أو ضرب أربعين بسوط (10) فمات؛ فديته على عاقلة الإمام.
قلت: ويظهر لي من فعل (11) عمر - رضي الله عنه - خلافُ ذلك: إنه لما شُهِدَ على قُدامة بشُرب الخمر استشار (12) من حضره في جَلْدِه، فقال القوم: لا نرى أن تَجْلِدَه ما دام =(5/137)=@ وَجِعًا، &(5/110)&$ فسكت عمر عن جلده أيامًا، ثم أصبح يومًا قد عزم على جلده، فاستشارهم. فقالوا: لا نرى أن تجلده ما دام وَجِعًا. فقال عمر - رضي الله عنه -: والله لأن يلقى الله تحت السياط أحبُّ إليَّ من أن ألقى الله وهي في عنقي. والله لأجلدنَّه. فجلده بسوط بين سوطين. وهذا يدلُّ: على أنَّه لا يلزم في ذلك دية لا على العاقلة، ولا في بيت المال؛ لأنَّ عمر سلك في %(2/481)%
__________
(1) في (ح): ((مجمع)).
(2) في (ك): ((هو)).
(3) في (أ): ((بالزام)).
(4) في (ك): ((المحدود)).
(5) قوله: ((ذلك)) سقط من (أ).
(6) في (ح) و(ك): ((نص)).
(7) في (ك): ((جلدها)).
(8) في (ك): ((أربعين)).
(9) أي: أن زِيدَ على الأربعين باليدي والنعال والثياب.
(10) في (ك): ((سوط)).
(11) قوله: ((فعل)) سقط من (ح).
(12) في (ح): ((استشاره)).(2/481)
حد الخمر مسلك الحدود المحدودة بالنصّ. وأمَّا جند عمر لقدامة على ما ذكروا له من وَجَعِه، فكأنه فهم أن وجعه لم يكن بحيث يبالى به، ولا يخاف منه. وكأنهم اعتذروا به ليتأخر ضربه شفقة عليه، وحُنُوًّا. وقد ظهر ذلك منهم لما أَتَوه بسوطٍ دقيق صغير. فقال لأسلم: أخذتك دقرارة أهلك (1) ؛ أي: حميتهم الحاملة على المخالفة.
واختلفوا فيمن مات من التعزير. فقال الشافعي: عَقْلُه على الإمام، وعليه الكفارة. وقيل: على بيت المال. وجمهور العلماء: على أنَّه لا شيء عليه.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((لا يجلد أحدٌ فوق عشرة أسواط إلا في حدٍّ من حدود الله))؛ أخذ بظاهر هذا الحديث أحمد بن حنبل، وأشهب من أصحاب مالك في بعض أقواله. وقال ابن أبي ذئب وابن أبي ليلى (2) : لا يضرب في الأدب أكثر من ثلاثة. وقال أشهب في مؤدِّب الصبيان. قال: وإن زاد اقتَّص منه. والجمهور: على أنَّه يُزاد في التعزير على العشرة. فمنهم من قصره على عدد بحيث لا يزاد عليه. فقال (3) =(5/138)=@ أبو حنيفة: أربعين. وقاله الشافعي، وقال أيضًا: عشرين. وروي عن مالك: خمسة وسبعين سوطًا. واليه مال أصبغ بن الفرج (4) ، وقاله ابن أبي ليلى، وأبو يوسف. وقال محمد بن مسلمة: لا أرى أن يبلغ به الحدّ. وقد (5) روي عن عمر: ما يبلغ به ثمانون (6) . وعن ابن أبي ليلى وابن شبرمة: لا يبلغ به مائة. ومنهم من رأى ذلك موكولاً إلى رأي الإمام بحسب ما يراه أردع، وأليق بالجاني، وإن زاد &(5/111)&$ %(2/482)%
__________
(1) قال ابن الأثير: الدِّقْرارةُ: واحدة الدَّقارِير، وهي: الأباطيل وعاداتُ السوء، أراد أنَّ عادة السّوء التي هي عادةُ قَوْمك، وهي العُدُول عن الحقِّ والعَملُ بالباطل، قد نَزَعَتْك وعَرَضَت لك فَعَملْت بها. اهـ. "النهاية" (2/126).
(2) قوله: ((وابن أبي ليلى)) سقط من (ح).
(3) في (أ): ((قال)).
(4) قوله: ((بن الفرج)) سقط من (أ).
(5) قوله: ((وقد)) سقط من (ح).
(6) في (ح): ((ثمانين)).
أخرجه ابن أبي شيبة (28870) عن سفيان بن عيينة، عن حميد الأعرج، عن يحيى بن عبد الله بن صيفي: أن عمر كتب إلى أبي موسى: ألا تبلغ في تعزير أكثر من ثلاثين. وسنده ضعيف، يحيى بن صيفي لم يدرك عمر - رضي الله عنه -.(2/482)
على أقصى الحدود. وهو مشهور مذهب مالك، وأبي يوسف، وأبي ثور، والطحاوي، ومحمد بن الحسن. وقال: وان بلغ ألفًا. وقد روي عنه مثل قول أبي حنيفة. والصحيح عن عمر: أنَّه ضرب من نقش على خاتمه مائة (1) . وضرب صَبِيغًا (2) أكثر من الحدّ. وقد روي عن الشافعي: أنَّه يُضرب في الأدب أبدًا، وإن أتى على نفسه حتى يُقرَّ بالانابة. وقال الْمُزني من أصحاب الشافعي: تعزير كل ذنب مستنبط (3) من حدِّه لا يجاوز (4) .
قلت: والصحيح: القول (5) العمري، رالمذهب المالكي؛ لأنَّ المقصود بالتعزير الرَّدع، والزجر. ولا يحصل ذلك إلا باعنبار أحوال الجنايات والجناة. فأمَّا الحديث فخرج على أغلب ما يحتاج إليه في ذلك الزمان. والله تعالى أعلم.
ومن باب من أقيم عليه الحدَّ فهو كفارة له
قوله: ((أَخَذَ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أخذ على النساء))؛ يعني: أنَّه بايعهم على =(5/139)=@ التزام هذه الأمور المذكورة كما بايع النساء عليها. وإنَّما نبَّه بهذا على أن هذه (6) البيعة لما لم يكن فيها ذكر القتال استوى فيها الرِّجال والنساء؛ ولذلك كانت تسمى هذه البيعة ببيعة (7) النساء. وهذه البيعة كانت بالعقبة خارج مكة. وهي أول بيعة بايعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنقباء الأنصار، وذلك قبل الهجرة، وقبل فرض القتال. &(5/112)&$
وقوله: ((ولا يَعْضَهُ بعضنا بعضًا))؛ هكذا رواية الجماعة، وقيل فيه ثلاثة أقوال: %(2/483)%
__________
(1) لم أجده مسندًا، وإنما ذكره النووي في "شرح مسلم" (11/222)، وابن تيمية في "ألفتاوى" (28/345)، والزركشي في "شرح مختصر الخرقي" (6/408). وأشار إليها محقق الكتاب أنه لم يجد هذه القصة. وقد أشار إليها القاضي في كتاب "الروائتين" (2/346) فقال: إن معن بن زائدة زوّر على عمر كتابًا فجلده مائة.
(2) في (ك): ((ضُبيعًا)). وقصة صبيغ مع عمر تقدم تخريجها.
(3) في (ح): ((مستنبطًا)).
(4) في (ح): ((يجاوزه)).
(5) في (أ): ((قول)).
(6) قوله: ((هذه)) سقط من (ح) و(ك).
(7) في (ح) و(ك): ((بيعة)).(2/483)
أحدها: أنه السِّحر؛ أي: لا يسحر بعضنا بعضا. والعَضْهُ، والعَضِيهَة: السِّحر. والعاضِهُ: السَّاحر. والعاضِهَةُ: السَّاحرة.
والثاني: أنَّه النَّمِيمَة والكذب. والثالث: البُّهْتان.
قلت: وهذه الثلاثة متقاربة في المعنى؛ لأنَّ الكل كذبٌ وزور. ويقال لكلِّها عَضْهٌ، وعَضِيهةٌ. ويُصرف فعلها كما سبق. وقد روى العذري هذه اللفظة: ((ولا يَعْضِي بعضنا بعضًا))-بالياء مكان الهاء - على وزن: يقضي. ويكون من التعضية، وهي التفريق والتجزئة. ومنه قوله تعالى: {الذين جعلة القرآن عضين} (1) ، قال ابن عباس: فرَّقوه فآمنوا ببعضه، وكفروا ببعض. وعلى هذا: فيكون عضين: جمع عضه. يكون (2) منقوضًا؛ لأنَّ أصله: عِضَْوةٌ، فحذفوا الواو، ونقلوا حركتها إلى الساكن قبلها، كما فعلوه في عزة، فيكون معناه في الحديث: لا تكذب عليه فتبهته بأنواع من البهتان والكذب، فتفرقها (3) عليه في أوقات، وتنسبها إليه في حالات. ورواية الجماعة أوضح.
و((النُّقَباء)): جمع نقيب، كظريف، وظرفاء. وهو الذي ينقب عن أخبار أصحابه، وأحوالهم، فيرفعها للأمراء. وهم المسمُّون بالعرفاء أيضًا: جمع =(5/140)=@ عريف، لتعرُّفهم بالأحوال، وتعريفهم بها. وقد تقدم الكلام في (4) ((النهبة)).
وقوله: ((ولا نقتل (5) أولادنا))؛ يعني بهم: البنات اللواتي كانوا يدفنونهم أحياء. وهي الموءودة. وكانوا يفعلون ذلك للأنفة الجاهلية وخوف الفقر، %(2/484)%
__________
(1) ؛ الآية: 91. سورة الحجر.
(2) في (ح): ((فيكون)).
(3) في (أ): ((فيفرقها)).
(4) في (ح): ((على)).
(5) في (ح): ((ولا تقتلوا)).(2/484)
والإملاق. ولا يُعارض هذا قوله في الرواية الأخرى: ((ولا نقتل النَّفس التي حرَّم الله إلا بالحق))؛ لأنَّ هذه البيعة كانت فيها أمورٌ كثيرة منعهم منها، ونهاهم عنها؛ قد تقدم ذكر بعضها في كتاب الإمارة. وقد شمل ذلك كُلَّه بقوله: ((ولا نعصي))، وكذلك قال تعالى في حق النساء: {ولا يعصينك في معروف} (1) . &(5/113)&$
وقوله: ((فمَنْ وَفَى منكم))؛ بتخفيف الفاء. وقاله الأصيلي بتشديدها، ومعناهما واحد؛ أي: فعل ما أمر به، وانتهى عمَّا نُهِي عنه.
وقوله: ((فأجره على الله))؛ أي: إن الله تعالى ينجيه من عذابه وإهانته، ويوصله إلى جنته وكرامته.
وقوله: ((ومن أتى منكم حدًّا فأُقِيم عليه فهو كفارته))؛ هذا حجَّة واضحة لجمهور العلماء على أن الحدرد كفارات (2) . فمن قتل فاقتُصَّ منه لم يبق عليه طِلْبَةٌ في الآخرة؛ لأنَّ الكفارات (3) ماحيةٌ للذنوب (4) ، ومصَيِّرةٌ (5) لصاحبها كأن ذنبه لم يكن (6) . وقد ظهر ذلك في كفارة اليمين والظِّهار وغير ذلك. فإن بقي مع الكفارة شيء من آثار الذنب لم يصدق عليها ذلك الاسم. وقد سمعنا من بعض علماء مشايخنا: أن الكفارة إنَّما (7) تكفر حق الله تعالى، ويبقى على القاتل حق المقتول يطلبه به يوم القيامة. وتَطَّرِدُ هذه الطريقة في سائر حقوق الآدميين. =(5/141)=@ %(2/485)%
__________
(1) ؛ الآية: 12. سورة الممتحنة.
(2) في (ح): ((كفارة)).
(3) في (ح) و(ك): ((الكفارة)).
(4) في (ح) و(ك): ((للذنب)).
(5) في (ح): ((ومغيرة)).
(6) في (أ): ((يقع)).
(7) قوله: ((إنما)) سقط من (أ).(2/485)
قلت: وهذا ليس بصحيح؛ لأنَّه تخصيص لعمرم ذلك الحديث بغير دليل، وما ذكره من اختلاف الحقوق صحيحٌ، غير أنَّه لما أباح الله دم القاتل بسبب جريمته، وقتل، فقد فعل به مثل ما فعل من إيلام نفسه واستباحة دمه، فلم يبق عليه شيء. وهذا معنى القصاص.
وقوله: ((ومن ستر الله عليه، فأمره إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له))؛ يعني: إذا مات عليه (1) ولم يَتُب منه. فأمَّا لو تاب منه لكان كمن لم يُذنب؛ بنصوص القرآن والسُّنه كما قد (2) تقدم. وهذا تصريحٌ بأن ارتكاب الكبائر ليس بكفر؛ لأنَّ الكفر لا يغفر لمن مات عليه بالنصّ والإجماع. وهي (3) حجَّة لأهل السُّنة على الْمُكَفِّرة بالذنوب، وهم الخوارج، أهل (4) البدعة.
وقوله (5) : ((فإن غَشينا شيئًا من ذلك كان تضاء ذلك إلى الله تعالى))؛ أي: إن ارتكبنا شيئًا من ذلك، وفعلناه (6) ؛ كان حكمه لله (7) ؛ أي: إن شاء عذب، وإن شاء عفا. كما فسَّره في الرواية الثانية. =(5/142)=@ &(5/114)&$ %(2/486)%
__________
(1) قوله: ((عليه)) سقط من (ك).
(2) قوله: ((قد)) سقط من (ح) و(ك).
(3) في (ح) و(ك): ((وهو)).
(4) في (ح): ((وأهل)).
(5) في (ك): ((قوله)).
(6) في (ك): ((فعلنا)).
(7) في (ح): ((إلى الله)).(2/486)
ومن باب الْجُبَار الذي (1) لا دية فيه
قوله: ((العجماه جرحها جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس))؛ هكذا جاء (2) هذا الحديث بمجموع هذه الأمور. فظاهره: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكرها في وقت واحد متصلة مجموعة، ويكون (3) فيه حجَّة لمالك على أبي حنيفة: في أن الركاز ليس هو المعدن؛ إذ قد عدل عن لفظ المعدن إلى اسم آخر في مساقط واحد، وذكره (4) بعده. فلو كان الركاز هو المعدن لقال: والمعدن جُبار وفيه الخمس. وكان يكون أيسر، وأفصح، وأبعد عن الإشكال، بل لو ذكر لفظ المعدن نفسه بدل الرِّكاز فقال: وفي المعدن الخمس، لكان مستقبحًا عند الفصحاء، فإنَّه وضع الظاهر موضع المضمر من غير فائدة، ولا تفخيم، بل مع مايجرُّه من اللَّبس. وهذا النوع من الكلام ركيك، ويُجَلُّ كلام الشارع أن يحمل عليه. ويحتمل =(5/143)=@ أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر هذه الأمور في أوقات مختلفة، فجمعها الرَّاوي، %(2/487)%
__________
(1) قوله: ((الذي)) سقط من (ك).
(2) قوله: ((هكذا جاء)) سقط من (ح).
(3) في (ح) و(ك): ((فيكون)).
(4) في (ح): ((وذكر)).(2/487)
وساقها سياقة واحدة، وحينئذ لا يكون فيه حجَّة على ما ذكرناه، لكن الظاهر الأول، والله تعالى أعلم.
و((الْجُبار)): الذي لا قود فيه، ولا دية، ولا شيء. وهو بضم الجيم، على &(5/115)&$ وزن: غُرَاب. و((العجماء))- ممدودة، مهموزة (1) -: اسم جنس لجميع البهائم، سُمِّيث بذلك لأنَّها لا تنطق. فظاهر قوله: ((العَجْمَاء جرحها جُبار))؛ أن ما انفردت البهيمة بإتلافه لم يكن فيه شيء، وهذا (2) مُجمعٌ عليه. فلو كانت (3) معها قائد، أو سائق، أو راكب فحملها أحدهم على شيء فأتلفته لزمه حكم الْمُتْلَف. فإن كانت جناية مضمونة بالقصاص، وكان الحمل عمدًا؛ كان فيه القصاص. ولا يختلف فيه؛ لأنَّ الدَّابة كالآلة. وإن كان عن غير قصد كانت فيه (4) الدية على العاقلة. وفي الأموال الغرامة في مال الحامل (5) قصدًا كان أو غير قصد. وهذا كلُّه لا يختلف فيه إن شاء المه تعالى.
واختلفوا فيما أصابته برجلها أو ذنبها. فلم يُضمِّن مالك، والليث، والأوزاعي صاحبها، وضَمَّنه الشافعي، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة. واختلفوا في الضَّارِيَة (6) . فجمهورهم: على أنَّها كغيرها. ومالك وبعض أصحابه يُضَمِّنُونَه.
واختلفوا فيما رعت المواشي. فضَمَّن مالك ربَّها ما أفسدته ليلاً دون ما أفسدته نهارًا. وبه قال الشافعي، والجمهور. ومعتمد التفرقة: أن على أرباب الحوائط والمراعي حفظها نهارًا؛ إذ غالب المواشي أنَّها تسرح فيه، ولا تنضبط، وعلى أرباب المواشي حفظها بالليل، فكان رعي النهار تمكين من أرباب الزروع للماشية من الرَّعي، ورَعْي الليل تسليط من أرباب المواشي على الرَّعي (7) . وقال أبو حنيفة: =(5/144)=@ لا ضمان فيما رعته المواشي ليلاً ولا نهارًا تمسُّكًا منه بالحديث. وهذا إنما يليق بأهل الظاهر لا بأبي حنيفة. وقال الليث، وسحنون: يضمن ما رعت نهارًا. %(2/488)%
__________
(1) قوله: ((ممدود مهموز)) جاء في (أ) بعد قوله: ((لجميع البهائم)).
(2) في (ح): ((هذا)).
(3) في (ح): ((فإن كانت))، وفي (ك): ((فإن كان)).
(4) في (أ): ((فيها)).
(5) في (ح) و(ك): ((الجاني)).
(6) في (أ): ((العارية)). وفي (ك): ((الضاربة)).
(7) في (أ): ((رعي)).(2/488)