|
المؤلف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى: 463هـ)
تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي , محمد عبد الكبير البكري
الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب
عام النشر: 1387 هـ
عدد الأجزاء: 24
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
وَالثَّانِي لِنَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ يَسْتَنِدُ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى وَهُوَ الْحَدِيثُ الْمُوَفِّي سَبْعِينَ لِنَافِعٍ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ شَهِدْتُ الْأَضْحَى وَالْفِطْرَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الْآخِرَةِ خمس تكبيران قَبْلَ الْقِرَاءَةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ مِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ رَأْيًا وَلَا يَكُونُ إِلَّا تَوْقِيفًا لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ سَبْعٍ وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ حِسَانٍ
(16/37)
مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَوَاهُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَوَاهُ أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَرَوَاهُ عُقَيْلٌ وَابْنُ مُسَافِرٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ رَوَاهُ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي وَاقَدٍ اللَّيْثِيِّ كُلُّهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي حَدِيثِ (ابْنِ) عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّكْبِيرُ فِي الْفِطْرِ سَبْعٌ فِي الْأُولَى وَخَمْسٌ فِي الْآخِرَةِ وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهَا فِي كِلْتَيْهِمَا وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ سبعا فِي الْأَوْلَى بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَاتَّفَقَا فِي الثَّانِيَةِ عَلَى خَمْسٍ سوى تكبيرة الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ كَقَوْلِ مَالِكٍ سَبْعًا بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُوَالِي بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَيَجْعَلُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ ثَنَاءً عَلَى اللَّهِ وَصَلَاةً عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ
(16/38)
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ التَّكْبِيرُ فِي الْعِيدَيْنِ خَمْسٌ فِي الْأُولَى وَأَرْبَعٌ فِي الثَّانِيَةِ بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَالرُّكُوعِ يُحْرِمُ فِي الْأُولَى وَيَسْتَفْتِحُ ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ وَيَرْفَعُ فِيهَا يَدَيْهِ ثُمَّ يَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآنِ وَسُورَةً ثُمَّ يُكَبِّرُ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَسْجُدُ فَإِذَا قَامَ لِلثَّانِيَةِ كَبَّرَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ وَقَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً ثُمَّ كَبَّرَ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ يَرْفَعُ فِيهَا يَدَيْهِ ثُمَّ يُكَبِّرُ أُخْرَى يَرْكَعُ بِهَا وَلَا يرفع يديه فيها يوالي بين القرائتين قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ وَجْهٍ قَوِيٍّ وَلَا ضَعِيفٍ مِثْلُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ وَأَمَّا الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ اخْتِلَافًا كَبِيرًا وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ التَّابِعِينَ فِي ذَلِكَ وَفِعْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَعَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ أَوْلَى مَا قِيلَ بِهِ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِعْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ خَالَفَ مَا عَرَفُوهُ وَوَرِثُوهُ أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَعَلِمُوهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَفِعْلِ رَجُلٍ فِي بَلَدٍ كُلُّهُمْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ قَالَ وَالتَّكْبِيرُ فِي كِلْتَا الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ أَشْبَهُ بِسُنَنِ الصَّلَاةِ قَالَ وَكَمَا لَمْ يُدْخِلُوا تَكْبِيرَةَ الْقِيَامِ فِي تَكْبِيرَةِ الْعِيدِ فَكَذَلِكَ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ بَلْ هِيَ أَوْلَى بِذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بِهَا وَتَكْبِيرَةُ الْقِيَامِ لَوْ تَرَكَهَا لَمْ تُفْسِدْ صَلَاتَهُ وَقَالَ الْمُزَنِيُّ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ تَكْبِيرَ الْعِيدِ فِي الْأُولَى قَبْلَ الْقِرَاءَةِ يَقْضِي بِأَنَّ الرَّكْعَةَ فِي الْآخِرَةِ كَذَلِكَ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْقِيَاسِ سَوَاءٌ
(16/39)
حَدَّثَنَا سَعِيدٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ الْمَدَائِنِيُّ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِمَارَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبراهيم عن حميد بن عبد الرحمان عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُخْرَجُ لَهُ الْحَرْبَةُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا فَيُكَبِّرُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً ثُمَّ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَالْأَئِمَّةُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ
(16/40)
نَافِعٌ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَهُوَ حَدِيثٌ حَادٍ وَسَبْعُونَ لِنَافِعٍ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحُدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ هَكَذَا رَوَى يَحْيَى هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ جَمِيعًا وَتَابَعَهُ أَبُو الْمُصْعَبِ الزُّهْرِيُّ وَمُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْدِيُّ ومحمد بن المبارك الصوري وعبد الرحمان بْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ سَحْنُونٍ وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ وَابْنُ بُكَيْرٍ وَسَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ التِّنِّيسِيُّ فَقَالُوا فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَوْ حَفْصَةَ عَلَى الشَّكِّ وكذلك رواه الحرث بْنُ مِسْكِينٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ فَقَالَ عَنْ عَائِشَةَ أَوْ حَفْصَةَ أَوْ عَنْ كِلْتَيْهِمَا
(16/41)
وَقَالَ فِيهِ أَبُو مُصْعَبٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ غَيْرُهُ وَانْتَهَى الْحَدِيثُ عِنْدَ غَيْرِهِ إِلَى قَوْلِهِ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ قَاسِمِ بْنِ عِيسَى أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ حُبَابَةَ حَدَّثَهُمْ بِبَغْدَادَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحُدَّ عَلَى مَيِّتٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ وَأَمَّا سَائِرُ أَصْحَابِ نَافِعٍ غَيْرَ مَالِكٍ فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا عَنْ نَافِعٍ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَرَوَاهُ صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَّةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ الْحَدِيثَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عن صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ وَرَوَاهُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نافع عن صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهِيَ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ بِإِسْنَادَيْنِ أَحَدُهُمَا كَمَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ وَصَخْرٌ عَنْ نَافِعٍ والآخر
(16/42)
عَنْ أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ حَدَّثَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَاكِرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ وَسَعِيدُ بْنُ عمثان قَالَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَنَافِعٌ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ حَفْصَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَوْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْ تَحُدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ وَرَوَاهُ اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ أَنَّ صَفِيَّةَ حَدَّثَتْهُ عَنْ حَفْصَةَ أَوْ عَنْ عَائِشَةَ أَوْ عَنْ كِلْتَيْهِمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْبَغَوِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ فَذَكَرَهُ قَالَ الْبَغَوِيُّ وَحَدَّثَنَا ابْنُ زَنْجُوَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِيَ اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ الهادي عن عبد الله
(16/43)
ابن دِينَارٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ حَفْصَةَ أو عن عائشة أو عن كلتيهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكره وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ أَوْ حَفْصَةَ أَوْ كِلْتَيْهِمَا وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ فَذَكَرَهُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ وَالْإِحْدَادُ أَلَّا تَمْتَشِطَ وَلَا تَكْتَحِلَ وَلَا تَخْتَضِبَ وَلَا تَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَلَا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ عِنْدِي مِنْ قَوْلِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَعَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْإِحْدَادَ مَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَسَيَأْتِي شَرْحُ الْإِحْدَادِ فِي اللُّغَةِ وَمَا لِلْفُقَهَاءِ فِيهِ مِنَ الْأَقَاوِيلِ وَالْمَعَانِي مَبْسُوطًا فِي بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ
(16/44)
نَافِعٌ عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَهُوَ حَدِيثٌ ثَانٍ وَسَبْعُونَ لِنَافِعٍ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرْسَلَ إِلَى أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ وَأَبَانٌ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْحَاجِّ وَهُمَا مُحْرِمَانِ إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أُنْكِحَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَرَدْتُ أَنْ تَحْضُرَ ذَلِكَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ أَبَانٌ وَقَالَ سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ
(16/45)
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ احْتَجَّ بِهِ وَذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحِجَازِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَجَمَاعَةٍ وَقَالَ عَبَّاسٌ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ مَعِينٍ نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ ثِقَةٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ نَسَبَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فَقَالَ فِيهِ نُبَيْهُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ وَنَسَبَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقَاضِي فَقَالَ نُبَيْهُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ وَالزُّبَيْرُ أَعْلَمُ بِأَنْسَابِ قُرَيْشٍ وَالْقَلْبُ إِلَى مَا قَالَهُ أَمْيَلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَعُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ التَّيْمِيُّ مَشْهُورٌ هُوَ مَوْلَى أَبِي النَّضْرِ مِنْ فَوْقٍ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا عَلِمْتُ ابْنَةُ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ إِلَّا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَرَوَاهُ أَيُّوبُ وَغَيْرُهُ عَنْ نَافِعٍ فَقَالَ فِيهِ ابْنَةُ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عن نافع عن نبيه ابن وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرَادَ أَنْ يُنْكِحَ ابْنَهُ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ مِنِ ابْنَةِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ سَوَاءً وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُنْكِحَ ابْنَهُ طَلْحَةَ ابْنَةَ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ اخْتِلَافِ السَّلَفِ والخلف
(16/46)
وَاخْتِلَافُ الْآثَارِ فِي نِكَاحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ فِي بَابِ رَبِيعَةَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَةِ ذَلِكَ ههنا وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ يَقُولُونَ إِنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ إِنْ لَمْ تَكُنْ بَائِنَةً مِنْهُ إِلَّا أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فَإِنَّهُ قَالَ الْمُرَاجَعَةُ عِنْدِي تزويج ولا يراجع امرأته
(16/47)
وَاخْتِلَافُ الْآثَارِ فِي نِكَاحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ فِي بَابِ رَبِيعَةَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَةِ ذَلِكَ ههنا وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ يَقُولُونَ إِنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ إِنْ لَمْ تَكُنْ بَائِنَةً مِنْهُ إِلَّا أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فَإِنَّهُ قَالَ الْمُرَاجَعَةُ عِنْدِي تَزْوِيجٌ وَلَا يُرَاجِعُ امْرَأَتَهُ
(16/48)
نَافِعٌ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَهُوَ ثَالِثٌ وَسَبْعُونَ حَدِيثًا لِنَافِعٍ وَهُوَ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ ذَكَرُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَشْهَلُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ مَاتَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَرْضَى عِنْدَ النَّاسِ مِنْهُ قَالَ وَحَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ قَالَ ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ إِنَّهُ لَهَا يَعْنِي الْخِلَافَةَ وَذَكَرَ ابْنُ الْبَرْقِيِّ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمِائَةٍ وَهُوَ قَوْلُ الْوَاقِدِيِّ وَيُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ وَكَانَ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ قَالَ ابْنُ عَوْنٍ رَأَيْتُ ثَلَاثَةً لَمْ أَرَ مِثْلَهُمْ ابْنَ سِيرِينَ بِالْعِرَاقِ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ بِالْحِجَازِ وَرَجَاءَ بْنَ حَيْوَةَ بِالشَّامِ وَقَالَ ضَمْرَةُ عَنْ رَجَاءَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ مَاتَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا وَقَالَ لِابْنِهِ سِنَّ التُّرَابَ عَلَيَّ سَنًّا وَسَوِّ عَلَيَّ قَبْرِي وَالْحَقْ بِأَهْلِكَ وَإِيَّاكَ أَنْ يَغُرَّكَ كَانَ فَكَانَ قَالَ ضَمْرَةُ وَتُوُفِّيَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي
(16/49)
سَنَةِ إِحْدَى أَوِ اثْنَتَيْنِ وَمِائَةٍ فِي خِلَافَةِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ فَعَرَفَتْ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَاذَا أَذْنَبْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ قَالَتِ اشْتَرَيْتُهَا لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أصحاب
(16/50)
هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ قَالَ أَبُو عُمَرَ النُّمْرُقَةُ الْوِسَادَةُ وَقَالَ الْخَلِيلُ وَالنُّمْرُوقُ الْوِسَادَةُ أَيْضًا وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ اسْتِعْمَالِ مَا فِيهِ التَّصَاوِيرُ مِنَ الثِّيَابِ وَأَمْثَالِهَا وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي ثَوْبٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرِ ثَوْبٍ كَانَ الثَّوْبُ مِمَّا يُوطَأُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ النُّمْرُقَةَ مِمَّا تُوطَأُ وَتُمْتَهَنُ وَقَدْ وَرَدَ فِيهَا مَا رَأَيْتَ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَمْ يَخُصَّ بَيْتًا فِيهِ نَوْعُ التَّصَاوِيرِ مِنْ نَوْعٍ مَا وَلَا فِي مَوْضِعٍ مَا وَلَا خَصَّ ثَوْبًا مِنْ ثَوْبٍ وَحُكْمُ كُلِّ ثَوْبٍ حُكْمُ النُّمْرُقَةِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ أَحْسَنُ إِسْنَادًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ سَوَاءً إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ فِي مَوْضِعِ النُّمْرُقَةِ قِرَامًا وَالْقِرَامُ جَمْعُ قُرَامَةَ قَالَ الْخَلِيلُ الْقُرَامَةُ ثَوْبُ صُوفٍ مُلَوَّنٌ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدٌ لِأَنَّهَا كُلَّهَا ثِيَابٌ تُمْتَهَنُ وَلَمْ يُرَخَّصْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَتِ الرُّخْصَةُ قَدْ وَرَدَتْ فِي غَيْرِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّ ذَلِكَ مُتَعَارِضٌ
(16/51)
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا مِنْ أَصَحِّ مَا يُرْوَى فِي هَذَا الْبَابِ إِلَّا أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ فَخَالَفَ فِي مَعْنَاهُ وَذَكَرَ فِيهِ الرُّخْصَةَ فِيمَا يُرْتَفَقُ وَيُتَوَسَّدُ وَقَدْ مَضَى فِي الصُّوَرِ وَكَرَاهِيَتِهَا فِي الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا ذِكْرٌ فِي بَابِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي هَذَا الْبَابِ بِمَا لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ مِنَ الْوُجُوهِ وَالْمَذَاهِبِ فِي بَابِ أَبِي النَّضْرِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا مُمَهَّدًا مُوعَبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي حَسَّانَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ حَبِيبٍ قَالَا حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُسْتَتِرَةٌ بِقِرَامٍ فِيهِ صُوَرٌ فَهَتَكَهُ وَقَالَ إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بخلق الله وحدثنا عبد الرحمان بْنُ يَحْيَى وَأَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ قَالَا حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ
(16/52)
السَّلَامِ السَّرَّاجُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُسْتَتِرَةٌ بِقِرَامٍ فِيهِ صُوَرٌ فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ وَتَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقِرَامَ سِتْرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إِذْ هَتَكَهُ وَخَرَقَهُ فَقَدْ أَبْطَلَ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبَاحَ الِانْتِفَاعَ مِنْهُ بِمَا كَانَ يُوطَأُ وَيُمْتَهَنُ وَكَرِهَ مَا يُنْصَبُ نَصْبًا كَالسِّتْرِ وَشِبْهِهِ وَلِهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَا قُطِعَ رَأْسُهُ فَلَيْسَ بِصُورَةٍ وَمَا لَمْ يُنْصَبْ وَيُبْسَطْ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَيَدُلُّ حَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الِاحْتِمَالِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبَابَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْتِ سِتْرٌ مَنْصُوبٌ عَلَيْهِ تَصَاوِيرُ فَعُرِفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ قَالَتْ فَهَتَكْتُهُ وَأَخَذْتُهُ فَجَعَلْتُهُ مِرْفَقَتَيْنِ فَكَانَ يَرْتَفِقُ بِهِمَا فِي
(16/53)
بَيْتِهِ فَرِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ هَذِهِ عَنِ الْقَاسِمِ مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ وَنَافِعٍ عَنِ الْقَاسِمِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ حَافِظٌ وَسَمَاعُهُ مِنَ الْقَاسِمِ وَمِنْ سَالِمٍ صَحِيحٌ وَالزَّهْرِيُّ وَنَافِعٌ أَجَلُّ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ لَا يَجِبُ أَنْ يَقَعَ الْمَنْعُ وَالْحَظْرُ إِلَّا بِدَلِيلٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ وَحَدِيثُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ مَعَ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ يُعَضِّدُ مَا رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي ذَلِكَ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَأَبِي طَلْحَةَ فِي بَابِ أَبِي النَّضْرِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فِي حَرْفِ السِّينِ وَقَدْ مَضَى مَا لِلْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْمَذَاهِبِ فِي بَابِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَيَأْتِي فِي بَابِ أَبِي النَّضْرِ سَالِمٍ مَا فِيهِ أَيْضًا عَنِ التَّابِعِينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عز وجل
(16/54)
نَافِعٌ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَهُوَ حَدِيثٌ رَابِعٌ وَسَبْعُونَ لِنَافِعٍ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ (زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم) أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ (قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ) فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لْتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ لِتُصَلِّي
(16/55)
هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عن نافع سواء ورواه الليث بن سعيد وخصر بْنُ جُوَيْرِيَّةَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَدْخَلُوا بَيْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَبَيْنَ أُمِّ سَلَمَةَ رَجُلًا وَذَكَرَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّتِي كَانَتْ تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ عُيَيْنَةَ أَيْضًا عَنْ أَيُّوبَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ ابْنَةِ أَبِي حُبَيْشٍ رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ بِخِلَافِ هَذَا اللفظ وسنذكره ههنا وَفِي بَابِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَمَّا حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ هَذَا فَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ أَبِي حُبَيْشٍ اسْتُحِيضَتْ حَتَّى كان المركن
(16/56)
يُنْقَلُ مِنْ تَحْتِهَا وَعَالِيهِ الدَّمُ فَأَمَرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنْ تَسْأَلَ لَهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ تَدَعُ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا وَتَغْتَسِلُ وَتَسْتَثْفِرُ وَتُصَلِّي قَالَ أَيُّوبُ فَقُلْتُ لِسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَيَغْشَاهَا زَوْجُهَا قَالَ إِنَّمَا نُحَدِّثُ بِمَا سَمِعْنَا أَوْ لَا نُحَدِّثُ إِلَّا بِمَا سَمِعْنَا وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَتْ فَاطِمَةُ ابْنَةُ أَبِي حُبَيْشٍ تُسْتَحَاضُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِالْحَيْضَةِ وَلَكِنَّهُ عِرْقٌ وَأَمَرَهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ قَدْرَ أَقْرَائِهَا أَوْ قَدْرَ حَيْضَتِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ اسْتَثْفَرَتْ بِثَوْبٍ وَصَلَّتْ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلَهُ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ
(16/57)
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ اسْتُحِيضَتْ وَكَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي مِرْكَنٍ لَهَا فَتَخْرُجُ وَهُوَ عَالِيهِ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ وَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ تَنْظُرُ أَيَّامَ قُرُوئِهَا أَوْ أَيَّامَ حَيْضَتِهَا فَتَدَعُ فِيهَا الصَّلَاةَ وَتَغْتَسِلُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ وَتَسْتَثْفِرُ بِثَوْبٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أقْرَائِهَا أَوْ أَيَّامَ حَيْضَتِهَا يُضَارِعُ حَدِيثَ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ ابْنَةِ أَبِي حُبَيْشٍ حِينَ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ فَإِذَا ذَهَبَتْ عَنْكِ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي وَيُضَارِعُ حَدِيثَ نَافِعٍ هَذَا فِي قَوْلِهِ لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كانت تحيضهم مِنَ الشَّهْرِ الْحَدِيثَ وَفِي هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ تَنَازُعٌ بين العلماء سنذكره ههنا فِي هَذَا الْبَابِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَلْفَاظِهِ بِعَوْنِ اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ عَلَى نَافِعٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ أَسَدَ بْنَ مُوسَى ذَكَرَهُ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ
(16/58)
تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ سَوَاءً وَلَمْ يُدْخِلْ فِي إِسْنَادِهِ بَيْنَ سُلَيْمَانَ وَبَيْنَ أُمِّ سَلَمَةَ أَحَدًا وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَسَدٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيَّانَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أم سَلَمَةَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ بَيْنَ سُلَيْمَانَ وَبَيْنَ أُمِّ سَلَمَةَ فِيهِ أَحَدٌ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وابن نمير جميعا بالإسناد المذكور وخالفهما عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ فَأَدْخَلَ بَيْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَبَيْنَ أُمِّ سَلَمَةَ رَجُلًا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدَّمَ فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ مَالِكٍ بِمَعْنَاهُ وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى عَنِ اللَّيْثِ هَذَا الْحَدِيثَ فَأَدْخَلَ فِي إِسْنَادِهِ بَيْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَبَيْنَ أُمِّ سَلَمَةَ رَجُلًا فَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ
(16/59)
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَيَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَا حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدَّمَ فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ قَالَ فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْتَغْتَسِلْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَّةَ عَنْ نَافِعٍ بِإِسْنَادِ اللَّيْثِ وَمَعْنَاهُ قَالَ فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ ثُمَّ إِذَا حَضَرَتْ فَلْتَغْتَسِلْ وَلْتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ وَتُصَلِّي وَعِنْدَ اللَّيْثِ فِي هَذَا أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ أبي حَبِيبٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّمِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي قَالَتْ عَائِشَةُ رَأَيْتُ مِرْكَنَهَا مَلْآنَ دَمًا وَعِنْدَ اللَّيْثِ أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
(16/60)
الزُّبَيْرِ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ وَشَكَتْ إِلَيْهِ الدَّمَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ فَانْظُرِي إِذَا أَتَاكِ قُرْؤُكِ فَلَا تُصَلِّي فَإِذَا مَرَّ قُرْؤُكِ فَتَطَهَّرِي ثُمَّ صَلِّي مَا بَيْنَ الْقُرْءِ إِلَى الْقُرْءِ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ فِي الْحَيْضِ حَدِيثَانِ وَالْآخَرُ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ قَالَ أَبُو دَاوُدَ يَعْنِي أَنَّ فِي الْحَيْضِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ هِيَ أُصُولُ هَذَا الْبَابِ أَحَدُهَا حَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَالْآخَرُ حَدِيثَ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَالثَّالِثُ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مِنْهُ شَيْءٌ هُوَ حَدِيثُ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ الَّذِي يَرْوِيهِ ابْنُ عُقَيْلٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا حَدِيثُ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ فَقَدْ مَضَى فِي هَذَا الْبَابِ مُجَوَّدَ الْإِسْنَادِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ ابْنَةِ أَبِي حُبَيْشٍ فَحَدَّثَنَاهُ سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
(16/61)
عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ الْأَسْدِيَّةَ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا إِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي قَالَ اغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي وَهَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهُمْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ كُنَاسَةَ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِيهِ أَلْفَاظًا لَهَا أَحْكَامٌ سَنَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي بَابِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ الثَّالِثُ حَدِيثُ حَمْنَةَ فَأَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَرْثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أُمِّهِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَغَيْرُهُ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَمِّهِ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أُمِّهِ حَمْنَةَ ابْنَةِ جَحْشٍ بِمَعْنًى
(16/62)
وَاحِدٍ قَالَتْ كُنْتُ أُسْتَحَاضَ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً فَمَاذَا تَرَى فِيهَا قَدْ مَنَعَتْنِي مِنَ الصَّلَاةِ فَقَالَ أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ قُلْتُ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَتَلَجَّمِي قُلْتُ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَاتَّخِذِي ثَوْبًا قُلْتُ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَتْ إِنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَآمُرُكِ أَمْرَيْنِ أَيُّهُمَا فَعَلْتِ أَجْزَأَ عَنْكِ مِنَ الْآخَرِ فَإِنْ قَوَيْتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً فِي عِلْمِ اللَّهِ ثُمَّ اغْتَسِلِي حَتَّى إِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ وَاسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا وَصُومِي فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِيكِ وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي كُلَّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ مِيقَاتَ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ فَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَتُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ العشاء
(16/63)
ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ) فَافْعَلِي ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ مَعَ الْفَجْرِ فَافْعَلِي وَصُومِي إِنْ قَدِرْتِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا أَحَبُّ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَمَا عَدَا هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الْأَحَادِيثِ فَفِيهَا اخْتِلَافٌ وَاضْطِرَابٌ قَالَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ وَالْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَحَدِيثُ أَيُّوبَ بْنِ الْعَلَاءِ فَهِيَ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ لَا تَصِحُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ فَاطِمَةَ ابْنَةِ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ وَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عرق
(16/64)
قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ مِنْ كِتَابِهِ هَكَذَا ثُمَّ حَدَّثَنَا بِهِ مِنْ حِفْظِهِ فَقَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ وَذَكَرَهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتُلِفَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَمَرَّةً يَرْوِيهِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ ومرة عن عروة عَنْ عَائِشَةَ وَمَرَّةً عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَمَرَّةً عَنْ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ فِي بَابِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَقَالَ فِيهِ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ ابْنَةُ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّهَا أَمَرَتْ أَسْمَاءَ أَنْ تَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْمَاءُ حَدَّثَتْنِي أَنَّهَا أَمَرَتْ فَاطِمَةَ ابْنَةَ أَبِي حُبَيْشٍ تَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحَيْضِ فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْعُدَ أَيَّامَهَا الَّتِي كَانَتْ تَقْعُدُ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ يَقُولُونَ فِيهِ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ خَتَنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تحت بعدالرحمان بْنِ عَوْفٍ اسْتُحِيضَتْ هَكَذَا يَقُولُونَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أُمُّ حَبِيبَةَ لَا يَذْكُرُونَ فَاطِمَةَ بِنْتَ (أَبِي) حُبَيْشٍ وَحَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ فِي هَذَا الْبَابِ مُضْطَرِبٌ
(16/65)
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ اسْتَفْتَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ رَسُولَ اللَّهِ قَالَتْ إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَقَالَ إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ صَلِّي فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَرَوَاهُ عِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ بِخِلَافِ رِوَايَةِ هِشَامٍ وَالزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الدم قالت عائشة لقد رأيت مركنها ملآن دَمًا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْكُثِي قَدْرَ مَا تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَشَكَتْ إِلَيْهِ الدم فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ فَانْظُرِي فَإِذَا أَتَاكِ قُرْؤُكِ فَلَا تُصَلِّي فَإِذَا مَرَّ الْقُرْءُ فَتَطَهَّرِي ثُمَّ صَلِّي بَيْنَ الْقُرْءِ إِلَى الْقُرْءِ
(16/66)
قَالَ أَبُو عُمَرَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ وَمِثْلِهِ عَنْ عُرْوَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ضَعَّفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مَا عَدَا حَدِيثَ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا أَقَاوِيلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَسَنُورِدُ مِنْهَا ههنا مَا فِيهِ شِفَاءٌ وَاكْتِفَاءٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَعْنَاهُ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا كَانَتِ امْرَأَةً لَا يَنْقَطِعُ دَمُهَا وَلَا تَرَى مِنْهُ طُهْرًا وَلَا نَقَاءً وَقَدْ زَادَهَا ذَلِكَ عَلَى أَيَّامِهَا الْمَعْرُوفَةِ لَهَا وَتَمَادَى بِهَا فَسَأَلَتْ عَنْ ذَلِكَ لِتَعْلَمَ هَلْ حُكْمُ ذَلِكَ الدَّمِ كَحُكْمِ دَمِ الْحَيْضِ أَوْ هَلْ هُوَ حَيْضٌ أَوْ غَيْرُ حَيْضٍ فَأَجَابَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَوَابٍ مَنَعَهَا بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ فِي أَيَّامِ حَيْضَتِهَا فَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّ الْحَائِضَ لَا تُصَلِّي وَهَذَا إِجْمَاعٌ وَأَمَرَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ إِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ وَاحْتَمَلَتْ أَلْفَاظُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنَ التَّأْوِيلِ مَا أَوْجَبَ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ عَنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَالَّذِي أَجْمَعُوا عَلَيْهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ فِي رُؤْيَتِهَا الدَّمَ السَّائِلَ مِنْ فَرْجِهَا فَمِنْ ذَلِكَ دَمُ الْحَيْضِ الْمَعْرُوفُ تَتْرُكُ لَهُ الصَّلَاةَ إِذَا كَانَ حَيْضًا وَلِلْحَيْضِ عِنْدَهُمْ مِقْدَارٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَكُلُّهُمْ يَقُولُ إِذَا جَاوَزَ الدَّمُ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَالْحَيْضُ خِلْقَةٌ فِي النِّسَاءِ وَطَبْعٌ مُعْتَادٌ مَعْرُوفٌ مِنْهُنَّ وَحُكْمُهُ أَلَّا تُصَلِّي مَعَهُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَصُومَ فَإِذَا انْقَطَعَ عَنْهَا كَانَ طُهْرُهَا منه الغسل
(16/67)
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ دَمُ النِّفَاسِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ لَهُ أَيْضًا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ حَدٌّ مَحْدُودٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ عَنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَطُهْرُهَا عِنْدَهُمُ انْقِطَاعُهُ وَالْغُسْلُ مِنْهُ كَالْغُسْلِ مِنَ الْحَيْضِ سَوَاءً وَالْوَجْهُ الثَّانِي دَمٌ لَيْسَ بِعَادَةٍ وَلَا طَبْعٍ مِنْهُنَّ وَلَا خِلْقَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ انْقَطَعَ سَائِلُ دَمِهِ لَا انْقِطَاعَ لَهُ إِلَّا عِنْدَ الْبُرْءِ مِنْهُ فَهَذَا حُكْمُهُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ فِيهِ طَاهِرًا لَا يَمْنَعُهَا مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَاتِّفَاقٍ مِنَ الْآثَارِ الْمَرْفُوعَةِ إِذَا كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ دَمُ الْعِرْقِ لَا دَمَ الْحَيْضِ وَأَمَّا وَطْءُ الزَّوْجِ أَوِ السَّيِّدِ للمرأة هَذِهِ حَالُهَا فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ جَمَاعَةٌ قَالُوا لَا سَبِيلَ لِزَوْجِهَا إِلَى وَطْئِهَا مَا دَامَتْ تِلْكَ حَالَهَا قَالُوا لِأَنَّ كُلَّ دَمٍ أَذًى يَجِبُ غَسْلُهُ مِنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَلَا فَرْقَ فِي الْمُبَاشَرَةِ بَيْنَ دَمِ الْحَيْضِ وَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ لِأَنَّهُ كُلَّهُ رِجْسٌ وَإِنْ كَانَ التَّعَبُّدُ مِنْهُ مُخْتَلِفًا كَمَا أَنَّ مَا خَرَجَ مِنَ السَّبِيلَيْنِ سَوَاءٌ فِي النَّجَاسَةِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ عِبَادَاتُهُ فِي الطَّهَارَةِ قَالُوا وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَرُخْصَةٌ وَرَدَتْ بِهَا السُّنَّةُ كَمَا يُصَلِّي أَسْلَسُ الْبَوْلِ وممن قال أن المستحاضة لا يصبها زَوْجُهَا إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَالْحَكَمُ وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنِ الْحَسَنِ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ أَنَّهُ لَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ وَذُكِرَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ الْمُسْتَحَاضَةُ تَصُومَ وَتُصَلِّي وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الْحَسَنِ مِثْلُهُ
(16/68)
وَعَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ حُرَيْثٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ مِثْلُهُ وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ (لَا) تَصُومُ وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَلَا تَمَسُّ الْمُصْحَفَ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ مِثْلَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَيُصِيبُ الْمُسْتَحَاضَةَ زَوْجُهَا فَقَالَ إِنَّمَا سَمِعْنَا الصَّلَاةَ وَذَكَرَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مصعب قال سمعت المغيرة بن عبد الرحمان وَكَانَ مِنْ أَعْلَى أَصْحَابِ مَالِكٍ يَقُولُ قَوْلُنَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ حَيْضَتِهَا إِنَّا لَا نَدْرِي هَلْ ذَلِكَ انْتِقَالُ دَمِ حَيْضَتِهَا إِلَى دَمٍ أَكْثَرَ مِنْهَا أَمْ ذَلِكَ اسْتِحَاضَةٌ فَنَأْمُرُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ إِذَا مَضَتْ أَيَّامُ حَيْضَتِهَا وَتُصَلِّي وَتَصُومَ وَلَا يَغْشَاهَا زَوْجُهَا احْتِيَاطًا يَنْظُرُ إِلَى مَا تَصِيرُ إِلَيْهِ حَالُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ كَانَتْ حَيْضَةً انْتَقَلَتْ مِنْ أَيَّامٍ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهَا عَمِلَتْ فِيمَا تَسْتَقْبِلُ عَلَى الْأَيَّامِ الَّتِي انْتَقَلَتْ إِلَيْهَا وَلَمْ يَضُرَّهَا مَا كَانَتِ احْتَاطَتْ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الدَّمُ الَّذِي اسْتَمَرَّ بِهَا اسْتِحَاضَةً كَانَتْ قَدِ احْتَاطَتْ لِلصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ قَالَ أَبُو مُصْعَبٍ وَهَذَا قَوْلُنَا وَبِهِ نُفْتِي وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ الْمُسْتَحَاضَةُ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتَطُوفُ وَتَقْرَأُ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا
(16/69)
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ إِجَازَةُ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمْ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ أَحَبُّ إِلَيَّ أَلَّا يَطَأَهَا إِلَّا أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ بِهَا ذَكَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الْأَجْلَحِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يُجَامِعَهَا زَوْجُهَا وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ شَرُوسٍ قَالَ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُ عَنِ الْمُسْتَحَاضَةِ أَيُصِيبُهَا زَوْجُهَا قَالَ نَعَمْ وَإِنْ سَالَ الدَّمُ عَلَى عَقِبَيْهَا عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ سُمَيٍّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَيُجَامِعُهَا زَوْجُهَا وَعَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الْمُسْتَحَاضَةِ أَتُجَامِعُ فَقَالَ الصَّلَاةُ أَعْظَمُ مِنَ الْجِمَاعِ وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَرْثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيب أَنَّهُ قَالَ الْمُسْتَحَاضَةُ تَصُومُ وَتُصَلِّي
(16/70)
وَيَطَؤُهَا زَوْجُهَا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَقَالَ مَالِكٌ أَمْرُ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ دَمُهَا كَثِيرًا وَقَالَ مَالِكٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَيْضَةً فَمَا يَمْنَعُهَا أَنْ تُصِيبَهَا وَهِيَ تُصَلِّي وَتَصُومُ قَالَ أَبُو عُمَرَ حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي دَمِ الْمُسْتَحَاضَةِ بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ وَتَعْبُدُ فِيهِ بِعِبَادَةٍ غَيْرِ عِبَادَةِ الْحَيْضِ أوجب أن لا يحكم له بشئ مِنْ حُكْمِ الْحَيْضِ إِلَّا فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ غُسْلِهِ كَسَائِرِ الدِّمَاءِ وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَفِي أَقَلِّهِ وَفِي أَقَلِّ الطهر فواجب الوقوف عليه ههنا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِحَاضَةِ زِيَادَةُ الدَّمِ عَلَى مِقْدَارِ أَمَدِ الْحَيْضِ أَوْ نُقْصَانِ مُدَّةِ الطُّهْرِ عَنْ أَقَلِّهِ فَبِهَذَا تُعْرَفُ الِاسْتِحَاضَةُ فَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَأَقَلِّهِ فَإِنَّ فُقَهَاءَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ إِنَّ الْحَيْضَ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَجَائِزٌ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا دُونَ وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَلَا يَكُونُ حَيْضًا وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحَاضَةٌ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ
(16/71)
أَنَّهُ قَالَ لَا وَقْتَ لِقَلِيلِ الْحَيْضِ وَلَا لِكَثِيرِهِ وَالدَّفْعَةُ عِنْدَهُ مِنَ الدَّمِ وَإِنْ قَلَّتْ تَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا إِلَّا أَنْ يُوجَدَ فِي النِّسَاءِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ تَرَكَ قَوْلَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَرَدَّهُ إِلَى عُرْفِ النِّسَاءِ فِي الْأَكْثَرِ وَأَمَّا الْأَقَلُّ فَقَلِيلُ الدَّمِ عِنْدَهُ حَيْضٌ بِلَا تَوْقِيتٍ يَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْمُطَلَّقَةُ تَعُدُّهُ قُرْءًا هَذِهِ جُمْلَةُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَكْثَرِ الْمِصْرِيِّينَ عَنْهُ وَرَوَى الْأَنْدَلُسِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ أَقَلُّ الطُّهْرِ عَشْرٌ وَأَقَلُّ الْحَيْضِ خَمْسٌ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَأَقَلُّ الْحَيْضِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَرُوِيَ عَنْهُ يَوْمٌ بِلَا لَيْلَةٍ وَأَكْثَرُهُ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي عُرْفِ النِّسَاءِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ قَالَ وَعِنْدَنَا امْرَأَةٌ تَحِيضُ غُدْوَةً وَتَطْهُرُ عَشِيَّةً وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَمَا نَقَصَ عِنْدَهَا وَلَاءً مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ وَمَا زَادَ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ وَمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمِثْلُ ذَلِكَ
(16/72)
وَكَذَلِكَ مَا نَقَصَ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي أَقَلِّ الطُّهْرِ فَإِنَّ مَالِكًا وَأَصْحَابَهُ اضْطَرَبُوا فِي ذَلِكَ فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَرُوِيَ عَنْهُ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَقَالَ عَبْدُ الْمَالِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ إلا أن يعمل طُهْرُ امْرَأَةٍ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا وَحَكَى ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ أَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ تِسْعَةَ عَشَرَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ عَدْلَ كُلِّ حَيْضَةٍ وَطُهْرٍ شَهْرًا وَالْحَيْضُ فِي الْعَادَةِ أَقَلُّ مِنَ الطُّهْرِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْحَيْضُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَشْرَةٌ حَيْضًا وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرًا وَهُوَ تِسْعَةَ عَشَرَ لِأَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَقَوْلُ أحمد بن حنبل وإسحاق وأبي ثور وأبي عُبَيْدٍ وَالطَّبَرِيِّ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِهِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا أَقَلُّ الطُّهْرِ فَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لَا تَحْدِيدَ فِي ذَلِكَ وَأَنْكَرَا عَلَى مَنْ وَقَّتَ فِي ذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقَالَا باطل
(16/73)
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ أَقَلُّ مَا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ مِنَ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَذَكَرَ أَبُو ثَوْرٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَحَكَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي أَقَلِّ النِّفَاسِ وَأَكْثَرِهِ فَلَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ أَعْنِي فُقَهَاءَ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ أَنَّ النُّفَسَاءَ إِذَا رَأَتِ الطُّهْرَ وَلَوْ بَعْدَ سَاعَةٍ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَكْثَرِ مُدَّتِهِ فَقَالَ مَالِكٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ وَالشَّافِعِيُّ أَكْثَرُهُ سِتُّونَ يَوْمًا ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ يُسْأَلُ النِّسَاءُ عَنْ ذَلِكَ وَأَهْلُ الْمَعْرِفَةِ فَذَكَرَ اللَّيْثُ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ سَبْعِينَ يَوْمًا وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ أَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا قَالَ أَبُو عُمَرَ مَا زَادَ عِنْدَهُمْ عَلَى أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِ مُدَّةِ النِّفَاسِ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ فَقِفْ عَلَى أُصُولِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ لِتَعْرِفَ الْحُكْمَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَتَعْرِفَ مَنْ قَلَّدَ أَصْلَهُ مِنْهُمْ وَمَنْ خَالَفَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَمَّا أَقَاوِيلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي صَلَاةِ الْمُسْتَحَاضَةِ فَإِنَّ ابْنَ سِيرِينَ رَوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ قَالَ إِذَا رَأَتِ الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ فَلَا تُصَلِّي وَإِذَا رَأَتِ الطُّهْرَ وَلَوْ سَاعَةً فَلْتَغْتَسِلْ وَلْتُصَلِّ وَقَالَ مَكْحُولٌ إِنَّ النِّسَاءَ لَا تَخْفَى عَلَيْهِنَّ الْحَيْضَةُ إِنَّ دَمَهَا أَسْوَدُ غَلِيظٌ فَإِذَا ذَهَبَ ذَلِكَ وَصَارَتْ صُفْرَةً رَقِيقَةً فَإِنَّهَا الِاسْتِحَاضَةُ فَلْتَغْتَسِلْ وَلْتُصَلِّ
(16/74)
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ تَرَكَتِ الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتِ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تَجْلِسُ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْهُ وَرَوَى يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ الْحَائِضُ إِذَا مَدَّ بِهَا الدَّمُ تُمْسِكُ بَعْدَ حَيْضَتِهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَقَالَ التَّيْمِيُّ عَنْ قَتَادَةَ إِذَا زَادَتْ عَلَى أَيَّامِ حَيْضَتِهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَلْتُصَلِّ قَالَ التَّيْمِيُّ فَجَعَلْتُ أُنْقِصُ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ يَوْمَيْنِ قَالَ إِذَا كَانَ يَوْمَيْنِ فَهُوَ مِنْ حَيْضِهَا وَسُئِلَ ابْنُ سِيرِينَ فَقَالَ النِّسَاءُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ قَالَ أَبُو عُمَرَ فَهَذِهِ أَقَاوِيلُ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا أَقَاوِيلُ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ إِذَا ابْتَدَأَهَا حَيْضُهَا فَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ أَوْ كَانَتْ مِمَّنْ قَدْ حَاضَتْ فَاسْتَمَرَّ الدَّمُ بِهَا قَالَ فِي الْمُبْتَدَأَةِ تَقْعُدُ مَا تَقْعُدُ نَحْوُهَا مِنَ النِّسَاءِ مِنْ أَسْنَانِهَا وَأَتْرَابِهَا وَلِدَاتِهَا ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا رَأَتِ الْمَرْأَةُ بَعْدَ بُلُوغِهَا مِنَ الدَّمِ فَهُوَ حَيْضٌ تَتْرُكُ لَهُ الصَّلَاةَ فَإِنْ تَمَادَى بِهَا قَعَدَتْ عَنِ الصَّلَاةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ اغْتَسَلَتْ وَكَانَتْ مُسْتَحَاضَةً تُصَلِّي وَتَصُومُ وَتُوطَأُ إِلَّا أَنْ تَرَى دَمًا لَا تَشُكُّ أنه
(16/75)
دَمُ حَيْضٍ فَتَدَعُ لَهُ الصَّلَاةَ فَقَالَ وَالنِّسَاءُ يَعْرِفْنَ ذَلِكَ بِرِيحِهِ وَلَوْنِهِ وَقَالَ إِذَا عَرَفَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ إِقْبَالَ الْحَيْضَةِ وَإِدْبَارَهَا وَمَيَّزَتْ دَمَهَا اعْتَدَّتْ بِهِ مِنَ الطَّلَاقِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ عِدَّتُهَا سَنَةٌ وَإِنْ رَأَتْ دَمًا تُنْكِرُهُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ تَرَى الدَّمَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَا تَرَى غَيْرَهَا فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِنَّ ذَلِكَ حَيْضٌ تَكُفُّ لَهُ عَنِ الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَيْرُ تِلْكَ الدَّفْعَةِ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ وَلَا تَعْتَدُّ بِتِلْكَ الدَّفْعَةِ مِنْ طَلَاقٍ وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ وَفِي غَيْرِهَا حَيْضٌ وَقَالَ مَالِكٌ الْمُسْتَحَاضَةُ إِذَا مَيَّزَتْ بَيْنَ الدَّمَيْنِ عَمِلَتْ عَلَى التَّمْيِيزِ فِي إِقْبَالِ الْحَيْضَةِ وَإِدْبَارِهَا وَلَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ وَكَفَّتْ عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ إِقْبَالِ حَيْضَتِهَا وَاغْتَسَلَتْ عِنْدَ إِدْبَارِهَا وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ يَزِيدُ دَمُهَا عَلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا إِنَّهَا تُمْسِكُ عَنِ الصَّلَاةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنِ انْقَطَعَ وَإِلَّا صَنَعَتْ مَا تَصْنَعُ الْمُسْتَحَاضَةُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ تَسْتَظْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ أَيَّامِ حَيْضَتِهَا الْمُعْتَادَةِ ثُمَّ تُصَلِّي وَتَرَكَ قَوْلَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَأَخَذَ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ الْمَدَنِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَخَذَ بِقَوْلِهِ الْآخَرِ الْمِصْرِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَالَ اللَّيْثُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كُلِّهَا مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ الْأَخِيرِ وَلِمَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَرْأَةِ يَنْقَطِعُ دَمُ حَيْضِهَا فَتَرَى دَمًا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَطُهْرًا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ مَذَاهِبُ سَنَذْكُرُهَا فِي بَابِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
(16/76)
وَذَكَرَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَقْصَى مَا تَحِيضُ النِّسَاءُ عِنْدَ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِذَا رَأَتِ الْمَرْأَةُ الدَّمَ أَمْسَكَتْ عَنِ الصَّلَاةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنِ انْقَطَعَ عَنْهَا عِنْدَ انْقِضَاءِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَفِيمَا دُونَهَا عَلِمْنَا أَنَّهُ حَيْضٌ وَاغْتَسَلَتْ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ وَصَلَّتْ وَلَيْسَتْ مُسْتَحَاضَةً فَإِنْ تَمَادَى بِهَا الدَّمُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا اغْتَسَلَتْ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَعَلِمْنَا أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فَأَمَرْنَاهَا بِالْغُسْلِ لِأَنَّهَا طَاهِرٌ وَتُصَلِّي مِنْ يَوْمِهَا ذَلِكَ وَلَا تُصَلِّي مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا تَرَكَتِ الصَّلَاةَ بِاجْتِهَادٍ فِي أَمْرٍ يُخْتَلَفُ فِيهِ وَقَدْ ذَهَبَ وَقْتُ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَقُلْنَا أَقِيمِي طَاهِرَةً حَتَّى تُقْبِلَ الْحَيْضَةُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ أَنْ تَأْتِيَهَا دَفْعَةٌ مِنْ دَمٍ تُنْكِرُهُ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ يَوْمِ غُسْلِهَا لِأَنَّهُ أَقَلُّ الطُّهْرِ عِنْدَنَا فَإِذَا رَأَتِ الدَّفْعَةَ بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنَ الطُّهْرِ كَفَّتْ عَنِ الصَّلَاةِ مَا دَامَتْ تَرَى الدَّمَ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ فِيمَا تَسْتَقْبِلُ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بين الدفعة وبين الطهر قدر بخمسة عشر يوما فهي امرأة حاضت فِي الشَّهْرِ أَكْثَرَ مِمَّا تَحِيضُ النِّسَاءُ فَلَا تَعْتَدُّ بِهِ وَلَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ لِتِلْكَ الدَّفْعَةِ وَلَا تَزَالُ تُصَلِّي حَتَّى يَأْتِيَهَا وَلَوْ دَفْعَةٌ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الطُّهْرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
(16/77)
مَسْلَمَةَ إِنَّمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْتَحَاضَةَ أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ وَقَدْرُهَا عِنْدَنَا عَلَى مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ فَإِنْ جَاوَزَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ وَلْتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ وَلْتُصَلِّي وَإِنَّمَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ وَحَيْضُهَا مُسْتَقِيمٌ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ لَا تَزِيدُ عَلَيْهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَهِيَ طَاهِرٌ حَتَّى تَرَى دَفْعَةً فَتَكُفَّ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ فَإِنْ زَادَتْ دَفْعَةٌ قَبْلَ وَقْتِ حَيْضِهَا لَمْ تَكُفَّ عَنِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا لَوْ كَفَّتْ عَنِ الصَّلَاةِ بِتِلْكَ الدَّفْعَةِ قَبْلَ وَقْتِ حَيْضِهَا كَانَتْ قَدْ خَالَفَتْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَعَدَتْ عَنِ الصَّلَاةِ أَكْثَرَ مِنْ أَيَّامِ حَيْضِهَا وَالدَّفْعَةُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ عِرْقٌ لَنْ تُقْبَلَ مَعَهُ حَيْضَةٌ وَإِنَّمَا أُمِرَتْ أَنْ تَكُفَّ عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ إقبال الحيضة فرأينا إقبالها في غير مَوْضِعَهَا مُخَالِفًا لِلْحَدِيثِ فِي عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ فَجَعَلْنَا ذَلِكَ اسْتِحَاضَةً قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَكَانَ الْمُغِيرَةُ يَأْخُذُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ فِيهِ عَدَدُ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ وَكَانَ مَالِكٌ يَحْتَاطُ بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثٍ قَالَ وَقَوْلُ الْمُغِيرَةِ فِي ذَلِكَ أَحْسَنُ وَأَحَبُّ إِلَيَّ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَذَّلِ أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي لَمْ تَحِضْ قَطُّ ثُمَّ حَاضَتْ فَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَإِنَّهَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ إِلَى
(16/78)
أَنْ تُتِمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنِ انْقَطَعَ عَنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّهُ حَيْضٌ وَاغْتَسَلَتْ وَإِنِ انْقَطَعَ عَنْهَا لِخَمْسَ عَشْرَةَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَهِيَ حَيْضَةٌ قَائِمَةٌ تَصِيرُ قُرْءًا لَهَا وَإِنْ زَادَ الدَّمُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ اغْتَسَلَتْ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْخَمْسَ عَشْرَةَ وَتَوَضَّأَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَصَلَّتْ وَكَانَ مَا بَلَغَ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ دَمِهَا اسْتِحَاضَةً يَغْشَاهَا فِيهِ زَوْجُهَا وَتُصَلِّي فِيهِ وَتَصُومُ وَلَا تَزَالُ بِمَنْزِلَةِ الطَّاهِرِ حَتَّى تَرَى دَمًا قَدْ أَقْبَلَ غَيْرَ الدَّمِ الَّذِي كَانَ بِهَا وَهِيَ تُصَلِّي فَإِنْ رَأَتْهُ بَعْدَ خَمْسِ لَيَالٍ مِنْ يَوْمِ اغْتَسَلَتْ فَهُوَ حَيْضٌ مُقْبِلٌ تَتْرُكُ لَهُ الصَّلَاةَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّنْ كَانَ لَهَا حَيْضٌ مَعْرُوفٌ تَرْجِعُ إِلَيْهِ وَتَتْرُكُ الصَّلَاةَ قَدْرَ أَيَّامِهَا إِنَّمَا وَقْتُهَا أَكْثَرُ الْحَيْضِ وَهِيَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَإِذَا رَأَتِ الدَّمَ الْمُقْبِلَ بَعْدَمَا اغْتَسَلَتْ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسِ لَيَالٍ لَمْ تَتْرُكْ لَهُ الصَّلَاةَ وَكَانَتِ اسْتِحَاضَةً لِأَنَّهَا لَمْ تُتِمَّ مِنَ الطُّهْرِ أَيَّامَهَا فَيَكُونُ الَّذِي يُقْبِلُ حَيْضًا مُسْتَأْنَفًا فَهَذَا حُكْمُ الَّتِي ابْتُدِئَتْ فِي أَوَّلِ مَا حَاضَتْ بِالِاسْتِحَاضَةِ قَالَ وَأَمَّا الَّتِي لَهَا حَيْضٌ مَعْرُوفٌ مُسْتَقِيمٌ وَزَادَهَا الدَّمُ عَلَى أَيَّامِهَا فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ إِلَى تَمَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ فَإِنِ انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ قَبْلَ ذَلِكَ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ وَكَانَ حَيْضُهَا مُسْتَقِيمًا وَإِنِ انْقَطَعَ الدَّمُ مَعَ تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَإِنَّمَا هِيَ امْرَأَةٌ انْتَقَلَ حَيْضُهَا إِلَى أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ وَكُلُّ ذَلِكَ حَيْضٌ لِأَنَّ حَيْضَ الْمَرْأَةِ مُخْتَلِفٌ أَحْيَانًا فَيَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَإِنْ زَادَهَا الدَّمُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ اغْتَسَلَتْ عِنْدَ تَمَامِهَا فَصَلَّتْ وَكَانَتْ مُسْتَحَاضَةً وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَرَى دَمًا قَدْ أَقْبَلَ سِوَى الَّذِي تصلي
(16/79)
فِيهِ فَإِنْ رَأَتْهُ قَبْلَ خَمْسِ لَيَالٍ مِنْ حِينِ اغْتَسَلَتْ مَضَتْ عَلَى حَالِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ وَإِنْ رَأَتْهُ بَعْدَ خَمْسِ لَيَالٍ فَأَكْثَرَ فَهُوَ دَمُ حَيْضٍ مُسْتَأْنَفٌ تَتْرُكُ لَهُ الصَّلَاةَ أَيَّامَهَا الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهَا قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ عَلَيْهَا أَمْرُهَا وَتَزِيدُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى مَا كَانَتْ تَعْرِفُ مِنْ أَيَّامِهَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ أَيَّامُهَا وَالثَّلَاثَةُ الَّتِي تَحْتَاطُ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تُجَاوِزْ خَمْسَ عَشْرَةَ وَاغْتَسَلَتْ عِنْدَ تَمَامِهَا وَصَلَّتْ فَهَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأَةِ بِالِاسْتِحَاضَةِ وَبَيْنَ الَّتِي كَانَ لَهَا وَقْتٌ مَعْلُومٌ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَذَّلِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الْجِلَّةُ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ الْحَيْضَ يَكُونُ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا تُجَاوِزُ ذَلِكَ وَمَا جَاوَزَهُ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ قَالَ وَعَلَى هَذَا كَانَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْقَدِيمُ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ حَتَّى رَجَعَ عَنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِحَدِيثٍ بَلَغَهُ عَنِ الْجَلْدِ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تَنْتَظِرُ عَشْرًا لَا تُجَاوِزُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَمْ أَزَلْ أَرَى أَنْ يَكُونَ أَقَلُّ الطُّهْرِ أَكْثَرَ مِنْ أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَكُنْتُ أَكْرَهُ خِلَافَهُمْ يَعْنِي فُقَهَاءَ الْكُوفَةِ حَتَّى سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَنَسٍ فَأَنَا آخُذُ بِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَذَّلِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ أَصْحَابِهِ فِي عَدَدِ الْحَيْضِ وَانْقِطَاعِهِ وَعَوْدَتِهِ اخْتِلَافًا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوهُ عَنْ أَثَرٍ قَوِيٍّ وَلَا إِجْمَاعٍ قَالَ وَاخْتَلَفَ أَيْضًا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي عَدَدِ الْحَيْضِ رَجَعَ فِيهَا مِنْ قَوْلٍ إِلَى قَوْلٍ وَثَبَتَ هو وأهل
(16/80)
بَلَدِهِ عَلَى أَصْلِ قَوْلِهِمْ فِي الْحَيْضِ أَنَّهُ خَمْسَ عَشْرَةَ قَالَ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ لَكَ اخْتِلَافَ أَمْرِ الْحَيْضِ وَاخْتِلَاطَهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ لِتَعْلَمَ أَنَّهُ أَمْرٌ أُخِذَ أَكْثَرُهُ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا يَكُونُ عِنْدَكَ سُنَّةُ قَوْلِ أَحَدٍ مِنَ الْمُخْتَلِفِينَ فَيُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ خِلَافَهُمْ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدِ احْتَجَّ الطحاوي المذهب الْكُوفِيِّينَ فِي تَحْدِيدِ الثَّلَاثِ وَالْعَشْرِ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِهِ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ إِذْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تُهَرَاقُ الدَّمَ فَقَالَ لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تحيضهن في الشَّهْرِ فَلْتَتْرُكْ قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ ثُمَّ تَغْتَسِلْ وَتُصَلِّي قَالَ فَأَجَابَهَا بِذِكْرِ عَدَدِ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ لَهَا عَلَى مِقْدَارِ حَيْضِهَا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ وَأَكْثَرُ مَا يَتَنَاوَلُهُ أَيَّامٌ عَشَرَةٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ هَذَا عِنْدِي حُجَّةً تَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْحَيْضُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ لِأَنَّهُ كَلَامٌ خَرَجَ فِي امْرَأَةٍ قَدْ عُلِمَ أَنَّ حَيْضَهَا أَيَّامٌ فَخَرَجَ جَوَابُهَا عَلَى ذَلِكَ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْحَيْضُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي النِّسَاءِ غَيْرُ مَدْفُوعٍ وَأَمَّا الْجَلْدُ بْنُ أَيُّوبَ فَإِنَّ الْحُمَيْدِيَّ ذَكَرَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ كَانَ يُضَعِّفُهُ وَيَقُولُ مَنْ جَلْدٌ وَمَنْ كَانَ جَلْدٌ وَقَالَ ابْنُ
(16/81)
الْمُبَارَكِ الْجَلْدُ بْنُ أَيُّوبَ يُضَعِّفُهُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَيَقُولُونَ لَيْسَ بِصَاحِبِ حَدِيثٍ يَعْنِي رِوَايَتَهُ فِي قِصَّةِ الْحَيْضِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ لِلْجَلْدِ بْنِ أَيُّوبَ أَيْضًا حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ عَائِدِ بْنِ عُمَرَ وَأَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إِذَا نُفِسْتِ لَا تَغُرِّينِي عَنْ دِينِي حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً وَرَوَى عَنِ الْجَلْدِ بْنِ أَيُّوبَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ وَعُمَرُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ وَغَيْرُهُمْ وَلَهُ سَمَاعٌ مَنِ الْحَسَنِ وَنُظَرَائِهِ وَلَكِنَّهُمْ يُضَعِّفُونَهُ فِي حَدِيثِهِ فِي الْحَيْضِ وَأَمَّا الِاسْتِظْهَارُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ بِاسْتِظْهَارِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقَالَ غَيْرُهُ تَسْتَظْهِرُ يَوْمَيْنِ وَحَكَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ تَسْتَظْهِرُ يَوْمًا وَاحِدًا عَلَى حَيْضَتِهَا ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَذَكَرَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ تَسْتَظْهِرُ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي الِاسْتِظْهَارِ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ حَرَامُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي جَابِرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ وَحَرَامُ بْنُ عُثْمَانَ
(16/82)
ضَعِيفٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَاحْتَجُّوا فِيهِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَالْقِيَاسِ عَلَى الْمُصَرَّاةِ فِي اخْتِلَاطِ اللَّبَنَيْنِ فَجَعَلُوا كَذَلِكَ اخْتِلَافَ الدَّمَيْنِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَدَمِ الْحَيْضِ وَفِي السُّنَّةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْمُصَرَّاةَ تُسْتَبْرَأُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِيُعْلَمَ بِذَلِكَ مِقْدَارُ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ مِنْ لَبَنِ الْعَادَةِ فَجَعَلُوا كَذَلِكَ الَّذِي يَزِيدُ دَمُهَا عَلَى عَادَتِهَا لِيُعْلَمَ بِذَلِكَ أَحَيْضٌ هُوَ أَمِ اسْتِحَاضَةٌ اسْتِبْرَاءً وَاسْتِظْهَارًا وَفِي ذَا الْمَعْنَى نَظَرٌ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ إِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي عَمَلِ الصَّلَاةِ لَا فِي تَرْكِهَا وَسَيَأْتِي هَذَا الْمَعْنَى بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا فِي بَابِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ الْحَيْضُ أَقَلُّ مَا يَكُونُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنْ تَمَادَى بِالْمُبْتَدَأَةِ الدَّمُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا اغْتَسَلَتْ وَقَضَتِ الصَّلَاةَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ بِيَقِينٍ إِذَا زَادَتْ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّ حَيْضَهَا أَقَلُّ الْحَيْضِ احْتِيَاطًا لِلصَّلَاةِ وَإِنِ انْقَطَعَ دَمُهَا لِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ دُونَهَا فَهُوَ كُلُّهُ حَيْضٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا زَادَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى أَيَّامِ حَيْضِهَا نَظَرَتْ فَإِنْ كَانَ الدَّمُ مُحْتَدِمًا ثَخِينًا فَتِلْكَ الْحَيْضَةُ تَدَعُ لَهَا الصَّلَاةَ فَإِذَا جَاءَهَا الدَّمُ الْأَحْمَرُ فَذَلِكَ الِاسْتِحَاضَةُ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي (وَلَا
(16/83)
تَسْتَظْهِرُ فِي أَيَّامِ الدَّمِ وَفِي أَيَّامِ أَقْرَائِهَا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي) تَعْمَلُ عِنْدَهُ عَلَى التَّمْيِيزِ فَإِنْ لَمْ تُمَيِّزْ فَعَلَى الْأَيَّامِ فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ رَجَعَتْ إِلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَالْيَقِينِ وَقَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ فِي هَذَا كُلِّهِ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ سَوَاءً قَالَ أَبُو عُمَرَ الدَّمُ الْمُحْتَدِمُ هُوَ الَّذِي لَيْسَ بِرَقِيقٍ وَلَا بِمُشْرِقٍ وَهُوَ إِلَى الْكُدْرَةِ وَالدَّمُ الْأَحْمَرُ الْمَشْرِقُ تَقُولُ لَهُ الْعَرَبُ دَمٌ عَبِيطٌ وَالْعَبِيطُ هُوَ الطَّرِيُّ غَيْرُ الْمُتَغَيِّرِ تَقُولُ الْعَرَبُ اعْتَبَطَ نَاقَتَهُ وَبَعِيرَهُ إِذَا نَحَرَهُمَا مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُمْ مَنْ لَمْ يَمُتْ عَبْطَةً يَمُتْ هَرَمًا أَيْ مَنْ لَمْ يَمُتْ فِي شَبَابِهِ وَصِحَّتِهِ مَاتَ هَرَمًا يَقُولُونَ اعْتَبَطَ الرَّجُلُ إِذَا مَاتَ شَابًّا صَحِيحًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ فِي الَّتِي يَزِيدُ دَمُهَا عَلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا إِنَّهَا تُرَدُّ إِلَى أَيَّامِهَا الْمَعْرُوفَةِ فَإِنْ زَادَتْ فَإِلَى أَقْصَى مُدَّةِ الْحَيْضِ وَذَلِكَ عِنْدَهُمْ عَشَرَةُ أَيَّامٍ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِيهَا فَإِنِ انْقَطَعَ وَإِلَّا فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَالْعَمَلُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْأَيَّامِ لَا عَلَى التَّمْيِيزِ تَجْلِسُ عِنْدَهُمْ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا إِلَى آخِرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَذَكَرَ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُبْتَدَأَةِ تَرَى الدَّمَ وَيَسْتَمِرُّ بِهَا أَنَّ حَيْضَهَا عَشْرٌ وَطُهْرَهَا عِشْرُونَ وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ عِنْدَهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَأَقَلُّهُ ثلاثة
(16/84)
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَأْخُذُ فِي الصَّلَاةِ بِالثَّلَاثَةِ أَقَلُّ الْحَيْضِ وَفِي الْأَزْوَاجِ بِالْعَشْرِ وَلَا تَقْضِي صَوْمًا عَلَيْهَا إِلَّا بَعْدَ الْعَشَرَةِ وَتَصُومُ الْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ وَتَقْضِي سَبْعًا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَسُئِلَ فِيمَنْ تَسْتَظْهِرُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ بَعْدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا إِذَا تَطَاوَلَ بِهَا الدَّمُ فَقَالَ يَجُوزُ وَلَمْ يُوَقِّتْ لِلِاسْتِظْهَارِ وَقْتًا وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَلَوْ طَبَقَ بِهَا الدَّمُ وَكَانَتْ مِمَّنْ تُمَيِّزُ وَعَلِمَتْ إِقْبَالَهُ بِأَنَّهُ أَسْوَدُ ثَخِينٌ أَوْ أَحْمَرُ يَضْرِبُ إِلَى السَّوَادِ وَفِي إِدْبَارِهِ يَصِيرُ إِلَى الرِّقَّةِ وَالصُّفْرَةِ تَرَكَتِ الصَّلَاةَ فِي إِقْبَالِهِ فَإِذَا أَدْبَرَ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ وَتَوَضَّأَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَمُهَا مُنْفَصِلًا وَكَانَتْ لَهَا أَيَّامٌ مِنَ الشَّهْرِ تَعْرِفُهَا أَمْسَكَتْ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا وَاغْتَسَلَتْ إِذَا جَاوَزَتْهَا وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْرِفُ أَيَّامَهَا بِأَنْ تَكُونَ أُنْسِيَتْهَا وَكَانَ دَمُهَا مُشْكَلًا لَا يَنْفَصِلُ قَعَدَتْ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً فِي كُلِّ شَهْرٍ عَلَى حَدِيثِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ وَأَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ بِالدَّمِ فَإِنَّهَا تَحْتَاطُ فَتَجْلِسُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَتَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي فَإِنِ انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ اغْتَسَلَتْ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً فَإِنْ كَانَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ عَمِلَتْ عَلَيْهِ وَأَعَادَتِ الصَّوْمَ إِنْ كَانَتْ صَامَتْ وَإِنِ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَلَمْ تُمَيِّزْ قَعَدَتْ فِي كُلِّ شَهْرٍ سِتًّا أَوْ سَبْعًا لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنَ النِّسَاءِ أَنَّهُنَّ هَكَذَا
(16/85)
يَحِضْنَ وَقَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَأَبِي عُبَيْدٍ فِي هَذَا الْبَابِ نَحْوُ قَوْلِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي اسْتِعْمَالِ الثَّلَاثَةِ أَحَادِيثَ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ فِي تَمْيِيزِ إِقْبَالِ حَيْضَتِهَا وَإِدْبَارِهَا وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فِي عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الْمَعْرُوفَةِ لَهَا إِذَا كَانَتْ لَا تُمَيِّزُ انْفِصَالَ دَمِهَا وَحَدِيثُ حَمْنَةِ بِنْتِ جَحْشٍ فِيمَنْ لَا تَعْرِفُ أَيَّامَهَا وَلَا تُمَيِّزُ دَمَهَا وَقَالَ الطَّبَرِيُّ أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنْ تَمَادَى بِهَا الدَّمُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا قَضَتْ صَلَاةَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَخَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا عَادَةٌ فَتَقْضِي مَا زَادَ عَلَى عَادَتِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ هَلْ ذَلِكَ اسْتِحَاضَةٌ لَا يَمْنَعُهَا مِنَ الصَّلَاةِ أَمْ هُوَ حَيْضٌ تَكُفُّ مَعَهُ عَنِ الصَّلَاةِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالطَّبَرِيُّ هُوَ حَيْضٌ وَتَدَعُ الصَّلَاةَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّهُ حَيْضٌ يَمْنَعُهَا مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا ابْنَ خَوَازِ مِنْدَادْ قَالَ إِنَّ هَذَا فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ إذ رَأَتِ الدَّمَ فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ حَيْضًا وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي حُكْمِ الْحَامِلِ إِذَا رَأَتِ الدَّمَ فَرُوِيَ عَنْهُ الْفَرْقُ بَيْنَ أَوَّلِ الْحَمْلِ وَآخِرِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٌ لَمْ أَرَ لِذِكْرِهَا وَجْهًا وَأَصَحُّ مَا فِي ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ رُوَاتِهِ أَشْهَبُ عَنْهُ أَنَّ الْحَامِلَ فِي رُؤْيَتِهَا الدَّمَ كَغَيْرِ الْحَامِلِ سَوَاءً
(16/86)
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَيْسَ بِحَيْضٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحَاضَةٌ لَا تَكُفُّ بِهِ عَنِ الصَّلَاةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُلَيَّةَ وَدَاوُدَ وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ تُطَلَّقُ لِلسُّنَّةِ إِذَا اسْتَبَانَ حَمْلُهَا مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ وَأَنَّ الْحَمْلَ كُلَّهُ كَالطُّهْرِ الَّذِي لَمْ يُجَامَعْ فِيهِ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ قَالُوا فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يَنْفِي الْحَيْضَ وَمِنْ حُجَّةِ مَالِكٍ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُ فِي أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ مَا يُحِيطُ بِهِ الْعِلْمُ بِأَنَّ الْحَائِضَ قَدْ تَحْمِلُ فَكَذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ تَحِيضَ كَمَا جَائِزٌ أَنْ تَحْمِلَ وَالْأَصْلُ فِي الدَّمِ الظَّاهِرِ مِنَ الْأَرْحَامِ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا حَتَّى تَتَجَاوَزَ الْمِقْدَارَ الَّذِي لَا يَكُونُ مِثْلُهُ حَيْضًا فَيَكُونُ حِينَئِذٍ اسْتِحَاضَةً لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا حَكَمَ بِالِاسْتِحَاضَةِ فِي دَمٍ زَائِدٍ عَلَى مِقْدَارِ الْحَيْضِ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ مَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ حَيْضٌ عَلَى حَمْلٍ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي سبي أوطاس حين أرادوا وطئهن فأخبروا عن الْحَامِلَ لَا بَرَاءَةَ لِرَحِمِهَا بِغَيْرِ الْوَضْعِ وَالْحَائِلَ لَا بَرَاءَةَ لِرَحِمِهَا بِغَيْرِ الْحَيْضِ لَا أَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(16/87)
وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّ الْحَامِلَ إِذَا رَأَتِ الدَّمَ كَفَّتْ عَنِ الصَّلَاةِ كَالْحَائِضِ سَوَاءً ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَابْنُ مَهْدِيٍّ وَجَمَاعَةٌ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فَرُوِيَ عَنْهَا مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالزَّهْرِيِّ وَرُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا لَا تَدَعُ الصَّلَاةَ عَلَى حَالٍ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَمَّا غُسْلُ الْمُسْتَحَاضَةِ وَوُضُوؤُهَا فَأَجْمَعُوا أَنَّ عَلَيْهَا إِذَا كَانَتْ مِمَّنْ تُمَيِّزُ دَمَ حَيْضِهَا مِنْ دَمِ اسْتِحَاضَتِهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ إِدْبَارِ حَيْضَتِهَا وَكَذَلِكَ إِذَا لَمْ تَعْرِفْ ذَلِكَ وَقَعَدَتْ مَا أُمِرَتْ بِهِ مِنْ عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ فِي الشَّهْرِ اغتسلت عند انقضاء ذلك على حسبما جَاءَ مَنْصُوصًا فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ عَلَى مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غُسْلٍ أَوْ وُضُوءٍ فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ بِحَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ جَمِيعًا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ وَبَعْضَ أَصْحَابِ ابْنِ شِهَابٍ يَقُولُ عَنْهُ فِيهِ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ وَقَالَ مَعْمَرٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَغَيْرُهُمْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ وَهُوَ الصَّوَابُ اسْتُحِيضَتْ فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ صَلِّي فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ قَالُوا فَهِيَ أَعْلَمُ
(16/88)
بِمَا أُمِرَتْ بِهِ وَقَدْ فَهِمَتْ مَا جُووِبَتْ عَنْهُ قَالُوا وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ ابْنَةَ جَحْشٍ اسْتُحِيضَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَسَاقَ الْحَدِيثَ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قال حدثا مُسْلِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبَانٌ وَهِشَامٌ الدِّسْتِوَائِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ أَبَانٌ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ وَقَالَ هِشَامٌ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ إِنِّي أُهْرَاقُ الدِّمَاءَ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ قَالَا جَمِيعًا حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ أَبُو دَاوُدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْحَجَّاجِ أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سلمة قَالَ أَخْبَرَتْنِي زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ تَحْتَ عبد الرحمان بْنِ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ
(16/89)
عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُقَيْلٍ فِي قِصَّةِ حَمْنَةَ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا قَالَ إِنْ قَوِيتِ فَاغْتَسِلِي لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِلَّا فَاجْمَعِي بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ قَالَ وَكَذَلِكَ رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلِيٌّ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ ابْنَ عَبَّاسٍ بِكِتَابٍ بَعْدَمَا ذَهَبَ بَصَرُهُ فَدَفَعَهُ إِلَى ابْنِهِ فَتَبَرَّأَ مِنْهُ فَدَفَعَهُ إِلَيَّ فَقَرَأْتُهُ فَقَالَ لِابْنِهِ أَلَا هَذْرَمْتَهُ كَمَا هَذْرَمَهُ الْغُلَامُ الْمِصْرِيُّ فَإِذَا فِيهِ بسم الله الرحمان الرَّحِيمِ مِنِ امْرَأَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهَا اسْتُحِيضَتْ فَاسْتَفْتَتْ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ اللَّهُمَّ لَا أَعْلَمُ الْقَوْلَ إِلَّا مَا قَالَ عَلِيٌّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ قَتَادَةُ وَأَخْبَرَنِي عُذْرَةُ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ إِنَّ الْكُوفَةَ أَرْضٌ بَارِدَةٌ وَإِنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهَا الْغُسْلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَقَالَ لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَابْتَلَاهَا بِمَا هُوَ أَشَدُّ منه
(16/90)
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ اسْتُحِيضَتْ فَكَتَبَتْ إِلَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ تُنَاشِدُهُمُ اللَّهَ وَتَقُولُ إِنِّي امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ أَصَابَنِي بَلَاءٌ وَإِنَّهَا اسْتُحِيضَتْ مُنْذُ سِنِينَ فَمَا تَرَوْنَ فِي ذَلِكَ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ وَقَعَ الْكِتَابُ فِي يَدِهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ مَا أَعْلَمُ لَهَا إِلَّا أَنْ تَدَعَ قرءها وَتَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي فَتَتَابَعُوا عَلَى ذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ حُجَّةُ مَنْ جَعَلَ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ الْغُسْلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقَالَ آخَرُونَ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ غُسْلًا وَاحِدًا تُصَلِّي بِهِ الظُّهْرَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَالْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَتَغْتَسِلُ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ غُسْلًا وَاحِدًا تُقَدِّمُ الْأُولَى وَتُؤَخِّرُ الْآخِرَةَ وَتَغْتَسِلُ لِلصُّبْحِ غُسْلًا وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عبد الرحمان بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنَّمَا هِيَ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو اسْتُحِيضَتْ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُهَا بِالْغُسْلِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ فَلَمَّا جَهَدَهَا ذَلِكَ أَمَرَهَا أَنْ تَجْمَعَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ وَالْمَغْرِبَ وَالْعَشَاءَ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ وَتَغْتَسِلَ لِلصُّبْحِ
(16/91)
ورواه شعبة عن عبد الرحمان بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ اسْتُحِيضَتِ امْرَأَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَتْ أَنْ تُعَجِّلَ الْعَصْرَ وَتُؤَخِّرَ الظُّهْرَ وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلًا وَاحِدًا وَتُؤَخِّرَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلَ الْعِشَاءَ وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلًا وَاحِدًا وَتَغْتَسِلَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ غُسْلًا قَالَ شُعْبَةُ قُلْتُ لعبد الرحمان أَعَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَا أُحَدِّثُكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ ورواه الثوري عن عبد الرحمان بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَهَا بِذَلِكَ ورواه ابن عيينة عن عبد الرحمان بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا وَرَوَى سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَاطِمَةَ ابْنَةَ أَبِي حُبَيْشٍ قَالُوا فَقَدْ بَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ إسحاق وغيره عن عبد الرحمان بن القاسم في هذا الحديث الناس مِنَ الْمُحْكَمِ فِي ذَلِكَ جَمْعُ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ واحد صلاتي الليل وصلاتي النهر وَتَغْتَسِلُ لِلصُّبْحِ غُسْلًا وَاحِدًا فَصَارَ الْقَوْلُ بِهَذَا أَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِقَوْلِهِ فَلَمَّا جَهَدَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَجْمَعَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَتَغْتَسِلَ لِلصُّبْحِ قَالُوا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ ذَلِكَ خِلَافَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَنْهُمَا فَذَكَرُوا
(16/92)
مَا حَدَّثَنَا بِهِ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مُسْتَحَاضَةٌ تَسْأَلُهُ فَلَمْ يُفْتِهَا وَقَالَ لَهَا سَلِي قَالَ فَأَتَتِ ابْنَ عُمَرَ فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ لَهَا لَا تُصَلِّي مَا رَأَيْتِ الدَّمَ فَرَجَعَتْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَتْهُ فَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ إِنْ كَادَ لَيُكَفِّرُكِ قَالَ ثُمَّ سَأَلَتْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ تِلْكَ رِكْزَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ أَوْ قُرْحَةٌ فِي الرَّحِمِ اغْتَسِلِي عِنْدَ كُلِّ صَلَاتَيْنِ مَرَّةً وَصَلِّي قَالَ فَلَقِيَتِ ابْنَ عَبَّاسٍ بَعْدُ فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ مَا أَجِدُ لَكِ إِلَّا مَا قَالَ عَلِيٌّ وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ أَرْضَهَا بَارِدَةٌ قَالَ تُؤَخِّرُ الظَّهْرَ وَتُعَجِّلُ الْعَصْرَ وَتَغْتَسِلُ لَهُمَا غُسْلًا وَتُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلُ الْعِشَاءَ وَتَغْتَسِلُ لَهُمَا غُسْلًا وَتَغْتَسِلُ لِلْفَجْرِ غُسْلًا وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ وَفِرْقَةٍ وَقَالَ آخَرُونَ تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَتْ رَوَاهُ مَعْقِلٌ الْخَثْعَمِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الْمُسْتَحَاضَةُ إِذَا انْقَضَى حَيْضُهَا اغْتَسَلَتْ كُلَّ يَوْمٍ وَاتَّخَذَتْ صُوفَةً فِيهَا سَمْنٌ أو زيت
(16/93)
وَقَالَ آخَرُونَ تَغْتَسِلُ مِنْ ظُهْرٍ إِلَى ظُهْرٍ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَهُوَ قَوْلُ سَالِمٍ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ عَائِشَةَ وَقَالَ آخَرُونَ لَا تَغْتَسِلُ إِلَّا مِنْ ظُهْرٍ إِلَى ظُهْرٍ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَالَ آخَرُونَ لَا تَتَوَضَّأُ إِلَّا عِنْدَ الْحَدَثِ وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَمَالِكِ بن أنس إلا أن مالك يَسْتَحِبُّ لَهَا الْوُضُوءَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَقَالَ آخَرُونَ تَدَعُ الْمُسْتَحَاضَةُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَبِحَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا يَنْقَطِعُ عَنِّي فَأَمَرَهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ
(16/94)
وَبِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ وَأَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَرِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ هَاشِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عن عائشة قالت جَاءَتْ فَاطِمَةُ ابْنَةُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ قَالَ لَا إِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَتَوَضَّئِي عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَصَلِّي وَرِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة لِهَذَا الْحَدِيثِ كَرِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ هِشَامٍ سَوَاءً قَالَ فِيهِ وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ فِي هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ثَبْتٌ ثِقَةٌ وَأَمَّا سَائِرُ الرُّوَاةِ لَهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الوضوء لكل الصلاة إلا مَالِكٌ وَلَا اللَّيْثُ وَلَا ابْنُ عُيَيْنَةَ وَلَا غَيْرُهُمْ إِلَّا مَنْ ذَكَرْتُ لَكَ فِيمَا عَلِمْتَ وَرَوَى شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ وَالْمُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ وَبَيَانٌ قَالُوا سَمِعْنَا عامر الشَّعْبِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ قُمَيْرٍ امْرَأَةِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ حَيْضِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ غُسْلًا وَاحِدًا ثُمَّ تَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ
(16/95)
وَرَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ فِرَاسٍ وَبَيَانٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ قُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ قَالُوا فَلَمَّا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَفْتَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَقَدْ كَانَ رُوِيَ عَنْهَا مَرْفُوعًا مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ حُكْمِ الْمُسْتَحَاضَةِ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَمِنْ حُكْمِهَا أَنَّهَا تَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ عَلِمْنَا بِفَتْوَاهَا وَجَوَابِهَا بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أن الذي أفتت به هو الناسخ عِنْدَهَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهَا أَنْ تَدَعَ النَّاسِخَ وَتُفْتِيَ بِالْمَنْسُوخِ وَلَوْ فَعَلَتْ لَسَقَطَتْ رِوَايَتُهَا فَهَذَا وَجْهُ تَهْذِيبِ الْآثَارِ فِي هَذَا الْمَعْنَى قَالُوا وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ وَقِصَّتُهَا فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُونَ فِيهِ إِنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهَا بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا قَدْ يُجَوِّزُ أَنْ تَكُونَ أَرَادَتْ بِهِ الْعِلَاجَ وَيُجَوِّزُ أَنْ تكون ممن لا تعرف اقرائها وَلَا إِدْبَارَ حَيْضَتِهَا وَيَكُونُ دَمُهَا سَائِلًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَتْ صَلَاةٌ إِلَّا وَهِيَ تُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عِنْدَهَا طَاهِرًا مِنْ حَيْضٍ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَهَا إِلَّا بَعْدَ الِاغْتِسَالِ فَلِذَلِكَ أَمَرَتْ بِالْغُسْلِ وَالْمُسْتَحَاضَةُ قَدْ تَكُونُ اسْتِحَاضَتُهَا عَلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَاضَةً قَدِ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَأَيَّامُ حَيْضَتِهَا مَعْرُوفَةٌ فَسَبِيلُهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ أَيَّامَ حَيْضَتِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلَ وَتَتَوَضَّأَ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَاضَةً قَدِ اسْتَمَرَّ بِهَا دَمُهَا فَلَا يَنْقَطِعُ عَنْهَا وَأَيَّامُ حَيْضَتِهَا قَدْ خَفِيَتْ عَلَيْهَا فَسَبِيلُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْهَا وَقْتٌ إِلَّا احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ فِيهِ حَائِضًا أَوْ طَاهِرًا
(16/96)
مِنْ حَيْضٍ أَوْ مُسْتَحَاضَةً فَيُحْتَاطُ لَهَا فَتُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَاضَةً قَدْ خَفِيَتْ عَلَيْهَا أَيَّامُ حَيْضَتِهَا وَدَمُهَا غَيْرُ مُسْتَمِرٍّ بِهَا يَنْقَطِعُ سَاعَةً وَيَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ تَكُونُ هَكَذَا فِي أَيَّامِهَا كُلِّهَا فَتَكُونُ قَدْ أَحَاطَ عِلْمُهَا أَنَّهَا فِي وَقْتِ انْقِطَاعِ دَمِهَا طَاهِرٌ مِنْ مَحِيضٍ طُهْرًا يُوجِبُ عَلَيْهَا غُسْلًا فَلَهَا إِذَا اغْتَسَلَتْ أَنْ تُصَلِّيَ فِي حَالِهَا تِلْكَ مَا أَرَادَتْ مِنَ الصَّلَوَاتِ بِذَلِكَ الْغُسْلِ إِنْ أَمْكَنَهَا ذَلِكَ قَالُوا فَلَمَّا وَجَدْنَا الْمَرْأَةَ قَدْ تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً لِكُلِّ وَجْهٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي مَعَانِيهَا وَأَحْكَامُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَاسْمُ الِاسْتِحَاضَةِ يَجْمَعُهَا وَلَمْ يَكُنْ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ تِبْيَانُ اسْتِحَاضَةِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ لَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَحْمِلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ دُونَ غَيْرِهَا إِلَّا بِدَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ إِلَّا مَا كَانَتْ عَائِشَةُ تُفْتِي بِهِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ أَنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ حَيْضَتِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ غُسْلًا وَاحِدًا ثُمَّ تَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةِ هَذَا كُلُّهُ مِنْ حُجَّةِ مَنْ يَنْفِي إِيجَابَ الْغُسْلِ عَلَى كُلِّ مُسْتَحَاضَةٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَفِي جُمْلَةِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَعَامَّةِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا يَسْتَحِبُّ لِلْمُسْتَحَاضَةِ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلَا يُوجِبُهُ عَلَيْهَا وَسَائِرُ مَنْ ذَكَرْنَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَيْهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ فَرْضًا كَمَا يُوجِبُهُ عَلَى سَلِسِ البول لأن الله قد تبعد مَنْ لَيْسَ عَلَى وُضُوءٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَسَلِسُ الْبَوْلِ وَالْمُسْتَحَاضَةُ لَيْسَا عَلَى وُضُوءٍ فَلَمَّا أُمِرَا جَمِيعًا بِالصَّلَاةِ وَلَمْ يَكُنْ حَدَثُهُمَا الدَّائِمُ بِهِمَا يَمْنَعُهُمَا مِنَ الصَّلَاةِ وَكَانَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصَلِّيَا عَلَى حَالِهِمَا فَكَذَلِكَ
(16/97)
يَتَوَضَّآنِ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّ الْحَدَثَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَعَلَى صَاحِبِهِ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ صَلَاتِهِ مِنْ أَجْلِهِ وَالْمُسْتَحَاضَةُ مَأْمُورَةٌ بِالصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ سَلِسُ الْبَوْلِ لَا يَنْصَرِفُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَنْ صِلَاتِهِ بَلْ يُصَلِّي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حَالِهِ فَكَذَلِكَ يَتَوَضَّأُ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ لَا يَضُرُّهُ دَوَامُ حَدَثِهِ لِوُضُوئِهِ كَمَا لَا يَضُرُّهُ لِصَلَاتِهِ لِأَنَّهُ أَقْصَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَكَمَا لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ فَكَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْوُضُوءُ لَهَا هَذَا أَقْوَى مَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ عَلَى هَؤُلَاءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ وَلَا عَلَى صَاحِبِ السَّلَسِ وُضُوءًا لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ بِهِ حَدَثًا وَقَدْ قَالَ عِكْرِمَةُ وَأَيُّوبُ وَغَيْرُهُمَا سَوَاءٌ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ أَوْ دَمُ جُرْحٍ لَا يُوجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وُضُوءًا وَرَوَى مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إِلَّا أَنْ تَغْسِلَ غُسْلًا وَاحِدًا ثُمَّ تَتَوَضَّأَ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ وَالْوُضُوءُ عَلَيْهَا عِنْدَهُ اسْتِحْبَابٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ الدَّائِمَ فَوَجْهُ الْأَمْرِ بِهِ الِاسْتِحْبَابُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى سُقُوطِ الْوُضُوءِ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُ الْحَيْضَةِ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي وَلَمْ يَذْكُرْ وُضُوءًا وَلَوْ كَانَ
(16/98)
الْوُضُوءُ وَاجِبًا عَلَيْهَا لَمَا سَكَتَ عَنْ أَنْ يَأْمُرَهَا بِهِ وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ الْوُضُوءَ عَلَى المستحاضة غير وَاجِبٌ رَبِيعَةُ وَعِكْرِمَةُ وَأَيُّوبُ وَطَائِفَةٌ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ فِي إِيجَابِ الْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ فَكُلُّهَا مضطربة لا تجب بمثلها حجة
(16/99)
الْوُضُوءُ وَاجِبًا عَلَيْهَا لَمَا سَكَتَ عَنْ أَنْ يَأْمُرَهَا بِهِ وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ الْوُضُوءَ عَلَى المستحاضة غير وَاجِبٌ رَبِيعَةُ وَعِكْرِمَةُ وَأَيُّوبُ وَطَائِفَةٌ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ فِي إِيجَابِ الْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ فَكُلُّهَا مُضْطَرِبَةٌ لَا تَجِبُ بِمِثْلِهَا حُجَّةٌ
(16/100)
نافع عن زيد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَهُوَ حَدِيثٌ خَامِسٌ وَسَبْعُونَ لِنَافِعٍ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عبد الرحمان بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ هَكَذَا رَوَى مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِلَا شَكٍّ فِي شَيْءٍ مِنْهُ إِلَّا ابْنُ وَهْبٍ رَوَاهُ عَنْ مالك عن نافع عن زيد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
(16/101)
بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَلَمْ يَصْنَعِ ابْنُ وَهْبٍ شَيْئًا وَالصَّوَابُ عَنْ مَالِكٍ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا رَوَاهُ يَحْيَى وَجُمْهُورُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَنْ مالك عن نافع عن زيد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبد الرحمان بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٍ سَوَاءٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرحمان بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ قَالَ عَلِيٌّ عَبْدُ الله بن عبد الرحمان بْنِ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ عَائِشَةُ عَمَّتَهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ خَالَتَهُ أُخْتَ أُمِّهِ لِأَبِيهَا وَأُمُّهَا أَمَةُ قُرَيْبَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ عَلِيٌّ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى زَوْجَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَاهُمَا عَمَّتُهُ وَالْأُخْرَى خَالَتُهُ غَيْرَهُ وَرَوَاهُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الرحمان أو عبد الله بن عبد الرحمان عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَلَى الشَّكِّ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ إِلَّا أَنَّهُ اخْتَلَفَ عَنْهُ فِي عبد الله
(16/102)
ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَوْ عَبْدِ الله بن عبد الرحمان بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ وَطَائِفَةٌ فِيهِ كَمَا قَالَ يَحْيَى وَإِنْ كَانَ عَبْدَ اللَّهِ بن عبد الرحمان بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَهُوَ أَبُو عَتِيقٍ وَأُمُّ سَلَمَةَ خَالَتُهُ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ امْرَأَةِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ أَوْ إِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارًا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْبَغَوِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ أَيْضًا قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا الْبَغَوِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَا حَدَّثَنَا وَهَبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ فَذَكَرَهُ وَرَوَاهُ خُصَيْفٌ وَهِشَامُ بْنُ الْغَازِي عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَرِبَ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ وَهَذَا عِنْدِي خَطَأٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَمْ يَرْوِ ابْنُ عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثَ قَطُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَا رَوَاهُ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَلَوْ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَا احْتَاجَ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا إِسْنَادُ شُعْبَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِسْنَادًا آخَرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَطَأً وَهُوَ الْأَغْلَبُ والله أعلم
(16/103)
والإسند الَّذِي يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَتَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ إِسْنَادُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ إِنَّمَا عُنِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَشْرَبُونَ فِيهَا فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ وَحَذَّرَنَا أَنْ نَفْعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَأَنْ نَتَشَبَّهَ بِهِمْ وَقَالَ آخَرُونَ كُلُّ مَنْ عَلِمَ بِتَحْرِيمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّرَابَ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ ثُمَّ يَشْرَبُ فِيهَا اسْتَوْجَبَ النَّارَ إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَ مِنْ مغفرته لمن يشاء من لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الشُّرْبُ بِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ اتِّخَاذِهَا فَقَالَ قَوْمٌ تُتَّخَذُ كَمَا يُتَّخَذُ الْحَرِيرُ وَالدِّيبَاجُ وَتُزَكَّى وَلَا تُسْتَعْمَلُ وَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا تُتَّخَذُ وَلَا تُسْتَعْمَلُ وَمَنِ اتَّخَذَهَا زَكَّاهَا وَأَمَّا الْجَرْجَرَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَمَعْنَاهَا هَدِيرٌ يُرَدِّدُهُ الْفَحْلُ وَيُصَوِّتُ بِهِ وَيُسْمَعُ مِنْ حَلْقِهِ والمقصود ههنا إلى صوت جَرْعُهُ إِذَا شَرِبَ قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ فَحْلًا مِنَ الْإِبِلِ ... وَهُوَ إِذَا جَرْجَرَ عِنْدَ الْهَبِّ ... جرجر في حنجرةكالحب ... ... وَهَامَةٍ كَالْمِرْجَلِ الْمُنْكَبِّ
(16/104)
وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ حُجْرٍ ... إِذَا سَافَهُ الْعَوْدُ النِّبَاطِيُّ جَرْجَرَا ... أَيْ رَغَا لِبُعْدِ الطَّرِيقِ وَصُعُوبَتِهِ ... وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الزَّجْرُ وَالتَّحْذِيرُ وَالتَّحْرِيمُ فَجَاءَ بِهَذَا اللَّفْظِ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي الْحَظْرَ وَالْمَنْعَ مِنَ اتِّخَاذِ أَوَانِي الْفِضَّةِ وَاسْتِعْمَالِهَا فِي الشُّرْبِ وَالْأَكْلِ فِيهَا وَاتِّخَاذِهَا وَالْعُلَمَاءُ كُلُّهُمْ لَا يُجِيزُونَ اسْتِعْمَالَ الْأَوَانِي مِنَ الذَّهَبِ كَمَا لَا يُجِيزُونَ ذَلِكَ مِنَ الْفِضَّةِ لِأَنَّ الذَّهَبَ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْحَدِيثُ وَرَدَ فِيهِ لَكَانَ دَاخِلًا فِي مَعْنَى الْفِضَّةِ لَأَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ التَّشَبُّهُ بِالْجَبَابِرَةِ وَمُلُوكِ الْأَعَاجِمِ وَالسَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ وَأَذَى الصَّالِحِينَ وَالْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مِنْ ذَلِكَ مَا بِهِمُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الذَّهَبَ أَعْظَمُ شَأْنًا مِنَ الْفِضَّةِ فَهُوَ أَحْرَى بِذَلِكَ الْمَعْنَى أَلَا أَنَّ النَّهْيَ لَمَّا وَرَدَ عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ كَانَ الْغَائِطُ أَحْرَى أَنْ يُنْهَى عَنْهُ فِي ذَلِكَ فَكَيْفَ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ مَنْصُوصًا
(16/105)
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي لَيْلَى قَالَ كَانَ حُذَيْفَةُ بالمدائن فاستسقى فأتاه دهقان بآنية ن فِضَّةٍ فَرَمَاهُ بِهِ وَقَالَ إِنِّي لَمْ أَرْمِهِ إِلَّا أَنِّي نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَعَنِ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقَالَ هِيَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ الْمَدَائِنِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ قَالَا أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنِ البراء قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَرَدِّ السَّلَامِ وَإِجَابَةِ الدَّاعِي وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ وَنَهَانَا عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ أَوْ حَلَقَةِ الذَّهَبِ وَعَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ وعن لبس الحرير والديباج والإستبرق والمثيرة والقسي
(16/106)
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ وَهِشَامٌ أَبُو الْوَلِيدِ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنِ البراء قال أُمِرْنَا بِسَبْعٍ وَنُهِينَا عَنْ سَبْعٍ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ وَقَالَ فِيهِ وَنَهَانَا عَنِ الشُّرْبِ فِي الْفِضَّةِ فَإِنَّهُ مَنْ شَرِبَ فِيهَا فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْ فِيهَا فِي الْآخِرَةِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا الْمَيْمُونُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنَا الطَّحَاوِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ عبد الرحمان بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ اسْتَسْقَى حُذَيْفَةُ مِنْ دَهْقَانٍ بِالْمَدَائِنِ فَسَقَاهُ فِي إِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ فَحَذَفَهُ ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَى الْقَوْمِ فَقَالَ إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُهُ أَنْ يَسْقِيَنِي فِيهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَامَ فِينَا فَقَالَ لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الفضة
(16/107)
وَالذَّهَبِ وَلَا تَلْبَسُوا الدِّيبَاجَ وَالْحَرِيرَ فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ دَاوُدَ أَنَّهُ كَرِهَ الشُّرْبَ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ وَلَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ فِي الذَّهَبِ وَهَذَا لَا يَشْتَغِلُ بِهِ لِمَا وَصَفْنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَقَالَ الْأَثْرَمُ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَقِيلَ لَهُ رَجُلٌ دَعَا رَجُلًا إِلَى طَعَامٍ فَدَخَلَ فَرَأَى آنِيَةَ فِضَّةٍ فَقَالَ لَا يَدْخُلُ إِذَا رَآهَا وَغَلِطَ فِيهَا وَفِي كَسْبِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا وَذَكَرَ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ الْمَذْكُورَ وَحَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ حَدِيثَ هَذَا الْبَابِ وَذَكَرَ حَدِيثَ الْبَرَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ فِي سَبْعِ أَشْيَاءَ نَهَى عَنْهَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الشُّرْبِ فِي الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ إِنَاءِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فِي شُرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ فَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَكْرَهَانِ الشُّرْبَ وَالْأَكْلَ فِي الْقَدَحِ الْمُضَبَّبِ بِالْفِضَّةِ وَالصَّفْحَةِ الَّتِي قَدْ ضُبِّبَتْ بِالْوَرِقِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا أُحِبُّ أَنْ يَدَّهِنَ أحد في مداهن الورق ولا يتسجمر فِي مَجَامِرِ الْوَرِقِ قَالَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ وَمَا يَلِي الْأُذُنَ فَقَالَ مَالِكٌ قد سمعت سماعا كأنه يضعفه وما سلمت فيه بنهي
(16/108)
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَكْرَهَ الْمُضَبَّبَ بِالْفِضَّةِ لِئَلَّا يَكُونَ شَارِبًا عَلَى الْفِضَّةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ فِي الْقَدَحِ الْمُفَضَّضِ إِذَا لَمْ يَجْعَلْ فَاهُ عَلَى الْفِضَّةِ كَالشُّرْبِ بِيَدِهِ وَفِيهَا الْخَاتَمُ قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ السَّلَفُ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى نَحْوِ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فَرَوَى خُصَيْفٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْ فِي الْقَدَحِ الْمُفَضَّضِ لَمَّا سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنِ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ هَكَذَا قَالَ خُصَيْفٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمَّا سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وزاد فيها الذهب وقوله لَمَّا سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَأٌ وَصَوَابُهُ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نهى عن الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَرَوَى ابْنُ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى عَائِشَةَ قَالَ أَبَتْ عَائِشَةُ أَنْ تُرَخِّصَ لَنَا فِي تَفْضِيضِ الْآنِيَةِ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَطَاوُسٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَإِبْرَاهِيمَ وَحَمَّادٍ وَالْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ فِي الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مُتَّخِذَ الْآنِيَةِ مِنَ الْفِضَّةِ أَوِ الذَّهَبِ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِيهَا إِذَا بَلَغَتْ مِنْ وَزْنِهَا مَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مِنْ بَابِ الْحُلِيِّ الْمُتَّخَذِ لِزِينَةِ النِّسَاءِ وَلَا مِنْ بَابِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى وَلَا الْمُصْحَفِ الْمُحَلَّى فِي شَيْءٍ فَقِفْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(16/109)
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَكْرَهَ الْمُضَبَّبَ بِالْفِضَّةِ لِئَلَّا يَكُونَ شَارِبًا عَلَى الْفِضَّةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ فِي الْقَدَحِ الْمُفَضَّضِ إِذَا لَمْ يَجْعَلْ فَاهُ عَلَى الْفِضَّةِ كَالشُّرْبِ بِيَدِهِ وَفِيهَا الْخَاتَمُ قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ السَّلَفُ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى نَحْوِ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فَرَوَى خُصَيْفٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْ فِي الْقَدَحِ الْمُفَضَّضِ لَمَّا سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنِ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ هَكَذَا قَالَ خُصَيْفٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمَّا سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وزاد فيها الذهب وقوله لَمَّا سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَأٌ وَصَوَابُهُ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نهى عن الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَرَوَى ابْنُ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى عَائِشَةَ قَالَ أَبَتْ عَائِشَةُ أَنْ تُرَخِّصَ لَنَا فِي تَفْضِيضِ الْآنِيَةِ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَطَاوُسٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَإِبْرَاهِيمَ وَحَمَّادٍ وَالْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ فِي الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مُتَّخِذَ الْآنِيَةِ مِنَ الْفِضَّةِ أَوِ الذَّهَبِ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِيهَا إِذَا بَلَغَتْ مِنْ وَزْنِهَا مَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مِنْ بَابِ الْحُلِيِّ الْمُتَّخَذِ لِزِينَةِ النِّسَاءِ وَلَا مِنْ بَابِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى وَلَا الْمُصْحَفِ الْمُحَلَّى فِي شَيْءٍ فَقِفْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(16/110)
نَافِعٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَهُوَ حَدِيثٌ سَادِسٌ وَسَبْعُونَ لِنَافِعٍ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن حنين عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَالْمُعَصْفَرِ وَعَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ
(16/111)
رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ نَافِعٍ جَمَاعَةٌ وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ جَمَاعَةٌ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ جَمَاعَةٌ وَأَكْثَرُ مَنْ رَوَاهُ يَقُولُ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ وَهُوَ حَدِيثٌ اخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِهِ وَلَفْظِهِ عَلَى نَافِعٍ وَعَلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَحُنَيْنٌ جَدُّ إِبْرَاهِيمَ هَذَا مَوْلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقِيلَ مَوْلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقِيلَ بَلْ حُنَيْنٌ هَذَا مَوْلَى مُثَقِّبٍ ومثقب مولى مسحل ومسحل مولى شماس شماس مَوْلَى الْعَبَّاسِ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَمَنْ تَابَعَهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حماد قال حدثنا مسدد قل حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نافع عن ابن حُنَيْنٍ مَوْلَى عَلِيٍّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أَرْبَعٍ عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ وَعَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَأَنَا رَاكِعٌ وَعَنْ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ كَذَا قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ حُنَيْنٍ مَوْلَى عَلِيٍّ عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَقُلْ عَنْ أَبِيهِ وَالصَّوَابُ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَيُّوبُ وَلَمْ يُقِمْهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَلَا أَيُّوبُ وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ فَجَوَّدَ إِسْنَادَهُ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَاشِدِ بن زولان
(16/112)
قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ النَّضْرُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُنَيْنٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقِرَاءَةِ وَأَنَا رَاكِعٌ وَعَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ وَالْمُعَصْفَرِ هَكَذَا قَالَ لُبْسُ الذَّهَبِ وَحَدِيثُ نَافِعٍ يُفَسِّرُهُ أَنَّهُ تَخَتُّمُ الذَّهَبِ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ذِكْرُ الْقَسِّيِّ وَهُوَ فِيهِ مَحْفُوظٌ وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَزَادَ وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَزَادَ السُّجُودُ وَكَذَلِكَ قَالَ دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ نَهَانِي نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا أَقُولُ وَنَهَى النَّاسَ نَهَانِي عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ وَعَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَالْمُعَصْفَرَةِ الْمُفَدَّمَةِ وَأَنْ أَقْرَأَ سَاجِدًا أَوْ رَاكِعًا وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ سَمِعَ عَلِيًّا قَالَ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قال حدثنا يحيى عن مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أبيه
(16/113)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن خَاتَمِ الذَّهَبِ وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ رَاكِعًا وَعَنِ الْقَسِّيَّةِ وَالْمُعَصْفَرِ هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَجْلَانَ وَدَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ وَالضَّحَاكُ بْنُ عُثْمَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ فَزَادُوا ذِكْرَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُنَيْنٍ سَمِعَهُ مِنْ عَلِيٍّ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَهُ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ ثُمَّ يَسْمَعُهُ مِنْ عَلِيٍّ وَيَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَهُمَا مِنْهُمَا مَعًا وَقَدْ ذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُنَيْنٍ سَمِعَهُ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنْ عَلِيٍّ وَيَقُولُ كَانَ مَجْلِسُهُمَا وَاحِدًا وَتَحْفَظَاهُ جَمِيعًا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِيَ اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حُنَيْنٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ وَلَبُوسِ الْقَسِّيِّ وَالْمُعَصْفَرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَأَنَا رَاكِعٌ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ وَذَكَرَ مِثْلَهُ
(16/114)
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ هُبَيْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ وَعَنِ الْقَسِّيِّ وَعَنِ المثيرة الْحَمْرَاءِ قَالَ أَبُو عُمَرَ النَّهْيُ عَنْ لِبَاسِ الْحَرِيرِ وَتَخَتُّمِ الذَّهَبِ إِنَّمَا قُصِدَ بِهِ إِلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا الْمَعْنَى فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ فِي جَوَازِ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ وَفِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ الْمَرْوِيَّ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ وَمِنْ حَدِيثِ أُخْتِ حُذَيْفَةَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي نَهْيِ النِّسَاءِ عَنِ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا بِالْإِجْمَاعِ وَبِأَخْبَارِ الْعُدُولِ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي حَدِيثِ نافع أو يكون غير ثَابِتٍ فَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ فَإِنَّهُ يَرْوِيهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَّامٍ عن أبي أسماء الرحي عَنْ ثَوْبَانَ وَلَمْ يَسْمَعْهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي سَلَّامٍ وَلَا يَصِحُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أُخْتِ حُذَيْفَةَ فَيَرْوِيهِ مَنْصُورٌ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ خِرَاشٍ عَنِ امْرَأَتِهِ عَنْ أُخْتِ حُذَيْفَةَ قَالَتْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ أَمَا لَكُنَّ فِي الْفِضَّةِ مَا تُحَلَّيْنَهُ أَمَا إنكن ليس منكن امرأة تحلي ذهابا تُظْهِرُهُ إِلَّا عُذِّبَتْ بِهِ وَالْعُلَمَاءُ عَلَى دَفْعِ هَذَا الْخَبَرِ لِأَنَّ امْرَأَةَ رِبْعِيٍّ مَجْهُولَةٌ لَا تُعْرَفُ بِعَدَالَةٍ وَقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُ مَنْ يَرَى الزَّكَاةَ فِي الْحُلِيِّ مِنْ أَجْلِ مَنْعِ الزَّكَاةِ مِنْهُ إِنْ مُنِعَتْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَذُكِرَ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ
(16/115)
وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّجَاشِيَّ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِلْيَةً فِيهَا خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فَصُّهُ حَبَشِيٌّ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُودٍ أَوْ بِبَعْضِ أَصَابِعِهِ وَإِنَّهُ لَمُعْرِضٌ عَنْهُ فَدَعَا ابْنَةَ ابْنَتِهِ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِي فَقَالَ تَحِلِّي بِهَذَا يَا بُنَيَّةُ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ لِلنِّسَاءِ خَاصَّةً وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحَلَّ لِإِنَاثِ أُمَّتِي الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ وَحَرَّمَهَا عَلَى ذُكُورِهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طُرُقٍ فِي بَابِ نَافِعٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ فَإِنَّهَا ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ بِالْحَرِيرِ يُقَالُ لَهَا الْقَسِّيَّةُ تُنْسَبُ إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ قَسُّ وَيُقَالُ إِنَّهَا قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى مِصْرَ وَهِيَ ثِيَابٌ يَلْبَسُهَا أَشْرَافُ النَّاسِ النِّسَاءُ قَالَ النُّمَيْرِيُّ الشَّاعِرُ ... وَلَمَّا رَأَتْ رَكْبَ النُّمَيْرِيِّ رَاعَهَا ... وَكُنَّ مِنْ أَنْ يَلْقَيْنَهُ حَذِرَاتِ ... ... فَأَدْنَيْنَ حَتَّى جَاوَزَ الرَّكْبُ دُونَهَا ... حِجَابًا مِنَ الْقَسِّيِّ والحبرات
(16/116)
وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي لِبَاسِ الْحَرِيرِ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَمَا خَالَطَ الثِّيَابَ مِنْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَقَدْ مَضَى هُنَالِكَ مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مِنَ الْكَرَاهِيَةِ جُمْلَةً وَالْإِبَاحَةِ وَقَدْ مَهَّدْنَا الْقَوْلَ وَبَسَطْنَاهُ بِالْآثَارِ وَأَوْضَحْنَاهُ فِي تَخَتُّمِ الذَّهَبِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُخْتَمَ بِهِ فِي بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ فَتَأَمَّلْهُ تَرَاهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِلَّا أَنَّا لَمْ نَذْكُرْ هُنَاكَ شَدَّ الْأَسْنَانِ بِالذَّهَبِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي شَدِّ الْأَسْنَانِ بِالذَّهَبِ فَكَرِهَهُ قَوْمٌ وَأَبَاحَهُ آخَرُونَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ حَدَّثَنَا الْخَضِرُ حَدَّثَنَا الْأَثْرَمُ قَالَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يُسْأَلُ هَلْ يُضَبِّبُ الرَّجُلُ أَسْنَانَهُ بِالذَّهَبِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ خَاصَّةً جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَذَكَرَهُ الْأَثْرَمُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ وَأَبِي رَافِعٍ وَمِسِّيِّ بْنِ طَلْحَةَ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمْ شَدُّوا أَسْنَانَهُمْ بِالذَّهَبِ وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا بِذَلِكَ بَأْسًا قَالَ وَحَدَّثَنِي ابْنُ الطَّبَّاعِ قَالَ رَأَيْتُ شَرِيكًا وَحَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ قَدْ شَدَّا أَسْنَانَهُمَا بِالذَّهَبِ قَالَ وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَسْأَلُ عَنْ رِجْلٍ سَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ فَبَانَتْ مِنْهُ فَأَخَذَهَا وَأَعَادَهَا فَقَالَ أَرْجُو أَلَّا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ وَلَمْ يَرَهَا مَيْتَةً وَكَانَ يَكْرَهُ مُشْطَ الْعَاجِ وَيَقُولُ هُوَ مَيْتَةٌ لَا يُسْتَعْمَلُ وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ فَيُجْتَمَعُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِيهِ فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لكم
(16/117)
وَأَجْمَعُوا أَنَّ الرُّكُوعَ مَوْضِعُ تَعْظِيمٍ لِلَّهِ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الذِّكْرِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ قِرَاءَةٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتْرَ وَرَأْسُهُ مَعْصُوبٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَالَ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ أَوْ تُرَى لَهُ أَلَا وَإِنِّي قَدْ نُهِيتُ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِذَا رَكَعْتُمْ فَعَظِّمُوا الرَّبَّ وَإِذَا سَجَدْتُمْ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ قَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ وَاخْتَلَفَتِ الْفُقَهَاءُ فِي تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ قَوْلَ النَّاسِ فِي الرُّكُوعِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَفِي السُّجُودِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وَأَنْكَرَهُ وَلَمْ يَجِدْ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ دُعَاءً مُؤَقَّتًا وَلَا تَسْبِيحًا وَقَالَ إِذَا أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَجَبْهَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ فَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَقُولُ فِي الرُّكُوعِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ
(16/118)
وَفِي السُّجُودِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَقَالَ الثَّوْرِيُّ أَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَهَا خَمْسًا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَتَّى يُدْرِكَ الَّذِي خَلْفَهُ ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ يَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ فَيَكُونُ حَدِيثُ عُقْبَةَ مُفَسِّرًا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ مَعْنَى التَّعْظِيمِ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْآثَارُ فِي هَذَا الْبَابِ تَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ وَأَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَرْثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عَمِّهِ إِيَاسِ بْنِ عَامِرٍ الْغَافِقِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قَالَ لَنَا اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ قُلْتُ لِسُلَيْمَانَ يَعْنِي الْأَعْمَشَ أَدْعُو فِي
(16/119)
الصَّلَاةِ إِذَا مَرَرْتُ بِآيَةِ تَخَوُّفٍ فَحَدَّثَنِي عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ مُسْتَوْرِدٍ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَفِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وَمَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا فَسَأَلَ وَلَا بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا فَتَعَوَّذَ وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا وَفِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا وَرَوَى نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِثْلَهُ وَرَوَى السَّعْدِيُّ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِثْلَهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ أَنْوَاعًا مِنَ الذِّكْرِ مِنْهَا حَدِيثُ مُطَرِّفٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي بَكَرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَدْعُو فِي سُجُودِهِ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا تحديد فيما
(16/120)
يُقَالُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ عَلَى التَّسْبِيحِ بِسَبِّحِ اسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ثَلَاثًا فِي الرُّكُوعِ وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ثَلَاثًا فِي السُّجُودِ وَحَمَلُوا سَائِرَ الْأَحَادِيثِ عَلَى النَّافِلَةِ وَأَمَّا مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فَالدُّعَاءُ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ فِي السُّجُودِ وَتَعْظِيمُ اللَّهِ وَتَحْمِيدُهُ فِي الرُّكُوعِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَأَمَّا لِبَاسُ الْمُعَصْفَرِ الْمُفَدَّمِ وَغَيْرِهِ مِنْ صِبَاغِ الْمُعَصْفَرِ لِلرِّجَالِ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ أَجَازَهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَرِهَهُ آخَرُونَ وَلَا حُجَّةَ مَعَ مَنْ أَبَاحَهُ إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ ذَلِكَ خُصُوصٌ لِعَلِيٍّ لِقَوْلِهِ نَهَانِي وَلَا أَقُولُ نَهَى النَّاسَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِيهِ وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ وَهَذَا اللَّفْظُ مَحْفُوظٌ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ وَلَيْسَ دَعْوَى الْخُصُوصِ فِيهِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي النَّهْيِ عَنْهُ صَحِيحٌ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ وَالْحُجَّةُ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا فِيمَا خَالَفَهَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا رَوْحٌ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا أَرْكَبُ الْأُرْجُوَانَ وَلَا أَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ وَلَا أَلْبَسُ الْقَمِيصَ الْمُكَفَّفَ بِالْحَرِيرِ قَالَ وَأَوْمَأَ الْحَسَنُ إِلَى جَيْبِ قَمِيصِهِ قَالَ وَقَالَ أَلَا وَطِيبُ الرِّجَالِ رِيحٌ لَا لَوْنَ لَهُ أَلَا وَطِيبُ النِّسَاءِ
(16/121)
لَوْنٌ لَا رِيحَ لَهُ قَالَ سَعِيدٌ أَرَاهُ قَالَ إِنَّمَا حَمَلُوا قَوْلَهُ فِي طِيبِ النِّسَاءِ عَلَى أَنَّهَا إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا فَلْتُطَيَّبْ بِمَا شَاءَتْ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا أَرْكَبُ الْأُرْجُوَانَ وَلَا أَلْبَسُ الْقَمِيصَ الْمُكَفَّفَ بِالْحَرِيرِ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَشُرَحْبِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ شُفْعَةَ السَّمْعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَلَيَّ ثَوْبَانِ مُعَصْفَرَانِ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ مَنْ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذِهِ النَّارِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَصْنَعُ بِهِمَا قَالَ أَحْرِقْهُمَا وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ يَوْمًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيَّ ثَوْبَانِ
(16/122)
مُعَصْفَرَانِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هَذَانِ الثَّوْبَانِ قُلْتُ صَبَغَتْهُمَا أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا رَجَعْتَ فَأَمَرْتَهَا أَنْ تُوقِدَ لَهُمَا التَّنُّورَ ثُمَّ تَطْرَحَهُمَا قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَيْهَا فَفَعَلَتْ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُقُوبَةً لِنَهْيِهِ عَنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَعُودَ رَجُلٌ إِلَى لِبَاسِهَا أَعْنِي الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَةَ وَقَوْلُهُ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حَرْقَهَا أَحَقُّ بِوَاجِبٍ وَلَكِنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهَا صَحِيحَةٌ لِلرِّجَالِ خَاصَّةً وَأَمَّا النِّسَاءُ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي جَوَازِ لِبَاسِهِنَّ الْمُعَصْفَرَ الْمُفَدَّمَ وَالْمُوَرَّدَ وَالْمُمَشَّقَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَبَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُرَخِّصُونَ لِلرِّجَالِ فِي لِبَاسِ الْمُوَرَّدِ وَالْمُمَشَّقِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَكْرَهُ الْمُعَصْفَرَ الْمُفَدَّمَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَنْ يُحْرِمُوا فِيهِ لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ قَالَ مَالِكٌ وَأَكْرَهُهُ أَيْضًا لِلرِّجَالِ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ قَالَ أَبُو عُمَرَ الْمُفَدَّمُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْمُشَبَّعُ حُمْرَةً وَالْمُوَرَّدُ دُونَهُ فِي الْحُمْرَةِ كَأَنَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَأْخُوذٌ مِنْ لَوْنِ الْوَرْدِ وَأَمَّا الْمُمَشَّقُ فَطِينٌ أَحْمَرُ يُصْبَغُ بِهِ هُوَ الْمَغْرَةُ أَوْ شَبَهُهَا يُقَالُ لِلثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِهِ مُمَشَّقٌ وَقَدْ ذَكَرَ الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُعَصْفَرَ الْمُفَدَّمَ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالُوا
(16/123)
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ أَبُو سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنِ الضَّحَّاكِ يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ وَعَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَعَنْ لُبْسِ الْمُفَدَّمِ الْمُعَصْفَرِ وَعَنِ الْقِرَاءَةِ رَاكِعًا قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَذْكُرِ الْمُفَدَّمَ غَيْرُ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ حَدِيثُ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو النَّهْيُ عَنْ لِبَاسِ كُلِّ ثَوْبٍ مُعَصْفَرٍ لِلرِّجَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَصَّ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ صِبَاغِ الْمُعَصْفَرِ مِنْ نَوْعٍ وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا بُعِثَ مُبَيِّنًا مُعَلِّمًا فَلَوْ كَانَ مِنْهُ نَوْعٌ تَقْتَضِيهِ الْإِبَاحَةُ لَبَيَّنَهُ وَلَمْ يَشْمَلْهُ وَيُشْكِلْ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلَامِ وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ وَبَلَّغَهُمْ وَعَلَّمَهُمْ مِمَّا عَلِمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(16/124)
نَافِعٌ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ حَدِيثَانِ وَهُمَا تَتِمَّةُ ثَمَانِيَةٍ وَسَبْعِينَ حَدِيثًا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةُ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مَنِ الْأَنْصَارِ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا سَائِرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِيهِ عن مالك عن نافع عن رجل من الْأَنْصَارِ عَنْ أَبِيهِ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّهُ اخْتَلَفَ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ فِي ذَلِكَ فَرُوِيَ عَنْهُ كَرِوَايَةِ يَحْيَى لَيْسَ فِيهَا عَنْ أَبِيهِ وَرُوِيَ عَنْهُ كَمَا رَوَتِ الْجَمَاعَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ الصَّوَابُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
(16/125)
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيُّ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى أَنْ تُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةُ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُسْتَقْبَلَ وَاحِدَةٌ مِنَ الْقِبْلَتَيْنِ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ الْقِبْلَتَانِ الْكَعْبَةُ وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَمَا للعلماء في ذلك من الأقوال والاعتلال بها وَالْمَذَاهِبُ فِي بَابِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ فلا معنى لإعادة ذلك ههنا وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَوْ مُعَاذِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسَلْعٍ فَأُصِيبَتْ مِنْهَا شَاةٌ فَأَدْرَكَتْهَا فَذَكَّتْهَا بِحَجَرٍ فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذَلِكَ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهَا فَكُلُوهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَهُوَ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَى هذا الإسناد
(16/126)
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِيهِ عَنْ نَافِعٍ فَرَوَاهُ مَالِكٌ كَمَا تَرَى لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِيهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ سَعْدٍ أَوْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَرَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُحَدِّثُ (عَنِ) ابْنِ عُمَرَ أَنَّ جَارِيَةً أَوْ أَمَةً لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مملوكة ذبحت شاءة بِمَرْوَةٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَكْلِهَا وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَصَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَّةَ جَمِيعًا عَنْ
(نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ)
وَهُوَ وَهْمٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثُ لِنَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ لَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَرْعَى غَنَمًا بِسَلْعٍ فَسَلْعٌ مَوْضِعٌ وَإِيَّاهُ أَرَادَ الشَّاعِرُ بِقَوْلِهِ ... إِنَّ بِالشِّعْبِ الَّذِي جَنْبَ سِلْعٍ ... لَقَتِيلًا دَمُهُ ما يطل
(16/127)
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ إِجَازَةُ ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ وَعَلَى إِجَازَةِ ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ مِنْهَا إِلَّا عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ وَأَكْثَرُهُمْ يُجِيزُونَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةً إِذَا أَحْسَنَتِ الذَّبْحَ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ إِذَا أَطَاقَ الذَّبْحَ وَأَحْسَنَهُ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمْ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالنَّخَعِيِّ وَأَمَّا التَّذْكِيَةُ بِالْحَجْرِ فَمُجْتَمَعٌ أَيْضًا عَلَيْهَا إِذَا فَرَى الْأَوْدَاجَ وَأَنْهَرَ الدَّمَ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ مُسْتَوْعَبًا فِيمَا يُذَكَّى بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ الذَّكَاةُ بِهِ وَفِيمَا يُذَكَّى مِنَ الْحَيَوَانِ الَّذِي قَدْ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ وَمَا لَا يُذَكَّى مِنْهُ وَمَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنَ الْمَذَاهِبِ وَتَأْوِيلُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ مُسْتَوْعَبًا ذَلِكَ كُلَّهُ مُمَهَّدًا مُهَذَّبًا فِي بَابِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَةِ ذَلِكَ ههنا وَقَدْ مَضَى هُنَاكَ حَدِيثُ الشَّعْبِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَفْوَانَ أَوْ صَيْفِيٍّ قَالَ اصْطَدْتُ أَرْنَبَيْنِ فَذَكَّيْتُهُمَا بِمَرْوَةَ فَأَتَيْتُ بِهِمَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَنِي بِأَكْلِهِمَا وَحَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ أَصَابَ أَحَدُنَا صَيْدًا وَلَيْسَ
(16/128)
مَعَهُ سِكِّينٌ أَيَذْبَحُ بِالْمَرْوَةِ وَبِشَقِّ الْعَصَا قَالَ أَنْهِرِ الدَّمَ أَوْ أَنْزِلِ الدَّمَ بِمَا شِئْتَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَالْمَرْوَةُ فَلْقَةُ الْحَجَرِ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَحَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا مَا خَلَا السِّنَّ وَالْعَظْمَ الْحَدِيثَ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَا مَرَّ مُرُورَ الْحَدِيدِ وَلَمْ يُثْرِدْ فَجَائِزٌ الذَّكَاةُ بِهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الظُّفْرَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَنْزُوعًا وَكَذَلِكَ السِّنُّ فَلَا يَجُوزُ الذَّكَاةُ بِهِ لِأَنَّهُ خَنْقٌ وَهَذَا أَصْلُ الْبَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَأَوْلَى مَا قِيلَ بِهِ فِي ذلك عندنا مَا أَخْبَرَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْعُقَيْلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا أَصْرَمُ بْنُ حَوْشَبٍ الْهَمْدَانِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ فَلَا ذَكَاةَ لَهُ أَنْ تُطْرَفَ بِعَيْنٍ أَوْ تُرْكَضَ بِرِجْلٍ أوتمصع بِالذَّنَبِ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ إِسْنَادُهُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ فَإِنَّ قَوْلَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ بمعناه على
(16/129)
مَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ يُوجِبُ السُّكُونَ إِلَيْهِ وَاسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَهُمْ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ مِنْ جَوَازِ أَكْلِ مَا ذُبِحَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهِ وَرَدُّوا بِهِ عَلَى مَنْ أَبَى مِنْ أَكْلِ ذَبِيحَةِ السَّارِقِ وَمَنْ أَشْبَهَهُ دَاوُدُ وَإِسْحَاقُ وَتَقَدَّمَهُمْ إِلَى ذَلِكَ عِكْرِمَةُ وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ لِحَدِيثِ نَافِعٍ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ فِي مُوَطَّئِهِ بِإِثْرِ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ هَذَا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ عَنِ ابن شهاب عن عبد الرحمان بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا فَلَمْ يَرَ بِهَا بَأْسًا وَمِمَّا يُؤَكِّدُ هَذَا الْمَذْهَبَ حَدِيثُ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ الْحَرَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّاةِ الَّتِي ذُبِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ رَبِّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْعِمُوهَا الْأُسَارَى وَهُمْ مِمَّنْ تَجُوزُ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ بِمِثْلِهَا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ ذَكِيَّةً مَا أَطْعَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(16/130)
نَافِعٌ عَنْ سَائِبَةَ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَهُوَ حَدِيثٌ تَاسِعٌ وَسَبْعُونَ حَدِيثًا لِنَافِعٍ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَائِبَةَ مَوْلَاةٍ لِعَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ الْجِنَّانِ الَّتِي فِي الْبُيُوتِ إِلَّا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ فَإِنَّهُمَا يَخْطِفَانِ الْبَصَرَ وَيَطْرَحَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَائِبَةَ مُرْسَلًا لَمْ يَذْكُرْ عَائِشَةَ وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ الْقَعْنَبِيِّ وَلَا عِنْدَ ابْنِ بُكَيْرٍ وَلَا عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ وَلَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا مُرْسَلًا وَلَا غَيْرَ مُرْسَلٍ وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ مُرْسَلًا وَمِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ أَيْضًا وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ نَافِعٍ وَحُفَّاظُهُمْ يَرْوُونَهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَائِبَةَ عَنْ عَائِشَةَ مُسْنَدًا متصلا
(16/131)
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ سَائِبَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ الْجِنَّانِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبُيُوتِ إِلَّا الْأَبْتَرَ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَخْطِفَانِ الْبَصَرَ وَيَطْرَحَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ فَمَنْ تَرَكَهُنَّ فَلَيْسَ مِنَّا وَرَوَى الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَائِبَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِثْلَهُ وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عن أيوب وعبد الرحمان جَمِيعًا عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَائِبَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ اقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ فَإِنَّهُمَا يَطْمِسَانِ الْأَبْصَارَ وَيَقْتُلَانِ أَوْلَادَ النِّسَاءِ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ من تركهما فليس منا قال عبد الرحمان فَقُلْتُ لِنَافِعٍ فَمَا ذُو الطُّفْيَتَيْنِ قَالَ ذُو الْخَطَّيْنِ فِي ظَهْرِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ الْحَدِيثَ عَنْ سَائِبَةَ عَنْ عَائِشَةَ مُسْنَدًا أَنَّ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ يَرْوِيهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي قَتْلِ الْحَيَّاتِ وَمَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالرِّوَايَاتِ فِيمَا سَلَفَ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ ذَلِكَ هَهُنَا وَبِاسْتِعْمَالِ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ يُسْتَعْمَلُ جَمِيعُ الْآثَارِ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ الْبَابِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ
(16/132)
وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ الْأَبْتَرُ مِنَ الْحَيَّاتِ صِنْفٌ أَزْرَقُ مَقْطُوعُ الذَّنَبِ لَا تَنْظُرُ إِلَيْهِ حَامِلٌ إِلَّا أَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا وَقَالَ الْمَهْرِيُّ الْوَاحِدُ جِنُّ وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ جِنَّانٌ مِثْلَ صنو وصنوان للاثنين وللجمع صنوان أيضا
(16/133)
وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ الْأَبْتَرُ مِنَ الْحَيَّاتِ صِنْفٌ أَزْرَقُ مَقْطُوعُ الذَّنَبِ لَا تَنْظُرُ إِلَيْهِ حَامِلٌ إِلَّا أَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا وَقَالَ الْمَهْرِيُّ الْوَاحِدُ جِنُّ وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ جِنَّانٌ مِثْلَ صِنْوٌ وَصِنْوَانِ لِلِاثْنَيْنِ وَلِلْجَمْعِ صِنْوَانٌ أَيْضًا
(16/134)
حَدِيثٌ مُوَفِّي ثَمَانِينَ حَدِيثًا لِنَافِعٍ مُرْسَلٌ يَتَّصِلُ مِنْ وُجُوهٍ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ امْرَأَةً مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ مُرْسَلًا وَتَابَعَهُ أَكْثَرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَوَصَلَهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بن المبارك الصوري وعبد الرحمان بْنُ مَهْدِيٍّ وَإِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَعَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ الزُّبَيْرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ التِّنِّيسِيُّ وَابْنُ بُكَيْرٍ وَأَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ وَعُثْمَانُ بْنُ عمر
(16/135)
حدثنا عبد الرحمان بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْخَضِرِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ الْمَدَنِيُّ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ امْرَأَةً مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْ قتل النساء والولدان وحدثنا عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا الحسن بن ابن الْخَضِرِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحمان بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَدَنِيُّ الضَّرِيرُ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ حَدَّثَنَا مَالِكِ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم رَأَى فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ امْرَأَةً مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ عِيسَى وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا الْمَيْمُونُ بْنُ حَمْزَةَ الْحُسَيْنِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الطَّحَاوِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا محمد بن عبد الله
(16/136)
ابن مَيْمُونٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكَمٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي حَسَّانَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكِ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جَمَاعَةُ أَصْحَابِ نَافِعٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ الضَّبِّيُّ قَالُوا حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو ثَابِتٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ
(16/137)
مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتُولَةً فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ قَالَ أَبُو عُمَرَ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ هَذَا وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ وَحَدِيثُ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِجُمْلَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ قَتْلُ نِسَاءِ الْحَرْبِيِّينَ وَلَا أَطْفَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ يُقَاتِلُ فِي الْأَغْلَبِ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَاخْتَلَفُوا فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إِذَا قَاتَلُوا فَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُمْ إِذَا قَاتَلُوا قُتِلُوا وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِكَ الثوري والأوزاعي والليث وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ وَغَيْرُهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إِذَا لَمْ يُقَاتِلُوا اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفُوا فِي طَوَائِفَ مِمَّنْ لَا يُقَاتِلُ فَجُمْلَةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْأَعْمَى وَالْمَعْتُوهُ وَلَا الْمُقْعَدُ وَلَا أَصْحَابُ الصَّوَامِعِ الَّذِينَ طَيَّنُوا الْبَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا يخالطون
(16/138)
النَّاسَ قَالَ مَالِكٌ وَأَرَى أَنْ يُتْرَكَ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا يَعِيشُونَ بِهِ وَمَنْ خِيفَ مِنْهُ شَيْءٌ قُتِلَ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَا يُقْتَلُ الشَّيْخُ وَلَا الْمَرْأَةُ وَلَا الْمُقْعَدُ وَلَا الطِّفْلُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَا يُقْتَلُ الْحُرَّاثُ وَالزُّرَّاعُ وَلَا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَلَا الْمَجْنُونُ وَلَا رَاهِبٌ وَلَا امْرَأَةٌ وَقَالَ اللَّيْثُ لَا يُقْتَلُ الرَّاهِبُ فِي صَوْمَعَتِهِ وَيُتْرَكُ لَهُ مِنْ مَالِهِ الْقُوتُ وَعَنِ الشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُقْتَلُ الشَّيْخُ وَالرَّاهِبُ وَهُوَ عِنْدَهُ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ يُقْتَلُ الأعمى وذو الزمانة والمقعد وَالشَّيْخُ الْفَانِي وَالرَّاعِي وَالْحَرَّاثُ وَالسَّائِحُ وَالرَّاهِبُ وَكُلُّ مُشْرِكٍ حَاشَا مَا اسْتَثْنَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ وَأَصْحَابِ الصَّوَامِعِ قَالَ وَالْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ فِي حُكْمِ الطِّفْلِ قَالَ وَإِنْ قَاتَلَ الشَّيْخُ أَوِ الْمَرْأَةُ أَوِ الصَّبِيُّ قُتِلُوا وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ الْحَجَّاجُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مَقْتُولَةً فَقَالَ مَنْ قَتَلَ هَذِهِ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَازَعَتْنِي قَائِمَ سَيْفِي فَسَكَتَ وَذَكَرَ قَوْلَ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ إِلَّا مَنْ سَعَى بِالسَّيْفِ
(16/139)
وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ مَذْهَبَ الطَّبَرِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ وَبِهِ قَالَ سُحْنُونٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَحَادِيثُ هَذَا الْبَابِ الَّتِي مِنْهَا نَزَعَ الْعُلَمَاءُ بِمَا نَزَعُوا مِنْ أَقَاوِيلِهِمُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْهُمْ مِنْهَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْمُرَقَّعِ بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ رِيَاحٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّهِ رِيَاحِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شَيْءٍ فَبَعَثَ رَجُلًا فَقَالَ انْظُرْ عَلَامَ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ فَجَاءَ فَقَالَ امرأة قتيل فَقَالَ مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ قَالَ وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَبَعَثَ رَجُلًا فَقَالَ قُلْ لِخَالِدٍ لَا تَقْتُلُوا امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا وَلَفْظُ الْحَدِيثِ وَسِيَاقُهُ لِأَبِي دَاوُدَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ فِي حَدِيثِهِ الْحَقْ خَالِدًا فَقُلْ لَهُ لَا تَقْتُلُوا ذَرِّيَّةً وَلَا عَسِيفًا وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زهير قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الرحمان بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عن المرقع
(16/140)
ابن صَيْفِيٍّ عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غَزَاةٍ فَمَرَرْنَا بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهَا فَفَرَجُوا لَهُ فَقَالَ مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ الْحَقْ خَالِدًا فَقُلْ لَهُ لَا تَقْتُلْ ذَرِّيَّةً وَلَا عَسِيفًا لَمْ يُخَرِّجْ أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْإِسْنَادَ وَخَرَّجَ الْأَوَّلَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ اخْرُجُوا بِاسْمِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَقَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَّ قَاسِمَ بْنَ أَصْبَغَ حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمْ يُقْتَلْ مِنْ نِسَائِهِمْ يَعْنِي نِسَاءَ بَنِي قُرَيْظَةَ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَتْ عَائِشَةُ وَاللَّهِ إِنَّهَا لَعِنْدِي تَحَدَّثُ مَعِي وَتَضْحَكُ ظَهْرًا وَبَطْنًا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقتل
(16/141)
رِجَالَهُمْ بِالسُّيُوفِ إِذْ هَتَفَ هَاتِفٌ بِاسْمِهَا أَيْنَ فلانة قالت أنا والله قلت ويلك مالك وَمَا شَأْنُكِ قَالَتْ أُقْتَلُ قُلْتُ وَلِمَ قَالَتْ حَدَثٌ أَحْدَثْتُهُ فَانْطُلِقَ بِهَا فَضُرِبَتْ عُنُقُهَا فَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ مَا أَنْسَى عَجَبِي مِنْ طِيبِ نَفْسِهَا وَكَثْرَةِ ضَحِكِهَا وَقَدْ عَرَفَتْ أَنَّهَا تُقْتَلُ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ لِحَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ سَوَاءً وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ وَاسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ قَالَ أَبُو عُمَرَ شَرْخُهُمْ يَعْنِي غِلْمَانَهُمْ وَشُبَّانَهُمُ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ وَلَمْ يُنْبِتُوا وَأَجْمَعُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قتل دريد بن الصمت يَوْمَ حُنَيْنٍ لِأَنَّهُ كَانَ ذَا رَأْيٍ وَمَكِيدَةٍ فِي الْحَرْبِ فَمَنْ كَانَ هَكَذَا مِنَ الشُّيُوخِ قُتِلَ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَمُخْتَلَفٌ فِي قَتْلِهِ مِنَ الشُّيُوخِ
(16/142)
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا فِي رَمْيِ الْحِصْنِ بِالْمَنْجَنِيقِ إِذَا كَانَ فِيهِ أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ أَوْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ مَالِكٌ لَا يُرْمَى الْحِصْنُ وَلَا تُحْرَقُ سَفِينَةُ الْكُفَّارِ إِذَا كَانَ فِيهَا أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا قَالَ وَإِنَّمَا صُرِفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ لِمَا كَانَ فِيهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَوْ تَزَيَّلَ الْكُفَّارُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَعَذَّبَ الْكُفَّارَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ لَا بَأْسَ بِرَمْيِ حُصُونِ الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ أُسَارَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطْفَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوِ الْمُشْرِكِينَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُحْرَقَ الْحِصْنُ وَيُقْصَدَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ فَإِنْ أَصَابُوا وَاحِدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ فَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إِنْ أَصَابُوهُ فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا دِيَةَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِذَا تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِأَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُرْمَوْا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ الْآيَةَ قَالَ وَلَا يُحْرَقُ الْمَرْكَبُ فِيهِ أُسَارَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَيُرْمَى الْحِصْنُ بِالْمَنْجَنِيقِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ أُسَارَى مُسْلِمُونَ فَإِنْ أَصَابَ وَاحِدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ خَطَأٌ فَإِنْ جَاءُوا مُتَتَرِّسِينَ بِهِمْ رُمُوا وَقُصِدَ بِالرَّمْيِ الْعَدُوُّ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ بِرَمْيِ الْحِصْنِ وَفِيهِ أُسَارَى وَأَطْفَالٌ وَمَنْ أُصِيبَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ تَتَرَّسُوا فَفِيهِ قولان أحدهما
(16/143)
يَرْمُونَ وَالْآخَرُ لَا يَرْمُونَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِقَصْدِ الْمُشْرِكِ وَيَتَوَخَّى جُهْدَهُ فَإِنْ أَصَابَ فِي هَذِهِ الْحَالِ مُسْلِمًا وَعَلِمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَلَا دِيَةَ مَعَ الرَّقَبَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ مُسْلِمًا فَالرَّقَبَةُ وَحْدَهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ مِنْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَارَةُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ صَبَاحًا وَلَيْلًا وَبِهِ عَمِلَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَرَوَى جُنْدُبُ بْنُ مُكَيْثٍ الْجُهَنِيُّ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غالب بن عبد الله الليثي ثم أحمد بَنِي خَالِدِ بْنِ عَوْفٍ فِي سَرِيَّةٍ كُنْتُ فيهم وأمرهم أن تشن الغارة على بني الْمُلَوَّحِ بِالْكُدَيْدِ قَالَ فَشَنَنَّا عَلَيْهِمُ الْغَارَةَ لَيْلًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْغَارَةَ يُتْلَفُ فِيهَا مَنْ دَنَا أَجَلُهُ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ مُشْرِكًا وَطِفْلًا وَامْرَأَةً وَلَمْ يَمْنَعْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ الْآيَةَ وَنَهْيُهُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ مِنَ الْغَارَةِ وَهَذَا عِنْدِي مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْغَارَةَ إِنَّمَا كَانَتْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فِي حِصْنٍ بِبَلَدٍ لَا مُسْلِمَ فِيهِ فِي الأغب وَأَمَّا الْأَطْفَالُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْغَارَةِ فَقَدْ جَاءَ فِيهِمْ حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ وَهُوَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ صَحِيحٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داد قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
(16/144)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّارِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَبِيتُونَ فَيُصَابُ مِنْ ذَرَارِيهِمْ وَنِسَائِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ مِنْهُمْ قَالَ وَكَانَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ يَقُولُ هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ قَالَ الزُّهْرِيُّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ قَالَ أَبُو عُمَرَ جَعَلَ الزُّهْرِيُّ حَدِيثَ الصعب بن جثامة منوسخا بِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ وَغَيْرُهُ يَجْعَلُهُ مُحْكَمًا غَيْرَ مَنْسُوخٍ وَلَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْغَارَةِ وَتَرْكِ الْقَصْدِ إِلَى قَتْلِهِمْ فَيَكُونُ النَّهْيُ حِينَئِذٍ يَتَوَجَّهُ إِلَى مَنْ قَصَدَ قَتْلَهُمْ وَأَمَّا مَنْ قَصَدَ قَتْلَ آبائهم على ما أر بِهِ مِنْ ذَلِكَ فَأَصَابَهُمْ وَهَؤُلَاءِ يُرِيدُهُمْ فَلَيْسَ مِمَّنْ تُوَجَّهُ إِلَيْهِ الْخَطَايَا بِالنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِمْ عَلَى مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ لَا يَجِبُ أَنْ يَتَوَجَّهَ النَّهْيُ إِلَّا إِلَى الْقَاصِدِ لِأَنَّ الْفَاعِلَ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الْفِعْلِ حَقِيقَةً دُونَ مَجَازٍ إِلَّا بِالْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ وَالْإِرَادَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُ شَيْءٍ فَفَعَلَهُ وَهُوَ لَا يُرِيدُهُ وَلَا يَنْوِيهِ وَلَا يَقْصِدُهُ وَلَا يَذْكُرُهُ هَلْ كَانَ ذَلِكَ يُجْزِي عَنْهُ مِنْ فِعْلِهِ أَوْ يُسَمَّى فَاعِلًا لَهُ وَهَذَا أَصْلٌ جَسِيمٌ فِي الْفِقْهِ فَافْهَمْهُ
(16/145)
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ آبَائِهِمْ فَمَعْنَاهُ حُكْمُهُمْ حُكْمُ آبَائِهِمْ لَا دِيَةَ فِيهِمْ وَلَا كَفَّارَةَ وَلَا إِثْمَ فِيهِمْ أَيْضًا لِمَنْ لَمْ يَقْصِدْ إِلَى قَتْلِهِمْ وَأَمَّا أَحْكَامُ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْآخِرَةِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي شَيْءٍ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْآخِرَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ وَاخْتِلَافَ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ أَبِي الزِّنَادِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
(16/146)
نَافِعُ بْنُ مَالِكٍ أَبُو سُهَيْلٍ عَمُّ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ نَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْأَصْبَحِيُّ قَدْ ذَكَرْنَا نَسَبَهُ فِي ذِكْرِ نَسَبِ مَالِكٍ فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ مِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَرَوَى عَنْ أَبِيهِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ وَيُقَالُ إِنَّهُ رَأَى ابْنَ عُمَرَ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَسَهْلَ بْنَ سَعْدٍ وَرَوَى عَنْهُمْ رَوَى عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَاصِمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْأَشْجَعِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ وَأَخُوهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ أَيْضًا وَهَذَا غَايَةٌ فِي جَلَالَتِهِ وَفَضْلِهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْمَالِكِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ يَاسِينَ قَالَ حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُولُ مِثْلَ مَالِكٍ فَقِيلَ لَهُ مَا تَقُولُ فِي أَبِيكَ قَالَ كَانَ عَمِّي أَبُو سُهَيْلِ بْنُ مَالِكٍ ثِقَةً لِمَالِكٍ عَنْهُ فِي الْمُوَطَّأِ حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا مُسْنَدٌ وَالْآخَرُ مَوْقُوفٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ مرفوع من وجوه صحاح
(16/147)
نَافِعُ بْنُ مَالِكٍ أَبُو سُهَيْلٍ عَمُّ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ نَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْأَصْبَحِيُّ قَدْ ذَكَرْنَا نَسَبَهُ فِي ذِكْرِ نَسَبِ مَالِكٍ فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ مِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَرَوَى عَنْ أَبِيهِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ وَيُقَالُ إِنَّهُ رَأَى ابْنَ عُمَرَ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَسَهْلَ بْنَ سَعْدٍ وَرَوَى عَنْهُمْ رَوَى عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَاصِمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْأَشْجَعِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ وَأَخُوهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ أَيْضًا وَهَذَا غَايَةٌ فِي جَلَالَتِهِ وَفَضْلِهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْمَالِكِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ يَاسِينَ قَالَ حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُولُ مِثْلَ مَالِكٍ فَقِيلَ لَهُ مَا تَقُولُ فِي أَبِيكَ قَالَ كَانَ عَمِّي أَبُو سُهَيْلِ بْنُ مَالِكٍ ثِقَةً لِمَالِكٍ عَنْهُ فِي الْمُوَطَّأِ حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا مُسْنَدٌ وَالْآخَرُ مَوْقُوفٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ مَرْفُوعٌ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ
(16/148)
حَدِيثٌ أَوَّلُ لِأَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النار وصفدت الشياطين ذكرنا هذا الحديث ههنا لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَكُونُ رَأْيًا وَلَا يُدْرَكُ مِثْلُهُ إِلَّا تَوْقِيفًا وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سُهَيْلٍ هَذَا وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ عَنْ مَالِكٍ إِلَّا مَعْنُ بْنُ عِيسَى إِنْ صَحَّ عَنْهُ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو شُعَيْبٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْوَاشِجِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ عَنْ مَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجِنَانِ وَأُغْلِقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ
(16/149)
وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى أَوْثَقُ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَوْ مِنْ أَوْثَقِهِمْ وَأَتْقَنِهِمْ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا قَالُونُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْقَارِئُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ إِذَا اسْتَهَلَّ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَنَافِعٌ هَذَا هُوَ أَبُو سُهَيْلِ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا اسْتَهَلَّ رَمَضَانُ غُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشياطين
(16/150)
وَأَمَّا رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ فَحَدَّثْنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ وَعِنْدَ مَعْمَرٍ فِيهِ إِسْنَادٌ آخَرُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ مَعْمَرٍ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَقَالَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي أَنَسٍ مَوْلَى التَّيْمِيِّينَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ
(16/151)
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً وَكَذَلِكَ قَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ أَبِي أَنَسٍ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَلَمْ يَقُلْ مَوْلَى التَّيْمِيِّينَ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَرَّةً قَالَ فِيهِ من عدي بني تيم وَمَرَّةً لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَأَبَاهُ وَعَمَّهُ لَيْسُوا بِمَوَالِي لِبَنِي تَيْمٍ وَلَكِنَّهُمْ حُلَفَاؤُهُمْ وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَجْعَلُهُمْ مَوَالِيَ لَهُمْ وَكَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يَقُولُ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَمَالِكٌ أَعْلَمُ بِنَسَبِهِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا صَحَّ مِنْ حِمْيَرَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ فِيهِ لِلصَّائِمِينَ عَنْ ذُنُوبِهِمْ وَيُضَاعِفُ لَهُمْ حَسَنَاتِهِمْ فَبِذَلِكَ تُغَلَّقُ عَنْهُمْ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَأَبْوَابُ جَهَنَّمَ لِأَنَّ الصَّوْمَ جُنَّةٌ يَسْتَجْنِ بِهَا الْعَبْدُ مِنَ النَّارِ وَتُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ لِأَنَّ أَعْمَالَهُمْ تَزْكُو فِيهِ لَهُمْ وَتُتَقَبَّلُ مِنْهُمْ هَذَا مَذْهَبُ مَنْ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ وَالْمَجَازِ وَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَا وَجْهَ لَهُ عِنْدِي إِلَّا أَنْ يَرُدَّهُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
(16/152)
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَصُفِّدَتْ فِيهِ الشَّيَاطِينُ أَوْ سُلْسِلَتْ فِيهِ الشَّيَاطِينُ فَمَعْنَاهُ عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ يَعْصِمُ فِيهِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَكْثَرَهُمْ فِي الْأَغْلَبِ مِنَ الْمَعَاصِي فَلَا يَخْلُصُ إِلَيْهِمْ فِيهِ الشَّيَاطِينُ كَمَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ فِي سَائِرِ السَّنَةِ وَأَمَّا الصَّفَدُ بِتَخْفِيفِ الْفَاءِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَهُوَ الْغُلُّ فَعَلَى هَذَا سَوَاءٌ قَوْلُ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ أَوْ سُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ يُقَالُ صَفَّدْتُهُ أُصَفِّدُهُ صَفْدًا وَصُفُودًا إِذَا أَوْثَقْتُهُ وَالِاسْمُ الصِّفَادُ وَالصِّفَادُ أَيْضًا حَبْلٌ يُوثَقُ بِهِ وَهُوَ الصَّفَدُ أَيْضًا وَالْجَمْعُ أَصْفَادٌ وَالصَّفَدُ الْغُلُّ وَفِي غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى الصَّفَدُ الْعَطَاءُ يُقَالُ مِنْهُ أَصْفَدْتُ الرَّجُلَ إِذَا أَعْطَيْتُهُ مَالًا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ وَأَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَرْثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أبي سلمة بن عبد الرحمان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَتْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ فِي رَمَضَانَ لَمْ تُعْطَهُنَّ أُمَّةٌ قَبْلَهَا خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ وَتَسْتَغْفِرُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُفْطِرُوا وَيُزَيِّنُ اللَّهُ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ جَنَّتَهُ ثُمَّ يَقُولُ يُوشِكُ عِبَادِي الصَّائِمُونَ أَنْ يُلْقُوا عَنْهُمُ الْمُؤْنَةَ وَالْأَذَى ثُمَّ يَصِيرُونَ إِلَيْكِ وَتُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ فَلَا يَخْلُصُونَ إِلَى مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهِ وَيُغْفَرُ لَهُمْ آخَرَ لَيْلَةٍ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ قَالَ لَا وَلَكِنَّ الْعَامِلَ إِنَّمَا يُوَفَّى أَجْرَهُ إِذَا انْقَضَى عَمَلُهُ
(16/153)
قَالَ أَبُو عُمَرَ هِشَامُ بْنُ أَبِي هِشَامٍ هَذَا هُوَ هِشَامُ بْنُ زِيَادٍ أَبُو الْمِقْدَامِ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَلَكِنَّهُ مُحْتَمَلٌ فِيمَا يَرْوِيهِ مِنَ الْفَضَائِلِ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِيهِ صِيَامَهُ تُفَتَّحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغَلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ جَاءَكُمْ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفَتَّحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَتُغَلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ فِيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ
(16/154)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَرْفَجَةَ قَالَ كُنْتُ فِي بَيْتٍ فِيهِ عُتْبَةُ بْنُ فَرْقَدٍ فَأَرَدْتُ أَنْ أُحَدِّثَ بِحَدِيثٍ وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ أَوْلَى بِالْحَدِيثِ فَحَدَّثَ الرَّجُلُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي رَمَضَانَ تُفَتَّحُ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَتُغَلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ النَّارِ وَيُصَفَّدُ فِيهِ كُلُّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ وَيُنَادِي فِيهِ مُنَادٍ كُلَّ لَيْلَةٍ يَا طَالِبَ الْخَيْرِ هَلُمَّ وَيَا طَالِبَ الشَّرِّ أَمْسِكْ قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَرْفَجَةَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ وَهُوَ عِنْدَهُمْ خَطَأٌ وَلَيْسَ الْحَدِيثُ لِعُتْبَةَ وَإِنَّمَا هُوَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ غَيْرِ عُتْبَةَ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَرْفَجَةَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ وَهُوَ يُحَدِّثُنَا عَنْ رَمَضَانَ قَالَ فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَكَتَ عُتْبَةُ كَأَنَّهُ هَابَهُ فَلَمَّا جَلَسَ قَالَ لَهُ عُتْبَةُ يَا أَبَا فُلَانٍ حَدِّثْنَا بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي رَمَضَانَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تُغَلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ النَّارِ وَتُفَتَّحُ
(16/155)
فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَتُصَفَّدُ فِيهِ الشَّيَاطِينُ وَيُنَادِي مُنَادٍ كُلَّ لَيْلَةٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ هَلُمَّ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا تُفَسِّرُ حَدِيثَ أَبِي سُهَيْلٍ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْنَا وَهِيَ كُلُّهَا مُسْنَدَةٌ وَلِهَذَا ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمُسْنَدِ لِأَنَّ تَوْقِيفَهُ لَا وَجْهَ لَهُ إِذْ لَا يَكُونُ مِثْلُهُ رَأْيًا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو ذَرٍّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْعِجْلِيُّ الْبَغْدَادِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ تَسْبِيحَةٌ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ تَسْبِيحَةٍ فِي غَيْرِهِ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التوفيق
(16/156)
حَدِيثٌ ثَانٍ لِأَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ (لَهُ) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ قَالَا لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ قَالَ وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ (قَالَ) فَأَدْبَرَ الرجل وهو
(16/157)
يَقُولُ وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي إِسْنَادِهِ وَلَا فِي مَتْنِهِ إِلَّا أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ جَعْفَرٍ رَوَاهُ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ نَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ سَوَاءً وَقَالَ فِي آخِرِهِ أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ وَهَذِهِ لَفْظَةٌ إِنْ صَحَّتْ فَهِيَ مَنْسُوخَةٌ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ وَبِغَيْرِ اللَّهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَا جَمِيعًا أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سُهَيْلٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ
(16/158)
قَالَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا قَالَ أَخْبِرْنِي بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ قَالَ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ قَالَ أَخْبِرْنِي بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لَا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا غَيْرَهُ وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعْنَى حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ هَذَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَتَمِّ أَلْفَاظٍ وَأَكْمَلِ مَعَانٍ وَفِيهَا ذِكْرُ الْحَجِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَسَنَذْكُرُهَا بَعْدُ فِي هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا يَقْتَضِي الْحَجَّ مَعَ مَا فِي حَدِيثِ طَلْحَةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فَإِنَّ
(16/159)
الْأَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِسْلَامِ تَقْتَضِي شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَالْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ثُمَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَالزَّكَاةَ وَصَوْمَ رَمَضَانَ وَالْحَجَّ وَقَدْ مَضَى مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى الْإِسْلَامِ وَمَعْنَى الْإِيمَانِ فِي بَابِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَمِنَ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الرحمان بْنِ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنُ السَّكَنِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهُ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَالْحَجُّ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَحَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو الْمُعَافِرِيِّ أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ الْأَشَجِّ حَدَّثَهُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عُمَرَ فقال يا أبا عبد الرحمان ما جعلك على الحج عاما وتقيم عاما وتترد الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ عَلِمْتَ مَا رَغَّبَ اللَّهُ فِيهِ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَصِيَامُ رَمَضَانَ
(16/160)
وَأَدَاءُ الزَّكَاةِ وَحَجُّ الْبَيْتِ وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ أَعْمُدَ الدِّينِ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا خَمْسٌ عَلَى مَا فِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا إِلَّا أَنَّهُ جَاءَ عَنْ حُذَيْفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ خَبَرٌ يُخَالِفُ ظَاهِرُهُ خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ هَذَا فِي الْإِسْلَامِ رَوَاهُ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ الْإِسْلَامُ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ الشَّهَادَةُ سَهْمٌ وَالصَّلَاةُ سَهْمٌ وَالزَّكَاةُ سَهْمٌ وَحَجُّ الْبَيْتِ سَهْمٌ وَصَوْمُ رَمَضَانَ سَهْمٌ وَالْجِهَادُ سَهْمٌ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ سَهْمٌ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ سَهْمٌ وَقَدْ خَابَ مَنْ لَا سَهْمَ لَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا فَرْضَ الْجِهَادِ وَمَا يَتَعَيَّنُ مِنْهُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ وَمَا مِنْهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَأَنَّهُ لَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ ههنا وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَلَيْسَ يَجْرِي أَيْضًا مَجْرَى الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ ابن عمر لقول الله عز وجل يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ الْآيَةَ قَالُوا إِذَا اخْتَلَفَتِ الْقُلُوبُ فِي آخِرِ الزَّمَنِ وَأُلْبِسَ النَّاسُ شِيَعًا وَأُذِيقَ بَعْضُهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ وَكَانَ
(16/161)
الْهَوَى مُتَّبَعًا وَالشُّحُّ مُطَاعًا وَأُعْجِبَ كُلُّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَحِينَئِذٍ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ إِذَا أَدَّى الْجِزْيَةَ إِلَيْكُمْ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ يُخْرِجُهَا مِنْ أَنْ تُجْرَى مَجْرَى الْخَمْسِ الَّتِي بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَعْمِدَةَ الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةٌ الشَّهَادَةُ وَالصَّلَاةُ وَصَوْمُ رَمَضَانَ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عبد الرحمان بْنِ عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ شَعْبَانَ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ وَسَعِيدُ بْنُ حَفْصٍ النَّجَّارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ النُّكْرِيِّ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حَمَّادٌ لَا أَظُنُّهُ إِلَّا رَفَعَهُ قَالَ عُرَى الْإِسْلَامِ وَقَوَاعِدُ الدِّينِ ثَلَاثَةٌ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهَا مَنْ تَرَكَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً فَهُوَ حَلَالُ الدَّمِ شهادة أأن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالصَّلَاةُ وَصِيَامُ رَمَضَانَ قال ابن عباس نجده كثير المال لا يُزَكِّي فَلَا نَقُولُ لَهُ بِذَلِكَ كَافِرٌ وَلَا حَلَالٌ دَمُهُ وَنَجِدُهُ كَثِيرَ الْمَالِ وَلَا يَحُجُّ فلا نراه بذاك كافرا ولا حل دَمُهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّهُ لَا فَرْضَ مِنَ الصَّلَاةِ إلا الخمس صلوات فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَأَنَّهُ لَا فَرْضَ مِنَ الصِّيَامِ إِلَّا صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَفِيهِ أَنَّ الزَّكَاةَ فَرِيضَةٌ عَلَى
(16/162)
حَسَبِ سُنَنِهَا الْمَعْلُومَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَفِي سَائِرِ كُتُبِنَا وَلَمْ يُذْكَرْ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ الْحَجُّ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْهُمْ إِنَّ الْحَجَّ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ مُفْتَرَضًا وَأَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ نَزَلَ فَرْضُهُ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ زَعَمَ أَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ عَلَى مَنِ اسْتَطَاعَ السَّبِيلَ إِلَيْهِ يَجِبُ فِي فَوْرِ الِاسْتِطَاعَةِ عَلَى حَسَبِ الْمُمْكِنِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ لَيْسَ فِيهَا لِمَالِكٍ جَوَابٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهَا الْمَالِكِيُّونَ فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَالَتْ وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَلْ ذَلِكَ عَلَى التَّرَاخِي وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَكْثَرُ الْمَالِكِيِّينَ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ وَبَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خُوَازِ بنداد الْبَصْرِيُّ الْمَالِكِيُّ وَلَهُ احْتَجَّ فِي كِتَابِ الْخِلَافِ وَجَاءَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ تَكُونُ صَرُورَةً مُسْتَطِيعَةً عَلَى الْحَجِّ تَسْتَأْذِنُ زَوْجَهَا فِي ذَلِكَ فَيَأْبَى أَنْ يَأْذَنَ لَهَا هَلْ يُجْبَرُ عَلَى إِذْنٍ لَهَا قَالَ نَعَمْ وَلَكِنْ لَا يُعَجَّلُ عَلَيْهِ وَيُؤَخَّرُ الْعَامَ بَعْدَ الْعَامِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ عِنْدَهُ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ عَلَى التَّرَاخِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ فِي سَعَةٍ مِنْ تَأْخِيرِهِ أَعْوَامًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالشَّافِعِيِّ
(16/163)
قَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْحَجِّ بَعْدَ الِاسْتِطَاعَةِ الْعَامَ بَعْدَ الْعَامِ وَلَمْ يُحَدَّ وَقَالَ سَحْنُونٌ وَسُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ مَا يَحُجُّ بِهِ فَيُؤَخِّرُ ذَلِكَ سِنِينَ كَثِيرَةً مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ هَلْ يَفْسُقُ بِتَأْخِيرِهِ الْحَجَّ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ قَالَ لَا يَفْسُقُ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَإِنْ مَضَى مِنْ عُمْرِهِ سِتُّونَ سَنَةً فَإِنْ زَادَ عَلَى السِّتِّينَ فُسِّقَ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ إِنَّهُ يَفْسُقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ إِذَا جَاوَزَ السِّتِّينَ غَيْرَ سَحْنُونٍ وَهَذَا تَوْقِيتٌ لَا يَجِبُ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ مِمَّنْ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِالتَّرَاخِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يُحَدُّ فِي ذَلِكَ حَدًّا وَالْحُدُودُ فِي الشَّرْعِ لَا تُؤْخَذُ إِلَّا عَمَّنْ لَهُ أَنْ يُشَرِّعَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ إِلَّا أَنَّ جُمْهُورَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَهُوَ تَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ شُرَيْحٍ مُحْتَجًّا لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ الِاسْتِطَاعَةِ قَالَ وَجْهُ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ أَنَّا وَجَدْنَا الْمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا لَا يُفَسِّقُونَ مَنْ تَأَخَّرَ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ بَعْدَ بُلُوغِهِ مَعَ اسْتِطَاعَتِهِ عَلَى الْحَجِّ وَلَا يُسْقِطُونَ شَهَادَتَهُ وَلَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ قَدْ تَرَكَ أَدَاءَ الْحَجِّ فِي وَقْتِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا فَيَكُونُ قَاضِيًا لَهَا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا وَوَجَدْنَا هَذَا
(16/164)
مِنْ شَأْنِهِمْ لَيْسَ مِمَّا يَحْدُثُ فِي عَصْرٍ دُونَ عَصْرٍ فَعَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ مِيرَاثُ الْخَلَفِ عَنِ السَّلَفِ وَوَجَدْنَا فَرَائِضَ كَثِيرَةً سَبِيلُهَا كَسَبِيلِ الْحَجِّ فِي ذَلِكَ مِنْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَلَمْ نَرَهُمْ ضَيَّقُوا عَلَى الْحَائِضِ إِذَا طَهُرَتْ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَلَهَا أَنْ تُؤَخِّرَهُ مَا دَامَ فِي وَقْتِهَا سَعَةٌ وَلَا فِي قَضَاءِ مَا عَلَيْهَا مِنَ الصَّوْمِ وَلَا عَلَى الْمُسَافِرِ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ سَفَرِهِ وَكُلُّهُمْ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ هَجْمَةُ الْمَوْتِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّهُ لَيَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَقْضِيهِ حَتَّى يَدْخُلَ شَعْبَانُ فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ لَمْ يُضَيِّقْهَا الْمُسْلِمُونَ فَبَطَلَ بِذَلِكَ قَوْلُ مَنْ شَذَّ فَضَيَّقَهَا ثُمَّ نَظَرْنَا فِي أَمْرِ الْحَجِّ إِذَا أَخَّرَهُ الْمَرْءُ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ كَرَجُلٍ تَرَكَ أَنْ يَحُجَّ خَمْسِينَ سَنَةً وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَوَجَدْنَا ذَلِكَ مُسْتَنْكَرًا لَا يَأْمُرُ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا حَجَّ بَعْدَ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ لَمْ يَكُنْ قَاضِيًا لِلْحَجِّ كَقَضَاءِ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا فَقُلْنَا الْوَقْتُ مَمْدُودٌ بَعْدُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أُخِّرَ تَأْخِيرًا مُسْتَنْكَرًا فَإِذَا مَاتَ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ أَخَّرَ الْفَرْضَ حَتَّى فَاتَ بِمَوْتِهِ وَصَارَ الْمَوْتُ عَلَامَةً لِتَفْرِيطِهِ حِينَ فَاتَ وَقْتُ حَجِّهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَتَى يَكُونُ عَاصِيًا وَبِمَاذَا عَصَى قُلْنَا أَمَّا الْمَعْصِيَةُ فَتَأْخِيرُهُ الْفَرْضَ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهُ وَيَقَعُ عِصْيَانُهُ بِالْحَالِ الَّتِي عَجَزَ فِيهَا مِنَ النُّهُوضِ إِلَى الْحَجِّ وَبَانَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ وَكَذَلِكَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ يَهُودِيًّا إِنْ شَاءَ أَوْ نَصْرَانِيًّا فعلق
(16/165)
الْوَقْتَ بِالْمَوْتِ أَيْ يَمُوتُ كَمَا يَمُوتُ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ دُونَ أَنْ يَحُجَّ وَالنَّصْرَانِيُّ وَالْيَهُودِيُّ يَمُوتُ كَافِرًا بِكُفْرِهِ وَهَذَا يَمُوتُ عَاصِيًا بِتَرْكِهِ الْحَجَّ مُسْتَطِيعًا لَهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ الَّذِي عِنْدِي فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ وَكَانَ مُبَاحًا لَهُ وَهُوَ مَغِيبٌ عَنْهُ مَوْتُهُ فَلَمْ يَمُتْ عَاصِيًا إِذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ مُنْعَقِدَةً عَلَى أَدَاءِ مَا وَجَبَ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَمَنْ مَاتَ فِي آخِرِ وَقْتِ صَلَاةٍ لَمْ يَظُنَّ أَنَّهُ يَفُوتُهُ كُلُّ الْوَقْتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ لِسَحْنُونٍ بِمَا رَوَى فِي الْحَدِيثِ الْمَأْثُورِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مُعْتَرَكُ أُمَّتِي مِنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ وَقَلَّ مَنْ يُجَاوِزُ ذَلِكَ وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ خَرَجَ عَلَى الْأَغْلَبِ مِنْ أَعْمَارِ أُمَّتِهِ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى التَّوْسِعَةِ إِلَى السَّبْعِينَ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَغْلَبِ أَيْضًا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِتَفْسِيقِ مَنْ صَحَّتْ عَدَالَتُهُ وَدِينُهُ وَأَمَانَتُهُ بِمِثْلِ هَذَا مِنَ التَّأْوِيلِ الضَّعِيفِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(16/166)
ومما احتج به ابن خواز بنداد فِي جَوَازِ تَأْخِيرِ الْحَجِّ وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ حَدِيثُ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ السَّعْدِيِّ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ فَذَكَرَ الشَّهَادَةَ وَالصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَصَوْمَ رَمَضَانَ وَالْحَجَّ وَقَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ الْحَدِيثَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي الْأَعْرَابِيِّ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ ذِكْرُ الْحَجِّ وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ ضِمَامٍ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسُ بن مالك وفيها كلها ذكرالحج وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَحْسَنُهَا سِيَاقَةً وَأَتَمُّهَا وَنَحْوُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاخْتَلَفَ فِي وَقْتِ قُدُومِهِ فَقِيلَ قَدِمَ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَقِيلَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ سَنَةِ وَفْدِ أَكْثَرِ الْعَرَبِ وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ قُدُومَ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْعَامَ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ قَدِمَ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ وَافِدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ عَامَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ انْصِرَافِ الْأَحْزَابِ فَأَسْلَمَ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ مِنْ وَفْدِ الْعَرَبِ وَيُقَالُ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ وَافِدًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالُ بْنُ الْحَرْثِ الْمُزَنِيُّ مِنْ وَفْدِ مزينة
(16/167)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قِرَاءَةً مِنِّي عَلَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَعُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْبَزَّارُ قَالَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ مَوْلَى الزُّبَيْرِ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ أَخَا بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ لَمَّا أَسْلَمَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَرَائِضِ الْإِسْلَامِ فَعَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِنَّ ثُمَّ الزَّكَاةَ ثُمَّ صِيَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ حَجَّ الْبَيْتِ ثُمَّ أَعْلَمَهُ بِمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ وَسَأَفْعَلُ مَا أَمَرَتْنِي بِهِ وَلَا أَزِيدُ وَلَا أَنْقُصُ ثُمَّ وَلَّى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يَصْدُقْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ معاوية حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَا حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عِمَارَةَ حَمْزَةُ بْنُ الْحَرْثِ بن عمير قال سمعت أبي ذكر عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
(16/168)
عُمَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الخدري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ جَاءَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ أَيُّكُمُ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالُوا هَذَا الْأَمْغَرُ الْمُرْتَفِقُ قَالَ إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشْتَدٌّ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَالَ سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ قَالَ أَنْشُدُكَ بِرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ وَرَبِّ مَنْ بَعْدَكَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ قَالَ اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَالَ اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ أَمْوَالِ أَغْنِيَائِنَا فَتَرُدَّهُ عَلَى فُقَرَائِنَا قَالَ اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ وَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا قَالَ اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ وَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَحُجَّ هَذَا الْبَيْتَ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قَالَ اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي آمَنْتُ وَصَدَّقْتُ وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَمْغَرُ الْمُرْتَفِقُ يُرِيدُ الْأَبْيَضَ الْمُتَّكِئَ وَالْأَمْغَرُ هُوَ الَّذِي يَشُوبُ بَيَاضَهُ حُمْرَةٌ وَأَصْلُ الْأَمْغَرِ الْأَبْيَضُ الْوَجْهِ وَالثَّوْبِ وَقَدْ يَكُونُ الْأَحْمَرُ كِنَايَةً عَنِ الْأَبْيَضِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ والأسود يريد الأبيض والأسود وفي خير ضِمَامٍ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ قَدْ كَانَ تَقَدَّمَ قَبْلَ وَقْتِ وِفَادَتِهِ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنَّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ اشْتَهَرَ وَانْتَشَرَ فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَظَهَرَ ظُهُورَ الصلاة والزكاة التي كان يخرج فيها السعادة إليهم
(16/169)
وَيَأْخُذُونَهَا مِنْهُمْ عَلَى مِيَاهِهِمْ وَكَظُهُورِ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَقَفَهُ وَسَأَلَهُ عَنْهُ لِتَقَدُّمِ عِلْمِ ضِمَامٍ بِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ دِينُهُ الَّذِي بُعِثَ بِهِ إِلَيْهِ يَدْعُو وَأَنَّهُ الْإِسْلَامُ وَمَعَانِيهِ وَشَرَائِعُهُ الَّتِي كَانَ يُقَاتِلُ مَنْ أَبَى مِنْهَا وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَنَسُ بن مالك وعبد الله بن العباس بِأَكْمَلِ سِيَاقِهِ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ عَنْ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كُنَّا قَدْ نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مَنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ فَقَالَ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ قَالَ اللَّهُ قَالَ فَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ قَالَ اللَّهُ قَالَ فَمَنْ نَصَبَ الْجِبَالَ قَالَ اللَّهُ قَالَ فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَخَلَقَ الْأَرْضَ وَنَصَبَ الْجِبَالَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا قَالَ صَدَقَ قَالَ فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَخَلَقَ الْأَرْضَ وَنَصَبَ الْجِبَالَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ وزعم رسولك أن علينا صوم ضهر فِي سَنَتِنَا قَالَ صَدَقَ قَالَ فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَخَلَقَ الْأَرْضَ وَنَصَبَ الْجِبَالَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا الْحَجَّ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قَالَ صَدَقَ قَالَ فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ
(16/170)
وَخَلَقَ الْأَرْضَ وَنَصَبَ الْجِبَالَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ فَقَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهَا شَيْئًا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن صَدَقَ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا غُلَامَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْكَ فَقَالَ إِنِّي رَجُلٌ مِنْ أَخْوَالِكَ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ وَأَنَا رَسُولُ قَوْمِي إِلَيْكَ وَوَافِدُهُمْ وَأَنَا سَائِلُكَ فَمُشْتَدَّةٌ مَسْأَلَتِي إِيَّاكَ وَنَاشِدُكَ فَمُشْتَدَّةٌ مُنَاشَدَتِي إِيَّاكَ قَالَ قُلْ يَا أَخَا بَنِي سَعْدٍ قَالَ مَنْ خَلَقَكَ وَهُوَ خَالِقُ مَنْ قَبْلَكَ وَخَالِقُ مَنْ بَعْدَكَ قَالَ اللَّهُ قَالَ فَنَشَدْتُكَ بِذَلِكَ أَهْوَ أَرْسَلَكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ وَأَجْرَى بَيْنَهُنَّ الرِّزْقَ قَالَ اللَّهُ قَالَ فَأَنْشُدُكَ بِذَلِكَ أَهْوَ أَرْسَلَكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا فِي كِتَابِكَ وَأَتَتْنَا رُسُلُكَ أَنْ نُصَلِّيَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ لِمَوَاقِيتِهَا فَأَنْشُدُكَ بِذَلِكَ أَهُوَ أَمَرَكَ بِهِ قَالَ نَعَمْ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا فِي كِتَابِكَ وَأَتَتْنَا رُسُلُكَ أَنْ نَأْخُذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِنَا فَتُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِنَا
(16/171)
فَنَشَدْتُكَ بِذَلِكَ أَهْوَ أَمَرَكَ بِذَلِكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَوَجَدْنَا فِي كِتَابِكَ وَآتَتْنَا رُسُلُكَ أَنْ نَصُومَ شَهْرًا مِنَ السَّنَةِ شَهْرَ رَمَضَانَ فَنَشَدْتُكَ بِذَلِكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهِ قَالَ نَعَمْ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا الْخَامِسَةُ يَعْنِي الْحَجَّ فَلَسْتُ أَسْأَلُكَ عَنْهَا قَالَ ثُمَّ قَالَ أَمَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَعْمَلَنَّ بِهَا وَلِآمُرَنَّ مَنْ أَطَاعَنِي مِنْ قَوْمِي ثُمَّ رَجَعَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ صَدَقَ لِيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا ذِكْرُ الْحَجِّ وَهِيَ أَحَادِيثُ ثَابِتَةٌ حِسَانٌ صَحِيحَةٌ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَمَّا الْخَامِسَةُ فَلَا أَسْأَلُكَ عَنْهَا يَعْنِي الْحَجَّ بَعْدَ أَنْ جَعَلَهَا خَامِسَةً فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ وَدِينَهُ عَلَى خَمْسَةِ أَعْمِدَةٍ عِنْدَهُ فَمِنْهَا الْحَجُّ وَالْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ ذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَعْرِفُ الْحَجَّ وَتَحُجُّ كُلَّ عَامٍ فِي الْأَغْلَبِ فَلَمْ يَرَ فِي ذَلِكَ مَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الْمُنَاشَدَةِ وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا تَرْغَبُ فيه العرب لا سواقها وَتُبَرِّرُهَا وَتُحَنِّفُهَا فَلَمْ يَحْتَجْ فِي الْحَجِّ إِلَى مَا احْتَاجَ فِي غَيْرِهِ مِنَ السُّؤَالِ وَالْمُنَاشَدَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَظُنُّ سُقُوطَ ذِكْرِ الْحَجِّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ حَدِيثَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدُ رُوَاتِهِ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْحَجِّ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَرْكِ تَفْسِيقِ الْقَادِرِ عَلَى الْحَجِّ إِذَا أَخَّرَهُ الْعَامَ وَالْعَامَيْنِ وَنَحْوَهُمَا وَأَنَّهُ إِذَا حَجَّ بَعْدَ أَعْوَامٍ مِنْ حِينِ اسْتِطَاعَتِهِ فَقَدْ أَدَّى الْحَجَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهِ وَلَيْسَ عِنْدَ الْجَمِيعِ كَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا فَقَضَاهَا بَعْدَ خُرُوجِ
(16/172)
وَقْتِهَا وَلَا كَمَنْ فَاتَهُ صِيَامُ رَمَضَانَ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ فَقَضَاهُ وَلَا عَمَّنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ فَلَزِمَهُ قَضَاءَهُ فَلَمَّا أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُقَالُ لمن بَعْدَ أَعْوَامٍ مِنْ وَقْتِ اسْتِطَاعَتِهِ أَنْتَ قَاضٍ لِمَا كَانَ وَجَبَ عَلَيْكَ وَلَمْ يَأْتِ بِالْحَجِّ وَفِي وَقْتِهِ عَلِمْنَا أَنَّ وَقْتَ الْحَجِّ مُوَسَّعٌ فِيهِ وَأَنَّهُ عَلَى التَّأْخِيرِ وَالتَّرَاخِي لَا عَلَى الْفَوْرِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَمِمَّا نَزَعَ بِهِ مَنْ رَآهُ عَلَى التَّرَاخِي مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ فِي سُورَةِ الْحَجِّ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَنَزَلَتْ فِي عَامِ أُحُدٍ وَذَلِكَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَلَمْ يَحُجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا سَنَةَ عَشْرٍ فَإِنْ قِيلَ إِنَّ مَكَّةَ كَانَتْ مَمْنُوعَةً مِنْهُ وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ قِيلَ قَدِ افْتَتَحَهَا سَنَةَ ثَمَانٍ فِي رَمَضَانَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّتَهُ الَّتِي لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ عَلَيْهِ غَيْرَهَا إِلَّا فِي سَنَةِ عَشْرٍ وَأَمَرَ عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدٍ إِذْ وَلَّاهُ مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ أَنْ يُقِيمَ الْحَجَّ لِلنَّاسِ وَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَةَ تِسْعٍ فَأَقَامَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ وَحَجَّ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فَصَادَفَ الْحَجَّ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَأَخْبَرَ أَنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنَّ الْحَجَّ فِي ذِي الْحِجَّةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِبْطَالًا لِمَا كَانَتِ الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا عَلَيْهِ في تأخير الحج المنسي الذي
(16/173)
كانوا ينسونه لَهُ عَامًا بَعْدَ عَامٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا الْآيَةَ نَقَلَتْ ذَلِكَ كُلَّهُ الْكَافَّةُ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ وَاسْتَقَرَّ الْحَجُّ مِنْ حِجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْحِجَّةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ فَفِيهِ دَلِيلٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدَّى فَرَائِضَ اللَّهِ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ إِذَا اجْتَنَبَ مَحَارِمَهُ لِأَنَّ الْفَلَاحَ مَعْنَاهُ الْبَقَاءُ فِي نَعِيمِ الْجَنَّةِ الَّتِي أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا وَفَاكِهَتُهَا لَا مَقْطُوعَةٌ وَلَا مَمْنُوعَةٌ وَعَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِ اللَّهِ وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ وَاللَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ أَلَا إِنَّ أَفْضَلَ الْفَضَائِلِ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ وَاجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ شكا رَجُلٌ إِلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِاللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ أَخِي لَا تَعْصِ اللَّهَ بِالنَّهَارِ تَسْتَغْنِ عَنِ القيام بالليل
(16/174)
وَأَصْلُ الْفَلَاحِ فِي اللُّغَةِ الْبَقَاءُ وَالدَّوَامُ قَالَ الشَّاعِرُ ... لِكُلِّ هَمٍّ مِنَ الْأُمُورِ سَعَهْ ... وَالْمُسْيُ وَالصُّبْحُ لَا فَلَاحَ مَعَهُ ... أَيْ لَا بَقَاءَ مَعَهُ وَقَالَ لَبِيدٌ ... اعْقِلِي إِنْ كُنْتِ لَمَّا تَعْقِلِي ... وَلَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ كَانَ عَقِلْ ... وَقَالَ الرَّاجِزُ ... لَوْ كَانَ حَيٌّ مُدْرِكَ الْفَلَاحِ ... أَدْرَكَهُ مُلَاعِبُ الرِّمَاحِ ... أَيْ لَوْ كَانَ أَحَدٌ يَبْقَى وَلَا يَمُوتُ لَكَانَ ذَلِكَ مُلَاعِبَ الْأَسِنَّةِ وَهُوَ أَبُو الْبَرَاءِ عَامِرُ بْنُ مَالِكٍ وَمِنَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْلُ الْمُؤَذِّنِ حَيِّ عَلَى الْفَلَاحِ وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَفْلَحَ من تزكى وقوله أولئك هم المفلحون
(16/175)
وَأَصْلُ الْفَلَاحِ فِي اللُّغَةِ الْبَقَاءُ وَالدَّوَامُ قَالَ الشَّاعِرُ ... لِكُلِّ هَمٍّ مِنَ الْأُمُورِ سَعَهْ ... وَالْمُسْيُ وَالصُّبْحُ لَا فَلَاحَ مَعَهُ ... أَيْ لَا بَقَاءَ مَعَهُ وَقَالَ لَبِيدٌ ... اعْقِلِي إِنْ كُنْتِ لَمَّا تَعْقِلِي ... وَلَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ كَانَ عَقِلْ ... وَقَالَ الرَّاجِزُ ... لَوْ كَانَ حَيٌّ مُدْرِكَ الْفَلَاحِ ... أَدْرَكَهُ مُلَاعِبُ الرِّمَاحِ ... أَيْ لَوْ كَانَ أَحَدٌ يَبْقَى وَلَا يَمُوتُ لَكَانَ ذَلِكَ مُلَاعِبَ الْأَسِنَّةِ وَهُوَ أَبُو الْبَرَاءِ عَامِرُ بْنُ مَالِكٍ وَمِنَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْلُ الْمُؤَذِّنِ حَيِّ عَلَى الْفَلَاحِ وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَقَوْلُهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
(16/176)
(مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ)
وَهُوَ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرُ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَ أَبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ يُجْمِرُ الْمَسْجِدَ إِذَا قَعَدَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ وقد قيل إنه كان مِنَ الَّذِينَ كَانُوا يُجْمِرُونَ الْكَعْبَةَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْلَى عُمَرَ وَكَانَ يُجْمِرُ لَهُ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُعَيْمٌ أَحَدُ ثِقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَحَدُ خِيَارِ التَّابِعِينَ بِهَا قَالَ مَالِكٌ جَالَسَ نُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ أَبَا هُرَيْرَةَ عِشْرِينَ سَنَةً ذَكَرَهُ الحلواني في كتاب المعرفة عن سعدي بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مَالِكٍ لِمَالِكٍ عَنْ نُعَيْمٍ هَذَا فِي الْمُوَطَّأِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ مُسْنَدَةٍ وَمِنَ الْمَوْقُوفَاتِ حَدِيثَانِ تَتِمَّةُ خَمْسَةٍ وَهِيَ كُلُّهَا عِنْدَنَا صِحَاحٌ مُسْنَدَةٌ وَكَانَ نُعَيْمٌ يُوقِفُ كَثِيرًا من حديث أبي هريرة مما يرفعه غير من الثقات
(16/177)
مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ وَهُوَ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرُ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَ أَبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ يُجْمِرُ الْمَسْجِدَ إِذَا قَعَدَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ وقد قيل إنه كان مِنَ الَّذِينَ كَانُوا يُجْمِرُونَ الْكَعْبَةَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْلَى عُمَرَ وَكَانَ يُجْمِرُ لَهُ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُعَيْمٌ أَحَدُ ثِقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَحَدُ خِيَارِ التَّابِعِينَ بِهَا قَالَ مَالِكٌ جَالَسَ نُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ أَبَا هُرَيْرَةَ عِشْرِينَ سَنَةً ذَكَرَهُ الحلواني في كتاب المعرفة عن سعدي بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مَالِكٍ لِمَالِكٍ عَنْ نُعَيْمٍ هَذَا فِي الْمُوَطَّأِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ مُسْنَدَةٍ وَمِنَ الْمَوْقُوفَاتِ حَدِيثَانِ تَتِمَّةُ خَمْسَةٍ وَهِيَ كُلُّهَا عِنْدَنَا صِحَاحٌ مُسْنَدَةٌ وَكَانَ نُعَيْمٌ يُوقِفُ كَثِيرًا من حديث أبي هريرة مما يرفعه غير من الثقات
(16/178)
حَدِيثٌ أَوَّلٌ لِنُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَالِكٍ جَمَاعَةُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ رَوَى فِطْرُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ وَاقَدٍ الصَّفَّارُ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فَقَالَ لَهُ أَبِي يَا أَبَا عبد الله أيهما أحب إليك المقام ههنا أو بمكة فقال ههنا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ اخْتَارَهَا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَمِيعِ بِقَاعِ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ خَرَجَ مِنْهَا رَغْبَةً عَنْهَا أَبْدَلَهَا اللَّهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَإِنَّهَا لَتَنْفِي خَبَثَ الرِّجَالِ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَهَذَا الْحَدِيثُ خَطَأٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَالصَّوَابُ فِيهِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ
(16/179)
وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنْقَابُ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ أَرَادَ طُرُقَهَا ومحاجها والوحد نَقْبٌ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ أَيْ جَعَلُوا فِيهَا طُرُقًا وَمَسَالِكَ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ ... وَقَدْ نَقَّبْتُ فِي الآفاق حتى ... رضيت من الغنية بِالْإِيَابِ ...
وَالْمَنْكَبُ أَيْضًا الطَّرِيقُ مِثْلُ الْمَنْقَبِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ الْمَدِينَةِ إِذْ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ وَأَنَّهُ يَطَأُ الأض كُلَّهَا وَيَدْخُلُهَا حَاشَى الْمَدِينَةَ وَيُرْوَى فِي غَيْرِهَا حَدِيثُ حَاشَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي خَفْقَةٍ مِنَ الدِّينِ وَإِدْبَارٍ مِنَ الْعِلْمِ لَهُ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً يَسِيحُهَا فِي الْأَرْضِ الْيَوْمُ مِنْهَا كَالسَّنَةِ وَالْيَوْمُ مِنْهَا كَالشَّهْرِ وَالْيَوْمُ مِنْهَا كَالْجُمُعَةِ ثُمَّ سَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ هَذِهِ وَلَهُ حِمَارٌ يَرْكَبُهُ عَرِيضٌ مَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا فَيَقُولُ لِلنَّاسِ أَنَا رَبُّكُمْ وَهُوَ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ
(16/180)
مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَأُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ يَرِدُ كُلَّ مَاءٍ وَسَهْلٍ إِلَّا الْمَدِينَةَ وَمَكَّةَ حَرَسَهُمَا اللَّهُ عَنْهُ وَقَامَتِ الملائكة بأبوابهما وذكر الحديث
(16/181)
مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَأُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ يَرِدُ كُلَّ مَاءٍ وَسَهْلٍ إِلَّا الْمَدِينَةَ وَمَكَّةَ حَرَسَهُمَا اللَّهُ عَنْهُ وَقَامَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَبْوَابِهِمَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ
(16/182)
حَدِيثٌ ثَانٍ لِنُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ ثُمَّ قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ
(16/183)
قَالَ أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ هُوَ الَّذِي أُرِيَ أَبُوهُ النِّدَاءَ فَصَارَ سُنَّةً وَأَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ اسْمُهُ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو وَبَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ هُوَ وَالِدُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي كِتَابِنَا فِي الصَّحَابَةِ بِمَا يُغْنِي مِنْ ذِكْرِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّاءَ النَّيْسَابُورِيُّ بمصر قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّازُ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرَيُّ قَالَ حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ حَدِيثِ مَالِكٍ وَقَدْ رَوَى مِثْلَ حَدِيثِهِ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَغَيْرُهُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّاءَ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ
(16/184)
ابن سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنِ ابْنِ الْهَادِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَكَيْفَ الصلاة عليك قال قولوا اللهم صلى عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ والثوري عن الحكم عن عبد الرحمان بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قال لما نزلت يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا جَاءَ رجل إلى النبي ت عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا السَّلَامُ عَلَيْكَ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَكَيْفَ الصَّلَاةُ فَقَالَ قُلْ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدْخُلُ فِي التَّفْسِيرِ الْمُسْنَدِ وَيُبَيِّنُ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا فَبَيَّنَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَعَلَّمَهُمْ فِي التَّحِيَّاتِ كَيْفَ السلام
(16/185)
عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي التَّحِيَّاتِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ وَهُوَ أَيْضًا مَعْنَى حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الْمَذْكُورِ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ السَّلَامَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أُرِيدَ بِهِ السَّلَامُ مِنَ الصَّلَاةِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَكْثَرُ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِ التَّشَهُّدِ وَفِي أَلْفَاظِهِ وَفِي وُجُوبِ السَّلَامِ مِنَ الصَّلَاةِ وَهَلْ هُوَ وَاحِدَةٌ أَوِ اثْنَتَانِ وَلَسْتُ أَعْلَمُ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَوْضِعًا أَوْلَى بِذِكْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَمَّا التَّشَهُّدُ فَإِنَّ مَالِكًا وَأَصْحَابَهُ ذَهَبُوا فِيهِ إِلَى مَا رَوَاهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرحمان بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ يَقُولُ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الزَّكِيَّاتُ لِلَّهِ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصالحين أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
(16/186)
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَذَهَبَ فِي التَّشَهُّدِ إِلَى حَدِيثِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يعملنا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ فِي الْأَرْبَعِ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِهِ عَنِ اللَّيْثِ بِإِسْنَادِهِ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ كَمَا رَوَاهُ اللَّيْثُ وَجَمَاعَةٌ وَأَمَّا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ فَذَهَبُوا فِي التَّشَهُّدِ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ حَدِيثٌ كُوفِيٌّ رَوَاهُ أَئِمَّةُ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَمِمَّنْ رَوَاهُ مَنْصُورٌ وَالْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرَوَاهُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ مُخَيْمِرَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
(16/187)
وَقَدْ رُوِيَ التَّشَهُّدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهَا اخْتِلَافٌ وَزِيَادَةُ كَلِمَةٍ وَنُقْصَانُ أُخْرَى وَذَلِكَ كُلُّهُ مُتَقَارِبُ الْمَعْنَى وَفِيهَا كُلُّهَا السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ فِيهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَذْكُرُ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ فَهَذَا وَجْهٌ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ كَهَيْئَةِ السَّلَامِ مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ مِنَ الصَّلَاةِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَائِشَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَكُلُّهَا مَعْلُولَةُ الْأَسَانِيدِ لَا يُثْبِتُهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ فَإِنَّ الدَّرَاوَرْدِيَّ رَوَاهُ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ محمد بن سعيد عَنْ (مُحَمَّدٍ) عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ مِنَ الصَّلَاةِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً فَأَخْطَأَ فِيهِ خَطَأً لَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ وَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَصَرَّحُوا بِخَطَئِهِ فِيهِ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ رَوَاهُ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ قَالَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان يُسَلِّمُ مِنَ الصَّلَاةِ تَسْلِيمَتَيْنِ
(16/188)
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَانْفَرَدَ بِهِ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ لَمْ يَرْوِهِ مَرْفُوعًا غَيْرُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَلَمْ يَسْمَعْ أَيُّوبُ مِنْ أَنَسٍ وَلَا رَآهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ وَغَيْرُهُ لَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ شَيْءٌ يَعْنِي مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يُخَرِّجْ الْبُخَارِيُّ فِي التَّسْلِيمِ مِنَ الصَّلَاةِ شَيْئًا لَا فِي الْوَاحِدَةِ وَلَا فِي الِاثْنَتَيْنِ وَلَا خَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ ولا أبو عبد الرحمان النسائي في التسليمة الواحدة شيئا خرج أَكْثَرُ الْمُصَنِّفِينَ فِي السُّنَنِ حَدِيثَ التَّسْلِيمَتَيْنِ فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ أَبُو الْأَحْوَصِ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ سَعْدٍ الْمَذْكُورُ الصَّحِيحُ فِيهِ التَّسْلِيمَتَانِ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي التَّسْلِيمَتَيْنِ فَحَدِيثٌ حَسَنٌ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
(16/189)
وَرُوِيَ فِي التَّسْلِيمَتَيْنِ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَحَدِيثُ عَمَّارٍ وَحَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَلَيْسَتْ بِالْقَوِيَّةِ وَرُوِيَ عَنْ طائفة من الصحابة وجماعة من التابعين التَّسْلِيمَتَانِ وَالْقَوْلُ عِنْدِي فِي التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ وَفِي التَّسْلِيمَتَيْنِ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ صَحِيحٌ بِنَقْلِ مَنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ السَّهْوُ وَلَا الْغَلَطُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مَعْمُولٌ بِهِ عَمَلًا مُسْتَفِيضًا بِالْحِجَازِ التَّسْلِيمَةُ الْوَاحِدَةُ وَبِالْعِرَاقِ التَّسْلِيمَتَانِ وَهَذَا مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ الِاحْتِجَاجُ بِالْعَمَلِ لِتَوَاتُرِ النَّقْلِ كَافَّةً عَنْ كَافَّةٍ فِي ذَلِكَ وَمِثْلُهُ لَا يُنْسَى وَلَا مَدْخَلَ فِيهِ لِلْوَهْمِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ بِهِ الْعَمَلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّاتٍ فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمُبَاحِ وَالسِّعَةِ وَالتَّخْيِيرِ كَالْأَذَانِ وَكَالْوُضُوءِ ثلاثا واثنين وواحدة كالاستجمار بِحَجَرَيْنِ وَبِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَحَادَ بِوَجْهٍ مُبَاحٍ مِنَ السُّنَنِ فَسَبَقَ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذَلِكَ التَّسْلِيمَةُ الْوَاحِدَةُ فَتَوَارَثُوهَا وَغَلَبَتْ عَلَيْهِمْ وَسَبَقَ إِلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ وَمَا وَرَاءَهَا التَّسْلِيمَتَانِ فَجَرَوْا عَلَيْهَا وَكُلٌّ جَائِزٌ حَسَنٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِلَّا تَوْقِيفًا مِمَّنْ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ فِي شَرْعِ الدِّينِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ التَّسْلِيمَتَيْنِ لَمْ تَكُنْ إِلَّا مِنْ زَمَنِ بَنِي هَاشِمٍ فَإِنَّمَا أَرَادَ ظُهُورَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(16/190)
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَرْضٌ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ لقول الله عز وجل يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ثُمَّ اخْتَلَفُوا مَتَى تَجِبُ وَمَتَى وَقْتُهَا وَمَوْضِعُهَا فَمَذْهَبُ مَالِكٍ عِنْدَ أَصْحَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَرْضٌ فِي الْجُمْلَةِ بِعَقْدِ الْإِيمَانِ وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَمِنْ مَذْهَبِهِمْ أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي التَّشَهُّدِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي عُمُرِهِ فَقَدْ سَقَطَ فَرْضُ ذَلِكَ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي التَّشَهُّدِ جَائِزٌ وَيَسْتَحِبُّونَهَا وَتَارِكُهَا مُسِيءٌ عِنْدَهُمْ وَلَا يُوجِبُونَهَا فِيهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا لَمْ يُصَلِّ الْمُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي التَّشَهُّدِ الْآخِرِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ أَعَادَ الصَّلَاةِ قَالَ وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ وَهَذَا قَوْلٌ حَكَاهُ عَنْهُ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى لَا يَكَادُ يُوجَدُ هَكَذَا عَنْهُ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ كَتَبُوا عَنْهُ كُتُبَهُ وَقَدْ تَقَلَّدَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَمَالُوا إِلَيْهِ وَنَاظَرُوا عَلَيْهِ وَهُوَ عِنْدَهُمْ تَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ إِنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِي الصَّلَاةِ حَدِيثُ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ قَالَ أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدِي فَقَالَ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَخَذَ بِيَدِي كَمَا أَخَذْتُ بِيَدِكَ فَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ فَقَالَ قُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ
(16/191)
وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ فَإِذَا أَنْتَ قُلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ الصَّلَاةَ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ قَالُوا فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَشْهَدُ لِمَنْ لَمْ يَرَ الصلاة على النبي عليه السلام في التشهد وَاجِبَةً وَلَا سُنَّةً مَسْنُونَةً لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ وَاجِبًا أَوْ سُنَّةً لَبَيَّنَ ذَلِكَ وَذَكَرَهُ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَيْضًا حَدِيثُ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ وَفِي آخِرِهِ ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ أَطْيَبَ الْكَلَامِ أَوْ مَا أَحَبَّ مِنَ الْكَلَامِ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَيْضًا حَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَجَّلَ هَذَا ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ فَفِي حَدِيثِ فَضَالَةَ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرِ الْمُصَلِّي إِذْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صَلَاتِهِ بِالْإِعَادَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَوْ تَرَكَ فَرْضًا لَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ كَمَا أَمَرَ الَّذِي لَمْ يُقِمْ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ بِالْإِعَادَةِ وَقَالَ لَهُ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ
(16/192)
رَوَى ذَلِكَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَهُمَا فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَمِنْ حُجَّةِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ وَأَنْ يُسَلَّمَ عَلَيْهِ تَسْلِيمًا ثُمَّ جَاءَ أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّشَهُّدِ وَأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ ذَلِكَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ وَقَالَ لَهُمْ إِنَّهُ يُقَالُ فِي الصَّلَاةِ لَا فِي غَيْرِهَا وَقَالُوا قَدْ عَلِمْنَا السَّلَامَ عَلَيْكَ فَكَيْفَ الصَّلَاةُ فَقَالَ لَهُمْ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَّمَهُمْ ذَلِكَ وَقَالَ لَهُمْ السَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ قَرِينُ التَّشَهُّدِ قَالُوا وَوَجَدْنَا الْأُمَّةَ بِأَجْمَعِهَا تَفْعَلُ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا فِي صَلَاتِهَا فَعَلِمْنَا أَنَّهُمَا فِي الْأَمْرِ بِهِمَا سَوَاءٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَلَا تَتِمُّ الصَّلَاةُ إِلَّا بِهِمَا لِأَنَّهُمَا وِرَاثَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ قَوْلًا وَعَمَلًا قَالُوا وَأَمَّا احْتِجَاجُ مَنِ احْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي التَّشَهُّدِ وَقَوْلِهِ فِي آخِرِهِ فَإِذَا قُلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ فَلَا وَجْهَ (لَهُ) لِأَنَّهُ حَدِيثٌ خَرَجَ عَلَى مَعْنًى فِي التَّشَهُّدِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي الصَّلَاةِ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَقِيلَ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ وَلَكِنْ قُولُوا كَذَا فَعَلِمُوا التَّشَهُّدَ ومعنى قوله
(16/193)
فَإِذَا قُلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ يَعْنِي إِذَا ضُمَّ إِلَيْهَا مَا يَجِبُ فِيهَا مِنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَقِرَاءَةٍ وَتَسْلِيمٍ وَسَائِرُ أَحْكَامِهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ التَّسْلِيمَ مِنَ الصَّلَاةِ وَهُوَ مِنْ فَرَائِضِهَا لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ وَقَفَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَاسْتَغْنَى عَنْ إِعَادَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا مِثْلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ وَأَرُدَّهَا عَلَى فُقَرَائِكُمْ أَيْ وَمَنْ سُمِّيَ مَعَهُمْ وَمِثْلُ قَوْلِهِ لِلَّذِي قَالَ لَهُ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثُمَّ أَمَرَهُ بِمَا رَآهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ وَلَمْ يُقِمْهُ مِنْ صَلَاتِهِ وَسَكَتَ لَهُ عَنِ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ بِوُجُوبِ التَّشَهُّدِ وَوُجُوبِ التَّسْلِيمِ بِمَا عَلَّمَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِمْ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَأْخُوذٌ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَاحْتَجُّوا مِنَ الْأَثَرِ بِحَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَفِيهِ أَنَّهُ عَلَّمَهُمُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السلام وقال وفيه وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ نَعْنِي التَّشَهُّدُ وَبِأَنَّ أَبَا مَسْعُودٍ رَوَى الْحَدِيثَ وَفَهِمَ مَخْرَجَهُ وَكَانَ يَرَاهُ وَاجِبًا وَيَقُولُ إِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ قَالَ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الرحمان
(16/194)
ابن بَشِيرِ بْنِ أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِنَّ اللَّهَ وملائكته يصلون على النبي يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا السَّلَامَ فَكَيْفَ الصَّلَاةُ فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَرَوَى عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ مَا أَرَى أَنَّ صَلَاةً لِي تَمَّتْ حَتَّى أُصَلِّيَ فِيهَا عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَرَوَى ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ وَأَبُو ثَابِتٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ سهل بن سعد الساعدي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ فَإِنَّ فِيهِ اسْتِظْهَارًا مَعَ مَا قَدَّمْنَا مِنَ الدَّلَائِلِ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ مَا احْتَجُّوا بِهِ عِنْدِي بِلَازِمٍ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاعْتِرَاضِ وَلَسْتُ أُوجِبُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الصَّلَاةِ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَلَكِنِّي لَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ تَرْكَهَا فِي كُلِّ صَلَاةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ وَأَحْرَى أَنْ يُجَابَ لِلْمُصَلِّي دُعَاؤُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَحَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي ذَلِكَ
(16/195)
حَدَّثَنَاهُ خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحمان بْنُ رَاشِدٍ أَبُو الْمَيْمُونِ بِدِمَشْقَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عبد الرحمان بْنُ إِبْرَاهِيمَ دُحَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ المهيمن بن عباس بن سهل بن سعيد الساعدي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا قَدْ يَحْتَمِلُ مِنَ التَّأْوِيلِ مَا احْتَمَلَهُ قَوْلُهُ لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوَ هَذَا مِمَّا أُرِيدَ بِهِ الْفَضْلُ وَالْكَمَالُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو ثَابِتٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ قَالَ أَبُو عُمَرَ آلُ إِبْرَاهِيمَ يَدْخُلُ فِيهِ إِبْرَاهِيمُ وَآلُ مُحَمَّدٍ يدخل فيه محمد ومن هنا والله جَاءَتِ الْآثَارُ فِي هَذَا الْبَابِ مَرَّةً بِإِبْرَاهِيمَ وَمَرَّةً بِآلِ إِبْرَاهِيمَ وَإِنَّمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ وَالْآلُ ههنا الْأَتْبَاعُ وَالْآلُ قَدْ يَكُونُ الْأَهْلَ وَيَكُونُ الْأَتْبَاعَ وَيَكُونُ الْأَزْوَاجَ وَالذُّرِّيَّةَ عَلَى مَا جَاءَ فِي بعض الآثار
(16/196)
حَدِيثٌ ثَالِثٌ لِنُعَيْمٍ مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى الزُّرَقِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ وَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال من الْمُتَكَلِّمُ آنِفًا قَالَ الرَّجُلُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهُنَّ أَوَّلُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ إِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَالْمَأْمُومُ يَقُولُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ لَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَدْ مضى
(16/197)
الِاخْتِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَوُجُوبُ الْأَقْوَالِ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الْآثَارِ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةٌ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْأَثَرِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ وراء الإمام بربنا وَلَكَ الْحَمْدُ لِمَنْ أَرَادَ الْإِسْمَاعَ وَالْإِعْلَامَ لِلْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الذِّكْرَ كُلَّهُ مِنَ التَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ جَائِزٌ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ بِكَلَامٍ تَفْسَدُ بِهِ الصَّلَاةُ بَلْ هُوَ مَحْمُودٌ مَمْدُوحٌ فَاعِلُهُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ هَذَا الْبَابِ وَبِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِيَادٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ جَاءَ رَجُلٌ وَنَحْنُ فِي الصَّفِّ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا قال فرفع المسلمون رؤوسهم وَاسْتَنْكَرُوا عَلَى الرَّجُلِ وَقَالُوا مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ هَذَا الْعَالِي الصَّوْتِ فَقِيلَ هُوَ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ وَاللَّهُ لَقَدْ رَأَيْتُ كَلَامًا يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى فُتِحَ لَهُ فَدَخَلَ قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي مَدْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفِعْلِ هَذَا الرَّجُلِ وَتَعْرِيفِهِ النَّاسَ بِفَضْلِ كَلَامِهِ وَفَضْلِ مَا صَنَعَ مِنْ رَفْعِ صَوْتِهِ بِذَلِكَ الذِّكْرِ أَوْضَحُ الدَّلَائِلِ عَلَى جواز ذلك
(16/198)
الْفِعْلِ مِنْ كُلِّ مَنْ فَعَلَهُ عَلَى أَيِّ وجه جاء به لأنه ذكر الله وَتَعْظِيمٌ لَهُ يَصْلُحُ مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ سِرًّا وَجَهْرًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ فِي صلاته بكلام يفهم عنه غَيْرَ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ سِرًّا لَمَا جَازَ كَمَا لَا يَجُوزُ جَهْرًا وَهَذَا وَاضِحٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وفي حديث هذا الباب لمالك أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الذِّكْرَ كُلَّهُ وَالتَّحْمِيدَ وَالتَّمْجِيدَ لَيْسَ بِكَلَامٍ تَفْسَدُ بِهِ الصَّلَاةُ وَأَنَّهُ كُلَّهُ مَحْمُودٌ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَالنَّافِلَةِ مُسْتَحَبٌّ مَرْغُوبٌ فِيهِ وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّكْبِيرُ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ فَأَطْلَقَ أَنْوَاعَ الذِّكْرِ فِي الصَّلَاةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الذِّكْرِ غَيْرُ الْحُكْمِ فِي الْكَلَامِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(16/199)
الْفِعْلِ مِنْ كُلِّ مَنْ فَعَلَهُ عَلَى أَيِّ وجه جاء به لأنه ذكر الله وَتَعْظِيمٌ لَهُ يَصْلُحُ مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ سِرًّا وَجَهْرًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ فِي صلاته بكلام يفهم عنه غَيْرَ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ سِرًّا لَمَا جَازَ كَمَا لَا يَجُوزُ جَهْرًا وَهَذَا وَاضِحٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وفي حديث هذا الباب لمالك أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الذِّكْرَ كُلَّهُ وَالتَّحْمِيدَ وَالتَّمْجِيدَ لَيْسَ بِكَلَامٍ تَفْسَدُ بِهِ الصَّلَاةُ وَأَنَّهُ كُلَّهُ مَحْمُودٌ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَالنَّافِلَةِ مُسْتَحَبٌّ مَرْغُوبٌ فِيهِ وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّكْبِيرُ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ فَأَطْلَقَ أَنْوَاعَ الذِّكْرِ فِي الصَّلَاةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الذِّكْرِ غَيْرُ الْحُكْمِ فِي الْكَلَامِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(16/200)
حَدِيثٌ رَابِعٌ لِنُعَيْمٍ مَوْقُوفٌ مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هريرة يقول مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَضَوْءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ وَإِنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ بِإِحْدَى خُطْوَتَيْهِ حَسَنَةٌ وَيُمْحَى عَنْهُ بِالْأُخْرَى سَيِّئَةٌ فَإِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ الْإِقَامَةَ فَلَا يَسْعَ وَإِنَّ أَعْظَمَكُمْ أَجْرًا أَبْعَدُكُمْ دَارًا قَالُوا لِمَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ مِنْ أَجْلِ كَثْرَةِ الْخُطَا هَكَذَا هَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ فِي الْمُوَطَّأِ لَمْ يَتَجَاوَزْ بِهِ أَبَا هُرَيْرَةَ وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَالِكٍ فِي ذَلِكَ وَمَعْنَاهُ يَتَّصِلُ وَيَسْتَنِدُ إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ نُعَيْمٍ عَنْ
(16/201)
أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَغَيْرُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَسَانِيدُ فِيهِ صِحَاحٌ كُلُّهَا وَمِثْلُهُ أَيْضًا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ وَأَتَى الْمَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ لَا يَنْهَزُهُ غَيْرُهَا لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلَّا رَفَعَ اللَّهُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ وَالْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ أَحَدًا أَوْ يُحْدِثْ فِيهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ آخِرُ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الْحَدِيثَ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عِنْدَ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
(16/202)
مَرْفُوعًا أَيْضًا قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ وَعِنْدَهُ فِي فَضْلِ الْجَمَاعَةِ حَدِيثُهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُهُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ كِلَاهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ هَذَا فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ ابْنِ أَبِي ذئب عن عبد الرحمان بن مصران عن عبد الرحمان بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْأَبْعَدُ فَالْأَبْعَدُ مِنَ الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ أَجْرًا وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مسلم عن أبي الأحموص عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهْرَ وَيَخْطُو خُطْوَةً يَعْمِدُ بِهَا إِلَى الْمَسْجِدِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ بِهَا حَسَنَةً وَرَفَعَهُ بِهَا دَرَجَةً حَتَّى إِنْ كُنَّا لَنُقَارِبُ فِي الْخُطَا وَهَذَا فِي مَعْنَى حديث نعيم
(16/203)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ رَأْيًا وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ حَتَّى إِنْ كُنَّا لَنُقَارِبُ فِي الْخُطَا وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ نُعَيْمٍ فَإِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ الْإِقَامَةَ فَلَا يَسْعَ فَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ الْحَدِيثَ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ قَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِنْهَا فِي بَابِ الْعَلَاءِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَمَضَى الْقَوْلُ هُنَاكَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرًا
(16/204)
حَدِيثٌ خَامِسٌ لِنُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ مَوْقُوفٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَقَدْ أُسْنِدَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ ثُمَّ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ فَإِنْ قَامَ مِنْ مُصَلَّاهُ فَجَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ لَمْ يَزَلْ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ هَكَذَا هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِمَّنْ رَوَاهُ هَكَذَا مَرْفُوعًا عَنْ مَالِكٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ فَحَدِيثُ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمٍ
(16/205)
وَالْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْدِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجَارُودِ قَالَ حَدَّثَنَا مَسْرُورُ بْنُ نُوحٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُنْذِرٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مَالِكُ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المجمر أنه سمع أبا هريرة يقال قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ ثُمَّ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ فَإِنْ قَامَ مِنْ مُصَلَّاهُ فَجَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ لَمْ يَزَلْ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ وَحَدِيثُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَاهُ خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ يَقُمْ فَإِنْ قَامَ مِنْ مُصَلَّاهُ فَجَلَسَ مَجْلِسًا فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ لَمْ يَزَلْ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ وَحَدِيثُ عثمان بن عمر حدثناه عبد الرحمان بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْخَضِرِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَوِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ الْمُقَوِّمُ
(16/206)
قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مَعْنَى مَا فِي الْمُوَطَّأِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مَرْفُوعًا وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأِ مَوْقُوفٌ وحديث الوليد بن مسلم حدثناه عبد الرحمان بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ خَضِرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى بْنِ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فَذَكَرَهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ ثِقَاتِ رُوَاةِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم
(16/207)
قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مَعْنَى مَا فِي الْمُوَطَّأِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مَرْفُوعًا وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأِ مَوْقُوفٌ وحديث الوليد بن مسلم حدثناه عبد الرحمان بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ خَضِرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى بْنِ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فَذَكَرَهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ ثِقَاتِ رُوَاةِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم
(16/208)
(باب صاد صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ)
وَسُلَيْمٌ أَبُوهُ مَوْلَى حُمَيْدِ بن عبد الرحمان بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيِّ كَانَ صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَتْقَاهُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَاسِكًا كَثِيرَ الصَّدَقَةِ بِمَا وَجَدَ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ كَثِيرَ الْعَمَلِ خَائِفًا لِلَّهِ يُكْنَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سَكَنَ الْمَدِينَةَ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهَا وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةً ذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُسْأَلُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ فَقَالَ ثِقَةٌ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ وَفُضَلَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ قَالَ ذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ فَقَالَ يُسْتَنْزَلُ بِذِكْرِهِ الْقَطْرُ وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَقَالَ أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ رَأَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ وَلَوْ قِيلَ لَهُ إِنَّ السَّاعَةَ غَدًا مَا كَانَ عِنْدَهُ مزيد
(16/209)
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ كَانَ صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ أَسْوَدَ لِمَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُوَطَّأِ سَبْعَةُ أَحَادِيثَ مِنْهَا حَدِيثَانِ مُسْنَدَانِ وَخَمْسَةُ أَحَادِيثَ مُرْسَلَةٍ
(16/210)
حَدِيثٌ أَوَّلٌ لِصَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ مُسْنَدٌ مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ هَكَذَا هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ جَمَاعَةِ رُوَاتِهِ فِيمَا عَلِمْتُ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي إِسْنَادِهِ هَذَا وَرَوَاهُ بَكْرُ بْنُ الشَّرُودِ الصَّنْعَانِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عبد الرحمان بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا خَطَأٌ في الإسناد وبكر بن الشرود سيء الْحِفْظِ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ مُسْتَوْعِبًا فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ وَالْمَعَانِي لِلسَّلَفِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْخَلْفِ مِنْهُمْ فِي بَابِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَتِهِ ههنا
(16/211)
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَاجِبٌ فَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ الَّذِي هُوَ الْفَرْضُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِآثَارٍ وَرَدَتْ تُخْرِجُ هَذَا اللَّفْظَ عَنْ ظَاهِرِهِ إِلَى مَعْنَى السُّنَّةِ وَالْفَضْلِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي بَابِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عِنْدَ قَوْلِ عُمَرَ لِعُثْمَانَ الْوُضُوءُ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَاجِبٌ أَيْ وُجُوبُ السُّنَّةِ أَوْ وَاجِبٌ فِي الْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ وَجَبَ حَقُّكَ وَلَيْسَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ فَرْضًا وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا تَأَوَّلْنَا فِيهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ وَسَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ فَكَيْفَ يَجُوزُ مَعَ هَذَا الْحَدِيثِ وَمِثْلِهِ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ عَلَى ظَاهِرِهِ هَذَا مَا لَا سَبِيلَ إليه
(16/212)
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي ظَاهَرَهُ وُجُوبُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَكَانَ يُفْتِي بِخِلَافِ ذَلِكَ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ مِنْ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَمَخْرَجِهِ وَفَحْوَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ مَا تَأَوَّلْنَا وَبِاللَّهِ تَوْفِيقُنَا (وَذَكَرَ) عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْغُسْلُ وَالسِّوَاكُ وَمَسُّ الطَّيِّبِ إِنْ وَجَدَهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ مَعْلُومٌ أَنَّ الطِّيبَ وَالسِّوَاكَ لَيْسَا بِوَاجِبَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَا غَيْرَهُ فَكَذَلِكَ الْغُسْلُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ حَدِيثِهِ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ فِي هَذَا الْبَابِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(16/213)
مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ فَتَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ وَهَذَا أَوْضَحُ شَيْءٍ فِي سُقُوطِ وُجُوبِ غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَالْأَصْلُ فِي الْفَرَائِضِ أَنْ لَا تَجِبَ إِلَّا بِيَقِينٍ وَلَا يَقِينَ فِي إِيجَابِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ مَعَ مَا وَصَفْنَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحمان بْنُ مَرْوَانَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَاضِي الْقُلْزُمِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجَارُودِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحمان بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ قَالَ أَبُو عُمَرَ نِعْمَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ لَا تُكْتَبُ إِلَّا بِالتَّاءِ وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهَا إِلَّا بِالتَّاءِ وَهِيَ مَجْزُومَةٌ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ إِلَّا أَنْ تَتَّصِلَ بِسَاكِنٍ بَعْدَهَا فَتُكْسَرُ وَسُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ مِنْ أَيْنَ دَخَلَ التَّأْنِيثُ فِي نِعْمَتْ فَقَالَ أَرَادُوا نِعْمَتِ الْفِعْلَةُ أَوْ نِعْمَتِ الْخَصْلَةُ قَالَ وَلَا يَقُولُ عَرَبِيٌّ نِعْمَةٌ بِالْهَاءِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ قُلْتُ لِلْأَصْمَعِيِّ فِي الْحَدِيثِ مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
(16/214)
فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنِ اغتسل فالغسل أفضل ما قولهم فيها قَالَ أَظُنُّهُ يُرِيدُ فَبِالسُّنَةِ آخِذٌ أَضْمَرَ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَأَلْتُ عَمْرَةَ عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ فَذَكَرَتْ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ كَانَ النَّاسُ عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ يَرُوحُونَ بِهَيْئَةٍ فَقِيلَ لَوِ اغْتَسَلْتُمْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دُلَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْبِشْرِ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوَاجَبٌ هُوَ قَالَ سُنَّةٌ وَمَعْرُوفٌ قِيلَ لَهُ إِنَّ فِي الْحَدِيثِ وَاجِبٌ قَالَ لَيْسَ كُلُّ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ يَكُونُ كَذَلِكَ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دُلَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوَاجَبٌ هُوَ فَقَالَ هُوَ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ وَسَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالُوا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دُلَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ
(16/215)
قال حدثنا سليمان بن عبد الرحمان الدِّمَشْقِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عثمان بن عطاء عن أبيه قالك مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَغْتَسِلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيَمَسَّ طِيبًا قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ وَحَدَّثَنَا دُحَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُوسَى بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ كَانُوا يَقُولُونَ الطِّيبُ يُجْزِئُ مِنَ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ يُونُسَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ الْجَزَرِيِّ قَالَ الطِّيبُ يُجْزِئُ مِنَ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ مَضَى فِي بَابِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ مِنْ الْحُجَّةِ فِي سُقُوطِ وُجُوبِ غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ وَالنَّظَرِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَذَكَرْنَا هُنَالِكَ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْقَوْلُ فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَمَا اخْتَارَهُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ سُنَّةٌ دُونَ فَرِيضَةٍ وَهُوَ الصَّوَابُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(16/216)
حَدِيثٌ ثَانٍ لِصَفْوَانِ بْنِ سُلَيْمٍ مُسْنَدٌ مَالِكُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ آلِ بَنِي الْأَزْرَقِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ مَضَى ذِكْرُ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ وَحَالُهُ فِي أَوَّلِ بَابِهِ أَمَّا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ فَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ فِيمَا عَلِمْتُ إِلَّا صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ يُقَالُ إِنَّهُ مَخْزُومِيٌّ مِنْ آلِ ابْنِ الْأَزْرَقِ أَوْ بَنِي الْأَزْرَقِ وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالَهُ فَهُوَ مَجْهُولٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ عِنْدَهُمْ وَأَمَا الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ فَهُوَ
(16/217)
الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ قِيلَ إِنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي حَمَلَةِ الْعِلْمِ كَسَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ وَقِيلَ لَيْسَ بِمَجْهُولٍ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ رَوَى عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَرَوَى صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْهُ وَرَوَى الْجُلَاحُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ وَجَدْتُ ذِكْرَهُ فِي مَغَازِي مُوسَى بْنِ نُصَيْرٍ بِالْمَغْرِبِ وَكَانَ مُوسَى يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى الْخَيْلِ وَفَتَحَ اللَّهُ لَهُ فِي بِلَادِ الْبَرْبَرِ فُتُوحَاتٍ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَقَدْ سَأَلَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ عَنْ حَدِيثِ مَالِكٍ هَذَا عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ فَقَالَ هُوَ عِنْدِي حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فَقُلْتُ لِلْبُخَارِيِّ هُشَيْمٌ يَقُولُ فِيهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي بِرَزَةَ فَقَالَ وَهِمَ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ وَهُشَيْمٌ رُبَّمَا وَهِمَ فِي الْإِسْنَادِ وَهُوَ فِي الْمُقَطَّعَاتِ أَحْفَظُ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَدْرِي مَا هَذَا مِنَ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ صَحِيحًا لَأَخْرَجَهُ فِي مُصَنَّفِهِ الصَّحِيحِ عِنْدَهُ وَلَمْ يَفْعَلْ لِأَنَّهُ لَا يُعَوِّلُ فِي الصَّحِيحِ إِلَّا عَلَى الْإِسْنَادِ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَحْتَجُّ أَهْلُ الْحَدِيثِ بِمِثْلِ إِسْنَادِهِ وَهُوَ عِنْدِي صحيح لأن
(16/218)
الْعُلَمَاءَ تَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ لَهُ وَالْعَمَلِ بِهِ وَلَا يُخَالِفُ فِي جُمْلَتِهِ أَحَدٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي بَعْضِ مَعَانِيهِ عَلَى مَا نَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَأَبُو عُثْمَانَ النَّحْوِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمِ بْنِ خَلِيلٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّيْبُلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ سَعِيدُ بْنُ عبد الرحمان الْمَخْزُومِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ يُقَالُ لَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّ نَاسًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ أرماتا فِي الْبَحْرِ وَيَحْمِلُ أَحَدُنَا مُوَيْهًا لِسَقْيِهِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا وَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِمَاءِ الْبَحْرِ وَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ ميتته
(16/219)
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَرْسَلَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ لَمْ يَذْكُرْ أَبَا هُرَيْرَةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ فِي الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَلَيْسَ يُقَاسُ بِهِ سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ وَلَا أَمْثَالُهُ وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَعِيدَ بْنَ سَلَمَةَ لَمْ (يَكُنْ) بِمَعْرُوفٍ مِنَ الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِهِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّوَابُ فِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مَا رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ مُرْسَلًا كَمَا ذَكَرْنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ الْفِرَاسِيِّ رَجُلٍ مِنْ بَنِي فِرَاسٍ مَذْكُورٍ فِي الصَّحَابَةِ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عُتْبَةَ الرَّازِيُّ بِمِصْرَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رُوحُ بْنُ الْفَرَجِ الْقَطَّانُ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مَخْشِيٍّ أَنَّهُ حُدِّثَ أَنَّ الْفِرَاسِيَّ قَالَ كُنْتُ أَصِيدُ فِي الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ عَلَى أَرْمَاثٍ وَكُنْتُ أَحْمِلُ قِرْبَةً فِيهَا مَاءٌ فَإِذَا لَمْ أَتَوَضَّأْ مِنَ الْقِرْبَةِ رَفَقَ ذَلِكَ بِي وَبَقِيَتْ لِي فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَقُلْتُ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحل ميتته
(16/220)
وَقَدْ أَجْمَعَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَجَمَاعَةُ أَئِمَّةِ الْفُتْيَا بِالْأَمْصَارِ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْبَحْرَ طَهُورٌ مَاؤُهُ وَأَنَّ الْوُضُوءَ جَائِزٌ بِهِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَرِهَا الْوُضُوءَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ وَلَمْ يُتَابِعْهُمَا أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا عَرَّجَ عَلَيْهِ وَلَا الْتَفَتَ إِلَيْهِ لِحَدِيثِ هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى اسْتِشْهَارِ الْحَدِيثِ عِنْدَهُمْ وَعَمَلِهِمْ بِهِ وَقَبُولِهِمْ لَهُ وَهَذَا أَوْلَى عِنْدَهُمْ مِنَ الْإِسْنَادِ الظَّاهِرِ الصِّحَّةِ بِمَعْنًى تَرُدُّهُ الْأُصُولُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَقَدْ خَالَفَهُمَا ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَامِعٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ حَدَّثَنَا خلف بن مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ الْهُذَلِيِّ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ وَقَالَ هُمَا الْبَحْرَانِ فَلَا تُبَالِي بِأَيِّهِمَا تَوَضَّأْتَ وَفِي حَدِيثِ هَذَا الْبَابِ مِنَ الْفِقْهِ إِبَاحَةُ رُكُوبِ الْبَحْرِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَرِهَ رُكُوبَهُ لَنَهَى عَنْهُ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَقَوْلُهُمْ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ كَثِيرًا مَا يَرْكَبُونَهُ لِطَلَبِ الرِّزْقِ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا وَلِلْجِهَادِ وَسَائِرِ ما فيه إباحة أو فضيلة وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَلَمْ يَنْهَهُمْ عَنْ رُكُوبِهِ وَهَذَا عِنْدِي إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ سَهُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ وَيَصْعُبْ بِهِ كَالْمَائِدِ الْمُفْرِطِ الْمَيْدِ أَوْ مَنْ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى أَدَاءِ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْفَرَائِضِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ رُكُوبُ الْبَحْرِ فِي حِينِ ارْتِجَاجِهِ وَلَا فِي
(16/221)
الزَّمَنِ الَّذِي الْأَغْلَبُ مِنْهُ عَدَمُ السَّلَامَةِ فِيهِ وَالْعَطَبُ وَالْهَلَاكُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ رُكُوبُهُ فِي زَمَانٍ تَكُونُ السَّلَامَةُ فِيهِ الْأَغْلَبَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَدَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ فِي إِبَاحَةِ رُكُوبِ الْبَحْرِ إِذَا كَانَ كَمَا وَصَفْنَا وَبِاللَّهِ تَوْفِيقُنَا وَأَمَّا مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْهَوْنَ عَنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَتَرْكِ التَّغْرِيرِ بِالْمُهَجِ فِي طَلَبِ الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الدُّنْيَا وَالرَّغْبَةِ فِي الْمَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا جَازَ رُكُوبُ الْبَحْرِ فِي الْجِهَادِ وَطَلَبِ الْمَعِيشَةِ فَرُكُوبُهُ لِلْحَجِّ فِي أَدَاءِ الْفَرْضِ أَجْوَزُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ وَسَهُلَ عَلَيْهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ مَا يَبِينُ لِي أَنْ أُوجِبَ الْحَجَّ عَلَى مَنْ وَرَاءَ الْبَحْرِ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ اسْتِطَاعَتُهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مِنَ اللُّصُوصِ وَالْفِتَنِ مَا يَقْطَعُ الطَّرِيقَ وَيَخَافُ مِنْهُ فِي الْأَغْلَبِ ذَهَابَ الْمُهْجَةِ وَالْمَالِ فَلَيْسَ مِمَّنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فَكَذَلِكَ أَهْوَالُ الْبَحْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(16/222)
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِنَ الْمَاءِ إِلَّا مَا يَكْفِيهِ لِشُرْبِهِ وَمَا لَا غِنَى بِهِ عَنْهُ لِشَفَتِهِ أَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَتْرُكَ ذَلِكَ الْمَاءَ لِنَفْسِهِ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ يُقَالُ حِلٌّ وَحَلَالٌ وَحِرْمٌ وَحَرَامٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ يُؤْكَلُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنَ السَّمَكِ وَالدَّوَابِّ وَسَائِرِ مَا فِي الْبَحْرِ مِنَ الْحَيَوَانِ وَسَوَاءٌ اصْطِيدَ أَوْ وُجِدَ مَيِّتًا طَافِيًا وَغَيْرَ طَافٍ قَالَ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إِلَى ذَكَاةٍ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ وَكَرِهَ مَالِكٌ خِنْزِيرَ الْمَاءِ مِنْ جِهَةِ اسْمِهِ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ وَقَالَ أَنْتُمْ تَقُولُونَ خِنْزِيرٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَا أَتَّقِيهِ وَلَا أَرَاهُ حَرَامًا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا بَأْسَ بِأَكْلِ كُلِّ شَيْءٍ يَكُونُ فِي الْبَحْرِ مِنَ الضُّفْدُعِ وَالسَّرَطَانِ وَحَيَّةِ الْمَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ فِي رِوَايَةِ الْأَشْجَعِيِّ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ أَنَّهُ قَالَ لَا يُؤْكَلُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ إِلَّا السَّمَكُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا يُؤْكَلُ السَّمَكُ الطَّافِي وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهُ مِنَ السَّمَكِ وَلَا يُؤْكَلُ شَيْءٌ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ إِلَّا السَّمَكُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ صَيْدُ الْبَحْرِ كُلُّهُ حَلَالٌ وَرَوَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَكَرِهَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ أَكْلَ الطَّافِي مِنَ السمك وقال الليث
(16/223)
ابن سَعْدٍ لَيْسَ بِمَيْتَةِ الْبَحْرِ بَأْسٌ قَالَ وَكَذَلِكَ كَلْبُ الْمَاءِ وَتُرْسُ الْمَاءِ قَالَ وَلَا يُؤْكَلُ إِنْسَانُ الْمَاءِ وَلَا خِنْزِيرُ الْمَاءِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَأَخْذُهُ ذَكَاتُهُ وَلَا بَأْسَ بِخِنْزِيرِ الْمَاءِ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالُوا طَعَامُهُ مَا أَلْقَى وَقَذَفَ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ طَعَامُهُ مَيْتَتُهُ وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ طَعَامُهُ مُلَيْحُهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ كُلُّ دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ فَقَدْ ذَبَحَهَا اللَّهُ لَكُمْ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ مَوْلًى لِأَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ كُلُّ دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ قَدْ ذَبَحَهَا اللَّهُ لَكَ فَكُلْهَا
(16/224)
قَالَ وَأَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَشِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ السَّمَكَةُ الطَّافِيَةُ حَلَالٌ لِمَنْ أَرَادَ أَكْلَهَا وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِنَّهُ كَرِهَ الطَّافِيَ مِنَ السَّمَكِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَ الْجَرِي مِنْ وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ أَصَحُّ عَنْهُ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثور عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْجَرَادُ وَالْحِيتَانُ ذَكِيٌّ كُلُّهُ فَعَلِيٌّ مُخْتَلَفٌ عَنْهُ فِي أَكْلِ الطَّافِي مِنَ السَّمَكِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَ الطَّافِي مِنَ السَّمَكِ وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَاحْتَجَّ لَهُمْ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَلْقَى الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ وَمَا مَاتَ فِيهِ وطفي فلا تأكلوه
(16/225)
قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَحُجَّةُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَحْرِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ وَأَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ مِمَّا هُوَ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ جَابِرٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو ثَابِتٍ الْمَدَنِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ غَزَوْنَا فَجُعْنَا حَتَّى إِنَّا لَنَقْسِمُ التَّمْرَةَ وَالتَّمْرَتَيْنِ فَبَيْنَمَا نَحْنُ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ إِذْ رَمَى الْبَحْرُ بِحُوتٍ مَيْتَةٍ فَاقْتَطَعَ النَّاسُ مِنْهُ مَا شَاءُوا مِنْ شَحْمٍ ولحم وهو مثل الطرب فبلغني أن الناس لم قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ فَقَالَ هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا
(16/226)
عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ فَكَانَ يُقَسِّمُهُ بَيْنَنَا قَبْضَةً قَبْضَةً ثُمَّ أَقَامَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَ تَمْرَةً تَمْرَةً فَلَمَّا فَقَدْنَاهَا وَجَدْنَا فَقْدَهَا فَمَرَرْنَا بِسَاحِلِ الْبَحْرِ فَإِذَا حُوتٌ يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ مَيِّتٌ فَأَرَدْنَا أَنْ نُجَاوِزَهُ ثُمَّ قُلْنَا نَحْنُ جَيْشُ رَسُولِ اللَّهِ فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ عِشْرِينَ لَيْلَةً نَأْكُلُ مِنْهُ وَادَّهَنَّا مِنْ ذَلِكَ الشَّحْمِ وَلَقَدْ قَعَدَ فِي عَيْنِهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنَّا فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكُمْ فَهَلْ عِنْدَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ مِنْ أَثْبَتِ الْأَحَادِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا قَذَفَ الْبَحْرُ أَوْ مَاتَ فِيهِ مِنْ دَابَّةٍ وَسَمَكَةٍ حَلَالٌ كُلُّهُ وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ قَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِنْهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَفِيهِ مَا يُصَحِّحُ حَدِيثَ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ وَأَنَّ حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ لَهُ أَصْلٌ فِي رِوَايَةِ الثِّقَاتِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً كُنَّا نَمُصُّهَا كَمَا يَمُصُّ الصَّبِيُّ ثُمَّ (نَشْرَبُ) عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا
(16/227)
إِلَى اللَّيْلِ وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الْخَبَطَ ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأْكُلُهُ قَالَ فَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَرُفِعَ لَنَا كَهَيْئَةِ (الْكَثِيبِ الضَّخْمِ) فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هُوَ دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرُ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَيْتَةٌ وَلَا تَحِلُّ لَنَا ثُمَّ قَالَ لَا بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا فَأَقَمْنَا عَلَيْهَا شَهْرًا وَنَحْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا فَلَمَّا قَدِمْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُعْطُونَا فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ فأكل
(16/228)
حَدِيثٌ ثَالِثٌ لِصَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ مُرْسَلٌ مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي فَقَالَ نَعَم فَقَالَ الرَّجُلُ إِنِّي مَعَهَا فِي الْبَيْتِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا فَقَالَ الرَّجُلُ إِنِّي خَادِمُهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً قَالَ لَا قَالَ فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ جريج عن زياد بن سعد عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مثل حديث مالك سواء وهذا الحاديث لَا أَعْلَمُ يَسْتَنِدُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ مُرْسَلٌ صَحِيحٌ مُجْتَمَعٌ عَلَى صِحَّةِ مَعْنَاهُ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَرَى الرَّجُلُ أُمَّهُ وَلَا ابْنَتَهُ وَلَا أُخْتَهُ وَلَا ذَاتَ مَحْرَمٍ مِنْهُ عُرْيَانَةً لِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ فِيمَا عَدَا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا
(16/229)
وَلَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَى عَوْرَةِ أَحَدٍ عِنْدَ الْجَمِيعِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ وَتَأَمُّلُ وَجْهِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ وَإِدْمَانُ النَّظَرِ إِلَيْهَا لِشَهْوَةٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ دَاعٍ إِلَى الْفِتْنَةِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَفِي قَوْلِهِ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ الْآيَةَ كُلَّهَا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي أَوْلَى الْمَوَاضِعِ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَمِنْ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَعْمَرُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ الْآيَةَ قَالَ الزِّينَةُ الَّتِي تُبْدِيهَا لِهَؤُلَاءِ قُرْطَاهَا وَقِلَادَتُهَا وَسِوَارُهَا فَأَمَّا خَلْخَالُهَا وَخَصْرُهَا وَجِيدُهَا وَشَعْرُهَا فَإِنَّهَا لَا تُبْدِي ذَلِكَ إِلَّا لِزَوْجِهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَعِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ
(16/230)
فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ الْآيَةَ قُلْتُ مَا شَأْنُ الْعَمِّ وَالْخَالِ لَمْ يُذْكَرَا قَالَا لِأَنَّهُمَا يَنْعِتَانِهَا لِأَبْنَائِهِمَا وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْعَمَّ وَالْخَالَ يَجْرِيَانِ مَجْرَى الْوَالِدَيْنِ لِأَنَّهُمَا ذَوَا مَحْرَمٍ فَاسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ مَنْ ذُكِرَ مِنْ ذَوِي الْمَحَارِمِ عَنْ ذِكْرِهِمَا وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ عَنْ سُفْيَانَ فِي الْمَرْأَةِ تُخْرِجُ ثَدْيَهَا مِنْ كُمِّهَا تُرْضِعُ صَبِيَّهَا بَيْنَ يَدَيْ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا فَكَرِهَهُ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ فَكَانَ الشَّعْبِيُّ وَطَاوُسٌ وَالضَّحَّاكُ يَكْرَهُونَ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إِلَى شَعْرِ أُمِّهِ وَذَوَاتِ (مَحْرَمِهِ) وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْلُونَ أُمَّهَاتِهِمْ وَمِمَّنْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ أبو القاسم محمد بن علي بن الحنيفة وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَطَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ وَمُوَرِّقٌ الْعِجْلِيُّ وَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْفُتْيَا بِالْأَمْصَارِ فِي أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إِلَى شَعْرِ أُمِّهِ وَكَذَلِكَ شُعُورِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ الْعَجَائِزِ دُونَ الشَّوَابِّ وَمَنْ يُخْشَى مِنْهُ الْفِتْنَةُ عَلَى مَا ذَكَرْتُ لَكَ
(16/231)
وَذَكَرَ سُنَيْدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَسْتَأْذِنُ عَلَى أَخَوَاتِي يَتَامَى فِي حِجْرِي مَعِي فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ قَالَ نَعَمْ فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ لِيُرَخِّصَ لِي فَأَبَى قَالَ أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهُنَّ عُرَاةً قُلْتُ لَا قَالَ فَاسْتَأْذِنْ فَرَاجَعْتُهُ فَقَالَ أَتُحِبُّ أَنْ تُطِيعَ اللَّهَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَقَالَ لِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِنَّكَ لَتَرْدُدُ عَلَيْهِ قَالَ قُلْتُ أَرَدْتُ أَنْ يُرَخِّصَ لِي قَالَ وَحَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَا مِنِ امْرَأَةٍ أَكْرَهُ إِلَيَّ أَنْ أَرَاهَا عُرْيَانَةً أَوْ أَرَى عُرْيَتَهَا مِنْ ذَاتِ مَحْرَمٍ قَالَ وَكَانَ يُشَدِّدُ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ أَوَاجِبٌ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَى أُمِّهِ وَذَوَاتِ قَرَابَتِهِ قَالَ نَعَم فَقُلْتُ بِأَيٍّ وَجَبَتْ قَالَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا قَالَ سُنَيْدٌ وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ هُذَيْلَ بْنَ شُرَحْبِيلَ الْأَزْدِيَّ الْأَعْمَى أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ عَلَيْكُمْ إِذْنٌ عَلَى أُمَّهَاتِكُمْ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ أَيَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ قال لا
(16/232)
حدثنا عبد الرحمان حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا سَحْنُونُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ يَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ عَلَى أُمِّهِ وَإِنَّهَا أُنْزِلَتْ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أبي عبد الرحمان الْجَبَلِيِّ أَنَّهُ قَالَ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ يَكْرَهُونَ أَنْ يَلِجَ الرَّجُلُ عَلَى أَمَتِهِ إِذَا كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً حَتَّى يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهَا وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قُلْتُ إِنَّ لِي أُخْتَيْنِ أَعُولُهُمَا وَأُنْفِقُ عَلَيْهِمَا وَهُمَا مَعِي فِي الْبَيْتِ أَفَأَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِمَا قَالَ نَعَمْ فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهُمَا عُرْيَانَتَيْنِ قُلْتُ لَا قَالَ فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ نَفَرًا مَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالُوا يَا ابْنَ عَبَّاسٍ كَيْفَ تَرَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي أُمِرْنَا بِمَا أُمِرْنَا فِيهَا وَلَا يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قبل صلاة الفجر وقرأ القعنبي إِلَى عَلِيمٌ حَكِيمٌ
(16/233)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ اللَّهَ رَحِيمٌ بِالْمُؤْمِنِينَ يُحِبُّ السِّتْرَ وَكَانَ النَّاسُ لَيْسَ لِبُيُوتِهِمْ سُتُورٌ وَلَا حِجَالٌ فَرُبَّمَا دَخَلَ الْخَادِمُ أَوِ الْوَلَدُ أَوْ يَتِيمُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِالِاسْتِئْذَانِ فِي تِلْكَ الْعَوْرَاتِ ثُمَّ جَاءَهُمُ اللَّهُ بِالسُّتُورِ وَالْخَيْرِ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَعْمَلُ بِذَلِكَ بَعْدُ وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي قُرَّةُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سُوِيدٍ الْحَارِثِيَّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْإِذْنِ فِي الْعَوْرَاتِ الثَّلَاثِ فَقَالَ إِذَا وَضَعْتُ ثِيَابِي مِنَ الظَّهِيرَةِ لَمْ يَلِجْ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنَ الْخَدَمِ الَّذِينَ بَلَغُوا الْحُلُمَ وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ مِنَ الْأَحْرَارِ إِلَّا بِإِذْنٍ وَإِذَا وَضَعْتُ ثِيَابِي بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَمِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنِ الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى شَعْرِ أُمِّ امْرَأَتِهِ أَوِ امْرَأَةِ ابْنِهِ أَوِ امْرَأَةِ أَبِيهِ فَقَالَ هَذَا فِي الْقُرْآنِ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ وَكَذَا وَكَذَا الْآيَةَ قُلْتُ يَنْظُرُ إِلَى سَاقِ امْرَأَةِ أَبِيهِ أَوِ ابْنِهِ فَقَالَ مَا أُحِبُّ أَنْ يَرَى ذَلِكَ مِنْ أُخْتِهِ وَأُمِّهِ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِمَا
(16/234)
رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ الْحَجَّاجِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إِلَى شَعْرِ أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَخَالَتِهِ وَعَمَّتِهِ وَكَرِهَ السَّاقَيْنِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْمَرْأَةِ لَهَا الْعَبْدُ نَصِفُهُ حُرٌّ أَيَرَى شَعْرَهَا فَقَالَ لَا فَقِيلَ لَهُ فَلَوْ كَانَ لَهَا كُلُّهُ أَيَرَى شَعْرَهَا فَقَالَ أَمَّا الْعَبْدُ الْوَغْدُ مِنَ الْعَبِيدِ فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَارِهًا فَلَا أَرَى ذَلِكَ لَهَا قَالَ مَالِكٌ وَالسِّتْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ فِي الْآيَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا فِي سُورَةِ النُّورِ قَوْلُهُ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَالْأُخْرَى فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ قَوْلُهُ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ذَكَرَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ طَارِقٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ لَا تَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّمَا عُنِيَ بِهَا الْآبَاءُ وَلَمْ يُعْنَ بِهَا الْعَبِيدُ قَالَ وَأَخْبَرَنَا أَبُو
(16/235)
بَكْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ الْمَمْلُوكُ إِلَى شَعْرِ مَوْلَاتِهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ إِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَجَازَ نَظَرَ الْعَبْدِ إِلَى شَعْرِ مَوْلَاتِهِ وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَتْ بِهِ طَائِفَةٌ وَكَرِهَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَمِمَّنْ كَرِهَ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَطَاوُسٌ وَالشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ قَالَ إِسْمَاعِيلُ حَدِيثُ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَرَى مِنْ سَيِّدَتِهِ مَا يَرَاهُ ذُو الْمَحَارِمِ مِنْهَا مِثْلَ الْأَبِ وَالْأَخِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ سَيِّدَتَهُ مَا دَامَ مَمْلُوكًا لَكِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَحْرَمِ الَّذِي يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ مَعَهُ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ لَا تَدُومُ وَتَزُولُ بِزَوَالِ الرِّقِّ إِذَا أَعْتَقَتْهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا يَقْضِي عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ مَنْ لَا تَدُومُ حُرْمَتُهُ لَا يَكُونُ ذَا مَحْرَمٍ مطلقا وإذا لم يكن كذلك فالاحتياط أن لا يَرَى الْعَبْدُ شَعْرَ مَوْلَاتِهِ وَغْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَ وَغْدٍ وَقَدْ يُسْتَحْسَنُ وَيُسْتَحَبُّ الْوَغْدُ لِأَشْيَاءَ وَقَدْ سَوَّى اللَّهُ بَيْنَ الْمَمْلُوكِ وَالْحُرِّ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا وَقَالَ لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ لَمْ يَرْوِهِ إِلَّا نَبْهَانُ مَوْلَاهَا وَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ بِحَمْلِ الْعِلْمِ
(16/236)
وَلَا يُعْرَفُ إِلَّا بِذَلِكَ الْحَدِيثِ وَآخَرَ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مَعْلُولٌ أَيْضًا وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَجْعَلُونَ الْعَبْدَ الْبَالِغَ كَالْحُرِّ وَلَا يُجِيزُونَ لَهُ النَّظَرَ إِلَى شَعْرِ سَيِّدَتِهِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ وَيَنْظُرُ مِنْهَا إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِعَوْرَةٍ مِنْهَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا دُحَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِذْنُ مِنْ أجل البصر
(16/237)
وَلَا يُعْرَفُ إِلَّا بِذَلِكَ الْحَدِيثِ وَآخَرَ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مَعْلُولٌ أَيْضًا وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَجْعَلُونَ الْعَبْدَ الْبَالِغَ كَالْحُرِّ وَلَا يُجِيزُونَ لَهُ النَّظَرَ إِلَى شَعْرِ سَيِّدَتِهِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ وَيَنْظُرُ مِنْهَا إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِعَوْرَةٍ مِنْهَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا دُحَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِذْنُ مِنْ أجل البصر
(16/238)
حَدِيثٌ رَابِعٌ لِصَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ مُرْسَلٌ مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ مَالِكٌ لَا أَدْرِي أَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ لَا قَالَ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا عِلَّةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثُ يَسْتَنِدُ مِنْ وُجُوهٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنُهَا إِسْنَادًا حَدِيثُ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَعُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْرُورٍ قَالَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مِسْكِينٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَنْجَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْجَعْدِ الضَّمْرِيَّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ
(16/239)
أخبرنا عبد الرحمان بْنُ مَرْوَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ الْقَلْزُمِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجَارُودِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجَعْفَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ أَبِي أُسِيدٍ الْبَرَّادُ عَنِ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَقَدْ طُبِعَ عَلَى قَلْبِهِ حدثنا عبد الرحمان بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ لُؤْلُؤٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ خَالِدُ بْنُ النَّضْرِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَشِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أُسَيْدُ بْنُ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قلبه
(16/240)
هَكَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَعَلَهُ عَنْ جَابِرٍ وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أولى بالصواب على رواية الدراودري وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ هَذَا هُوَ وَالِدُ علي بن الْمَدِينِيِّ وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ نَجِيحٍ وَعَلَيٌّ أَحَدُ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ مَدَنِيٌّ ضَعِيفٌ وَحَدَّثَنَا يَعِيشُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالُوا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَيْلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا وَلَاءً مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ أَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَامِعٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِيَنْتَهِينَّ أَقْوَامٌ عَنْ تَرْكِهِمُ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ يَكُونُونَ من الغافلين
(16/241)
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمِسْوَرِ وَبُكَيْرُ بْنُ الْحَسَنِ الرَّازِيُّ بِمِصْرَ قَالَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنِ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عن نفاع عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيَنْتَهِيَنَّ قَوْمٌ عَنْ تَرْكِهِمُ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ مَنْ تَرَكَ أَرْبَعَ جُمَعٍ مُتَوَالِيَاتٍ فَقَدْ نَبَذَ الْإِسْلَامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَبِهِ عَنْ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ من تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ طُبِعَ عَلَى قَلْبِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَحْمَدُ بْنِ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرحمان وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ قَالُوا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْكَاتِبُ قَالَ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا عبد الله بن الْمُبَارَكِ قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ مُتَوَالِيَاتٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ نَبَذَ الْإِسْلَامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ
(16/242)
وَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَوْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ وَبِالْإِسْنَادِ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ شَهْرًا كُلَّ يَوْمٍ يَسْأَلُهُ مَا تَقَوُّلُ فِي رَجُلٍ يَصُومُ بِالنَّهَارِ وَيَقُومُ اللَّيْلَ وَلَا يَحْضُرُ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ وَلَا جَمَاعَةً فَكُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ صَاحِبُكَ فِي النَّارِ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلِمَ مِنْهُ مَعَ ذَلِكَ مَا أَوْجَبَ أَنْ يَقُولَ لَهُ صَاحِبُكَ فِي النَّارِ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ فِيهِ لِينٌ أَنَّهُ قَالَ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كُتِبَ مُنَافِقًا وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ إِلَّا عَلَى امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ أَوْ مَرِيضٍ أَوْ مُسَافِرٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَالْعُذْرُ يَتَّسِعُ الْقَوْلُ فِيهِ وَجُمْلَتُهُ كُلُّ مَانِعٍ حَائِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ
(16/243)
أَوْ يَخَافُ عُدْوَانُهُ أَوْ يُبْطِلُ بِذَلِكَ فَرْضًا لَا بَدَلَ مِنْهُ فَمِنْ ذَلِكَ السُّلْطَانُ الْجَائِرُ يَظْلِمُ وَالْمَطَرُ الْوَابِلُ الْمُتَّصِلُ وَالْمَرَضُ الْحَابِسُ وَمَا كان مثل ذلك ومنح الْعُذْرِ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ جِنَازَةٌ لَا يَقُومُ بِهَا غَيْرُهُ وَإِنْ تَرَكَهَا ضَاعَتْ وَفَسَدَتْ وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا فِي الْجِنَازَةِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ وَهُوَ يَخْطُبُ فِي الْجُمُعَةِ فَبَلَغَهُ أَنَّ أَبَاهُ أَخَذَهُ الْمَوْتُ فَرَخَّصَ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَيْهِ وَيَتْرُكَ الْإِمَامَ فِي الْخُطْبَةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا عِنْدِي عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِأَبِيهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ يَقُومُ لِمَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ بِمَا يَحْتَاجُ الْمَيِّتُ إِلَيْهِ مِنْ حُضُورِهِ لِلتَّغْمِيضِ وَالتَّلْقِينِ وَسَائِرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِأَنَّ تَرْكَهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ عُقُوقٌ وَالْعُقُوقُ مِنَ الْكَبَائِرِ وَقَدْ تَنُوبُ لَهُ عَنِ الْجُمُعَةِ الظُّهْرُ وَلَمْ يَأْتِ الْوَعِيدُ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ إِلَّا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ثَلَاثًا فَكَيْفَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ عُذْرٍ بَيِّنٍ فَقَوْلُ عَطَاءٍ صَحِيحٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ وَرَدَتْ فِي فَرْضِ الْجُمُعَةِ آثَارٌ قَدْ ذَكَرْتُهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَصَحُّ مَا فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرْتُهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ ذَكَرْنَا عَلَى مَنْ تَجِبُ الْجُمُعَةُ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَغَيْرِهِمْ فِي بَابِ ابْنِ شِهَابٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
(16/244)
حَدِيثٌ خَامِسٌ لِصَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ مِنْ بَلَاغَاتِهِ مُرْسَلٌ مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ إِذَا اتَّقَى وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ وَحَدِيثُ صَفْوَانَ هَذَا يَتَّصِلُ مِنْ وُجُوهٍ وَيَسْتَنِدُ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ مَالِكٍ مِنْ حديث الثقات سفيان ابن عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنِ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا أُنَيْسَةُ عَنْ
(16/245)
أُمِّ سَعِيدٍ بِنْتِ مُرَّةَ الْفِهْرِيِّ عَنْ أَبِيهَا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَيْلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أُنَيْسَةَ عَنْ أُمِّ سَعِيدٍ ابْنَةِ مُرَّةَ الْفِهْرَيِّ عَنْ أَبِيهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ قَالَ سُفْيَانُ بِإِصْبَعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ يُرِيدُ مِنْ قَرَابَتِهِ وَمِنْ غَيْرِ قَرَابَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَعِنْدَ الْقَعْنَبِيِّ وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْيَتِيمِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سبيل الله
(16/246)
حَدِيثٌ سَادِسٌ لِصَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ مُنْقَطِعٌ مِنْ بَلَاغَاتِهِ مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأَكْذِبُ امْرَأَتِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعِدُهَا وَأَقُولُ لَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا جُنَاحَ عَلَيْكَ هَذَا الْحَدِيثُ لَا أَحْفَظُهُ بِهَذَا اللَّفْظُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنَدًا وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْإِيلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ الْمَدَنِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَيَّ
(16/247)
جُنَاحٌ أَنْ أَكْذِبَ امْرَأَتِي قَالَ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْكَذِبَ فَأَعَادَهَا فَقَالَ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْكَذِبَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَصْلِحُهَا وَأَسْتَطِيبُ نَفْسَهَا قَالَ لَا جُنَاحَ عَلَيْكَ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَأَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَصْلُحُ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ الرَّجُلُ يُصْلِحُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ وَالرَّجُلُ يَسْتَصْلِحُ امْرَأَتَهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثُ يُفَسِّرُ الْأَوَّلَ وَلِهَذَا أَرْدَفَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرُّخْصَةَ لَمْ تَأْتِ فِي أَنْ يَصْدُقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِيمَا يَعِدُهَا بِهِ لِأَنَّ الصِّدْقَ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ لَا جُنَاحَ عَلَيْكَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ الْكَذِبِ فِيمَا يُصْلِحُ بِهِ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ فِي أَهْلِهِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ بِالْكَذَّابِ مَنْ قَالَ خَيْرًا أَوْ نَمَى خَيْرًا أَوْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِصْلَاحَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ بِمَا لَا يُؤْذِي بِهِ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ إِصْلَاحِهِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا أَنَّ سَتْرَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْلَى بِهِ مِنْ سَتْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ أَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي الْعَقِبِ بِدِمَشْقَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ
(16/248)
الرحمان بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أُمَّهُ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول لَيْسَ بِالْكَذَّابِ الَّذِي يَقُولُ خَيْرًا وَيَرْفَعُ خَيْرًا لِيُصْلِحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرحمان بن عوف عن أمه أم لثوم بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يَمْشِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا وَيَقُولُهُ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ بِإِسْنَادِهِ وَرَوَى مَعْمَرٌ وَابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَابْنُ عُلَيَّةَ وَمُوسَى بْنُ الْحُسَيْنِ وَهِشَامُ بْنُ يُوسُفَ كُلُّهُمْ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حميد بن عبد الرحمان عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيْسَ بِالْكَذَّابِ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ خَيْرًا أَوْ نَمَى خَيْرًا حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي دَاوُدُ بن عبد الرحمان عَنِ ابْنِ خَيْثَمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الْأَشْعَرِيِّ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول الْكَذِبُ يُكْتَبُ عَلَى ابْنِ آدَمَ إِلَّا
(16/249)
ثَلَاثًا كَذِبُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ لِيُصْلِحَهَا وَرَجُلٌ كَذَبَ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا وَرَجُلٌ كَذَبَ فِي خُدْعَةِ حَرْبٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ كَانَ أَبُو مِجْلَدٍ بِخُرَاسَانَ وَكَانَ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ يَعْرِضُ الْجُنْدَ فَكَانَ إِذَا أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ بَاعَ سِلَاحَهُ ضَرَبَهُ قَالَ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ فَقَالَ لَهُ أَيْنَ سِلَاحُكَ قَالَ سُرِقَ قَالَ مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ قَالَ أَبُو مِجْلَدٍ قَالَ عَرَفْتَ ذَلِكَ يَا أَبَا مِجْلَدٍ قَالَ نَعَمْ فَتَرَكَهُ قِيلَ لِأَبِي مِجْلَدٍ عَرَفْتَ ذَلِكَ قَالَ لَا قِيلَ فَلِمَ قُلْتَهُ قَالَ أَرَدْتُ أَنْ أَرُدَّ عَنْهُ الضَّرْبَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ شَاكِرٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ قُلْتُ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْتَذِرُ إِلَيَّ مِنَ الشَّيْءِ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ فَعَلَهُ وَيُحَرِّفُ فِيهِ الْقَوْلَ لِيُرْضِيَهُ أَعَلَيْهِ فِيهِ حَرَجٌ قَالَ لَا أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ لَيْسَ بِكَاذِبٍ مَنْ قَالَ خَيْرًا أَوْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ الْآيَةَ
(16/250)
فَإِصْلَاحُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِلَّهِ وَكَرَاهَةَ أَذَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِعَدَاوَةِ صَاحِبِهِ وَبُغْضَتِهِ فَإِنَّ الْبُغْضَةَ حَالِقَةُ الدِّينِ قُلْتُ أَلَيْسَ مَنْ قَالَ مَا لَمْ يَكُنْ فَقَدْ كَذَبَ قال لا إنم الْكَاذِبُ الْآثِمُ فَأَمَّا الْمَأْجُورُ فَلَا أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنِّي سَقِيمٌ وبل فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا وَقَالَ يُوسُفُ لِإِخْوَتِهِ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ وَمَا سَرَقُوا وَمَا أَثِمَ يُوسُفُ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إِلَّا خَيْرًا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ وَقَالَ الْمَلَكَانِ لِدَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ وَلَمْ يَكُونَا خَصْمَيْنِ وَإِنَّمَا أَرَادَا الْخَيْرَ وَالْمَعْنَى الْحَسَنَ وَفِي حَدِيثِ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ أَنَّهُمَا لَقِيَا سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَرَادَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَكُونَ الْمُقَدَّمَ عَلَى دَابَّتِهِ وَيَكُونَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَلْفَهُ فَلَمَّا لَقِيَا سُرَاقَةَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ مَنِ الرَّجُلُ قَالَ بَاغٍ قَالَ فَمَنِ الَّذِي خَلْفَكَ قَالَ هَادٍ قَالَ أَحْسَسْتَ مُحَمَّدًا قَالَ هُوَ ورائي
(16/251)
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ وَسَعِيدُ بْنُ سَيِّدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قال حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَصْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ إِنَّ فِي الْمَعَارِيضِ مَا يُغْنِيكُمْ عَنِ الْكَذِبِ قَالَ وَحَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَأَبُو عَامِرٍ العقدي وعبد الرحمان بْنُ مَهْدِيٍّ قَالُوا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ صَحِبْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصِينٍ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْبَصْرَةِ فَكَانَ لَا يُخْطِئُ يَوْمًا إِلَّا أَنْشَدَنِي فِيهِ شِعْرًا وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ فِي الْمَعَارِيضِ مَنْدُوحَةً عن الكذب قال وحدثنا عبد الرحمان بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ قَالَ بَعَثَنِي إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ إِلَى زِيَادِ بْنِ حَدِيرٍ أَمِيرٍ عَلَى الْكُوفَةِ فَقَالَ قُلْ لَهُ كَذَا قُلْ لَهُ كَذَا قُلْتُ كَيْفَ أَقُولُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ قَالَ إِنَّ هَذَا صُلْحٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَرَوَاهُ بُنْدَارٌ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ فَذَكَرَ مِثْلَهُ
(16/252)
حَدِيثٌ سَابِعٌ لِصَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ مُرْسَلٌ مَقْطُوعٌ مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا قَالَ نَعَمْ فَقِيلَ (لَهُ) أَيَكُونُ (الْمُؤْمِنُ) بَخِيلًا قَالَ نَعَمْ فَقِيلَ لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا قَالَ لَا قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَحْفَظُ هَذَا الْحَدِيثَ مُسْنَدًا بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَكُونُ كَذَّابًا يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ حَتَّى لَا يَكَادُ يَصْدُقُ هَذَا لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْمُؤْمِنِ أَنَّهُ يَكُونُ جَبَانًا وَبَخِيلًا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبُخْلَ وَالْجُبْنَ قَدْ يُوجَدَانِ فِي الْمُؤْمِنِ وَهُمَا خُلُقَانِ مَذْمُومَانِ قَدْ اسْتَعَاذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمَا
(16/253)
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ جَبَانًا وَلَا بَخِيلًا وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ سَهْلٌ كَرِيمٌ وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ وَهَذِهِ الْآثَارُ أَقْوَى مِنْ مُرْسَلِ صَفْوَانَ هَذَا وَهِيَ مُعَارِضَةٌ لَهُ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ عَلَى مَالِكٍ لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ ثِقَةٌ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصْلَتَانِ لَا تَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنٍ سُوءُ الْخُلُقِ وَالْبُخْلُ وَضَعَهُ عَلَى مَالِكٍ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ إِسْحَاقُ بْنُ مَسِيحٍ مَجْهُولٌ عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَبُو مُسْهِرٍ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْجِلَّةِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ سَمِعْتُ الْمُعَافِيَ بْنَ عِمْرَانَ يَقُولُ سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ مَنْصُورًا يَقُولُ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ وَذُكِرَ عِنْدِهُ الْبُخْلُ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ دَاءٍ أَدْوَى مِنَ الْبُخْلِ
(16/254)
وَأَمَّا الْكَذِبُ فَقَدْ مَضَى فِي الْبَابِ قَبْلَ هَذَا مَا يَجُوزُ مِنْهُ وَمَا أَتَتْ فِيهِ الرُّخْصَةُ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَتْ فِي الْكَذِبِ أَحَادِيثُ مُشَدِّدَةٌ أَحْسَنُهَا إِسْنَادًا مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ قَالَا حَدَّثَنَا الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا وَعَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا يَشْهَدُ لِقَوْلِي فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا أَيْ الْمُؤْمِنُ لَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ قَوْلُ الزُّورِ فَيَسْتَحْلِي الْكَذِبَ وَيَتَحَرَّاهُ وَيَقْصِدُهُ حَتَّى تَكُونَ تِلْكَ عَادَتَهُ فَلَا يَكَادُ يَكُونُ كَلَامُهُ إِلَّا كَذِبًا كُلُهُ لَيْسَتْ هَذِهِ صِفَةَ الْمُؤْمِنِ وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ فَذَلِكَ عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ أَوْ عَلَى رَسُولِهِ
(16/255)
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى يَعْنِي الْقَطَّانَ قَالَا جَمِيعًا حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ وَيْلٌ لَهُ ثُمَّ وَيْلٌ لَهُ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا كَانَ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكَذِبِ وَكَانَ إِذَا جَرَّبَ مِنْ رَجُلٍ كِذْبَةً لَمْ تَخْرُجْ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ حَتَّى يُحْدِثَ تَوْبَةً وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ شَهَادَةَ رَجُلٍ فِي كِذْبَةٍ كَذَبَهَا قَالَ شَرِيكٌ لَا أَدْرِي أَكَذَبَ عَلَى اللَّهِ أَوْ رَسُولِهِ أَوْ فِي أَحَادِيثِ النَّاسِ
(16/256)
مَالِكٌ عَنْ صَيْفِيٍّ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَهُوَ صَيْفِيُّ بْنُ زِيَادٍ يُكْنَى أَبَا زِيَادٍ مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقِيلَ صَيْفِيٌّ هَذَا يُكْنَى أَبَا سَعِيدٍ يُقَالُ فِيهِ مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ وَيُقَالُ مَوْلَى أَفْلَحَ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَيُقَالُ مَوْلَى الْأَنْصَارِ وَيُقَالُ مَوْلَى أَبِي السَّائِبِ وَمَوْلَى ابْنِ السَّائِبِ وَالصَّوَابُ قَوْلُ مَنْ قَالَ مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ كُنْيَتُهُ أَبُو زِيَادٍ وَهُوَ رَجُلٌ مَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَابْنُ عَجْلَانَ وَسَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ (وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ) وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ رِوَايَةً إِلَّا عَنْ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ مَالِكٌ عَنْ صَيْفِيٍّ مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ فَسَمِعْتُ
(16/257)
تَحْرِيكًا تَحْتَ سَرِيرِهِ فِي بَيْتِهِ فَإِذَا حَيَّةٌ فَقُمْتُ لِأَقْتُلَهَا فَأَشَارَ إِلَيَّ أَبُو سَعِيدٍ أَنِ اجلس فلما انصرفت أَشَارَ إِلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ فَقَالَ أَتَرَى هَذَا الْبَيْتَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيهِ فَتًى حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَنْدَقِ فَبَيْنَا هُوَ بِهِ إِذْ أَتَاهُ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي حَتَّى أُحْدِثَ بِأَهْلِي عَهْدًا فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال خُذْ عَلَيْكَ سِلَاحَكَ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ بَنِي قُرَيْظَةَ فَانْطَلَقَ الْفَتَى إِلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَائِمَةً بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ لِيَطْعَنَهَا وَأَدْرَكَتْهُ غَيْرَةٌ فَقَالَتْ لَا تَعْجَلْ حَتَّى تَدْخُلَ وَتَنْظُرَ مَا فِي بَيْتِكَ فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِحَيَّةٍ مُنْطَوِيَةٍ عَلَى فِرَاشِهِ فَرَكَزَ فِيهَا رُمْحَهُ ثُمَّ خَرَجَ (بِهَا) فَنَصَبَهُ فِي الدَّارِ فَاضْطَرَبَتِ الْحَيَّةُ فِي رَأْسِ الرُّمْحِ وَخَرَّ الْفَتَى مَيِّتًا فما يدرى
(16/258)
أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعُ مَوْتًا الْفَتَى أَمِ الْحَيَّةُ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ هَكَذَا قَالَ مَالِكٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ صَيْفِيٍّ مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ وَذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ صَيْفِيٍّ مَوْلَى أَبِي السَّائِبِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ أَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَعُودُهُ فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا تَحْتَ سَرِيرِهِ فَنَظَرْتُ فَإِذَا حَيَّةٌ فَأَرَدْتُ أَنْ أَقْتُلَهَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ غَلِطَ فِي قَوْلِهِ فِيهِ مَوْلَى أَبِي السَّائِبِ وَلَمْ يُقِمْ إِسْنَادَهُ وَقَالَ فِيهِ عَنْ رَجُلٍ وَإِنَّمَا هُوَ صَيْفِيٌّ عَنْ أَبِي السَّائِبِ وَرَوَاهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ صَيْفِيٍّ عَنِ ابْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مُخْتَصَرًا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَوِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ قَالَ حَدَّثَنِي صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي السَّائِبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ
(16/259)
نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ أَسْلَمُوا فَمَنْ رَأَى شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْعَوَامِرِ فَلْيُؤْذِنْهُ ثَلَاثًا فَإِنْ بَدَا لَهُ بَعْدُ فَلْيَقْتُلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ سَوَاءً حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ صَيْفِيٍّ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى الْأَنْصَارِ عَنْ أَبِي السَّائِبِ أَنَّهُ قَالَ أَتَيْنَا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ جَالِسٌ سَمِعْتُ تَحْتَ سَرِيرِهِ تَحَرُّكَ شَيْءٍ فَنَظَرْتُ فَإِذَا حَيَّةٌ فقمت فقال أبو سعيد مالك فقلت حية ههنا قَالَ فَتُرِيدُ مَاذَا قَالَ أُرِيدُ قَتْلَهَا قَالَ فَأَشَارَ إِلَى بَيْتٍ فِي دَارِهِ تِلْقَاءَ بَيْتِهِ وَقَالَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ كَانَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِهِ وَكَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَأَذِنَ لَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَذْهَبَ بِسِلَاحِهِ مَعَهُ فَأَتَى دَارَهُ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَائِمَةً عَلَى بَابِ الْبَيْتِ فَأَشَارَ إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ قَالَتْ لَا تَعْجَلْ حَتَّى تَنْظُرَ مَا أَخْرَجَنِي فَدَخَلَ الْبَيْتَ فَإِذَا حَيَّةٌ مُنْكَرَةٌ فَقَطَعَهَا بِالرُّمْحِ ثُمَّ خَرَجَ بِهَا فِي الرُّمْحِ تَرْتَكِضُ فَلَا أَدْرِي أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الرَّجُلُ أَوِ الْحَيَّةُ فَأَتَى قَوْمُهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ صَاحِبَنَا فَقَالَ اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ ثُمَّ قَالَ إنَّ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ
(16/260)
بِالْمَدِينَةِ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ أَحَدًا مِنْهُمْ فَحَذِّرُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ إِنْ بَدَا لَكُمْ أَنْ تَقْتُلُوهُ فَاقْتُلُوهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ رِوَايَةُ اللَّيْثِ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ كَرِوَايَةِ مَالِكٍ فِي إِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُهُمَا فِي وَلَاءِ أَبِي سَعِيدٍ صَيْفِيٍّ إِذْ قَالَ مَالِكٌ مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ وَقَالَ فِيهِ اللَّيْثُ عَنِ ابْن عَجْلَانَ عَنْ صَيْفِيٍّ مَوْلَى الْأَنْصَارِ وَكَذَلِكَ هُوَ مَوْلَى الْأَنْصَارِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ لِمَنْ وَلَاؤُهُ مِنَ الْأَنْصَارِ وَقَدْ جَوَّدَهُ مَالِكٌ فِي قَوْلِهِ مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ فِيهِ مَوْلَى أَفْلَحَ لِأَنَّ أَفْلَحَ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ صَيْفِيٍّ مَوْلَى أَبِي السَّائِبِ فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا وَلَمْ يُقِمِ الْإِسْنَادَ إِذْ جَعَلَهُ مَوْلَى أَبِي السَّائِبِ عَنْ رَجُلٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي السَّائِبِ كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ عَنْ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي السَّائِبِ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّيْثُ وَيَحْيَى الْقَطَّانُ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي السَّائِبِ وَمَنْ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ صَيْفِيٍّ فَقَدْ أَفْرَطَ فِي التَّصْحِيفِ وَالْخَطَأِ كَذَلِكَ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ وَهَذَا لَا خَفَاءَ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ صَيْفِيٍّ وَلَا مَعْنَى لِذِكْرِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ هُنَا وَمَنْ رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَدْ قَطَعَهُ لِأَنَّ صَيْفِيًّا لَمْ
(16/261)
يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَإِنَّمَا يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي السَّائِبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ صَيْفِيٍّ إِلَّا أَنَّهُ مُخْتَصَرٌ نَحْوَ رِوَايَةِ الْقَطَّانِ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ صَيْفِيٍّ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا بكر بن عبد الرحمان قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا آذَاكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْحَيَّاتِ فِي مَسَاكِنِكُمْ فَحَرِّجُوا عَلَيْهِنَّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ هَذَا مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ وَزَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى النَّاقِدُ وَاللَّفْظُ لِمُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ وَأَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَرَجَعَ مِنَ الطَّرِيقِ فَإِذَا هُوَ بِامْرَأَتِهِ قَائِمَةً فِي الْحُجْرَةِ فَمَدَّ إِلَيْهَا الرُّمْحَ فَقَالَتْ ادْخُلْ فَانْظُرْ مَا فِي الْبَيْتِ فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِحَيَّةٍ
(16/262)
مُنْطَوِيَةٍ عَلَى فِرَاشِهِ فَانْتَظَمَهَا بِرُمْحِهِ وَرَكَزَ الرُّمْحَ فِي الدَّارِ فَانْتَفَضَتِ الْحَيَّةُ وَمَاتَتْ وَمَاتَ الرَّجُلُ قَالَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ فِي الْمَدِينَةِ جِنٌّ مُسْلِمُونَ أَوْ قَالَ إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوتِ عَوَامِرَ شَكَّ خَالِدٌ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْهَا فَتَعَوَّذُوا فَإِنْ عَادَ فَاقْتُلُوهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ قَوْمٌ لَا يَلْزَمُ أَنْ تُؤْذَنَ الْحَيَّاتُ وَلَا تُنَاشَدْنَ وَلَا يُحَرَّجَ عَلَيْهِنَّ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ خَاصَّةً لِهَذَا الْحَدِيثِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ لِأَنَّهُ خَصَّ الْمَدِينَةَ بِالذِّكْرِ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ لَا تُنْذَرُ عَوَامِرُ الْبُيُوتِ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ خَاصَّةً قَالَ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا وَقَالَ آخَرُونَ الْمَدِينَةُ وَغَيْرُهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لِأَنَّ مِنَ الْحَيَّاتِ جِنًّا وَجَائِزٌ أَنْ يَكُنَّ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا وَأَنْ يُسْلِمَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْهُنَّ قَالَ مَالِكٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ تُنْذَرَ عَوَامِرُ الْبُيُوتِ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا تُنْذَرَنَّ فِي الصَّحَارِي قَالَ أَبُو عُمَرَ الْعِلَّةُ الظَّاهِرَةُ فِي الْحَدِيثِ إِسْلَامُ الْجِنِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا يُوصَلُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ تُنْذَرَ عَوَامِرُ الْبُيُوتِ كُلِّهَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ
(16/263)
وَالْإِنْذَارُ أَنْ يَقُولَ الَّذِي يَرَى الْحَيَّةَ فِي بَيْتِهِ أُحَرِّجُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الْحَيَّةُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر أن تظهر لَنَا أَوْ تُؤْذِينَا وَقَدْ رَوَى عِبَادُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ بَيْنَا أَنَا بِعَبَادَانَ إِذْ جَاءَنِي رَسُولُ زَوْجَتِي فَقَالَ أَجِبْ فُلَانَةً وَاسْتَنْكَرْتُ ذَلِكَ ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فقالت لي إن (ههنا) الْحَيَّةَ وَأَشَارَتْ إِلَيْهَا كُنْتُ أَرَاهَا بِالْبَادِيَةِ إِذَا خَلَوْتُ ثُمَّ مَكَثْتُ لَا أَرَاهَا حَتَّى رَأَيْتُهَا الْآنَ وَهِيَ هِيَ أَعْرِفُهَا بِعَيْنِهَا قَالَ فَخَطَبَ سَعْدُ خُطْبَةً حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّكِ قَدْ آذَيْتِنِي وَإِنِّي أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَئِنْ رَأَيْتُكِ بَعْدَ هَذِهِ لَأَقْتُلَنَّكِ فَخَرَجَتِ الْحَيَّةُ انْسَابَتْ مِنْ بَابِ الْبَيْتِ ثُمَّ مِنْ بَابِ الدَّارِ فَأَرْسَلَ مَعَهَا سَعْدٌ إِنْسَانًا فَقَالَ انْظُرْ أَيْنَ تَذْهَبُ فَتَبِعَهَا حَتَّى جَاءَتِ الْمَسْجِدَ ثُمَّ جَاءَتْ مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَتْهُ فَرَقَتْهُ ثُمَّ صَعِدَتْ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى غَابَتْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورٍ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ سُعَيْرِ بْنِ الْخِمْسِ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عبد الرحمان بن أبي
(16/264)
ليلى أنه ذكر عنده حَيَّاتُ الْبُيُوتِ فَقَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فِي مَسَاكِنِكُمْ فَقُولُوا أَنْشُدُكُمْ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُمْ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنْشُدُكُمْ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُمْ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُنَّ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُطَيْسٍ قَالَ حدثا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْجِنُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَثْلَاثٍ فَثُلُثٌ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ فِي الْهَوَاءِ وَثُلُثٌ حَيَّاتٌ وَكِلَابٌ وَثُلُثٌ يَحُلُّونَ وَيَظْعَنُونَ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَامِعٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ أَنَّ عَبْدَ الرحمان بْنَ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ خَرَجَ عِشَاءً مِنْ أَهْلِهِ يُرِيدُ مَسْجِدَ قَوْمِهِ فَاسْتُطِيرَ فَالْتُمِسَ فَلَمْ يُوجَدْ فَانْطَلَقَتِ امْرَأَتُهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَدَعَا بِقَوْمِهِ فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ فَحَدَّثُوهُ بِمِثْلِ مَا حَدَّثَتْهُ امْرَأَتُهُ فَقَالَ لَهُمْ أَمَا سَمِعْتُمْ مِنْهُ ذِكْرًا بَعْدُ قَالُوا لَا فَأَمَرَهَا أَنْ
(16/265)
تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَ سِنِينَ فَفَعَلَتْ ثُمَّ أَتَتْهُ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا لَمْ يُذْكَرْ لَهَا مِنْهُ ذِكْرٌ فَدَعَا قومه فسألهم عن ذلك فقال مَا ذُكِرَ لَنَا مِنْهُ ذِكْرٌ فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ مِنْهُ فَاعْتَدَّتْ ثُمَّ جَاءَتْهُ فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ إِنْ (شَاءَتْ) فَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ جَاءَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ زَوَّجْتَ امْرَأَتِي فَقَالَ عُمَرُ لَمْ أَفْعَلْ وَدَعَاهَا عُمَرُ فَقَالَتْ أَنَا الْمَرْأَةُ الَّتِي أَخْبَرْتُكَ بِذَهَابِ زَوْجِي فَأَمَرْتَنِي أَنْ أتربص أربع سنين ففعلت ثم أيتك فأمرتني أن أعتد فأعددت ثُمَّ جِئْتُكَ فَأَمَرْتَنِي أَنْ أَتَزَوَّجَ فَفَعَلْتُ فَقَالَ عُمَرُ يَنْطَلِقُ أَحَدُكُمْ فَيَغِيبُ عَنْ أَهْلِهِ أَرْبَعَ سِنِينَ لَيْسَ بِغَازٍ وَلَا تَاجِرٍ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ إِنِّي خَرَجْتُ عِشَاءً مِنْ أَهْلِي أُرِيدُ مَسْجِدَ قَوْمِي فَاسْتَبَتْنِي الْجِنُّ فَكُنْتُ فِيهِمْ حَتَّى غَزَاهُمْ جِنٌّ مُسْلِمُونَ فَأَصَابُونِي فِي السَّبْيِ فَسَأَلُونِي عَنْ دِينِي فَأَخْبَرْتُهُمْ أَنِّي مُسْلِمٌ فَخَيَّرُونِي بَيْنَ أَنْ يَرُدُّونِي إِلَى قَوْمِي وَبَيْنَ أَنْ أَمْكُثَ مَعَهُمْ وَيُوَاسُونِي فَاخْتَرْتُ أَنْ يَرُدُّونِي إِلَى قَوْمِي فَبَعَثُوا مَعِي نَفَرًا أَمَّا اللَّيْلُ فَرِجَالٌ يُحَدِّثُونِي وَأَمَّا النَّهَارُ فَأَعْصَارُ رِيحٍ اتَّبِعُهَا حَتَّى هَبَطْتُ إِلَيْكُمْ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَمَا كَانَ طَعَامُكَ فِيهِمْ فَقَالَ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عليه وهذا القول فَخَيَّرَهُ عُمَرُ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالْمَرْأَةِ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ الرَّازِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّرْقُفِيُّ الْبَاكُسَالِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عن
(16/266)
أَبِي سِنَانٍ عَنْ أَبِي مُنِيبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَقَ اللَّهُ الْجِنَّ ثَلَاثَةَ أَثْلَاثٍ فَثُلُثٌ كِلَابٌ وَحَيَّاتٌ وَخَشَاشُ الْأَرْضِ وَثُلُثٌ رِيحٌ هَفَّافَةٌ وَثُلُثٌ كَبَنِي آدَمَ لَهُمُ الثَّوَابُ وَعَلَيْهِمُ الْعِقَابُ وَخَلَقَ اللَّهُ الْإِنْسَ ثَلَاثَةَ أَثْلَاثٍ فَثُلُثٌ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَأَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَآذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا وَثُلُثٌ أَجْسَادُهُمْ أَجْسَادُ بَنِي آدَمَ وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ شَيَاطِينَ وَثُلُثٌ فِي ظِلِّ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَرُوِّينَا مِنْ وُجُوهٍ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَتْ جِنَّانًا فَأُرِيَتْ فِي الْمَنَامِ أَنَّ قَائِلًا يَقُولُ لَهَا قَدْ قَتَلْتِ مُسْلِمًا فَقَالَتْ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا لَمْ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا دَخَلَ عَلَيْكِ إِلَّا عَلَيْكِ ثِيَابُكِ فَأَصْبَحَتْ فَأَمَرَتْ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَجُعِلَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ الْغُولُ وَجَمْعُهَا أَغْوَالٌ وَالسِّعْلَاةُ وَجَمْعُهَا السَّعَالَى ضَرْبَانِ مِنَ الْجِنِّ وَنَوْعٌ مِنْ شَيَاطِينِهِنَّ قَالُوا إِنَّهَا تَتَصَوَّرُ صُوَرًا كَثِيرَةً فِي الْقِفَارِ أَمَامَ الرِّفَاقِ وَغَيْرِهَا فَتَطُولُ مَرَّةً وَتَصْغُرُ أُخْرَى وَتَقْبُحُ مَرَّةً وَتَحْسُنُ أُخْرَى مَرَّةً فِي صُورَةِ بَنَاتِ آدَمَ وَبَنِي آدَمَ وَمَرَّةً فِي صُورَةِ الدَّوَابِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَيْفَ شَاءَتْ قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ ... فَمَا تَدُومُ عَلَى حَالٍ تَكُونُ بِهَا ... كَمَا تَغُولُ فِي أَثْوَابِهَا الْغُولُ
(16/267)
وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ إِذَا تَغَوَّلَتِ الْغِيلَانُ فَأَذِّنُوا بِالصَّلَاةِ أَيْ إِذَا شُبِّهَتْ عَلَيْكُمُ الطَّرِيقُ فَأَذِّنُوا وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرحمان قَالَ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَوِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ وَإِذَا تَغَوَّلَتِ الْغِيلَانُ فَنَادُوا بِالْأَذَانِ مُخْتَصَرًا وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَتَلَتْ جِنَّانًا فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ الْجِنَانُ مَسْخُ الْجِنِّ كَمَا مُسِخَتِ الْقِرَدَةُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ وَقَالَ الْخَلِيلُ الْجِنَّانُ الْحَيَّةُ وَقَالَ نِفْطَوَيْهِ الْجِنَّانُ الْحَيَّاتُ وَأَنْشَدَ لِلْخَطَفِيِّ جَدِّ جَرِيرٍ ... أَعْنَاقُ جِنَّانٍ وَهَامَا رُجَّفَا ... وَقَالَ غَيْرُهُ ... تَبَدَّلَ حال بعد حال عهدنها ... تُنَاوِحُ جِنَّانٌ بِهِنَّ وَخُيَّلُ
(16/268)
قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْجِنَّانُ الَّذِينَ لَا يَعْرِضُونَ لِلنَّاسِ وَالْخُيَّلُ الَّذِينَ يَتَخَيَّلُونَ لِلنَّاسِ وَيُؤْذُونَهُمْ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ الْحَضْرَمِيِّ بْنِ لَاحِقٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ جَدُّ مُحَمَّدٍ قَالَ كَانَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ جُرْنٌ مِنْ طَعَامٍ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هَانئٍ قَالَ حَدَّثَنِي حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَضْرَمِيُّ بْنُ لَاحِقٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ كَانَ لِجَدِّي جُرْنٌ مِنْ طَعَامٍ وَكَانَ يَتَعَاهَدُهُ فَوَجَدَهُ يَنْقُصُ فَحَرَسَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَإِذَا هُوَ بِدَابَّةٍ تُشْبِهُ الْغُلَامَ الْمُحْتَلِمَ فَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ مَنْ أَنْتَ أَجِنٌّ أَمْ إِنْسٌ قَالَ بَلْ جِنٌّ قَالَ أَعْطِنِي يَدَكَ فَأَعْطَاهُ فَإِذَا يَدُ كَلْبٍ وَشَعْرُ كَلْبٍ قَالَ هَكَذَا خَلْقُ الْجِنِّ قَالَ قَدْ عَلِمَتِ الْجِنُّ أَنَّهُ مَا فِيهِمْ أَشَدُّ مِنِّي قَالَ مَا شَأْنُكَ قَالَ أُنْبِئْتُ أَنَّكَ رَجُلٌ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ (فَأَحْبَبْنَا) أَنْ نُصِيبَ مِنْ طَعَامِكَ قَالَ مَا يُجِيرُ
(16/269)
مِنْكُمْ قَالَ هَذِهِ الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ آيَةُ الْكُرْسِيِّ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ إِذَا قُلْتَهَا حِينَ تُصْبِحُ أُجِرْتَ مِنَّا حَتَّى تُمْسِيَ وَإِذَا قُلْتَهَا حِينَ تُمْسِيَ أُجِرْتَ مِنَّا حَتَّى تُصْبِحَ فَغَدَا أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ الْخَبِيثُ وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ ابْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ جُرْنٌ مِنْ تَمْرٍ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي إِسْنَادِهِ الْحَضْرَمِيَّ بْنَ لَاحِقٍ
(16/270)
مَالِكٌ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَصَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ هَذَا يُعَدُّ فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ سَاكِنِيهَا وَأَصْلُهُ الْجَزِيرَةُ يُقَالُ صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ الْجَزَرِيُّ وَيُقَالُ صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ الْمَكِّيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ وَلَهُ عَنْهُ أَحَادِيثُ صَالِحَةٌ فَهُوَ مِنَ التَّابِعِينَ الثِّقَاتِ وَقَدْ رَوَى عَنْ رَجُلٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ أَيْضًا رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ وَمَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَمُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ قُلْتُ لِصَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ إِنَّ أُنَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ خَوَارِجُ قَالَ كُنْتُ مِنْهُمْ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَافَانِي قَالَ سُفْيَانُ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ مِنَ الثِّقَاتِ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ مَالِكٌ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ حَكِيمٍ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَرْجِعُ فِي السَّجْدَتَيْنِ فِي الصلاة على
(16/271)
صُدُورِ قَدَمَيْهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةَ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا أَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي أَشْتَكِي الْمُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ هَذَا أَحَدُ الْفُضَلَاءِ الْجِلَّةِ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُفَضِّلُهُ وَقَدْ عَمِلَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَيَّامَ خِلَافَتِهِ وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ إِذْ أَخْرَجَهُ الْمَحِ الْمُغِيرَةَ بْنَ حَكِيمٍ وَقَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَّ قَاسِمَ بْنَ أَصْبَغَ حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْعَزْمِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ مَهَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى الْيَمَنِ فَأَرَدْتُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْعَسَلِ الصَّدَقَةَ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ الصَّنْعَانِيُّ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ فَكَتَبْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ عَدْلٌ رَضِيٌّ لَا تَأْخُذْ مِنَ الْعَسَلِ شَيْئًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ الرُّجُوعَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ الْقَدَمَيْنِ خَطَأٌ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمَا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ لِعِلَّةٍ مَنَعَتْهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَقْدِرُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَالْفَرَائِضُ تَسْقُطُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَكَيْفَ السُّنَنُ وَالْأَمْرُ فِي هَذَا وَاضِحٌ يُغْنِي عَنِ الْإِكْثَارِ فِيهِ
(16/272)
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي الِانْصِرَافَ عَلَى صُدُورِ الْقَدَمَيْنِ فِي الصَّلَاةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَكَرِهَ ذَلِكَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ وَرَأَوْهُ مِنَ الْفِعْلِ الْمَكْرُوهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَرَخَّصَ فِيهِ آخَرُونَ وَلَمْ يَرَوْهُ مِنَ الْإِقْعَاءِ بَلْ جَعَلُوهُ سُنَّةً وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَالْقَائِلِينَ بِهِمَا وَنَذْكُرُ مَا للعلماء في تفسير الإقعاء ههنا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ فَأَمَّا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ فَإِنَّهُمْ يَكْرَهُونَ الْإِقْعَاءَ فِي الصَّلَاةِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْإِقْعَاءُ جُلُوسُ الرَّجُلِ عَلَى أَلْيَتَيْهِ نَاصِبًا فَخِذَيْهِ مِثْلَ إِقْعَاءِ الْكَلْبِ وَالسَّبُعِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَمَّا تَفْسِيرُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْإِقْعَاءَ أَنْ يَجْعَلَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُضَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَذْمَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْهَمَذَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبَّادٌ الْمِنْقَرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جَعْدَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم يا بني وإذا سَجَدْتَ فَأَمْكِنْ كَفَّيْكَ وَجَبْهَتَكَ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا
(16/273)
تَنْقُرْ نَقْرَ الدِّيكِ وَلَا تُقْعِ إِقْعَاءَ الْكَلْبِ وَلَا تَلْتَفِتِ الْتِفَاتَ الثَّعْلَبِ يُقَالُ أَقْعَى الْكَلْبُ وَلَا يُقَالُ قَعَدَ وَلَا جَلَسَ وَقُعُودُهُ إِقْعَاؤُهُ وَيُقَالُ إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يَكُونُ إِذَا قَامَ أَقْصَرَ مِنْهُ إِذَا قَعَدَ إِلَّا الْكَلْبُ إِذَا أَقْعَى أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَاكِرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْإِقْعَاءِ وَالتَّوَرُّكِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُقْعِيَ فِي صَلَاتِي إِقْعَاءَ الْكَلْبِ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْحَرِثِ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقْعِيَنَّ عَلَى عَقِبَيْكَ فِي الصَّلَاةِ وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَرِهَ الْإِقْعَاءَ فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ قَتَادَةَ مِثْلُهُ وَقَالَ آخَرُونَ لَا بَأْسَ بِالْإِقْعَاءِ فِي الصَّلَاةِ وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تَمَسَّ عَقِبَيْكَ أَلْيَتَيْكَ وَقَالَ طَاوُسٌ رَأَيْتُ الْعَبَادِلَةَ يَفْعَلُونَهُ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ وَكَذَلِكَ رَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ قَالَ رَأَيْتُ الْعَبَادِلَةَ يَقْعُونَ فِي الصَّلَاةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
(16/274)
عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَفَعَلَ ذَلِكَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ الزُّبَيْرِ وَابْنَ عَبَّاسٍ يَقْعُونَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَدْرِي كَيْفَ هَذَا الْإِقْعَاءُ وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُقْعِي إِلَّا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَكِي عَلَى مَا فِي حَدِيثِنَا الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَالَ إِنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةَ الصَّلَاةِ وَحَسْبُكَ بِهَذَا وَلِهَذِهِ اللَّفْظَةِ أَدْخَلْنَا حَدِيثَهُ هَذَا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ رِجْلَيَّ لَا تَحْمِلَانِي وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْإِقْعَاءُ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ كَانَ أَيْضًا لِعُذْرٍ وَقَدْ ذَكَرَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ أَنَّ ابْنَ عمر كان يقعي بعد ما كَبِرَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ لِعُذْرٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا قَدْ فَدَعُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِخَيْبَرَ فَلَمْ تَعُدْ كَمَا كَانَتْ وَاللَّهُ أعلم
(16/275)
وأما ابن عباس وأصحابه فالإقعاء عندهم سنة وَذَلِكَ ثَابِتٌ عَنْهُمْ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ معي قَالَ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا يَقُولُ قُلْنَا لِابْنِ عَبَّاسٍ الْإِقْعَاءُ عَلَى الْقَدَمَيْنِ فِي السُّجُودِ قَالَ هِيَ السُّنَّةُ قَالَ قُلْنَا إِنَّا لَنَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ سُنَّةُ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا يَقُولُ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِقْعَاءِ فَذَكَرَهُ إِلَى آخِرِهِ سَوَاءً وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تَمَسَّ عَقِبَيْكَ أَلْيَتَيْكَ قَالَ طَاوُسٌ وَرَأَيْتُ الْعَبَادِلَةَ يُقْعُونَ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ الْإِقْعَاءُ فِي الصَّلَاةِ السُّنَّةُ
(16/276)
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَنْ حَمَلَ الْإِقْعَاءَ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى خَرَجَ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَهُوَ أَوْلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ مِنَ الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الَّذِي فَسَّرَ عَلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ الْإِقْعَاءَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَفِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ إِنَّمَا أَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي أَشْتَكِي وَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَشْتَكِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ عِنْدَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَكَذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ عَمَلُهُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ مِمَّنْ يَكْرَهُ الْإِقْعَاءَ فَهُوَ مَعْدُودٌ فِيمَنْ كَرِهَهُ كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ إِلَّا أَنَّ الْإِقْعَاءَ عَنْ هَؤُلَاءِ غَيْرُ مُفَسَّرٍ وَهُوَ مُفَسَّرٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ الِانْصِرَافُ عَلَى الْعَقِبَيْنِ وَصُدُورِ الْقَدَمَيْنِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَسْتَحْسِنُهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَيَقُولُ إِنَّهُ سُنَّةٌ فَصَارَ ابْنُ عُمَرَ مُخَالِفًا لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا النَّظَرُ فِي هَذَا الْبَابِ فَيُوجِبُ أَلَّا تَفْسُدَ صَلَاةُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ إِفْسَادَهَا يُوجِبُ إِعَادَتَهَا وَإِيجَابُ إِعَادَتِهَا إِيجَابُ فَرْضٍ وَالْفُرُوضُ لَا تَثْبُتْ إِلَّا بِمَا لَا مُعَارِضَ لَهُ مِنْ أَصْلٍ أَوْ نَظِيرِ أَصْلٍ وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ كَذَا وَكَذَا سُنَّةٌ إِثْبَاتٌ وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ لَيْسَ بِسُنَّةٍ نَفْيٌ وَقَوْلُ الْمُثْبِتِ
(16/277)
فِي هَذَا الْبَابِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ أَوْلَى مِنَ النَّافِي لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مَا جَهِلَهُ النَّافِي وَعَلَى أَنَّ الْإِقْعَاءَ قَدْ فَسَّرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى غَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي تَنَازَعَ فِيهِ هَؤُلَاءُ وَهَذَا كُلُّهُ يَشْهَدُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْجُلُوسِ فِي الصَّلَاةِ فِي بَابِ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْقَوْلِ فِي كَيْفِيَّةِ الْجُلُوسِ فِي الصَّلَاةِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَمَا لِلْعُلَمَاءِ في ذلك في باب عبد الرحمان بْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
(16/278)
(مَالِكٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ حَدِيثَانِ)
وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ هَذَا يُكْنَى أَبَا مُحَمَّدٍ وَقِيلَ يُكْنَى أَبَا الْحَرِثِ وَاخْتُلِفَ فِي نَسَبِهِ وَوَلَائِهِ فَقِيلَ هُوَ مِنْ خُزَاعَةَ وَقِيلَ هُوَ مَوْلًى لنبي عَامِرٍ أَوْ بَنِي غِفَارٍ وَقِيلَ مَوْلًى (لِأَصْبَحَ) وقيل مولى لدوس ووقال الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى صَالِح بْنِ كَيْسَانَ وَهُوَ يُوصِي فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّ وَلَائِي لِامْرَأَةٍ مَوْلَاةٍ لِآلِ مُعَيْقِيبٍ الدَّوْسِيِّ فَقَالَ لَهُ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُرْمُزَ يَنْبَغِي أَنْ تَكْتُبَهُ فَقَالَ إِنِّي لَأُشْهِدُكَ أَنْتَ شَكَّاكٌ وَكَانَ سَعِيدٌ صَاحِبَ وُضُوءٍ وَشَكٍّ فِيهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ كَانَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحِفْظِ وَالْفَهْمِ وَكَانَ كَثِيرَ الْحَدِيثِ ثِقَةً حُجَّةً فِيمَا نَقَلَ كَانَ مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فَضَمَّهُ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
(16/279)
ابْنِ الْوَلِيدِ وَكَانَ مُسِنًّا أَدْرَكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَمِعَ مِنْهُمَا ثُمَّ رَوَى عَنْ نَافِعٍ وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ كَثِيرًا قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ أَكْبَرُ مِنَ الزُّهْرِيِّ قَالَ وَقَدْ سَمِعَ مِنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا بِشْرُ بن المفضل عن عبد الرحمان بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ فِي الصَّرْفِ وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ كَانَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ مِنْ رِجَالِنَا عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ يَعْنِي بِالْمَدِينَةِ وَرَوَى مَعْمَرُ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ اجْتَمَعْتُ أَنَا وَالزُّهْرِيُّ وَنَحْنُ نَطْلُبُ الْعِلْمَ فَقُلْنَا نَكْتُبُ السُّنَنَ فَكَتَبْنَا مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ الزُّهْرِيُّ نَكْتُبُ مَا جَاءَ عَنْ أَصْحَابِهِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ قَالَ قُلْتُ أَنَا لَيْسَ بِسُنَّةٍ فَلَا نَكْتُبُهُ قَالَ فَكَتَبَ وَلَمْ أَكْتُبْ فَأَنْجَحَ وَضَيَّعْتُ وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ أَخْرُجُ مَعَ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ إِلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةَ
(16/280)
فَكَانَ رُبَّمَا خَتَمَ الْقُرْآنَ مَرَّتَيْنِ فِي لَيْلَةٍ بَيْنَ شُعْبَتَيْ رَحْلِهِ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ هُوَ الْقَائِلُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَوَادٌ إِذَا أَشَارَ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ إِلَى أَحَدٍ أَتَمَّهُ وَلَمْ يُنْقِصْ مِنْهُ شَيْئًا فِي كَلَامٍ قَالَهُ لصديقه عكرمة بن عبد الرحمان بْنِ الْحَرِثِ بْنِ هِشَامٍ وَكَانَ صَدِيقًا لَهُ يُشَاوِرُهُ فِي شَيْءٍ وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ وَفَاتِهِ فَقِيلَ كَانَتْ وَفَاتُهُ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ مَاتَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ بَعْدَ سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ قَبْلَ مَخْرَجِ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله بن حسن
(16/281)
فَكَانَ رُبَّمَا خَتَمَ الْقُرْآنَ مَرَّتَيْنِ فِي لَيْلَةٍ بَيْنَ شُعْبَتَيْ رَحْلِهِ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ هُوَ الْقَائِلُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَوَادٌ إِذَا أَشَارَ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ إِلَى أَحَدٍ أَتَمَّهُ وَلَمْ يُنْقِصْ مِنْهُ شَيْئًا فِي كَلَامٍ قَالَهُ لصديقه عكرمة بن عبد الرحمان بْنِ الْحَرِثِ بْنِ هِشَامٍ وَكَانَ صَدِيقًا لَهُ يُشَاوِرُهُ فِي شَيْءٍ وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ وَفَاتِهِ فَقِيلَ كَانَتْ وَفَاتُهُ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ مَاتَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ بَعْدَ سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ قَبْلَ مَخْرَجِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ
(16/282)
حَدِيثٌ أَوَّلٌ لِصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ مُسْنَدٌ مَالِكٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ (بِي) وَكَافِرٌ بِي فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُقِمْهُ كَإِقَامَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ وَلَمْ يَسُقْهُ كَسِيَاقَتِهِ قَالَ فِيهِ قَالَ اللَّهُ مَا أَنْعَمْتُ عَلَى
(16/283)
عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِهَا كَافِرِينَ يَقُولُونَ الْكَوْكَبُ وَبِالْكَوْكَبِ هَكَذَا حَدَّثَ بِهِ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَفِي لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ على أن الكفر ههنا كُفْرُ النِّعَمِ لَا كُفْرٌ بِاللَّهِ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ فِيهِ أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ رَبُّكُمُ اللَّيْلَةَ قَالَ مَا أَنْعَمْتُ عَلَى عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِهَا كَافِرِينَ يَقُولُونَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَبِنَوْءِ كَذَا فَأَمَّا مَنْ آمَنَ بِي وَحَمِدَنِي عَلَى سُقْيَايَ فَذَلِكَ الَّذِي آمَنَ بِي وَكَفَرَ بِالْكَوْكَبِ وَمَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ الَّذِي كَفَرَ بِي وَآمَنَ بِالْكَوْكَبِ وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَيْضًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَمِعَ رَجُلًا فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ يَقُولُ مُطِرْنَا بِبَعْضِ عَثَانِينِ الْأَسَدِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَبَ بَلْ هُوَ سُقْيَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ سُفْيَانُ عَثَانِينُ الْأَسَدِ الذِّرَاعُ وَالْجَبْهَةُ
(16/284)
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَإِنْ كَانَ النَّوْءُ عِنْدَنَا الْوَقْتُ وَالْوَقْتُ مَخْلُوقٌ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ وَلَا يُمْطِرُ وَلَا يَحْبِسُ شَيْئًا مِنَ الْمَطَرِ وَالَّذِي أُحِبُّ أَنْ يَقُولَ مُطِرْنَا وَقْتَ كَذَا كَمَا يَقُولُ مُطِرْنَا شَهْرَ كَذَا وَمَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنَّ النَّوْءَ أَنْزَلَ الْمَاءَ كَمَا كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُ فَهُوَ كَافِرٌ حَلَالٌ دمه إن لم يتب هذا من قوله أَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ أَرَادَ (سَحَابًا) حَيْثُ نَزَلَ مِنَ اللَّيْلِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي السَّحَابَ وَالْمَاءَ النَّازِلَ مِنْهُ سَمَاءً قَالَ الشَّاعِرُ وَهُوَ أَحَدُ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ ... إِذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابًا ... يَعْنِي إِذَا نَزَلَ الْمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ رَعَيْنَاهُ يَعْنِي الْكَلَأَ النَّابِتَ مِنَ الْمَاءِ وَلَوْ أَرَادَ السَّمَاءَ لَأَنَّثَ لِأَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ فَقَالَ رَعَيْنَاهَا وَقَوْلُهُ رَعَيْنَاهُ يَعْنِي الْكَلَأَ النَّابِتَ مِنَ الْمَاءِ فَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الضَّمِيرِ إِذِ الْكَلَامُ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهَذَا مِنْ فَصِيحِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ
(16/285)
وَأَمَّا قَوْلُهُ حَاكِيًا عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَمَعْنَاهُ عِنْدِي عَلَى وَجْهَيْنِ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَإِنَّ الْمُعْتَقِدَ أَنَّ النَّوْءَ هُوَ الْمُوجِبُ لِنُزُولِ الْمَاءِ وَهُوَ الْمُنْشِئُ لِلسَّحَابِ دُونَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَذَلِكَ كَافِرٌ كُفْرًا صَرِيحًا يَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ عَلَيْهِ وَقَتْلُهُ لِنَبْذِهِ الْإِسْلَامَ وَرَدِّهِ الْقُرْآنَ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ النَّوْءَ يُنْزِلُ اللَّهُ بِهِ الْمَاءَ وَأَنَّهُ سَبَبُ الْمَاءِ عَلَى مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ وَسَبَقَ فِي عِلْمِهِ فَهَذَا وَإِنْ كَانَ وَجْهًا مُبَاحًا فَإِنَّ فِيهِ أَيْضًا كُفْرًا بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجَهْلًا بِلَطِيفِ حِكْمَتِهِ لِأَنَّهُ يُنْزِلُ الْمَاءَ مَتَى شَاءَ مَرَّةً بِنَوْءِ كَذَا وَمَرَّةً دُونَ النَّوْءِ وَكَثِيرًا مَا يَخْوَى النَّوْءُ فَلَا يَنْزِلُ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَاءِ وَذَلِكَ مِنَ اللَّهِ لَا مِنَ النَّوْءِ وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ وَقَدْ مُطِرَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْفَتْحِ ثُمَّ يَتْلُو مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَهَذَا عِنْدِي نَحْوُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ وَمِنْ هَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ اسْتَسْقَى بِهِ يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ كَمْ بَقِيَ مِنْ نَوْءِ الثُّرَيَّا فَقَالَ الْعَبَّاسُ الْعُلَمَاءُ بِهَا يَزْعُمُونَ أَنَّهَا تَعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ سَبْعًا فَكَأَنَّ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ نَوْءَ الثُّرَيَّا وَقْتٌ يُرْجَى فِيهِ الْمَطَرُ وَيُؤَمَّلُ فَسَأَلَهُ عَنْهُ أَخَرَجَ أَمْ بَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّةٌ
(16/286)
وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ طَلَعَ سُهَيْلٌ وَبَرَدَ اللَّيْلُ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَقَالَ إِنَّ سُهَيْلًا لَمْ يَأْتِ قَطُّ بِحَرٍّ وَلَا بَرْدٍ وَكَرِهَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلْغَيْمِ وَالسَّحَابَةِ مَا أَخْلَقَهَا لِلْمَطَرِ وَهَذَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ مَعَ رِوَايَتِهِ إِذَا أَنْشَأَتْ (بَحْرِيَّةٌ) تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ احْتَاطُوا فَمَنَعُوا النَّاسَ مِنَ الْكَلَامِ بِمَا فِيهِ أَدْنَى مُتَعَلِّقٍ مِنْ زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا عَلَى مَا فَسَّرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ إِذَا أَنْشَأَتْ بَحْرِيَّةٌ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَالنَّوْءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَاحِدُ أَنْوَاءِ النُّجُومِ يُقَالُ نَاءَ النَّجْمُ يَنُوءُ أَيْ نَهَضَ يَنْهَضُ لِلطُّلُوعِ وَقَدْ يَكُونُ أَنْ يَمِيلَ لِلْمَغِيبِ وَمِمَّا قِيلَ نَاوَأْتُ فُلَانًا بِالْعَدَاوَةِ أَيْ نَاهَضْتُهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ الْحَمْلُ يَنُوءُ بِالدَّابَّةِ أَيْ يَمِيلُ بِهَا وَكُلُّ نَاهِضٍ بِثِقَلٍ وَإِبْطَاءٍ فَقَدْ نَاءَ وَالْأَنْوَاءُ عَلَى الْحَقِيقَةِ النُّجُومُ الَّتِي هِيَ مَنَازِلُ الْقَمَرِ وَهِيَ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ مَنْزِلَةً يَبْدُو لِعَيْنِ النَّاظِرِ مِنْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَنْزِلًا وَيَخْفَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَكُلَّمَا غَابَ مِنْهَا مَنْزِلٌ بِالْمَغْرِبِ طَلَعَ رَقِيبُهُ مِنَ الْمَشْرِقِ فَلَيْسَ يُعْدَمُ مِنْهَا أَبَدًا أَرْبَعَةَ عَشَرَ لِلنَّاظِرِينَ فِي السَّمَاءِ وَإِذَا لَمْ يَنْزِلْ مَعَ النَّوْءِ مَاءٌ قِيلَ خَوَى النَّجْمُ وَأَخْوَى وَخَوَى النَّوْءُ وَأَخْلَفَ وَأَمَّا الْعَرَبُ
(16/287)
فَكَانَتْ تُضِيفُ الْمَطَرَ إِلَى النَّوْءِ وَهَذَا عِنْدَهُمْ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ فِي أَخْبَارِهِمْ وَأَشْعَارِهِمْ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ نَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ وَأَدَّبَهُمْ وَعَرَّفَهُمْ مَا يَقُولُونَ عِنْدَ نُزُولِ الْمَاءِ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولُوا مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّسْلِيمِ لِمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ وَأَمَّا أَشْعَارُ الْعَرَبِ فِي إِضَافَتِهَا نُزُولَ الْمَاءِ إِلَى الْأَنْوَاءِ فقال الطرماح ... محاهن صيب نؤ الرَّبِيعِ ... مِنْ نَجْمِ الْعَزْلِ وَالرَّامِحَهْ ... فَسَمَّى مَطَرَ السَّمَاكِ رَبِيعًا وَغَيْرُهُ يَجْعَلُهُ صَيْفًا وَإِنَّمَا جَعَلَهُ الرماح رَبِيعًا لِقُرْبِهِ مِنْ آخِرِ الشِّتَاءِ وَمِنْ أَمْطَارِهِ وَإِذَا كَانَ الْمَطَرُ بِأَوَّلِ نَجْمٍ مِنْ أَنْوَاءِ الصَّيْفِ جَازَ أَنْ يَجْعَلُوهُ رَبِيعًا وَيُقَالُ لِلسِّمَاكِ الرَّامِحُ وَذُو السِّلَاحِ وَهُوَ رَقِيبُ الدَّلْوِ إِذَا سَقَطَ الدَّلْوُ طَلَعَ السِّمَاكُ وَالسِّمَاكُ وَالدَّلْوُ وَالْعَوَّاءُ مِنْ أَنْجُمِ الْخَرِيفِ قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ ... في خريف سقاه نوء من الدلو ... تَدَلَّى وَلَمْ يُوَازِ الْعِرَاقَا ... وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْخَرِيفَ رَبِيعًا لِاتِّصَالِهِ بِالشِّتَاءِ وَتُسَمِّي الرَّبِيعَ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ النَّاسِ بِالرَّبِيعِ صَيْفًا وَتُسَمِّي الصَّيْفَ قَيْظًا وَتَذْهَبُ في ذلك كله غير مَذَاهِبَ الرُّومِ فَأَوَّلُ الْأَزْمِنَةِ عِنْدَهَا
(16/288)
الْخَرِيفُ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذِكْرِ مَعَانِيهَا وَمَعَانِي الرُّومِ فِي ذَلِكَ وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَرْوِي بَيْتَ زُهَيْرٍ ... وَغَيْثٍ مَنَ الْوَسْمِيِّ حُوٍّ تِلَاعُهُ ... وِجَادَتْهُ مِنْ نَوْءِ السِّمَاكِ هَوَاطِلُهُ ... وَقَالَ آخَرُ ... وَلَا زَالَ نَوْءُ الدَّلْوِ يَسْكُبُ وَدَقَهُ ... بِكُنَّ وَمِنْ نَوْءِ السِّمَاكِ غَمَامُ ... وَقَالَ الْأَسْوَدُ بْنُ يَعْفُرِ النَّهْشَلِيُّ ... بِيضٌ مُسَامِحٌ فِي الشِّتَاءِ وَإِنْ أَخْلَفَ ... نَجْمٌ عَنْ نَوْئِهِ وَبَلُوَا ... وَقَالَ الرَّاجِزُ ... بَشِّرْ بَنِي عِجْلٍ بِنَوْءِ الْعَقْرَبِ ... إِذْ أَخَلَفَتْ أَنْوَاءُ كُلِّ كَوْكَبِ ... يَدُلُّكَ أَنَّ أَنْوَاءَ النُّجُومِ أَخْلَفَتْ كُلُّهَا فَلَمْ تُمْطِرْ فَأَتَاهُمُ الْمَطَرُ فِي آخر الربيع بنوء العقرب وهم عندهم غير محمود لأنه (ودق) دنئ وَقَالَ رُؤْبَةُ ... وَجَفَّ أَنْوَاءُ السَّحَابِ الْمُرْتَزَقُ
(16/289)
أَيْ جَفَّ الْبَقْلُ الَّذِي كَانَ بِالْأَنْوَاءِ أَقَامَ ذِكْرَ الْأَنْوَاءِ مَقَامَ ذِكْرِ الْبَقْلِ اسْتِغْنَاءً بِأَنَّ الْمُرَادَ مَعْلُومٌ وَهَذَا نَحْوَ قَوْلِ الْقَائِلِ الَّذِي قَدَّمْنَا ذِكْرَ قَوْلِهِ إِذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْمَاءَ النَّازِلَ مِنَ السَّمَاءِ وَأَشْعَارُ الْعَرَبِ بِذِكْرِ الْأَنْوَاءِ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَالْعَرَبُ تَعْرِفُ مِنْ أَمْرِ الْأَنْوَاءِ وَسَائِرِ نُجُومِ السَّمَاءِ مَا لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهَا لِكَثْرَةِ ارْتِقَابِهَا لَهَا وَنَظَرِهَا إِلَيْهَا لِحَاجَتِهَا إِلَى الْغَيْثِ وَفِرَارِهَا مِنَ الْجَدَبِ فَصَارَتْ لِذَلِكَ تَعْرِفُ النُّجُومَ الْجَوَارِيَ وَالنُّجُومَ الثَّوَابِتَ وَمَا يَسِيرُ مِنْهَا مُجْتَمِعًا وَمَا يَسِيرُ فَارِدًا وَمَا يَكُونُ مِنْهَا رَاجِعًا وَمُسْتَقِيمًا لِأَنَّ من كان في الصحاري والصحاح الْمَلْسَاءِ حَيْثُ لَا أَمَارَةَ وَلَا هَادِيَ طَلَبَ الْمَنَائِرَ فِي الرَّمْلِ وَالْأَرْضِ وَعَرَفَ الْأَنْوَاءَ وَنُجُومَ الِاهْتِدَاءِ وَسُئِلَتْ أَعْرَابِيَّةٌ فَقِيلَ لَهَا أَتَعْرِفِينَ النُّجُومَ فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ أَمَا أَعْرِفُ أَشْبَاحًا وُقُوفًا عَلَيَّ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ وَسَمِعَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَضَرِ أَعْرَابِيًّا وَهُوَ يَتَفَنَّنُ فِي وَصْفِ نُجُومِ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَنُجُومِ الْأَنْوَاءِ فَقَالَ لِمَنْ حَضَرَهُ أَمَا تَرَى هَذَا الْأَعْرَابِيَّ يَعْرِفُ مِنَ النُّجُومِ مَا لَا يُعْرَفُ فَقَالَ وَيْلَ أُمِّكَ مَنْ لَا يَعْرِفُ أَجْدَاعَ بَيْتِهِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي جَعَلَ زَوْجُهَا أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا خَطَّأَ اللَّهُ نَوْءَهَا أَيْ أَخْلَى
(16/290)
اللَّهُ نَوْءَهَا مِنَ الْمَطَرِ وَالْمَعْنَى حَرَمَهَا اللَّهُ الْخَيْرَ كَمَا حَرَمَ مَنْ لَمْ يُمْطَرْ وَقْتَ الْمَطَرِ وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ هُوَ الِاسْتِمْطَارُ بِالْأَنْوَاءِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَاكِرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ وَسَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو زُمَيْلٍ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ مُطِرَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ وَكَافِرٌ قَالَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ رَحْمَةٌ وَضَعَهَا اللَّهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ حَتَّى بَلَغَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ قَالَ أَبُو عُمَرَ الرِّزْقُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِمَعْنَى الشُّكْرِ كَأَنَّهُ قَالَ وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ لِلَّهِ عَلَى مَا رَزَقَكُمْ مِنَ الْمَالِ أَنْ تَنْسِبُوا ذَلِكَ الرِّزْقَ إِلَى الْكَوْكَبِ وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَمِنْ هَذَا والله اعلم قال رؤية وَجَفَّ أَنْوَاءُ السَّحَابِ الْمُرْتَزِقِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
(16/291)
حَدِيثِ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَتَّابِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ أَمْسَكَ اللَّهُ الْقَطْرَ عَنْ عِبَادِهِ خَمْسَ سِنِينَ ثُمَّ أَرْسَلَهُ أَصْبَحَتْ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ كَافِرِينَ يَقُولُونَ سُقِينَا بِنَوْءِ الْمِجْدَحِ فَمَعْنَاهُ كَمَعْنَى مَا مَضَى مِنَ الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا الْمِجْدَحُ فَإِنَّ الْخَلِيلَ زَعَمَ أَنَّهُ نَجْمٌ كَانْتِ الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّهَا تُمْطَرُ بِهِ قَالَ وَيُقَالُ أَرْسَلَ السَّمَاءَ مَجَادِيحُ الْغَيْثِ قَالَ وَيُقَالُ مِجْدَحٌ وَمُجْدَحٌ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثٌ لَنْ يَزَلْنَ فِي أُمَّتِيَ التَّفَاخُرُ فِي الْأَحْسَابِ وَالنِّيَاحَةُ والأنواء
(16/292)
حَدِيثٌ ثَانٍ لِصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ مُسْنَدٌ مَالِكٌ عن صالح بن كيسان عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ (زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَنَّهَا قَالَتْ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عِنْدَ جَمَاعَةِ أَهْلِ النَّقْلِ لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي صِحَّةِ إِسْنَادِهِ وَكُلُّ مَنْ رَوَاهُ قَالَ فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ لَا يَقُولُ فَرَضَ اللَّهُ وَلَا فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَا حَدَّثَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عروة بن الزبير عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فذكر الحديث
(16/293)
هكذا قال فرض رسول الله وعنه نقول فُرِضَتْ إِلَّا أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ فِيهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَلَمْ يَرْوِهِ مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَلَا عَنْ هِشَامٍ إِلَّا أَنَّ شَيْخًا يُسَمَّى يَحْيَى بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ هَانِئٍ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الصَّلَاةَ أَوَّلَ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ مَالِكٍ وَالصَّحِيحُ فِي إِسْنَادِهِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَطُرُقُهُ عَنْ عَائِشَةَ مُتَوَاتِرَةٌ وَهُوَ عَنْهَا صَحِيحٌ لَيْسَ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ إِلَّا أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَذَهَبَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ إِلَى ظَاهِرِهِ وَعُمُومِهِ وَمَا يُوجِبُهُ لَفْظُهُ فَأَوْجَبُوا الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ فَرْضًا وَقَالُوا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِي السَّفَرِ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ كُلَّ صَلَاةٍ أَرْبَعٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالصُّبْحُ فَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمَا كَذَلِكَ فُرِضَتَا وَأَنَّهُمَا لَا قَصْرَ فِيهِمَا فِي السَّفَرِ وَلَا غَيْرِهِ وَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَ عَائِشَةَ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ قَوْلٌ ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ أَلَا تَرَى أَنَّ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي قَوْلِهَا فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَكَذَلِكَ الصُّبْحُ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي قَوْلِهَا فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الصُّبْحَ لَمْ يُزَدْ فِيهَا وَلَمْ يُنْقَصْ مِنْهَا وَأَنَّهَا فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ سَوَاءٌ فَحُجَّةُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى إِيجَابِ الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ
(16/294)
فَرْضًا قَوْلُ عَائِشَةَ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَهَذَا وَاضِحٌ فِي أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ لِلْمُسَافِرِ فَرْضٌ لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ لِأَنَّ الْفَرْضَ الْوَاجِبَ لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ وَلَا الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي الْحَضَرِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ سِتًّا وَلَا الْعَصْرَ وَلَا الْعِشَاءَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ أَرْبَعًا وَلَا الصُّبْحَ أَرْبَعًا لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ زَائِدًا فِي فَرْضِهِ عَامِدًا لِمَا يُفْسِدُهُ وَهَذَا كُلُّهُ إِجْمَاعٌ لَا خِلَافَ فِيهِ لِلْحَضَرِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ قَالُوا فَكَذَلِكَ الْمُسَافِرُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا لِأَنَّ فَرْضَهُ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَانِ عَلَى مَا ذَكَرَتْ عَائِشَةُ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِنْ صَحَّ عَنْهُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَقَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى إِيجَابِ الْقَصْرِ فَرْضًا فِي السَّفَرِ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو حديث رواه عبد الرحمان بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عُمَرَ وَقَالَ ابْنُ معين وعلي بن الْمَدِينِيِّ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُمَرَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ
(16/295)
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عن زبير عن عبد الرحمان بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عُمَرَ قَالَ سُفْيَانُ قَالَ زُبَيْدٌ مَرَّةً عَنْ عُمَرَ قَالَ صَلَاةُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عن الثوري عن زبيد عن عبد الرحمان بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ فَخَطَّئُوهُ فِيهِ لِقَوْلِهِ سَمِعْتُ عُمَرَ وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ قَالَ حَدَّثَنَا زُبَيْدٌ عَنْ عَبْدِ الرحمان بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ خَطَبَنَا عُمَرُ فَقَالَ أَلَا إِنَّ صَلَاةَ يَوْمِ الْفِطْرِ وَصَلَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ وَصَلَاةَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاةَ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَهِمَ أَيْضًا فِيهِ وَرَوَاهُ يَزِيدَ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ زبيد عن عبد الرحمان بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ فَزَادَ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ أَدْخَلَهُ بين عبد الرحمان بْنِ أَبِي لَيْلَى وَابْنِ عُمَرَ وَلَيْسَ لِهَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ هَذَا الْإِسْنَادِ وَمِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مَنْ يُعَلِّلُهُ وَيُضَعِّفُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَحِّحُ إِسْنَادَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ هَذَا فِيهِ قَالَ علي بن الْمَدِينِيِّ هُوَ أَسْنَدُهَا وَأَحْسَنُهَا وَأَصَحُّهَا وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ
(16/296)
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ أَيْضًا قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً وَهَذَا أَيْضًا حَدِيثٌ انْفَرَدَ بِهِ بُكَيْرُ بْنُ الْأَخْنَسِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنْ قَالُوا وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَغَيْرُ جَائِزٍ لِمَنْ جَعَلَ الطَّوَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا أَنْ يَحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي إِبَاحَةِ الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ وَقَالُوا إِنَّمَا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا رَوَاهُ مُجَاهِدٌ عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ
(16/297)
وَقَالُوا ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ إِنَّمَا هُوَ قَصْرُ الْمَأْمُومِ خَلْفَ إِمَامِهِ يُصَلِّي مَعَهُ بعضها بشرط الخوف ولا يقوم مَعَهُ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي مَعْنًى غَيْرِ مَعْنَى الْآيَةِ قَدْ أَفَادَ حُكْمًا زَائِدًا وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنْ جَابِرًا وَابْنَ عُمَرَ قَالَا لَيْسَ الرَّكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ بِقَصْرٍ وَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ مَنْ صَلَّى فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا كَمَنْ صَلَّى فِي الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَا نَزَعَ بِهِ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ فَرْضٌ عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَقَالَ آخَرُونَ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ سُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ وَرُخْصَةٌ وَتَوْسِعَةٌ فَمَنْ شَاءَ قَصَرَ فِي السَّفَرِ وَمَنْ شَاءَ أَتَمَّ كَمَا أَنَّ الْمُسَافِرَ مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا قَالُوا فَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ لَيْسَ بِحَتْمٍ لِأَنَّ الْحَتْمَ لَا يُقَالُ فِيهِ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَفْعَلُوهُ قَالُوا كُلُّ مَا قِيلَ فِيهِ لَا جُنَاحَ فَإِنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ لَا حَتْمٌ مِثْلُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تبتغوا فضلا من ربكم ولا جناح عليكم إن طلقتم النساء ولا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ
(16/298)
وَمَا كَانَ مِثْلَ هَذَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا نَزَلَتْ فِي إِبَاحَةِ مَا كَانَ عِنْدَهُمْ مَحْظُورًا لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَتَحَرَّجُ مِنَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَتَتَحَرَّجُ مِنْ فِعْلِ مَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَالُوا وَإِنْ كَانَ شَرْطُ الْخَوْفِ مَذْكُورًا فِي الْآيَةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْمُبَيِّنُ عَنِ اللَّهِ مُرَادَهُ قَدْ بَيَّنَ بِسُنَّتِهِ أَنَّ الْمُسَافِرَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي الْخَوْفِ وَفِي غَيْرِ الْخَوْفِ لِأَنَّهُ كَانَ يَقْصُرُ وَهُوَ آمِنٌ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ فَكَانَ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ مَعَ الْأَمْنِ زِيَادَةُ بَيَانٍ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ بِهِ وَحْيٌ يُتْلَى وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الشَّرْعِ وَاحْتَجُّوا مِنَ الْأَثَرِ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُسَدَّدٌ قَالَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قال حدثني عبد الرحمان بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ عَنْ عبد الله بن باببه عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَرَأَيْتَ إِقْصَارُ النَّاسِ الصَّلَاةَ الْيَوْمَ وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَقَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَقَالَ عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ
(16/299)
مِنْهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ هَكَذَا قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ عن ابن جريج حدثني عبد الرحمان بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ وَأَبُو عَاصِمٍ وَحَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عَمَّارٍ وَقَالَ الْفَزَارِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ قَالُوا فَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ مَعَ الْأَمْنِ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَوْسِعَةٌ وَرُخْصَةٌ وَرَحْمَةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ أَمَّا قَوْلُهُ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَإِنَّمَا ذَلِكَ إِذَا خَافُوا الَّذِينَ كَفَرُوا وَسَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَيْسَتَا بِقَصْرٍ وَلَكِنَّهُمَا وَفَاءٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ أُنْبِئْتُ
(16/300)
أَنَّ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْصُرُ وَهُوَ آمِنٌ غَيْرُ خَائِفٍ قَصْرُهُ الصَّلَاةَ فِي حَجَّتِهِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ أَمِنَ وَهَذَا مَا لَا يَجْهَلُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَعَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ زَادَ عَارِمٌ وَبَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَمْيَالٍ قَالَ أَنَسٌ وَسَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ سَمِعَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ قَالَ صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَصَلَّيْنَا الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَاسْتَدَلُّوا
(16/301)
بِهَذِهِ الْآثَارِ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ بِفَرِيضَةٍ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ وَسَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ أَبِي حَنْظَلَةَ الْحَذَّاءِ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ أُصَلِّي فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَاللَّهُ يَقُولُ إِنْ خِفْتُمْ وَنَحْنُ نَجِدُ الزَّادَ وَالْمَزَادَ فَقَالَ كَذَلِكَ سَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْقَصْرَ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ لَا فَرِيضَةٌ مِنَ اللَّهِ وَلَا مِنْ رَسُولِهِ وَلَوْ فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ لَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فَرَضَهَا كَمَا قَالَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَقَدْ مَضَى فِي هَذَا الْمَعْنَى مَا فِيهِ كِفَايَةٌ فِي بَابِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُ مَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ سَأَلَ حُمَيْدٌ الضَّمْرِيُّ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ إِنِّي أُسَافِرُ أَفَأَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ أَمْ أُتِمُّهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَيْسَ بِقَصْرِهَا وَلَكِنَّهُ تَمَامُهَا وَسُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمِنًا لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ ثُمَّ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ آمِنًا لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى
(16/302)
رَجَعَ ثُمَّ خَرَجَ عُمَرُ آمِنًا لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ عُثْمَانُ ثُلُثَيْ إِمَارَتِهِ أَوْ شَطْرَهَا ثُمَّ صَلَّاهَا أَرْبَعًا ثُمَّ أَخَذَ بِهَا بَنُو أُمَيَّةَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَبَلَغَنِي إِنَّمَا أَوْفَاهَا عُثْمَانُ أَرْبَعًا بِمِنًى مِنْ أَجْلِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا نَادَاهُ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ بِمِنًى فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا زِلْتُ أُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ مُذْ رَأَيْتُكَ عَامَ أَوَّلٍ صَلَّيْتَهَا رَكْعَتَيْنِ فَخَشِيَ عُثْمَانُ أَنْ يَظُنَّ جُهَّالُ النَّاسِ أَنَّ الصَّلَاةَ رَكْعَتَانِ وَإِنَّمَا كَانَ أَوْفَاهَا بِمِنًى فَقَطْ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ اخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أَتَمَّ عُثْمَانُ الصَّلَاةَ فِي سَفَرِهِ إِلَى مَكَّةَ وَبِمَكَّةَ فَقَالَ قَوْمٌ أَخَذَ بِالْمُبَاحِ فِي ذَلِكَ إِذْ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ وَأَنْ يُتِمَّ كما كان له لَهُ أَنْ يَصُومَ وَأَنْ يُفْطِرَ وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْمَذْهَبِ احْتَجَّ بِمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنْ ظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَةِ وَبِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ وَسَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم كان يُتِمُّ فِي السَّفَرِ وَيُقْصِرُ
(16/303)
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَرْثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُلٌّ قَدْ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَامَ وَأَفْطَرَ وَأَتَمَّ وَقَصَرَ فِي السَّفَرِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ يَزِيدَ الْأَنْمَاطِيُّ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ هَرِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَعْنِي الْفَرَائِضَ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَفُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ أَرْبَعًا وَثَلَاثًا صَلَّى وَتَرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ يُصَلِّيهِمَا بِمَكَّةَ تَمَامًا لِلْمُسَافِرِ فَهَذِهِ عَائِشَةُ قَدْ اضْطَرَبَتِ الْآثَارُ عَنْهَا فِي هَذَا الْبَابِ وَإِتْمَامُهَا فِي السَّفَرِ يَقْضِي بِصِحَّةِ مَا وَافَقَ مَعْنَاهُ مِنْهَا وَرَوَى زَيْدٌ الْعَمِّيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كُنَّا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُسَافِرُ فَيُتِمُّ بَعْضُنَا وَيَقْصُرُ بَعْضُنَا وَيَصُومُ بَعْضُنَا وَيُفْطِرُ بَعْضُنَا وَلَا يَعِيبُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا أَتَمَّ فِي السَّفَرِ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ فِي تِلْكَ الْمَنَاهِلِ أَهْلٌ وَمَالٌ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي حديث رواه
(16/304)
عِكْرِمَةُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَزْدِيُّ الْمُرْطِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَرِثِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ صَلَّى بِأَهْلِ مِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَلَمَّا سَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ إِنِّي تَأَهَّلْتُ بِمَكَّةَ وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلْدَةٍ فَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا فَلِذَلِكَ صَلَّيْتُ أَرْبَعًا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ الْهِلَالِيِّ وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمْدَوَيْهِ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ عبد الله بن عبد الرحمان مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ قَالَا جَمِيعًا أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بِإِسْنَادِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَالْحَرِثُ بْنُ أَبِي ذُبَابٍ قَدْ عَمِلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى الصَّدَقَةِ وَقَالَ آخَرُونَ إِتْمَامُهُ إِنَّمَا كَانَ عَلَى نَحْوِ إِتْمَامِ عَائِشَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوُجُوهَ التي تؤولت عَلَى عَائِشَةَ فِي إِتْمَامِهَا فِي بَابِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنَى رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ ثُمَّ صَلَّاهَا أَرْبَعًا
(16/305)
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَبَلَغَنِي أَنَّ عُثْمَانَ أَيْضًا صَلَّاهَا أَرْبَعًا لِأَنَّهُ أَزْمَعَ أَنْ يُقِيمَ بَعْدَ الْحَجِّ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا وَجْهٌ صَحِيحٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ فِيمَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَقَالَ وُهَيْبٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ صَلَّوْا بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَعُثْمَانَ شَطْرَ إِمَارَتِهِ ثُمَّ أَتَمَّهَا عُثْمَانُ (أَرْبَعًا بِمِنًى) قَالَ لِأَنَّهُ اتَّخَذَ أَمْوَالًا بِالطَّائِفِ فَأَجْمَعَ الْمُقَامَ فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ أَمَّا قَوْلُهُ بِالطَّائِفِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ بَلَدٌ آخَرُ وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ إِنَّ عُثْمَانَ لَمَّا صَلَّى أَرْبَعًا بَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ مَسْعُودٍ فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَامَ أَرْبَعًا فَقِيلَ لَهُ اسْتَرْجَعْتَ ثُمَّ صَلَّيْتَ أَرْبَعًا قَالَ الْخِلَافُ شَرٌّ وَرَوَى أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عبد الرحمان بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ صَلَّى عُثْمَانُ بِمِنًى أَرْبَعًا قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَفَرَّقَتْ بِكُمُ الطُّرُقُ وَلَوَدِدْتُ أَنَّ لِي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَيْنِ مُتَقَبَّلَتَيْنِ قَالَ الْأَعْمَشُ فَحَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ صَلَّاهَا بَعْدُ أَرْبَعًا فَقِيلَ لَهُ عِبْتَ عَلَى عُثْمَانَ وَتُصَلِّي أَرْبَعًا قَالَ الْخِلَافُ شَرٌّ
(16/306)
حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا أحمد ابن زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عن ابراهيم عن عبد الرحمان بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ صَلَّى عُثْمَانُ فَذَكَرَهُ قَالَ وَحَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ أَصْحَابِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بِمِنًى فَلَمَّا صَلَّى عُثْمَانُ أَرْبَعًا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَكَانِ رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّى عُمَرُ رَكْعَتَيْنِ قَالَ الأسود فقلت يا أبا عبد الرحمان أَلَا سَلَّمْتَ فِي رَكْعَتَيْنِ وَجَعَلْتَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ تَسْبِيحًا قَالَ الْخِلَافُ شَرٌّ قَالَ أَبُو عُمَرَ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَ ابْنِ مسعود ليس بفرض وإنما أنكر لمخالفة عُثْمَانَ الْأَفْضَلَ عِنْدَهُ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَهُ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ ثُمَّ رَأَى اتِّبَاعَ إِمَامِهِ فِيمَا أُبِيحَ لَهُ أَوْلَى مِنْ إِتْيَانِ الْأَفْضَلِ فِي الْقَصْرِ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْأَئِمَّةِ لَا تَجُوزُ إِلَّا فِيمَا لَا يَحِلُّ وَأَمَّا فِيمَا أُبِيحَ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ مُخَالَفَةُ الْأَئِمَّةِ إِذَا حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الِاجْتِهَادُ وَلَعَلَّ عُثْمَانَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ اخْتِيَارَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرِهِ الْقَصْرَ كَانَ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى أُمَّتِهِ فَاخْتَارَهُ لِذَلِكَ وَقَالَتْ عَائِشَةَ مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا الْحَدِيثَ وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ مَا اخْتَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ وَسَنَّهُ وَوَاظَبَ عَلَيْهِ كَانَ أَفْضَلَ مِمَّا سِوَاهُ وَمِثْلُ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا حَدِيثُ سلمان
(16/307)
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ اسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي لَيْلَى الْكِنْدِيِّ عَنْ سَلْمَانَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ قَوْمٍ فِي السَّفَرِ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَقَالُوا لَهُ صَلِّ بِنَا فَقَالَ إِنَّا لَا نَؤُمُّكُمْ وَلَا نَنْكِحُ نِسَاءَكُمْ فَأَبَى فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَصَلَّى بِهِمْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ سَلْمَانُ مَا لَنَا وَلِلْمُرَبَّعَةِ وَإِنَّمَا كَانَ يَكْفِينَا نِصْفُ الْمُرَبَّعَةِ وَنَحْنُ إِلَى الرُّخْصَةِ أَحْوَجُ أَلَا تَرَى أَنَّ سَلْمَانَ لَمْ يُعِدِ الصَّلَاةَ بَلْ تَمَادَى مَعَ إِمَامِهِ فَصَلَّى أَرْبَعًا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحْمَدْ ذَلِكَ لَهُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَ سَلْمَانَ رُخْصَةٌ وَسُنَّةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ وَحَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَنْجَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عن موسى ابن سَلَمَةَ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قُلْتُ أَكُونُ بِمَكَّةَ فَكَيْفَ أُصَلِّي قَالَ رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَسْبُكَ بِهَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ قُلْتُ لَهُ فِيمَ جُعِلَ الْقَصْرُ فِي الْخَوْفِ وَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ قَالَ
(16/308)
السُّنَّةُ قُلْتُ وَرُخْصَةٌ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ مِثْلَهُ قَالَ وَحَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ كَانَ سَعْدُ ابن أَبِي وَقَّاصٍ وَعَائِشَةُ يُوَفِّيَانِ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ وَيَصُومَانِ قَالَ وَسَافَرَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْفَى سَعْدٌ الصَّلَاةَ وَصَامَ وَقَصَرَ الْقَوْمُ وَأَفْطَرُوا فَقَالُوا لِسَعْدٍ كَيْفَ نُفْطِرُ وَنَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَأَنْتَ تُتِمُّهَا وَتَصُومُ فَقَالَ دُونَكُمْ أَمْرَكُمْ فَإِنِّي أَعْلَمُ بِشَأْنِي قَالَ فَلَمْ يُحَرِّمْهُ سَعْدٌ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَنْهَهُمْ عَنْهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقُلْتُ لِعَطَاءٍ فَأَيُّ ذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ قَصْرُهَا قَالَ وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلَهُ الصَّالِحُونَ وَالْأَخْيَارُ قَالَ أَبُو عُمَرَ حَدِيثُ عَطَاءٍ هَذَا وَمَا حَكَاهُ عَنْ سَعْدٍ وَعَائِشَةَ أَعْرَفُ مِنْ رِوَايَةِ جُوَيْرِيَّةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزهري عن رجل عن عبد الرحمان بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أبي وقاص والمسمور بن مخرمة وعبد الرحمان بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ كَانُوا جَمِيعًا فَكَانَ سَعْدٌ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَيُفْطِرُ وَكَانَا يُتِمَّانِ الصَّلَاةَ وَيَصُومَانِ فَقِيلَ لِسَعْدٍ فِي ذَلِكَ فَقَالَ سَعْدٌ نَحْنُ أَعْلَمُ الْمَشْهُورُ عَنْ سَعْدٍ مَا ذَكَرَهُ عَطَاءٌ وعلى أن حَالٍ كَانَ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ الْقَصْرِ وَالتَّمَامِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ عَنْ سَعْدٍ كَأَنَّهُ كَانَ يُتِمُّ مَرَّةً وَيَقْصُرُ أُخْرَى وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(16/309)
وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ بكر بْنِ الْأَشَجِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ له عجيب مِنْ عَائِشَةَ كَانَتْ تُصَلِّي أَرْبَعًا فِي السَّفَرِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ الْقَاسِمُ عَلَيْكَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يُعَابُ وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ قَالَ وَأَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ قَالَ أَبُو عُمَرَ رَدَّ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ مَعَ الْأَمْنِ سُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ غَيْرُ فَرِيضَةٍ حَدِيثَ عَائِشَةَ حَيْثُ قَالَتْ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ فَرَدُّوهُ بِأَنْ قَالُوا قَدْ صَحَّ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ وَهَذَا مِنْ فِعْلِهَا يَرُدُّ قَوْلَهَا ذَلِكَ وَإِنْ صَحَّ قَوْلُهَا ذَلِكَ عَنْهَا وَلَمْ يَدْخُلْهُ الْوَهْمُ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ فَهُوَ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ وَفِيهِ مَعْنًى مُضْمَرٌ بَاطِنٌ وَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَأَنَّهَا قَالَتْ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ لِمَنْ شَاءَ أَوْ نَحْوَ هَذَا قَالُوا وَلَا يَجُوزُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَّ تُقِرَّ بِأَنَّ الْقَصْرَ فُرِضَ فِي السَّفَرِ وَتُخَالِفَ الْفَرْضَ هَذَا مَا لَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَنْسُبَهُ إِلَيْهَا قَالُوا وَغَيْرُ جَائِزٍ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَ عَلَيْهَا أَنَّ إِتْمَامَهَا كَانَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا كَانَتْ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ
(16/310)
فَكَانَتْ حَيْثُمَا نَزَلَتْ عَلَى بَنِيهَا فَلَمْ تَقْصُرْ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهَا كَأَنَّهَا كَانَتْ فِي بَيْتِهَا وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَقِدَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهِ صَارَتْ عَائِشَةُ وَسَائِرُ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم للمؤمنين أبا رؤوفا رَحِيمًا وَكَانَ يَقْصُرُ فِي أَسْفَارِهِ كُلِّهَا فِي غَزَوَاتِهِ وَعُمْرَتِهِ وَحَجَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ فَمِمَّا يَرُدُّ حَدِيثَ عَائِشَةَ إِتْمَامُهَا فِي أَسْفَارِهَا وَمِمَّا يَرُدُّهُ أَيْضًا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ فُرِضَتْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَمَا رُوِيَ عَنْهَا مِمَّا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ وَقَصَرَ وَصَامَ وَأَفْطَرَ وَمِمَّا يُعَارِضُهُ أَيْضًا حَدِيثُ الْقُشَيْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَضَعَ اللَّهُ عَنِ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ وَالْوَضْعُ لَا يَكُونُ فِي الْأَغْلَبِ إِلَّا مِمَّا قَدْ ثَبَتَ فَوُضِعَ مِنْهُ وَفِي إِجْمَاعِ الْجُمْهُورِ مِنَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْمُقِيمِينَ فَأَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ
(16/311)
أَرْبَعًا فَلَوْ كَانَ فَرْضُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَنْتَقِلْ فَرْضُهُ إِلَى أَرْبَعٍ كَمَا أَنَّ الْمُقِيمَ إِذَا دَخَلَ خَلْفَ الْمُسَافِرِ لَمْ يَنْتَقِلْ فَرْضُهُ إلى اثنين وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ تَدَبَّرَ وَأَنْصَفَ قَالُوا وَكَيْفَ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا إِنْ شَاءَ دَخَلَ خَلْفَ الْإِمَامِ الْمُقِيمِ فَصَلَّى أَرْبَعًا وَإِنْ شَاءَ صَلَّى وَحْدَهُ رَكْعَتَيْنِ وَلَا يَكُونُ مُخَيَّرًا فِي حَالِ انْفِرَادِهِ إِنْ شَاءَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا قَالُوا وَلَوْ كَانَ فَرْضُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ مَا جَازَ لَهُ تَغْيِيرُ فَرْضِهِ بِالدُّخُولِ مَعَ الْمُقِيمِ فِي صَلَاتِهِ وَلَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ صَلَّى الصُّبْحَ خَلَفَ إِمَامٍ يُصَلِّى الظُّهْرَ إِلَى آخِرِهَا وَهَذَا بَيِّنٌ وَاضِحٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا ابن حِبَّانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي قُشَيْرٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَأْكُلُ أَوْ قال يطعم فقال إذن فَكُلْ فَقُلْتُ إِنِّي صَائِمٌ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامَ وَعَنِ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الشِّخِّيرِ وَعَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ الشِّخِّيرِ فَرَوَاهُ أَبُو عوانة عن أبي بشر عن هانىء بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ
(16/312)
أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَيْهِ فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ الْقُشَيْرِيِّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ فَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ جعفر بن عمرو ابن أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَكَذَا حَدَّثَ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَرَوَاهُ أَبُو الْمُغِيرَةِ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَاجِرِ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ يَعْنِي عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ قَالَ قَدِمْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ فَقَالَ انْتَظِرِ الْغَدَاءَ يَا أَبَا أُمَيَّةَ فَقُلْتُ إِنِّي صَائِمٌ قَالَ ادْنُ مِنِّي حَتَّى أُخْبِرَكَ عَنِ الْمُسَافِرِ إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْهُ الصِّيَامَ وَنِصْفَ الصَّلَاةِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا
(16/313)
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ مَرَّ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فِي مَجْلِسِنَا فَقَالَ غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُصَلِّ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَحَجَجْتُ مَعَهُ فَلَمْ يُصَلِّ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَشَهِدْتُ مَعَهُ الفتح فأقام بمكة ثمان عَشْرَةَ لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ لِأَهْلِ الْبَلَدِ صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ وَاعْتَمَرْتُ مَعَهُ ثَلَاثَ عُمَرٍ لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَةَ لَا تَنْقُلُ فَرْضًا عَنْ حَالِهِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ خَلْفَهُ مَنْ أَهَّلِ الْحَضَرِ صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ وَكَذَلِكَ قَالَ عُمَرُ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَيْضًا حِينَ صَلَّى بِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ لَهُمْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ فَلَمَّا لَمْ يَكُنِ اتِّبَاعُ الْإِمَامِ يَحْمِلُ الْمُقِيمَ إذا صلى خلف المسافر على أن يجتزىء بِرَكْعَتَيْنِ وَيَقْتَصِرَ عَلَى السَّلَامِ مَعَهُ لِأَنَّ كُلًّا عَلَى فَرْضِهِ وَكَانَ الْمُسَافِرُ إِذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْمُقِيمِ انْتَقَلَ حُكْمُهُ إِلَى حُكْمِ الْمُقِيمِ وَلَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا عَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّ قَصْرَ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَاجِبٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَأَضَافَ الْمُسَافِرُ إِلَى رَكْعَتِهِ الَّتِي أَدْرَكَهَا مِنْ صَلَاةِ الْمُقِيمِ رَكْعَةً أُخْرَى وَاسْتَجْزَىَ بِذَلِكَ فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْقَصْرَ لِلْمُسَافِرِ سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ ألا ترى
(16/314)
أَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ جَائِزٌ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ الْمُقِيمِ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَمَنِ اسْتَحْسَنَهُ كُلُّهُمْ يُجِيزُهُ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْمُقِيمِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ بَلْ قَدْ قَالَ أَكْثَرُهُمْ إِنَّهُ إِذَا أَحْرَمَ الْمُسَافِرُ خَلْفَ الْمُقِيمِ قَبْلَ سَلَامِهِ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ صَلَاةُ الْمُقِيمِ وَعَلَيْهِ الْإِتْمَامُ فَلَوْ كَانَ الْقَصْرُ فَرْضًا وَاجِبًا مَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ مَعَ الْمُقِيمِ فِي صَلَاتِهِ وَالْأَمْرُ فِي هَذَا وَاضِحٌ بَيِّنٌ لِمَنْ لَمْ يُعَانِدْ وَأُلْهِمَ رُشْدَهُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَعُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْرُورٍ قَالَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مِسْكِينٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَنْجَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنِ قَالَ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا تَمَامٌ قَالَا وَالْوَتَرُ فِي السَّفَرِ مِنَ السُّنَّةِ فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ قَالَا إِنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ سُنَّةٌ كَمَا قَالَا إِنَّ الْوَتَرَ فِي السَّفَرِ مِنَ السُّنَّةِ وَقَدْ مَضَى فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا وَابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلُ ذَلِكَ وَقَدْ أَشْبَعْنَا هَذَا الْمَعْنَى عِنْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ فِي كِتَابِنَا هَذَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
(16/315)
وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ فَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ مَرَّةً فِي مُسَافِرٍ أَمَّ مُقِيمِينَ فَأَتَمَّ بِهِمُ الصَّلَاةَ جَاهِلًا وَمِنْهُمُ الْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ قَالَ أَرَى أَنْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ جَمِيعًا وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ يُعِيدُ مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ وَمَا مَضَى وَقْتُهُ فلا إعادة عليه وقال ابن المواز فيمن صلى أربعا ناسيا لسفر أَوْ نَاسِيًا لِإِقْصَارِهِ أَوْ ذَاكِرًا فَلْيُعِدْ فِي الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ قَالَ سَحْنُونٌ فِيمَنْ صَلَّى فِي السَّفَرِ نَاسِيًا أَوْ ذَاكِرًا وَزَادَ أَوْ جَاهِلًا أَرْبَعًا إِنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَوِ افْتَتَحَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فَأَتَمَّهُمَا أَرْبَعًا تَعَمُّدًا أَعَادَ أَبَدًا وَإِنْ كَانَ سَهْوًا سَجَدَ لسهوه وأجزأه وقال سحنون بل يعيد أبدال لِكَثْرَةِ السَّهْوِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَيْسَ كَسَهْوٍ مُجْتَمَعٍ عَلَيْهِ وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ وَمَنْ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ أَعَادَهَا مَقْصُورَةً مَا دَامَ فِي وَقْتِهَا إِلَى أَنْ يَنْوِيَ مَقَامًا فَيُعِيدُهَا كَامِلَةً مَا دَامَ فِي وَقْتِهَا قَالَ وَلَوْ صَلَّى مُسَافِرٌ بِمُسَافِرِينَ فَسَهَا فَقَامَ لِيُتِمَّ فَلْيَجْلِسْ مَنْ وَرَاءَهُ حَتَّى يُسَلِّمُوا بِسَلَامِهِ وَعَلَيْهِ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ أَحْسَبُهُ أَنَّهُ أَلْزَمَ هَذَا الْإِعَادَةَ لِأَنَّهُ سُبِّحَ بِهِ فَتَمَادَى فِي صَلَاتِهِ عَامِدًا عَالِمًا بِذَلِكَ وَأَمَّا إِنْ كَانَ سَاهِيًا فَلَا وَجْهَ لِأَمْرِهِ بِالْإِعَادَةِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مقيم
(16/316)
صَلَّى الظَّهْرَ خَمْسًا سَاهِيًا فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِعَادَةٌ وَذَكَرَ ابْنُ خُوَازِ مِنْدَادَ أَنَّ مَالِكًا يقول إن القصر في السفر مسلون غير وجاب وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيُّ قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي قول مالك إن من أثم الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ إِلَّا فِي الْوَقْتِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَقَدْ حَكَى أَبُو الْفَرَجِ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَبِي الْمُصْعَبِ عَنْ مَالِكٍ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ سُنَّةٌ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ فَلَا مَعْنًى لِلِاشْتِغَالِ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ مَعَ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْمُصْعَبِ أَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَهُ سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ قَالَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَرَى الْإِعَادَةَ عَلَى مَنْ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ إِلَّا فِي الْوَقْتِ قَالَ أَبُو عُمَرَ فَهَذَا أَصَحُّ مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَذَلِكَ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ فِيهَا مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَالْأَثَرِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَأُمَّا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ فَكَانَا يَقُولَانِ إِنْ شَاءَ الْمُسَافِرُ قَصَرَ وَإِنْ شَاءَ أَتَمَّ وَذَكَرَ أَبُو سَعْدٍ الْقَزْوِينِيُّ الْمَالِكِيُّ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ التَّخْيِيرُ لِلْمُسَافِرِ فِي الْإِتْمَامِ وَالْقَصْرِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ إِلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْقَصْرُ وَلِذَلِكَ يَرَى عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ إِنْ أَتَمَّ
(16/317)
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا صَلَّى الْمُسَافِرُ أَرْبَعًا فَإِنْ كَانَ قَعَدَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ قدر التشهد صلاته تامة وإن لم يكن فقعد في الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا عَلَى أُصُولِهِمْ فِي أَنَّ التَّشَهُّدَ وَالسَّلَامَ لَيْسَا بِوَاجِبَيْنِ وَالْجُلُوسُ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ عِنْدَهُمْ وَاجِبٌ وَبِهِ يَخْرُجُ عِنْدَهُمْ مِنَ الصَّلَاةِ وَلِلرَّدِّ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ مَنْ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ أَعَادَ وَالْإِعَادَةُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ أُصُولِهِمْ أَبَدًا وَجَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ قَالَ الرَّكْعَتَانِ لِلْمُسَافِرِ حَتْمٌ لَا يَصْلُحُ غَيْرُهُمَا وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَقَالَ مَرَّةً أَنَا أُحِبُّ الْعَافِيَةَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا السُّنَّةُ رَكْعَتَانِ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ فِي بَابِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَةِ ذَلِكَ ههنا
(16/318)
باب الضاد
مَالِكٌ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ وَهُوَ ضَمْرَةُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَازِنِيُّ النَّجَّارِيُّ مِنْ بَنِي مازن ابن النَّجَّارِ مِنَ الْأَنْصَارِ مَدَنِيٌّ ثِقَةٌ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَأَبُو أُوَيْسٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بلال وغيرهم لمالك عنه حديثان مسندان
(16/319)
باب الضاد
مَالِكٌ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ وَهُوَ ضَمْرَةُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَازِنِيُّ النَّجَّارِيُّ مِنْ بَنِي مازن ابن النَّجَّارِ مِنَ الْأَنْصَارِ مَدَنِيٌّ ثِقَةٌ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَأَبُو أُوَيْسٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَغَيْرُهُمْ لِمَالِكٍ عَنْهُ حَدِيثَانِ مُسْنَدَانِ
(16/320)
حَدِيثٌ أَوَّلٌ لِمَالِكٍ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ مَالِكٌ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ سَأَلَ النعمان ابن بَشِيرٍ مَاذَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى إِثْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ كَانَ يَقْرَأُ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ هَذَا حَدِيثٌ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ وقال فيه ابن عيينة عن ضمرة ابن سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قيس كتب الى النعمان ابن بَشِيرٍ أَخْبِرْنِي بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ هَكَذَا قَالَ كَتَبَ الضَّحَّاكُ فَكَتَبَ إِلَيْهِ النُّعْمَانُ حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حدثنا ابن
(16/321)
عُيَيْنَةَ فَذَكَرَهُ وَلَيْسَ مُخَالِفًا لِحَدِيثِ مَالِكٍ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ أَنَّ الضَّحَّاكَ سَأَلَ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَهُ بِالْكِتَابِ إِلَيْهِ وَرِوَايَةُ أَبِي أُوَيْسٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ كَرِوَايَةِ مَالِكٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ النَّجَّارِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مسعود الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ الْفِهْرِيِّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَأَلْنَاهُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَعَ السُّورَةِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا الْجُمُعَةُ قَالَ كَانَ يَقْرَأُ فِيهَا هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَقُلْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِإِثْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ وَقَالَ مَعَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَالْمُرَادُ بِهِ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الْجُمُعَةِ وَفِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سُورَةُ الْجُمُعَةِ وَذَلِكَ كُلُّهُ مَعَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي ابْتِدَاءِ كُلِّ رَكْعَةٍ عَلَى مَا سَتَرَاهُ مُمَهَّدًا وَاضِحًا فِي بَابِ الْعَلَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يُقْرَأُ بِهِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ مَالِكٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَقْرَأَ الْإِمَامُ فِي الْجُمُعَةِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ مَعَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ
(16/322)
وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى أَمَّا الَّذِي جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ فَـ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ مَعَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ النَّاسَ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قَالَ أَبُو عُمَرَ تَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ كِلْتَا السُّورَتَيْنِ قِرَاءَتُهُمَا حَسَنَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ مَعَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وأما الأولى فسورة الْجُمُعَةِ وَلَا سُورَةَ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وسبح اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فِي الثَّانِيَةِ فَإِنْ فَعَلَ وَقَرَأَ بِغَيْرِهِمَا فَقَدْ أَسَاءَ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ وَلَا تَفْسُدُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ إِذَا قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مَعَهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ وَيَسْتَحِبُّ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ أَلَا يَتْرُكَ سُورَةَ الْجُمُعَةِ عَلَى حَالٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ مَا قَرَأَ بِهِ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَحَسَنٌ وَسُورَةُ الْجُمُعَةِ وَغَيْرُهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَيَكْرَهُونَ أَنْ يُؤَقَّتَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ بِعَيْنِهِ
(16/323)
وقال الثوري لا يعتمد أَنْ يَقْرَأَ فِي الْجُمُعَةِ بِالسُّوَرِ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْأَحَادِيثِ وَلَكِنَّهُ يَتَعَمَّدُهَا أَحْيَانًا وَيَدَعُهَا أَحْيَانًا قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَفِي الْعِيدِ أَيْضًا بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ عَنْ مِخْوَلِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ وَاخْتُلِفَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فِي حَدِيثِهِ فِي هذا القباب فَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ ضَمْرَةَ مَا ذَكَرْنَا وَرَوَى حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وهل أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ
(16/324)
وَهَكَذَا رَوَى سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ وَشُعْبَةُ عَنْ ابراهيم ابن مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغاشية وسبح اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَإِذَا اجْتَمَعَ عِيدَانِ فِي يَوْمٍ قَرَأَهُمَا فِيهِمَا وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ زَيْدٍ وهو ابن عقبة عن سمر بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ بِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى وهل أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ خَالِدٍ قال
(16/325)
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي مِخْوَلٌ قَالَ سَمِعْتُ مُسْلِمًا الْبَطِينَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي صلاة الصبح ألم تنزيل وهل أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ وَفِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سليمان ابن بِلَالٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ صَلَّى بِنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْجُمُعَةَ فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَفِي الركعة الأخرى إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالَ فَأَدْرَكْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ حِينَ انْصَرَفَ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّكَ قَرَأْتَ بِسُورَتَيْنِ كَانَ عَلِيٌّ يَقْرَأُ بِهِمَا فِي الْكُوفَةِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهِمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ لِلنُّعْمَانِ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ وَالِاسْتِخْبَارِ عَمَّا جَهِلَ مِنْ ذَلِكَ وَالنُّعْمَانُ أَصْغَرُ سِنًّا مِنَ الضَّحَّاكِ وَلَمْ يَزَلِ الصَّحَابَةُ يَأْخُذُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ
(16/326)
حَدِيثٌ ثَانٍ لِضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ مَالِكٌ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقَدٍ اللِّيثِيَّ مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطَرِ قال كان يقرأ ب قاف والقرآن المجيد واقتربت السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ يَحْتَمِلُ سُؤَالُ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ جَلَالَتِهِ لِأَبِي وَاقِدٍ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الْعِيدَيْنِ لِيَعْلَمَ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمٌ وَإِلَّا أَنْبَأَهُ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْعِيدَيْنِ تَكُونُ سِرًّا وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُسْمِعَ الْإِمَامُ قِرَاءَتَهُ مَنْ يَلِيهِ وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يكون عمر نسي ذلك أو أراد عام بعينه والله
(16/327)
أَعْلَمُ بِمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ وَمَوْضِعُ عُمَرُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْرُوفٌ وَأَنَّهُ كَانَ مِنْ أُولِي الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى الَّذِينَ كَانُوا يَلُونَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ حَدَّثَنِي ضَمْرَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ خَرَجَ عُمَرُ يَوْمَ عِيدٍ فَسَأَلَ أَبَا وَاقَدٍ اللِّيثِيَّ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي هَذَا الْيَوْمِ فقال ب قاف وَاقْتَرَبَتْ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ لَمْ يَلْقَ عُمَرَ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ مُتَّصِلٌ مُسْنَدٌ وَلِقَاءُ عُبَيْدِ اللَّهِ لِأَبِي وَاقِدٍ اللِّيثِيِّ غَيْرَ مَدْفُوعٍ وَقَدْ سَمِعَ عُبَيْدُ اللَّهِ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو دَاوُدَ فِي بَابِ مَا يُقْرَأُ بِهِ فِي الْعِيدَيْنِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ وَاخْتَلَفَتِ الْآثَارُ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا فِيهِ فَقَالَ مَالِكٌ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ ب والشمس وضحاها وسبح اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَنَحْوَهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ أبي واقد الليثي هذا في قاف واقتربت الساعة
(16/328)
وقال أبو حنيفة يقرأ فيهما سبح اسم ربك الأعلى وهل أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وَمَا قَرَأَ مِنْ شَيْءٍ أَجْزَأَهُ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ ب سبح اسم ربك الأعلى وهل أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ وَكَانَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ يَقْرَأُ فيهما ب سبح اسم ربك الأعلى وإقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ وَلَيْسَ فِي هَذَا الباب وحديث سمرة ابن جُنْدُبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ بِ سَبِّحِ اسْمَ ربك الأعلى وهل أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وَحَدِيثُ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا جَمِيعًا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عمرة بْنِ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقرأ فِي الْعِيدِ بِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى
(16/329)
وَفِي الثَّانِيَةِ بِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وَهَذَا أَوْلَى مَا قِيلَ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ وَفِي اخْتِلَافِ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَا تَوْقِيتَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا قَرَأَ بِهِ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ أَجْزَأَهُ إِذَا قَرَأَ فاتحة الكتاب
(16/330)
باب العين
(مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ)
وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بن عمر بن الخطاب يكنى عبد الرحمان وَكَانَ ثِقَةً رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَشُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُمْ سَكَنَ الْمَدِينَةَ وَتُوفِّيَ بِهَا سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ هَكَذَا ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أُسَامَةَ بْنُ عبد الرحمان بْنِ أَبِي السَّمْحِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ نِزَارٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ لِمَالِكٍ عَنْهُ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ حَدِيثِ (رَسُولِ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ حَدِيثَانِ وَعَنْ أبي صالح حديثان
(16/331)
باب العين
(مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ)
وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بن عمر بن الخطاب يكنى عبد الرحمان وَكَانَ ثِقَةً رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَشُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُمْ سَكَنَ الْمَدِينَةَ وَتُوفِّيَ بِهَا سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ هَكَذَا ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أُسَامَةَ بْنُ عبد الرحمان بْنِ أَبِي السَّمْحِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ نِزَارٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ لِمَالِكٍ عَنْهُ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ حَدِيثِ (رَسُولِ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ حَدِيثَانِ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ حَدِيثَانِ
(16/332)
حَدِيثٌ أَوَّلٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَالِكٍ جَمَاعَةُ الرُّوَاةِ فِيمَا عَلِمْتُ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ إِلَّا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سُلَيْمَانَ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ الْوَلَاءُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ ابن أَبِي سَلَمَةَ وَجَمَاعَةٌ يَطُولُ ذِكْرُهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرُوا عُمَرَ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ الماجشون عن
(16/333)
مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَذَلِكَ خَطَأٌ لَمْ يُتَابَعِ ابْنُ الْمَاجِشُونَ عَلَيْهِ وَالصَّوَابُ فِيهِ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ لَا عَنْ نَافِعٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّاءَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ وَاخْتِلَافُهُمْ فِي بَيْعِ وَلَاءِ الْمُكَاتِبِ وَهِبْتِهِ أَوِ اشْتِرَاطِ الْمُكَاتِبِ لِوَلَاءِ نَفْسِهِ بَابٌ آخَرَ رَوَى قَتَادَةُ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِبَيْعِ الْوَلَاءِ إِذَا كَانَ مِنَ الْمُكَاتَبَةِ وَيَكْرَهُهُ إِذَا كَانَ مِنْ عِتْقٍ وَسُفْيَانُ وَحَمَّادٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ وَهَبَتْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَاءَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَكَانَ مُكَاتِبًا وَمَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ لَا يُبَاعُ الْوَلَاءُ إِلَّا رَجُلٌ كُوتِبَ فَإِنِ اشْتَرَطَ فِي كِتَابَتِهِ أَنْ أُوَالِيَ مَنْ شِئْتُ فَهُوَ جَائِزٌ وَمَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مر
(16/334)
بِرَجُلٍ يُكَاتِبُ عَبْدًا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ اشْتَرِطْ وَلَاءَهُ قَالَ وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَلَاءَ مُكَاتِبِهِ وَالَى الْمُكَاتِبُ مَنْ شَاءَ حِينَ يُعْتَقُ وَقَالَ مَكْحُولٌ لَا يُبَاعُ الْوَلَاءُ إِلَّا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا اشْتَرَطَ وَلَاءَهُ مَعَ رَقَبَتِهِ جَازَ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِثْلُهُ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ كَانَ عَطَاءُ يُجِيزُ هِبَةَ الْوَلَاءِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَقَالَ لَا يُبَاعُ الْوَلَاءُ وَلَا يُوهَبُ إِلَّا أَنَّ مَنْ أَذِنَ لِمَوْلَاهُ أَنْ يَتَوَلَّى مَنْ شَاءَ جَازَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ قُلْتُ لِعَطَاءٍ رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ سَيِّدُهُ أَنَّ وَلَاءَكَ لِي لِمَنْ وَلَاؤُهُ قَالَ لِسَيِّدِهِ وَقَالَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمْ وَلَاءُ الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ لِنَفْسِهِ وَلَا أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَهُ إِذَا أَدَّى الْكِتَابَةَ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى وَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا انْفَرَدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ وَاحْتَاجَ النَّاسُ فِيهِ إِلَيْهِ وَهُوَ حَدِيثٌ عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْخَالِفِينَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ إِجَازَةُ ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِجَازَةُ هِبَةِ الْوَلَاءِ وَلَمْ يُجِزْ بَيْعَهُ وَأَنَّ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ وَهَبَ وَلَاءَ مَوْلًى له لابنه محمد دون عبد الرحمان وَأَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَضَى بِجَوَازِ هِبَةِ الْوَلَاءِ
(16/335)
وَذَكَرَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ اشْتَرَى وَلَاءَ طَهْمَانَ وَبَنِيهِ لِبَنِي مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَذَكَرَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَرْثِ وَهَبَتْ وَلَاءَ مَوَالِيهَا لِلْعَبَّاسِ فَوَلَاؤُهُمْ لَهُمُ الْيَوْمَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّهَا وَهَبَتْ وَلَاءَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَاهَا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَيْسٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ أن علقمة والأسود وأبا فضيلة وَابْنَ مَعْقِلٍ رَخَّصُوا لِسَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ أَنْ يَبِيعَ وَلَاءَ مَوْلًى لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى عِبَادَتِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَهْلِ العلم غير مَأْخُوذٌ بِهِ وَالَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَقَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ مَا يَرُدُّ قِصَّةَ مَيْمُونَةَ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَعَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ قَالَ أَيَبِيعُ
(16/336)
أَحَدُكُمْ نَسَبَهُ وَهَذَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَرُدُّ مَا رُوِيَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْوَلَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ النَّسَبِ مَنْ أَحْرَزَ الْوَلَاءَ أَحْرَزَ الْمِيرَاثَ وَعَنْ مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ عَلِيٍّ قَالَ لَا يُبَاعُ الْوَلَاءُ وَلَا يُوهَبُ وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سمع جابر ابن عَبْدِ اللَّهِ يَكْرَهُ بَيْعَ الْوَلَاءِ وَهِبَتَهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَسَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُنْكِرُ بَيْعَ الْوَلَاءِ وَعَنِ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ بَيْعَ الْوَلَاءِ وَيَكْرَهُهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً وَأَنْ يُوَالِيَ أَحَدٌ غَيْرَ مَوَالِيهِ وَأَنْ يَهَبَهُ وَعَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ دَاوُدَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَالنَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِ الْوَلَاءِ فِي بَابِ رَبِيعَةَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَةِ شيء من ذلك ههنا
(16/337)
وَفِي نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ مَا يَشْهَدُ لِصِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَنَّ مَنْ خَالَفَهُ مَحْجُوجٌ لِأَنَّ الْحُجَّةَ بِهِ قائمة ما دام لَمْ يُرْوَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا يُخَالِفُهُ فَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ بِهِ وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُنْكِرُ أَنْ يَتَوَلَّى أَحَدٌ غَيْرَ مَوْلَاهُ وَأَنْ يَهَبَ وَلَاءَهُ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ لِسَيِّدٍ أَنْ يَأْذَنَ لِمَوْلَاهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ لِأَنَّهَا هِبَةُ الْوَلَاءِ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ وَقَدْ رَخَّصَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَتَوَلَّى الْمُعْتَقُ مَنْ شَاءَ إِذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فَمِنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ بِحَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَتَوَلَّى مَوْلَى رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَمِمَّنْ قَالَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَلَاءِ وَلَا هِبَتُهُ مِنْ كِتَابَةٍ وَلَا غَيْرِهَا جَابِرٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَطَاوُسٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَسُوِيدُ ابن غَفْلَةَ وَالشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَعَلِيٌّ
(16/338)
حَدِيثٌ ثَانٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ مَا بيع من الطعام حزافا وَبَيْنَ مَا بِيعَ مِنْهُ كَيْلًا أَنْ لَا يُبَاعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ حَتَّى يَقْبِضَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخُصَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ طَعَامًا مِنْ طَعَامٍ وَلَا حَالًا مِنْ حَالٍ وَلَا نَوْعًا مِنْ نَوْعٍ وَفِي ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَا الطَّعَامَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ الطَّعَامَ بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذَانِ مَوْضِعَانِ تَنَازَعَ
(16/339)
فِيهِمَا الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا لَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالِاعْتِلَالِ فِي بَابِ نَافِعٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ ذَلِكَ ههنا وَأَمَّا الطَّعَامُ الَّذِي لَا يُبَاعُ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فَقَالَ مَالِكٌ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا مِنَ الْبَائِعِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ عينه أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مالك لا تبيع الْمِلْحَ وَالْكَسْبَرَ وَالشُّونِيزَ وَالتَّوَابِلَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهَا قَالَ وَأَمَّا زَرِيعَةُ الْجَزَرِ وَزَرِيعَةُ السَّلْقِ وَالْكُرَّاثِ وَالْجِرْجِيرِ وَالْبَصَلِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَهُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِطَعَامٍ وَيَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَلَيْسَ كَزَرِيعَةِ الْفُجْلِ الَّذِي مِنْهُ الزَّيْتُ هَذَا طَعَامٌ لِأَنَّ الزَّيْتَ فِيهِ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ الطَّعَامُ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ إِذَا اشْتُرِيَ كَيْلًا فَإِنِ اشْتُرِيَ جُزَافًا جَازَ وَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَنَحْوِ الثِّيَابِ وَسَائِرِ الْعُرُوضِ الْعَقَارُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا مِمَّنِ اشْتَرَى مِنْهُ وَمَنْ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ إِذَا أَسْلَفَ فِيهَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مِنَ الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ وَمِنْ غَيْرِهِ إِلَّا أَنَّهُ إِذَا بَاعَهَا مِمَّنْ
(16/340)
هِيَ عَلَيْهِ فِي السَّلَمِ لَمْ يَبِعْهَا إِلَّا بِمِثْلِ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِأَقَلَّ لَا يُزَادُ عَلَى رَأْسِ مَالِهِ وَلَا يُؤَخِّرُهُ وَإِنْ بَاعَهُ مِنْهُ بِعَرَضٍ جَازَ قَبْلَ الْأَجَلِ وَبَعْدَهُ إِذَا قَبَضَ الْعَرَضَ وَلَمْ يُؤَخِّرْهُ وَكَانَ الْعَرَضُ مُخَالِفًا لَهُمَا بَيِّنًا خِلَافُهُ هَذَا كُلُّهُ أَصْلُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَجُمْلَتُهُ وَأَمَّا فُرُوعُ هَذَا الْبَابِ وَنَوَازِلُهُ فَكَثِيرَةٌ جِدًّا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ كُتُبٌ مَعْرُوفَةٌ قَدْ أَكْثَرُوا فِيهَا مِنَ التَّنْزِيلِ وَالتَّفْرِيعِ عَلَى المذهب فمن أراد ذلك تأملها هناك وَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الطَّعَامَ كُلَّهُ الْمَأْكُولَ وَالْمَشْرُوبَ غَيْرَ الْمَاءِ وَحْدَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ إِذَا بيع على الكيل أوالوزن لَا مِنَ الْبَائِعِ لَهُ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ لَا مِنْ سَلَمٍ وَلَا مِنْ بَيْعِ مُعَايَنَةٍ لَا بِأَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ وَلَا بِأَقَلَّ وَجَائِزٌ عندهم إلا إقالة فِي الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى بِمِثْلِ رَأْسِ الْمَالِ سَوَاءً وَكَذَلِكَ الشَّرِكَةُ عِنْدَهُمْ وَالتَّوْلِيَةُ فِيهِ وَقَدْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَالَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنَ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى وَلَا تَجُوزُ فِيهِ الْإِقَالَةُ وَلَا الشَّرِكَةُ وَلَا التَّوْلِيَةُ عِنْدَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَالْإِقَالَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ عِنْدَهُمْ بَيْعٌ وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُهُمُ الْإِقَالَةَ فَسْخُ بَيْعٍ وَلَمْ يَجْعَلْهَا بَيْعًا وَأَبَى ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَخْتَلِفْ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ غَيْرَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي أَنَّ
(16/341)
الشَّرِكَةَ وَالتَّوْلِيَةَ فِي الطَّعَامِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى وَقَدْ مَضَى مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ التَّنَازُعِ فِي الْمَعَانِي فِي بَابِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي الْإِقَالَةِ جُمْلَةً هَلْ هِيَ فَسْخُ بَيْعٍ أَوْ بَيْعٌ فَقَالَ مَالِكٌ الْإِقَالَةُ بَيْعٌ مِنَ الْبُيُوعِ يُحِلُّهَا مَا يُحِلُّ الْبُيُوعَ وَيُحَرِّمُهَا مَا يُحَرِّمُ الْبُيُوعَ وهذا عنده إذا كان في الإقامة زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ أَوْ نَظِرَةٌ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَهِيَ بَيْعٌ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى إِذَا كَانَ قَدْ بِيعَ عَلَى الْكَيْلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْإِقَالَةِ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ فَهِيَ عِنْدَهُ جَائِزَةٌ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى وَفِي غَيْرِ الطَّعَامِ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ وَكَذَلِكَ التَّوْلِيَةُ وَالشَّرِكَةُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا خَيْرَ فِي الْإِقَالَةِ عَلَى زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخُ بَيْعٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا وَأَبُو حَنِيفَةَ الْإِقَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ فَسْخٌ لَا يَقَعُ إِلَّا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ تَقَايَلَا بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ أَوْ ثَمَنٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْإِقَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخٌ وَبَعْدَ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إِذَا كَانَتْ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَهُوَ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِنْ
(16/342)
كَانَتْ بِأَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ أَوْ بِأَقَلَّ فَهُوَ بَيْعٌ مُسْتَقْبَلٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ هِيَ بَيْعٌ مُسْتَقْبَلٌ بَعْدَ الْقَبْضِ وَتَجُوزُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَبِثَمَنٍ آخَرَ وَقَالَ ابْنُ سَمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ إِذَا ذَكَرَ ثَمَنًا أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا أَوْ غَيْرَ ثَمَنِهَا فَهِيَ بَيْعٌ بِمَا سَمَّى وَرَوَى أَصْحَابُ زُفَرَ عَنْ زُفَرَ قَالَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَى الْإِقَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ فِي شَيْءٍ إِلَّا فِي الْإِقَالَةِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الشَّفِيعِ الشُّفْعَةَ فَيُوجِبُ الشُّفْعَةَ بِالْإِقَالَةِ وَقَالَ زُفَرُ لَيْسَتْ فِي الْإِقَالَةِ شُفْعَةٌ وَأَمَّا الْإِقَالَةُ فِي بَعْضِ السَّلَمِ فَجُمْلَةُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيلَ مِنْ بَعْضِ مَا أَسْلَمَ فِيهِ وَيَأْخُذُ بَعْضَ رَأْسِ مَالِهِ وَذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ إِذَا كَانَ السَّلَمُ طَعَامًا وَرَأْسُ الْمَالِ ثِيَابًا جَازَ أَنْ يُقِيلَهُ فِي بَعْضٍ وَيَأْخُذَ بَعْضًا وَإِنْ كَانَ السَّلَمُ ثِيَابًا مَوْصُوفَةً وَرَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ لَمْ تَجُزِ الْإِقَالَةُ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّهُ تَصِيرُ فِضَّةً بِفِضَّةٍ وَثِيَابٍ إِلَى أَجَلٍ وَقَالَ مَالِكٌ إِنْ أَسْلَمَ ثِيَابًا فِي طَعَامٍ جَازَتِ الْإِقَالَةُ فِي بَعْضٍ وَيَرُدُّ حِصَّتُهُ مِنَ الثِّيَابِ وَإِنْ حَالَتْ أَسْوَاقُ الثِّيَابِ
(16/343)
وَلَيْسَتْ كَالدَّرَاهِمِ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا وَالثِّيَابُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا إِذَا رُدَّتْ فَلَوْ أَقَالَ مِنَ الْبَعْضِ جَازَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو الزِّنَادِ لَا يَجُوزُ لِمَنْ سَلَّمَ فِي شَيْءٍ أَنْ يُقِيلَ مِنْ بَعْضٍ وَيَأْخُذَ بَعْضًا وَلَمْ يُفَسِّرُوا هَذَا التَّفْسِيرَ وَلَا خَصُّوا شَيْئًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ جَائِزٌ أَنْ يُقِيلَ فِي بَعْضٍ وَيَأْخُذَ بَعْضًا فِي السَّلَمِ وَغَيْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَرَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ مُوسَى وَعَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرَّجُلِ يَأْخُذُ بَعْضَ سَلَمِهِ وَبَعْضَ رَأْسِ مَالِهِ قَالَ ذَلِكَ الْمَعْرُوفُ وَالثَّوْرِيُّ عَنْ جَابِرٍ الْجَعْفِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مَنْ سَلَّمَ فِي شَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْ بَعْضَهُ سَلَفًا وَبَعْضَهُ عَيْنًا لِيَأْخُذْ سِلْعَتَهُ كُلَّهَا أَوْ رَأْسَ مَالِهِ أَوْ يُنْظِرْهُ وَرَوَى أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ إِذَا أَسْلَفْتَ فِي شَيْءٍ فَخُذِ الَّذِي أَسْلَفْتَ فِيهِ أَوْ رَأْسَ مَالِكَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فَقَالَ مَالِكٌ إِذَا أَسْلَمَ رَجُلَانِ إِلَى رَجُلٍ ثُمَّ أَقَالَهُ أَحَدُهُمَا جَازَ فِي نَصِيبِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ
(16/344)
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا أَسْلَمَ رَجُلَانِ إِلَى رَجُلٍ ثُمَّ أَقَالَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْآخَرُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّلَمِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَتَجُوزُ فِيهِ الشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَكَذَلِكَ الطَّعَامُ لِأَنَّ هَذَا مَعْرُوفٌ وَلَيْسَ بِبَيْعٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجُوزُ التَّوْلِيَةُ وَالشَّرِكَةُ فِي السَّلَمِ وَلَا فِي الطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ الشَّرِكَةَ وَالتَّوْلِيَةَ بَيْعٌ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ وَرِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَعَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُقْبَضَ وَمِنْ حُجَّةِ مَالِكٍ فِي إِجَازَةِ ذَلِكَ أَنَّ الشَّرِكَةَ وَالتَّوْلِيَةَ عِنْدَهُ فِعْلُ خَيْرٍ وَمَعْرُوفٍ وَقَدْ نَدَبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ وَقَدْ لَزِمَ الشركة والتولية عنده اسم غير اسْمُ الْبَيْعِ فَلِذَلِكَ جَازَا فِي الطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ أَجَازَ الْجَمِيعُ الْإِقَالَةَ بِرَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ كَذَلِكَ
(16/345)
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُقْبَضَ لِأَنَّ ضَمَانَهُ مِنَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَتَكَامَلْ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ تَمَامُ مُلْكٍ فَيَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ قَالَ فَلِذَلِكَ قِسْنَا عَلَيْهِ بَيْعَ الْعُرُوضِ قَبْلَ أن يقبض لِأَنَّهُ بِيعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ وَرِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ مَضَى فِي بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى مَا فِيهِ كِفَايَةٌ فِي بَابِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عمر فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هَهُنَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(16/346)
حَدِيثٌ ثَالِثٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ كُنَّا إِذَا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ يَقُولُ لَنَا فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ وَرَوَى مَالِكٌ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مروان يبايعه فكتب إليه بسم الله الرحمان الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ لِعَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ سَلَامٌ عَلَيْكَ فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأُقِرُّ لَكَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ فِيمَا اسْتَطَعْتُ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَخْذِ الْبَيْعَةِ لِلْخُلَفَاءِ عَلَى الرَّعِيَّةِ
(16/347)
وَكَانَتِ الْبَيْعَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَنْ يُصَافِحَهُ الَّذِي يُبَايِعُهُ وَيُعَاقِدُهُ عَلَى السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَأَنْ لَا يُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ رَوَاهُ عُبَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ فِيهِ وَأَنْ يقوم أو يقول بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ وَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَافِحُ النِّسَاءَ عِنْدَ الْبَيْعَةِ وَكَانَ يُصَافِحُ الرِّجَالَ وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى مُجَوَّدًا فِي بَابِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَأَمَّا الْأَيْمَانُ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْأُمَرَاءُ الْيَوْمَ عَلَى النَّاسِ فَشَيْءٌ مُحَدَثٌ وَحَسْبُكَ بِمَا فِي الْآثَارِ مِنْ أَمْرِ الْبَيْعَةِ حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ عَلَيْهِمْ فِي الْبَيْعَةِ أُمُورًا كَثِيرَةً مِنْهَا النُّصْحُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يَجِبُ عَلَى الرَّعِيَّةِ مِنْ نُصْحِ الْأَئِمَّةِ فِي بَابِ سُهَيْلٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ تُنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ الحديث ونذكر ههنا أَحَادِيثَ الْبَيْعَةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُهَا عَلَى أَصْحَابِهِ لِتَقِفَ عَلَى أَصْلِ هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ
(16/348)
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ يُونُسَ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ بَايَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَأَنْ أَنْصَحَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ قَالَ فَكَانَ إِذَا بَاعَ الشَّيْءَ أَوِ اشْتَرَاهُ قَالَ أَمَا إِنَّ الَّذِي أَخَذْنَا مِنْكَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِمَّا أَعْطَيْنَاكَ فَاخْتَرْ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَفِرَاقِ الْمُشْرِكِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي نُجَيْلَةَ الْبَجَلِيِّ قَالَ قَالَ جَرِيرٌ أَتَيْتُ
(16/349)
النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ يُبَايِعُ النَّاسَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْسُطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ وَاشْرُطْ عَلَيَّ فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِالشَّرْطِ قَالَ أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتُنَاصِحَ الْمُسْلِمَ وَتُفَارِقَ الْمُشْرِكَ وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدِّينُ النَّصِيحَةُ فِي بَابِ سُهَيْلٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ الْمَذْكُورُ ابْسُطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ وَفِيهِ بَيَانُ مَا ذَكَرْنَا وَمِثْلُهُ مَا قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَّ قَاسِمَ بْنَ أَصْبَغَ حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو الْأَحْوَصِ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عبد الرحمان الدِّمَشْقِيُّ أَبُو أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا بَايَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمَا ابْنَا سَبْعِ سِنِينَ فَلَمَّا رَآهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَسَّمَ وَبَسَطَ يَدَهُ وَبَايَعَهُمَا وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ
(16/350)
وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَسَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بَعْدَ هَلَاكِ أَبِي بَكْرٍ فَقُلْتُ ارْفَعْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى مَا بَايَعْتُ عَلَيْهِ صَاحِبَيْكَ مِنْ قَبْلُ أَعْنِي النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَبَا بَكْرٍ فَبَايَعْتُهُ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِيمَا اسْتَطَعْتُ وَذَكَرَ سُنَيْدٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ قَالَ نَزَلَتْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ أَبِي جُرَيْجٌ بَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُبَايِعُوهُ على الموت
(16/351)
وَذَكَرَ سُنَيْدٌ أَيْضًا قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الشَّعْبِيِّ أَنَّ أَبَا سِنَانِ بْنَ وَهْبٍ الْأَسْدِيَّ بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ فَقَالَ لَهُ عَلَامَ تُبَايِعُنِي قَالَ أَبُو سِنَانٍ عَلَى مَا فِي نَفْسِكَ قَالَ إِسْمَاعِيلُ وَكَانُوا بَايَعُوهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا قَالَ وَقَالَ غَيْرُ هُشَيْمٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنِ الشَّعْبِيِّ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ أَبُو سِنَانِ بْنُ مِحْصَنٍ الْأَسْدِيُّ قَالَ سُنَيْدٌ وَحَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عُثْمَانَ انْطَلَقَ فِي حَاجَةِ اللَّهِ وَحَاجَةِ رَسُولِهِ وَأَنَا أُبَايِعُهُ فَصَفَّقَ بِيَدِهِ عَلَى الْأُخْرَى قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي هَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُبَايَعَةَ مِنْ شَأْنِهَا الْمُصَافَحَةُ وَلَمْ تَخْتَلِفِ الْآثَارُ فِي ذَلِكَ وَقَدْ مَضَى فِي بَابِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَايَعَ النِّسَاءَ لَمْ يُصَافِحْهُنَّ قَالَ سُنَيْدٌ وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ سَمِعَهُ يَقُولُ كُنَّا بِالْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً فَبَايَعْنَاهُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ آخِذٌ بِيَدِهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَهِيَ
(16/352)
سَمُرَةٌ قَالَ فَبَايَعْنَاهُ غَيْرَ الْجِدِّ بْنِ قَيْسٍ اخْتَبَأَ تَحْتَ بَطْنِ بَعِيرِهِ قِيلَ لِجَابِرٍ هَلْ بَايَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَالَ لَا وَلَكِنَّهُ صَلَّى بِهَا وَلَمْ يُبَايِعْ عِنْدَ شَجَرَةٍ إِلَّا عِنْدَ الشَّجَرَةِ الَّتِي عِنْدَ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ وَسُئِلَ جَابِرٌ كَيْفَ بَايَعُوا قَالَ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ جَاءَ عَبْدٌ لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ أَحَدِ بَنِي أَسَدٍ يَشْتَكِي سَيِّدَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ فَقَالَ لَهُ كَذَبْتَ لَا يَدْخُلُهَا إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ قَالَ سُنَيْدٌ وَحَدَّثَنَا مُبَشِّرٌ الْحَلَبِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي الْعَقِيبِ قَالَ شَهِدْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُبَايِعُ النَّاسَ بَعْدَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَجْتَمِعُ عِنْدَهُ الْعِصَابَةُ فَيَقُولُ لَهُمْ أَتُبَايِعُونَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ ثُمَّ لِلْأَمِيرِ فَيَقُولُونَ نَعَمْ قَالَ فَتَعَلَّمْتُ شَرْطَهُ هَذَا وَأَنَا كَالْمُحْتَلِمِ أَوْ فَوْقَهُ فَلَمَّا خَلَا مَنْ عِنْدَهُ أَتَيْتُهُ فَابْتَدَأْتُهُ فَقُلْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ ثُمَّ لِلْأَمِيرِ فَصَعَّدَ فِيَّ الْبَصَرَ وَصَوَّبَ وَرَأَيْتُهُ أَعْجَبَهُ
(16/353)
قَالَ وَحَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عُمَرَ أَوْ عَمْرِو بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَأَنَا غُلَامٌ فَبَايَعْتُهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ هِيَ لَنَا وَهِيَ عَلَيْنَا فَضَحِكَ وَبَايَعَنِي وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سمعت موسى بن طلحة قال بعث في أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ وَأَنَا فِي الْأَسَارَى فَانْطَلَقْتُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ فَقَالَ أَتُبَايِعُ وَتَدْخُلُ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ هَكَذَا وَمَدَّ يَدَهُ فَبَسَطَهَا قَالَ فَبَايَعْتُهُ ثُمَّ قَالَ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ وَمَالِكَ قَالَ فَلَمَّا رَآنِي النَّاسُ قَدْ خَرَجْتُ جَعَلُوا يَدْخُلُونَ فَيُبَايِعُونَ وَقَدْ مَضَى فِي بَابِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ كَثِيرٌ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَيْعَةِ وَالْمُصَافَحَةِ بِهَا عِنْدَ ذِكْرِ بَيْعَةِ النِّسَاءِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٌ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دُلَيْمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ لَمَّا قَدِمَ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ الْمَدِينَةَ أَتَتِ الْأَحْيَاءُ يُبَايِعُونَهُ فَأَتَى بَنُو سَلَمَةَ وَلَمْ آتِ مَعَهُمْ فَقَالَ لَا أُبَايِعُكُمْ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَيَّ جَابِرٌ قَالَ فَأَتَانِي قَوْمِي فَنَاشَدُونِي
(16/354)
اللَّهَ فَقُلْتُ لَهُمْ أَنْظِرُونِي فَأَتَيْتُ أُمَّ سَلَمَةَ فَاسْتَشَرْتُهَا فِي الْخُرُوجِ إِلَيْهِ فَقَالَتْ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهَا بَيْعَةَ ضَلَالَةٍ وَلَكِنْ قَدْ أَمَرْتُ أَخِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ أَنْ يَأْتِيَهُ فَيُبَايِعَهُ كَأَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَحْقِنَ دَمَهُ قَالَ جَابِرٌ فَأَتَيْتُهُ فَبَايَعْتُهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ كَذَا قَالَ أَخِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ وَصَوَابُهُ ابْنَ أَخِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ وَلَمْ يُدْرِكْ أَخُوهَا الْحَرَّةَ تُوفِّيَ قَبْلَ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ وَبِهِ عَنِ ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الَّذِينَ بَايَعُوا الْمُخْتَارَ الْكَذَّابَ فَقَالَ تَخَافُ عَلَيْنَا مِنْ بَيْعَتِنَا لِهَذَا الرَّجُلِ فَقَالَ مَا أُبَالِي أَبَايَعْتُهُ أَوْ بَايَعْتُ هَذَا الْحَجَرَ إِنَّمَا الْبَيْعَةُ فِي الْقَلْبِ إِنْ كُنْتَ مُنْكِرًا لِمَا قول فَلَيْسَ عَلَيْكَ مِنْ بَيْعَتِكَ بَأْسٌ
(16/355)
حَدِيثٌ رَابِعٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الأذان للصبح قبل الفجر وقد مضىالقول فِي ذَلِكَ وَمَا فِيهِ مِنَ التَّنَازُعِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَاخْتِلَافِ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ سَالِمٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَكَذَلِكَ مَضَى الْقَوْلُ هُنَاكَ فِي سَائِرِ مَعَانِي هذا الحديث فلا معنى لإعادة ذلك ههنا أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكًا وَذَكَرَ سُفْيَانُ
(17/5)
أَمَا إِنَّهُ فَارَقَنِي عَلَى أَنْ لَا يَشْرَبَ النَّبِيذَ قُلْتُ أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِلَالًا أَنْ يُعِيدَ الْأَذَانَ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا قُلْتُ إِنَّهُ قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الْأَذَانَ قَالَ لَمْ يَزَلِ الْأَذَانُ عِنْدَنَا بِلَيْلٍ ثُمَّ قَالَ لَمْ يَأْخُذْ أَوَّلُونَا عَنْ أُولَاكُمْ قَدْ كَانَ عَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَمَسْرُوقٌ فَلَمْ يَأْخُذْ عَنْهُمْ أَحَدٌ مِنَّا فَكَذَلِكَ آخِرُونَا لَا يَأْخُذُونَ عَنْ أُخْرَاكُمْ
(17/6)
حَدِيثٌ خَامِسٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا ذُكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا بَايَعَ قَالَ لَا خِلَابَةَ قَالَ أَبُو عُمَرَ يُقَالُ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ هُوَ مُنْقِذُ بْنُ حَيَّانَ وَذَلِكَ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ
(17/7)
عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ مُنْقِذًا شَجَّ فِي رَأْسِهِ مَأْمُومَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَخَبَلَتْ لِسَانَهُ فَكَانَ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ وَمَرَّةً قَالَ إِذَا بَايَعَ خُدِعَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعْ وَقُلْ لَا خِلَابَةَ ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا مِنْ بَيْعِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَسَمِعْتُهُ إِذَا بَايَعَ يقول لا خيابة لا خيابة وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبَّادٌ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ أَنَّ جَدَّهُ مُنْقِذًا كَانَ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ سَبْعُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ فَكَانَ إِذَا بَاعَ غُبِنَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَأَنْتَ بِالْخِيَارِ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ أَبُو ثَوْرٍ الْكَلْبِيُّ قَالُوا حَدَّثَنَا عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ
(17/8)
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان يَبْتَاعُ وَكَانَ فِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ زَادَ عَبْدُ الْوَارِثِ فِي حَدِيثِهِ قَالَ قَالَ الْخَفَّافُ فِي عُقْدَتِهِ يَعْنِي فِي عَقْلِهِ فَأَتَى أَهْلُهُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ احْجُرْ عَلَى فُلَانٍ إِنَّهُ يَبْتَاعُ وَفِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ فَدَعَاهُ نَبِيُّ اللَّهِ فَنَهَاهُ عَنِ الْبَيْعِ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي لَا أَصْبِرُ عَلَى الْبَيْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنْ كُنْتَ غَيْرَ تَارِكٍ لِلْبَيْعِ فَقُلْ هَاءَ وَهَاءَ وَلَا خِلَابَةَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ هَذَا خُصُوصٌ فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ وَحْدَهُ بِعَيْنِهِ جَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخِيَارَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ يَشْتَرِيهَا شَرَطَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ خَصَّهُ بِذَلِكَ لِضَعْفِهِ وَلِمَا شَاءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ خِلَابَتُهُ وَخَدِيعَتُهُ وَإِنْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ فَخُصَّ هَذَا بِأَنْ لَا يُخْدَعَ فَيُؤْخَذَ مِنْهُ فِي السِّلْعَةِ أَكْثَرُ مِمَّا تُسَاوِي وَأَمَّا الْخَدِيعَةُ وَالْخِلَابَةُ الَّتِي فِيهَا الْغِشُّ وَسَتْرُ الْعُيُوبِ فَمَحْظُورَةٌ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ وَلَكِنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ فِيهَا وَلِلْمُشْتَرِي
(17/9)
إِذَا اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ الْخِيَارُ فِي الِاسْتِمْسَاكِ أَوِ الرَّدِّ عَلَى حَسَبِ السُّنَّةِ فِي ذَلِكَ مِمَّا نُقِلَ عَنْهُ فِي قِصَّةِ الْمُصَرَّاةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ آخَرُونَ كُلُّ مَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُنْقِذٍ مِنَ الْخِيَارِ فِيمَا اشْتَرَاهُ وَمَا جَعَلَ لَهُ فِي أَنْ لَا يُخْدَعَ شَرْطًا يَشْتَرِطُهُ بِقَوْلِهِ لَا خِلَابَةَ فَجَائِزٌ اشْتِرَاطُهُ الْيَوْمَ لِكُلِّ النَّاسِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا شَرَطَ عَلَى بَائِعِهِ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِيمَا ابْتَاعَهُ مِنْهُ ثَلَاثًا وَقَالَ لَهُ إِنَّكَ مَتَى مَا خَدَعْتَنِي فِي هَذِهِ السِّلْعَةِ وَبَانَتْ خَدِيعَتُكَ لِي فِيهَا فَأَنَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِنْ شِئْتُ أَمْسَكْتُ وَإِنْ شِئْتُ رَدَّدْتُ كَانَ لَهُ شرطه وذلك جائز وله الخيار على حسبما اشْتَرَطَ وَأَمَّا الْقَوْلُ فِي اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ثَلَاثًا وَمَا فَوْقَهَا وَدُونَهَا مِنَ الْمُدَّةِ فَقَدْ مَضَى مُسْتَوْعَبًا فِي بَابِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَةِ ذَلِكَ ههنا
(17/10)
حَدِيثٌ سَادِسٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ يَقُولُ هَا إِنَّ الفتنة ههنا إن الفتنة ههنا مِنْ حَيْثِ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا فِي لَفْظِهِ وَقَدْ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَا حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ يَقُولُ هَا إن الفتنة ههنا إن الفتنة ههنا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ
(17/11)
فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِخْبَارِهِ بالغيب عما يكون بعده والفتنة ههنا بمعنى الفتن لأن الواحدة ههنا تَقُومُ مَقَامَ الْجَمِيعِ فِي الذِّكْرِ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي الْفِتْنَةِ لَيْسَا إِشَارَةً إِلَى مَعْهُودٍ وَإِنَّمَا هُمَا إِشَارَةٌ إِلَى الْجِنْسِ مِثْلَ قَوْلِهِ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِقْبَالِ الْفِتَنِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ الْفِتَنِ مِنَ الْمَشْرِقِ انْبَعَثَتْ وَبِهَا كَانَتْ نَحْوَ الْجَمَلِ وَصِفِّينِ وَقَتْلِ الْحُسَيْنِ وغير ذلك مما يطول ذَكَرَهُ مِمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْفِتَنِ بِالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ إِلَى الْيَوْمِ وَقَدْ كَانَتِ الْفِتَنُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْإِسْلَامِ وَلَكِنَّهَا بِالْمَشْرِقِ أَكْثَرُ أَبَدًا وَمِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْفِتْنَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَاهَا الْكُفْرُ وَكَانَتِ الْمَشْرِقُ يَوْمَئِذٍ دَارَ كُفْرٍ فَأَشَارَ إِلَيْهَا وَالْفِتْنَةُ لَهَا وُجُوهٌ فِي اللُّغَةِ مِنْهَا الْعَذَابُ وَمِنْهَا الْإِحْرَاقُ وَمِنْهَا الْحُرُوبُ الَّتِي تَقَعُ بَيْنَ النَّاسِ وَمِنْهَا الِابْتِلَاءُ وَالِامْتِحَانُ وَغَيْرُ ذَلِكَ على حسبما قَدْ ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ فَقَدْ مَضَى الْقَوْلَ فِيهِ فِي بَابِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ الصَّنَابِحِيِّ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَةِ ذَلِكَ ههنا
(17/12)
حَدِيثٌ سَابِعٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَمَا رَوَاهُ يَحْيَى حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ محمد بن الحجاج حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ كَافِرٌ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا وَحَدَّثَنَا خَلَفٌ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ كَامِلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمِسْوَرِ قَالُوا
(17/13)
حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ كَافِرٌ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَطِيَّةَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الْمُغَلِّسِ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ زَنْبَرٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا سَمَّى الرَّجُلُ الْآخَرَ كَافِرًا فَقَدْ كَفَرَ أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ الَّذِي قِيلَ لَهُ كَافِرٌ فَقَدْ صَدَقَ صَاحِبُهُ كَمَا قَالَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَمَا قَالَ فَقَدْ بَاءَ الَّذِي قَالَ بِالْكُفْرِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِثْلَهُ سَوَاءً وَالْحَدِيثُ لِمَالِكٍ عَنْهُمَا جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحٌ وَالْمَعْنَى فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُكَّفِرَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ بِذَنْبٍ أَوْ بِتَأْوِيلٍ لَا يُخْرِجُهُ مِنَ الْإِسْلَامِ عِنْدَ الْجَمِيعِ فَوَرَدَ النَّهْيُ عَنْ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ
(17/14)
فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ الْخَبَرِ دُونَ لَفْظِ النَّهْيِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَمَعْرُوفٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا قَالَ أَرَى ذَلِكَ فِي الْحَرُورِيَّةِ فَقُلْتُ لَهُ أَفَتَرَاهُمْ بِذَلِكَ كُفَّارًا فَقَالَ مَا أَدْرِي مَا هَذَا وَمِثْلُ قوله صلى الله عليه وسلم من قال لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ وَقَوْلُهُ لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ مِنَ الْآثَارِ الَّتِي وَرَدَتْ بِلَفْظِ التَّغْلِيظِ وَلَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ وَالْعِلْمِ لِأُصُولٍ تَدْفَعُهَا أَقْوَى مِنْهَا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا وَالْآثَارِ الثَّابِتَةِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ وَهَذَا بَابٌ يَتَّسِعُ الْقَوْلُ فيه ويكثر فنذكر منه ههنا مَا فِيهِ كِفَايَةٌ إِنْ شَاءَ
(17/15)
اللَّهُ وَقَدْ ضَلَّتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فِي هَذَا الْبَابِ فَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآثَارِ وَمِثْلِهَا فِي تَكْفِيرِ الْمُذْنِبِينَ وَاحْتَجُّوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ بِآيَاتٍ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا مِثْلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَقَوْلِهِ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ وَقَوْلِهِ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ وَقَوْلِهِ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ وَقَوْلِهِ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا وَنَحْوِ هَذَا وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ قَالَ لَيْسَ بِكُفْرٍ يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ وَلَكِنَّهُ كَفْرٌ دُونَ كُفْرٍ وَقَدْ أَوْضَحْنَا مَعْنَى الْكُفْرِ فِي اللُّغَةِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرَ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ لِمَنْ لم يتب لأن الشرك ممن تَابَ مِنْهُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَانْتَهَى عَنْهُ غُفِرَ لَهُ كَمَا تُغْفَرُ الذُّنُوبُ كُلُّهَا بِالتَّوْبَةِ جَمِيعًا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ
(17/16)
وَقَدْ وَرَدَتْ آيَاتٌ فِي الْقُرْآنِ مُحْكَمَاتٌ تَدُلُّ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ أَحَدٌ إِلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ والعناد منها قول الله عز وجل يا أهل الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وأنتم تعلمون ويا أهل الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ وقوله يقولون عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ وَقَوْلُهُ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَقَوْلُهُ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِلَى قَوْلِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ثُمَّ قَالَ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يا موسى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ثُمَّ قَالَ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ثُمَّ ذَكَرَ الْأُمَمَ فَقَالَ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ ثُمَّ ذَكَرَ الْأُمَمَ فَقَالَ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رسول
(17/17)
إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ وَلِذَلِكَ قَالَ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا وَقَالَ وَإِذْ قَالَ موسى لقومه يا قوم لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ وَقَالَ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَقَالَ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَقَالَ بَلْ جاء بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ وَقَالَ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلاهه هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَقَالَ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ وَقَالَ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ الْآيَةَ وَقَالَ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى وَقَالَ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ إِلَى آيَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي مَعْنَى مَا ذَكَرْنَا كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى مُعَانَدَةِ الْكُفَّارِ وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا كَفَرُوا بِالْمُعَانَدَةِ وَالِاسْتِكْبَارِ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا كُنَّا
(17/18)
مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا وَقَوْلُهُ وَمَا كَانَ الله ليضل قوما بعد إذ هادهم حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا فَهُوَ فِي النَّارِ وَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي بَعْضِ الْكَبَائِرِ حُدُودًا جَعَلَهَا طُهْرَةً وَفَرَضَ كَفَارَّاتٍ فِي كِتَابِهِ لِلذُّنُوبِ مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِمَا يُرْضِيهِ فَجَعَلَ عَلَى الْقَاذِفِ جَلْدَ ثَمَانِينَ إِنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وَلَمْ يَجْعَلْهُ بِقَذْفِهِ كَافِرًا وَجَعَلَ عَلَى الزَّانِي مِائَةً وَذَلِكَ طُهْرَةً لَهُ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّتِي رَجَمَهَا لَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ ذُنُوبِهَا كَيَوْمِ وَلَدَتْهَا أُمُّهَا وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَهُوَ لَهُ كَفَّارَةٌ وَمَنْ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ حَدُّهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَمَا لَمْ يَجْعَلْ فِيهِ حَدًّا فَرَضَ فِيهِ التَّوْبَةَ مِنْهُ وَالْخُرُوجَ عَنْهُ إِنْ كَانَ ظُلْمًا لِعِبَادِهِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ السُّنَنِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَكْفِيرِ أَحَدٍ بِذَنْبٍ وَقَدْ أَحَاطَ الْعِلْمُ بِأَنَّ الْعُقُوبَاتِ عَلَى الذُّنُوبِ كَفَّارَاتٌ وَجَاءَتْ بِذَلِكَ السُّنَنُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا جَاءَتْ
(17/19)
بِكَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ وَالظِّهَارِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ وَأَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُذْنِبَ وَإِنْ مَاتَ مُصِرًّا يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَنَسَكَ نُسُكَنَا فَهُوَ الْمُسْلِمُ لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّدَمُ تَوْبَةٌ رَوَاهُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إِلَّا وَقَدْ أَخْطَأَ أَوْ هَمَّ بِخَطِيئَةٍ إِلَّا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّاءَ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا أَنَّكُمْ تُذْنِبُونَ وَتَسْتَغْفِرُونَ لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ لِعِبَادِهِ وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الْأَوَّلِ ... إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا ... وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا
(17/20)
فَهَذِهِ الْأُصُولُ كُلُّهَا تَشْهَدُ عَلَى أَنَّ الذُّنُوبَ لَا يُكَفَّرُ بِهَا أَحَدٌ وَهَذَا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ لِأَخِيهِ كَافِرٌ أَوْ يَا كَافِرُ قِيلَ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ هَلْ كُنْتُمْ تُسَمُّونَ شَيْئًا مِنَ الذُّنُوبِ كُفْرًا أَوْ شِرْكًا أَوْ نِفَاقًا قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ مُؤْمِنِينَ مُذْنِبِينَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ مِنْ وُجُوهٍ وَمِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ قُلْتُ لِجَابِرٍ أَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَافِرٌ قَالَ لَا قُلْتُ فَمُشْرِكٌ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ وَفَزِعَ وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ يَا فَاسِقُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ يَنْهَيَانِ عَنْ تَفْسِيقِ الْمُسْلِمِ وَتَكْفِيرِهِ بِبَيَانٍ لَا إِشْكَالَ فِيهِ وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا مِدْفَعَ لَهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ عَقْدُ الْإِسْلَامَ فِي وَقْتٍ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا أَوْ تَأَوَّلَ تَأْوِيلًا فَاخْتَلَفُوا بَعْدُ فِي خُرُوجِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ لِاخْتِلَافِهِمْ بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ مَعْنًى يُوجِبُ حُجَّةً وَلَا يُخْرِجُ مِنَ الْإِسْلَامِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ إِلَّا بِاتِّفَاقٍ آخَرَ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ لَا مُعَارِضَ لَهَا
(17/21)
وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةُ وَهُمْ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يُخْرِجُهُ ذَنْبُهُ وَإِنْ عَظُمَ مِنَ الْإِسْلَامِ وَخَالَفَهُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ فَالْوَاجِبُ فِي النَّظَرِ أَنْ لَا يُكَفَّرَ إلا ن اتفق الجميع على تكفيره أوقام عَلَى تَكْفِيرِهِ دَلِيلٌ لَا مِدْفَعَ لَهُ مِنْ كِتَابٍ أَوَسُنَّةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَيْ قَدِ احْتَمَلَ الذَّنْبَ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ أَحَدُهُمَا قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَاءَ بِذَنْبِهِ أَيِ احْتَمَلَهُ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَقَوْلُهُ فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مبينا المعنى فِي قَوْلِهِ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا يُرِيدُ أَنَّ الْمَقُولَ لَهُ يَا كَافِرُ إِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدِ احْتَمَلَ ذَنْبَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَائِلِ لَهُ ذَلِكَ لِصِدْقِهِ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَقَدْ بَاءَ الْقَائِلُ بِذَنَبٍ كَبِيرٍ وَإِثْمٍ عَظِيمٍ وَاحْتَمَلَهُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ وَهَذَا غَايَةٌ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ وَالنَّهْيِ عَنْ أَنْ يُقَالَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ يَا كَافِرُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبَابَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا
(17/22)
قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ أَوْ أَنْتَ كَافِرٌ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ إِلَى الْأَوَّلِ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي الْبِرْتِيُّ بِبَغْدَادَ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنَ يَعْمُرَ أَنَّ أَبَا الْأَسْوَدِ الدُّئِلِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالْفِسْقِ أَوْ بِالْكُفْرِ إِلَّا رُدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيُّ وَمُوسَى ابن مُعَاوِيَةَ قَالَا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَرْثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا
(17/23)
أَبُو عَمْرٍو عُبَيْدُ بْنُ عَقِيلٍ قَالَ سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ وَهُوَ مِمَّنْ تَسُرُّهُ حسنته وتسؤه سَيِّئَتُهُ لِأَيِّ شَيْءٍ تَكُونُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ أَوْلَى مِنَ الشَّهَادَةِ لَهُ بِالْإِيمَانِ وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ عَمَلَ مِثْلَ قُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً ثُمَّ لَقِيَنِي لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا جَعَلْتُ له مثلها مغفرة ورواه شبعة عَنْ وَاصِلٍ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُهُ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كُنَّا نَشْهَدُ عَلَى أَهْلِ الْمُوجِبَتَيْنِ بِالْكُفْرِ حَتَّى نَزَلَتْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرَ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَرْثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ حدثنا أبو عبد الرحمان المقرئ قال حدثنا عبد الرحمان بن
(17/24)
زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أن بين يدي الرحمان لَلَوْحًا فِيهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَ عَشْرَةَ شَرِيعَةً يَقُولُ الرحمان وعزتي لا يأتني عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَهُوَ لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا إِلَّا أَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قال حدثا زيد بن الحباب قال حدثني عبد الرحمان بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْجَنْبِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَالَ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَنَّةُ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عن سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ فَرْوَةَ بن مالك
(17/25)
الْأَشْجَعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِظِئْرٍ لَهُ أَوْ لِرَجُلٍ مِنْ أهله إقرأ بقل يأيها الْكَافِرُونَ عِنْدَ مَنَامِكَ فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا قَرَأَ عَلَيْهِمُ الْآيَةَ فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا مِنْ أَصَحِّ حَدِيثٍ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَهُوَ يُضَاهِي قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرَ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَالْآثَارُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ جِدًّا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحِيطَ بِهَا كِتَابٌ فَالْأَحَادِيثُ اللَّيِّنَةُ تُرْجَى وَالشَّدِيدَةُ تُخْشَى وَالْمُؤْمِنُ مَوْقُوفٌ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالْمُذْنِبُ إِنْ لَمْ
(17/26)
يَتُبْ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرَ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ فَالْقَلِيلُ يكفيه
(17/27)
يَتُبْ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرَ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ فَالْقَلِيلُ يكفيه
(17/28)
حَدِيثٌ ثَامِنٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرَسٍ وَقَالَ مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ كُلِّهِ فِي بَابِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ شَيْءٍ مِنْ ذلك ههنا
(17/29)
حَدِيثٌ تَاسِعٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَنْ يُهِلُّوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَهْلُ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنَ قَرْنٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَمَّا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثُ فَسَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ فِي بَابِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا (مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَلَا معنى لإعادة شيء من ذلك ههنا) والحمد لله
(17/30)
حَدِيثٌ عَاشِرٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ مَنْ قَتَلَهُنَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ الْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ قَدْ سَلَفَ الْقَوْلُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَوْعَبًا كَامِلًا فِي بَابِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ ذَلِكَ ههنا
(17/31)
حَدِيثٌ حَادِيَ عَشْرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ ذِكْرُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تُصِيبُهُ جَنَابَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ هَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ وَرَوَتْهُ طَائِفَةٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمَعْنَى سَوَاءٌ وَرَوَاهُ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى الطَّبَّاعِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَتَابَعَهُ قَوْمٌ
(17/32)
وَالْحَدِيثُ لِمَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَنَافِعٍ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الطَّبَّاعُ وَخَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ القطواني وعبد الرحمان بْنُ غَزْوَانَ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُفَيْرٍ وَابْنِ بُكَيْرٍ مِثْلُ ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْمَحْفُوظَ فِيهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ نَافِعٍ عِنْدَهُمْ كَالْمُسْتَغْرَبِ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الطَّرَسُوسِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيُّ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَا رَسُولَ الله أينام أحدنا وهو جنب قال نعم إِذَا تَوَضَّأَ وَحَدَّثَنَا خَلَفٌ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِي حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْوُضُوءُ لِلْجُنُبِ عِنْدَ النَّوْمِ وَغَسْلُ الذَّكَرِ مَعَ الوضوء أيضا
(17/33)
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إِيجَابِ الْوُضُوءِ عِنْدَ النَّوْمِ عَلَى الْجُنُبِ فَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى إِيجَابِ الْوُضُوءِ عِنْدَ النَّوْمِ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْسَانِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ الْوُضُوءَ الْمَأْمُورَ بِهِ الْجُنُبُ هُوَ غَسْلُ الْأَذَى مِنْهُ وَغَسْلُ ذَكَرِهِ وَيَدَيْهِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَنَامُ الْجُنُبُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ قَالَ وَلَهُ أَنْ يُعَاوِدَ أَهْلَهُ وَيَأْكُلَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ قَذَرٌ فَيَغْسِلَهَا قَالَ وَالْحَائِضُ تَنَامُ قَبْلَ أَنْ تَتَوَضَّأَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا كُلِّهِ نَحْوُ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ لَا بَأْسَ أَنْ يَنَامَ الْجُنُبُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَأَحَبُّ إِلَيْهِمْ أَنْ يَتَوَضَّأَ قَالَ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ مَضْمَضَ وَغَسَلَ يَدَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ إِذَا أَرَادَا أَنْ يَطْعَمَا غَسَلَا أَيْدِيَهُمَا وَقَالَ اللَّيْثُ لَا يَنَامُ الْجُنُبُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَتِ الْآثَارُ فِي هَذَا فَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا الْأَمْرُ بِالْوُضُوءِ وَغَسْلِ الذَّكَرِ لِلْجُنُبِ عِنْدَ النَّوْمِ إِلَّا أَنَّ فِي
(17/34)
حَدِيثِ مَالِكٍ هَذَا تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ وَهَذَا مُحْتَمِلٌ لِلتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ اغْسِلْ ذَكَرَكَ وَتَوَضَّأْ ثُمَّ نَمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا كَانَ الْوُضُوءُ لِلْجُنُبِ لَا يَرْفَعُ لَهُ الْحَدَثَ عَنْهُ لَمْ يُبَالِ أَكَانَ غَسَلَ ذَكَرَهُ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوُضُوءٍ يَنْقُضُهُ الْحَدَثُ لِأَنَّ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ أَكْثَرُ مِنْ مَسِّ ذَكَرِهِ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْوَاوَ لَا تُوجِبُ رُتْبَةً وَلَا تُعْطِي تَعْقِيبًا وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ فَقَدَّمُوا غَسْلَ الذَّكَرِ فِي اللَّفْظِ على الوضوء وجاؤوا بِلَفْظٍ لَا إِشْكَالَ فِيهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ وَأَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ بن عبد الرحمان قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَرْثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَأَلَ عُمَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنَ اللَّيْلِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَغْسِلَ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يَرْقُدَ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي الْحُمَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن دينار
(17/35)
أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ سَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ فَقَالَ نَعَمْ إِذَا تَوَضَّأَ وَيَطْعَمُ إِنْ شَاءَ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعَسْكَرِيُّ حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ قَالَ نَعَمْ إِذَا تَوَضَّأَ وَفِي هَذَا الْبَابِ أَيْضًا حَدِيثُ عَائِشَةَ اخْتُلِفَ فِي أَلْفَاظِهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ وَعِنْدَ الزُّهْرِيِّ فِي ذَلِكَ حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَالْآخَرُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَمِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ مَنْ يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ يَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَأْكُلُ أَوْ يشرب إن شاء
(17/36)
وقال بعهضم عَنْهُ فِي حَدِيثِهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ كَفَّيْهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَقُتَيْبَةُ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَاحِ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ غَسَلَ يَدَيْهِ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُضَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْجَهْمِ الْأَزْرَقُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَدِينِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا حَسَّانُ بن إبراهيم
(17/37)
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ جَمِيعًا عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أُبَيٍّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ غَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ وَاللَّفْظُ لِحَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَحَدِيثُ حَسَّانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ بِمَعْنَاهُ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَجَعَلَ قِصَّةَ الْأَكْلِ قَوْلَ عَائِشَةَ وَرَوَاهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ عَنْ عُرْوَةَ أَوْ أَبِي سَلَمَةَ وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَا جَمِيعًا حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
(17/38)
إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَأْكُلَ تَوَضَّأَ تَعْنِي وَهُوَ جُنُبٌ هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ وَلَفْظُ بَكْرٍ عَنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِهِ لِلصَّلَاةِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ تَرَكَ شُعْبَةُ حَدِيثَ الْحَكَمِ فِي الْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلْجُنُبِ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَنْ يَتَوَضَّأَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ بَيْنَ يَحْيَى وَعَمَّارٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَجُلٌ قَالَ وَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ الْجُنُبُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ تَوَضَّأَ وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً قَالَ سُفْيَانُ وَهَذَا الْحَدِيثُ خَطَأٌ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ يَقُولُونَ إِنَّ الْخَطَأَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ أَبِي إِسْحَاقَ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ رَوَى عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ
(17/39)
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَزَادَ فِيهِ الْحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ جَمَاعَةٌ بِمَعْنَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ شُعْبَةُ وَالْأَعْمَشُ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ وَشَرِيكٌ وَإِسْرَائِيلُ وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَأَحْسَنُهُمْ لَهُ سِيَاقَةً إِسْرَائِيلُ وَزُهَيْرٌ وَشُعْبَةُ لِأَنَّهُمْ سَاقُوهُ بِتَمَامِهِ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَاخْتَصَرُوهُ وَمِمَّنِ اخْتَصَرَهُ الْأَعْمَشُ وَالثَّوْرِيُّ وَشَرِيكٌ وَإِسْمَاعِيلُ قَالُوا كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً وَفِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ يَضْجَعُ ضَجْعَةً قَالَ فَقُلْتُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَوَضَّأَ قَالَتْ نَعَمْ وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ فِي حَدِيثِ شَرِيكٍ هَذَا أَنَّهَا الْهَجْعَةُ الَّتِي كَانَتْ لَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ يَسْتَرِيحٍ فِيهَا مِنْ نَصْبِهِ بِاللَّيْلِ وَأَمَّا حَدِيثٌ إِسْرَائِيلَ وَشُعْبَةَ فَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا
(17/40)
إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ فَقَالَتْ كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ آخِرَ اللَّيْلِ فَيُصَلِّي مَا قُضِيَ لَهُ فَإِذَا صَلَّى صَلَاتَهُ مَالَ إِلَى فِرَاشِهِ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى أَهْلِهِ أَتَى أَهْلَهُ ثُمَّ نَامَ كَهَيْئَتِهِ لَمْ يَمَسَّ مَاءً حَتَّى إِذَا سَمِعَ الْمُنَادِيَ الْأَوَّلَ قَالَتْ وَثَبَ وَمَا قَالَتْ قَامَ فَإِنْ كَانَ جُنُبًا أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَمَا قَالَتِ اغْتَسَلَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُنُبًا تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الأسود قال سألت عائشة عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَتْ كَانَ يَنْصَرِفُ مِنَ الْمَسْجِدِ فَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ فَإِذَا كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى أَهْلِهِ أَتَاهُمْ ثُمَّ يَنَامُ فَإِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ أَفَاضَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَاءِ إِنْ كَانَ جُنُبًا وَإِلَّا تَوَضَّأَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَيُحْيِي آخِرَهُ ثُمَّ إِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ قَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ مَاءً فَإِذَا كَانَ عِنْدَ النِّدَاءِ الْأَوَّلِ قَامَ فَأَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَامَ جُنُبًا تَوَضَّأَ وُضُوءَ الرَّجُلِ للصلاة
(17/41)
قَالَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ مَاءً معناه قبل أن يغتسل ليلا يَتَضَادَّ لِأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ جُنُبًا تَوَضَّأَ ثُمَّ نَامَ وَقَدْ عَارَضَ قَوْمٌ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ هَذَا فِي الْوُضُوءِ عِنْدَ النَّوْمِ بِحَدِيثِ سَعِيدِ بن الحويرث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم خرج من الْخَلَاءِ فَأُتِيَ بِطَعَامٍ فَقَالُوا أَلَا نَأْتِيَكَ بِطُهْرٍ فَقَالَ أُصَلِّي فَأَتَطَهَّرُ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِيهِ فَقِيلَ لَهُ أَلَا تَتَوَضَّأَ فَقَالَ مَا أَرَدْتُ الصَّلَاةَ فَأَتَوَضَّأَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَرَّزَ لِحَاجَتِهِ فَأْتِي بِعَرَقِ لَحْمٍ فَأَكَلَ مِنْهُ وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَذَكَرْتُهُ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فَعَرَفَهُ وَزَادَ فِيهِ إِنَّهُ قِيلَ لَهُ أَلَا تَتَوَضَّأَ فَقَالَ مَا أَرَدْتُ الصَّلَاةَ فَأَتَوَضَّأَ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ يَقُولُ
(17/42)
سَمِعْتُ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج من الْغَائِطِ فَأْتِي بِطَعَامٍ فَقِيلَ لَهُ أَلَا تَتَوَضَّأَ فَقَالَ أَأُصْلِي فَأَتَوَضَّأَ وَرَوَاهُ أَيُّوبُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ قَالُوا فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِمَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ وَفِي ذَلِكَ رَفْعٌ لِلْوُضُوءِ عِنْدَ النَّوْمِ وَعِنْدَ الْأَكْلِ قَالُوا وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْوُضُوءُ الْمَذْكُورُ عِنْدَ النَّوْمِ هُوَ التَّنَظُّفُ مِنَ الْأَذَى وَغَسْلُ اليدين فلذلك يسمى وضوء فِي لِسَانِ الْعَرَبِ قَالُوا وَقَدْ كَانَ ابْنُ عمر لا يتوضأ عن النَّوْمِ الْوُضُوءَ الْكَامِلَ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ رَوَى الْحَدِيثَ وَعَلِمَ مَخْرَجَهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ذَكَرَ الْحُفَّاظُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنَامُ إِذَا كَانَ جُنُبًا حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَهَذَا اللَّفْظُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْوُضُوءَ السَّابِغُ الْكَامِلُ لِلصَّلَاةِ وَهِيَ زِيَادَةٌ قَصَّرَ عَنْهَا مَنْ لَمْ يَذْكُرْهَا وَلَيْسَ فِي تَقْصِيرِ
(17/43)
مَنْ قَصَّرَ عَنْ ذِكْرِ شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ ذَكَرَهُ وَأَوْلَى الْأُمُورِ عِنْدِي فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ يَكُونَ الْوُضُوءُ لِلْجُنُبِ عِنْدَ النَّوْمِ كَوُضُوءِ الصَّلَاةِ حَسَنًا مُسْتَحَبًّا فَإِنْ تَرَكَهُ تَارِكٌ فَلَا حَرَجَ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ بِهِ حَدَثَهُ وَإِنَّمَا جَعَلْتُهُ مُسْتَحَبًّا وَلَمْ أَجْعَلْهُ سُنَّةً لِتَعَارُضِ الْآثَارِ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتِلَافِ أَلْفَاظِ نَقَلَتِهِ وَلَا يَثْبُتُ مَا كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ سُنَّةً وَأَمَّا مَنْ أَوْجَبَهُ مِنْ أَهَلِ الظَّاهِرِ فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِقَوْلِهِ لِشُذُوذِهِ وَلِأَنَّ الْفَرَائِضَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِيَقِينٍ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(17/44)
حَدِيثٌ ثَانِيَ عَشَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ إِلَّا عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ يَحْيَى فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَالصَّحِيحُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِيجَابِ الْحُكْمِ وَالْعَمَلِ بِهِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدِ اسْتَعْمَلُوا
(17/45)
خَبَرَهُ وَقَضَوْا بِهِ وَتَرَكُوا قِبْلَةً كَانُوا عَلَيْهَا لِخَبَرِهِ وَهُوَ وَاحِدٌ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَنْكَرَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَحَسْبُكُ بِمِثْلِ هَذَا قُوَّةً مِنْ عَمَلِ الْقَرْنِ الْمُخْتَارِ خَيْرِ الْقُرُونِ وَفِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوِيَ أَنَّ الْآتِيَ الْمُخْبِرَ لَهُمْ بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ رَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدَّتِهِ نُوَيْلَةَ بِنْتِ أَسْلَمَ وَكَانَتْ مِنَ الْمُبَايِعَاتِ قَالَتْ كُنَّا فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فَأَقْبَلَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ قَيْظِيٍّ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ أَوْ قَالَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ فَتَحَوَّلَ الرِّجَالُ مَكَانَ النِّسَاءِ وَتَحَوَّلَ النِّسَاءُ مَكَانَ الرِّجَالِ وَفِيهِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَانَ يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَفِي حَالٍ بَعْدَ حَالٍ عَلَى حَسَبِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ حَتَّى أَكْمَلَ اللَّهُ دِينَهُ وَقَبَضَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ كَانَ يَنْزِلُ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَجْمًا بَعْدَ نَجْمٍ وَحِينًا بَعْدَ حِينٍ قَالَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ الْقَدْرِ يَعْنِي الْقُرْآنَ قَالُوا إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَقَالَ
(17/46)
عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي كُلِّ مَنْ صَلَّى عَلَى حَالٍ ثُمَّ تَغَيَّرَتْ بِهِ حَالُهُ تِلْكَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ أنه يتمها ولا يقطها لِيَسْتَأْنِفَ غَيْرَهَا وَيُجْزِيهِ مَا مَضَى مِنْهَا وَمَا أَتَمَّهُ عَلَى غَيْرِ سُنَّتِهِ كَمَنْ صَلَّى عُرْيَانًا ثُمَّ وَجَدَ ثَوْبًا فِي الصَّلَاةِ أَوِ ابْتَدَأَ صَلَاتَهُ صَحِيحًا فَمَرِضَ أَوْ مَرِيضًا فَصَحَّ أَوْ قَاعِدًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَفِيمَنْ طَرَأَ الْمَاءُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ تَنَازُعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ قَدْ بَيَّنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يُصَلُّونَ إِلَيْهِ إِذْ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَذَلِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ لَهُمْ بِذَلِكَ لَا مَحَالَةَ ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِصَلَاتِهِ الْكَعْبَةَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ ذَلِكَ وَيَرْفَعُ طَرَفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فِيهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الحرام وحيث ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ الْآيَةَ وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِي أَحْكَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَاسِخًا وَمَنْسُوخًا عَلَى حَسْبَمَا ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ
(17/47)
وَاجْتَمَعَتْ عَلَى ذَلِكَ أُمَّتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ مَضَى مِنَ الْبَيَانِ فِيهِ مَا يُغْنِي وَيَكْفِي فِي بَابِ (زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَلَا وجه لإعادة ذلك ههنا أَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تكون قبلته البيت وأنه صلى أو صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ فَقَالَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ وَكَانَتِ الْيَهُودُ أَعْجَبَهُمْ إِذْ كَانَ يُصَلِّي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ الْبَيْتِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْبَخْتَرِيِّ حَدَّثَنَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عِمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ
(17/48)
حُوِّلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْكَعْبَةِ وَهُوَ رَاكِعٌ فَاسْتَدَارَ فِي رُكُوعِهِ وَاسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ شَأْنَ الْقِبْلَةِ أَوَّلُ مَا نُسِخَ مِنَ الْقُرْآنِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا صُرِفَ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأُمِرَ بِالصَّلَاةِ إِلَى الْكَعْبَةِ بِالْمَدِينَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ هَلْ كَانَتْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ إِلَى مَكَّةَ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَانَتْ صَلَاتُهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ حِينِ فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ إِلَى أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ثُمَّ بِالْمَدِينَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهَا حَتَّى صَرَفَهُ اللَّهُ إِلَى الْكَعْبَةِ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا وَجِيهُ بْنُ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُوَ بِمَكَّةَ وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَبَعْدَ مَا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ صُرِفَ إِلَى الْكَعْبَةِ وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ مَا افْتُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ إِلَى الْكَعْبَةِ وَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي إِلَى الْكَعْبَةِ طُولَ مَقَامِهِ بِمَكَّةَ ثُمَّ لَمَّا قدم المدينة صلى إلى بيت المقدس ثانية عَشَرَ شَهْرًا أَوْ
(17/49)
سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ صَرَفَهُ اللَّهُ إِلَى الْكَعْبَةِ وَسَنَذْكُرُ الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ عَمَّنْ قَالَهُ فِي هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ بَحْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ قَالَ حَدَّثَنَا سُنَيْدُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَقَوْلِهِ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَنْزِلُ فِي غَيْرِهِ فَقَالَ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ثُمَّ كَانَ يَنْزِلُ مِنْهُ فِي الشُّهُورِ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَ نَزَلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَكَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُنَزِّلُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَهُ فِي إِثْرِ بَعْضٍ قَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ورتلناه ترتيلا
(17/50)
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ قَالَ الْقُرْآنُ نَزَلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَوُضِعَ مَوَاقِعَ النُّجُومِ فَجَعَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَنْزِلُ بِالْآيَةِ وَالْآيَتَيْنِ وَقَالَ غَيْرُهُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ بِمَسَاقِطِ نُجُومِ الْقُرْآنِ كُلِّهَا أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَمِنَ الْحُجَّةِ لِهَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ الْآيَاتِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ نَزَلَ الْقُرْآنُ جَمِيعًا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ فُصِّلَ فَنَزَلَ فِي السِّنِينَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَأَمَّا شَأْنُ الْقِبْلَةِ فَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ قَالَ حَدَّثَنَا بَهْزٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَرَّ رجل من
(17/51)
بَنِي سَلَمَةَ فَنَادَاهُمْ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ أَلَا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ إِلَى الْكَعْبَةِ فَمَالُوا رُكُوعًا وَذَكَرَ سُنَيْدٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْبِلُ صَخْرَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ قُدُومِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ حِجَجٍ وَصَلَّى بَعْدَ قُدُومِهِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ وَجَّهَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ قَالَ أَبُو عُمَرَ مِنْ حُجَّةِ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالْمَدِينَةِ وَإِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ إِلَى الْكَعْبَةِ مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي
(17/52)
السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ وَكَانَ يُحِبُّ ذَلِكَ فَظَاهِرُ هَذَا الْخَبَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابنعباس قَالَ كَانَ أَوَّلُ مَا نَسَخَ اللَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ الْقِبْلَةَ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَ أَكْثَرُ أَهْلِهَا الْيَهُودَ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَفَرِحَتِ الْيَهُودُ فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ وَكَانَ يَدْعُو اللَّهَ وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ إِلَى قَوْلِهِ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ يَعْنِي نَحْوَهُ فَارْتَابَ الْيَهُودُ وَقَالُوا مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فأنزل الله قل لله الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ وَقَالَ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا
(17/53)
إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِيَمِيزَ أَهْلَ الْيَقِينِ مِنْ أَهْلِ الشَّكِّ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْقِبْلَةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَعِبَادَهُ بِالتَّوَجُّهِ نَحْوَهَا فِي صَلَاتِهِمْ هِيَ الْكَعْبَةُ الْبَيْتُ الْحَرَامُ بِمَكَّةَ وَأَنَّهُ فَرَضَ عَلَى كُلِّ مَنْ شَاهَدَهَا وَعَايَنَهَا اسْتِقْبَالَهَا (وَأَنَّهُ إِنْ تَرَكَ اسْتِقْبَالَهَا (3)) وَهُوَ مُعَايِنٌ لَهَا أَوْ عَالِمٌ بِجِهَتِهَا فَلَا صَلَاةَ لَهُ وَعَلَيْهِ إِعَادَةُ كُلِّ مَا صَلَّى كَذَلِكَ وأجمعوا على أنه من صلى إلى غير الْقِبْلَةَ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ صَلَاتَهُ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ عَنْهُ وَعَلَيْهِ إِعَادَتُهَا إِلَى الْقِبْلَةِ كَمَا لَوْ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَفِي هَذَا الْمَعْنَى حُكْمُ مَنْ صَلَّى فِي مَسْجِدٍ يُمْكِنُهُ طَلَبُ الْقِبْلَةِ فِيهِ بِالْمِحْرَابِ وَشِبْهِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ وَصَلَّى إِلَى غَيْرِهَا وَأَجْمَعُوا أَنَّ عَلَى كُلِّ مَنْ غَابَ عَنْهَا أَنْ يَسْتَقْبِلَ نَاحِيَتَهَا وَشَطْرَهَا وَتِلْقَاءَهَا وَعَلَى أَنَّ عَلَى مَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ نَاحِيَتُهَا الِاسْتِدْلَالَ عَلَيْهَا بِكُلِّ مَا يُمْكِنُهُ مِنَ النُّجُومِ وَالْجِبَالِ وَالرِّيَاحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى نَاحِيَتِهَا وَفِي حَدِيثِ هَذَا الْبَابِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى إِلَى الْقِبْلَةِ عِنْدَ نَفْسِهِ بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ بَانَ لَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ استدبر القبلة
(17/54)
أَوْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ أَنَّهُ يَنْحَرِفُ وَيَبْنِي وَإِنَّمَا قُلْتُ إِنَّ الِاسْتِدْبَارَ وَالتَّشْرِيقَ وَالتَّغْرِيبَ سَوَاءٌ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ لَا يَكَادُ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ إِلَّا مَنِ اسْتَدْبَرَ الْكَعْبَةَ وَذَلِكَ بِدَلِيلِ حَدِيثٍ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ مُسْتَدْبِرَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ وَهَذَا مَوْضِعٌ فِيهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ غَابَتْ عَنْهُ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى مُجْتَهِدًا كَمَا أُمِرَ ثُمَّ بَانَ لَهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الصَّلَاةِ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ بِأَنِ اسْتَدْبَرَهَا أَوْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ عَنْهَا أَوْ بَانَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَجُمْلَةُ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ مَنْ صَلَّى مُجْتَهِدًا عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ طَالِبًا لِلْقِبْلَةِ وَنَاحِيَتِهَا إِذَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ بَانَ لَهُ بَعْدَ صَلَاتِهِ أَنَّهُ قَدِ اسْتَدْبَرَهَا أَنَّهُ يُعِيدُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ فَإِنِ انْصَرَمَ الْوَقْتُ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ وَالْوَقْتُ فِي ذَلِكَ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّ الْوَقْتَ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ تَغْرُبِ الشَّمْسُ وَفِي الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ مَا لَمْ يَنْفَجِرِ الصُّبْحُ وَفِي صَلَاةِ الصُّبْحِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ مَا لَمْ تَصْفَرَّ جِدًّا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ اسْتَدْبَرَهَا وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ أَوْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ قَطَعَ وَابْتَدَأَ وَإِنْ لَمْ يُشَرِّقْ وَلَمْ يُغَرِّبْ وَلَكِنَّهُ انْحَرَفَ انْحِرَافًا يَسِيرًا فَإِنَّهُ يَنْحَرِفُ إِلَى الْقِبْلَةِ إِذَا عَلِمَ وَيَتَمَادَى وَيُجْزِئُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
(17/55)
قَالَ أَشْهَبُ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ صَلَّى إِلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ فَقَالَ إِنْ كَانَ انْحَرَفَ انْحِرَافًا يَسِيرًا فَلَا أَرَى عَلَيْهِ إِعَادَةً وَإِنْ كَانَ انْحَرَفَ انْحِرَافًا شَدِيدًا فَأَرَى عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَنْ تَحَرَّى فَأَخْطَأَ الْقِبْلَةَ أَعَادَ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ وَلَا يُعِيدُ بَعْدَ الْوَقْتِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إِذَا صَلَّيْتَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَقَدْ أَجْزَأَكَ إِذَا لَمْ تَعَمَّدْ ذَلِكَ وَإِنْ جَهِلْتَ وَصَلَّيْتَ بَعْضَ صَلَاتِكَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ عَرَفْتَ الْقِبْلَةَ بَعْدُ فَاسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ بِبَقِيَّةِ صَلَاتِكَ وَاحْتَسِبْ بِمَا صَلَّيْتَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا صَلَّى إِلَى الشَّرْقِ ثُمَّ رَأَى الْقِبْلَةَ إِلَى الْغَرْبِ اسْتَأْنَفَ فَإِنْ كَانَ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ مُتَحَرِّفًا ثُمَّ رَأَى أَنَّهُ مُتَحَرِّفٌ وَتِلْكَ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرِفَ وَيَعْتَدَّ بِمَا مَضَى وَذَكَرَ الرَّبِيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَلَوْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى اجْتِهَادٍ ثُمَّ رَأَى الْقِبْلَةَ فِي غَيْرِ النَّاحِيَةِ الَّتِي صَلَّى إِلَيْهَا فَإِنْ كَانَ مُشَرِّقًا أَوْ مُغَرِّبًا لَمْ يَعْتَدَّ بِمَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ عَلَى مَا بَانَ لَهُ وَاسْتَيْقَنَهُ وَإِنْ رَأَى أَنَّهُ انْحَرَفَ
(17/56)
لَمْ يُلْغِ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ لِأَنَّ الِانْحِرَافَ لَيْسَ فِيهِ يَقِينُ خَطَإٍ وَإِنَّمَا هُوَ اجْتِهَادٌ لَمْ يَرْجِعْ مِنْهُ إِلَى يَقِينٍ وَإِنَّمَا رَجَعَ مِنْ دَلَالَةٍ إِلَى اجْتِهَادٍ مِثْلِهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ مَنْ تَحَرَّى الْقِبْلَةَ فَأَخْطَأَ ثُمَّ بَانَ لَهُ ذَلِكَ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ وَلَا غَيْرِهِ قَالُوا وَلَهُ أَنْ يَتَحَرَّى الْقِبْلَةَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَقِينِ عِلْمٍ مِنْ جِهَتِهَا فَإِنْ أَخْطَأَ قَوْمٌ الْقِبْلَةَ وَقَدْ تَعَمَّدُوهَا فَصَلَّوْا رَكْعَةً ثُمَّ عَلِمُوا بِهَا صَرَفُوا وُجُوهَهُمْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِمْ إِلَى الْقِبْلَةِ وَصَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ أَتَمُّوا ثُمَّ عَلِمُوا بَعْدُ لَمْ يُعِيدُوا وَقَالَ الطَّبَرِيُّ مَنْ تَحَرَّى فَأَخْطَأَ الْقِبْلَةَ أَعَادَ أَبَدًا إِذَا اسْتَدْبَرَهَا وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَبُو عُمَرَ النَّظَرُ فِي هَذَا الْبَابِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى إِلَى الْقِبْلَةِ عِنْدَ نَفْسِهِ مُجْتَهِدًا لِخَفَاءِ نَاحِيَتِهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ عَمِلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَأَدَّى مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ مِنِ اجْتِهَادِهِ بِطَلَبِ الدَّلِيلِ عَلَى الْقِبْلَةِ حَتَّى حَسِبَ أَنَّهُ مُسْتَقْبِلُهَا ثُمَّ لَمَّا صَلَّى بَانَ لَهُ خَطَؤُهُ وَقَدْ كَانَ الْعُلَمَاءُ مُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ فَعَلَ مَا أُبِيحَ لَهُ فِعْلُهُ بَلْ مَا لَزِمَهُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي إِيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ إِذَا بَانَ لَهُ أَنَّهُ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ وَإِيجَابُ الْإِعَادَةِ إِيجَابُ فَرْضٍ
(17/57)
وَالْفَرَائِضُ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِيَقِينٍ لَا مِدْفَعَ لَهُ أَلَا تَرَى إِلَى إِجْمَاعِهِمْ فِيمَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ مَوْضِعُ الْمَاءِ فَطَلَبَهُ جَهْدَهُ وَلَمْ يَجِدْهُ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ رَأَى عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ قِيَاسًا عَلَى مَنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَوْضِعِ اجْتِهَادٍ فِي الْوُضُوءِ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِهِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالِاجْتِهَادِ فِي طَلَبِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ يُعِيدُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابٌ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَمْ يُسْقِطْهَا خُرُوجُ الْوَقْتِ وَهَذَا وَاضِحٌ يُسْتَغْنَى عَنِ الْقَوْلِ فِيهِ وَكَذَلِكَ يَشْهَدُ النَّظَرُ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ فِي الْمُنْحَرِفِ عَنِ الْقِبْلَةِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا وَلَمْ يَكُنِ انْحِرَافُهُ ذَلِكَ فَاحِشًا فَيُشَرِّقُ أَوْ يُغَرِّبُ إِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ السِّعَةَ فِي الْقِبْلَةِ لِأَهْلِ الْآفَاقِ مَبْسُوطَةٌ مَسْنُونَةٌ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلِ أَصْحَابِهِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُعَلَّى بن
(17/58)
مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَخْنَسِيِّ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا الْخَضِرُ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابن عمر قَالَ قَالَ عُمَرُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ قَالَ وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فَضَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَقُولُ كَيْفَ يُخْطِئُ الرَّجُلُ الصَّلَاةَ وَمَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ مَا لَمْ يَتَحَرَّ الشَّرْقَ عَمْدًا قَالَ وَحَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا أبو عبد الرحمان السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ قَالَ وَحَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ
(17/59)
الأعلى عن محمد بن الْحَنَفِيَّةِ قَالَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ قَالَ وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ هَذَا فِي كُلِّ الْبُلْدَانِ قَالَ وَتَفْسِيرُهُ أَنَّ هَذَا الْمَشْرِقَ وَأَشَارَ بِيَسَارِهِ وَهَذَا الْمَغْرِبَ وَأَشَارَ بِيَمِينِهِ قَالَ وَهَذِهِ الْقِبْلَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَأَشَارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ قَالَ وَهَكَذَا فِي كُلِّ الْبُلْدَانِ إِلَّا بِمَكَّةَ عِنْدَ الْبَيْتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا اسْتَقْبَلَ الرُّكْنَ وَزَالَ عَنْهُ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ فَقَدْ تَرَكَ الْقِبْلَةَ قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قِبْلَةُ الْبُلْدَانِ قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَإِنْ صَلَّى رَجُلٌ فِيمَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ تَرَى صَلَاتَهُ جَائِزَةً قَالَ نَعَمْ صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ إِلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى الْوَسَطَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ كُنَّا نَحْنُ وَأَهْلُ بَغْدَادَ نُصَلِّي هَكَذَا نَتَيَامَنُ قَلِيلًا ثُمَّ حُرِّفَتِ الْقِبْلَةُ مُنْذُ سِنِينَ يَسِيرَةٍ قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ قِبْلَةُ أَهْلِ بَغْدَادَ على الجدي فجعل ينكر الجدي وقال ليس على الجدي وَلَكِنْ حَدِيثُ عُمَرَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَبِلَتُنَا نَحْنُ أَيُّ نَاحِيَةٍ قَالَ عَلَى الْبَابِ قَبِلَتُنَا وَقِبْلَةُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ كُلِّهِمْ وَأَهْلِ خُرَسَانَ الْبَابُ
(17/60)
أخبرني عبد الرحمان بن يحيى ويحيى بن عبد الرحمان قَالَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ قَالَ لَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ فِي قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ فِي هَذَا سَعَةٌ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ قِيلَ لَهُ أَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّهُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ نَحْنُ وَهُمْ سَوَاءٌ وَالسَّعَةُ فِي الْقِبْلَةِ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ قَالَ وَهَؤُلَاءِ الْمُشَرَّقُونَ لَا عِلْمَ عِنْدَهُمُ بِسَعَةِ الْقِبْلَةِ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يَقَعُ فِي نفوسهم
(17/61)
أخبرني عبد الرحمان بن يحيى ويحيى بن عبد الرحمان قَالَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ قَالَ لَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ فِي قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ فِي هَذَا سَعَةٌ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ قِيلَ لَهُ أَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّهُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ نَحْنُ وَهُمْ سَوَاءٌ وَالسَّعَةُ فِي الْقِبْلَةِ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ قَالَ وَهَؤُلَاءِ الْمُشَرَّقُونَ لَا عِلْمَ عِنْدَهُمُ بِسَعَةِ الْقِبْلَةِ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يَقَعُ فِي نفوسهم
(17/62)
حَدِيثٌ ثَالِثَ عَشَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا نَادَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَرَى فِي الضَّبِّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسْتُ بِآكِلِهِ وَلَا بِمُحَرِّمِهِ هَكَذَا رَوَى يَحْيَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ لِلْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَاهُ ابْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ صَحِيحٌ لِمَالِكٍ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَهُوَ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ كَمَا هُوَ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ دِينَارٍ وَقَدْ رَوَاهُ قَوْمٌ مِنْهُمْ بِشْرُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
(17/63)
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ عَنِ الضَّبِّ فَقَالَ لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَكْلِ الضَّبِّ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا إِلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُحَرِّمْهُ وَلَا رَسُولُهُ وَقَدْ أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِحَضْرَتِهِ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يَتْرُكْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا يَأْكُلُهُ وَقَدْ مَضَى فِي بَابِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فِي الضَّبِّ حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي وَأَجِدُنِي أَعَافُهُ قَالَ خَالِدٌ فَاجْتَرَرْتُهُ وَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ يَنْظُرُ فَبِهَذَا الْحَدِيثِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الضَّبِّ فَأَجَازَا أَكْلَهُ وَكَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ أَكْلَ الضَّبِّ وَاحْتَجُّوا هُمْ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُمْ فِي كَرَاهِيَةِ أَكْلِهِ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ
(17/64)
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرحمان بْنِ حَسَنَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ وَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا هَذَا يَعْنِي الضَّبَّ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ حَدَّثَنَا زَيْدُ بن وهب عن عبد الرحمان بْنِ حَسَنَةَ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ فَنَزَلْنَا بِأَرْضٍ كَثِيرَةِ الضِّبَابِ فَأَخَذْنَا مِنْهَا فَطَبَخْنَا فِي الْقُدُورِ فَقُلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا الضِّبَابُ فَقَالَ إِنَّ أُمَّةً فُقِدَتْ وَلَعَلَّهَا هَذِهِ فَأَمَرَنَا فَكَفَأْنَا الْقُدُورَ هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرحمان بْنِ حَسَنَةَ وَرَوَاهُ حُصَيْنٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ وَدِيعَةَ حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ أَخْبَرَنَا خَالِدٌ عَنْ حصين عن زيد بن وهب عن ثابت بْنِ وَدِيعَةَ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَيْشٍ فَأَصَبْنَا ضِبَابًا قَالَ فَشَوَيْتُ مِنْهَا ضَبًّا فَأَتَيْتُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ فَأَخَذَ عُودًا فَعَدَّ بِهِ
(17/65)
أَصَابِعَهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ دَوَابَّ فِي الْأَرْضِ وَإِنِّي لَا أَدْرِي أَيَّ الدَّوَابِّ هِيَ قَالَ فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ وَلَمْ يَنْهَ قَالَ أَبُو عُمَرَ احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ كَرِهَهُ بِهَذَا الْخَبَرِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى أنه مسخ يشبه كَفِّهِ بِكَفِّ الْإِنْسَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَدَّ أَصَابِعَهُ قَالَ مَا قَالَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ وَأَنْشَدُ بَعْضُهُمْ فِي صِفَةَ الضَّبِّ ... لَهُ كَفُّ إِنْسَانٍ وَخَلْقُ عَظَاءَةٍ ... وَكَالْقِرْدِ وَالْخِنْزِيرِ فِي الْمَسْخِ وَالْعَصْبِ ... وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ ... مَنَاسِمُهَا صُمٌّ صِلَابٌ كَأَنَّهَا ... رُؤُوسُ الضَّبَابِ اسْتَخْرَجَتْهَا الظَّهَائِرُ ... ... وَأَنْشَدَ الْأَصْمَعِيُّ ... إِنَّا وَجَدْنَا بَنِي حِمَّانَ كُلَّهُمُ ... كَسَاعِدِ الضَّبِّ لَا طُولٌ وَلَا عَظْمُ ... وَإِنَّمَا أَنْشَدْتُ هَذِهِ الأبيان لِتَقِفَ عَلَى صُورَةِ الضَّبِّ وَتَعْرِفَهُ فَإِنَّ بَعْضَ الْجُهَّالِ يُخَالِفُ فِيهِ
(17/66)
وَرَوَى أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أُهْدِيَ لَهَا ضَبٌّ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ أَكْلِهِ فَنَهَاهَا عَنْهُ فَجَاءَ سَائِلٌ فَقَامَتْ لِتَنَاوِلَهُ إِيَّاهُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُطْعِمِينَهُ مَا لَا تَأْكُلِينَ وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُهْدِيَ لَهُ ضَبٌّ فَلَمْ يَأْكُلْهُ فَقَامَ عَلَيْهِمْ سَائِلٌ فَأَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تُعْطِيَهُ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطيه مَا لَا تَأْكُلِينَ فَاحْتَجَّ مَنْ كَرِهَ أَكْلَ الضب بهذا الْأَحَادِيثِ فَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ فَمُخْتَلَفٌ فِي إِسْنَادِهِ وَقَدْ رَوَى ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أن الله لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا أَوْ لَمْ يَمْسَخْ قَوْمًا فَيَجْعَلْ لَهُمْ نَسْلًا وَلَا عَاقِبَةً وَهُوَ مُعَارِضٌ مُدَافِعٌ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ هَذَا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيِّ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ
(17/67)
قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكِ قَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ أَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ أَجْلِهِ وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ أَوْ عَذَابِ النَّارِ كَانَ خَيْرًا لَكِ أَوْ أَفْضَلَ قَالَ وَذُكِرَ عِنْدَهُ الْقِرَدَةُ قَالَ مِسْعَرٌ وَأَرَاهُ قَالَ وَالْخَنَازِيرُ مِمَّا مُسِخَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اله لَمْ يَجْعَلْ لَمَسْخٍ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا وَقَدْ كَانَتِ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ قَبْلَ ذَلِكَ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ مُرَّةَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ الْيَشْكُرِيِّ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ سَوَاءً وَفِيهِ قَالَ وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ أَهُمْ من نسل الذي مُسِخُوا أَمْ شَيْءٌ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا قَطُّ فَيَجْعَلْ لَهُمْ نَسْلًا وَلَا عَاقِبَةً وَلَكِنَّهُمْ مِنْ شَيْءٍ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ
(17/68)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ خَالَتَهُ أَهْدَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمْنًا وَأَضُبًّا وَأَقِطًا فَأَكَلَ مِنَ السَّمْنِ وَالْأَقِطِ وَتَرَكَ الْأَضُبَّ تَقَذُّرًا وَأُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَرْثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ قَالَ ذُكِرَ الضَّبُّ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ بَعْضُ جُلَسَائِهِ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُحِلَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِئْسَ مَا تَقُولُونَ إِنَّمَا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَلِّلًا وَمُحَرَّمًا جَاءَتْ أم حفيد تزور أختها ميمونة بنت الحرث وَمَعَهَا طَعَامٌ فِيهِ لَحْمُ ضَبٍّ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا غَسَقَ يَعْنِي أَظْلَمَ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ الطَّعَامُ فَكَرِهَتْ مَيْمُونَةُ أَنْ يَأْكُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَعَامٍ لَا يَعْلَمُ مَا هو فقالت
(17/69)
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فِيهِ لَحْمَ ضَبٍّ فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْسَكَتْ مَيْمُونَةُ وَأَكَلَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ فِقْهُ هَذَا الْبَابِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَعَانِيهِ وَهُوَ كَافٍ يُغْنِي عَنْ كُلِّ حُجَّةٍ لِمَنْ تَدَبَّرَ وَفَهِمَ وَبِاللَّهِ الْعَوْنُ لَا شَرِيكَ لَهُ
(17/70)
حَدِيثٌ رَابِعَ عَشَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ فِيمَا عَلِمْتُ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ وَالصَّوَابُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ وُجُوهٍ وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ مِنْ وُجُوهٍ وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا مِنْ وُجُوهٍ وَتَلَقَّاهُ الْعُلَمَاءُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ بِالْعَمَلِ وَالْقَبُولِ فِي جُمْلَتِهِ إِلَّا أَنَّهُمُ اختلفوا
(17/71)
فِي بَعْضِ مَعَانِيهِ فَالَّذِي أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْهُ أَنَّهُ جَائِزٌ لِكُلِّ مَنْ سَافَرَ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ أَوْ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ أَنْ يُصَلِّيَ التَّطَوُّعَ عَلَى دَابَّتِهِ وَرَاحِلَتِهِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى دَابَّتِهِ وَفِي مَحْمِلِهِ إِلَّا أَنَّ مِنْهُمْ جَمَاعَةً يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَفْتَتِحَ الْمُصَلِّي صَلَاتَهُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي تَطَوُّعِهِ إِلَى الْقِبْلَةِ وَيُحْرِمَ بِهَا وَهُوَ مُسْتَقْبَلٌ الْقِبْلَةَ ثُمَّ لَا يُبَالِي حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَسْتَحِبَّ ذَلِكَ وَقَالَ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَكُونَ فِي سَائِرِ صَلَاتِهِ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَكَذَلِكَ افْتِتَاحُهُ لَهَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ (لَمْ يَجُزْ لَهُ الِانْحِرَافُ عَنِ الْقِبْلَةِ عَامِدًا وَهُوَ بِهَا عَالِمٌ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ) وَمَنِ اسْتَحَبَّ افْتِتَاحَ النَّافِلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ إِلَى الْقِبْلَةِ فَحُجَّتُهُ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو داود قال حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا رِبْعِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَارُودِ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي الْحَجَّاجِ قَالَ حَدَّثَنِي الْجَارُودُ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا سَافَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكَابُهُ
(17/72)
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعَسْكَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيُّ سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو ثَوْرٍ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ مَنْ تَنَفَّلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي فِيهِ نَزَلَتْ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَطَائِفَةٌ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي قَوْلِ الْيَهُودِ فِي الْقِبْلَةِ وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ كَانُوا فِي سَفَرٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ فَلَمْ يَعْرِفُوا الْقِبْلَةَ فَاجْتَهَدُوا وَصَلَّوْا إِلَى جِهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ ثُمَّ بَانَ لَهُمْ خَطَؤُهُمْ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَضَتْ صَلَاتُكُمْ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ قَوْلٌ حَسَنٌ أَيْضًا تُعَضِّدُهُ السُّنَّةُ فِي ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ هَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ تَخْصِيصُ التَّطَوُّعِ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ أَمْرٌ لَا خِلَافَ فِيهِ فَلِذَلِكَ أَهْمَلَ مَالِكٌ ذِكْرَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(17/73)
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ سَوَاءً وَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ جَمَاعَةُ الرُّوَاةِ أَنَّ ذَلِكَ فِي التَّطَوُّعِ دُونَ الْمَكْتُوبَةِ وَهُوَ أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُصَلِّيَ الْفَرْضِ أَنْ يَدَعَ الْقِبْلَةَ عَامِدًا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ إِلَّا فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَائِفًا شَدِيدَ الْخَوْفِ هَارِبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَاكِبًا وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي صَلَاةِ الطَّالِبِ فِي الْخَوْفِ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ نَافِعٍ وَقَالَ الْأَثْرَمُ قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ يُصَلِّي الْمَرِيضُ الْمَكْتُوبَةَ عَلَى الدَّابَّةِ وَالرَّاحِلَةِ فَقَالَ لَا يُصَلِّي أَحَدٌ الْمَكْتُوبَةَ عَلَى الدَّابَّةِ مَرِيضٌ وَلَا غَيْرُهُ إِلَّا فِي الطِّينِ وَالتَّطَوُّعِ كَذَلِكَ بَلَغَنَا يُصَلِّي وَيُومِئُ قَالَ وَأَمَّا فِي الْخَوْفِ فَقَدْ قَالَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ الصَّلَاةِ فِي الطِّينِ فِي بَابِ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَرِيضِ يُصَلِّي عَلَى مَحْمِلِهِ فَمَرَّةً قَالَ لَا يُصَلِّي عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ فَرِيضَةً وَإِنِ اشْتَدَّ مَرَضُهُ حَتَّى لَا يَقْدِرَ أَنْ يَجْلِسَ لِمَرَضٍ إِلَّا بِالْأَرْضِ وَمَرَّةً قَالَ إِذَا
(17/74)
كَانَ مِمَّنْ لَا يُصَلِّي بِالْأَرْضِ إِلَّا إِيمَاءً فَلْيُصَلِّ عَلَى الْبَعِيرِ بَعْدَ أَنْ يُوقَفَ لَهُ وَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ صَحِيحٍ وَلَا مَرِيضٍ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ إِلَّا فِي الْخَوْفِ الشَّدِيدِ خَاصَّةً حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ أَبِي جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عَلَى نَاقَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ فِي غَيْرِ الْمَكْتُوبَةِ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ السَّمُرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ تَطَوُّعًا وَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا
(17/75)
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَيَّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ وَأَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ الْمَدَائِنِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ زَبْرٍ الشَّامِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَنَافِعٌ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ تَطَوُّعًا وَأَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بن عبد الرحمان عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ
(17/76)
مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَةٍ فَجِئْتُ وَهُوَ يُصَلَّى عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ يُومِئُ إِيمَاءً السُّجُودُ أَخْفَضُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ فَسَلَّمْتُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ مَا مَنَعَنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُسَافِرِ سَفَرًا لَا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ هَلْ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَدَابَّتِهِ أَمْ لَا فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ لَا يَتَطَوَّعُ عَلَى الرَّاحِلَةِ إِلَّا فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَسْفَارَ الَّتِي حُكِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَتَطَوَّعُ فِيهَا عَلَى رَاحِلَتِهِ كَانَتْ مِمَّا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ إِلَّا فِي الْحَالِ الَّتِي وَرَدَتْ بِهَا السُّنَّةُ لَا تَتَعَدَّى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ يَجُوزُ التَّطَوُّعُ عَلَى الرَّاحِلَةِ خَارِجَ الْمِصْرِ فِي كُلِّ سَفَرٍ وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَوْ لَا تَقْصُرُ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ الْآثَارَ فِي هَذَا الْبَابِ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا تَخْصِيصُ سَفَرٍ مِنْ سَفَرٍ فَكُلُّ سَفَرٍ جَائِزٌ ذَلِكَ فِيهِ إِلَّا أَنْ يُخَصَّ شَيْءٌ مِنَ الْأَسْفَارِ مِمَّا يَجِبُ التسليم له
(17/77)
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُصَلِّي فِي الْمِصْرِ عَلَى الدَّابَّةِ بِالْإِيمَاءِ لِحَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى حِمَارٍ فِي أَزِقَّةِ الْمَدِينَةِ يُومِئُ إِيمَاءً وَقَالَ الطَّبَرِيُّ يَجُوزُ لِكُلِّ رَاكِبٍ وَمَاشٍ حَاضِرًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا أَنْ يَتَنَفَّلَ عَلَى دَابَّتِهِ وَرَاحِلَتِهِ وَعَلَى رِجْلَيْهِ وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَذْهَبَهُمْ جَوَازُ التَّنَفُّلِ عَلَى الدَّابَّةِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَقَالَ الْأَثْرَمُ قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ الصَّلَاةُ عَلَى الدَّابَّةِ فِي الْحَضَرِ فَقَالَ أَمَّا فِي السَّفَرِ فَقَدْ سَمِعْنَا وَمَا سَمِعْتُ فِي الْحَضَرِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ تَنَفَّلَ فِي مَحْمِلِهِ تَنَفَّلَ جَالِسًا قِيَامُهُ تَرَبُّعٌ وَيَرْكَعُ وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَيُزِيلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَثْنِي رِجْلَيْهِ وَيُومِئُ لِسُجُودِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَوْمَأَ مُتَرَبِّعًا وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ صَلَاةِ الْمَرِيضِ فِي بَابِ إِسْمَاعِيلَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَبِهِ التَّوْفِيقُ
(17/78)
حَدِيثٌ خَامِسَ عَشَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ هَكَذَا هُوَ عِنْدَ جَمَاعَةِ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعَسْكَرِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيُّ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ
(17/79)
أَمَّا قَوْلُهُ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا فِي النَّظَرِ أَحَدُهُمَا أن يكون الألف واللام! فِي الشَّهْرِ إِشَارَةً إِلَى شَهْرٍ بِعَيْنِهِ وَهُوَ الشَّهْرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الَّذِي آلَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَزْوَاجِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَوْ تَكُونَ إِشَارَةً إِلَى رَمَضَانَ بِعَيْنِهِ كَأَنَّهُ قَالَ شَهْرُنَا (هَذَا) تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِنَ الشُّهُورِ مَا يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَمِنْهَا مَا يَكُونُ ثَلَاثِينَ فَأَعْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَيْ أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَلَا تَكُونُ حِينَئِذٍ إِشَارَةً إِلَى مَعْهُودٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَنَّ الشُّهُورَ كُلَّهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَلَيْسَ التَّعْرِيفُ فِي الشهر ههنا إِشَارَةً إِلَى جِنْسِ الشُّهُورِ وَلَكِنَّ الْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ بَيِّنٌ لَا تَنَازُعَ فِيهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَرْثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ
(17/80)
قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ اعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ شَهْرًا فَخَرَجَ صُبْحَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ثُمَّ صَفَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْهِ ثَلَاثًا مَرَّتَيْنِ الْأَصَابِعَ كُلَّهَا وَالثَّالِثَةَ بِتِسْعٍ مِنْهَا وَعِنْدَ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن قاسم حدثنا قاسم حدثنا الحرث بْنُ أَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صيفي أن يحيى بن عبد الرحمان أَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ شَهْرًا فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدَا عَلَيْهِنَّ أَوْ رَاحَ فَقِيلَ لَهُ حَلَفْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا فَقَالَ إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَرَوَى شُعْبَةُ قَالَ أَنْبَأَنِي سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحَكَمِ السُّلَمِيَّ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ
(17/81)
وَرَوَى هَذَا الْمَعْنَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُمْ بِمَعْنَى حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ وَقَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ثُمَّ عَقَفَ إِبْهَامَهُ الثَّالِثَةَ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأفطروا لرؤيته فإن أغمي عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْ نَافِعٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ فَاقْدُرُوا لَهُ وَكَذَلِكَ رَوَى سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ فَقَالَ فِيهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ مُسْتَوْعَبًا فِي مَعْنَى فَاقْدُرُوا لَهُ وَمَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مِنَ الْوُجُوهِ فِي بَابِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَةِ شَيْءٍ من ذلك ههنا قَرَأْتُ عَلَى سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ أَنَّ قَاسِمَ بْنَ أَصْبَغَ حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ عَبْدِ
(17/82)
الْعَزِيزِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ إِلَّا أَنْ يَغُمَّ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ جَمَاعَةٌ أَعْنِي حَدِيثَ الشَّهْرِ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ وَسَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو وَغَيْرُهُمْ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَعِقْدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي تَمَامَ ثَلَاثِينَ
(17/83)
الْعَزِيزِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ إِلَّا أَنْ يَغُمَّ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ جَمَاعَةٌ أَعْنِي حَدِيثَ الشَّهْرِ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ وَسَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو وَغَيْرُهُمْ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَعِقْدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي تَمَامَ ثَلَاثِينَ
(17/84)
حَدِيثٌ سَادِسَ عَشَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ هَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ)
أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ تَحَرَّوْهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ هَكَذَا حَدَّثَ بِهِ عَنْ شُعْبَةَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مُسْتَوْعَبًا فِي بَابِ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَلَا معنى لإعادة ذلك ههنا
(17/85)
حَدِيثٌ سَادِسَ عَشَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ هَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ)
أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ تَحَرَّوْهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ هَكَذَا حَدَّثَ بِهِ عَنْ شُعْبَةَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مُسْتَوْعَبًا فِي بَابِ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَلَا معنى لإعادة ذلك ههنا
(17/86)
حَدِيثٌ سَابِعَ عَشَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدُهُمْ فَإِنَّمَا يَقُولُ السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقُلْ عَلَيْكَ هَكَذَا قَالَ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَيْكَ عَلَى لَفْظِ الْوَاحِدِ وَتَابَعَهُ قَوْمٌ وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ عَلَيْكُمْ عَلَى لَفْظِ الْجَمَاعَةِ وَلَمْ يُدْخِلْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِيهِ الْوَاوَ عَنْ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدُهُمْ فَإِنَّمَا يَقُولُ السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقُولُوا عَلَيْكُمْ بِلَا وَاوٍ أَيْضًا كَمَا قَالَ مَالِكٌ
(17/87)
وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ فَقَالَ فِيهِ وَعَلَيْكُمْ بِالْوَاوِ وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَعَلَيْكُمْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ عَائِشَةَ وَأَبِي عبد الرحمان الْجُهَنِيِّ وَأَبِي بُصْرَةَ الْغِفَارِيِّ قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ مَا عَلَيْهِ الْيَهُودُ مِنَ الْعَدَاوَةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَبِذَلِكَ كَانُوا يَضَعُونَ مَوْضِعَ السَّلَامِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الدُّعَاءَ عَلَيْهِمْ بِالْمَوْتِ وَالسَّامُ الْمَوْتُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ الْفَزَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَامُ بْنُ مِصَكٍّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ
(17/88)
فَإِنَّ فِيهَا شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ وَالسَّامُ الْمَوْتُ وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ فِي تَفْسِيرِ اسْتِعْمَالِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ وَهُوَ الشُّونِيزُ وَرَوَى مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ حَدِيثِ الْعُلَمَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ رَدِّ السَّلَامِ عَلَى كُلِّ مَنْ سَلَّمَ بِمِثْلِ سَلَامِهِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تَحِيَّةً طَيِّبَةً فَيَجُوزُ أَنْ يَرُدَّ الْمُحَيَّا أَفْضَلَ مِمَّا حُيِّيَ بِهِ أَوْ مِثْلَهُ لَا يَنْقُصُ مِنْهُ قَالَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا وَلَمْ يَخُصَّ مُسْلِمًا مِنْ ذِمِّيٍّ وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ التَّحِيَّةَ الْحَسَنَةَ وَأَمَّا التَّحِيَّةُ السَّيِّئَةُ فَلَيْسَ عَلَى سَامِعِهَا أَنْ يُحَيِّيَ بِأَحْسَنَ مِنْهَا وَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ أَخَذَ بِالْفَضْلِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهَا بِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْ وَعَلَيْكَ وَقَدْ سَلَفَ الْقَوْلُ فِي مَعْنَى وُجُوبِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ
(17/89)
لِلْجَمَاعَةِ وَالْوَاحِدِ فِي بَابِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَةِ ذَلِكَ ههنا حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمان قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا الحرث بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَشْهَلُ بْنُ حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ أَنْبَأَنِي حُمَيْدُ بْنُ زَاذَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ أُمِرْنَا أَوْ نُهِينَا أَنْ لَا نَزِيدَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى وَعَلَيْكُمْ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ الْمَدَائِنِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ سَوَاءً أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْنَا فَكَيْفَ نَرُدُّ عَلَيْهِمْ قَالَ قُولُوا وَعَلَيْكُمْ
(17/90)
وَأَمَّا ابْتِدَاءُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالسَّلَامِ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَكَرِهَتْ طَائِفَةٌ أَنْ يُبْتَدَأَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالسَّلَامِ لِحَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تبدؤهم بِالسَّلَامِ وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الْمَصِيرُ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ أَوْلَى مِمَّا خَالَفَهُ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيِّ وَشُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَمُرُّ بِمُسْلِمٍ وَلَا يَهُودِيٍّ وَلَا نَصْرَانِيٍّ إِلَّا بَدَأَهُ بِالسَّلَامِ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُمْ كانوا يبدأون أَهْلَ الذِّمَّةِ بِالسَّلَامِ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ السَّلَامُ عَلَيْكَ وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ لَوْ قَالَ لِي فِرْعَوْنُ خَيْرًا لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ مِثْلَهُ وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يُسَلِّمُ عَلَى كُلِّ مَنْ لَقِيَ مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ
(17/91)
وَيَقُولُ هِيَ تَحِيَّةٌ لِأَهْلِ مِلَّتِنَا وَأَمَانٌ لِأَهْلِ ذِمَّتِنَا وَاسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ نُفْشِيهِ بَيْنَنَا وَقِيلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ سُئِلَ عَنِ ابْتِدَاءِ أَهْلِ الذمة فقال نرد عليهم ولا نبدأهم فَقَالَ أَمَّا أَنَا فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ نَبْدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ قِيلَ لَهُ لِمَ قَالَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ كَمَذْهَبِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ وَقَدْ يَحْتَمِلُ عِنْدِي حَدِيثُ سُهَيْلٍ أَنْ يكون معنى قوله لا تبدؤوهم أي ليس عليكم أن تبدؤهم كَمَا تَصْنَعُونَ بِالْمُسْلِمِينَ وَإِذَا حُمِلَ عَلَى هَذَا ارْتَفَعَ الِاخْتِلَافُ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَا جَمِيعًا حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ أَبِي إِلَى الشَّامِ قَالَ فَجَعَلُوا يَمُرُّونَ بِصَوَامِعَ فِيهَا نَصَارَى فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِمْ
(17/92)
فَقَالَ أَبِي لَا تَبْدَؤُوهُمْ بِالسَّلَامِ فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لا تبدؤوهم بالسلام وإذ لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِ الطَّرِيقِ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرحمان الْجُهَنِيِّ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنِّي رَاكِبٌ غَدًا إِلَى يَهُودَ فَلَا تَبْدَؤُوهُمْ بِالسَّلَامِ فَإِذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ قَالَ أَبُو عُمَرَ فَهَذَا الْوَجْهُ الْمَعْمُولُ بِهِ فِي السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ طَاوُسَ يقول إذا سلم عليك اليهودي أو النصراني فَقُلْ عَلَاكَ السَّلَامُ أَيِ ارْتَفَعَ عَنْكَ السَّلَامُ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا لَا وَجْهَ لَهُ مَعَ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ جَازَ مُخَالَفَةُ الْحَدِيثِ إِلَى الرَّأْيِ فِي مِثْلِ
(17/93)
هَذَا لَاتَّسَعَ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ وَكَثُرَتِ الْمَعَانِي وَمِثْلُ قَوْلِ ابْنِ طَاوُسَ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ يَرُدُّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَيْكَ السِّلَامِ بِكَسْرِ السِّينِ يَعْنِي الْحِجَارَةَ وَهَذَا غَايَةٌ فِي ضَعْفِ الْمَعْنَى وَلَمْ يُبَحْ لَنَا أَنْ نَشْتُمَهُمُ ابْتِدَاءً وَحَسْبُنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِمْ بِمِثْلِ مَا يَقُولُونَ فِي قَوْلِ وَعَلَيْكَ مَعَ امْتِثَالِ السُّنَّةِ الَّتِي فِيهَا النَّجَاةُ لِمَنْ تَبِعَهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ ابْنِ شِهَابٍ حُكْمَ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِّ الذِّمَّةِ لِأَنَّ بَعْضَ الفقهاء جعل قول اليهود ههنا من باب السب وقوله السَّامُ عَلَيْكُمْ وَهَذَا عِنْدِي لَا وَجْهَ لَهُ والله أعلم
(17/94)
حَدِيثٌ ثَامِنَ عَشَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَبَذَهُ وَقَالَ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا قَالَ فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِمَهُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَشْيَاءَ عَلَى الْإِبَاحَةِ حَتَّى يَرِدَ الشَّرْعُ بِالْمَنْعِ مِنْهَا أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ بِالذَّهَبِ وَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ حَتَّى أَمَرَهُ اللَّهُ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ تَرْكِ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ لِلرِّجَالِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ كَانَ النَّاسُ عَلَى جَاهِلِيَّتِهِمْ حتى
(17/95)
يُؤْمَرُوا أَوْ يُنْهَوْا وَمِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نهى عن لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَالْمُعَصْفَرِ وَعَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ الْحَدِيثَ وَهَذَا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى عُمُومِهِ مَا جَازَ لِلرِّجَالِ وَلَا لِلنِّسَاءِ وَلَكِنْ قَدْ جَاءَتْ آثَارٌ تَخُصُّ النِّسَاءَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فِي بَابِ نَافِعٍ وَغَيْرِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَةَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ قَالَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الرَّقِّيِّ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ سمعت معاوية بن سويد بن مقر قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن خَاتَمِ الذَّهَبِ أَوْ حِلْيَةِ الذَّهَبِ شَكَّ شُعْبَةُ قَالَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكَرِيمِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ عَبْدُ الْكَبِيرِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بن سويد بن مقر عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ نُهِينَا عَنْ سَبْعٍ وَأُمِرْنَا بِسَبْعٍ أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ
(17/96)
وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَإِجَابَةِ الدَّاعِي وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَرَدِّ السَّلَامِ وَنُهِينَا عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ وَآنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالْقَسِّيِّ وَالْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالْإِسْتَبْرَقِ وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَفِي بَابِ نَافِعٍ أَيْضًا وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي وَحَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ لِلرِّجَالِ وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الْكَنُودِ قَالَ أَصَبْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَأَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَرَآهُ عَلَيَّ فَأَخَذَهُ فَجَعَلَهُ بَيْنَ لَحْيَيْهِ فَمَضَغَهُ وَقَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الْكَنُودِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَهُ مَرْفُوعًا وَأَبُو الْكَنُودِ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فيه
(17/97)
وَاخْتَلَفُوا فِي اسْمِ أَبِيهِ فَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُوَيْمِرٍ وَقَالَ خَلِيفَةُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ وَنَسَبَهُ فِي الْأَزْدِ وَأَبُو سَعِيدٍ أَزْدِيٌّ أَيْضًا لَا يُوقَفُ لَهُ عَلَى اسْمٍ يُقَالُ لِأَبِي سَعِيدٍ قَارِئُ الْأَزْدِ رَوَى عَنْهُ السُّدِّيُّ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَرَوَى عَنْ أَبِي الْكَنُودِ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَزْدِيُّ سَمِعَ خَبَّابَ بْنَ الْأَرَتِّ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ وَقَالَ يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَمَا ذَهَبَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ خُذْ خَاتَمَكَ فَانْتَفِعْ بِهِ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ لَا آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا كُلُّهُ فِي الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ لِبَاسَ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ حَلَالٌ وَقَدْ مَضَى فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ
(17/98)
كِتَابِنَا هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ هَذَانِ حَلَالَانِ لِإِنَاثِ أُمَّتِي حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِهَا وَمَضَى هُنَالِكَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَا فِيهِ كِفَايَةٌ فِي بَابِ نَافِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ ذَلِكَ ههنا وَأَمَّا نَبْذُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَهُ وَنَبْذُ النَّاسِ لِخَوَاتِمِهِمْ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُمُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا أَمْرٌ وَاضِحٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَبْذُهُ لَهُ طَرْحَهُ لَهُ عَنْ يَدِهِ وَكَذَلِكَ طَرْحُ النَّاسِ لِخَوَاتِمِهِمْ عَنْ أَيْدِيهِمْ تَرْكُهُمْ لِلُبْسِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا لَمَّا نُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ وَالذَّهَبُ مَالٌ فَجَائِزٌ سَبْكُهُ وَبَيْعُهُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي يَجُوزُ لَهُنَّ اتِّخَاذُهُ وَإِنَّمَا حُرِّمَ عَلَى الرَّجُلِ حَبْسُهُ فِي أُصْبُعِهِ تَزَيُّنًا بِهِ دُونَ سَائِرِ تَمَلُّكِهِ وَإِنْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى بِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ أَوَّلًا ثُمَّ نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا خِلَافَ فِيهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَأَمَّا اتِّخَاذُ خَاتَمِ الْوَرِقِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَمُجْتَمَعٌ عَلَى إِجَازَتِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
(17/99)
عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّيْهِ فَاتَّخَذَهُ النَّاسُ فَرَمَى بِهِ وَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ نَبَذَهُ فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِمَهُمْ وَهَذَا غَلَطٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ إِنَّمَا نَبَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ لَا مِنْ وَرِقٍ وَحَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ رَوَاهُ عَنْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ أَبِي عَتِيقٍ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ رَأَى فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتما مِنْ وَرِقٍ يَوْمًا وَاحِدًا ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اصْطَنَعُوا الْخَوَاتِمَ مِنْ وَرِقٍ وَلَبِسُوهَا فَطَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَهُ وَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِمَهُمْ قَالَ أَبُو عُمَرَ الْمَحْفُوظُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ غَيْرُ مَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ قَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهُمْ وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِبَاسَ الْخَاتَمِ جُمْلَةً لِحَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ
(17/100)
وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ إِجَازَةُ لُبْسِ خَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلسُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ وَلِمَا عَلِمَهُ مَالِكٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ كَرَاهَةِ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ ذَكَرَ فِي مُوَطِّئِهِ بَعْدَ حَدِيثِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثَهُ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ فَقَالَ الْبَسْهُ وَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنِّي أَفْتَيْتُكَ بِذَلِكَ وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَحْمَدَ الْوَرَّاقُ قَالَ حَدَّثَنَا الْخَضِرُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَسْأَلُ عَنِ لُبْسِ الْخَاتَمِ فَقَالَ أَهْلُ الشَّامِ يَكْرَهُونَهُ لِغَيْرِ ذِي سُلْطَانٍ وَيَرْوُونَ فِيهِ الْكَرَاهَةَ وَقَدْ تَخَتَّمَ قَوْمٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بِحَدِيثِ أَبِي رَيْحَانَةَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ كَرِهَ خِلَالًا ذَكَرَهَا مِنْهَا الْخَاتَمُ إِلَّا لِذِي سُلْطَانٍ فَلَمَّا بَلَغَ أَحْمَدَ هَذَا الْمَوْضِعُ تَبَسَّمَ كَالْمُتَعَجِّبِ ثُمَّ قَالَ يَا أَهْلَ الشَّامِ (قَالَ أَبُو عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحَدِيثُ أَبِي رَيْحَانَةَ فِي ذَلِكَ قرأته على عبد الرحمان بْنِ يَحْيَى فِي أَصْلِ سَمَاعِهِ وَمِنْهُ كَتَبْتُهُ
(17/101)
قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ قال حدثنا محمد بن زيان بْنِ حَبِيبٍ قَالَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ الْقِتْبَانِيُّ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَيَّاشٍ الْقِتْبَانِيِّ عَنْ أَبِي الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ شُقَيٍّ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي يُدْعَى أَبَا عَامِرٍ رَجُلٌ مِنَ الْمُعَافِرِ لِيُصَلِّيَ بِإِيلِيَا وَكَانَ حَدَّثَهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ أَبُو رَيْحَانَةَ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَ أَبُو الْحُصَيْنِ فَسَبَقَنِي صَاحِبِي إِلَى الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَدْرَكْتُهُ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلَنِي هَلْ أَدْرَكْتَ قَصَصَ أَبِي رَيْحَانَةَ فَقُلْتُ لَهُ لَا فَقَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عَشْرٍ عَنْ الْوَشْرِ وَالْوَشْمِ وَالنَّتْفِ وَعَنْ مُكَامَعَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ بِغَيْرِ شِعَارٍ وَعَنْ مُكَامَعَةِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ شِعَارٍ وَأَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ تَحْتَ ثِيَابِهِ حَرِيرًا مِثْلَ الْأَعَاجِمِ وَأَنْ يَجْعَلَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ حَرِيرًا مِثْلَ الْأَعَاجِمِ وَعَنْ النُّهْبَةِ وَرُكُوبِ النمور ولبس الخاتم إلا الذي سلطان
(17/102)
هَكَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ شُقَيٍّ وَإِنَّمَا أَعْرِفُهُ عَنْ أَبِي الْحُصَيْنِ الْهَيْثَمِ بْنِ شُقَيٍّ لَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ إِلَّا بِهِ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ فِيمَا عَلِمْتُ غَيْرُ عَيَّاشِ بْنِ عَيَّاشٍ الْقِتْبَانِيِّ وَقِتْبَانُ فِي الْيَمَنِ وحدثنا عبد الرحمان بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا محمد بن زيان حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فضالة عن عمرو بن الحرث عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وَصُهَيْبًا كَانُوا يَتَخَتَّمُونَ قَالَ بُكَيْرٌ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ عَلَى سُلْطَانٍ وَبِهِ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ عُقَيْلٍ أَنَّهُ رَأَى عَلَى ابْنِ شِهَابٍ خَاتَمًا نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ يَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ قَالَ عُقَيْلٌ وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ شِهَابٍ يَسْأَلُهُ عَنِ الْخَاتَمِ يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ وَهُوَ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ مَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَلْبَسُونَ الْخَوَاتِمَ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ وَالْحَرْفُ من القرآن)
(17/103)
قَالَ أَبُو عُمَرَ الْحَدِيثُ حَدَّثَنَاهُ سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْمِصْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ الْحِمْيَرِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا رَيْحَانَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كَانَ الرَّسُولُ صَلَّى الله عليه وسلم ينهى عن شعر خِصَالٍ مُعَاكَمَةِ أَوْ مُكَامَعَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ فِي شِعَارٍ لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ وَمُعَاكَمَةِ أَوْ مُكَامَعَةِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ وَالْوَشْرِ وَالنَّتْفِ والوشم والنهبة وركوب النمور واتخاذ الديباج ههنا عَلَى الْعَاتِقِينَ كَمَا تَصْنَعُ الْأَعَاجِمُ وَفِي أَسْفَلِ الثِّيَابِ وَالْخَاتَمِ إِلَّا لِذِي سُلْطَانٍ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَرْثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى عَنْ عَشْرِ خِصَالٍ عَنِ الْوَشْرِ وَالْوَشْمِ وَعَنْ مُكَامَعَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ وَعَنْ مُكَامَعَةِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ يَعْنِي الْمُبَاشَرَةَ وَعَنْ ثِيَابٍ تُكَفُّ بِالدِّيبَاجِ مِنْ أَعْلَاهَا وَمِنْ أَسْفَلِهَا كَمَا تَصْنَعُ الْأَعَاجِمُ وَعَنِ النُّهْبَةِ وَعَنْ أَنْ يُرْكَبَ بِجُلُودِ النِّمَارِ وَعَنِ الْخَاتَمِ إِلَّا لِذِي سُلْطَانٍ لَمْ تَتِمَّ فِي وَاحِدٍ مِنَ الِإِسْنَادَيْنِ الْعَشْرُ
(17/104)
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْجُمَاهِرِ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ التَّنُوخِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الْعَجَمِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهُ لَا يَنْفُذُ كِتَابُكَ إِلَّا بِخَاتَمٍ قَالَ فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ فَصُّهُ مِنْهُ وَالْخَاتَمُ مَنْقُوشٌ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَلَبِسَ أَبُو بَكْرٍ خَاتَمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ لَبِسَ الْخَاتَمَ عُمَرُ فَلَمَّا تُوُفِّيَ عُمَرُ لَبِسَ الْخَاتَمَ عُثْمَانُ فَسَقَطَ مِنْ عُثْمَانَ فِي بِئْرٍ بِالْمَدِينَةِ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلَّا بِخَاتَمٍ فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حدثا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم اتخذ خاتما
(17/105)
مِنْ فِضَّةٍ وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ وَنَقَشْتُ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَلَا يَنْقُشُ أَحَدٌ عَلَيْهِ وَقَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَّ قَاسِمَ بْنَ أَصْبَغَ حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ عَبْدُ الرحمان بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الْأَعَاجِمِ قِيلَ لَهُ إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلَّا بِخَاتَمٍ فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَصِيصِهِ أَوْ بَيَاضِهِ فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَنَسٍ ثَابِتٌ وَحُمَيْدٌ لَمْ يَذْكُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِيهِ نَبْذَ الْخَاتَمِ فَهَذَا مَا فِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَبَذَهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي خَاتَمِ الذَّهَبِ خَاصَّةً وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بَيَانُ مَا قُلْنَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
(17/106)
اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَفَشَتْ خَوَاتِمُ الذَّهَبِ فِي أَصْحَابِهِ فَرَمَى بِهِ وَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَكَانَ فِي يَدِهِ حَتَّى مَاتَ وَفِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى مَاتَ وَفِي يَدِ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ وَفِي يَدِ عُثْمَانَ سِتَّ سِنِينَ فَلَمَّا كَثُرَتْ عَلَيْهِ الْكُتُبُ دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ لِلْخَتْمِ بِهِ فَأَتَى (قَلِيبًا) لِعُثْمَانَ فَسَقَطَ فِيهَا فَالْتُمِسَ فَلَمْ يُوجَدْ فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ وَنَقْشٍ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ ثُمَّ رَمَى بِهِ وَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ فَصُّهُ مِنْهُ وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَنَهَى أَنْ يَنْقُشَ أَحَدٌ عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي سَقَطَ مِنْ مُعَيْقِيبٍ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قاسم قَالَ حَدَّثَنَا الْحَرْثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنِ هَاشِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ خَاتَمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ وَكَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي رَاحَتَهُ
(17/107)
وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنِ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ خَاتَمًا فِي يَمِينِهِ وَيَجْعَلُ فَصَّهُ مِنْ بَاطِنِ كَفِّهِ (وَحَدَّثَنَا عبد الرحمان بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زَبَّانَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ الْخَاتَمَ مِنْ وَرِقٍ وَيَلْبَسُهُ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى وَهَذَا أَصَحُّ عَنْهُ) فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ خَاتَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فَصُّهُ مِنْهُ وَكَانَ يَجْعَلُهُ مِمَّا يَلِي رَاحَتَهُ وَكَذَلِكَ رَوَى حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُ مِنْ فِضَّةٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ أَنَّ فَصَّهُ كَانَ مِنْهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ فَصَّهُ كَانَ حَبَشِيًّا أَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ أَحْمَدَ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وعبد الرحمان بْنُ يَحْيَى قَالُوا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ لُبَابَةَ قال حدثنا أبو زيد عبد الرحمان بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(17/108)
لَبِسَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِي يَمِينِهِ وَفِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌّ كَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ هَذَا الْإِسْنَادُ بِالْقَوِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَحَدِيثُ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَصَحُّ مِنْ هَذَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حزم أَنَّهُ كَانَ يَتَخَتَّمُ بِالذَّهَبِ وَهَذَا إِنْ صَحَّ عَنْهُ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا مَعْنَى لَهُ لِشُذُوذِهِ وَمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ فِيهِ وَالْحُجَّةُ فِيهَا لَا فِي غَيْرِهَا وَجَائِزٌ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ الْخَبَرُ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ عِلْمِ الْخَاصَّةِ وَأَخْبَارِ الْآحَادِ فَقَدْ فَاتَ مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ الْآحَادِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِضَائِرٍ لَهُمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَأَمَّا التَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ وَفِي الْيَسَارِ فَاخْتَلَفَتْ فِي ذَلِكَ الْآثَارِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ بَعْدَهُ وَذَلِكَ مَحْمُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الْإِبَاحَةِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَرْثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ أَنَّهُمْ سَأَلُوا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمٌ
(17/109)
قَالَ نَعَمْ فَذَكَرَ حَدِيثًا قَالَ أَنَسٍ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ وَرَفَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى وَحَدَّثَنَا يَعِيشُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْعَوَّامِ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ بِيَمِينِهِ وَنَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ رَأَيْتُ خَاتَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَمِينِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثَنِي سَعِيدٌ وَعَبْدُ الْوَارِثِ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ! نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الصَّلْتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ خَاتَمُهُ فِي يَمِينِهِ وَلَا إِخَالُهُ إِلَّا قَدْ ذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ كَانَ يَلْبَسُهُ
(17/110)
وأخبرنا عبد الرحمان بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا سَحْنُونُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَتَّمَ فِي يَمِينِهِ وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَخَتَّمُ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعِمْرَانُ بن حصين وأبو عبيدة بن الْجَرَّاحِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَمَسْرُوقٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَالْحَسَنُ وَالْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَأَمَّا نُقُوشُ خَوَاتِمِهِمْ فَمُخْتَلِفَةٌ جِدًّا وَقَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ بَقِيٍّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لَا تَنْقُشُوا أَوْ لَا تَكْتُبُوا فِي خَوَاتِمِكُمْ بِالْعَرَبِيَّةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ النَّاسُ عَلَى خِلَافِ هَذَا وَقَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَنْقُشَ فِي الْخَاتَمِ الْآيَةَ كُلَّهَا وَكَرِهَهُ إِبْرَاهِيمُ وَكَانَ نَقْشُ خاتم مسروق بسم الله الرحمان الرَّحِيمِ وَمِمَّنْ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَالْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَعَمْرُوُ بْنُ حُرَيْثٍ
(17/111)
وَمِمَّنْ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ جَعْفَرُ بْنُ أبي طالب ومحمد بن علي بن الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَرَأَيْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ وَرَأَيْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دُلَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَتَخَتَّمَانِ فِي أَيِسَارِهِمَا وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ قَالَ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَخَتَّمَ فِي السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى
(17/112)
وَأَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ جعفر قال حدثا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ طَالِبٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بُسْرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يَجْعَلُ فَصَّ خَاتَمِهِ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي لُبْسِ خَاتَمِ الْحَدِيدِ فَفِي حَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا الْخَضِرُ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ مَا تَرَى فِي خَاتَمِ الْحَدِيدِ فَقَالَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَبِسَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مَا طَهُرَتْ كَفٌّ فِيهَا خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ وَرَوَى مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ وَخَاتَمِ الْحَدِيدِ
(17/113)
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ فِي خَاتَمِ الذَّهَبِ وَخَاتَمِ الْحَدِيدِ جَمْرَةٌ مِنْ نَارٍ أَوْ قَالَ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ هَذَا مَرْفُوعًا وَلَا يَتَّصِلُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ عُمَرَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ عَلَى الْإِبَاحَةِ حَتَّى يَثْبُتَ النَّهْيُ وَهَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا أَنَّ النَّهْيَ عَنِ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ صَحِيحٌ (وَلَا يُخْتَلَفُ فِي صِحَّتِهِ) وَقَدْ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ الْمَعْنَى قَالَا أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبِي ظَبْيَةَ السُّلَمِيِّ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ شَبَهٍ فَقَالَ لَهُ مَا لِي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الْأَصْنَامِ فَطَرَحَهُ ثُمَّ جَاءَهُ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ فَطَرَحَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ وَلَا تُتِمَّهُ مِثْقَالًا لَمْ يَقُلْ مُحَمَّدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يَقُلِ الْحَسَنُ السُّلَمِيُّ الْمَرْوَزِيُّ وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى قَالَ سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الْفَزَارِيَّ وَرَأَى فِي يَدِ رَجُلٍ خَاتَمًا فَقَالَ لَهُ فِي يَدِكَ خَاتَمٌ مَا لَبِسْتُ
(17/114)
خَاتَمًا قَطُّ وَلَا رَأَيْتُ فِي يَدِ سُفْيَانَ خَاتَمًا وَلَا فِي يَدِ مُغِيرَةَ وَلَا فِي يَدِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ رَأَيْتُ الأعمش وسفيان والحسن بن حي فلم أرى عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَاتَمًا وَكَانَ شَرِيكٌ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقْضِيَ عَلَيْهِ خَاتَمُ فِضَّةٍ وَرَأَيْتُ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَيْهِ خَاتَمُ فِضَّةٍ فَصُّهُ مِنْهُ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حدثنا أبان قال حدثنا قتادة عن عبد الرحمان مَوْلَى أُمِّ بُرْثُنٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ وَزِيَادًا قَدِمَا عَلَى عُمَرَ وَفِي يَدِ زِيَادٍ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَتَتَخَتَّمُ بِالذَّهَبِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى أَمَّا أَنَا فَخَاتَمِي مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ ذَلِكَ أَخْبَثُ وَأَنْتَنُ ثُمَّ قَالَ مَنْ كَانَ مُتَخَتِّمًا فَلْيَتَخَتَّمْ بِالْفِضَّةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ نَافِعٍ مَسْأَلَةَ شَدِّ الْأَسْنَانِ بالذهب والحمد لله
(17/115)
خَاتَمًا قَطُّ وَلَا رَأَيْتُ فِي يَدِ سُفْيَانَ خَاتَمًا وَلَا فِي يَدِ مُغِيرَةَ وَلَا فِي يَدِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ رَأَيْتُ الأعمش وسفيان والحسن بن حي فلم أرى عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَاتَمًا وَكَانَ شَرِيكٌ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقْضِيَ عَلَيْهِ خَاتَمُ فِضَّةٍ وَرَأَيْتُ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَيْهِ خَاتَمُ فِضَّةٍ فَصُّهُ مِنْهُ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حدثنا أبان قال حدثنا قتادة عن عبد الرحمان مَوْلَى أُمِّ بُرْثُنٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ وَزِيَادًا قَدِمَا عَلَى عُمَرَ وَفِي يَدِ زِيَادٍ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَتَتَخَتَّمُ بِالذَّهَبِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى أَمَّا أَنَا فَخَاتَمِي مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ ذَلِكَ أَخْبَثُ وَأَنْتَنُ ثُمَّ قَالَ مَنْ كَانَ مُتَخَتِّمًا فَلْيَتَخَتَّمْ بِالْفِضَّةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ نَافِعٍ مَسْأَلَةَ شَدِّ الْأَسْنَانِ بِالذَّهَبِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
(17/116)
حَدِيثٌ تَاسِعَ عَشَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي
(بَابِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ)
مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَمِنْ أَحْسَنِ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ جَاءَ النَّاسُ يَعُودُونَهُ فِيهِمْ شَابٌّ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا سَلَّمَ عَلَى عُمَرَ أَبْصَرَ إِزَارَهُ قَدْ أُسْبَلَ فَدَعَاهُ فَقَالَ ارْفَعْ إِزَارَكَ فَإِنَّهُ أَنْقَى لِثَوْبِكَ وَأَتْقَى لِرَبِّكَ قَالَ فَمَا مَنَعَهُ مَا هُوَ فِيهِ أَنْ أَمَرَهُ بِطَاعَةِ اللَّهِ
(17/117)
حَدِيثٌ مُوفِي عِشْرِينَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ كُلُّهُمْ يُخْبِرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ وَكَذَلِكَ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا فِي مَعْنَى الَّذِي قَبْلَهُ وَقَدْ سَلَفَ الْقَوْلَ فِيهِ فِي بَابِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
(17/118)
حَدِيثٌ حَادٍ وَعِشْرُونَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا قَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ مُسْتَوْعَبًا فِي مَعَانِيهِ فِي بَابِ نَافِعٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
(17/119)
حَدِيثٌ ثَانٍ وَعِشْرُونَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ كُنْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عِنْدَ دَارِ خَالِدِ بْنِ عُقْبَةَ الَّتِي بِالسُّوقِ فَجَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يُنَاجِيَهُ وَلَيْسَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُ الرَّجُلِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُنَاجِيَهُ فَدَعَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَجُلًا آخَرَ حَتَّى إِذَا كُنَّا أَرْبَعَةً قَالَ لِي وَلِلرَّجُلِ الَّذِي دَعَاهُ اسْتَأْخِرَا شَيْئًا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ يُفَسِّرُ حَدِيثَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَ اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ فِي بَابِ نَافِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ ذَلِكَ ههنا وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتَرْخِيَا فَمَعْنَاهُ اجْلِسَا وَتَحَدَّثَا وَانْتَظِرَا قَلِيلًا وَقِيلَ بَلْ مَعْنَى اسْتَرْخِيَا وَاسْتَأْخِرَا سَوَاءٌ
(17/120)
حَدِيثٌ ثَالِثٌ وَعِشْرُونَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ حَدِيثَانِ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دينار عن سلمان بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ هَكَذَا فِي كِتَابِ يَحْيَى وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَهُوَ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ سليمان بن يسار عن عروة بن الزبير وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدِ الْقَعْنَبِيُّ وَابْنُ بُكَيْرٍ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَالتِّنِّيسِيِّ وَأَبِي الْمُصْعَبِ وَجَمَاعَتِهِمْ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عن سليمان بن يسار عن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ
(17/121)
وَهُوَ مَعْرُوفٌ لِسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُرْوَةَ وَغَيْرُ نَكِيرٍ رِوَايَةُ النَّظِيرِ عَنِ النَّظِيرِ فَكَيْفَ وَسُلَيْمَانُ دُونَ عُرْوَةَ فِي السِّنِّ وَاللِّقَاءِ وَإِنْ كَانَا جَمِيعًا مِنْ فُقَهَاءِ عَصْرِهِمَا وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عُرْوَةَ مَكْحُولٌ الشَّامِيُّ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ أَيْضًا وَرَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ ابْنِ شِهَابٍ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَجَمَاعَةٌ ذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال يحرم من الراضعة مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ وَرَوَاهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ مَالِكٍ كَمَا رَوَاهُ سَائِرُ أَصْحَابِ مَالِكٍ غَيْرَ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَحَسْبُكَ بِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ إِتْقَانًا وَحِفْظًا وَجَلَالَةً قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السلام قال حدثنا محمد ابن بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا حَرَّمَتِ الْوِلَادَةُ حَرَّمَتِ الرَّضَاعَةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَاضِحُ الْمَعْنَى وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلتَّأْوِيلِ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ مُسْتَوْعَبًا فِي لَبَنِ الْفَحْلِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّنَازُعِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مُجَوَّدًا فِي بَابِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ مِنْ كتابنا هذا فلا وجه لإعادة ذلك ههنا
(17/122)
حَدِيثٌ رَابِعٌ وَعِشْرُونَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الله بن دينار عن سليمان بن يسار وَعَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ هَكَذَا هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ جَمَاعَةِ الرُّوَاةِ وَرَوَاهُ حَبِيبٌ كَاتِبُ مَالِكٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَأَخْطَأَ وَكَانَ كَثِيرَ الْخَطَأِ وَقَدْ نُسِبَ إِلَى الْكَذِبِ لِكَثْرَةِ غَرَائِبِهِ وَخَطَئِهِ عَنْ مَالِكٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا أَخْطَأَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى كَخَطَئِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ سَوَاءً وَأَدْخَلَ بَيْنَ سُلَيْمَانَ وَعِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ وَاوًا فَجَعَلَ الْحَدِيثَ لِعَبْدِ
(17/123)
اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وعراك وهو خطأ غير مُشْكِلٌ وَهَذَانِ الْمَوْضِعَانِ مِمَّا عُدَّ عَلَيْهِ مِنْ غَلَطِهِ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ فِي الْمُوَطَّآتِ كُلِّهَا وَغَيْرِهَا لِسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ وَهُمَا تَابِعَانِ نَظِيرَانِ وَعِرَاكٌ أَسَنُّ مِنْ سُلَيْمَانَ وَسُلَيْمَانُ عِنْدَهُمْ أَفْقَهُ وَكِلَاهُمَا ثِقَةٌ جَلِيلٌ عَالِمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ تَابِعٌ أَيْضًا ثِقَةٌ تُوُفِّيَ عِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ الْغِفَارِيُّ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَمِائَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ وَفَاةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ فِي أَوَّلِ بَابِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَمَا زَالَ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا يَأْخُذُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَيَأْخُذُ الْكَبِيرُ عَنِ الصَّغِيرِ وَالنَّظِيرُ عَنِ النَّظِيرِ وَنَفَخَ الشَّيْطَانُ فِي أُنُوفِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا بِبَلَدِنَا فَأُعْجِبُوا بِمَا عِنْدَهُمْ وَقَنِعُوا بِيَسِيرِ مَا عَلِمُوا وَنَصَبُوا الْحَرْبَ لِأَهْلِ الْعِنَايَةِ وَأَبْدَوْا لَهُ الشَّحْنَاءَ وَالْعَدَاوَةَ حَسَدًا وَبَغْيًا وَقَدِيمًا كَانَ فِي النَّاسِ الْحَسَدُ وَلَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا رُوِيَ مِنْ إِبْلِيسَ لِآدَمَ وَمِنِ ابْنَيْ آدَمَ بَعْضِهِمَا لِبَعْضٍ وَلَقَدْ أَحْسَنَ سَابِقٌ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ يَقُولُ ... جَنَى الضَّغَائِنَ آبَاءٌ لَنَا سَلَفُوا ... فَلَنْ تَبِيدَ وَلِلْآبَاءِ أَبْنَاءُ ...
وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ الْحَاسِدِينَ فِي كِتَابِهِ وَنَهَى عَنِ الْحَسَدِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تَحَاسَدُوا ثُمَّ قَالَ إِذَا حَسَدْتُمْ فَلَا تَبْغُوا وَلَا مَعْصُومَ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ فَهُوَ حَسْبُنَا لَا شَرِيكَ لَهُ
(17/124)
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ الْخَيْلَ لَا زَكَاةَ فِيهَا وَأَنَّ الْعَبِيدَ لَا زَكَاةَ فِيهِمْ وَجَرَى عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مَجْرَى الْعَبِيدِ وَالْخَيْلِ الثِّيَابُ وَالْفُرُشُ وَالْأَوَانِي وَالْجَوَاهِرُ وَسَائِرُ الْعُرُوضِ وَالدُّورُ وَكُلُّ مَا يُقْتَنَى مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ وَهَذَا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مَا لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ تِجَارَةٌ فَإِنْ أُرِيدَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ التِّجَارَةُ فَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِيهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَمِمَّنْ رَأَى الزَّكَاةَ فِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ وَسَائِرِ الْعُرُوضِ كُلِّهَا إِذَا أُرِيدَ بِهَا التِّجَارَةُ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ بِالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ وَعَلَى ذَلِكَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ قَالَ سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَيْسَ فِي الْعُرُوضِ صَدَقَةٌ وَهَذَا لَوْ صَحَّ كَانَ مَعْنَاهُ عِنْدَنَا أَنْ لَا زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ إِذَا لَمْ يُرَدْ بِهَا التِّجَارَةُ لِأَنَّهَا إِذَا أُرِيدَ بِهَا التِّجَارَةُ جَرَتْ مَجْرَى الْعَيْنِ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ تَحَوَّلَتْ فِيهَا طَلَبًا لِلنَّمَاءِ فَقَامَتْ مَقَامَهَا وَكَذَلِكَ قَوْلُ كُلِّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنَ التَّابِعَيْنِ لَا زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ عَلَى هَذَا مَحْمَلُهُ عِنْدَنَا وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا هَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهَا اشْتُرِيَتْ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ لِتُرَدَّ إِلَى الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَلَا يَحْصُلُ التَّصَرُّفُ
(17/125)
فِي الْعَيْنِ إِلَّا بِذَلِكَ فَلِهَذَا قَامَتِ الْعُرُوضُ مَقَامَ الْعَيْنِ فَإِذَا اشْتُرِيَتْ لِلْقِنْيَةِ فَلَا صَدَقَةَ فِيهَا وَقَدْ شَذَّ دَاوُدُ فَلَمْ يَرَ الزَّكَاةَ فِي الْعُرُوضِ وَإِنْ نَوَى بِهَا صَاحِبُهَا التِّجَارَةَ وَحُجَّتُهُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ قَالَ وَلَمْ يَقُلْ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهَا التِّجَارَةَ وَاحْتَجَّ بِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا بِاتِّفَاقٍ أَوْ دَلِيلٍ لَا مَعَارِضَ لَهُ قَالَ وَالِاخْتِلَافُ فِي زَكَاةِ الْعُرُوضِ مَوْجُودٌ فَذَكَرَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ مَا ذَكَرْنَا وَذَكَرَ عَنْ مَالِكٍ مَذْهَبَهُ فِيمَا بَارَ مِنَ الْعُرُوضِ عَلَى التُّجَّارِ وَكَعَبْدٍ ممن ليس بمدير وَقَوْلُهُ فِي التَّاجِرِ يَبِيعُ الْعَرَضَ بِالْعَرَضِ وَلَا يَنِضُّ لَهُ شَيْءٌ فِي حَوْلِهِ وَجَعَلَ هَذَا خِلَافًا أَسْقَطَ بِهِ الزَّكَاةَ فِي الْعُرُوضِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا يُقْتَنَى مِنَ الْعُرُوضِ وَلَا يُرَادُ بِهِ التِّجَارَةُ وَلِلْعُلَمَاءِ فِي زَكَاةِ الْعُرُوضِ الَّتِي
(17/126)
تُبْتَاعُ لِلتِّجَارَةِ قَوْلَانِ أَيْضًا أَحَدُهُمَا أَنَّ صَاحِبَهَا يُزَكِّيهَا عَنِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ وَالْآخَرُ أَنَّهَا تَقُومُ بَالِغًا مَا بَلَغَتْ نَقَصَتْ أَوْ زادت والمدير وغير المدير عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ سَوَاءٌ يُقَوَّمُ عِنْدَ رَأْسِ الْحَوْلِ وَيُزَكِّي كُلَّ مَا نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ فِي كُلِّ حَوْلٍ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وأبو ثور وأبو عبيد وقال مالك المدير يُقَوَّمُ إِذَا نَضَّ لَهُ شَيْءٌ فِي الْعَامِ وغير المدير لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِنْ أَقَامَ الْعَرَضَ لِلتِّجَارَةِ عِنْدَهُ سِنِينَ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ فَإِذَا بَاعَهُ زَكَّاهُ زَكَاةً وَاحِدَةً لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ إِذَا كَانَتِ الْعُرُوضُ لِلتِّجَارَةِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ إِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا النِّصَابَ يُقَوِّمُهَا بِالدَّنَانِيرِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ الْأَغْلَبِ مِنْ نَقْدِ بَلَدِهِ رَأْسَ الْحَوْلِ وَيُزَكِّي وَسَوَاءٌ بَاعَ الْعُرُوضَ بِالْعُرُوضِ أَوْ بَاعَ الْعُرُوضَ بِالْعَيْنِ وَسَوَاءٌ نَضَّ لَهُ فِي الْعَامِ شَيْءٌ أَوْ لَمْ يَنِضَّ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَسَائِرِ الْفُقَهَاءِ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يَبِيعُ الْعَرَضَ بِالْعَرَضِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَنِضَّ مَالُهُ وَإِنْ كَانَ يَبِيعُ بِالْعَيْنِ والعرض
(17/127)
فَإِنَّهُ يُزَكِّي قَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يدير التجارات فاتشرى سِلْعَةً بِعَيْنِهَا فَبَارَتْ عَلَيْهِ فَمَضَتْ أَحْوَالٌ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فَإِذَا بَاعَ زَكَّى زَكَاةً وَاحِدَةً قال وأما المدير الَّذِي يَكْثُرُ خُرُوجُ مَا ابْتَاعَ عَنْهُ وَيَقِلُّ بواره وكساده ويبيع بالنقد والدين فَإِنَّهُ يُقَوِّمُ مَا عِنْدَهُ مِنَ السِّلَعِ وَيُحْصِي ما عنده من العين وماله مِنَ الدَّيْنِ فِي مَلَأٍ وَثِقَةٍ مِمَّا لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَخْذُهُ وَيُقَوِّمُ عُرُوضَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ عَامٍ إِذَا نَضَّ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْعَيْنِ لِيُزَكِّيَهَا مَعَ مَا نَضَّ لَهُ مِنَ الْعَيْنِ وَسَوَاءٌ نَضَّ لَهُ نِصَابٌ أَمْ لَا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا نَضَّ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْعَيْنِ قَوَّمَ عُرُوضَهُ وَزَكَّى لِحَوْلِهِ مُنْذُ ابْتَدَأَ تَجْرَهُ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُقَوِّمُ حَتَّى يَمْضِيَ لَهُ حَوْلٌ مُسْتَقْبَلٌ مُذْ بَاعَ بالعين لأنه حينئذ صار مديرا مِمَّنْ يَلْزَمُهُ التَّقْوِيمُ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي الذي يدير الْعُرُوضَ بِالْعُرُوضِ وَلَا يَبِيعُ بِعَيْنٍ إِنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ أَبَدًا حَتَّى يَنِضَّ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرُونَ دِينَارًا فَإِذَا نَضَّ لَهُ ذَلِكَ زَكَّاهُ وَزَكَّى مَالَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ يَنِضُّ لَهُ وَلَا تَقْوِيمَ عَلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ وَمَنْ كَانَ
(17/128)
عِنْدَهُ مَالٌ أَوْ مَالَانِ إِنَّمَا يَضَعُهُ فِي سِلْعَةٍ أَوْ سِلْعَتَيْنِ ثُمَّ يَبِيعُ فَيَعْرِفُ حَوْلَ كُلِّ مَالٍ فَإِنَّهُ إِذَا مَرَّ بِهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا زَكَّى مَا فِي يَدَيْهِ مِنَ الْعَيْنِ ثُمَّ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا عِنْدَهُ مِنَ الْعُرُوضِ وَإِنْ أَقَامَ سِنِينَ حَتَّى يَبِيعَ لأن هذا يحفظ ماله وأحواله والمدير لَا يَحْفَظُ مَالَهُ وَلَا أَحْوَالَهُ فَمِنْ ثَمَّ قَوَّمَ هَذَا وَلَمْ يُقَوِّمْ هَذَا وَقَالَ اللَّيْثُ إِذَا ابْتَاعَ مَتَاعًا لِلتِّجَارَةِ فَبَقِيَ عِنْدَهُ أَحْوَالًا ثُمَّ بَاعَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ سَوَاءٌ وَأَمَّا زَكَاةُ الْخَيْلِ السَّائِمَةِ فَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهَا فِي بَابِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْعُرُوضَ كُلَّهَا مِنَ الْعَبِيدِ وَغَيْرِ الْعَبِيدِ إِذَا لَمْ تَكُنْ تُبْتَاعُ لِلتِّجَارَةِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا وَسَوَاءٌ وَرِثَهَا الْإِنْسَانُ أَوْ وُهِبَتْ لَهُ أَوِ اشْتَرَاهَا لِلْقِنْيَةِ لَا شَيْءَ فِيهَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ وَرِثَ عُرُوضًا أَوْ وُهِبَتْ لَهُ فَنَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ التِّجَارَةُ حَتَّى يَبِيعَ ثُمَّ يَسْتَقْبِلَ بِالثَّمَنِ حَوْلًا وَقَالَ فِيمَنْ وَرِثَ حُلِيًّا يَنْوِي بِهِ التِّجَارَةَ كَانَ لِلتِّجَارَةِ وَفَرْقٌ بَيْنَ الْحُلِيِّ وَالْعُرُوضِ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ الْحُلِيُّ وسائر
(17/129)
الْعُرُوضِ سَوَاءٌ مَنْ وَرِثَ مِنْهَا شَيْئًا فَنَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ لِلتِّجَارَةِ حَتَّى يَبِيعَهَا فَيَكُونَ ثَمَنُهَا لِلتِّجَارَةِ وَقَالُوا إِذَا كَانَ عِنْدَهُ عُرُوضٌ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ فَنَوَاهَا لِلتِّجَارَةِ لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ حَتَّى يَبِيعَهَا فَيَكُونَ الْبَدَلُ لِلتِّجَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ لِلتِّجَارَةِ فَنَوَاهَا لِغَيْرِ التِّجَارَةِ صَارَتْ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ والثوري وعامة أهل العلم إلا إسحاق بن رَاهَوَيْهِ فَإِنَّهُ جَعَلَ النِّيَّةَ عَامِلَةً فِي ذَلِكَ بِكُلِّ وَجْهٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ الْحُجَّةُ فِي زَكَاةِ الْعُرُوضِ إِذَا اتَّجَرَ بِهَا صَاحَبُهَا حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ مَعَ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ عَنِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ لَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(17/130)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّايِغُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خُبَيْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ وَكَانَ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الرَّقِيقِ الَّذِي يُعِدُّ لِلْبَيْعِ أَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّيْبُلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا سعيد بن منصور قال أخبرنا عبد الرحمان بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرِو بْنُ حَمَاسٍ أَنَّ أَبَاهُ حَمَاسًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِهِ وَمَعَهُ أُدْمٌ وَأُهُبٌ يَتَّجِرُ بِهِمَا فَأَقَامَهَا ثُمَّ أَخَذَ صَدَقَتَهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تُبَاعَ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَمَاسٍ أَنَّ أَبَاهُ حَمَاسًا قَالَ مَرَرْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلَى عَاتِقِي أُدْمَةٌ أَحْمِلُهَا فَقَالَ أَلَا تُؤَدِّي زَكَاتَكَ يَا حَمَاسُ فَقُلْتُ
(17/131)
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَالِي غَيْرُ هَذِهِ وَأُهُبُ فِي الْقَرَظِ فَقَالَ ذَلِكَ مَالٌ فَضَعْ فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَسَبَهَا فَوَجَدَهَا قَدْ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ فَأَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَمَاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ حَمَاسًا كَانَ يَبِيعُ الْأُدُمَ وَالْجِعَابَ وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ يَا حَمَاسُ أَدِّ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَالَ والله مالي مَالٌ إِنَّمَا أَبِيعُ الْأُدُمَ وَالْجِعَابَ فَقَالَ قَوْمُهُ وَأَدِّ زَكَاتَهُ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحمان بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ كُلُّ مَالٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ دَوَابَّ أُدِيرَ لِلتِّجَارَةِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ زَكَاةُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ من الصحابة
(17/132)
قَالَ أَبُو عُمَرَ لِهَذَا وَمِثْلِهِ قُلْنَا إِنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَنْ لَا زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ إِنَّمَا ذَلِكَ إِذَا لَمْ يُرَدْ بِهَا التِّجَارَةُ وَأَمَّا الْآثَارُ الْمُسْقِطَةُ لِلزَّكَاةِ عَنِ الْعُرُوضِ مَا لَمْ يُرَدْ بِهَا التِّجَارَةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قد عَفَوْتُ لَكُمْ عَنِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ فَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةً وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قد عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ مِائَتَيْنِ زَكَاةٌ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
(17/133)
الْمُبَارَكِ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ وَسُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا أيوب بن موسى عن مكحول عن سليمان بْنِ يَسَارٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحْرِزُ بْنُ الْوَضَّاحِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ ابْنُ أُمَيَّةَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا زَكَاةَ عَلَى الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا فِي حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عِرَاكٍ وَفِي حَدِيثِ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عِرَاكٍ وَهُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
(17/134)
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ خَيْثَمٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْمَرْءِ فِي فَرَسِهِ وَلَا مَمْلُوكِهِ صَدَقَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ خَيْثَمِ بْنِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ صَدَقَةٌ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ فَأَجْرَى الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْخَالِفِينَ سَائِرَ الْعُرُوضِ كُلِّهَا عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا مَجْرَى الْفَرَسِ وَالْعَبْدِ إِذَا اقْتَنَى ذَلِكَ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ وَهُمْ فَهِمُوا الْمُرَادَ وَعَلِمُوهُ فَوَجَبَ التَّسْلِيمُ لِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ تَوَعَّدَ مَنِ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُوَلِّيَهُ مَا تَوَلَّى وَيُصْلِيَهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا وَقَدْ زَادَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَلِمَةً تُوجِبُ حُكْمًا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ
(17/135)
يَحْيَى بْنُ فَيَّاضٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ لَيْسَ فِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ زَكَاةٌ إِلَّا زَكَاةَ الْفِطْرِ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ جَاءَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا تَرَى وَلَا نَدْرِي مَنِ الرَّجُلِ الَّذِي رَوَاهَا عَنْ مَكْحُولٍ وَإِنَّمَا كُنَّا نَعْرِفُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لِجَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ هَذَا إِنْ صَحَّتْ عَنْهُ أَيْضًا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا صَدَقَةَ فِي فَرَسِ الرَّجُلِ وَلَا عَبْدِهِ إِلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَهَذَا لَمْ يَجِئْ بِهِ غَيْرُ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ بِأَسَانِيدَ مَعْلُولَةٍ كُلِّهَا فَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ بَعْضُ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْعِرَاقِيِّينَ فِي إِيجَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي الْمَمْلُوكِ الْكَافِرِ فَقَالَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إِلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ
(17/136)
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ مَضَى فِي حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ من هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِي تَخْصِيصِهِ الْمُسْلِمِينَ دَفْعٌ لِإِيجَابِهَا عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْكَافِرِينَ وَهَذَا قَاطِعٌ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْمَعْنَى فِي بَابِ نَافِعٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ مَمْلُوكٍ لَهُ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا وَلَمْ يَكُنْ مُكَاتَبًا وَلَا مَرْهُونًا وَلَا مَغْصُوبًا وَلَا آبِقًا أَوْ مُشْتَرًى لِلتِّجَارَةِ إِلَّا دَاوُدَ وَفِرْقَةً شَذَّتْ فَرَأَتْ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الْعَبْدِ فِيمَا بِيَدِهِ دُونَ مَوْلَاهُ وَاخْتَلَفُوا فِي هَؤُلَاءِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ إِلَى أَنَّ عَلَى السَّيِّدِ فِي عَبِيدِ التِّجَارَةِ إِذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وحجتهم حديث نفاع عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ لَمْ يَخُصَّ عَبْدًا مِنْ عَبْدٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ لَيْسَ فِي عَبِيدِ التِّجَارَةِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنِ الْمَكَاتَبِ فذهب
(17/137)
مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إِلَى أَنَّ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ مَكَاتَبِهِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ وَقَامَ دَلِيلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمَكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْ مَكَاتَبِهِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عبد الرحمان وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي عَنْ مَمْلُوكِيهِ وَلَا يُؤَدِّي عَنْ مُكَاتَبِيهِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ الْمَكَاتَبُ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي اسْتِحْقَاقِ كَسْبِهِ دُونَ مَوْلَاهُ وَأَخْذِهِ مِنَ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ غَنِيًّا فَفِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَلْزَمَ سَيِّدَهُ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَبْدِ الْغَائِبِ هَلْ عَلَى سَيِّدِهِ فِيهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَفِي الْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ هَلْ عَلَى سَيِّدِهِمْ فِيهِمْ زَكَاةُ الْفِطْرِ فَأَمَّا الْعَبْدُ الْغَائِبُ إِذَا غَابَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَلَمْ يَكُنْ آبِقًا وَكَانَ مَعْلُومَ الْمَوْضِعِ مَرْجُوَّ الرَّجْعَةِ فَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ فِي إِيجَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى سَيِّدِهِ إِلَّا دَاوُدَ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُمْ يُوجِبُونَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الْعَبْدِ فِيمَا بِيَدِهِ دُونَ سَيِّدِهِ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ نَافِعٍ وَأَمَّا الْآبِقُ وَالْمَغْصُوبُ فَإِنَّ مَالِكًا قال إذا كان غيبته قريبة
(17/138)
عُلِمَتْ حَيَاتُهُ أَوْ لَمْ تُعْلَمْ إِذَا كَانَ تُرْجَى رَجْعَتُهُ وَحَيَاتُهُ زَكَّى عَنْهُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ وَإِبَاقُهُ قَدْ طَالَ وَيُئِسَ مِنْهُ فَلَا أَرَى أَنْ يَزَّكَّى عَنْهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُؤَدَّى عَنِ الْمَغْصُوبِ وَالْآبِقِ وَإِنْ لَمْ تَرُجْ رَجْعَتُهُمْ إِذَا عُلِمَ حَيَاتُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ وَالْمَجْحُودِ لَيْسَ عَلَى مَوْلَاهُ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَرَوَى أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ فِي الْآبِقِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَقَالَ وُقِفَ عَلَيْهِ فِي الْمَغْصُوبِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِذَا عُلِمَتْ حَيَاتُهُ أَدَّى عَنْهُ إِذَا كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ إِنْ عَلِمَ بِمَكَانِهِ يَعْنِي الْآبِقَ أَدَّى عَنْهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ عَلَى الرَّاهِنِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرَّاهِنَ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ الَّذِي رَهَنَ فِيهِ عَبَدَهُ وَفَضَلَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَدَّى زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنِ الْعَبْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ
(17/139)
وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا يُؤَدِّي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْهُ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ حَاشَا مُحَمَّدًا فِي عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ لَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ فَإِنْ كَانَ الْعَبِيدُ جَمَاعَةً فَمِثْلُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ فِيهِمْ عَلَى سَادَتِهِمُ الْمُشْتَرِكِينَ فِيهِمْ شَيْءٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ فَقَالَ مَالِكٌ يُؤَدِّي السَّيِّدُ عَنْ نِصْفِهِ الْمَمْلُوكِ وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْ نِصْفِهِ الْحُرِّ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونَ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ صَاعًا كَامِلًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُؤَدِّي السَّيِّدُ عَنِ النِّصْفِ الْمَمْلُوكِ وَيُؤَدِّي الْعَبْدُ عَنْ نِصْفِهِ الْحُرِّ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْ نَفْسِهِ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ مَالٌ رَأَيْتُ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ كُلِّهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَمَّا مَلَكَ مِنَ الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْ نَفْسِهِ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَمُحَمَّدٌ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْ نَفْسِهِ جَمِيعَ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ إِذَا أَعْتَقَ نِصْفَهُ فَكَأَنَّهُ قَدْ عَتَقَ كُلَّهُ
(17/140)
وَاخْتَلَفُوا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي الْعَبْدِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ فَقَالَ مَالِكٌ إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوِ الْمُشْتَرِي فَالصَّدَقَةُ عَلَى الْبَائِعِ فَسَخَ الْبَيْعَ أَوْ أَمْضَاهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَأَنْفَذَ الْبَيْعَ فَعَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَالزَّكَاةُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَعَلَى الْمُشْتَرِي وَقَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ مَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ أَوِ الْمُشْتَرِي أَوْ هُمَا جَمِيعًا فَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ فِي بَعْضِ أَقَاوِيلِهِ الصَّدَقَةُ عَلَى الْبَائِعِ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ سَوَاءٌ قَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا كَانَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَأَهَلَّ شَوَّالٌ وَهُوَ عِنْدُهُ كَانَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ اخْتَارَ رَدَّهُ أَوْ أَمْضَاهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا كَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ أَوِ الْمُشْتَرِي فَصَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنِ الْعَبْدِ عَلَى مَنْ يَصِيرُ إِلَيْهِ الْعَبْدُ إِذَا جَاءَ يَوْمُ الْفِطْرِ وَمُدَّةُ الْخِيَارِ بَاقِيَةٌ وَقَالَ زُفَرُ إِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فَسَخَ أَوْ أَجَازَ وَإِنْ كَانَ لِلْبَائِعِ فَعَلَى الْبَائِعِ فَسَخَ أَوْ أَجَازَ وَإِنْ كَانَ لِلْبَائِعِ فَعَلَى الْبَائِعِ فَسَخَ أَوْ أَجَازَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَبْدِ الْمُوصِي بِرَقَبَتِهِ لِرَجُلٍ وَلِآخَرَ بِخِدْمَتِهِ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونَ الزَّكَاةُ عَنْهُ عَلَى مَنْ جُعِلَتْ لَهُ الْخِدْمَةُ إِذَا كَانَ زَمَانًا طَوِيلًا
(17/141)
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ عَلَى مَالِكِ رَقَبَتِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي عَبِيدِ الْعَبِيدِ فَقَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ فِي عَبِيدِ عَبِيدِهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْهُمْ جَمِيعًا عَلَى الْمَوْلَى وَقَالَ اللَّيْثُ يُخْرِجُ عَنْ عَبِيدِ عَبِيدِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَلَا يُؤَدِّي عَنْ مَالِ عَبْدِهِ الزَّكَاةَ وَأَمَّا مَالُ الْعَبْدِ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الْعَبْدِ عَلَى السَّيِّدِ وَلَا عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ مَالُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ وَزَكَاتُهُ عَلَى الْمَوْلَى وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُخْرِجَ الزَّكَاةَ عَمَّا بِيَدِهِ وَيُزَكِّيَ عَنْ نَفْسِهِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَهُوَ عِنْدَهُمْ مَالِكٌ صَحِيحُ الْمِلْكِ وَلِلْكَلَامِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا وَقَدْ مَضَى مِنْهُ فِي بَابِ نَافِعٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَقَدْ أَتَيْنَا مِنَ الْمَسَائِلِ فِي هَذَا الْبَابِ مِمَّا كُنَّا قَدْ قَصَّرْنَا عَنْهُ فِي بَابِ نَافِعٍ وَبِاللَّهِ الْعَوْنُ لَا شَرِيكَ لَهُ
(17/142)
حَدِيثٌ خَامِسٌ وَعِشْرُونَ لِمَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ وَيُقَالُ الزَّيَّاتُ حَدِيثَانِ وَهُوَ أَبُو صَالِحٍ ذَكْوَانُ مَوْلَى جُوَيْرِيَةَ امْرَأَةٍ مِنْ قَيْسٍ تُوُفِّيَتْ سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَةٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ السَّمَّانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا هَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفًا فِي الْمُوَطَّأِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ أَسْنَدَهُ عَنْ مَالِكٌ مَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن المبارك
(17/143)
حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ مَرْفُوعًا وَهُوَ عِنْدِي مِنْ غَلَطِهِ أَوْ غَلَطِ شَيْخِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَا يَصِحُّ عَنْ مَالِكٍ رَفْعُهُ فِيمَا أَحْسَبُ وَإِنْ صَحَّ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ مَا ذَكَرْنَا فَابْنُ الْمُبَارَكِ بَحْرٌ ثِقَةٌ حُجَّةٌ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَاكِرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ في فِي بَابِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله
(17/144)
حَدِيثٌ سَادِسٌ وَعِشْرُونَ لِمَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه كان يقول من كان عنده مالم لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يَطْلُبُهُ حَتَّى يُمْكِنَهُ يَقُولُ أَنَا كَنْزُكَ قَالَ أَبُو عُمَرَ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا مَوْقُوفٌ فِي الْمُوَطَّأِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ وَقَدْ أَسْنَدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَيْضًا عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ وَرَوَاهُ عَبْدُ العزيز بن (الماجشون) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدِي خَطَأٌ مِنْهُ فِي الْإِسْنَادِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(17/145)
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمُنْذِرِ وَبُكَيْرُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنِ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الماجشون عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الَّذِي لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ يُمَثَّلُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعٌ أَقْرَعُ لَهُ زَبِيبَتَانِ فَيَلْزَمُهُ قَالَ أَوْ يُطَوَّقُ بِهِ يَقُولُ أَنَا كَنْزُكَ أَنَا كَنْزُكَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ عبد العزيز بن الماجشون عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ ثَابِتَةٍ مِنْهَا حَدِيثُ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنُ عَجْلَانَ عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كُلُّهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروى مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَحَادِيثُ هَذَا الْبَابِ ثَابِتَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَسْأَلُ عَنِ الْكَنْزِ مَا هُوَ قَالَ هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ
(17/146)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهُ إِلَّا جَعَلَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهِ جَنْبُهُ وَجَبْهَتُهُ وَظَهْرُهُ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ثُمَّ يُرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ وَمَا مِنْ صَاحِبِ غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ فَيُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ فَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا كُلَّمَا مَضَتْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ثُمَّ يُرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ وَمَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ فَيَبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ فَتَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا كُلَّمَا مَضَتْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ثُمَّ يُرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَحَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ
(17/147)
أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ قَالَ فِي قِصَّةِ الْإِبِلِ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا قَالَ وَمِنْ حَقِّهَا حَلْبُهَا يَوْمَ وُرُودِهَا قَالَ وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي عُمَرَ الْغُدَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ فَقَالَ لَهُ يَعْنِي لِأَبِي هُرَيْرَةَ فَمَا حَقُّ الْإِبِلِ قَالَ تُعْطِي الْكَرِيمَةَ وَتَمْنَحُ الْغَزِيرَةَ وَتُفْقِرُ الظَّهْرَ وَتَطْرُقُ الْفَحْلَ وَتَسْقِي اللَّبَنَ قَالَ أَبُو عُمَرَ إِلَى هَذَا ذَهَبَ مَنْ جَعَلَ فِي الْمَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ وَتَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْمَعْنَى فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَمْوَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ
(17/148)
وَقَدْ ذَهَبَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى هَذَا الْمَذْهَبِ مَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُهُ أَيْضًا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ في قوله سيطوقون مابخلوا به يوم القيامة قال هوالرجل يَرْزُقُهُ اللَّهُ الْمَالَ فَيَمْنَعُ قَرَابَتَهُ الْحَقَّ الَّذِي فيه فيجعل حية يطوقها فيقول مالي وَلَكِ فَتَقُولُ الْحَيَّةُ أَنَا مَالُكُ قَالَ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ ثُعْبَانٌ بِفِيهِ زَبِيبَتَانِ يَنْهَشُهُ يَقُولُ أَنَا مَالُكُ الَّذِي بَخِلْتَ بِهِ وَلَيْسَ فِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّهُ غَيْرُ الزَّكَاةِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ شُعْبَةُ فِي حَدِيثِهِ شُجَاعٌ أَسْوَدُ يَلْتَوِي بِرَأْسِ أَحَدِهِمْ وَقَالَ سُفْيَانُ فِي حَدِيثِهِ ثُعْبَانٌ يَنْقُرُ بِرَأْسِهِ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ الَّذِي بَخِلْتَ به وأبو
(17/149)
الْأَحْوَصِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَهُ قَالَ يُطَوِّقُ شُجَاعٌ أَقْرَعُ بِفِيهِ زَبِيبَتَانِ وَذَكَرَ مِثْلَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَقَالَ النَّخَعِيُّ طَوْقٌ مِنْ نَارٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعٌ أَقْرَعُ يُطَوِّقُ فِي عُنُقِهِ يَنْهَشُهُ وَعَلَى هَذَا جَاءَ حَدِيثُ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ رُوِيَ خَبَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا أَخْبَرَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسَدٍ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ رَجُلٍ لَهُ مَالٌ لَا يُؤَدِّي حَقَّ مَالِهِ إِلَّا جَعَلَ لَهُ طَوْقًا فِي عُنُقِهِ شُجَاعٌ أَقْرَعُ فَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ وَهُوَ يَتْبَعُهُ ثُمَّ قَرَأَ مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ إِلَى قَوْلِهِ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ أَبِي الْمِنَّةِ وَبُكَيْرُ بْنُ الْحَسَنِ الرَّازِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ مَنْ كَانَ له
(17/150)
مَالٌ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ طَوَّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يَنْقُرُ رَأْسَهُ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ الَّذِي كُنْتَ تَبْخَلُ بِي وَتَلَا سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ وَحَدَّثَنَا أَسَدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ يُطَوَّقُ شُجَاعًا لَهُ زَبِيبَتَانِ يَنْقُرُ رَأْسَهُ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ المكي قال حدثنا فضيل بن عياض عن حُصَيْنٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ أَتَيْتُ الرَّبَذَةَ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ فَقُلْتُ مَا أَنْزَلَكَ هَذَا فَقَالَ كُنْتُ بِالشَّامِ فَقَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ الْآيَةَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لَيْسَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا نَزَلَتْ إِنَّمَا هِيَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ فَقُلْتُ إِنَّهَا فِينَا وَفِي أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَى أَنْ كَانَ قَوْلٌ وَتَنَازُعٌ وَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ يَشْكُونِي فَكَتَبَ إِلَيَّ عُثْمَانُ أَنْ أَقْدِمْ فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَكَثُرَ وَرَائِيَ النَّاسُ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَطُّ فَدَخَلْتُ عَلَى
(17/151)
عُثْمَانَ فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ تَنَحَّ وَكُنْ قَرِيبًا فَنَزَلْتُ هَذَا الْمَنْزِلَ وَاللَّهِ لَوْ أَمَّرَ عَلَيَّ حَبَشِيًّا مَا عَصَيْتُهُ وَلَا أَرْجِعُ عَنْ قَوْلِي وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ رَاشِدٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ مِمَّا حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ مِمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ بِهِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يَفِرُّ مِنْهُ صَاحِبُهُ وَيَطْلُبُهُ أَنَا كَنْزُكَ فَلَا يَزَالُ بِهِ حَتَّى يُلْقِمَهُ أُصْبُعَهُ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنِ الْقَعْقَاعُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ ذَا زَبِيبَتَيْنِ يَتْبَعُ صَاحِبَهُ وَهُوَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُ فَلَا يَزَالُ يَتْبَعُهُ حَتَّى يُلْقِمَهُ أُصْبُعَهُ
(17/152)
الشُّجَاعُ الْحَيَّةُ وَقِيلَ الثُّعْبَانُ وَقِيلَ الشُّجَاعُ مِنَ الْحَيَّاتِ الَّذِي يُوَاثِبُ وَيَقُومُ عَلَى ذَنَبِهِ وَرُبَّمَا بَلَغَ رَأْسَ الْفَارِسِ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي الصَّحَارِي قَالَ الشَّمَّاخُ أَوِ الْبَعِيثُ ... وَأَطْرُقُ إِطْرَاقَ الشجاع وقد جرى ... على حد نابيه الزعاف الْمُسَمَّمُ ... وَقَالَ الْمُتَلَمِّسُ ... فَأَطْرَقُ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ يَرَى ... مَسَاغًا لِنَابَيْهِ الشُّجَاعِ لَصَمَّمَا ... وَالزَّبِيبَتَانِ نُقْطَتَانِ مُنْتَفِخَتَانِ فِي شِدْقَيْهِ كَالرُّغْوَتَيْنِ وَقِيلَ نُقْطَتَانِ سَوْدَاوَانِ وَكُلُّ مَا كَثُرَ سُمُّهُ فِيمَا زَعَمُوا ابْيَضَّ رَأْسُهُ وَهِيَ عَلَامَةُ الْحَيَّةِ الذَّكَرِ الْمُؤْذِي وَالْأَقْرَعُ مِنْ صِفَاتِ الْحَيَّاتِ الَّذِي بِرَأْسِهِ شَيْءٌ مِنْ بياض
(17/153)
الشُّجَاعُ الْحَيَّةُ وَقِيلَ الثُّعْبَانُ وَقِيلَ الشُّجَاعُ مِنَ الْحَيَّاتِ الَّذِي يُوَاثِبُ وَيَقُومُ عَلَى ذَنَبِهِ وَرُبَّمَا بَلَغَ رَأْسَ الْفَارِسِ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي الصَّحَارِي قَالَ الشَّمَّاخُ أَوِ الْبَعِيثُ ... وَأَطْرُقُ إِطْرَاقَ الشجاع وقد جرى ... على حد نابيه الزعاف الْمُسَمَّمُ ... وَقَالَ الْمُتَلَمِّسُ ... فَأَطْرَقُ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ يَرَى ... مَسَاغًا لِنَابَيْهِ الشُّجَاعِ لَصَمَّمَا ... وَالزَّبِيبَتَانِ نُقْطَتَانِ مُنْتَفِخَتَانِ فِي شِدْقَيْهِ كَالرُّغْوَتَيْنِ وَقِيلَ نُقْطَتَانِ سَوْدَاوَانِ وَكُلُّ مَا كَثُرَ سُمُّهُ فِيمَا زَعَمُوا ابْيَضَّ رَأْسُهُ وَهِيَ عَلَامَةُ الْحَيَّةِ الذَّكَرِ الْمُؤْذِي وَالْأَقْرَعُ مِنْ صِفَاتِ الْحَيَّاتِ الَّذِي بِرَأْسِهِ شَيْءٌ مِنْ بياض
(17/154)
(مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ حَزْمٍ)
وَهُوَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ يُكْنَى أَبَا مُحَمَّدٍ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ثِقَةً فَقِيهًا مُحَدِّثًا مَأْمُونًا حَافِظًا كَانَ مِنْ سَاكِنِي الْمَدِينَةِ وَبِهَا كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي سَنَةِ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ قَالَ الْوَاقِدِيُّ كَانَتْ لِآلِ حَزْمٍ حَلْقَةٌ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِثْلَ مَالِكٍ وَمَعْمَرٍ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ حُجَّةٌ فِيمَا نَقَلَ وَحَمَلَ وَكَانَ أَبُوهُ أَبُو بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مِنْ جِلَّةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَشْرَافِهِمْ وَكَانَ لَهُ بِهَا قَدْرٌ وَجَلَالَةٌ وَلِيَ الْقَضَاءَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَيَّامَ
(17/155)
إِمْرَتِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ لَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ وَلَّاهُ الْمَدِينَةَ وَكَانَ لِأَبِي بَكْرٍ بَنُونَ مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَكُلُّهُمْ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ الْعِلْمُ وَأَجَلُّهُمْ عَبْدُ اللَّهِ هَذَا وَكَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ تُسَمَّى أَمَةُ الرَّحْمَنِ ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ وَاسْمُ أَبِي بَكْرٍ كُنْيَتُهُ وَسَنَذْكُرُ وَفَاتَهُ وَزِيَادَةً فِي الْخَبَرِ عَنْهُ عِنْدَ ذِكْرِ رِوَايَةِ ابْنِهِ عَنْهُ بَعْدَ هَذَا فِي هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْبَصَرِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ غَزِيَّةَ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ سَأَلَهُ مَنْ بِالْمَدِينَةِ يُفْتِي فَأَجَابَهُ فَقَالَ مَا فِيهِمْ مِثْلُ عبد الله بن أبي بكر وما يمنعه أَنْ يَرْتَفِعَ إِلَّا مَكَانُ أَبِيهِ أَنَّهُ حَيٌّ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ ابْنُ شِهَابٍ حَدِيثَ مَسِّ الذَّكَرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ هَكَذَا يَرْوِيهِ أَهْلُ الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ فِيهِ إِلَّا مَا ذَكَرْتُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ لِمَالِكٍ عَنْهُ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا مِنْهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مُسْنَدَةً مِنْهَا
(17/156)
اثْنَانِ ظَاهِرُ أَحَدِهِمَا الِانْقِطَاعُ وَهُوَ مُتَّصِلٌ وَذَلِكَ حديث أبي بكر بن عبد الرحمان عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ لَيْسَ بِكَ عَلَى أَهْلِكَ هَوَانٌ الْحَدِيثَ وَالْآخَرُ صَحِيحُ الِانْقِطَاعِ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ فِي صَدْرِ النُّفَسَاءِ قَبْلَ طَوَافِ الْوَدَاعِ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَسَائِرُهَا مُتَّصِلَةٌ مُسْنَدَةٌ وَثَمَانِيَةٌ مُرْسَلَةٌ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ عَنْ أبيه وخمسة من مرسلاته عن نفسه
(17/157)
اثْنَانِ ظَاهِرُ أَحَدِهِمَا الِانْقِطَاعُ وَهُوَ مُتَّصِلٌ وَذَلِكَ حديث أبي بكر بن عبد الرحمان عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ لَيْسَ بِكَ عَلَى أَهْلِكَ هَوَانٌ الْحَدِيثَ وَالْآخَرُ صَحِيحُ الِانْقِطَاعِ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ فِي صَدْرِ النُّفَسَاءِ قَبْلَ طَوَافِ الْوَدَاعِ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَسَائِرُهَا مُتَّصِلَةٌ مُسْنَدَةٌ وَثَمَانِيَةٌ مُرْسَلَةٌ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ عَنْ أَبِيهِ وَخَمْسَةٌ مِنْ مُرْسَلَاتِهِ عَنْ نَفْسِهِ
(17/158)
حَدِيثٌ أَوَّلُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مُسْنَدٌ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَالَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ وَالنَّاسُ فِي مَقِيلِهِمْ لَا تَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلَادَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ قَالَ مَالِكٌ أَرَى ذَلِكَ مِنَ الْعَيْنِ قَدْ ذَكَرْنَا نَسَبَ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عِنْدَ ذِكْرِ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَذِكْرِ أَبِيهِ تَمِيمٍ فِي كِتَابِنَا فِي الصَّحَابَةِ وَذَكَرَ هُنَالِكَ أَبَا بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ وَهُوَ رَجُلٌ لَا يُوقَفُ عَلَى اسْمِهِ عَلَى صِحَّةٍ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَقِيلَ إِنَّ بَشِيرَ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ وَإِنَّ اسْمَهُ قَيْسُ بْنُ بَحْرٍ وَلَا يَصِحُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَقِيلَ إِنَّهُ أَدْرَكَ الْحَرَّةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتُلِفَ في نسبه
(17/159)
فِي الْأَنْصَارِ فَقِيلَ سَاعِدِيٌّ وَقِيلَ حَارِثِيٌّ وَقِيلَ مَازِنِيٌّ أَدْرَكَ الْحَرَّةَ وَخَرَجَ فِيهَا وَمَاتَ بَعْدَهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ هَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ رُوَاتِهِ وَرَوَاهُ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ فَسَمَّى الرَّسُولَ فَقَالَ فِيهِ أَرْسَلَ زَيْدًا مَوْلَاهُ وَهُوَ عِنْدِي زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ وَأَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بن أصبغ حدثناالحارث بْنُ أَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا مَوْلَاهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ وَالنَّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ لَا تَبْقَيْنَ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلَادَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ قَالَ مَالِكٌ أَرَى ذَلِكَ مِنَ الْعَيْنِ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ فَسَّرَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ أَنَّهُ مِنْ أَجْلِ الْعَيْنِ وَهُوَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُعَلِّقَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْبَهَائِمِ أَوْ بَنِي آدَمَ شَيْءٌ مِنَ
(17/160)
الْعَلَائِقِ خَوْفَ نُزُولِ الْعَيْنِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَمَحْمَلُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فِيمَا عُلِّقَ قَبْلَ نُزُولِ الْبَلَاءِ خَشْيَةَ نُزُولِهِ فَهَذَا هُوَ الْمَكْرُوهُ مِنَ التَّمَائِمِ وَكُلُّ مَا يُعَلَّقُ بَعْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ مِنْ أسماء الله وكابته رَجَاءَ الْفَرَجِ وَالْبُرْءِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ كَالرَّقْيِ الْمُبَاحِ الَّذِي وَرَدَتِ السُّنَّةُ بِإِبَاحَتِهِ مِنَ الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا بَأْسَ بِتَعْلِيقِ الْكُتُبِ الَّتِي فِيهَا أَسْمَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَعْنَاقِ الْمَرْضَى عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّكِ بِهَا إِذَا لَمْ يُرِدْ مُعَلِّقُهَا بِتَعْلِيقِهَا مُدَافَعَةَ الْعَيْنِ وَهَذَا مَعْنَاهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْعَيْنِ وَلَوْ نَزَلَ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْعَيْنِ جَازَ الرَّقْيُ عِنْدَ مَالِكٍ وَتَعْلِيقُ الْكُتُبِ وَلَوْ عَلَمَ الْعَائِنُ لَكَانَ الْوَجْهُ فِي ذَلِكَ اغْتِسَالُ الْعَائِنِ لِلْمَعِينِ عَلَى حَسَبِ مَا مَضَى مِنْ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي بَابِ ابْنِ شِهَابٍ وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْأَوْتَارِ بِالْقَطْعِ وَأَنْ لَا تُقَلَّدَ الدَّوَابُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ الْبَلَاءِ وَلَا بَعْدَهُ فَقِيلَ إِنَّ ذلك ليلا تختلق بِالْوَتَرِ فِي خَشَبَةٍ أَوْ شَجَرَةٍ فَتَقْتُلَهَا فَإِذَا كَانَ خَيْطًا انْقَطَعَ سَرِيعًا وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَى الْأَوْتَارِ غَيْرُ هَذَا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
(17/161)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى قِرَاءَةً مِنِّي عَلَيْهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا سَحْنُونُ حَدَّثَنَا وَهْبٍ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَافِرِيِّ عَنْ مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ قَالَ سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ عَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ وَقَرَأْتُ عَلَى خَلَفِ بْنِ أَحْمَدَ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ مُطَرِّفٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ لُبَابَةَ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ قَالَ أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ مِشْرَحَ بْنَ هَاعَانَ يَقُولُ إِنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا ودع الله له قال أبوعمر التَّمِيمَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْقِلَادَةُ هَذَا أَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ وَمَعْنَاهَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا عُلِّقَ فِي الْأَعْنَاقِ مِنَ الْقَلَائِدِ خَشْيَةَ الْعَيْنِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ
(17/162)
وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمَةُ قِلَادَةٌ فِيهَا عُودٌ قَالَ وَالْوَدْعُ خَرَزٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ فَكَأَنَّ الْمَعْنَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً خَشْيَةَ مَا عَسَى أَنْ يَنْزِلَ أَوْ لَا يَنْزِلَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ عَلَيْهِ صِحَّتَهُ وَعَافِيَتَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً وَهِيَ مِثْلُهَا فِي الْمَعْنَى فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ أَيْ فَلَا تَرَكَ اللَّهُ لَهُ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْعَافِيَةِ أَوْ نَحْوِ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا كُلُّهُ تَحْذِيرٌ وَمَنْعٌ مِمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَصْنَعُونَ مِنْ تَعْلِيقِ التَّمَائِمِ وَالْقَلَائِدِ يَظُنُّونَ أَنَّهَا تَقِيهِمْ وَتَصْرِفُ الْبَلَاءَ عَنْهُمْ وَذَلِكَ لَا يَصْرِفُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ الْمُعَافِي وَالْمُبْتَلِي لَا شَرِيكَ لَهُ فَنَهَاهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا كَانُوا يَصْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا سَحْنُونُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ حَدَّثَهُ أَنَّ أُمَّهُ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَكْرَهُ مَا يُعَلِّقُ النِّسَاءُ عَلَى أَنْفُسِهِنَّ وَعَلَى صِبْيَانِهِنَّ مِنْ خَلْخَالِ الْحَدِيدِ خَشْيَةَ الْعَيْنِ وَتُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ قَالَ وَأَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَيْسَ بِتَمِيمَةٍ مَا عُلِّقَ بَعْدَ أَنْ يَقَعَ الْبَلَاءُ
(17/163)
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَبَلَغَنِي عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَلْبَسَ امْرَأَةً خَرَزَةً كَيْمَا تَحْمَلَ أَوْ كَيْمَا لَا تَحْمَلَ قَالَ هَذَا مِنَ الرَّأْيِ السُّوءِ الْمَسْخُوطِ مِمَّنْ عَمِلَ بِهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي عُقْبَةُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَكْرَهُ الشَّرَابَ لِمَنْعِ الْحَمْلِ وَيَخَافُ أَنْ يَقْتُلَ مَا فِي الرَّحِمِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ الرُّقَى وَالتَّمَائِمُ وَالتِّوَلَةُ شِرْكٌ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ مَا التِّوَلَةُ فَقَالَ التَّهْيِيجُ وَأَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ مَا تَعَلَّقَ بَعْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ فَلَيْسَ مِنَ التَّمَائِمِ وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ تَعْلِيقَ التَّمِيمَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَبْلَ نُزُولِ الْبَلَاءِ وَبَعْدَهُ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ فِي الْأَثَرِ وَالنَّظَرِ وَبِاللَّهِ الْعِصْمَةُ وَالرَّشَادُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ وَعُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْمُعَلَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَارُودِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْمَعَالِيقِ قَالَ كُلُّ شَيْءٍ يُعَلَّقُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ قَالَ مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ قَالَ إِسْحَاقُ وَقَالَ لِي إِسْحَاقُ بْنُ
(17/164)
رَاهَوَيْهِ هُوَ كَمَا قَالَ إِلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ بَعْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ فَهُوَ حِينَئِذٍ مُبَاحٌ لَهُ قَالَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِنَّمَا يُكْرَهُ تَعْلِيقُ الْمُعَاذَةِ مِنْ أَجْلِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (قَلِّدُوا الْخَيْلَ وَلَا تُقَلِّدُوهَا الْأَوْتَارَ) فَلَيْسَ مِنْ قَلَائِدِ الْإِبِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ الْحَدِيثِ فِي الْخَيْلِ مَا ذَكَرَهُ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي تَأْوِيلِهِ قَالَ وَكِيعٌ مَعْنَاهُ لَا تَرْكَبُوهَا فِي الْفِتَنِ فَمَنْ رَكِبَ فَرَسًا فِي فِتْنَةٍ لَمْ يَسْلَمْ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ وَتَرٌ يُطْلَبُ بِهِ إِنْ قَتَلَ أَحَدًا عَلَى فَرَسِهِ فِي مَخْرَجِهِ فِي الْفِتْنَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي خُرُوجِهِ ذَلِكَ ظَالِمٌ قَالَ وَلَا بَأْسَ بِتَقْلِيدِ الْخَيْلِ قَلَائِدَ الصُّوفِ الْمُلَوَّنِ إِذَا لَمْ يَكُنْ ذلك خوف نزول العين
(17/165)
رَاهَوَيْهِ هُوَ كَمَا قَالَ إِلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ بَعْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ فَهُوَ حِينَئِذٍ مُبَاحٌ لَهُ قَالَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِنَّمَا يُكْرَهُ تَعْلِيقُ الْمُعَاذَةِ مِنْ أَجْلِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (قَلِّدُوا الْخَيْلَ وَلَا تُقَلِّدُوهَا الْأَوْتَارَ) فَلَيْسَ مِنْ قَلَائِدِ الْإِبِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ الْحَدِيثِ فِي الْخَيْلِ مَا ذَكَرَهُ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي تَأْوِيلِهِ قَالَ وَكِيعٌ مَعْنَاهُ لَا تَرْكَبُوهَا فِي الْفِتَنِ فَمَنْ رَكِبَ فَرَسًا فِي فِتْنَةٍ لَمْ يَسْلَمْ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ وَتَرٌ يُطْلَبُ بِهِ إِنْ قَتَلَ أَحَدًا عَلَى فَرَسِهِ فِي مَخْرَجِهِ فِي الْفِتْنَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي خُرُوجِهِ ذَلِكَ ظَالِمٌ قَالَ وَلَا بَأْسَ بِتَقْلِيدِ الْخَيْلِ قَلَائِدَ الصُّوفِ الْمُلَوَّنِ إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خَوْفَ نُزُولِ الْعَيْنِ
(17/166)
حَدِيثٌ ثَانٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الْمَازِنِيَّ يَقُولُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ هَكَذَا رَوَى مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَهَذَا اللَّفْظِ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الصَّلَاةُ لَمْ يَخْتَلِفْ رُوَاةُ الْمُوَطَّأِ فِي ذَلِكَ عَنْهُ فِيمَا عَلِمْتُ إِلَّا أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ عِيسَى الطَّبَّاعَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَالِكٍ فَزَادَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بَدَأَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَلَمْ يَقُلْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ فِي مُسْنَدِ مَالِكٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مَرْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِسْحَاقَ وَرَوَاهُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَذَكَرَ فِيهِ الصَّلَاةَ وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ
(17/167)
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَالِدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ هَذَا عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ فَذَكَرَ فِيهِ الصَّلَاةَ وَهَذَا الْحَدِيثُ سَمِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ مَعَ أَبِيهِ مِنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَحَسْبُكَ بِهِ جَلَالَةً وَحِفْظًا وَفَهْمًا فَذَكَرَ فِيهِ الصَّلَاةَ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مَعْمَرٌ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَشُعَيْبٌ وَيُونُسُ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنُ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَرَوَاهُ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا اسْتَسْقَى حَوَّلَ رِدَاءَهُ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَأَخْطَأَ فِي إِسْنَادِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَى إِسْنَادِهِ هَذَا وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَلَيْسَ فِي تَقْصِيرِ مَنْ قَصَرَ عَنْ ذِكْرِ الصَّلَاةِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ ذَكَرَهَا وَالْحُجَّةُ فِي قَوْلِ مَنْ أَثْبَتَ وَحَفِظَ (وَبِاللَّهِ الْعِصْمَةُ وَالتَّوْفِيقُ) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عباد بن تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم استسقى وصلى ركعتين وقلت رداءه
(17/168)
وَأَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي فَحَوَّلَ رِدَاءَهُ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ قَالَ سُفْيَانُ فَسَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ سَمِعْتُهُ مِنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ يُحَدِّثُ أَبِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي أُرِيَ النِّدَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَقَلَبَ رِدَاءَهُ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ هَكَذَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الَّذِي أُرِي النِّدَاءَ وَهُوَ خَطَأٌ وَلَا أَدْرِي فَمَنْ أَتَى ذَلِكَ وَمَا أَظُنُّهُ جَاءَ مِنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَلَا مِمَّنْ فَوْقَهُ لِأَنَّهُمْ عُلَمَاءُ جِلَّةٌ وَإِنَّمَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَايِدٍ الْمَازِنِيُّ
(17/169)
عَمُّ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بن زيد بن عاصم وما الَّذِي أُرِيَ النِّدَاءَ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَلَيْسَ مِنْ بَنِي مَازِنٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا وَبَيَّنَّا أَمْرَهُمَا فِي بَابِهِ مِنْ كِتَابِ الصَّحَابَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي حَدِيثِ الْوُضُوءِ أَنَّهُ جَعَلَهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي أُرِيَ الْأَذَانَ وَهَذَا وَهْمٌ وَإِنَّمَا هُوَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي بَابِ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَأَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَالْمَسْعُودِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حزم عَنْ عَبَّادِ بْنُ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَزَادَ فِيهِ الْمَسْعُودِيُّ قُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ أَجَعَلَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَالْيَمِينَ عَلَى الشِّمَالِ أَمْ جَعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ قَالَ لَا بَلْ جَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى الشِّمَالِ وَالشِّمَالَ على اليمين
(17/170)
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَهُوَ الْقَطَّانُ عَنْ يَحْيَى وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَرَوَاهُ هُشَيْمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّلَاةَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مِثْلَهُ سَوَاءً قَالَ أَبُو عُمَرَ أَحْسَنُ النَّاسِ سِيَاقَةً لِهَذَا الْحَدِيثِ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا وَاسْتَسْقَى وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ
(17/171)
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ إِلَى الِاسْتِسْقَاءِ وَالْبُرُوزَ وَالِاجْتِمَاعَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَارِجَ الْمِصْرِ بِالدُّعَاءِ وَالضَّرَاعَةِ إِلَيْهِ تَبَارَكَ اسْمُهُ فِي نُزُولِ الْغَيْثِ عِنْدَ احْتِبَاسِ مَاءِ السَّمَاءِ وَتَمَادِي الْقَحْطِ سُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا خِلَافَ بَيْنِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ وَلَكِنْ يَخْرُجُ الْإِمَامُ وَيَدْعُو وَرُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ التَّابِعَيْنِ مِثْلُ ذَلِكَ وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ مَالِكٍ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَسَائِرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةٌ رَكْعَتَانِ يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ الْخُطْبَةُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَقَالَهُ مَالِكٌ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إِلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ فِيهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ خَطَبَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِالْجُلُوسِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَخْطُبُ خُطْبَةً خَفِيفَةً يَعِظُهُمْ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ إِنْ شَاءَ خَطَبَ وَاحِدَةً وَإِنْ شَاءَ اثْنَتَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالطَّبَرِيُّ التَّكْبِيرُ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ كَالتَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ سَوَاءٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَقَالَ دَاوُدُ إِنْ
(17/172)
شَاءَ كَبَّرَ كَمَا يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ وَإِنْ شَاءَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يُكَبِّرُ فِي الصَّلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ إِلَّا كَمَا يُكَبِّرُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً لِلِافْتِتَاحِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدِ بْنِ حَنْبَلٍ مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ يُكَبِّرُ فِيهَا كَمَا يُكَبِّرُ فِي الْعِيدِ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَرْسَلَنِي أَمِيرٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسَالَهُ عَنْ الِاسْتِسْقَاءِ فَقَالَ مَنْ أَرْسَلَكَ قَالَ قُلْتُ فُلَانٌ قَالَ مَا مَنَعَهُ أَنْ يَأْتِيَنِي فَيَسْأَلَنِي خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَضَرِّعًا مُتَذَلِّلًا مُتَبَذِّلًا مُتَوَاضِعًا فَلَمْ يَخْطُبْ خُطَبَكُمْ هَذِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدِ قَالَ سُفْيَانُ قُلْتُ لِلشَّيْخِ أَخَطَبَ قَبْلَ الرَّكْعَةِ أَوْ بَعْدَهَا قَالَ لَا أَدْرِي قَالَ أَبُو عُمَرَ هُوَ هِشَامُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ رَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ وَحَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَلَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُهُ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ فِيهِ بِصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَانِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يكون من
(17/173)
جِهَةِ التَّكْبِيرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُحَوِّلُ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْخُطْبَةِ يَجْعَلُ مَا عَلَى الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ وَمَا عَلَى الشِّمَالِ عَلَى الْيَمِينِ وَيُحَوِّلُ النَّاسُ أَرْدَيْتَهُمْ إِذَا حَوَّلَ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ كَمَا حَوَّلَ الْإِمَامُ فهذا قول الشافعي بالعراق ثم قال بصر يُنَكِّسُ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ فَيَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَيَجْعَلُ مَا مِنْهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ قَالَ وَإِنْ جَعْلَ مَا عَلَى يَمِينِهِ عَلَى شَمَالِهِ وَلَمْ يُنَكِّسْهُ أَجَزْأَهُ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يُحَوِّلُ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ سَوَاءً قَالَ وَلَا يُحَوِّلُ النَّاسُ أَرْدَيْتَهُمْ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ يُحَوِّلُ الْإِمَامُ إِذَا مَضَى صَدْرٌ مِنْ خُطْبَتِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُحَوِّلُ رِدَاءَهُ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ فَرَاغِهَا أَوْ قُرْبَ ذَلِكَ وَيُحَوَّلُ النَّاسُ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ مَضَى فِي حَدِيثِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَوَّلَ رِدَاءَهُ جَعَلَ مَا عَلَى الشِّمَالِ مِنْهُ عَلَى الْيَمِينِ وَمَا عَلَى الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ وَعَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاسْتَحَبَّهُ فَمَوْجُودٌ فِي حَدِيثِ عِمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عن
(17/174)
عِمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ اسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهَ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا فَيَجْعَلَهُ أَعْلَاهَا فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَمِيصَةَ لَوْ لَمْ تَثْقُلْ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَكَسَهَا وَجَعَلَ أَعْلَاهَا أَسْفَلَهَا وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ الْإِمَامَ يُحَوِّلُ رِدَاءَهُ وَهُوَ قَائِمٌ وَيُحَوِّلُ النَّاسُ وَهُمْ جُلُوسٌ وَالْخُرُوجُ إِلَى الِاسْتِسْقَاءِ فِي وَقْتِ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الْعِيدِ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا أَبَا بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَإِنَّهُ قَالَ الْخُرُوجُ إِلَيْهَا عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي خُرُوجِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِلَى الِاسْتِسْقَاءِ فَأَجَازَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ مَالِكٌ وَابْنُ شِهَابٍ وَمَكْحُولٌ وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ إِنْ خَرَجُوا عَدَلَ بِهِمْ عَنْ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ إِسْحَاقُ لَا يُؤْمَرُوا بِالْخُرُوجِ وَلَا يُنْهَوْا عَنْهُ وَكَرِهَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خُرُوجَ الذِّمَّةِ إِلَى الِاسْتِسْقَاءِ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فإن خرجوا متميزين لم أمامهم وَكُلُّهُمْ كَرِهَ خُرُوجَ النِّسَاءِ الشَّوَابِّ إِلَى الِاسْتِسْقَاءِ وَرَخَّصُوا فِي خُرُوجِ الْعَجَائِزِ
(17/175)
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْجَهْرِ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَسْقَى فِي الْعَامِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا إِذَا احْتَاجُوا إِلَى ذَلِكَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ لَمْ يُسْقَوْا يَوْمَهُمْ ذَلِكَ أَحْبَبْتُ أَنْ يُتَابَعَ الِاسْتِسْقَاءُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يُصْنَعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا كَمَا صُنِعَ فِي الْأَوَّلِ وَقَالَ إِسْحَاقُ لَا يَخْرُجُونَ إِلَى الْجَبَّانِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يَجْتَمِعُونَ فِي مَسَاجِدِهِمْ فَإِذَا فَرَغُوا مِنَ الصَّلَاةِ ذَكَرُوا اللَّهَ وَيَدْعُو الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَيُؤَمِّنُ النَّاسُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَحَطَ الْمَطَرُ عَامًا فَقَامَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَحَطَ الْمَطَرُ وَأَجْدَبَتِ الْأَرْضُ وَهَلَكَ الْمَالُ قَالَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا يُرَى فِي السَّمَاءِ سَحَابَةٌ وَمَدَّ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبِطَيْهِ يَسْتَسْقِي اللَّهَ قَالَ فَمَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ حَتَّى أَهَمَّ الشَّابُّ الْقَرِيبُ الدَّارَ الرُّجُوعَ إِلَى أَهْلِهِ فَدَامَتْ جُمُعَةً فَلَمَّا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الَّتِي تَلِيهَا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَاحْتَبَسَ الرُّكْبَانُ قَالَ فَتَبَسَّمَ
(17/176)
لِسُرْعَةِ مَلَالَةِ ابْنِ آدَمَ وَقَالَ بِيَدَيْهِ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا قَالَ فَتَكَشَّطَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا حَدِيثٌ عِنْدَ مَالِكٍ بِهَذَا الْمَعْنَى عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسٍ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الشِّينِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَهُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ ثَابِتٌ وَشَرِيكٌ وَإِسْحَاقُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَغَيْرُهُمْ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ وَمَعْنًى وَاحِدٍ وَسَنَذْكُرُ مِنْهَا مَا حَضَرَنَا فِي بَابِ شَرِيكٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَفِي بَابِ يَحْيَى بْنِ سعيد وبالله التوفيق
(17/177)
لِسُرْعَةِ مَلَالَةِ ابْنِ آدَمَ وَقَالَ بِيَدَيْهِ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا قَالَ فَتَكَشَّطَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا حَدِيثٌ عِنْدَ مَالِكٍ بِهَذَا الْمَعْنَى عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسٍ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الشِّينِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَهُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ ثَابِتٌ وَشَرِيكٌ وَإِسْحَاقُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَغَيْرُهُمْ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ وَمَعْنًى وَاحِدٍ وَسَنَذْكُرُ مِنْهَا مَا حَضَرَنَا فِي بَابِ شَرِيكٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَفِي بَابِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(17/178)
حَدِيثٌ ثَالِثٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ هَكَذَا هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عِنْدَ جَمَاعَةِ رُوَاتِهِ وَعِنْدَ مَالِكٍ أَيْضًا فِيهِ إِسْنَادٌ آخَرُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي بَابِ (خُبَيْبٍ) مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثَ إِسْنَادًا آخَرَ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ الْبَصْرِيُّ رَوَى عَنْ مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَنِي أُبَيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال وضعت مِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ
(17/179)
تُرَعِ الْجَنَّةِ وَمَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ذَكَرَهُ ابْنُ سَنْجَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ مَالِكٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ هَذَا ضَعِيفٌ وَفِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ رَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ زَيْدٍ الطَّائِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ زَيْدٍ مَوْلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ مِنْبَرِي وَقَبْرِي هُوَ أُسْطُوَانَةُ التَّوْبَةِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ قَالَ عَطَاءٌ وَرَأَيْتُ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ وَرَأَيْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُقَصِّرُ قَمِيصَهُ وَهَذَا حَدِيثٌ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ مُنْكَرٌ وَضَعَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالصَّحِيحُ فِيهِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد المازني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ حَدَّثَنَا خَلَفٌ حَدَّثَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ عَنْ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ
(17/180)
الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد المازني عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْكُوفِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكِ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَهَذَا أَيْضًا إِسْنَادٌ خَطَأٌ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ وَلَا أَصْلَ لَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ (خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ ذَلِكَ ها هنا
(17/181)
الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد المازني عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْكُوفِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكِ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَهَذَا أَيْضًا إِسْنَادٌ خَطَأٌ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ وَلَا أَصْلَ لَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ (خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ ذَلِكَ ها هنا
(17/182)
حَدِيثٌ رَابِعٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ دَخَلْتُ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَتَذَاكَرْنَا مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوُضُوءُ فَقَالَ مَرْوَانُ وَمِنْ مَسِّ الذَّكَرِ الْوُضُوءُ قَالَ عُرْوَةُ مَا عَلِمْتُ هَذَا فَقَالَ مَرْوَانُ أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ قال أبوعمر فِي نُسْخَةِ يَحْيَى فِي الْمُوَطَّأِ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَهْمٌ وَخَطَأٌ غَيْرُ مُشْكِلٍ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَطَأِ الْيَدِ فَهُوَ مِنْ قَبِيحِ الْخَطَأِ فِي الْأَسَانِيدِ وَذَلِكَ أَنَّ فِي كِتَابِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَجَعَلَ فِي مَوْضِعِ (ابْنِ) (عَنْ) فَأَفْسَدَ الْإِسْنَادَ وَجَعَلَ الْحَدِيثَ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَهَكَذَا حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ ابْنُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى وَأَمَّا ابْنُ وَضَّاحٍ فَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ هَكَذَا وَحَدَّثَ بِهِ عَلَى الصِّحَّةِ فَقَالَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ محمد بن عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَهَذَا الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَ جَمَاعَةِ
(17/183)
أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَيْسَ الْحَدِيثُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَلَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ لَا يَرْوِي مِثْلَهُ عَنْ عُرْوَةَ وَوُلِدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِنَجْرَانَ وَأَبُوهُ عَامِلٌ عَلَيْهَا مِنْ قَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَنَةِ عَشْرٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فَسَمَّاهُ أَبُوهُ مُحَمَّدًا وَكَنَّاهُ أَبَا سُلَيْمَانَ وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُهُ أَنْ يُسَمِّيَهُ محمدا ويكنيه أباعبد الْمَلِكِ فَفَعَلَ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو فَارِسًا شُجَاعًا تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَذَكَرْنَا أَبَاهُ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ فِي كِتَابِنَا فِي الصَّحَابَةِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُرْوَةَ كَمَا رَوَاهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ عُرْوَةَ وَقَدِ اجْتَمَعَ مَعَ أَبِيهِ فِي شُيُوخٍ وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّهُ رَوَى عَنْ عُرْوَةَ لَا هَذَا الْحَدِيثَ وَلَا غَيْرَهُ وَالْمَحْفُوظُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ لَهُ عَنْ عُرْوَةَ وَرِوَايَةُ أَبِي بَكْرٍ لَهُ عَنْ عُرْوَةَ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ قَدْ خَالَفَ أَبَاهُ فِي إِسْنَادِهِ وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا إِنْ صَحَّ اخْتِلَافُهُمَا فِي ذَلِكَ وَمَا أَظُنُّهُ إِلَّا مِمَّنْ دُونَ أَبِي بَكْرٍ وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ كَاتِبَ الْأَوْزَاعِيِّ رَوَاهُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ
(17/184)
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ بُسْرَةَ وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ لِعُرْوَةَ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ وَالْمَحْفُوظُ أَيْضًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الزُّهْرِيَّ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ لَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ عُرْوَةَ وَمَنْ رَوَاهُ عَنْهُ عَنْ عُرْوَةَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدَهُمْ وَقَدْ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْخَيَّاطُ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رسول اله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ وَهَذَا إِسْنَادٌ مُنْكَرٌ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ يَصِحُّ عَنْهُ وَأَظُنُّ الْحُسَيْنَ هَذَا وَضَعَهُ أَوْ وَهِمَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ وَعَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ قَالَ سَمِعْتُ بُسْرَةَ بِنْتَ صَفْوَانَ تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ خَطَأٌ وإسناد مُنْكَرٌ وَالصَّحِيحُ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ مَا فِي الْمُوَطَّأِ وَكَذَلِكَ مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَهُوَ خَطَأٌ أَيْضًا لَا شَكَّ فِيهِ وَكَذَلِكَ مَنْ رَوَاهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فَقَدْ أَخْطَأَ أَيْضًا فِيهِ وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الْإِسْنَادِ فِي هَذَا عَنْ عُرْوَةَ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ وَأَنَا أَذْكُرُ فِي هَذَا الْبَابِ الْأَسَانِيدَ الصِّحَاحَ فِيهِ عَنْ عُرْوَةَ دُونَ الْمَعْلُولَاتِ وَدُونَ الَّتِي هِيَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ خَطَأٌ وَالْعَوْنُ بِاللَّهِ لَا شَرِيكَ لَهُ
(17/185)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حدثنا أحمد بن شعيب حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مَعْنُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ دَخَلْتُ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَذَكَرْنَا مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوُضُوءُ فَقَالَ مَرْوَانُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ فَقَالَ عُرْوَةُ مَا عَلِمْتُ ذَلِكَ فَقَالَ مَرْوَانُ أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ بُكَيْرٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مَالِكٍ فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ تَذَاكَرَ أَبِي وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ مَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ فَذَكَرَ أَبِي إِنَّ هَذَا شَيْءٌ مَا سَمِعْتُهُ فَقَالَ عُرْوَةُ بَلْ أَخْبَرَنِي مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ أَنَّهُ سَمِعَ بُسْرَةَ بِنْتَ صَفْوَانَ تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ فَقُلْتُ فَإِنِّي أَشْتَهِي
(17/186)
أَنْ تُرْسِلَ وَأَنَا شَاهِدٌ رَجُلًا أَوْ قَالَ حَرَسِيًّا فَجَاءَ الرَّسُولُ مِنْ عِنْدِهَا فَقَالَ لَنَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي جَهْلِ عُرْوَةَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَجَهْلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حزم لَهَا أَيْضًا عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَالِمَ لَا نَقِيصَةَ عَلَيْهِ مِنْ جَهْلِ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ مِنَ الْعِلْمِ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالسُّنَنِ فِي الْأَغْلَبِ إِذِ الْإِحَاطَةُ لَا سَبِيلَ إِلَيْهَا وَغَيْرُ مَجْهُولِ مَوْضِعُ عُرْوَةَ وَأَبِي بَكْرٍ مِنَ الْعِلْمِ وَالِاتِّسَاعِ فِيهِ فِي حِينِ مُذَاكَرَتِهِمْ بِذَلِكَ وَقَدْ يُسَمَّى الْعَالِمُ عَالِمًا وَإِنْ جَهِلَ أَشْيَاءَ كَمَا يُسَمَّى الْجَاهِلُ جَاهِلًا وَإِنْ عَلِمَ أَشْيَاءَ وَإِنَّمَا تُسْتَحَقُّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ بِالْأَغْلَبِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ لِهَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَرْوِيَ عُرْوَةُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ بُسْرَةَ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ كَذَلِكَ قَوْمٌ وَكَذَلِكَ حَدَّثَ بِهِ أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ بُسْرَةَ فَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي حَسَّانَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ حَبِيبٍ حَدَّثَنَا
(17/187)
الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ أَنَّهَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَتَوَضَّأُ الرَّجُلُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حدثنا أحمد بن شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ عَنْ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ ذَكَرَ مَرْوَانُ فِي إِمَارَتِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ أَنَّهُ يُتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ إِذَا أَفْضَى إِلَيْهِ الرَّجُلُ بِيَدِهِ فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ وَقُلْتُ لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ مَسَّهُ فَقَالَ مَرْوَانُ أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ مَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ قَالَ عُرْوَةُ فَلَمْ أَزَلْ أُمَارِي مَرْوَانَ حَتَّى دَعَا رَجُلًا مِنْ حَرَسِهِ فَأَرْسَلَهُ إِلَى بُسْرَةَ فَسَأَلَهَا عَمَّا حَدَّثَتْ مِنْ ذَلِكَ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بُسْرَةُ بِمِثْلِ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْهَا مَرْوَانُ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ قُسَيْطٍ أَبُو عَلِيٍّ الرَّقِّيُّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ
(17/188)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ مِثْلَهُ سَوَاءً بِمَعْنَاهُ إِلَى آخِرِهِ وَزَادَ قَالَ وَكَانَتْ بُسْرَةُ خَالَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ هَكَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ بُسْرَةَ خَالَةُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَهَذَا أَعْلَى مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي بُسْرَةَ هَذِهِ فَقِيلَ هِيَ مِنْ كِنَانَةَ وَمَنْ قَالَ هَذَا جَعَلَهَا خَالَةَ مَرْوَانَ لَا خَالَةَ عَبْدِ الْمَلِكِ وَأُمُّ مَرْوَانَ بِنْتُ عَلْقَمَةَ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ مُحَرِّثٍ الْكِنَانِيِّ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ بُسْرَةُ عَمَّةَ أُمِّ مَرْوَانَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ الْبَرْقِيِّ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى قُرَشِيَّةٌ أَسَدِيَةٌ قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ لَيْسَ لِصَفْوَانَ بْنِ نَوْفَلٍ عَقِبٌ إِلَّا مِنْ بُسْرَةَ هَذِهِ قَالَ وَهِيَ أُمُّ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي الْعَاصِي جَدَّةُ عَائِشَةَ بِنْتِ مُعَاوِيَةَ وَعَائِشَةُ بِنْتُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي الْعَاصِي هِيَ أُمُّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ هَذَا قَوْلُ الزُّبَيْرِ وَعَمِّهِ مُصْعَبٍ وَهُوَ أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ قيل إن عائشةأم عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ هِيَ عَائِشَةُ بِنْتُ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي الْعَاصِي وَأَنَّ بُسْرَةَ بِنْتَ صفوان كانت تعند الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي الْعَاصِي فَوَلَدَتْ لَهُ مُعَاوِيَةَ وَعَائِشَةَ أُمَّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَلَوْ صَحَّ هَذَا كَانَتْ بُسْرَةُ جَدَّةَ عَبْدِ الْمَلِكِ أُمَّ أُمِّهِ لَا خَالَتَهُ وَعَلَى قَوْلِ الزُّبَيْرِ جَدَّةُ أُمِّ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهَذَا أَصَحُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ ذَكَرْنَا بُسْرَةَ
(17/189)
فِي كِتَابِ الصَّحَابَةِ وَأَمَّا مَرْوَانُ فَلَمْ نَقْصِدْ ها هنا إِلَى ذِكْرِهِ لِأَنَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِنَا فِي الصَّحَابَةِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ وَمَا أَظُنُّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ وُلِدَ بِالطَّائِفِ وَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى وَلِيَ عُثْمَانُ فِيمَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالسِّيَرِ وَالْخَبَرِ وَتُوُفِّيَ مَرْوَانُ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَأَمَّا حَدِيثُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ وَكَانَتْ قَدْ صَحِبَتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلَا يُصَلِّي حَتَّى يَتَوَضَّأَ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي حَدِيثِ بُسْرَةَ عُرْوَةُ عن مروان عن بسرة وكل من خلاف هَذَا فَقَدَ أَخْطَأَ فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ كَثِيرٌ عَلَى هِشَامٍ وَعَلَى ابْنِ شِهَابٍ وَالصَّحِيحُ فِيهِ عَنْهُمَا مَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ
(17/190)
كَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يَقُولُ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي مَسِّ الذَّكَرِ حَدِيثُ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ نَحْوَ ذَلِكَ أَيْضًا وَيَقُولُ فِي مَسِّ الذَّكَرِ أَيْضًا حَدِيثٌ حَسَنٌ ثَابِتٌ وَهُوَ حَدِيثُ أم حبيبة قال أبوعمر حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ فِي ذَلِكَ حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ وَسَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى حَدَّثَنَا الْخَضِرُ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَانِئٍ الْوَارَّقُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْمُقْرِيُّ حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ
(17/191)
قَالَ أَبُو عُمَرَ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إِلَى إِيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ لحديث بسرة وحديث أم حبيبة وكذلك ان يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يَقُولُ وَالْحَدِيثَانِ جَمِيعًا عِنْدَهُمَا صَحِيحَانِ فَهَذَانِ إِمَامَا أَهْلِ الْحَدِيثِ يُصَحِّحَانِ الْحَدِيثَ فِي مَسِّ الذَّكَرِ ذَكَرَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُعْجِبُهُ حَدِيثَ أُمِّ حَبِيبَةَ فِي مَسِّ الذَّكَرِ وَيَقُولُ هُوَ حَسَنُ الْإِسْنَادِ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَعْيُنَ الْمَقْدِسِيِّ حَدَّثَنَا مُضَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ أَيُّ حَدِيثٍ يَصِحُّ فِي مَسِّ الذَّكَرِ فَقَالَ يَحْيَى لَوْلَا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ لَقُلْتُ لَا يَصِحُّ فِيهِ شَيْءٌ فَإِنَّ مَالِكًا يَقُولُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا عُرْوَةُ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ حَدَّثَتْنِي بُسْرَةُ فَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ فَقُلْتُ لَهُ فَبُسْرَةُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ فَقَالَ مَرْوَانُ عَنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ فَقُلْتُ لَهُ فَحَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ نَعَمْ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْبَانَ هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ قُلْتُ لَهُ فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ النَّوْفَلِيُّ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَقَالَ جَعَلَ بَيْنَهُمَا رَجُلًا مَجْهُولًا قُلْتُ فَإِنَّ أَبَا عبد الله أحمد
(17/192)
ابن حَنْبَلٍ يَقُولُ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِيهِ حَدِيثُ الْهَيْثَمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَنْبَسَةَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ (فَسَكَتَ) قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا الْخَضِرُ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ حَدَّثَنَا دُحَيْمٌ وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَا حدثنا عبد الله بن نفاع عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ كُلُّ مَذْكُورٍ فِيهِ ثِقَةٌ مَعْرُوفٌ بِالْعِلْمِ إِلَّا عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ بِحَمْلِ الْعِلْمِ يُقَالُ هُوَ عُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ وَيُقَالُ عُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ وَيُقَالُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو وَذَكَرَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ فِي كِتَابِهِ الصَّحِيحِ قَالَ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إِلَى حَدِيثِ بُسْرَةَ وَيَخْتَارُهُ قَالَ ابْنُ السَّكَنِ وَلَا أَعْلَمُ فِي حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ عِلَّةً إِلَّا أَنَّهُ قِيلَ إِنَّ مَكْحُولًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَنْبَسَةَ وَذَكَرَ ابْنُ السَّكَنِ حَدِيثَ بُسْرَةَ فَصَحَّحَهُ ثُمَّ قَالَ يُقَالُ إِنَّ حَدِيثَ بُسْرَةَ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ
(17/193)
طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ لِأَنَّ طَلْقَ بْنَ عَلِيٍّ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبْنِي الْمَسْجِدَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بِلَادِ قَوْمِهِ وَحَدِيثُ بُسْرَةَ ابْنَةِ صَفْوَانَ وَمَنْ تَابَعَهَا مِمَّنْ رَوَى مِثْلَ رِوَايَتِهَا تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُمْ وَإِنَّمَا أَسْلَمُوا قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَسِيرٍ ثُمَّ قَالَ إِنْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِّ الذَّكَرِ شَيْءٌ فَحَدِيثُ بُسْرَةَ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ صَحَّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ سَمَاعُ مَكْحُولٍ مِنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ذَكَرَ ذَلِكَ دُحَيْمٌ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا الَّذِينَ رَوَوْا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي مَسِّ الذَّكَرِ مِثْلَ رِوَايَةِ بُسْرَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ فَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَجَابِرٌ وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ وَلَكِنَّ الْأَسَانِيدَ عَنْهُمْ مَعْلُولَةٌ وَلَكِنَّهُمْ يُعَدُّونَ فِيمَنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعَ سَعْدِ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَسَائِرِ مَنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ مِنْهُمْ قَالَ أَبُو عُمَرَ الشَّرْطُ فِي مَسِّ الذَّكَرِ أَنْ لَا يَكُونَ دُونَهُ حَائِلٌ وَلَا حِجَابٌ وَأَنْ يَمَسَّ بِقَصْدٍ وَإِرَادَةٍ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تُسَمِّي الْفَاعِلَ فَاعِلًا إِلَّا بِقَصْدٍ مِنْهُ إِلَى الْفِعْلِ وَهَذِهِ الْحَقِيقَةُ فِي ذَلِكَ وَالْمَعْلُومُ فِي الْقَصْدِ إِلَى الْمَسِّ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَغْلَبِ بِبَاطِنِ
(17/194)
الْكَفِّ وَقَدْ رُوِيَ بِمِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْبَرَنَاهُ خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ السَّكَنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مِهْرَانَ السَّرَّاجُ قَالَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَالَ ابْنُ السَّكَنِ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَجْوَدِ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَأَمَّا يَزِيدُ فَضَعِيفٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا لِيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ النَّوْفَلِيِّ هَذَا وَهُوَ مُجْتَمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ حَتَّى رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُ مَالِكٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ (الْقَارِي) وَهُوَ إِسْنَادٌ صَالِحٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ أَثْنَى ابْنُ مَعِينٍ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ فِي حَدِيثِهِ وَوَثَّقَهُ وَكَانَ النَّسَائِيُّ يُثْنِي عَلَيْهِ أَيْضًا فِي نَقْلِهِ عَنْ مَالِكٍ لِحَدِيثِهِ وَلَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي ثِقَتِهِ وَلَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ عَنْ نَافِعِ بن أبي نعيم
(17/195)
وَيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَّا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ وَأَمَّا سَحْنُونُ فَإِنَّمَا رَوَاهُ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ يَزِيدَ وَحْدَهُ وَذَكَرَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ اسْتَقَرَّ قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَى مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ وَصَلَّى لَا فِي وَقْتٍ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَاخْتَارَ ذَلِكَ سَحْنُونُ أَيْضًا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَرْوَانَ حَدَّثَنَا ابومحمد الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى الْقَلْزُمِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْقَلْزُمِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ وَيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ لَيْسَ دُونَهُ حِجَابٌ وَلَا سِتْرٌ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمُسْنَدُ الْمُسْقِطُ لِلْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ فَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فجاءه
(17/196)
رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَى فِي مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بَعْدَمَا يَتَوَضَّأُ فَقَالَ هَلْ هُوَ إِلَّا بَضْعَةٌ مِنْكَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ فِي حَدِيثِهِ وَهَلْ هُوَ إِلَّا مُضْغَةٌ مِنْكَ أَوْ بَضْعَةٌ مِنْكَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ وَالثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَجَرِيرٌ الرَّازِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ وَرَوَاهُ أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ قَاضِي الْيَمَامَةِ أَيْضًا عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ حَدِيثٌ يَمَامِيٌّ لَا يُوجَدُ إِلَّا عِنْدَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ إِلَّا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَابِرٍ وَأَيُّوبَ بْنَ عُتْبَةَ يُضَعَّفَانِ وَمُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو ثِقَةٌ وَعَلَى حَدِيثِهِ عول أبوداود وَالنَّسَوِيُّ جَمِيعًا وَكُلُّ مَنْ خَرَّجَ فِي الصَّحِيحِ ذَكَرَ حَدِيثَ بُسْرَةَ فِي هَذَا الْبَابِ وَحَدِيثَ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَّا الْبُخَارِيَّ فَإِنَّهُمَا عِنْدَهُ مُتَعَارِضَانِ مَعْلُولَانِ وَعِنْدَ غَيْرِهِ هُمَا صَحِيحَانِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَقَدِ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ فِي إِيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذكر ناسح لِحَدِيثِ سُقُوطِ الْوُضُوءِ مِنْهُ بِأَنَّ إِيجَابَ الْوُضُوءِ مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ لَا مَدْخَلَ فِيهِ لِلْعَقْلِ لِاجْتِمَاعِهِ مَعَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ فَمُحَالٌ أَنْ يُقَالَ إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ
(17/197)
مِنْكَ وَالشَّرْعُ قَدْ وَرَدَ بِإِيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْهُ وَجَائِزٌ أَنْ يَجِبَ مِنْهُ الْوُضُوءُ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَوْلِ شَرْعًا فَتَفَهَّمْ وَأَمَّا أَقَاوِيلُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْخَالِفِينَ فِي هَذَا الْبَابِ فَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِيجَابُ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى بِالنَّاسِ فَأَهْوَى بِيَدِهِ فَأَصَابَ فَرْجَهُ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ امْكُثُوا فَخَرَجَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِمْ فَأَعَادَ وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَمِنْ حَدِيثِ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَالزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ أَبِيهِ وَأَمَّا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَمِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ أَيْضًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ هَذِهِ رِوَايَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْهُ فِي إِيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْهُ وَرَوَى عَنْهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِسْقَاطَ الْوُضُوءِ منه
(17/198)
وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ مِنْهُمْ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَزَيْدُ بْنُ خالد وأبوهريرة قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ فَقَالَ نَعَمْ نَرَى الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ قِيلَ لَهُ فَمَنْ لَمْ يَرَهُ أَتُعَنِّفُهُ قَالَ الْوُضُوءُ أَقْوَى قِيلَ لَهُ فَمَنْ قَالَ لَا وُضُوءَ قَالَ الْوُضُوءُ أَكْثَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا التَّابِعُونَ الَّذِينَ رُوِيَ عَنْهُمُ الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ مِنْ كِتَابِ الْأَثْرَمِ وَكِتَابِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ فَسَعِيدُ بْنُ المسيب وعطاء بن أبي رباح وطاووس وَعُرْوَةُ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَابْنُ شِهَابٍ وَمُجَاهِدٌ وَمَكْحُولٌ وَالشَّعْبِيُّ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَبِذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَالطَّبَرِيُّ وَاضْطَرَبَ مَالِكٌ فِي إِيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْهُ وَاسْتَقَرَّ (قَوْلُهُ) أَنْ لَا إِعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى بَعْدَ أَنْ مَسَّهُ قَاصِدًا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ إِلَّا فِي الْوَقْتِ فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ وَعَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِيمَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ (سَاهِيًا بِبَطْنِ كَفِّهِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ في)
(17/199)
غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَنَّهُ يُعِيدُ وُضُوءَهُ وَكَذَلِكَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ وُضُوءَهُ) وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ إِلَّا مَنْ تَعَمَّدَ مَسَّهُ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ قِيلَ لِمَالِكٍ فَإِنْ مَسَّهُ عَلَى غِلَالَةٍ خَفِيفَةٍ قَالَ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ مَسَّهُ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْعُتْبِيُّ عَنْ سَحْنُونَ وَابْنِ الْقَاسِمِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ سُقُوطِ الْوُضُوءِ مِنْهُ) وَاخْتَارَ ابْنُ حَبِيبٍ إِعَادَةَ الْوُضُوءِ فِي الْعَمْدِ وَغَيْرِهِ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ فَإِنْ صَلَّى أَعَادَ فِي الْوَقْتِ) عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ إِلَى رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الْوُضُوءَ منه استحباب في العمد دن غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ فَقَالَ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ وَأَمَّا سَائِرُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالْحِجَازِ فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ منه الإعادة في الوقت وبعده و (إليه) ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ مِنْهُمْ أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ وَعِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَالْوُضُوءَ مِنْهُ لِلصُّبْحِ بَعْدَ طُلُوعِ
(17/200)
الشَّمْسِ وَهَذِهِ إِعَادَةٌ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَسَائِرُ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ يَجْعَلُونَ مَسَّ الذَّكَرِ مِنْ بَابِ الْمُلَامَسَةِ فَيَقُولُونَ إِنِ الْتَذَّ الَّذِي يَمَسُّ ذَكَرَهُ فَالْوُضُوءُ عَلَيْهِ وَاجِبٌ وَإِنْ صَلَّى دُونَ وُضُوءٍ فَالْإِعَادَةُ عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَلْتَذَّ مِنْ مَسِّهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْمُلَامِسِ لِلنِّسَاءِ سَوَاءٌ فِي مَذْهَبِهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا فِي مَسِّ الذَّكَرِ وُضُوءًا فَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ هَذِهِ رِوَايَةُ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَنْهُ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ أَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ قَالَ إِنْ كَانَ مِنْكَ شَيْءٌ نَجِسٌ فَاقْطَعْهُ وَرَوَى (أَهْلُ الْمَدِينَةِ) عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ اخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَرُوِيَ عَنْهُمَا الْقَوْلَانِ جَمِيعًا وَقَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا وُضُوءَ فِي مَسِّ الذَّكَرِ
(17/201)
ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ قَالَ دَعَانِي وَابْنَ جُرَيْجٍ بَعْضُ أُمَرَائِهِمْ فَسَأَلَنَا عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ فَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَتَوَضَّأُ وَقُلْتُ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ فَلَمَّا اخْتَلَفْنَا قُلْتُ لِابْنِ جُرَيْجٍ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَضَعَ يَدِهِ فِي مَنِيٍّ قَالَ يَغْسِلُ يَدَهُ قُلْتُ فَأَيُّهَا أَنْجَسُ الْمَنِيُّ أَمِ الذَّكَرُ قَالَ الْمَنِيُّ قُلْتُ فَكَيْفَ هَذَا قَالَ مَا أَلْقَاهَا عَلَى لِسَانِكَ إِلَّا شَيْطَانٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا جَازَتِ الْمُنَاظَرَةُ وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ فِيهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ فِيهَا عِنْدَهُمَا شَيْءٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ مِنْ وَجْهٍ لَا تَعَارُضَ فيه واختلف فيه الصحابة أيضا فمن ها هنا تَنَاظَرَا فِيهَا وَالْأَسَانِيدُ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي إِسْقَاطِ الْوُضُوءِ مِنْهُ أَسَانِيدُ صِحَاحٌ مِنْ نَقْلِ الثِّقَاتِ (قَالَ أَبُو عُمَرَ تَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ) أَنْ لَا وُضُوءَ فِيهِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ عِنْدَهُ مِنْهُ اسْتِحْبَابٌ لَا إِيجَابٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَرَى الْإِعَادَةَ عَلَى مَنْ صَلَّى بَعْدَ أَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ إِلَّا فِي الْوَقْتِ (وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الَّذِي يَمَسُّ ذَكَرَهُ وَيُصَلِّي أَيُعِيدُ الصَّلَاةَ فَقَالَ لَا أُوجِبُهُ أَنَا فَرُوجِعَ فَقَالَ يُعِيدُ مَا كَانَ فِي الْوَقْتِ وَإِلَّا فَلَا) وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِنْ
(17/202)
مَسَّ ذَكَرَهُ بِسَاعِدِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ اللَّيْثُ مَنْ مَسَّ مَا بَيْنَ إِلْيَتَيْهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَالَ اللَّيْثُ مَنْ مَسَّ ذَكَرَ الْبَهَائِمِ فعليه الوضوء وقال مالك والليث إِنْ مَسَّ ذَكَرَهُ بِذِرَاعِهِ وَقَدَمِهِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ لَا يُجَبِ الْوُضُوءُ إِلَّا عَلَى مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ بِبَاطِنِ كَفِّهِ وَجُمْلَةُ قَوْلِ مَالِكٍ (وَأَصْحَابِهِ) إِنْ مَسَّ ذَكَرَهُ بِظَاهِرِ يَدِهِ أَوْ بِظَاهِرِ ذِرَاعَيْهِ أَوْ بَاطِنِهِمَا أَوْ مَسَّ أُنْثَيَيْهِ أَوْ شَيْئًا مِنْ أَرْفَاغِهِ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ شَيْئًا مِنْ أَعْضَائِهِ سِوَى الذَّكَرِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمَرْأَةِ عِنْدَهُمْ وُضُوءٌ فِي مَسِّهَا فَرْجَهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عَلَى الْمَرْأَةِ الْوُضُوءَ فِي مَسِّهَا فَرْجَهَا إِذَا أَلْطَفَتْ أو قبضت (والتذت) وكان مكحول وطاووس وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَحُمَيْدٌ الطَّوِيلُ يَقُولُونَ إِنْ مَسَّ ذَكَرَهُ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وإسحاق عمده وخطأه فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ إِذَا أَفْضَى بِيَدِهِ إِلَيْهِ وَجُمْلَةُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ الْمِصْرِيِّ قَالَ وَإِذَا أَفْضَى الرَّجُلُ إِلَى ذَكَرِهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ سَتْرٌ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ عَامِدًا كَانَ أَوْ سَاهِيًا وَالْإِفْضَاءُ بِالْيَدِ إِنَّمَا هُوَ بِبَاطِنِهَا كَمَا تَقُولُ أَفْضَى
(17/203)
بِيَدِهِ مُبَايِعًا وَأَفْضَى بِيَدَيْهِ إِلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا وَسَوَاءٌ قَلِيلٌ مَا مَسَّ مِنْ ذَكَرِهِ أَوْ كَثِيرُهُ إِذَا كَانَ بِبَاطِنِ الْكَفِّ (وَكَذَلِكَ مَنْ مَسَّ دُبُرَهُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ) أَوْ فَرْجَ امْرَأَتِهِ أو ذكر غيرها أَوْ دُبُرَهُ وَسَوَاءٌ مَسَّ ذَلِكَ مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ وَحُكْمُ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَالرَّجُلِ مِنْهَا وَمِنْ غَيْرِهَا قَالَ وَمَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ بِبَاطِنِ كَفِّهِ عَلَى ثَوْبٍ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ مَسَّهُ بِظَهْرِ كَفِّهِ أَوْ ذِرَاعِهِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أَفْضَى أَحَدُكُمْ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ قَالَ وَإِنْ مَسَّ شَيْئًا مِنْ هَذَا مِنْ بَهِيمَةٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ لِلْآدَمِيِّينَ حُرْمَةً وَتَعَبُّدًا قَالَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي مَسِّ أُنْثَيَيْهِ وَرُفْغَيْهِ وَإِلْيَتَيْهِ وَفَخِذَيْهِ قَالَ وَإِنَّمَا قِسْنَا الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ وَسَائِرَ الْأَعْضَاءِ غَيْرَ بَاطِنِ الْكَفِّ قِيَاسًا عَلَى الْفَخِذِ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مَسِّ الرَّجُلِ فَرْجَ الْمَرْأَةِ وَمَسِّ الْمَرْأَةِ فَرْجَ الرَّجُلِ فَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَوَافَقَهُ عَلَى قَوْلِهِ فِي مَسِّ ذَكَرِ الصَّبِيِّ وَالْحَيِّ وَالْمَيِّتِ عَطَاءٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَوَافَقَهُ عَلَى إِيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الدُّبُرِ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَكَانَ عُرْوَةُ يَقُولُ مَنْ مَسَّ أُنْثَيَيْهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ
(17/204)
قَالَ أَبُو عُمَرَ النَّظَرُ عِنْدِي فِي هَذَا الباب أن االوضوء لَا يَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ فَرْجَهُ قَاصِدًا مُفْضِيًا وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُوجِبُ الظَّاهِرَ والأصل أن الوضوء الجتمع عَلَيْهِ لَا يَنْتَقِضُ إِلَّا بِإِجْمَاعٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ غَيْرِ مُحْتَمِلَةٍ لِلتَّأْوِيلِ (فَلَا عَيْبَ عَلَى القائل يقول الْكُوفِيِّينَ لِأَنَّ إِيجَابَهُ عَنِ الصَّحَابَةِ لَهُمْ فِيهِ ما تقدم ذكره) وبالله التوفيق
(17/205)
قَالَ أَبُو عُمَرَ النَّظَرُ عِنْدِي فِي هَذَا الباب أن االوضوء لَا يَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ فَرْجَهُ قَاصِدًا مُفْضِيًا وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُوجِبُ الظَّاهِرَ والأصل أن الوضوء الجتمع عَلَيْهِ لَا يَنْتَقِضُ إِلَّا بِإِجْمَاعٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ غَيْرِ مُحْتَمِلَةٍ لِلتَّأْوِيلِ (فَلَا عَيْبَ عَلَى القائل يقول الْكُوفِيِّينَ لِأَنَّ إِيجَابَهُ عَنِ الصَّحَابَةِ لَهُمْ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ) وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(17/206)
حَدِيثٌ خَامِسٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ أَنَّهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَتْ صَدَقَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ دَفَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَضْرَةَ الْأَضْحَى فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادَّخِرُوا لِثَلَاثٍ وَتَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَنْتَفِعُونَ بِضَحَايَاهُمْ وَيَحْمِلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ وَيَتَّخِذُونَ مِنْهَا الْأَسْقِيَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَاكَ أَوْ كَمَا قَالَ قَالُوا نَهَيْتَ عَنْ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ عَلَيْكُمْ فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا يَعْنِي بِالدَّافَّةِ قَوْمًا مَسَاكِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ
(17/207)
قَالَ أَبُو عُمَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ هَذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ شَرِيفٌ جَلِيلٌ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأُمُّهُ أَمَةُ اللَّهِ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَمَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ فِي خِلَافَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ أَبُو عُمَرَ وَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَفَّ نَاسٌ فَمَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ دَفَّ نَاسٌ إِلَيْنَا وَأَتَوْنَا وَأَصْلُهُ عِنْدَهُمْ مِنْ دَفِيفِ الطَّائِرِ إِذَا حَرَّكَ جَنَاحَيْهِ وَرِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ يُقَالُ فِي ذَلِكَ دَفَّ الطَّائِرُ يَدِفُّ دَفِيفًا وَقَالَ الْخَلِيلُ وَالدَّافَّةُ قَوْمٌ يَدِفُّونَ أَيْ يَسِيرُونَ سَيْرًا لَيِّنًا وَتَدَافَّ الْقَوْمُ إِذَا رَكِبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي قِتَالٍ أَوْ نَحْوِهِ وَأَمَّا قَوْلُهَا حَضْرَةَ الْأَضْحَى فَمَعْنَاهُ فِي وَقْتِ الْأَضْحَى وَفِي حِينِ الْأَضْحَى وَأَمَّا قَوْلُهُ وَيَحْمِلُونَ مِنَ الْوَدَكِ فَمَعْنَاهُ يُذِيبُونَ مِنْهَا الشَّحْمَ وَالْوَدَكُ الشَّحْمُ يُقَالُ مِنْهُ جَمُلْتُ الشَّحْمَ وَأَجْمَلْتُهُ وَاجْتَمَلْتُهُ أَيْ أَذَبْتُهُ وَالِاجْتِمَالُ الِادِّهَانُ بِالْجَمِيلِ وَهِيَ الْإِهَالَةُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ فَقَدْ بَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْوَجْهُ وَالْعِلَّةُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثٍ وَأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَسَاكِينِ لِيُطْعِمُوهُمْ وَيُوَاسُوهُمْ
(17/208)
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَاكِرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ الْأَعْنَاقِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ صَالِحٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قد نَهَى عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ وَضَحَّى النَّاسُ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَضَاحِيُّ لِتَرَفُّقِ النَّاسِ كَانُوا يَدَّخِرُونَ مِنْ لُحُومِهَا وَوَدَكِهَا قَالَ فَمَا مَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ قُلْتُ يا نبي الله أو لم تنهاهم عَامَ الْأَوَّلِ عَنْ أَنْ يَأْكُلُوا لُحُومَهَا بَعْدَ ثَلَاثٍ قَالَ إِنَّمَا نَهَيْتُ عَنْ ذَلِكَ لِلْحَاضِرَةِ الَّتِي حَضَرَتْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ لِيَبُثُّوا لُحُومَهَا فِيهِمْ فَأَمَّا الْآنَ فَلْيَأْكُلُوا وَلْيَدَّخِرُوا وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَزَوَّدُوا وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ بِذَلِكَ فِي بَابِ (رَبِيعَةَ) مِنْ كِتَابِنَا هَذَا
(17/209)
وَتَكَلَّمْنَا عَلَى مَعَانِي هَذَا الْحَدِيثِ هُنَاكَ بِمَا يغني عن إعادته ها هنا وَبِاللَّهِ تَوْفِيقُنَا أَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسَدٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مُسَافِرٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ فِي لَحْمِ الضَّحَايَا كُنَّا نُصْلِحُ مِنْهُ وَيَقَدَمُ فِيهِ النَّاسُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَأْكُلُوا إِلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَيْسَ بِالْعَزِيمَةِ وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُطْعِمُوا مِنْهُ فَهَذَا الْحَدِيثُ يُبَيِّنُ لَكَ مَعْنَى النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا أَنَّهُ كَانَ نَدْبًا إِلَى الْخَيْرِ لَا إِيجَابًا وَفِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ رِوَايَةِ النَّظِيرِ عَنِ النَّظِيرِ وَالْكَبِيرِ عَنِ الصَّغِيرِ وَعَلَى هَذَا كَانَ السَّلَفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ
(17/210)
حَدِيثٌ سَادِسٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهَا وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراه فُلَانًا لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يا رسول الله لوكان فُلَانٌ حَيًّا لِعَمِّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ دَخَلَ عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ قَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ فِي بَابِ (ابْنِ شِهَابٍ) عَنْ عُرْوَةَ فَلَا معنى لإعادة ذلك ها هنا
(17/211)
وَقَدْ نَسَبْنَا عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِيمَا مَضَى أَيْضًا مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَإِنَّهُ كَانَ عَمَّهَا لِأَنَّهُ كَانَ أَخَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنَ الرَّضَاعَةِ أَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ كَأَفْلَحَ أَخِي أَبِي الْقُعَيْسِ عَمِّ عَائِشَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَا كَيْفَ الْمَعْنَى فِي قِصَّةِ عَائِشَةَ مَعَ أَخِي أَبِي الْقُعَيْسِ فِي بَابِ (ابْنِ شِهَابٍ) عَنْ عُرْوَةَ فَلَا معنى لتكريره ها هنا وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلَادَةُ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ امْرَأَةَ الِابْنِ مِنَ الرَّضَاعَةِ مُحَرَّمَةٌ فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وجل وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم دليل عَلَى أَنَّ الْأَبْنَاءَ مِنَ الرَّضَاعَةِ لَا تُحَرِّمُ حَلَائِلَهُمْ عَلَى آبَائِهِمْ فَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ مِنَ الْأَصْلَابِ نَفْيًا لِلَّذِينِ تَبَنَّوْا وَلَمْ يَكُونُوا أَبْنَاءً مِثْلَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِذْ تَبَنَّاهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُدْعَى زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَتَّى نَزَلَتِ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ثُمَّ نَكَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ أَنْ قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرَهُ وَطَلَّقَهَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ يُرِيدُ غَيْرَ الْمُتَبَنَّيْنَ وَأَمَّا الرَّضَاعَةُ فَلَا أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ اللَّهِ
(17/212)
عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِيهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ الْأُخْتَانِ مِنَ الرَّضَاعَةِ لِمَا بَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الرَّضَاعَةِ أَنَّهَا تُحَرِّمُ مَا يُحَرِّمُ النَّسَبُ فَلَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ صَبِيَّتَيْنِ رَضِيعَتَيْنِ فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَأَرْضَعَتْهُمَا صَارَتَا أُخْتَيْنِ بِالرَّضَاعِ وَحَرُمَتَا عَلَيْهِ وَاسْتَأْنَفَ نِكَاحَ أَيَّتِهِمَا شَاءَ فَقِفْ عَلَى الْأَصْلِ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي كُلِّ بَابٍ تَعْرِفْ بِهِ وَجْهَ الصواب
(17/213)
عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِيهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ الْأُخْتَانِ مِنَ الرَّضَاعَةِ لِمَا بَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الرَّضَاعَةِ أَنَّهَا تُحَرِّمُ مَا يُحَرِّمُ النَّسَبُ فَلَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ صَبِيَّتَيْنِ رَضِيعَتَيْنِ فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَأَرْضَعَتْهُمَا صَارَتَا أُخْتَيْنِ بِالرَّضَاعِ وَحَرُمَتَا عَلَيْهِ وَاسْتَأْنَفَ نِكَاحَ أَيَّتِهِمَا شَاءَ فَقِفْ عَلَى الْأَصْلِ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي كُلِّ بَابٍ تَعْرِفْ بِهِ وَجْهَ الصواب
(17/214)
حَدِيثٌ سَابِعٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مِمَّا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ (هَذَا أَصَحُّ إِسْنَادٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ) وَإِلَى الْقَوْلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي مِقْدَارِ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ عَائِشَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَنْ جَاءَ معهم من العلماء ذَلِكَ وَمَنْ خَالَفَهُمْ فِيهِ وَدَلِيلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فِي بَابِ (ابْنِ شِهَابٍ) عَنْ عُرْوَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي مَعْنَى نَاسِخِ الْقُرْآنِ وَمَنْسُوخِهِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْوُجُوهِ فِي بَابِ (زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) وَمَضَى الْقَوْلُ فِي مِقْدَارِ مَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ وَمَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مِنَ التَّنَازُعِ فِي بَابِ (ابْنِ شِهَابٍ) عَنِ عروة أيضا
(17/215)
(حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مُسَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ وَلَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ أَقَلُّ مِنْ سَبْعِ رَضَعَاتٍ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ خَالَفَهُ هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ صَالِحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنَّمَا يُحَرِّمُ مِنَ الرِّضَاعِ سَبْعُ رَضَعَاتٍ قَالَ وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ صَالِحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَامِرٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ الْوَاحِدَةُ قَالَ لَا قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتُلِفَ عَلَى قَتَادَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا ذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ وَغَيْرُهُ وَهِيَ عِنْدِي أَحَادِيثُ جَمَعَهَا صَالِحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ لَيْسَ فِيهَا اخْتِلَافٌ وَالْأَحَادِيثُ عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذَا مُضْطَرِبَةٌ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ السَّبْعُ مَنْسُوخَةً عِنْدَهَا بِخَمْسٍ ثُمَّ تُفْتِي بِالسَّبْعِ وَلَا تَقُومُ بِمَا نُقِلَ عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
(17/216)
حُجَّةٌ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ بِمَا يَكْفِي فِي بَابِ (ابْنِ شِهَابٍ) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ فَحَدِيثُ مَالِكٍ أَثْبَتُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مِنْ حَدِيثِ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ لِأَنَّ نَقَلَتَهُ كُلَّهُمْ أَئِمَّةٌ عُلَمَاءُ جِلَّةٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ قِيلَ إِنَّ مَالِكًا انْفَرَدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ انْفَرَدَ بِهِ عَنْ عَمْرَةَ وَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَكِنَّهُمْ عُدُولٌ يَجِبُ العمل بما رووه وبالله التوفيق
(17/217)
حُجَّةٌ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ بِمَا يَكْفِي فِي بَابِ (ابْنِ شِهَابٍ) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ فَحَدِيثُ مَالِكٍ أَثْبَتُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مِنْ حَدِيثِ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ لِأَنَّ نَقَلَتَهُ كُلَّهُمْ أَئِمَّةٌ عُلَمَاءُ جِلَّةٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ قِيلَ إِنَّ مَالِكًا انْفَرَدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ انْفَرَدَ بِهِ عَنْ عَمْرَةَ وَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَكِنَّهُمْ عُدُولٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِمَا رَوَوْهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(17/218)
حَدِيثٌ ثَامِنٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ وَقَدْ بَعَثْتُ بِهَدْيِي فَاكْتُبِي لِي بِأَمْرِكِ أَوْ مُرِي صَاحِبَ الْهَدْيِ قَالَتْ عَمْرَةُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثُمَّ بَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ
(17/219)
هَكَذَا هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ جَمِيعِ رُوَاتِهِ فِيمَا عَلِمْتُ وَرَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ بِخِلَافِ بَعْضِ مَعَانِيهِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ الْإِشْعَارَ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مَالِكٍ (فِيمَا عَلِمْتُ) حَدَّثَنَاهُ سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ عَنْ يَعْقُوبَ الدَّوْرَقِيِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ عَنْ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّدَ هَدْيَهُ وَأَشْعَرَهُ وَبَعَثَ بِهِ إِلَى مَكَّةَ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ فَلَمْ يَجْتَنِبْ شَيْئًا كَانَ لَهُ حَلَالًا قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ هَذَا وَإِنَّمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي حَدِيثِ أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ وَسَنَذْكُرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ مَعَانٍ مِنَ الْفِقْهِ مِنْهَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَرَى أَنَّ مَنْ بَعَثَ بِهَدْيٍ إِلَى الْكَعْبَةِ لَزِمَهُ إِذَا قَلَّدَهُ أَنْ يُحْرِمَ وَيَجْتَنِبَ كُلَّ مَا يَجْتَنِبُ الْحَاجُّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَقَدْ تَابَعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَلَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَطَائِفَةٌ وَرُوِيَ بِمِثْلِ ذَلِكَ أَثَرٌ مَرْفُوعٌ مِنْ حَدِيثِ
(17/220)
جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهَا أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ وَعُلُومِ الدِّيَانَةِ فَلَا يَعِيبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَكْثَرَ مِنْ رَدِّ قَوْلِهِ وَمُخَالَفَتِهِ إِلَى مَا عِنْدَهُ مِنَ السُّنَّةِ فِي ذَلِكَ وَهَكَذَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمِنْهَا مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأُمَرَاءُ مِنَ الِاهْتِبَالِ بِأَمْرِ الدِّينِ وَالْكِتَابِ فِيهِ إِلَى الْبُلْدَانِ وَمِنْهَا عَمَلُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَيْدِيهِنَّ وَامْتِهَانُهُنَّ أَنْفُسَهُنَّ وَكَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْتَهِنُ نَفْسَهُ فِي عَمَلِ بَيْتِهِ فَرُبَّمَا خَاطَ ثَوْبَهُ وَرُبَّمَا خَصَفَ نَعْلَهُ وَقَدْ قَلَّدَ هَدْيَهُ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِيَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ قَالَ سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يَقُولُ رَأَيْتُ عَائِشَةَ تَفْتِلُ الْقَلَائِدَ لِلْغَنَمِ تُسَاقُ مَعَهَا هَدْيًا وَمِنْهَا التَّطَوُّعُ بِإِرْسَالِ الْهَدْيِ إِلَى الْكَعْبَةِ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ الْهَدْيِ وَالضَّحَايَا وَمِنْهَا أَنَّ تَقْلِيدَ الْهَدْيِ لَا يُوجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ الْإِحْرَامَ وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي سَبَقَ لَهُ الْحَدِيثُ وَهُوَ الْحُجَّةُ عِنْدَ التَّنَازُعِ وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَأَمَّا مَالِكٌ فَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مِنَ الْإِحْرَامِ فِي تَقْلِيدِ الْهَدْيِ مِمَّنْ لَا يُرِيدُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ فَقَالَ الْأَمْرُ عندنا
(17/221)
الَّذِي نَأْخُذُ بِهِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعَثَ بِهَدْيِهِ ثُمَّ أقام فلم يترك شيئا فما أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلِّدَ الْهَدْيَ وَلَا يُشْعِرَ إِلَّا عِنْدَ الْإِهْلَالِ إِلَّا رَجُلٌ لَا يُرِيدُ الْحَجَّ فَيَبْعَثُ بِهَدْيِهِ وَيُقِيمُ حَلَالًا فِي أَهْلِهِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إِذَا قَلَّدَ الْهَدْيَ فَقَدْ أَحْرَمَ إِنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ وَإِنْ كَانَ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ فَلْيَبْعَثْ بِهَدْيِهِ وَلْيُقِمْ حَلَالًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ لَا يَكُونُ أَحَدٌ مُحْرِمًا بِسِيَاقَةِ الْهَدْيِ وَلَا بِتَقْلِيدِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إِحْرَامٌ حَتَّى يَنْوِيَهُ وَيُرِيدَهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ سَاقَ هَدْيًا وَهُوَ يَؤُمُّ الْبَيْتَ ثُمَّ قَلَّدَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ وَإِنْ جَلَّلَ الْهَدْيَ أَوْ أَشْعَرَهُ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا إِنَّمَا يَكُونُ مُحْرِمًا (بِالتَّقْلِيدِ وَقَالَ إِنْ كَانَ مَعَهُ شَاةٌ فَقَلَّدَهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ لِأَنَّ الْغَنَمَ لَا تُقَلَّدُ وَقَالَ إِنْ بَعَثَ بِهَدْيِهِ فَقَلَّدَهُ وَأَقَامَ حَلَالًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَخْرُجَ فَخَرَجَ وَاتَّبَعَ هَدْيَهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُحْرِمًا حِينَ يَخْرُجُ إِنَّمَا يَكُونُ مُحْرِمًا (2)) إِذَا أَدْرَكَ هَدْيَهُ وَأَخْذَهُ وَسَارَ بِهِ وَسَاقَهُ مَعَهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِنْ بَعَثَ بِهَدْيٍ لِمُتْعَةٍ ثُمَّ أَقَامَ حَلَالًا أَيَّامًا ثُمَّ خَرَجَ وَقَدْ كَانَ قَلَّدَ هَدْيَهُ فَهُوَ مُحْرِمٌ حِينَ يَخْرُجُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ بَعَثَ بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَمَيْمُونُ بْنُ أَبِي شَبِيبٍ وَجَمَاعَةٌ مَنْ قَلَّدَ أَوْ أَشْعَرَ أو جلل
(17/222)
فَقَدْ أَحْرَمَ وَإِنْ كَانَ فِي أَهْلِهِ وَلَيْسَ فِي الرِّوَايَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَوْ جَلَّلَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَنْ مَيْمُونٍ وَحْدَهُ فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي إِلَيْهِ ذَهَبَ مَنِ اتَّبَعَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ عَلَى قَوْلِهِمَا فِي هَذَا الْبَابِ فَمَا وَجَدْتُهُ فِي أَصْلِ سَمَاعِ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ قَاسِمِ بْنِ هِلَالٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءِ بْنِ لَبِيبَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فَقَلَّدَ قَمِيصَهُ مِنْ جَنْبَيْهِ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ رِجْلَيْهِ فَنَظَرَ الْقَوْمُ إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ أَمَرْتُ بِبُدْنِيَ الَّتِي بَعَثْتُ بِهَا أَنْ تُقَلَّدَ وَتُشْعَرَ عَلَى مَكَانِ كَذَا وَكَذَا فَلَبِسْتُ قَمِيصِي وَنَسِيتُ فَلَمْ أَكُنْ لِأُخْرِجَ قَمِيصِي مِنْ رَأْسِي وَكَانَ بَعَثَ بِبُدْنِهِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا بَعَثَ بِهَدْيِهِ وَأَقَامَ فِي أَهْلِهِ فَقَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ أَنَّهُ يَتَجَرَّدُ فَيُقِيمُ كَذَلِكَ حَتَّى يَحِلَّ النَّاسُ مِنْ حَجِّهِمْ وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِمَا مَضَى فِي حَدِيثِ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى
(17/223)
الْحَاجِّ حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي لَبِيبَةَ هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (شَيْخٌ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) مِنْهُمْ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ وَدَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ وَيَرْوِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَامِرِ بْنِ سَعْدٍ وَيُقَالُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ لَبِيبَةَ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جَابِرٍ هَذَا لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ بِالنَّقْلِ وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَيْ جَابِرٍ يُحَدِّثَانِ عَنْ أَبِيهِمَا جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ إِذْ شَقَّ قَمِيصَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ فَسُئِلَ فَقَالَ وَعَدْتُهُمْ يُقَلِّدُونَ هَدْيِي الْيَوْمَ فَنَسِيتُ وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ وَأَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ بَعَثَ بِهَدْيِهِ ثُمَّ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةٍ لَهُ فَأَتَى مُطَرِّفَ بْنَ الشِّخِّيرِ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ ائْتِ ابْنَ عَبَّاسٍ فَمُرْهُ أَنْ يُطَهِّرَ فَرْجَهُ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبَى أَنْ يَأْتِيَهُ فَأَتَى اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ فَقِيلَ لَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَأَتَى لَيْلَةً ثَالِثَةً فَقِيلَ لَهُ قَوْلٌ فِيهِ بَعْضُ الشِّدَّةِ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَا ذَلِكَ
(17/224)
ثُمَّ ذَكَرَ فَقَالَ إِنِّي وَقَعْتُ عَلَى فُلَانَةٍ بَعْدَ مَا قَلَّدْتُ الْهَدْيَ فَكَتَبَ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهَا فَلَمَّا قَدِمَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي بَعَثَ بِالْهَدْيِ مَعَهُ سَأَلَهُ أَيُّ يَوْمٍ قَلَّدْتَ الْهَدْيَ فَأَخْبَرَهُ فَإِذَا هُوَ قَدْ وَقَعَ عليها بعدما قَلَّدَ الْهَدْيَ فَأَعْتَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ جَارَيْتَهُ تِلْكَ قَالَ وَأَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ إِذَا قَلَّدَ الرَّجُلُ هَدْيَهُ فَقَدْ أَحْرَمَ وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَحُجَّ فَهُوَ حَرَامٌ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ قَالَ وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَعَثَ بِهَدْيِهِ أَمْسَكَ عَنِ النِّسَاءِ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ إِذَا قَلَّدَ الرَّجُلُ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ فَقَدْ أَحْرَمَ وَإِنْ كَانَ فِي أَهْلِهِ وَقَدْ رَوَى أَبُو الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ خِلَافَ مَا رَوَى نَافِعٌ ذَكَرَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الرَّجُلِ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ أَيُمْسِكُ عَنِ النِّسَاءِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مَا عَلِمْنَا الْمُحْرِمَ يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَذَكَرَ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا بَعَثَ الرَّجُلُ بِالْهَدْيِ فَهُوَ مُحْرِمٌ وَاللَّهِ لَوْ كَانَ مُحْرِمًا مَا كَانَ لَهُ حِلٌّ دُونَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ
(17/225)
قَالَ أَيُّوبُ فَذَكَرْتُهُ لِنَافِعٍ فَأَنْكَرَهُ وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ قَالَ مَنْ قَلَّدَ أَوْ أَشْعَرَ أَوْ جَلَّلَ فَقَدْ أَحْرَمَ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَلْتَفِتْ مَالِكٌ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ إِلَى حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءِ بْنِ لَبِيبَةَ عَنِ ابْنِ جَابِرٍ عَنْ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ وَرَدُّوهُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ لِتَوَاتُرِ طُرُقِهِ عَنْهَا وَصِحَّتِهِ وَمَا يَصْحَبُهُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ إِلَى ثُبُوتِهِ مِنْ طُرُقِ الْأَثَرِ رَوَاهُ مَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ وَهُشَامُ بْنُ عُرْوَةَ (عَنْ أَبِيهِ) عَنْ عَائِشَةَ (وَابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةُ عَنْ عَائِشَةَ (2)) وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ ذَكَرَ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنْ كُنْتُ لَأَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا فَمَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَ إن ابن
(17/226)
زِيَادٍ قَلَّدَ بُدْنَهَ فَتَجَرَّدَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَهَلْ كَانَتْ لَهُ كَعْبَةً يَطُوفُ بِهَا قَالُوا لَا قَالَتْ وَاللَّهِ مَا حَلَّ أَحَدٌ مِنْ حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ قَالَتْ لَقَدْ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا فَمَا يَتَّقِي أَوْ قَالَتْ فَمَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ وَأَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ مَسْرُوقٍ قَالَ قلت لعائشة إن رجالا ها هنا يَبْعَثُونَ بِالْهَدْيِ إِلَى الْبَيْتِ وَيَأْمُرُونَ الَّذِينَ يَبْعَثُونَهُمْ أَنْ يُعَرِّفُوهُمُ الْيَوْمَ الَّذِي يُقَلِّدُونَهَا فَلَا يَزَالُونَ مُحْرِمِينَ حَتَّى يَحِلَّ النَّاسُ فَصَفَّقَتْ بِيَدِهَا فَسَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَيَبْعَثُ بِهَا إِلَى الْكَعْبَةِ وَيُقِيمُ فِينَا لَا يَتْرُكُ شَيْئًا مِمَّا يَصْنَعُ الْحَلَالُ حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ حَدَّثَنَا
(17/227)
أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي ثم قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا وَبَعَثَ بِهَا إِلَى الْبَيْتِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حَلَالًا وَالْآثَارُ عَنْ عَائِشَةَ بِهَذَا مُتَوَاتِرَةٌ وَبِهَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَكْثَرِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ فِي جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي أَهْلِ الشَّامِ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَالطَّبَرِيُّ وَلَمْ يَقُلْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ وَتَرَكَ مَالِكٌ الرِّوَايَةَ عَنْهُ وَهُوَ جَارُهُ وَحَسْبُكَ بِهَذَا إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ خَصُّوا الْإِبِلَ إِذَا قَلَّدَهَا مَنْ قَصَدَ الْبَيْتَ أَنَّهُ يَكُونُ بِتَقْلِيدِهِ لَهَا مُحْرِمًا إِذَا كَانَ قَاصِدًا لِلْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ إِلَى الْبَيْتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَهُمْ مَنْ قَلَّدَ الْغَنَمَ وَإِنْ أَمَّ الْبَيْتَ لِأَنَّ الْغَنَمَ لَا تُقَلَّدُ عِنْدَهُمْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي الْغَنَمِ أَنَّهَا لَا تُقَلَّدُ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ تُقَلَّدُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَلَا تُقَلَّدُ الْغَنَمُ وَتُجْزِئُ النَّعْلُ الْوَاحِدَةُ فِي التَّقْلِيدِ وَتَجْعَلُ حَمَائِلَ الْقَلَائِدِ مِمَّا شِئْتَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يُقَلَّدُ كُلُّ هَدْيِ مُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ تَطَوُّعٍ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَأَمَّا الْغَنَمُ فَلَا تُقَلَّدُ وَلَا يُقَلَّدُ هَدْيُ إِحْصَارٍ وَلَا جِمَاعٍ وَلَا جَزَاءِ صيد ولا حنث في يمين يهدي جَزُورًا أَوْ بَقَرَةً وَقَالُوا التَّجْلِيلُ
(17/228)
حَسَنٌ وَلَا يَضُرُّ تَرْكُهُ وَالتَّقْلِيدُ أَوْجَبُ مِنْهُ وَقَالَ مَالِكٌ جِلَالُ الْبُدْنِ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ وَهُوَ مِنْ زِينَتِهَا وَلَا بَأْسَ بِشَقِّ أَوْسَاطِ الْجِلَالِ إِذَا كَانَتْ بِالثَّمَنِ الْيَسِيرِ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ زِينَةً لَهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُقَلَّدُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَتُقَلَّدُ الْغَنَمُ الرِّقَاعَ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ تُقَلَّدُ الْبُدْنُ وَالْهَدْيُ كُلُّهَا مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ تَطَوُّعًا كَانَتْ أَوْ وَاجِبَةً فِي مُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ يَمِينٍ إِذَا اخْتَارَ صَاحِبُ الْهَدْيِ قَلَّدَ ذَلِكَ كُلَّهُ إِنْ شَاءَ وَيُجَلِّلُ الْهَدْيَ بِمَا شَاءَ وَاحْتَجَّ مَنِ اخْتَارَ تَقْلِيدَ الْغَنَمِ بِمَا رَوَاهُ الْأَعْمَشُ وَمَنْصُورٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى إِلَى الْبَيْتِ مَرَّةً غَنَمًا فَقَلَّدَهَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَذَكَرَهُ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ حدثنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْغَنَمِ فَيَبْعَثُ بِهَا ثُمَّ يُقِيمُ فِينَا حَلَالًا وَرَوَى شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ وَشُعْبَةُ أَيْضًا وَسُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ
(17/229)
مِثْلَهُ وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ وَمُحَمَّدُ بن جحاجة عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ مَعْنَاهُ وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ تَقْلِيدَ الْغَنَمَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا حَجَّ حَجَّةً وَاحِدَةً لَمْ يُهْدِ فِيهَا غَنَمًا وَأَنْكَرُوا حَدِيثَ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ فِي تَقْلِيدِ الْغَنَمِ قَالُوا هُوَ حَدِيثٌ لَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ بَيْتِ عَائِشَةَ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا فِي إِشْعَارِ الْبُدْنِ فَقَالَ مَالِكٌ تُشْعَرُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَلَا تُشْعَرُ الْغَنَمُ وَتُشْعَرُ فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ سَوَاءً فِي ذَلِكَ كُلِّهِ (وَحُجَّةُ مَنْ رَأَى الْإِشْعَارَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْعَرَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْمَعْنَى قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قتادة قال أبوالوليد قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَسَّانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعى بِبَدَنَةٍ فَأَشْعَرَهَا مِنْ صَفْحَةِ
(17/230)
سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ ثُمَّ سَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا وَقَلَّدَهَا بِنَعْلَيْنِ ثُمَّ أُتِيَ بِرَاحِلَةٍ فَلَمَّا قَعَدَ عَلَيْهَا وَاسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ الْبَصْرَةِ مِنَ السُّنَنِ لَا يُشْرِكُهُمْ فِيهِ أَحَدٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْعَرَ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ الْمَحْفُوظُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْعَرَ بَدَنَتَهُ مِنْ شِقِّهَا الْأَيْمَنِ وَرَأَيْتُ فِي كِتَابِ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عن أَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْعَرَ بَدَنَةً مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ سَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ وَهَذَا عِنْدِي مُنْكَرٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا وَالْمَعْرُوفُ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ الْجَانِبُ الْأَيْمَنُ لَا يَصِحُّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُشْعِرُ بَدَنَتَهُ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ هَكَذَا رَوَى مَالِكٌ وَأَيُّوبُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَجَمَاعَةٍ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ عَطَاءٍ وَقَدْ رَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ
(17/231)
عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُشْعِرُ فِي الشِّقِّ الْأَيْمَنِ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يُحْرِمَ وَرَوَى ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُشْعِرُ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ وَرُبَّمَا أَشْعَرَ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَهُوَ أَمْرٌ خَفِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَكْرَهُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رُبَّمَا أَشْعَرَ فِي السَّنَامِ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا وَخَزَ فِي سَنَامِ بَدَنَتِهِ يُشْعِرُهَا قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ تُشْعَرُ الْبُدْنُ مِنْ حَيْثُ تَيَسَّرَ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَكْرَهُ الْإِشْعَارَ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لِلْبُدْنِ فِي غَيْرِ نَفْعٍ لَهَا وَلَا لِصَاحِبِهَا لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اتِّخَاذِ شَيْءٍ فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا (وَلِنَهْيِهِ عَنِ الْمُثْلَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ تُشْعَرُ الْبُدْنُ فِي الشِّقِّ الأيمن وحجتهم أن رسول اله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّدَ بَدَنَةً وَأَشْعَرَهَا مِنَ الشِّقِّ الْأَيْمَنِ وَسَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ فَإِنَّ الْأُصُولَ كُلَّهَا تَشْهَدُ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَحِلُّ إِلَّا بِعَمَلٍ يَعْمَلُهُ أَقَلُّهُ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهَذَا أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ وَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ مَا يُوجِبُ أَنْ يَحِلَّ دُونَ عَمَلٍ
(17/232)
يَعْمَلُهُ إِذَا نَحَرَ هَدْيَهُ وَهَذَا خِلَافُ الْإِحْرَامِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ حَدِيثُ جَابِرٍ مِمَّا يُعَارَضُ بِمِثْلِهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَقَدْ كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَحْلِفُ إِنَّ فِعْلَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا الْبَابِ بِدْعَةٌ وَلَا يَجُوزُ فِي الْعُقُولِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ إِلَّا وَهُوَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ السُّنَّةَ خِلَافُ ذَلِكَ رَوَى مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا مُتَجَرِّدًا بِالْعِرَاقِ قَالَ فَسَأَلْتُ النَّاسَ عَنْهُ فَقَالُوا أَمَرَ بِهَدْيِهِ أَنْ يُقَلَّدَ فَلِذَلِكَ تَجَرَّدَ قَالَ رَبِيعَةُ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ بِدْعَةٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضًا مِنَ الْفِقْهِ مَا يَرُدُّ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ أُكَيْمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ فَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أظفاره (شيئا)
(17/233)
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ أَنْ يَحْلِقَ شَعْرًا وَلَا يَقُصَّ ظُفْرًا وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْتَنِبْ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ حِينَ قَلَّدَ هَدْيَهُ وَبَعَثَ بِهِ وَهُوَ يَرُدُّ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ وَيَدْفَعُهُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ وَوَهَنِهِ أَنَّ مالك رَوَى عَنْ عُمَارَةَ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ لَا بَأْسَ بِالْإِطْلَاءِ بِالنَّوْرَةِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ فَتَرْكُ سَعِيدٍ لِاسْتِعْمَالِ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ رَاوِيَتُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ غَيْرُ ثَابِتٍ أَوْ مَنْسُوخٌ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْجِمَاعَ مُبَاحٌ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَمَا دونه
(17/234)
أَحْرَى أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِحَلْقِ الرَّأْسِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَقَصِّ الشَّارِبِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ بِالْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَهَلَّ عَلَيْهِ مِنْكُمْ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ فَقَالَ اللَّيْثُ قَدْ رُوِيَ هَذَا وَالنَّاسُ عَلَى غير هذا وقال الأوزاعي إذا اشترى أضحتيه بَعْدَ مَا دَخَلَ الْعَشْرُ فَإِنَّهُ يَكُفُّ عَنْ قَصِّ شَارِبِهِ وَأَظْفَارِهِ وَإِنِ اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْعَشْرُ فَلَا بَأْسَ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ فَمَرَّةً قَالَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ لَمْ يَمَسَّ فِي الْعَشْرِ مِنْ شَعَرِهِ شَيْئًا وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أُحِبُّ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ أَنْ لَا يَمَسَّ فِي الْعَشْرِ مِنْ شَعَرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فَإِنْ أَخَذَ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ فَلَا بأس لأن عائشة قالت كنت أفلت قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ كَانَ يَأْخُذُ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا فَقِيلَ لَهُ فَإِنْ أَرَادَ غَيْرُهُ أَنْ يُضَحِّيَ وَهُوَ لَا يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ فَقَالَ إِذَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يُضَحِّيَ لَمْ يُمْسِكْ عَنْ شَيْءٍ إِنَّمَا قَالَ إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ وَقَالَ ذَكَرْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ حَدِيثَ عَائِشَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ بِالْهَدْيِ وَحَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ إذا
(17/235)
دخل الْعَشْرِ فَبَقِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلَمْ يَأْتِ بِجَوَابٍ فَذَكَرْتُهُ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَقَالَ يَحْيَى ذَاكَ لَهُ وَجْهٌ وَهَذَا لَهُ وَجْهٌ حَدِيثُ عَائِشَةَ إِذَا بَعَثَ بِالْهَدْيِ وَأَقَامَ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ بِالْمِصْرِ قَالَ أَحْمَدُ وَهَكَذَا أَقُولُ قِيلَ لَهُ فَيُمْسِكُ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ قَالَ نَعَمْ كُلُّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَقِيلَ لَهُ هَذَا عَلَى الَّذِي بِمَكَّةَ فَقَالَ لَا بَلْ عَلَى الْمُقِيمِ وَقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ هَكَذَا وَلَكِنَّهُ وَقَفَهُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ قَالَ وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ شَيْخِ مَالِكٍ قِيلَ لَهُ إِنَّ قَتَادَةَ يَرْوِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا إِذَا اشْتَرَوْا ضَحَايَاهُمْ أَمْسَكُوا عَنْ شُعُورِهِمْ وَأَظْفَارِهِمْ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَقَالَ هَذَا يُقَوِّي هَذَا وَلَمْ يَرَهُ خِلَافًا وَلَا ضَعَّفَهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ حَدِيثُ قَتَادَةَ هَذَا اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَتَادَةَ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَفِي رُوَاتِهِ مَنْ لا تقوم
(17/236)
بِهِ حُجَّةٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يُضَعِّفُونَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَ عِمْرَانُ بْنُ أَنَسٍ أَنَّهُ سَأَلَ مَالِكًا عَنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا فَقَالَ لَيْسَ مِنْ حَدِيثِي قَالَ فَقُلْتُ لِجُلَسَائِهِ قَدْ رَوَاهُ عَنْهُ شُعْبَةُ وَحَدَّثَ بِهِ عَنْهُ وَهُوَ يَقُولُ لَيْسَ مِنْ حَدِيثِي فَقَالُوا لِي إِنَّهُ إِذَا لَمْ يَأْخُذْ بِالْحَدِيثِ قَالَ فِيهِ لَيْسَ مِنْ حَدِيثِي قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّ ابْنَ أَنَسٍ هَذَا مَدَنِيٌّ فِي سِنِّ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ يُكَنَّى أَبَا أَنَسٍ وَلَيْسَ هُوَ عمران بن ابي أنس أبو شُعَيْبٍ الْمَدَنِيَّ وَعِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ أَوْثَقُ مِنْ عِمْرَانَ بْنِ أَنَسٍ فَقِفْ عَلَى ذَلِكَ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أُكَيْمَةَ اللِّيثِيُّ قَالَ سَمِعْتُ سعيد بن المسيب يقول سمعت أم سلمةتقول قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ لَهُ ذَبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أَهَلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا وَبِهِ (2) عَنْ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسماعيل حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا
(17/237)
دَخَلَ الرَّجُلُ فِي الْعَشْرِ وَابْتَاعَ أُضْحِيَتَهُ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ قُلْتُ النِّسَاءُ قَالَ أَمَّا النِّسَاءُ فَلَا لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي حَدِيثِهِ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَ وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ كَثِيرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَاشْتَرَى أُضْحِيَتَهُ أَمْسَكَ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ قَالَ قَتَادَةُ فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ كَذَلِكَ كَانُوا يَقُولُونَ)
(17/238)
حَدِيثٌ تَاسِعٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ خَلَّادِ بْنِ السَّائِبِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَوْ مَنْ مَعِيَ أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ أَوْ بِالْإِهْلَالِ يُرِيدُ أَحَدَهُمَا هَذَا حَدِيثٌ اخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ مَالِكٍ فِيهِ أَصَحَّ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَمَّا الثَّوْرِيُّ فَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي لَبِيدٍ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ خَلَّادِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
(17/239)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَقَالَ مُرْ أَصْحَابَكَ فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ فَإِنَّهَا شِعَارُ الْحَجِّ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَذَكَرَ ابْنُ سَنْجَرٍ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي لَبِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ خَلَّادِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ ارْفَعْ صَوْتَكَ بِالْإِهْلَالِ فَإِنَّهُ شِعَارُ الْحَجِّ هَكَذَا قَالَ قَبِيصَةُ خَلَّادُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَقُلْ وَكِيعٌ عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي مَعْنَى التَّلْبِيَةِ وَالْإِهْلَالِ فِيمَا سَلَفَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَالْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ وَذَلِكَ رَفْعُ صَوْتِ الْحَاجِّ بِلَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ عَلَى مَا مَضَى فِي حَدِيثِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّلْبِيَةِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِ التَّلْبِيَةِ وَكَيْفِيَّتِهَا فَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى وُجُوبِ التَّلْبِيَةِ مِنْهُمْ دَاوُدُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ سَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ وَزِينَتِهِ وكان مالك يرى عل مَنْ تَرَكَ التَّلْبِيَةَ مِنْ أَوَّلِ إِحْرَامِهِ إِلَى آخِرِ حَجِّهِ دَمًا يُهْرِيقُهُ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَيَانِ عَلَيْهِ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ قَدْ أَسَاءَ عِنْدَهُمْ وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ نَافِعٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ مُجَوَّدَةً وَكَذَلِكَ أَوْجَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ
(17/240)
وَلَمْ يُوجِبْهُ غَيْرُهُمْ وَقَالَ مَالِكٌ يَرْفَعُ الْمُحْرِمُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ قَدْرَ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تَرْفَعُ صَوْتَهَا قَدْرَ مَا تُسْمِعُ نَفْسَهَا وَقَالَ فِي الْمُوَطَّأِ لَا يَرْفَعُ الْمُحْرِمُ صَوْتَهُ بِالْإِهْلَالِ فِي الْمَسَاجِدِ مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ لِيُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمَسْجِدَ مِنًى فَإِنَّهُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فِيهِمَا قَالَ وَيُلَبِّي عِنْدَ اصْطِدَامِ الرِّفَاقِ وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ مِنًى وَبَيْنَ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ أَنَّ مَسَاجِدَ الْجَمَاعَةِ إِنَّمَا بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ خَاصَّةً فَكُرِهَ رَفْعُ الصَّوْتِ فِيهَا وَجَاءَتِ الْكَرَاهِيَةُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ فِيهَا عَامًّا لَمْ يُخَصَّ أَحَدٌ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا الْإِمَامَ الَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِيهَا فَدَخَلَ الْمُلَبِّي فِي الْجُمْلَةِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدُ مِنًى لِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ جُعِلَ لِلْحَاجِّ وَغَيْرِ الْحَاجِّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَكَانَ الْمُلَبِّي إِنَّمَا يَقْصِدُ إِلَيْهِ فَكَانَ لَهُ فِيهِ مِنَ الْخُصُوصِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا وَأَمَّا مَسْجِدُ منى فإن للحاج خاصة قال مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا وَأَمَّا مَسْجِدُ مِنًى فَإِنَّ لِلْحَاجِّ خَاصَّةً قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو ثَابِتٍ عَنِ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمُحْرِمِ هَلْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قَالَ نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ إِسْمَاعِيلُ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ إِنَّمَا جُعِلَتْ لِلْمُجْتَازِينَ وَأَكْثَرُهُمُ الْمُحْرِمُونَ فَهُمْ مِنَ النَّحْوِ الَّذِي وَصَفْنَا وَقَالَ
(17/241)
الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ يَرْفَعُ الْمُحْرِمُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَيُلَبِّي عِنْدَ اصْطِدَامِ الرِّفَاقِ وَالْإِشْرَافِ وَالْهُبُوطِ وَاسْتِقْبَالِ اللَّيْلِ وَفِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا وَقَدْ كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى هَذَا عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ وَعُمُومِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ فِيهِ مَوْضِعًا مِنْ مَوْضِعٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هِيَ زِينَةُ الْحَجِّ وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَبْلُغُونَ الرَّوْحَاءَ حَتَّى تُبَحَّ حُلُوقُهُمْ مِنَ التَّلْبِيَةِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَرْفَعَ صَوْتَهَا وَإِنَّمَا عَلَيْهَا أَنْ تُسْمِعَ نَفْسَهَا فَخَرَجَتْ مِنْ جُمْلَةِ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَخُصَّتْ بِذَلِكَ وَبَقِيَ الْحَدِيثُ فِي الرِّجَالِ وَأَسْعَدُهُمْ بِهِ مِنْ سَاعَدَهُ ظَاهِرُهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ فَلَا يَأْتِي الرَّوْحَاءَ حَتَّى يَصْحَلَ صَوْتُهُ أَوْ يَشْخَبَ صَوْتُهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ أَوْ يَشْخَبُ وَالصَّحِيحُ يَصْحَلُ قَالَ الْخَلِيلُ صَحِلَ صَوْتُهُ صَحَلًا فَهُوَ صَحِلٌ إِذَا كَانَتْ فِيهِ بَحَّةٌ
(17/242)
حَدِيثٌ عَاشِرٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ وَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ قَالَ لَهَا لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ شِئْتِ سَبَّعْتُ عِنْدَكِ وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ وَإِنْ شِئْتِ ثلثت عندك ودرت فقالت ثلثت هَذَا حَدِيثٌ ظَاهِرُهُ الِانْقِطَاعُ وَهُوَ مُتَّصِلٌ مُسْنَدٌ صَحِيحٌ قَدْ سَمِعَهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ بِبَغْدَادَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي أَبِي أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَيَحْيَى بْنُ
(17/243)
سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالُوا حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ ذَكَرُوهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ وَإِنْ أُسَبِّعُ لَكِ أُسَبِّعْ لِنِسَائِي وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُتَّصِلٍ أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَأَخْبَرَنَا قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ (حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مَنْصُورٍ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَنْجَرٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَائِشَةَ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالُوا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بِمِنًى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ ذَكَرَهُ فِي نِكَاحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ وَفِيهِ فَلَمَّا بَنَى بِأَهْلِهِ قَالَ لَهَا إِنْ شِئْتِ أَنْ أُسَبِّعَ لَكِ سَبَّعْتُ لِلنِّسَاءِ وَهَذَا لَفْظُ
(17/244)
حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ عَفَّانَ قَالَ وَحَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سلمة قال أبوعمر قَوْلُ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ ثَابِتٍ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ خَطَأٌ وَإِنَّمَا هُوَ لِثَابِتٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ كَمَا قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي (قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ مَالِكٌ وَلَا أَصْحَابُهُ وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوهُ مِنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِحَدِيثٍ بَصْرِيٍّ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا وَلَا يُحْسَبُ عَلَى الَّتِي تَزَوَّجَ مَا أَقَامَ عِنْدَهَا
(17/245)
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَنْ قَالَ بِحَدِيثِ هَذَا الْبَابِ يَقُولُ إِنْ أَقَامَ عِنْدَ الْبِكْرِ أَوِ الثَّيِّبِ سَبْعًا أَقَامَ عِنْدَ سَائِرِ نِسَائِهِ سَبْعًا سَبْعًا وَإِنْ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا أَقَامَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَذَلِكَ وَتَأَوَّلُوا فِي قَوْلِهِ وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ وَدُرْتُ أَيْ دُرْتُ بِثَلَاثٍ ثَلَاثٍ عَلَى سَائِرِهِنَّ وَهَذَا قَوْلُ فُقَهَاءِ الْكُوفِيِّينَ وَفِي هَذَا الْبَابِ عَجَبٌ لِأَنَّهُ صَارَ فِيهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَى مَا رَوَاهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وصار فيه أهل المدنية إِلَى مَا رَوَاهُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ) وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَالطَّبَرِيُّ يُقِيمُ عِنْدَ الْبِكْرِ سَبْعًا وَعِنْدَ الثَّيِّبِ ثَلَاثًا فَإِنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى غَيْرَ الَّتِي تَزَوَّجَ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَنْ تَمْضِيَ أَيَّامُ الَّتِي تَزَوَّجَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عِنْدَ مَالِكٍ مَقَامُهُ عِنْدَ الْبِكْرِ سَبْعًا وَعِنْدَ الثَّيِّبِ ثَلَاثًا إِذَا كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى وَاجِبٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ إِنَّمَا ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ يَجْلِسَ فِي بَيْتِ الْبِكْرِ سَبْعًا وَعِنْدَ الثَّيِّبِ أَرْبَعًا وَإِنْ تَزَوَّجَ بِكْرًا وَلَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى فَإِنَّ لِلْبِكْرِ ثَلَاثًا ثُمَّ يَقْسِمُ وَإِنْ تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ وَلَهُ امْرَأَةٌ كَانَ لَهَا الثُّلُثَانِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا لَيْلَتَيْنِ ثُمَّ قَسَمَ بَيْنَهُمَا بَعْدُ قَالَ
(17/246)
وَقَدْ سَمِعْنَا حَدِيثًا آخَرَ قَالَ يُقِيمُ مَعَ الْبِكْرِ سَبْعًا وَمَعَ الثَّيِّبِ ثَلَاثًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ الْقَسْمُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ وَلَا يَقْعُدُ عِنْدَ الْوَاحِدَةِ إِلَّا كَمَا يَقْعُدُ عِنْدَ الْأُخْرَى (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَهُمَا سَوَاءٌ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْثِرُ وَاحِدَةً عَلَى أُخْرَى وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ هَذَا الْبَابِ وَمَا قَدَّمْنَا فِي تَأْوِيلِهِ) قَالَ أَبُو عُمَرَ الْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ فِي هَذَا الْبَابِ (عَنْ أَنَسٍ) عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ وَلَيْسَ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ غَيْرُهُمَا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ (نَصًّا) وعن السلف من الصحابةوالتابعي فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْخِلَافِ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا عَنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَالْحُجَّةُ مَعَ مَنْ أَدْلَى بِالسُّنَّةِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ وَإِسْمَاعِيلُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا وَلَوْ قُلْتَ
(17/247)
إِنَّهُ رَفَعَهُ لَصَدَقْتَ وَلَكِنَّهُ قَالَ السُّنَّةُ كَذَلِكَ قَالَ وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا وَكَانَتْ ثَيِّبًا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ أَخْبَرَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَيُّوبَ وَخَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إذا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثُ (فِيمَا يَقُولُونَ) خَطَأٌ مِنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ وَلَهُ خَطَأٌ كَثِيرٌ عَنْ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَإِنَّمَا الْمَحْفُوظُ فِي حَدِيثِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ السُّنَّةُ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ وَأَمَّا رِوَايَةُ أَيُّوبَ فَالْمَحْفُوظُ فِيهَا عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا حَدَّثَنَاهُ سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَعْلَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ
(17/248)
(قَالَ أَبُو عُمَرَ) لَمْ يَخُصَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ مِمَّنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ بَلْ قَالَ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ قُولًا مُطْلَقًا وَهَذَا عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنْ كَانَتْ لَهُ غَيْرُهَا لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا فَمَقَامُهُ كُلُّهُ عِنْدَهَا وَمَبِيتُهُ فِي بَيْتِهَا وَالْقَسْمُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَبِيتِ لَا فِي النَّهَارِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمُقَامُ عِنْدَ الْبِكْرِ سَبْعًا وَعِنْدَ الثَّيِّبِ ثَلَاثًا عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ نَهَارًا وَلَيْلًا ثُمَّ يَقْسِمُ بَعْدُ فِي الْمَبِيتِ إِنْ كَانَ لَهُ غَيْرُهَا (وَعَلَى حَسَبِ هَذَا الِاخْتِلَافِ اخْتَلَفُوا فِي الْمُقَامِ عِنْدَهَا هَلْ هُوَ مِنْ حُقُوقِهَا أَوْ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِ عَلَى نِسَائِهِ غَيْرَهَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ إِنْ شَاءَتْ طَلَبَتْهُ وَإِنْ شَاءَتْ تَرَكَتْهُ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ حَقٌّ لِلزَّوْجِ عَلَى نِسَائِهِ إِنْ شَاءَ أَقَامَ عِنْدَهَا وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقُمْ وَسَوَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ نِسَائِهِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ قَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَشْهَدُ لِقَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ حَقِّ الْمَرْأَةِ لِقَوْلِهِ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ وَيُوجِبُ عَلَيْهِ فِي الْبِكْرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَعِنْدَ الثَّيِّبِ ثَلَاثًا عَلَى عُمُومِ الْآثَارِ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ أَيْضًا مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَهُوَ أَمْرٌ مَعْمُولٌ بِهِ عِنْدَهُمْ وَحَسْبُكَ بِقَوْلِ أَنَسٍ مَضَتِ السُّنَّةُ بِذَلِكَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(17/249)
حَدِيثٌ حَادِيَ عَشَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا الْبَدَّاحِ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ عَنْ مَنًى يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ أَوْ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ أَبُو بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيُّ أُمُّهُ كَبْشَةُ ابْنَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ زُرَارَةَ وَخَالَتُهُ عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ قَاضِيًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَيَّامَ إِمْرَتِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ لِلْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ الْخِلَافَةَ وَلَّى أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْمَدِينَةِ فَاسْتَقْضَى أَبُو بَكْرٍ أَبَا طوالة وكان
(17/250)
أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَيَتَوَلَّى أَمْرَهُمْ وَتُوُفِّيَ أبو بكر بالمدينة سنة عشرين ومائة وهوابن أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً فِي قَوْلِ الْوَاقِدِيِّ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَكَرِيَّاءَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ بَحْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَيْزٍ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ سُنَّةٍ مَاضِيَةٍ أَوْ حَدِيثِ عُمَرَ فَاكْتُبْهُ فَإِنِّي قَدْ خِفْتُ دُرُوسَ الْعِلْمِ وَذَهَابَ أَهْلِهِ) وَأَبُو الْبَدَّاحِ بْنُ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ لَا يُوقَفُ عَلَى اسْمِهِ أَيْضًا وَكُنْيَتُهُ اسْمُهُ وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ أَبُو الْبَدَّاحِ لَقَبٌ غَلَبَ عَلَيْهِ وَيُكَنَّى أَبَا عَمْرٍو تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ سبع عشرةومائة فِي خِلَافَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً وَهُوَ أَبُو الْبَدَّاحِ بْنُ عَاصِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْجِدِّ بْنِ العجلان من بلي من فضاعة حَلِيفٌ لِبَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ (وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ إِنَّ لِأَبِي الْبَدَّاحِ صُحْبَةً وَلَا يَصِحُّ مَا قَالَ وَإِنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِقَوْلِ ابْنِ جُرَيْجٍ إِنَّ أُخْتَ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ كَانَتْ تَحْتَ أَبِي الْبَدَّاحِ فَطَلَّقَهَا
(17/251)
ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا فَعَضَلَهَا أَخُوهَا مَعْقِلٌ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ وَالصَّوَابُ تَحْتَ أَبِي أَبِي الْبَدَّاحِ) وَذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى وَحْدَهُ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ مَالِكٍ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ أَبَا الْبَدَّاحِ عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ فَجَعَلَ أَبَا الْبَدَّاحِ كُنْيَةَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ وَجَعَلَ الْحَدِيثَ لَهُ وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا هُوَ لِعَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ هُوَ الصَّاحِبُ وَأَبُو الْبَدَّاحِ ابْنُهُ يَرْوِيهِ عَنْهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِيهِ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ (قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ نَجِدْهُ عِنْدَ شُيُوخِنَا فِي كِتَابِ يَحْيَى إِلَّا عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ كَمَا رَوَاهُ جَمَاعَةُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ) وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ فَإِنْ كَانَ يَحْيَى رَوَاهُ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ فَهُوَ غَلَطٌ مِنْ يَحْيَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مَالِكٍ إِلَّا مَا ذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ يَحْيَى وَقَدِ اخْتَلَفُوا عَنْهُ فِي أَلْفَاظِهِ وَقَدْ كَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ شَيْئًا يُشْبِهُ مَا حَكَاهُ أَحْمَدُ عَنْ يَحْيَى فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ وَيُعَضِّدُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ وَمَرَّةً لَمْ يَقُلْ عَنْ أَبِيهِ وَالصَّوَابُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ جُمْهُورِ الرُّوَاةِ عَنْهُ
(17/252)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عن أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ فِي الْبَيْتُوتَةِ يَرْمُونَ يَوْمَ النحر واليومين الذين بعده يجمعونها فِي أَحَدِهِمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمَّا أَلْفَاظُهُ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ فِي الْبَيْتُوتَةِ عَنْ مِنًى وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِنَّمَا رَخَّصَ لَهُمْ فِي الْبَيْتُوتَةِ عَنْ مِنًى بِمَكَّةَ هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ رَخَّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَلِمَنْ وَلِيَ السِّقَايَةَ مِنْ آلِ الْعَبَّاسِ وَفِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ هَذِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرِّعَاءَ رُخِّصَ لَهُمْ فِي جَمْعِ رَمْيِ الْيَوْمَيْنِ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ قَدَّمُوا ذَلِكَ أَوْ أَخَّرُوهُ وَمَالِكٌ لَا يَرَى لَهُمُ التَّقْدِيمَ إِنَّمَا يَرَى لَهُمْ تَأْخِيرَ رَمْيِ الْيَوْمِ الثَّانِي إِلَى الثَّالِثِ ثُمَّ يَرْمُونَ فِي الثَّالِثِ لِيَوْمَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَجِبَ وَغَيْرُهُ يَقُولُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ كُلِّهِ لِأَنَّهَا رُخْصَةٌ رَخَّصَ لَهُمْ فِيهَا كَمَا رَخَّصَ لِمَنْ نَفَرَ وَتَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ وَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ الرِّعَاءَ إِذَا رَمَوْا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِذَلِكَ الْيَوْمِ وَلِلْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ نفروا إن شاؤا فِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنْ لَمْ يَنْفِرُوا وَبَقُوا إِلَى اللَّيْلِ لَمْ يَنْفِرُوا الْيَوْمَ الثَّالِثَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حَتَّى يَرْمُوا فِي وَقْتِ الرَّمْيِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَإِنَّمَا لَمْ يُجِزْ مَالِكٌ لِلرِّعَاءِ تَقْدِيمَ الرَّمْيِ لِأَنَّ غَيْرَ الرِّعَاءِ لَا يجوز لهم
(17/253)
أَنْ يَرْمُوا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ شَيْئًا مِنَ الْجِمَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَمَنْ رَمَاهَا قَبْلَ الزَّوَالِ أَعَادَهَا فَكَذَلِكَ الرِّعَاءُ لَيْسَ لَهُمُ التَّقْدِيمُ وَإِنَّمَا رَخَّصَ لَهُمْ فِي تَأْخِيرِ رَمْيِ الْيَوْمِ الثَّانِي إِلَى الثَّالِثِ فَقِفْ عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَمْ يَقُلِ الْقَطَّانُ فِي حَدِيثِهِ هَذَا عَنْ مَالِكٍ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كُلَّهَا أَيَّامُ رَمْيٍ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ لَا يُرْمَى فِيهِ غَيْرُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَوَقْتُهَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى الزَّوَالِ وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا أَنَّ وَقْتَ رَمْيِ الْجَمَرَاتِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ أَيَّامُ مِنًى بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَقْتَ الرَّمْيِ فِيمَا بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ مَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ مَالِكٌ مَنْ نَسِيَ رَمْيَ الْجِمَارِ حَتَّى يُمْسِيَ فَلْيَرْمِ أَيَّةَ سَاعَةٍ ذكر (من ليل أونهار كَمَا يُصَلِّي أَيَّةَ سَاعَةٍ ذَكَرَ) غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا مَضَتْ أَيَّامُ مِنًى فَلَا رَمْيَ فَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ يَصْدُرَ وَهُوَ بِمَكَّةَ أَوْ بَعْدَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فَقُلْتُ لِمَالِكٍ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْسَى أَوْ يَجْهَلُ فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ فِي أيام
(17/254)
مِنًى فَلَا يَرْمِي حَتَّى اللَّيْلِ قَالَ يَرْمِي سَاعَتَئِذٍ وَيَهْدِي أَحَبُّ إِلَيَّ وَهُوَ أَخَفُّ عِنْدِي مِنَ الَّذِي يَفُوتُهُ الرَّمْيُ يَوْمَ النَّحْرِ حَتَّى يُمْسِيَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا تَرَكَ رَمْيَ الْجِمَارِ كُلِّهَا يَوْمَهُ إِلَى اللَّيْلِ وَهُوَ فِي أَيَّامِ الرَّمْيِ رَمَاهَا بِاللَّيْلِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَرَكَ الرَّمْيَ حَتَّى يَنْشَقَّ الْفَجْرُ رَمَى وَعَلَيْهِ دَمٌ قَالَ وَإِنْ تَرَكَ مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ ثَلَاثَ حَصَيَاتٍ إِلَى الْغَدِ رَمَاهُنَّ وَعَلَيْهِ صَدَقَةُ نِصْفِ صَاعٍ لِكُلِّ حَصَاةٍ وَإِنْ تَرَكَ أَرْبَعَ حَصَيَاتٍ فَمَا فَوْقَهُنَّ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ وَرَمَاهُنَّ إِذَا لَمْ يَرْمِ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ مِنَ الْغَدِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَرْمِي مَا تَرَكَ مِنَ الْغَدِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيَّامُ مِنًى أَيَّامٌ لِلرَّمْيِ فَمَنْ أَخَّرَ وَنَسِيَ شَيْئًا قَضَى فِي أَيَّامِ مِنًى فَإِنْ مَضَتْ أَيَّامُ مِنًى وَلَمْ يَرْمِ أَهْرَاقَ لِذَلِكَ دَمًا إِنْ كَانَ الَّذِي تَرَكَ ثَلَاثَ حَصَيَاتٍ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَفِي كُلِّ حَصَاةٍ مُدٌّ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ فَاتَهُ رَمْيُ مَا أُمِرَ بِرَمْيِهِ مِنَ الْجِمَارِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِهَا وَذَلِكَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَدْ فَاتَهُ وَقْتُ الرَّمْيِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى الرَّمْيِ أَبَدًا وَلَكِنْ يَجْبِرُهُ بِالدَّمِ أَوْ بِالطَّعَامِ عَلَى حَسَبِ مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَقَاوِيلِ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ لَوْ تَرَكَ الْجِمَارَ كُلَّهَا أَوْ تَرَكَ جَمْرَةً مِنْهَا أَوْ تَرَكَ حَصَاةً مِنْ جَمْرَةٍ حَتَّى خَرَجَتْ أَيَّامُ مِنًى فَعَلَيْهِ دَمٌ (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِنْ تَرَكَ الْجِمَارَ كلها
(17/255)
كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ) وَإِنْ تَرَكَ جَمْرَةً وَاحِدَةً كَانَ عَلَيْهِ لِكُلِّ حَصَاةٍ مِنَ الْجَمْرَةِ إِطْعَامُ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُطْعِمَ مَا شَاءَ إِلَّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَمَنْ تَرَكَهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ إِنْ تَرَكَ حَصَاةً تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يُطْعِمُ فِي الْحَصَاةِ وَالْحَصَاتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فَإِنْ تَرَكَ أَرْبَعًا فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَقَالَ اللَّيْثُ عَلَيْهِ فِي الْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ دَمٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ وَفِي حَصَاتَيْنِ مُدَّانِ وَفِي ثَلَاثِ حَصَيَاتٍ دَمٌ وَلِقَوْلٍ آخَرَ مِثْلُ قَوْلِ اللَّيْثِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ عَنْهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ وَقَدْ ذَكَرْنَا الرُّتْبَةَ فِي أَوْقَاتِ رَمْيِ الْجَمَرَاتِ وَذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يُرَخَّصْ لَهُ مِنْ سَائِرِ الْحَاجِّ كُلِّهِمْ وَرَخَّصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ وَلِأَهْلِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ فِي الْمَبِيتِ بِمَكَّةَ عَنْ مِنًى وَكَذَلِكَ رَخَّصَ لَهُمْ فِي جَمْعِ رَمْيِ يَوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ أخبرنا القعنبي عن مالك قال أبوداود وَحَدَّثَنَا ابْنُ السَّرْحِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ
(17/256)
لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ أَوْ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كَأَلْفَاظِ رِوَايَةِ يَحْيَى سَوَاءٍ إِلَّا أَنَّ الْقَعْنَبِيَّ وَابْنَ وَهْبٍ لَمْ يَذْكُرَا عَنْ مِنًى وَكَذَلِكَ يَحْيَى الْقَطَّانُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ عَنْ مِنًى وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ إِنَّمَا رُخِّصَ لَهُمْ فِي الْبَيْتُوتَةِ عَنْ مِنًى وَلَيْسَ تَقْصِيرُ مَنْ قَصَّرَ عَنْهُ بِشَيْءٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ فِي الْبَيْتُوتَةِ لَمْ يَقُلْ عَنْ مِنًى ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَجْمَعُونَ رَمْيَ يَوْمَيْنِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ فَيَرْمُونَهُ فِي أَحَدِهِمَا ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ وَهَذَا مِثْلُ رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ فِي أَنَّ لَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا رَمْيَ يَوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ قَدَّمُوا ذَلِكَ أَوْ أَخَّرُوهُ وَأَلْفَاظُ الْمُوَطَّأِ تَدُلُّ عَلَى هَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ فِيهِ ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ يَعْنِي مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ لَيْسَتْ (أَوْ) هَاهُنَا لِلشَّكِّ وَإِنَّمَا هِيَ لِلتَّخْيِيرِ بِلَا شَكٍّ وَقَدْ بَانَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ مَالِكٍ وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ لَمْ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ وَكَذَلِكَ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَهُوَ شَيْءٌ نَقُصُّهُ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ فَجَوَّدَ إِسْنَادَهُ وَلَفْظَهُ
(17/257)
قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَّ قَاسِمَ بْنَ أَصْبَغَ حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عن أبي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ فِي الْبَيْتُوتَةِ عَنْ مِنًى يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ أَوْ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ لِلْيَوْمَيْنِ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ فَفِي كُلِّ رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الرُّخْصَةُ لِلرِّعَاءِ فِي أَنْ يرموا إن شاؤا يَوْمَ ثَانِي النَّحْرِ وَهُوَ الْأَوَّلُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِيَوْمَيْنِ ثُمَّ لَا يَرْمُونَ إِلَى يَوْمِ النفر وإن شاؤوا أَنْ لَا يَرْمُوا يَوْمَ ثَانِي النَّحْرِ وَيَرْمُونَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْهُ لِيَوْمَيْنِ أَيُّ ذَلِكَ شاؤوا فَذَلِكَ لَهُمْ عَلَى حَدِيثِ مَالِكٍ التَّخْيِيرُ لَهُمْ فِيهِ ثَابِتٌ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ يَعْنِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ثُمَّ لَا يَرْمُونَ مِنَ الْغَدِ فَإِذَا كَانَ بَعْدَ الْغَدِ رَمَوْا لِيَوْمَيْنِ لِذَلِكَ الْيَوْمِ وَلِلْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّهُمْ يَقْضُونَ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَا يَقْضِي أَحَدٌ عِنْدَهُ شَيْئًا إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ وَغَيْرُهُ يَقُولُ ذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ مَالِكٍ لِأَنَّهَا أَيَّامُ رَمْيٍ كُلُّهَا وَقَدْ رَخَّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَصَحَّتِ الرُّخْصَةُ بِهِ وَالَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ موجد فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَنَا
(17/258)
عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَتَعَاقَبُوا فَيَرْمُوا يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَدَعُوا يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أبيه عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَدِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدَعُوا يَوْمًا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ وَسُئِلَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ أَخْطَأَ فِيهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَمُحَمَّدٌ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدَعُوا يَوْمًا وَأَمَّا الْبَيْتُوتَةُ بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا عَنْ مِنًى لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ فَغَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ الْجَمِيعِ إِلَّا لِلرِّعَاءِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَبِي الْبَدَّاحِ هَذَا عَنْ أَبِيهِ وَلِمَنْ وَلِيَ السِّقَايَةَ مِنْ آلِ الْعَبَّاسِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ فِي حَجَّتِهِ الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ وَكَذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ
(17/259)
مَالِكٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ الرُّخْصَةَ فِي الْمَبِيتِ عَنْ مِنًى لَيَالِيَ مِنًى إِنَّمَا ذَلِكَ لِلرِّعَاءِ وَلِلْعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ خَاصَّةً فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَّاهُمْ عَلَيْهَا وَأَذِنَ لَهُمْ فِي الْمَبِيتِ بِمَكَّةَ مِنْ أَجْلِ شُغْلِهِمْ فِي السِّقَايَةِ وَكَانَ الْعَبَّاسُ يَنْظُرُ فِي السِّقَايَةِ وَيَقُومُ بِأَمْرِهَا وَيَسْقِي الْحَاجَّ شَرَابَهَا أَيَّامَ الْمَوْسِمِ فَلِذَلِكَ أُرْخِصَ لَهُ فِي الْمَبِيتِ عَنْ مِنًى بِمَكَّةَ كَمَا أُرْخِصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْمَبِيتِ عَنْ مِنًى أَيَّامَ مِنًى فِي إِبِلِهِمْ مِنْ أَجْلِ حَاجَتِهِمْ إِلَى رَعْيِ الْإِبِلِ وَضَرُورَتِهِمْ إِلَى الْخُرُوجِ بِهَا نَحْوَ الْمَرَاعِي الَّتِي تَبْعُدُ عَنْ مِنًى فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِمْ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْحَاجِّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ) حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ الْوَاسِطِيُّ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ (1) أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْعَبَّاسَ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ أَيَّامَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير وأبوأسامة عَنْ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ (عَنِ ابْنِ عُمَرَ (2) قَالَ اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ
(17/260)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ معاوية حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا إسحاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ أَيَّامَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَصَّ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ عَنْ مِنًى وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي مِنًى كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَيَرْمِي الْجِمَارَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَكَّةَ فَيَبِيتُ بِهَا لِأَنَّهُ كَانَ مَنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ مَنْ بَاتَ عَنْ مِنًى مِنْ غَيْرِ الرِّعَاءِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ مِنْ سَائِرِ الْحَاجِّ فَقَالَ مَالِكٌ مَنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي مِنًى بِمِنًى فَعَلَيْهِ دَمٌ وَكَذَلِكَ (عِنْدَهُ (1)) لَوْ تَرَكَ
(17/261)
الْمَبِيتَ اللَّيَالِيَ كُلَّهَا عَلَيْهِ دَمٌ وَسُئِلَ مَالِكٌ فِيمَا ذَكَرَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ عَنْهُ عَمَّنْ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ فَبَاتَ بِمَكَّةَ لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي منى قال أرى عليه دما وقال أبوحنيفة وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِنْ كَانَ يَأْتِي مِنًى فَيَرْمِي الْجِمَارَ ثُمَّ يَبِيتُ بِمَكَّةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي مِنًى فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ أَحَدُهَا عَلَيْهِ مُدٌّ وَالثَّانِي عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَالثَّالِثُ عَلَيْهِ (ثُلُثُ (1)) دَمٍ فَإِنْ تَرَكَ لَيْلَتَيْنِ فَكَذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَقَاوِيلِ أَحَدُهَا مُدَّانِ وَالْآخَرُ دِرْهَمَانِ وَالْآخَرُ ثُلُثَا دَمٍ وَأَمَّا إِنْ تَرَكَ ذَلِكَ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ إِنَّ عَلَيْهِ دَمًا وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إِذَا بَاتَ لَيَالِيَ مِنًى كُلَّهَا بِمَكَّةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَرْخَصَ فِي الْمَبِيتِ عَنْ مِنًى لَيَالِيَ مِنًى لِلْحَاجِّ إِلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ وَرِوَايَةً رَوَاهَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنْ يَعْقُوبَ الدَّوْرَقِيِّ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ أَبِي حُرَّةَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَبِيتَ الْحَاجُّ أَيَّامَ مِنًى بِمَكَّةَ وَيَأْتِيَ مِنًى إِذَا أَصْبَحَ وَيَرْمِيَ الْجِمَارَ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وذكر عبد الرزاق عن الأسلمي عن داو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رَجُلٍ بَاتَ بِمَكَّةَ أَيَّامَ مِنًى قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَعَنِ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ الرَّجُلُ بِمَكَّةَ
(17/262)
لَيَالِيَ مِنًى وَيَظَلَّ إِذَا رَمَى الْجِمَارُ وَرَوَى عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مَتَاعٌ بِمَكَّةَ فَخَشِيَ عَلَيْهِ الضَّيْعَةُ إِنْ بَاتَ بِمِنًى فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهُ بِمَكَّةَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَشْبَهُ لِأَنَّهُ خَائِفٌ مُضْطَرٌّ فَرَخَّصَ لَهُ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ إِذَا جَاءَ مَكَّةَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَبَاتَ بِهَا فَلْيُهْرِقْ دَمًا وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ إِذَا بَاتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى فَعَلَيْهِ دَمٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَبِيتَ لِلْحَاجِّ غَيْرُ الَّذِينَ رَخَّصَ لَهُمْ لَيَالِيَ مِنًى بِمِنًى مِنْ شَعَائِرِ الْحَجِّ وَنُسُكِهِ وَالنَّظَرُ يُوجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْقِطٍ لِنُسُكِهِ دَمًا قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ شَعَائِرِ الْحَجِّ وَنُسُكِهِ وَأَحْسَنُ مَا فِي هَذَا الْبَابِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ عُمَرُ لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنَ الْحَاجِّ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ وَكَانَ يُوكِلُ بِذَلِكَ رِجَالًا لَا يَتْرُكُونَ أَحَدًا مِنَ الْحَاجِّ يَبِيتُ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ إِلَّا أَدْخَلُوهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَبِيتَ مِنْ مؤكدات أمور الحج والله أعلم
(17/263)
لَيَالِيَ مِنًى وَيَظَلَّ إِذَا رَمَى الْجِمَارُ وَرَوَى عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مَتَاعٌ بِمَكَّةَ فَخَشِيَ عَلَيْهِ الضَّيْعَةُ إِنْ بَاتَ بِمِنًى فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهُ بِمَكَّةَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَشْبَهُ لِأَنَّهُ خَائِفٌ مُضْطَرٌّ فَرَخَّصَ لَهُ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ إِذَا جَاءَ مَكَّةَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَبَاتَ بِهَا فَلْيُهْرِقْ دَمًا وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ إِذَا بَاتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى فَعَلَيْهِ دَمٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَبِيتَ لِلْحَاجِّ غَيْرُ الَّذِينَ رَخَّصَ لَهُمْ لَيَالِيَ مِنًى بِمِنًى مِنْ شَعَائِرِ الْحَجِّ وَنُسُكِهِ وَالنَّظَرُ يُوجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْقِطٍ لِنُسُكِهِ دَمًا قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ شَعَائِرِ الْحَجِّ وَنُسُكِهِ وَأَحْسَنُ مَا فِي هَذَا الْبَابِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ عُمَرُ لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنَ الْحَاجِّ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ وَكَانَ يُوكِلُ بِذَلِكَ رِجَالًا لَا يَتْرُكُونَ أَحَدًا مِنَ الْحَاجِّ يَبِيتُ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ إِلَّا أَدْخَلُوهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَبِيتَ مِنْ مُؤَكَّدَاتِ أُمُورِ الْحَجِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(17/264)
حَدِيثٌ ثَانِيَ عَشَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ قَدْ حَاضَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّهَا تَحْبِسُنَا أَلَمْ تَكُنْ طَافَتْ مَعَكُنَّ بِالْبَيْتِ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَاخْرُجْنَ! هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي إِسْنَادِهِ وَلَا فِي مَعْنَاهُ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ صِحَاحٍ وَفِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ الْحَائِضَ لَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهُوَ أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِيهِ إِلَّا أَنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ أَبُو
(17/265)
حنيفة قالوا لا ينبغي لأحد أَنْ يَطُوفَ أَحَدٌ إِلَّا طَاهِرًا فَإِنْ طَافَ غَيْرَ طَاهِرٍ مِنْ جُنُبٍ أَوْ حَائِضٍ فَيُجْزِيهِ وعلي دَمٌ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يُجْزِيهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ طَاهِرًا وَلَوْ مِنْ بَلَدِهِ إِنْ كَانَ طَوَافًا وَاجِبًا وَقَدْ بَيَّنَّا الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ عُرْوَةَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ مَنْعَ الْحَائِضِ مِنَ الطَّوَافِ إِنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَائِضُ لَا تَدْخُلُ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الصَّلَاةِ (وَالطَّوَافُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ أَلَمْ تَكُنْ طَافَتْ هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي حديث مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أم سليم انها حاضت أو ولدت بعدما أَفَاضَتْ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَعُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ حَاضَتْ صَفِيَّةُ بعدما أَفَاضَتْ وَفِي حَدِيثِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا حُجَّاجًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ وَحَاضَتْ صَفِيَّةُ وَفِي حَدِيثِ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ حَاضَتْ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(17/266)
فَقَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ فَقِيلَ إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ فَهَذِهِ الْآثَارُ كُلُّهَا قَدْ أَوْضَحَتْ أَنَّ الطَّوَافَ الْحَابِسَ لِلْحَائِضِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ) وَكَذَلِكَ يُسَمِّيهِ أَهْلُ الْحِجَازِ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَيُسَمِّيهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ طَوَافَ الزِّيَارَةِ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُقَالَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَهُوَ وَاجِبٌ فَرْضًا عِنْدَ الْجَمِيعِ لَا يَنُوبُ عَنْهُ دَمٌ وَلَا بُدَّ مِنَ الْإِتْيَانِ بِهِ وَإِيَّاهُ عَنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ إِلَّا أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ فِي هَذَا الطَّوَافِ أَنَّهُ يَنُوبُ عَنْهُ غَيْرُهُ مَعَ وُجُوبِهِ عِنْدَهُ عَلَى حَسَبِ مَا بَيَّنَاهُ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الْكَافِي وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِهِ وَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّهَا تَحْبِسُنَا ثُمَّ قَالَ أَلَمْ تَكُنْ طَافَتْ مَعَكُنَّ فَلَمَّا قِيلَ لَهُ بَلَى قَالَ فَاخْرُجْنَ فَلَوْ قِيلَ لَهُ لَمْ تَطُفْ لَاحْتَبَسَ عَلَيْهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا وَتَطُوفَ لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ فَكُلُّ فَرْضٍ فِيهِ سِوَاهُ يَجِيءُ بِهِ مَتَى مَا أَمْكَنَهُ وَقَدَرَ عَلَيْهِ وَكُلُّ سُنَّةٍ فِيهِ جبرها بالدم
(17/267)
فَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ تَبْقَى وَيُحْبَسُ عَلَيْهَا كَرِيُّهَا حَتَّى تَطْهُرَ فَتَفِيضَ فَإِذَا كَانَتْ قَدْ أَفَاضَتْ ثُمَّ حَاضَتْ وَخَرَجَ النَّاسُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا الْبَقَاءُ لِوَدَاعِ الْبَيْتِ وَرُخِّصَ لَهَا فِي أَنْ تَنْفِرَ وَتَدَعَ السُّنَّةَ فِي طَوَافِ الوداع رخصة لها وعذار وَسَعَتُهُ (ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ أَوْ نَفَسَتْ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ فَلَا تَبْرَحُ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيُحْبَسُ عَلَيْهَا الْكَرِيُّ مَا يَحْبِسُ عَلَى الْحَائِضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَيَحْبِسُ عَلَى النُّفَسَاءِ حَتَّى تَطْهُرَ بِأَقْصَى مَا يَحْبِسُ النِّسَاءَ الدَّمُ وَلَا حُجَّةَ لِلْكَرِيِّ أَنْ يَقُولَ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهَا حَامِلٌ وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُعِيِنَهُ فِي الْعَلَفِ قَالَ وَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ فَلْتَنْفِرْ قَالَ وَإِنِ اشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ عُمْرَةَ الْمُحْرِمِ فَحَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَعْتَمِرَ فَلَا يُحْبَسُ عَلَيْهَا كَرِيُّهَا وَلَا يرجع عليها من الكراء شَيْءٌ قَالَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْحَائِضِ وَبَيْنَ طُهْرِهَا الْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ أَقَامَ مَعَهَا أَبَدًا وَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ أَيَّامٌ لَمْ يُحْبَسْ إِلَّا كَرِيُّهَا وَحْدَهُ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ لَسْتُ أَعْرِفُ حَبْسَ الْكَرِيِّ وَحْدَهُ كَيْفَ يَحْبِسُهُ وَحْدَهُ يُعَرِّضُهُ لِيُقْطَعَ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ الْمُوَحَّدَةُ) وَفِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إِلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ تَرَكَ طَوَافَ الْوَدَاعِ غَيْرَ الْحَائِضِ
(17/268)
فَقَالَ مَالِكٌ مَنْ تَرَكَ وَدَاعَ الْبَيْتِ أَسَاءَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ (لِأَنَّ الْوَدَاعَ عَنْهَا مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ الْحَجِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْرُجْنَ وَفِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَا إِذًا وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهَا مِنَ النُّسُكِ شَيْءٌ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَالْمُقِيمِينَ بِهَا لَا وَدَاعَ عَلَيْهِمْ فَعُلِمَ أَنَّهُ اسْتِحْبَابٌ وَالْمُسْتَحَبُّ إِذَا تُرِكَ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ وَلَمَّا كَانَ طَوَافُ الْوَدَاعِ بَعْدَ اسْتِبَاحَةِ وَطْءِ النِّسَاءِ أَشْبَهَ طَوَافَ الْمَكِّيِّ وَالْمُعْتَمِرِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ (1)) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ عَلَيْهِ دَمٌ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ نُسُكِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ (وَمِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَنْ يَقُولُ إِنَّ هَذَا الدَّمَ اسْتِحْبَابٌ (2)) وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ مِنَ النُّسُكِ وَمِنْ سُنَنِ الْحَجِّ الْمَسْنُونَةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ إِذَا نَفَرْتُمْ مِنْ مِنًى فَلَا يَصْدُرُ أَحَدٌ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَإِنَّ آخِرَ الْمَنَاسِكِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَنَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مِثْلَهُ وَمَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ وَعَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أبي عبيد حاضت يوم النحر بعدما طَافَتْ بِالْبَيْتِ فَأَقَامَ ابْنُ عُمَرَ عَلَيْهَا سَبْعًا حَتَّى طَهُرَتْ فَطَافَتْ فَكَانَ آخَرُ
(17/269)
عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَأَخْبَرَنِي طَاوُسٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِعَامٍ أَوْ بِعَامَيْنِ يَقُولُ أَمَّا النِّسَاءُ فَقَدْ رُخِّصَ لَهُنَّ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَلَوْ رَأَيْتُ طَاوُسًا عَلِمْتُ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ قَالَ مَعْمَرٌ وَأَخْبَرَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ مِنَ الْحَاجِّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَقُلْتُ مَا لَهُ لَمْ يَسْمَعْ مَا سَمِعَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ جَلَسْتُ إِلَيْهِ مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ أَمَّا النِّسَاءُ فَقَدْ رُخِّصَ لَهُنَّ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَابْنَ عَبَّاسٍ تَمَارَيَا فِي صَدَرِ الْحَائِضِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهَا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَنْفِرُ وَقَالَ زَيْدٌ لَا تَنْفِرُ فَدَخَلَ زَيْدٌ عَلَى عَائِشَةَ فَسَأَلَهَا فَقَالَتْ تَنْفِرُ فَخَرَجَ زَيْدٌ وَهُوَ يَتَبَسَّمُ وَيَقُولُ مَا الْكَلَامُ إِلَّا مَا قُلْتِ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا يَكُونُ الْإِنْصَافُ وَزَيْدٌ مُعَلِّمُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمَا لَنَا لَا نَقْتَدِي بِهِمْ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ قَالَ أَبُو عُمَرَ كُلُّ مَنْ لَمْ يَطُفْ طَوَافَ الْوَدَاعِ وَأَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ بِغَيْرِ ضَرَرٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِ رَجَعَ فَطَافَ ثُمَّ نَفَرَ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرُدُّ مَنْ لَمْ يُوَدِّعِ الْبَيْتَ بِالطَّوَافِ مِنْ مَرِّ الظَّهْرَانِ وَقَالَ مَالِكٌ هَذَا عِنْدِي بَعِيدٌ وَفِيهِ ضَرَرٌ دَاخِلٌ عَلَى النَّاسِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى طَوَافِ الْوَدَاعِ مَنْ كَانَ قَرِيبًا وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي انْصِرَافِهِ ضَرَرٌ يُقَالُ إِنَّ بَيْنَ مَرِّ الظَّهْرَانِ وَمَكَّةَ خَمْسَةَ عَشَرَ مِيلًا وَأَهْلُ الْعِلْمِ كُلُّهُمْ يَسْتَحِبُّ أَنْ لَا يَدَعَ أَحَدٌ وَدَاعَ
(17/270)
الْبَيْتِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ قَادِرًا فَإِنْ نَفَرَ وَلَمْ يُوَدِّعْ فَقَدْ ذَكَرْنَا مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مِنْ إِيجَابِ الدَّمِ وَقَالَ مَالِكٌ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ لِلْإِفَاضَةِ فَإِنَّهَا تُقِيمُ حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ لِلْإِفَاضَةِ ثُمَّ تَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهَا قَالَ مَالِكٌ وليس عليها أن تعينه في العلف قال أَبُو عُمَرَ فَهَذَانِ الطَّرَفَانِ قَدْ مَضَى حُكْمُهُمَا أَوِ الْإِجْمَاعُ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِمَا وَبَقِيَ الطَّوَافُ الثَّالِثُ وَهُوَ طَوَافُ الدُّخُولِ الَّذِي يَصِلُهُ الْحَاجُّ بِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِذَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَ عَرَفَةَ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا الطَّوَافَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ وَشَعَائِرِهِ وَنُسُكِهِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَدِمَ مَكَّةَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الطَّوَافِ غَيْرُ خَائِفٍ فَوْتَ عَرَفَةَ فَلَمْ يَطُفْ فَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِيمَنْ قَدِمَ يَوْمَ عَرَفَةَ إِنْ شَاءَ أَخَّرَ الطَّوَافَ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ وَإِنْ شَاءَ طَافَ وَسَعَى ذَلِكَ وَاسِعٌ كُلُّهُ قَالَ وَإِنْ قَدِمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَلَا يَتْرُكِ الطَّوَافَ قَالَ أَبُو عُمَرَ فَإِنْ تَرَكَهُ فَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ دَمًا وَالدَّمُ عِنْدَهُمْ خَفِيفٌ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ نُسُكٌ
(17/271)
سَاقِطٌ عَنِ الْمَكِّيِّ وَعَنِ الْمُرَاهِقِ الَّذِي يَخَافُ فَوْتَ عَرَفَةَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِذَا تَرَكَ الْحَاجُّ طَوَافَ الدُّخُولِ فَطَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ رَمَلَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْوَاطٍ مِنْهُ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إِنْ تَرَكَ الْحَاجُّ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ الطَّوَافَ لِلدُّخُولِ وَهُوَ بِمَكَّةَ حَتَّى أَتَى مِنًى كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا شَيْءٌ مِنْ نُسُكِهِ تَرَكَهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ حُجَّةُ مَنْ أَوْجَبَ فِيهِ الدَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ فِي حَجَّتِهِ وَقَالَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَهُوَ الْمُبَيِّنُ عَنِ اللَّهِ مُرَادَهُ فَصَارَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَسُنَنِهِ فَوَجَبَ عَلَى تَارِكِهِ الدَّمُ وَحُجَّةُ مَنْ لَمْ يَرَ فِيهِ شَيْئًا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ الطَّوَافِ وَلَا رَسُولَهُ وَلَا اتَّفَقَ الْجَمْعُ عَلَى وُجُوبِهِ سُنَّةً وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَقْيَسُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(17/272)
حَدِيثٌ ثَالِثَ عَشَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ ابْنَةِ عَبْدِ الرحمان أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ وَذُكِرَ لَهَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يغفر الله لأبي عبد الرحمان أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ جَمَاعَةِ الرُّوَاةِ إِلَّا الْقَعْنَبِيَّ فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ عِنْدَهُ فِي الزِّيَادَاتِ خَارِجَ الْمُوَطَّأِ (وَهُوَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ وَلَيْسَ فِي الْمُوَطَّأِ (2)) لِهَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ هَذَا الْإِسْنَادِ وَقَدْ رَوَى
(17/273)
الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ عَلَيْهِ وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لمالك لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْهُ غَيْرَ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ فِيهِ نَكَارَةٌ لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ مَعْنَاهُ أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ الْمَيِّتُ وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَاهُ يُمْدَحُ فِي ذَلِكَ الْبُكَاءِ بِمَا كَانَ يُمْدَحُ بِهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْفَتَكَاتِ وَالْغَدَرَاتِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ عِنْدَ اللَّهِ ذُنُوبٌ فَهُمْ يَبْكُونَ لِفَقْدِهَا وَيَمْدَحُونَهُ بِهَا وَهُوَ يُعَذَّبُ مِنْ أَجْلِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ يُعَذَّبُ بِمَا يُبْكَى عَلَيْهِ بِهِ وَمِنْ أَجْلِهِ وَقَالَ آخَرُونَ الْبُكَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا كَانَ مِثْلُهُ مَعْنَاهُ النِّيَاحَةُ وَشَقُّ الْجُيُوبِ وَلَطْمُ الْخُدُودِ وَنَحْوُ هَذَا مِثْلَ النِّيَاحَةِ وَأَمَّا بُكَاءُ الْعَيْنِ فَلَا وَذَهَبَتْ عَائِشَةُ إِلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يُعَذَّبُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي رِمْثَةَ فِي ابْنِهِ إِنَّكَ لَا تَجْنِي عَلَيْهِ وَلَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَقَالَ الله
(17/274)
عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَكِنْ قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ عَنْهُمْ بَعْدَ ذِكْرِ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَمَّا إِنْكَارُ عَائِشَةَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَقَدْ رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا مَا رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ وَذُكِرَ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ وَهَلَ ابْنُ عُمَرَ إنما مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَهُودِيٍّ فَقَالَ إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ يُعَذَّبُ وَأَهْلُهُ يَبْكُونَ عَلَيْهِ وَرَوَى أَيُّوبُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونِ عَنْ غَيْرِ كَاذِبَيْنِ عُمَرَ وَابْنِهِ وَلَكِنَّ السَّمْعَ يُخْطِئُ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ إِنْكَارُ عَائِشَةَ بِشَيْءٍ وَقَدْ وَقَفَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى مِثْلِ مَا نَزَعَتْ بِهِ عَائِشَةُ فَلَمْ يَرْجِعْ وَثَبَتَ عَلَى مَا سَمِعَ وَهُوَ الْوَاجِبُ كَانَ عليه
(17/275)
حَدَّثَنَا يَعِيشُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ إِنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ اللَّهَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى قَالَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عُمَرَ فَهَذَا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَدْ أَثْبَتَ مَا حَفِظَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَنْسَ وَمَنْ حَفِظَ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ وَلَيْسَ يُسَوَّغُ عِنْدَ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى السُّنَنِ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ إِذَا كَانَ لَهَا مَخْرَجٌ وَوَجْهٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ السُّنَّةَ مُبَيِّنَةٌ لِلْقُرْآنِ قَاضِيَةٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مُدَافِعَةٍ لَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَقَدْ أَبَى جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ النُّسَخُ وَقَالُوا لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَارْتَفَعَ الْبَيَانُ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مِنَ الْأُصُولِ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذِكْرِهَا وَقَدْ رَوَى مِثْلَ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ هَذِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ وَسَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ
(17/276)
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ حَضَرْتُ جِنَازَةَ أُمِّ أَبَانَ وَفِي الْجِنَازَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَجَلَسْتُ بَيْنَهُمَا فَبَكَى النِّسَاءُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إِنَّ بُكَاءَ الْحَيِّ عَلَى الْمَيِّتِ عَذَابٌ لِلْمَيِّتِ قَالَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ صَدَرْنَا مَعَ عُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ إِذَا هُوَ بِرَكْبٍ نُزُولٍ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ اذهب فانظر من الركب ثم ألقحني فَذَهَبْتُ فَقُلْتُ هَذَا صُهَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ جُدْعَانَ فَقَالَ مُرْهُ فَلْيَلْحَقْنِي قَالَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لَمْ يَلْبِثْ عُمَرُ أَنْ طُعِنَ فَجَاءَ صُهَيْبٌ وهو يقول وا أخياه وَاصَاحِبَاهُ فَقَالَ عُمَرُ مَهْ يَا صُهَيْبُ إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ يَرْحَمُ اللَّهُ عُمَرَ إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَقَدْ قَضَى اللَّهُ أَنْ لَا تَزِرَ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى فَهَذَا عُمَرُ قَدْ رَوَى فِي بُكَاءِ الْحَيِّ عَلَى الْمَيِّتِ مِثْلَ رِوَايَةِ ابْنِهِ سَوَاءً وَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ عَنْ عُمَرَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ لَا مَقَالَ فِيهِ لِأَحَدٍ وَقَدْ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ مُلَيْكَةَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال إن الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِالنِّيَاحَةِ
(17/277)
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمًا إِلَى المسجد والمغيرة بن شعيبة أَمِيرٌ عَلَى الْكُوفَةِ فَخَرَجَ الْمُغِيرَةُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَرَقِيَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَا هَذَا النَّوْحُ فِي الْإِسْلَامِ قَالُوا تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ قَرَظَةُ بْنُ كَعْبٍ فَنِيحَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَامٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ قَرَظَةُ بْنُ كَعْبٍ فَنِيحَ عَلَيْهِ فخرج المغيرة بن شعيبة فَقَالَ مَا هَذَا النَّوْحُ فِي الْإِسْلَامِ سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ يُعَذَّبْ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ وَحَدَّثَنَا يَعِيشُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ مَا بُكِيَ عَلَيْهِ قَالَ قُلْتُ مَا نِيحَ عَلَيْهِ قَالَ مَا بُكِيَ عَلَيْهِ قُلْتُ مَا نِيحَ عَلَيْهِ قَالَ فَمَا سَكَتَ حَتَّى سَكَتُّ
(17/278)
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صُبَيْحٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ سِيرِينَ قَالَ ذَكَرُوا عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ (فَقَالُوا كَيْفَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ) فَقَالَ عِمْرَانُ قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عُمَرَ فَهَؤُلَاءِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ قَدْ قَالُوا كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَرَوَوْا مِثْلَ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ إِلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ عُمَرَ وَحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ النِّيَاحُ دُونَ الْبُكَاءِ وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدَ كُلِّ مَنْ خَالَفَ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ذَهَبَتْ إِلَى تَصْوِيبِ عَائِشَةَ فِي إِنْكَارِهَا عَلَى ابْنِ عُمَرَ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ عِنْدِي تَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ لِأَنَّهُ ذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي مُوَطَّئِهِ وَلَمْ يُذْكَرْ خِلَافُهُ عَنْ أَحَدٍ فَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَذَكَرَ حَدِيثَ عُمَرَ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأُرَخِّصُ فِي الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا نُدْبَةَ وَلَا نِيَاحَةَ لِمَا فِي النياحة
(17/279)
مِنْ تَجْدِيدِ الْحُزْنِ وَمَنْعِ الصَّبْرِ وَعَظِيمِ الْإِثْمِ قَالَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ اللَّهُ أَضْحَكَ وَأَبْكَى قَالَ الشَّافِعِيُّ فَمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ وَذَهَبَتْ إِلَيْهِ أَشْبَهُ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ السُّنَّةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَقَالَ لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِرَجُلٍ فِي ابْنِهِ أَمَا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ وَمَا زِيدَ فِي عَذَابِ كَافِرٍ فَبِاسْتِحْبَابِهِ لَا بِذَنْبِ غَيْرِهِ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَصْحَابُهُ مَا رَوَى عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَالْمُغِيرَةُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ وَرِوَايَتِهَا قَالُوا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُدْفَعَ رِوَايَةُ الْعَدْلِ بِمِثْلِ هَذَا مِنَ الِاعْتِرَاضِ لِأَنَّ مَنْ رَوَى وَسَمِعَ وَأَثْبَتَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ نَفَى وَجَهِلَ قَالُوا وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ النِّيَاحَةِ نَهْيًا مُطْلَقًا وَلَعَنَ النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ وَحَرَّمَ أُجْرَةَ النَّائِحَةِ وَقَالَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ وَمَنْ سَلَقَ وَمَنْ خَرَقَ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ لَيْسَ مِنَّا مَنْ سَلَقَ فَيَتَحَمَّلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا لَطْمُ الْخُدُودِ حَتَّى تَحْمَرَّ وَخَدْشُهَا حَتَّى تَعْلُوَهَا الْحُمْرَةُ وَالدَّمُ عَنْ قَوْلِ الْعَرَبِ سَلَقْتُ الشَّيْءَ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَالْآخَرُ سَلَقَ بِمَعْنَى صَاحَ وَنَاحَ وَأَكْثَرَ الْقَوْلَ وَالْعَوِيلَ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَشِبْهِهَا مِنْ قَوْلِهِمْ سَلَقَهُ بِلِسَانِهِ وَلِسَانٌ مِسْلَقٌ
(17/280)
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرُوهَا فَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النِّيَاحَةِ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حَدَّثَنِي أَبِي قَالَا جَمِيعًا حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَوْسٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ ثَقِيلٌ فَذَهَبَتِ امْرَأَتُهُ لِتَبْكِيَ أَوْ تَهُمَّ بِهِ فَقَالَ لَهَا أَبُو مُوسَى أَمَا سَمِعْتِ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ بَلَى فَسَكَتَتْ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو مُوسَى لَقِيتُ الْمَرْأَةَ فَقُلْتُ
(17/281)
لَهَا فَقَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ وَمَنْ سَلَقَ وَمَنْ خَرَقَ وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زيد الْإِيَامِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ خِلَالٌ مِنْ خِلَالِ الْجَاهِلِيَّةِ الطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالنِّيَاحَةُ وَنَسِيَ الثَّالِثَةَ قَالَ سفيان
(17/282)
يَقُولُونَ إِنَّهَا الِاسْتِسْقَاءُ بِالْأَنْوَاءِ فَذَكَرُوا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَمِثْلَهَا وَقَالُوا قَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النِّيَاحَةِ وَحَرَّمَهَا وَلَعَنَ النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ قَالُوا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجل يأيها الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقَالَ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ فَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُعْلِمَ أَهْلَهُ مَا بِهِمُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَيَأْمُرَهُمْ بِهِ وَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَحِلُّ لَهُمْ وَيُوقِفَهُمْ عَلَيْهِ وَيَمْنَعَهُمْ مِنْهُ وَيُعْلِمَهُمْ ذَلِكَ كله لقول الله عز وجل يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا قَالُوا فَإِذَا عَلِمَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في النِّيَاحَةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَالنَّهْيِ عَنْهَا وَالتَّشْدِيدِ فِيهَا وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ أَهْلَهُ وَنِيحَ عَلَيْهِ بعد ذلك فإنما يعذب بمانيح عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ نَهْيِ أَهْلِهِ عَنْ ذَلِكَ وَأَمْرِهِ إِيَّاهُمْ بِالْكَفِّ عَنْهُ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا يُعَذَّبُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَذَنْبِهِ لَا بِذَنْبِ غَيْرِهِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يُعَارِضُ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَكَانَ مَا رَوَاهُ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَالْمُغِيرَةُ وَغَيْرُهُمْ صَحِيحَ الْمَعْنَى غَيْرَ مَدْفُوعٍ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَقَالَ الْمُزَنِيُّ بَلَغَنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يُوصُونَ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِمْ أَوْ بِالنِّيَاحَةِ أَوْ بِهِمَا وَهِيَ مَعْصِيَةٌ وَمَنْ أَمَرَ بِهَا فَعُمِلَتْ بَعْدَهُ كَانَتْ لَهُ ذَنْبًا فَيَجُوزُ أَنْ يُزَادَ بِذَنْبِهِ عَذَابًا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بذنب غيره
(17/283)
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا الْبُكَاءُ بِغَيْرِ نِيَاحٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ وَكُلُّهُمْ يَكْرَهُونَ النِّيَاحَةَ وَرَفْعَ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ وَالصُّرَاخِ وَالْفَرْقُ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُمْ بَيِّنٌ بَيَّنَ ذَلِكَ مَا مَضَى فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْآثَارِ فِي النِّيَاحَةِ وَلَطْمِ الْخُدُودِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ بَكَى عَلَى ابْنِهِ تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ رَوَاهُ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوِيَ عبد الرحمان بْنُ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ حِينَئِذٍ أَتَبْكِي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنْتَ تَنْهَى عَنِ الْبُكَاءِ فَقَالَ إِنَّمَا نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ صَوْتِ لَهْوٍ وَلَعِبٍ وَمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ عِنْدَ نِعْمَةٍ وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ لَطْمِ وُجُوهٍ وَشِقِّ جُيُوبٍ وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ وَهَذَا رَحْمَةٌ وَمَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ يَا إِبْرَاهِيمُ لَوْلَا أَنَّهُ وَعْدٌ صِدْقٌ وَقَوْلٌ حَقٌّ وَأَنَّ أُخْرَانَا يَلْحَقُ أُوْلَانَا لَحَزِنَّا عَلَيْكَ حُزْنًا أَشَدَّ مِنْ هَذَا وَإِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ عن عبد الرحمان بْنِ عَوْفٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوِيَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ نَحْوَ هَذَا الْمَعْنَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ
(17/284)
ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ أَظُنُّهُ ابْنَ بَعْضِ بَنَاتِهِ أُتِيَ بِهِ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ فَجَعَلَهُ فِي حِجْرِهِ وَدَمِعَتْ عَيْنَاهُ وَفَاضَتْ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ مَا هَذَا فَقَالَ إِنَّهَا رَحْمَةٌ يَضَعُهَا اللَّهُ فِي قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي جِنَازَةٍ فَبَكَتِ امْرَأَةٌ فَصَاحَ بِهَا عُمَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهَا يَا عُمَرُ فَإِنَّ الْعَيْنَ دَامِعَةٌ وَالنَّفْسَ مُصَابَةٌ وَالْعَهْدَ قَرِيبٌ رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَزْرَقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وَفِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّخْصَةَ فِي الْبُكَاءِ إِنَّمَا هِيَ قَبْلَ أَنْ تَفِيضَ النَّفْسُ فَإِذَا فَاضَتْ وَمَاتَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ دَعُوهُنَّ مَا دَامَ عِنْدَهُنَّ فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ وَسَنَذْكُرُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبُكَاءَ غَيْرُ النِّيَاحَةِ وَأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا جَاءَ فِي النِّيَاحَةِ لَا فِي بُكَاءِ الْعَيْنِ وَبِاللَّهِ الْعِصْمَةُ وَالتَّوْفِيقُ لَا شريك له
(17/285)
ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ أَظُنُّهُ ابْنَ بَعْضِ بَنَاتِهِ أُتِيَ بِهِ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ فَجَعَلَهُ فِي حِجْرِهِ وَدَمِعَتْ عَيْنَاهُ وَفَاضَتْ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ مَا هَذَا فَقَالَ إِنَّهَا رَحْمَةٌ يَضَعُهَا اللَّهُ فِي قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي جِنَازَةٍ فَبَكَتِ امْرَأَةٌ فَصَاحَ بِهَا عُمَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهَا يَا عُمَرُ فَإِنَّ الْعَيْنَ دَامِعَةٌ وَالنَّفْسَ مُصَابَةٌ وَالْعَهْدَ قَرِيبٌ رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَزْرَقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وَفِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّخْصَةَ فِي الْبُكَاءِ إِنَّمَا هِيَ قَبْلَ أَنْ تَفِيضَ النَّفْسُ فَإِذَا فَاضَتْ وَمَاتَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ دَعُوهُنَّ مَا دَامَ عِنْدَهُنَّ فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ وَسَنَذْكُرُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبُكَاءَ غَيْرُ النِّيَاحَةِ وَأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا جَاءَ فِي النِّيَاحَةِ لَا فِي بُكَاءِ الْعَيْنِ وَبِاللَّهِ الْعِصْمَةُ وَالتَّوْفِيقُ لَا شَرِيكَ لَهُ
(17/286)
حَدِيثٌ رَابِعَ عَشَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَأَرْمُقَنَّ اللَّيْلَةَ صَلَاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فَتَوَسَّدْتُ عَتَبَتَهُ أَوْ فُسْطَاطَهُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ أَوْتَرَ فَتِلْكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً هَكَذَا قَالَ يَحْيَى فِي الْحَدِيثِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَى هَذَا أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَا عَلِمْتُ وَالَّذِي فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ
(17/287)
مَالِكٍ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ فَأَسْقَطَ يَحْيَى ذِكْرَ الرَّكْعَتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ وَذَلِكَ خَطَأٌ وَاضِحٌ لِأَنَّ الْمَحْفُوظَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْتَتِحُ صَلَاةَ اللَّيْلِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَقَالَ يَحْيَى أَيْضًا طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَغَيْرُهُ بِقَوْلِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ يَحْيَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ (حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسَدٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَكِّيِّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَا حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَأَرْمُقَنَّ اللَّيْلَةَ صَلَاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فَتَوَسَّدَ عَتَبَتَهُ أَوْ فُسْطَاطَهُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ (طَوِيلَتَيْنِ) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَّ قَاسِمَ بْنَ أَصْبَغَ حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
(17/288)
وَقَرَأْتُ أَيْضًا عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ (بْنِ أَحْمَدَ) أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عِيسَى حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَأَرْمُقَنَّ صَلَاةَ رَسُولِ لله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّيْلَةَ قَالَ فَتَوَسَّدْتُ عَتَبَتَهُ أَوْ فُسْطَاطَهُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصى ركتين خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَحْيَى أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ الْخَضِرِ حَدَّثَهُمْ وَقَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَهُمْ قَالَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَأَرْمُقَنَّ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَلَمْ يَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ هَذَا بِهَذَا الْإِسْنَادِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح صلاته
(17/289)
تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ صَلَّاهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَهُمَا عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ إِلَى آخِرِهِ وَأَسْقَطَ يَحْيَى ذِكْرَ الرَّكْعَتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ وَذَلِكَ مِمَّا عُدَّ عَلَى يَحْيَى مِنْ سَقْطِهِ وَغَلَطِهِ وَالْغَلَطُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَفْتَتِحُ صَلَاةَ اللَّيْلِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ مِنْ وُجُوهٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو مرة عن الحسن عن سعد ن هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي افْتَتَحَ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بكر حدثناأبو دَاوُدَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ
(17/290)
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ يَفْتَتِحُ بِهِمَا صَلَاتَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنِ اخْتِلَافِ الآثار ومذاهب أهل الْأَمْصَارِ فِي بَابِ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ وَبَابِ نَافِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَسَيَأْتِي مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا ذِكْرٌ فِي بَابِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
(17/291)
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ يَفْتَتِحُ بِهِمَا صَلَاتَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنِ اخْتِلَافِ الْآثَارِ ومذاهب أهل الْأَمْصَارِ فِي بَابِ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ وَبَابِ نَافِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَسَيَأْتِي مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا ذِكْرٌ فِي بَابِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
(17/292)
حَدِيثٌ خَامِسَ عَشَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا أَوْ يُخْبِرَ بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا هكذا قال يحيى بن مَالِكٍ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدْيِثِ عَنْ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ وَكَذَلِكَ قَالَ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ بن الْقَاسِمِ وَأَبُو مُصْعَبٍ الزُّهْرِيُّ وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ وَمْعَنُ بْنُ عِيسَى وَسَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادِهِ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ إِلَّا أَنَّهُمَا سَمَّيَاهُ قالا عبد الرحمان بْنُ أَبِي عَمْرَةَ
(17/293)
أَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَشُورِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْحُذَافِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عن عبد الرحمان بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يُؤَدِّي شَهَادَتَهُ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا أَوْ يُسْأَلُ عَنْهَا هَكَذَا فِي كِتَابِي فِي هَذَا الْإِسْنَادِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ لَيْسَ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ (وَالصَّوَابُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ) وَقَدْ جَوَّدَ ابْنُ وَهْبٍ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَفْظِهِ وَجَاءَ عَنْ مَالِكٍ بِتَفْسِيرِهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا ابْنُ السَّرْحِ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي بَكْرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ الرحمان بْنَ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته
(17/294)
أو يخبر شهادته قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا شَكَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَيَّهُمَا قَالَ قَالَ مَالِكٌ هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ بِشَهَادَتِهِ وَلَا يُعْلِمُ بِهَا الَّذِي هِيَ لَهُ زَادَ الْهَمْدَانِيُّ وَيَرْفَعُهَا إِلَى السُّلْطَانِ قَالَ ابْنُ السَّرْحِ أَوْ يَأْتِي بِهَا إِلَى الْإِمَامِ وَاللَّفْظُ لِحَدِيثِ الْهَمْدَانِيِّ وَقَالَ ابْنُ السَّرْحِ ابن أبي عمرة ولم يقل عبد الرحمان قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَالتَّفْسِيرُ مِنْ قِبَلِ مَالِكٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مِسْكِينٍ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ أَخْبَرَنَا سَحْنُونٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بشهادته أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها يَشُكُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَيَّتَهُمَا قَالَ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّهُ الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الشَّهَادَةُ فِي الْحَقِّ يَكُونُ لِلرَّجُلِ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ قَبْلُ فَيُخْبِرُ بِشَهَادَتِهِ وَيَرْفَعُهَا إِلَى السُّلْطَانِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَبَلَغَنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ دُعِيَ لِشَهَادَةٍ عِنْدَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ بِهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لَا يعلم
(17/295)
بِهَا صَاحِبُهَا فَلْيُؤَدِّهَا قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهَا فَإِنَّهُ كَانَ يُقَالُ مِنْ أَفْضَلِ الشَّهَادَاتِ شَهَادَةٌ أَدَّاهَا صَاحِبُهَا قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ تَفْسِيرُ مَالِكٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَوْلَى مَا قِيلَ بِهِ فِيهِ وَلَا يَسَعُ الَّذِي عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِغَيْرِهِ أَنْ يَكْتُمَهَا وَلَا أَنْ يَسْكُتَ عَنْهَا إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ حَقَّ الطَّالِبِ يَثْبُتُ أَوْ قَدْ ثَبَتَ بِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ فِي سَعَةٍ وَأَدَاؤُهَا مَعَ ذَلِكَ أَفْضَلُ وَسَوَاءٌ شَهِدَ أَحَدٌ قَبْلَهُ أَوْ مَعَهُ أَوْ لَمْ يَشْهَدْ إِذَا كَانَ الْحَقُّ مَالًا لِأَنَّ الْيَمِينَ فِيهِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ السَّمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَقُلِ الْمَشْهُودُ لَهُ أُشْهِدُكَ عَلَى هَذَا وَلَا قَالَ الْمُشْهُودُ عَلَيْهِ اشْهَدْ عَلَيَّ فَمَنْ سَمِعَ شَيْئًا وَعَلِمَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ وَمِثْلُ هَذَا يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَعْلَمُ بِهَا فَكُلُّ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا (يَجُوزُ أَدَاؤُهُ) جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ لِقَوْلِهِ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ وقوله والذين هم بشهادتهم قائمون
(17/296)
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظُهُورَ شَهَادَةِ الزُّورِ وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ عَائِبًا لِذَلِكَ وَمُوَبِّخًا عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ كِتْمَانُ شَهَادَةِ الْحَقِّ عَيْبًا وَحَرَامًا فَالْبِدَارُ إِلَى الْإِخْبَارِ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهَا فِيهِ الْفَضْلُ الْجَسِيمُ وَالْأَجْرُ الْعَظِيمُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وعبد العزيز بن عبد الرحمان قَالُوا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا سَيَّارُ أَبُو الْحَكَمِ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إن بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ التَّسْلِيمَ عَلَى الْخَاصَّةِ وَفُشُوَّ التِّجَارَةِ حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ وَقَطْعَ الْأَرْحَامِ وَفُشُوَّ الْقَلَمِ وَظُهُورَ شَهَادَةِ الزُّورِ وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَفُشُوَّ الْقَلَمِ فَإِنَّهُ أراد ظهور الكتاب وكثرةالكتاب رَوَى الْمُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَفِيضَ الْمَالُ وَيَظْهَرَ الْقَلَمُ وَيَكْثُرَ التُّجَّارُ قَالَ الْحَسَنُ لَقَدْ أَتَى عَلَيْنَا زَمَانٌ إِنَّمَا يُقَالُ
(17/297)
تَاجِرُ بَنِي فُلَانٍ وَكَاتِبُ بَنِي فُلَانٍ مَا يَكُونُ فِي الْحَيِّ إِلَّا التَّاجِرُ الْوَاحِدُ وَالْكَاتِبُ الْوَاحِدُ قَالَ الْحَسَنُ وَاللَّهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَأْتِي الْحَيَّ الْعَظِيمَ فَمَا يَجِدُ بِهِ كَاتِبًا وَقَدْ رَوَى ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ هُمُ الَّذِينَ يَبْدُرُونَ بِشَهَادَتِهِمْ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوا عَنْهَا هَكَذَا قَالَ فِي إِسْنَادِهِ لَمْ يَذْكُرْ أَبَا عَمْرَةَ وَلَا ابْنَ أَبِي عَمْرَةَ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ إِدْرِيسَ وَرَوَاهُ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خالد فأفسد إسناده وأما لفظه فل يَخْتَلِفْ فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ لِأَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ فِعْلُ خَيْرٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ بَدَرَ إِلَى فِعْلِ الْخَيْرِ حُمِدَ لَهُ ذَلِكَ وَمُدِحَ لَهُ وَفُضِّلَ وَاللَّهُ يُوَفِّقُ مَنْ يَشَاءُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ الْعِرَاقِيِّينَ حَدِيثٌ يُعَارِضُ ظَاهِرَ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ يَسَافٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ قَالَ
(17/298)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يلونهم ثم يجيء قوم يتسمنون ويحيون يُعْطُونَ الشَّهَادَةَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوهَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زهير حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ عِمْرَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِنَحْوِهِ) قَالَ أَبُو عُمَرَ أَدْخَلَ ابْنُ فُضَيْلٍ بَيْنَ الْأَعْمَشِ وَبَيْنَ هِلَالٍ فِي هَذَا الْحَدْيِثِ عَلِيَّ بْنَ مُدْرِكٍ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَمَنْصُورُ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ وَهُو الصَّوَابُ وَهَذَا عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِنَّمَا جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْأَعْمَشِ لِأَنَّهُ كَانَ يُدَلِّسُ أَحْيَانًا وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قِبَلِ حِفْظِ وَكِيعٍ لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ حَافِظًا أَوْ مِنْ قِبَلِ أَبِي خَيْثَمَةَ لِأَنَّ فِيهِ حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ يَسَافٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ لِلْأَعْمَشِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ عَنْ هِلَالٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ رَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ غَيْرَ مَا حَدِيثٍ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدْيِثَ شُعْبَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ
(17/299)
ابن إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ قَالَ قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ فَإِذَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ سِمَانٌ يُعْطُونَ الشَّهَادَةَ وَلَا يُسْأَلُوهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ وَلَيْسَ مِثْلُهُ يُعَارَضُ بِهِ حَدِيثُ مَالِكٍ لِأَنَّهُ مِنْ نَقْلِ ثِقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهَذَا حَدِيثٌ كُوفِيٌّ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَوْ صَحَّ كَانَ مَعْنَاهُ كَمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى مَا فَسَّرَهُ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فَقِيهُ الْكُوفَةِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ قَالَ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَبْدُرُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ كَانُوا يَنْهُونَنَا وَنَحْنُ صِبْيَانٌ عَنِ العهد والشهادات
(17/300)
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَعْنَى هَذَا عِنْدَهُمُ النَّهْيُ عَنْ قَوْلِ الرَّجُلِ أَشْهَدُ بِاللَّهِ وَعَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَالْبِدَارِ إِلَى ذَلِكَ وَإِلَى الْيَمِينِ فِي كُلِّ مَا لَا يَصْلُحُ وَمَا يَصْلُحُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ بَابِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فِي شَيْءٍ وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَيْمَانَ اللِّعَانِ شَهَادَاتٍ فَقَالَ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ وَهَذَا وَاضِحٌ يُغْنِي عَنِ الْإِكْثَارِ فِيهِ وَحَدِيثُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُسْتَعْمَلٌ لَا يَدْفَعُهُ نَظَرٌ وَلَا خَبَرٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَذَكَرَ عَبْدَ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِذَا كَانَ عِنْدَكَ لِأَحَدٍ شَهَادَةٌ فَسَأَلَكَ عَنْهَا فَأَخْبِرْهُ بِهَا وَلَا تَقُلْ لَا أُخْبِرُكَ إِلَّا عِنْدَ الْأَمِيرِ أَخْبِرْهُ بِهَا لَعَلَّهُ أَنْ يَرْجِعَ أَوْ يَرْعَوِي قَالَ وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ خَيْرُ الشُّهَدَاءِ مَنْ أَدَّى شَهَادَتَهُ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ أَبُو عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ وَالِدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ هَذَا اسْمُهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ محصن
(17/301)
حَدِيثٌ سَادِسَ عَشَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صلى عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) إِنَّكَ حُمَيْدٌ مَجِيدٌ اسْتَدَلَّ قَوْمٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ هُمْ أَزْوَاجُهُ وَذُرِّيَّتُهُ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ وَفِي
(17/302)
غَيْرِ مَا حَدِيثٍ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ فَقَالُوا هَذَا يُفَسِّرُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ وَيُبَيِّنُ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ هُمْ أَزْوَاجُهُ وَذُرِّيَّتُهُ (هَكَذَا هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ جَمَاعَةِ رُوَاتِهِ فِيمَا عَلِمْتُ وَرُوِيَ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ وَذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فِيهِ غَرِيبٌ إِنْ صَحَّ) قَالُوا فَجَائِزٌ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِكُلِّ مَنْ كَانَ مِنْ أَزْوَاجِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ إِذَا وَجَّهَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ إِذَا غَابَ عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِمْ قَالُوا وَالْآلُ وَالْأَهْلُ سَوَاءٌ وَأَهْلُ الرَّجُلِ وَآلُهُ سَوَاءٌ وَهُمُ الْأَزْوَاجُ وَالذُّرِّيَّةُ بِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْأَهْلُ مَعْلُومٌ وَالْآلُ الْأَتْبَاعُ وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ قَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي بَابِ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ خُصَّ بِذَلِكَ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَالُوا وَإِذَا ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ
(17/303)
مِنْ أُمَّتِهِ انْبَغَى لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ لِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَرَاحَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ مَنْ تَرَاحَمَ عَلَيَّ وَلَا مَنْ دَعَا لِي وَإِنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ ها هنا مَعْنَاهَا الرَّحْمَةُ فَكَأَنَّهُ خُصَّ بِهَذَا اللَّفْظِ تَعْظِيمًا لَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ اللَّهَ وملائكته يصلون على النبي يأيها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يَتَرَاحَمُونَ عَلَى النَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا لِيَخُصَّهُ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أعلم واحتج قائلوا هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ لَا يُصَلَّى عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقِفُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ وَيَدْعُو لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَقَدْ رُوِيَ فِي خَبَرِهِ هَذَا أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالْأَوَّلُ عِنْدَ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَثْبَتُ عَنْهُ وَقَالَ آخَرُونَ جَائِزٌ أَنْ يُصَلَّى عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالُوا آلُ مُحَمَّدٍ أتباعه
(17/304)
وَشِيعَتُهُ وَأَهْلُ دِينِهِ هُمْ آلُهُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ قَالُوا وَمَعْلُومٌ أَنَّ آل فرعوه أَتْبَاعُهُ عَلَى دِينِهِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى حَدَّثَنَاهُ سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ الْمَدَائِنِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ) فَقَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى قَالُوا فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ جَائِزَةٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَأَسِّيًا بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَمْتَثِلُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عليهم إن صلواتك سَكَنٌ لَهُمْ قَالُوا وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّلَاةَ هَاهُنَا الرَّحْمَةُ وَالتَّرَاحُمُ فَغَيْرُ نَكِيرٍ أَنْ يَجُوزَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِدَلِيلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
(17/305)
قَالَ أَبُو عُمَرَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا قَدْ قَالَهُ الْعُلَمَاءُ فِيمَا وَصَفْنَا وَبِاللَّهِ تَوْفِيقُنَا (وَقَدْ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَاكِرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو نَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ نُبِيحٍ الْعَنَزِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَتَانِي النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي لَا تَسْأَلِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَقَالَتْ يَخْرُجُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِنَا وَلَا نَسْأَلُهُ شَيْئًا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلِّ عَلَى زَوْجِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى زَوْجِكِ) وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَيْفِيَّةِ وُجُوبِهَا وَمَوْضِعُ ذَلِكَ فَقَدْ مَضَى فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا فِي بَابِ نُعَيْمٍ الْمُجَمَّرِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
(17/306)
حَدِيثٌ سَابِعَ عَشَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ (عَنْ أَبِيهِ) أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ بِنْتَ مِلْحَانَ اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحاضت أو ولدت بعدما أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَتْ هَكَذَا هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ جَمَاعَةِ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَا عَلِمْتُ وَلَا أَحْفَظُهُ عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَأَعْرِفُهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ وَهَذَا أَيْضًا مُنْقَطِعٌ وَالْمَحْفُوظُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قِصَّةُ صَفِيَّةَ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ صَفِيَّةَ مُتَوَاتِرُ الطُّرُقِ عَنْ عائشة
(17/307)
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ فَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حدثنا أحمد بن شعيب أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَعُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ قَالَتْ عَائِشَةُ فَذَكَرْتُ حَيْضَتَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَفَاضَتْ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْتَنْفِرْ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ عَنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ بِمَعْنَاهُ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي حَدَّثَنِي جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هُرْمُزَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ وَحَاضَتْ صَفِيَّةُ فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا ما
(17/308)
يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا حَائِضٌ فَقَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ اخْرُجُوا وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ صَفِيَّةَ حَاضَتْ الْحَدِيثَ وَالصَّوَابُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَبِهِ التَّوْفِيقُ
(17/309)
حَدِيثٌ ثَامِنَ عَشَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ قَالَتْ زَيْنَبُ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ فَدَهَنَتْ بِهِ جَارِيَةً ثُمَّ مَسَحَتْ بِعَارِضَيْهَا ثم قالت والله مالي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تَحُدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا قَالَتْ زَيْنَبُ (ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ) بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ ثُمَّ قَالَتْ وَاللَّهِ مالي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(17/310)
يَقُولُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تَحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا قَالَتْ زَيْنَبُ وَسَمِعْتُ أُمِّي أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا أَفَتُكَحِّلُهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا ثُمَّ قَالَ إنما هي أربعة أشهر وعشرا وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ (قَالَ حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ) فَقَالَتْ زَيْنَبُ كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا وَلَا شَيْئًا حَتَّى تَمُرَّ بها سنة ثم تؤتى بدابة حمارا أَوْ شَاةٍ أَوْ طَائِرٍ فَتَفْتَضُّ بِهِ فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلَّا مَاتَ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعْرَةً فَتَرْمِي بِهَا ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ الْحِفْشُ الْبَيْتُ الرَّدِيءُ وَتَفْتَضُّ تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا كالنشرة
(17/311)
قَالَ أَبُو عُمَرَ حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ هَذَا هُوَ أَبُو أَفْلَحَ بْنُ حُمَيْدٍ وَهُوَ مَوْلَى صَفْوَانَ بْنِ خَالِدٍ وَيُقَالُ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ الأنصاري يقال إنه حميد صفيرا رَوَى عَنْ أَبِي أَيُّوبَ وَحَجَّ مَعَهُ وَرَوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ خَبَرِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ وَلَمْ يَسْمَعْ مَالِكٌ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا الثَّوْرِيُّ وَهُمَا يَرْوِيَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْهُ وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ وَغَيْرَهُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ عِيسَى قِرَاءَةً مِنِّي عَلَيْهِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ حُبَابَةَ حَدَّثَهُمْ بِبَغْدَادَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَ شُعْبَةُ سَأَلْتُ عَاصِمًا عَنِ الْمَرْأَةِ تَحِدُّ فَقَالَ قَالَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ كَتَبَ حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ إِلَى حُمَيْدٍ الْحِمْيَرِيِّ فَذَكَرَ حَدِيثَ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ شُعْبَةُ فَقُلْتُ لِعَاصِمٍ أَنَا قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ قَالَ أَنْتَ قُلْتُ نَعَمْ وَهُوَ ذَاكَ حَيٌّ قَالَ شُعْبَةُ وَكَانَ عَاصِمٌ يَرَى أَنَّهُ قَدْ مَاتَ مُنْذُ مِائَةِ سَنَةٍ
(17/312)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَ شُعْبَةُ سَأَلْتُ عَاصِمًا الْأَحْوَلَ عَنِ الْمَرْأَةِ تَحِدُّ فَقَالَ قَالَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ كَتَبَ حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ إِلَى حُمَيْدٍ الْحِمْيَرِيِّ فَذَكَرَ حَدِيثَ زَيْنَبَ بِنْتِ سَلَمَةَ قَالَ شُعْبَةُ قُلْتُ لِعَاصِمٍ قَدْ سَمِعْتُهُ أَنَا مِنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ قَالَ أَنْتَ قُلْتُ نَعَمْ وَهُوَ ذَاكَ حَيٌّ قَالَ شُعْبَةُ وَكَانَ عَاصِمٌ يَرَى أَنَّهُ قَدْ مَاتَ مُنْذُ مِائَةِ سَنَةٍ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حَبَابَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ) تُحَدِّثُ عَنْ أُمِّهَا أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَرَمِدَتْ عَيْنُهَا فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي الْكُحْلِ فَقَالَ لَا وَقَالَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا قَالَ الْبَغَوِيُّ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ شُعْبَةَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ وَأَبُو النَّضِرِ فَزَادُوا فِيهِ كَلَامًا لَيْسَ فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ حَدَّثَنَاهُ جَدِّي قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ وَحَدَّثَنَا خَلَّادٌ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَحَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ يَعْقُوبَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنِي قَالَ سَمِعْتُ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ تُحَدِّثُ عَنْ أُمِّهَا أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَاشْتَكَتْ عَيْنَهَا وَخَشَوْا
(17/313)
عَلَى عَيْنِهَا فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ فِي شَرِّ أَحْلَاسِهَا فِي بَيْتِهَا إِلَى الْحَوْلِ فَإِذَا كَانَ الْحَوْلُ فَمَرَّ كَلْبٌ رَمَتْهُ بِبَعْرَةٍ ثُمَّ خَرَجَتْ فَلَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا قَالَ الْبَغَوِيُّ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ وَزَادَ فِيهِ أُمَّ حَبِيبَةَ حَدَّثَنَاهُ جَدِّي وَيَعْقُوبُ قَالَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَحَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ تُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ تذكران أن امرأة أتت رسول اله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ أَنَّ ابْنَةً لَهَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَاشْتَكَتْ عَيْنَهَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ وَحَدَّثَنِي جَدِّي حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أَنَّ نَسِيبًا لَهَا أَوْ حَمِيمًا تُوُفِّيَ وَأَنَّهَا دَعَتْ بِصُفْرَةٍ فَمَسَحَتْ يَدَيْهَا وَقَالَتْ إِنَّمَا أَصْنَعُ هَذَا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَحُدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ قَالَ وَحَدَّثَنِيهِ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَزَادَ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا قَالَ الْبَغَوِيُّ وَأَخْبَرَنَا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ فَذَكَرَ الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ وَزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَأُمِّ سلمة سواء
(17/314)
قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا صُفْرَةُ الْخَلُوقِ فَمَعْرُوفَةٌ وأما الإحداد فترك المرأة الزينة كُلِّهَا عِنْدَ زَوْجِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا يُقَالُ لَهَا حِينَئِذٍ امْرَأَةٌ حَادٌّ وَمُحِدٌّ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَحَدَّتِ الْمَرْأَةُ تُحِدُّ وَحَدَّتْ تَحِدُّ فَهِيَ مُحَادٌّ وَحَادٌّ إِذَا تَرَكَتِ الزِّينَةَ لِمَوْتِ زَوْجِهَا هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الْخَلِيلِ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا الْإِحْدَادُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فَالِامْتِنَاعُ مِنَ الطِّيبِ وَالزِّينَةِ بِالثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ وَمَا كَانَ مِنَ الزِّينَةِ كُلِّهَا الدَّاعِيَةِ إِلَى الْأَزْوَاجِ وَجُمْلَةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُحِدَّ لَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلى أَنْ يُصْبَغَ بِسَوَادٍ وَتَلْبَسُ الْبَيَاضَ كُلَّهُ رَقِيقَهُ وَغَلِيظَهُ وَلَا تَلْبَسُ رَقِيقَ ثِيَابِ الْيَمَنِ وَتَلْبَسُ غَلِيظَهَا إِنْ شَاءَتْ وَتَلْبَسُ الْكَتَّانَ كُلَّهُ رَقِيقَهُ وَغَلِيظَهُ مَا لَمْ يَكُنْ مَصْبُوغًا وَكَذَلِكَ الْقُطْنُ وَلَا تَلْبَسُ خَزًّا وَلَا حَرِيرًا وَلَا تَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ وَلَا مِنْ فِضَّةٍ وَلَا مِنْ حَدِيدٍ أَيْضًا وَلَا حُلِيًّا وَلَا قُرْطًا وَلَا خَلْخَالًا وَلَا سِوَارًا وَلَا تَمَسُّ طِيبًا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَلَا تُحَنِّطُ مَيِّتًا وَلَا تَدْهُنُ بِزِئْبَقٍ وَلَا خِيرِيٍّ وَلَا بَنَفْسَجٍ وَلَا بِأْسَ أَنْ تَدْهُنَ بِالشَّيْرَقِ وَالزَّيْتِ وَلَا تَخْتَضِبُ بِحِنَّاءٍ وَلَا كَتَمٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَمْتَشِطَ بِالسِّدْرِ وَمَا لَا يَخْتَمِرُ فِي رَأْسِهَا وَلَا تَكْتَحِلُ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ فَإِنْ كَانَتْ ضَرُورَةٌ فَقَدْ أَرْخَصَ لَهَا مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الْكُحْلِ تَجْعَلُهُ بِاللَّيْلِ وَتَمْسَحُهُ بِالنَّهَارِ وَمِنْ قَوْلِ مَالِكٍ والشافعي
(17/315)
إِنَّ الْإِحْدَادَ عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً أَمَةً كَانَتْ أَوْ حُرَّةً مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ ذِمِّيَّةً وَكَذَلِكَ الْمُكَاتِبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ إِذَا كَانَتْ زَوْجَةً وَكَذَلِكَ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ الْإِحْدَادُ عَلَيْهَا عِنْدَهُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْإِحْدَادُ عَلَى الْكِتَابِيَّةِ فِي زَوْجِهَا الْمُسْلِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لَا إِحْدَادَ عَلَى الذِّمِّيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحُدَّ عَلَى مَيِّتٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ حُرْمَةُ الْمُسْلِمِ الَّذِي تَعْتَدُّ مِنْ مَائِهِ وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِذِكْرِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لِأَنَّ الْخِطَابَ إِلَى مَنْ هَذِهِ حَالُهُ كَانَ يَتَوَجَّهُ فَدَخَلَ الْمُؤْمِنَاتُ فِي ذَلِكَ بِالذِّكْرِ وَدَخَلَ غَيْرُ الْمُؤْمِنَاتِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا كَمَا يُقَالُ هَذَا طَرِيقُ الْمُسْلِمِينَ وَيَدْخُلُ فِي مَعْنَاهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ يَعْنِي الْمُسْلِمَ فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الذِّمِّيُّ بِالْمَعْنَى وَقَدْ أَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ لِلْمُسْلِمِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ كَمَا تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ إِلَى أَشْيَاءَ يَطُولُ ذِكْرُهَا مِنْ هَذَا الْبَابِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الزَّوْجَةَ الذِّمِّيَّةَ فِي النَّفَقَةِ وَالْعِدَّةِ وَجَمِيعِ أَحْكَامِ الزَّوْجَاتِ كَالْمُسْلِمَةِ وَكَذَلِكَ الْإِحْدَادُ
(17/316)
أَلَا تَرَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلزَّوْجِ الْمَيِّتِ مِنْ أَجْلِ مَا يَلْحَقُهُ مِنَ النَّسَبِ فَأَشْبَهَ الْحُكَمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الْمَبْتُوتَةَ وَغَيْرَهَا لَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ لَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا عِنْدَ وَفَاةِ سَيِّدِهَا وَإِنَّمَا الْإِحْدَادُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْإِحْدَادُ فِي الْبَدَنِ وَهُوَ تَرْكُ زِينَةِ الْبَدَنِ وَذَلِكَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْبَدَنِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهِ بِزِينَةٍ مِنْ ثِيَابٍ يُتَزَيَّنُ بِهَا وَطِيبٍ يَظْهَرُ عَلَى الْمَرْأَةِ فَيَدْعُوهَا إِلَى شَهْوَتِهَا فَمِنْ ذَلِكَ الدُّهْنُ كُلُّهُ فِي الرَّأْسِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَدْهَانَ كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي تَرْجِيلِ الشَّعَرِ وَإِذْهَابِ الشَّعَثِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحْرِمَ يَفْتَدِي إِنْ دَهَنَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِزَيْتٍ لِمَا وَصَفْتُ قَالَ وَكُلُّ كُحْلٍ كَانَ زِينَةً فَلَا خَيْرَ فِيهِ فَأَمَّا الْفَارِسِيُّ وَمَا أَشْبَهَهُ إِذَا احْتَاجَتْ إِلَيْهِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِينَةٍ بَلْ يَزِيدُ الْعَيْنَ مَرَهًا وَقُبْحًا وَمَا اضْطُرَّتْ إِلَيْهِ مِمَّا فِيهِ زِينَةٌ مِنَ الْكُحْلِ اكْتَحَلَتْ بِهِ لَيْلًا وَتَمْسَحُهُ نَهَارًا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ حَادٌّ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَتْ إِنَّمَا هُوَ صَبْرٌ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وامسحيه بالنهار
(17/317)
قَالَ أَبُو عُمَرَ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ بَلَاغَاتِ مَالِكٍ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَنَذْكُرُ مِنْ طُرُقِهِ مَا يَصِحُّ عِنْدَنَا مُتَّصِلًا مُسْنَدًا بِعَوْنِ اللَّهِ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا الْمُرْسَلُ ظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْمُسْنَدِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى مَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَكْتَحِلُ أَصْلًا لِأَنَّهُ اشْتَكَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ عَيْنَهَا فَلَمْ يَأْذَنْ لَهَا مِنَ الْكُحْلِ لَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا لَا مِنْ ضَرُورَةٍ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا وَقَالَ لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَلَمْ يَقُلْ إِلَّا أَنْ تُضْطَرَّ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ كَانَ عَلَى أَنَّهَا اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا وَهَذِهِ ضَرُورَةٌ وَقَدْ حَكَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ ابْنَةِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا اشْتَكَتْ عَيْنَهَا وَهِيَ حَادٌّ عَلَى زَوْجِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَلَمْ تَكْتَحِلْ حَتَّى كَادَتْ عَيْنَاهَا تَرْمَصَانِ وَقَدْ قَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْحَادَّ لَا تَكْتَحِلُ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا صَنَعَتْ صَفِيَّةُ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ الْمُرْسَلُ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهَا وَهِيَ حَادٌّ عَنِ الْكُحْلِ وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ مِنْهَا فَقَالَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ اكْتَحِلِي بِكُحْلِ الْجَلَاءِ بِاللَّيْلِ
(17/318)
وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ (وَهَذَا عِنْدِي وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ مُخَالِفًا لِحَدِيثِ هَذَا الْبَابِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبَاحَتِهِ بِاللَّيْلِ وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ تَرْتِيبَ الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّ الشَّكَاةَ الَّتِي قَالَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا لَمْ تَبْلُغْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْهَا مَبْلَغًا لَا بُدَّ لَهَا فِيهِ مِنَ الْكُحْلِ بقوله ها هنا وَلَوْ كَانَتْ مُحْتَاجَةً إِلَى ذَلِكَ مُضْطَرَّةً تَخَافُ ذَهَابَ بَصَرِهَا لَأَبَاحَ لَهَا ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَمَا صَنَعَ بِالَّتِي قَالَ لَهَا اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ وَالنَّظَرُ يَشْهَدُ لِهَذَا التَّأْوِيلِ لِأَنَّ الضَّرُورَاتِ تَنْقُلُ الْمَحْظُورَ إِلَى حَالِ الْمُبَاحِ فِي الْأُصُولِ وَكَذَلِكَ) جَعَلَ مَالِكٌ فَتْوَى أُمِّ سَلَمَةَ هَذِهِ تَفْسِيرًا لِلْحَدِيثِ الْمُسْنَدِ فِي الْكُحْلِ لِأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ رَوَتْهُ وَمَا كَانَتْ لِتُخَالِفُهُ إِذَا صَحَّ عِنْدَهَا وَهِيَ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَالنَّظَرُ يَشْهَدُ لِذَلِكَ لِأَنَّ الْمُضْطَرَّ إِلَى شَيْءٍ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْمُتَرَفِّهِ الْمُتَزَيِّنِ وَلَيْسَ الدَّوَاءُ وَالتَّدَاوِي مِنَ الزِّينَةِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا نُهِيَتِ الْحَادُّ عَنِ الزِّينَةِ لَا عَنِ التَّدَاوِي وَأُمُّ سَلَمَةَ أَعْلَمُ بِمَا رَوَتْ مَعَ صِحَّتِهِ فِي النَّظَرِ وَعَلَيْهِ أَهْلُ الْفِقْهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ ذَكَرَ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ في المرأة يتوفي عنهها زَوْجُهَا أَنَّهَا إِذَا خَشِيَتْ عَلَى بَصَرِهَا مِنْ رَمَدٍ بِعَيْنِهَا أَوْ شَكْوَى أَصَابَتْهَا أَنَّهَا تَكْتَحِلُ وَتَتَدَاوَى بِالْكُحْلِ وَإِنْ كَانَ
(17/319)
فِيهِ طِيبٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ لِأَنَّ الْمَقْصِدَ إِلَى التَّدَاوِي لَا إِلَى التَّطَيُّبِ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الصَّبِرُ يَصْفَرُّ فَيَكُونُ زِينَةً وَلَيْسَ بِطِيبٍ وَهُوَ كُحْلُ الْجَلَاءِ فَأَذِنَتْ فِيهِ أُمُّ سَلَمَةَ لِلْمَرْأَةِ بِاللَّيْلِ حَيْثُ لَا يُرَى وَتَمْسَحُهُ بِالنَّهَارِ حَيْثُ يُرَى فَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ وَقَالَ فِي الثِّيَابِ زِينَتَانِ إِحْدَاهُمَا جَمَالُ الثِّيَابِ عَلَى اللَّابِسِينَ وَالسَّتْرُ لِلْعَوْرَةِ فَالثِّيَابُ زِينَةٌ لِمَنْ لَبِسَهَا وَإِنَّمَا نُهِيَتِ الْحَادُّ عَنْ زِينَةِ بَدَنِهَا وَلَمْ تُنْهَ عَنْ سَتْرِ عَوْرَتِهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَ الْحَادُّ كُلَّ ثَوْبٍ مِنَ الْبَيَاضِ لِأَنَّ الْبَيَاضَ لَيْسَ بِمُزَيِّنٍ وَكَذَلِكَ الصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَكُلُّ مَا نُسِجَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ صُنْعٌ مِنْ خَزٍّ أَوْ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ صبغ لم يرد به التزين مثل السواد وَمَا صُبِغَ لِيَقْبُحَ أَوْ لِنَفْيِ الْوَسَخِ عَنْهُ فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ زِينَةٍ أَوْ وَشْيٍ فِي ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا تَلْبَسُهُ الْحَادُّ وَذَلِكَ لِكُلِّ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ وَكَبِيرَةٍ وَصَغِيرَةٍ مُسْلِمَةٍ أَوْ ذِمِّيَّةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَلْبَسُ ثَوْبَ عَصْبٍ وَلَا خَزٍّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مصبوغا إذ أَرَادَتْ بِهِ الزِّينَةَ وَإِنْ لَمْ تُرِدْ فَلَيْسَ الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ مِنَ الزِّينَةِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَهُ وَإِذَا اشْتَكَتْ عَيْنَهَا اكْتَحَلَتْ بِالْأَسْوَدِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا لَمْ تَشْتَكِ عَيْنَهَا لَمْ تَكْتَحِلْ وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ الْمُتَوَفَّى
(17/320)
عَنْهَا لَا تَخْتَضِبُ وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَبِيتُ عَنْ بَيْتِهَا وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا قَالَا وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَالْمُطَلَّقَةُ فِي الزِّينَةِ سَوَاءٌ لِلِاحْتِيَاطِ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ نَحْوُ قَوْلِ مَالِكٍ إِلَّا أَنَّهُ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي وُجُوبِ الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي لَا تَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فَمَرَّةً قَالَ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ لِأَنَّهَا كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا فِي أَنَّهُمَا غَيْرُ ذَوَاتَيْ زَوْجٍ وَلَيْسَتْ مِمَّنْ تَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وَمَرَّةً قَالَ لَا يَبِينُ عِنْدِي أَنْ أُوجِبَ عَلَيْهِمَا الْإِحْدَادَ لِأَنَّهُمَا قَدْ تَخْتَلِفَانِ فِي حَالٍ وَإِنِ اجْتَمَعَا فِي غَيْرِهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تَحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِحْدَادَ إِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْتَى وَمِنْ أَجْلِهِمْ لَا عَلَى الْمُطَلَّقَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَجْمَعُوا أَنْ لَا إِحْدَادَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَالْمَبْتُوتَةُ أَشْبَهُ بِهَا مِنْهَا بِالْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْإِحْدَادَ وَاجِبٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إِلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ لَيْسَ الْإِحْدَادُ بِوَاجِبٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا فَالْحِفْشُ الْبَيْتُ الصَّغِيرُ ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ قَالَ الْخَلِيلُ
(17/321)
قَالَ الْحِفْشُ الْبَيْتُ الصَّغِيرُ قَالَ وَالْحِفْشُ أَيْضًا الشَّيْءُ الْبَالِي الْخَلَقُ وَالْحِفْشُ أَيْضًا الْفَرْجُ وَالْحِفْشُ الدُّرْجُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْبَخُورُ كَالْقَارُورَةِ لِلطِّيبِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ قَوْلُهُ تَفْتَضُّ بِهِ قَالَ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ فَتَمْسَحُ عَلَى ظَهْرِهَا بِيَدِهَا وَتُؤْتَى بِبَعْرَةٍ مِنْ بَعْرِ الْغَنَمِ فَتَرْمِي بِهَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهَا ثُمَّ يَكُونُ إِحْلَالًا لَهَا بَعْدَ السَّنَةِ وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ تَفْتَضُّ بِهِ تَتَمَسَّحُ بِهِ وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَى تَمْسَحُ بِهِ تَمُرُّ بِهِ وَقَالَ الْأَخْفَشُ أَصْلُ الِافْتِضَاضِ التَّفَرُّقُ يُقَالُ قَدِ افْتَضَّ الْقَوْمُ عَنْ فُلَانٍ إِذَا تَفَرَّقُوا عَنْهُ وَانْفَضُّوا عَنْهُ أَيْضًا وَكَذَلِكَ انْفَضَّ السَّيْلُ عَنِ الْجَبَلِ وَافْتَضَّ إِذَا انْصَدَعَ فَصَارَ فِرْقَتَيْنِ وَيُقَالُ افْتَضَّ الْجَارِيَةَ وَاقْتَضَّهَا بِالْفَاءِ وَبِالْقَافِ أَيْضًا وَمِنْهُ فَضَضْتُ الْخَاتَمَ إِذَا كَسَرْتُهُ قَالَ فَلَعَلَّ قَوْلَهُ تَفْتَضُّ بِالدَّابَّةِ أَيْ تَنْفَرِجُ بِهَا مِنَ الْغَمِّ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ إِذَا تَمَسَّحَتْ بِهَا قَالَ وَأَجْوَدُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ تَفْتَضُّ تَرْجِعُ إِلَى الْفِضَّةِ فَكَأَنَّهُ يُرِيدُ تَتَمَسَّحُ بتلك الدابة حتى تتنقى مِنْ دَرَنِهَا ذَلِكَ فَتَصِيرَ كَأَنَّهَا فِضَّةٌ لَيْسَ أَنَّ تِلْكَ الدَّابَّةَ تَغْسِلُهَا وَلَكِنَّهَا إِذَا تَمَسَّحَتْ بِذَلِكَ الطَّائِرِ أَوِ الدَّابَّةِ خَرَجَتْ فَاغْتَسَلَتْ وَتَنَظَّفَتْ وَتَطَيَّبَتْ وَلَبِسَتْ ثِيَابَهَا النَّظِيفَةَ وَتَعَرَّضَتْ لِلْأَزْوَاجِ فَتَصِيرُ نَقِيَّةً كَأَنَّهَا الْفِضَّةُ قَالَ هَذَا عِنْدَنَا حَتَّى يَأْتِيَكَ غَيْرُهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا الْخَلِيلُ فَذَكَرَ فِي الِافْتِضَاضِ مَا ذَكَرَ الْأَخْفَشُ وَغَيْرُهُ قَالَ وَالْفَضَضُ مَاءٌ عَذْبٌ تَفْتَضُّهُ وَالْفُضَاضُ مَا كُسِرَ مِنْ عَظْمٍ وَدِرْعٌ فَضْفَاضَةٌ وَالْفَضَضُ وَالْفَضِيضُ الْمُتَفَرِّقُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْحِفْشُ الدُّرْجُ وَجَمْعُهُ أَحْفَاشٌ يُشَبَّهُ بِهِ الْبَيْتُ الصَّغِيرُ
(17/322)
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ فِي شَرِّ أَحْلَاسِهَا فِي بَيْتِهَا إِلَى الْحَوْلِ فَإِذَا كَانَ الْحَوْلُ فَمَرَّ كَلْبٌ رَمَتْهُ بِبَعْرَةٍ ثُمَّ خَرَجَتْ فَلَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِنَّ الْخَلِيلَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْحِلْسُ وَاحِدُ أَحْلَاسِ الْبَيْتِ وَهُوَ كَالْمَسْحِ وَحَلَسْتُ الشَّعَرَ أَحْلِسُهُ حِلْسًا إِذَا غَشِيتُهُ بِحِلْسٍ وَهُوَ مَا وَلِيَ ظَهْرَ الْبَعِيرِ وَرَجُلٌ مُتَحَلِّسٌ إِذَا لَزِمَ الْمَكَانَ وَمُحْلِسٌ أَيْضًا وَأَرْضٌ مُحْلِسَةٌ إِذَا صَارَ النَّبَاتُ عَلَى الْأَرْضِ كَالْحِلْسِ لَهَا وَذَكَرَ فِي الِاسْتِحْلَاسِ وَالْإِحْلَاسِ وُجُوهًا كَثِيرَةً وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَوْلُهُ فَمَرَّ كَلْبٌ رَمَتْهُ بِبَعْرَةٍ بِمَعْنَى أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَعْتَدُّ عَلَى زَوْجِهَا إِذَا مَاتَ عَنْهَا عَامًا لَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا ثُمَّ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ لِتُرِيَ النَّاسَ أَنَّ إِقَامَتَهَا حَوْلًا بَعْدَ زَوْجِهَا أَهْوَنُ عَلَيْهَا مِنْ بَعْرَةٍ يُرْمَى بِهَا كَلْبٌ قَالَ وَقَدْ ذَكَرُوا هَذِهِ الْإِقَامَةَ عَامًا فِي أَشْعَارِهِمْ قَالَ لَبِيَدٌ يَمْدَحُ قَوْمَهُ ... وَهُمْ رَبِيعٌ لِلْمُجَاوِرِ فِيهِمُ ... وَالْمُرَمِّلَاتُ إِذَا تَطَاوَلَ عَامُهَا
(17/323)
وَنَزَلَ بِذَلِكَ الْقُرْآنُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ لَا تَصْبِرُ إِحْدَاكُنَّ هَذَا الْقَدْرَ وَقَدْ كَانَتْ تَصْبِرُ حَوْلًا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(17/324)
حَدِيثٌ تَاسِعَ عَشَرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مُرْسَلٌ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنْ عَطَسَ فَشَمِّتْهُ ثُمَّ إِنْ عَطَسَ فَشَمِّتْهُ ثُمَّ إِنْ عَطَسَ فَشَمِّتْهُ ثُمَّ إِنْ عَطَسَ فَقُلْ إِنَّكَ مَضْنُوكٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ لَا أَدْرِي أَبَعْدَ الثَّلَاثَةِ أَوِ الْأَرْبَعَةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ حَدِيثٌ يَتَّصِلُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ أَخْبَرَنَا إياس بن سلمة
(17/325)
ابن الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَحِمَكَ اللَّهُ ثُمَّ عَطَسَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ هُوَ مَزْكُومٌ هَكَذَا قَالَ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ أَنَّ الثَّانِيَةَ قَالَ لَهُ فِيهَا هُوَ مَزْكُومٌ وَتَابَعَهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنُ عَمَّارٍ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ ثُمَّ عَطَسَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ مَزْكُومٌ وَرَوَاهُ الْقَطَّانُ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ فَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا قَالَهُ فِي الثَّالِثَةِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَمَّتَهُ ثُمَّ عَطَسَ فَشَمَّتَهُ ثُمَّ عَطَسَ فَقَالَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ إِنَّكَ مَزْكُومٌ
(17/326)
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعَدَةَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ شَمِّتْ أَخَاكَ ثَلَاثًا فَمَا زَادَ فَهُوَ زُكَامٌ هَكَذَا أَوْقَفَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَحَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَفَعَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَلَى الشَّكِّ حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ نُصَيْرٍ وَخَلَفُ بْنُ أَحْمَدَ قَالُوا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنِي أَبِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنِ اللَّيْثِ بْنُ سَعْدٍ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِيُّ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ رَفَعَ الْحَدِيثِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يُشَمَّتُ الْمُسْلِمُ إِذَا عَطَسَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِذَا زَادَ فَهُوَ زُكَامٌ وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ ابْنِ عَجْلَانَ هَذَا عَنِ ابْنُ عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(17/327)
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أُمِّهِ حُمَيْدَةَ أَوْ عُبَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ شَمِّتِ الْعَاطِسَ ثَلَاثًا وَإِنْ شِئْتَ بَعْدُ فَشَمِّتْهُ وَإِنْ شِئْتَ فَاتْرُكْهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنْ يَشَمِّتَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَيُقَالُ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ إِنَّهُ مَزْكُومٌ أَوْ هَذَا زُكَامٌ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثِ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ يُشَمَّتُ ثَلَاثًا وَيُقَالُ لَهُ ذَلِكَ فِي الرَّابِعَةِ وَهِيَ زِيَادَةٌ يَجِبُ قَبُولُهَا وَالْقَوْلُ بِهَا أَوْلَى وَبِاللَّهِ تَوْفِيقُنَا وَأَحْسَنُ مَا رُوِيَ فِي كَيْفِيَّةِ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ حَدِيثٌ مِنْ حَدِيثِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحَدِيثٌ آخَرُ مِنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَأَمَّا حَدِيثُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَحَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ فَتْحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى بْنِ حُمَيْدٍ
(17/328)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَإِذَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَإِذَا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بِالَكُمْ وَأَخْبَرَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا بعدالعزيز يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلْيَقُلْ أَخُوهُ وَصَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَيَقُولُ هُوَ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ عَطَسَ عَاطِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ
(17/329)
الْقَوْمُ مَا نَقُولُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُولُوا يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَالَ مَا أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُلْ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ وَأَمَّا حَدِيثُ الْكُوفِيِّينَ فَأَخْبَرَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ قَالَ كَانَ سَالِمُ بْنُ عُبَيْدٍ جَالِسًا فَعَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ ثُمَّ قَالَ لَعَلَّكَ وَجَدْتَ مِمَّا قُلْتُ لَكَ قَالَ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ لَمْ تَذْكُرْ أُمِّي بِخَيْرٍ وَلَا بِشَرٍّ قَالَ إِنَّمَا قُلْتُ لَكَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ ثُمَّ قَالَ إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ قَالَ فَذَكَرَ بَعْضَ الْمَحَامِدِ وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَلْيَرُدَّ يَعْنِي عَلَيْهِمْ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ حدثنا
(17/330)
أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ رَجُلٍ فِيهِمْ عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمِّكَ ثُمَّ قَالَ إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَوِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَلْيَرُدَّ عَلَيْهِ يَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ وَرْقَاءَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْفَجَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلْيُقَلْ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَلْيَقُلْ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ
(17/331)
قَالَ أَبُو عُمَرَ عَلَى هَذَا النَّاسُ فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ قَوْلُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ رَدِّهِ فَقَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ أَوْ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَيُّ ذَلِكَ قَالَ فَحَسُنٌ وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُولُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا يَقُولُ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ شَيْءٌ قَالَتْهُ الْخَوَارِجُ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَغْفِرُونَ لِلنَّاسِ وَاخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ لِأَنَّهَا أَحْسَنُ مِنْ تَحِيَّتِهِ قَالَ وَحَالُ مَنْ هُدِيَ وَأُصْلِحَ بَالُهُ فَوْقَ الْمَغْفُورِ لَهُ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ مِثْلَهُ وَأَمَّا تَشْمِيتُ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَفِيهِ حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ الدَّيْلَمِ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَكِيمِ بْنِ الدَّيْلَمِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(17/332)
رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ فَكَانَ يَقُولُ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ انْفَرَدَ بِهِ حَكِيمُ بْنُ الدَّيْلَمِ وَهُوَ عِنْدَهُمْ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ وَأَمَّا الْعَاطِسُ إِذَا لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلَا يَجِبُ تَشْمِيتُهُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الْمَعْنَى قَالَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ عَطَسَ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَتَرَكَ الْآخَرَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلَانِ عَطَسَا فَشَمَّتَّ أَحَدَهُمَا قال أحمد أو فشمت أَحَدَهُمَا وَتَرَكْتَ الْآخَرَ فَقَالَ إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ وَإِنَّ هَذَا لَمْ يَحْمَدِ اللَّهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ وَسَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ حدثنا أب خَيْثَمَةَ مُصْعَبُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ عَطَسَ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الْآخَرَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ شَمَّتَّ هَذَا وَلَمْ تُشَمِّتْ هَذَا قَالَ لِأَنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ وَهَذَا لَمْ يحمده
(17/333)
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ وَسَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ عاصم بن كليب عن أبي بردة عن أَبِي مُوسَى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ وَإِذَا لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ شَمَّتَ وَسَمَّتَ لُغَتَانِ معروفتان عند أهل العلم لايختلفون فِي ذَلِكَ قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ التَّسْمِيتُ لُغَةٌ فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَرُوِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَعْنَى التَّشْمِيتِ وَالتَّسْمِيتِ فَقَالَ أَمَّا التَّشْمِيتُ فَمَعْنَاهُ أَبْعَدَ اللَّهُ عَنْكَ الشَّمَاتَةَ وَجَنَّبَكَ مَا يُشْمَتُ بِهِ عَلَيْكَ وَأَمَّا التَّسْمِيتُ فَمَعْنَاهُ جَعَلَكَ اللَّهُ عَلَى سَمْتٍ حَسَنٍ وَنَحْوِ هَذَا قَالَ أَبُو عُمَرَ وَهَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا يَنْوِيهِ الدَّاعِي لَهُ بِصَلَاحِ الْحَالِ وَالْغُفْرَانِ وَالرَّحْمَةِ عَلَى مَا جَاءَ فِي سُنَّةِ التَّشْمِيتِ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَمِنْ أَدَبِ الْعُطَاسِ أَنْ يَضَعَ الْعَاطِسُ يَدَهُ عَلَى فِيهِ وَيَخْفِضَ بِالْعَطْسَةِ صَوْتَهُ وَيَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ
(17/334)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُضَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مِقْلَاصٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي إِدْرِيسُ بْنُ يَحْيَى الْخَوْلَانِيُّ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ ابْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ كَفَّهُ عَلَى وَجْهِهِ وَلْيَخْفِضْ صَوْتَهُ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ بِهَا صَوْتَهُ شَكَّ يَحْيَى وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ نَدْبٌ لَا إِيجَابٌ وَأَوْجَبَهُ آخَرُونَ عَلَى الْكِفَايَةِ كَرَدِّ السَّلَامِ سَوَاءً وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي رَدِّ السَّلَامِ فِي بَابِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ ذَلِكَ
(17/335)
وَاجِبٌ مُتَعَيِّنٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُفْيَانَ وَخُشَيْشُ بْنُ أَصْرَمَ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ رَدُّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى مَا يَجِبُ مِنَ الْفُرُوضِ عَلَى الْكِفَايَةِ فِي صَدْرِ كِتَابِنَا كِتَابِ جَامِعِ بَيَانِ الْعِلْمِ وَفَضْلِهِ وَمَا يَنْبَغِي فِي رِوَايَتِهِ وَحَمْلِهِ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَلَى إِعَادَتِهِ هَاهُنَا حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَدَّادِ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى السِّجْزِيُّ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ
(17/336)
عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فَارْدُدْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا وَأَمَّا تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ فِي الْخُطْبَةِ فَسَيَأْتِي فِي بَابِ أَبِي الزِّنَادِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا عِنْدَ ذِكْرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْتَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
(17/337)
حَدِيثٌ مُرْسَلٌ مُوفِي عِشْرِينَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ إِنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي الْعُقُولِ إِنَّ فِي النفس مائة من الإبل وفي الأنف إذ أُوعِيَ جَدْعًا مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَفِي الْجَائِفَةِ مِثْلُهَا وَفِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ وَفِي الرِّجْلِ خَمْسُونَ وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ وَفِي الْمُوَضِّحَةِ خَمْسٌ لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا مِنْ وَجْهٍ صَالِحٍ وَهُوَ كِتَابٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ مَعْرُوفٌ مَا فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرِفَةً تَسْتَغْنِي بِشُهْرَتِهَا
(17/338)
عَنِ الْإِسْنَادِ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ التَّوَاتُرَ فِي مَجِيئِهِ لِتَلَقِّي النَّاسِ لَهُ بِالْقَبُولِ وَالْمَعْرِفَةِ وَقَدْ رَوَى مَعْمَرٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ سَوَاءً فِي الدِّيَاتِ وَزَادَ فِي إِسْنَادِهِ عَنْ جَدِّهِ وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِكَمَالِهِ وَكِتَابُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَمَا فِيهِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إِلَّا قَلِيلًا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَمِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى شُهْرَةِ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَصِحَّتِهِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ وُجِدَ كِتَابٌ عِنْدَ آلِ حَزْمٍ يَذْكُرُونَ أَنَّهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَفِيمَا هُنَالِكَ مِنَ الْأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ فَصَارَ الْقَضَاءُ فِي الْأَصَابِعِ إِلَى عَشْرٍ عَشْرٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَرْوَانَ حَدَّثَنَا أَبُو الطَّيِّبِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْجُرَيْرِيُّ حدثنا حامد بن شعيب البخلي وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
(17/339)
زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمِنْقَرِيُّ قَالُوا حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ الْمِنْقَرِيُّ الْجَزَرِيُّ ثُمَّ اتَّفَقُوا قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ قَالَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ ثُمَّ اتَّفَقُوا بِكِتَابٍ فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَدِمَ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ وَهَذَا نُسْخَتُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شُرَحْبِيلَ بْنِ عبد كلال والحرث بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ وَنُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ قبل ذِي رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ أَمَّا بَعْدُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الصَّدَقَاتِ إِلَى آخِرِهَا وَفِيهِ مَنِ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ إِلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ وَفِي النَّفْسِ الدِّيَةُ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ وَفِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ جَدْعُهُ الدِّيَةُ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي الْمَأْمُومَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي الْمُنْقِلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنَ الْإِبِلِ وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنَ الْأَصَابِعِ مِنَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ وَأَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ
(17/340)
أَلْفُ دِينَارٍ وَذَكَرُوا تَمَامَ الْحَدِيثِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى ثِقَةٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الَّذِي يَرْوِي عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدِيثَ الصَّدَقَاتِ وَالدِّيَاتِ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ شَيْخِي فِي أَصْلِهِ فِي الْمَأْمُومَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَهُوَ خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ وَالْمَحْفُوظُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ أَنَّ فِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثَ الدِّيَةِ لَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ لَهَا الْآمَّةُ وَأَهْلُ الْحِجَازِ الْمَأْمُومَةُ وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْمَأْمُومَةُ فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ كَذَلِكَ نَقَلَ الثِّقَاتُ وَأَمَّا مَا فِي حَدِيثِ مَالِكٍ مِنَ الْفِقْهِ فَقَوْلُهُ فِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ وَهَذَا مَوْضِعٌ فِيهِ تَنَازُعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ فِي دِيَةِ النَّفْسِ إِذَا أُتْلِفَتْ خَطَأً مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ لَا خِلَافَ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهَا كَذَلِكَ وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا وَاخْتَلَفُوا فِي الدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ يُؤْخَذُ فِيهَا الشَّاءُ وَالْبَقَرُ وَالْحُلَلُ أَمْ لَا تَكُونُ إِلَّا
(17/341)
فِي الثَّلَاثَةِ الْأَصْنَافِ الْإِبِلِ وَالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ عَلَى حسبما نُورِدُهُ فِي هَذَا الْبَابِ مُهَذَّبًا مُمَهَّدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ كَانَتِ الدِّيَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ بَعِيرٍ لِكُلِّ بَعِيرٍ أُوقِيَّةٌ فَذَلِكَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ غَلَتِ الْإِبِلُ وَرَخُصَتِ الْوَرِقُ فَجَعَلَهَا عُمَرُ أُوقِيَّةً وَنِصْفًا ثُمَّ غَلَتِ الْإِبِلُ وَرَخُصَتِ الْوَرِقُ فَجَعَلَهَا عُمَرُ أُوقِيَّتَيْنِ فَذَلِكَ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ ثُمَّ لَمْ تَزَلِ الْإِبِلُ تَغْلُو وَيَرْخُصُ الْوَرِقُ حَتَّى جَعَلَهَا عُمَرُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا أَوْ أَلْفَ دِينَارٍ وَمِنَ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ وَمِنَ الشَّاةِ أَلْفَا شَاةٍ وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ عَطَاءٍ قَالَ كَانَتِ الدِّيَةُ الْإِبِلَ حَتَّى كَانَ عُمَرُ فَجَعَلَهَا لَمَّا غَلَتِ الْإِبِلُ عِشْرِينَ وَمِائَةً لِكُلِّ بَعِيرٍ قَالَ قُلْتُ لِعَطَاءٍ فَإِنْ شَاءَ الْقَرَوِيُّ أَعْطَى مِائَةَ نَاقَةٍ أَوْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ أَوْ أَلْفَيْ شَاةٍ وَلَمْ يُعْطِ ذَهَبًا قَالَ نَعَمْ إِنْ شَاءَ أَعْطَى إِبِلًا وَلَمْ يُعْطِ ذَهَبًا هُوَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ (قَالَ) قُلْتُ لِعَطَاءٍ أَيُعْطِي الْقَرَوِيُّ إِنْ شَاءَ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا قَالَ لَا) يَتَعَاقَلُ أَهْلُ الْقُرَى مِنَ الْمَاشِيَةِ غَيْرَ الْإِبِلِ يَقُولُ هُوَ عَقْلُهُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَطَاءٌ وَكَانَ
(17/342)
يُقَالُ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ الْإِبِلُ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ الذَّهَبُ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ الْوَرِقُ وَعَلَى أَهْلِ الْغَنَمِ الْغَنَمُ وَعَلَى أَهْلِ الْبَزِّ الْحُلَلُ قَالَ قُلْتُ لِعَطَاءٍ الْبَدَوِيُّ صَاحِبُ الْبَقَرِ وَالشَّاءِ أَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ إِبِلًا إِنْ شَاءَ وَإِنْ كَرِهَ الْمُتْبَعُ قَالَ مَا أَرَى إِلَّا أَنَّهُ مَا شَاءَ الْمَعْقُولُ لَهُ (هُوَ) حَقُّهُ لَهُ مَاشِيَةُ الْعَاقِلُ مَا كَانَتْ لَا تُصْرَفُ إِلَى غَيْرِهَا إِنْ شَاءَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَأَخْبَرَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ أَجْمَعِينَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَأَهْلِ الْبَادِيَةِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ فَمَنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ إِبِلٌ فَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ الْوَرِقُ وَعَلَى أَهْلِ الْبَقْرِ الْبَقْرُ وَعَلَى أَهْلِ الْغَنَمِ الْغَنَمُ وَعَلَى أَهْلِ الْبَزِّ الْبَزُّ قَالَ يُعْطَوْنَ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كَانَ بِقِيمَةِ الْإِبِلِ مَا كَانَتْ ارْتَفَعَتْ أَوِ انْخَفَضَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَئِذٍ قَالَ طَاوُسٌ وَحَقُّ الْمَعْقُولِ لَهُ الْإِبِلُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِيمُ الْإِبِلَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ عَدْلَهَا مِنَ الْوَرِقِ وَيُقِيمُهَا عَلَى أَثْمَانِ الْإِبِلِ فَإِذَا غَلَتْ رَفَعَ فِي قِيمَتِهَا وَإِذَا هَانَتْ نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا عَلَى أَهْلِ الْقُرَى عَلَى نَحْوِ الثَّمَنِ مَا كَانَ قَالَ وَقَضَى أَبُو بَكْرٍ فِي الدية
(17/343)
على القرى حي كَثُرَ الْمَالُ وَغَلَتِ الْإِبِلُ فَأَقَامَ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ بِسِتِّمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى ثَمَانِمِائَةِ دِينَارٍ وَقَضَى عُمَرُ فِي الدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ إِنِّي أَرَى الزَّمَانَ تَخْتَلِفُ فِيهِ الدِّيَةُ تَخْتَفِضُ مَرَّةً مِنْ قِيمَةِ الْإِبِلِ وَتَرْتَفِعُ مَرَّةً أُخْرَى وَأَرَى الْمَالَ قَدْ كَثُرَ قَالَ وَأَنَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْحُكَّامَ بَعْدِي وَأَنْ يُصَابَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ فَتَهْلِكُ دِيَتُهُ بِالْبَاطِلِ وَأَنْ تَرْتَفِعَ دِيَتُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَتُحْمَلُ عَلَى أَقْوَامٍ مُسْلِمِينَ فَتَجْتَاحُهُمْ فَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى زِيَادَةٌ فِي تَغْلِيظِ عَقْلٍ وَلَا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَلَا فِي الْحُرْمَةِ وَعَلَى أَهْلِ الْقُرَى فِيهِ تَغْلِيظٌ لَا يُزَادُ فِيهِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَعَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ عَلَى أَسْنَانِهَا كَمَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أهل البقر مائتا بقرة وعلى أهل الشَّاءِ أَلْفَا شَاةٍ وَلَمْ أَقْسِمْ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى إِلَّا عَقْلَهُمْ يَكُونُ ذَهَبًا وَوَرِقًا فَيُقَامُ عَلَيْهِمْ وَلَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى عَلَى أَهْلِ الْقُرَى فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ عَقْلًا مُسَمًّى لَا زِيَادَةَ فِيهِ لَاتَّبَعْنَا قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ فِيهِ وَلَكِنَّهُ يُقِيمُهُ عَلَى أَثْمَانِ الْإِبِلِ قَالَ أَبُو عُمَرَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مُرْسَلَةٌ وَفِيهِ أَحَادِيثُ
(17/344)
مُسْنَدَةٌ سَنَذْكُرُهَا بَعْدَ ذِكْرِ أَقَاوِيلِ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ حَجَّةً لَهُمْ وَتَنْبِيهًا عَلَى أُصُولِهِمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنَّمَا مَدَارُ هَذَا الْبَابِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ فِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ وَعَلَى مَا قَضَى بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالشَّاءِ وَالْبَقَرِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ عَلَى حسبما نَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَمَّا اخْتِلَافُ التَّابِعِينَ فِي هَذَا الْبَابِ فَمُضْطَرِبٌ جِدًّا وَمِنْهُ شُذُوذٌ مُخَالِفٌ لِلْآثَارِ الْمُسْنَدَةِ وَأَمَّا أَقَاوِيلُ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَبَا حَنِيفَةَ وَزُفَرَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الدِّيَةَ مِنَ الْإِبِلِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَا غَيْرَ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا هُمْ وَلَا غَيْرُهُمْ أَنَّ الْإِبِلَ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ وَكَذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الذَّهَبَ أَلْفُ دِينَارٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَرِقِ فَذَهَبَ مَالِكٌ أَنَّ الدِّيَةَ مِنَ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى مَا بَلَغَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَوَّمَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى فَجَعَلَهَا عَلَى أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الذَّهَبِ أَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ مِصْرَ وَأَهْلُ الْوَرِقِ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إِنَّ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَالَ الْمُزَنِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ الدية
(17/345)
الْإِبِلُ فَإِنْ أَعْوَزَتِ الْإِبِلُ فَقِيمَتُهَا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ عَلَى مَا قَوَّمَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَلْفُ دِينَارٍ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَاثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ وَذَكَرَ قَوْلَ عَطَاءٍ كَانَتِ الدِّيَةُ الْإِبِلَ حَتَّى قَوَّمَهَا عُمَرُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْعِلْمُ مُحِيطٌ بِأَنَّهُ لَمْ يُقَوِّمْهَا إِلَّا قِيمَةَ يَوْمِهَا لِلْإِعْوَازِ قَالَ وَلَا تُقَوَّمُ بِغَيْرِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ قَالَ وَلَوْ جَازَ أَنْ تُقَوَّمَ بِغَيْرِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ جَعَلْنَا عَلَى أَهْلِ الْخَيْلِ الْخَيْلَ وَعَلَى أَهْلِ الطَّعَامِ الطَّعَامَ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ قَالَهُ بَعْضُ مَنْ شَذَّ فِي قَوْلِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ وَقَوْلُهُ الْقَدِيمُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ وَرُجُوعُهُ عَنِ الْقَدِيمِ رَغْبَةً عَنْهُ إِلَى الْجَدِيدِ هُوَ أَشْبَهُ بِالسُّنَّةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ حُجَّةُ مَنْ جَعَلَ الدِّيَةَ مِنَ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مَا أَخْبَرَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيُّ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَدِيٍّ قُتِلَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ
(17/346)
عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرَا ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَيْسَ لِمَنْ خَالَفَ هَذَا وَقَالَ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ مِنَ الْوَرِقِ فِي الدِّيَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ لَا مُرْسَلٌ وَلَا مُسْنَدٌ وَأَمَّا الَّذِي جَاءَ عَنْ عُمَرَ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَتِ الدِّيَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِمِائَةِ دِينَارٍ وَثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ يَوْمَئِذٍ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَكَانَ كَذَلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ أَلَا إِنَّ الْإِبِلَ قَدْ غَلَتْ فَفَرَضَهَا عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ قَالَ وَتَرَكَ دِيَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَرْفَعْهَا فِيمَا رَفَعَ مِنَ الدِّيَةِ
(17/347)
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَرَضَ الدِّيَةَ مِنَ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ وَمِنَ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ قَضَى فِي الدِّيَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وروى نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الدِّيَةُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا وَرَوَى هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ قَوَّمَ الْإِبِلَ فِي الدِّيَةِ كُلَّ بَعِيرٍ بَعِيرٍ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَهَذَا مَا فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِلَّا أَنَّ الْآثَارَ عَنْ عُمَرَ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَرِقَ وَالذَّهَبَ إِنَّمَا جَعَلَهَا قِيمَةً لِلْإِبِلِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا أَصْلًا فِي الدِّيَةِ وَمِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ الدِّيَةَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَكَذَلِكَ الْآثَارُ كُلُّهَا عَنِ الصَّحَابَةِ فِي هَذَا الْبَابِ تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَا عَنْ عُمَرَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ الدِّيَةُ مِنَ الْوَرِقِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الشَّعْبِيُّ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ جَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ الشِّيَاهِ أَلْفَ شَاةٍ وَعَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ
(17/348)
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ صِنْفٌ مِنْ أَصْنَافِ الدِّيَةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَالْقِيمَةِ وَكَذَلِكَ يَدُلُّ ظَاهِرُ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ أَنْ يُؤْخَذَ فِي الدِّيَةِ شَيْءٌ إِلَّا الْإِبِلَ أَوِ الذَّهَبَ أَوِ الْوَرِقَ لَا غَيْرَ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ مَالِكٌ لَا يُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ إِلَّا الْإِبِلُ وَلَا مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ إِلَّا الذَّهَبُ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ إِلَّا الْوَرِقُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الدِّيَةُ مِنَ الرِّقَّةِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ وَمِنَ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَعَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةُ بَعِيرٍ وَعَلَى أهل البقر مائتا بقرة وعلى أهل الشاء أَلْفَا شَاةٍ وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ يَمَانِيَةٍ قَالَ وَلَا يُؤْخَذُ فِي الْبَقَرِ إِلَّا الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا وَلَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحُلَلِ إِلَّا الْيَمَانِيَةُ قِيمَةُ كُلِّ حُلَّةٍ خَمْسُونَ دِرْهَمًا فَصَاعِدًا وَمَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ فِي ذَلِكَ كَمَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَذَكَرَهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ يُخَالِفْهُ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَخَالَفَ مَا رَوَاهُ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ (فِي الْبَقَرِ وَالشَّاءِ وَالْحُلَلِ)
(17/349)
قَالَ أَبُو عُمَرَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَطَائِفَةٌ مِنَ التَّابِعِينِ وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ الْمَدَنِيِّينَ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا فِي أَسْنَانِ دِيَةِ الْخَطَأِ إِذَا قُضِيَ بِالدِّيَةِ إِبِلًا فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا دِيَةُ الْخَطَأِ أَخْمَاسًا وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْأَسْنَانِ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُوْنٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسعود وراه الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَغَيْرُهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَرَوَى زَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ خِشْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ مَرْفُوعًا
(17/350)
إِلَّا أَنَّ خِشْفَ بْنَ مَالِكٍ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فَرُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَلَيْسَ فِيهِ عَنْ صَاحِبٍ شَيْءٌ وَلَكِنَّهُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَكَذَلِكَ حَكَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَذَكَرَ مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ أَرْبَاعًا ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ ابْنَةَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ وَكَذَلِكَ رَوَى مَعْمَرٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ أَرْبَاعًا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ مَكَانَ بَنَاتِ لَبُونٍ بَنِي لَبُونٍ وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قضى أن ن قُتِلَ خَطَأً فَدِيَتُهُ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ ثَلَاثُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَثَلَاثُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وعشر ابن لَبُونٍ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى فَذَكَرَهُ وَذَكَرَ مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ مِثْلَ ذلك سواء
(17/351)
قَالَ أَبُو عُمَرَ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ أَخْمَاسًا عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ مِنِ اخْتِلَافِهِمْ فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْعَمْدِ إِذَا قُبِلَتْ وَدِيَةُ الْعُمَدِ الَّذِي لَا قَصَّاصَ فِيهِ أَرْبَاعًا (خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ) وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَالدِّيَاتُ عِنْدَهُ دِيَتَانِ مُخَفَّفَةٌ وَمُغَلَّظَةٌ إِحْدَاهُمَا وَهِيَ الْمُخَفَّفَةُ دِيَةُ الْخَطَأِ أَخْمَاسًا عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ عَنْهُ وَعَنْ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَابْنِ شِهَابٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْأُخْرَى الْمُغَلَّظَةُ فِي الْعَمْدِ الَّذِي لَا قَصَاصَ فِيهِ وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالتَّغْلِيظُ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ سَوَاءٌ وَلَيْسَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ دِيَةٌ تُؤْخَذُ أَرْبَاعًا وَأَمَّا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَالدِّيَاتُ عِنْدَهُمَا ثَلَاثُ دِيَاتٍ دِيَةُ الْخَطَأِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُمَا وَعَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَدِيَةُ الْعَمْدِ الَّذِي لَا قَصَاصَ فِيهِ وَالدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ واتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأبويوسف عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ الْمُغَلَّظَةَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا وَخَالَفَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَقَالَ فِي الْمُغَلَّظَةِ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ خلفة
(17/352)
قَالَ أَبُو عُمَرَ فَالدِّيَاتُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثُ دِيَاتٍ دِيَةُ الْخَطَأِ أَخْمَاسًا وَدِيَةُ الْعَمْدِ الَّذِي لَا قَصَاصَ فِيهِ أَرْبَاعًا وَالدِّيَةُ المغلظة أثلاثا على حسبما ذَكَرْنَا عَنْهُمْ إِلَّا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ خَالَفَهُمْ فِي أَسْنَانِ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ عَلَى حَسَبِ مَا تَرَى وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَهُوَ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ عَنْهُ وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ فِي أَسْنَانِ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوهٍ (وَاخْتَلَفُوا فِيمَا) تُغَلَّظُ فِيهِ الدِّيَةُ فَقَالَ مَالِكٌ الدِّيَةُ تُغَلَّظُ عَلَى الْأَبِ فِي قَتْلِهِ ابْنَهُ وَكَذَلِكَ الْجَدُّ لَا غَيْرَ وَلَا تُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَأَنْكَرَ شِبْهَ الْعَمْدِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ وَالتَّغْلِيظُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي النَّفْسِ وَفِي الْجِرَاحِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ فِي الْجِنْسِ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ زِيَادَةً اعْتِبَارًا بِقِيمَةِ الْإِبِلِ وقال أبوحنيفة وَأَصْحَابُهُ لَا تُغَلَّظُ الدِّيَةُ إِلَّا فِي شِبْهِ الْعَمْدِ قَالُوا وَالتَّغْلِيظُ فِي النَّفْسِ دُونَ الْجِرَاحِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُغَلَّظُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَفِي الْعَمْدِ الَّذِي لَا قَصَاصَ فِيهِ التَّغْلِيظُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ قَالَ وَالتَّغْلِيظُ فِي النَّفْسِ وَالْجِرَاحِ جميعا
(17/353)
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَا شِبْهَ الْعَمْدِ وَمَعْنَاهُ وَمَا لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ مِنَ التَّنَازُعِ وَالْمَعَانِي فِي كِتَابِ الْأَجْوِبَةِ عَنِ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَغْرَبَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ دِيَةُ الْخَطَأِ تَكُونُ أَخْمَاسًا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ وَعَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عِشْرُونَ بنت مخاض وعشرون ابن لبون وعشرون بنت لَبُونٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَتَكُونُ أَيْضًا أَخْمَاسًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ عِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً فَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْحِجَازِيِّينَ وَالْعِرَاقِيِّينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ جَعَلُوا مَكَانَ ابْنِ لَبُونٍ ابْنَ مَخَاضٍ فَافْهَمْ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ مَنْ جَعَلَ فِي الْخَطَأِ مَكَانَ ابْنِ لَبُونٍ ابْنَ مَخَاضٍ أَوْلَى لِأَنَّ بَنِي اللَّبُونِ أَعْلَى مِنْ بَنِي الْمَخَاضِ فَلَا تَثْبُتُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ وَأَيْضًا فَإِنَّ ابْنَ لَبُونٍ بِمَنْزِلَةِ ابْنَةِ مَخَاضٍ فَيَصِيرُ مُوجِبُهُ بمنزلة موجب أربعين بنت مخاض قال أبوعمر (أَسْنَانُ الْإِبِلِ فِي الدِّيَاتِ لَمْ تُؤْخَذْ قِيَاسًا وَلَا نَظَرًا وَإِنَّمَا أُخِذَتِ اتِّبَاعًا وَتَسْلِيمًا وَمَا أُخِذَ مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ
(17/354)
فَلَا مَدْخَلَ فِيهِ لِلنَّظَرِ فَكُلٌّ يَقُولُ بِمَا قَدْ صَحَّ عِنْدَهُ عَنْ سَلَفِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَالَّذِي ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي بَنَاتِ اللَّبُونِ وَبَنَاتِ الْمَخَاضِ وَبَنِي اللَّبُونِ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الْحَرْبِيَّ ذَكَرَ عَنْ أَبِي نَصْرٍ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ لِقَاحُ الْإِبِلِ وَأَنْ تَحْمِلُ سَنَةً وَتُجَمَّ سَنَةً فَإِذَا وَضَعَتِ النَّاقَةُ وَانْقَطَعَ لَبَنُهَا وَحَمَلَتْ لِتَمَامِ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ وَضَعَتْهُ سُمِّيتَ الْمَخَاضَ وَوَلَدُهَا ابْنُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ فَإِذَا أَتَى عَلَى حَمْلِ أُمِّهِ عَشَرَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ الْعُشَرَاءُ وَالْعِشَارُ فَإِذَا وَضَعَتْ لِتَمَامِ سَنَةٍ فَالْوَلَدُ ابْنُ لَبُونٍ وَالْأُنْثَى بِنْتُ لَبُونٍ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ لِأُمِّهِ لَبَنٌ مِنَ الْحَمْلِ الَّذِي كَانَ بَعْدَهُ فَإِذَا مَضَتِ السَّنَةُ وَاسْتَحَقَّتْ أُمُّهُ حَمْلًا آخَرَ فَهُوَ حِقٌّ سَنَةً وَالْأُنْثَى حِقَّةٌ فَإِذَا مَضَتِ الرَّابِعَةُ وَدَخَلَتِ الْخَامِسَةُ فَهُوَ جَذَعٌ وَالْأُنْثَى جَذَعَةٌ وَلَمْ يُلْقِ سِنًّا ثُمَّ هُوَ فِي السَّادِسَةِ ثَنِيٌّ وَالْأُنْثَى ثَنِيَّةٌ فَإِذَا دَخَلَتِ السَّابِعَةُ فَهُوَ رَبَاعٌ وَالْأُنْثَى رَبَاعِيَةٌ فَهَذَا قَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ فِيمَا ذَكَرَ الْحَرْبِيُّ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ أَخْبَرَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَاسِينَ قَالَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِذَا مَضَى الْحَوْلُ فُطِمَ الْفَصِيلُ وَذَلِكَ فِي الرَّبِيعِ وَلَا يُفْطَمُ حَتَّى يَأْكُلَ الْبُقُولَ فَإِذَا كَانَ عَقِبَ الرَّبِيعِ بَعْدَ رَعْيِ السَّعْدَانِ فُطِمَتِ الْفُصْلَانُ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ وَتُلَقَّحُ أُمَّهَاتُهَا حِينَ
(17/355)
تُفْطَمُ فَهِيَ حِينَئِذٍ بَنَاتُ مَخَاضٍ إِلَى أَنْ تَنْتِجَ أُمَّهَاتُهَا فِي رَأْسِ الْعَامَيْنِ مِنْ تَمَامِ حَوْلَيْنِ وَهِيَ إِلَى أَنْ تَمْضِيَ الْحَوْلَانِ بَنُو مَخَاضٍ فَإِذَا نَتَجَتْ أُمَّهَاتُهَا فِي رَأْسِ الْحَوْلِ مِنَ الْعَامِ الثَّانِي بَعْدَ مَا يَتِمُّ لِبَنَاتِ الْمَخَاضِ حَوْلَانِ مِنَ النِّتَاجِ فَهِيَ بَنَاتُ لَبُونٍ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ الْعَامَ الثَّالِثَ فَإِذَا كَانَ رَأْسُ ثَلَاثِ سِنِينَ لُقِّحَتْ أُمَّهَاتُهَا أَوْ لَمْ تُلَقَّحْ فَهِيَ حِقَاقٌ الذَّكَرُ حِقٌّ وَالْأُنْثَى حِقَّةٌ فَهِيَ كَذَلِكَ حِقَاقٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ أَرْبَعَ سِنِينَ فَإِذَا كَانَ رَأْسُ أَرْبَعِ سِنِينَ نَتَجَتْ أُمَّهَاتِهَا أَوْ لَمْ تَنْتِجْ فَهِيَ جِذَاعٌ وَجَذَعٌ وَجُذْعَانُ الذَّكَرُ جذع والنثى جَذَعَةٌ وَهِيَ كَذَلِكَ جِذَاعٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ خَمْسَ سِنِينَ وَإِذَا كَانَ رَأْسُ الْخَمْسِ سِنِينَ فَهِيَ الثَّنِيُّ وَالثِّنْيَانُ جَمْعُ الذُّكُورِ مِنْهَا وَالذَّكَرُ الْوَاحِدُ ثَنِيٌّ وَالْأُنْثَى ثَنِيَّةٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ سِتَّ سِنِينَ فَإِذَا كَانَ رَأْسُ سِتِّ سِنِينَ فَهِيَ رُبَعٌ الذَّكَرُ رَبَاعٌ وَالْأُنْثَى رَبَاعِيَةٌ فَهِيَ كَذَلِكَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ سَبْعَ سِنِينَ فَإِذَا كَانَ رَأْسُ سَبْعِ سِنِينَ فَهِيَ سُدُسٌ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ سَدِيسٌ وَسُدُسٌ فَهِيَ كَذَلِكَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ ثَمَانِيَ سِنِينَ فَإِذَا كَانَ رَأْسُ ثَمَانِي سِنِينَ فَهِيَ بُزْلٌ وَبُزُلٌ الذَّكَرُ بَازِلٌ وَالْأُنْثَى بَزُولٌ إِلَى تِسْعِ سِنِينَ وَيُقَالُ أَوَّلُ مَا يَخْرُجُ بَازِلُهُ وَهُوَ نَابُهُ فَطَرَ نَابُهُ ثُمَّ يَكُونُ مُخْلِفَ عَامٍ وَمُخْلِفَ عَامَيْنِ وَمُخْلِفَ ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ وَمُخْلِفَ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ وَمُخْلِفَ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ فَإِذَا جَاوَزَ خَمْسَةَ أَعْوَامٍ بِبَزْلِهِ فَهُوَ عُودٌ
(17/356)
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ إِذَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ فَهُوَ حِقٌّ وَالْأُنْثَى حِقَّةٌ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا وَاسْتَحَقَّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ وَيُرْكَبَ فَإِذَا دَخَلَ فِي الْخَامِسَةِ فَهُوَ جَذَعٌ وَجَذَعَةٌ فَإِذَا دَخَلَ فِي السَّادِسَةِ وَأَلْقَى ثَنِيَّتَهُ فَهُوَ ثَنِيٌّ فَإِذَا دَخَلَ فِي السَّابِعِ فَهُوَ رَبَاعٌ وَرَبَاعِيَةٌ فَإِذَا دَخَلَ فِي الثَّامِنَةِ فَأَلْقَى السِّنَّ الَّذِي بَعْدَ الرَّبَاعِيَةِ فَهُوَ سَدِيسٌ وَسُدُسٌ فَإِذَا دَخَلَ فِي التَّاسِعَةِ فَطَرَ نَابُهُ وَطَلَعَ فَهُوَ بَازِلٌ فَإِذَا دخل في العشار فَهُوَ مُخْلِفٌ ثُمَّ لَيْسَ لَهُ اسْمٌ وَلَكِنْ يُقَالُ بَازِلُ عَامٍ وَبَازِلُ عَامَيْنِ وَمُخْلِفُ عَامٍ وَمُخْلِفُ عَامَيْنِ إِلَى مَا زَادَتْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَإِذَا لُقِّحَتِ النَّاقَةُ فَهِيَ خَلِفَةٌ فَلَا تَزَالُ خَلِفَةً إِلَى عَشَرَةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا بَلَغَتْ عَشَرَةَ أَشْهُرٍ فَهِيَ عُشَرَاءُ وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ بِنْتُ مَخَاضٍ لِسَنَةٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ لِسَنَتَيْنِ وَحِقَّةٌ لِثَلَاثٍ وَجَذَعَةٌ لِأَرْبَعٍ وَثَنِيٌّ لِخَمْسٍ وَرَبَاعٌ لَسْتٍ وَسَدِيسٌ لِسَبْعٍ وَبَازِلٌ لِثَمَانٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ قَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا أَلْقَى رَبَاعِيَتَهُ فَهُوَ رَبَاعٌ وَإِذَا أَلْقَى ثَنِيَّتَهُ فَهُوَ ثَنِيٌّ لَا أَدْرِي أَسَمِعْتُهُ مِنَ الْأَصْمَعِيِّ أَمْ لَا وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَالْجُذُوعَةُ وَقْتٌ وَلَيْسَ بِسِنٍّ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ دِيَاتِ الرِّجَالِ شَرِيفِهِمْ وَوَضِيعِهِمْ سَوَاءٌ إِذَا كَانُوا أَحْرَارًا مُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ ذُكُورُ الصِّبْيَانِ فِي دِيَاتِهِمْ كَآبَائِهِمُ الطِّفْلُ وَالشَّيْخُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ الطِّفْلَةُ كَأُمِّهَا في ديتها
(17/357)
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ إِلَّا أَنَّ الْعُلَمَاءَ فِي جِرَاحِ النِّسَاءِ مُخْتَلِفُونَ فَكَانَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ يَسْتَوِي الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي عَقْلِ الْجِرَاحِ حَتَّى تَبْلُغَ ثُلُثَ دِيَةِ الرَّجُلِ ثُمَّ تَكُونُ دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ (وَعُرْوَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَرَبِيعَةَ وَابْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَأَبِي الزِّنَادِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تُعَاقِلُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ إِلَى دِيَةِ الْمُوضِحَةِ ثُمَّ تَعُودُ إِلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَتِهِ) وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ دِيَةُ الْمَرْأَةِ وَجِرَاحُهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينِ وَإِنَّمَا صرت دِيَتُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ (مِنْ أَجْلِ) أَنَّ لَهَا نِصْفَ مِيرَاثِ الرَّجُلِ وَشَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ وَأَمَّا الْعَمْدُ فَفِيهِ الْقِصَاصُ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْحُرُّ بِالْحُرِّ وَلِتَكَافُؤِ دِمَاءِ المؤمنين الأحرار
(17/358)
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِي دِيَاتِ الْكُفَّارِ فَقَالَ مَالِكٌ دِيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَدِيَاتُ نِسَائِهِمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (وَذَكَرَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى أَنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إِذَا قُتِلَ أَحَدُهُمَا مِثْلُ نِصْفِ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ (1) وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ رَوَى فِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا قَدْ رَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَقَدْ رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَدِيَةِ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ (وَحُجَّتُهُ أَنَّ قَوْلَهُ أَقَلُّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ وَالذِّمَّةُ بَرِيئَةٌ إِلَّا بِيَقِينٍ أَوْ حُجَّةٍ) وقال أبوحنيفة وَالثَّوْرِيُّ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ!
(17/359)
وَالْحُسْنُ بْنُ حَيٍّ الدِّيَاتُ كُلُّهَا سَوَاءٌ دِيَةُ الْمُسْلِمِ وَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ وَالْمُعَاهَدِ وَالذِّمِّيِّ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ قَالَ أَبُو عُمَرَ الْآثَارُ فِي هَذَا الْبَابِ مُخْتَلِفَةٌ الْمَرْفُوعَةُ مِنْهَا وَالْمَوْقُوفَةُ وَاخْتِلَافُ السَّلَفِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاعْتِلَالُهُمْ لِأَقَاوِيلِهِمْ يَطُولُ وَيَكْثُرُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى شَرْطِنَا وَلَوْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ وَذَكَرْنَا أُصُولَ مَسَائِلِ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ (لَخَرَجْنَا عَمَّا لَهُ قَصَدْنَا فِي تَأْلِيفِنَا) وَلَكِنَّا إِنَّمَا تَعَرَّضْنَا لِتَبْيِينِ مَا فِي حَدِيثِنَا فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْمَعَانِي وَاللَّهُ الْمُعِينُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَمِنْ أَعْلَى مَا رُوِيَ مِنَ الْآثَارِ فِي دِيَاتِ الْكُفَّارِ مَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ عَامَ الْفَتْحِ فِي خُطْبَتِهِ دِيَةُ الْكَافِرِ الْمُعَاهِدِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ أَيْضًا عَنْ دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
(17/360)
جَعَلَ دِيَتَهُمْ سَوَاءً دِيَةً كَامِلَةً (فَاحْتَجَّ بِهَذَا الْخَبَرِ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَأَمَّا مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنَ الْأَثَرِ فَإِنَّهُ حَدِيثٌ فِيهِ لِينٌ وَلَيْسَ فِي مِثْلِهِ حُجَّةٌ) وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَعْنَاهَا عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ مَرْدُودٌ عَلَى قَوْلِهِ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ثُمَّ قَالَ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ يُرِيدُ ذَلِكَ الْمُؤْمِنَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَوْلُهُ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ عَلَى لَفْظِ النَّكِرَةِ لَيْسَ يَقْتَضِي دِيَةً بِعَيْنِهَا) وَاخْتُلِفَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فِي دِيَةِ الْكَافِرِ فَرُوِيَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَفِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِيَ جَدْعًا فَهَكَذَا هُوَ عِنْدَنَا فِي الْمُوَطَّأِ أُوعِيَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ سَلَفِ أَهْلِ الْعِلْمِ
(17/361)
وَالْفِقْهِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَغَيْرِهِمْ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ وفي الأنف إذا أوعب جدع أَوْ أُوعِبَ جَدْعًا رَوَاهُ هَكَذَا جَمَاعَةٌ أَيْضًا وَهَذَا اللَّفْظُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ أَوْلَى لِأَنَّ الْوَعْبَ إِيعَابُكَ الشَّيْءَ تَقُولُ الْعَرَبُ أَوْعَبْتُ الشَّيْءَ وَاسْتَوْعَبْتَهُ إِذَا اسْتَأْصَلْتُهُ وَأَمَّا الْجَدْعُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَالْقَطْعُ لِلْأَنْفِ وَالْأُذُنِ جَمِيعًا دُونَ غَيْرِهِمَا هَذَا أَصْلُ اللَّفْظَةِ يُقَالُ مِنْهُ رَجُلٌ أَجْدَعُ وَمَجْدُوعٌ وَقَدْ جُدِعَ أَنْفُهُ وَجُدِعَتْ أُذُنُهُ وَلَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْأَنْفَ إِذَا اسْتُؤْصِلَ بِالْجَدْعِ وَالْقَطْعِ فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةٌ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ أَوْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَذَاهِبِهِمْ فِي الدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَأَهْلِ الْوَرِقِ وَمَذَاهِبِهِمْ فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ فِي ذَلِكَ وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْمَارِنِ إِذَا قُطِعَ وَلَمْ يُسْتَأْصَلِ الْأَنْفُ كُلُّهُ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمْ إِلَى أَنَّ فِي ذَلِكَ الدِّيَةَ كَامِلَةً ثُمَّ إِنْ قُطِعَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ فَفِيهِ حُكُومَةٌ قَالَ مَالِكٌ الَّذِي فِيهِ الدِّيَةُ مِنَ الْأَنْفِ أَنْ يُقْطَعَ الْمَارِنُ وَهُوَ دُونَ الْعَظْمِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَوَاءٌ قُطِعَ الْمَارِنُ مِنَ الْعَظْمِ وَاسْتُؤْصِلَ الْأَنْفُ مِنَ الْعَظْمِ مِنْ تَحْتِ الْعَيْنَيْنِ إِنَّمَا فِيهِ الدِّيَةُ كَالْحَشَفَةِ فِيهَا الدِّيَةُ وَفِي اسْتِئْصَالِ الذَّكَرِ الدِّيَةُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وإذا خزم الأنف أو كسر فبرأ عَلَى عَثْمٍ فَفِيهِ الِاجْتِهَادُ وَلَيْسَ فِيهِ دِيَةٌ
(17/362)
معلومة وإن برأ عَلَى غَيْرِ عَثْمٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ قَالَ وَلَيْسَ الْعَمَلُ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى مَا قِيلَ إِنَّ فِي كُلِّ نَافِذَةٍ فِي عُضْوٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ ثُلُثَ دِيَةِ ذَلِكَ الْعُضْوِ قَالَ وَلَيْسَ الأنف إذا خزم فبرأ عَلَى غَيْرِ عَثْمٍ كَالْمُوضِحَةِ تَبْرَأَ عَلَى غَيْرِ عَثْمٍ فَتَكُونُ فِيهَا دِيَتُهَا لِأَنَّ تِلْكَ جَاءَتْ بِهَا السُّنَّةُ وَلَيْسَ فِي خَزْمِ الْأَنْفِ أَثَرٌ قَالَ وَالْأَنْفُ عَظْمٌ مُنْفَرِدٌ لَيْسَ فِيهِ مُوضِحَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِيَ مَارِنُهُ جَدْعًا الدِّيَةُ قَالَ أَبُو عُمَرَ مَارِنُ الْأَنْفِ طَرْفُهُ وَمُقَدَّمُهُ وَهُوَ مِمَّا لَانَ مِنْهُ وَفِيهِ جَمَالُهُ كُلُّهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ أَنَّ فِي الْأَنْفِ جَائِفَةً قَالَ مُجَاهِدٌ ثُلُثُ الدِّيَةِ فَإِنْ نَفَذَتْ فَالثُّلُثَانِ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ جَعَلَ فِي إِحْدَى قَصَبَتَيِ الْأَنْفِ حِقَّتَيْنِ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ إذا كسر الأنف كسرا يكون شيئا فَسُدُسُ دِيَةٍ قَالَ وَإِنْ هُشِّمَ فَعَرَضَتْ مِنْهُ الْغُنَّةُ وَالْبَحَحُ وَفَسَادُ الْكَلَامِ فَنِصْفُ الدِّيَةِ قَالَ وَإِنْ هُبِرَ الْمَارِنُ فَصَارَ مَهْبُورًا فَفِيهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ قَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَيْبٌ وَلَا غُنَّةٌ وَلَا رِيحٌ تُوجَدُ مِنْهُ فَرُبُعُ الدية قال وإن ضرب أنفه فبرأ عَلَى غَيْرِ عَثْمٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ رِيحًا طَيِّبَةً وَلَا مُنْتِنَةً
(17/363)
فَلَهُ عُشْرُ الدِّيَةِ قَالَ وَإِذَا أُوعِيَ جَدْعُهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ قَالَ وَمَا أُصِيبَ مِنْهُ دُونَ ذَلِكَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ (عَنْ أَبِيهِ) وَهُوَ مَحْفُوظٌ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ عَلَى مُخَالَفَتِهِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْحُكُومَةِ لَا عَلَى التَّوْقِيفِ وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّوْثَةِ مِنَ الْأَنْفِ الثُّلُثُ فَإِذَا بَلَغَ الْمَارِنُ الْعَظْمَ فَالدِّيَةُ وَافِيَةٌ فَإِنْ أُصِيبَتْ مِنَ الرَّوْثَةِ الْأَرْنَبَةُ أَوْ غَيْرُهَا مَا لَمْ تَبْلُغِ الْعَظْمَ فَبِحِسَابِ الرَّوْثَةِ وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي رَوْثَةِ الْأَنْفِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَذَكَرَ مَعْمَرٌ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَنْفِ إِذَا جُدِعَ كُلُّهُ بِالدِّيَةِ وَإِذَا جُدِعَتْ رَوْثَتُهُ بِنِصْفِ الدِّيَةِ قَالَ وَقَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأنف إذ اجدع كُلُّهُ بِالْعَقْلِ كَامِلًا وَإِذَا جُدِعَتْ رَوْثَتُهُ فَنِصْفُ الْعَقْلِ خَمْسِينَ مِنَ الْإِبِلِ أَوْ عَدْلَهَا مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْوَرِقِ أَوِ الْبَقَرِ أَوِ الشَّاءِ قَالَ أَبُو عُمَرَ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَنْفَ لَا جَائِفَةَ فِيهِ وَلَا جَائِفَةَ عِنْدَهُمْ إِلَّا فِيمَا كَانَ فِي الْجَوْفِ وَأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ فِي قَطْعِ مَارِنِ الْأَنْفِ وَالْمَارِنُ مَا لَانَ مِنَ الْأَنْفِ كَذَلِكَ قَالَ الْخَلِيلُ وَغَيْرُهُ وَأَظُنُّ رَوْثَتَهُ
(17/364)
مارنه وأرنبته طرفه وقد قيل الأربنة وَالرَّوْثَةُ وَالْعَرْتَمَةُ طَرَفُ الْأَنْفِ وَأَمَّا الْهَبْرُ فَهُوَ الْقَطْعُ فِي اللَّحْمِ وَالْمَهْبُورُ الْمَقْطُوعُ مِنْهُ وَالْهَبْرَةُ بِضْعَةٌ مِنَ اللَّحْمِ وَالْمَنْخِرَانِ السُّمَّانِ اللَّذَانِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا النَّفَسُ وَالْخَيَاشِيمُ عِظَامٌ رِقَاقٌ فِيمَا بَيْنَ أَعْلَاهُ إِلَى الرَّأْسِ وَيُقَالُ الْخَيَاشِيمُ عُرُوقٌ فِي بَاطِنِ الْأَنْفِ وَالْأَخْشَمُ الَّذِي قَدْ مُنِعَ الشَّمَّ (قَالَ أَبُو عُمَرَ) الَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ فِي الشَّمِّ إِذَا نَقَصَ أَوْ فُقِدَ حُكُومَةٌ وَيُحْتَمَلُ كُلُّ مَا جَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْحُكُومَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِنَا الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ فَالْمَأْمُومَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الرَّأْسِ وَهِيَ الَّتِي تَخْرِقُ إِلَى جِلْدِ الدِّمَاغِ وَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ وَهِيَ أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ عَلَى مَا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ وَيُقَالُ لِلْمَأْمُومَةِ الْآمَةُ كَذَلِكَ يَقُولُ لَهَا أَهْلُ الْعِرَاقِ وَقَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ الْمَأْمُومَةُ وَأَمَّا الْجَائِفَةُ فَكُلُّ مَا خَرَقَ إِلَى الْجَوْفِ مِنْ بَطْنٍ أَوْ ظَهْرٍ أَوْ ثُغْرَةِ النَّحْرِ وَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى مَا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَإِنْ نَفَذَتْ مِنْ جِهَتَيْنِ
(17/365)
فَهِيَ عِنْدَهُمْ جَائِفَتَانِ وَفِيهَا مِنَ الدِّيَةِ الثُّلُثَانِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي عَقْلِ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ فَقَالَ عَقْلُهُمَا فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقَالَ أَيْضًا إِنْ كَانَ لِجَانِيهِمَا عَمْدًا مَالٌ فَالْعَقْلُ فِي مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَالْعَقْلُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَبِهَذَا كَانَ يَأْخُذُ ابْنُ كِنَانَةَ وَكَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ كُلُّ مَنْ أَصَابَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا مِنْ جَسَدِهِ وَلَهُ مِثْلُ الَّذِي أَصَابَ فَلَمْ يَكُنْ إِلَى الْقِصَاصِ سَبِيلٌ لِسُنَّةٍ مَضَتْ فِيهِ فِدْيَةُ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ إِذَا بَلَغَ ذَلِكَ ثُلُثُ الدِّيَةِ عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً مِثْلَ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ قَالَ وَكُلُّ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ عَمْدًا مِمَّا فِيهِ الْقِصَاصُ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِثْلُهُ فَلَمْ يُوجَدْ إِلَى الْقِصَاصِ سَبِيلٌ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى الْجَانِي فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا اتَّبَعَ بِهِ مِثْلَ دِيَةِ الرِّجْلِ وَالْيَدِ وَالذَّكَرِ قَالَ أَبُو عُمَرَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ عَمْدًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا صُلْحًا وَلَا تَعْقِلُ عَمْدًا وَلَا تَحْمِلُ مِنْ دِيَةِ الْخَطَأِ إِلَّا مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الْمُوضِحَةَ فِيهَا خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ عَلَى مَا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَيْضًا وَالْمُوضِحَةُ عِنْدَهُمْ هِيَ الَّتِي تُوضَحُ عَنِ الْعَظْمِ وَتُبْرِزُهُ حَتَّى يُنْظَرَ إِلَيْهِ فِي الرَّأْسِ خَاصَّةً وَلَا تَكُونُ فِي الْبَدَنِ مُوضِحَةٌ بِحَالٍ وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةُ
(17/366)
الْفُقَهَاءِ إِلَّا اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ فَإِنَّهُ قَالَ الْمُوضِحَةُ تَكُونُ فِي الْجَسَدِ أَيْضًا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ الْمُوضِحَةُ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ سَوَاءٌ قَالَ وَهِيَ فِي جِرَاحَةِ الْجَسَدِ عَلَى النِّصْفِ مِمَّا فِي جِرَاحَةِ الرَّأْسِ وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْبَتِّيُّ وَأَصْحَابُهُمْ أَنَّ الْمُوضِحَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَلَا تَكُونُ الْجَائِفَةُ إِلَّا فِي الْجَوْفِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ لَا تَكُونُ الْمُوضِحَةُ وَلَا الْمُنَقِّلَةُ وَلَا الْهَاشِمَةُ وَلَا السِّمْحَاقُ وَلَا الْبَاضِعَةُ وَلَا الْمُتَلَاحِمَةُ وَلَا الدَّامِيَةُ إِلَّا فِي الرَّأْسِ وَالْجَبْهَةِ وَالصُّدْغَيْنِ وَاللَّحْيَيْنِ وَمَوْضِعِ اللَّحْمِ مِنَ اللَّحْيَيْنِ وَالذَّقَنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كُلُّ جُرْحٍ عِنْدَ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ إِلَّا الْجَائِفَةَ فَفِيهَا ثُلُثُ النَّفْسِ وَقَالَ مَالِكٌ الْمَأْمُومَةُ وَالْمُنَقِّلَةُ وَالْمُوضِحَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَلَا تَكُونُ الْمَأْمُومَةُ إِلَّا فِي الرَّأْسِ خَاصَّةً إِذَا وَصَلَ إِلَى الدِّمَاغِ قَالَ وَالْمُوضِحَةُ مَا تَكُونُ فِي جُمْجُمَةِ الرَّأْسِ وَمَا
(17/367)
دُونَهَا فَهُوَ مِنَ الْعُنُقِ لَيْسَ فِيهِ مُوضِحَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَنْفُ لَيْسَ مِنَ الرَّأْسِ فَلَيْسَ فِيهِ مُوضِحَةٌ وَكَذَلِكَ اللَّحْيُ الْأَسْفَلُ لَيْسَ فِيهِ مُوضِحَةٌ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْخَدِّ مُوضِحَةٌ فَإِنْ شَانَتِ الْوَجْهَ زِيدَ فِي الْأَرْشِ فَإِنْ لَمْ تَشِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى أَرْشِ الْمُوضِحَةِ وَذَلِكَ عَلَى الِاجْتِهَادِ قَالَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالِكٌ بِقَوْلِ سليمان بن يسار في موضحة للوجه أَنَّهُ يُزَادُ فِيهَا لِشَيْنِهَا مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ نِصْفِ عَقْلِهَا قَالَ مَالِكٌ وَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا قَالَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُزَادُ لِشَيْنِهَا شَيْءٌ كَانَتْ فِي الْوَجْهِ أَوْ فِي الرَّأْسِ قَالَ مَالِكٌ وَالْجَائِفَةُ مَا أَفْضَتْ إِلَى الْجَوْفِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ حَدُّ الْمُوضِحَةِ مَا أَفْضَى إِلَى الْعَظْمِ وَلَوْ بِقَدْرِ إِبْرَةٍ كَانَتْ فِي الْوَجْهِ أَوْ فِي الرَّأْسِ وَالْمُنَقِّلَةُ الَّتِي تُطَيِّرُ فِرَاشَهَا مِنَ الْعَظْمِ وَإِنْ قَلَّ وَلَا تَخْرِقُ إِلَى الدِّمَاغِ إِذَا اسْتُوقِنَ أَنَّهُ مِنَ الْفِرَاشِ وَالْجَائِفَةُ مَا أَفْضَى إِلَى الْجَوْفِ وَلَوْ بِمَدْخَلِ إِبْرَةٍ قَالَ فَإِنْ نَفَذَتْ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَفِيهَا ثُلُثَا الدِّيَةِ وَهُوَ أَحْسَنُ قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُنَقِّلَةَ فِيهَا خَمْسَ عَشْرَةَ مِنَ الْإِبِلِ وَلَا تَكُونُ إِلَّا فِي الرَّأْسِ قَالَ أَشْهَبُ وَكُلُّ مَا ثقب
(17/368)
مِنْهُ فَوَصَلَ إِلَى الدِّمَاغِ فَهُوَ مِنَ الرَّأْسِ وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ فِي مُوضِحَةِ الْجَسَدِ وَمُنَقِّلَتِهِ وَمَأْمُومَتِهِ إِلَّا الِاجْتِهَادُ قَالَ أَبُو عُمَرَ كَذَلِكَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ فِيهَا حُكُومَةً وَلَيْسَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي الدَّامِيَةِ وَالْبَاضِعَةِ وَالسِّمْحَاقِ وَالْمِلْطَاةِ دِيَةٌ فَإِنْ بَرِئَتْ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ فَلَا شَيْءَ فِيهَا عِنْدَهُمْ وَإِنْ بَرِئَتْ عَلَى شَيْنٍ فَفِيهَا الِاجْتِهَادُ وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ أَنَّ مَنْ شَجَّ رَجُلًا مَأْمُومَتَيْنِ أَوْ مُوضِحَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ مَأْمُومَاتٍ أَوْ مُوضِحَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ فِي ضَرْبِهِ أَنَّ فِيهِنَّ دِيَتَهُنَّ كُلَّهُنَّ وَإِنِ انْخَرَقَتْ فَصَارَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مِنَ الشِّجَاجِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ إِنَّمَا فِيهِ حُكُومَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ يَعْقِلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مِنْ جِرَاحِ الْخَطَأِ عَقْلًا مُسَمًّى قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى فِي التَّرْقُوَةِ بِجَمَلٍ وَفِي الضِّلَعِ بِجَمَلٍ وَعَنْ عَلِيٍّ فِي السِّمْحَاقِ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْإِبِلِ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إِذَا طُفِيَتْ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَهَذَا
(17/369)
كُلُّهُ مَحْمُولٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْحُكُومَةِ لَا عَلَى التَّوْقِيفِ وَالْمُوضِحَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمْ فِي الذَّقَنِ وَمَا فَوْقَهُ مِنَ اللَّحْيِ الْأَسْفَلِ وَغَيْرِهِ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنَ الرَّأْسِ فَلَا يُغَطِّيهِ الْمُحْرِمُ وَذَلِكَ عِنْدَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الذَّقَنَ وَمَا فَوْقَهُ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يُغَطِّي ذَقَنَهُ كَمَا لَا يُغَطِّي وَجْهَهُ قَالُوا وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْأَعْنَاقَ وَمَا فَوْقَهَا قَالُوا وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ الْوَجْهِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ فِيهِ مُوضِحَةٌ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ اللَّيْثِ لَا مَعْنَى لَهُ فِي قَوْلِهِ الْمُوضِحَةُ فِي الْجَسَدِ لِأَنَّ مَا فِي الْبَدَنِ لَا يُسَمَّى شِجَاجًا وَإِنَّمَا يُسَمَّى شَجَّةً مَا كَانَ فِي الرَّأْسِ قَالَ وَيُسَمَّى مَا فِي الْبَدَنِ جِرَاحَةً قَالَ أَبُو عُمَرَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ وَفِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ فُقِئَتْ عنيه خَطَأً أَنَّ فِيهَا نِصْفَ الدِّيَةِ خَمْسُونَ مِنَ الْإِبِلِ أَوْ عَدْلُهَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ عَنْهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَعْوَرِ تُفْقَأُ عَيْنُهُ الصَّحِيحَةُ خَطَأً فَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فِيهَا الدِّيَةُ كَامِلَةً وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ كَانَ ذَاهِبَ السَّمْعِ مِنْ إِحْدَى أُذُنَيْهِ
(17/370)
فَضَرَبَ الْإِنْسَانُ الْأُذُنَ الْأُخْرَى فَذَهَبَ سَمْعُهُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَكَذَلِكَ الرِّجْلَيْنِ وَالْيَدَيْنِ إِذَا قَطَعَ إِنْسَانٌ الْبَاقِيَةَ مِنْهُمَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ وَحْدَهَا دُونَ غَيْرِهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا وَالثَّوْرِيُّ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ إِذَا فُقِئَتْ خَطَأً نِصْفُ الدِّيَةِ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّ الْقِصَاصَ فِيهَا إِذَا كَانَتْ عَمْدًا بِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ دِيَتُهَا فِي الْخَطَأِ دِيَةَ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ وَاحْتَجُّوا بِكِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَتَبَهُ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَفِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ (وَفِي الرِّجْلِ خَمْسُونَ) وَلَمْ يَخُصَّ عَيْنًا مِنْ عَيْنٍ وَلَا يَدًا مِنْ يَدٍ وَلَا رِجْلًا مِنْ رِجْلٍ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ (غُنْدَرٌ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْأَنْبَارِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي أَبُو عِكْرِمَةَ الضَّبِّيُّ قَالَ تَقَدَّمَ إِلَى الشَّعْبِيِّ رَجُلٌ ضَرَبَ عَيْنَ رَجُلٍ فَاحْمَرَّتْ فَدَمَعَتْ فَشَرِقَتْ فَاغْرَوْرَقَتْ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ يَحْكُمُ فِيهَا بَيْتُ الرَّاعِي ... لَهُمَا أَمْرُهَا حَتَّى إِذَا مَا تَبَوَّأَتْ ... بأخفافها مأوى تبوأ مضجعا ... قال أبوعكرمة وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْعَيْنَ يُنْتَظَرُ بِهَا أَنْ تَبْلُغَ غَايَةَ مَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ (ثُمَّ) يُقْضَى فِيهَا حينئذ
(17/371)
قَالَ أَبُو عُمَرَ وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ فِي الْجِرَاحِ كُلِّهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ لَا يُقْتَصُّ عِنْدَهُمْ مِنْ جُرْحِ عَمْدٍ وَلَا يؤدى جرح خطأ حتى يبرأ ويعلم ما يؤول إِلَيْهِ وَأَجَازَ الشَّافِعِيُّ الْقِصَاصَ قَبْلَ الْبُرْءِ إِذَا سَأَلَ ذَلِكَ الْمَجْرُوحُ فَإِنْ زَادَ ذَلِكَ وَآلَ إِلَى ذَهَابِ عُضْوٍ أَوْ نَفْسٍ كَانَ فِيهِ الْأَرْشُ وَالدِّيَةُ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِيهَا ضُرُوبٌ مِنَ الِاعْتِرَاضِ وَالْحِجَاجِ لِلْفَرِيقَيْنِ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ عَنِ الْعَرَبِ لَطَمَهُ فَشَرِقَ الدَّمُ فِي عَيْنِهِ إِذَا احْمَرَّتْ وَشَرِقَ الثَّوْبُ بِالصَّبْغِ إِذَا احْمَرَّ وَاشْتَدَّتْ حُمْرَتُهُ وَذَكَرَ الْأَصْمَعِيُّ أَنَّ رَجُلًا لَطَمَ رَجُلًا فَاشْرَوْرَقَتْ عَيْنُهُ وَاغْرَوْرَقَتْ فَقَدِمَ إِلَى الشَّعْبِيِّ فَقَالَ ... لَهَا أَمْرُهَا حَتَّى إِذَا مَا تَبَوَّأَتْ ... بِأَخْفَافِهَا مَأْوًى تَبَوَّأَ مَضْجَعَا) ... وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْيَدِ خَمْسُونَ وَفِي الرِّجْلِ خَمْسُونَ فَأَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ أَيْضًا عَلَى مَا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْيَدِ تُقْطَعُ مِنَ السَّاعِدِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى مِنَ الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَسَوَاءٌ قُطِعَتْ مِنَ السَّاعِدِ أَوْ قُطِعَتِ الْأَصَابِعُ أَوْ قُطِعَتِ الْكَفُّ وَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ فِي رَجُلٍ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ مِنْ نِصْفِ الساعد أن
(17/372)
فِي الْيَدِ نِصْفَ الدِّيَةِ وَفِيمَا قُطِعَ مِنَ السَّاعِدِ حُكُومَةً وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ الْيَدَ الشَّلَّاءَ (إِنَّمَا) فِيهَا حُكُومَةٌ وَالْقَوْلُ فِي الرِّجْلِ كَالْقَوْلِ فِي الْيَدِ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ اتَّفَقُوا فِي أَنَّ الْأَسْنَانَ كُلَّهَا سَوَاءٌ وَأَنَّ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ عَلَى مَا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَأَمَّا مَا رَوَى مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي الْأَضْرَاسِ بِبَعِيرٍ بِعِيرٍ وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ قَضَى فِيهَا بِخَمْسَةِ أَبِعِرَةٍ خَمْسَةِ أَبِعِرَةٍ وَأَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ لَوْ كُنْتُ أَنَا لَجَعَلْتُ فِي الْأَضْرَاسِ بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ فَتِلْكَ الدِّيَةُ سَوَاءٌ فَإِنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَضْرَاسَ عشرون ضرسا والأسنان اثني عَشَرَ سِنًّا أَرْبَعُ ثَنَايَا وَأَرْبَعُ رَبَاعِيَاتٍ وَأَرْبَعُ أَنْيَابٍ فَعَلَى قَوْلِ عُمَرَ تَصِيرُ الدِّيَةُ ثَمَانِينَ بَعِيرًا فِي الْأَسْنَانِ خَمْسَةٌ خَمْسَةٌ وَفِي الْأَضْرَاسِ بَعِيرٌ بَعِيرٌ وَعَلَى قَوْلِ مُعَاوِيَةَ فِي الْأَضْرَاسِ وَالْأَسْنَانِ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ فَتَصِيرُ الدِّيَةُ سِتِّينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ وَعَلَى قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ بَعِيرَيْنِ بَعِيرَيْنِ فِي الْأَضْرَاسِ
(17/373)
وَهِيَ عِشْرُونَ ضِرْسًا يَجِبُ لَهَا أَرْبَعُونَ بَعِيرًا (وَفِي الْأَسْنَانِ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ فَذَلِكَ سِتُّونَ بَعِيرًا) تَتِمَّةُ الْمِائَةِ بَعِيرٍ وَهِيَ الدِّيَةُ كَامِلَةً مِنَ الْإِبِلِ وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَضْرَاسِ لَا فِي الْأَسْنَانِ عَلَى مَا ذَكَرْتُ لَكَ وَاخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي دِيَاتِ الْأَسْنَانِ وَتَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ كَثِيرٌ جِدًّا وَالْحُجَّةُ قَائِمَةٌ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْفُقَهَاءُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ بِظَاهِرِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ وَالضِّرْسُ سِنٌّ مِنَ الْأَسْنَانِ وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي قَطْعِ الْيَدِ النَّاقِصَةِ الْأَصَابِعِ وَفِيمَنْ قُطِعَ الْأَصَابِعَ أَوْ بَعْضَهَا ثُمَّ قُطِعَ الْكَفَّ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ النَّوَازِلِ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي السِّنِّ السَّوْدَاءِ وَفِيمَنْ ضَرَبَ سِنَّ رَجُلٍ فَاسْوَدَّتْ أَوْ عَيْنَهُ فَابْيَضَّتْ وَفِي السِّنِّ تُقْلَعُ ثُمَّ تَنْبُتُ كَثِيرٌ أَيْضًا جِدًّا وَلَوْ تَقَصَّيْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ لَخَرَجْنَا بِهِ عَنْ حَدِّ مَا لَهُ قَصَدْنَا وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا فِي حَدِيثِ مَالِكٍ مِنَ الْمَعَانِي وَبَسَطْنَاهَا وَأَضْرَبْنَا عَمَّا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ مَالِكٍ لِوُقُوفِنَا عِنْدَ شَرْطِنَا وَبِاللَّهِ تَوْفِيقُنَا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا الْمَيْمُونُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا الطَّحَاوِيُّ حَدَّثَنَا الْمُزَنِيُّ حدثنا
(17/374)
الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا غَالِبٌ التَّمَّارُ عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ قَالَ أبوعمر هَكَذَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ غَالِبٍ التمار عن مسروق بن أوس عن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَتَابَعَهُ شُعْبَةُ عَلَى ذَلِكَ وَرَوَاهُ سعيد بن أبي عروبة عن غالب التمار عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ أَبِي مُوسَى فَزَادَ فِي الْإِسْنَادِ حُمَيْدَ بْنَ هِلَالٍ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ غَالِبٍ التَّمَّارِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ أَبِي مُوسَى وَخَالَفَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ فَرَوَاهُ عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ بِمِثْلِ إِسْنَادِ شُعْبَةَ وَابْنِ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ غَالِبٍ التَّمَّارِ عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الْأَصَابِعِ سَوَاءً عَشْرٌ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ
(17/375)
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا (مُحَمَّدُ) بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ غَالِبٍ التَّمَّارِ عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ أَوْسٍ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْأَصَابِعُ سَوَاءٌ قُلْتُ عَشْرٌ عَشْرٌ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ غَالِبٍ قَالَ سَمِعْتُ مَسْرُوقَ بْنَ أَوْسٍ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بن عطاءالعجلي أَخْبَرَنَا حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وهو مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ فِي الْمَوَاضِحِ خَمْسٌ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ وَفِي الْأَصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو خَيْثَمَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ مَرْوَانَ أَخْبَرَنَا حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْأَسْنَانِ خَمْسٌ خَمْسٌ
(17/376)
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أصبغ حدثنا محمد بن غالب حدثن الْمُقَدَّمِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مَطَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمَوَاضِحِ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ وَالْأَسْنَانُ سَوَاءٌ خَمْسٌ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ وَالْأَضْرَاسُ سواء عشر عشر قال ابوعمر هَكَذَا وَقَعَ عِنْدَهُ وَالْأَضْرَاسُ وَهُوَ خَطَأٌ وَإِنَّمَا هُوَ وَالْأَصَابِعُ سَوَاءٌ عَشْرٌ عَشْرٌ وَهَذَا مَحْفُوظٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ مَطَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَوَاضِحِ خَمْسٌ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ وَالْأَصَابِعُ كُلُّهَا سَوَاءٌ عَشْرٌ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ (السَّبِيعِيُّ) الْحَلَبِيُّ بِدِمَشْقَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الصُّوفِيُّ حَدَّثَنَا
(17/377)
عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ وَأَشَارَ إِلَى الْخِنْصَرِ وَالْإِبْهَامِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ يَعْنِي الْإِبْهَامَ وَالْخِنْصَرَ (وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ يَعْنِي الْخِنْصَرَ وَالْإِبْهَامَ وَقَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قاسم بن أصبغ حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا شعبة عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ يَعْنِي الْإِبْهَامَ وَالْخِنْصَرَ والضرس والثنية)
(17/378)
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوُرَّاثِ حَدَّثَنِي شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْأَصَابِعُ سَوَاءٌ وَالْأَسْنَانُ سَوَاءٌ الثَّنِيَّةُ وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ عَنْ شُعْبَةَ بِمَعْنَى عَبْدِ الصَّمَدِ حَدَّثَنَاهُ الدَّارِمِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا النَّضْرُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَسْنَانُ سَوَاءٌ وَالْأَصَابِعُ سَوَاءٌ قَالَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ بن صالح حدثنا أبو ثميلة عَنْ يَسَارٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ سَوَاءً قَالَ أَبُو عُمَرَ عَلَى هَذِهِ الْآثَارِ جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْأَصَابِعَ كُلَّهَا سَوَاءٌ دِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَشْرٌ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ لَا يُفَضَّلُ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى شَيْءٍ وَأَنَّ الْأَسْنَانَ كُلَّهَا سَوَاءٌ الثَّنَايَا وَالْأَضْرَاسَ وَالْأَنْيَابَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ
(17/379)
مِنْهَا خَمْسٌ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ لَا يُفَضَّلُ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ عَلَى مَا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ (مِنَ الصَّحَابَةِ) تَفْضِيلُ الثَّنَايَا وَمُقَدَّمِ الْفَمِ وَعَنْ طَاوُسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءٍ فِي دِيَةِ الْأَسْنَانِ خِلَافٌ لِهَذِهِ الْآثَارِ وَلَا معنى لقولهم لأن السنة التي فيها لحجة تُثْبِتُ بِخِلَافِهِ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا يُفَضِّلُ النَّابَ أَعْلَى الْفَمِ وَأَسْفَلَهُ عَلَى الْأَضْرَاسِ وَأَنَّهُ قَالَ فِي الْأَضْرَاسِ صِغَارُ الإبل قال وأخبرناابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِيمَا أَقْبَلَ مِنَ الْفَمِ أَعْلَى الْفَمِ وَأَسْفَلَهُ بِخَمْسِ قَلَائِصَ وَفِي الْأَضْرَاسِ بِبَعِيرٍ بَعِيرٍ حَتَّى إِذَا كَانَ مُعَاوِيَةُ وَأُصِيبَتْ أَضْرَاسُهُ قَالَ أَنَا أَعْلَمُ بِالْأَضْرَاسِ مِنْ عُمَرَ فَقَضَى فِيهَا بِخَمْسٍ خَمْسٍ قَالَ سَعِيدٌ فَلَوْ أُصِيبَ الْفَمُ كُلُّهُ فِي قَضَاءِ عُمَرَ لَنَقَصَتِ الدِّيَةُ وَلَوْ أُصِيبَتْ فِي قَضَاءِ مُعَاوِيَةَ لَزَادَتِ الدِّيَةُ وَلَوْ كُنْتُ أَنَا لَجَعَلْتُ فِي الْأَضْرَاسِ بَعِيرَيْنِ (بَعِيرَيْنِ) فَذَلِكَ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي غَطْفَانَ أَنَّ مَرْوَانَ أَرْسَلَهُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا جَعَلَ فِي الضِّرْسِ فَقَالَ فِيهِ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ
(17/380)
قَالَ فَرَدَّنِي إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ أَتَجْعَلُ مُقَدَّمَ الْفَمِ مِثْلَ الْأَضْرَاسِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَوْ أَنَّكَ لَا تَعْتَبِرُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْأَصَابِعِ عَقْلُهَا سَوَاءٌ وَذَكَرَ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَزْهَرَ بْنِ مُحَارِبٍ قَالَ اخْتَصَمَ إِلَى شُرَيْحٍ رَجُلَانِ أَصَابَ أَحَدُهُمَا ثَنِيَّةَ الْآخَرِ وَأَصَابَ الْآخَرُ ضِرْسَهُ فَقَالَ شُرَيْحٌ الثَّنِيَّةُ وَجَمَالُهَا وَالضِّرْسُ وَمَنْفَعَتُهُ سِنٌّ بِسِنٍّ قُومَا قَالَ أَبُو عُمَرَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ الْيَوْمَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا فِيهِ وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ قَرَأْتُ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَتَبَهُ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ عَلَى نَجْرَانَ وَكَانَ الْكِتَابُ عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا بيان من الله ورسوله يأيها الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فَكَتَبَ الْآيَاتِ مِنْهَا حَتَّى بَلَغَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ثُمَّ كَتَبَ هَذَا كِتَابُ الْجِرَاحِ فِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ وَفِي
(17/381)
الْأَنْفِ إِذَا أُوعِيَ جَدْعًا مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ وَفِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ مِنَ الْإِبِلِ وَفِي الْأُذُنِ خَمْسُونَ مِنَ الْإِبِلِ وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ مِنَ الْإِبِلِ وَفِي الرِّجْلِ خَمْسُونَ مِنَ الْإِبِلِ وَفِي كل أصبع مما هنا لك عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ النَّفْسِ وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ النَّفْسِ وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَهَذَا الَّذِي قَرَأْتُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا كُلُّهُ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ إِلَّا مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنَ الثَّنَايَا وَالْأَضْرَاسِ وَأَمَّا الْأُذُنُ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى السَّمْعِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ الْأُذُنَ وَهَذَا اخْتِلَافٌ فَأَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ فِي الْأُذُنَيْنِ حُكُومَةٌ وَفِي السَّمْعِ الدِّيَةُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ فِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي السَّمْعِ الدِّيَةُ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ فِي الْأُذُنَيْنِ مِثْلُ ذلك قال أبوعمر أَمَّا كِتَابُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَلَى مَا رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الصَّدَقَاتِ وَالدِّيَاتِ فَطَوِيلٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْهُ فِي بَابِنَا هَذَا مَا وَافَقَهُ وَسَنَذْكُرُهُ بِتَمَامِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
(17/382)
حَدِيثٌ حَادِي عِشْرِينَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مُرْسَلٌ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ سَأَلَهُ إِبِلًا مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عُرِفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ وَكَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ أَنْ تَحْمَرَّ عَيْنَاهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الرَّجُلَ يَسْأَلُنِي مَا لَا يَصْلُحُ لِي وَلَا لَهُ فَإِنْ مَنَعْتُهُ كَرِهْتُ الْمَنْعَ وَإِنْ أَعْطَيْتُهُ أَعْطَيْتُهُ مَا لَا يَصْلُحُ لِي وَلَا لَهُ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَسْأَلُكَ مِنْهَا شَيْئًا أَبَدًا (هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةُ الرُّوَاةِ فِيمَا عَلِمْتُ عَنْ مَالِكٍ مُرْسَلًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ التَّلِّيُّ عَنْ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَنَسٍ حَدَّثَنَاهُ خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ خُلَيْدٍ الشَّمَّاعُ حَدَّثَنَا أَبُو شُعَيْبٍ عَبْدُ الله بن
(17/383)
الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ التَّلِّيُّ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ سَأَلَهُ بَعِيرًا مِنَ الصَّدَقَةِ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عُرِفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ هَكَذَا حَدَّثَنَا لَمْ يَزِدْ) قَالَ أَبُو عُمَرَ أَمَّا اسْتِعْمَالُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصَّدَقَاتِ أَصْحَابَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ وَمِنَ الْأَزْدِ وَغَيْرِهِمْ فَمَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ فِي الْآثَارِ وَالسِّيَرِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمَّا قَدِمَ سَأَلَهُ إِبِلًا مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَهَذَا (عِنْدِي) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَأَلَهُ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى قَدْرِ عِمَالَتِهِ لَا يَسْتَحِقُّهُ بِهَا وَكَأَنَّهُ أَدْلَى بِعِمَالَتِهِ وَظَنَّ أَنَّهُ سَيَزِيدُهُ عَلَى مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ سَهْمِهِ أَوْ أَجْرِهِ فَغَضِبَ لِذَلِكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ سَأَلَهُ مالا يَصْلُحُ وَهَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغضب إذا رأى مالا يَصْلُحُ أَوْ سَمِعَ بِهِ وَكَانَ فِي غَضَبِهِ لَا يَتَعَدَّى مَا حَدَّ لَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ تَحْمَرَّ (وَجْنَتَاهُ) وَعَيْنَاهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَدًّا لِلَّهِ
(17/384)
فَيَقُومَ لِلَّهِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْمِلَ أَحَدٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ عَلَى الصَّدَقَاتِ سَأَلَهُ مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ سَهْمِهِ وَحَقِّهِ فِي الْعَمَلِ عَلَيْهَا فَمَنَعَهُ وَغَضِبَ لِذَلِكَ هَذَا مَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَظُنَّهُ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَعَلَ فِي الصَّدَقَاتِ لِلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا حَقًّا وَاجِبًا وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ الْحَقِّ مَا هُوَ فَذَهَبَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ سَهْمٌ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ وَأَنَّ الصَّدَقَاتِ مَقْسُومَةٌ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ مِنْهَا لِلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا سَهْمٌ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا لِلْعَامِلِ عَلَيْهَا قَدْرُ عِمَالَتِهِ قَدْ يَكُونُ ثَمَنًا وَيَكُونُ أَقَلَّ وَيَكُونُ أَكْثَرَ وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ آخَرُونَ لَهُ أَجْرُهُ فِي ذَلِكَ بِقَدْرِ سَعْيِهِ وَلَا يُزَادُ عَلَى الثُّمُنِ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ تُقْسَمُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْأَسْهُمِ الثَّمَانِيَةِ بِالسَّوِيَّةِ وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ مِثْلُهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ أَيْضًا وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْعَامِلِينَ عَلَى الصَّدَقَاتِ إِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنْهَا بِقَدْرِ أُجُورِ أَمْثَالِهِمْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَرَوَى الْأَخْضَرُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو مَا لِلْعَامِلِينَ عَلَى الصَّدَقَةِ قَالَ بِقَدْرِ عِمَالَتِهِمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُعْطَى الْعَامِلُ مَا
(17/385)
يَسَعُهُ وَيَسَعُ أَعْوَانَهُ قَالَ وَلَا أَعْرِفُ الثُّمُنَ وَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَ لِلْعَامِلِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَرِيضَةٌ مُسَمَّاةٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ يَجْتَهِدُ فِي ذلك وقال أبوحنيفة وَأَصْحَابُهُ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ لَيْسَ قَسْمُ الصَّدَقَاتِ عَلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ كَالْمِيرَاثِ وَلَكِنَّ الْوَالِيَ يُقَسِّمُهَا عَلَى مَا يَرَى مِنْ حَاجَتِهِمْ وَيُؤْثِرُ أَهْلَ الْحَاجَةِ وَالْعُذْرِ حَيْثُ كَانُوا قَالَ مَالِكٌ وَعَسَى أَنْ تنتقل الحاجةإلى الصِّنْفِ الْآخَرِ بَعْدَ عَامٍ أَوْ عَامَيْنِ فَيُؤْثِرُ أَهْلَ الْحَاجَةِ وَالْعُذْرِ حَيْثُ كَانُوا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يُعْطِي الْإِمَامُ لِلْعَامِلِينَ عِمَالَتَهُمْ بِمَا يَرَى وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ قَوْلَ الثَّوْرِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا هُمُ السُّعَاةُ وَقَالَ قَتَادَةُ هُمْ جُبَاتُهَا الَّذِينَ يَجْبُونَهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُمُ الْمُتَوَلُّونَ لِقَبْضِهَا قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ خَلَفِ بْنِ الْقَاسِمِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ الدَّيْبُلِيَّ حَدَّثَهُمْ بِمَكَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ الْعَيْشِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي السَّوَّارِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حَصِينٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خدرها
(17/386)
قَالَ عِمْرَانُ وَكَانَ إِذَا كَرِهَ الشَّيْءَ عُرِفَ فِي وَجْهِهِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قِرَاءَةً مِنِّي عَلَيْهِمَا قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا الْحَوْضِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عُقْبَةَ الْفَزَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلُ كَدُوحٌ يَكْدَحُ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ وَقَالَ سُلَيْمَانُ يَكْدَحُ بِهَا الرَّجُلُ نَفْسَهُ فَمَنْ شَاءَ أَبْقَى عَلَى وَجْهِهِ أَوْ نَفْسِهِ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ ذَا سُلْطَانٍ أَوْ يَنْزِلَ بِهِ أَمْرٌ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَمُرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا قَالَ يَزِيدُ بْنُ عُقْبَةَ وَقَالَ
(17/387)
شُعْبَةُ زَيْدُ بْنُ عُقْبَةَ وَصَوَابُهُ زَيْدُ بْنُ عُقْبَةَ وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ يَزِيدُ صُحِّفَ عَلَى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يَجُوزُ فِيهِ السُّؤَالُ وَلِمَنْ يَجُوزُ وَمَنْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ فِي بَابِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَأَغْنَى ذلك عن إعادته ها هنا
(17/388)
حَدِيثٌ ثَانِي عِشْرِينَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَقْطُوعٌ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ يُصَلِّي فِي حَائِطٍ لَهُ فَطَارَ دُبْسِيٌّ فَطَفِقَ يَتَرَدَّدُ يَلْتَمِسُ مَخْرَجًا فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ فَجَعَلَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ سَاعَةً ثُمَّ رَجَعَ إِلَى صَلَاتِهِ فَإِذَا هُوَ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَقَالَ لَقَدْ أَصَابَنِي فِي مَالِي هَذَا فِتْنَةٌ فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر لَهُ الَّذِي أَصَابَهُ فِي حَائِطِهِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ صَدَقَةٌ لِلَّهِ فَضَعْهُ حَيْثُ شِئْتَ هَذَا الْحَدِيثُ لَا أَعْلَمُهُ يُرْوَى مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ مَنْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى لِشُغْلِ بَالِهِ بِمَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ أَوْ يُفَكِّرُ فِيهِ فَلْيَبْنِ عَلَى يَقِينِهِ عَلَى مَا أَحْكَمَتْهُ السُّنَّةُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَغَيْرُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا
(17/389)
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ إِلَى مَا يُشْغِلُ الْمُصَلِّي لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ إِذَا بَنَى فِيهَا عَلَى مَا يَجِبُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةٍ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ إِلَى خَمِيصَةٍ لَهَا عَلَمٌ فِي الصَّلَاةِ فَشَغَلَهُ النَّظَرُ إِلَى أَعْلَامِهَا فَرَمَاهَا عَنْ نَفْسِهِ وَرَدَّهَا إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَلَمْ يَذْكُرْ إِعَادَةً وَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ وَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَذَهَبْنَا إِلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ قَدْ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ لِي فِي صَلَاتِي قَالَ أَبُو عُمَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ إِعَادَةً وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا صَلَاةَ
(17/390)
لِمُلْتَفِتٍ وَهُوَ حَدِيثٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ الِالْتِفَاتُ فِي الصَّلَاةِ خِلْسَةٌ يَخْتَلِسُهَا الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا هَلَكَةٌ فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَفِي النَّافِلَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَفْسُدُ بِهِ لِأَنَّ مَا فَسَدَتْ بِهِ النَّافِلَةُ فَسَدَتْ بِهِ الْفَرِيضَةُ إِذَا كَانَ اجْتِنَابُهُ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ كُلَّهَا مِنْ أَحَادِيثِ الشُّيُوخِ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهَا وَأَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ فَقَالَ شَغَلَتْنِي أَعْلَامُ هَذِهِ اذْهَبُوا إلى أبي جهم بن حذيفة وائتوني بِأَنْبِجَانِيَّةٍ فَفِي هَذَا
(17/391)
الْحَدِيثِ أَنَّ أَعْلَامَ الْخَمِيصَةِ شَغَلَهُ النَّظَرُ إِلَيْهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ إِعَادَةً وَلَا اسْتِئْنَافًا لِصَلَاتِهِ وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَاجِبًا لَقَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمَا سَكَتَ عَنْهُ وَلَوْ قَالَهُ لَنُقِلَ وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَهُ لَنُقِلَ عَنْهُ كَنَقْلِ سَائِرِ السُّنَنِ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ يَعْنِي ابْنَ سَلَامٍ عَنْ زَيْدٍ أنه سمع أبا سلام قال حدثني السلوي وَهُوَ أَبُو كَبْشَةَ عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ قَالَ ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ يَعْنِي صَلَاةَ الصُّبْحِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ يَعْنِي وَكَانَ أَرْسَلَ فَارِسًا إِلَى الشِّعْبِ مِنَ اللَّيْلِ يَحْرُسُ وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا إسحاق بن إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْحَظُ فِي صَلَاتِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ
(17/392)
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ (كُلِّهَا (1)) مُسْنَدِهَا وَمَقْطُوعِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَظَرَ الْمُصَلِّي مِنَ السُّنَّةِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ أَمَامَهُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الَّذِي لَا تَكَلُّفَ فِيهِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ يَكُونُ نَظَرُ الْمُصَلِّي أَمَامَ قِبْلَتِهِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَقَالَ شَرِيكٌ الْقَاضِي يَنْظُرُ فِي الْقِيَامِ (إِلَى مَوْضِعِ) السُّجُودِ وَفِي الرُّكُوعِ إِلَى مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ وَفِي السُّجُودِ إِلَى أَنْفِهِ وَفِي قُعُودِهِ إِلَى حِجْرِهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا كُلُّهُ تَحْدِيدٌ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ أَثَرٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي النَّظَرِ وَمَنْ نَظَرَ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ كَانَ أَسْلَمَ لَهُ وَأَبْعَدَ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِ صَلَاتِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ (وَأَمَّا قَوْلُهُ لَقَدْ أَصَابَتْنِي فِي مَالِي فِتْنَةٌ فَالْفِتَنُ عَلَى وُجُوهٍ فَأَمَّا فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَتَكْفِيرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ كَذَلِكَ قَالَ حُذَيْفَةُ لعمر في الحديث الصحيح وصدفه عُمَرُ وَقَالَ لَسْتُ عَنْ هَذِهِ أَسْأَلُكَ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ إِنَّ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا فِتْنَةٌ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ مَا لَمْ يُوَاقِعِ الْكَبَائِرَ دَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السيآت (3) نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ مَا ليس
(17/393)
بِكَبِيرَةٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَشُوبُهُ الْحَلِفُ وَالْكَذِبُ فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ وَكُلُّ مَنْ فُتِنَ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَعَاصِي وَالشَّهَوَاتِ الْمَحْظُورَةِ فَهُوَ مَفْتُونٌ إِلَّا أَنَّهُ إِنْ تَرَكَ وَأَنَابَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ غُفِرَ لَهُ مَعَ أَدَائِهِ لِصَلَاتِهِ وَزَكَاتِهِ وَصَوْمِهِ وَهَذِهِ صِفَاتُ الْمُذْنِبِينَ وَقَدْ فُتِنَ الصَّالِحُونَ وَابْتُلُوا بِالذُّنُوبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ وَقَالَ تعالى الذين إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ الْآيَةَ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ هَذَا الْبَابِ مِنَ الْفِتْنَةِ مَا هُوَ أَشَدُّ مِمَّا وَصَفْنَا وَهُوَ الْإِصْرَارُ عَلَى الذَّنْبِ وَالْإِقَامَةُ عليه منه وأنه لَمْ يَأْتِهِ فَنِيَّتُهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ وَيُحِبُّ أَنْ تَسْمَحَ نَفْسُهُ بِتَرْكِ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ قَبِيحِ أَفْعَالِهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يُقْلِعُ عَنْهَا فَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُصِرًّا لَمْ تَأْتِ مِنْهُ تَوْبَةٌ فَهُوَ مُقِرٌّ بِالذُّنُوبِ وَالتَّقْصِيرِ يُحِبُّ أَنْ يَخْتِمَ اللَّهُ لَهُ بِخَيْرٍ فَيَغْفِرَ لَهُ هَذَا بِرَجَائِهِ وَلَا يُقْطَعَ عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ فِتْنَتُهُ بِذَلِكَ تُخْرِجُهُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَلَا هُوَ مِمَّنْ تُنْكَتُ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ غَلَبَتْ عَلَيْهِ فَلَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا كَمَا قَالَ حُذَيْفَةُ فِي ذَلِكَ
(17/394)
الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَيَوَدُّ أَنَّهُ تَابَ مِنْهُ قَالُوا وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْأَهْوَاءِ الْمُرْدِيَةِ وَالْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ الَّتِي تُتَّخَذُ دِينًا وَإِيمَانًا وَيُشْهَدُ بِهَا عَلَى اللَّهِ تَعَدِّيًا وَافْتِرَاءً وَلَا يُحِبُّ مَنْ فُتِنَ بِهَا أَنْ يَقْصُرَ فِيهَا وَلَا يَنْتَقِلَ عَنْهَا وَيَوَدَّ أَنْ لَا يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ إِلَّا عَلَيْهَا فَهَذَا أَيْضًا مَفْتُونٌ مَغْرُورٌ مُتَدَرِّجٌ قَدْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ زُيِّنَ لَهُ فِيهَا سُوءُ عَمَلِهِ يَوَدُّ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مِثْلَهُ قَالُوا فَهَذِهِ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْفِتْنَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَا مِنْ فِتَنِ الذُّنُوبِ وَمِنَ الْفِتَنِ أَيْضًا الْكُفْرُ وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ فِتْنَةً بِقَوْلِهِ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَشَرْحُ هَذِهِ الْمَعَانِي يَطُولُ وَبِاللَّهِ الْعِصْمَةُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَمَّا النَّهْسُ فَطَائِرٌ صَغِيرٌ مِثْلُ الْعُصْفُورِ) وَالدُّبْسِيُّ طَائِرٌ يُشْبِهُ الْيَمَامَةَ وَقِيلَ هُوَ الْيَمَامَةُ نَفْسُهَا وَقَوْلُهُ طَفِقَ يَتَرَدَّدُ كَقَوْلِهِ جَعَلَ يَتَرَدَّدُ وَفِيهِ لُغَتَانِ طَفِقَ طَفَقَ يَطْفَقُ وَيَطْفِقُ
(17/395)
حَدِيثٌ ثَالِثُ عِشْرِينَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ فِي السُّنَنِ وَالْفَرَائِضِ وَالدِّيَاتِ كِتَابٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرُوفٌ يَسْتَغْنِي بِشُهْرَتِهِ عَنِ الْإِسْنَادِ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ
(17/396)
عَنْ أَبِيهِ قَالَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنْ لَا يُمَسَّ الْقُرْآنُ إِلَّا عَلَى طَهُورٍ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَرْوَانَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الطَّيِّبِ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو الْجُرَيْرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ حَامِدُ بْنُ شُعَيْبٍ الْبَلْخِيُّ حدثنا أبوصالح الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ فِي السُّنَنِ وَالْفَرَائِضِ وَالدِّيَاتِ أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ مُخْتَصَرٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ تَلَقِّي جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لَهُ بِالْقَبُولِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ بِالْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ أَنَّ الْمُصْحَفَ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الطَّاهِرُ عَلَى وُضُوءٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدُ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ فِي أَعْصَارِهِمْ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ (سَعْدِ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ) وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَطَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وعطاء قال إسحاق بن رَاهَوَيْهِ لَا يَقْرَأُ أَحَدٌ فِي الْمُصْحَفِ إِلَّا وهو متوضئ
(17/397)
وَلَيْسَ ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ وَلَكِنْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ قَالَ أَبُو عُمَرَ وَهَذَا يُشْبِهُ مَذْهَبَ مَالِكٍ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي! مُوَطَّئِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ لَا يَمَسَّ الْمُصْحَفَ الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ وَلَا غَيْرُ الْمُتَوَضِّئِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَحْمِلُهُ بِعَلَاقَتِهِ وَلَا عَلَى وِسَادَةٍ إِلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ قَالَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَهُ فِي التَّابُوتِ (وَالْخُرْجِ) وَالْغِرَارَةِ مَنْ لَيْسَ عَلَى وُضُوءٍ قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا رَخَّصَ مَالِكٌ فِي حَمْلِ غَيْرِ الْمُتَوَضِّئِ لِلْمُصْحَفِ فِي التَّابُوتِ وَالْغِرَارَةِ لِأَنَّ الْقَصْدَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ إِلَى حَمْلِ الْمُصْحَفِ وَإِنَّمَا قُصِدَ إِلَى حَمْلِ التَّابُوتِ وَمَا فِيهِ مِنْ مُصْحَفٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ كَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمُ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالشَّعْبِيُّ وعطاء من الدَّرَاهِمِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَهُوَ لَا شَكَّ أَشَدُّ كَرَاهِيَةً أَنْ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ أَنْ تَحْمِلَ الْحَائِضُ الْمُصْحَفَ بِعَلَاقَتِهِ وَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ فَلَمْ
(17/398)
يُخْتَلَفْ عَنْهُمَا فِي إِجَازَةِ حَمْلِ الْمُصْحَفِ بِعَلَاقَتِهِ لِمَنْ لَيْسَ بِطَاهِرٍ وَقَوْلُهُمَا عِنْدِي شُذُوذٌ وَمُخَالَفَةٌ لِلْأَثَرِ وَإِلَى قَوْلِهِمَا ذَهَبَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ وَالدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ قَالَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ هُمُ الْمَلَائِكَةُ قَالَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ نَهْيًا لَقَالَ لَا يَمَسَّهُ وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ لَيْسَ بِنَجِسٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ يَأْتِي النَّهْيُ بِلَفْظِ الْخَبَرِ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ النَّهْيَ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ كَثِيرٌ نَحْوَ قَوْلِهِ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً جَاءَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرُهُ يَقُولُ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وأنحوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ (عِنْدَهُ) فِي هَذَا الْخَبَرِ مَعْنَى النَّهْيِ مَا أَجَازَ فِيهِ النَّسْخَ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ وَفِي كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ بَيَانُ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمَسُّهُ
(17/399)
إلا المطهرون لاحتمالهما للتأويل ومجيئها بِلَفْظِ الْخَبَرِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِيهَا أَنَّهَا مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ وَقَوْلُ مَالِكٍ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ فِيهَا اخْتِلَافًا وَأَوْلَى مَا قِيلَ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنِ امْتِثَالِ مَا فِي كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ طاهر والله أعلمي وبه التوفيق
(17/400)
حَدِيثٌ رَابِعُ عِشْرِينَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَقْطُوعٌ يَتَّصِلُ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ نُهُوا عَنْ أَكْلِ الشَّحْمِ فَبَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنَدًا مُتَّصِلًا مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى كُلُّهَا ثَابِتَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حَدِيثِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمْ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَا حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَخْبَرَنِي طَاوُسٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ سَمُرَةَ بَاعَ خَمْرًا فَقَالَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا فباعوها
(17/401)
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَوْلُهُ جَمَّلُوهَا يَعْنِي أَذَابُوهَا لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ أَيْضًا مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُضَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ سَلَّامٍ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ شُحُومُ الْأَنْعَامِ فَأَذَابُوهَا ثُمَّ بَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ أَنَّ بِشْرَ (بْنَ) الْمُفَضَّلِ وَخَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَاهُمُ الْمَعْنَى عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءَ عَنْ بَرَكَةَ أَبِي الْوَلِيدِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا عِنْدَ الرُّكْنِ قَالَ فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ ثَلَاثًا قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ وَلَمْ يَقُلْ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَأَيْتُ وَقَالَ قَاتَلَ اللَّهُ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ أخبرنا هشيم
(17/402)
أَخْبَرَنَا خَالِدٌ عَنْ بَرَكَةَ أَبِي الْعُرْيَانِ الْمُحَارِبِيِّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ كَذَا قَالَ عَنْ بَرَكَةَ أَبِي الْعُرْيَانِ وَسَمِعَتْ أَبِي يَقُولُ وَأَبُو الْعُرْيَانِ الَّذِي يُحَدِّثُ عَنْهُ خَالِدٌ اسْمُهُ أُنَيْسٌ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ عِيسَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبَابَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِهِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ ثَمَنَهُ وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ ذَهَبَ إِلَى إِجَازَةِ بَيْعِ الزَّيْتِ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ الْمَيْتَةُ مَعَ امْتِنَاعِهِ مِنْ أَكْلِهِ وَإِقْرَارِهِ بِنَجَاسَتِهِ وَقَدْ دَفَعَ هَذَا التَّأْوِيلُ بَعْضَ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا كَانَ مِثْلُهُ إِنَّمَا خَرَجَ عَلَى مَا قَدْ حُرِّمَ بِذَاتِهِ مِثْلَ الْخَمْرِ وَشُحُومِ الْمَيْتَةِ وَأَمَّا
(17/403)
الزَّيْتُ الَّذِي تَمُوتُ فِيهِ الْفَأْرَةُ فَإِنَّمَا تَنَجَّسَ بِالْمُجَاوَرَةِ وَلَيْسَ بِنَجَسِ الذَّاتِ وَلَوْ كَانَ نَجِسَ الذَّاتِ مَا جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَلَا اسْتِعْمَالُهُ فِي شَيْءٍ كَمَا لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْخَمْرِ وَلَا الْخِنْزِيرِ وَلَا الْمَيْتَةِ فِي شَيْءٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُجَوَّدَةً فِي بَابِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ الدُّعَاءِ عَلَى الْيَهُودِ وَإِبَاحَةُ لَعْنِهِمْ اقْتِدَاءً بِهِ فِي ذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ قَالَ تَفَرَدَّ حَبِيبٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءٍ قَالَ رَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ غِفَارٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اللَّهُمَّ الْعَنْ بَنِي لِحْيَانَ وَرِعْلًا وَذَكْوَانَ قَالَ خُفَافٌ فَجُعِلَ لَعْنُ الْكُفَّارِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (2) وَتَفَرَّدَ بِهِ حَبِيبٌ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ صَحِيحٌ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَمَّا لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ الْحَدِيثَ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ فَقَالَ ابْنُ مسعود مالي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ لَعْنُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْخَبَرَ فِيمَا مَضَى من
(17/404)
هَذَا الْكِتَابِ وَقَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَالْيَهُودَ وَغَيْرَهُمْ وَمُحَالٌ أَنْ تَكُونَ لَعْنَتُهُ لِهَؤُلَاءِ رَحْمَةً عَلَيْهِمْ فَمَنْ لَعَنَ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُلْعَنَ فَمُبَاحٌ وَمَنْ لَعَنَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ اللَّعْنَ فَقَدْ أَثِمَ وَمَنْ تَرَكَ اللَّعْنَ عِنْدَ الْغَضَبِ وَلَمْ يَلْعَنْ مُسْلِمًا وَلَمْ يَسُبَّهُ فَذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا سَحْنُونُ حَدَّثَنَا ابْنُ وهب أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ لَمْ أَسْمَعْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَلْعَنُ خَادِمًا قَطُّ غَيْرَ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ غَضِبَ فِيهَا عَلَى بَعْضِ خَدَمِهِ فَقَالَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ كَلِمَةٌ لَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقُولَهَا وَقَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُخْتَفِي يَعْنِي نَبَّاشَ الْقُبُورِ وَلَعَنَ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا الْحَدِيثَ) وَقَدْ ذَكَرَ مَالِكٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجَ يَقُولُ مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إِلَّا وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي رمضان
(17/405)
قَرَأْتُ عَلَى سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ أَنَّ قَاسِمَ بْنَ أَصْبَغَ حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَأَيْتُ عُمَرَ يَقُولُ بِيَدِهِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ هَكَذَا يَعْنِي يُحَرِّكُهَا يَمِينًا وَشِمَالًا عُوَيْمِلٌ لَنَا بِالْعِرَاقِ عُوَيْمِلٌ لَنَا بِالْعِرَاقِ خَلَطَ فِي فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ أَثْمَانَ الْخَنَازِيرِ وَالْخَمْرِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا فَبَاعُوهَا قَالَ سُفْيَانُ جَمَّلُوهَا يعني أذابوها
(17/406)
حَدِيثٌ خَامِسُ عِشْرِينَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ محمد بن عمرو بن حزم أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي سَيْلِ مَهْزُورٍ وَمُذَيْنِيبٍ يُمْسَكُ حَتَّى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يُرْسِلُ الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ قَالَ أَبُو عُمَرَ لَا أَعْلَمُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي سَيْلِ مَهْزُورٍ وَمُذَيْنِيبٍ هَكَذَا يَتَّصِلُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَأَرْفَعُ أَسَانِيدَهُ مَا حَدَّثَنَاهُ خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبُو الْعَطَّارِ بِمِصْرَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ صَالِحِ بْنِ صَفْوَانَ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْحَرَّانِيُّ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ
(17/407)
دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ أَهْلُ مَهْزُورٍ فَقَضَى (أَنَّ الْمَاءَ إِذَا بَلَغَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ لَمْ يَحْبِسِ الْأَعْلَى وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي سَيْلِ مَهْزُورٍ أَنْ يُحْبَسَ فِي كُلِّ حَائِطٍ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يُرْسَلُ وَغَيْرُهُ مِنَ السُّيُولِ كَذَلِكَ قَالَ وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى الْجُدُرِ فَكَانَ ذَلِكَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ قَالَ أَبُو عُمَرَ سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ عَنْ حَدِيثِ هَذَا الْبَابِ فَقَالَ لَسْتُ أَحْفَظُ فِيهِ بِهَذَا اللَّفْظُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا يَثْبُتُ (1) قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذَا اللَّفْظِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ مُجْتَمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَيُونُسَ بْنِ يَزِيدَ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ عَنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ كَانَا يَسْقِيَانِ بِهِ كلاهما
(17/408)
النَّخْلَ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ سَرَحَ الْمَاءُ فَأَبَى عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ يَا زُبَيْرُ اسْقِ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ قَالَ الزُّبَيْرُ لَا أَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ إِلَّا فِي ذَلِكَ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ الْآيَةَ وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِمَا فِيهِ السَّعَةُ لِلْأَنْصَارِيِّ فَلَمَّا كَانَ مِنْهُ مَا كَانَ مِنَ الْجَفَاءِ اسْتَوْعَبَ لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْإِسْكَافِيِّ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْقَاضِي حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي سَيْلِ مَهْزُورٍ وَمُذَيْنِيبٍ أَنْ يُمْسِكَ الْأَعْلَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ
(17/409)
ثُمَّ يُرْسِلَ الْأَعْلَى إِلَى الْأَسْفَلِ وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ جِدًّا عَنْ مَالِكٍ لَا أَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ مَالِكٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ) قَالَ أَبُو عُمَرَ حَدِيثُ سَيْلِ مَهْزُورٍ وَمُذَيْنِيبٍ حَدِيثٌ مَدَنِيٌّ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مستعمل عندهم معروف معمول به ومهزور وَادٍ بِالْمَدِينَةِ وَكَذَلِكَ مُذَيْنِيبٌ وَادٍ أَيْضًا عِنْدَهُمْ وَهُمَا جَمِيعًا يُسْقَيَانِ بِالسَّيْلِ فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ مُتَوَارَثًا عِنْدَهُمُ الْعَمَلُ بِهِ وَذَكَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ بن حبيب أن مهزور ومذينيب واديان من أودية المدينة يسيلان بالمطر وتتنافس أَهْلُ الْحَوَائِطِ فِي سَيْلِهِمَا فَقَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْلَى فَالْأَعْلَى وَالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ إِلَى ذَلِكَ السَّيْلِ يُدْخِلُ صَاحِبُ الْحَائِطِ الْأَعْلَى اللَّاصِقِ بِهِ السَّيْلُ جَمِيعَ الْمَاءِ فِي حَائِطِهِ وَيَصْرِفُ مَجْرَاهُ إِلَى بِيبَتِهِ فَيَسِيلُ فِيهَا وَيَسْقِي بِهِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ مِنْ قَاعَةِ الْحَائِطِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْقَائِمِ أَغْلَقَ الْبِيبَةَ وَصَرَفَ مَا زَادَ مِنَ الْمَاءِ عَلَى مِقْدَارِ الْكَعْبَيْنِ إِلَى مَنْ يَلِيهِ لِحَائِطِهِ فَيَصْنَعُ فِيهِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَصْرِفُهُ إِلَى مَنْ يَلِيهِ أَيْضًا هَكَذَا أَبَدًا يَكُونُ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى أَوْلَى بِهِ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ حَتَّى يَبْلُغَ مَاءُ السَّيْلِ إِلَى أَقْصَى الْحَوَائِطِ قَالَ وَهَكَذَا فَسَّرَهُ لِي مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عِنْدَ سُؤَالِهِمَا عَنْ ذَلِكَ وَقَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ وَقَدْ كَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ
(17/410)
يَقُولُ إِذَا انْتَهَى الْمَاءُ فِي الْحَائِطِ إِلَى مِقْدَارِ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْقَائِمِ أَرْسَلَهُ كُلَّهُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ وَلَيْسَ يَحْبِسُ مِنْهُ شَيْئًا فِي حَائِطِهِ وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَحَبُّ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ وَهُمَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَدِينَةَ دَارُهُمَا وَبِهَا كَانَتِ الْقِصَّةُ وَفِيهَا جَرَى الْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ وَرَوَى زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ قَالَ تَفْسِيرُ قِسْمَةِ ذَلِكَ أَنْ يَجْرِيَ الْأَوَّلُ الَّذِي حَائِطُهُ أَقْرَبُ إِلَى الْمَاءِ مَجْرَى الْمَاءِ فِي سَاقِيَتِهِ إِلَى حَائِطِهِ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ الْمَاءُ فِي السَّاقِيَةِ إِلَى حَدِّ كَعْبَيْهِ فَيَجْرِي كَذَلِكَ فِي حَائِطِهِ حَتَّى يَرْوِيَهُ ثُمَّ يَفْعَلُ الَّذِي يَلِيهِ كَذَلِكَ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَذَلِكَ مَا بَقِيَ مِنَ الْمَاءِ شَيْءٌ قَالَ وَهَذِهِ السُّنَّةُ فِيهِمَا وَفِيمَا يُشْبِهُهُمَا مِمَّا لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ حَقٌّ مُعَيَّنٌ الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِالتَّبْدِيَةِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ إِلَى آخِرِهِمْ رَجُلًا قَالَ أَبُو عُمَرَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّ فِيهِ ثُمَّ يُرْسِلُ الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ وَلَمْ يَقُلْ ثُمَّ يُرْسِلُ بَعْضَ الْأَعْلَى وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ ثُمَّ يَحْبِسُ الْأَعْلَى وَهَذَا كُلُّهُ يَشْهَدُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَيْضًا أَنَّ الْأَعْلَى لَوْ لَمْ يُرْسِلْ إِلَّا مَا زَادَ على الكعبين لا نقطع ذَلِكَ الْمَاءُ فِي أَقَلِّ مُدَّةٍ وَلَمْ يَنْتَهِ حَيْثُ يَنْتَهِي إِذَا أَرْسَلَ الْجَمِيعَ وَفِي إِرْسَالِ الْجَمِيعِ بَعْدَ أَخْذِ الْأَعْلَى مِنْهُ مَا بَلَغَ الْكَعْبَيْنِ أَعَمُّ فَائِدَةً وَأَكْثَرُ نَفْعًا فِيمَا قَدْ جُعِلَ النَّاسُ فِيهِ شُرَكَاءَ فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْلَى عَلَى كُلِّ حَالٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ وَمُعَارَضَاتٌ لَا مَعْنَى لِلْإِتْيَانِ بِهَا وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَا وَبِاللَّهِ تَوْفِيقُنَا
(17/411)
قَالَ أَبُو عُمَرَ حَكَمُ الْأَرْحَى وَسَائِرِ الْمَنَافِعِ مِنَ النَّبَاتِ وَالشَّجَرَاتِ فِيمَا كَانَ أَصْلُ قِوَامِهِ وَحَيَاتِهِ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي لَا صُنْعَ فِيهِ لِآدَمِيٍّ كَمَاءِ السُّيُولِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا كَحُكْمِ مَا ذَكَرْنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي أَثَرٍ وَلَا نَظَرٍ وَأَمَّا مَا اسْتُحِقَّ بِعَمَلٍ أَوْ مِلْكٍ صَحِيحٍ وَاسْتِحْقَاقٍ قَدِيمٍ وَثُبُوتِ مِلْكٍ فَكُلٌّ عَلَى حَقِّهِ عَلَى حَسَبِ مَا مِنْ ذَلِكَ بِيَدِهِ وَعَلَى أَصْلِ مَسْأَلَتِهِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلسَّدَادِ لَا شَرِيكَ لَهُ
(17/412)
حَدِيثٌ سَادِسُ عِشْرِينَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ محمد بن عمرو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَى جَمَلًا كَانَ لِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَقَعَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ غَيْرِنَا فِي كِتَابِ يَحْيَى فِي الْمُوَطَّأِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَهَذَا مِنَ الْغَلَطِ الْبَيِّنِ وَلَا أَدْرِي مَا وَجْهُهُ وَلَمْ يَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ لِلْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَا عَلِمْتُ قَدِيمًا وحديثا أن هذا الحديث في الموطأ لِمَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَلَيْسَ لِنَافِعٍ فِيهِ ذِكْرٌ وَلَا وَجْهَ لِذِكْرِ نَافِعٍ فِيهِ وَلَمْ يَرْوِ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ قَطُّ شَيْئًا بَلْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ مِمَّنْ يَصْلُحُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ نَافِعٍ وَقَدْ رَوَى عَنْ نَافِعٍ مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْهُ (وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ جَمَاعَةِ رُوَاتِهِ لِمَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَرَوَاهُ سُوِيدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(17/413)
أَهْدَى جَمَلًا لِأَبِي جَهْلٍ وَهَذَا مِنْ خَطَأِ سُوَيْدٍ وَغَلَطِهِ) وَهَذَا الْحَدِيثُ يَسْتَنِدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَهْدَى عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي هَدَايَاهُ جَمَلًا لِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ فِي رَأْسِهِ بُرَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ لِيَغِيظَ بِهِ الْمُشْرِكِينَ وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ العزيز حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فِيهَا جَمَلٌ لِأَبِي جَهْلٍ عَلَيْهِ بُرَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَأَخْبَرَنَا قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مَنْصُورٍ وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَعُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْرُورٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مِسْكِينٍ قَالَا جَمِيعًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَنْجَرٍ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاقَ
(17/414)
مِائَةَ بَدَنَةٍ فِيهَا جَمَلٌ لِأَبِي جَهْلٍ عَلَيْهِ برة من فضة وقد رويت عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهدي فِي حَجَّتِهِ مِائَةَ بَدَنَةٍ فِيهَا جَمَلٌ لِأَبِي جَهْلٍ وَفِي هَذَا اللَّفْظِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَظَرٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِسْمَانِ الْهَدَايَا وَاخْتِيَارِهَا وَانْتِخَابِهَا وَأَنَّ الْجَمَلَ يُسَمَّى بَدَنَةً كَمَا أَنَّ النَّاقَةَ تُسَمَّى بَدَنَةً وَهَذَا الِاسْمُ مُشْتَقٌّ مِنْ عَظْمِ الْبَدَنِ عِنْدَهُمْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ رَدُّ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْبَدَنَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا أُنْثَى وَفِيهِ إِجَازَةُ هَدْيِ ذُكُورِ الْإِبِلِ وَهُوَ أَمْرٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْهَدْيِ وَأَمَّا اسْتِسْمَانُ الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا وَالْغُلُوُّ فِي ثَمَنِهَا وَاخْتِيَارِهَا فَدَاخِلٌ عِنْدِي تَحْتَ عُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَفْضَلِ الرِّقَابِ فَقَالَ أَغْلَاهَا ثَمَنًا وَهَذَا كُلُّهُ مَدَارُهُ عَلَى صِحَّةِ النِّيَّةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ وَفِي حَدِيثِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ فِيهِ قَوْلُهُ لِيَغِيظَ بِهِ الْمُشْرِكِينَ وَذَلِكَ عِنْدِي تَفْسِيرٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْ تَدَبَّرَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(17/415)
(عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ أَبُو طُوَالَةَ)
وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَزْمٍ أَبُو طُوَالَةَ الْأَنْصَارِيُّ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَرَوَى عَنْهُ وَرَوَى عَنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَوَلِيَ الْقَضَاءَ بِالْمَدِينَةِ فِي أَيَّامِ وِلَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَلَيْهَا وَهُوَ مِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَزَائِدَةُ وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ وَاضِحٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي مَالِكٌ قَالَ كَانَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ رَجُلًا صَالِحًا وَكَانَ قَاضِيًا فِي خِلَافَةِ سُلَيْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَانَ يَسْرُدُ الصِّيَامَ وَكَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا حَسَنًا وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْوَالِي فَيَنْصَحُهُ وَلَا يَرْفُقُ بِهِ وَيُكَلِّمُهُ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ مِنَ الْحَقِّ قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنَ النَّاسِ يَفْرَقُ أَنْ يُضْرَبَ
(17/416)
قَالَ أَبُو عُمَرَ لِمَالِكٍ عَنْهُ فِي الْمُوَطَّأِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ أَحَدُهَا عِنْدَ يَحْيَى مُرْسَلٌ وَهُوَ مُتَّصِلٌ مِنْ وُجُوهٍ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَالثَّانِي مُتَّصِلٌ مُسْنَدٌ لَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي اتِّصَالِهِ وَالثَّالِثُ مُرْسَلٌ لَمْ يَخْتَلِفْ رُوَاةُ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِهِ
(17/417)
حَدِيثٌ أَوَّلُ لِأَبِي طُوَالَةَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَنَا أَسْمَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَأَغْتَسِلُ وَأَصُومُ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلَنَا قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ وَاللَّهِ إِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي هَكَذَا رَوَى يَحْيَى هَذَا الْحَدِيثَ مُرْسَلًا وَهِيَ رِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِهِ عَنْهُ وَأَمَّا ابْنُ وَضَّاحٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ يَحْيَى فِي الْمُوَطَّأِ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ عَنْ عَائِشَةَ فَوَصَلَهُ وَأَسْنَدَهُ وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَ جَمَاعَةِ الرُّوَاةِ لِلْمُوَطَّأِ مُسْنَدًا عَنْ عَائِشَةَ مِنْهُمُ ابْنُ القاسم والقعنبي
(17/418)
وابن بكير وأبو المصعب (وعبد الله بن يُوسُفَ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ قَاسِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْفَوَارِسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ أَبِي طُوَالَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْبَابِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَأَغْتَسِلُ وَأَصُومُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلَنَا قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي) وقد ذكرأبو دَاوُدَ رِوَايَةَ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنَدًا كَمَا ذَكَرْنَا إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّبِعُ وَرِوَايَةُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ لَهُ كَمَا وَصَفْنَا مَسْنَدًا عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ مَحْفُوظٌ صَحِيحٌ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ فِي الْمُوَطَّأِ حَاشَا رِوَايَةِ يَحْيَى وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(17/419)
(أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَائِشَةَ أن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ قَالَ لَسْتَ مِثْلَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْمَعَانِي سُؤَالُ الْعَالِمِ وَهُوَ وَاقِفٌ فَذَلِكَ جَائِزٌ بِدَلَالَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِيهِ الرِّوَايَةُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى السَّمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَرَ الْمُشْهِدُ أَوِ الْمُحَدِّثَ إِذَا كَانَ الْمَعْنَى الْمَسْمُوعُ مُسْتَوْفًى قَدِ اسْتُوْقِنَ وَأُحِيطَ بِهِ عِلْمًا وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ الْأَعْمَى وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ من كتابا هَذَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَفِيهِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَذَلِكَ أَنَّ الْجُنُبَ إِذَا لَحِقَتْهُ جَنَابَةٌ لَيْلًا قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ يَضُرَّ صِيَامَهُ أَنْ لَا يَغْتَسِلَ إِلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْآثَارُ فِي هَذَا الْبَابِ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عِنْدِي ضَعِيفًا يُشْبِهُ الشُّذُوذَ فَأَمَّا اخْتِلَافُ الْآثَارِ فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن من أدركه
(17/420)
الصُّبْحُ وَهُوَ جُنُبٌ فَقَدْ أَفْطَرَ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ صِيَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَسْمَعْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَحَالَ إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِ مَرَّةً عَلَى الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَمَرَّةً عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَمَرَّةً قَالَ أَخْبَرَنِيهِ مُخْبِرٌ وَمَرَّةً قَالَ حَدَّثَنِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ فِي بَابِ (سُمَيٍّ) مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الْقَارِي قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ لَا وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ مَا أَنَا قُلْتُهُ مَنْ أَدْرَكَهُ الصُّبْحُ وَهُوَ جُنُبٌ فَلَا يَصُمْ مُحَمَّدٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَهُ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْقَارِي
(17/421)
سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ مَا قُلْتُ مَنْ أَدْرَكَهُ الصُّبْحُ وَهُوَ جُنُبٌ فَلَا صَوْمَ لَهُ مُحَمَّدٌ وَرَبِّ الْبَيْتِ قَالَهُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شعيب حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ زَنْجَوَيْهِ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ احْتَلَمَ لَيْلًا فِي رَمَضَانَ وَاسْتَيْقَظَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ ثُمَّ نَامَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ فَلَقِيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ حِينَ أَصْبَحْتُ فَاسْتَفْتَيْتُهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَفْطِرْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْفِطْرِ إِذَا أَصْبَحَ الرَّجُلُ جُنُبًا قَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَجِئْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَذَكَرْتُ لَهُ الَّذِي أَفْتَانِي بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ إِنِّي أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَئِنْ أَفْطَرْتَ لَأُوجِعَنَّ مَتْنَيْكَ فَإِنْ بَدَا لَكَ أَنْ تَصُومَ يَوْمًا آخَرَ فَافْعَلْ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا يَقُولُ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَجَعَلَ مَكَانَ عَبْدِ اللَّهِ عُبَيْدَ اللَّهِ وَجَاءَ بِالْحَدِيثِ سَوَاءً وَعَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ثِقَتَانِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ فِي مَعْرِفَتِهِمَا
(17/422)
وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ ابْنًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ لَمْ يَقُلْ عَبْدُ اللَّهِ وَلَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذِهِ الْفَتْوَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى مَا عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَمَنْ تَابَعَهَا فِي هَذَا الْبَابِ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَخِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ كَانَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ مَنِ احْتَلَمَ مِنَ اللَّيْلِ أَوْ وَاقَعَ أَهْلَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ وَلَمْ يَغْتَسِلْ فَلَا يَصُمْ قَالَ ثُمَّ سَمِعْتُهُ نَزَعَ عَنْ ذَلِكَ وَرَوَى مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكَرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَفَّ عَنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ نَزَعَ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَعْرَابِيُّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَبَّادٍ عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا ثُمَّ يَغْتَسِلُ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ وَيُصَلِّي وَأَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ ثُمَّ يَصُومُ
(17/423)
قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ عَائِشَةَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَطُرُقٍ مُتَوَاتِرَةٍ وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ (فَالَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ بِالْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ الْقَوْلُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا وَيَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَإِسْحَاقُ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْفَتْوَى مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْحَدِيثِ) رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَطَاوُسٍ أَنَّ الْجُنُبَ في رمضان إذا علم بجنابته فلم يغستل حَتَّى يُصْبِحَ فَهُوَ مُفْطِرٌ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى يُصْبِحَ فَهُوَ صَائِمٌ وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لَا صَوْمَ لَهُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ رُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا يُتِمُّ صِيَامَ يَوْمِهِ ذَلِكَ وَيَقْضِيهِ إِذَا أَصْبَحَ فِيهِ جُنُبًا وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فِي رِوَايَةٍ غَيْرِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَنْهُ إِنَّ ذَلِكَ يُجْزِيهِ فِي التَّطَوُّعِ وَيَقْضِي فِي الْفَرْضِ وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ يَسْتَحِبُّ إِنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ أَنْ يَقْضِيَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَكَانَ يَقُولُ يَصُومُ الرَّجُلُ تَطَوُّعًا وَإِنْ أَصْبَحَ جُنُبًا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَكَانَ يَرَى عَلَى الْحَائِضِ إِذَا أَدْرَكَهَا الصُّبْحُ وَلَمْ تَغْتَسِلْ أَنْ تَقْضِيَ ذلك
(17/424)
الْيَوْمَ وَذَهَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْحَائِضِ نَحْوَ هَذَا الْمَذْهَبِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا طَهُرَتِ الْحَائِضُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَأَخَّرَتْ غُسْلَهَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَيَوْمُهَا يَوْمُ فِطْرٍ لِأَنَّهَا فِي بَعْضِهِ غَيْرُ طَاهِرٍ وَلَيْسَتْ كَالَّذِي يُصْبِحُ جُنُبًا فَيَصُومُ لِأَنَّ الِاحْتِلَامَ لَا يَنْقُضُ الصَّوْمَ وَالْحَيْضَ يَنْقُضُهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّائِمِ يُصْبِحُ جُنُبًا مَا فِيهِ شِفَاءٌ وَغِنًى وَاكْتِفَاءٌ عَنْ قَوْلِ كُلِّ قَائِلٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا وَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مِثْلِ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ وَإِذَا أُبِيحَ الْجِمَاعُ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْفَجْرُ فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ إِلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَدْ نَزَعَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ رَبِيعَةُ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَمِنَ الْحُجَّةِ أَيْضًا فِيمَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ الْجَمَاعَةُ فِي هَذَا الْبَابِ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ الِاحْتِلَامَ بِالنَّهَارِ لَا يُفْسِدُ الصِّيَامَ فَتَرْكُ الِاغْتِسَالِ مِنْ جَنَابَةٍ تَكُونُ لَيْلًا أَحْرَى أَنْ لَا يُفْسِدَ الصَّوْمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى مَا قُلْنَا مِنَ
(17/425)
الْعُلَمَاءِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو ذَرٍّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَالشَّافِعِيُّ فِي سَائِرِ عُلَمَاءِ الْمَكِّيِّينَ وَالْحِجَازِيِّينَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ عُلَيَّةَ فِي جَمَاعَةِ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ فِي فُقَهَاءِ أَهْلِ الشَّامِ وَالْمَغْرِبِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالطَّبَرِيُّ وَجَمَاعَةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي الْحَائِضِ تَطْهُرُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا تَغْتَسِلُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَالثَّوْرِيَّ وأحمد وإسحاق وأبو ثَوْرٍ يَقُولُونَ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْجُنُبِ وَتَغْتَسِلُ وَتَصُومُ وَيُجْزِيهَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَالْأَوْزَاعِيُّ تَصُومُهُ وَتَقْضِيهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ صَامَتْهُ وَقَضَتْهُ وإن كانت أيامها عشرا فَإِنَّهَا تَصُومُ وَلَا تَقْضِي قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدِ اتَّفَقَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّهَا تَصُومُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي قَضَائِهِ وَلَا حُجَّةَ مَعَ مَنْ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ فِيهِ وَإِيجَابَ فَرْضٍ وَالْفَرَائِضُ لَا تَثْبُتْ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ وَإِنَّمَا تَثْبُتْ مِنْ جِهَةِ التَّوْقِيفِ بِالْأُصُولِ الصِّحَاحِ وَلَا أَدْرِي إِنْ كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ يَرَى صَوْمَهُ أَمْ لَا لِأَنَّهُ يَقُولُ إِنَّ يَوْمَهَا ذَلِكَ يَوْمُ فِطْرٍ فَإِنْ كَانَ لَا يَرَى صَوْمَهُ فَهُوَ شَاذٌّ وَالشُّذُوذُ لَا نُعَرِّجُ
(17/426)
عَلَيْهِ وَلَا مَعْنَى لِمَا اعْتَلَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الْحَيْضَ يَنْقُضُ الصَّوْمَ وَالِاحْتِلَامَ لَا يَنْقُضُهُ لِأَنَّ مَنْ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا لَيْسَتْ بِحَائِضٍ وَالْغُسْلُ بِالْمَاءِ عِبَادَةٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْغُسْلَ مَعْنًى وَالطُّهْرُ غَيْرُهُ فَتَدَبَّرْ وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمْ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
(17/427)
حَدِيثٌ ثَانٍ لِأَبِي طُوَالَةَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ لِجَلَالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي قال أبوعمر أَبُو الْحُبَابِ سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ هَذَا مَدَنِيٌّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَهُوَ مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَقِيلَ بَلْ هُوَ مَوْلَى شُمَيْسَةَ امْرَأَةٍ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً فَأَسْلَمَتْ عَلَى يَدَيِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَتُوُفِّيَ أَبُو الْحُبَابِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عِنْدَ جَمَاعَةِ رُوَاتِهِ فِيمَا عَلِمْتُ وَقَدْ كَانَ عِنْدَ مَالِكٍ فِيهِ إِسْنَادٌ آخَرُ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ كَانَ عِنْدَهُ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ حَدِيثُ أَبِي طُوَالَةَ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ
(17/428)
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَاضِحٌ فِي فَضْلِ الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ لِجَلَالِي أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ إِجْلَالًا لِي وَمَحَبَّةً فِي فَمِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِجْلَالُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَمَحَبَّتُهُمْ كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِجْلَالُ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَلَا الْجَافِي عَنْهُ وَإِذَا كَانَ ذِكْرُهُمْ وَذِكْرُ فَضَائِلِهِمْ عَمَلَ بِرٍّ فَمَا ظَنُّكَ بِحُبِّهِمْ وَإِخْلَاصِ الْوُدِّ لَهُمْ قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عُثْمَانَ سَعِيدِ بْنِ نَصْرٍ أَنَّ قَاسِمَ بْنَ أَصْبَغَ حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ عِنْدَ ذِكْرِ الصَّالِحِينَ تَتَنَزَّلُ الرَّحْمَةُ قَالَ وَسَمِعْتُ ابْنَ أَبِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ اسْلُكُوا سَبِيلَ الْحَقِّ وَلَا تَسْتَوْحِشُوا مِنْ قِلَّةِ أَهْلِهِ وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ مِخْرَاقٍ عَنْ أَبِي كِنَانَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ لَا الْجَافِي عَنْهُ وَذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مِنْ تَعْظِيمِ جَلَالِ اللَّهِ إِكْرَامُ ثَلَاثَةٍ الْإِمَامِ الْمُقْسِطِ
(17/429)
وذي الشيبة الملم وحامل القرآن غيرالغالي فِيهِ وَلَا الْجَافِي عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ فِيهَا لِينٌ وَحَمَلَةُ الْقُرْآنِ هُمُ الْعَامِلُونَ بِأَحْكَامِهِ وَحَلَالِهِ وحرامه بِمَا فِيهِ وَمِنْ أَوْثَقِ عُرَى الْإِسْلَامِ الْبُغْضُ فِي اللَّهِ وَالْحُبُّ فِي اللَّهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْرُوقٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مِسْكِينٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَنْجَرٍ حَدَّثَنَا عَارِمٌ حَدَّثَنَا الصَّعْقُ بْنُ حَزْنٍ عَنْ عَقِيلٍ الْجَعْدِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سُوِيدِ بْنِ غَفْلَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تَدْرِي أَيُّ عُرَى الْإِيمَانِ أَوْثَقُ قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ الْوِلَايَةُ فِي اللَّهِ الْحُبُّ وَالْبُغْضُ فِيهِ (وَذَكَرَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ مَا مِنْ عَمَلِي شَيْءٌ إِلَّا وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَهُ مَا يُفْسِدُهُ إِلَّا الْحُبَّ فِي اللَّهِ قَالَ وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ مَرِضْتُ مَرْضَةً فَلَمْ يَكُنْ
(17/430)
فِي عَمَلِي شَيْءٌ أَوْثَقَ فِي نَفْسِي مِنْ قَوْمٍ كُنْتُ أُحِبُّهُمْ فِي اللَّهِ وَذَكَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ قَالَ نَزَلَتْ فِي الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْرُورٍ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ مِسْكِينٍ حَدَّثَنَا ابْنُ سِنْجِرٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِسْلَامِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللَّهِ وَتُبْغِضَ فِي اللَّهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ فَمِنَ الْحُبِّ فِي اللَّهِ حُبُّ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَهُمُ الْأَنْقِيَاءُ الْعُلَمَاءُ الْفُضَلَاءُ وَمِنَ الْبُغْضِ فِي اللَّهِ بُغْضُ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَجَاهَرَ بِمَعَاصِيهِ أَوْ أَلْحَدَ فِي صِفَاتِهِ وَكَفَرَ بِهِ وَكَذَّبَ رُسُلَهُ أَوْ نَحْوَ هَذَا كُلِّهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي ظِلِّ اللَّهِ فَإِنَّهُ أَرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ وَقَدْ يَكُونُ الظِّلُّ كناية عن
(17/431)