|
مؤلف الأصل: مالك بن أنس الأصبحي المدني (المتوفى: 179هـ)
الشارح: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد الخضير
دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير
[الكتاب مرقم آليا، رقم الجزء هو رقم الدرس - 187 درسا]
قال: "وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه كان يقول: الغرة تقوم خمسين ديناراً، أو ستمائة دينار" لماذا؟ لأن الدية ألف دينار، واثني عشر ألف درهم، هذه دية الرجل، دية المرأة على النصف، فتكون خمسمائة دينار، أو ستة آلاف درهم قال: "ودية المرأة الحرة المسلمة خمسمائة دينار أو ستة آلاف درهم" وعشر الخمسمائة دينار كم؟ خمسون ديناراً، وعشر الستة آلاف درهم؟ ستمائة درهم.
"قال مالك: فدية جنين الحرة عشر ديتها" دية جنين الحرة عشر ديتها، والعشر خمسون ديناراً، أو ستمائة دينار، لو قدر أن جنين الحرة من عبد، زوجها عبد، نعم يتبع أمه حرية ورقاً، فدية جنين الحرة عشر ديتها، والعشر خمسون ديناراً أو ستمائة ردهم.
"قال مالك: ولم أسمع أحداً يخالف في أن الجنين لا تكون فيه الغرة حتى يزايل" يعني ينفصل "يزايل بطن أمه" يعني ينفصل منه "ويسقط من بطنها ميتاً" لأنه إن سقط حياً الحكم يختلف، نعم إذا سقط حياً ثم مات فالحكم يختلف، فالدية كاملة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الجناية تقدر، الجناية تقدر بقدرها، تقدر بقدرها، هي جناية على كل حال.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
أهل العلم يقولون بالجواز قبل الأربعين بدواء مباح. . . . . . . . .
هنا يقول: في المنقلة خمسة عشرة من الإبل كما في كتاب النبي -عليه الصلاة والسلام- لعمرو بن حزم، قال وهو مجمع عليه، خمس عشرة من الإبل.
يقول -رحمه الله تعالى-: "قال مالك: ولم أسمع أحداً يخالف في أن الجنين لا تكون فيه الغرة حتى يزاول بطن أمه، ويسقط من بطنها ميتاً".
"قال مالك: وسمعت أنه إذا خرج الجنين من بطن أمه حياً، ثم مات أن فيه الدية كاملة" لأنه إذا انفصل منها حياً صارت الجناية عليه جناية على نفس معصومة كاملة، ففيه الدية كاملة.
"قال مالك: ولا حياة للجنين إلا بالاستهلال" فإذا استهل ثبتت الأحكام، ويرث حينئذٍ "فإذا خرج من بطن أمه فأستهل، ثم مات ففيه الدية كاملة، ونرى أن في جنين الأمة عشر ثمن أمه" هناك عشر دية أمه في الحرة، وفي الأمة عشر ثمن أمه "قال مالك: وإذا قتلت المرأة رجلاً".
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
(162/15)
يعني على حسب ما تستحق أمه، عشر ثمن أمه.
"قال مالك: وإذا قتلت المرأة رجلاً أو امرأة عمداً والتي قتلت حامل لم يقد منها حتى تضع حملها" يعني كما تقدم في الحدود أنها لا تقام عليها الحدود حتى تضع حملها "وإن قتلت المرأة وهي حامل عمداً أو خطأ فليس على من قتلها في جنينها شيء" لأن مات تبعاً لها من غير قصد للقاتل " فإن قتلت عمداً قتل الذي قتلها، وليس في جنينها دية، وإن قتلت خطأ فعلى عاقلة قاتلها ديتها، وليس في جنينها دية" لأنه ما انفصل، ما سقط، مات وهو في بطن أمه "ولو اعتدى عليه فمات في بطنها" في الحديث السابق: "رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها" وفي الذي يليه: "أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة" لكن إذا جني عليه تبعاً لأمه لم يقصد بالجناية، يعني الجناية ما وقعت عليه استقلالاً، إنما وقعت على الأم، فصارت تبعاً لها، على كلام الإمام مالك أنه ليس فيه شيء، والأقيس أنه كالمستقل، نعم، هذه جناية وهذه جناية، كمن قتل اثنين، ويقصد واحد، لكن هل الحمل قبل انفصاله تثبت له الأحكام أو لا تثبت؟ هو لو قتل قبل انفصاله في بطن أمه وجب فيه عشر دية أمه، فإذا قتل تبعاً لها فكلام الإمام -رحمه الله تعالى- يدل على أنه لا شيء فيه، وإنما يكفي عقل أمه، دية أمه كاملة، ويثبت تبعاً لها، ولا شك أن الأقيس أن تثبت دية الأم ودية الجنين.
"وحدثني يحيى قال: سئل مالك عن جنين اليهودية والنصرانية يطرح، قال: أرى أن فيه عشر دية أمه" ودية اليهودي والنصراني محل خلاف بين أهل العلم، والأكثر على أنها على النصف، على النصف من دية المسلم، في تبعيض الجناية سواء كانت التبعيض للدية أو للكفارة.
هذا سؤال طرح في الدرس الماضي.
(162/16)
وهنا يقول: قال في الكافي: وأما شبه العمد فتجب فيه الكفارة؛ لأنه أجري مجرى الخطأ، وفي نفي عقوبته، وتحمل العاقلة ديته؛ لأنه أجري مجرى الخطأ في نفي عقوبته، وتحمل عاقلته ديته وتأجيلها، فكذلك في الكفارة؛ ولأنه لو لم تجب الكفارة لم يلزم القاتل شيء؛ لأن الدية تحملها العاقلة، وتجب الكفارة في مال الصبي والمجنون إذا قتل وإن تعمدا؛ لأن عمدهما تجب الكفارة في مال الصبي والمجنون إذا قتلا وإن تعمدا؛ لأنه تقدم أن عمد الصبي والمجنون كخطأ المكلف؛ لأن عمدهما أجري مجرى الخطأ في أحكامه وهذا من أحكامه، وتجب على النائم إذا انقلب على شخص فقتله، وعلى من قتلت بهيمته بيدها.
كيف؟
وتجب على النائم إذا انقلب على شخص فقتله، يعني أروش الجنايات كلها تثبت في حق من رفع عنه القلم، من الصبي والمجنون والنائم، هؤلاء رفع عنهم القلم، لكن إثبات التبعات عليهم في مثل هذا إنما هو من باب ربط الأسباب بالمسببات، لا من باب التكليف، وإنما هو من باب الحكم الوضعي.
وتجب على النائم إذا انقلب على شخص فقتله، وعلى من قتلت بهيمته بيدها أو فمها إذا كان قائدها أو راكبها أو سائقها؛ لأن حكم القتل لزمه، يعني كأنها صارت آلة بيده، فقتلت فصارت هي المباشرة وهو المتسبب، لا يقال: قتل عمد، لكن قاتل بهذه الآلة التي هي الدابة.
وعلى من قتلت بهيمته بيدها أو فمها إذا كان قائدها أو راكبها أو سائقها؛ لأن حكم القتل لزمه، فكذلك كفارته. الفقهاء يقولون: لو رمى قشر موز مثلاً فوطئه شخص فسقط فمات يلزمه، لو بالت دابته في الطريق فسقط أحد فمات يلزمه، ولا شك أن المسألة خلافية بين أهل العلم، لكن هذا القول قول معروف عندهم.
إلى أن قال: ومن عجز عن الكفارة بقيت في ذمته؛ لأنها كفارة تجب بالقتل فلا تسقط بالعجز، ككفارة قصد الصيد الحرمي، والكفارة كما هو معروف عتق رقبة مؤمنة، أو صيام شهرين متتابعين، وليس فيها إطعام.
(162/17)
يقول: في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: حكم كفارة القتل خطأ وأنها واجبة ومرتبة كما في الآية الكريمة، فقال: وعلى القاتل الحر لا العبد لعدم صحة عتقه المسلم لا الكافر؛ لأنه ليس من أهل القرب، وإن كان صبياً أو مجنوناً؛ لأن الكفارة من خطاب الوضع كعوض المتلفات، أو كان القاتل شريكاً لصبي أو مجنون أو غيرهما، فعلى كلٍ كفارة كاملة، ولو كثر الشركاء.
يعني لو اجتمع عشرة في قتل واحد، اجتمعوا في قتله، الدية تتبعض، لا يلزم إلا دية واحدة، كل واحد عليه العشر، لكن الكفارة؟ على كلامه، فعلى كلٍ كفارة كاملة ولو كثر الشركاء، هل معنى هذا أنه يعتق عنه عشرة، ويصام عنه عشرون شهر؟ نعم؟ هذا مفاد كلامه، يقول: وذكر صاحب المغني أن الكفارة لا تتبعض، والكفارة على غير المكلف من باب الحكم الوضعي، لكن هل تبقى في ذمته لعدم الاستطاعة، أو تسقط عنه قياساً لمن أسقط الكفارة على من جامع في نهاية رمضان؟ مع العلم أن العاقلة لا تتحمل عنه إلا الدية، وذلك في أنواع القتل الثلاث.
يقول الكاتب: وعند أبي حنيفة وجماعة من العلماء أنه لا كفارة على الصغير والمجنون، قالوا: إن الكفارة حق لله، وليست حقاً مالياً محضاً؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((رفع القلم عن ثلاثة)) ومنهم الصغير والمجنون، ومثل هذا الزكاة في مال الصبي والمجنون، الجمهور على أنها تجب، باعتبار أنها من باب حكم الوضع، لا من باب حكم التكليف، فلا يفيد فيها رفع القلم عنه، وعند أبي حنيفة لا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون؛ لأنهما غير مكلفين.
قال: فلا تلزمهما الكفارة؛ لأنهما ليسا من أهل التكليف، وذهب الجمهور إلى وجوب الكفارة على الصغير والمجنون؛ لأن الله أوجب الكفارة في القتل الخطأ، فدل ذلك على عدم اشتراط القصد، وإنما يشترط التكليف في العبادات من أجل القصد الصحيح، والصغير والمجنون لا قصد لهما، والقول الأول مال إليه، يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-، يعني قول أبي حنيفة.
(162/18)
يعني ومثل هذا في الصغير إذا أدخل في الإحرام، يعني أحرم له أبوه، الجمهور على أنه يلزمه الإتمام، وتترتب التبعات عليه، ولا يرفض إحرامه بحال من الأحوال، أبو حنيفة يقول: ما هو بمكلف متى رفض قبل رفضه، وهو من هذا الباب.
يقول: مسألة تبعض الكفارة من شارك في القتل ...
طالب: وهذا. . . . . . . . . يا شيخ في قضية الحج؟
لا أبد، مثل غيره، ما دام دخل، أدخله بطوعه واختياره تلزمه جميع التبعات، مثل جناياته ومثل متلفاته. مسألة تبعض الكفارة من شارك في القتل فعليه الكفارة، وعليه وعلى شريكه دية واحدة، فالدية واحدة، والكفارة متعددة؛ لأن الكفارة لا تتبعض فإنه قد يقال: إذا كان التكفير بالعتق فيمكن تبعضه بأن يشتركا في شراء رقبة ويعتقاها، وهذا ممكن، لكن في حقيقة الأمر أن كل واحد منهما أعتق نصف رقبة فقط، وكل واحد منها قاتل بالمشاركة، وكذلك يقال في الصيام، يعني لو أنهما قتلاه عمداً ألا يقتلان به؟ فكل واحد كأنه مستقل بالجناية، نعم ولو قلنا بالتبعض لقلنا أيضاً: القتل ولو كان عمداً يتبعض، فيكون على هذا نصف وهذا نصف، فما داما يقتلان به في حال العمد، ولا يبعض القتل، فكذلك البدل عنه، فيما لو تنازلوا عن قاتل العمد إلى الدية، وعلى خلاف في الكفارة، هل تلزم قاتل العمد أو لا تلزمه؟ على كل حال يقول: من شارك في القتل فعليه الكفارة، وعليه وعلى شريكه دية واحدة، فالدية واحدة، والكفارة متعددة؛ لأن الكفارة لا تتبعض، فإنه قد يقال: إذا كان التكفير بالعتق فيمكن تبعضه بأن يشتركا في شراء رقبة ويعتقاها وهذا ممكن، لكن في حقيقة الأمر أن كل واحد منهما أعتق نصف رقبة فقط، وكل واحد منها قاتل بالمشاركة، وكذلك يقال في الصيام، يعني ما يقال: كل واحد يصوم شهر، إنما كل واحد يصوم شهرين متتابعين.
يقول: فالمذهب أنه إذا شارك ولو في جزء واحد من مائة جزء، يعني اشترك مائة في قتله فعليه كفارة، ولهذا لو اجتمع مائة على قتل شخص فعليهم مائة كفارة، وعلى كل واحد كفارة، وهناك وجه آخر لأصحاب أحمد أنهم يشتركون في الكفارة، يعني كاشتراكهم في الدية، وعلى كل حال المسألة مثل ما أشرنا سابقاً أنها محل خلاف، والنظر يقتضي أنها إذا كانت متعلقة بالمال ...
(162/19)
طالب: فهم يشتركون.
فهم يشتركون كالدية، وإذا كانت عبادة بدنية فلا يشتركون فيها كالصيام، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما فيه الدية كاملة
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: في الشفتين الدية كاملة، فإذا قطعت السفلى ففيها ثلثا الدية.
وحدثني يحيى عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن الرجل الأعور يفقأ عين الصحيح، فقال ابن شهاب: إن أحب الصحيح أن يستقيد منه فله القود، وإن أحب فله الدية، ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم.
وحدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن في كل زوج من الإنسان الدية كاملة، وأن في اللسان الدية كاملة، وأن في الأذنين إذا ذهب سمعهما الدية كاملة، اصطلمتا أو لم تصطلما، وفي ذكر الرجل الدية كاملة، وفي الأنثيين الدية كاملة.
وحدثين يحيى عن مالك أنه بلغه أن في ثديي المرأة الدية كاملة.
قال مالك: وأخف ذلك عندي الحاجبان وثديا الرجل.
قال مالك: الأمر عندنا أن الرجل إذا أصيب من أطرافه أكثر من ديته فذلك له إذا أصيبت يداه ورجلاه وعيناه فله ثلاث ديات.
قال مالك في عين الأعور الصحيحة إذا فقئت خطأ: إن فيها الدية كاملة.
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما فيه الدية كاملة
يعني مائة من الإبل، أو ما تقوم به من ألف دينار، أو اثني عشر ألف درهم.
يقول -رحمه الله-: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول في الشفتين: الدية كاملة" الشفتين كلتيهما؛ لأن هذا مما في الإنسان منه شيئان، فإذا استأصلا فيهما الدية كاملة، وكذلك العينان واليدان والرجلان والأنثيان، وكل شيء، كل ما في الإنسان منه شيئان، ففيهما مجتمعتين الدية كاملة، الدية كاملة في الاثنين، وما في الإنسان منه واحد فيه الدية كاملة، وما في الإنسان منه ثلاثة في كل واحد منها ثلث الدية، وفي الثلاثة دية كاملة، وهكذا، وفي الأصابع باعتبارها عشرة، في كل واحد منها عشر الدية، أصابع اليدين كل واحد عشر الدية، وأصابع الرجلين كل واحد عشر الدية، وهكذا.
(162/20)
"في الشفتين الدية الكاملة، فإذا قطعت السفلى ففيها ثلثا الدية" لماذا؟ لأن الانتفاع بها أكثر، يستقيم له أن يأكل دون الشفة العليا، لكن لا يستقيم له أن يأكل بسهولة مع فقد الشفة السفلى.
"حدثني يحيى عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن الرجل الأعور يفقأ عين الصحيح، فقال ابن شهاب: إن أحب الصحيح أن يستقيد منه فله القود" الرجل الأعور يفقأ عين الصحيح العين بالعين، له أن يفقأ عينه، ولو أدى ذلك إلى أن يكون الجاني أعمى "وإن أحب فله الدية ألف دينار" دية كاملة، وهي عين "وذلكم لأن الأعمى ليس عنده إلا عين واحدة ففيها الدية كاملة" كالذكر مثلاً "وإن أحب فله الدية ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم".
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب: على المقابل تكون العقوبة؟
كيف؟
طالب: يعني مثلاً الحين لو الذي ضربه في عينه مبصر كامل، مو بـ (له) النصف؟
إلا النصف.
طالب: وراه الأعور دية كاملة؟ على المقابل؟
لا باعتبار أنه لو هذا الجاني أعمى .. ، باعتبار أنه أعور ...
طالب: هو على أنه أعور الجاني، إن أحب القود فله القود.
إيه؛ لأنه باعتبار ....
طالب: افتدى يعني عينه؟
الآن لو أحب القود كأنه أعمى، كأنه أذهب اثنتين، أذهب الحاسة كاملة، مقابل الحاسة، إيه، مقابل الحاسة الكاملة.
"وحدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن في كل زوج من الإنسان الدية كاملة، وأن في اللسان الدية كاملة" ليس في البدن منه إلا شيء واحد "وأن في الأذنين إذا ذهب سمعهما الدية كاملة، اصطلمتا" أي قطعتا من الأصل، وذهب بسبب ذلك السمع "أو لم تصطلما" لأن الكلام على الانتفاع بالأذنين "وفي ذكر الرجل الدية كاملة" لأنه ليس فيه إلا شيء واحد "وفي الأنثيين الدية كاملة، وفي كل واحد منهما نصف الدية".
"قال مالك: وأخف ذلك عندي الحاجبان، وثديا الرجل" يعني ثديا الرجل ليسا كثديي المرأة، لماذا؟ لأن الاستفادة من ثديي المرأة تختلف عن الإفادة من ثديي الرجل، نعم.
"قال مالك: الأمر عندنا أن الرجل إذا أصيب من أطرافه أكثر من ديته فذلك له، إذا أصيب يداه ورجلاه وعيناه ثلاث ديات" إن أصيب لسانه رابعة، إن أصيب ذكره خامسة، إن أصيبت أذناه سادسة، إلى أن يبلغ فيما فصلنا في الدرس السابق ثمان أو أكثر من ثمان ديات.
"قال مالك في عين الأعور الصحيح إذا فقئت خطأ: إن فيها الدية كاملة" لأنها تمثل الحاسة كاملة.
اللهم صل وسلم ....
(162/21)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ – كتاب العقول (4)
باب: ما جاء في عقل العين إذا ذهب بصرها - وباب: ما جاء في عقل الشجاج
الشيخ: عبد الكريم الخضير
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والسامعين يا حي يا قيوم.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في عقل العين إذا ذهب بصرها
حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه- كان يقول: في العين القائمة إذا أطفئت مائة دينار.
قال يحيى: وسئل مالك عن شَتَر العين، وحِجاج العين، فقال: ليس في ذلك إلا الاجتهاد إلا أن ينقص بصر العين، فيكون له بقدر ما نقص من بصر العين.
قال يحيى: قال مالك: الأمر عندنا في العين القائمة العوراء إذا أطفئت وفي اليد الشلاء إذا قطعت: إنه ليس في ذلك إلا الاجتهاد، وليس في ذلك عقل مسمى.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في عقل العين
يعني دية العين.
إذا ذهب بصرها
"حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن زيد بن ثابت كان يقول في العين القائمة إذا طفئت" معنى أنه ذهب بصرها، طفئت تشبيهاً لها بالسراج إذا أطفئ، وصار الإنسان في ظلام، وكذلك إذا ذهب بصره "مائة دينار" "العين القائمة إذا طفئت" قائمة يعني لم يتغير شكلها، إذا رأيته قلت: هذا مبصر، لكن البصر ذهب "مائة دينار" يعني عشر دية، والأصل أن فيها نصف الدية خمسمائة دينار، فهل الشكل والمنظر يقدم على المنفعة التامة بالبصر؟ يقول: "كان يقول في العين القائمة إذا طفئت مائة دينار" عين قائمة بقيت كأنه يرى، كأنه يبصر، وعلى معنى هذا أنه إذا فعل بالثانية كذلك، وصار رجل أعمى، وعيناه قائمتان كأنه ينظر فيهما خمس الدية، بعض العميان تراه كأنه يبصر، كأنه يشوف، لكنه لا يرى، هل نقول: إن تضرره بفقد البصر أقل من تضرره بتشوه العين؟ إذاً ماذا عن قول زيد بن ثابت، والسند إليه صحيح "كان يقول في العين القائمة إذا طفئت مائة دينار" ماذا عن هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
(163/1)
ذهب البصر كامل مع كون العينين قائمتين.
طالب:. . . . . . . . .
لا أحياناً يضرب الإنسان ضربة تذهب البصر من الداخل، تذهب بالإبصار من الداخل، ما يلزم أنه يتغير لون العين.
طالب: اجتهاد من ثابت بن زيد -رضي الله تعالى عنه-.
لا شك أن هذا اجتهاده، ولو قلنا: إنه ينقص من البصر بنسبة، كان البصر عنده ستة على ستة، فجاء من ضربه صار خمسة على ستة، نقول: بالنسبة أو تقدر بقدرها؟ يجتهد فيها كما قال الإمام في بعض القضايا؟ يجتهد فيها، وماذا عما لو ضربه وبصره ضعيف فقوي؟
طالب: يعطيه قيمة الطبيب والنظارات.
لأنه يذكر بعض العميان يصطدم بسارية ويبصر، وهذا حصل، يصير شيء متحجر فينفجر ويبصر، فهل نقول: إن هذا باعتبار أنه اعتدى عليه وضربه يعزر؟ أو يقال: أحسن عليه وإن لم يكن من غير قصد؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وش علاقة هذا بهذا؟
أنت لو تقول: قلع سنه المسوس وطلع نظيف جديد! واقعة هذه؟
طالب: يسمع، يكون العرق الداخلي ضاغط على الإذن ويسمع ما يدري فقلع ضرسه وصار يسمع ما شخصه صح.
هو ما يستحق شيء إذا لم يقصد، إذا لم يكن ذلك عن طريق علاج لا يستحق شيئاً، بل هو في الأصل معتدٍ وجانٍ يستحق التعزير، لكنه في مثل هذه الصورة ما يتصور أن أحد يبي يطالبه على جنايته، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، ما صار كامل، لا لا، الجناية واضحة وبالغة، الجناية بالغة، بحيث لو تتعرض الثانية لأدنى شيء صار على خطر من العمى.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال توجيهه ممكن، لكن قبوله فيه ما فيه، يعني ذهب نصف بصره وعشر الدية كالأصبع؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ذهب من واحدة.
طالب:. . . . . . . . .
إيه ما يخالف، يجتمع النظر كله بواحدة؟ يزيد نظر الثانية أو هو هو؟
طالب:. . . . . . . . .
كلامك هذا كأنه جاري على مذهب الشريطية البودي أهم من المكينة، ما يصلح يا أخي، هذا بصر، هذا ذهب البصر، فالثانية عرضة لأن يفقد البصر بالكلية.
طالب:. . . . . . . . .
(163/2)
أيضاً لو كانت غير قائمة، أنت أنظر إلى النسبة الآن هو يستحق خمسمائة من الإبل، وذهب البصر كامل، نعم، فما أعطاه إلا العشر مائة من الإبل، لو ذهب البصر مع الشكل ما يستحق خمسمائة؟ أيهما أهم الشكل وإلا البصر؟
طالب:. . . . . . . . .
إذاً كيف نقول بهذا؟
طالب:. . . . . . . . .
لا الجهة التي في هذه العين تروح كلها، ولذلك في الماشية يظهر الأثر بالغ، تمر على الأشجار ما تراها يا أخي، إذا كان ما في إلا عين واحدة، لكن باعتبار أن الإنسان حذر يلتفت يميناً وشمالاً يعني تغطي عين.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا المسألة كبيرة يعني.
طالب: أقول: ما فيه إشكال يعني حتى لو يسوق صاحب العين الواحدة ما يستطيع التركيز يمنة ويسرة.
على كل حال الحكم من اجتهاد صحابي، وليس بملزم.
طالب:. . . . . . . . .
ما يأخذ بهذا أحد، ما أظن يأخذ بهذا أحد، على كل حال هذا اجتهاده -رضي الله عنه-.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا هم يقصدون بالعين القائمة الشكل، الآن لو اعتدى شخص فجعل عينه قائمة وأذهب بصرها، كيف يقتص منه؟ عمد هذا.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما هو بالعمليات، يؤتى بمرآة وتعكس عليها الشمس حتى يذهب بصره، وتبقى عينه قائمة، هذا نص عليه أهل العلم بهذا.
"قال يحيى: وسئل مالك عن شتر العين" يعني قطع الجفن الأسفل "وحجاج العين" يعني العظم المستدير حولها قال: "ليس في ذلك إلا الاجتهاد إلا أن ينقص بصر العين" يعين لو تغير شكل العين ببياض مثلاً هل هو أشد من شتر العين أو حجاج العين؟ المسألة كلها اجتهادية على كل حال "فيكون له بقدر ما نقص من بصر العين" طيب لو صارت العين قائمة أذهب ضوءها، وقلنا بحكم زيد، أخذنا منه مائة من الإبل، فجاء شخص ففقأ هذه العين القائمة كم نلزمه بأربعمائة؟ أخذنا مائة سابقة بقي أربعمائة، هل نلزم هذا بأربعمائة؟ ما نلزمه بأربعمائة.
(163/3)
"إلا أن ينقص بصر العين فيكون له بقدر ما نقص من بصر العين" وقدر النقص إنما يقرره أصحاب الخبرة، "قال مالك: الأمر عندنا في العين القائمة العوراء إذا طفئت، وفي اليد الشلاء إذا قطعت أنه ليس في ذلك إلا الاجتهاد، وليس في ذلك عقل مسمى" يعني لو أخذنا بفتوى زيد لقلنا: إنه يلزم فيها أربعمائة، العين العوراء إذا طفئت، مثل ما قلنا بفتوى زيد أخذنا منه مائة "وفي اليد الشلاء إذا قطعت ليس في ذلك إلا الاجتهاد، وليس في ذلك عقل مسمى" لأن نصف الدية إنما هو في اليد المؤثرة العاملة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، يعني قائمة إذا طفئت، إذا كان المراد بطفئت تغير شكلها وتشوه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا تغير؛ لأن طفئت يطلق بإزاء البصر، لا يطلق بإزاء العين، لا هو يمكن أن يقال: إنها طفئت يعني انطبق جفنها عليها، يمكن أن يقال هذا، على كل حال في هذه الأمور تقدر هذه الجنايات، تشكل لها لجان من أهل الخبرة وتقدرها، نعم.
أحسن الله إليك
باب: ما جاء في عقل الشجاج
وحدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سليمان بن يسار يذكر أن الموضحة في الوجه مثل الموضحة في الرأس إلا أن تعيب الوجه، فيزاد في عقلها ما بينها وبين عقل نصف الموضحة في الرأس فيكون فيها خمسة وسبعون ديناراً.
قال مالك -رحمه الله تعالى-: والأمر عندنا أن في المنقلة خمس عشرة فريضة.
قال: والمنقلة التي يطير فراشها من العظم، ولا تخرق إلى الدماغ، وهي تكون في الرأس وفي الوجه.
قال مالك -رحمه الله-: الأمر المجتمع عليه عندنا أن المأمومة والجائفة ليس فيهما قود، وقد قال ابن شهاب: ليس في المأمومة قود.
قال مالك: والمأمومة ما خرق العظم إلى الدماغ، ولا تكون المأمومة إلا في الرأس، وما يصل إلى الدماغ إذا خرق العظم.
قال مالك: الأمر عندنا أنه ليس فيما دون الموضحة من الشجاج عقل حتى تبلغ الموضحة، وهذا العقل في الموضحة فما فوقها، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انتهى إلى الموضحة في كتابه لعمرو بن حزم -رضي الله تعالى عنه-، وجعل فيها خمساً من الإبل، ولم تقضِ الأئمة في القديم ولا في الحديث فيما دون الموضحة بعقل.
(163/4)
وحدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: كل نافذة في عضو من الأعضاء ففيها ثلث عقل ذلك العضو.
حدثني مالك كان ابن شهاب لا يرى ذلك، وأنا لا أرى في نافذة في عضو من الأعضاء في الجسد أمراً مجتمعاً عليه، ولكني أرى فيها الاجتهاد يجتهد الإمام في ذلك، وليس في ذلك أمر مجتمع عليه عندنا.
قال مالك: الأمر عندنا أن المأمومة والمنقلة والموضحة لا تكون إلا في الوجه والرأس، فما كان في الجسد من ذلك فليس فيه إلا الاجتهاد.
قال مالك: فلا أرى اللحي الأسفل والأنف من الرأس في جراحهما؛ لأنهما عظمان منفردان، والرأس بعدهما عظم واحد.
وحدثني يحيى عن مالك عن ربيعة بن عبد الرحمن أن عبد الله بن الزبير -رضي الله تعالى عنهما- قاد من المنقلة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في عقل الشجاج
الشجاج منها ما جاء تقديره بالنص، ومنها ما ترك تقديره، ومنها ما يمكن إلحاقه بالمقدر، ومنها ما لا يمكن إلحاقه.
يقول -رحمه الله تعالى-: "وحدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سليمان بن يسار يذكر أن الموضحة في الوجه مثل الموضحة في الرأس" لأن كل منها ينتهي إلى عظم، ويخترق الجلد واللحم، ويوضح ويبرز العظم "إلا أن تعيب الوجه فيزاد في عقلها" لأن عيب الرأس أقل من عيب الوجه "فيزاد في عقلها بقدر" ما تسببته من تشويه "ما بينها وبين عقل نصف الموضحة في الرأس" "إلا أن تعيب الوجه فيزاد في عقلها ما بينها وبين عقل نصف الموضحة في الرأس، فيكون فيها خمسة وسبعون ديناراً" الموضحة فيها؟ كم؟ خمس، طيب، خمس من الإبل، فيكون في كل .. ، كم فيها من الدنانير؟ خمسين، ويضاف إلى الخمسين نصف الموضحة فيكون المجموع خمسة وسبعون ديناراً.
(163/5)
"قال مالك: والأمر عندنا أن في المنقلة خمسة عشرة فريضة" يعني كما جاء في حديث عمرو بن حزم، المنقلة .. ، الموضحة ت ك شط اللحم والجلد، ويتضح العظم، المنقلة تزيد عليها، توضح العظم، وترض بعض العظام، وتنقلها عن مكانها، ولذا جاء عقلها أكثر من عقل الموضحة، خمسة عشرة فريضة، خمس عشرة من الإبل، وقالوا: المنقلة التي يطير فراشها من العظم، ولا تخرق إلى الدماغ؛ لأنها إذا خرقت إلى الدماغ صارت مأمومة، وهي تكون في الرأس وفي الوجه، يعني كالموضحة.
"قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا أن المأمومة والجائفة ليس فيهما قود" يعني ولو كانت عن عمد، لماذا؟ نعم؟ لا يسلم من الزيادة، وقد قال ابن شهاب: ليس في المأمومة قود، هذه أمور لا يمكن تقديرها بدقة فلا يؤمن الحيف والزيادة.
"قال مالك: والمأمومة ما خرق العظم إلى الدماغ" يعني أمت الدماغ وقصدته "ولا تكون المأمومة إلا في الرأس، وما يصل إلى الدماغ إذا خرق العظم" المأمومة ما في مأمومة في الصدر ولا في اليد ولا في الرجل، وإن أمت ما أمت، وقصدت ما قصدت، يعني لو أنها قصدت القلب، أمت القلب وقصدته تسمى مأمومة؟ لا، إنما المأمومة .. ، إنما تكون في الرأس فقط.
"قال مالك: الأمر عندنا أنه ليس فيما دون الموضحة من الشجاج عقل حتى تبلغ الموضحة" لماذا؟ لأنه لا يمكن ضبطها، يعني إذا وصلت إلى حد وهو العظم أمكن ضبطها، لكن قبل ذلك لا يمكن ضبطها، قد يقال: إنه يؤتى بالمسبار فيأخذ بنسبتها، لكن أيضاً الناس يتفاوتون، بعض الناس بين جلده وعظمه عشرة سانتي، وبعضهم واحد ملي، فمثل هؤلاء التفاوت الكبير بين الناس يجعل مثل هذه الأمور إنما تقدر بقدرها، يعني يختلفون الناس، الرجل النحيف مثلاً ما بين جلده وعظمه إلا شيء يسير، بينما الرجل السمين بين جلده وعظمه شيء كثير، فمثل هذه الأمور لا شك أنها تقدر بقدرها.
(163/6)
"حتى تبلغ الموضحة، وإنما العقل في الموضحة فما فوقها، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انتهى إلى الموضحة في كتابه لعمرو بن حزم، فجعل فيها خمساً من الإبل، ولم تقض الأئمة في القديم ولا في الحديث فيما دون الموضحة بعقل" يعني ما في شيء ثابت، ما قضى أحد ممن يعتد بقوله بشيء ثابت، قال: "وحدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: كل نافذة في عضو من الأعضاء ففيها ثلث عقل ذلك العضو" نافذة إلى أي حد؟ نافذة في عضو من الأعضاء، ما في ما يقول .. ، الموضحة مثلاً؟ نعم؟ كم في الموضحة في الرأس؟ خمس، وإذا قلنا: إن نافذة في العضو من الأعضاء وصارت موضحة في الرجل أو في اليد، وأوضحت العظم ثلث عقل ذلك العضو، العضو عقله كم؟ كم؟ اليد مثلاً؟ خمسمائة، وإذا جعلنا الموضحة في اليد ثلث عقل اليد، ثلث الخمسمائة، مائة وخمسة وسبعين، أو مائة وسبعين تقريباً، أو مائة وستة وستين وثلث، هل يمكن أن يقال بهذا والموضحة في الرأس فيها خمس؟ لا ليس المقصود هذا.
"كل نافذة في عضو من الأعضاء ففيها ثلث عقل ذلك العضو".
قال: "حدثني مالك كان ابن شهاب لا يرى ذلك" يعني لم يوافق ابن المسيب على اجتهاده هذا، قال: "وأنا لا أرى في نافذة -هذا مالك- في عضو من الأعضاء في الجسد أمراً مجتمعاً عليه " إنما يقدر بقدره، تشكل له لجنة ويقوم "ولكني أرى فيها الاجتهاد يجتهد الإمام في ذلك، وليس في ذلك أمر مجتمع عليه عندنا".
"قال مالك: الأمر عندنا أن المأمومة والمنقلة والموضحة لا تكون إلا في الوجه والرأس، فما كان في الجسد من ذلك فليس فيه إلا الاجتهاد".
"قال مالك: فلا أرى اللحي الأسفل والأنف من الرأس في جراحهما؛ لأنهما عظمان منفردان، والرأس بعدهما عظم واحد" يعني يقصد بالرأس الجمجمة، يعني الفك الأعلى تبع الرأس، لكن الفك الأسفل ليس تبعه، والأنف أيضاً ليس تبعاً له.
(163/7)
قال: "وحدثني يحيى عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عبد الله بن الزبير أقاد من المنقِلة" أو المنقَلة، على كل حال العظم ينتقل من مكانه سواء انتقل بنفسه كما يقال، فالذي ينقل من مكانه يصح أن يقال: إنه انتقل، وهذا مثل ما قلنا بالأمس: إن من حج به فقد حج، ابن الزبير أقاد من المنقلة، لكن هل المنقلة يمكن ضبطها ليتم القود فيها؟ ألا يؤمن من الحيف؟ لا بد من الحيف، لا يمكن أن تقدر هذه العظام التي انتقلت من مكانها، قد تكون عشر كِسَر صغيرة من العظام انتقلت في الأصل، فهل يؤمن أن يكون في القود أن ينتقل عشر أو عشرين أو خمس؟ صعبة هذه، لا يمكن أن يقاد في مثل هذه الصورة.
نعم إيه بلغ.
خلنا نشوف الأسئلة.
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أو اعتدى عليه، اعتدى عليه وهو نائم فبقر بطنه، وأخذ الكلية، وأمكن خياطته، وسلم من ذلك، وعاش بكلية واحدة، نعم، هل يقال: إنه باعتبار أن فيه كليتين كل واحدة نصف الدية؟ هذا متجه يعني مطرد عندهم.
يقول: هذا رجل تزوج امرأتان فأبي رضع من المرأة الأولى، وتقدمت لبنت من المرأة الثانية فقال بعضهم: هذه عمتك من الرضاعة لا يجوز لك الزواج منها.
إذا كانت هذه البنت بنت للرجل صاحب اللبن فهي عمتك، لا يجوز لك الزواج منها.
وقال الآخر: يجوز لك الزواج منها ....
إذا كانت هذه البنت من الزوج صاحب اللبن فلا شك أنها أخت لأبيك من الأب فتكون عمة لك من الأب، فلا يجوز لك أن تتزوجها، وإن كانت من زوج آخر فلا ارتباط لها بأبيك.
ما هو القدر التي تصل به المرأة أبويها؟
المرأة يجب عليها بر أبويها، وملاحظة زوجها، وخدمة زوجها، وأن لا تتعارض مثل هذه الحقوق والواجبات فتسدد وتقارب، وحق الزوج أعظم، لكن على الزوج أن يمكنها من صلة أبويها بالقدر الذي لا يضر بمصالحه، والمسألة عرفية، إذا كان تعارف الناس على أن الزيارة في كل شهر تقطع القطيعة، وتقرر الصلة، فلا شك أن هذا يكفي، أو في الشهر مرتين، أو في كل شهرين، بحيث يرفع ما في خاطر الأب، وفي الغالب أن الأب يرضى إذا كان المنع من قبل الزوج، لم يكن من تساهل الزوجة.
إذا انقضت عدة الرجعية هل ترجع بعقد جديد أم يكتفى بالشهود؟
لا بد من عقد جديد.
(163/8)
يقول: هل يجوز ترك صلة الرحم إذا كان يترتب عليها فتن كالتبرج والاختلاط مثلاً؟
على كل حال الصلة من أوجب الواجبات، ومثل هذه الأمور وهذه الفتن محرمة، فتقدر بقدرها، إذا أمكنت الصلة مع درء هذه المفاسد تعينت، وإذا لم تمكن الصلة إلا مع وجود هذه المفاسد فلتكن الصلة مما لا مفسدة فيه، بهاتف أو مراسلة، أو ما أشبه ذلك، مع بيان أن السبب في عدم المجيء هو وجود هذه المنكرات، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(163/9)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ – كتاب العقول (5)
باب: ما جاء في عقل الأصابع - وباب: جامع عقل الأسنان - وباب: العمل في عقل الأسنان - وباب: ما جاء في دية جراح العبد - وباب: ما جاء في دية أهل الذمة.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، وأجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا حي يا قيوم.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في عقل الأصابع
وحدثني يحيى عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: سألت سعيد بن المسيب كم في أصبع المرأة؟ فقال: عشر من الإبل، فقلت: كم في إصبعين؟ قال: عشرون من الإبل، فقلت: كم في ثلاث؟ فقال: ثلاثون من الإبل، فقلت: كم في أربع؟ قال: عشرون من الإبل، فقلت: حين عظم جرحها، واشتدت مصيبتها نقص عقلها؟ فقال سعيد: أعراقي أنت؟ فقلت: بل عالم متثبت، أو جاهل متعلم.
فقال سعيد: هي السنة يا ابن أخي.
قال مالك -رحمه الله تعالى-: الأمر عندنا في أصابع الكف إذا قطعت فقد تم عقلها، وذلك أن خمس الأصابع إذا قطعت كان عقلها عقل الكف خمسين من الإبل، في كل إصبع عشرة من الإبل.
قال مالك: وحساب الأصابع ثلاثة وثلاثون ديناراً، وثلث دينار في كل أنملة، وهي من الإبل ثلاث فرائض وثلث فريضة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في عقل الأصابع
يعني في دية الأصابع، فالعقل هو الدية، دية الأصابع مجتمعة ومتفرقة من الرجال ومن النساء.
(164/1)
يقول -رحمه الله-: "وحدثني يحيى عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن" ربيعة الرأي، شيخ الإمام مالك، إمام مشهور، علم من أعلام المسلمين "أنه قال: سألت سعيد بن المسيب" وسعيد أحد الفقهاء المشهورين، الفقهاء السبعة من فقهاء المدينة "كم في إصبع المرأة؟ " هو يعرف أن في الإصبع عشر من الإبل، كما تقدم في حديث عمرو بن حزم، فأشكل عليه هل المرأة مثل الرجل أو على النصف منه؟ فأجابه سعيد، فقال: "عشر من الإبل، فقلت: كم في إصبعين؟ قال: عشرون من الإبل، فقلت: كم في ثلاثة؟ قال: ثلاثون من الإبل" لماذا؟ لأن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية على ما تقدم، تعاقله إلى ثلث الدية، فإن زادت عن الثلث نقصت "فقلت: كم في أربع؟ قال: عشرون من الإبل" هذا يورث إشكال، يعني عقل الثلاثة الأصابع أكثر من عقل الأربعة؟! لكنه جارٍ على القاعدة السابقة، وأن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية، ولو كان عقلها في أصابعها كأصابع الرجل لكانت ديتها مثل دية الرجل، لكان في خمسة الأصابع خمسين من الإبل مثل الرجل، وعادلت ديتها كاملة؛ لأن دية المرأة على النصف من دية الرجل.
(164/2)
يعني نظير هذا يعني مثال تقريبي الشرائح في الاستهلاكات الشريحة الأولى كذا غالية، ثم الثانية أرخص منها، ثم الثالثة أرخص منها، تجد أول الثالثة أرخص من آخر الثانية، وهذا واضح يعني؛ لأنه لو استمر صار إلى ما لا نهاية، لكن هنا لا بد من حسم، تقف فيه المسألة إلى حد لا يضطرب فيه دية الرجل مع دية المرأة، القاعدة أن المرأة على النصف من الرجل، وهذا أمر مقرر في الشرع، لكن لماذا لم يكن من الأصل إصبع المرأة فيه خمس من الإبل وينتهي الإشكال؟ وفي إصبعين عشر، وفي ثلاث خمس عشرة، وفي أربعة عشرين؟ المسألة هل تكون المسألة بالرأي أو بالسمع؟ بالسمع، ولذا لما قال له: "كم في أربع؟ قال: عشرون من الإبل، فقلت" ربيعة -ربيعة الرأي- معروف "حين عظم جرحها، واشتدت مصيبها نقص عقلها؟ " يعني نقصت ديتها "فقال سعيد: أعراقي أنت؟ " يعني هل أنت من أهل العراق تنظر في النصوص برأيك، وقد تدفع بعض السنن التي تخالف عقلك "أعراقي أنت؟ فقلت: بل عالم متثبت" يعني نظير ما قالت عائشة لمن سألتها عن الحائض ما بالها تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة؟ قالت: أحرورية أنت؟ قالت: لا، لكن اسأل، يعني أحياناً تكون الأحكام معللة، وعللها وحكمها واضحة، وأحياناً لا يستطيع العقل أن يرقى لمستوى التشريع، وحينئذٍ عليه الرضا والتسليم، وكما قرر أهل العلم "قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم" لا بد من التسليم؛ لأن العقل لا يدرك كل شيء، ولو كان العقل يدرك كل شيء لما احتيج إلى الشرع، رُكب هذا العقل وخلاص ينتهي، لكن العبرة بالشرع، وما جاءنا عن الله وعن رسوله فعلى العين والرأس، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع.
(164/3)
"فقال سعيد: أعراقي أنت؟ فقلت: بل عالم متثبت، أو جاهل متعلم" أحد احتمالين، إن كان عنده خبر من هذا الكلام سابق يريد أن يتثبت؛ لأنه عالم، وهو بالفعل عالم "أو جاهل متعلم" إن كان ما عنده خبر عن المسألة يتعلم من هذا الإمام، وهو إمام يتعلم من إمام، وقد يكون السؤال في أوائل أمره، قد يكون السؤال في بداية الطلب، فيكون جاهل يتعلم، أو يكون بعد أن رسخت قدمه في العلم فيكون عالم متثبت، وربيعة الرأي شيخ الإمام مالك يجلس في المسجد النبوي، وما يحضر عنده أحد، والجموع الغفيرة عند مالك وهو تلميذه، يذكر في كتب السير أنه قيل له بذلك، قال: درهم من سلطان خير من قنطار من علم، يعني المدعوم من ولي الأمر، والمعين من قبله يأتونه الناس، وتسهل له الأمور، فيلتف حوله الناس، وهذا الشخص الذي ما يدعم، وهذا رأيه -رحمه الله-، مع أن القلوب بيد الله -جل وعلا-، تجد بعض الناس ما له عمل يذكر بين واضح عند الناس، فإذا مات احتشد الناس لشهود جنازته، تتساءل وش السبب؟ الناس لا يساقون بالأسواط، إنما القلوب بيد الله -جل وعلا-، وعلى كل حال سواء جلس إليه، أو لم يجلس إليه هو عالم، وهو حينئذٍ عالم متثبت إن كان سؤاله متأخراً، أو جاهل متعلم إن كان سؤاله متقدماً.
"فقال سعيد: هي السنة يا ابن أخي" ولذلك الذي يعارض النصوص ينظر في أمره، إن كانت معارضته للنصوص برأيه يشم منها الاعتراض على الشرع مثل هذا يشدد عليه في النكير، وإن كان السؤال سببه التثبت في الحكم، وأن المفتي متأكد من جوابه، ومعتمد في ذلك على نص حينئذٍ يرفق به.
(164/4)
"فقال سعيد: هي السنة يا ابن أخي" هي السنة، وإذا قيل: هي السنة قف خلاص، ما لك خيار، إذا قضى الله ورسوله أمراً ما في خيار، هي السنة، وقول سعيد: هي السنة يعني سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويحتمل أن يكون سنة من تقدم من الخلفاء الراشدين، لكن الأصل أنه ما يقال في مثل هذه السياقات من بيان الأحكام إلا ويراد بها سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحينئذٍ يكون من باب المرفوع المرسل، ومراسيل سعيد هي أصح المراسيل عند أهل العلم، منهم من يحتج بها مطلقاً، ومنهم من يقول: هي مرجحة على غيرها، والإمام الشافعي يقول: إرسال ابن المسيب عندنا حسن، يعني يحتج به، وأما بالنسبة لمالك وأبي حنيفة هؤلاء ما عندهم إشكال في المراسيل حجة مطلقاً.
"هي السنة يا ابن أخي".
"قال مالك: الأمر عندنا في أصابع الكف إذا قطعت" يعني الخمسة "إذا قطعت فقد تم عقلها" تم ديتها دية اليد، خمسون من الإبل، يقول: "وذلك أن خمس الأصابع إذا قطعت كان عقلها عقل الكف" يعني ديتها دية اليد خمسين من الإبل نصف الدية؛ لأن في الإنسان يدين، وكل ما في الإنسان منه شيئان فإنه يكون لكل واحد منهما نصف الدية "خمسين من الإبل في كل أصبع عشرة من الإبل" يعني على ما تقدم في حديث عمرو بن حزم.
"قال مالك: وحساب الأصابع ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار في كل أنملة" لأن كل أصبع فيه ثلاث أنامل، فيكون عندنا ثلاثون أنملة، إذا قسمت الألف دينار على الثلاثين أنملة يخرج الناتج لكل أنملة ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار "وهي من الإبل ثلاث فرائض وثلث فريضة" لأنك إذا قسمت المائة من الإبل على الثلاثين صار الناتج ثلاث وثلاثين وثلث فريضة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وش فيها؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، قول سعيد: "من السنة" يدل على أنه مرفوع، يبقى النظر في سعيد، ما أدرك النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيكون حكمه حكم المرفوع المرسل، لذلك لو قال الصحابي: من السنة انتهى الإشكال، مرفوع متصل.
قول الصحابي من السنة أو ... نحو أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصرِ ... . . . . . . . . .
(164/5)
ولو بعد سنين طويلة، فلو قال الصحابي في عهد معاوية مثلاً -رضي الله عن الجميع-: من السنة هل نقول: سنة معاوية وإلا سنة علي وإلا سنة .. ؟ لا، سنة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولو تأخر قوله: من السنة، فإذا قال سعيد: من السنة يعني سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء في خبر سالم، يعني في قصة ابن عمر مع الحجاج، قال: إذا أردت السنة أو أردت أن تصيب السنة فهجر بالصلاة، يعني يوم عرفة، إذا أردت أن تصيب السنة، فقال سالم: وهل يريدون بالسنة إلا سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ ما يريدون في بيان الأحكام إذا قرن لفظ السنة في بيان حكم شرعي، فالمراد سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم بعد ذلك النظر في مراسيل سعيد مع غيره، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
وش فيها؟
يعني هي أنملتان وإلا ثلاث؟ على حسابهم يبونها ثلاث.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه معروف، هو الواقع، لكن على حسابهم يبونها ثلاث، إلا إذا كانوا يريدون الحكم في هذا الإطلاق للغالب، فالغالب أن الثمانية ثلاثة والاثنين اثنتين، نعم.
أحسن الله إليك
باب: جامع عقل الأسنان
حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قضى في الضرس بجمل، وفي الترقوة بجمل، وفي الضلع بجمل.
وحدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قضى عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- في الأضراس ببعير بعير، وقضى معاوية بن أبي سفيان -رضي الله تعالى عنهما- في الأضراس بخمسة أبعرة.
قال سعيد بن المسيب: فالدية تنقص في قضاء عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-، وتزيد في قضاء معاوية -رضي الله تعالى عنه-، فلو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين، فتلك الدية سواء، وكل مجتهد مأجور.
وحدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: إذا أصيبت السن فأسودت ففيها عقلها تاماً، فإن طرحت بعد أن أسودت ففيها عقلها أيضاً تاماً.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع عقل الأسنان
(164/6)
الأسنان تقدم في حديث عمرو بن حزم أن في السن كم؟ خمس من الإبل، ولذلك يقول: "وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل، وفي السن خمس" ما جاء في المرفوع مفروغ منه، في السن خمس، فماذا عن ما قضى به عمر بن الخطاب ومعاوية وسعيد؟
يقول -رحمه الله تعالى-: "وحدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب قضى في الضرس بجمل" الضرس حكمه حكم السن، ومنهم من يقول: هو أشد من السن؛ لأن قلعه أكثر أثراً في الفك، ومنهم من يقول: لا السن يجمع بين كونه الحاجة إليه داعية كالحاجة إلى الضرس، أيضاً مسألة المنظر والشكل؛ لأنهم يقيمون لها وزن هذه الأمور كما تقدم في العين القائمة، وكما سيأتي في السن إذا أسود، نعم يتشوه الشكل إذا أجتث السن بخلاف ما إذا قلع الضرس، فتتفاوت هذه عن هذه، والأصل أن الجميع سواء، كما جاء في حديث عمرو بن حزم، وأن في السن خمس من الإبل، اجتهاد عمر -رضي الله عنه- أن هذا في الأسنان فقط، وأما الأضراس فلا تدخل في حديث عمرو بن حزم، ولذا قضى في الضرس بجمل، وفي الترقوة بجمل، وفي الضِلَع بجمل "قضى في الضرس بجمل" والأصل أن يكون في الضرس كالسن خمس.
الترقوة بجمل، والترقوة هذه العظم الذي بين النحر وبين الكتف "وفي الترقوة بجمل، وفي الضِلَع" الأضلاع هذه التي هي قفص الصدر "كل ضلع بجمل" قد يقول قائل: إن هذه أمور يسيرة فكيف تقابل أعضاء الإنسان بمثل هذه الأقيام؟ كيف تقابل؟ يعني يأتي شخص إلى ترقوة إنسان ويعطيه جمل ويمشي، أو يكسر فيه ضلع ويقول: يكفيه جمل وانتهى، هذا في الخطأ، وإذا كانت الدية خطأ مائة من الإبل، فلا يعني أنها في العمد كذلك، إذا أريد إزهاق النفس، ونُظر إلى أن هذا أزهق نفس إنسان بغير حق، فتزهق نفسه في مقابل ذلك، يعني ليست المسألة معاوضة، لكن الحكم الشرعي لا بد أن ينضبط، ويكون هناك مرجع، وإلا لو نظرنا إلى مثل هذا النظر لقلنا: إن بعض الرجال ...
طالب:. . . . . . . . .
الناس ألف منهم كواحد ... وواحد كالألف إن أمر عني
(164/7)
يعني هذا يسوى مليون من الإبل، وهذا ما يسوى ولا ناقة واحدة بعض الناس، لكن لا بد من ضابط، الناس أمام التشريع العام سواسية، وفي النساء يقول الشاعر:
منهن من تسوى ثمانين بكرة ... ومنهن من هي غالية بقيد قعود
صحيح، الناس يتفاوتون، والواقع يشهد بهذا، لكن هناك تشريع عام يعني لو ترك الأمر للاجتهادات ما انضبطت الأمور، لكن لا بد من التحديد في مثل هذا، تجد فطرة أغلى الناس مثل الرجل الفقير العادي صاع؛ لأن هذه أمور عامة لا بد من ضبطها للجميع، ولو ترك المجال للاجتهادات فقال: هذا يفطر بتريلة، وهذا يفطر بصاع، وهذا يفطر بمد، ما تنضبط الأمور، فلا تنضبط أمور الشرع إلا بمثل هذا، كون الإنسان يعني غالي عند نفسه، أو عند قومه، أو عند عشيرته، أو حتى في ميزان الشرع لو كان أعلم الناس وأعبد الناس ما اختلف عن أفسق الناس في مثل هذه الأمور؛ لأن هذه الأمور لا بد أن يصدر فيها نظام يسع الجميع، وليست معاوضة، يعني لو أن الإنسان دهس له ولد ليفديه بالدنيا كلها، لكن هذا الشرع، وليس الشرع بالعقل، نعم الشرع لا ينافي العقل، ولا يأتي بالمستحيل، وإنما يأتي بالمحير، يعني الذي ما يدركه كثير من العقول، وإن كان موافقاً للعقل، فالعقل الصريح لا يناقض النقل الصحيح.
"وفي الضلع بجمل" يقول: سهل ما دام جمل أكسر به ضلع وخلاص، خله يون كل الليل والأمر سهل، إذا كان بينك وبينه عداوة، نقول: لا يا أخي أنت متعمد أنت {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] وإذا أردت أن تفدي ضلعك (يا الله) قدم، إلى أن يرضى المعتدى عليه، لكن المسألة في الخطأ التي لا يد للإنسان فيه.
(164/8)
"وحدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قضى عمر بن الخطاب في الأضراس ببعير بعير" كأنه يرى الفرق بين الأضراس والأسنان؛ لأن الأسنان لها أثر في الشكل والمنظر، بخلاف الأضراس، مع أن الأضراس بالنسبة للأكل أهم من الأسنان، نعم "وقضى معاوية بن أبي سفيان في الأضراس بخمسة أبعرة خمسة أبعرة" ولعل هذا هو الموافق للمرفوع، قد يقول قائل: قضاء عمر ملزم؛ لأنه خليفة راشد أمرنا بالاهتداء بهديه، والاستنان بسنته ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)) نقول: نعم صحيح، هذا كلام صحيح إلا إذا كان معارضاً بنص، بنص مرفوع، فلا كلام لأحد مع قوله -عليه الصلاة والسلام-.
"وقضى معاوية بن أبي سفيان في الأضراس بخمسة أبعرة خمسة أبعرة.
قال سعيد بن المسيب: فالدية تنقص في قضاء عمر، وتزيد في قضاء معاوية" كيف تزيد في قضاء معاوية؟
طالب:. . . . . . . . .
تزيد عن الدية الكاملة أو لا؟ نعم؟
قول عمر ما فيه إشكال؛ لأنه لو اعتبرنا الأسنان مع الأضراس ثلاثين فكان فيه ثلاثين من الإبل جميع الفم، وإذا نظرنا إليها فثلاثين في قضاء معاوية تصير مائة وخمسين من الإبل أكثر من الدية، لكن جعل لها الخمس باعتبار المتوسط، يعني متوسط الناس بين الشيخ والكبير وبين الطفل الصغير المتوسط عشرين، فنظر إلى هذا المتوسط "وتزيد في قضاء معاوية، فلو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين" يعني متوسط بين قضاء عمر وبين قضاء معاوية، والمعول في ذلك كله على المرفوع، فإذا وجد المرفوع فلا كلام لأحد.
"فتلك الدية سواء، وكل مجتهد مأجور" كل مجتهد إذا كان أهلاً للاجتهاد، يعني توفرت فيه آلات الاجتهاد، فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد، وعلى كل حال هو مأجور، وبعض الناس يقول: كل مجتهد مصيب، فإن كان مراده إصابة الحق فالحق واحد لا يتعدد، وإن كان مراده إصابة الأجر فالكلام صحيح. "وكل مجتهد مأجور".
(164/9)
"وحدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: إذا أصيبت السن فأسودت ففيها عقلها تاماً خمس من الإبل" ضربه بحصاة صغيرة ما كسرت السن، لكن السن أسودت، ترون بعض الأسنان سود بسبب ضربة أو شبهها، هذا غير الاصفرار الذي يكون بسبب المأكولات، وبسبب الأبخرة التي تتصاعد من المعدة، وبسبب إهمال التنظيف أحياناً، وبسبب بعض أنواع الماء، بعض أنواع الماء تسبب صفار للأسنان، هذه ما لها أثر، لكن الإشكال في الضربة التي تؤثر السواد، فيكون لون السن أسود، يقول: "فيها عقلها تاماً خمس من الإبل، فإن طرحت بعد ذلك" يعني اعتدى عليها ثاني، شخص آخر اعتدى عليها فسقطت، ففيها عقلها أيضاً تاماً، لماذا؟ لماذا لا يقال هذه مثل العين؟ أصيبت فانطفأ نورها، وصارت لا تبصر، ثم أصيبت ثانية فتشوه شكلها، الآن السن يحتاج إلى ديتين، هل نقول: إن العين في هذه الحالة تحتاج إلى ديتين؟ أو نقول: البصر له نصيب والشكل له نصيب على ما تقدم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الأصل فيها البصر، لكن تقدم لنا في كلام زيد أنها إذا أصيبت وذهب ضوءها، وبقيت قائمة مائة من الإبل، ما في خمسمائة، تقدم في الدرس الأول، ولو كانت قائمة ولا بصر فيها، ثم أعتدي عليها فتشوه شكلها لا شك أنه يضمن، وهذا له شأن، لكن كيف يكون في السن الواحدة أكثر من عقل تام فيما إذا أسودت ثم طرحت؟ طالب:. . . . . . . . .
يستفاد منها، طيب لكن أليس للشكل والمنظر كالعين القائمة له نصيب؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما فيها نصف الدية وهي قائمة، بقدرها، على ما تقدم في الدرس السابق.
طالب:. . . . . . . . .
(164/10)
لكن أنت إذا قلت: إن البصر له نصف الدية، اعتدى وأذهب البصر، ضربه ضربة أذهبت بصره، نعم، وما زالت العين قائمة، من شافه قال: ما شاء الله هذا يشوف، نعم يبصر، الثاني الذي اعتدى عليه مرة ثانية وش مصيره؟ حتى ذهب جمال العينين؟ يترك؟ نقول: هذا مستوفي نصيبه؟ لا ما يترك، فكل شيء بحسبه، وهنا يقول: "فإن طرحت بعد أن تسود ففيها عقلها أيضاً تاماً" وهذا اجتهاد من سعيد -رحمه الله-، ولو اجتهد مجتهد وقال: ما دام أسودت يؤخذ منه بقدرها، ثم إذا قلعت بعد ذلك تكمل لما بُعد، نعم.
أحسن الله إليك
باب: العمل في عقل الأسنان
حدثني يحيى عن مالك عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف المري أنه أخبره أن مروان بن الحكم بعثه إلى عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- يسأله ماذا في الضرس؟ فقال عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: فيه خمس من الإبل، قال: فردني مروان إلى عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما- فقال: أتجعل مقدم الفم مثل الأضراس؟ فقال عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: لو لم تعتبر ذلك إلا بالأصابع عقلها سواء.
وحدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه كان يسوي بين الأسنان في العقل، ولا يفضل بعضها على بعض.
قال مالك: والأمر عندنا أن مقدم الفم والأضراس والأنياب عقلها سواء، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((في السن خمس من الإبل)) والضرس سن من الأسنان، لا يفضل بعضها على بعض.
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
صحيح.
طالب:. . . . . . . . .
بعير واحد.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا هذا ما فيه اجتهاد، المرجح ما جاء في النص المرفوع، خمس من الإبل وانتهى الإشكال، لكن قد يقال مثلاً: إن الاجتهاد قد يدخل في أسنان شخص، أسنانه آيلة إلى السقوط مثلاً، يعني شخص بيطيح سنه مثلاً، يتحرك، ثم بعد ذلك واحد. . . . . . . . . عليه وسقط، هل يعتبر مثل السن الراسي خمس من الإبل؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
بلا شك هذا مفروغ منه هذا.
طالب:. . . . . . . . .
(164/11)
هو ما فيه، إما أن يقال: إنه ما بلغه وهذا احتمال، الأمر الثاني: أن يقال: إنه في الأسنان لا في الأضراس، واجتهاد عمر في الأضراس، يعني هل اجتهاد مثل هذا سائغ ووقف مع النص؟ قال: الأسنان، السن خمس من الإبل، وهذا ليس بسن، هذا ضرس.
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان ليس بقطعي الدلالة على الموضوع هذا فيه اجتهاد، إذا كان ليس ثبوته فيه نظر مثلاً، يعني للاجتهاد مجال في إثباته ونفيه من جهة، نعم إذا كان الأمر يحتمل الثبوت وعدمه، يجتهد المجتهد في الإثبات وعدمه، ثم إذا ثبت ينظر في دلالته على المراد فيها احتمال أو ما فيها احتمال، إن ما فيها احتمال لا مجال للاجتهاد.
طالب:. . . . . . . . .
نعم ما فيه اجتهاد، خلاص انقطع الكلام، يعني ((ارفعوا عن بطن عرنة)) المالكية يقولون: بطن عرنة من عرفة، لماذا؟ الجمهور على أنها ليست من عرفة لهذا الحديث، والمالكية يقولون: من عرفة لهذا الحديث، لماذا؟ لأنه ما قال: ارفعوا من مزدلفة، ارفعوا من منى، لو لم تكن منها ما نهى عن الوقوف فيها، فإذا كان اللفظ يحتمل، نعم للاجتهاد فيه مجال ممكن، يبقى راجح ومرجوح هذا محل الإصابة والخطأ، والكل مأجور.
طالب:. . . . . . . . .
هو الأصل الشائع المشهور عند أهل العلم مسيب، بالفتح، لكن إن ثبتت دعوته أنه كان يكره التسييب؛ لأن المسيب اسم مفعول، وذكر عنه أنه كان يقول: "سيب الله من سيب أبي" على كل حال الأمر فيه سعة.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: العمل في عقل الأسنان
"وحدثني يحيى عن مالك عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف المري أنه أخبره أن مروان بن الحكم بعثه إلى عبد الله بن عباس يسأله ماذا في الضرس؟ فقال عبد الله بن عباس: فيه خمس من الإبل" يعني على مقتضى ما جاء في حديث عمرو بن حزم "قال: فردني مروان إلى عبد الله بن عباس، فقال: أتجعل مقدم الفم مثل الأضراس؟ " الذي يبين للناس، ويرى مثل الأضراس؟ يعني هل مقدم الرأس مثل مؤخر الرأس؟ هل الوجه مثل القفا؟ يختلف لا شك، لكن هذا لا شك أنه اجتهاد في مقابل نص، يعني لو لم يرد نص وصارت المسألة اجتهادية لكان لهذا النظر مجال، لكن ما دام فيه نص ما فيه إشكال.
(164/12)
"وقال عبد الله بن عباس: فيه خمس من الإبل، قال: فردني مروان إلى عبد الله بن عباس فقال: أتجعل مقدم الفم مثل الأضراس؟ فقال عبد الله بن عباس: لو لم تعتبر ذلك إلا بالأصابع عقلها سواء" يعني السبابة التي تشير إلى التوحيد مثل الخنصر، نعم، ولا شك أن بعض الأصابع أنفع من بعض، يعني في الكتابة مثلاً السبابة أنفع من الخنصر، وفي كثير من الأمور بعضها أنفع من بعض، وعلى كل حال هي سواء، ومثل ما قلنا: إذا أردنا أن نخضع لكل شيء، لكل تفصيل، لكل جزئية من الجزيئات حكم خاص ما انتهت الشريعة، ولا ما أحيط بها، لكنها مع هذا الإجمال تنضبط الأمور.
"فقال عبد الله بن عباس: لو لم تعتبر ذلك إلا بالأصابع كان عقلها سواء".
"وحدثني يحيى عن مالك عن هشام عن عروة عن أبيه أنه كان يسوي بين الأسنان في العقل، ولا يفضل بعضها على بعض" يبقى النظر فيما أشرنا إليه، وهو أنه إذا كان السن آيل للسقوط، فضربه إنسان وسقط، هل نقول: إنه لا فرق؟ بدليل أن الإنسان لو كان آيلاً للموت، العلامات بدأت تظهر، لكن الروح ما خرجت، فاعتدى عليه أحد فقتله، هل نقول: هدر؟ لأنه يبي يموت؟ لا، ما يهدر، فيمكن أن يكون هذا مثله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أنت افترض أن هذا الإنسان حاول أن يقلع سنه؛ لأنه آذاه بالحركة فما استطاع أو خاف، بعض الناس ما يجرؤ إلى أن يقلع السن، فجاء واحد ضربه فسقط، هل له أن يطالبه؟ ليس له ذلك، أو نقول: هذا محسن؟ طالب:. . . . . . . . .
له أن يطالب أو ليس له؟ لأنه بغير إذنه، لو كان بإذنه ما احتاج يطالب.
"أنه كان يسوي بين الأسنان، ولا يفضل بعضها على بعض".
"قال مالك: والأمر عندنا أن مقدم الفم والأضراس والأنياب عقلها سواء" لأنه جاءت مجملة في حديث عمرو بن حزم "وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((في السن خمس من الإبل)) والضرس سن من الأسنان، لا يفضل بعضها على بعض".
نعم.
أحسن الله إليك
باب: ما جاء في دية جراح العبد
وحدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار كانا يقولان في موضحة العبد نصف عشر ثمنه.
(164/13)
وحدثني مالك أنه بلغه أن مروان بن الحكم كان يقضي في العبد يصاب بالجراح أن على من جرحه قدر ما نقص من ثمن العبد.
قال مالك -رحمه الله-: والأمر عندنا أن في موضحة العبد نصف عشر ثمنه، وفي منقلته العشر، ونصف العشر من ثمنه، وفي مأمومته وجائفته، وفي كل واحد منهما ثلث ثمنه، وفيما سوى هذه الخصال الأربع مما يصاب به العبد ما نقص من ثمنه، يُنظر في ذلك بعد ما يصح العبد ويبرأ كم بين قيمة العبد بعد أن أصابه الجرح، وقيمته صحيحاً قبل أن يصيبه هذا؟ ثم يغرم الذي أصابه ما بين القيمتين.
قال مالك -رحمه الله- في العبد إذا كُسرت يده أو رجله، ثم صح كسره فليس على من أصابه شيء، فإن أصاب كسره ذلك نقص أو عثل كان على من أصابه قدر ما نقص من ثمن العبد.
قال مالك: الأمر عندنا في القصاص بين المماليك كهيئة قصاص الأحرار نفس الأمة بنفس العبد، وجرحها بجرحه، فإذا قتل العبد عبداً عمداً خيّر سيد العبد المقتول فإن شاء قتل، وإن شاء خذ العقل، فإن أخذ العقل أخذ قيمة عبده، وإن شاء رب العبد القاتل أن يعطي ثمن العبد المقتول فعل، وإن شاء أسلم عبده فإذا أسلمه فليس عليه غير ذلك، وليس لرب العبد المقتول إذا أخذ العبد القاتل، ورضي به أن يقتله، وذلك في القصاص كله بين العبيد في قطع اليد والرجل وأشباه ذلك بمنزلته في القتل.
قال مالك في العبد المسلم يجرح اليهوي أو النصراني: إن سيد العبد إن شاء أن يعقل عنه ما قد أصاب فعل أو أسلمه فيباع فيعطي اليهودي أو النصراني من ثمن العبد دية جرحه أو ثمنه أو ثمنه كله إن أحاط بثمنه، ولا يُعطي اليهودي ولا النصراني عبداً مسلماً.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في دية جراح العبد
يعني ما تقدم في عقل الحر، وهذا في دية جراح العبد.
(164/14)
قال: "وحدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار كانا يقولان: في موضحة العبد نصف عشر ثمنه" لأن موضحة الحر خمس من الإبل، وهي نصف العشر بالنسبة لديته، والعبد ليس له دية، إنما له القيمة، له القيمة وليس فيه الدية، فنصف عشر ثمنه إذا قدر أنه بعشرة آلاف فنصف العشر خمسمائة، الموضحة خمسمائة، وإذا قدر أنه يقوم بمائة ألف، فنصف العشر خمسة آلاف، وهكذا بالحساب، قال: "وحدثني مالك أنه بلغه أن مروان بن الحكم كان يقضي في العبد يصاب بالجراح أن على من جرحه قدر ما نقص من ثمن العبد" الأرش، الفرق بين القيمة مع السلامة مع القيمة مع العيب والنقص، فيقوم سليم بعشرة آلاف، ويقوم معيب بثمانية آلاف، يكون القدر ألفين، يؤخذ من الجاني ألفين، وهذا يفعلونه في السلع كلها، إذا اعتدى عليها أحد فتقوم سليمة وتقوم معيبة، لو أن إنساناً اعتدى على سيارة شخص، ثم بعد ذلك حصل فيها خلل وعيب، لا شك أن لصاحبها الأرش، الأرش بين قيمتها سالمة، وبين قيمتها معيبة، وما يقضى به في بعض الحالات من إصلاح العيب فقط ليس هو الحكم الشرعي؛ لأن السيارة قد تكون بمائة ألف، يعتدى عليها بجناية تصلح بثلاثة آلاف، يقول: لك ثلاثة آلاف، اذهب إلى ثلاث ورش وثمن، وقال واحد: خمس، وقال واحد: ألفين، يعني لك المتوسط، أو قالت ورشة: خمسة آلاف، والثانية قالت: أربعة، والثالثة قالت: ثلاثة، لك المتوسط، أربعة آلاف، ثم إذا عرضها في السوق بدلاً من أن تستحق مائة ألف تجيب ثمانين بعد الصدمة، لا شك أن له الأرش، عشرين ألف، فرق بين قيمتها سليمة، وبين قيمتها معيبة.
(164/15)
"أن على من جرحه قدر ما نقص من ثمن العبد" قد يقول قائل: العبد مخلوق إنسان له حقوقه، والآن يوجد من يدافع بقوة عن إنسانيته، بغض النظر عن موافقة الشرع ومخالفة الشرع، بل وجد من بعض الدول كما سمعنا في الأخبار أنها الآن تعامل القردة معاملة الإنسان، لا شك أن العبد نفس، ومسلمة لها حقوقها، لا يجوز الاعتداء عليها، لكنها في ميزان الشرع الرق نقص حكمي، سببه الكفر، فلا شك أن لهذا أثر في الشرع، لكن ليس محبباً للشرع، يعني الرق ليس بالأمر المحبب، المحبب لدى الشارع العتق، ولذا جعله كفارة لكثير من الأمور، فالشارع يتشوف للعتق، لكنه مع ذلك الرق حكم شرعي ثابت لا يُرفع ولا يرتفع إلا بحكم شرعي آخر، نعم الشرع يتشوف لعتق، لكنه لا يلزم به إلا من وجب عليه.
جعل هذا العبد وهو إنسان له نفسيته، وله مشاعره كالسلع التي تباع وتشترى هذا لا اعتراض عليه، هذا من الشارع، والعلماء حينما جعلوه بمثابة السلع لا بمثابة الحر أعملوا فيه قياس الشبه، فنظروا في أكثر الأحكام المتعلقة به، هل تشبه الأحكام المتعلقة بالإنسان، أو تشبه الأحكام المتعلقة بالسلع التي تباع وتشترى؟ فرأوا أن الذي يجمعها أنها تباع وتشترى، بغض النظر عن مشاعره ونفسيته، وليس هذا بظلم من الشارع، هو الجاني على نفسه، أو أبوه الجاني عليه، أو جده الجاني عليه، مع أنه هذا حكم الشرع، والشرع قد يكون لهذا الشخص بعينه الرق أفضل له من الحرية، ولذا وجد على مر العصور في تاريخ الإسلام من يحرر ويرفض، وفي الكتابة اشترط {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [(33) سورة النور] لأن بعض الناس عالة، كونه يبقى رقيق أفضل له من أن يحرر فيضيع؛ لأنه مع وجود هذا .. ، مما يعتبر في بادي الرأي هضم لهذا الحق، فيه أيضاً رفعة من جوانب، وهو أن النفقة عليه واجبة، كفالته واجبة، نفقته، مسكنه، ملبسه، حقوقه كاملة في الشرع، ولا اعتراض؛ لأن هذا الشرع جاء من الخالق البصير العالم العليم الخبير بما يصلح الناس في أمور دينهم ودنياهم.
(164/16)
"قال مالك: والأمر عندنا أن في موضحة العبد نصف عشر ثمنه؛ لأنها بالنسبة للحر نصف عشر الدية خمس من الإبل، وفي منقلته" الجناية الموضحة التي توضح العظم، تكشط الجلد مع اللحم، وتوضح العظم، وفي المنقلة وهي أشد ينتقل معها بعض العظام عن مكانه "وفي منقلته العشر ونصف العشر من ثمنه" العشر ونصف العشر، يعني خمسة عشر من الإبل بالنسبة للحر، وبالنسبة للعبد إذا قدرنا قيمته بعشرة آلاف قلنا: ألف وخمسمائة "وفي مأمومته وجائفته" التي تخترق العظم وتؤم الدماغ، أو تصل إلى الجوف "في كل واحدة منهما ثلث ثمنه؛ لأنهما في الحر ثلث الدية، وفي ما سوى هذه الخصال الأربع مما يصاب به العبد مما نقص من ثمنه" الذي ينقص من ثمنه يكون هو قيمة هذه الجناية "ينظر في ذلك بعد ما يصح العبد ويبرأ، كم بين قيمة العبد بعد أن أصابه الجرح وقيمته صحيحاً قبل أن يصيبه هذا، ثم يغرم الذي أصابه ما بين القيمتين" افترضنا أن شخصاً اعتدى على حر وكسر رجله، ثم بعد ذلك أدخل المستشفى وعولج وبرئ وعادت كما هي، أو اعتدى على عبد فكسر يده، ثم عولج وعادت اليد كما هي؛ لأنه يقول: "يُنظر في ذلك بعد ما يصح العبد ويبرأ كم بين قيمته بعد ما أصابه الجرح وقيمته صحيحاً قبل أن يصيبه هذا" إذا عاد كما هو ما بين قيمته شيء "ثم يغرم الذي أصابه ما بين القيمتين" يعني إن وجد فرق يغرم.
"قال مالك: وفي العبد إذا كسرت يده أو رجله ثم صح كسره فليس على من أصابه شيء" يعني يقال له: اذهب توكل على الله ما عليك شيء؟ وهذا جلس في المستشفى، وتعطل مدة طويلة عن خدمة سيده، وأصيب من الآلام ما أصيب به، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب نفقة على العلاج، لكن ماذا وراء ذلك غير العلاج الآن؟ الآن حق السيد ضاع، وآلام العبد أيضاً ذهبت هدراً، هذا بالنسبة للأمور المقدرة ما في شيء، يعني ما يقال: والله كسر رجله والرجل فيها نصف الدية يدفع نصف الدية أو نصف القيمة، لا، لكن تقوم هذه الجناية، وما تأثر، والآثار المترتبة عليها أيضاً تقوم، ثم يكلف بدفعها.
(164/17)
"قال مالك في العبد إذا كسرت يده أو رجله ثم صح كسره فليس على من أصابه شيء، فإن أصاب كسره ذلك نقص أو عثل" خلل ما عاد العضو كما كان، تشويه "أو ما أشبه ذلك كان على من أصابه قدر ما نقص من ثمن العبد" يعني الأرش.
"قال مالك: الأمر عندنا في القصاص بين المماليك" يعني مملوك اعتدى على مملوك، انتهينا من الحر يعتدي على مملوك، الآن مملوك يعتدي على مملوك، في العبد إيش .. ؟ "قال مالك: الأمر عندنا في القصاص بين المماليك كهيئة قصاص الأحرار نفس الأمة بنفس العبد" النفس بالنفس "وجرحها بجرحه، فإذا قتل العبد عبداً عمداً خير سيد العبد المقتول فإن شاء قتل، وإن شاء أخذ العقل" يعني القيمة "فإن أخذ العقل أخذ -قيمة العبد- أخذ قيمة عبده، وإن شاء رب العبد القاتل أن يعطي ثمن العبد المقتول فعل، وإن شاء أسلم عبده" يعني لو كانت القيمة أكثر من قيمة العبد القاتل، قيمة المقتول عشرون ألفاً، وقيمة العبد القاتل عشرة، هل يلزم سيد القاتل أن يدفع عشرين؟ أو يقول: غاية ما هنالك أن يدفع العبد؟ يعني له نظائر تقدمت في الأبواب السابقة.
"إن شاء أن يعطي ثمن العبد المقتول فعل، وإن شاء أسلم عبده" لا سيما إذا كانت قيمته أقل من قيمة العبد المقتول "فإذا أسلمه فليس له غير ذلك" يعني لا يجمع له بين أكثر من مصيبة، يعني يفقد العبد، ويفقد أيضاً معه شيء من المال "فإذا أسله فليس عليه غير ذلك، وليس لرب العبد المقتول إذا أخذ العبد القاتل، ورضي به أن يقتله" لماذا؟ لأنه تنازل عن القصاص، فليس له أن يعود إليه "وذلك في القصاص كله بين العبيد في قطع اليد والرجل وأشباه ذلك بمنزلته في القتل".
(164/18)
"قال مالك في العبد المسلم يجرح اليهودي أو النصراني أن سيد العبد إن شاء أن يعقل عنه ما قد أصاب فعل أو أسلمه فيباع" ما يملكه اليهودي ولا النصراني؛ لأن الله -جل وعلا- لم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً، يقول: "فيباع، فيعطي اليهودي أو النصراني من ثمن العبد دية جرحه" أو ثمنه كله إذا كانت تستوعب الثمن كاملاً "إن أحاط بثمنه، ولا يعطي اليهودي ولا النصراني عبداً مسلماً" لا يجوز أن يستولي الكافر على المسلم؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، ولو كان رقيقاً، فلا بد حينئذٍ من تخليصه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش لون؟
طالب:. . . . . . . . .
قيمة، هي لن تتعدى قيمته، فيها الأرش وما نقص ...
طالب:. . . . . . . . .
إيه، ينظر فيما نقص، قيمتها لما كان صحيحاً، وبين قيمته لما صار معيباً، فيؤخذ الفرق بين القيمتين، في وقتها، وينظر فيه حتى يبرأ، ثم ينظر فيه.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يلزم، إذا دفع العبد ما عليه شيء، وتقدم هذا.
اقرأ.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في دية أهل الذمة
وحدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- قضى أن دية اليهودي أو النصراني إذا قتل أحدهما مثل نصف دية الحر المسلم.
قال مالك: الأمر عندنا أن لا يقتل مسلم بكافر إلا أن يقتله مسلم قتل غيلة فيقتل به.
وحدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد أن سليمان بن يسار كان يقول: دية المجوسي ثمانمائة درهم. قال مالك: وهو الأمر عندنا.
قال مالك: وجراح اليهودي والنصراني والمجوسي في دياتهم على حساب جراح المسلمين في دياتهم، الموضحة نصف عشر ديته، والمأمومة ثلث ديته، والجائفة ثلث ديته، فعلى حساب ذلك جراحاتهم كلها.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في دية أهل الذمة
أهل الذمة هم أهل الكتاب الذي يدفعون الجزية عن يد وهم صاغرون، ويلحق بهم من له شبه كتاب كالمجوس، ومنهم من يقول: إن الجزية يمكن أن تؤخذ من جميع المخالفين حتى المشركين، وعلى كل حال المقرر والمرجح أن الجزية إنما تؤخذ من أهل الكتاب، وأن الخيار بين أن يسلموا أو يدفعوا الجزية أو يقاتلون.
طالب: المجوس؟
(164/19)
المجوس ملحقون بهم، وأما غيرهم فليس فيهم إلا الإسلام أو القتل.
طالب:. . . . . . . . .
المسألة هذا حق إن قدر عليه أخذ، وإن عجز عنه ترك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال إن قدر عليه أخذ، وإن عجز عنه ترك، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، يعني وضع الأمة الآن ما يخفاك.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال إحنا نقرر كلام أهل العلم، والواقع ينحل -إن شاء الله-.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز قضى أن دية اليهوي أو النصراني إذا قتل أحدهما مثل نصف دية الحر المسلم" وهذا قول معروف عند أهل العلم، وهو المرجح، وإن كان من أهل العلم من يرى أن دية الكتابي مثل دية المسلم.
"قال مالك: الأمر عندنا أن لا يقتل مسلم بكافر" وجاء به النص "وأن لا يقتل مسلم بكافر إلا أن يقتله مسلم قتل غيلة فيقتل به" يعني يقتل تعزيراً لا حداً، يقتل به تعزيراً.
قال: "وحدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد أن سليمان بن يسار كان يقول: دية المجوسي ثمانمائة درهم".
"قال مالك: وهو الأمر عندنا" وعلى هذا على قول الإمام مالك، وما أفتى به سليمان بن يسار، وهو من الفقهاء السبعة أن المجوس غير ملحقين بأهل الكتاب بالدية، وإن كانوا ملحقين بهم في إبقائهم مع الجزية.
"قال مالك: وهو الأمر عندنا" يعني إذا ألحق المجوس بأهل الكتاب في أخذ الجزية، وزيادة هذا الخيار على غيرهم من أهل الشرك، فإن هذا لا يعني أنهم يلحقون بهم من كل وجه، ولا شك أنهم يختلفون في كثير من الأحكام، طعام المجوس حل لنا، نعم؟ لا، طعام أهل الكتاب حل لنا، نساء أهل الكتاب حل لنا، لكن نساء المجوس لا، فهناك أحكام يتفقون فيها مع أهل الكتاب، وأحكام يختلفون فيها معهم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المسألة مسألة اجتهادية وتعزير وليست بحكم، تعزير هذا، يعني إذا أدى مثل هذا إلى اختلال أمن أو ما أشبه ذلك الإمام له يعني بالنظر للمصلحة العليا، المصلحة العامة.
"قال مالك: وهو الأمر عندنا".
(164/20)
"قال مالك: وجراح اليهودي والنصراني والمجوسي في دياتهم على حساب جراح المسلمين" يعني يعاملون كأنهم .. ، مثل ما يعامل المسلم إلا أنه في السقف على النصف منه، أو ديته ثمانمائة درهم، فيحاسب على هذا، "فالموضحة نصف عشر ديته" نصف عشر دية اليهودي، يعني ربع عشر دية مسلم، إذا قلنا: على النصف، "والمأمومة ثلث ديته" يعني سدس دية مسلم "والجائفة ثلث ديته" وتعادل سدس دية مسلم "فعلى حساب ذلك جراحاتهم كلها".
اللهم صل على محمد ....
(164/21)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ – كتاب العقول (6)
باب: ما يوجب العقل على الرجل في خاصة ماله
الشيخ: عبد الكريم الخضير
نعم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما يوجب العقل على الرجل في خاصة ماله
حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول: ليس على العاقلة عقل في قتل العمد، إنما عليهم عقل قتل الخطأ.
وحدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب أنه قال: مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئاً من دية العبد إلا أن يشاءوا ذلك.
وحدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد مثل ذلك.
قال مالك: إن ابن شهاب قال: مضت السنة في قتل العمد حين يعفو أولياء المقتول أن الدية تكون على القاتل في ماله خاصة إلا أن تعينه العاقلة عن طيب نفس منها.
قال مالك: والأمر عندنا أن الدية لا تجب على العاقلة حتى تبلغ الثلث فصاعداً، فما بلغ الثلث فهو على العاقلة، وما كان دون الثلث فهو في مال الجارح خاصة.
قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا فيمن قبلت منه الدية في قتل العمد أو في شيء من الجراح التي فيها القصاص أن عقل ذلك لا يكون على العاقلة إلا أن يشاءوا، وإنما عقل ذلك في مال القاتل أو الجارح خاصة، إن وجد له مال، فإن لم يوجد له مال كان ديناً عليه، وليس على العاقلة منه شيئاً إلا أن يشاءوا.
قال مالك: ولا تعقل العاقلة أحداً أصاب نفسه عمداً أو خطأ بشيء، وعلى ذلك رأي أهل الفقه عندنا، ولم أسمع أن أحداً ضمن العاقلة من دية العمد شيئاً، ومما يعرف به ذلك أن الله -تبارك وتعالى- قال في كتابه: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [(178) سورة البقرة] وتفسير ذلك فيما نرى -والله أعلم- أنه من أعطي من أخيه شيء من العقل فليتبعه بالمعروف، وليؤد إليه بإحسان.
(165/1)
قال مالك في الصبي الذي لا مال له، والمرأة التي لا مال لها إذا جنى أحدهما جناية دون الثلث: إنه ضامن على الصبي والمرأة في مالهما خاصة، إن كان لهما مال أخذ منه، وإلا فجناية كل واحد منهما دين عليه ليس على العاقلة منه شيء، ولا يؤخذ أبو الصبي بعقل جناية الصبي، وليس ذلك عليه.
قال مالك: الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أن العبد إذا قتل كانت فيه القيمة يوم يقتل، ولا تحمل عاقلة قاتله من قيمة العبد شيئاً قل أو كثر، وإنما ذلك على الذي أصابه في ماله خاصة بالغاً ما بلغ، وإن كانت قيمة العبد الدية، أو أكثر فذلك عليه في ماله، وذلك لأن العبد سلعة من السلع.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. تقدم الكلام عن العقل وهو الدية، وأنه في قتل الخطأ إنما هو على العاقلة؛ لأن المخطئ مرفوع عنه الإثم، وقد ابتلي بهذه المصيبة من غير قصد منه، فإعانته حق، وجاء بها الشرع، لكن المتعمد لسفك الدم فإنه لا يعان، وتحميل غيره الدية في هذه الحالة لا شك أنه إعانة له على أن يستمر في جناياته، وأنه كلما قتل عمداً دُفعت التبعات من غيره، فمثل هذا الدية عليه، بالغة ما بلغت.
يقول:
باب: ما يوجب العقل على الرجل في خاصة ماله
"حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول: ليس على العاقلة عقل في قتل العمد، إنما عليهم عقل قتل الخطأ" ومثل ما ذكرنا أن المخطئ ما قصد هذه الجناية، وإنما ابتلي بها ابتلاء، فزهقت بسببها نفس غير مقصودة، فيعان على هذا.
"وحدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب أنه قال: مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئاً من دية العمد إلا أن يشاءوا ذلك" يعني إذا تبرعوا له بشيء بطيب نفسه منه، فإن الأمر إليهم، لا يمنعون من هذا، لكنهم لا يلزمون.
"حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد مثل ذلك.
قال مالك أن ابن شهاب قال: مضت السنة بقتل العمد حين يعفو أولياء المقتول أن تكون الدية على القاتل في ماله خاصة إلا أن تعينه العاقلة عن طيب نفس منها" وهذا أيضاً واضح.
(165/2)
"قال مالك: والأمر عندنا أن الدية لا تجب على العاقلة حتى تبلغ الثلث فصاعداً" يعني ولو كانت خطأ، لا تكون على العاقلة فيما دون الثلث؛ لأن هذا لا يجحف بماله، مثل ما تجحف الدية الكاملة، أو نصفها، أو ثلثها، فما بلغ الثلث فهو على العاقلة "وما كان دون الثلث فهو في مال الجارح خاصة".
"قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا فيمن قبلت منه الدية في قتل العمد في شيء من الجراح التي فيها القصاص أن عقل ذلك لا يكون على العاقلة إلا أن يشاءوا" هذا كله تأييد لما تقدم، وإنما عقل ذلك في مال القاتل أو الجارح خاصة، إن وجد له مال، يعني إذا عدلوا أولياء المجني عليه بقتل العمد، إن عدلوا إلى الدية، هل مع الدية كفارة أو ليس فيها كفارة؟ نعم؟ منهم من يقول: فيه كفارة من باب أولى، ومنهم من يقول: هو أعظم من أن يكفر كاليمين الغموس، هو أعظم من أن يكفر ولم يذكر فيه كفارة بالنص، وإنما الكفارة في قتل الخطأ، ومن يقول بوجوب الكفارة عليه يقول: هو من باب قياس الأولى، إذا وجبت الكفارة على القاتل خطأ فلئن تجب على القاتل عمداً من باب أولى.
"وإنما عقل ذلك في مال القاتل أو الجارح خاصة إن وجد له مال، فإن لم يوجد مال كان ديناً عليه، وليس على العاقلة منه شيئاً إلا أن يشاءوا" على ما تقدم.
"قال مالك: ولا تعقل العاقلة أحداً أصاب نفسه عمداً أو خطأ بشيء" لأنه هو الجاني على نفسه، وليس فيه دية، لم يجب عليه دية حتى يعان بها، هذا في حال الخطأ، أما في حال العمد فهو أبعد إذا جنى على نفسه، وعلى ذلك رأي أهل الفقه عندنا، ولم أسمع أن أحداً ضمن العاقلة من دية العمد شيئاً، ومما يعرف به ذلك أن الله -تبارك وتعالى- قال في كتابه: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [(178) سورة البقرة] يعني عفي له من القصاص شيء، وعدل عن القصاص إلى الدية، فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان، يعني عليه أن يتبع بالمعروف، وأن يؤدي بإحسان.
"فتفسير ذلك فيما نرى -والله أعلم- أنه من أعطي من أخيه من العقل فليتعبه بالمعروف، وليؤد إليه بإحسان.
(165/3)
"قال مالك في الصبي الذي لا مال، والمرأة التي لا مال لها إذا جنى أحدهما جناية دون الثلث" أما الصبي فعمده خطأ، وأما المرأة فهي مكلفة عمدها عمد، وخطأها خطأ "في الصبي الذي لا مال، والمرأة التي لا مال لها إذا جنى أحدهما جناية دون الثلث أنه ضامن على الصبي والمرأة في مالهما خاصة" يعني إنما يؤخذ من أموالهم، يعني إن كانت لهم أموال "إن كان لهما مال أخذ منه، وإلا فجناية كل واحد منهما دين عليه" حتى يجد ما يدفع "ليس على العاقلة منه شيء، ولا يؤخذ أبو الصبي بعقل جناية الصبي، وليس ذلك عليه" إنما يؤخذ من ماله إذا كان وليه في المال فإنه يدفع العقل من ماله فقط، ولا يكلف الأب أن يدفع جناية ابنه، قد يقول قائل: إن الأب قد يفرط في حفظ ابنه، وفي تربية ابنه، فعليه كفل من جريمته، على كل حال الولد غير مكلف، فإن كان له أخذ منه، وإن لم يكن له مال انتظر به حتى يجتمع المال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، من ماله، من مال الابن.
"ولا يؤخذ أبو الصبي بعقل جناية الصبي وليس ذلك عليه" منهم من يقول: ما دام ما حفظه، ولا رباه التربية التي يتقي بها أموال الناس يتحمل، نعم مثل ما قيل في المحرم وسفره بموليته إذا زنت وهي بكر، كيف يكلف أن يسافر معها؟ يكلف لأنه فرط في حفظها، فعليه كفل من ذلك.
"قال مالك: الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أن العبد إذا قتل كان فيه القيمة يوم قتل" ما يقول: والله أنا شاريه بمائة ألف، نقول له: كم يسوى يوم قتل؟ إن كان يستحق خمسين تأخذ خمسين أو العكس "إذا قتل كانت فيه القيمة يوم قتل، ولا تحمل عاقلة قاتله من قيمة العبد شيئاً قل أو كثر" لأنها ليست بدية، والدية على العاقلة، وهذه قيمة وليست بدية، كسائر المتلفات.
"ولا تحمل عاقلة قاتله من قيمة العبد شيئاً قل أو كثر، وإنما ذلك على الذي أصابه في ماله خاصة بالغاً ما بلغ، وإن كانت قيمة العبد الدية أو أكثر فذلك عليه في ماله، وذلك أن العبد سلعة من السلع" يعني كما لو اعتدى على أي سلعة، وفيها القيمة وليس فيها الدية، ومعلوم أن الذي تحمله العاقلة هو الدية لا القيمة، والله أعلم.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب:. . . . . . . . .
القتل العمد أعظم من أن يكفر كاليمين الغموس ...
(165/4)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ – كتاب العقول (7)
باب: ما جاء في ميراث العقل والتغليظ فيه - وباب: جامع العقل
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللسامعين يا حي يا قيوم.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في ميراث العقل والتغليظ فيه
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- نشد الناس بمنى: من كان عنده علم من الدية أن يخبرني، فقام الضحاك بن سفيان الكلابي -رضي الله تعالى عنه- فقال: كتب إلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها، فقال له عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-: أدخل الخب اء حتى آتيك، فلما نزل عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أخبره الضحاك، فقضى بذلك عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-.
قال ابن شهاب: وكان قتل أشيم خطأ.
وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رجلاً من بني مدلج يقال له: قتادة حذف ابنه بالسيف، فأصابه ساقه، فنزي في جرحه فمات، فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- فذكر ذلك له، فقال له عمر: اعدد على ماء قدي عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك، فلما قدم إليه عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة، ثم قال: أين أخو المقتول؟ قال: هأنذا، قال: خذها، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس لقاتل شيء)).
وحدثني مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن ياسر سُئلا: أتغلظ الدية في الشهر الحرام؟ فقالا: لا، ولكن يزاد فيها للحرمة، فقيل لسعيد: هل يزاد في الجراح كما يزاد في النفس؟ فقال: نعم.
قال مالك: أراهما أرادا مثل الذي صنع عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- في عقل المدلجي حين أصاب ابنه.
(166/1)
وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن عروة بن الزبير أن رجلاً من الأنصار يقال له: أحيحة بن الجلاح، كان له عم صغير هو أصغر من أحيحة، وكان عند أخواله، فأخذه أحيحة فقتله، فقال أخواله: كنا أهل ثُمه ورمه، حتى إذا استوى على عممه، غلبنا حق امرئ في عمه.
قال عروة: فلذلك لا يرث قاتل من قتل.
قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن قاتل العمد لا يرث من دية من قتل شيئاً، ولا من ماله، ولا يحجب أحداً وقع له ميراث، وأن الذي يقتل خطأ لا يرث من الدية شيئاً، وقد أختلف في أن يرث من ماله؛ لأنه لا يتهم على أنه قتله ليرثه وليأخذ ماله، فأحب إلي أن يرث من ماله، ولا يرث من ديته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في ميراث العقل والتغليظ فيه
العقل الدية، والتغليظ فيه هل يغلظ في كميته أو كيفيته؟ نظراً لاختلاف الأحوال والزمان والمكان أو لا يغلظ؟
(166/2)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب نشد الناس بمنى" نشدهم يعني رفع صوته سائلاً، قائلاً: "من كان عنده علم من الدية أن يخبرني" لأن النشيد أصله رفع الصوت، إما بشعر أو بحداء أو بسؤال "من كان عنده علم من الدية أن يخبرني، فقام الضحاك بن سفيان الكلابي فقال: كتب إلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها" "من كان عنده علم من الدية أن يخبرني" السؤال عام "من كان عنده علم من الدية أن يخبرني" يعني أي شيء يتعلق بالدية يخبرني "فقام الضحاك بن سفيان الكلابي فقال: كتب إلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أورث امرأة أشيم الضبابي" هذا له علاقة بالدية "من دية زوجها، فقال له عمر بن الخطاب: أدخل الخباء حتى آتيك" أمره أن يدخل لعله أن يأتي آخر فيخبره بأمر آخر، مما يتعلق بالعقل والدية "فلما نزل عمر بن الخطاب أخبره الضحاك" أخبره الضحاك بما ذكره سابقاً أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها "فقضى بذلك عمر بن الخطاب" الدية سبق أن ذكرنا أنها هل هي مما يملكه المقتول أو إنما حدثت في ماله بعد انقطاع ملكه بعد موته؟ لأن الميت لا يملك، ما الذي يترتب على هذا؟ إذا قلنا: إنها مثل ماله؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم الإرث والوصية وغيره تدخل في كل ما يدخل فيه ماله، كل ما يدخل فيه تلاد ماله يدخل فيه، وإذا قلنا: إنه ما ملكها حتى خرجت نفسه، ولا استقر ملكه لها حتى خرجت نفسه، يعني بعد ارتفاع الأهلية للملك، وحينئذٍ يكون حكمها حكم الملك في كونها تورث، وتدخل في أصل ماله أو لا؟ ولذلك في ميراث الغرقى والهدمى إذا سقط السقف على أسرة فيهم الولد والوالد والأم والإخوة وهم يتوارثون، من يتوارث منهم؟ وماتوا في وقت واحد، أو غرقوا في سفينة مثلاً، كيف يرث بعضهم بعضاً؟
طالب:. . . . . . . . .
(166/3)
أو سيارة على أن لا يكون القائد لأنه لا يرث هذا قاتل، نعم البقية في السيارة مثلاً، والد ومعه أبناؤه وبناته وزوجته، ركبوا في سيارة نقل، وحصل عليهم حادث وماتوا، كيف يتوارثون؟ قالوا: يرث كل واحد من الآخر من تلاد ماله، لا مما ورثه منه، نعم من تلاد ماله لا مما ورثه منه، هناك يقولون: دفعاً للدور، وش معنى هذا الكلام؟ أن لو ورثنا الأب من الابن والابن من الأب من المال القديم تنتهي المسألة خلاص، لكن إذا ورثناه مما ورثه منه عدنا من جديد، ثم نعود ثالثة ورابعة وخامسة إلى ما لا نهاية، وعلى هذا يلزم عليه الدور؛ لأن الدور ترتيب شيء على شيء مترتب عليه، فلا تنتهي المسألة، هنا ما فيه دور، لا دور في مثل هذه المسألة، لكن هل استقر الملك في وقت أهلية الملك أو استقر الملك بعد ارتفاع الأهلية؟ بعد ارتفاع الأهلية، وهل لهذا أثر أو لا أثر له؟ يأتينا في قول مالك -رحمه الله- في قاتل الخطأ أنه يرث، يرث من غير الدية التي دفعها، خلافاً لقول الجمهور أنه لا يرث، وسيأتي هذا، لماذا لا يرث من الدية التي دفعها؟ لأنها وجبت عقوبة عليه، فلا ترد إليه، بخلاف المال التليد القديم فهو فيه كإخوته.
هنا الرسول -عليه الصلاة والسلام- كتب إلى الضحاك بن سفيان الكلابي فقال: ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها؛ لأنه قتل خطأ، أشيم قتل خطأ، في أحد عنده نسخة مخرجة؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، نريد أصل القصة، النسخ المخرجة؟
طالب:. . . . . . . . .
وش اللي معك؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟ الزهري؟
طالب:. . . . . . . . .
هو من حديث الباب؟ عندنا عن ابن شهاب أن عمر، ابن شهاب لم يدرك عمر بلا شك، وهو يحكي قصة لم يشهدها، وش يقول بشار؟
طالب:. . . . . . . . .
أيهم؟ هذا ما هو بحديث الزهري عن سعيد.
طالب:. . . . . . . . .
هو ابن شهاب، لكن ما هو عن سعيد.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، ما يخالف، يقول لنا قبل يقدم بمقدمة، أنه جاء من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر، وتكون القصة موصولة، لكن الذي عندنا مقطوعة بلا شك.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لا لا، تعداه.
طالب:. . . . . . . . .
(166/4)
طيب الآن اتصل، نفس الكلام هو؟
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أن إسناده الذي معنا غير متصل، ابن شهاب لم يدرك عمر بن الخطاب، لكن إذا كان يرويه عن سعيد فسعيد ممن روى عن العشرة "قال ابن شهاب: وكان قتل أشيم خطأ" فهذا يدل على أن الدية تدخل في مال المقتول، وتورث عنه كسائر أمواله، تدخل في ماله فتورث عنه كسائر أمواله، وكون الإمام مالك -رحمه الله- لا يرى أن القاتل يرث من ديته التي دفعها لا يؤثر على هذا، بدليل أن غير القاتل يرث من هذه الدية، وكون القاتل لا يرث لا لهذه العلة التي ذكرناها، وإنما لكونه دفعها، وأخذت منه عقوبة له، وكفارة لما ارتكب ولو كان خطأ، والأصل أن الخطأ مرفوع، لكن هذا أمر لا بد منه، والدية لا بد منها، والكفارة لا بد منها، تسبب في قتل نفس تعبد الله -جل وعلا-، فيوجد بدلها، في الكفارة عتق رقبة مؤمنة، تعبد الله -جل وعلا- كما كان المقتول يعبد الله -جل وعلا-، والذي يقول: إن في قتل الكافر الكفارة أيضاً، ويعتق رقبة منهم من يشترط أن تكون مؤمنة، ومنهم من لا يشترط كالحنفية.
قال: "وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رجلاً من بني مدلج يقال له: قتادة حذف ابنه بالسيف، فأصاب ساقه، فنزي في جرحه فمات" يعني حصل معه نزيف.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب: .... غرغرينا.
لا هذا لو استمر به الأمر، لكن في هذه الحال ما تصير غرغرينا، تصير نزيف، نعم؟
"أن رجلاً من بني مدلج يقال له: قتادة حذف ابنه بالسيف، فأصاب ساقه، فنزي في جرحه فمات" الآن هذا قتل ابنه، حذف ابنه بالسيف، السيف قاتل وإلا غير قاتل؟ قاتل، لكنه في مقتل أو في غير مقتل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو قاصد لأن .. ، في رمي السيف قاصد له، لكن هل يحتمل أنه قاصد قتله أو لا؟ نعم؟ أما قصد الحذف فهو ظاهر، يعني حذف ابنه بالسيف، إلا إذا كان يريد تخويفه على الوجه المنهي عنه، الإشارة بالسلاح حرام، لكن أراد تخويفه به على الوجه المنهي عنه، فأفلت السيف من يده، ولنفترض أن المقبض انفك، مقبض السيف، وهذا يحصل، وكل هذا ما ذُكر "حذف ابنه بالسيف" هذا يدل على أنه رماه به، بالسيف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
(166/5)
طالب:. . . . . . . . .
لا لا قد يتعمد لكن لا يقاد به، قد يتعمد قتله، قد يتعمد القتل، لكن هنا في هذه الصورة.
طالب:. . . . . . . . .
هذا سيف رماه به، وش معنى حذفه؟
طالب:. . . . . . . . .
مات على كل حال خفيفة وإلا ثقيلة النتيجة مات.
طالب:. . . . . . . . .
شوف يا أخي ما زلنا الآن ما بعد قررنا شيء، هل هو عمد أو شبه عمد أو خطأ؟ لو كان يريد حذف غزال مثلاً أو ضبي أو حمار وحش فأصاب الولد قلنا: خطأ، خطأ وإلا ما هو بخطأ؟ خطأ بلا إشكال، أراد أن يضرب الولد في أصبعه مثلاً الذي لا يموت به، وقصد ضرب الأصبع فمات منه، هذا إيش؟ شبه عمد عند الجمهور، وعند مالك ما في شيء اسمه شبه عمد، ما في إلا خطأ أو عمد، على كل حال مثل هذا الذي يظهر أنه ملحق بشبه العمد، لا يريد قتله، لكنه مات، لا يريد قتله وإنما رماه بقاتل "فأصاب ساقه، فنزي في جرحه فمات، فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب فذكر له ذلك" سراقة بن جعشم صاحب القصة حينما أرسلته قريش بجعل ليخبر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الهجرة، ثم بعد ذلك ساخت به قوائم فرسه، ثم نشد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يدعو له، ولا يخبر عنه، فصارت مرة وثانية وثالثة، إلى أن أسلم بعد ذلك.
"قدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له" ذكر القصة، قصة المدلجي ذكرها له "فقال له عمر: أعدد على ماء قديد" وهذا بين مكة والمدينة معروف إلى الآن، ومأهول "عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك" الآن الدية مائة من الإبل، وهذا قال: أعدد مائة وعشرين، من أجل إيش؟ أن ينتقي منها مائة مغلظة؛ لأنه إذا كان أكثر من العدد أمكن الانتقاء "حتى أقدم عليك، فلما قدم إليه عمر بن الخطاب أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة، ثلاثين جذعة، وأربعين خلفة" كم المجموع؟ مائة، فما زاد في العدد إنما زاد في الكيف، وهذا هو التغليظ في قتل شبه العمد، وفي قتل العمد إذا عدل عن القصاص إلى الدية، تغلظ الدية، يعني من باب أولى، أولى من شبه العمد.
طالب:. . . . . . . . .
حصل هذا، إيه حصل.
طالب:. . . . . . . . . وعلى أي أساس ...
(166/6)
هو ما عندك إلا قود أو دية، الأصل أنه إما قود أو دية، والدية معروفة ومحددة من قبل الشرع، نعم؟ لكن قد لا يتنازل عن القود إلى الدية إلا بمبالغ، لكن لو قال: أنا لا أريد القصاص أنا أريد الدية، ماذا يستفيد ورثة المقتول من القصاص؟ إنما يستفيدون من الدية، الدية محددة شرعاً، لكن إذا قال: لن أتنازل عن القصاص إلا بمبلغ كذا؟ يصير من باب الصلح ما في إشكال.
طالب:. . . . . . . . .
عاد إذا رأى المسألة فيها ضرر على الناس نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو المبالغة مهما كانت أخف من القود، مهما بلغت أسهل من القود.
طالب:. . . . . . . . .
هي أسهل من القود مهما بلغت، وعلى ذلك إذا رأى الإمام المصلحة في تحديد مثل هذا الأمر، وأنه وجد من يبالغ مبالغة لا يحتملها الخصم، أو تؤدي إلى الإضرار به وبأسرته وقبيلته، هذه مسألة اجتهادية.
"أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا دلت القرائن.
طالب:. . . . . . . . .
السيف يقتل.
طالب:. . . . . . . . .
وش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
لا حتى لو تعمده وضرب عنقه بالسيف ما أقيد به، الأب لا يقاد بالولد.
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن لو صارت المسألة مع غير الابن؟
طالب: لو أراد رأسه. . . . . . . . .
هذا بالنسبة للوالد مع ولده لا يقاد به، هذا مفروغ منه، لو أبان عنقه بالسيف ما يقاد به، لكن لو حصلت مع أجنبي مثل هذه القصة كيف تصنف بين الأنواع الثلاثة؟ هل نقول: عمد لأن السيف قاتل وقصد إرسال السيف وإن لم يقصد القتل؟ أنه قصد إرسال آلة تقتل غالباً فمات منها؟ شبه العمد.
طالب:. . . . . . . . .
لا القصد موجود، لكن الآلة لا تقتل، بالسوط والعصا، الآلة لا تقتل هذا شبه العمد، فمات، مثل مدرس ضرب الطالب مع أصبعه بالقلم ومات، وحصلت هذه، هل يقال: إن هذا عمد؟ هو قاصد الضرب، لكن ما قصد القتل.
"ثم قال: أين أخو المقتول؟ قال: هأنذا، فقال: خذها فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس لقاتل شيء)) " هذا ليس له من يرثه إلا الأب والأخ، ليس له وارث سوى الأب والأخ، والأب قاتل، والقاتل لا يرث، ولم يبق إلا الأخ فليأخذها.
(166/7)
قال: "وحدثني مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وش لون؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، امرأة أشيم؟
طالب:. . . . . . . . .
عمر يقف عند النصوص وإلا يجتهد ويصيب في الغالب، وهو من أهل الاجتهاد، ولو ما وجد نص اجتهد -رضي الله عنه-، لكن إذا وجد نص انتهى، وقد يجتهد ويوافق اجتهاده النص، وهذا حصل عنده كثير.
طالب:. . . . . . . . .
كلهم.
طالب:. . . . . . . . .
الآن ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها، ورثها من دية زوجها، وغيره مثلها، مثل الزوجة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا محجوب وجوده مثل عدمه، ما يحجب غيره، ولو كان الأب وارثاً لحجب الأخ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
من القاتل؟ القاتل أجنبي، مقتول قتل خطأ، وأخذت منه الدية، فهل تورث الدية أو لا تورث؟ هل نقول: إن الصلة بين الزوج والزوجة انقطعت بالموت؟ وهذا الزوج ما ملك إلا بعد ... ، مثل الاحتمالات التي أوردناها، يعني هل الدية تورث وإلا ما تورث؟ كتلاد ماله، كماله الذي ملكه في وقت الأهلية أهلية الملك، الذي معنا يدل على أنها من ضمن أمواله، وعلى هذا إذا قلنا: إنها من ضمن أمواله هل له أن يعفو عن قاتله؟ يعني في أخر رمق قتله، وما مات مباشرة، فقال: خلاص لا قود ولا دية، له وإلا ليس له؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لو قال: لا أريد قود ولا دية.
طالب:. . . . . . . . .
طيب، لو قال: لا أريد قود، أريد الدية، تنازل عن القود إلى الدية، شفقة بأولاده، ورأفة بهم، محتاجين ومساكين.
طالب:. . . . . . . . .
مسألة أخرى، مسألة ثانية هل ملك وإلا ما ملك؟ ما ملك إلى الآن، فلا ينفذ تصرفه، لا لما قلت، وأنه عفا عن شيء لم يملكه، نعم.
قال: "وحدثني مالك" ترى ما نمشي بهذه الطريقة إن عدنا على ما كنا عليه سابقاً.
(166/8)
"وحدثني مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار سئلا أتغلظ الدية في الشهر الحرام؟ " الأشهر الحرم الأربعة تغلظ فيها الدية أو لا تغلظ؟ في البلد الحرام مثلاً تغلظ وإلا لا؟ "فقال: لا، ولكن يزاد فيها للحرمة" يعني مفهوم الكلام أنها لا تغلظ في الكيفية، وإنما يزاد في الكمية، يعني بدلاً من أن تكون دية مغلظة فيها أربعون في بطونها أولادها، تكون مائة وعشرين من غير تغليظ، هي دية الخطأ إلا أنها تزاد مثلاً للشهر الحرام أو للبلد الحرام، أيهما أولى التغليظ في العدد أو في الكيفية؟ أسهل هذا؛ لأن في تغليظ الكيفية محافظة على النص، ولذلك أهل العلم لا يرون الزيادة في السيئات في البلد الحرام ولا في الشهر الحرام، وإنما يرون أن هذه السيئات عددها واحد لكن تغلظ في كيفيتها لا في كميتها، فهل نقول على فتوى هذين الإمامين سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار، وهما من الفقهاء السبعة المعروفين، تغلظ الدية في الشهر الحرام؟ "قالا: لا، ولكن يزاد فيها للحرمة، فقيل لسعيد: هل يزاد في الجراح كما يزاد في النفس؟ فقالا: نعم" الحكم واحد، لكن كيف يزاد؟ يعني يزاد على المائة البعير؟ مائة من الإبل يزاد عليها لأنه في بلد حرام؟ قد يقول القائل: أنا غلظوا علي الدية خلوه مثل شبه العمد ولا تزيدوا في العدد، والتغليظ في الكيفية فيه محافظة على ما جاء في النص من حيث العدد، أما الزيادة على ما جاء في النص فلا شك أنها تتضمن مخالفة.
"قال مالك: أراهما أراد مثل الذي صنع عمر بن الخطاب في عقل المدلجي حين أصاب ابنه" عمر بن الخطاب ما الذي فعله؟ غلظ في الكيفية؟ لا في الكمية.
(166/9)
"قال مالك: أراهما أرادا مثل الذي صنع عمر بن الخطاب في عقل المدلجي حين أصاب ابنه" فكلام الإمام مالك حينما حمل التغليظ على الكيفية دون الكمية خلاف ما يظهر من سياق كلامهما "أتغلظ الدية في الشهر الحرام؟ فقالا: لا، ولكن يزاد فيها للحرمة" الزيادة هذه كما يقرر أهل العلم يحتمل أن تكون متصلة، وأن تكون منفصلة، فإن كانت الزيادة متصلة فهي الزيادة في الكيفية، وإن كانت الزيادة منفصلة فهي الزيادة في الكمية، وهما نفيا أن تغلظ الدية في الشهر الحرام، والكلام أوله يعارض آخره، على حسب فهمنا، الشرح موجود وإلا ما هو موجود؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه معك الزرقاني؟
طالب:. . . . . . . . .
وش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
جنس الشهر الحرام فشمل الأربعة، الثلاثة السرد، والواحد الفرد، قعدة والحجة ومحرم ورجب، نعم؟
طالب. . . . . . . . . مثل ما صنع عمر بن الخطاب في عقل المدلجي، قيل. . . . . . . . .
بس؟
طالب:. . . . . . . . .
ما جاء بجديد، في المنتقى معكم؟
أحد معه المنتقى؟
طالب:. . . . . . . . .
لا "أعدد على ماء قديد عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك، فلما أقدم إليه عمر أخذ من تلك الإبل ثلاثين وثلاثين وأربعين" يعني حينما يزيد العدد هو لا يريد أخذ المائة والعشرين، أراد أن ينتقي من هذه المائة والعشرين ليتم له الانتقاء، لكن العدد المطلوب، لو قال: أعدد مائة من الإبل صار له خيار؟ ما يصير له خيار.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عروة بن الزبير أن رجلاً من الأنصار يقال له: أحيحة بن الجلاح كان له عم صغير".
(166/10)
"مالك عن يحيى بن سعيد عن عروة بن الزبير أن رجلاً من الأنصار يقال له: أحيحة بن الجلاح، كان له عم صغير، هو أصغر من أحيحة، وكان عند أخواله، فأخذه أحيحة فقتله، فقال أخواله: كنا أهل ثُمه ورمه حتى إذا استوى على عممه غلبنا حق امرئ في عمه" الآن الأخوال بالنسبة للعصبة ابن الأخ من العصبة، والأخوال ليسوا بعصبة من ذوي الأرحام، فهو يغلبهم عليه "كان عند أخواله فأخذه أحيحة" لأنه ابن أخيه من عصبته، هذا الأصل "فأخذه أحيحة فقتله" لا ندري وش مناسبة هذه القصة؟ وظروف القصة؟ ولماذا قتله؟ وكيف قتله؟ هل قتله عن عمد أو خطأ أو سقط منه من بعيره فمات؟ ما ندري، فرط في حفظه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يُدرى عن كيفية القتل، يمكن لما جاء وادعاه وهو من عصبته قُدم على أخواله فأخذه، فحمله ففرط في مسكه على البعير فطاح وسقط ومات، يصير قتل خطأ، احتمال هذا، المقصود أن ظروف القصة لا بد من بسطها ليتم الاستدلال بها.
قال شيء الشارح عنها؟
طالب:. . . . . . . . .
وش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
من الشرح؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب: مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عروة بن الزبير بن العوام أن رجلاً من الأنصار يقال له: أحيحة، بمهملتين مصغر، ابن الجلاح بضم الجيم وتخفيف اللام وآخره مهملة، كان له عم صغير وهو أصغر من أحيحة، وكان عند أخواله فأخذه أحيحة فقتله، فقال أخواله: كنا أهل ثُمه، بضم المثلثة، وكسر الميم الثقيلة، وهاء الضمير، قال أبو عبيد: المحدثون يروونه بالضم، والوجه عندي الفتح، والثم إصلاح الشيء وإحكامه، يقال: ثمتت أثُم ثماً، وقال أبو عمرو: والثم الرم، ورمه بضم الراء وكسر الميم شديدة، قال الأزهري: هكذا روته الرواة، وهو الصحيح، وإن أنكره بعضهم، وقال ابن السكيت: ما له ثم ولا رم بضمهما، فالثم قماش البيت، والرم مرمة البيت، كأنه أريد كنا القائمين به منذ ولد إلى أن شب وقوي، حتى إذا استوى على عممه بضم العين المهملة وفتحها، وميمين أولاهما مفتوحة، والثانية مكسورة ومخففة هي على طوله، واعتدال شبابه، ويقال للنبت: إذا طال اعتم، ورواه أبو عبيد بالتشديد، قاله الهروي، أي شد الميم الثانية.
(166/11)
قال الجوهري: قد تشدد للازدواج، غلبنا حق امرئ في عمه، فأخذه منا قهراً علينا، قال عروة: فلذلك لا يرث قاتل من قتل، أي الذي قتله، قال في الإصابة: بعد ذلك أثر الموطأ هذا لم أقف على نسب أحيحة هذا في أنساب الأنصار، وقد ذكره بعض من ألف في الصحابة، وزعم أن أحيحة بن الجلاح بالحريش، ويقال: حراس بن حجفة بن كلفة ...
ما يهمنا هذا، نبي القصة القصة وش فيها؟
طالب:. . . . . . . . .
زد، زد.
طالب:. . . . . . . . .
انتهينا منه، لكن نبي كيفية القتل، وظروف القتل، لا يتصور أن أحيحة يقصد إلى عمه عند أخواله فيأخذه فيقتله عمداً، ما هو متصور هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
غيرهم، غيرهم، ما لنا بهم لازم.
طالب: وقال عياض في المشارق: وقد أبغض القاضي أبو عبد الله بن الحداء. . . . . . . . . في رجال الموطأ، وزعم أن أحيحة بن الجلاح قديم الوفاة، وأنه عمر حتى أدرك الإسلام، فيكون أحيحة الصحابي ولد ...
ما في شيء؟
هذا ما يفيد.
المقصود أنه أخذه من أخواله فقتله على كيفية لا يدرى هل هي عن عمد؟ وهذا يبعد؛ لأنه صغير، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ثأر بين؟
طالب:. . . . . . . . .
شب.
طالب: شب، سبع سنين، ثمان سنين.
"حتى إذا استوى على عممه غلبنا حق امرئ في عمه".
نشوف، نشوف.
"قال عروة: فلذلك لا يرث قاتل من قتل".
(166/12)
"قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن قاتل العمد لا يرث من دية من قتل شيئاً، ولا من ماله" قاتل العمد هذا ما فيه خلاف أنه لا يرث، الخلاف في قتل الخطأ "ولا يحجب أحداً وقع له ميراث" لأن وجوده كعدمه "وأن الذي يقتل خطأ لا يرث من الدية شيئاً" لأنها أخذت منه عقوبة له، فلا يرجع شيء منها "وقد اختلف في أن يرث من ماله" لأنه لا يتهم على أنه قتله ليرثه، إذا قتل خطأ، دلت القرائن القوية على أنه قتله خطأ اختلف فيه، والجمهور على أنه لا يرث؛ لأن العلماء يقولون: القتل المانع من الميراث ما أوجب قوداً، أو دية، أو كفارة "لأنه لا يتهم على أنه قتل ليرثه وليأخذ ماله، فأحب أن يرث من ماله، ولا يرث من ديته" يعني من القرائن التي تدل على أنه لم يقصد القتل حوادث السيارات؛ لأنه هو في السيارة هل يبي يقصد قتله وهو معه؟ نعم؟
هل يتهم في أنه يريد قتل أبيه؟ لا يمكن أن يتهم، فهذه لا شك أنها مسألة مشكلة، وقول الجمهور يوقع في بعض القضايا في حرج، مثل قضيتنا الآن ما زالت حية، شخص له عشرة من الأولاد، تسعة منهم عققة، أراد أبوهم أن يعتمر فرفضوا، والعاشر ولد بر به فاستجاب وذهب به، فصار عليهم حادث ومات الأب، والأب من الأثرياء الكبار، إحراج، فعلى رأي الجمهور يرث أو ما يرث؟ لا يرث، وعلى رأي الإمام مالك يرث، والمسألة تنظر الآن عند أهل العلم، وينظرون في رأي مالك، وله وجه إن أفتوا به، ما يسلم من وجه، والله المستعان، نعم.
باب: جامع العقل
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((جرح العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس)).
قال مالك: وتفسير الجبار أنه لا دية فيه.
وقال مالك: القائد والسائق والراكب كلهم ضامنون لما أصابت الدابة إلا أن ترمح الدابة من غير أن يفعل بها شيء ترمح له، وقد قضى عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- في الذي أجرى فرسه بالعقل.
قال مالك -رحمه الله تعالى-: فالقائد والراكب والسائق أحرى أن يغرموا من الذي أجرى فرسه.
(166/13)
قال مالك: والأمر عندنا في الذي يحفر البئر على الطريق، أو يربط الدابة، أو يصنع أشباه هذا على طريق المسلمين، أن ما صنع من ذلك مما لا يجوز له أن يصنعه على طريق المسلمين فهو ضامن لما أصيب في ذلك من جرح أو غيره، فما كان من ذلك عقله دون ثلث الدية فهو من ماله خاصة، وما بلغ الثلث فصاعداً فهو على العاقلة، وما صنع من ذلك مما يجوز له أن يصنعه على طريق المسلمين فلا ضمان عليه فيه، ولا غرم، ومن ذلك البئر يحفرها الرجل للمطر، والدابة ينزل عنها الرجل للحاجة، فيقفها على الطريق فليس على أحد في هذا غرم.
وقال مالك في رجل ينزل في البئر فيدركه رجل آخر في أثره فيجبذ الأسفل الأعلى فيخران في البئر، فيهلكان جميعاً أن على عاقلة الذي جبذه الدية.
قال مالك في الصبي يأمره الرجل ينزل في البئر، أو يرقي في النخلة فيهلك في ذلك إن الذي أمره ضامن لما أصابه من هلاك أو غيره.
قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أنه ليس على النساء والصبيان عقل يجب عليهم أن يعقلوه مع العاقلة فيما تعقله العاقلة من الديات، وإنما يجب العقل على من بلغ الحلم من الرجال.
وقال مالك في عقل الموالي: تلزمه العاقلة إن شاءوا، وإن أبوا كانوا أهل ديوان أو مقطعين، وقد تعاقل الناس في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي زمن أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- قبل أن يكون ديوان، وإنما كان ديوان في زمان عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-، فليس لأحد أن يعقل عنه غير قومه ومواليه؛ لأن الولاء لا ينتقل؛ ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الولاء لمن أعتق)).
قال مالك: والولاء نسب ثابت.
قال مالك: والأمر عندنا فيما أصيب من البهائم أن على من أصاب منها شيئاً قدر ما نقص من ثمنها.
قال مالك في الرجل يكون عليه القتل فيصيب حداً من الحدود: إنه لا يؤخذ به، وذلك أن القتل يأتي على ذلك كله إلا الفرية فإنها تثبت على من قيلت له يقال له: ما لك لم تجلد من افترى عليك؟ فأرى أن يجلد المقتول الحد من قبل أن يقتل، ثم يقتل، ولا أرى أن يقاد منه في شيء من الجراح إلا القتل؛ لأن القتل يأتي على ذلك كله.
(166/14)
وقال مالك: الأمر عندنا أن القتيل إذا وجد بين ظهراني قوم في قرية أو غيرها لم يؤخذ به أقرب الناس إليه داراً ولا مكاناً، وذلك أنه قد يقتل القتيل، ثم يلقى على باب قوم ليلطخوا به، فليس يؤخذ أحد بمثل ذلك. قال مالك في جماعة من الناس اقتتلوا فانكشفوا وبينهم قتيل أو جريح لا يدرى من فعل ذلك به: إن أحسن ما سمع في ذلك أن عليه العقل، وأن عقله على القوم الذي نازعوه، وإن كان الجريح أو القتيل من غير الفريقين فعقله على الفريقين جميعاً.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع العقل
والعادة في مثل هذه الترجمة أنها توضع لمسائل متعددة لا ترتبط برابط واحد، ولا يجمعها ترجمة واحدة، فيجمع فيها -في الغالب يعني العادة جرت بهذا- المسائل التي لا تدخل تحت الأبواب السابقة.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((جرح العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس)) " وهذا الحديث متفق عليه كما هو معروف بهذا الإسناد.
((جرح العجماء جبار)) العجماء: هي التي لا تنطق، تشبيهاً لها بالأعجمي الذي لا ينطق العربية، كأن الكلام بغير العربية لا قيمة له، ككلام أو كأصوات العجماوات، وفرقوا بين العجمي والأعجمي من وجه، كيف كان ذلك؟ ما وجه التفريق؟ أعجمي نسبة إلى عجم الذين لا يتكلمون بالعربية ولو كان عربياً، والعجمي من نسبته إلى العجم ولو نطق بالعربية.
((جرح العجماء جبار)) الدابة جرحها هدر، لا سيما إذا جرحت أو جنت جناية في الوقت الذي جعل على أهل الأموال حفظها، أما إذا تعدت وجنت في الوقت الذي جعل على أهل الدواب حفظها فإن جنايتها مضمونة، لو دخلت الدابة مزرعة قوم، أو محل فيه ما يمكن إتلافه فأتلفت، فإن كانت في النهار فله حكم، وإن كانت في الليل فلها حكم، على أهل الدواب أن يحفظوها ليلاً، وعلى أهل الأموال أن يحفظوها نهاراً.
(166/15)
((العجماء جبار)) دخلت هذه البقرة أو الناقة أو غيرهما من العجماوات إلى محل فكسرت آلة ثمينة في هذا المحل، في النهار جبار، وفي الليل مضمون، أرسلت فدهست صبياً في النهار لها حكم، وفي الليل لها حكم. ((البئر جبار)) حفر بئراً ليجتمع به المطر، أو ليستقي منه الناس، وسقط فيه من سقط، نقول: هدر، إذا كان في محل مأذون بالحفر فيه؛ لأن هذه مصلحة عامة، وما دام أذن فيه، ولم يكن في ذلك تلبيس على الناس بأن وضع عليه شيئاً لا يمنع من الوقوع فيه، وضع ابلكاش مثلاً على بئر، على بيارة مثلاً، نعم، وضع ابلكاش ما يمنع من السقوط فيه، مثل هذا نقول: يضمن، لكن لو تركها مكشوفة بحيث يراها الناس حينئذٍ لا يضمن، لو مُنع من حفر البئر في هذا المكان أو البيارة في الشارع فسقط فيها من سقط يضمن؛ لأنه حفر في مكان غير مأذون فيه.
((والمعدن جبار)) المعدن المكان الذي يستخرج منه المعادن كالذهب والبترول وغيرهما، صاروا يشتغلون في هذا المعدن فسقط عليهم، كثيراً ما نسمع من سقوط المناجم على العمال، وهذا في السنوات الأخيرة، هذا يكثر في الصين، يعني وقائع لا تسلم سنة من عدة حوادث، من السنوات الماضية، هذا جبار، لا قود فيه ولا دية ولا كفارة ولا شيء، ويفرق بين من يعمل بالأجرة ومن يعمل مجاناً، وبين الكبير والصغير، الذي يأخذ أجرة يختلف عن الذي يشتغل مجاناً تعاوناً وبين من الكبير والصغير على ما سيأتي.
((وفي الركاز الخمس)) وهو ما يوجد من دفن الجاهلية فيه خمسه يأخذ، وحينئذٍ يكون زكاته، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم المسابح، واحد عنده استراحة يؤجرها فيها مسبح، استأجرها أسرة فوقع فيها صبي من أولادهم، هل نقول: يضمن أو لا يضمن؟ هو إذا حصل منه تغرير يضمن، لو قيل: هذا مسبح للأطفال، صاحب الاستراحة قال: هذا للكبار وهذا للأطفال، فصار مسبح الأطفال يغرق الكبار، يضمن، أنه غرهم، أما إذا كانت المسألة واضحة، وليس فيها غش، وأقدموا على بينة فعليهم حفظ أولادهم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب وش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
هو يبي يجي، إن كان معها سائق مو معها سائق، عليها قائد، عليها راكب، نعم بيجي هذا.
"قال مالك: وتفسير الجبار أنه لا دية فيه".
(166/16)
"وقال مالك: القائد والسائق والراكب" القائد الذي يمشي أمام الدابة، والسائق الذي يمشي خلفها، والراكب الذي يركبها من فوقها، كلهم ضامنون لما أصابت الدابة؛ لأن مقودها بأيديهم، وبإمكانهم كفها عن هذا الأذى "إلا أن ترمح الدابة من غير أن يفعل بها شيء ترمح لأجله" يقودها فمرت بصبي فرمحته، أو راكب عليها فرمحته، هذه ليست بيده إلا إذا كان قد تسبب في هذا التصرف؛ لأن بعض الدواب إذا ما ضربت أو نخزت في مكان مؤثر عندها ترمح، نعم، فهذه يكون على المتسبب "وقد قضى عمر بن الخطاب في الذي أجرى فرسه بالعقل" وكثير ما يحصل حوادث في سباق الخيل بالنسبة للمشاهدين، ما كان هناك حدود تمنع من قرب المشاهدين من محل السباق، كانوا يتدافعون وينظرون ويحصل لهم ما يحصل "وقد قضى عمر بن الخطاب في الذي أجرى فرسه بالعقل" لأنه متسبب.
"قال مالك: فالقائد والراكب والسائق أحرى أن يغرموا" لأن المقود بأيديهم.
طالب:. . . . . . . . .
ما هو مثلاً، هو ميدان سباق، لكنهم يضيقونه بالمشاهدة، بعضهم يدف بعض وبعد ذلك يحصل ما يحصل.
طالب:. . . . . . . . .
ما دام المقود بيده عليه أن يصيب، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
ترفس برجلها من خلفها.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
وحصل منها شيء؟
طالب:. . . . . . . . .
كل حال هم المتسببون، يضمنون.
"قال مالك: والأمر عندنا في الذي يحفر البئر على الطريق، أو يربط الدابة، أو يصنع أشباه هذا على طريق المسلمين" عند الحنابلة في بعض كتبهم أنه لو بالت دابته في الطريق، أو رمى قشر موز مثلاً، بالت دابته في الطريق، ثم وطئها إنسان فخر صريعاً، أو رمى قشر موز فوطئه إنسان فخر فمات أنه يضمن، لكن مثل هذه الأسباب مثل هذه الأسباب، والقتل فيها بعيد جداً، هل يقال: بالضمان؟ طيب الذي يغير الزيت عند باب البيت، ثم يأتي واحد ويسقط ويموت هذا أشد، والأسباب كثيرة، لكن منها البعيد ومنها القريب، فما قرب وكثر القتل فيه يضمن، وما بعد وندر القتل فيه فإنه حينئذٍ لا يضمن، نعم؟
طالب: الذي يرمي قشر الموز؟
عند الحنابلة نصوا عليه أنه يضمن، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(166/17)
أنت تصور المسألة، ما هي من الوضوح بهذا المكان أكل الموز ورمى القشر يبيه في القمامة يسقط، ما سقط، سقط بجوارها، ثم جاء واحد ووطئه سقط.
طالب:. . . . . . . . .
لا لو قلنا بهذا بعد الذي يشرب من البرادة هذا ثم يرمي باقي الماء.
طالب:. . . . . . . . .
نعم السيراميك طيب، يضمن.
طالب:. . . . . . . . .
طيب وضع الأذى، لكن يأثم، ما نقول: يضمن، فرق بين كون السبب قريب وبين كونه بعيد جداً؛ لأن الموت له أسباب قريبة جداً وبعيدة جداً يعني يمكن الواحد مر عليه، وأراد أن يرقيه ونفخ في وجهه فتأثر من البرد ومات، وش تسوي به بعد هذا؟ أمور بعيدة جداً ما يضمن بها يا أخي، طيب الأب وضع السيراميك في البيت أو الأخ أو ما أشبه ذلك فسقط أحد المارة، الأم العجوز المسكينة وانكسرت وإلا الأب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
تكسروا الناس من أمور يقصدونها هم بأنفسهم وأولادهم؛ لأن هذه أسباب غير مقصودة، ويبعد مثل هذا منها، لكن لا شك أن القرب والبعد له نصيبه، يعني تقدر الأمور بقدرها، امرأة نامت بجنب ولدها، ووضعت الاحتياطات الكاملة، ثم بعد ذلك حصل ما حصل، فمات بسببها، هل نقول: تضمن وإلا ما تضمن؟ امرأة فرطت، هذه مسألة تقرب وتبعد، وللاجتهاد فيها مجال، ولذلك الروايات الأخرى ما يضمن إذا بالت دابته، بالت دابته في الطريق، ومشى وسقط شخص ومات، نقول: هذا هو السبب؟ يضمن؟ بالت دابته.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما تنضبط الأمور، ما تنضبط، مسألة فيها قرب وبعد، شيء يبعد كل البعد هذا ما يضمن، وشيء يقرب بحيث يكون يقرب من المباشرة هذا يضمن، وبين ذلك أمور اجتهادية حسب تقرير المجتهد.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب: فبالت الدابة، وأتت بما عندها من الأذى.
شوف إيش يبي يقول لك؟ كلام مالك اسمع ....
طالب. . . . . . . . .
وين يودون دوابهم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما عنده، عنده بيت غرفة فيها عشرين نفس، وتعرف هذا أنت، غرفة واحدة فيها عشرين نفس.
طالب: يؤذي الناس هذا؟!
وين يوديها؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا مصدر رزقه بإذن الله -جل وعلا-.
(166/18)
على كل حال كل الأمور تقدر بقدرها، وأيضاً الظروف والأحوال والحاجة وعدمها تعد من الأمور .. ، لا شك أن القضايا تختلف باختلاف الأزمان، كانت الدواجن في البيوت الآن ممنوعة تضعها، ولا في بيتك تضعها؛ لأنك تؤذي الجيران برائحتها.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال شوف كلام الإمام -رحمه الله- "قال مالك: والأمر عندنا في الذي يحفر البئر على الطريق أو يربط الدابة، أو يصنع أشباه هذا على طريق المسلمين إنما صنع ذلك مما لا يجوز له أن يصنعه على طريق المسلمين فهو ضامن لما أصيب في ذلك من جرح أو غيره" إذا كان ممنوع، ممنوع يحفر بيارة في طريق المسلمين هذا يضمن، مسموح لا يضمن، وفي بعض البلدان يُسمح بهذا، يسمح في حفر البئر، ثم بعد ذلك لا يضمن ((والبئر جبار)).
"إنما صنع من ذلك مما لا يجوز أن يصنعه على طريق المسلمين فهو ضامن لما أصيب في ذلك من جرح أو غيره، فما كان من ذلك عقله دون ثلث الدية فهو من ماله الخاص" لأنه تقدم أن العاقلة تعقل أقل من الثلث "في ماله الخاص، ومن بلغ الثلث فصاعداً فهو على العاقلة، وما صنع من ذلك مما يجوز له أن يصنعه على طريق المسلمين فلا ضمان عليه فيه ولا غرم، ومن ذلك البئر يحفرها الرجل للمطر، والدابة ينزل عنها الرجل لحاجته فيقفها على الطريق، فليس على أحد في هذا غرم".
"وقال مالك في الرجل" لو نزل إلى البقالة والسيارة شغالة مثلاً، نعم، ومشت يضمن وإلا ما يضمن؟ يضمن؛ لأنه ما أمنها؛ لأن فيها وسائل للتأمين، حينما أهملها ولم يضمنها، وش يسمونه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ... التطفية سهلة.
طالب: جلنط.
يعني ما أمنها بفرامل أو بغيرها بجلنط، أو بنمرة تمسكها أو شيء فيكون مفرط يضمن، لكن لو جاء ووضع جميع الاحتياطات ومشت.
طالب:. . . . . . . . .
عاد هذا الثاني، يضمن الثاني.
"وقال مالك في الرجل ينزل في البئر فيدركه رجل آخر في أثره فيجبذ الأسفل الأعلى" يسحبه يجره "فيخران في البئر فيهلكان جميعاً: إن على عاقلة الذي جبذه الدية" لأنه هو القاتل، هو المتسبب بقتل صاحبه، وإن مات معه.
(166/19)
"قال مالك في الصبي يأمره الرجل ينزل في البئر، أو يرقى في النخلة فيهلك في ذلك أن الذي أمره ضامن لما أصابه من هلاك أو غيره" لأنه لا يدرك مصلحته، وكذا لو أعطاه آلة، وقال له: أقتل بها فلان ضمن؛ لأنه لا يدرك مثل هذه الأمور.
"قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أنه ليس على النساء والصبيان عقل يجب عليهم أن يعقلوه مع العاقلة، وإنما العاقلة عصبة الرجل البالغون فيما تعقله العاقلة من الديات، وإنما يجب العقل على من بلغ الحلم من الرجال".
"وقال مالك في عقل الموالي تلزمه العاقلة إن شاءوا" يعني على حسب اختيارهم، يعني إذا رضوا بذلك، لكن كيف تلزمه العاقلة؟ تلزمه إن شاءوا، هذا تنافر وإلا ما فيه تنافر؟ فيه إلزام مع المشيئة؟ ما في إلزام مع المشيئة.
طالب:. . . . . . . . .
"في عقل الموالي تلزمه العاقلة إن شاءوا" يعني التزموا أول الأمر ثم أرادوا أن ... ؟
طالب:. . . . . . . . .
"وإن أبوا كانوا أهل ديوان أو مقطعين" إيش معنى هذا الكلام؟ "وإن أبوا كانوا أهل ديوان أو مقطعين" أقرب ما يكون أن يكون العقل في بيت المال، سواء كان مما تتحصل فيه من الأموال العامة، أو أن يقطع شيئاً يسدد به هذه الدية، هذا أقرب ما يكون؛ لأن هذه الأمور انقطعت يعني، الديوان انقطع، وكل شيء انقطع، كان على عهد عمر -رضي الله عنه-، ثم تتابعت العصور فصار بيت المال لا شك أنه يضمن مثل هذه الأمور.
(166/20)
ولذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- ودى القتيل في مسألة القسامة، لما حلف رفضوا أن يحلف اليهود، ورفضوا أن يحلفوا، وداه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فدية مثل هذا لا تضيع، وإنما تكون في بيت المال. "وقد تعاقل الناس في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي زمان أبي بكر الصديق قبل أن يكون ديوان" الآن من وجبت عليه الدية هل تدفعها العاقلة؟ العاقلة تفرقوا، كيف يجمعهم؟ وكيف يحصل عليهم؟ ولا يوجد من يلزمهم بهذا، المقصود أنه يُدفع من بيت المال "قبل أن يكون ديوان، وإنما كان الديوان في زمان عمر بن الخطاب، فليس لأحد أن يعقل عنه غير قومه ومواليه لأن الولاء لا ينتقل" لكن إذا رفض العاقلة الموالي أن يعقلوا فإنهم حينئذٍ يكون عقلهم من بيت المال "لأن الولاء لا ينتقل" لأنه لحمة كلحمة النسب "ولأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((الولاء لمن أعتق)) ".
"قال مالك: والولاء نسب ثابت.
قال مالك: والأمر عندنا فيما أصيب من البهائم أن على من أصاب منها شيئاً قدر ما نقص من ثمنها" الأرش، يعني كسائر السلع، الفرق بين قيمتها سالمة وبين قيمتها معيبة، كما تقدم في الرقيق.
"قال مالك في الرجل يكون عليه القتل فيصيب حداً من الحدود أنه لا يؤخذ به" عليه قود يبي يقتل، ثم بعد ذلك أصاب حداً من الحدود فإنه حينئذٍ لا يؤخذ به، يعني يبي يقتل وقد سرق، تقطع يده ثم يقتل؟ على كلام الإمام مالك لا يؤخذ به، إنما يكفي، القتل يأتي على ذلك كله، أعظم من أن تجدع أطرافه كلها إلا الفرية؛ لأنها حق آدمي، لا يسقط، وعار لا ينمحي، فمثل هذه إن طالبوا بإقامة حد الفرية عليه أقيمت عليه، وأما الجنايات في الأنفس والأطراف فإنها تتداخل، ويقضي عليها أكبرها.
ونظير ذلك الزاني المحصن، الواجب في حقه؟ الرجم، ويختلف أهل العلم في الجلد، هل يجلد قبل ذلك أو لا يجلد؟ المعروف عند الحنابلة أنه يجلد، والجمهور يقولون: إنه لا يجلد، والجمهور، وحديث عبادة بن الصامت: ((الثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) يشهد لقول الحنابلة.
(166/21)
"إلا الفرية" يعني القذف "فإنها تثبت على من قيلت له، يقال له: ما لك لم تجلد من افترى عليك؟ " يعني يعير بهذا، يعني لو سرق هل يعير بأنه لماذا ما قُطع الذي سرق منك؟ لا هذا يختلف عن الفرية، يختلف عن القذف.
"يقال له: ما لك لم تجلد من افترى عليك؟ " لولا أنه صادق في كلامه لطالبت بجلده "فحينئذٍ فأرى أن يجلد المقتول الحد من قبل أن يقتل ثم يقتل، ولا أرى أن يقاد منه في شيء من الجراح إلا القتل لأن القتل يأتي على ذلك كله" لأن ما دون القتل من قطع ومن أمور أخرى تدخل في القتل.
"وقال مالك: الأمر عندنا أن القتيل إذا وجد بين ظهراني قوم في قرية أو غيرها لم يؤخذ به أقرب الناس إليه داراً" ما يقال: والله هو أقرب إلى بيت آل فلان، آل فلان هم الذين قتلوه، لماذا؟ "وذلك أنه قد يقتل القتيل ثم يلقى على باب قوم ليلطخوا به، فليس يؤاخذ أحد بمثل ذلك" لكن لو ألقي من وراء السور في بيتهم، ثم من ألقاه ذهب يبلغ، يؤاخذون وإلا ما يؤاخذون؟ القتيل في بيتهم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يؤاخذون وإلا ما يؤاخذون؟ على كل حال يقررون، ويشد عليهم في التقرير، والأصل أنهم قتلوه، وإلا لو أهدر دم مثل هذا لاستدرج الناس إلى بيوتهم من كان بينه وبينه إحن وعداوات فقتلوه وزعموا أنه ألقي عليهم، كما قيل في الرجل يجد مع امرأته رجلاً فيقتله، أتقتلونه؟ قال: نعم نقتله؛ لئلا يسترسل الناس في مثل هذا، فيكون هناك عداوات فيدعى كضيف، ثم يدعى أنه وقع على امرأته أو على بنته فيقتله، فمثل هذه الأمور لا تنتهي، فلا بد من حسمها، والحكم في مثل هذا أنه يقتل.
"قال مالك في جماعة من الناس اقتتلوا فانكشفوا وبينهم قتيل أو جريح لا يدرى من فعل ذلك به: إن أحسن ما قيل في ذلك أن عليه العقل، وأن عقله على القوم الذين نازعوه" يعني اقتتل حيان أو قبيلتان فقتل من أحدهما قتيل على القبيلة الثانية، أو على الحي الثاني عقل المقتول "وإن كان الجريح أو القتيل من غير الفريقين" واحد مر بينهم فقتل "بين الفريقين فعقله على الفريقين جميعاً" والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(166/22)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ – كتاب العقول (8)
باب: ما جاء في الغيلة والسحر - باب: ما يجب في العمد - باب: القصاص في القتل -
باب: العفو في قتل العمد - باب: القصاص في الجراح - باب: ما جاء في دية السائبة وجنايته.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا حي يا قيوم.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الغيلة والسحر
وحدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قتل نفراً خمسة أو سبعة برجل واحد قتلوه قتل غيلة.
وقال عمر -رضي الله عنه-: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً.
وحدثني يحيى عن مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنه بلغه أن حفصة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله تعالى عنها- قتلت جارية لها سحرتها، وقد كانت دبرتها، فأمرت بها فقتلت.
قال مالك -رحمه الله-: الساحر الذي يعمل السحر ولم يعمل ذلك له غيره هو مثل الذي قال الله -تبارك وتعالى- في كتابه: {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} [(102) سورة البقرة] فأرى أن يقتل ذلك إذا عمل ذلك هو نفسه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الغيلة والسحر
(167/1)
الغيلة: يعني قتل الغيلة، وهي الخديعة والسر، بأن يستدرجه إلى مكان بحيث يخفى أمره على غيره فيقتله، ومنهم من يقول: إن الغيلة الذي لا شبهة في كونه عمداً، على كل حال الغيلة ظاهرها أنها ما كان خفية، ومنه الغيلة التي تكون بسبب وطء الحامل المرضع ... ، بسبب وطء المرضع؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أردت أن أنهى عن الغيلة فإذا فارس والروم يغيلون فلا يضرهم)) لأن الولد الرضيع يتضرر بالحمل لا سيما في بلاد العرب، وأما في بلاد فارس والروم فإنهم لا يتضررون، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أراد أن ينهى عن هذه الغيلة ظناً أن الناس كلهم يتضررون، ولما كان الدين للعالمين للناس أجمعين فالحكم للغالب، فنسبة العرب بالنسبة لغيرهم أقل من غيرهم، فإذا كان الغالب لا يتضرر فإنه لا يحكم بالمنع من أجل تضرر البعض، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أراد أن ينهى عن الغيلة، ظناً منه أن الناس كلهم يتضررون، فلما تبين له أن أكثر الناس لا يتضررون عدل عن هذا النهي، ويبقى أنه في حق من يتضرر ممنوع؛ لأن الضرر يجب رفعه، فلا ضرر ولا ضرار.
يقول: "وحدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قتل نفراً خمسة أو سبعة برجل واحد قتلوه قتل غيلة، قال عمر: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً" يعني قتل الجماعة بالواحد مذهب جمهور أهل العلم أنه لو اشترك مجموعة، وكل واحد منهم صار سبباً في موته، لا شك أنهم يقتلون به، وخبر عمر -رضي الله عنه- تلقاه العلماء بالقبول، وعملوا به، وأفتوا بموجبه "لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً" يعني لو أن بعضهم لا يستقل بقتله إلا بمساعدة فلان أو فلان أو فلان كلهم قتله، يقتلون به.
(167/2)
قالوا: "وحدثني يحيى عن مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنه بلغه أن حفصة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قتلت جارية لها سحرتها" السحر -نسأل الله العافية- كفر، وعقد ورقى شيطانية وأدخنة وأبخرة يستعملها السحرة بعد أن يشركوا بالله -جل وعلا-، وأن يقربوا لشياطينهم ما يخرجون به من الدين، ثم بعد ذلك يحصل منهم ما يحصل من أثر هذا السحر، من التفريق بين المرء وزوجه، ومن الضرر الحسي والمعنوي للمسحور، وكل هذا بإذن الله -جل وعلا- وإرادته، لكن هذه أسباب محرمة إجماعاً، وكفر بالله -جل وعلا- كما دل عليه قوله -جل وعلا-: {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} [(102) سورة البقرة] {حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} [(102) سورة البقرة] والأئمة كلهم على أن السحر كفر، منهم من يقول: إن مجرد تعلم السحر من غير فعل له، من غير أن يسحر به أنه لا يكفر، وإن كان مرتكباً كبيرة من كبائر الذنوب، وعظيمة من العظائم، وموبقة من الموبقات، لكنه إذا كفر بسحره، وقدم للشياطين ما يخرج به من الملة هذا حينئذٍ يكفر، هذا لا يحتاج إلى كلام، لو قدم إليهم بغير سحر كفر إجماعاً، فالذي يدعو غير الله -جل وعلا- أو يقرب يتقرب إلى غير الله -جل وعلا- بشيء من العبادات هذا يكفر، ما يحتاج إلى أن يكون بسحر أو غيره، لكن عامة أهل العلم على أن الساحر كافر، وأنه يقتل، وقد قتل الصحابة وعمر بن عبد العزيز السحرة، ومنهم حفصة في الخبر الذي معنا.
"قتلت جارية لها سحرتها، وكانت قد دبرتها" يعني أوصت بعتقها بعد موتها، عن دبر حياتها "فأمرت بها فقتلت" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
تعلم السحر لا شك أنه من الموبقات، ولا يتم هذا إلا بالشرك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(167/3)
يقرأ في الكتب، ويقرأ أيضاً ما يشرك به، لكن الآن ما يحتاج إلى أن يقرأ، هنا قنوات تبث السحر، وتعلم الناس السحر، يقول: أنا لا أتلفظ ولا أقرأ، جاهل، نقول: لا أنت تقرأ ما في الشاشة أنت، أنت تقرأ ما في الشاشة، فلا يجوز لك أن تتطلع على هذه الشاشات بحال، والأمر جد خطير؛ لأنه مناقض لرأس المال للتوحيد -نسأل الله السلامة والعافية-، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أما إذا صدق هذا ما فيه إشكال، فقد كفر بما أنزل على محمد، هذا ما فيه إشكال، لكن إذا كان مجرد إطلاع يقول: أنا أريد أن أطلع، نقول: هذا إطلاع على محرم من غير نية الإنكار، أما إذا كان يطلع عليه لينكر ويرد وينقض هذا مأجور -إن شاء الله-، إذا كان أهلاً لذلك.
طالب:. . . . . . . . .
هذا إذا جاء إلى الكاهن ولو لم يصدقه لم تقبل له صلاة.
طالب: يقعد عندهم ويسمعهم ويشوف، ويقول: أنا ما أصدق، لكن يسمع، وقد يتأثر يوماً ما، ويحصل في نفسه ...
لا المسألة مسألة عظيمة، موبقة من الموبقات، ولذلك النظر في هذه الأمور، والتساهل فيها أمره عظيم جداً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا إذا دعا غير الله -جل وعلا-، وتقرب إلى غير الله -جل وعلا- بذبح أو ما شابه يُكفر، الكفر ما هو على هوى على أشخاص، إذا أرتكب هذا المكفر متعمداً عارفاً بحكمه غير جاهل به لا بد أن يكفر، فالساحر كافر.
"قال مالك: الساحر" ...
"أمرت بها فقتلت" يعني ما نفذت القتل بيدها، إنما قالت: اقتلوها، فقتلت، والآمر بالقتل هو القاتل.
طالب: لكن القصد -أحسن الله إليك- هل هو مرده إلى الشخص أم مرده إلى ولي الأمر؟
بالنسبة للعبيد والأرقاء مردهم إلى مالكهم، نعم ((إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها)) أما بالنسبة للأحرار فمردهم إلى ولي الأمر.
طالب:. . . . . . . . .
والله الأصل أنه مثله كما يقرر أهل العلم أنه لا يعرف مدى صحة توبته ولذلك لا يستتاب؛ لأن الفائدة المرتبة على الاستتابة لا يمكن الإطلاع عليها، فأمره خفي خفاء في خفاء، فلا يمكن الإطلاع عليها، لكن لو تاب من نفسه قبل أن يستتاب، وحسنت توبته، وصلح أمره، وشهد له الناس بالخير، ولم يعد إلى ذلك ما فيه إشكال -إن شاء الله تعالى-، نعم؟
(167/4)
طالب: الساحر مرتد؟
نعم هو مرتد، هو كافر نعم.
(167/5)
"قال مالك: الساحر الذي يعمل السحر ولم يعمل ذلك له غيره هو مثل الذي قال الله -تبارك وتعالى- في كتابه: {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} [(102) سورة البقرة] فأرى أن يقتل ذلك" لأن عندك السحرة مراتب ودرجات وطبقات، قد لا يستطيع هذا الساحر أن يسحر فلاناً، فيذهب إلى من فوقه في المرتبة، وقد يوصي هذا الشخص الذي أراد السحر منه أن يذهب إلى فلان بالبلد الفلاني، فهل مراد الإمام مالك أن الساحر الذي يعمل السحر ولم يعمل ذلك غيره يعني أن الساحر الواسطة، هما سحرة كلهم، نفترض أنهم عشرة كل واحد فوق الثاني، وكل واحد شر من الثاني، فجاء إلى الساحر، وحصل قضايا يذهب إلى ساحر مثلاً في بلد، ثم يقول: اذهب إلى البلد الفلاني فهناك ساحر يعني شر منه، أمهر منه على حد زعمه، فهل نقول: إن هذا الوسيط لا يكفر مع أنه مرتكب للسحر، ويقرب، ويفعل مع غير هذا الشخص؟ كلهم كفار نسأل الله السلامة والعافية، وليس معنى هذا أن الساحر الذي يعمل السحر ولم يعمل ذلك له غيره، يعني مراد الإمام مالك أن الساحر الذي عمل السحر لا المسحور، وإن ذهب إلى .. ، أو لا الشخص الذي يذهب إلى الساحر ليسحر غيره؛ لأن عندنا ساحر ومسحور وواسطة بينهما، فمثلاً شخص تعجبه امرأة فيخطبها فترفض، فيذهب إلى ساحر فيقول: أنا أريد البنت الفلانية ورفضت، قال: أبداً، اعتبرها عندك، أمهلنا أسبوع وهذه حصلت، أمهله أسبوع فجاء إليه قال: عجزت، انتظر أسبوع ثاني، ثم لما جاء الأسبوع الثاني، قال: عجزت، انتظرني ثالث، ثم بعد ذلك عجز في النهاية، وذهبوا الشياطين الذين أرادهم لهذه البنت لأخت الواسطة، عجزوا عن هذه، والسبب أنها ملازمة للأذكار في وقتها، وهذه مسألة واقعية بلا إشكال، يعني سئلنا عنها، ومثل هذه الأمور تجعل تعلق الإنسان بربه -جل وعلا-، ولا يلتفت إلى غيره، ولن يضره أحد، لا يستطيع أحد أن يوصل إليه أي ضرر إلا من قبله هو، إذا حصل الخلل من قبله، فمراد الإمام مالك الساحر الذي عقد العقد لا الواسطة بينهما، هو الساحر الذي يجب أن يقتل، لكن ماذا عن الواسطة؟ هذا الذي طلب السحر ليحصل لفلان يقتل وإلا ما يقتل؟
(167/6)
طالب: مثل الغيلة إذا كان يقتل بالواحد مائة يقتل في السحر، أشر من القتل، هذا فساد دين ودنيا.
هو ما في شك الأمر عظيم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيهما المباشر وأيهما المتسبب؟ الذي عقد العقد وسحر بنفسه، الذي يقصده الإمام مالك، والمتسبب؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب الآن المباشرة تقضي على أثر التسبب أو نقول: إنه مثل الذي أمسك للقاتل؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه إذا أشرك انتهى، إذا أشرك بنفسه انتهى.
طالب:. . . . . . . . . يقول: أنا. . . . . . . . .
هو الذي ينقلها إيه.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
تمالئوا على سحره، لكن الرجل ما مات، الساحر كفر بسحره فيقتل حداً، حد كفر ما فيه إشكال، ردة، والواسطة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
حكمه ومسألة التحريم, وكونه لا تقبل له صلاة، وكفر بما أنزل على محمد، وهل هو كفر دون كفر؟ أو كفر أكبر مخرج عن الملة؟ لا سيما إذا قدم شيء إلى هذا الساحر؛ لأنهم لا يخدمونه مجاناً، لا يخدمونه إلا أن يقدم لهم شيء، لكن قد يقدم لهم من مال، ما يقدم لهم شرك، أولاً: من لازم هذا الفعل التصديق؛ لأنه لو لم يصدقه ما ذهب إليه، ولا دفع إليه المال، فهو مصدق له بلا شك، فالكفر حاصل له، ولو لم يقرب؛ لأنه صدقه، هل يمكن أن يذهب ويدفع إليه الأموال وهو مكذب له؟ ما يمكن، إذا تضرر بسببه أحد لا بد أن يؤاخذ به؛ لأنه ما تمالئ عليه، الإمام مالك يرى أن القتل هو خاص بالساحر، ولو لم يحصل منه تعدي على غيره، يعني عُرف أن هذا ساحر، وأنه يتعامل مع الشياطين، ويقدم لهم، ويشرك معهم، هذا يقتل ولو لم يضر أحد؛ لأنه ساحر، أما إذا تضرر أحد بسحره فيعاقب هو ومن تسبب في هذا الضرر، فإذا كان الرائش ملعون كلعن المرتشي والراشي، فالمتسبب في هذا السحر لا شك أنه أمره عظيم، فما يلحق من الضرر بالنسبة للمسحور يتحمل تبعته، والساحر حده القتل على كل حال.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكنه صدقه، يبي يدفع قروش، وهو ما .. ، يبي يدفع المقابل وهو ما صدق؟!
طالب:. . . . . . . . .
صدقه بأنه يضر هذا المسحور.
طالب:. . . . . . . . .
(167/7)
المهم أنه صدقه، هذا تصديق، ولذلك هذا الموضوع في غاية من الخطورة، وحصلت بسببه كوارث، كوارث حصلت بسببه، نسأل الله السلامة والعافية، وأمر السحر والسحرة يزيد ويستشري بين المسلمين، والتساهل في مثل هذا الباب لا شك أنه زلة عظيمة وهفوة؛ لأن ضررها ليس بالأمر اليسير والهين، يعني امرأة مسكينة صينة دينة، تُجلب إلى بيت دعارة بسبب السحر، نسأل الله السلامة، صوامة قوامة بسبب هذا، أمر خطير جداً، قد تفتن في دينها، قد تكفر بسبب هذا.
طالب:. . . . . . . . .
ومثله أيضاً، مثله نعم، يعني هذا تصديق للسحرة، إذا ذهبت لساحر ليحل عنك السحر فأنت مصدق له، أنت مصدق له، والله المستعان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما دام قصد هذه القناة، وفتح عليها قاصداً لها، ويعرف رقمها، هذا ذاهب إليها، لكن لو كان مثلاً شخص نسأل الله العافية مبتلى بقنوات كثيرة، ويبحث عن أخبار، ويبحث عن كذا، فوقع عليها عليه لزاماً أن ينصرف مباشرة كنظرة الفجأة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال لو قال: إنه وقع عليها من غير قصد.
طالب:. . . . . . . . .
لكن هل يستطيع أن يحذفها قبل أن يعلم بها؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا قلنا: إنه حكمه حكم نظر الفجأة، ينصرف عنه مباشرة، نسأل الله السلامة والعافية.
طالب:. . . . . . . . .
وش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
المسحور إذا غلب على عقله بحيث لا يستطيع أن يتصرف تصرف العقلاء فإنه يرفع عنه التكليف، كثيراً ما يسأل أن امرأة مسحورة، وفيها جن مثلاً، وأن من الجن ممن فيها قد لا يمكنها من الصلاة مثلاً، أو من الصيام، يفطرها قهراً عنها، أو يهددها بفعل الفاحشة فيها مثلاً، إن صامت أو صلت، هذه أمور عظائم، يعني أمور لا يحتملها البشر، لكن نسأل الله السلامة والعافية، الأمر خطير جداً، فعلى من ولاه الله -جل وعلا- أمر المسلمين أن يهتم لهذا الأمر، وهذا من أعظم المنكرات التي من أجلها وجبت الولايات وفرضت، فرض الخليفة لأي شيء؟ فرضت الإمامة لأي شيء؟ لمثل هذه الأمور، للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بالدين، وهذا منه، بل من أعظم الأمور هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(167/8)
على كل حال بالنسبة ما يعرض على القضاة لهم رأيهم ونظرهم من خلال القضايا التي تردهم، قد يكون فيه ما فيه، ما يمنع من الحكم بالقتل، وقد يكون، هذا لهم اجتهادهم ولهم تأويلهم، لكن على القضاة أن يتقوا الله -جل وعلا-، أن لا يتساهلوا في هذا الأمر؛ لأنه خطير جداً، يعني شوف رأينا الآثار، رأينا الآثار شخص من خيار الناس يقف في منتصف الطريق بين بلدتين متباعدتين ليقتل أولاده بالسكين؛ لأنه مسحور، نسأل العافية، يضجعه مثل ما يضجع الشاة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وش هي؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم ((من تصبح)) يعني عندنا مطلق وعندنا مقيد، وحمل المطلق على المقيد معروف عند أهل العلم، لكن منهم من يقول: إنه ليس من باب الإطلاق والتقييد، أنه من باب العموم والخصوص، ومقتضى ذلك أن التنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص، التنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق لا يقتضي التخصيص، على كل حال يحرص الإنسان على العجوة, ومن العالية، من المدينة، إن تيسرت وإلا فغيرها يرجى -إن شاء الله تعالى- أن يقوم مقامه.
{وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} [(102) سورة البقرة] ما له نصيب في الآخرة، ليس له أدنى نصيب في الآخرة "فأرى أن يقتل ذلك إذا عمل ذلك هو نفسه" يعني هو الذي باشر السحر.
نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما يجب في العمد
وحدثني يحيى عن مالك عن عمر بن حسين مولى عائشة بنت قدامة أن عبد الملك بن مروان أقاد ولي رجل من رجل قتله بعصا، فقتله وليه بعصا.
قال مالك -رحمه الله-: والأمر المجتمع عليه الذي لا اختلاف فيه عندنا أن الرجل إذا ضرب الرجل بعصا أو رماه بحجر أو ضربه عمداً فمات من ذلك، فإن ذلك هو العمد، وفيه القصاص.
قال مالك: فقتل العمد عندنا أن يعمد الرجل إلى الرجل فيضربه حتى تفيض نفسه، ومن العمد أيضاً أن يضرب الرجل الرجل في النائرة تكون بينهما، ثم ينصرف عنه، وهو حي فينزى في ضربه فيموت، فتكون في ذلك القسامة.
قال مالك: الأمر عندنا أنه يقتل في العمد الرجال الأحرار بالرجل الحر الواحد، والنساء بالمرأة كذلك، والعبيد بالعبد كذلك.
يقول -رحمه الله تعالى-:
(167/9)
ما يجب في العمد
عرفنا سابقاً أن القتل ثلاثة أنواع، عمد وشبه عمد وخطأ، وأن الإمام مالك عنده العمد والخطأ، وشبه العمد يدخل في العمد، وهو في الحقيقة عمد؛ لأنه قاصد للضرر، لكنه قاصد للضرر بما لا يقتل غالباً، فبالنظر إلى الآلة الآلة لا تقتل، عصا صغيرة ضربه بها فمات، هذا شبه عمد عند الجمهور، لكنه قاصد للضرر عند مالك فدخل في العمد.
وهنا يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن عمر بن حسين مولى عائشة بنت قدامة أن عبد الملك بن مروان أقاد ولي رجل من رجل قتله بعصا، فقتله وليه بعصا" يعني مماثلة، قتله بعصا، هل المراد به ضربه مرة واحدة بعصا فمات، والعصا مما لا يقتل فيكون مؤيداً لقول مالك؟ أو أنه قتله بعصا غليظة تقتل غالباً إذا ضربه من بعض المواضع؟ أو أنه كرر عليه الضرب بهذا العصا حتى مات؟ فيكون بالفعل عمد حتى عند الأكثر، حتى عند الجمهور إذا كرر عليه الضرب بآلة لا تقتل بمرة واحدة، فإنه يكون عمد، فقتله وليه بعصا، وعلى كل حال يمكن حمله على وجه يصح عند الجمهور، إذا كرر الضرب حتى مات، أو تكون العصا غليظة بحيث تقتل غالباً، وأما عند مالك فلا إشكال أنه لو ضربه بعصا لا تقتل غالباً فمات فإن هذا عمد، ويحصل أحياناً أن تكون المنية دنت والآلة لا تقتل، كما حصل لمعلم ضرب طالباً بالقلم مع أصابعه فمات، هل هذا نستطيع أن نقول: إنه عمد؟ هل تعمد قتله؟ ضربه، هو تعمد الضرر، لكن ما تعمد الموت، هذا شبه عمد عند الجمهور؛ لأن الآلة لا تقتل غالباً.
(167/10)
"قال مالك: الأمر المجتمع عليه الذي لا اختلاف فيه عندنا أن الرجل إذا ضرب الرجل بعصا أو رماه بحجر، أو ضربه عمداً فمات من ذلك فإن ذلك هو العمد، وفيه القصاص" افترض أن الحجر صغير لا يقتل غالباً، والرجل الذي رمي بالحجر مريض، تبعه فجرى المتبوع فرماه بحجر صغير لا يقتل غالباً فمات الرجل؛ لأن عنده مرض، قد يكون بالقلب مثلاً، ماذا نقول عن مثل هذا؟ نعم؟ يقتل به وإلا لا يقتل؟ يعني الاعتداء على مثل هذا الرجل المريض كالاعتداء على الصحيح أو لا؟ يعني ما دامت الروح في الجسد، يعني يختلف الحكم بين شخص مريض وبين شخص صحيح؟ الحكم واحد كله، ما دامت الروح في الجسد فالحكم واحد، لكن عند من يقول: إنه شبه عمد، والآلة لا تقتل غالباً يكون شبه عمد ما فيه قصاص، والذي يقول: إنه ما في شيء اسمه شبه عمد يكون قتله عمداً.
"قال مالك: فقتل العمد عندنا هو أن يعمد الرجل إلى الرجل فيضربه حتى تفيض نفسه" حتى تخرج روحه، يعني يكرر عليه الضرب حتى يموت "ومن العمد أيضاً أن يضرب الرجل الرجل في النائرة تكون بينهما" بينهم منافسة، بينهم عداوة، بينهم شحناء، بينهم ضغائن، بينهم أحقاد "ومن العمد أيضاً أن يضرب الرجل الرجل في النائرة تكون بينهما، ثم ينصرف عنه وهو حي فينزى في ضربه" يعني ينزف جرحه "فتكون في ذلك القسامة" القسامة من أجل إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن الآن هل في شك في الضارب والمضروب؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا إذا جهل الضارب واضح بالنسبة للقسامة مع اللوث، نعم، لكن إذا علم الضارب، نعم، القسامة ما فائدتها حينئذٍ؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
انصرف عنه وهو حي فنزف فمات.
طالب:. . . . . . . . .
(167/11)
لا ما جهل، لكن ينظر في الموت، هل كان بسبب الجرح أو كان بسبب آخر؟ مثل ما قلنا في المسألة السابقة رجل ضرب فجرح جرح يسير، ثم بعد ذلك أصبح ميتاً، هل مات بسبب هذا الجرح أو مات بسبب آخر؟ وحينئذٍ تكون القسامة، فيحلف هذا أنه ما مات بسبب هذا الجرح، ويحلف أولياء المقتول أنه مات بسببه، لكن هل مثل هذا مرده إلى مثل هذه القسامة، أو مرده إلى التقارير وأهل المعرفة والخبرة؟ فالإمام -رحمه الله تعالى- يقول: "ومن العمد أيضاً أن يضرب الرجل الرجل في النائرة تكون بينهما، ثم ينصرف عنه وهو حي فينزى في ضربه فيموت، فتكون في ذلك القسامة" الحلف يحلف القاتل أنه ما مات بسبب هذا الجرح، ويحلف أولياء المقتول أنه مات بسبب هذا الجرح، يعني هل القسامة التي ستأتي قريباً -إن شاء الله تعالى- شرعت من أجل هذا، أو شرعت حينما يجهل القاتل، الأصل في شرعيتها حينما يجهل القاتل، على ما سيأتي، فإذا جهل القاتل وجد المقتول، وهناك لوث، في عداوة بين فلان وفلان، يستدعى هذا الرجل الذي دلت القرينة على أنه هو القاتل فتحصل القسامة، أما هنا فالمعتدي معروف.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لكن مثل هذه الأمور حينما يعلم القاتل.
طالب: الآن لا نستطيع أن نجزم بأنه قاتل.
لا أقول: حينما يعلم الجاني، خله جاني أوسع شوي، حينما يعلم الجاني ما فائدة القسامة؟ الجاني مقر بأنه جرحه وهذا الجرح، لكن هل يموت بسبب هذا الجرح أو لا يموت؟ هذا يحتاج إلى خبرة، ولا يحتاج إلى قسامة، نعم؟
طالب: وش معنى ينزى؟
ينزى يعني ينزف، ينزف الجرح.
طالب:. . . . . . . . .
لا، فينزى في ضربه.
طالب:. . . . . . . . .
عداوة.
طالب:. . . . . . . . .
لا النائرة، مأخوذة من النار التي تحرق القلوب.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا النائرة، مثل ما صرح الشراح أنها مأخوذة من النار التي تحرق القلوب، قلوب بعض الناس على بعض، عداوة، شحناء، بغضاء.
طالب: قد يكون .... وهم كلهم لهم شحناء، أو بينهم شحناء بين هذا وهذا.
إذا ما عرف، إذا ما عرف معروف، وسيأتي لها باب، بعد ورقتين بيجي باب، كتاب القسامة.
(167/12)
طالب: إذا عرف الجاني، أن هذا ضرب، لكن ترك في هذا المكان. . . . . . . . .، وفي حي كلهم بينهم عداوة، يعني في الطب يثبت، ممكن أنه يثبت هذا الجرح، لكن إذا كان في ضربات كثيرة.
والله المسألة ما تسلم.
طالب: ينظر إلى .... لكن ما ينظر. . . . . . . . .
دعونا من مسألتنا الأولى، وهذه مسألة واقعية، شخص وجد شخصاً عند خبائه يتحرش بالنساء، في البر، فلما جاء ولي أمر هؤلاء النسوة هرب فتبعه هذا وصار يرميه بالحجارة، والرجل مريض بالقلب المتبوع، فسقط ميتاً، هل موته بسبب الحجارة؟ أولاً: هل جنايته توجب قتله أو تجيز قتله؟ لا، أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه؟ لا، هذا سد للباب، وإلا ترتب على ذلك شر مستطير، أمور ما تنتهي، هذا ما يوجب القتل، ولا يبيح القتل، تبعه فرجمه بحجر فخر ميتاً، وهناك تقارير تثبت أنه مريض بالقلب، فهل يلتفت إلى هذه التقارير أو يقال: بأنه هو السبب الظاهر الآن؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه حقوق ليست حدود.
طالب:. . . . . . . . .
فيها قصاص، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أن مثل هذه الأمور أمور ينتابها أيضاً أمور أخرى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب: القاتل الولد وليست السيارة، يعني توصل إلى العلم إلى. . . . . . . . . هل الموت بسبب نوبة قلبية. . . . . . . . . باعتبار قرائن يستدل بها. . . . . . . . . يؤخذ بها ... ؟
والله ما في شك أن هذه مردها إلى القضاء، والقاضي بوسائله وأعوانه لا شك أنه يصل إلى ما يصل إليه، إن اجتهد فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد.
"قال مالك: الأمر عندنا أنه يقتل في العمد الرجال الأحرار بالرجل الحر" كما تقدم في الباب الماضي أن الجماعة يقتلون بالواحد، والنساء بالمرأة كذلك، والعبيد بالعبد كذلك، يعني كما مضى في الباب السابق.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: القصاص في القتل
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان -رضي الله تعالى عنهما- يذكر أنه أتي بسكران قد قتل رجلاً فكتب إليه معاوية -رضي الله تعالى عنه-: أن أقتله به.
(167/13)
قال يحيى: قال مالك: أحسن ما سمعت في تأويل هذه الآية قول الله -تبارك وتعالى-: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [(178) سورة البقرة] فهؤلاء الذكور والأنثى بالأنثى أن القصاص يكون بين الإناث كما يكون بين الذكور، والمرأة الحرة تقتل بالمرأة الحرة، كما يقتل الحر بالحر، والأمة تقتل بالأمة، كما يقتل العبد بالعبد، والقصاص يكون بين النساء كما يكون بين الرجال، والقصاص أيضاً يكون بين الرجال والنساء، وذلك أن الله -تبارك وتعالى- قال في كتابه: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [(45) سورة المائدة] فذكر الله -تبارك وتعالى- أن النفس بالنفس، فنفس المرأة الحرة بنفس الرجل الحر، وجرحها بجرحه.
قال مالك في الرجل يمسك الرجل للرجل فيضربه فيموت مكانه إنه إن أمسكه وهو يرى أنه يريد قتله قتلا به جميعاً، وإن أمسكه وهو أنه يرى إنما يريد الضرب مما يضرب به الناس لا يرى أنه عمد لقتله فإنه يقتل القاتل، ويعاقب الممسك أشد العقوبة، ويسجن سنة لأنه أمسكه، ولا يكون عليه القتل.
قال مالك -رحمه الله- في الرجل يقتل الرجل عمداً، أو يفقأ عينه عمداً، فيقتل القاتل أو تفقأ عين الفاقئ قبل أن يقتص منه: إنه ليس عليه دية ولا قصاص، وإنما كان حق الذي قتل أو فقئت عينه في الشيء بالذي ذهب، وإنما ذلك بمنزلة الرجل يقتل الرجل عمداً، ثم يموت القاتل فلا يكون لصاحب الدم إذا مات القاتل شيء، دية ولا غيرها، وذلك لقول الله -تبارك وتعالى-: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [(178) سورة البقرة].
قال مالك: فإنما يكون له القصاص على صاحبه الذي قتله، وإذا هلك قاتله الذي قتله فليس له قصاص ولا دية.
قال مالك: ليس بين الحر والعبد قود في شيء من الجراح، والعبد يقتل بالحر إذا قتله عمداً، ولا يقتل الحر بالعبد، وإن قتله عمداً، وهو أحسن ما سمعت.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: القصاص في القتل
(167/14)
"حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان يذكر أنه قد أتي بسكران قد قتل رجلاً فكتب إليه معاوية: أن أقتله به" هذا قاتل لكنه قتل في حالة لا يعقل فيها التصرف، فهل يدرأ عنه مثل هذا؟ أو نقول: إنه قد يفتح باباً يتذرع به، فيشرب الخمرة وقبل أن تغطي عليه عقله يقتل، ولا شك أنه هو المتسبب لرفع التكليف عنه، ولذا يختلفون في طلاقه عن السكران، منهم من يقول: ما دام هو المتسبب يؤاخذ به، وكذلك سائر تصرفاته، ومنهم من يقول: إنه ما دام ارتفع العقل ارتفع التكليف، ولكن لا شك أن سد الأبواب الموصلة إلى الفوضى والعبث بأموال ودماء وأعراض المسلمين لا بد من أن يحتاط لها، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما جيء، أو لما جاء ماعز إليه -عليه الصلاة والسلام- معلناً التوبة، ومبيناً أنه زنى زنا صريح، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((هل بك من جنون؟ )) وسأل عنه، قالوا: لا، ما نعلم إلا أنه وفي العقل، من صالحينا، ثم قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((استنكهوه)) يعني شموه، هل شرب خمر وإلا ما شرب؟ فاستنكهوه، ويريد بذلك أن يدرأ عنه الحد، هل يفعل هذا بجميع الجناة؟ ويجعل هذا أصل لما جاء تائباً منيباً مسلماً نفسه ليطهر مما ارتكبه من حد؟ ويقاس عليه غيره من أهل السوابق والجرائم من المفسدين في الأرض؟ لا يمكن أن يقال بمثل هذا، فمن أراد أن يتشفى أو يقتل أو يفعل ما يريد بغيره يشرب شيئاً من الخمر، ويقال: إنه سكران، قتل وهو سكران، فمثل هذا لا بد أن يقتل به؛ لأنه إنما أتخذ ذلك ذريعة، إلى أن يصل إلى غرضه فيقتل مسلماً، لكن إذا حصل أن هذا صحيح، شرب الخمر، ولا نية له في قتل أحد، ودلت القرائن على ذلك، ثم قتله حال سكره، فتسمعون من القضايا يحصل القتل العمد، ثم يدرأ القصاص؛ بأن هذا عنده مرض نفسي، وعنده تقارير تدل على ذلك، يستفيد وإلا ما يستفيد؟ عنده تقارير تدل على أنه عنده مرض نفسي، يصل به هذا المرض إلى أن يتصرف بغير عقل، ولا شك أن هذا ليس من تسببه، بينما شرب الخمر من تسببه، ولذا قال: "كتب إليه معاوية: أن أقتله به" فهل شرب الخمر يدرأ الحد؟ زوال العقل يدرأ الحد بلا شك، لكن الزوال إن كان هو المتسبب
(167/15)
بزواله عقله يختلف عما إذا زال عقله من غير تسبب، وإذا دلت القرائن على أنه إنما شرب ليرتكب هذا المنكر، هذا لا بد أن يؤاخذ به، بلا شك، وإن كان شرب هذه الخمرة التي هي أم الخبائث، ثم بعد ذلك طرأ له بعد زوال عقله ما يقتل به نفساً معصومة، مثل هذا هو محل الاجتهاد.
"قال يحيى: قال مالك: أحسن ما سمعت في تأويل هذه الآية قول الله -تبارك وتعالى-: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [(178) سورة البقرة] فهؤلاء الذكور {وَالأُنثَى بِالأُنثَى} [(178) سورة البقرة] أن القصاص يكون بين الإناث كما يكون بين الذكور" يعني مثل المرأة إذا قتلت قتل عمد فإنها تُقتل بمن قتلت، ولا يقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن قتل النساء والذرية، إنما هذا في الحرب، نعم.
"والمرأة الحرة تقتل كما يقتل الحر بالحر، والأمة تقتل بالأمة" يعني التكافؤ لا إشكال، عند التكافؤ بين القاتل والمقتول لا إشكال "كما يقتل العبد بالعبد، والقصاص يكون بين النساء كما يكون بين الرجال" يعني في النفس والطرف "والقصاص أيضاً يكون بين الرجال والنساء" وفي الآية السابقة: {وَالأُنثَى بِالأُنثَى} {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [(178) سورة البقرة] يعني الرجل الحر بالرجل الحر {وَالأُنثَى بِالأُنثَى} فماذا عن الرجل بالأنثى والأنثى بالرجل؟ هل نقول: ما فيه تكافؤ فلا قصاص؟ أو نقول: فيه تكافؤ لما جاء عن الله -تبارك وتعالى- في كتابه؟ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [(45) سورة المائدة] والمرأة نفس، والرجل نفس {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [(45) سورة المائدة] ولم يميز في هذا بين الذكور والنساء؛ لأنها كلها نفس، نعم ميز بينهما في الدية، فهل يميز بينهما في القصاص؟ الجمهور على أن المرأة تقتل بالرجل، والرجل يقتل بالمرأة، فذكر الله -تبارك وتعالى- أن النفس بالنفس، فنفس المرأة الحرة بنفس الرجل الحر، وجرحها بجرحه.
(167/16)
"قال مالك في الرجل يمسك الرجل للرجل فيضربه فيموت مكانه" أنه لا يخلو إما أن يمسكه ليقتله، أو يمسكه ليؤدبه، وهناك صورة ثالثة أن يمسكه ليأخذ حقه، أحياناً يأتي الشخص يريد القتل والممسك يعرف أنه يريد القتل هذا يقتل، أحياناً يقول: هذا اعتدى علي ضربني فأريد أن أضربه فأعني عليه، فيمسكه يريد أن يضربه فقط دون قتل، هذا لا يقتل به، وأحياناً يريد أن يأخذ منه حقه في الظاهر؛ لأنه أحياناً في بعض الظروف لا سيما مع اختلاط الناس، يستغل بعض الظروف فيقول شخص يرفع صوته: الحرامي الحرامي، ثم يتبعونه فيمسكه واحد على أنه سارق، نعم فيقتله، هذا ماذا يسأل؟ الممسك وش عليه ذا؟ نعم؟
هذه صورة ثالثة تختلف عن الصورتين اللتين ذكرهما الإمام، ولذا مثل هذه الفوضى، ومثل هذه الغوغاء لا شك أن الإسلام يحسمها التي يتذرع بها من يريد الفساد، ولذلك المظاهرات والغوغائيات كلها لا قيمة لها في الإسلام، بل لا يقرها؛ لأنه يندس فيها من يريد الفساد، فإذا قيل: الحرامي الحرامي وتبعه الناس ومسكوه، ثم جاء أفرغ فيه رصاصة ومات، هذا يدخل في الصورتين اللتين ذكرهما الإمام؟ لا يدخل أبداً، هذه صورة ثالثة، ولا شيء على الممسك، اللهم إلا إذا وجد ما يدل على كذب هذا المدعي، أو وجد صور نظيرة لهذه الصورة قد تقدمتها، يعني أول مسألة يصدقها الناس، لكن إذا حصلت هذه ووجد هذه القضية ألا يتحفظ الناس من مثل هذا التصرف؟ لا شك أنهم يحتاطون، فإذا أمسك وقتله كالصورة السابقة لا شك أنه عليه شيء من المؤاخذة، يقول: "إنه إن أمسكه وهو يرى أنه يريد قتله قُتل به جميعاً، وإن أمسكه وهو يرى إنه إنما يريد الضرب مما يضرب به الناس لا يرى أنه عمد لقتله، فإنه يقتل القاتل، ويعاقب الممسك أشد العقوبة، ويسجن سنة؛ لأنه أمسكه، ولا يكون عليه القتل" لكن لو هو بالفعل سارق، هذا سارق، مر محل من المحلات، وأخذ شيئاً ثميناً وهرب به، فلحقه صاحب المحل، وأعانه شخص آخر أسرع منه، وأقوى فأمسكه، هذا ما اكتفى بأخذ ما أخذه وإنما قتله، هذا الممسك لا شيء عليه؛ لأنه إنما أمسكه ليؤخذ منه هذه الظلامة التي ارتكبها.
(167/17)
"قال مالك في الرجل يقتل الرجل عمداً، أو يفقأ عينه عمداً فيقتل القاتل أو تفقئ عين الفاقئ قبل أن يقتص منه: إنه ليس عليه دية ولا قصاص" "فالرجل يقتل الرجل عمداً، أو يفقأ عينه عمداً فيقتل القاتل" قتل زيد فتبعه عمرو فقتله، جاء أولياء المقتول قالوا: ما وصلنا لنا شيء، قتل صاحبنا، قتل أبانا، قتل أخانا، إحنا ما لنا دعوة كونه .. ، أو قتله فهرب فدهس، أو وقع في بئر، يقولون: ما وصلنا شيء إحنا، وما دام فاتت النفس نريد الدية، لهم شيء وإلا ما لهم شيء؟ يقول الإمام: ليس لهم شيء "فيقتل القاتل، أو تفقأ عين الفاقئ قبل أن يقتص منه: إنه ليس عليه دية ولا قصاص، وإنما كان حق الذي قتل أو فقئت عينه في الشيء بالذي ذهب" طيب، شخص سافر بآخر فحصل حادث بالسيارة مات الراكب، وبعد يوم مات السائق، هل يقال: إن دية الراكب تلزم في مال السائق؟ أو نقول: مات ولا يلزم شيء؟ افترض أن هذا مات فوراً، والسائق ذهب به إلى المستشفى فمات "فيقتل القاتل، أو تفقأ عين الفاقئ قبل أن يقتص: إنه ليس عليه دية ولا قصاص" هذا يختص بالعمد أو يشمل جميع أنواع القتل؟ الإمام نص على العمد، وإنما كان حق الذي قتل أو فقئت عينه في الشيء بالذي ذهب إنما ذلك بمنزلة الرجل يقتل الرجل عمداً ثم يموت القاتل، إذا مات ما فيه إشكال، فلا يكون لصاحب الدم إذا مات القاتل شيء دية ولا غيرها، وذلك لقول الله -تبارك وتعالى-: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [(178) سورة البقرة] "فإنما يكون له القصاص على صاحبه الذي قتله، وإذا هلك قاتله الذي قتله فليس له قصاص ولا دية" لأن الحق تعلق بالنفس، ما تعلق بالمال، الحق إنما تعلق بالنفس وذهبت النفس، ما تعلق بالمال، وفي قتل شبه العمد وفي الخطأ تعلقه بالمال، والدية على العاقلة، فتؤخذ ديته من عاقلة القاتل.
"قال مالك: ليس بين الحر والعبد قود في شيء من الجراح" إنما فيه القيمة إذا قتل، أو الأرش إذا جرح، "والعبد يقتل بالحر" لأنه كفاءة وزيادة "إذا قتله عمداً، ولا يقتل الحر بالعبد وإن قتله عمداً"، "وهو أحسن ما سمعت" لعدم التكافؤ.
نعم.
أحسن الله إليك.
(167/18)
باب: العفو في قتل العمد
حدثني يحيى عن مالك أنه أدرك من يرضى من أهل العلم يقولون في الرجل إذا أوصى أن يُعفى عن قاتله إذا قتل عمداً: إن ذلك جائز له، وأنه أولى بدمه من غيره من أوليائه من بعده.
قال مالك في الرجل يعفو عن قتل العمد بعد أن يستحقه ويجب له: إنه ليس على القاتل عقل يلزمه إلا أن يكون الذي عفا عنه اشترط ذلك عند العفو عنه.
قال مالك في القاتل عمداً إذا عفي عنه أنه يجلد مائة جلدة، ويسجن سنة.
قال مالك: وإذا قتل الرجل عمداً فقامت على ذلك البينة، وللمقتول بنون وبنات، فعفا البنون، وأبى البنات أن يعفون، فعفو البنين جائز على البنات، ولا أمر للبنات مع البنين في القيام بالدم والعفو عنه.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: العفو في قتل العمد
نعرف أن قتل العمد فيه القصاص، فإذا عدل أولياء المقتول عن القصاص إلى الدية فرفض القاتل، يقول: أنا ما عندي دية، تقتلون أقتلوا، لهم أن يلزموه بدفع الدية أو ليس لهم؟
يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثني يحيى عن مالك أنه أدرك من يرضى من أهل العلم يقولون في الرجل إذا أوصى أن يعفى عن قاتله إذا قتل عمداً: إن ذلك جائز له" لأن هذا يملك نفسه، وإذا كان لأوليائه أن يعفو عن القاتل فهو أولى بالعفو عنه، لكن هل هذا في حال الصحة أو بعد القتل؟ يعني بعد مباشرة القتل وقبل خروج الروح، يعني لو قال قائل مثلاً: أنا عفوت عمن يقتلني عمداً في حال الصحة، له ذلك أو ليس له ذلك؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا يجرئ على قتله، ويفتح باب.
طالب: لكن لو علم والله بينهم مثلاً شيء أو يحصل بينهم؟
لا في حال الصحة ليس له ذلك؛ لأنه لا يملك نفسه، فليس له ذلك في حال الصحة، لكن لو ضربه ضرباً مبرحاً، أو طعنه مثلاً، وقال: هو في حل مني، ولا أريد قصاص، هو أولى بالعفو من أوليائه "إن ذلك جائز" أنه أولى بدمه من غيره من أوليائه من بعده.
(167/19)
"قال مالك في الرجل يعفو عن قتل العمد بعد أن يستحقه، ويجب له أنه ليس على القاتل عقل يلزمه" إذا قالوا: عفونا عن القصاص، ثم جاءوا من الغد قالوا: نريد الدية، لا أنتم ما اشترطتم دية في العفو، ليس لكم ذلك، لكن إن قالوا: عفونا عنه، وعدلنا عن القصاص إلى الدية لهم ذلك.
"قال مالك: إلا أن يكون الذي عفا عنه اشترط ذلك عند العفو عنه".
"قال مالك في القاتل عمداً إذا عفي عنه: إنه يجلد مائة جلدة، ويسجن سنة" هذا تعزير؛ لئلا يتمادى في جريمته؛ لأن بعض العفو بالنسبة لبعض الناس يجعله يتمادى، فلا بد أن يردع، ولكم في القصاص حياة، فإذا عفي عنه إلى غير بدل لا شك أن هذا يجرئه إلى قتل آخر، لكن هل من دليل على أنه يجلد مائة، ويسجن سنة؟ أو أن هذا اجتهاد من الإمام يرى أنه مناسب لمثل هذه الجناية؟
"قال مالك: وإذا قتل الرجل عمداً، وقامت على ذلك البينة، وللمقتول بنون وبنات فعفا البنون، وأبى البنات أن يعفون، فعفو البنين جائز على البنات" لأنه حق للعصبة، والبنون هم العصبة، وهم الذين يعقلون، بخلاف البنات "ولا أمر للبنات مع البنين في القيام بالدم والعفو عنه".
سم.
أحسن الله إليك.
باب: القصاص في الجراح
قال يحيى: قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا أن من كسر يداً أو رجلاً عمداً: إنه يقاد منه، ولا يعقل.
قال مالك: ولا يقاد من أحد حتى تبرأ جراح صاحبه فيقاد منه، فإن جاء جرح المستقاد منه مثل جرح الأول حين يصح فهو القود، وإن زاد جرح المستقاد منه أو مات فليس على المجروح الأول المستقيد شيء، وإن برئ جرح المستقاد منه، وشل المجروح الأول، أو برئت جراحها وبها عيب أو نقص أو عثل، فإن المستقاد منه لا يكسر الثانية، ولا يقاد بجرحه، قال: ولكنه يعقل له بقدر ما نقص من يد الأول، أو فسد منها، والجراح في الجسد على مثل ذلك.
قال مالك: وإذا عمد الرجل إلى امرأته ففقأ عينها، أو كسر يدها، أو قطع إصبعها، أو شبه ذلك متعمداً لذلك فإنها تقاد منه، وأما الرجل يضرب امرأته بالحبل أو بالسوط فيصيبها من ضربه ما لم يرد ولم يتعمد، فإنه يعقل ما أصاب منها على هذا الوجه، ولا يقاد منه.
(167/20)
وحدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أقاد من كسر الفخذ.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: القصاص في الجراح
يعني فيما دون النفس.
يقول: "قال يحيى: قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا أن من كسر يداً أو رجلاً عمداً أنه يقاد منه، ولا يعقل" يعني ما يدفع دية إلا إذا حصل الصلح بذلك؛ لأن هذا عمد فيه القصاص، فإذا تنازلوا عن القصاص إلى الدية فكما يحصل ذلك في النفس الكاملة يحصل في الطرف.
"قال مالك: ولا يقاد من أحد حتى تبرأ جراح صاحبه" لأنه لا يعلم أين ينتهي الحد في هذه الجراح؟ لأنها قد تزيد، فيحتاج إلى قصاص ثاني للسراية، فينتظر حتى يبرأ الجرح فيقاد منه "فإن جاء جرح المستقاد منه مثل جرح الأول حين يصح فهو القود، وإن زاد جرح المستقاد منه أو مات فليس على المجروح الأول للمستقيد منه شيء" يعني جرح جرحاً فاستقيد منه مثله، شفي المجروح الأول فاستقيد من الجارح عمداً مثله، ثم مات منه، ليس على المستقاد له الأول شيء؛ لأن هذا هو المعتدي، وهو الجاني الأول "فليس على المجروح الأول المستقيد شيء، وأن برأ جرح المستقاد منه، وشل المجروح الأول، أو وبرئ وجراحها بها عيب أو نقص أو عثل" يعني أثر وشين "فإن المستقاد منه لا يكسر الثانية، ولا يقاد بجرحه، قال: ولكنه يعقل عنه بقدر ما نقص من يد الأول" يعني يؤخذ من المال بقدر هذا الشلل، وبقدر هذا العثل، أو العيب والنقص "من يد الأول أو فسد منها، والجراح في الجسد على مثل ذلك".
(167/21)
"قال مالك: وإذا عمد الرجل إلى امرأته ففقأ عينها" نعم القصاص يكون بين الزوجين، كما يكون بين الرجل والأجنبية، والأجنبي منه "أو كسر يدها، أو قطع أصبعها، أو شبه ذلك" يعني "متعمداً لذلك، فإنها تقاد منه" تفقأ عينه، وتكسر يده، ويقطع أصبعه وهكذا "فإنها تقاد منه، وأما الرجل يضرب امرأته بالحبل أو بالسوط" من أجل تأديبها "فيصيبها من ضربه ما لم يرد ولم يتعمد" أراد ضربها ففقأ عينها، أراد ضربها مع ظهرها فتحرفت عنه لتقي نفسها من الضرب ففقأ عينها، هذا ما عليه منه، هي التي تسببت في هذا "وأما الرجل يضرب امرأته بالحبل أو بالسوط فيصيبها من ضربه ما لم يرد ولم يتعمد فإنه يعقل ما أصاب منها على هذا الوجه، ولا يقاد منه؛ لأنه خطأ وليس بعمد" إنما هو خطأ، وليس بعمد.
"وحدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أقاد من كسر الفخذ" لأنه يمكن القود منه بدقة.
نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في دية السائبة وجنايته
حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن سليمان بن يسار أن سائبة أعتقه بعض الحجاج فقتل ابن رجل من بني عائذ، فجاء العائذي أبو المقتول إلى عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- يطلب دية ابنه، فقال عمر: لا دية له، فقال العائذي: أرأيت لو قتله ابني، فقال عمر: إذاً تخرجون ديته، فقال: هو إذاً كالأرقم إن يترك يلقم، وإن يقتل ينقم.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في السائبة وجنايته
السائبة هو العبد يتركه سيده، ويعتقه ويتركه يسيب، ويذهب حيثما شاء، ولا يكون ولاؤه له.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن سليمان بن يسار أن سائبة أعتقه بعض الحجاج، فقتل ابن رجل من بني عائذ، فجاء العائذي أبو المتقول إلى عمر بن الخطاب يطلب دية ابنه" يطلبها من من؟
طالب: من أمير المؤمنين، من الوالي.
يطلب دية ابنه.
طالب: لأن هذا ليس له ولاء ولا شيء، فرجع إلى ولي الأمر.
(167/22)
يعني في مثل هذه الحالة إذا كان هذا القاتل .. ، أولاً: يختلف هذا القتل بالنسبة للعمد والخطأ، إذا كان عمداً فإنه يقاد به، وإذا كان خطأ فالدية، والدية على العاقلة، وهذا لا عاقلة له؛ لأنه سائبة "جاء العائذي أبو المقتول إلى عمر بن الخطاب يطلب دية ابنه، فقال عمر: لا دية له" من أين نأتي لك بالدية وهذا لا عاقلة له؟ "فقال العائذي: أرأيت لو قتله ابني؟ فقال عمر: إذاً تخرجون ديته" يخاطب من؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
إذاً تخرجون ديته، دية من؟ دية السائل، إيش السائل؟ لو أن العائذي قتل غيره؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، الآن السائبة، قال: لا دية له؛ لأنها افترضنا المسألة في قتل الخطأ، فقال: "أرأيت لو قتله ابني؟ فقال عمر: إذاً تخرجون ديته" دية المقتول الذي قتله ابنك.
طالب:. . . . . . . . .
لو قتله تخرجون؛ لأن له عاقلة ولدك.
طالب:. . . . . . . . .
نعم "فقال: هو إذاً كالأرقم إن يترك يلقم" يعني كالأفعى كالحية "إن يترك يلقم، وإن يقتل ينقم" كيف يلقم وينقم؟ "فقال" من القائل؟ العائذي "إذاً هو كالأرقم إن يترك يلقم" يعني إن يترك يقتل مثل الحية "وإن يقتل ينقم" كيف ينقم؟
نعم ينتقم، فما صار فيه تكافؤ، يعني مثل هذا السائبة إذا قتل لا دية للمقتول، وإذا قُتل فيه الدية، لماذا؟ لأن السائبة لا عاقلة له، والقاتل الثاني العائذي له عاقلة، لكن مثل هذا ألا يمكن أن يودى من بيت المال؟ كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في مسألة القسامة على ما سيأتي، دفع ديته، ودية المسلم لا تهدر ولا تضيع، فقوله: "لا دية له" يعني من أقاربه، ولا يمنع أن يودى من بيت المال، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(167/23)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب القسامة
باب: تبدئة أهل الدم في القسامة - باب: من تجوز قسامته في العمد من ولاة الدم - باب: القسامة في قتل الخطأ - باب: الميراث في القسامة - باب: القسامة في العبيد.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين والحاضرين يا حي يا قيوم.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
كتاب: القسامة
باب: تبدئة أهل الدم في القسامة
حدثني يحيى عن مالك عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجالاً من كبراء قومه أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتي محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل، وطرح في فقير بئر، أو عين، فأتى يهود فقال: أنتم -والله- قتلتموه، فقالوا: والله ما قتلناه، فأقبل حتى قدم على قومه، فذكر ذلك لهم، ثم أقبل هو وأخوه حويصة -وهو أكبر منه- وعبد الرحمن، فذهب محيصة ليتكلم، وهو الذي كان بخيبر، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كبر كبر)) يريد السن، فتكلم حويصة، ثم تكلم محيصة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب)) فكتب إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، فكتبوا: إنا -والله- ما قتلناه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: ((أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ )) فقالوا: لا، قال: ((أفتحلف لكم يهود؟ )) قالوا: ليسوا بمسلمين، فوداه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عنده، فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار.
قال سهل: لقد ركضتني منها ناقة حمراء.
قال مالك -رحمه الله-: الفقير هو البئر.
(168/1)
قال يحيى: عن مالك عن يحيى بن سعيد عن بُشير بن يسار أنه أخبره أن عبد الله بن سهل الأنصاري ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر، فتفرقا في حوائجهما، فقُتل عبد الله بن سهل، فقدم محيصة فأتى هو وأخوه حويصة وعبد الرحمن بن سهل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذهب عبد الرحمن ليتكلم لمكانه من أخيه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كبر كبر)) فتكلم حويصة ومحيصة فذكرا شأن عبد الله بن سهل، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أتحلفون خمسين يميناً وتستحقون دم صاحبكم أو قاتكلم؟ )) قالوا: يا رسول الله لم نشهد ولم نحضر، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فتبرئكم يهود بخمسين يميناً؟ )) فقالوا: يا رسول الله كيف نقبل أيمان قوم كفار؟!
قال يحيى بن سعيد: فزعم بُشير بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وداه من عنده.
قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا، والذي سمعت ممن أرضى في القسامة، والذي اجتمعت عليه الأئمة في القديم والحديث أن يبدأ بالأيمان المدعون في القسامة فيحلفون، وأن القسامة لا تجب إلا بأحد أمرين: إما أن يقول المقتول: دمي عند فلان أو يأتي ولاة الدم بلوث من بينة، وإن لم تكن قاطعة على الذي يدعى عليه الدم، فهذا يوجب القسامة لمدعي الدم على من أدعوه عليه، ولا تجب القسامة عندنا إلا بأحد هذين الوجهين.
قال مالك: وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا، والذي لم يزل عليه عمل الناس أن المُبَدّئين بالقسامة أهل الدم، والذين يدعونه في العمد والخطأ.
قال مالك: وقد بدّأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحارثيين في قتل صاحبهم الذي قُتل بخيبر.
قال مالك: فإن حلف المدعون استحقوا دم صاحبهم، وقتلوا من حلفوا عليه، ولا يُقتل في القسامة إلا واحد، لا يقتل فيها اثنان، يحلف من ولاة الدم خمسون رجلاً خمسين يمنياً، فإن قل عددهم، أو نكل بعضهم ردت الأيمان عليهم، إلا أن ينكل أحد من ولاة المقتول ولاة الدم الذين يجوز لهم العفو عنه، فإن نكل أحد من أولئك فلا سبيل إلى الدم إذا نكل أحد منهم.
(168/2)
قال يحيى: قال مالك: وإنما ترد الأيمان على من بقي منهم إذا نكل أحد ممن لا يجوز لهم العفو عن الدم، فإن نكل أحد من ولاة الدم الذين يجوز لهم العفو عن الدم، وإن كان واحداً فإن الأيمان لا ترد على من بقي من ولاة الدم إذا نكل أحد منهم عن الأيمان، ولكن الأيمان إذا كان ذلك ترد على المدعى عليهم، فيحلف منهم خمسون رجلاً خمسين يمنياً، فإن لم يبلغوا خمسين رجلاً ردت الأيمان على من حلف منهم، فإن لم يوجد أحد يحلف إلا الذي أدعي عليه حلف هو خمسين يميناً وبرئ.
قال يحيى: قال مالك: وإنما فرق بين القسامة في الدم والأيمان في الحقوق أن الرجل إذا داين الرجل استثبت عليه في حقه، وأن الرجل إذا أراد قتل الرجل لم يقتله في جماعة من الناس، وإنما يلتمس الخلوة، قال: فلو لم تكن القسامة إلا فيما تثبت فيه البينة، ولو عمل فيها كما يعمل في الحقوق هلكت الدماء، واجترأ الناس عليها إذا عرفوا القضاء فيها، ولكن إنما جعلت القسامة إلى ولاة المقتول يُبَدّؤون بها فيها ليكف الناس عن القتل، وليحذر القاتل أن يؤخذ في مثل ذلك بقول المقتول.
قال يحيى: وقد قال مالك في القوم يكون لهم العدد يتهمون في الدم فيرد ولاة المقتول الأيمان عليهم، وهم نفر لهم عدد: إنه يحلف كل إنسان على نفسه خمسين يميناً، ولا تقطع الأيمان عليهم بقدر عددهم، ولا يبرؤون دون أن يحلف كل إنسان عن نفسه خمسين يميناً.
قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك.
قال: والقسامة تصير إلى عصبة المقتول، وهم ولاة الدم الذين يقسمون عليه، والذين يُقتل بقسامتهم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب: القسامة
(168/3)
القسامة مأخوذة من القسم وهو اليمين؛ لأنها أيمان مكررة، عدتها خمسين يميناً، أو عدتها خمسون يميناً، يحلف أولياء الدم خمسون، فإن نكلوا ردت على أولياء المدعى عليه، ردت على المدعى عليهم، والقصة ثابتة في الصحيحين وغيرهما، وشبه القسامة باللعان من حيث أنها أيمان على أمر لا يمكن الشهادة الواضحة البينة عليه، حيث يقتل الرجل خفية في مكان يكون فيه شيء من الخفاء والغموض، وكذلك إذا أدعى الزوج على زوجته أنها زنت يصعب عليه أن يحضر البينة، وكذلك إذا قتل القتيل بين قوم لا يمكن إحضار البينة عليهم، فيُبدّأ أولياء المقتول كما يبدأ الزوج المدعي بالأيمان، ولا شك أن هذه القسامة إنما تتجه على من يُتهم بها، أما الناس البرآء الذين لا يتهمون لا يقبل قول من يدعي عليهم، إلا إذا أحضر بينة ضعيفة لا تقبل في مثل هذا الحكم استقلالاً، ولا بد من قرينة تدل على اتهامهم بذلك من لوث لا تثبت به الحجة، ولذا اليهود لا شك أنهم قوم خونة وأهل غدر، إذا تمكنوا من المسلم قتلوه، فهذه تهمة، ولو وجد قتيل بين قريتين بينهما عداء قديم، أو بين قبيلتين بينهم ثارات وضغائن وأحقاد يتجه الإدعاء عليهم، أما إذا خلت المسألة من ذلك فلا يتجه حينئذٍ قسامة.
باب: تبدئة أهل الدم في القسامة
(168/4)
لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- طلب من أهل القتيل أن يحلفوا خمسين يميناً، ثم اعتذروا عن ذلك بأنهم لم يحضروا ولم يشهدوا، والشهادة لا بد أن تكون على أمر بيّن ((على مثلها فاشهد)) فاعتذروا عن هذه الأيمان، "قال: ((فتبرئكم يهود بخمسين يميناً؟ )) " خمسين يمين "قالوا: كيف نقبل شهادة كفار؟ " أو أيمان، أو قسم من شخص كافر لا يقيم له وزناً، هذه المسألة لا شك أن فيها شيء من مخالفة بعض القواعد المقررة، يعني اليمين على غلبة ظن، يعني لما طلب النبي -عليه الصلاة والسلام- اليمين من أهل القتيل لو حلفوا يأثمون ولا يأثمون؟ وهم ما عندهم إلا أن هؤلاء قوم أهل غدر، ما عندهم أكثر من هذا، وأنه قُتل بينهم، هل يتصور أن مسلماً يقتل مسلماً يقيم بين يهود؟ هذا الاحتمال قائم، لكنه ضعيف، فاليهود ألصق به، وإلا يحتمل أن يكون بين مسلم وبين أخيه المسلم ثارات وأمور قديمة، ثم يستغل الفرصة في كونه وجد بين أعداء فيقتله لتلصق التهمة بهم، لا شك أن الحلف على اليهود مسألة غلبة ظن أنهم قتلوا، وهل يكفي في مثل هذا غلبة الظن؟ يعني الذي حلف أنه لا يوجد بين لابتيها أهل بيت أفقر منه، ومن أهل بيته، هذا حلف ما قال له النبي -عليه الصلاة والسلام- لماذا تحلف احتمال أن يوجد بالمدينة أهل بيت أفقر منكم؟ يجوز أهل العلم الحلف في مثل هذه الصورة، لا سيما وأنها لا يتضرر بها أحد، لكن في مثل القتل؟ يعني لو حلفوا يأثمون أو لا يأثمون؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو الذي .. ، هو المبلغ عن الله -جل وعلا- الشرع طلب منهم ذلك، ولو كان هذا لا يجوز لطلبه منهم أو لا ما طلبه منهم؟ لو كان هذا الأمر لا يجوز، لو كان ليس لهم أن يحلفوا؟ ما طلب منهم، فغلبة الظن مع هذا اللوث الموجود، والبينة الضعيفة التي لا يثبت بها قود ولا دية ولا كفارة بمفردها إذا دعمت بهذه الأيمان الخمسين قويت، على أن تكون بينة كاملة، أيضاً بالمقابل المدعى عليهم يهود، هل تقبل منهم أيمانهم أو لا تقبل؟ وهم قوم كفار، ما قبل أهل القتيل أيمان اليهود لأنهم كفار، ومثل ما قلنا في الطرف الأول نقول في الطرف الثاني، يعني لولا أن الأيمان مقبولة منهم لما طلبها النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولما
(168/5)
أشار بها، فأيمان مثل هؤلاء الذين يقرون ويعترفون بربوبية الله -جل وعلا-، نعم، كما أن شهادتهم في بعض الصور، يعني في السفر مثلاً لا يوجد غيرهم مقبولة وإلا غير مقبولة؟ مقبولة يعني كما جاء في سورة المائدة، وآخران من غيركم، نعم في بعض الحالات إذا احتيج إلى شهادة من لا تقبل شهادته في الأصل، إذا احتيج إليها بحيث لا يوجد بينة غيرها تقبل، كشهادة الصبيان بعضهم على بعض عند جمع من أهل العلم إذا لم يتفرقوا، ولم يوجد من يستقل بالشهادة.
باب: تبدئة أهل الدم بالقسامة
قال -رحمه الله-: "حدثني يحيى عن مالك عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه" هؤلاء الرجال تقبل شهادتهم على الجهالة وإلا ما تقبل؟ تقبل وإلا ما تقبل؟ تقبل؛ لأنهم صحابة، افترضنا أنهم غير صحابة، أنهم من التابعين، في مثل هذه الصورة جمع من أهل العلم يرى أنه إذا كانوا ممن تقادم العهد بهم كالتابعين مثلاً وهم جمع أن الجهالة هذه مع العدد يجبر بعضهم بعضاً، حتى ولو تأخروا، من أهل العلم من يقبل رواية العدد ولو كانوا مجهولين، كما قالوا في قصة اختبار الإمام البخاري بقلب الأحاديث حيث يرويها ابن عدي عن عدة من شيوخه، قالوا: شيوخ ابن عدي أئمة، وإن كانوا مجهولين إلا أن العدد يجبر بعضه بعضاً، وعلى كل حال الحديث في الصحيحين ليس لأحد كلام، في حديث الباب ليس لأحد كلام فيه.
"أنه أخبره رجال من كبراء قومه أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم" حاجة، فاقة، فقر شديد أصابهم "فخرجوا إلى خيبر، فأتي محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قُتل" وهو رفيقه في السفر، لكن لما تفرقا استُغلت الفرصة فقُتل "أن عبد الله بن سهل قد قتل، وطرح في فقير بئر" قالوا: الفقير البئر هذه قعرها قريب، وفمها واسع، ويسمونها عند العوام، وش يسمونها يا أبو عبد الله؟ يعني البئر القريب ماؤها؟ نعم؟ هبات، ما شاء الله عليك، استغفر الله.
(168/6)
"في فقير بئر أو عين، فأتى يهود" محيصة أتى يهود "فقال: أنتم -والله- قتلتموه" وما أشبه الليلة بالبارحة، هؤلاء هم يهود، يقتلون في الليل والنهار، ولولا الحبل الممدود من الناس ما استطاعوا أن يقتلوا ذباب، لكن لحكمة بالغة يريدها الله -جل وعلا-، سلط الله -جل وعلا- على بعض المسلمين هذه الفئة المقيتة البغيضة التي ضربت عليها الذلة والمسكنة لتعود هذه الأمة إلى دينها، وتراجع نفسها، لما انصرفوا عن دينهم سلط الله عليهم هذه الفئة التي ضرب عليها الذلة والمسكنة، ولولا الحبل من الناس لما قامت لهم قائمة، لكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، والله المستعان.
"أنتم -والله- قتلتموه، فقالوا: والله ما قتلناه" حلفوا، قدموا اليمين "فأقبل حتى قدم على قومه، فذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن، فذهب محيصة ليتكلم، وهو الذي كان بخيبر" يعني هو الذي أقرب إلى القصة من غيره، وعبد الرحمن بن سهل أخو المقتول، لكن لما كان السن له قدر، وله حق في التقديم قدمه النبي -عليه الصلاة والسلام- "فذهب محيصة ليتكلم، وهو الذي كان بخيبر، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كبر كبر)) يريد السن" ما الذي نحتاجه من قوله: يريد السن؟ لئلا يظن السامع أنه قل: الله أكبر، هذا كبر، كبر يعني قل: الله أكبر، لكن لما قال: يريد السن، يعني دع الأكبر هو الذي يتكلم "فتكلم حويصة" لأنه الأكبر "ثم تكلم محيصة" الذي هو صاحب القصة، وهو الذي أقرب الناس إليها "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب)) " بناء على أنهم قتلوه، ولم ينكروا، هذا إذا لم ينكروا ((إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب)) يعني هل يكتفى من المعاهد بأخذ الدية إذا قتل عمداً؟ أو يكون بهذا قد نقض العهد؟ ((إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب)) الدية هنا أعم من مسألة قود أو أخذ دية، إما أن يذعنوا لما يحكم به عليهم، وإما أن يؤذنوا بحرب؛ لأنهم يكونوا بهذا قد نقضوا العهد.
(168/7)
"فكتب إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، فكتبوا: إنا -والله- ما قتلناه" وعلى هذا الحكم لا بد أن تكون بينته كاملة، ما قال: هذا مسلم، المدعي مسلم، والمقتول مسلم، والمدعى عليهم يهود {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [(8) سورة المائدة] لا بد من تطبيق المقدمات الشرعية للحكم الشرعي، ويخطئ بعض الناس حينما يبادر بالحكم على خصمه، أو خصم قريبه أو حبيبه، أو من كانت بينه وبينه شيء من أمور الدنيا، بعض الناس يحكم مباشرة، أبداً صاحبنا ما يكذب، ليش ما يكذب يا أخي؟ قد يخطئ، قد يغلط، لا بد من استعمال المقدمات الشرعية ليخرج الحكم شرعياً، سواء كان الخصم حبيب إلى القلب أو بغيض، هذا لا أثر له في الحكم.
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: ((أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ )) فقالوا: لا" قالوا: "لم نشهد ولم نحضر" كما في الرواية اللاحقة، كيف يحلف الإنسان على شيء لم يشهده ولم يحضره؟ وغلبة الظن تقبل في مثل هذا أو لا تقبل؟ يعني حينما طلب النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم اليمين هذا في ظاهره يسوّغ لهم أن يحلفوا؟ نعم؟ أو المسألة مسألة حكم شرعي بيحكم بهذه الأيمان صدقوا أو كذبوا؟ كما في ((البينة على المدعي، واليمين على من أنكر)) قد يحلف المدعى عليه ويكذب، وكون القاضي يطلب منه اليمين هل معنى هذا أنه مما يسوغ له اليمين ولو كان كاذباً؟ لا، إذاً مجرد طلب اليمين لا يسوغ اليمين، بل الإنسان يتدين بهذا اليمين لله -جل وعلا-؛ لأنه عبادة، فلا يجوز له أن يحلف إلا على أمر بيّن واضح.
(168/8)
" ((أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ )) فقالوا: لا، قال: ((أفتحلف لكم يهود؟ )) فقالوا: ليسوا بمسلمين" والذي ليس بمسلم الفاسق من المسلمين قد لا يتورع عن الحلف وهو كاذب فكيف بغير المسلم؟! "فوداه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عنده" فدل على أن دم المسلم لا يهدر، وأقل أحواله أن يودى من بيت المال، وهل دفع الدية من بيت المال على سيبل اللزوم والوجوب أو أن هذا تبرع من النبي -عليه الصلاة والسلام- فيبقى لولي الأمر أن يدفع أو لا يدفع؟ لكن الأولى أن يدفع كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- "فبعث إليهم بمائة ناقة، حتى أدخلت عليهم الدار، فقال سهل: لقد ركضتني منها ناقة" رفستني منها ناقة "حمراء" ورفس الإبل يقال له؟ في عرف الناس نعم رَمْح، ما هو برُمح، ولا رِمح، مصدر رمح أو رمحت ترمح رمحاً، نعم.
"قال مالك: الفقير هو البئر" يعني الذي ألقي فيه.
"قال يحيى: عن مالك عن يحيى بن سعيد عن بُشير بن يسار أنه أخبره أن عبد الله بن سهل الأنصاري ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر، فتفرقا في حوائجهما، فقتل عبد الله بن سهل، فقدم محيصة فأتى هو وأخوه" الفصل هنا لا بد منه؛ لأنه عطف على ضمير رفع متصل "فأتى هو وأخوه حويصة وعبد الرحمن بن سهل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذهب عبد الرحمن يتكلم" صاحب الشأن، أخوه هو المقتول، في القصة الأولى محيصة أراد أن يتكلم، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كبر كبر)).
"فذهب عبد الرحمن ليتكلم لمكانه من أخيه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كبر كبر)) فتكلم حويصة" لأنه أكبر "ثم محيصة" لأنه أكبر من عبد الرحمن بن سهل، وهو صاحب أيضاً .. ، أو هو أقرب الناس إلى الحدث "فذكرا شأن عبد الله بن سهل، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أتحلفون خمسين يميناً وتستحقون دم صاحبكم أو قاتكلم؟ )) " كيف تستحقون دم صاحبكم؟ يعني بدل الدم، الدية أو تستحقون القاتل لتقتلوه "قالوا: يا رسول الله لم نشهد ولم نحضر، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فتبرئكم يهود بخمسين يميناً؟ )) فقالوا: يا رسول الله كيف نقبل أيمان قوم كفار؟ " وفيه ما تقدم.
(168/9)
"قال يحيى بن سعيد: فزعم بُشير بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وداه من عنده".
"قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا، والذي سمعت ممن أرضى في القسامة" والذي اجتمعت عليه الأئمة في القديم والحديث "أن يبدأ بالأيمان المدعون في القسامة" والفرق بين المدعي والمدعى عليه المدعي من إذا تَرك تُرك، والمدعى عليه من إذا تَرك لم يُترك، إذا تَرك لم يُترك "أن يبدأ بالأيمان المدعون في القسامة" لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أتجه إلى حويصة ومحيصة وعبد الرحمن بن سهل، قال: ((تحلفون؟ )) فبدأ بهم "فيحلفون أن القسامة لا تجب إلا بأحد الأمرين، إما أن يقول المقتول: دمي عند فلان" المقتول يقول: قتله فلان "أو يأتي ولاة الدم بلوث من بينة" بينة يعني ضعيفة لا تستقل بإثبات الحكم، يقول المقتول: دمي عند فلان، في مثل هذه الحالة تكون قسامة أو يؤخذ المدعى عليه فيقرر فإن اعترف قتل، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- باليهودي الذي رض رأس الجارية بحجر؟ سئلت: من قتلك؟ فلان؟ فلان؟ ثم قالت: نعم، أُخذ فقُرر به فاعترف فقُتل بها، إذا قال المقتول: دمي عند فلان يؤخذ فيقرر إن اعترف قتل به، إن لم يعترف تكون قسامة.
"أو يأتي ولاة الدم بلوث من بينة وإن لم تكن قاطعة" يعني لا تستقل بإثبات الحكم "على الذي يدعى عليه الدم، فهذا يوجب القسامة للمدعين الدم على من أدعوا عليه، ولا تجب القسامة عندنا إلا بأحد هذين الوجهين".
"قال مالك: وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا، والذي لم يزل عليه عمل الناس أن المبدئين بالقسامة أهل الدم، والذين يدعونه في العمد والخطأ" يعني مثل ما قلنا سبق في اللعان أن الذي يبدأ الرجل، كما في الكتاب والسنة، كما دل على ذلك الكتاب والسنة، وذكرنا قولاً للإمام أبي حنيفة يخالف في ذلك أنه لو بدئ بالمرأة جاز، فهل يقول أبو حنفية في هذا الباب مثل ما قال في اللعان أنه لو بدئ بالمدعى عليهم يجوز أو لا يجوز؟ يعني أحد يعرف مذهب أبي حنفية في هذا؟ في أحد يعرف؟ ينظر مذهب الإمام أبي حنفية في هذا، يعني هل يجوز تبدئة المدعى عليهم بالأيمان الخمسين كما في نظيره في مسألة اللعان؟
(168/10)
"قال مالك: وقد بدّأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحارثيين في قتل صاحبهم الذي قتل بخيبر" حويصة ومحيصة وعبد الرحمن بن سهل، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
بدّأ، لو قال: بدأ قال: بالحارثيين.
طالب:. . . . . . . . .
البداءة بالمدعى عليهم، وش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني اطرد مذهبه في هذا، انتهينا.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لا عاد اللعان وجه الشبه ظاهر بين المسألتين.
طالب:. . . . . . . . .
ما في شك أن رواية أبي داود ما تعارض بها رواية الصحيحين أبداً، هذه متفق عليها في هذه الصورة، لكن مذهب الإمام أبي حنيفة يطرد في مثل هذا؛ لأن المدعي عليه البينة وليست لديه بينة إذاً ترد اليمين على المدعى عليه، المنكر عليه اليمين، البينة على المدعي، واليمين على من أنكر، يعني طرداً لقاعدة الدعاوى والبينات في البينات والأيمان، الأصل في المدعي أن عليه بينة، ما أحضر بينة يحلف المدعى عليه، لكن القسامة جُعل فيها أيمان المدعين بمنزلة البينة، ولذا لو حلف المدعون خمسين يميناً ما التفت إلى أيمان المدعى عليهم.
(168/11)
"قال مالك: فإن حلف المدعون استحقوا دم صاحبهم، وقتلوا من حلفوا عليه، ولا يُقتل في القسامة إلا واحد" يعني لو قالوا: قتله أكثر من واحد، هم ليس لديهم من البينة إلا أن صاحبهم قُتل، هذه دعواهم، وعنده من البينة الضعيفة لوث وشبهه، فالقتل يحصل من واحد، والدعوى ضعيفة لاعتمادها على بينة ضعيفة، فلا يؤخذ فيها أكثر من واحد، لو قال المدعون: قتله اثنان، لا يقبل قولهم، إنما لكم أنه قتل، لكم أنه قتل، والقتل يحصل من واحد، وليس عندكم من قوة البينة ما يقتل به أكثر من واحد، لكن لو عُرف أن هذا الشخص بينه وبين اثنين فقط عداوة، وهذان الاثنان يسكنان في مسكن واحد، ووجد القتيل عند بابهما، وبينه وبينهما عداوة، يعني ليست الدعوى متجه إلى أحدهما دون الآخر، بل الدعوى تتجه إلى الاثنين، فيقتل الاثنان أو واحد؟ يعني قول الإمام مالك: ولا يقتل في القسامة إلا واحد، الصورة ظاهرة أو ما هي بظاهرة؟ نعم؟ يعني شخص بينه وبين اثنين عداوة أو ثلاثة، ووجد قتيلاً عند بابهما، أو باب الثلاثة يسكنون في مسكن واحد.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن هل يقتل اثنين أو يقتل ثلاثة أو لا يقتل إلا واحد؟
طالب: واحد. . . . . . . . .
السيارة مقفلة على البيت.
نعم؟
نعم الآن الدعوى متجهة، أربعة أشخاص يعملون في مكتب، ثلاثة منهم في هذا المكتب أخذوا رشوة، فبلغ عنهم هذا الرابع، فوجد من الغد هذا الرابع مقتول على مكتبه بين هؤلاء الثلاثة، الدعوى واحدة يعني، تتجه الدعوى على واحد منهم أو على اثنين أو على الثلاثة كلهم؟ لأن الإمام مالك يقول: لا يقتل فيها اثنان، لا يقتل في القسامة إلا واحد، إذا تصورنا أن الدعوى متجه على الثلاثة على حد سواء أو على الاثنين، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن لو تبرأ الثلاثة من قتله، ولا يوجد ما يثبت إلا هذا اللوث، أن بينهم وبينه عداوة، مبلغ عنهم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
القسامة متجه على الثلاثة، لكن إذا حلفوا، حلف أولياء المقتول أن هؤلاء قتلوه، استحقوا دية صاحبهم أو دمه.
طالب:. . . . . . . . .
(168/12)
إيه، لا هو الإشكال قول مالك -رحمه الله-: "ولا يقتل في القسامة إلا واحد" ليش؟ لأن دعوى القسامة فيها ضعف، لا تنوء بقتل أكثر من واحد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
من القاتل؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال مسألة التقرير وما التقرير والتحقيق قد يظهر القاتل، لكن قد يظهر أن الجميع اشتركوا فيه، اشتركوا في قتله، وحينئذٍ يقتلون به، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذاً ما أدعوا إلا القتل، ما أدعوا على جماعة ولا شيء، هم ادعوا على القتل والقتل يقوم به واحد، لكن إذا قامت القرائن على أن الثلاثة كلهم اشتركوا في قتله، أو لا يوجد مرجح يرجح أحد المدعى عليهم على غيره.
طالب:. . . . . . . . .
لا عاد هذا ما يدرى، يعني المسألة مسألة خفاء وغموض، على كل حال يحلف من ولاة الدم خمسون رجلاً خمسين يميناً، فإن قل عددهم أو نكل بعضهم ردت الأيمان عليهم، إن قل عددهم صار العدد مثلاً خمسة وعشرين، كل واحد يحلف يمينين، يقسم مرتين، إن كانوا سبعة عشر نعم، يحلف كل واحد منهم؟ وقربهم من الميت على حد سواء، أولاده مثلاً ثلاثة، كل واحد يحلف سبعة عشر يميناً، وإن كانوا سبعة عشر كل واحد يحلف ثلاثة أيمان، يزيد واحد، ويجبر الكسر، نعم، لو قتلت امرأة مثلاً ولها من يرثها زوجها وابنها فقط، يحلف الزوج؟ نعم؟ ربع الأيمان بقدر إرثه، ويحلف الولد الباقي، الربع ربع الخمسين اثنا عشر ونصف، نقول له: يحلف ثلاثة عشر يمين، والباقي سبعة وثلاثين ونصف، نقول: احلف ثمان وثلاثين يميناً.
"فإن قل عددهم، ونكل بعضهم ردت الأيمان عليهم، إلا أن ينكل أحد من ولاة المقتول ولاة الدم الذين يجوز لهم العفو، فإن نكل أحد من أولئك فلا سبيل إلى الدم، إذا نكل أحد منهم" لا سبيل إلى الدم؛ لأن الدم لا يثبت إلا بأيمانهم، فإذا نكل أحد منهم كأنه عفا عن القود في قتل العمد، فيعدل حينئذٍ إلى الدية.
(168/13)
"قال يحيى: قال مالك: وإنما ترد الأيمان على من بقي منهم، إذا نكل أحد ممن لا يجوز له عفو" فإن نكل أحد من ولاة الدم الذين يجوز لهم العفو عن الدم، وإن كان واحداً، فإن الأيمان لا ترد على من بقي من ولاة الدم، يعني شخص له ثلاثة أولاد، مثلاً، واحد قال: ما أنا بحالف، واثنين قالوا: بنحلف، هل نقول: كل واحد يحلف خمسة وعشرين؟ لماذا؟ لأنهم الآن لا يملكون القود، لا يملكون دم صاحبهم، وإنما يملكون الدية، وكل يحلف بقدر إرثه، كل واحد يحلف الثلث، سبعة عشر يمين، فإذا حلف سبعة عشر يمين استحق ثلث الدية، والثاني حلف سبعة عشر يمين استحق الثلث، والثالث لا يحلف وليس له شيء من الدية، لا يستحق شيئاً.
"فإن الأيمان لا ترد على من بقي من ولاة الدم إذا نكل أحد منهم على الأيمان، ولكن الأيمان إذا كان ذلك ترد على المدعى عليهم فيحلف منهم خمسون رجلاً خمسين يميناً، فإذا لم يحلفوا خمسين ردت الأيمان على من حلف منهم، فإن لم يوجد أحد إلا الذي أدعي عليه حلف هو خمسين يميناً وبرئ" لأن الأصل البراءة.
"قال يحيى: قال مالك: وإنما فرق بين القسامة في الدم، والأيمان في الحقوق" لماذا طلب في القتل شاهدين مثلاً؟ والأيمان هنا بمنزلة الشهادة، هنا فرق بين القسامة في الدم والأيمان في الحقوق، اليمين على من أنكر، يحلف كم من أنكر؟ يحلف واحدة، المدعي إذا جاء ببينة شاهد واحد يحلف، معه يمين، ما قال: يحلف خمسين يمين.
"وإنما فرق بين القسامة في الدم والأيمان في الحقوق أن الرجل إذا داين الرجل استثبت عليه في حقه" استثتب عليه، كتب عليه، وأحضر الشهود، يعني في مسائل المداينة هل يمكن تحدث خفية؟ لا تحدث خفية، وإنما إذا فرط وأجراها خفية ولم يشهد على ذلك يتحمل، لكن الأصل أنها تعلن، ويشهد عليها، وأن الرجل إذا أراد قتل الرجل لم يقتله في جماعة، ما يأتي يقول: يا فلان وفلان تعالوا اشهدوا علي، نعم "وأن الرجل إذا أراد قتل الرجل لم يقتله في جماعة من الناس، وإنما يلتمس الخلوة".
(168/14)
قال: "فلو لم تكن القسامة إلا فيما تثبت فيه البينة، ولو عمل فيها كما يعمل في الحقوق هلكت الدماء" تضيع الدماء "واجترئ الناس عليها إذا عرفوا القضاء فيها، ولكن إنما جعلت القسامة إلى ولاة المقتول بيدّؤون فيها ليكف الناس عن الدم، وليحذر القاتل أن يؤخذ في مثل ذلك بقول المقتول".
"قال يحيى: وقد قال مالك في القوم يكون لهم العدد يتهمون بالدم، فيرد ولاة المتقول الأيمان عليهم، وهم نفر لهم عدد: إنه يحلف كل إنسان منهم على نفسه خمسين يميناً" يعني كما لو تفرد بالقتل؛ لأنه يدفع عنه نفسه، وهنا ننتبه فيقول: "قد قال مالك في القوم يكون لهم عدد يتهمون بالدم، فيرد ولاة المقتول الأيمان عليهم، وهم نفر لهم عدد: إنه يحلف كل إنسان منهم عن نفسه خمسين يميناً" لماذا لا تقسم الأيمان عليهم؟ أتهم خمسة بقتله، يحلف كل واحد عشرة أيمان وإلا كل واحد يحلف خمسين يمين؟ كل واحد يحلف خمسين يمين، لماذا؟ نعم؟ لأنه يحتمل أنهم قتلوه مجتمعين، وكل واحد منهم يستحق القتل "فيدفع عن نفسه القتل بخمسين يميناً، ولا تقطع الأيمان عليهم بقدر عددهم، ولا يبرءون دون أن يحلف كل إنسان عن نفسه خمسين يميناً".
"قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك" يعني هل مثل هذا الكلام من الإمام مالك -رحمه الله- يختلف عن قوله فيما سبق أنه لا يقتل إلا واحد؟ يختلف وإلا ما يختلف؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني لو أريد قتلهم، لو نكلوا، لو كان الإمام مالك يقرر قتل هؤلاء الخمسة لو نكلوا، قلنا: يختلف، الآن هو قرر قتل هنا؟ ما قرر قتل، لكن الدعوى اتجهت إلى هؤلاء الخمسة، إذا نكلوا يلزمهم قتل وإلا دية؟ على كلامه السابق أنه لا يقتل إلا واحد مقتضى كلامه السابق أنه يعدل فيها إلى الدية، وأنه لا يقتل إلا واحد في القسامة لضعفها، ليست مثل البينة يقتل فيها جميع من اشترك في القتل، البينة فيها قوة.
"قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك".
"قال: والقسامة تصير إلى عصبة المقتول، وهم ولاة الدم الذين يقسمون" يقسمون وإلا يُقسمون؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف يقسمون؟
طالب:. . . . . . . . .
"وهم ولاة الدم الذين يقسمون عليه" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(168/15)
ما قلنا: القسامة من القسم؟ وإذا أردنا أن نشتق من القسامة ومن القسم نرجع إلى الأصل وإلا نأخذ من الفرع؟ إذا رجعنا إلى الأصل قلنا: يقسمون عليه؛ لأنها من القسم، وإذا رجعنا إلى الفرع الذي هو القسامة قلنا: يقسمون، كيف يقسمون؟ القسم غير القسّم، نعم؟
"والذين يقتل بقسامتهم".
طالب. . . . . . . . . لأن الذين يقولون: جماعة تقتل الواحد لا يريدون قوداً، إنما يريدون الدية ....
نعم حتى في الصورة التي صورنها في مسألة الموظفين الأربعة لا يتجه عليهم القتل إلا إذا اعترفوا به، أو وجدت بينة، أما قتلهم بمجرد القسامة فلا.
نعم.
أحسن الله إليك.
باب: من تجوز قسامته في العمد من ولاة الدم
قال يحيى: قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أنه لا يحلف في القسامة في العمد أحد من النساء، وإن لم يكن للمقتول ولاة إلا النساء، فليس للنساء في قتل العمد قسامة ولا عفو.
قال يحيى: قال مالك في الرجل يقتل عمداً: إنه إذا قام عصبة المقتول أو مواليه فقالوا: نحن نحلف ونستحق دم صاحبنا فذلك لهم.
قال مالك -رحمه الله تعالى-: فإن أراد النساء أن يعفون عنه فليس ذلك لهن العصبة والموالي أولى بذلك منهن؛ لأنهم هم الذين استحقوا الدم وحلفوا عليه.
قال مالك: وإن عفت العصبة أو الموالي بعد أن يستحقوا الدم، وأبى النساء وقلن: لا ندع دم صاحبنا، فهن أحق وأولى بذلك؛ لأن من أخذ القود أحق ممن تركه من النساء، والعصبة إذا ثبت الدم وجب القتل.
قال مالك: لا يقسم في قتل العمد من المدعين إلا اثنان فصاعداً، فترد الأيمان عليهما حتى يحلفا خمسين يميناً، ثم قد استحق الدم، وذلك الأمر عندنا.
قال مالك: وإذا ضرب النفر الرجل حتى يموت تحت أيديهم، قتلوا به جميعاً، فإن هو مات بعد ضربهم كانت القسامة، وإذا كانت القسامة لم تكن إلا على رجل واحد، ولم يقتل غيره، ولم نعلم قسامة كانت قط إلا على رجل واحد.
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: من تجوز قسامته في العمد من ولاة الدم
(168/16)
يعني هل تطلب الأيمان من كل من له صلة بالمقتول، أو لا تطلب إلا من العصبة؟ وهل إذا عفا أحد منهم كانت له أدنى صلة بالمتقول؟ وأي سبب من أسباب القرابة يعدل عن القود كما في قتل العمد، أو هذا خاص بالعصبة نظير قتل العمد؟ هم الذين إليهم العفو على ما تقدم.
"قال يحيى: قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أنه لا يحلف في القسامة في العمد أحد من النساء، وإن لم يكن للمقتول ولاة إلا النساء فليس للنساء في قتل العمد قسامة ولا عفو" لكن لو أدعى النسوة أن هذا قتل قريبهن خطأ، قالوا: دهسه بالسيارة، الآن أخرجنا النساء من مسألة العمد لا في القود عند البينة الكاملة، ولا في القسامة، لكن في الخطأ؟ هل يقسمن في الخطأ أو لا كالعمد؟ يقول: "فليس للنساء في قتل العمد قسامة ولا عفو" عمال يهدمون حائطاً مجموعة على رأس الحائط يهدمون، فنزل قطعة من الحائط على رجل فمات، ولا يدرى من أي العمال؟ امرأة كانت ترى، وهي من قريبات هذا الميت، وقالت: أنا رأيت هذا العامل الذي أسقط هذه القطعة، هذا قتل عمد أو خطأ؟ خطأ، وش نقول؟ نكتفي بشهادتها أو لا بد من قسامة؟ هذه دعوى منها، ولا يكتفى بشهادتها، فهل تدخل في مثل هذا أو لا كالعمد؟ الإمام مالك قرر أنها لا تدخل في العمد، فهل مفهوم قوله: فليس للنساء في قتل العمد قسامة ولا عفو، يعني لو قامت البينة التامة على أن هذا قتل قريبها عمداً ليس لها أن تعفو، إنما العفو للعصبة، والمراد بالعصبة يعني المتعصبون بأنفسهم؛ لأن النساء قد يكن عصبة، يعني مع الغير، بالغير أو مع الغير، ففي هذا الباب لا بد من العصبة بالنفس "فليس للنساء في قتل العمد قسامة ولا عفو".
"قال يحيى: قال مالك في الرجل يقتل عمداً: إنه إذا قام عصبة المقتول أو مواليه فقالوا: نحن نحلف ونستحق دم صاحبنا فذلك لهم".
"قال مالك: فإن أراد النساء أن يعفون فليس ذلك لهن، العصبة والموالي أولى بذلك منهن، لأنهم هم الذين استحقوا الدم، وحلفوا عليه" لأنه ما دام ما تقبل أيمان النساء فلا يقبل عفو النساء، لا تقبل أيمان النساء فلا يقبل عفو النساء.
(168/17)
"قال مالك: وإن عفت العصبة أو الموالي بعد أن يستحقوا الدم وأبى النساء، وقلن: لا ندع قاتل صاحبنا، فهن أحق وأولى بذلك" لأن من أخذ القود أحق ممن تركه من النساء والعصبة، إذا ثبت الدم وجب القتل، معروف أنه إذا عفا بعض العصبة نعم انتهى مسألة القود، كيف يقول الإمام مالك: "إن عفت العصبة أو الموالي"؟ يعني الذين لهم أن يحلفوا، ولهم أن يطالبوا بالقود "بعد أن يستحقوا الدم، وأبى النساء، وقلن: لا ندع قاتل صاحبنا، فهن أحق وأولى بذلك؛ لأن من أخذ القود أحق ممن تركه من النساء والعصبة إذا ثبت الدم وجب القتل" يعني وجب الدم وثبت القتل وأنه عمد بالبينة الكاملة ثم عفا العصبة أو بعضهم وقف النساء قالوا: لا بد من أن يقتل، هل نقول: لا بد من القتل؛ لأن من طالب بالدم أولى ممن عفا؟ أو نقول: خلاص سقط القود وبقيت الدية، وليس لهن إلا ما يستحقونه من الدية؟ ظاهر كلام الإمام -رحمه الله- أن من عفا وجوده مثل عدمه، عفا عن حقه وانتهى، لكن هل يقاد بعد أن عفا العصبة أو بعضهم؟ سواء كان في قتل العمد أو في القسامة؟ إذا وجد من يعفو لأن الدم لا يتجزأ فلا يقتل، كيف يقول الإمام مالك: "وقلن: لا ندع قاتل صاحبنا، فهن أحق وأولى بذلك؛ لأن من أخذ القود أحق ممن تركه من النساء والعصبة، إذا ثبت الدم وجب القتل"؟
طالب:. . . . . . . . .
يستحق الدم فعفا والد المقتول، وبقيت أمه وأخواته وزوجته وبناته، قالوا: لا، لا بد من القتل؟ لهن ذلك أو لا؟
طالب:. . . . . . . . .
ليس لهن نصيب في القسامة، ولا ترد عليهن الأيمان، لكن ثبت الدم، حلف أولياء المقتول خمسين يمين واستحقوا الدم، ثم عفوا، كما لو ثبت ذلك في البينة، عفا الوالد مثلاً، أو عفا أحد من العصبة، يعني ظاهر الإمام مالك -رحمه الله-: "لأن من أخذ القود أحق ممن تركه من النساء والعصبة إذا ثبت الدم وجب القتل" أنت افترض أن الجاني يقتل الآن، الإجراءات كلها تمت، وما بقي إلا التنفيذ، ثم قال والد القتيل: عفوت، واعترض أولاده وبناته وزوجته، وأمه اعترضت، القاعدة التي ذكرها الإمام –رحمه الله- هل يوافق عليها؟ "لأن من أخذ القود أحق ممن تركه من النساء والعصبة" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(168/18)
إذا ثبت الدم وجب القتل، الآن ما بقي إلا التنفيذ الآن جميع الإجراءات تمت.
طالب:. . . . . . . . . وأنه إذا ثبت الدم يعني ثبت أن هذا الرجل قتل عمداً، فالأصل في الشرع. . . . . . . . . أصلاً هو القتل، وهو يريد أن يعمل بهذا الأصل، لو قلن النساء: لا، نريد القود، فهن على الأصل؟ يعني هو يريد أن الأصل الذي ثبت هو الأصل القصاص، القتل ... ؟
طيب يقتل وإلا ما يقتل؟
طالب: يقتل هذا هو الأصل عندنا، فقال: إذا منعت امرأة من الدية أو من العفو فهي على الأصل، وإعمال الأصل أقوى من إعمال. . . . . . . . .، هذا على ما يبدو.
الشرح وش يقول؟
وش يقول الشارح؟
ما في شيء؟
الشرح ما فيه شيء؟
يقول: "وإن عفت العصبة أو الموالي بعد أن يستحقوا الدم" يعني ثبت القتل عمداً بالبينة التامة، وأكملت جميع الإجراءات ما بقي إلا التنفيذ الآن "عفا العصبة أو الموالي بعد أن يستحقوا الدم، وأبى النساء، وقلن: لا ندع دم صاحبنا، فهن أحق وأولى بذلك" يعني كون نصيب النساء من الدية، أو نصيب من لم يعفو من الورثة من الدية هذا ما فيه إشكال، يأخذ نصيبه إذا لم يعفو من الدية، أما بالنسبة للقود إذا عفا عنه بعضهم يسقط بلا شك.
والإمام -رحمه الله- يقول: "وقلن: لا ندع دم صاحبنا فهن أحق وأولى بذلك؛ لأن من أخذ القود أحق ممن تركه من النساء والعصبة، إذا ثبت الدم وجب القتل" على كل حال تنظر هذه المسألة في كتب المالكية.
"قال مالك: لا يقسم في قتل العمد أو لا يقسم في قتل العمد من المدعين إلا اثنان فصاعداً، ترد الأيمان عليهما حتى يحلفا خمسين يميناً، ثم قد استحقا الدم، وذلك الأمر عندنا" على ما تقدم.
(168/19)
"قال مالك: وإذا ضرب النفر الرجل حتى يموت تحت أيديهم قتلوا به جميعاً" لأنهم اشتركوا "لو تمالأ أهل صنعاء على قتل رجل قتلوا به" كما في كلام عمر -رضي الله عنه-، وقتل الجماعة بالواحد تقدم "فإن هو مات بعد ضربهم كانت القسامة" يعني ضربوه، اجتمع عشرة فضربوا رجل إلى أن .. ، ضرباً مبرحاً فأدخل المستشفى على إثرها، ثم مات بعد شهر، فإن هو مات بعد ضرب كانت القسامة، فيحلف أولياؤه أنه مات بسببها، ويحلف أولياء القاتل إن نكل أولياء المقتول أنه لم يمت بسببها، وإذا كانت القسامة لم تكن إلا على رجل واحد، يعني مذهب الإمام -رحمه الله- مطرد، ولو كانوا عشرة، إلا على رجل واحد ولم يقتل غيره، ولم نعلم قسامة كانت قط إلا على رجل واحد.
سم.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
مثل ما تقدم يعني الأدخل في المسألة.
طالب:. . . . . . . . .
يقررون حتى يتبين الأقوى أثراً منهم.
طالب:. . . . . . . . .
إذا ما تبين مثل ما افترضنا في المسائل السابقة.
نعم.
باب: القسامة في قتل الخطأ
قال يحيى: قال مالك: القسامة في قتل الخطأ يقسم الذين يدعون الدم ويستحقونه بقسامتهم، يحلفون خمسين يميناً تكون على قسم مواريثهم من الدية، فإن كان في الأيمان كسور إذا قسمت بينهم نُظر إلى الذي يكون عليه أكثر تلك الأيمان إذا قسمت، وتجبر عليه تلك اليمين.
قال مالك: فإن لم يكن للمقتول ورثة إلا النساء فإنهن يحلفن، ويأخذن الدية، فإن لم يكن له وارث إلا رجل واحد حلف خمسين يميناً وأخذ الدية، وإنما يكون ذلك في قتل الخطأ، ولا يكون في قتل العمد.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: القسامة في قتل الخطأ
عرفنا مثل المسألة التي ذكرنها في هدم الحائط.
"قال يحيى: قال مالك: القسامة في قتل الخطأ يقسم الذين يدعون الدم ويستحقونه بقسامتهم، يحلفون خمسين يميناً تكون على قسم مواريثهم من الدية" يعني إذا وجد زوج وابن -كما ذكرنا سابقاً- يحلف الزوج ربع الأيمان، ثلاثة عشرة يميناً، ما نقول: يحف اثنا عشر ونصف؛ لأنه لا يتجزأ، ويحلف الابن الباقي، ثمان وثلاثين يمين.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
(168/20)
لا هو مستحق عليه سبعة وثلاثين ونصف.
طالب: يصير واحد وخمسين.
إيه "تكون على قسم مواريثهم من الدية، فإن كانت في الأيمان كسور إذا قسمت بينهم نُظر إلى الذي يكون عليه أكثر تلك الأيمان إذا قسمت فتجبر عليه تلك اليمين" يعني مثل الرد في الفرائض، في قسم المواريث.
"قال مالك: فإن لم يكن للمقتول ورثة إلا النساء فإنهن يحلفن ويأخذن الدية" يعني في العمد لا مدخل لهن، لكن في الخطأ لهن دخل "فإنهن يحلفن ويأخذن الدية، فإن لم يكن له وارث إلا رجل واحد حلف خمسين يميناً وأخذ الدية، وإنما يكون ذلك في القتل الخطأ، ولا يكون في قتل العمد" يعني في قتل العمد لا يدخل فيه النساء على ما تقدم، وإنما يدخلن في قتل الخطأ.
نعم.
أحسن الله إليك.
باب: الميراث في القسامة
قال يحيى: قال مالك: إذا قبل ولاة الدم الدية فهي مورثة على كتاب الله، يرثها بنات الميت وأخواته، ومن يرثه من النساء، فإن لم يحرز النساء ميراثه كان ما بقي من ديته لأولى الناس بميراثه مع النساء.
قال مالك: إذا قام بعض ورثة المقتول الذي يقتل خطأ يريد أن يأخذ من الدية بقدر حقه منها، وأصحابه غيب لم يأخذ ذلك، ولم يستحق من الدية شيئاً قل ولا كثر، دون أن يستكمل القسامة، يحلف خمسين يميناً، فإذا حلف خمسين يميناً استحق حصته من الدية، وذلك أن الدم لا يثبت إلا بخمسين يميناً، ولا تثبت الدية حتى يثبت الدم، فإن جاء بعد ذلك من الورثة أحد حلف من الخمسين يميناً بقدر ميراثه منها، وأخذ حقه حتى يستكمل الورثة حقوقهم، إن جاء أخ لأم فله السدس، وعليه من الخمسين يميناً السدس، فمن حلف استحق من الدية، ومن نكل بطل حقه، وإن كان بعض الورثة غائباً أو صبياً لم يبلغ حلف الذين حضروا خمسين يميناً، فإن جاء الغائب بعد ذلك، أو بلغ الصبي الحلم حلف كل منهما، يحلفون على قدر حقوقهم من الدية، وعلى قدر مواريثهم منها.
قال يحيى: قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت.
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الميراث في القسامة
(168/21)
عرفنا أن الأيمان توزع في القسامة على أولياء المقتول، فالدية التي تسبب عنها هذه القسامة يرثها أولياء المقتول، وأيمانهم بقدر إرثهم؛ لأن الإرث هو الأصل الذي يرد عليه.
"قال يحيى: قال مالك: إذا قبل ولاة الدم الدية فهي موروثة على كتاب الله تعالى، يرثها بنات الميت وأخواته ومن يرثه من النساء" يعني كما يرثه زوجته وأبناؤه ووالداه، ومن يرثه من النساء "فإن لم يحرز النساء ميراثه كان ما بقي من ديته لأولى الناس بميراثه مع النساء" يعني فلأولى رجل ذكر.
(168/22)
"قال مالك: فإذا قام بعض ورثة المقتول الذي يقتل خطأ يريد أن يأخذ من الدية بقدر حقه منها، وأصحابه غيب" يعني أصحابه غائبون، وأراد أن يستعجل محتاج، ولم يستحق من الدية ... , "لم يأخذ ذلك" إذا كانوا غائبين ينتظرون، لم يأخذ نصيبه، ولو احتاج إليه، ولو اضطر إليه "لم يأخذ ذلك، ولم يستحق من الدية شيء قل ولا كثر دون أن يستكمل القسامة" يحلف خمسين يميناً كأنه لا يوجد وارث غيره؛ لأنه استعجل، وهذه ضريبة الاستعجال، يحلف ويأخذ "قل أو كثر دون أن يستكمل القسامة، يحلف خمسين يميناً، فإن حلف خمسين يميناً استحق حصته من الدية" إنما اتجه إليه خمسين يمين لتثبت الدية، يعني الدية لا تثبت إلا بخمسين يمين، ثم إذا ثبتت هذه الدية ليس له إلا ما فرضه الله له، وقسمه له "فإن حلف خمسين يميناً استحق حصته من الدية، وذلك أن الدم لا يثبت إلا بخمسين يميناً، ولا تثبت الدية حتى يثبت الدم، فإن جاء بعد ذلك من الورثة أحد حلف من الخمسين يميناً بقدر ميراثه" يعني له ثلاثة أولاد، اثنان غائبان، فجاء الثالث قال: والله أنا عجل، أنا مضطر، محتاج، أبي ثلث الدية، قيل له: تحلف خمسين يمين، فحلف خمسين يمين استقرت الدية، فيأخذ ثلث الدية، ثم جاء الثاني فقيل له: تحلف خمسين وإلا نصيبك فقط سبعة عشر يمين؟ ثم جاء الثالث كذلك "فإن جاء بعد ذلك من الورثة أحد حلف من الخمسين يميناً بقدر ميراثه، وأخذ حقه حتى يستكمل الورثة حقوقهم" فإن جاء الأخ لأم فله السدس، الأخ لأم يرث السدس في حالة؟ في مسألة الكلالة، حيث لا والد ولا ولد، فله السدس، وعليه من الخمسين يميناً السدس، يعني بعد أن تستقر الدية بمضي خمسين يمين ممن استعجل من الورثة يحلف خمسين يميناً، نعم بقدر إرثه، يرث بقدر إرثه السدس من الخمسين، إذا قسمنا خمسين على ستة، تسعة، نعم، تسعة، يجبر الكسر "فمن حلف استحق من الدية، ومن نكل بطل حقه" جاء أخ لأم قال: والله ما أنا بحالف، قلنا: مالك شيء من الدية، جاء ولده قال: والله أنا با تورع عن اليمين، أنا ما حضرت ولا .. ، قلنا: ليس لك شيء من الدية، لا تستحق شيء من الدية "ومن نكل بطل حقه، وإن كان بعض الورثة غائباً أو صبياً لم يبلغ، حلف الذين حضروا خمسين يميناً،
(168/23)
واستحقت الدية" لكن يحجر نصيب الغائب حتى يأتي ويحلف، ويبلغ الصغير حتى إذا بلغ حلف فاستحق نصيبه "وإن كان بعض الورثة غائباً أو صبياً لم يبلغ حلف الذين حضروا خمسين يميناً، فإن جاء الغائب بعد ذلك أو بلغ الصبي الحلم حلف كل منهما" يحلفون على قدر حقوقهم من الدية، وعلى قدر مواريثهم منها.
"قال يحيى: قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت".
نعم.
أحسن الله إليك.
باب: القسامة في العبيد
قال يحيى: قال مالك: الأمر عندنا في العبيد أنه إذا أصيب العبد عمداً أو خطأ، ثم جاء سيده بشاهد حلف مع شاهده يميناً واحدة، ثم كان له قيمة عبده، وليس في العبيد قسامة في عمد ولا خطأ، ولم أسمع أحداً من أهل العلم قال ذلك.
قال مالك: فإن قتل العبد عبداً عمداً أو خطأ لم يكن على سيد العبد المقتول قسامة ولا يمين، ولا يستحق سيده ذلك إلا ببينة عادلة، أو بشاهد، فيحلف مع شاهده.
قال يحيى: قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت.
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: القسامة في العبيد
القسامة في العبيد كأن الترجمة فيها إثبات للقسامة في العبيد، وإن كان الواقع في كلام الإمام -رحمه الله تعالى- خلاف ذلك، وأنه لا قسامة في العبيد؛ لأنه في الأصل حكمه حكم السلع التي تباع وتشترى، فإذا أتلفت السلعة فيها قسامة؟ لا، فيها البينة على المدعي، واليمين على من أنكر، وهكذا حكم العبيد.
(168/24)
"قال يحيى: قال مالك: الأمر عندنا في العبيد أنه إذا أصيب العبد عمداً أو خطأ، ثم جاء سيده بشاهد حلف مع شاهده يميناً" يعني كما لو حلف على دين في ذمة زيد من الناس، وأتى ببينة بشاهد، يحلف مع الشاهد يميناً ليكمل هذه البينة الناقصة، ثم كان له قيمة عبده، وليس في العبيد قسامة في عمد ولا خطأ، يعني مثل ما ذكرنا أن أحكام العبيد أحكام السلع "ولم أسمع أحداً من أهل العلم قال ذلك" يعني لو افترضنا أن العبد قتله عبد، يعني مع التكافؤ ألا يقتل به؟ يقتل به، والعبد بالعبد، هل نقول: إنه في هذه الصورة حكمها حكم السلع أو حكم الأحرار؟ لأن فيه قود، إطلاق الإمام "ولم أسمع أحداً من أهل العلم قال ذلك" "وليس في العبيد قسامة في عمد ولا خطأ، ولم أسمع أحداً من أهل العلم قال ذلك" يعني مقتضى كلام مالك أنه ولو كان القاتل عبداً.
"قال مالك: فإن قتل العبد عمداً أو خطأ لم يكن على سيد العبد المقتول قسامة ولا يمين، ولا يستحق سيده ذلك إلا ببينة عادلة" البينة على المدعي، واليمين على من أنكر، أتى ببينة كاملة استحق قيمة العبد، أتى ببينة ناقصة كمل باليمين على ما تقدم "إلا ببينة عادلة أو بشاهد فيحلف مع شاهده".
"قال يحيى: قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت" نعم.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(168/25)
شرح: الموطأ - كتاب الجامع (1)
باب ما جاء في صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-، باب ما جاء في صفة عيسى ابن مريم -عليه السلام- والدجال - باب ما جاء في السنة في الفطرة- باب النهي عن الأكل بالشمال - باب ما جاء في المساكين
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا حي يا قيوم.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
كتاب صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-:
باب ما جاء في صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-:
وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أنه سمعه يقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، وليس بالأبيض الأمهق، ولا بالآدم، ولا بالجعد القطط ولا بالسبط، بعثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله -عز وجل- على رأس ستين سنة، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء -صلى الله عليه وسلم-".
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-:
صفة النبي -عليه الصلاة والسلام- الخلقية والخُلقية، وهي من سنته -عليه الصلاة والسلام-، وهي ملحقة بالسنة، فلا بد من الاطلاع على صفاته، وعلى شمائله وأخلاقه، وجميع ما يتعلق به؛ لأنه هو القدوة، وهو الأسوة، وحياته -عليه الصلاة والسلام- هي الترجمة العملية للدين بجميع فروعه.
يقول:
باب ما جاء في صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-:
(169/1)
وهنا في صفاته الخَلقية، قال: "حدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أنه سمعه يقول" يلاحظ على كثير من طلاب العلم الاهتمام بالسنة، والاهتمام بالأحكام، والاهتمام بالعقائد، لكن يلاحظ التقصير الشديد في السيرة النبوية، وشمائل المصطفى -عليه الصلاة والسلام- وخصائصه، يلاحظ هذا الأمر، مع أنها موجودة في كتب السنة، يعني ألفت على سبيل الاستقلال، وألف فيها تبعاً لأبواب الدين في الجوامع التي تجمع أكثر أبواب الدين، فتجد هذه الأمور المتعلقة به -عليه الصلاة والسلام- من سيرته وشمائله وخصائصه ومعجزاته ودلائل نبوته، كلها ألف فيها الشيء الكثير.
(169/2)
قد يقول قائل: إننا لا نرى في دروس شيوخنا دروس خاصة بالشمائل ولا بالسيرة، التقصير موجود، لكن هذه الأبواب تدرس ضمن الجوامع الكبيرة، صحيح البخاري فيه أبواب مفردة لهذا الشأن، الترمذي صنف الشمائل النبوية، وغيرهم كتبوا، لكن الذي يجعل بعض العلماء وبعض طلاب العلم لا يفردون هذه الأبواب بدروس خاصة، أو بعناية خاصة هو ما يوجد في كثير من الكتب التي ألفت في هذا الباب من الشمائل والخصائص وغيرها من الغلو، يعني كثير مما كتب في هذا الباب فيه شيء من الغلو والإطراء الذي جاء ذمه على لسانه -عليه الصلاة والسلام-، فيكتفون بما كتب في الجوامع كالبخاري، والترمذي، وغيرهما، الكتب الجامعة التي تجمع أكثر أبواب الدين، فيكتفون بهذا، ويكتفون بما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الباب ويتركون الكلام الذي فيه شيء من الإطراء والغلو، لا سيما إذا كان عمدته غير صحيح، وإلا فمثل كتاب الشفاء للقاضي عياض بالتعريف بحقوق المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، كتاب يكاد أن يكون كالورد في كثير من أقطار المسلمين، وإذا قيل: إنه يقرأ قريباً من قراءة القرآن، أو قد يكون أكثر مما يقرأ القرآن في بعض النواحي ما بعد، وطباعته كطباعة المصحف، رأينا طبعات كثيرة للشفاء مثلما يطبع المصحف، بالخط باليد، ويخطه الذي يخط المصحف، وبين كل جملتين أو حديثين دائرة، وقد يكون فيها رقم، تشبيهاً له بالمصحف من كل وجه، فضلاً عن كتاب دلائل الخيرات وغيره، كلها تكتب بهذه العناية، وكل هذا، كله من الغلو، وفي شروح الشفاء كلام لا يقبله معتدل في نظره إلى أبواب الدين أبداً، بل جاء النهي الصريح عن الإطراء ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم)) ((إياكم والغلو)) غلو في النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويرمونه المعتدل بالجفاء مع الأسف الشديد أنهم يرمون من اعتدل في هذا الباب، ونفى هذا الإطراء، وأنكر هذا الإطراء، تبعاً لتوجيهه -عليه الصلاة والسلام- يرمى بالجفاء، فمحبة الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنها من واجبات الدين، ولا يؤمن أحدكم حتى يكون الرسول -عليه الصلاة والسلام- أحب إليه من كل شيء، من والده وولده، والناس أجمعين، وحتى يكون أحب إليه من نفسه، لكن محبته
(169/3)
لا تعني المبالغة في .. ، والإفراط والغلو فيه -عليه الصلاة والسلام-، الذي نهى عنه -صلى الله عليه وسلم- حتى وجد من بعضهم صرف محض حق الله -جل وعلا- له -عليه الصلاة والسلام-، هذا لا يجوز بحال، هذا الشرك، وهناك القصائد والمدائح النبوية، وكتب فيها المجلدات، وبعض الشعراء خصص نفسه لمدح النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكثير من أشعاره لا يخلو من هذا الإطراء وهذا الغلو، وصار الناس يتلقفون هذه القصائد ويرددونها، وهي ديدنهم صباح مساء، وعاقهم مثل هذا عن التوفيق للعلم النافع، والعمل الصالح، فليست محبة النبي -عليه الصلاة والسلام- بترديد هذه الأناشيد، ولا تلك الجمل التي بالغوا فيها، وأطروا فيها النبي -عليه الصلاة والسلام-، إنما محبته تتمثل في اتباعه -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: "حدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أنه سمعه يقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير ... " ليس بالطويل البائن يعني المفرط في الطول، الزيادة في الطول، وإن كان العرب يتمدحون بالطول، وأن أعزاء الرجال طيالها على ما قالوا، لكن مع ذلك فرق بين طول مقبول بين الناس، وبين طول مفرط، حتى قال ابن حجر في الفتح ما قال بالنسبة لمن طوله مفرط، الطول هذا يعني قال: إنه مظنة للسفه، يقول: لبعد القلب من الدماغ، هذا كلام ابن حجر، لكن لا يعني هذا أن القصار يمدحون بقصرهم، لا، التوسط هي صفته -عليه الصلاة والسلام-، ليس بالطويل البائن، يعني المفرط في الطول، ولا بالقصير، وإنما هو ربعة من الرجال، بين الطويل والقصير.
"وليس بالأبيض الأمهق" الذي يشبه من ابتلي بالبرص مثلاً، وليس بياضه مثل بياض الجص بحيث يقذر، لا، بياضه أيضاً فيه شيء من الأدمة، وفيه شيء من الحمرة، وليس بالأبيض الأمهق.
"ولا بالآدم" يعني الأسمر، شديد السمرة، إنما هو أزهر -عليه الصلاة والسلام- أبيض مشرب بحمرة.
"ولا بالجعد القطط ولا بالسبط" ولا بالجعد القطط، يعني شعره ليس بالجعد المتجعد كشعور الزنج، ولا بالسبط الذي فيه نعومة زائدة، بل شعره متوسط -عليه الصلاة والسلام-.
(169/4)
"بعثه الله على رأس أربعين" على رأس أربعين سنة، لما كمل الأربعين وهي تمام الأشد بعثه الله، اكتمال العقل، إنما يكون في الأربعين "فأقام بمكة عشر سنين" عشر سنين المعروف أنه أقام بها ثلاث عشرة سنة، من بعثته إلى هجرته ثلاث عشرة سنة، لكن الكسر يحذفونه في حسابهم، ومنهم من يقول: إن العشر بعد استئناف الوحي، انقطع الوحي مدة، ثم بعد ذلك استأنف بقوة، وأمر بالتبليغ والصدع، من هنا عدت بعثته على مثل هذا الحديث، مع أنه بعث قبل ذلك بثلاث سنين، فتكون العدة ثلاث عشرة سنة.
"وبالمدينة عشر سنين" نعم بالمدينة عشر سنين، أقام في المدينة عشر سنين "وتوفاه الله -عز وجل- على رأس ستين سنة" هكذا جاء في الحديث الصحيح المتفق عليه ستين سنة، وجاء أيضاً في الحديث الصحيح: ثلاثاً وستين سنة، وهذا هو الواقع بدقة، ثلاث وستين سنة، إذا أضفنا الثلاث عشرة، والعشر إلى الأربعين صارت ثلاث وستين سنة، فقوله: ستين سنة إنما هو على عدم اعتبار الكسر، يعني مع حذف الكسر، كثيراً ما يقتصرون على العقود، ويحذفون الكسر، أو يجبرونه كما في الرواية الأخرى خمساً وستين سنة، فعد سنة مثلاً الولادة، وسنة الوفاة، وصار خمساً وستين سنة.
"وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء" لم يشب -عليه الصلاة والسلام- إلا الشيء اليسير الذي يصح نفيه، ويصح إثباته، فمثلاً أنس يقول: ما شاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باعتبار أن هذه العشرون الشعرة لا يمكن أن ترى إلا بالتحديد، وبالقرب من لحيته -عليه الصلاة والسلام-، والذي يثبت يقول: إنه في شعرات حمراء تغيرت، وبعضهم يقول: إن هذا من كثرة استعمال الطيب، لا سيما الحار منه يغير لون الشعر، وعلى كل حال فيه هذه العدة من الشعر، أو تزيد قليلاً كما في بعض الروايات أو تنقص، على كل حال كل هذا على سبيل التقريب، فيه شيب يسير، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في صفة عيسى ابن مريم -عليه السلام- والدجال:
(169/5)
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أراني الليلة عند الكعبة، فرأيت رجلاً آدم، كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال، له لمة، كأحسن ما أنت راء من الَلَمم ... ))
الِلمم.
أحسن الله إليك.
((من الِلمم قد رجلها فهي تقطر ماء، متكئاً على رجلين، أو على عواتق رجلين، يطوف بالكعبة، فسألت من هذا؟ قيل: هذا المسيح ابن مريم، ثم إذا أنا برجل جعد قطط أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية، فسألت من هذا؟ فقيل لي: هذا المسيح الدجال)).
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه الفائدة منها.
طالب:. . . . . . . . .
صوركم وأبدانكم.
نعم، لماذا اعتنى العلماء بالصفات الخَلقية للنبي -عليه الصلاة والسلام- والخِلقة ليست محل للذم ولا للمدح؟
يقول أهل العلم: إن معرفة الصفات لا سيما الصفات التي تمدح عند الناس، الناس بميلهم وطبيعتهم وغريزتهم يميلون إلى الأشكال الجميلة المحببة، فإذا عرفنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- على هذا الشكل، وعلى هذه الهيئة، وعلى هذا الوصف بالصفات الجميلة التي هي بالنسبة لبني آدم أجمل الصفات، فالنفوس تميل إلى هذه الصفة، وأيضاً نقل جميع ما يتعلق به -عليه الصلاة والسلام- هذا دليل على اهتمام الصحابة وعنايتهم بذلك، فلا يفوتون شيئاً، وليس معنى هذا أننا نمدح الأبيض؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أبيض، ونمدح هذا، لا، لا، هذا ليس محلاً للمدح ولا للذم، لكن هم قالوا: إن الصفات الجميلة، الرجل المشتمل على صفات جميلة .. ، وبعضهم أيضاً يطرد ذلك فيقول: إن هذه الصفات الظاهرة دليل على حسن الصفات الباطنة، لكن نجد العكس أحياناً.
على كل حال هذا دليل على عناية الصحابة، واهتمامهم بجميع ما يتعلق بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا يظن بهم أنهم نقلوا أشياء لا دخل لها في التشريع، ثم بعد ذلك يفرطون في نقل ما هو محل للتشريع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إحنا ما ذكرنا هذا؟ بحيث لا يمكن أن يقال: إنهم فرطوا في شيء مما يقتدى به فيه -عليه الصلاة والسلام-، ويهتمون بأشياء ليست محلاً للاقتداء.
طالب:. . . . . . . . .
(169/6)
إيه ما في شك حتى قالوا: إن كون الرسول -عليه الصلاة والسلام- على هذه الصفة من الكمال البشري الخلقي لا شك أنه يقربه إلى القلوب عند كثير من الناس، هذا أمر فطري.
طالب:. . . . . . . . .
الخلقية والخلقية، ذكروا هذا من السنة، باعتبار نسبتها وإضافتها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في صفة عيسى ابن مريم -عليه السلام- والدجال:
جمعهما في مثل هذا الباب، وهذا الحديث إنما اجتماعهما في وصف المسيح، كل منهما يقال له: المسيح، المسيح عيسى ابن مريم، والمسيح الدجال، هذا مسيح هداية، وهذا مسيح غواية، وهذا ممسوح أو يمسح الأرض بطوافه، وهذا كذلك؛ ولأن هذا أيضاً عيسى -عليه السلام- ممسوح القدم لا أخمص له، وذاك ممسوح العين.
على كل حال الاشتراك في اللفظ هو الذي يجمعهما في مثل هذه الترجمة، ومجيئهما في هذا الحديث أيضاً للدلالة على أن كلاً منهما يوصف بالمسيح، وأن الاتفاق في هذا الوصف لا يعني الاتفاق في المدح والذم، إنما صفة المسيح بالنسبة لعيسى -عليه السلام- صفة مدح، وصفة المسيح بالنسبة للدجال صفة ذم.
لو تشوف لنا العاشر من فتح الباري.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أراني الليلة عند الكعبة)) " في المنام، رأى نفسه عند الكعبة، ورؤيا الأنبياء وحي ((فرأيت رجلاً)) نعم،. . . . . . . . .
يقول: ((فرأيت رجلاً آدم)) يعني فيه شيء من السمرة ((كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال)) يعني من السمران الذين ليس بياضهم ناصعاً ((له لمة كأحسن ما أنت راء من الِلمم)) اللمة هي الشعر إذا جاوز شحمة الأذنين، فإن جاوز ذلك سمي جمة ((كأحسن ما أنت راء من الِلمم، قد رجلها فهي تقطر ماء)) رجلها يعني سرحها بالمشط، ((متكئاً على رجلين، أو على عواتق رجلين يطوف بالكعبة)) المعروف أن عيسى -عليه السلام- قبض وهو صغير ليس بكبير يحتاج إلى مثل هذا.
(169/7)
يقول: ((متكئاً على رجلين أو على عواتق رجلين يطوف بالكعبة)) لعله كان في تلك الرؤيا في حكم المشتكي، ((يطوف بالكعبة، فسألت من هذا؟ قيل: هذا المسيح ابن مريم)) ورؤيا الأنبياء حق، يعني هذه صفته، ((فإذا أنا برجل جعد قطط، أعور العين اليمنى، كأنها –يعني عينه- عنبة طافية)) يقال للشيء طاف إذا برز، فإذا طفا على الماء يعني برز فوقه، كأن هذه بارزة ناتئة، ((فقيل لي: هذا المسيح الدجال)) كون عيسى -عليه السلام- يطوف بالبيت هذا لا إشكال فيه، لكن الإشكال ((ثم إذا أنا برجل)) والرسول -عليه الصلاة والسلام- عند الكعبة ((جعد قطط، أعور العين، كأنها عنبة طافية، فسألت من هذا؟ قيل: هذا المسيح الدجال)) والمعروف أن المسيح الدجال ممنوع من دخول الكعبة، من دخول مكة، فهل يقال: إن المنع إذا خرج في آخر الزمان، وقبل ذلك لا يمنع لهذا الحديث؟ أو أنه ممنوع مطلقاً؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني بعد خروجه في آخر الزمان، وقبل ذلك لا يمنع؟ المقصود ثم إذا أنا برجل قطط، يعني عند الكعبة، أو نقول: إن هذه رؤيا لا يلزم أن تكون حقيقة، فقد يُرى الإنسان في المكان الفلاني وبدنه في أقصى الدنيا.
طالب:. . . . . . . . .
الآن الإشكال، الإشكال إذا قلنا: إن رؤيا الأنبياء حق، وهذه أمور واقعة لا محالة عند الكعبة، هل من لازم كون رؤيا الأنبياء حق أن تكون الأبدان في هذا المكان الذي رؤيت فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
من الظاهر، لو أنت رأيت النبي -عليه الصلاة والسلام- في المنام في الرياض مثلاً، والشيطان لا يتراءى به، هل نقول: إن جسده نقل إلى الرياض؟
طالب:. . . . . . . . .
هو رؤيته حق، الشيطان لا يتمثل به -عليه الصلاة والسلام-.
طالب: لكن هو رأياه -صلى الله عليه وسلم- على الحقيقة في سائر الأمور، فلذلك لعله المنع منه بعد خروجه كما يقولون، لا قبل خروجه.
(169/8)
يقول: وغلط من استدل بهذا الحديث على أن الدجال يدخل المدينة أو مكة، إذ لا يلزم من كون النبي -صلى الله عليه وسلم- رآه في المنام بمكة أنه دخلها حقيقة، ولو سلم أنه رآه في زمانه -عليه الصلاة والسلام- بمكة فلا يلزم أن يدخلها بعد ذلك إذا خرج في آخر الزمان، وقد استدل على ابن صياد أنه ليس الدجال لكونه سكن المدينة، ومع ذلك فكان عمر وجابر يحلفان على أنه هو المسيح الدجال على ما سيأتي.
على كل حال ابن الصياد جاء ما يدل على أنه أسلم بعد ذلك.
فيقول: غلط من استدل بهذا الحديث على أن الدجال يدخل المدينة أو مكة، إذ لا يلزم من كون النبي -صلى الله عليه وسلم- رآه في المنام بمكة أنه دخلها حقيقة، يعني يبقى أن الرؤيا حق في الممكن دون غير الممكن، الممكن هذه الأوصاف التي ذكرها النبي -عليه الصلاة والسلام- إذ لا معارض لها، بل لها ما يؤيدها، وغير الممكن وهو ما يدل على خلافه من حديث: أنه لا يدخل مكة ولا المدينة.
ثم قال: ولو سلم أنه رآه في زمانه بمكة فلا يلزم أن يدخلها بعد ذلك إذا خرج في آخر الزمان.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني فيما لا معارضة فيه.
طالب:. . . . . . . . .
من نصوص أخرى إيه، الأوصاف مطابقة لما جاء في النصوص الأخرى، وكونه عند الكعبة مخالف لنص آخر، وإذا حمل على النص الآخر على أنه بعد ما يخرج في آخر الزمان انتفى كل شيء.
طالب:. . . . . . . . .
إيه هو الحديث كله عند الكعبة.
طالب:. . . . . . . . .
((ثم إذا أنا برجل جعد قطط)) السياق واحد.
طالب:. . . . . . . . .
السياق واحد.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لو سلم أنه رآه حقيقة في هذا المكان، هو أولاً لا يرى أنه رآه حقيقة.
شوف ويش يقول: وغلط من استدل بهذا الحديث على أن الدجال يدخل المدينة أو مكة، إذ لا يلزم من كون النبي -عليه الصلاة والسلام- رآه في المنام بمكة أنه دخلها حقيقة، يعني مثلما ترى رؤيا حق، وتؤل لك على وجهها أنك رأيت فلان في المكان الفلاني، وما هو بالمكان الفلاني، لكن عوارض هذه الرؤيا كلها حق.
طالب:. . . . . . . . .
دون جسده، بخلاف عيسى -عليه السلام- رآه يطوف بالبيت.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
(169/9)
طالب:. . . . . . . . .
يعني أنه موجود إلى الآن أو يخلق فيما بعد؟ حديث الجساسة أنه موجود، حديث الجساسة صحيح ما في إشكال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو اللي يظهر، هذا أظهر شيء، أنه إذا خرج في آخر الزمان لا يدخل مكة والمدينة، ولكل وقت حكمه، كانت أيضاً مكة والمدينة محل للكفار، ثم منعوا منها شرعاً.
سم.
طالب:. . . . . . . . .
باعتبار أن هذا نبي وهذا نبي، بجامع النبوة، نعم.
باب ما جاء في السنة في الفطرة:
وحدثني عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "خمس من الفطرة تقليم الأظفار، وقص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، والاختتان".
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: "كان إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- أول الناس ضيف الضيف، وأول الناس اختتن، وأول الناس قص الشارب، وأول الناس رأى الشيب، فقال: يا رب ما هذا؟ فقال الله -تبارك وتعالى-: وقار يا إبراهيم، فقال: رب زدني وقاراً".
قال يحيى: وسمعت مالكاً يقول: "يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفه
الشفة، الشفة.
أحسن الله إليك.
حتى يبدو طرف الشفة، وهو الإطار ولا يجزه فيمثل بنفسه".
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أراني الليلة عند الكعبة.
طالب: يعني هو رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى هذه الرؤيا.
وهو بالمدينة إيه.
طالب: ورأى نفسه عند الكعبة.
إيه.
طالب: وفي حقيقة الأمر، وبالتالي إذا رأى داخل مكة ....
هذا الاحتمال الظاهر من النص.
قال -رحمه الله-:
باب ما جاء في السنة في الفطرة:
"وحدثني عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: "خمس من الفطرة" وجاء أكثر من ذلك "عشر من الفطرة" "تقليم الأظفار" يعني قصها فيما يزيد على محاذاة الأصبع، اللحم.
"تقليم الأظفار، وقص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، والاختتان" هذه من الفطرة، من سنن الفطرة، فمنها ما هو واجب، ومنها ما هو مندوب، وتكملة العشر تقدمت.
(169/10)
"خمس من الفطرة: تقليم الأظفار" بحيث لا تترك فتطول طولاً يجتمع فيه الأوساخ والأقذار، ونجد بعض الشباب ممن يقلد الكفار يطيل الأظافر، ونجد أيضاً من لا يهتم بتطبيق السنة كذلك، فعلى المسلم أن يهتم من هذه الخصال التي دلت عليها النصوص الصحيحة.
طالب:. . . . . . . . .
كلاهما واحد، الأظفار جنس، جمع ظفر جنس.
"وقص الشارب" وجاء أيضاً في النسائي حلقه، إلا أن الإمام مالك -رحمه الله- يرى أن الحلق مثله، قصه بحيث لا يكثر فيفحش ويقذر به.
"ونتف الإبط" الإبط جاء فيه النتف إلا إذا كان الإنسان لا يستطيع، ولا يطيق هذا النتف، فيقوم مقامه الاستحداد، يعني أخذه بالموسى ونحوه.
"وحلق العانة" ما ينبت حول القبل من الشعر الخشن.
"والاختتان" وهو قطع القلفة التي في رأس ذكر الرجل، أو فرج الأنثى، يشبهونه بعرف الديك، والاختتان بالنسبة للرجال واجب؛ لأنه لا يتم الطهارة إلا به، لا تتم إلا به فهو واجب، وأما بالنسبة للنساء فهو لا شك أنه أفضل، ومكرمة وسنة عند عامة أهل العلم إلا أن الوجوب فيه خلاف.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- في ترك الشعر، فقال: ((لا يترك أكثر من أربعين يوماً)) مع أن الناس يتفاوتون، نمو الشعر عند زيد ليس كنموه عند عمرو مثلاً، فالمسألة مسألة حاجة، ولا يجوز أن يتجاوز بذلك الأربعين.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن الناس يتفاوتون، بعض الناس لو تركه عشرة أيام صار قبيح، وبعض الناس يتجاوز الأربعين، وهو ماثل.
طالب:. . . . . . . . .
والله الأصل أنه يأثم، إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، قال مالك: "يؤخذ من الشارب، ولا يجزه" بمعنى أنه لا يحلقه، مع أنه جاء في رواية عند النسائي وغيره أنه الحلق، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه نعم نعم لا يزيد على الأربعين مهما كان وضعه.
طالب:. . . . . . . . .
ذكرت أنا هذا أن الناس يتفاوتون، لكن الحد الأقصى للجميع الأربعين.
طالب:. . . . . . . . .
وإن لم تطل، الحد الأقصى للجميع الأربعين طالت أو لم تطل.
(169/11)
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: "كان إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- أول الناس ضيف الضيف" يعني قرى الضيف، وأدى ما يجب تجاه الضيف، والحكم في قرى الضيف وضيافة الضيف لا شك أنه يتفاوت، فأحياناً يجب، وجاء: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) والواجب في قرى الضيف إذا كان في بلد لا يجد فيه الطعام إلا في بيوت الناس، وإلا لو وجد في المطاعم وفي الفنادق وفي غيرها لا شك أن مثل هذا الوجوب لا يتجه، لكن إذا ضاقت به الأرض ولم يجد من يطعمه، فطرق باب أحد من المسلمين وجب عليه أن يضيفه.
"وأول الناس اختتن" اختتن -عليه السلام- وعمره ثمانون بالقدوم، وهل هو الآلة أو مكان؟ محل خلاف بين أهل العلم، وعلى كل حال هو أول من اختتن.
"وأول الناس قص الشارب" هذه الأوليات المذكورة لإبراهيم -عليه السلام-، أول الناس اختتن، وأول الناس قص، هل يتصور أن الناس قبل إبراهيم يتركون كل شيء على طبيعته بحيث يكونون كالأغنام؟ أو أن شعورهم لا تصل إلى هذا الحد بحيث تحتاج إلى قص؟ يعني هل الخليقة كلهم على وتيرة واحدة؟ بالنسبة للأعمار تغيرت، بالنسبة للطول والعرض أيضاً تغير، فهل نقول: إنه تبعاً لذلك تغيرت هذه العوارض مثل الشعور والأظفار، وما أشبه ذلك، بحيث يكون من قبل إبراهيم -عليه السلام- كل هؤلاء لم يحتاجوا إلى القص؟ أو نقول: هم بحاجة لكن ما قصوا ولا أمروا بذلك؟ لأنه تركت هذه الشعور على طبعها ووتيرتها يمكن يصيرون مثل الأغنام، تغطي أبدانهم، أو نقول: إنهم لم يحتاجوا قبل ذلك، كما قيل في الحيض: إن أول الحيض إنما هو في بني إسرائيل، عقوبة لبني إسرائيل، وإن كان القول الآخر أنه من بداية الخلق، وأن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم كما في الحديث الصحيح.
(169/12)
بعض الناس يقول: إن –وهذا يبرر لنفسه الأخذ من لحيته- يقول: إن اللحية لو تركت وصلت إلى الأرض، لكن لا بد من الأخذ منها، هل هذا الكلام صحيح؟ هذا ليس بصحيح، لكن نرى من عجائب الأمور أن اللحية تزيد بدليل أنك إذا صبغت مثلاً تجد الذي يصبغ يومين ثلاثة أربعة إلى أن تصير الجذوع بيض، من أين طلعت ها البيض ذي؟ هل نقول: إن الصبغ انحصر عنها، أو أن هذه زيادة في الشعر؟
طالب: زيادة.
نعم؟ هاه؟
طالب: شيء يزيد وشيء يتساقط.
إيه يتساقط شعرة بكاملها، لكن ما يتساقط من عرض الشعر كله، الذي يزيد الشعر كله، فهل معنى هذا أنه ينقص من الشعر بقدره؟ وهذا هو الأصل، كثير من الناس بعد أن يتجاوز سناً معينة تقف على مستوى واحد ما تزيد.
طالب: والشيب نفسه إذا صبغ يا شيخ تبقى الجذور نفس الشيء ترجع ثاني.
ويش لون؟
طالب: اللي تقف. . . . . . . . .
إيه هذا الإشكال، أمر محير، يعني أمر محير، يعني اللي يصبغ، اللي ما يصبغ ما يبين عنده، ما في إشكال عنده، لكن الذي يصبغ إذا صبر أسبوع واحد صارت الجذوع بمقدار مل واحد، أو اثنين مل بيض، من أين جاء هذه؟ هل نقول: إن الصبغ انحسر عنها، وهي باقية على طولها، أو نقول: إن الشعر زاد؟
طالب: شعر آخر يتساقط.
إيه، لكن الكلام ويش هو عليه؟ ويش اللي يتساقط؟ يتساقط من أطرافه بقدر ما زاد؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف تساقط الشعر ... ؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب اللي ما سقطت وهي زائدة ليش ما طالت زيادة؟
طالب:. . . . . . . . .
هو فيها مادة دهنية بلا شك.
طالب: لا قصدي غير المادة ...
لا، أقول: الجذوع أو الجذور فيها مادة دهنية، هذا ما فيه إشكال، هل هذه المادة الدهنية تقاوم هذا الشعر؟ أنت ترى هذا البياض يزيد شيئاً فشيئاً إلى أن يصل إلى الأطراف السواد، ما ترون هذا عند اللي يصبغون، لا سيما إذا تأخر شهر شهرين زاد البياض، إذا تأخر سنة صار في الأطراف فقط، أبو عبد الله عندنا شاهد على هذا، ويش تقول؟
طالب:. . . . . . . . .
أقول: ويش رأيك أنت في المسألة أنت؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش لون جذوع؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا الماء أكثر تحت يا شيخ، الماء أكثر.
(169/13)
طالب: التخليل شيء، والغسل شيء، يعني لو واحد يغسل وجهه باليوم سبع مرات ثمان مرات يتوضأ ثلاث مرات أو أربع مرات. . . . . . . . .
ها ويش عندك يا أبو عبد الله؟
طالب:. . . . . . . . .
الشعر هو هو، ما يطول؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، أنا أقول: إن الأمر فيه شيء محير يعني النظر إلى لحى هؤلاء الذين يصبغون، وأنه بعد أسبوع ملم واحد، أسبوعين اثنين، شهر أكثر، يمكن سانتي متر أو يزيد، وإذا زاد سنة مثلاً تجد الصبغ في الأطراف.
طالب:. . . . . . . . .
هذا الكلام على أن الظاهر من انحسار الشعر أنه يطول، انحسار الصبغ، هذا البادي للعيان، لكن وأين يذهب هذا الطول؟ أنا قلت لكم في البداية: إن واحد من أهل العلم يقرر أن الشعر بازدياد مستمر، ويبرر لنفسه الأخذ من لحيته، ويقول: إن اللحية لو تركت صارت إلى الأرض، نقول: هذا ليس بصحيح، شوف المشايخ عامة كلهم لحاهم هي مستواها واحد من ثلاثين وأربعين سنة، ومع ذلك ما زادت.
سم.
أحسن الله إليك.
باب النهي عن الأكل بالشمال:
حدثني عن مالك عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله السلمي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يأكل الرجل بشماله، أو يمشي في نعل واحدة، وأن يشتمل الصماء، وأن يحتبي في ثوب واحد كاشفاً عن فرجه.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله)).
نعم، يقول: "وأول الناس قص الشارب، وأول الناس رأى الشيب" يعني كان الناس لا يشيبون، يبلغ الإنسان ألف سنة ولحيته سوداء قبل إبراهيم -عليه السلام-، فاستنكر وتعجب، فقال: يا رب ما هذا؟ شيء يعني يرى لأول مرة، لا شك أنه مثار للعجب، قال: يا رب ما هذا؟ قال الله -تبارك وتعالى-: وقار يا إبراهيم، فقال: رب زدني وقاراً.
(169/14)
ولا شك أن الشيب يدل على الكبر في السن، والكبر في السن دليل أيضاً على الهيبة عند من دونه، وعند من خلقته وفطرته سوية، لا شك أنه يهاب مثل هذا الشيب، ويوقر صاحبه، ومع ذلكم جاء الأمر بتغييره، وأنه يلزم تغييره ويجنب السواد، كما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-: ((غيروا هذا الشيب، وجنبوه السواد)).
وبعضهم يترك اللحية بيضاء بدون تغيير، وهو من أهل العلم الذين يقتدى بهم، ويؤتسى بهم، حملاً لهذا الأمر على مجرد الاستحباب، وأن التغيير فيه كلفة، وفيه مؤونة، وفيه ما فيه، والله المستعان، لكن أقل أحواله الاستحباب المؤكد، والتغيير يكون بالحناء، أو بالحناء مع الكتم، ولا يجوز التغيير بالسواد البتة، نعم؟
طالب: ... له حكم المرفوع؟
إيه له حكم الرفع، إن لم يكن متلقى عن الإسرائيليات، فله حكم الرفع؛ لأنه ما يمكن أن يقول هذا من تلقاء نفسه.
طالب:. . . . . . . . .
للجميع هذا، للجميع، وليس المراد بالشيبة بياض الشعر، كبر السن مع العجز والضعف.
طالب:. . . . . . . . .
هو ما في شك أنه يحتاج إلى وقت، لكن أيضاً الامتثال يحتاج إلى وقت، هناك مواد تباع في الأسواق، ما أدري والله عن حقيقتها يقولون: خمس دقائق وأنت منتهي.
طالب:. . . . . . . . .
وما فيها ضرر؟ ما أدري والله.
طالب:. . . . . . . . .
هو ما في شك له كلفة، كثير من المشايخ لحاهم بيض كلهم من أجل هذه الكلفة.
طالب:. . . . . . . . .
ما هو مسوٍ شيء أبد.
طالب:. . . . . . . . .
لكن ما له وقت ينام فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، في وقت للنوم، والآن يصمم له شمالة تكفيه، وأبو عبد الله أخبرهم بالتجربة، ترى ما يعرض على أنه .. ،
طالب:. . . . . . . . .
أخي أنت إن كان عندك تجربة تخف المئونة أخبر الناس، ترى كثير من الناس يزل من المئونة.
طالب:. . . . . . . . .
كيف تصنع؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو السواد اللون، اللون يختلف.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هو يحط الكتم تسعين بالمائة، والحناء عشرة بالمائة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا يجي، يجي كلما زاد.
طالب:. . . . . . . . .
سواد، سواد بلا شك، وهذا ما أتحدث عنها أنا.
طالب:. . . . . . . . .
(169/15)
هذه السنة ليست موجودة، لكن هل الداعي لها موجود أو غير موجود؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه السنن ليست موجودة.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، لكن ما الداعي؟ الداعي إليها موجود وإلا لا؟ الأظفار تزيد؟ الشعور تزيد في وقتهم قبل إبراهيم وإلا ما تزيد؟
طالب:. . . . . . . . .
الخلقة، الخلقة.
طالب:. . . . . . . . .
لكن في الطبعة المخرجة، طبعة سليم الهلالي.
طالب:. . . . . . . . .
معكم النسخ المحققة المخرجة؟
طالب:. . . . . . . . .
الحديث هذا "أول من ضيف الضيف" ويش الطبعة اللي معك؟
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . ما لنا بهم كلام.
طالب:. . . . . . . . .
تخريج، إيه؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش عندك؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني حتى لو قلنا: إنه مما لا يقال بالرأي، يبقى أنه مرسل، يعني إذا قلنا: إن حذف النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يؤثر يبقى الإرسال.
قال -رحمه الله-:
باب النهي عن الأكل بالشمال:
ثبت النهي عن الأكل بالشمال، والأمر بالأكل باليمين، والدعاء على من أكل بشماله، متذرعاً بكونه لا يستطيع، والذي يمنعه من ذلك الكبر، ومع الأسف أن كثير من المسلمين إنما يأكلون ويشربون بشمائلهم، ولا يأكلون باليمين، اقتداءً بالأمم الأخرى، حتى قالوا: إنه من أدب وضع الطعام -عندهم في بلادهم بلاد الكفر- أن توضع الآلات كلها عن جهة الشمال، الملعقة والسكين والشوكة كلها على جهة الشمال، ويكثر السؤال عند من يريد الالتحاق بالمطاعم، وأن من شرطهم هذا، عرف تعارفوا عليه، وأنه لا بد أن يضع هذه الأمور على جهة الشمال، يعني سئل مراراً عن هذا الأمر، ولديهم دورات تدريبية وتعليمية للسفرجية أنهم يضعون هذه الآلات كلها على جهة الشمال، ولو وضعها لجهة اليمين صار مخالف، ويمكن أن يطرد من المطعم، دليل على الغربة، وأن المسلمين لا يستطيعون أن يستقلوا ولا بمثل هذه الأمور -نسأل الله السلامة والعافية-، ونجد في بيوت الأخيار من يأكل بالشمال، ويشرب بالشمال، نسأل الله العافية.
(169/16)
"وحدثني عن مالك عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله السلمي" أولاً: مالك عن أبي الزبير، أبو الزبير معروف بالتدليس عن جابر لا بد أن يصرح عند أهل العلم، لكن الحديث مخرج في صحيح مسلم فلا كلام، لا كلام ما دام في الصحيح، فعنعنات المدلسين محمولة على الاتصال عند أهل العلم.
"عن جابر بن عبد الله السلمي" نسبة إلى بني سلمة بكسر اللام، والنسبة إلى مكسور الثاني يفتح فيه الثاني، سلِمة سلَمي، نمرة نمري، وعمر بن عبد البر النمري، إذا كان مكسور الثاني يفتح في النسبة، كما تقول بالنسبة إلى الملك: ملَكي ما تقول: ملِكي، هذه هي الجادة، وهذه القاعدة؛ لأننا نسمع أحياناً من يقول: ملِكي، صاحب السمو الملِكي، ليس بصحيح، إنما هو الملَكي؛ لأنه مكسور الثاني يفتح في النسبة، مثل سلَمي نسبة إلى بني سلمة، نمري نسبة إلى نمر.
"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يأكل الرجل بشماله" وهذا النهي لا شك أن الأصل فيه التحريم، وإن قالوا: إن موضوعه الأدب، فلا يرقى إلى التحريم، وإنما هو مجرد الكراهة.
على كل حال مع ما ورد من الأمر بالأكل باليمين، والدعاء على من أكل بشماله، هذا يرقى بهذا كله إلى تحريم الأكل والشرب بالشمال.
"أو يمشي في نعل واحدة" وقد تقدم الكلام في النعل الواحدة، وأنها صفة الشيطان.
"وأن يشتمل الصماء" بأن يدخل يديه في الكساء، ويلفه عليه بحيث لا يستطيع أن يخرج يده لدفع ما يضره.
"وأن يحتبي في ثوب واحد كاشفاً عن فرجه" إذا احتبى في الثوب الواحد لزم من ذلك أن ينكشف فرجه، ولذا جاء النهي عن الاحتباء مطلقاً، وهو محمول على هذه الصورة، إذا كان عليه ثوب واحد، يعرض عورته للانكشاف لا يجوز، والاحتباء أن يرفع ساقيه مع فخذيه، ويضمهما إلى بطنه، وسواءً ربط ذلك بحبل أو فعل ذلك بيديه كل هذا احتباء، وهو مظنة للانكشاف، وقد جاء النهي عنه.
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان عليه أكثر من ثوب بحيث لا يعرض عورته للانكشاف ما في إشكال، ينتفي، نعم.
وكذلك الاستلقاء ورفع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقياً، جاء النهي عنه، وجاء الإذن فيه، كل هذا تبعاً لانكشاف العورة وسترها، فإذا أمن انكشاف العورة فلا بأس، وإذا خيف انكشاف العورة فلا.
(169/17)
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب: الاحتباء.
لا، لا هو الأصل النهي، فإذا أمن الإباحة.
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟ ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
جلسته؟
طالب:. . . . . . . . .
يأكل مستوفزاً، نعم.
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله)) " وهذا فيه النهي عن الأكل والشرب بالشمال، فأقل أحواله الكراهة الشديدة وإذا اقترن بذلك التشبه بالأعداء، وصل إلى درجة التحريم، والأصل في النهي هو التحريم، لكن عند من يعدل مثل هذا، ويصرف النهي في مثل هذه الأبواب من التحريم إلى الكراهة، وهو قول كثير من أهل العلم، لكن الدين كله باب واحد، ومتساوي الأقدام، فأبوابه النهي فيها واحد، والأمر فيها واحد، الأصل في النهي التحريم، وفي الأمر الوجوب، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في المساكين:
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان)) قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن الناس له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس)).
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن ابن بجيد الأنصاري ثم الحارثي عن جدته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ردوا المسكين ولو بظلف محرق)).
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في المسكين:
والكتاب صفة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فما الرابط بين هذا الباب وصفة النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ اللهم إلا إذا استحضرنا ((اللهم أحيني مسكيناً)) نجد الرابط من بُعد، إذا قلنا: ((اللهم أحيني مسكيناً)) إلى أن قال: ((واحشرني في زمرة المساكين)) نجد رابط من بُعد، لكن هل المسكين المذكور في الحديثين هو ما يطلبه النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو غيره؟
(169/18)
يقول: "حدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس المسكين بهذا الطواف)) " المسكين إذا أفرد عند أهل العلم يدخل فيه الفقير، لكن إذا ذكر الفقير والمسكين فحال المسكين أفضل من حال الفقير {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ} [(60) سورة التوبة] فالمسكين غير الفقير، لكن في مثل {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [(16) سورة البلد] هذا أشد الفقر هذا.
وهنا يقول: ((ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس)) يطرق أبواب الناس، ويتعرض لهم، فيسألهم ((فترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان)) قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يجد غنى يغنيه)) لا يجد ما يغنيه عن الناس ((ولا يفطن الناس له فيتصدق عليه)) ومع ذلك لا يتعرض للناس، لا يسأل، وهذا لا شك أنه أحوج من الذي يتعرض للناس، أحوج؛ لأنه قد يموت وهو في بيته، لكن هل هذه الصفة محمودة أو مذمومة؟ كونه لا يجد غنىً يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس؟ لا يسأل الناس مطلقاً لا إلحافاً ولا غير إلحاف هذا، هو متعفف، لكن إذا وصل به الحال إلى حد الهلاك يمدح وإلا يذم؟ يذم بلا شك، لكنه في غالب أحواله هذه حاله، فإن خشي على نفسه لزمه السؤال، الذي لا يجد غنىً يغنيه عن الناس، وعن سؤالهم، وعن الاحتياج إليهم، ولا يفطن الناس له فيتصدق عليه، هذا محتاج حاجة شديدة، ومع ذلك لا يتعرض لمسألة الناس، والناس أيضاً في غفلة عنه؛ لأنه يخرج في زي لا يظهر عليه أثر الحاجة والفاقة، وهذا من كمال تعففه عما في أيدي الناس، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، الكماليات لا، الكماليات لا، ولا الحاجيات، إنما ما يؤخذ له الزكاة، الحوائج الأصلية.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، البيت حاجة أصلية، الآن يعتبرون التكييف والتبريد ووسائل النقل كلها حوائج أصلية لا يمكن أن يعيش بدونها، لكن هذا يختلف باختلاف البيئات والأعراف، على كل حال هذه أمور نسبية، والبلدان تتفاوت في مثل هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، قبل ذلك النهي عن الأكل بالشمال، نعم؟
(169/19)
طالب: ما يكون يا شيخ لأنه من صفته أنه يأكل مع المساكين، وأنه {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [(52) سورة الأنعام] {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [(28) سورة الكهف]؟
يأكل مع المساكين، ويصلي مع المصلين، وأدخلنا الدين كله في هذا، لو نبي نتوسع، لو توسعنا أدخلنا الدين كله في هذا، في صفته -عليه الصلاة والسلام-، ويضحي مع اللي يضحون، ويحج مع ....
طالب: لا أنا أقصد في صفته أنه من تواضعه يأكل مع المساكين ...
-عليه الصلاة والسلام-.
لا، هو نريد صفة تربط بينه وبين المساكين أقرب ما يكون السؤال ((اللهم أحيني مسكيناً)) فإن كان المسكنة التي ذكرت في هذا الحديث هي التي سألها النبي -عليه الصلاة والسلام- تمت المطابقة، وإن لم تكن هي فبمجرد الاسم، الموافقة في الاسم.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه معروف، إيه يعني ....
طالب:. . . . . . . . .
وجود الرابط في كل باب، والمناسبة بين الحديث وبين الباب، وبين الباب والكتاب فيه تكلف، لا سيما وأن الكتاب من أوائل المصنفات، تعرفون أن أوائل المصنفات، أول ما يؤلف الشيء فيه شيء من عدم الكمال، ثم يكمله من بعده.
قال: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن ابن بجيد الأنصاري -ثم الحارثي- عن جدته" جدته صحابية وإلا لا؟
طالب: إيه يمكن تكون صحابية الطبقة ...
هاه؟
طالب: الطبقة هي أقول الطبقة إيه ممكن، زيد بن أسلم تابعي، وابن بجيد.
الإمكان ممكن، لكن حقيقتها صحابية وإلا ما هي صحابية؟ ويش قال عندكم؟
طالب:. . . . . . . . .
انتهى الإشكال، من المبايعات انتهى.
"عن جدته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ردوا المسكين ولو بظلف محرّق)) " أو محرَق، يعني إذا جاء السائل وبيدك ما تعطيه ...
طالب:. . . . . . . . .
إيه خلاص من المبايعات ما فيها إشكال.
طالب: حديثها في البخاري يا شيخ.
هذا؟
طالب: لا، لها حديث ثاني في البخاري.
هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا في النسائي.
(169/20)
طالب: إيه لا أنا أقول: لها حديث يقول: حدثنا مالك حدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عمرو بن سعد بن معاذ عن جدته أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يا نساء المؤمنات لا تحقرن إحداكن)) أخرجه البخاري ومسلم عن عمرو بن سعد بن معاذ عن جدته، هي اللي. . . . . . . . .
واضح، ما دام من المبايعات ما في إشكال.
(169/21)
"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ردوا المسكين)) " يعني إذا جاء يسأل ((ردوا المسكين)) وفي الحديث السابق ((ليس المسكين بهذا الطواف)) قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يجد، ولا يقوم فيسأل الناس)) وهنا في الحديث: ((ردوا المسكين ولو بظلف محرق)) أو محرَّق، فهذا يسأل الناس، وهو مسكين، والمسكنة نفيت عن السابق "ليس المسكين بالذي يتعرض الناس، ويقوم ويسألهم، إنما المسكين الذي لا يقوم فيسأل الناس" فالمسكنة المنفية هي المسكنة الحقيقية الخاصة، وإن كان الجميع يجتمعون في المسكنة، كلهم مساكين؛ لأنهم لا يجدون ما يكفيهم؛ إنما المسكين الذي هو أولى بهذا الوصف، وأدخل فيه، وأولى الناس بأن يتصدق عليه، هو الذي لا يتعرض للناس، لكن الذي يتعرض للناس ويسألهم هذا يرد ولو بالقليل، ((ولو بظلف محرق)) هذه مبالغة في قلة ما يدفع به هذا السؤال، والمسكين الذي يسأل لا سيما في المجامع العامة كالمساجد بعض الناس، بعض المساكين، وبعض الفقراء يطيل السؤال، ويشغل الناس، ويلهيهم عن أذكارهم، ويسيء إليهم، وقد لا تكون الحاجة داعية إلى مثل هذا، وبعض المساكين أقل من هذا بكثير، ومع ذلك تجد إمام المسجد يتصدى له، ويمنع من الصدقة عليه، وأنه إذا منع أن يسأل الضالة وهي من حقه وكانت له فلئن يمنع من يسأل غير حقه من باب أولى، فالمسألة تحتاج إلى توسط وتوازن، لا يترك المجال بحيث تكون المساجد مسرحاً للسؤال، الذين يسألون الناس، وتقطع أذكار الناس بهذا، ويشوش عليهم، بعضهم يؤذي المصلي، بعضهم يكون فيه شيء من نقص العقل، قد يتعرض لأذى من لا يعطيه، وهذا وجد، ومع ذلك التوسط في الأمور كلها {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [(10) سورة الضحى] لا نقول: يمنع بالكلية ولا ينهر، إنما يشار عليه أن يجلس في مكان يعرف أنه محتاج فيتصدق عليه، والتثبت عند الشك أيضاً مطلوب، بعض الناس يظهر عليه علامات الصدق، وبعض الناس يظهر عليه علامات عدم الصدق، وبعض الناس يشك في أمره، فمثل هذا لا بد من التثبت فيه.
طالب:. . . . . . . . .
(169/22)
إيه جاء في الخبر ((للسائل جائزته ولو جاء على فرس)) وجاء: ((لو صدق السائل ما أفلح من رده)) لكن مع ذلك الإنسان قد يكون في بعض الأحوال ما معه شيء فهو معذور، لكن مثل هذه الأمور التي إذا جزمت وغلب على ظنك أنه بالفعل محتاج أعطه ما يكفيه، إذا شككت في أمره فأعطه شيء يسير بحيث توفق بين النصوص كلها.
طالب:. . . . . . . . .
شوف يا أخي إذا غلب على ظنك أن هذا ليس من هذا النوع، وأنه صادق في دعواه، هذا لا يرد، لكن إذا كان كاذباً في دعواه، فمثل هذا ينبغي أن يبلغ عنه، هنا من يسأل، وهذه مشكلة قائمة، وتحتاج إلى حل جذري، يأتي بغير إقامة وبغير دخول رسمي، وإقامة رسمية، ثم لا يمكن من العمل الذي يليق به، ما يمكن من عمل أصلاً، وهو قوي مكتسب لو ترك له المجال، فهل يعطى أو لا يعطى؟ لا شك أن مثل هذا الأمر ينتابه أمور، إن أعطيته أعنته على هذه الإقامة غير الرسمية، وعرضته للمضايقات والأذى، وما أشبه ذلك، وهذه أمور لا شك أنها تحكمها المصلحة، وإن تركته عرضته لأمر أعظم وأشد، عرضته للنهبة للسرقة، لا بد أن يعيش مثل هذا، فهل نقول: إن من المصلحة التعاون مع الجهات لطرد مثل هؤلاء إلى بلدانهم، وقد يكونوا في بلدانهم مضايقين، ولا يجدون ما يأكلون مثلاً؟ أو نقول: مثل هؤلاء يتصدق عليهم باليسر الذي لا يضر، والحمد لله البلد خيراته تسع أكثر من هذا؟ ونعرف أن ولاة الأمر في مثل هذه الأمور يعني الأنظمة واضحة وصريحة ويتابعون، ومع ذلك ينبغي مثل المفسد الذي لا خير في بقائه للبلد، مثل هذا لا شك أن الإخبار عنه قربة كفاً لإفساده، لكن وجد مثلاً طالب علم، وإلا جاء لطلب علم أو شبهه، وفي بلده لا يجد من يتعلم على يده، ولا سبب يأكل منه، مثل هذا يسعى في تصحيح وضعه؛ لئلا يبقى معرض للإهانة، أو معرض لـ ... ، أو يتذرع ببقاء غيره ممن يرى فيه الإفساد، فمثل هذا يشفع له من أجل تصحيح وضعه، ثم بعد ذلك إذا كانت إقامته نظامية يمكن من عمل مناسب، ويمكن أيضاً من طريقة كسب مناسبة، وطلب العلم وغيره كله يأتي تبعاً لهذا.
طالب:. . . . . . . . .
والله يخشى التأثم، نعم {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [(10) سورة الضحى] ...
(169/23)
شرح: الموطأ – كتاب الجامع (2)
باب ما جاء في معى الكافر - باب النهي عن الشراب في آنية الفضة والنفخ في الشراب - باب ما جاء في شرب الرجل وهو قائم - باب السنة في الشرب ومناولته عن اليمين - باب جامع ما جاء في الطعام والشراب.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام مالك -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في معى الكافر:
حدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يأكل المسلم في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء)).
وحدثني عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضافه ضيف كافر، فأمر له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشاة، فحلبت فشرب حلابها، ثم أخرى فشربه، ثم أخرى فشربه، حتى شرب حلاب سبع شياه، ثم إنه أصبح فأسلم، فأمر له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشاة فحلبت، فشرب حلابها، ثم أمر له بأخرى فلم يستتمها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المؤمن يشرب في معى واحد، والكافر يشرب في سبعة أمعاء)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في معى الكافر:
(170/1)
والمعى: واحد الأمعاء، والأمعاء كما هو معروف هي المصارين، واحدها مصير، وهي معروفة لا تحتاج إلى تعريف، ومنها على ما يقسمه الأطباء الدقيقة والغليظة، المقصود أن ما جاء في معى الكافر وسعته، أو في سعته وضيقه بالنسبة للمسلم، والكافر في الغالب أنه شره في أمور دنياه، يستكثر منها من غير رقابة، ولا اهتمام لشأن الآخرة، فيستكثر من هذه الدنيا؛ لأنه ليس له في الآخرة من خلاق، بينما المؤمن يدخر نعيمه ولذته في الآخرة، كما جاء في الحديث الصحيح: ((الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر)) فالكافر يستكثر منها بقدر إمكانه، ولذا نجد من يلهث على هذه الدنيا، ويحرص على جمعها وكنزها، ولا ينفقها في سبيل الله، فيه شبه من هؤلاء، بينما الذي يعرف، ما جاء عن الله وعن رسوله في حقيقة هذه الدنيا، وأنها لا تعدل عند الله جناح بعوضة، يأخذ منها بقدر البلغة، ما يبلغه، ويعنيه على تحقيق الهدف الذي من أجله خلق، وذلكم أن الكافر حينما يأكل بنهم، ويشرب بنهم، لا يدرك ما وراءه، ولا يعمل لما أمامه بخلاف المسلم فإنه يأكل مقتصداً في أكله، ويشرب مقتصداً في شربه؛ لأن كثرة الأكل، وكثرة الشرب لها آثارها على أمور دينه، وعلى أمور دنياه، فإن من أكل كثيراً نام كثيراً، ومن نام كثيراً غفل كثيراً عما خلق له، وهذا –أعني فضول الطعام- كفضول النوم، كفضول الكلام، فضول الخلطة، فضول، جميع الفضول تجد المؤمن الحريص على أمر دينه، تجده يتقلل منها بقدر الإمكان.
وهذه الفضول هي منافذ الشيطان إلى القلب، فمن حفظها وراقبها لا شك أنه يسلم من كثير من خطرات الشيطان ووساوسه، فيتجه إلى آخرته، وما خلق من أجله.
قال -رحمه الله-:
(170/2)
"حدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يأكل المسلم في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء)) " لأنه قد يقول قائل مثلاً: إذا جئنا بأمعاء مسلم، وأمعاء كافر ما نجدها في الحجم متفاوتة، نجدها متساوية، إلا أن الأمعاء مع كثرة الأكل، ومع كثرة الشرب تتمدد وتكبر وتنتفخ، ويتبع ذلك البطن يكبر، لكثرة ما في جوفه ووسطه، وإلا فالأصل أن الخلقة هنا، والخلقة هناك ما تختلف، وعلى كل حال سبب ذلك كله الشره والتعلق بهذه الدنيا، وأما المسلم فإنه يلتفت لما أمامه، ويتقلل منها بقدر الإمكان، ومع ذلك إذا تقلل منها، وفطم نفسه عن الزيادة على القدر الكافي فإنه يجد نفسه تعاف ما زاد على ذلك؛ لأنه مرن نفسه على ذلك، ولذا جاء قوله: ((يأكل المسلم في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء)) وتوضيحه في مسلم، هذا الحديث متفق عليه في الصحيحين.
توضيحه في الحديث الذي يليه:
"حدثني عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضافه ضيف" يعني نزل به ضيف كافر، الضيافة مطلوبة لكل أحد، لا سيما الغريب، الذي ليس له من يؤويه، ولو كان كافراً، لا سيما إذا كان هذا من باب التأليف، إذا اقترن ذلك بتأليفه وتيسير دعوته إلى الإسلام، فإنه يؤجر على هذه الضيافة، وإلا فالأصل أن الكافر لا يخلو إما أن يكون حربياً فهذا ليس له حق في ضيافة ولا غيرها، بل هو بصدد أن يقتل، وإن كان معاهداً فله من الحقوق ما كفلها له الشرع.
"ضافه ضيف كافر فأمر له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشاة" كل كبد رطب فيها أجر، والمرأة البغي دخلت الجنة بسبب كلب سقته.
"فأمر له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشاة فحلبت فشرب حلابها" الحليب، الحليب الذي حلب من هذه الشاه شربه "ثم أخرى فشربه، ثم أخرى فشربه حتى شرب حلاب سبع شياه" يعني ناتج سبع شياه، حليب سبع شياه، ولا شك أن مثل هذه الشياه تتفاوت، فمنها ما حلابها كثير، ومنها ما حلابها قليل، لكن العبرة بالمتوسط.
(170/3)
"ثم إنه أصبح فأسلم" ولا شك أن التعامل مع هؤلاء يجدي، فإذا رجي إسلامه يكرم "ثم إنه أصبح فأسلم فأمر له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشاة فحلبت، فشرب حلابها، ثم أمر له بأخرى فلم يستتمها" وهذا من بركة هذا الدين؛ لأن شربه حلاب سبع شياه لا شك أنه سببه ما تقدم من أنه لا خلاق له في الآخرة، فهو يحرص على أن يستكثر من هذه الدنيا، التي هي في الحقيقة جنته، وهي رأس ماله، ومع ذلكم يستمر النهم فيه حتى يسع بطنه وأمعاءه هذه الأمور، والمسلم بصدد الانتباه إلى ما خلق من أجله، فتجده يعان على ذلك ويقتصد في أمره، ويعان على هذا الاقتصاد، ويبارك له فيما يقتصر عليه، ثم أمر له بأخرى فلم يستتمها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المؤمن يشرب في معى واحد، والكافر يشرب في سبعة أمعاء)).
نجد في الواقع أن من المسلمين من يأكل أضعاف أضعاف ما يأكله غيره، ووجد الآن في المطاعم عروض، من أكل عدد كذا من الصحون، أو عدد كذا من السندوتشات، أو عدد كذا، يعرضون إلى عشرين ثلاثين، هل هذا ينطبق على خلق المسلم المشار إليه في هذا الحديث؟ لا والله ما ينطبق على خلق المسلم، ولا ينبغي أن يكون المسلم على هذه الحالة إطلاقاً، بل هذا معرض نفسه للضرر، وهو آثم بفعله هذا، وعلى غير طريقة المسلمين، لكن الحديث كأن فيه التوجيه إلى الاقتصاد في الأكل والشرب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
معىً.
طالب:. . . . . . . . .
لا، معىً واحد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
{فَبِأَيِّ آلَاء} [(55) سورة النجم]؟ الآلاء على وزن أفعال، واحدها إلىً مثل معىً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف يمنع من الصرف؟ لإيش؟
طالب:. . . . . . . . .
مثل فتىً، نعم مثل فتىً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، المسألة يعني سبعة أضعاف.
طالب: يعني يأكل كما يأكل سبعة من المسلمين؟
نعم إيه، ولذلك انظر حاله لما أسلم تغير، نعم.
أحسن الله إليك.
باب النهي عن الشراب في آنية الفضة والنفخ في الشراب:
(170/4)
حدثني عن مالك عن نافع عن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- عن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)).
وحدثني عن مالك عن أيوب بن حبيب مولى سعد بن أبي وقاص عن أبي المثنى الجهني أنه قال: كنت عند مروان بن الحكم فدخل عليه أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- فقال له مروان بن الحكم: أسمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن النفخ في الشراب؟ فقال له أبو سعيد -رضي الله عنه-: نعم، فقال له رجل: يا رسول الله إني لا أروى من نفس واحد، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فأبن القدح عن فاك ثم تنفس)) قال: فإني أرى القذاة فيه، قال: ((فأهرقها)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب النهي عن الشراب في آنية الفضة والنفخ في الشراب:
قال: "حدثني عن مالك عن نافع عن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)) " وجاء أيضاً: ((الذي يشرب في آنية الذهب والفضة)) في حديث حذيفة التنصيص على الذهب والفضة، وأنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة، فالأكل والشرب في آنية الذهب والفضة حرام لا يجوز لا للرجال ولا للنساء، والذي يشرب فيهما إنما يجرجر في بطنه نار جهنم، إنما يجرجر أي: يحدر في بطنه نارَ جهنم، أو يجرجر في بطنه نارُ جهنم، يعني نار جهنم تتجرجر في بطنه، وضبطت بالضبطين، إما مفعول أو فاعل، وعلى كل حال التحريم ثابت، والحكم بالنسبة للأكل والشرب أمر يكاد يكون متفقاً عليه بين أهل العلم، ودليله صحيح صريح، والخلاف في الاستعمال في غير الأكل والشرب مجرد الاتخاذ، أو مجرد الاستعمال في غير الأكل والشرب.
فالجمهور على أنه يحرم اتخاذ الذهب والفضة واستعمالهما في الأكل والشرب وغيرهما، وإن كان الترخيص في الفضة جاء فيه التوسعة أكثر من الذهب.
(170/5)
على كل حال استعمال الذهب والفضة بالنسبة للرجال حرام على ذكور أمتي كالحرير، حل لإناثها بالنسبة للحلية، وأما ما عدا ذلك فيستوي فيه الرجال والنساء.
وكونها لهم في الدنيا يعني الكفار لا يعني أنها حلال لهم، وإنما هم الذين يتمتعون بها من غير تردد، فالكافر لا يتردد في استعمال ما حرم الله -جل وعلا-، والمسلم هو الذي يتوقف عند أمر الله، وعند نهيه، وعند أمر رسوله -عليه الصلاة والسلام- ونهيه، ولا يعني هذا أنها حلالاً لهم؛ لأنهم مخاطبون بفروع الشريعة، وعند جماهير أهل العلم الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وهذا منها، وقوله: فإنها لهم، لا يعني أنها حلال لهم، بل يعاقبون عليها في الآخرة، في قول الجمهور خلافاً للحنفية الذين يرون أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، وحجتهم أنهم لا يطالبون بها حال كفرهم، ولا يطالبون بقضائها إذا أسلموا، فما معنى التكليف؟ الجمهور يرون أن التكليف إنما هو من أجل زيادة عذابهم عليها في الآخرة، هذه فائدة الخلاف.
((فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة)) الاتخاذ والاستعمال أعم من أن يكون في الأكل والشرب، والجمهور طردوا ما جاء في هذا الحديث في جميع أنواع الاستعمال، في غير الأكل والشرب؛ لأنه إذا منع من الأكل والشرب والحاجة داعية إلى ذلك فالمنع من غيره من باب أولى، يعني مجرد اتخاذه زينة ليست له فائدة، ولا تدعو الحاجة إلى ذلك، أو استعماله في أمور أخرى، كساعة ذهب، أو قلم ذهب، أو ما أشبه ذلك كل هذا لا يجوز بحال.
طالب:. . . . . . . . .
ولا مجرد الاتخاذ؛ لأن هذا كنز، هذا سرف وخيلاء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، ثم ماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني كنز أو زينة؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا كنز، هذا إذا أديت زكاته فليس بكنز.
طالب:. . . . . . . . .
هذا رصيد هذا، هذا في حكم الرصيد، فإذا أديت زكاته فليس بكنز.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يجوز.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
(170/6)
لكن هذه الساعة هل حكمها حكم الحلية وإلا لا؟ يعني مما يتحلى به؟ فنقول: مما يجوز لبسه للنساء؟ وننظر في حديث عمر -رضي الله تعالى عنه- لما جاءت الحلل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، الحلة السيراء التي تقدمت، فأعطى منها عمر، فقال: كيف تعطيني منها، وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟ مثله، فإذا كانت مما يستفاد منه على غير هذه الحالة أو يباع فيستفاد من ثمنه على غير الوجه المحرم لا مانع، إذا أهديت تبيعها، لا سيما إذا كان يستفاد منها على غير الوجه المحرم، عمر -رضي الله تعالى عنه- لما أعطي هذه الحلة كساها أخاً له مشركاً بمكة هذا تقدم، ولا يعني هذا أنها تباح لهذا الأخ المشرك، لكن يبيعها، ويستفيد من ثمنها، ويكسوها امرأته، أو يكسوها ابنته، مما يجوز له أن يتخذها.
طالب: إن كانت لا تصلح للنساء؟
إن كانت لا تصلح إلا على هذه الحالة، يعني نفترض إنه شماغ حرير هذا لا يصلح للنساء، ولا يجوز لبسه للرجال، ماذا يصنع به؟ يعني مثلما قالوا في مسائل في .. ، حرم الله الأصنام مثلاً، لا يجوز بيعها، لكن إذا كسرت واستفيد منها، لو افترضنا أنه صنم ذهب فكسر وبيع على أساس أنه ذهب خام، أو ما أشبه ذلك، غير مصوغ أو صيغ فبيع مصوغاً ما في إشكال، إذا كان يستعمل على وجه مباح ما في إشكال، أما إذا كان استعماله على وجه واحد وهو محرم فلا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا كلام أهل العلم معروف يعني، منهم من يقول: إن النص خاص بالذهب والفضة، فلا يتعداه إلى غيره، ويقولون: إن الفقراء الذين تتعلق نفوسهم بهذه الأموال لا يعرفون غير الذهب والفضة، فلا يتأثرون بغيرهما، ومنهم من يقول: إذا منع الذهب والفضة فمنع ما فوقهما من باب أولى؛ لأن هناك من المعادن ما هو أغلى من الذهب والفضة، فيكون من باب قياس الأولى، وعلى كل حال الإسراف والتبذير ممنوع من أصله، من أي مادة كان.
طالب:. . . . . . . . .
الذهب الأبيض، الصاغة يقولون: إن حقيقته ذهب، اللون يمكن أن يغير من أصفر إلى أبيض والعكس، فهو مثله.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال إذا كان يتحلل منه ذهب فلا يجوز استعماله البتة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
من؟
طالب: أم سلمة.
(170/7)
أم سلمة الذي وضعت فيه الشعر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ذكرت أصل المسألة والخلاف فيها، من يقول -وهم جمهور أهل العلم-: إنه لا يجوز الاتخاذ، ولا يجوز سائر الاستعمالات مجرد الاتخاذ لا يجوز، لماذا؟ لأنك تبقي شيء يحجز مالاً، وقد منعت من استعماله، فمنعك من استعماله فيما قد تدعو إليه الحاجة دليل على منعك من مجرد الاتخاذ أو الاستعمال فيما لا تدعو إليه الحاجة، هذا كلام الجمهور، من أهل العلم من يرى أن النهي خاص بالأكل والشرب، وما عدا ذلك ما فيه إشكال، ولا شك أن الاتخاذ من هذه المعادن الثمينة الغالية لا شك أنه فيه ما فيه، فيه سرف، فيه خيلاء، وفيه أنه حلية أهل الجنة، وفيه التضييق على النقدين، العلل كلها موجودة التي يذكرها أهل العلم، ولا شك أن المتحري الحريص على دينه وإبراء ذمته لا يفعل مثل هذه الأمور.
يقول: "وحدثني عن مالك عن أيوب بن حبيب مولى سعد بن أبي وقاص عن أبي المثنى الجهني أنه قال: كنت عند مروان بن الحكم فدخل عليه أبو سعيد الخدري فقال له مروان بن الحكم: أسمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن النفخ في الشراب؟ " يعني من آداب الشرب "نهى عن النفخ في الشراب، فقال له أبو سعيد: نعم" نهى عن النفخ في الشراب، لماذا؟ لأنه قد يخرج منه شيء يقذره عليه وعلى من بعده ممن يريد الشرب بعده.
"قال: نعم، فقال له رجل: يا رسول الله إني لا أروى من نفس واحد" يقول: أحتاج إلى أن أتنفس "فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فأبن القدح عن فيك ثم تنفس)) " أبعده عنك يميناً وإلا شمالاً ثم تنفس، "قال: فإني أرى القذاة فيه، قال: ((فأهرقها)) " يجد القطعة من الشيء الذي سقطت في هذا الشراب هذه تهراق، ولا يلزم شربها، تهراق وما حولها، عندنا تنفس وعندنا نفخ، طعام حار يحتاج إلى تبريد، ولا يبرد إلا إذا نفخ فهل نقول: إن التنفس شيء، والنفخ شيء آخر؟ أو نقول: إن النفخ من التنفس باعتبار أن كلاً منهما يخرج من الفم؟
طالب:. . . . . . . . .
واحد، واحد يعني النفخ من المعدة يخرج أو من الفم؟
طالب:. . . . . . . . .
(170/8)
لا، انتبه، التنفس لا شك أنه يخرج من المعدة، ولذلك رائحته كريهة، أما مجرد النفخ الذي من الفم فما دون فيختلف اختلافاً كبيراً، لو تأملت ونظرت بدقة لوجدت الفرق أن النفخ يختلف عن التنفس، ففرق بين الإنسان يتنفس في وجه آخر، أو ينفخ عليه، افترض أن في يدك حرق ومر وقال: أف، نفخ عليه، وبرد وإلا شيء من هذا، هذا ما تحس فيه بأدنى رائحة؛ لأنه لا يخرج من الجوف من المعدة، بينما لو أرسلت النفس على طبيعته من فمك أو أنفك لا شك أن الرائحة قبيحة، فتحتاج إلى دقة تأمل، لو جربت وجدت، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هذا رائحته كريهة، وقد يخرج معه شيء يقذر الطعام من المعدة، أو من جوف الأنف، أو من داخل الأنف قد يخرج شيء.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا النفخ لو تأملته ما وجدت فيه هذه الرائحة التي تخرج من المعدة، تأمل أنت، فعندي أن النفخ يختلف اختلافاً جذرياً عن التنفس، وقد يحتاج إلى النفخ لحرارة الطعام، بينما التنفس لا يحتاج إليه البتة؛ لأنه لا يبرد الطعام التنفس، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نهى عن النفخ الذي هو بمعنى التنفس، ولذلك قال: فإني لا أروى من نفس واحد، قال: ((فأبن القدح عن فيك ثم تنفس)) لكن أنت أنت، تأمل المعنى، أنت لو احتجت في إناء ماء حار وإلا .. ، تتوقف في نفخه حتى يبرد، وهل يتوقع أن يخرج من فمك شيء للنفخ؟ أما بالنسبة للتنفس هذا قبيح، وهذا لا شك أنه يقذر.
طالب:. . . . . . . . .
لا، يخرج رائحة قبيحة تؤثر في الماء، تؤثر في السائل.
طالب:. . . . . . . . .
والله إذا كان في باقي طعام وقذره أخذ العلة، أخذ الحكم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما يصير من باب أولى؛ لأن الرائحة تختلف، وجرب وترى، تجد العجب الفرق بينهما، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو ما يحمل معنى التنفس بدليل ((فأبن القدح عن فيك ثم تنفس)) ولذلك النفث على المريض هل يتقذر المريض من .. ؟ هل تخر الرائحة أثناء النفخ؟ ما تخرج، والرقية في الماء، هل نقول: هذا تنفس؟ ليس تنفس أبداً، النفخ والنفث يختلفان عن التنفس، وجرب وتجد.
(170/9)
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا مما يأخذه الفم من الهوى النفخ، إذا فتحت فمك دخل الهواء ثم أخرجته، ما يخرج من أقصى الحلق أبداً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذاً نمنع النفث على الناس والنفخ عليهم إطلاقاً؛ لأن هذا كله يدخل في هذا من النفس، لا من نفخه، لو نفخ ما طلع شيء، النفخ يخرج بإخراج الهواء الذي دخل من خارج الفم إليه ثم يخرج، بينما التنفس يخرج من داخل، ولذلك ما في أحد ينفخ من أنفه، إنما يتنفس من أنفه، وفرق بين الأمرين، ولو قلنا: بأن النفخ هو التنفس لمنعنا النفث على المريض، النفث على أي مادة من المواد، لقلنا: هذا تنفس في الإناء، ومن تأمل وجد الفرق، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الرائحة قبيحة من التنفس، وتؤثر في الماء، تنتقل إلى الماء تؤثر فيه.
طالب:. . . . . . . . .
لأجل تقذير الماء.
طالب:. . . . . . . . .
لا، النفخ ما يؤثر في الماء، النفخ ...
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه.
طالب:. . . . . . . . .
طيب، هم يقولون ... -اصبر، اسمع- هم يقولون .. ، الأطباء يقولون: مليم واحد من اللعاب فيه ما أدري كم مليون مكروب، صح يقولون هذا، وين جاء التعامل مع الزوجة، ومعاشرة الزوجة؟ ويش يصير هذا أجل؟ ويش يصير هذا؟ يعني نمنع التعامل العشرة بين الزوجين لأجل ها المكروبات أجل هذه، يعني ما وجد نصوص تدل على هذا في العشرة بين الزوجين؟
طالب:. . . . . . . . .
خلاص يا أخي انتهينا.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا الفرق واضح، واضح الفرق مثل الشمس.
سم.
طالب:. . . . . . . . .
يعني لا لقصد الزينة ولا الحلية.
طالب:. . . . . . . . .
ويخلعه مباشرة؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال مثل هذا لا يقصد به اللبس، نعم.
باب ما جاء في شرب الرجل وهو قائم:
حدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان -رضي الله عنهما- كانوا يشربون قياماً.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن عائشة أم المؤمنين وسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهما- كانا لا يريان بشرب الإنسان وهو قائم بأساً.
(170/10)
وحدثني مالك عن أبي جعفر القارئ أنه قال: "رأيت عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يشرب قائماً".
وحدثني عن مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه -رضي الله عنه- أنه كان يشرب قائماً.
يقول -رحمه الله-:
باب ما جاء في شرب الرجل وهو قائم:
ثبت النهي عن الشرب قائماً، وثبت أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من شرب قائماً فليقئ)) هذا ثابت ما فيه إشكال، ثم بعد ذلك ثبت عنه أنه شرب من ماء زمزم وهو قائم، وشرب من شن معلق وهو قائم، فالذي يقول: إن هذا نسخ للنهي السابق لا إشكال في هذا، والذي يقول: إنه شرب من ماء زمزم؛ لأن الأرض غير مناسبة للجلوس، فيطرد هذا فيما إذا كان المكان لا يناسب الجلوس، ويبقى النهي على حاله، ومن أهل العلم من يرى أن الشرب قائماً خاص بماء زمزم دون ما عداه من ... ، فتبقى على المنع، وعلى كل حال وجود مثل هذه الصوارف من شربه -عليه الصلاة والسلام- من الشن المعلق، أو من ماء زمزم، إما أن يقال: إنها نواسخ، رفع للحكم بالكلية، أو يقال: إنه رفع جزئي، بمعنى أنها صوارف من التحريم إلى الكراهة، وفعله -عليه الصلاة والسلام- ذلك لبيان الجواز، وهما مسلكان لأهل العلم، منهم من يقول: إن الشرب قائماً مكروه، الأصل فيه التحريم، لكنه صرف بمثل هذه النصوص، ومنهم من يقول: إن الحكم نسخ.
وعلى كل حال أن الشرب من جلوس أفضل وأمرأ وأهنأ، لكن يبقى أن الصحابة فعلوا ذلك بعده -عليه الصلاة والسلام- مما يدل على أنهم فهموا أن النهي منسوخ.
والإمام مالك كثيراً ما يعتمد على الموقوفات من أفعال الصحابة، ويترك المرفوع؛ لأن المرفوع لا يخفى على طالب العلم، ويبقى الموقوف للدلالة على أن الأمر استمر بعده -عليه الصلاة والسلام-.
فيقول: "حدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان كانوا يشربون قياماً" هل يتصور من هؤلاء أنهم يخالفون النصوص الصحيحة الصريحة في النهي عن شرب القائم؟ لكن فهموا أنه نسخ، كان نهي ثم نسخ.
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن عائشة أم المؤمنين وسعد بن أبي وقاص كانا لا يريان بشرب الإنسان وهو قائم بأساً" كسابقه.
(170/11)
قال: "وحدثني مالك عن أبي جعفر القارئ أنه قال: "رأيت عبد الله بن عمر يشرب قائماً" لأنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- يشرب قائماً.
ثم بعد ذلك قال: "وحدثني عن مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه كان يشرب قائماً" كل هذا للدلالة على أن الأمر استمر بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- فهم فهموا أن النهي منسوخ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه كلها موصولة، هذه من الأحاديث الموصولة.
طالب: النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من شرب قائماً فليقئ)).
فليقئ هذا في أول الأمر لما كان محرماً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ينهض، إما أن يكون ناسخاً، أو يكون صارف، الصرف واضح من التحريم إلى الكراهة، ولذلك يقال: الأولى أن يشرب الإنسان جالساً، لكن يبقى مسألة زمزم، زمزم شرب بين الجموع الكثيرة وهو قائم، ممن لم يبلغهم النهي، يعني في حجه -عليه الصلاة والسلام-، ممن لم يبلغهم النهي، فهذا يقوي النسخ كما قيل في نظيره في قطع الخف.
طالب:. . . . . . . . .
بالقرائن نعم إيه، ولذلك فعله الصحابة -رضوان الله عليهم-، نعم.
باب السنة في الشرب ومناولته عن اليمين:
حدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتي بلبن قد شيب بماء من البئر، وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر -رضي الله عنه-، فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال: ((الأيمن فالأيمن)).
وحدثني عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: ((أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ )) فقال الغلام: لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحداً، قال: فتله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يده.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب السنة في الشرب ومناولته عن اليمين:
(170/12)
ومناولته عن اليمين، يعني إذا شرب يعطي من عن يمينه، فالسنة أن يبدأ إذا كانوا مترتبين بالكبير، سواءً كان كبير السن، أو كبير القدر، إذا كانوا مرتبين، ثم بعد ذلك من على يمين هذا الكبير، فالتيامن له مدخل في هذا، وكبر كبر، أيضاً له مدخل، فيجمع بينهما بأن يعطى الكبير، ثم من عن يمينه كما أعطي النبي -عليه الصلاة والسلام- القدح، وهو في وسط الجلسة عن يمينه أناس، وعن يساره أناس، بدء به، ثم بعد ذلك من عن يمينه إلى أن ينتهوا، إذا تنازل من عن اليمين، استأذن فأذن لا مانع أن يعطى الذي على الشمال، لكن الأصل أنه إذا أعطي وبدء بالكبير أنه يأخذه من عن يمينه، والحادثتان في حديثي الباب صغير الذي على اليمين، غلام، ابن عباس، وعن اليسار أبو بكر وعمر، وفي القصة الأخرى أعرابي، والذي على اليسار أبو بكر وعمر -رضي الله عنهم-، ومع ذلك قدم الغلام وقدم الأعرابي على أبي بكر وعمر؛ لأن اليمين لها مدخل في التقديم.
قال: "حدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتي بلبن قد شيب بماء من البئر" وجاء مدح شوب اللبن بالماء للاستعمال لا للبيع، أما البيع فلا؛ لأنه غش "وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر الصديق، فشرب ثم أعطى الأعرابي، وقال: ((الأيمن فالأيمن)) " الأيمن هو الذي له نصيب، هو المقدم على غيره، وإن كان بعضهم ينازع في مثل هذه الصور، ويفرق بين المنفصل والمتصل، ويفرق بين يمين الشارب ويمين المعطي، لكن الصورة ظاهرة إذا ترتبوا وقدم الأكبر، كما قدم النبي -عليه الصلاة والسلام- سواءً كان الكبر هذا في السن، أو في القدر، فالبقية من عن يمينه، هذا ظاهر الصورة، يعني التي لا تحتمل غير هذا، أما أن نعطي الكبير ثم بعد ذلك من عن يمين الساقي عكسنا تماماً، يعني أعطينا أبو بكر وتركنا الأعرابي، لو فعلنا هذا، وأعطينا يمين الساقي كأننا أعطينا أبا بكر في الصورة الموجودة عندنا، وتركنا الذي على اليمين.
طالب:. . . . . . . . .
ولو كان يدور، الحكم واحد، ما دام أعطي هذا يعطى من على يمينه.
طالب:. . . . . . . . .
من يسار النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
(170/13)
ما عليك من الساقي، الساقي أعطى الكبير، أعطى النبي -عليه الصلاة والسلام-، الباقي عن يمينه، خلاص انتهى، انحلت المسألة، يعني لو أن الساقي شرب هو قبل الناس يعطي من عن يمينه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نفس الشيء، الحكم واحد، الساقي ما له علاقة، يعطى الكبير، ثم من عن يمينه، يمشي هذا في الحديثين كليهما.
طالب:. . . . . . . . .
عن يمينه، يبدأ باليمين؛ لأنها هي الأصل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وإلا لو قدم الكبير "كبر كبر" أولى.
قال: "وحدثني عن مالك عن أبي حازم بن دينار -يعني سلمة بن دينار- عن سهل بن سعد الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ –الكبار- فقال للغلام: ((أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ )) " لا شك أن مثل هذا الاستئذان لجبر خاطر الجميع؛ لأن الصغير لا بد من إذنه؛ لأنه أحق، فيجبر خاطره بالاستئذان، والكبير أيضاً له نصيب في التقديم والأولوية، ((أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ )) وجاء في بعض الطرق أن الصغير ابن عباس "فقال الغلام: لا والله يا رسول الله، لا أوثر بنصيبي منك أحداً، قال: فتله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يده" يعني وضعه في يده، ألقاه في يده، واللفظ يدل على أنه بقوة، أعطاه إياه بقوة، فكل هذا يدل على أنه يبدأ بالكبير، ثم من عن يمينه، نعم.
باب جامع ما جاء في الطعام والشراب:
(170/14)
حدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: قال أبو طلحة لأم سليم -رضي الله عنهما-: لقد سمعت صوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضعيفاً أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ فقالت: نعم، فأخرجت أقراصاً من شعير، ثم أخذت خماراً لها فلفت الخبز ببعضه، ثم دسته تحت يدي، وردتني ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فذهبت به فوجدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالساً في المسجد، ومعه الناس، فقمت عليهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((آرسلك أبو طلحة؟ )) قال: فقلت: نعم، قال: ((للطعام؟ )) فقلت: نعم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمن معه: ((قوموا)) قال: فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناس، وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم، فقالت: الله ورسوله أعلم، قال: فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو طلحة معه حتى دخلا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هلمي يا أم سليم ما عندك؟ )) فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففت، وعصرت عليه أم سليم عكة لها فآدمته، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما شاء الله أن يقول، ثم قال: ((ائذن لعشرة بالدخول)) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: ((ائذن لعشرة)) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: ((ائذن لعشرة)) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال: ((ائذن لعشرة)) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: ((ائذن لعشرة)) حتى أكل القوم كلهم وشبعوا، والقوم سبعون رجلاً، أو ثمانون رجلاً.
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة)).
(170/15)
وحدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أغلقوا الباب، وأوكوا السقاء، وأكفئوا الإناء، أو خمروا الإناء، وأطفئوا المصباح، فإن الشيطان لا يفتح غلقاً، ولا يحل وكاءً، ولا يكشف إناءً، وإن الفويسقة تضرم على الناس بيتهم)).
وحدثني عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، جائزته يوم وليلة، وضيافته ثلاثة أيام فما كان بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه)).
وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بينما رجل يمشي بطريق إذ اشتد عليه العطش، فوجد بئراً، فنزل فيها فشرب وخرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له)) فقالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجراً؟ فقال: ((في كل ذي كبد رطبة أجر)).
وحدثني عن مالك عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أنه قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثا قبل الساحل فأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح، وهم ثلاث مائة، قال: وأنا فيهم، قال: فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد، فأمر أبو عبيدة -رضي الله عنه- بأزواد ذلك الجيش، فجمع ذلك كله، فكان مزودي تمر، قال: فكان يقوتناه كل يوم قليلاً قليلاً حتى فني، ولم تصبنا إلا تمرة تمرة، فقلت: وما تغني تمرة؟ فقال: لقد وجدنا فقدها حيث فنيت، قال: ثم انتهينا إلى البحر، فإذا حوت مثل الظرب، فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة، ثم أمر أبو عبيدة -رضي الله عنه- بضلعين من أضلاعه فنصبا، ثم أمر براحلة فرحلت، ثم مرت تحتهما، ولم تصبهما.
قال مالك: الظِرب الجبيل.
الظَرب.
الظَرب الجبيل.
(170/16)
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عمرو بن سعد بن معاذ عن جدته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يا نساء المؤمنات لا تحقرن إحداكن لجارتها ولو كراع شاة محرقاً)).
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قاتل الله اليهود نهوا عن أكل الشحم فباعوه فأكلوا ثمنه)).
قف على هذا.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
والله ما عندي فيه إشكال بخلاف التنفس.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب جامع ما جاء في الطعام والشراب:
الباب الجامع الذي يجمع أحديث في الغالب لا مناسبة بينها ظاهرة، وإنما يجمعها الموضوع العام.
يقول: "حدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال أبو طلحة لأم سليم" أم سليم هي أم أنس، وأبو طلحة علاقته بأم سليم؟ زوجها "لقد سمعت صوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضعيفاً أعرف فيه الجوع" نعم ينكسر الصوت مع الجوع، ويظهر عليه علامات الحاجة القوية الماسة إلى الطعام، فيعرف الجائع، كما أنه يعرف العطشان، يعرف المجهد، يعرف المريض بضعف صوته.
على كل حال الجائع صوته ضعيف.
"سمعت صوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضعيفاً أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ " يعني نطعمه النبي -عليه الصلاة والسلام- لارتفاع هذا الوصف الذي أضعفه "فقالت: نعم، فأخرجت أقراصاً من شعير" أقراص جمع قرص من الشعير "ثم أخذت خماراً لها فلفت الخبز ببعضه" ببعض الخمار لفت الخبز، لماذا؟ لئلا يبرد فييبس "فلفت الخبز ببعضه، ثم دسته تحت يدي، وردتني ببعضه" جعلته رداءً، يعني باقي الخمار جعلته رداء، وضعته على أنس، فإذا كان هذا الخمار –خمارها- بعض هذا الخمار فيه الخبز، وجعلته تحت يده، يعني شيء يسير لم يستوعب الخمار كله، ولا أكثر الخمار، إنما وضعت، لفت الخبز ببعض الخمار، وجعلت باقي الخمار رداء.
(170/17)
"وردتني ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فذهبت به" يعني بالخبز "فوجدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالساً في المسجد ومعه الناس" إلى أين ذهب به؟ إلى أين ذهب بالخبز؟ يقول: "وجدت رسول الله جالساً في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((آرسلك أبو طلحة؟ )) قال: فقلت: نعم، قال: ((للطعام؟ )) قلت: نعم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمن معه: ((قوموا)) فانطلق، وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته" إما أن يكون قد جاء بالخبز إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: دعه معك حتى نأكله عند أبي طلحة، أو يكون أوصله إلى أبي طلحة، ثم دعا النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن ظاهر اللفظ يقول: "ثم أرسلتني إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذهبت به -يعني بالخبز- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فكأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: دعه معك حتى نأكله عند أبي طلحة.
"فوجدت رسول الله جالساً في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم" يعني وقفت عليهم، جالسين هم، أكثر من سبعين أو يزيدون، وقفت عليهم، يعني قمت "فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((آرسلك أبو طلحة؟ )) " وهذا لا شك أنه من علاماته ودلائل نبوته -عليه الصلاة والسلام- "قال: فقلت: نعم، قال: ((للطعام؟ )) فقلت: نعم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمن معه: ((قوموا)) قال: فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناس" يعني أمر يستغرب في الأمور العادية، يؤتى بسبعين على شان أقراص يسيرة من الشعير يأكلها واحد، طعام شخص واحد يدعى إليه هذا الجمع، محل استغراب في الظروف العادية، لكن من عرف حال النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما حصل على يديه من تكثير الطعام ببركة دعائه -عليه الصلاة والسلام- ما يستغرب مثل هذا.
(170/18)
"فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناس، وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم" الطعام أقراص الشعير ما اعتبرها شيء "وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم" طيب عندك الأقراص؟ هذه وجودها مثل عدمها، يا الله تكفي واحد، هي صنعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقط، "وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم، فقالت: الله ورسوله أعلم" دع الأمر لله، نحن اجتهدنا وبذلنا ما عندنا والباقي على الله -جل وعلا-، الله ورسوله أعلم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يعرف ظروف أم سليم، يعرف ظروف أبا طلحة، ويعرف أنهم ما عندهم ما يكفي هؤلاء كلهم.
"فقالت: الله ورسوله أعلم، قال: فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو طلحة معه حتى دخلا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هلمي يا أم سليم)) " يعني هاتي ما عندك يا أم سليم "فأتت بذلك الخبز -خبز الشعير- فأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففت" إيش معنى فت؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، التفتيت يعني تقطيع الشيء إلى أجزاء يسيرة، كأنه جرش أو شبه الطحن، المقصود أنه فت، والتفتيت معروف، تفتيت الشيء.
"فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففت، وعصرت عليه أم سليم عكة لها" معروف العكة إناء من جلد صغير دون القربة فيه السمن أو العسل "فآدمته" يعني صبته عليه "وعصرت عليه أم سليم عكة لها فآدمته" جعلته إداماً يسيغه وإلا فخبز الشعير فيه خشونة، وفيه شيء من اليبس، فلما آدمته وأساغته بهذه العكة وبهذا السمن أو العسل الذي في هذه العكة "ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما شاء الله أن يقول" يعني من الأدعية التي تجلب البركة من الله -جل وعلا- على هذا الطعام اليسير.
(170/19)
"ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما شاء الله أن يقول، ثم قال: ((ائذن لعشرة بالدخول)) " هات عشرة، وهو طعام وحد "فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا" يعني والطعام على حاله "ثم قال: ((ائذن لعشرة)) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: ((ائذن لعشرة)) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: ((ائذن لعشرة)) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: ((ائذن لعشرة)) حتى أكل القوم كلهم وشبعوا، والقوم سبعون رجلاً، أو ثمانون رجلاً".
لماذا ما دعا السبعين أو الثمانين دفعة واحدة؟ المكان لا يستوعب، والأمر الثاني: قد يقول قائل: إنهم إذا اجتمعوا على هذا الشيء اليسير قد يجامل بعضهم، وقد إذا رأى العدد الكبير يجاملون ما يأكلون ... ، يعني قد يجاملون في مثل هذا، لكن إذا كانوا عشرة، والطعام موجود أكلوا، ولم يجامل بعضهم بعضاً، فكل أكل حاجته حتى شبع، ثم بعد ذلك يدعى غيرهم، والمكان أيضاً لا يستوعب.
قال: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد".
والمعجزة النبوية في مثل هذا ظاهرة، وله نظائر كثيرة في مسائل تكثير الطعام، وتكثير الشراب، اللبن والماء، هذه أدلتها في الصحيحين متضافرة، والحديث متفق عليه، وفي الحديث دلالة على أن الشبع المنهي عنه هو الاستمرار عليه، وأما إذا وجد الجوع ثم شبع الإنسان مرة واحدة، وأرضى نهمته، وكسر سورة الجوع عنه هذا لا شيء فيه، لكن لا يصير ديدنه الشبع، وكذلك استتباع أو دعوة من لم يدع لا سيما إذا كان الطعام يسير فيكاد أن يحرج منه صاحب المنزل إذا كان يعرف المدعو أن مثل هذا لا يحرج صاحب المنزل، لا يوقعه في حرج، مثل هذا يجوز، وبعض من يدعو إذا كان المدعو عزيز عليه فإنه يفرح به، وبمن يأتي به، نعم.
(170/20)
قال: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة)) " لماذا؟ لأن الاجتماع بركة، الاجتماع فيه بركة، اجتماع الناس الزاد فيه بركة، فإذا اجتمع الثلاثة على طعام الاثنين كفاهم، وإذا اجتمع الأربعة على طعام الثلاثة كفاهم وهكذا، ولا شك أن الناس يتفاوتون، والنساء تتفاوت التي تتولى صنع الطعام، منهن من جبلت على الزيادة، ومنهن من جبلت على النقص، فالتي جبلت على الزيادة إذا دعا الزوج عشرة يحتاج إلى أن يقول لها: عندي خمسة، وبعض النساء من جبلت على النقص إذا دعا عشرة قال: عندي عشرين، ومع ذلك المعول على مثل هذا الحديث، والمسألة مسألة التوسط في الأمور، يعني التي تعطي الأمور قدرها، إذا قال: عندي عشرة جاءت بطعام عشرة، طعام العشرة يكفي أكثر من هذا العدد الذين اجتمعوا، كما أن طعام الاثنين يكفي الثلاثة، طعام الثلاثة يكفي الأربعة، فهل نقول بهذه النسب، أو نقول: إن طعام الجماعة يكفي أكثر منهم؟ لأن النسب متفاوتة، إذا قلنا: طعام الاثنين كافي الثلاثة، قلنا: طعام العشرة يكفي خمسة عشر، نعم، وإذا قلنا: طعام الثلاثة كافي الأربعة قلنا: طعام الخمسة عشر يكفي العشرين، النسبة تتفاوت في مثل هذا، فالنسبة في أول الأمر الثلث، والنسبة في ثاني الأمر الربع، أو نقول: إن المقصود من هذا الحديث أن الاجتماع على الطعام بركة، وأما التقدير بدقة ليس بمقصود.
والبركة أيضاً تتفاوت، فقد يكون طعام الخمسة يكفي العشرة، طعام العشرين يكفي الخمسين، وقد يكون طعام الاثنين لا يكفي الثلاثة، لماذا؟ لما يحتف في نفوسهم من عدم التصديق بمثل هذا الخبر، وعلى كل حال لا بد من التصديق والتسليم بما جاء عن الشرع، ثم بعد ذلك فعل الأسباب التي جاء بها الشرع، ثم النتيجة تكون كما في الحديث، لا شك أن المقصود بالطعام الذي يمكن الاجتماع عليه.
(170/21)
طيب قد يقول قائل: إذا كان طعام الثلاثة يكفي الأربعة وهكذا فهل تفريق الطعام مثل اللي يسمونه البوفية المفتوح أفضل وإلا الاجتماع على إناء واحد؟ لا شك أن الواضح في مثل هذا الاجتماع على إناء واحد، والتفريق والتفتيت بمعنى أن كل واحد يغترف من هذا الطعام لا يؤدي معنى الاجتماع الذي جاء به هذا الحديث، ومثل هذا البركة تنزل في أعلى الطعام، في وسط الطعام، فعلى هذا يؤكل من أطرافه؛ لأن البركة تنزل في وسط الطعام، فماذا عن الطعام الذي يكون ليس في وسطه شيء؟ نقول: ما في بركة؟ وينبغي ألا يصنع مثل هذا؟ ما في أطعمة تصنع على هذه الكيفية؟ بعض الكيكات وسطها ما في شيء، حتى بعض الولائم الكبيرة يترك الوسط فاضي، فهل نقول: إن مثل هذا لا ينبغي أن يصنع؛ لأن البركة تنزل في الوسط، والوسط ما في شيء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب إذاً نمنع الكيكات المدورة هذه والدونات وغيرها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال لو جاءت الحاجة، لو مسهم الضر كما مس من قبلهم ما تفننوا مثل هذا التفنن، لكن الله -جل وعلا- حكيم عليم، يوسع ويضيق، والأجر والثواب على قدر الشكر والصبر، والله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .
البقية نعم.
طالب: هل هذا من الاجتماع. . . . . . . . .
والله كأنه ما هو باجتماع هذا، اللي يظهر أن الاجتماع على إناء واحد، هذا تفرق.
طالب:. . . . . . . . .
لا، البركة كما جاء في الحديث الصحيح في وسطه، وجاء النهي عن الأكل من الوسط؛ لأن البركة تنزل في وسطه.
طالب:. . . . . . . . .
يعني ما دون الأطراف.
طالب:. . . . . . . . .
والله ما أدري نحتاج إلى .. ، الوسط حسي هذا معروف.
قال: "وحدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أغلقوا الباب، وأوكوا السقاء)) " إذا أراد الإنسان أن ينام يغلق عليه الباب؛ لأن الشيطان لا يفتح الباب المغلق.
((وأوكوا السقاء)) لئلا ينساب فيه شيء يؤذيه، ويقذره عليه، أو يضره، وأيضاً الشيطان لا يحل وكاءً كما في الحديث.
(170/22)
((وأكفئوا الإناء)) يعني اقلبوه؛ لئلا يعرض للحس الشيطان، أو الدواب المؤذية السامة ((أو خمروا الإناء)) ((وأوكوا السقاء، وأكفئوا الإناء، أو خمروا الإناء)) (أو) هذه شك، يعني هل قال: أكفئوا الإناء أو خمروه؟ يعني غطوه.
((وأطفئوا المصباح)) ولا شك أن المصباح فيه نار قد يتعدى ضررها إلى من بجوارها، كثيراً ما تحدث الحرائق بسبب هذا المصباح، وهذه الدفايات الموجودة المحرقة.
((فإن الشيطان)) العلة ((لا يفتح غلقاً)) المغلق لا يفتحه الشيطان ((ولا يحل وكاءً)) المربوط لا يحله ((ولا يكشف إناءً مغطى، وإن الفويسقة)) يعني الفأرة ((تضرم على الناس بيتهم)) يعني تأتي إلى هذه الفتيلة أو تأتي بشيء إليها فتوقده وتحرقه فيحترق البيت ومن فيه.
قال: "وحدثني عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)) " الأصل أن الإنسان محاسب بجميع ما يلفظ به، فإن قال خيراً كتب في ميزان حسناته، في صحيفة الحسنات، وإن قال شراً كتب في صحيفة السيئات، وإن قال لا هذا ولا هذا، فالخلاف بين أهل العلم معروف هل يكتب أو لا يكتب؟ مع أن قوله -جل وعلا-: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [(18) سورة ق] يدل على أن كل شيء يكتب، وعلى هذا على الإنسان أن يحتاط لنفسه؛ لأن كثرة الكلام لا بد أن توقع في المحظور والممنوع، فمن كثر كلامه كثر سقطه ((ليقل خيراً أو ليصمت)) وفاز من جبل على الصمت؛ لأن أكثر الكلام في القيل والقال الذي لا فائدة فيه فضلاً عن الكلام المحرم، فعلى الإنسان أن يهتم لمثل هذا، ولذا قال معاذ بن جبل: وهل نؤاخذ أو وهل يؤاخذ الناس على حصائد ألسنتهم -على الكلام يعني-، قال: ((وهل يكب الناس على وجوههم)) أو قال: ((على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)) فلا شك أن من يحتاط لنفسه، ويتحرى في هذا الباب، والناصح لنفسه أن يلزم الصمت إلا فيما ينفع.
(170/23)
((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)) وقد جاءت الوصية بالجار في أحاديث كثيرة جداً ((وما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)) فالجار له أكثر من حق، حق الجوار، وحق الإسلام، وحق القرابة، إن كان قريباً، وإلا لو لم يكن له إلا حق الإسلام والجوار، أو حق الجوار فقط إن كان غير مسلم.
((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) لا يجوز أن يحتاج المسلم بين المسلمين، لا يجوز أن يجوع بين إخوانه المسلمين، لا يجوز أن يبيت في العراء والبرد الشديد أو الحر الشديد بين إخوانه المسلمين فالضيف الذي بعد عن أهله ووطنه لا بد من أن يقوم المسلمون به، وهذا من فروض الكفايات.
((فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة)) يعني الواجب يوم وليلة ((وضيافته)) يعني القدر الزائد على ذلك ((ثلاثة أيام، فما كان بعد ذلك فهو صدقة)) يعني إحسان إلى هذا الضيف ((ولا يحل له –يعني الضيف- أن يثوي عنده حتى يحرجه)) يعني لا يحل له أن يأتي بمتاعه ويسكن عند هذا، صاحب هذا البيت، ويقول: عليك أن تكرم الضيف، الآن صار شريك، ما صار ضيف هذا، فلا يجوز له أن يحرجه، ولذا جاء النهي عن الدخول على المضيف قبل نضج الطعام، وانتظار نضجه، لا سيما بيوت النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم بعد ذلك إذا طعمتم فانتشروا؛ لأن الناس لهم خصوصياتهم ولهم ظروفهم، لا سيما في أوقاتنا التي نعيشها، فعلى كل حال على صاحب البيت أن يضيف، وأن يكرم ضيفه، وعلى الضيف أيضاً أن يلاحظ خصوصيات صاحب البيت.
نقف على الحديث وإلا ... ؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب ...
(170/24)
شرح: الموطأ – كتاب الجامع (3)
باب جامع ما جاء في الطعام والشراب
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذه تسأل تقول: كيف ننصح الأخوات فالفساد –والله المستعان- انتشر حتى أنني لا أدري من أنصح؟ وكيف أنصح؟ وبما أنصح؟ هل أنصحها بلبس العباءة المحتشمة؟ أم أنصحها بترك التبرج والسفور؟ أم ننصحها بعدم الخوض مع البائع؟ لقد شق الأمر علينا، ولا ندري من ننصح، فالأمر كبير -نسأل الله العفو والعافية-؟
(171/1)
على كل حال على الإنسان أن ينصح، وعليه أن يأمر، وعليه أن ينهى، فمن اطلع على منكر، من رأى منكر فليغيره حسب استطاعته وقدرته بما لا يلحقه بسببه ضرر، فإن استطاع أن يغير باليد، وهذا في مقدور الولاة، ومن ولاهم الوالي، وفي مقدور ولي الأمر في البيت، وفي مقدور من لا يترتب على تغييره مفسدة، إذا ترتب على ذلك مفسدة فإنه يعدل حينئذٍ إلى التغيير باللسان، فإن لم يستطع فبلسانه، إذا خشي على نفسه من التغيير باللسان انتقل إلى المرحلة الأخيرة، وهي التغيير بالقلب، بأن يبغض المنكر، ويبغض أيضاً مرتكب المنكر؛ لأن هذا أمر مكروه لله ولرسوله، فيكره ما يكرهه الله ورسوله، ويبيت في نفسه أنه متى استطاع التغيير باللسان أنه يغير، ولا يقول: الحمد لله أنا معذور، ومرتاح من هذه الشعيرة؛ لأنني معذور، لا أنت لست بمعذور إلا إذا عجزت، ولا يرتب لك الأجر والثواب في الانتقال من المرحلة العليا إلى الدنيا إلا إذا تحقق العجز، وعدم الاستطاعة، مع تبييت النية أنك متى قدرت على المراتب العليا أنك تنتقل إليها، ولذا من ابتلي بالعمى مثلاً أو المرض أو العرج وما أشبه ذلك، إن فرح بهذه العلة؛ لأنه معذور من جهاد ونحوه فإنه يؤاخذ، لكن من منع بعلة لا يد له فيها، وخارجة عن قدرته وإرادته، وبيت في نفسه أنه متى زال عذره فعل ما أمر به هذا يؤجر مثل أجر غير الممنوع ((وإن لكم إخواناً بالمدينة ما هبطتم وادياً، ولا سلكتم فجاً إلا كانوا معكم)) يعني في الأجر ((حبسهم العذر)) لكن من فرح بهذا العذر لأنه يعفيه من الأمر والنهي والجهاد وغيره، لا شك أن هذا ملوم، فعلى الإنسان إذا لم يستطع التغيير باليد أن يعدل إلى التغيير باللسان، إذا خشي على نفسه من التغيير باللسان فإنه حينئذٍ يكتفي بالتغيير بالقلب ببغض المنكر، وبغض المرتكب للمنكر، وأنه متى تيسر له التغيير بما هو فوق ذلك يغير.
(171/2)
الأمر الثاني: أنه إذا كثرت المنكرات، وعمت بها البلوى بحيث لا يستطيع الإنكار إنكار هذه المنكرات بجملتها، وإن كان يستطيع مفرداتها، تغيير مفرداتها، فإنه يغير ما يستطيع بالقدر الذي يستطيع، وبالطريقة التي يستطيعها، وما عدا ذلك لا يكلف الله نفسا ًإلا وسعها، فمثل هذه المنكرات التي عمت بها البلوى، دخلت في شارع عام مملوء بالناس، إن أنكرت على هذا الإسبال، وأنكرت على هذا الدخان، وأنكرت على هذا حلق اللحية، وأنكرت على هذا، معناه أنك تبي تقيم إقامة في هذا الشارع، مثل هذا لا تطالب به، يعني لو دخل واحد شارع البطحة مثلاً، ورأى هذه المخالفات من العمال وغيرهم، هذا يدخن، وهذا حليق، وهذا مسبل، وهذا كيف، وهذا، فيقدم من المنكرات في التغيير الأهم فالأهم، يقدم الأهم، فمثلاً شاب يتحرش بامرأة مثلاً أو بصبي، هذا يقدم على حلق لحية، ويقدم على دخان، ويقدم على إسبال، ثم بعد ذلك ينظر إلى الذي يليه من المنكرات، وهنا تكون المفاضلة إذا عجز عن الجميع، فيبدأ بأنكر المنكرات، ما يقال: والله شخص جالس والناس يصلون يدخن يقال له: لا تدخن، يقال له: لا تدخن لكن أعظم من ذلك صل، الصلاة أعظم وهكذا، أو شاب مسبل ومع ذلك يتعرض لامرأة أو لصبي، يقال له: تعال أنت يا أخي مسبل، الإسبال حرام، نقول: نعم الإسبال حرام، لكن أهم من ذلك المنكر الذي يفوت.
على كل حال على الآمر والناهي أن يكون حكيماً، وعلى معرفة وخبرة بالأساليب التي تترتب عليها المصلحة، ولا يترتب عليها مفسدة.
يقول: هل الأواني المزخرفة بماء الذهب داخلة في ذلك؟
إذا عرضت على النار، وتحصل من هذا الذهب الذي طلي به هذا الإناء شيء فإنه حينئذٍ يحرم استعماله، وإن كان مجرد لون هذا ما يضر.
وقفنا على حديث: ((بينما رجل يمشي)) هذا وقفنا عليه، وقرأت إلى إيش؟
طالب: قرأنا إلى حديث عبد الله بن أبي بكر: ((قاتل الله اليهود)).
إلى هذا، طيب.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
(171/3)
وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بينما رجل يمشي بطريق إذ اشتد عليه العطش))
أقول: الكتاب إذا طال به الأمد لا شك أنه يمل، وهذا على مستوى التعليم، وعلى مستوى التأليف، تجد المعلم في أول الكتاب يبسط، وهمة ونشاط، ثم بعد ذلك يفتر، ثم يقتصر على التنبيه على ما لا بد منه، وهذا شيء ملاحظ.
المؤلفات أيضاً تجد المؤلف ينشط في أول الكتاب، ويبسط ويشرق ويغرب، ثم بعد ذلك يقتصر على الشيء اليسير، ويكون أقرب ما يكون إلى التعليقات اليسيرة، بينما هو شرح مبسوط، فلا شك أن الشرح في أول الكتاب يختلف عن الشرح في آخره، وهذا شيء ملاحظ يعني، وسببه الملل من قبل كثير من الطلاب، المطالبة قوية بأن ننهي الكتاب، وننجز الكتاب.
يقول:
"وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بينما رجل يمشي بطريق إذ اشتد عليه العطش)) " عطش عطشاً شديداً كاد أن يهلك منه ((فوجد بئراً فنزل)) نزل في البئر ليشرب منه، ليستقي منه، ((فنزل فيها فشرب وخرج، فإذا كلب يلهث)) والشيء بالشيء يذكر، عطشه قبل شربه ذكره بحاجة هذا الكلب الحاجة الشديدة، ولو لم يمر به هذا العطش ما أدرك مثل هذا العطش من هذا الكلب.
((فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى)) التراب الندي، يأكله من العطش؛ لأن فيه شيء من الرطوبة، "يلهث" وهذه صفة للكلب ملازمة له، {إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} [(176) سورة الأعراف] هو في لهث دائم، لكنه واضح عليه العطش، وإلا قد يقول قائل: على ما استدل؟ أو بما استدل على عطشه؟ واللهث صفة ملازمة للكلب، حتى لو شرب لهث، لو حملت عليه لهث، وإن تركته لهث، لكن استدل بالقرائن، إما لبعد الماء مثلاً، أو لشدة حرارة في الجو، استدل به على أن لهثه بسبب العطش.
(171/4)
((يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني)) لأن الإنسان إذا جاع تذكر إخوانه الذين لا يجدون ما يشبعهم، وإذا عطش تذكر إخوانه الذين لا يجدون من يسقيهم، وهذه من حكم مشروعية الصيام، فأعظم حكم مشروعية الصيام تحقيق التقوى، ثم العطف على إخوانه الذين لا يجدون ما يأكلون في رمضان، ولا في غير رمضان، وفي هذا تذكير، وهذا ملحوظ أيضاً في هذا الحديث، ولذا قال: ((لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه)) ولو قدر أن إنساناً ممن أنعم الله عليه ولم يخرج، ولم يجتمع بالناس، ولا يرى حاجات الناس يتحسس حاجات الناس لظن أن الناس كلهم في مثل ما هو فيه، وهذه الطبقة الذين لا يدرون عن حاجات الناس لا شك أنهم إذا صاروا حول الولاة فإن ضررهم بالغ على فقراء الناس؛ لذا كانوا يقولون لولي الأمر الذي شغل بأعماله: الناس كلهم ما شاء الله بخير، ولا تجد فقير؛ لأنه قد يسمع من يقول: إنه لا يوجد فقير، ولا يوجد جاهل، سببه عدم مخالطة الناس، وعدم معرفة أحوال الناس، وإلا فالفقر موجود، والجهل موجود، بعضهم يقول لبعض الولاة: إن الناس ما عندهم مخالفات، وما عندهم .. ، وتسمع مثل هذه الكلمات، ولا شك أن مثل هذا غش لولي الأمر، غش له، هو فيما يقابل النصيحة الواجبة، ومعارض لها، نسأل الله العافية، فالذي يعرف أحوال الناس، ويخالط الناس لا شك أن مجالسته لمن بيده القرار خير، هذا إذا اقترن ذلك بالنية الصالحة.
فهذا الكلب بلغ به من العطش مثلما بلغ بالرجل، فتذكر حاله قبل النزول في البئر ((فنزل البئر فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه)) لماذا؟ لأنه يحتاج إلى يديه ورجليه في الصعود، لا يستطيع أن يصعد وهو في جوف البئر بيد واحدة، لكنه أمسك الخف بفيه حتى رقي، صعد وزناً ومعنى، فسقى الكلب، وفي بعض الروايات: أن القصة لامرأة بغي، قال: ((فشكر الله له، فغفر له)) شكر الله له صنيعه فغفر له هذا العمل يسير، لكنه عند الله عظيم، الذي أزال الغصن من طريق المسلمين غفر له، فقد يوفق الإنسان لعمل لا يكلفه شيئاً يذكر، ومع ذلك يكون الثواب المرتب عليه عظيم.
(171/5)
" ((فشكر الله له، فغفر له)) فقالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجراً؟ " لما سلط بنو آدم على هذه البهائم وخلقت من أجل نفعهم، وملكوا أمرها، وصار لهم من السلطة عليها إلى حد أن لهم أن يقتلوها، ويأكلوا لحمها، ظنوا أن ما فيها أجر ما دام هذه البهيمة المحترمة يصل الحد إلى أمر أن تقتل، ويؤكل لحمها، فكيف بغير المحترمة مثل هذا الكلب؟! ظنوا أن ما فيها أجر، وقوله: "وإن لنا في البهائم لأجراً؟ " يشمل المحترم وغير المحترم، فإذا كان المحترم لبني آدم أن يقتلوه، وأي شيء أعظم من القتل؟! وأن يطبخوه ويشووه في النار، ويأكلوا لحمه، فهل في إطعامه أجر وإلا ما في إطعامه أجر؟ يعني قد يتصور الإنسان أن الإنسان ما دام سلط عليها إلى هذا الحد أنها لا قيمة لها، وإذا كان لا قيمة لها فكونها تموت عطشاً، أو تموت بسكين ما في فرق.
(171/6)
"وإن لنا في البهائم لأجراً؟ فقال: ((في كل ذي كبد رطبة أجر)) " البهيمة وهي تقاد إلى المذبح، وهي تقاد إلى الذبح يعرض عليها الماء وفيه أجر، قال: ((في كل ذي كبد رطبة أجر)) وهذا من عناية الإسلام بالحيوان، والحيوان له حقوق، جاءت به الشريعة، والأحاديث والنصوص في ذلك كثيرة، وإذا كانت هذه عنايته بالحيوان فكيف بعنايته بالإنسان، وإذا كان الكفار يطنطنون بمثل هذه الأمور حقوق الحيوان، حقوق الإنسان، فإن الإسلام قد سبقهم بأربعة عشر قرناً، هذا ديننا، فمع الأسف الشديد أن أولئك الذين يطنطنون بحقوق الحيوان، الإنسان عندهم أقل شأناً من الحيوان، وإن قالوا: حقوق الإنسان، حقوق الإنسان، وإن قالوا ذلك، بدليل أن الدماء تجري أنهار على وجه الأرض من الناس، والحيوان حقوقها محفوظة، والذي يسيء إليها يعاقب، ومع ذلك ألوف مؤلفة تقتل لا سيما من الدم الرخيص دماء المسلمين، فأين حقوق الإنسان فضلاً عن حقوق الحيوان؟! وشأن القتل في الإسلام عظيم، ((من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة)) فكيف بمن يقتل مسلماً؟! و ((لا يزال المسلم في فسحة من دينه حتى يصيب دماً حراماً)) وقرن القتل بالشرك، وحكم على القاتل عمداً بالخلود في النار في آية النساء، وإن كان الكلام لأهل العلم في المسألة معروف، أنه لا يكفر بمجرد القتل، لكن شأن القتل عظيم، فأين هؤلاء الذين ينادون بحقوق الحيوان من حقوق الإنسان؟! وإذا كان دم المسلم في شريعة الإسلام أعظم الدماء فعلى أقل الأحوال أن يطالبوا بالعدل، لكن هذا من غفلتنا، كيف نطالب عدواً لنا، تمكن منا بالعدل، ولا نرجع لمعاتبة أنفسنا، وتصحيح أوضاعنا؟!! الذي به نستطيع أن نكف يد المعتدي علينا، ولا سلط علينا العدو إلا بسبب ذنوبنا، وكان الولاة إذا أرسلوا الجيوش من وصاياهم أن يقولوا: لا تكونوا عوناً للأعداء على أنفسكم، كيف يكون الإنسان عون للعدو على نفسه؟ بالمعصية يكون عوناً لعدوه على نفسه.
"فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((في كل ذات كبد رطبة أجر)) " رطبة، الحي لا شك أن فيه رطوبة، فما دامت روحه في جسده فهو رطب، أو يقال: إن الرطوبة هذه باعتبار ما سيكون إذا سقي، فتكون كبده رطبة.
(171/7)
قال: "وحدثني عن مالك عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله أنه قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثاً قبل الساحل" قبل يعني جهة الساحل، ساحل البحر "فأمَّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح" عامر بن الجراح، أحد العشرة المبشرين بالجنة، قال: "وهم ثلاثمائة" عدد هذا الجيش، عدد هذا البعث ثلاثمائة قال: "وأنا فيهم" جابر يقول: وأنا فيهم، قال: "فخرجنا" يعني يروي القصة من داخل الحدث، يعني ما يرويها بواسطة مخبرين، أو بواسطة وكالات أنباء يحتمل الصدق والكذب، هذا من مشاهداته "وأنا فيهم، قال: فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد" ثلاثمائة فني زادهم، ما الذي يكفيهم؟! فني الزاد "فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش، فجمع ذلك كله" جمع ما معهم، فقوله: فني الزاد فأمر بأزواد، كيف فني ثم يأمر بالأزواد وقد فني؟
طالب:. . . . . . . . .
إما أن يقال: قارب الفناء، أو يقال: إنه فني من بعضهم أو أكثرهم، وبقي مع بعضهم "فجمع ذلك كله فكان مزودي تمر"، أو كان في مزودي تمر، يعني البالغ، المجموع الذي جمع من الجيش كله مزودي تمر، المزودة أظن تعرفونها، مزودي تثنية مزودة، والمزودة هي التي يوضع فيها المتاع، وما زال العرب يسمونها مزودة، صح وإلا لا؟ أو ما تدرون؟ الحضر ما يدرون، ويسمونها مزودة؟ إيه.
"مزودي تمر، قال: فكان يقوتناه"
المزودة تمر هذا الذي كان في السابق أكل التمر كثير يعني الإنسان في جلسة يأكل الكيلو والكيلوين من دون تردد؛ لقلة الطعام، يعني إلى عهد قريب قبل أن تبسط الدنيا، والناس يأكلون بكثرة، فكيف وقد فني زادهم وعددهم ثلاثمائة كيف يكفيهم مزودتي التمر؟
(171/8)
"قال: فكان يقوتناه كل يوم قليلاً قليلاً حتى فني" انتهى، ما في شيء، والذي عاش في هذه الأيام، وفي هذه الظروف قد لا يتصور مثل هذا الأمر، المزودة، مزودة الطعام التي يوضع فيها الطعام فيها عروتان، العرى أحياناً تربط على شيء إما على حصاة، أو على شيء على شان يصير فيها إمكانية للحمل؛ لأنه ما تجعل حبل بس على شان ما يمكن تحمل بهذه الطريقة، لكن يوضع لها بمقدار الكف شيء من أجل أن يسهل حملها فيه، هذا الشيء أحياناً يوضع فيه حصاة، وأحياناً يوضع فيه تمر، يرجع إليه عند الضرورة، وقد ينسى، ثم يأتي عليه السنة أو أكثر، وطريقة الحفظ ليست بعد مناسبة في هذه المزودة، ويحدثنا من فعل هذا أنهم قد يرجعون إليه بعد سنين، هذا يجعل لوقت الضرورة القصوى، إذا ما بقي إلا الموت، فالناس يعيشون في نعم، يعني إذا تذكروا أو سمعوا عن العهد القريب قبل خمسين أو ستين سنة شيء لا يخطر على البال من الجوع، وهذه النعم التي فتحت على هذه البلاد كانت البلدان المجاورة قد سبقت إليها، يعني في مصر والشام نعم، كان الآباء والأجداد يهاجرون، في العراق أيضاً نعم، ثم بعد ذلك {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [(30) سورة الشورى] ما شكرت هذه النعم، والنعم إنما تدوم وتزداد بالشكر، ثم فتحت الدنيا على هذه البلاد وما جاورها، وضيق على بلاد أخرى كانت تتخبط في مال الله، ونعم الله، ضيق عليهم، فصار العكس، صاروا هم يأتون، والأيام دول، الأيام دول قد يأتي العامل إلى هذه البلاد جاءت به الحاجة، ويساء التعامل معه، ولا يدري هذا المسيء أنه في يوم من الأيام يذهب إلى العمل في بيت هذا العامل، وحصل هذا، عملوا في مصر وفي الشام، وفي العراق وفي الهند أيضاً، ثم جاءوا بعمال من هذه البلاد، وأساءوا إليهم، والجزاء من جنس العمل، قد تدور بك الأيام، ثم يساء إليك، والقصص والحوادث كثيرة، لكن علينا أن نتقي الله -جل وعلا- فيما ولانا ممن جعلهم تحت أيدينا من النساء والذراري والعمال والخدم وما أشبه ذلك.
(171/9)
"فكان يقوتنا كل يوم قليلاً قليلاً -يعطيهم على تمرة- حتى فني ولم تصبنا إلا تمرة تمرة" طيب تمرة ويش تسوي؟ تمرة واحدة ماذا تصنع؟ "فقلت: وما تغني تمرة؟! " هل تسد جوع؟ لا "فقال: لقد وجدنا فقدها".
طالب:. . . . . . . . .
إيه نعم إيه، يسأل جابر، وهب بن كيسان يسأل جابر "فقلت: وما تغني تمرة؟ فقال: لقد وجدنا فقدها حين فنيت، قال: ثم انتهينا إلى البحر، فإذا حوت مثل الظرب –الجبل- فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة" ثلاثمائة في ثمانية عشرة، يعني كم؟ ستمائة وجبة، ستمائة وجبة، وإذا قلنا: في اليوم وجبتين كم؟ حوت واحد، نعم؟
طالب: ألف ومائتين.
ألف ومائتين "فأكل منه ذلك الجيش ثمانية عشرة ليلة، ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا" يعني صار مثل الدرواز كالقوس "ثم أمر براحلة فرحلت، ثم مرت تحتها ولم تصبها" الذين سافروا إلى الساحل الغربي في البدع وجهته، إحنا رأينا مزرعة بوابتها سقفها حوت، لكن هذا أشد، ما في نسبة بينها وبين هذا، يعني يمكن طول هذا.
"ثم مرت تحتها ولم تصبها".
"قال مالك: الظَرب الجبيل" الجبيل: يعني الجبل الصغير.
ثم بعد هذا قال -رحمه الله- ...
يعني ما استنبط من الحديث أمور كثيرة فيه أحكام، وآداب وعبر، لكن الوقت لا يستوعب لبسط هذه المسائل، فالبخاري ترجم عليه باب الشركة في الطعام والنهد والعروض، الشركة في الطعام والنهد، الطعام الموجود الذي معهم، مما ملكوه كما هنا، والنهد يسمونه الآن القطة، يؤخذ من كل شخص مبلغ معين، ثم بعد ذلك يشترى به ما يكفي الجميع، ومثل هذا يتسامح فيه، يعني إذا فرض على كل شخص مائة ريال، واشتري بها، أو أنفق على هذه الحملة إلى الرجوع، ما يقال: والله فلان يأكل أكثر من فلان، هذا عليه مائة وخمسين، وهذا عليه سبعين، وهذا عليه ثمانين، وهذا عليه عشرين ما يأكل، يتسامح في مثل هذا، فأيضاً النووي ترجم على الحديث: باب إباحة ميتة البحر، وهذا فيه حديث أبي هريرة ((هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)).
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، إيش الفرق بينهما؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
(171/10)
البوفية المفتوحة إحنا قلنا: القطة هذه أو النهد يؤخذ من كل شخص مائة ريال، والبوفية المفتوح لا سيما مع هذا التنافس الموجود في المطاعم يقال: كل حتى تشبع بعشرين ريال، فالنظر في مثل هذا إلى عقود ما هو بعقد واحد، كل شخص له عقده، تأكل بعشرين قد تأكل بمائة، وقد لا تأكل إلا بعشرة، هذا الغرر ظاهر، لكن في النهد أولاً: مسألة الحاجة الداعية إلى هذا معروفة، بخلاف البوفية المفتوح، الحاجة الداعية إلى هذا بأن يوجد من يتولى هذا الأمر، ولا يترتب عليه الضرر المترتب على البوفية المفتوح؛ لأن الداخل إلى هذه البوفية معروف أنه جاء للتحدي، ما جاء ليأكل أكل حاجة، ومسألة النهد ما يمكن أن يأكل الإنسان تحدي، إذا أكل تحدي وقف عند حده، إذا عرف أنه يأكل أكثر من حاجته يوقف عند حده، بينما البوفية المفتوح جاء من أجل هذا.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا اللي رايح هناك هم يقولون له: كل حتى تشبع؟ لا، لا بنفسية ...
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه إذا دخله مثل هذه النوعية، ولا داعي إلى ذلك، يعني ما في داعي، يعني بينما الجيش كله ينزل إلى البلد وكل يتقضى لنفسه؟! هذا فيه مشقة عليه.
قال: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عمرو بن سعد بن معاذ عن جدته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يا نساء المؤمنات لا تحقرن إحداكن لجارتها، ولو كراع شاة محْرقاً)) " أو محَرّقاً، جاء في الرواية الأخرى: ((ولو فرسن شاة)) فرسن شاة هو الكراع، والكراع المحرق، يعني ما الذي في ظلف الشاة؟ وإذا أحرق ويش يبقى منه؟ كل هذا من باب الحث على الصلة، ولو بالشيء اليسير، ولا شك أن وجود مثل هذه الصلة في المجتمع المسلم يزرع فيه المودة والرحمة والشفقة، ولو كان شيئاً يسير؛ لأن كثيراً من الناس يبقى عنده شيء من الطعام، يقول: هذا ما يسوى من .. ، ما ينمد هذا، أو ما يقولون مثل هذا؟ وما يدريك أن جارك بحاجة إلى أقل من هذا، ما تدري، فأعرض.
(171/11)
((لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة)) وهنا: ((لا تحقرن إحداكن لجارتها لو كراع شاة محرقاً)) الكراع وهو الظلف ليس فيه شيء، وإنما هذا فيه المبالغة في الصلة، ولو كانت بشيء يسير، وفي حديث التخلف عن صلاة العشاء قال: "ولو أن أحدهم علم بعظم" ...
طالب:. . . . . . . . .
لا، بعرق سمين، ((لو أن أحدهم يجد عرقاً سميناً، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)) عرقاً سميناً العرق: هو العظم إذا كان عليه لحم، قالوا: المرماتين الحسنتين ما بين ظلفي الشاة، كيف يوصف هذا بالحسن؟ لأن بعضهم يقول: إن ما بين ظلفي محرف أو مصحف عن ضلعي الشاة، لا شك أن بين ضلعي الشاة لحم حسن، لكن ما بين ظلفيها ما في لحم حسن، فقال بعضهم: إن هذا مصحف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويردها.
طالب:. . . . . . . . .
الظروف تقدر بقدرها، يعني ما تأتي إلى بيت غني وتهدي إليه شيء يسير، هذا خطاب للمتصدق أو المهدي، أيضاً هناك خطاب من الشارع للمتصدق عليه، ((من صنع إليكم معروفاً فكافئوه)) تقول له: جزاك الله خير، لكن والله إحنا لسنا بحاجته، لو أبقيناه عندنا للغد خرب، فسد، ابحث عن .. ، يعني بالأساليب تمشي الأمور، فكل له ما يخصه من خطاب الشرع، أما بهذه الطريقة أن تعمد إلى أسوأ ما عندك وتعطيه جارك الغني، والغني بعد يرد عليك بمثل هذا أو أشد، هذا كله من فساد القلوب يعني، سبب فساد القلوب.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال الظروف والأحوال تقدر بقدرها، تصور أنه بعد وليمة بقي شيء يسير من الطعام فذُهب به إلى مبرة من المبرات ليودع في ثلاجتهم ليوزع على الفقراء، يقول الذي ذهب به: فوجئت أن عندهم طابور الساعة ثنتين من الليل، ينتظرون ما يأتي، قال: حطه الآن نأكله، ما يحتاج ثلاجات، فالغفلة عن مثل هذه الأمور يجعلنا نتصور مثل هذا التصور، لا شك أن مثل هذه الأمور لها من يستقبلها.
قال -رحمه الله-:
(171/12)
"وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قاتل الله اليهود)) " يعني لعنهم كما جاء في بعض الروايات: لعنهم، ولذا بعض الشراح فسر الحديث: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه)) ثم قال: ((فليقاتله)) يعني إن أبى، فقال هذا الشارح: بالسب والشتم؛ لأن قاتل تأتي بمعنى لعن، بالسب والشتم، هذا الكلام ليس بصحيح، يعني إذا جاءت في موضع لا يعني أنها تأتي في كثير من المواضع، ولذا غريب الحديث فرع من فروع اللغة، ومع ذلك من أهم أنواع علوم الحديث، لا ينوء به إلا من جمع الله له بين اللغة والحديث؛ لأن الذي ليس لديه علم بالحديث وإن كان لغوياً بيأتي إلى كتب اللغة ويفسر اللفظ بما وقف عليه من كتب اللغة بما لا يوافق السياق أحياناً مثل هذا اللي فسر "فليقاتله" باللعن والسب، وهو يصلي يلعنه ويسبه أعوذ بالله، والذي عنده معرفة بالحديث وليست لديه خبرة باللغة قد لا يستطيع الوقوف على المعنى المراد، ولا يستطيع التمييز بين الألفاظ الموجودة في كتب اللغة، وموائمتها لكلامه -عليه الصلاة والسلام-، ولا يستطيع أن يميز الراجح من المرجوح من الألفاظ مما له أصل، ومما لا أصل له، لا سيما وأن كثيراً من كتب اللغة تأثرت بالمذاهب، سواءً كانت الفرعية أو الأصلية، مؤلفات المتأخرين باللغة متأثرة بالمذاهب بلا شك، فإذا كان مؤلف هذا الكتاب شافعي تأثر بمذهب الشافعي، إذا كان حنفي تأثر ... ، قد يقول قائل: إيش دخل المذاهب بالمفردات؟ لها دخل كبير؛ لأن الحقائق قد تشترك فيها اللغوية مع الشرعية، فنحتاج إلى تمييز بين هذه الحقائق، فلا شك أن الذي يفسر الحديث ويتصدى لشرحه لا بد أن يكون قد جمع بين الحديث واللغة.
(171/13)
((قاتل الله اليهود)) واليهود أهل حيل ((نهوا عن أكل الشحم فباعوه فأكلوا ثمنه)) الرواية المفسرة: ((جملوه)) يعني أذابوه، فباعوه فأكلوه، قالوا: ما أكلنا شحم، يقولون: ما أكلنا شحم، لكن الشحم غيروه بالإذابة، ثم بعد ذلك باعوا هذا الشحم المذاب الجميل فأكلوا ثمنه، يعني تحايلوا على ارتكاب المحرم، والحيلة من أجل ارتكاب المحرم أو ترك الواجب حرام؛ لأنه وسيلة إلى غاية محرمة، والحيلة إلى الخلاص أو التخلص من محرم، أو لفعل واجب مطلوبة، واليهود أهل حيل، وقصة السبت معروفة، وجاء النهي عن مشابهتهم.
((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل)) هؤلاء أذابوا هذا الشحم وغيروه عن مسماه، ثم بعد ذلك باعوه بأقل ثمن، وكل هذا تحايل، ارتكاب للمحرم مع الحيلة، وهي شر من ارتكاب المحرم المجرد، لكن لو تحايلوا إلى ما يخرج الشيء المحرم عن حقيقته إلى شيء مباح، أو إلى شيء مختلف فيه، ويش معنى هذا؟ عندك ماء نجس عالجته على قول من يقول بالاستحالة حتى طهر، أو أضفت إليه ما يطهره ثم بعته، هذه حيلة، لكن هل نقول: إن هذا حرام؟ الغاية مباحة، فلا تكن الحيلة محرمة.
مختلف فيه: عندك خمر تخلل بنفسه مباح ما في إشكال، لكن إذا خللته حرم عليك، والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فخللته فبعته، هل نقول: إنك ارتكبت ما ارتكبت اليهود؟ في مشابهة في التحيل، لكن الغاية تختلف، هذا خل طاهر ما في إشكال، إنما النهي عن التخليل، فهذه أيضاً تختلف، والحكم فيها يختلف ليس متفق عليه مثلما عندنا، وإن كان التخليل حرام، لكنه عمد إلى هذا التخليل فخلله فباعه خلاً، يستفاد منه، يعني حقيقة الخل تختلف بينما إذا تخلل بنفسه، أو خلله مخلل، الحقيقة ما تختلف، فليست الأمور مستوية على حد واحد.
(171/14)
بعضهم يجعل من مثل هذه الحيل مسألة التورق، يقول: إنها حيلة إلى المحرم، الأصل أنت تحتاج إلى دراهم ما تحتاج إلى سلعة، تحتاج دراهم إلى أجل فلا بد أن يزاد عليك في القيمة، تحتاج إلى عشرة آلاف ما يمكن أن تأخذها إلا بإحدى عشر ألف مثلاً، وهذا عين الربا، والمسلم ما يصنع مثل هذا، هذا الأصل فيه والمفترض فيه، فيعمد إلى أن يكون بينهما سلعة تشترى باثني عشر ألف، أو بإحدى عشر ألف، وتباع بعشرة آلاف من أهل العلم من يرى أنها حيلة، هذا عمر بن عبد العزيز يصرح بهذا، وشيخ الإسلام أيضاً، قبلهم ابن عباس، وشيخ الإسلام ابن تيمية يصرح بهذا، وبعض المعاصرين يقول: إن الربا الصريح عشرة آلاف بإحدى عشر ألف أسهل دراهم بدراهم أسهل من التورق، لكن هل يمكن أن يقال بمثل هذا وعامة أهل العلم على جوازه؟ يعني هل يمكن أن يقال لزيد من الناس بدلاً من التورق اذهب إلى البنك وأنت محتاج ومضطر وخذ منهم عشرة آلاف بإحدى عشر ألف؟ مع أن مسألة التورق مباحة عند عامة أهل العلم، المذاهب الأربعة كلهم يجيزونها.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذه ليست مثلها، وليست من الحيل التحايل المحرم، بل اشتريت سلعة فبعتها واستفدت من ثمنها، وهذا قول عامة أهل العلم، نعم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
قال الإمام مالك -رحمه الله- في تتمة:
باب جامع ما جاء في الطعام والشراب:
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عيسى بن مريم كان يقول: يا بني إسرائيل عليكم بالماء القراح، والبقل البري، وخبز الشعير، وإياكم وخبز البر فإنكم لن تقوموا بشكره.
(171/15)
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد فوجد فيه أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- فسألهما فقالا: أخرجنا الجوع، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وأنا أخرجني الجوع)) فذهبوا إلى أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري، فأمر لهم بشعير عنده يعمل، وقام يذبح لهم شاة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نكب عن ذات الدر)) فذبح لهم شاة واستعذب لهم ماء، فعلق في نخلة، ثم أتوا بذلك الطعام فأكلوا منه، وشربوا من ذلك الماء، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لتسألن عن نعيم هذا اليوم)).
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يأكل خبزاً بسمن، فدعا رجلاً من أهل البادية فجعل يأكل ويتبع باللقمة وَضَرّ بالصحفة ...
وَضَرَ الصحفة.
نعم؟
وَضَرَ الصحفة.
ويتبع باللقمة وضر الصحفة، فقال عمر -رضي الله عنه-: كأنك مقفر فقال: والله ما أكلت سمناً، ولا رأيت أكلاً به منذ كذا وكذا، فقال عمر: لا آكل السمن حتى يحيا الناس من أول ما يحيون".
وحدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: "رأيت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يومئذٍ أمير المؤمنين يطرح له صاع من تمر فيأكله حتى يأكل حشفها".
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: سئل عمر -رضي الله عنه- عن الجراد فقال: "وددت أن عندي قفعة نأكل منه".
(171/16)
وحدثني عن مالك عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن حميد بن مالك بن خثيم أنه قال: كنت جالساً مع أبي هريرة -رضي الله عنه- بأرضه بالعقيق فأتاه قوم من أهل المدينة على دواب، فنزلوا عنده، قال: حميد فقال أبو هريرة: "اذهب إلى أمي فقل: إن ابنك يقرئك السلام، ويقول: أطعمينا شيئاً، قال: فوضعت ثلاثة أقراص في صحفة، وشيئاً من زيت وملح، ثم وضعتها على رأسي، وحملتها إليهم، فلما وضعتها بين أيديهم كبر أبو هريرة، وقال: الحمد لله الذي أشبعنا من الخبز بعد أن لم يكن طعامنا إلا الأسودين الماء والتمر، فلم يصب القوم من الطعام شيئاً، فلما انصرفوا قال: يا ابن أخي أحسن إلى غنمك، وامسح الرعام عنها، وأطب مراحها، وصل في ناحيتها فإنها من دواب الجنة، والذي نفسي بيده ليوشك أن يأتي على الناس زمان تكون الثلة من الغنم أحب إلى صاحبها من دار مروان".
وحدثني عن مالك عن أبي نعيم وهب بن كيسان قال: أتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بطعام ومعه ربيبه عمر بن أبي سلمة، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((سم الله، وكل مما يليك)).
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: "جاء رجل إلى عبد الله بن عباس، فقال له: إن لي يتيماً وله إبل، أفأشرب من لبن إبله؟ فقال له ابن عباس: إن كنت تبغي ضالة إبله وتهنأ جُرباها
جَرباها.
وتهنأ جَرباها، وتلط حوضها، وتسقيها يوم وردها، فاشرب غير مضر بنسل، ولا ناهك في الحلب".
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه: "أنه كان لا يؤتى أبداً بطعام ولا شراب حتى الدواء فيطعمه أو يشربه إلا قال: الحمد لله الذي هدانا وأطعمنا وسقانا، ونعمنا الله أكبر، اللهم ألفتنا نعمتك بكل شر فأصبحنا منها وأمسينا بكل خير، فنسألك تمامها وشكرها، لا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، إلهُ الصالحين، وربُ العالمين.
إلهَ، إلهَ.
ولا إلهُ غيرك
إلهَ الصالحين.
إلهَ الصالحين، وربُ العالمين
ربَ.
وربَ العالمين، الحمد لله، ولا إله إلا الله، ما شاء الله، ولا قوة إلا بالله، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، وقنا عذاب النار".
(171/17)
قال يحيى: سئل مالك هل تأكل المرأة مع غير ذي محرم منها أو مع غلامها؟ فقال مالك: ليس بذلك بأس إذا كان ذلك على وجه ما يعرف للمرأة أن تأكل معه من الرجال.
قال: وقد تأكل المرأة مع زوجها، ومع غيره ممن يؤاكله، أو مع أخيها على مثل ذلك، ويكره للمرأة أن تخلو مع الرجل ليس بينه وبينها حرمة.
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عيسى بن مريم" وهذا من الإسرائيليات "كان يقول: يا بني إسرائيل عليكم بالماء القراح" القراح الخالص الذي ليس فيه كدر، وليس فيه ملوحة ولا شوائب "والبقل البري" الذي لا يكلفكم زراعة ولا حصد ولا مئونة، يعني تخففوا من هذه الدنيا "وخبز الشعير" الذي يباع بأرخص الأثمان، ولا تتكلفوا في طعامكم "وإياكم وخبز البر" هذا غالي، المسألة مسألة ممر، ومعبر إلى الدار الآخرة "وإياكم وخبز البر، فإنكم لن تقوموا بشكره" هذا من الإسرائيليات التي تذكر عن عيسى -عليه السلام-، وعلى كل حال هذا فيه لفت إلى أن الإنسان عليه أن يقتصد في أموره كلها، ولا يلزم أن يترك خبز البر؛ لأنه لا يقوم بشكره، عليه أن يأكل، لكن عليه أن يشكر، يأكل الحلال ويقوم بشكره، والله المستعان.
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد فوجد فيه أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب فسألهما فقالا: أخرجنا الجوع، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وأنا أخرجني الجوع)) " كان -عليه الصلاة والسلام- في عيشه شيء من الشدة، تمر به الأيام بل الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين لا يوقد في بيته نار -عليه الصلاة والسلام-، وإنما هما الأسودان الماء والتمر.
" ((وأنا أخرجني الجوع)) فذهبوا إلى أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري" ليجدوا عنده شيئاً يأكلونه "فأمر لهم بشعير عنده يُعمل" أشرف الخلق، وأكرم على الله يقدم له شعير، وهذا يدل على حقارة الدنيا، وأنها ليست بشيء، وأنها لا تزن عند الله جناح بعوضة، وأن الذي يضيق عليه في أمور الدنيا أنه ليس بدلالة على أن الله لا يحبه؛ لأن الدنيا يعطيها من يحب ومن لا يحب، بخلاف الدين، فالعبرة بالتقوى.
(171/18)
يقول: "فأمر لهم بشعير عنده يعمل، وقام يذبح لهم شاة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نكب عن ذات الدر)) " يعني ابتعد واجتنب عن ذات الدر ذات الحليب، يعني: لا تذبحها "فذبح لهم شاة، واستعذب لهم ماء" يعني طلب لهم ماءاً عذباً "فعلق في نخلة، ثم أتوا بذلك الطعام" الشعير والشاه "أتوا بذلك الطعام فأكلوا منه، وشربوا من ذلك الماء" بعد الجوع يأكلون من لحم هذه الشاة، ويشربون من هذا الماء البارد، وخبز الشعير مع أن الناس يتفقون على ذمه، الشعير عموماً يؤكل عند الحاجة، حتى يقول القائل: إنه الطعام المأكول المذموم، ويقدم لأشرف الخلق، والله المستعان.
"وشربوا من ذلك الماء، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لتسألن عن نعيم هذا اليوم)) " والحديث في الصحيح، إشارة إلى ما في سورة التكاثر {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [(8) سورة التكاثر] وإن كان بعض المفسرين يقول: إنها في الكفار الذين لا يستعملون هذا النعيم فيما يرضي الله -جل وعلا-، لكن السؤال عام؛ لأن من المسلمين من لا يشكر، ومنهم من يقصر في الشكر، فماذا عنه -عليه الصلاة والسلام-، وهذا السؤال أشرف الخلق يأكلون من خبز الشعير، ويشربون الماء، ويأكلون من لحم الشاة ثم يقول: ((لتسألن))؟ واللام واقعة في جواب قسم مقدر، والله لتسألن عن نعيم هذا اليوم.
ولا شك أن السؤال شامل، فمما يسأل عنه العظائم، ومما يسأل عنه ما دونها من الذنوب، ويسأل عن الصغائر، وقد يسأل عن خلاف الأولى، لا سيما إذا كان بهذه المنزلة؛ لأن هؤلاء النفر الرسول -عليه الصلاة والسلام- ومن معه أعرف الخلق بالله -جل وعلا-، فكونهم يشبعون هذا لا شك أنه بالنسبة لهم خلاف الأولى.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب كان يأكل خبزاً بسمن، فدعا رجلاً من أهل البادية، فجعل يأكل ويتبع باللقمة وضر الصحفة" وضر الصحفة يعني الذي يتعلق به شيء من الدسم، من السمن، يعني مثلما يبقى في الإناء شيء يسير من الإدام يتتبعه الآكل بما معه من خبز ونحوه.
(171/19)
"فقال عمر: كأنك مقفر" مقفر مجدب يابس بخلاف المخصب "كأنك مقفر، فقال: والله ما أكلت سمناً، ولا رأيت أكلاً به منذ كذا وكذا" ما رأى، فهو حينئذٍ معذور وإلا غير معذور؟ نعم معذور "فقال عمر: لا آكل السمن" يعني عمر يأكل سمن وخبز، أمير المؤمنين "ثم قال: لا آكل السمن حتى يحيا الناس" يعني يصيبهم الحيا، وهو الخصب، تصيبهم الحيا الخصب، ويشترك الناس في المأكول من السمن ونحوه فيأكل عمر، أما يأكل عمر دون رعيته فلا "حتى يحيا الناس من أول ما يحيون".
"وحدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال: "رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المؤمنين يطرح له صاع من تمر فيأكله حتى يأكل حشفها" يعني كونه يأكل هذا التمر بما فيه من جيد ورديء ورطب ويابس يدل على أنه متنعم؟ لا والله، عمر لم يتنعم، وهو أمير المؤمنين، ويحاسب نفسه عن رعيته الذي فيهم من يأكل وفيهم من لا يأكل، فأكله لهذا التمر كله بما فيه من الحشف يدل على أنه لا يأكل ولا يشبع، ولا يتنعم.
"وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال: سئل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن الجراد" إيش رأيك بالجراد؟ لما جاء الجراد قبل خمس سنوات قال الناس: هذه حشرات، وفزعوا منها، فزعوا منها وقالوا: هذه حشرات، ما السبب؟ نعم أنهم ما احتاجوا إليها، ولا اضطروا إليها، مع أنها مباحة يعني، ((أحلت لنا ميتتان ودمان ... السمك والجراد ... الكبد والطحال)) فهي مباحة، فلما جيء بها إلى الناس، والآن يحذر منها، يقول: الجراد ضار، نعم إذا رش بالسموم، واختلط به يكون ضار؛ لأن السم ضار، أما الجراد فليس بضار، لكن الناس يسمونه الآن حشرات، وينتقد بعضهم بعضاً، وإذا قدم تقززت النفوس، والسبب في هذا أن الدنيا فتحت على الناس، وكان الناس إلى عهد قريب يخرجون للبحث عنه، ويقول قائلهم: إن الجراد يرخص اللحم، لماذا؟ لأن اللحم لا يعرف إلا في المواسم في الأضحية وشبهها، فيقولون: الجراد يرخص اللحم، أما الآن فالجراد لا يعرف، ولو جيء به لم يؤكل، والله المستعان.
(171/20)
"سئل عمر -رضي الله تعالى عنه- عن الجراد، فقال: "وددت أن عندي قفعة" يعني زنبيل، إناء، قفعة، وإيش تسمونها يا أبو عبد الله القفعة؟
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . لا يا أبو عبد الله لا تجحد جزاك الله خير.
طالب:. . . . . . . . .
ما تتسمى، ما تعرفه؟ ترى هذا يا أبو عبد الله إن خالف الواقع فهو.
طالب:. . . . . . . . .
لا، تعرف المحدرة إيه بس؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا اللي أنا أبيك تقوله، المحدرة تعرفها.
"وددت أن عندي قفعة نأكل منه" يقول: وددت، يتمنى أن عنده لو جراد يأكل منه، والله المستعان، وهذا يدل الدلالة التي سبق أن ذكرناها أن الدنيا لا شيء، ولا تزن عند الله جناح بعوضة، ولا يعرف قدرها إلا أمثال هؤلاء.
قال: "وحدثني عن مالك عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن حميد بن مالك بن خثيم أنه قال: كنت جالساً مع أبي هريرة بأرضه بالعقيق" أبو هريرة الذي يوجد مغمىً عليه بين المنبر والحجر من الجوع عنده أرض بالعقيق، توسعوا، أبو هريرة عمّر بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- بما يقرب من نصف قرن، عمر له أرض بالعقيق "فأتاه قوم من أهل المدينة على دواب فنزلوا عنده" ضيوف "قال: حميد فقال أبو هريرة: "اذهب إلى أمي فقل: إن ابنك يقرئك السلام، ويقول: أطعمينا شيئاً، قال: فوضعت ثلاثة أقراص في صحفة" الآن إذا نزل بك ضيف أية ساعة من ليل أو نهار لا تحمل له أدنى هم، يؤتى بالطعام في أقرب وقت بالتليفون المطعم الفلاني ويحضر، وانتهى الإشكال، كان الناس إذا نزل بهم الضيف في منتصف الليل احتاجوا أن يعملوا له الطعام إلى صلاة الفجر، ويسهرون الليل كله من أجل أن يجهزوا الطعام لهذا الضيف، والله المستعان.
(171/21)
"إن ابنك يقرئك السلام، ويقول: أطعمينا شيئاً، قال: فوضعت ثلاثة أقراص في صحفة، وشيئاً من زيت وملح" هذا الإدام زيت وملح "ثم وضعتها على رأسي وحملتها إليهم" إلى أبي هريرة وأضيافه "فلما وضعتها بين أيديهم كبر أبو هريرة" الله أكبر، يعني هذه الأقراص الثلاثة التي وجدت مع الزيت والملح كأنه فتح، كبر أبو هريرة، الذي وجد مثل هذا بعد سنين مضت، كان ما يوجد مثل هذا، أبو هريرة يوجد مغمىً عليه ما به إلا الجوع، يظنون به شيء من الصرع -رضي الله عنه وأرضاه-.
"كبر أبو هريرة، وقال: الحمد لله الذي أشبعنا من الخبز بعد أن لم يكن طعامنا إلا الأسودين الماء والتمر" شبعوا من الخبز، والآن في بيوت المسلمين الخبز يرمى في القمائم؛ لأنه يحتاج إلى معالجة، يحتاج إلى أن تقطع منه وتضعه في طعام آخر، يبون شيء أسرع، والله المستعان، وصل الأمر في بعض البلدان المجاورة التي نكبت الآن بالحروب والقلاقل، وصل بهم الحد إلى أن كانوا يمسحون الماصات، ماصات الموظفين، بل زاد الأمر عندهم إلى أن مسحوا الخفاف برقائق الخبز، ثم انظر ترى الآن لهم أكثر من حدود ثلاثين سنة وهم في حروب، نسأل الله العافية، {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [(7) سورة إبراهيم] والسنن الإلهية واحدة لا تتغير ولا تتبدل، والله المستعان.
"فلم يصب القوم من الطعام شيئاً" يعني ما كفاهم ثلاثة أقراص "فلما انصرفوا قال: يا ابن أخي أحسن إلى غنمك" يوصيه بالغنم "أحسن إلى غنمك، وامسح الرعام عنها" الرعام: المخاط، وما يخرج من فمها وأنفها، "وامسح الرعام عنها، وأطب مراحها" يعني نظف المراح لا يصير فيه قطع خشب وإلا شيء شوك أو شيء يؤثر عليها "وصل في ناحيتها، فإنها من دواب الجنة" النبي -عليه الصلاة والسلام- لما سئل: نصلي في مرابض الغنم؟ قال: ((نعم)) وسئل: نصلي في مرابض الإبل؟ فقال: ((لا)).
"فإنها من دواب الجنة، والذي نفسي بيده ليوشكن أن يأتي على الناس زمان تكون الثلة من الغنم أحب إلى صاحبها من دار مروان".
(171/22)
يعني في أيام الفتن لا شك أن من عنده غنم، ويذهب بها إلى شعب من الشعاب يشرب من لبنها، ويأكل من نسلها، لا شك أن هذه تكفيه وتغنيه، وأما دار مروان في أوقات الفتن ماذا تفيده؟ وماذا تنفعه؟ ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، يفر بدينه من الفتن)).
قال: "وحدثني عن مالك عن أبي نعيم وهب بن كيسان قال: أتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بطعام ومعه ربيبه عمر بن أبي سلمة" عمر بن أبي سلمة ابن أم سلمة، ربيبه ابن زوجته -عليه الصلاة والسلام-، "فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((سم الله، وكل مما يليك)) " لأنه كانت يده تطيش في الصحفة، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((سم الله)) وهذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب، ((وكل مما يليك)) يعني لا تأكل من أعالي الصحفة؛ لأن البركة تنزل في أعاليها وفي وسطها، وهذا من أدب الطعام.
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: "جاء رجل إلى عبد الله بن عباس فقال له: إن لي يتيماً، وله إبل" يعني يتيم إما أخ، أو ابن عم، أو قريب، يكون وكيل عليه "وله إبل، أفأشرب من لبن إبله؟ " أو قريب منه ولو لم يكن هناك وكالة "فقال له ابن عباس" الخراج بالضمان، والغنم مع الغرم، إن كنت تقدم شيء لهذا اليتيم، ولمال هذا اليتيم انتفع وإلا فلا.
"فقال ابن عباس: إن كنت تبغي ضالة إبله" إذا ضل منها شيء ذهبت لتبحث عنه فاستفد، الخراج بالضمان، "وتهنأ جرباها" يعني إذا جرب بعضها تهنأها يعني تطليها بالقطران وتعالجها إذا مرضت "وتلط حوضها" يعني الحوض الذي فيه الماء تنظفه "وتسقيها يوم وردها، فاشرب غير مضر بنسل" يعني يجوز لك أن تشرب؛ لأنك تُقدم وهذا في مقابل هذه الخدمة "فاشرب غير مضر بنسل" يعني لا تشرب اللبن كله عن ولدها، "ولا ناهك في الحلب" يعني لا تأتي على كل شيء، اشرب حاجتك، لكن لا تأتي على كل شيء بحيث أذن لك فتقول: هذه فرصة "ولا ناهك في الحلب".
(171/23)
قال: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه: "أنه كان لا يؤتى أبداً بطعام" عروة بن الزبير "بطعام ولا شراب حتى الدواء فيطعمه أو يشربه إلا قال: الحمد لله الذي هدانا وأطعمنا وسقانا" وهذا من شكر النعمة، أن الإنسان يسمي في أول الأكل، ويحمد الله -جل وعلا- في آخره.
"إلا قال: الحمد لله الذي هدانا وأطعمنا وسقانا ونعمنا" وكثير من الناس يغفل عن هذا "الله أكبر، اللهم ألفتنا نعمتك" يعني وجدتنا نعمتك ووافتنا نعمتك بكل شر "ألفتنا نعمتك بكل شر، فأصبحنا منها وأمسينا بكل خير" يعني أنت ترزقنا يا ربنا ونحن نعصيك، يعني نزلت علينا وأتتنا هذه النعم ونحن نقارف المخالفات، ونحن على حال لا ترضيك "وأمسينا بكل خير" أمسينا بكل خير من هذه النعم "نسألك تمامها وشكرها، لا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك إله الصالحين" يعني منادى حذف حرف النداء "يا إله الصالحين، وربَ العالمين، الحمد لله، ولا إله إلا الله، ما شاء الله ولا قوة إلا بالله، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، وقنا عذاب النار" هذا الشكر، وإذا توطأ القلب مع اللسان حصل المزيد.
"قال يحيى: سئل مالك هل تأكل المرأة مع غير ذي محرم منها أو مع غلامها؟ " يعني بوجود محرمها "فقال مالك: ليس بذلك بأس" لا سيما وأنهم ليس عندهم سرج فلا ترى، وإذا أمنت الفتنة بأن كانت امرأة كبيرة وحضرت وأكلت هذا لا مانع منه إلا إذا وجدت الفتنة، فلا يجوز حينئذٍ أن تخالط الرجال، أو تجلس مع الرجال.
"لا بأس بذلك إذا كان ذلك على وجه ما يعرف للمرأة" يعني على الهيئة الموجودة عندهم، ما هو بيطرد هذا الكلام مع الاختلاف الجذري في أحوال الناس، وعادات الناس، وألبسة الناس، وتوسع الناس، وفساد القلوب من قبل بعض الرجال، كثير من الرجال قلوبهم فيها مرض، فمثل هذا لا يوجه إليهم مثل هذا الكلام، أن تأكل معه من الرجال.
على كل حال مثل هذا الكلام هو رأي الإمام مالك بهذه القيود، وبهذه الاحتياطات، ولا يلزم الموافقة عليه أيضاً، لا سيما في زماننا الذي نعيش فيه، وفيه ما فيه من الفتن، وفيه أيضاً ما يدعو إلى إثارة الغرائز والفتن من توسع الناس رجالاً ونساءً.
(171/24)
قال: "وقد تأكل المرأة مع زوجها ومع غيره ممن يؤاكله" يؤاكل الزوج، يعني لا بد من وجود محرم، على كل حال لا بد من وجود محرم "أو مع أخيها على مثل ذلك، ويكره للمرأة أن تخلو مع الرجل" والكراهة كراهة تحريم في عرف الإمام مالك: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)).
"ويكره للمرأة أن تخلو مع الرجل، ليس بينه وبينها حرمة" يعني ليس من محارمها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(171/25)
شرح: الموطأ – كتاب الجامع (4)
باب ما جاء في أكل اللحم - باب ما جاء في لبس الخاتم - باب ما جاء في نزع المعاليق والجرس من العنق - كتاب العين: (باب الوضوء من العين - باب الرقية من العين)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام مالك -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في أكل اللحم:
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "إياكم واللحم، فإن له ضراوة كضراوة الخمر".
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أدرك جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- ومعه حمال لحم، فقال: ما هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين قرمنا إلى اللحم فاشتريت بدرهم لحماً، فقال عمر: أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره أو ابن عمه أين تذهب عنكم هذه الآية {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} [(20) سورة الأحقاف]؟
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في أكل اللحم:
(172/1)
اللحم، من مأكول اللحم مما أباحه الله -جل وعلا-، في حيز الطيبات التي أبيحت، مما أحله الله -جل وعلا- لعباده، ومن اللحم ما حرمه الله -جل وعلا- على عباده، فما أباحه الله عليهم من بهيمة الأنعام، والطيور غير ذات المخالب، والحيوانات غير ذات الأنياب، وغير الحمر الإنسية التي جاء النص على تحريمها، وغير ذلك مما دل الدليل على حرمته، لا إشكال في أكله كبهيمة الأنعام، والدجاج والحمام، وما أشبه ذلك، والأصل مختلف فيه بين أهل العلم هل الأصل الإباحة أو الأصل الحظر بمعنى أنك إذا وقع في يدك لحم لا تدري ما أصله، حيوان لا تدري أهو مما أحله الله، أو مما حرمه الله عليك، كل على أصله، فمن يرى أن الأصل الإباحة يقول: كل، حتى يأتي دليل المنع، ومن كان أصله المنع يقول: لا تأكل حتى تقف على دليل الإباحة، ولا شك أن الثاني أحوط، لكن كل على أصله من أهل العلم، فمنهم من يقول: الحلال ما أحله الله، ومنهم من يقول: الحرام ما حرمه الله، والسامع لمثل هذا الكلام يقول: ما بينهم خلاف، مع أن الخلاف كبير، حلال ما أحله الله، فلا تأكل حتى تجد دليل الحل، فيكون حينئذٍ الأصل المنع، والثاني يقول: الحرام ما حرمه الله، فمعنى هذا أن تأكل إذا جهلت حتى يأتي دليل المنع، وعلى هذا يكون الأصل الإباحة، ولا شك أن الإنسان مطالب بأن يطيب المطعم ليكون مستجاب الدعوة.
(172/2)
ومقتضى ذلك أن يتورع عما فيه شبهة، فالأحرى والأجدر أن يتوقف المسلم ولا يدخل جوفه إلا ما يعرف حله، هذا الأحوط، وكل على مذهبه من أهل العلم، إذا عرفنا حل هذا اللحم، لحم الإبل أو الغنم أو البقر أو غيرها مما أباحه الله -جل وعلا-، نقول: هو من الطيبات، {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] فأكله مباح، هذا هو الأصل، لكن قد يكون هذا المباح إذا اعتاده الإنسان وعود جسمه عليه فإنه حينئذٍ لا يستطيع مفارقته، ولذا يقول جمع من سلف هذه الأمة: تركنا تسعة أعشار الحلال خشية أن نقع في الحرام؛ لأن النفس إذا تعودت على الشيء وقرمت عليه، وصار فيها شيء من الإدمان على شيء من الأشياء فإنه يصعب فطامها عنه، وقد لا يتيسر في كل وقت، فقد يحتاج إليه الإنسان فيبحث عنه عن طريق الحلال فلا يجد، قد يجده في طريقٍ ملتوٍ فيه شيء من الشبهة فيقدم عليه؛ لأن نفسه تتوق إليه، وتنازعه فيه، وقد يزيد توقانه وقرمه إليه، فيسعى للحصول إليه، ولو بطريق محرم، فهم يتركون الحلال خشية أن يقعوا في الحرام، والكلام في الشبهات معروف.
واللحم من الأشياء، مما أباحه الله -جل وعلا-، مما يكون له ضراوة، بمعنى أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدونه، والآن وقد وسع الله على المسلمين -ولله الحمد والمنة- تجد البيت إذا لم يكن فيه لحم ما طبخوا لا غداء ولا عشاء، ويش نطبخ على ماء؟ عندهم كل شيء إلا اللحم، ما يمكن أن يقدم الطعام بدون لحم، وإذا جاء صاحب البيت من عمله، من دوامه، من تعليمه، من تجارته إلى البيت، وقال: أين الغداء؟ قالوا: والله ما عندنا شيء اليوم، إيش ما عندكم؟ ما عندكم رز؟ ما عندكم خضار؟ قالوا: لا، ما عندنا لحم، قد يمكن أن يقدم غداء بدون لحم ما يمكن، هذا شيء اعتاده الناس، اللحم له ضراوة، وعلى المسلم أن يعود نفسه على التكيف على مثل هذه الظروف؛ لأنه لا يمكن أن تستقيم له الحياة على حال، لا تتغير ولا تتبدل، فإذا تغيرت عنده الحال شق عليه ذلك مشقة عظيمة.
(172/3)
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال: "إياكم واللحم" تحذير، يعني الإدمان عليه، وكثرة تناوله، نعم يؤكل، وهو حلال، وأكله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأباحه الله على لسان نبيه، وفي كتابه -جل وعلا-، ومع ذلك التعود عليه يولد عند الآكل شيء من الإدمان بحيث لا يستطيع تركه، يقول: "فإن له ضراوة كضراوة الخمر".
يعني مثل الإدمان، مثلما نظرنا وذكرنا أن الإنسان قد يحصل له النفي المطلق، ما عندنا شيء، وهم عندهم كل شيء إلا اللحم، ويش لون نوقد النار على ماء؟ ما كأن عندهم شيء يطبخ؛ لأن ما عندهم لحم، هذا تعوده، الناس مستحيل تجلس على مائدة بدون لحم في الظروف التي نعيشها، فعلى الإنسان أن يتكيف حسب الظروف، يستعد لظروف الشدة؛ لأن الدنيا لا تدوم على حال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
اللحم الممنوع فيه كثير، وإذا كان المذكى هو المباح مما أباحه الله -جل وعلا-، فغير المباح كثير، وغير المذكى كثير.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال.
طالب:. . . . . . . . .
ويش الفرق؟
طالب:. . . . . . . . .
ما عندك إلا سمك وإلا جراد.
طالب:. . . . . . . . .
ما عدا الذبائح السمك والجراد، والباقي كله لا بد.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
ويش أنا قلت؟ أنا قلت هذا كله.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، منضبط، كلام أهل العلم منضبط يا أخي، منضبط ما فيه إشكال، كلامهم متسع.
على كل حال يقول: "فإن له ضراوة كضراوة الخمر" تجدون بعض الأطعمة وبعض المشروبات إذا اعتادها الإنسان لا يمكن أن ينفك عنها، تجد بعض الناس اعتاد شرب البيبسي مثلاً، أو غيره من المشروبات الغازية، لا يمكن أن يخلو منه سفراً ولا حضراً، الحوار تجد بعض الناس من يجعله في جيبه، لا يستطيع بدونه، المكسرات تجد بعض الناس ما يمكن لا سفر ولا حضر، ولا ليل ولا نهار يخلو جيبه من فصفص مثلاً، تعود على هذا، كل شيء له ضراوة، لكن اللحم فيه زيادة على ما ذكرنا.
(172/4)
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب أدرك جابر بن عبد الله ومعه حمال لحم" حمال لحم يعني ما يحمله الحامل، يحمل بيده شيء من اللحم، وكان الناس يخفون اللحم عند حمله من محل بيعه إلى البيت لقلته، فتجدهم يخفونه عن الناس، هذا جابر -رضي الله عنه- معه حمال لحم، يعني ما يحمل، "فقال: ما هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين قرمنا إلى اللحم" يعني اشتدت شهوتنا إليه، اشتدت شهوتنا إلى اللحم، "فاشتريت بدرهم لحماً" يعني ما كان عندهم ما يحفظ به اللحم، لو اشترى أكثر من ذلك يفسد، فاشتريت بدرهم لحماً، اللهم إلا أن يقدد ويجفف، يحفظ بهذه الطريقة "فاشتريت بدرهم لحماً، فقال عمر: أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره أو ابن عمه" نعم ليكون مثله في عدم شراء اللحم، كانت بطونهم خاوية لقلة ذات اليد في الصدر الأول، في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وأبي بكر، وأول خلافة عمر قبل أن تفتح الفتوح وتكثر، وتوسع الدنيا على الناس، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يربط الحجر على بطنه، بعض الناس لا يتصور معنى ربط الحجر على بطنه، يمشي الإنسان وببطنه حجر؟ ما يمكن، لا لا يمكن، يريدون بذلك أن يعتدل الظهر؛ لأن البطن إذا خلا انحنى الظهر، حتى قال القائل: كنا نظن أن الأرجل تحمل البطون، فوجدنا العكس، البطن هو الذي يحمل الأرجل؛ لأنه إذا فرغ البطن انحنى الظهر ثم برك خلاص؛ لأنه إذا انحنى الإنسان قرب من الأرض، كان سقوطه وجلوسه في الأرض أكثر، إذا انحنى الظهر، يعني نمثل بمثل هذا، ترون كثيراً من الأحوال لو مدينا شوي سقط على وجهه؟ نعم، لكن لو استقام يمكن يسقط؟ ما يمكن يسقط، يعني كلامهم كنا نظن أن الأرجل تحمل البطون، فإذا البطون تحمل الأرجل، ويش الكلام هذا؟ اللي يسمعه لأول مرة يقول: ويش هو؟ هذا الكلام ما هو بصحيح، ويش جاب البطون؟ يمشي على بطنه! لا، إذا وجد البطن استقام الظهر، وإذا استقام الظهر اعتدل المشي، وأمن السقوط، ولذا يربطون الحجارة على بطونهم، والحجارة ليست حجارة من النوع الثقيل، يوجد حجارة مثل اللوح يربطونها على البطن بحيث يستقيم.
(172/5)
"أو ابن عمه، أين تذهب عنكم هذه الآية {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} [(20) سورة الأحقاف] " يعني التوسع في أمور الدنيا لا شك أن له ضريبة، يعني الإنسان في مقابل ما يعمله من الأعمال الصالحة يستحق الأجر العظيم عند الله -جل وعلا-، وبقدر ما يعطى من النعم، منها ما هو مكافئة لهذا العمل الصالح
{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} [(20) سورة الأحقاف] ولذا جاء في الحديث الصحيح على ما تقدم: ((لتسألن عن هذا النعيم)) ويش هذا النعيم؟ أقراص شعير ولحم، وأخرجهم من بيوتهم الجوع، فكيف بمن يعيش هذه الحالة وهذه الحياة طيلة عمره، منذ ولد إلى أن مات؟! يعني جيلنا مثلاً لا أذكر أننا احتجنا شيئاً فلم نجده ولله الحمد، بينما الجيل الذي قبلنا يذكرون بعض الشيء، والله أعلم في المستقبل ماذا سيكون؟ لكن الإنسان عاش الآن خمسين ستين سبعين سنة ما احتاج، لا شك أن هذا النعيم له ضريبة، والشدة لها أيضاً ضريبة، تدخر الأعمال الصالحة كاملة، يعني ما يستعجل شيئاً من حياته، ولذا يقول الصحابي في مصعب بن عمير، ماذا يقول؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه نبي من أول الحديث، من أول الحديث، معروف وإلا ما هو بمعروف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما ينفع، اللي ما هو محفوظ ما هو معروف.
(172/6)
يقول الصحابي -رضي الله تعالى عنه-: "إننا عشنا في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ودخلنا في الإسلام على شيء من الشدة، فأينعت هذه الدنيا لنا، فصرنا نهدبها، يعني نقطفها، فمنا من مات ولم يستوف من حقه شيئاً، مصعب بن عمير مات ولديه قطعة كُفن فيها إن غطي بها رأسه بدت رجلاه، وإن غطيت رجلاه بدا رأسه، هؤلاء ما استوفوا من دنياهم شيء، وادخر ووفر لهم الأجر كامل يوم القيامة، لكن من اقتصر على المباحات الطيبات التي أحلها الله له -جل وعلا-، لا شك أن من صبر على الشدائد أفضل بخلاف من استوفى شيئاً من حقه بدنياه، لكن يبقى أن من لم يتعد الحلال ولم يتجاوزه هذا على خير -إن شاء الله تعالى-، لا سيما إذا شكر هذه النعم، والخلاف بين أهل العلم في الفقير الصابر والغني الشاكر معروف عند أهل العلم، منهم من يرجح الغني الشاكر لحديث: ((ذهب أهل الدثور بالأجور)) لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أرشدهم إلى الذكر، فسمع الأغنياء هذا التوجيه فصاروا يذكرون الله -جل وعلا-، إضافة إلى ما يتصدقون به من هذه الدثور، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)) وفضل الشاكر على الصابر بهذا، ومنهم من يقول: الصابر أفضل، وقد جاء في مدح الفقر نصوص، منها أن الفقير يدخل الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، أو بمائة وعشرين عام، وفي رواية: بأربعين عاماً، وكلها مصححة عند أهل العلم، والجمع بينها أن الفقر والغنى أمور نسبية، فبين أفقر الناس وأغنى الناس كم؟ خمسمائة، فمن دون الأغنى ومن دون الأفقر بينهما مائة وعشرين وهكذا.
شيخ الإسلام يرى أن مثل هذه الأوصاف العارضة لا يفضل بها، وإنما التمايز والتفاضل إنما هو بالتقوى، إن كان الغني الشاكر أتقى لله -جل وعلا- من الفقير الصابر فهو أفضل، وإن كان الفقير الصابر أتقى لله -جل وعلا-، وأخشى له من الغني الشاكر كان أفضل، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في لبس الخاتم:
(172/7)
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يلبس خاتماً من ذهب، ثم قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنبذه، وقال: ((لا ألبسه أبداً)) قال: فنبذ الناس بخواتيمهم.
وحدثني عن مالك عن صدقة بن يسار أنه قال: سألت سعيد بن المسيب عن لبس الخاتم فقال: البسه، وأخبر الناس أني أفتيتك بذلك.
يقول:
باب ما جاء في لبس الخاتم:
الخاتم فيه لغات كثيرة، يعني حدود عشر لغات ذكرها العلماء، واستوفاها الحافظ ابن حجر -رحمه الله-، وهو ما يوضع في الأصبع، أصبع اليد، وموضعه أصبع اليد اليمنى الخنصر أو البنصر، كما جاء في الأحاديث الصحيحة.
قال: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يلبس خاتماً من ذهب" كان النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر لا يلبس الخاتم، حتى قيل له: إن فارس لا يقرؤون الكتاب إلا مختوماً فاتخذ الخاتم، اتخذ خاتماً، كان يلبس خاتماً من ذهب "ثم قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنبذه" لأنه إنما يلبسه من لا خلاق له، حرام على ذكور هذه الأمة حل لإناثها، "فنبذه" يعني طرحه وألقاه "وقال: ((لا ألبسه أبداً)) قال: فنبذ الناس بخواتيمهم" ابتداءً به -عليه الصلاة والسلام-، فنبذوها ولم يأخذوها ولم يبيعوها، ولم يستفيدوا من قيمتها، لماذا؟ لأنها شيء تركوه لله -جل وعلا-، فلا يرجعون فيه، وإن كان الإنسان إذا كان عنده شيء من المحرمات مما يستفاد منه على غير هذا الوجه فبلغه الحكم له أن يبيعه، شخص كان يلبس الخاتم من ذهب ثم تاب، ماذا يقال له؟ لو باعه ما عليه شيء، لكن لو نبذه وألقاه وتركه لله -جل وعلا- وتصدق به كان أفضل وأكمل.
(172/8)
النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يلبس الخاتم إلا بعد أن قيل له: إن فارساً لا يقرؤون الكتاب إلا إذا كان مختوماً، أخذ منه بعض أهل العلم أن الخاتم لا يشرع مطلقاً إلا لمن احتاجه، الذي احتاجه لتوثيق عقوده لا بأس أو خطاباته ومراسلاته من أمير وقاضي وشخص من أهل التجارة له معاملات واسعة، يخشى أن يزور عليه هذا محتاج يلبس الخاتم، أما من عداه فلا؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يتخذه إلا لهذا الغرض، ومنهم من يقول: إنه سنة مطلقاً كما سيأتي في كلام سعيد، وهو قول جمع من أهل العلم، ومنهم من يرى أنه شيء من العادات لا يلبس تعبداً، فإن كان جرى العرف في بلده، وأهل قريته أنهم يلبسون يلبس وإلا فلا؛ لئلا يكون شهرة بين الناس.
"فنبذ الناس خواتيمهم".
قال: "وحدثني عن مالك عن صدقة بن يسار أنه قال: سألت سعيد بن المسيب عن لبس الخاتم فقال: البسه، وأخبر الناس أني أفتيتك بذلك" يعني أحياناً يوجد في بعض الظروف، في بعض الأوقات، في بعض البلدان يكون هذا الأمر الذي هو في أصله له أصل شرعي يكون سمة وعلامة على فئة من الناس ليست هي خيار الناس، مثل تربية الشعر، تجد الشباب الذين يربون الشعر في الغالب أمورهم غير مستقيمة، وأحوالهم غير مستقيمة، وإذا سئل، قال: والله النبي -عليه الصلاة والسلام- يربي الشعر، لكن أنت تقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وثوبك مسبل، ولحيتك محلوقة، وتقول: أقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، هذه القرائن تدل على كذبك، وأنك ما اقتديت بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وإنما اقتديت بفلان أو علان من المخالفين.
والخاتم من هذا النوع، قد تجد أحياناً الخاتم يلبسه من لا خلاق له، ويصير شعاراً عليهم، ويبقى أن الحكم الشرعي لا يتغير، لكن إذا كان علامة ودلالة على نوع من الجيل ليسوا هم خيار الناس، ولم يتخذوه اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا عملاً بسنته تجده يلبس تقليداً لفلان أو علان ممن لا ترضى سيرته، فيحذر منه، فتجد التحذير منه أحياناً.
(172/9)
البياض أفضل من غيره من الألوان ((البسوا من ثيابكم البياض وكفنوا فيها موتاكم)) الشيوخ عموماً يلبسون الأحمر مع أنه جاء النهي عن الأحمر الخالص، وهو ليس بأحمر خالص، جاء النهي عن الأحمر، ويلبسون الأحمر، والبياض أفضل، لماذا لا يلبسون الغتر البيضاء؟ يلبسون الغتر الحمراء، الشماغ، وقد سئل بعضهم، سأله بعض الشباب، وقال: أيهما أفضل الغترة أو الشماغ؟ قال له: الغترة أفضل، لكن لما لبسته أنت وأمثالك؛ لأن مظاهر الفسق عليه ظاهرة، قد يحتاج إلى مثل هذا الأسلوب قد يحتاج إليه، وإن كان الأصل أن يكون الرد أجمل ليكون أدعى إلى القبول، لكن قد يحتاج لمثل هذا الأسلوب لا سيما إذا كان الإنسان الخصم فيه شيء من الوقاحة، بعض الناس يسأل أسئلة ليس هذا محلها، أو يسأل أسئلة تعجيز فيحتاج لمثل هذا الرد.
على كل حال المداراة والحكمة لا سيما إذا اختلط الحابل بالنابل، وصار الناس كل رأيه في رأسه، ولا يرى أحد، وأعجب كل ذي رأي برأيه، كل هذا المداراة مطلوبة.
قال: "سألت سعيد بن المسيب عن لبس الخاتم فقال: البسه" لماذا؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لبسه، "وأخبر الناس أني أفتيتك بذلك" يعني كأن سعيداً جازم بأن هذه هي السنة، وهذا رأيه -رحمه الله-، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في نزع المعاليق والجرس من العنق:
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم أن أبا بشير الأنصاري -رضي الله عنه- أخبره أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره قال: فأرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسولاً، قال عبد الله بن أبي بكر: حسبت أنه قال: وللناس في مقيلهم.
والناسُ.
والناس في مقيلهم، لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت.
قال يحيى سمعت مالكاً يقول: "أرى ذلك من العين".
يقول -رحمه الله-:
باب ما جاء في نزع المعاليق والجرس من العنق:
(172/10)
المعاليق التي تعلق على الدواب أو على الصبيان خشية العين هذه تنزع؛ لأن التعلق بغير الله -جل وعلا- شرك، فإن كانت هذه المعاليق ليست من الأسباب الشرعية ولا القدرية، يعني ما جرت العادة بأنها تنفع، وليست من الأسباب الشرعية، فهذا هو الشرك الأكبر نسأل الله العافية، من تعلق شيئاً وكل إليه، فهذا يجب قطعه ونزعه، ومع ذلك الأحرى والأحوط هو مذهب ابن مسعود -رضي الله عنه-، أن هذه المعاليق تنزع من أي شيء، ولو كانت من القرآن، على أي هيئة، وعلى أي صفة كانت، وينبغي أن يفرغ التعلق ويكون بالله -جل وعلا- لا بغيره، فتعليق شيء من القرآن لا شك أن القرآن لم يرد بهذا، لم يرد من أجل هذا أن يعلق، وإنما ورد لتعلمه والعمل به، فتنزع جميع المعاليق، والجرس من العنق، يعني من عنق الدواب، وجاء النهي عن صحبة من معه، أو من فيه جرس، والملائكة لا تصحب رفقة فيها جرس، وجرس الدواب معروف، يُعرفه أهل العلم بأنه سطل صغير منكوس من حديد أو نحاس، منكوس فيه قطعة من الحديد، إذا مشت الدابة صار له صوت وطنين، هذا الصوت وهذا الطنين والإطراب في هذا الصوت هو الذي من أجله لا تصحب الرفقة من معهم مثل هذا الجرس.
وأقول: إن مثل هذا الجرس وصوته معروف، يعني ما سمعتم صوت مثل هذا الجرس؟ يعني إطرابه ليس بقوي، فأقول: هو الحد الفاصل بين هذه النغمات التي يختلف فيها، فإن كانت مثل جرس الدواب أو أشد تمنع، وإن كانت أقل فالأمر في ذلك سهل.
الجرس ممنوع، والملائكة لا تصحب رفقة فيها جرس، وله جهتان: جهة طنين وصوت متدارك، وجهة إطراب، فمن جهة الإطراب يمنع، ومن جهة طنينه وصوته المتدارك شبه به الوحي، ((أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس)) ولقائل أن يقول: كيف يشبه الوحي وهو محمود بصوت الجرس وهو مذموم؟ نقول: الجرس له أو صوته له جهتان، جهة طنين، وتدارك في الصوت، من هذه الحيثية شبه به الوحي، وجهة إطراب من أجل هذه الجهة منع الجرس، فالتشبيه لا يقتضي المشابهة من كل وجه كما هو معلوم.
(172/11)
"وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم أن أبا بشير الأنصاري أخبره أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، قال: فأرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسولاً -قال عبد الله بن أبي بكر: حسبت أنه قال: والناس في مقيلهم-" والقيلولة تكون في وسط النهار قبل زوال الشمس "قائلاً: ((لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة)) " سواءً كانت هذه القلادة من وتر خاصة من هذا الوتر أو أي قلادة كانت ((إلا قطعت)) حماية لجنابة التوحيد، وسداً للذرائع الموصلة إلى الشرك.
"قال يحيى سمعت مالكاً يقول: "أرى ذلك من العين" فإذا اعتقد أن هذه تدفع العين لا شك أن مثل هذا محرم، التعلق بغير الله -جل وعلا-، القلب يجب أن يفرغ لله -جل وعلا-، الذي بيده النفع والضر دون ما سواه، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
إذا عرف السبب، يعني تستعمل استعمال بسبب ظاهر، يعني بسبب عادي، هذا ما في إشكال.
طالب:. . . . . . . . .
ولو كان، يعني ينظر إلى صوت ليس فيه إطراب.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لإيش؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني على الحيطان؟
طالب:. . . . . . . . .
آية الكرسي مثلاً، أو حديث كفارة المجلس في المجلس موضوعة من أجل أن يتذكر الإنسان إما أن يقرأ آية الكرسي، أو يحفظ آية الكرسي إذا كان لا يحفظها، أو غيرها من الآيات، أو يذكر بكفارة المجلس إذا أراد الانصراف، هذا مقصد حسن وطيب، لكن اللي أعرف أن المشايخ ما أجازوا ولا مثل هذه الصورة، وأن القرآن ما أنزل للتعليق، والاحتياط مطلوب.
سم.
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني علامة يعرف بها هذه من هذه، يعرف بها غنمه من غنم غيره مثلاً المختلطة، أو يعرف بها ذات الأقيام المرتفعة، ما في إشكال، إذا عرف السبب صار سبب ظاهر ليس فيه أدنى تعلق ترتفع العلة، إذا ارتفعت العلة ارتفع الحكم.
طالب:. . . . . . . . .
هذه بعد للتعليم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش تصير؟
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . .
إذا أشبهه في الإطراب منع كمنعه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(172/12)
هذا يقول: النجر الذي يستعمل في طحن الأشياء الصلبة لا شك أن فيه صوت إطراب، وهو مثل الجرس، فإذا كان صوته يشبه صوته يمنع من هذه الحيثية.
طالب:. . . . . . . . .
الجوال. . . . . . . . . النغمات؟
طالب:. . . . . . . . .
قلنا: إن الحد الفاصل الوارد في النص هو الجرس، فإذا كانت النغمة تطرب مثل إطراب الجرس منعت، وإن كانت أشد فمن باب أولى، وإن كانت دون فالأمر فيه سهولة، سهل -إن شاء الله-.
طالب: النجر يا شيخ يطير العنز ....
ويش هو؟
طالب: أقول يا شيخ النجر يطير العنز. . . . . . . . .
والله ما أدري ويش؟ أحياناً مع بعض المهرة الذي يصدر صوتاً مطرب، نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
كتاب العين:
باب الوضوء من العين:
وحدثني يحيى عن مالك عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول: اغتسل أبي سهيل بن حنيف بالخرار ...
سهل، سهل.
سم.
اغتسل أبي سهل بن حنيف
اغتسل أبي سهل بن حنيف بالخرار، فنزع جبة كانت عليه، وعامر بن ربيعة ينظر، قال: وكان سهل رجلاً أبيض حسن الجلد، قال: فقال له عامر بن ربيعة: ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء، قال: فوعك سهل مكانه، واشتد وعكه، فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبر أن سهلاً وعك، وأنه غير رائح معك يا رسول الله، فأتاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت؟! إن العين حق، توضأ له)) فتوضأ له عامر، فراح سهل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس به بأس.
وحدثني مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه قال: رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فلبط سهيل ...
سهل، سهل.
فلبط سهل، فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقيل: يا رسول الله هل لك في سهل بن حنيف والله ما يرفع رأسه؟ فقال: ((هل تتهمون له أحداً)) قالوا: نتهم عامر بن ربيعة، قال: فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامراً فتغيظ عليه، وقال: ((علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت؟! اغتسل له)) فغسل عامر وجهه ويديه ومرافقيه ...
مرفقيه.
(172/13)
ومرفقيه وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح، ثم صب عليه، فراح سهل مع الناس، ليس به بأس.
يقول -رحمه الله تعالى-:
كتاب العين:
العين: هي إصابة العائن غيره بسبب نظرة مع تحرك ما في قلبه غير السليم، فتنبعث قوى مؤثرة من عينه بتقدير الله -جل وعلا- إلى المعيون فيتأثر، والعين حق كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو كان شيئاً سبق القدر سبقته العين، والناس في هذا الباب إما مفرط أو مفرط، والمعتدل في هذا الباب قليل، تجد بعض الناس عنده إفراط، بمعنى أنه يطلب من كل من قابله أن يذكر الله -جل وعلا-، اذكر الله، قل ما شاء الله خشية من هذه العين، ومثل هذا أكثر من يصاب بالعين، المسألة مسألة فيها شيء من التدافع، وغالب ومغلوب، فمثل هذا أكثر من يصاب بالعين، ضعيف هذا أمام العين، وأعرف شخصاً زاد على السبعين، وليس فيه أدنى مسحة من جمال، ولم يتزوج، وفقير، عائش على الزكوات، ويمشي في الأسواق، فإذا قابل أحداً: قل ما شاء الله يكتب لك حسنة، قل ما شاء الله يكتب لك حسنة، خائف من العين المسكين، الناس يقولون: كيف يعان مثل هذا؟ ما فيه، فهذا لا شك أن هذا النوع موجود، بعض الناس يخاف مخافة شديدة من العين، ولا كأن هذه الأوراد إنما شرعت لدفع ما يضر، وبعض الناس مفرط، الأسباب منعقدة، ومع ذلك يتحدث في المجالس، أنا أفعل أنا أترك، أنا كذا أنا كذا، ولا يهتم، فلا إفراط ولا تفريط، العين حق، لكن مع ذلك التوكل على الله -جل وعلا- مطلوب، والاستعانة به، وبذل الأسباب الشرعية، لكن لا هذا ولا هذا، فعلى المسلم أن يكون متوسطاً في أموره كلها.
باب الوضوء من العين:
الوضوء على الصفة التي جاءت في هذا الحديث في بعض طرقه، ولا يلزم أن يكون الوضوء المراد به الوضوء الشرعي، بل المراد به الوضوء اللغوي، ولو توضأ وضوءاً شرعياً نفع بإذن الله -جل وعلا-.
(172/14)
قال: "وحدثني يحيى عن مالك عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول: اغتسل أبي سهل بن حنيف بالخرار" موضع قرب الجحفة التي هي ميقات أهل الشام ومصر والمغرب "بالخرار، فنزع جبة كانت عليه" يعني ألقى ما على أعلى بدنه وكشفه "وعامر بن ربيعة ينظر" عامر بن ربيعة صحابي، والعيان جاء في حقه الوعيد الشديد، جاء: "العيان في النار" نسأل الله العافية، الذي يعين الناس يحرم عليه مثل هذا، وعليه أن يكثر من الذكر، ويقلل من الخلطة؛ لئلا يتضرر الناس به "وعامر بن ربيعة ينظر إليه" والصحابة ليسوا معصومين، يوجد فيهم مثل هذا، لكنهم يوفقون للتوبة، كما قرر ذلك أهل العلم.
"وعامر بن ربيعة ينظر، وكان سهل رجلاً أبيض، حسن الجلد، فقال له عامر بن ربيعة: ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء" يعني بنت، ولا جلد عذراء، وفي الرواية الأخرى الآتية: ولا جلد مخبأة، يعني لا تبرز للشمس فتغير جلدها أو لونها "ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء، قال: فوعك سهل مكانه" لأنها مباشرة، ما هي تأتي تدريجياً كالمرض يزيد شيئاً فشيئاً لا، مباشرة، يتأثر بها المعيون، ثم بعد ذلك الأثر أيضاً، قد يقف عند حد، وقد يستمر ويزيد شيئاً فشيئاً حتى يقضي على الإنسان، فالعين تورد الإنسان القبر، والبعير القدر، لا شك أنها .. ، وأكثر الأمراض المستعصية الآن لا سيما ما يعرف بالسرطان كثير منه بسبب العين، تجد الإنسان سليم معافى ما في أدنى إشكال، ثم يقال: والله فيه سرطان منتشر، أكثر ما يكون بسبب العين.
"قال: فوعك سهل مكانه، واشتد وعكه" يعني مرضه "فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبر أن سهلاً وعك، وأنه غير رائح معك يا رسول الله، فأتاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت؟! )) " يعني ذكرت الله -جل وعلا-، ودعوت لأخيك أن يبارك الله له.
((إن العين حق، توضأ له)) بعض الناس أبداً يقول: ما في شيء اسمه عين، هذا لا يلتفت إلى مثل هذه الأمور، لكن لو أصيب عرف أن هناك عين، كما أن بعضهم يقول: لا يتصور دخول الجني في الإنسي، لكن لو دخل فيه عرف أن هناك تلبس، والله المستعان.
(172/15)
" ((إن العين حق توضأ له)) فتوضأ له عامر، فراح سهل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس به بأس" مباشرة، فالإصابة بها سريعة، والبرء منها سريع.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
هو القصة في الصحيحين ما في إشكال، لكن عن محمد بن أبي أمامة بن سهل سمع أباه -أبو أمامة-، اتصاله ظاهر ما في إشكال.
طالب:. . . . . . . . .
إي نعم، أنه سمع أباه يقول، سمع تصريح، هذا في الصحيحين الحديث.
قال: "وحدثني مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه قال: رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فلبط سهيل" يعني صرع، ووقع على الأرض "فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقيل له: يا رسول الله هل لك في سهل بن حنيف والله ما يرفع رأسه؟ فقال: ((هل تتهمون له أحداً؟ )) " نعم إذا قويت التهمة ضد إنسان يطلب منه ما طلب النبي -عليه الصلاة والسلام- من عامر، لكن مجرد شكوك أو ظنون أو أوهام توجد البغضاء بين المسلمين بسبب هذه التهم فلا، لكن إذا وقف على الحقيقة، وسمع الكلام من العائن، وكان هذا العائن مجرباً رآه على حال يغبط ويحسد عليها، ثم تلفظ بكلمات، صرع ولبط على إثرها، التهمة قوية، لكن إنسان أصيب فقال: والله احتمال أن يكون فلان مر بي أمس، أو قبل أمس، أو مر من عندنا، أو شيء، هل قال شيء؟ هل ذكر شيء؟ أبد ما حصل شيء، هذا لا شك أن مثل هذا مما يورث الإحن والعداوات بين المسلمين، ولا يستند ولا يعتمد على دليل يمكن أن يعول عليه، ما في دليل يستمسك به.
ولذا يخطئ بعض الرقاة يقول: أنت تذكر أحد؟ تتهم أحد؟ فإن كان عنده مثل هذا جاءت المناسبة في الحال التي يغبط عليها، وجاء من عرف بالعين، وتكلم بكلام أصيب على إثره التهمة قوية، وتصل إلى غلبة ظن، يمكن أن يعول عليها، أما إذا لم تصل إلى هذا الحد فلا.
(172/16)
قد يطلب من العائن مثل هذا الأمر من حيث لا يشعر، أصيب فلان فيطلب من مجموعة من الناس أن يستغسلوا، وفيهم هذا الشخص الذي يتبادر إلى الذهن أنه هو العائن، فلا يخص بهذا الأمر؛ لئلا يقع في نفسه شيء؛ لئلا يوجد عداوة من أجل هذا، أو شيء من ذلك، يطلب منه ومن غيره، هذا الاغتسال المذكور في الحديث، أو هذا الغسل لبعض المواطن من جسده، فيه هذا الحديث، فمثل هذا يزول ما في النفس، وإلا الاتهام بمثل هذه الأمور لا شك أنه لا يجوز، إلا إذا قويت القرائن والدلائل على أنه هو السبب.
فقال: ((هل تتهمون له أحداً؟ )) ... ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن ويش معنى تتهموا؟ معناه تشكون؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، الاتهام لا بد أن يكون بأمر راجح، يعني هل لك إذا سرق من متاعك شيء أن تقول: والله أنا أتهم جاري بدون دلائل ولا قرائن، لك ذلك وإلا لا؟ ليس لك ذلك، وهذا مثله، إذا كان هناك قرائن ودلائل تدل على أنه يغلب على الظن أنه هو السبب لا سيما مثل هذه الملابسات، ملابسات هذا أبرز جلده، وقال: ذاك ولا جلد مخبأة، ولبط على إثرها، يعني ما هي مسألة اتهام، هذه غلبة ظن قوية، بل قد يحلف عليها أنه هو السبب.
طالب: لكن الرسول ما يعلم عن هذه القرائن إلا بعدما أخبر.
على كل حال مسألة السؤال، لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- مؤيد بالوحي، افترض أنهم اتهموا غيره، وبيطلب النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذا الرجل المتهم وهو غير المصيب بهذه العين، يطلب منه استغسال؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لو اتهموا غيره؟
طالب:. . . . . . . . .
(172/17)
لا، ما هو بالظاهر، لا لا، الرسول -عليه الصلاة والسلام- مؤيد بالوحي، ولا يمكن أن يدخل في مسألة يحصل فيها نزاع ولا شقاق، لكن مثل هذا الأمر هل تتهمون؟ إذا اتهم .. ، ولا يمنع أنه لما اتهموا فلان قال لهم: ما دليلكم على هذا الاتهام؟ لأنه لا بد أن يناقش الإنسان، يدعي دعوى ما يطاع في كل شيء، وهذا في جميع الأبواب، يعني لو جئت إلى القاضي وقلت: أتهم فلان بأنه سرق متاعي، يقول لك: ويش دليلك؟ ويش القرائن على ذلك؟ أو يقول: يا الله هاتوا فلان، ويتغيظ عليه، ويتكلم عليه بكلام قوي قاسي كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- بدون دلائل؟ ما يمكن يحصل مثل هذا، لا بد من الدلائل، أما أصل السؤال ثم بعد ذلك الجواب والمناقشة هل يثبت أو لا يثبت؟ المسألة قبل الوصول إلى الشخص لا بأس، هذه مقدمات وليست حكم.
طالب: بعض الرقاة يا شيخ يقرأ على المريض، ويقول: هل تتذكر أحد في ذهنك، أو مر أحد في مخيلتك، وعنده ضوابط معينة يتحفظ ألا يتحدث هذا المريض مع غيره حتى تقع هناك قطعية وكذا، لكن يستأنس بهذه الأشياء هل له ذلك؟
الآن الناس توسعوا، ومظاهر الاستعانة والإعانة من الشياطين ظاهرة، إذا قرأ عليه قال: الذي عانك شخص هذه أوصافه، ما الذي يدريه بهذه الأوصاف؟ والآن أنا أرى صورته في صدرك، هل هذه طرق شرعية؟ لا والله ليست بطرق شرعية، هذه إعانات شيطانية بلا تردد، نسأل الله العافية.
طالب: هذا الذي أصابك سبب قريب الذي عانه. . . . . . . . . من القراءة تضرر هذا المريض يقول: هل يتبادر إلينا بصورة ما. . . . . . . . .
لا، لا كل هذه أمور غيبية، لا يعول عليها ولا يعتمد عليها، تظهر الصورة جلية فتوغرافية على صدره طالعة هذا شغل ذا؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا أبداً، الآن الإعانة ظاهرة هذه، إعانة الشياطين ظاهرة هذه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه رقية، ما فيها إشكال.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال هذه رقية، واللي ما يقرأ هذا ...
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال إذا كانت عين، وظن أن هذا العائن الذي يغلب على الظن أنه موجود بين الناس في مسجد، هذه لا إشكال فيها -إن شاء الله-.
(172/18)
طالب: استعملها بعض الأخيار كنا نعرف عنهم صلاحاً، يقول: يرقي ويقرأ على الإنسان، يسأل المريض نفسه. . . . . . . . . لا يحكم هو من عند ذاته، ولم يقل: هل مر بك .... شخص أو في ذهنك صورة شخص أو كذا، ثم يغلب على ظنه أنه هو ....
لا لا، يجزمون بهذا.
طالب:. . . . . . . . .
ولو كان، عندنا مقدمات شرعية تورث لنا النتائج الشرعية.
طالب: من أين تأتي الصورة؟
ما تجي، إلا الشياطين، شياطين، صور من شياطين، سواءً كانت مرئية أو متخيلة كلها شياطين.
طالب:. . . . . . . . .
هم يقولون: إن أدنى شيء من العائن ولو كان فضل الطعام، أو شيء له .. ، أو أثره، أو شيء من هذا على كل حال ....
طالب:. . . . . . . . .
الأمور المحسوسة أمرها أسهل من الأمور .. ، التعلق بالمعنويات التي لا أثر لها ولا حقيقة لها.
يقول: "فقال: ((هل تتهمون له أحداً؟ )) قالوا: نتهم عامر بن ربيعة، قال: فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامراً فتغيظ عليه" هل يمكن أن يتغيظ عليه بمجرد دعوى؟ لا يمكن "وقال: ((علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت؟! )) " يعني لما يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت؟! لأن مثل هذه العين قد تؤدي به إلى القتل " ((اغتسل له)) فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره، في قدح، ثم صب عليه، فراح سهل مع الناس ليس به بأس" الآن الرواية الأولى معروف أنها في الصحيحين، الثانية التي فيها: ((هل تتهمون أحداً؟ )) يعني عند مالك، مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه قال: رأى عامر بن ربيعة، لكن على كل حال القصة أبو أمامة لم يشهدها، فهي مرسلة، هي مرسلة لكن الرواية الأولى تدل على أنه سمعها من أبيه، سمعها من أبيه.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال الإزار الذي في الغالب يمس البدن وهو معقده، الحقو، مثل التكة هذه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو التبريك، وما تدفع به الشرور النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يعوذ ويبرك الحسن والحسين ويدعو لهم مثل هذا دعاء مطلق بالحفظ وشبهه، ومنه أيضاً ما شاء الله {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [(39) سورة الكهف].
سم.
(172/19)
طالب: أحسن الله إليك ....
إي نعم إما بقية فنجان، أو النوى -نوى التمر- أو ما أشبه ذلك.
طالب:. . . . . . . . .
باعتبار أنه مما مسه العائن، قالوا: إن له تأثيران، وعلى كل حال الاقتصار على الوارد هو الأصل، لكن قد لا يتمكن من طلب الاستغسال، وقد يرفض، نعم.
أحسن الله إليك.
باب الرقية من العين:
وحدثني عن مالك عن حميد بن قيس المكي أنه قال: دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بابني جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- فقال لحاضنتهما: ((ما لي أراهما ضارعين؟ )) فقالت حاضنتهما: يا رسول الله إنه تسرع إليهما العين، ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أنا لا ندري ما يوافقك من ذلك؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((استرقوا لهما، فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين)).
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عروة بن الزبير حدثه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل بيت أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي البيت صبي يبكي، فذكروا له أن به العين، فقال عروة: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا تسترقون له من العين)).
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب الرقية من العين:
وجاء في الحديث: ((لا رقية إلا من عين أو حمة)) العين معروفة، والحمة: إصابة ذوات السموم من الحيات والعقارب ونحوها، هذه يسترقى منها، والحصر إضافي، فالرقية من جميع الأمراض، لكن لا رقية أنفع وأولى من الرقية من العين والحمة.
(172/20)
قال: "حدثني عن مالك عن حميد بن قيس المكي أنه قال: دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بابني جعفر بن أبي طالب" يعني لما قتل في مؤتة كما هو معروف، دخل بابنيه على الرسول -عليه الصلاة والسلام- "فقال لحاضنتهما" التي تولى تربيتهما: ((ما لي أراهما ضارعين؟ )) يعني خفيفين، نحيلين، ضعيفي البنية نضوي الخلقة، "فقالت حاضنتهما: يا رسول الله إنه تسرع إليهما العين، ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أنا لا ندري ما يوافقك من ذلك" لا بد من استئذانك، من أخذ الإذن من النبي -عليه الصلاة والسلام- في ذلك "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((استرقوا لهما)) " يعني اطلبوا لهما من يرقيهما " ((فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين)) " وهذا الحديث كما هو معلوم فيه سقط كبير، مالك عن حميد أنه قال: دُخل، الساقط أكثر من واحد، أنه قال: دُخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بابني جعفر، وجاء موصولاً من وجوه صحاح عن أمهما أسماء بنت عميس، أمهما أسماء بنت عميس، أم أولاد جعفر أسماء بنت عميس، لما قتل تزوجها أبو بكر -رضي الله عنه-، وجاءت بمحمد، ولما مات تزوجها علي -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-.
" ((فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين)) " ((استرقوا لهما)) يعني طلب الرقية، يعني اطلبوا الرقية لهما، ولهذا طلب الرقية للنفس جاء ما جاء فيها من حديث السبعين الألف، وأنهم لا يسترقون يعني لأنفسهم، لكن ماذا لو طلبوا الرقية لأولادهم؟ هنا قال: ((استرقوا لهما)) يدخل أو لا يدخل؟ يعني شخص يقول: أنا لا أسترقي لا أطلب من يرقيني، لكن ها البزارين اللي ما لهم ذنب، نطلب من يرقيهم، يلام وإلا ما يلام؟ يدخل في السبعين أو لا يدخل؟ الظاهر أنه يدخل؛ لأنه قال: ((استرقوا لهما، فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين)).
(172/21)
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عروة بن الزبير حدثه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل بيت أم سلمة زوج النبي -عليه الصلاة والسلام-" الآن عروة بن الزبير حدثه أن رسول الله، عروة يتحدث عن قصة لم يشهدها، فهو مرسل، وعلى كل حال الحديث في الصحيحين، "وفي البيت صبي يبكي، فذكروا له أن به العين، قال عروة: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا تسترقون له من العين؟ )) " يعني ليس في كل حادثة يقال: من تتهمون؟ يعني كأن النبي -عليه الصلاة والسلام- بلغه شيء من القصة، قصة سهل بن حنيف مع عامر بن أبي ربيعة، فطلب منهم مثل هذا السؤال، أما إذا لم يوجد شيء ولا قرينة تدل على المتهم، فإنه المتجه حينئذٍ الرقية، ولا يقال: اغتسلوا وإلا سووا، وإلا افعلوا، وإلا من تتهمون؟ لا.
((ألا تسترقون له من العين؟ )) أقول: مثل هذا الكلام وطلب الرقية ممن يظن به الخير والصلاح، وأن دعاءه مستجاب هذا في حالة ما إذا لم يغلب على الظن، أو توجد القرائن الدالة على العائن، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ولذا لا ينبغي للراقي أن يبادر برقية الناس، لا ينبغي أن يبادر، لكن إذا جيء له بمن يحتاج إلى رقية فاستطاع أن ينفع أخاه فليفعل.
طالب:. . . . . . . . .
الراقي لا يبادر.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
عاد هذه من باب البر أمور تلاحظ من جهات.
طالب:. . . . . . . . .
النبي -عليه الصلاة والسلام- كوى، نقول: بعد خاص هذا؟ هاه؟ يعني في أوصاف السبعين ألف جاء ما يخالفها، فهل نقول: بالخصوص أيضاً؟ لا، هذا يبقى أن المسألة مسألة السبعين الألف مسألة كمال، وليست مسألة .. ، هي مسألة كمال، يعني من صبر عليها أجر هذا الأجر، ومن بذل الأسباب، وفعل الأسباب هذا له شأنه ...
(172/22)
شرح: الموطأ كتاب الجامع (5)
تابع: كتاب العين: باب ما جاء في أجر المريض - باب التعوذ والرقية من المرض - باب تعالج المريض
- باب الغسل بالماء من الحمى - باب عيادة المريض والطيرة.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في أجر المريض:
حدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا مرض العبد بعث الله تعالى إليه ملكين، فقال: انظرا ماذا يقول لعواده؟ فإن هو إذا جاؤوه حمد الله، وأثنى عليه، رفعا ذلك إلى الله -عز وجل- وهو أعلم، فيقول: لعبدي علي إن توفيته أن أدخله الجنة، وإن أنا شفيته أن أبدل له لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمه، وأن أكفر عنه سيئاته)).
وحدثني عن مالك عن يزيد بن خصيفة عن عروة بن الزبير أنه قال: سمعت عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- تقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يصيب المؤمن من مصيبة حتى الشوكة إلا قص بها، أو كفر بها من خطاياه)) لا يدري يزيد أيهما قال عروة؟
وحدثني مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة أنه قال: سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من يرد الله به خيراً يصب منه)).
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلاً جاءه الموت في زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال رجل: هنيئاً له مات ولم يبتل بمرض، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ويحك وما يدريك لو أن الله ابتلاه بمرض يكفر به عنه من سيئاته؟ )).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في أجر المريض:
(173/1)
يعني المصيبة التي تصيب المسلم سواءً كانت في نفسه أو ماله أو ولده رتب عليها أجر عظيم من الله -جل وعلا-، حتى الشوكة يشاكها، كبرت هذه المصيبة أو صغرت، و ((ما من مسلم تصيبه مصيبة حتى الشوكة يشاكها إلا حات الله من خطاياه كما تحت الشجرة ورقها)) أو ((حط الله من خطاياه -كما في الرواية الأخرى- كما تحت الشجرة ورقها)) فالمصائب مكفرات، والمصاب تكفر عنه ذنوبه بمجرد المصيبة عند جمع من أهل العلم، وأجر الصبر والرضا قدره زائد على ذلك، زائد على أجر مجرد الإصابة، ومنهم من يقول: إن الأجر مرتب على الصبر، والنصوص في ثواب الصبر {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [(10) سورة الزمر] لا شك أنها كثيرة ومتضافرة في الكتاب والسنة، لكن هل أجر الصبر غير أجر المصيبة أو أنه إن صبر فله الأجر، وإن لم يصبر فعليه الإثم والوزر؟ خلاف بين أهل العلم، والذي يرجحه ابن حجر -رحمه الله- أن المصيبة لها أجرها، تكفر بها الخطايا، ثم بعد ذلك إن صبر واحتسب فله أجر زائد على ذلك، ولا شك أن المصائب تختلف كما أن الذنوب تختلف في كبرها وصغرها، ولذا يختلف أهل العلم هل المكفر بهذه المصائب الصغائر فقط أو عموم الذنوب؟ على أنهم يجمعون أن هذه المصائب لا تكفر الشرك، فمن أهل العلم من يرى أنها تكفر الصغائر فقط، وأن الكبائر لا بد لها من توبة، كما جاء في الأحاديث الكثيرة، ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة، كفارات لما بينها ما اجتنبت الكبائر))، ((ما لم تغش كبيرة)) فالكبائر لا بد لها من توبة، هذا قول معروف عند أهل العلم، وهو قول الأكثر، ومنهم من يقول: إنها تكفر الصغائر والكبائر؛ لأن الأحاديث التي جاءت في هذا الباب مطلقة، ما فيها تقييد بنوع خاص من الذنوب، ولا شك أن لكل من القولين وجهاً، ووجه القول بأنها تكفر الكبائر إطلاق النصوص، وإذا كانت المصيبة كبيرة لا شك أن أجرها يكون أعظم بحيث يقابل المعصية الكبيرة، وإذا كانت المصيبة يسيرة فإن هذه تكفر من الصغائر ما تكفر، وإذا كثرت المصائب وتوالت أتت على ما يوازيها ويوازنها من الذنوب، فإن بقي منها شيء من أجر هذه المصائب ارتقى إلى تكفير
(173/2)
الكبائر، وإلا رفعت بها الدرجات، والمسألة مسألة موازنة بين حسنات ومعها المصائب المكفرة، وبين هذه المعاصي والذنوب، فمن اقترف الموبقات وأكثر منها، وعمر عمره بها هذا يحتاج إلى شيء عظيم، يحتاج إلى توبة نصوح تهدم ما كان قبلها، وأما الذي يلم بالذنوب والمعاصي أحياناً فمثل هذا قد تأتي هذه المصائب على هذه الذنوب فتكفرها، فلا يقال بالقول الأول ولا بالقول الثاني بإطلاق، بل هناك موازنة بين هذه المصائب وبين هذه المعاصي.
طالب:. . . . . . . . . المصيبة أو لا بد أن يحتسب الإنسان؟
هذا ما ذكرناه في بداية الكلام، وقلنا: إن من أهل العلم من يقول: إن مجرد الإصابة بهذه المصيبة مكفر.
طالب:. . . . . . . . .
ولو ما صبر، لو جزع، تكفر عنه ذنوبه على هذا القول، يؤاخذ على الجزع، وتكفر عنه ذنوبه بالمصيبة، فإن صبر واحتسب أجر على ذلك قدراً زائدا ً على المصيبة هذا ما يرجحه ابن حجر، ومن أهل العلم -وهم الأكثر- أن الأجر مرتب على الصبر، إذا لم يصبر ما له شيء
يقول: "حدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا مرض العبد بعث الله تعالى إليه ملكين فقال: انظرا)) " هذا لا شك أنه مرسل، لكنه مما وصله ابن عبد البر -رحمه الله-، هذا الحديث ليس من الأحاديث الأربعة التي لم يصلها ابن عبد البر.
قال: " ((إذا مرض العبد بعث الله تعالى إليه ملكين فقال: انظرا ماذا يقول لعواده؟ )) " والله -جل وعلا- أعلم بذلك، الله أعلم بما يقول، لكن جرت السنة الإلهية أنه يظهر ما يعلمه -جل وعلا- على يد غيره، على يد الملكين، على يد الأطراف من الأرجل والأيدي حينما يقول العاصي: لا أرضى شاهداً من غيري، فيختم على فيه، فتنطق جوارحه، الله -جل وعلا- لا يحكم على هذا الشخص بعلمه، وكذلك شرعه اقتضى ألا يقضي القاضي بعلمه، وإظهار الأمر من عالم الغيب إلى عالم الشهود لإبطال حجة المحتج.
(173/3)
" ((إذا مرض العبد بعث الله تعالى إليه ملكين، فقال: انظرا ماذا يقول لعواده؟ )) " لمن يزوره " ((فإن هو إذا جاؤوه)) " يعني العواد والزوار " ((حمد الله وأثنى عليه)) " وفي بعض الأحاديث: ((ماذا قال عبدي؟ قالوا: حمدك واسترجع، فيقال: ابنوا له بيتاً يسمى بيت الحمد)).
" ((حمد الله وأثنى عليه، رفعا ذلك إلى الله -عز وجل- وهو أعلم)) " لأن الذي يعلم السر يعلم من باب أولى ما يقوله لعواده وزواره " ((فيقول: لعبدي علي إن توفيته)) " قبضت روحه " ((أن أدخله الجنة)) " وهذا ما يتمناه يدخل الجنة " ((وإن أنا شفيته)) " يعني وعافيته " ((أن أبدل له لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمه، وأن أكفر عنه سيئاته)) " لأن هذا اللحم، وهذا الدم قد يكون نبت ونشأ على شيء من السحت المحرم، فإذا أصيب بهذه المصيبة، وكفرت ذلك الذنب تغير لحمه الذي نبت على السحت، تغير دمه.
" ((وأن أكفر عنه سيئاته)) " هذا ما يفيده الحديث، وهو أيضاً له ما يشهد له من أن الله -جل وعلا- يكفر بهذه الذنوب وهذه المعاصي بهذه المصائب ما يقترفه ويجنيه على نفسه من ذنوب.
ويش قال الشارح على الحديث؟ علقوا عليه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، هذا وصله ابن عبد البر، لكن ما فيه كلام؟
طالب: قال: وليس بالقوي، وثقه بعضهم وضعفه ابن معين وغيره عن زيد عن عطاء عن أبي. . . . . . . . .
على كل حال الحديث له ما يشهد له من الأحاديث الصحيحة، ومسألة ((إن توفيته أن أدخله الجنة)) وهذا في حالة ما إذا كان المرض شديداً يقضي على جميع ما عليه من ذوب.
قال: "وحدثني عن مالك عن يزيد بن خصيفة عن عروة بن الزبير أنه قال: سمعت عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- تقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يصيب المؤمن من مصيبة)) " ((من مصيبة)) نكرة في سياق النفي فتعم المصائب كلها صغيرها وكبيرها، صغير هذه المصائب، وكبير هذه المصائب.
((حتى الشوكة)) حتى الشوكةِ أو الشوكةُ أو الشوكةَ؟
حتى الشوكةِ حرف جر؛ لأن حتى من حروف الجر.
هاك حروف الجر وهي من إلى ... حتى خلا حاشا عدا في عن على
(173/4)
فهي حرف جر، والشوكةُ عاطفة على الضمير في يصيب، والشوكةَ بإضمار عامل، حتى ما إذا وجد الشوكة، أو حتى وجدانها الشوكة، ففيه الوجوه الثلاثة.
((حتى الشوكة)) والمراد بالشوكة ما ينفذ في جسد المرء من شيء حاد سواءً كانت من الحديد، أو من الخشب أو ما أشبه ذلك، حتى الإبر التي تحقن في جسد المريض، هذه حكمها حكم الشوكة، فإذا صبر واحتسب على ذلك أجر عليه.
((حتى الشوكة إلا قص بها أو كفر بها من خطاياه)) ((من خطاياه)) يدل على أنها قد لا تأتي على جميع الذنوب، وقوله: ((إلا حات الله بها خطاياه)) يعني بذلك جميع الذنوب، وهذا يؤيد ما سبق ذكره من أن الذنوب تختلف في كبرها وصغرها، كما أن هذه المصائب متفاوتة، فالذي يكفر بالزكام، ليس مثل الذي يكفر بسرطان أو بطاعون، أو ما أشبه ذلك، هذه متفاوتة.
"لا يدري يزيد بن خصيفة أيهما قال عروة بن الزبير" قص أو كفر؛ لأن هذه شك من الراوي، وإلا قص بها يعني كفر نفس الرواية الأخرى، لكن من باب تحري اللفظ الوارد، فهم يشكون في أدنى شيء، ثم بعد ذلك يأتون باللفظين المترادفين.
"وحدثني مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة أنه قال: سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من يرد الله به خيراً يصب منه)) " لأن هذه المصائب تأتيه رغم أنفه من غير طوعه واختياره، وإلا لو خير الإنسان أن يصاب أو لا يصاب ما اختار المرض، فإنه لا يختار المرض حينئذٍ، لماذا؟ لأن العافية مطلوبة للناس كلهم، طلب الصحة غريزي، ولذا تجد الإنسان إذا أصيب يهرع إلى من يداويه ويعالجه، فكونها تأتيه على غير طوعه واختياره هذا خير له؛ لأن هذا من إعانته على ما يقربه إلى الله -جل وعلا-، سواءً كان ذلك برفع درجاته أو بالحط من سيئاته، ((من يرد الله به خيراً يصيب منه)) بخلاف الذي لا يمرض مطلقاً، أو لا يمرض إلا نادراً كما سيأتي في الحديث الذي يليه.
(173/5)
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلاً جاءه الموت في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رجل: هنيئاً له مات ولم يبتل بمرض" يعني كثير من الناس يتمنى أنه يموت ما ابتلي بمرض؛ لئلا يشق على غيره، ولذا العامة كثير منهم يردد من حيلي ويصغرونها إلى قبري، يعني من نشاطي وقوتي إلى القبر؛ لئلا يشق على من حوله حيث يمل، وما يدريه أن هذه المصيبة وهذا المرض الذي جاءه في آخر عمره يكون تطهيراً له من الذنوب والمعاصي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال المرض خير، على أي حال المرض خير له، لكنه مع ذلك لا يطلب، ولذا لو تسبب في مرضه أثم، يأثم لو تسبب، يقول: أنا والله أريد المرض يكفر عن سيئاتي فاغتسل وغسل ثوبه وخرج في يوم شديد البرد يقول: لعلي أزكم، لعلي أمرض، هذا يأثم، أو لو أحرق أصبعه، أو ما أشبه ذلك كل هذا إثم؛ لأنه ليس بدنه بملك له يتصرف فيه، وجاء في الحديث الصحيح: ((لا تتمنوا لقاء العدو، فإذا لقيتموه فاصبروا)) فلا تتمنى المرض، لا تمنى السجن، لا تمنى المصائب، لكن إذا ابتليت اصبر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إن كان مقابلاً للذنوب، يعني حجم المرض بقدر حجم الذنوب التي عليه -والله أعلم-، والموازين منصوبة، فإنه يأتي على الذنوب على التكفير تحت عنه هذه الخطايا، وإن كان دونها يعني صاحب جرائم وموبقات وعظائم الأمور ويزكم زكام، ما نقول: إن هذا يأتي على جميع ذنوبه، لكن لو عنده مثلاً ابتلي بسرطان وإلا بطاعون، وهو ما عنده إلا ذنوب يسيرة مثل هفوات وزلات، لا شك أن هذا يقضي على هذه الذنوب، ويرفع الدرجات، المسألة موازنة بين هذه المصائب وبين هذه المعاصي، ولذلك جاءت النصوص متفاوتة.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا حتى المعصية، المعصية مرتب عليها عقاب أشد من رفعة الدرجات، تكفير المعصية أولى من رفعة الدرجات، نعم.
(173/6)
"فقال رجل: هنيئاً له مات ولم يبتل بمرض، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ويحك، وما يدريك لو أن الله ابتلاه بمرض يكفر به عنه من سيئاته)) " ولذلك الناس يغبطون الرجل الممتع في صحته، الذي تقل عنده الأمراض يغبطونه، ويعطفون بل بعضهم قد يحتقر الشخص هذا الذي يبتلى بالمصائب، سواءً كانت في نفسه في بدنه، في ماله، في ولده، ولا يوجد أحد يتمنى أنه مثل فلان، نعم تمني المرض ليس بمطلوب، لكن لو قيل: تكن مثل فلان وإلا فلان؟ قال: والله فلان مبتلى مسكين ما يستصح، الثاني -ما شاء الله- ممتع وقوي ونشيط، وهذه المصائب كما في النصوص لا شك أنها مكفرات.
((ويحك، وما يدريك لو أن الله ابتلاه بمرض يكفر به من سيئاته))، ((يكفر به من سيئاته)) يعني بعض؛ لأن هذه المصائب قد لا تأتي على جميع السيئات، فضلاً عن أن تكون رفعة في الدرجات، وهذا يؤيد ما كررناه من أن الموازنة لا بد منها بين حجم المرض وحجم المعصية.
سم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا.
طالب:. . . . . . . . .
ما يصلح هذا، ما هو ....
طالب:. . . . . . . . .
سل ربك العافية، الإنسان يسأل ربه العافية، وما يدريه أن يصاب بمرض ثم بعد ذلك يعوقه هذا المرض عن الطاعات، وهو الذي دعا به، وقد يحمله على شيء من المحرمات، ثم بعد ذلك يضعف عن الطاعات، ولا يصبر ولا يحتسب ويتحسر.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا ما تدري ويش اللي يصير؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال مرض خفيف، يعني ما هو بمقعد على ما يقول بعض الناس، قد يتمناه الإنسان نظراً لهذه النصوص، والعافية أولى، سل ربك العفو والعافية.
باب التعوذ والرقية من المرض:
حدثني عن مالك عن يزيد بن خصيفة أن عمرو بن عبد الله بن كعب السلمي أخبره أن نافع بن جبير أخبره عن عثمان بن أبي العاص أنه أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال عثمان: وبي وجع قد كاد يهلكني، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((امسحه بيمينك سبع مرات، وقل: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد)) قال: فقلت ذلك فأذهب الله ما كان بي، فلم أزل آمر بها أهلي وغيرهم.
(173/7)
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، قالت: فلما اشتد وجعه كنت أنا أقرأ عليه، وأمسح عليه بيمينه رجاء بركتها.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- دخل على عائشة -رضي الله عنها- وهي تشتكي، ويهودية ترقيها، فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: "ارقيها بكتاب الله".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب التعوذ والرقية من المرض:
الرقية: نوع من أنواع العلاج، هي طب شرعي، جاءت بها النصوص، وهي نافعة بإذن الله تعالى، بشروطها المعتبرة عند أهل العلم:
- أن تكون بالقرآن، الآيات القرآنية والأدعية النبوية.
- وأن تكون بالكلام العربي، وما يفهم معناه.
- وأن يعتقد كل من الراقي والمرقي أن الرقية سبب، وأن الشفاء بيد الله تعالى.
- واليقين من الطرفين من الراقي والمرقي له مدخل كبير في الشفاء بإذن الله تعالى.
- أيضاً كون الراقي والرقية باب من أبواب الدعاء ممن ترجى إجابته لطيب مطعمه مثلاً، واستقامته على دين الله، هذا أيضاً من أسباب الشفاء.
- الإخلاص من جهة الراقي أيضاً من أسباب الشفاء، ولذا يقولون: لا يوجد أنصح وأخلص للإنسان من نفسه، فإذا كان يحسن الرقية عليه أن يرقي نفسه.
(173/8)
والرقية جائزة، وإن كانت خلاف الأولى، كما جاء في حديث السبعين الألف الذين يدخلون الجنة من غير حساب ولا عذاب، وفيهم الذين لا يسترقون، يعني لا يطلبون من يرقيهم، فإذا تمت هذه الرقية بشروطها، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- رقى ورقي، رقاه جبريل، فهي جائزة بلا إشكال، لا شك أنها سبب شرعي، ونافع بإذن الله تعالى، وجاءت بها النصوص، وأنها نافعة حتى في حق الكافر، فأبو سعيد كما في الحديث الصحيح رقى اللديغ، رقاه بالفاتحة، وبرئ وهو كافر، واستحق أبو سعيد على ذلك الجعل الذي اشترط بينه وبينه؛ لأنهم استضافوهم فلم يضيفوهم، فلدغ سيدهم، فرقاه أبو سعيد على ثلاثين رأس من الغنم، فبرئ وأخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بذلك، فقال: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) فأخذ الأجرة على الرقية شرعي من هذا الحديث، إلا أنه لا يعرف في صدر الأمة وأئمة الإسلام من الصحابة والتابعين فمن بعدهم أنه جعل الرقية مهنة، نعم ((من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه)) وكون أبو سعيد أخذ الأجر والجعل من هذا اللديغ يعني معاوضة من باب أنهم رفضوا أن يضيفوهم فهم يستحقون مثل هذا.
يقول: "حدثني عن مالك" ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
جاء عند الترمذي سبع مرات، الفاتحة سبع مرات.
طالب:. . . . . . . . .
اصبر اصبر.
طالب:. . . . . . . . .
أقول: جاء عند الترمذي قراءة الفاتحة سبع مرات من حديث أبي سعيد نفسه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يقرأ على من؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا قال: ارقني فهو مسترقٍ، إذا طلب الرقية قال: يا فلان ارقني هذا مسترقٍ بلا شك، إذا تبرع الراقي برقيته هذا لا يسترقي، هذا رقي من غير استرقاء، يعني من غير طلب؛ لأن السين والتاء للطلب، وبعضهم لا يطلب صراحة ما يقول: ارقني، لكن إذا زاره من يظن فيه الخير والصلاح فتح أزاريره وتأهب للرقية، هذا ما طلب، لكنه لم يطلب بقوله، وإنما لسان حاله يطلب.
(173/9)
على كل حال منزلة السبعين الألف منزلة تراها عالية، إذا نظرنا في حال الناس اليوم حتى من يتورع عن مثل هذا تجده يرتكب من الأمور أضعاف أضعاف هذا، تجد القلب معلق بغير الله -جل وعلا-، يعني مجرد ما يزكم الطفل يا الله الطبيب الطبيب قبل ما يقفل، ما في أدنى شيء، أو التفات إلى الله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك إذا جاء قال: والله أنا لا أرقي ولا استرقي، أنا أدخل في السبعين الألف، المسألة مسألة توكل ويقين، كثير من الناس إذا أخذ يتكلم قلت: هذا ما شاء الله، ثم إذا أصيب بأدنى مصيبة فاليقين صفر ما في شيء، مر علينا وعلى غيرنا مثل هذا والله المستعان، نعم تجده إذا كان المصاب بعيداً عنه تجده خبير بالتصبير والتسكين والربط على القلوب، لكن إذا كانت المصيبة قريبة منه ما يجد شيئاً من هذا، والله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .
إيه ((اعرضوا علي رقاكم)).
طالب:. . . . . . . . .
والله هذا ما أدري عنه، عندهم رقية للعقرب، هم المنهج العام عندهم عند المشركين عموماً أنهم في حال الشدائد يلجئون إلى الله -جل وعلا- في حال الشدة، أما في حال الرخاء فهم مشركون، لذلك في القاعدة الرابعة من القواعد الأربع من كلام الإمام المجدد -رحمه الله- يقول: إن مشركي زماننا أعظم شركاً من الأولين؛ لأن الأولين يشركون في الرخاء ويوحدون في الشدة، يخلصون في الشدة، ومشركو زماننا شركهم دائم في الرخاء والشدة، وجدنا في الزحام الشديد، بل وجد من حضر بعض الظروف التي يموت فيها الفئام من الناس تجد الشخص قبيل وفاته إما في حال دهس، وإلا في حال حريق، وإلا في حال هدم، وإلا شيء يقول: يا علي، يا حسين، نسأل الله العافية، أو يا رسول الله، أو يا بدوي، شركهم دائم نسأل الله العافية في الرخاء والشدة -نسأل الله السلامة والعافية-.
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه طلاسم، هذه ليست بنماذج للرقى، إنما هي طلاسم وتعلقات.
طالب:. . . . . . . . .
(173/10)
هذه خواص الحيوانات التي يذكر، هذا هو الشرك بعينه، التعلق بهذه الحيوانات رأس الديك، إذا وضع في الوسادة نفع من كذا ورأس .. ، هذا الشرك بعينه، هذا الشرك الأكبر، وفي أيضاً طلاسم تعلق على كذا، وتباع بكذا، -نسأل الله السلامة والعافية-.
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هذا رمز، هذا رمز بأن بعض الأدوية مأخوذة من هذه السموم، لا لا، ليس لدفع شيء، هذا رمز متعارف عليه عند الصيادلة أن بعض الأدوية تركب من سموم.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال ليست هذه الحية المرسومة على لوحة الصيدلية أنها تعلق بها، لا، لا ليس من هذا.
قال: "حدثني عن مالك عن يزيد بن خصيفة أن عمرو بن عبد الله بن كعب السلمي" سَلَمي، يعني من بني سلِمة، وقلنا: إن النسبة إلى مكسور الثاني يفتح في النسب، سلَمي نمَري ملَكي، وهكذا.
"أخبره أن نافع بن جبير أخبره عن عثمان بن أبي العاص أنه أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال عثمان: وبي وجع كاد يهلكني، فقال: ((امسحه بيمينك)) " امسحه، وفي بعض الأحاديث: ((ضع عليه يدك)) ضع اليد على ما يؤلمك، وقل: بسم الله، بسم الله، بسم الله، ثلاث مرات، ثم قل: سبعاً ((أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر)).
هنا قال: "أنه أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال عثمان وبي وجع قد كاد يهلكني، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((امسحه بيمينك سبع مرات)) " هناك وضع، مجرد وضع اليد على ما يؤلم، وهنا يقول: ((امسحه بيمينك سبع مرات، وقل: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد)) والزيادة في الحديث الآخر: ((وأحاذر)).
"قال: فقلت ذلك، فأذهب الله ما كان بي، فلم أزل آمر بها أهلي وغيرهم" هذا مجرب ومعروف، سواءً كان بهذا اللفظ أو باللفظ الذي ذكرناه، كما أن الاسترقاء والنفث بقل هو الله أحد، إذا أوى إلى فراشه، والمعوذتين، وينفث في يديه، ويمسح بهما ما يؤلمه، وما استطاع مسحه من بدنه، هذا أيضاً نافع، وهو في الصحيحين.
(173/11)
((أعوذ)) يعني أعتصم بعزة الله، وهي صفته -جل وعلا-، فالاستعاذة بالصفة جائزة وإلا غير جائزة؟ جائزة، ولذا استدل الإمام أحمد وغيره على أن القرآن غير مخلوق بقوله: ((أعوذ بكلمات الله التامات)) ولو كانت كلماته مخلوقة لما جازت الاستعاذة بها.
" ((أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد)) قال: فقلت ذلك فأذهب الله ما كان بي" يعني من الألم الذي كان أو كاد يهلكه، "فلم أزل آمر بها أهلي وغيرهم" الإنسان إذا وجد ما ينفعه، ما ينتفع به، وجد أثر ذلك، فلا شك أنه من باب النصيحة لغيره أن يدلهم عليه.
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث" وجاء النفث والنفخ، قالوا: النفث مع الريق، والنفخ بدون ريق، وسواءً كان هذا أو ذاك فكله نافع.
"إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث" بعض الروايات: ثلاثاً، يعني مع سورة الإخلاص "قالت: فلما اشتد وجعه" حيث كان يشق عليه أن ينفث بيديه أو على نفسه "لما اشتد وجعه فشق عليه ذلك، كنت أنا أقرأ عليه -عليه الصلاة والسلام-، وأمسح عليه بيمينه" بيمينه هو لا بيمينها "رجاء بركتها" رجاء بركة يمين النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو الذي جعل الله فيه البركة بخلاف غيره، فالبركة في بدنه، ومن مسه بدنه ظاهرة، وهذا خاص به، ما يقال: والله يا فلان، يا أيها العبد الصالح تعال امسح رجاء بركته ما يجوز، هذا ليس بصحيح، ولذا ما جاء أحد إلى أبي بكر فقال: امسح ولدي، أو امسح رأسي، أو امسح بدني الذي يؤلمني ما جاء أحد له، وهو خير الناس بعد النبي، خير هذه الأمة بعد نبيها.
ثم بعد ذلك قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي" يعني عمرة أدركت أبا بكر؟ لأنها تحكي هذه القصة، يعني لو روت عن عائشة انتهى الإشكال، لو قالت: عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة -رضي الله عنه- أن أباها دخل عليها وهي تشتكي صار متصل، لكن هل أدركت عمرة أبا بكر؟ يعني أدركت هذه القصة وإلا ما أدركتها؟ هاه؟ ما أدركت، إذن القصة منقطعة.
(173/12)
"أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة -رضي الله عنها- وهي تشتكي" الضمير يعود على عائشة، تشتكي يعني مريضة "تشتكي من مرض، ويهودية ترقيها، فقال أبو بكر: "ارقيها بكتاب الله" يعني المتن مستقيم وإلا منكر؟ يهودية ترقي وارقيها بكتاب الله، يعني لفظه ظاهر النكارة، ويش قال الشارح؟
هات هات.
طالب:. . . . . . . . .
ما له؟
طالب:. . . . . . . . .
دار الكتب، ما شاء الله عليك.
"أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي، ويهودية ترقيها، فقال أبو بكر: "ارقيها بكتاب الله" القرآن إن رجي إسلامها، يعني كأن اللفظ مقلوب، التي تشتكي اليهودية، والتي ترقي عائشة، يعني كأنه انقلب على الراوي، يقول: أرقيها بكتاب الله القرآن إن رجي إسلامها، أو التوراة إن كانت معربة بالعربي، أو أمن تغييرهم لها، فيجوز الرقية به، وبأسماء الله وصفاته، وباللسان العربي، وبما يعرف معناه من غيره بشرط اعتقاد أن الرقية لا تؤثر بنفسها، بل بتقدير الله تعالى.
قال عياض: اختلف قول مالك في رقية اليهودي والنصراني والمسلم وبالجواز ... ، إيش معنى هذا الكلام؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب المسلم، اليهودي والنصراني المسلم، طيب وبالجواز ويش هي ذه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه الترقيم غلط، وبالجواز قال الشافعي، قال الربيع: سألت الشافعي عن الرقية فقال: لا بأس أن ترقي بكتاب الله، وبما يعرف من ذكر الله، قلت: أيرقي أهل الكتاب المسلمين؟ قال: نعم إذا رقوا من كتاب الله.
يعني إذا كان الفاسق من المسلمين والرقية حكمها حكم الدعاء، وقد يكون بعض الناس ظاهره الفسق وباطنه الصلاح، لكن الناس إنما يتعاملون مع الظاهر، إذا كانت من عليه آثار الفسق، وملامح الفسق ليس بأهل لئن يدعى لرقية أو شبهها، فكيف بيهودي أو مسلم؟!
يقول: وبالجواز قال الشافعي، قال الربيع يعني بن سليمان: سألت الشافعي عن الرقية فقال: لا بأس أن ترقي بكتاب الله، وبما يعرف من ذكر الله، قلت: أيرقي أهل الكتاب المسلمين؟ قال: نعم إذا رقوا من كتاب الله، يعني تصور أن يهودي أو نصراني يحفظ من كتاب الله ما يرقي به الناس.
(173/13)
وروى ابن وهب عن مالك كراهية الرقية بالحديدة والملح وعقد الخيط، كيف الرقية بالحديد أو الملح وعقد الخيط؟ والذي يكتب خاتم سليمان، وقال: لم يكن ذلك من أمر الناس القديم، لا شك أن مثل هذه الأمور واعتقاد الشيء سبباً وليس بسبب شرعي ولا عادي ضرب من الشرك، وتعلق بغير الله -جل وعلا-.
في كلام غير هذا؟ في غير الزرقاني" في شرح غيره؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش قال؟
طالب:. . . . . . . . .
وراه
طالب:. . . . . . . . .
إيه، أيهم التمهيد؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه التمهيد يجيب الأحاديث المرفوعة ما يذكر مثل هذا، هذا ليس بمرفوع.
على كل حال على نسقه المذكور في الكتاب مشكل.
سم.
أحسن الله إليك.
باب تعالج المريض:
حدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن رجلاً في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصابه جرح فاحتقن الجرح الدم، وأن الرجل دعا رجلين من بني أنمار، فنظرا إليه فزعما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لهما: ((أيكما أطب؟ )) فقالا: أو في الطب خير يا رسول الله؟ فزعم زيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء)).
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: "بلغني أن سعد بن زرارة اكتوى في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الذُبحة فمات".
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- اكتوى من اللقوة، ورقي من العقرب.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب تعالج المريض:
"حدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن رجلاً في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصابه جرح فاحتقن الجرح الدم" كأن المقصود أنه نزف الدم، وإن كان الحقن والاحتقان أصله في الإمساك، يعني تحجر فيه الدم.
"فاحتقن الجرح الدم، وأن الرجل دعا رجلين من بني أنمار، فنظرا إليه" يعني كشفا عليه "فزعما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لهما: ((أيكما أطب؟ )) " يعني أيكما الأمهر في الطب؟ أيهم أجود؟ ولا شك أن الأطباء كغيرهم يتفاوتون، منهم الماهر الخبير، ومنهم من دونه، ومنهم الدعي الذي يدعي الطب وليس بطبيب.
(173/14)
((أيكما أطب؟ )) هذا يدل على أن المطلوب الأعرف في كل فن " ((أيكما أطب)) فقالا: أو في الطب خير يا رسول الله؟ فزعم زيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء)) " هل يفيد الطب؟ أوفي الطب خير يا رسل الله؟ هل ينفع؟ والله -جل وعلا- كتب لهذا المريض أن يصاب بكذا، وأنه يشفى منه في يوم كذا، أو يقضى عليه في يوم كذا بسبب هذا المرض، فما الفائدة من الطب؟ إن كان الله كاتب له الشفاء يشفى، إن كان الله كاتب له وفاة بيموت.
"أوفي الطيب خير يا رسول الله؟ فزعم زيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء)) "، ((ما أنزل الله من داء إلا وقد أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله)) فلا يوجد مرض داء إلا وله دواء، ولذا يخطئ كثير من الأطباء حينما يقول للمريض أو لولي المريض هذا الشخص ما له علاج، هذا الشخص لا علاج له، ميئوس منه، نعم هناك علامات قد يستدلون بها، لكن مجرد ما يكشف على المريض يقول: ما له علاج، يعني لو قال: عندي، والله أنا معترف أني عاجز، هو في الأصل له علاج بالنص الصحيح، لكن أنا والله عاجز، ما أعرف له علاج، اذهب إلى غيري لعله يجد، هذا هو العدل، وهذا هو الإنصاف، أما يقول مباشرة: ما له علاج، يعني عندك؛ لأن النص الصحيح الصريح: ((ما أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله)) لكن الهرم هذا ليس له علاج، يعني ما يمكن يرجع ابن آدم من مائة سنة إلى خمسين، أربعين، ثلاثين، ستين، ما يمكن، الهرم لا بد من الرد إليه، إلى الضعف والشيبة إلى أرذل العمر، ثم بعد ذلك الوفاة، فالسنة الإلهية اقتضت التدريج في الطلوع، ثم في النزول، والله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .
(173/15)
ما أنزل الله، مثل هذه الأمور التي لها علامات، وجرت العادة أنه لا يشفى منها، لكن النص الصحيح أنه ((ما أنزل داء إلا أنزل الله له دواء)) وكثير من هذه الأمراض التي يفاجئ بها الإنسان، وهي من الأمور التي يقولون: لا علاج لها، كثير منها مرتبط بالعين، فإذا استغسل العائن نفع، كيف يقول: ما له علاج؟ يعني ما له علاج عندك، طبكم الحديث ما توصل إلى علاج، وقد يوجد من يكوي، وقد يوجد من يحجم، قد يوجد من يسقى عسل ويشفى، الإنسان لا يجزم بشيء؛ لأن هذه أمور غيبية، والنص الصحيح الصريح أنه ((ما أنزل داء إلا أنزل الله له دواء)) أنزل الله له شفاء، لكن على حد علم الإنسان ينفي، يعني مثلما يؤتى العالم ويستفتى في مسألة من عضل المسائل يقول: والله ما ... ، هل يمكن أن يقول: ما لها جواب؟ يقول: أنا والله ما أعرف لها جواب اذهب إلى غيري.
أما بالنسبة للمريض الذي ... ، وفي كل لحظة أنزل، وصحته تتدهور، ثم بعد ذلك يقرر الأطباء أنه قد مات دماغياً، أو أنه ميئوس من شفائه، ثم يسألون عن رفع الأجهزة عنه للإسراع بوفاته، نعم هذه الأجهزة إن وجد من هو أرجى منه في الشفاء، وفي الأجهزة شح هنا يأتي النظر، أما إذا كانت الأجهزة موجودة، ولا طالب لها ممن هو أرجى منه فلا يجوز بحال أن ترفع عنه؛ لأنه ما يدريك أنه يعافى، وقد وجد من قرر الأطباء لجنة من الأطباء أنه ميئوس منه، ثم بعد ذلك شفي، عافاه الله.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: "بلغني أن سعد بن زرارة اكتوى في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الذبحة فمات" يعني كما جاء: ((إن كان الشفاء ففي شربة عسل، وشرطة محجم، أو كية نار)) هذه فيها شفاء، وجاء النص الصحيح أن فيها شفاء، يعني في الصحيحين، لكن هذا اكتوى من الذبحة فمات، إيش هي الذبحة يا ... ؟
طالب: ما أعرفها يا شيخ.
يموت اللي يكتوي منها؟
طالب: لا، أقصد الكي ما عندي ... ، الكي ما أعرف عنه شيء ...
(173/16)
يقول: الذبحة بفتح الباء وقد تسكن وجع يعرض في الحلق من الدم، وقيل: هي قرحة تظهر فيه فينسد معها وينقطع النفس، يعني لحميات زائدة، أو شيء من هذا تسد النفس، والآن هذه اللحميات يعالجونها بالكي، لا مو بالكي الجمرة والنار، إنما بالكي الكهربائي، وحكمه حكمه، لكنهم يعالجون بها، ويستأصلونها.
"اكتوى في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- من الذبحة فمات" وهذا لا يعارض أن الشفاء منه ما هو بالكي؛ لأن هذا قدره، وهذا أجله، فمات على إثر الكي، قد يكون منه أو من غيره.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر اكتوى من اللقوة" اللقوة: داء يصيب الوجه، شيء من ميلانه يخلي الوجه يميل، اكتوى من اللقوة، وهذا المرض الذي يعتري الوجه كثير، يعني يدخل المحل وهو جاء من جو حار وقد عرق بدنه عرقاً كثيراً حتى الوجه، ثم يدخل إلى مكان بارد، أو يجلس تحت مكيف هذا يصاب بمثل هذا، فتسترخي العضلات، عضلات الفم ثم يميل، وشاهدنا وشاهد غيرنا نماذج من هذا.
طالب: يسمونه في الطب الحديث ارتخاء الأعصاب الساكنة.
إيه هو ارتخاء في الأعصاب.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما هي بجلطة، ما هي بالدم، ليست دم، ارتخاء في الأعصاب، فيميل وجهه لمدة، وكثير منهم يعافيه الله منها، يوصى بالرياضة، وكثرة الحركة في الفم واللبان، وما أشبه ذلك، ثم يعود، وقد يكون شديداً فلا يعود.
طالب: زيت الزيتون يا شيخ.
زيت الزيتون يدلك؟
طالب: إي نعم في المنطقة ....
إيه، على كل حال الزيتون وزيته أقول: مبارك ونافع في كثير من الأدواء، وقد رأى ...
طالب: وحجامة .... النافعة.
جاء لهذا، الحجامة؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، المقصود أن مثل هذا يعالج بمثل هذه الأمور، والشفاء بيد الله -جل وعلا-.
زيت الزيتون، ذكر الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: أن رجلاً مرض، وطال به المرض، فرأى في المنام من يقول له: علاجك في لا ولا، فذهب إلى العابر، وقال له: علاجك في الزيتون وزيت الزيتون {لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} [(35) سورة النور] نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(173/17)
إيه، لكن عاد الأشوام بينهم خلاف طويل وكبير مع العراقيين في تفضيل الزيتون على التمر أو العكس، أيهما أفضل التمر وإلا الزيتون؟ لأن الشام أكثر ما فيه الزيتون، والعراق أكثر ما فيه التمر.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب: كل يدافع عن بضاعته.
إيه في مناظرة بين هذا وهذا، لكن الحاسم في النهاية قال العراقي: إننا نشتري الزيتون بالنوى.
طالب:. . . . . . . . .
طيب نوى الزيتون ويش يستفاد منه؟
طالب: تشب فيه النار يا شيخ.
لا، النوى ...
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال كان الناس يشترون بالنوى، نوى التمر الأشياء التي يحتاجونها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
النبي -عليه الصلاة والسلام- كوى، ورقى ورقي، فمثل هذه الأمور التي فيها المضايق -مضايق الأنظار- ينظر إلى العالي مرة التي وصل إلى منزلة، ولا يظن أن الشخص العادي بيصل إلى مثل هذه المنزلة بحيث لو تعاطى الأسباب لا يلتفت إليها بوجه من الوجوه، النبي -عليه الصلاة والسلام- يتعاطى مثل هذه الأسباب، لكنه لا يلتفت إليها بوجه من الوجوه، يعني ما في أحد يقول: أنا والله أذهب إلى الطبيب مع علمي أن العلاج وعدمه سواء، لا يلتفت قلبه إلى الطبيب ما في أحد، ما في أحد يبي يكتوي ولا يلتفت إلى هذا الكي، بينما النبي -عليه الصلاة والسلام- وجد منه ذلك، فالناس منازل، يعني كون النبي -عليه الصلاة والسلام- يموت ولده، وتدمع عينه، ويحزن قلبه، ولا يعترض على القدر من قريب ولا من بعيد، لكن يوجد هذا في سائر الناس؟ يعني ما في اعتراض على القدر من أي وجه من الوجوه مع دمع العين وحزن القلب؟ لا هذه منزلة دون الوصول إليها خرط القتاد، يعني الإنسان ما يصل إلى هذه المنزلة، وصل إليها النبي -عليه الصلاة والسلام-.
(173/18)
ولذلك لما ضاق نظر الرجل العابد أظنه الفضيل أو ما أدري .. ، نسيت من هو؟ لما مات ولده ضحك، لماذا؟ لأنه يريد أن يرضى بالقضاء من كل وجه، لكنه بضحكه هذا خالف السنة، فهو بين أمرين، إما أن يفعل هذه الأسباب أو يترك، إن فعل مع رضاه التام بقضاء الله -جل وعلا-، ومع اعتماده وتوكله على الله -جل وعلا- توكلاً تاماً بحيث لا يخدش من قريب ولا بعيد هذا أكمل، هذا ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن باعتبار أن عموم الناس لا يستطيعون مثل هذه المنزلة يقال: لا تكتوي ولا تسترقي، ظهر الفرق وإلا ما ظهر؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في أحد بيكوي من غير حاجة أبد، ما في أحد بيكوي من غير حاجة إلا. . . . . . . . . يعرفهم أبو عبد الله.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
تعرف يا أبو عبد الله؟ يديك؟ احسر عن يديك؟ من أول يأتون بالنار ويضعونها على اليد، أنت أدركتها يا شيخ، أدركت؟
طالب:. . . . . . . . .
مشايخ كبار شفناها تلمع بأيديهم، هذا يفعلونه في الصبا، صغار يعني، مشايخ كبار يعني الله المستعان، أئمة رأيناهم.
طالب:. . . . . . . . .
في إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا رأيناها في الأيدي، أنا ما سويت شيء، ولا هو كله يعني خوف من النار، لا أتحملها، وإلا أبو عبد الله موجود، الآن لو تحسرون عن ذراعيه وجدتوها تلمع.
المهم يأتون بقطعة من القماش فيجعلونها مثل القلم هكذا، ويحرقون أعلاها فيتركونها على اليد حتى تنطفئ على اليد، لو سألتم الوالد علمكم.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لو سألتموه علمكم، حتى إذا احترق الجلد قشعوا هكذا ثم يستمر، يستمر إلى أن يموت الإنسان، تبقى بقعة تلمع هنا، وبعضهم يشكها شك، يزعمون أن في هذا قوة لليد، يعطي اليد قوة ونشاط.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا بس يعطيها قوة، يقولون ...
طالب:. . . . . . . . .
يسوونها.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لا، لا بعضهم عاد ما يصبر إلى أن تصير عميقة؛ لأن النار ما تطاق، فمثل هذا العبث من يروح يبي يكوي وهو غير محتاج، لا، لا الحاجة لا بد منها.
(173/19)
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر اكتوى من اللقوة" قالوا: داء يصيب الوجه "ورقي من العقرب" وجاء في الحديث حصر الرقية ((لا رقية إلا من عين أو حمة)) العين هي إصابة العائن بعينه من ينظر إليه، وقد تقدم حديث سهل مع عامر بن ربيعة، تقدم، وفي العين كتاب من كتب الموطأ، والحمة: هي إصابة ذات السموم التي من العقرب والحية، وما أشبه ذلك، والرقية تنفع فيها نفعاً كبيراً، نعم.
أحسن الله إليك.
باب الغسل بالماء من الحمى:
حدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- كانت إذا أتيت بالمرأة وقد حمت تدعو لها أخذت الماء فصبته بينها وبين جيبها، وقالت: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمرنا أن نبردها بالماء".
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الحمى من فيح جهنم فابردوها بالماء)).
وحدثني مالك عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء)).
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب الغسل بالماء من الحمى:
الغسل وليس الغُسل والاغتسال، إنما تبرد بشيء من الماء، ليس معنى هذا أن المحموم من ارتفعت حرارته يغتسل، بعض الأطباء مجرد ما يقيس درجة الحرارة في الطفل يقول: أغمسوه في الماء، هذا ليس بصحيح، إنما تبرد أطرافه، يذكر بعض الأطباء أن الاغتسال ضار بالنسبة لمن ارتفعت حرارته، غسل البدن كامل، ولذا قال: "حدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أن أسماء بنت أبي بكر كانت إذا أتيت بالمرأة وقد حمت تدعو لها" بأن يعافيها ويشفيها الله -جل وعلا- "ثم بعد ذلك تأخذ الماء فتصبه بينها وبين جيبها" من هنا، تصب الماء بينها وبين جيبها، يعني فتحت الثوب أو القميص.
"وقالت: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمرنا أن نُبردها" أن نُبردها أو نَبردها "بالماء" لأن الماء يخفض الحرارة، ولا يلزم أن يكون ثلج، نعم إن كان بارد فهو أسرع، وإن لم يكن بارداً فالماء بطبيعته يخفض الحرارة.
(173/20)
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الحمى من فيح جهنم فابردوها بالماء)) " يعني هذه الحرارة التي تصيب بدن الإنسان، وتخرجه عن حد الاعتدال، كما أن انخفاض الحرارة العكس يعطى من الحوار ما يرفع درجته، فخروج الجسم عن حد الاعتدال سواءً كان بارتفاع أو نزول هذا هو المرض، هذه حقيقة المرض، خروج البدن عن حد الاعتدال، وكل مرض له حد، الحرارة لها حد درجة معينة إن انخفضت تحتاج إلى رفع، وإن ارتفعت تحتاج إلى خفض، الضغط له حد، السكري له حد وهكذا، ومهمة الطبيب ملاحظة هذا الاعتدال، فإن كان مرتفعاً سعى في خفضه، وإن كان منخفضاً سعى إلى رفعه.
وجاء في الحديث الصحيح: ((إذا اشتد الحر فابردوا، فإن شدة الحر من فيح جهنم)) والله -جل وعلا- أذن لجهنم بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فالإبراد مطلوب، والتبريد أيضاً لمن ارتفعت حرارته مطلوب، كما جاء في هذا الحديث وغيره.
"وحدثني مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء)) " يعني أطفئوا حرارتها بالماء، نعم.
أحسن الله إليك.
باب عيادة المريض والطيرة:
حدثني عن مالك أنه بلغه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا عاد الرجل المريض خاض الرحمة حتى إذا قعد عنده قرت فيه)) أو نحو هذا.
وحدثني عن مالك أنه بلغه عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن ابن عطية أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا عدوى ولا هام ولا صفر، ولا يحل الممرض على المصح، وليحلل المصح حيث شاء)) فقالوا: يا رسول الله وما ذاك؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنه أذى)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب عيادة المريض والطيرة:
(173/21)
عيادة المريض سنة، جاءت النصوص الكثيرة بالأمر بها، جاء الأمر بعيادة المريض: ((عودوا المريض وفكوا العاني)) و ((حق المسلم على المسلم أن يعوده إذا مرض، ويتبعه إذا مات)) وهكذا، ونقل النووي -رحمه الله تعالى- أن عيادة المريض سنة بالإجماع، ومراده بهذا أنه لا يوجد من يخالف في شرعيتها، وإلا فقد قال الإمام البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض.
"والطيرة" يعني حكم الطيرة كما في الحديث الثاني.
يقول في الحديث الأول: " حدثني عن مالك أنه بلغه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا عاد الرجل)) " يعني المسلم أخاه ((المريض خاض الرحمة))، ((لم يزل في خرفة الجنة)) كما جاء في الحديث الصحيح، ((حتى إذا قعد عنده قرت فيه)) شبه الرحمة بالماء الذي يخاض إذا أريد قطعه فهو يخوض غمرات هذه الرحمة حتى إذا قعد عنده قرت فيه، وثبتت، يعني ثبت أجره على الله -جل وعلا-، أو نحو هذا.
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن ابن عطية أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا عدوى ولا هامة ولا صفر)) " الحديث الصحيح: ((لا عدوى ولا طيرة)) في البخاري وغيره، ((لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، ولا يحل الممرض على المصح)).
((لا عدوى)) أهل العلم يختلفون في هذا النفي هل هو نفي عام أو خاص؟ يعني تنفى العدوى في عموم الأمراض أو في بعضها دون بعض؟ أو أن المرض لا يُعدي البتة؟ فجمع من أهل العلم يرون أن النفي على حقيقته، وأن المرض لا يعدي، وأن مخالطة المريض مثل مخالطة السليم.
قوله: ((ولا يحل الممرض على المصح)) وقوله في الحديث الصحيح: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد)) ليس إثباتاً للعدوى، وإنما هو خشية أن يصاب بالمرض نفسه فيقع في نفسه الحرج في الظن بتكذيب الحديث، كيف لا عدوى وأنا مرضت لما جلست عند هذا المريض؟ فمن أجل هذا الحرج الذي يقع فيه المخالط للمريض قيل: ((فر من المجذوم)) وإلا الأصل أن ما في عدوى.
(173/22)
منهم من يقول: المنفي انتقال المرض وسراية المرض بنفسه إلى شخص آخر، وإلا فكون المخالطة سبب للانتقال هذا ما فيه إشكال، وعلى هذا جل الأطباء، يرون أن العدوى موجودة، وأن مخالطة المريض سبب لانتقال المرض منه إلى المخالط، يُحذرون، وبعض الأمراض لها محاجر صحية؛ لأن انتقالها سريع.
وعلى كل حال هما قولان معتبران عند أهل العلم منهم من يقول: أبداً لا عدوى مطلقاً، فمخالطة المريض مثل مخالطة الصحيح، يعني تزور شخص في بيته ليس به أدنى مرض، وتزور المريض في المستشفى ما في فرق لا عدوى أصلاً، والأمر بالفرار منه وعدم إيراد الممرض على المصح إنما هو من أجل رفع الحرج الذي يلحق الزائر بحيث لو أصيب وقع في نفسه تكذيب الخبر، فتحسم هذه المادة عنه.
والقول الثاني: أن العدوى موجودة، ويقولون: إن الواقع يشهد بها، والآلات الحديثة تثبت ذلك، والأطباء كأنهم يتفقون على مثل هذا، لكن المنفي انتقال المرض وسراية المرض بنفسه لا بتقدير الله -جل وعلا-، كما يقوله العرب في الجاهلية.
أما من اعتقد أن هذا المرض يسري من هذا المريض إلى الصحيح بتقدير الله -جل وعلا- وبسراية الله -جل وعلا- له فلا إشكال في هذا.
((ولا هامة)) الهامة طائر يسمى البوم، يقولون: إنه إذا وقع على بيت فهو علامة على نعي أهله أو بعض أهله، ((لا هام)) يعني وقوع هذا الطائر أو وقوع غيره من الحمام وغيره كله لا أثر له.
((ولا صفر)) منهم من يقول: إن صفر داء يصيب البطن، ومنهم من يقول: إنه هو الشهر، وكانوا يتشاءمون به.
((ولا يحل الممرض على المصح)) يعني لا يورد أصحاب الإبل المريضة على .. ، إبله على الإبل الصحيحة؛ خشية أن تصاب بمرضها، وسئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن العدوى فقال: ((لا عدوى)) فقيل له: إن البعير الأجرب يكون في الإبل فيجربها؟ قال: ((من أعدى الأول؟ )) يعني الأول من أعداه؟ من أصابه بالمرض؟.
((وليحلل المصح حيث شاء)) اللي إبله صحيحة ينزل في أي مكان غير هذا المكان الذي فيه الإبل المريضة أو العكس.
"فقالوا: يا رسول الله وما ذاك؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنه أذى)) " يعني مخالطة المريض فيها شيء من الأذى، فيها شيء مما قد يقع في قلب الصحيح إذا سرى أو أصيب بهذا المرض ابتداءً عند من ينفي العدوى مطلقاً، أو أصيب به بسبب الاختلاط عند من يثبت العدوى، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(173/23)
شرح: الموطأ - كتاب الجامع (6)
كتاب الشعر (باب السنة في الشعر - باب إصلاح الشعر) باب ما يؤمر به من التعوذ - باب ما جاء في المتحابين في الله.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيستأنف الدرس في موطأ إمام دار الهجرة مالك بن أنس نجم السنن، والخرم في الكتاب في موضعين، يعني ما لم يشرح من الكتاب في موضعين، أما المجلد الأول فقد فرغ منه، الثاني الذي يبدأ بكتاب الجهاد، وينتهي بكتاب الجامع وجد خرم في أوله، وخرم في آخره، والذي في الآخر بدأنا به سابقاً في كتاب الجامع، والأبواب اللاحقة كلها داخلة في الجامع، فعلنا نكمل ما بدأناه من شرح كتاب الجامع من الموطأ، ثم بعد ذلك نعود إلى أول المجلد الثاني بدءاً من باب الشعر يعني ما يتعلق بالشعر، وأما ما كتب في بعض النسخ كتاب الشعر، فليس بكتاب إنما هو باب من الكتاب الجامع، ويش عندكم يا الإخوان الطبعات الأخرى؟
طالب: كتاب الشعر.
إيه هذا بطبعة فؤاد عبد الباقي جرى على طريقة المفهرسين الذين فهرسوا الكتب التسعة، جرى على طريقتهم، مشى وراءهم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم باب السنة في الشعر، يعني ما في كتاب.
طالب:. . . . . . . . .
إيه هو باب السنة في الشعر سهل ما هو مشكلة؛ لأنه تحت عنوان الجامع.
طالب: كتاب اللباس.
أما السنة في الشعر هذا ليس فيه كتاب أصلاً، واللباس والشعر كلها داخلة في كتاب الجامع، شف كتاب اللباس، باب ما جاء في الطعام والشراب، دليل على أن الكتاب هذا كله ما له أصل، إنما الكتاب الجامع الذي هو تنضوي تحته جميع هذه الأبواب.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب الشعر:
باب السنة في الشعر:
وحدثني عن مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بإحفاء الشوارب، وإعفاء اللحى.
(174/1)
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- عام حج، وهو على المنبر، وتناول قصة من شعر كانت في يد حرسي يقول: "يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن مثل هذه، ويقول: ((إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم)).
وحدثني عن مالك عن زياد بن سعد عن ابن شهاب أنه سمعه يقول: "سدل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ناصيته ما شاء الله ثم فرق بعد ذلك".
قال مالك -رحمه الله-: ليس على الرجل ينظر إلى شعر امرأة ابنه أو شعر أم امرأته بأس.
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يكره الإخصاء، ويقول: فيه تمام الخلق.
وحدثني عن مالك عن صفوان بن سليم أنه بلغه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة كهاتين إذا اتقى)) وأشار بإصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب السنة في الشعر:
يعني شعر البدن، شعر الرأس، شعر اللحية، شعر الشارب، شعر الخوافي في البدن، السنة في ذلك وما يزال منه وما يترك.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"وحدثني عن مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه نافع -مولى ابن عمر- عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بإحفاء الشوارب، وإعفاء اللحى".
مالك الأصل أن يروي عن نافع بدون واسطة، لكنه روى هذا الحديث من طريق ابنه أبي بكر، فالسند نازل، والأصل أن يكون مالك عن نافع عن ابن عمر، بدون أبي بكر بن نافع، لكنه لعله لم يدركه من نافع، إنما رواه عنه بواسطة ابنه أبي بكر.
"أمر" الأصل في الأمر الوجوب، ومن سنن الفطرة حف الشوارب، وإعفاء اللحى، هذه من سنن الفطرة، والأمر الأصل فيه الوجوب، أما بقية شعر البدن فإنه منه ما يحلق، ومنه ما ينتف كما جاء في سنن الفطرة.
(174/2)
بالنسبة للشارب فيحفى، وجاء في رواية عند النسائي أنه يحلق، وصححها بعض أهل العلم، وأما الإحفاء فهو التخفيف، وإعفاء اللحى يعني تركها على هيئتها دون أي تعرض لها، جاء إكرامها وإعفاؤها، وجاء النهي عن التشبه بالكفار بالمجوس وغيرهم بحلق اللحى، وكانت هذه العادة لا تعرف عند العرب أبداً، حتى جاء طائفة من المبتدعة يقال لهم: القلندرية في القرن العاشر، فحلقوا لحاهم تشبهاً بالمجوس، نسأل الله العافية، ثم ازداد الأمر لما اختلط المسلمون بالكفار بسبب الاستعمار، صاروا يترخصون ويأخذون بالأقوال الشاذة من التخفيف ثم آل الأمر إلى الحلق، وإذا كثر الإمساس قل الإحساس، والعادة أنه إذا دخل المقص دخل الموس، إذا تساهل الناس في شيء صار مآله إلى الزوال.
(174/3)
ونقل ابن حزم أن حلق اللحية كبيرة من كبائر الذنوب بالإجماع، نقل على ذلك الإجماع إجماع أهل العلم، ومن الفقهاء المتأخرين يحمل مثل هذا الأمر على الكراهة، وهو أمر لا صارف له، يعني إن احتج من احتج بفعل الصحابة بأخذ ما زاد على القبضة فلن يجد من يحتج بفعله فيما زاد على ذلك أبداً، فضلاً عن الحلق، الحلق يعني الصور الموجودة للمسلمين في جميع الأقطار قبل مائة سنة لا يعرف بينهم الحق، لكن تساهل الناس لما خالطوا الكفار وجاءوهم في بلدانهم، وسافروا إليهم، يعني حصلت الرحلة منهم وإليهم، وكثر الاختلاط، وأعجب كثير من الضعاف من ضعاف المسلمين من باب اقتداء المغلوب بالغالب، بهر كثير من المسلمين بحضارة الكفار، فصاروا يعجبون بهم، ومن أعجب بأحد قلده، وقلدوهم في هذا، ولا شك أن هذه من العظائم، التشبه بالكفار من العظائم، وهذه منها، ولو لم يرد الأمر بإعفاء اللحى لكان مجرد التشبه كاف في تحريم حلق اللحية، وهو أيضاً تشبه بالنساء، ولعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المخنثين من الرجال الذين يتشبهون بالنساء والعكس، والمترجلات من النساء، هذا التشبه كافي في التحريم، إضافة إلى أن السنة القولية والفعلية تضافرت على أن اللحية لا يتعرض لها بشيء، وتعرف قراءة النبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاته باضطراب لحيته من خلفه، وجاء في صفته -صلى الله عليه وسلم- أنه كان كث اللحية، فهذا فعله وهذا أمره، فهل يبقى لمتشبث أو لمستمسك حجة أو شبهة في أن يخفف لحيته أو يحلقها؟ لكنه الهوى -نسأل الله السلامة والعافية-، والضغوط على ما يذكره بعضهم إما من رؤسائهم من ساداتهم إلى أن وصل الأمر إلى أن المرأة تضغط على زوجها فيستجيب، نهاية في السفال، يعني من المقزز أن تجد طالب علم كث اللحية وافر اللحية ثم بعد ذلك تجده فجأة إما أن يخففها تخفيفاً بالغاً أو يحلقها وقد حصل، ثم تجد العلة أن المرأة اشترطت.
(174/4)
على كل حال ما يثار من مسألة التخفيف ولو ثبت عن بعض الصحابة ما ثبت، ثبت عن ابن عمر أنه كان يأخذ في نسكه ما زاد على القبضة، وحجته في ذلك أن الله -جل وعلا- جمع في النسك بين الحلق والتقصير، {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [(27) سورة الفتح] فإذا تم حلق الرأس فماذا عن التقصير؟ ماذا يبقى للتقصير؟ ما بقي إلا اللحية، فهذا فهمه للآية، والواو هذه بمعنى (أو) وليست بمعنى الواو التي تقتضي التشريك بين الأمرين، وفهم من الآية أنه لا بد من الحلق والتقصير في آن واحد، فإذا حلق رأسه لم يبق شيئاً يقصر إلا اللحية، فكان يأخذ ما زاد على القبضة هذا اجتهاده، وهذا موقوف عليه كما هو معروف، لا يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يثبت شيء من المرفوع أنه كان يأخذ من لحيته -عليه الصلاة والسلام-، وإن قال .. ، تتابع متأخرو الفقهاء على جواز الأخذ عما زاد على القبضة، ثم تسامح الناس ما دام دخل المقص فالوزن وزن الشعر صعب، يقول: زاد هذا نقص هذا، وكثير منهم يقول: نعست عند الحلاق وأخذ شيئاً ما رضيته، وبعضهم .. ، سبحان الله، يعني يتحايلون على من؟ على الذي يعلم السر وأخفى، ثم بعد ذلك يتسامحون شيئاً فشيئاً، وسمعنا بعض من يعلم الفقه ممن لا علم عنده يزعم أن القبضة بأصبع واحدة، ما زاد على القبضة بالأصبع يجوز أخذه، يعني ما هو بالقبض بالأصابع كلها، لا، يقول: ما له داعي كل هذا، وصار الدين هوى، ويبرر لنفسه، والمسألة مسألة اتباع، المسألة اتباع للأسوة والقدوة، إذا تعارض المرفوع مع غيره لم يلتفت إلى غيره كائناً من كان القائل، وبعضهم ممن يزاول التعليم يقول: إن الأمر محمول على الندب، والأمر معروف كما هو عند عامة أهل العلم الأًصل فيه للوجوب إلا إذا وجد صارف، إذا وجد صارف نعم، كثير من الأوامر صرفت من الوجوب إلى الندب، وبعض الناس مثلما قلنا: يتأول بهذا ليبرر عمله، وعمل أمثاله وأقرانه أنهم تتابعوا على هذا، ورأوا شيوخهم كذلك، وذهب شيخ أزهري ممن يقول بمثل هذا ويترخص، ويأخذ من لحيته شيئاً كثيراً إلى طبيب هندي، كث اللحية الطبيب، على عادة كثير من الهنود والباكستانيين لحاهم -ما شاء الله- وافية ووافرة، وقال له .. ،
(174/5)
عرفه على نفسه، وأنه شيخ يعلم العلم الشرعي، قال يا شيخ: أين اللحية؟ قال: سنة، قال: إيش معنى سنة؟ قال: يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، قال: أنا ما يعرف سنة ما سنة، الرسول مثلي وإلا مثلك؟ نعم ما في غير هذا، هذا الاقتداء، كون الرسول أسوة هل هو مثلي وإلا مثلك؟ سنة ما سنة؛ لأن السنة في اتباع النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني حمل السنة على الاصطلاحية في جميع النصوص ما هو بصحيح، يعني جاء من السنة كذا، وهو من أوجب الواجبات، ومع الأسف أنه يروج لمثل هذا القول على كافة الأصعدة، الآن حملة على اللحية، وعلى إعفاء اللحية، واتهام من يوفر اللحية، الأمر خطير، يعني إذا جاء في أوصاف بعض الفرق مثل أوصاف الخوارج كما سبق لنا في مقدمة ابن ماجه، أنهم يقرؤون القرآن ويصلون وتحقرون صلاتكم .. ، يعني تنزيله على عموم الناس يعني كل من حمل هذه الأوصاف هل يكون منهم؟ هذه أوصاف شرعية ونبوية، يعني خطب خطيب وتكلم عن فئة مذمومة بلا شك، لكنه قال: من أوصافهم تقصير الثياب، وحمل كتب الحديث، هل هذه مذمة ذي يذم بها الناس؟ هذه فتنة نسأل الله العافية، يعني يرغم الناس على أن يتبرءوا من هذه الأوصاف الشرعية، وحمل هذا الكلام بعض الآباء على أن ضغطوا على أولادهم أن طولوا ثيابهم، وحلقوا لحاهم، وتركوا العلم؛ لأن هذه أوصاف هذه الفئة المذمومة، هذا الكلام خطير، يعني هذا خلط، تبقى الأمور شرعية، وإن اتصف بها من اتصف، يعني تبقى أوصاف محمودة، وأوصاف مذمومة، يعني لما يقول قائل: الآن اليهود يعفون لحاهم فهل نخالفهم بحلق اللحى؟ هذا السؤال مطروق، يعني اليهود كبارهم ورؤسائهم ورهبانهم كلهم حتى النصارى يعفون لحاهم، فهل من المخالفة أن يحلق المسلم لحيته؟ نعم؟ هذا فيه نص على العكس، لكن واحد من باب الإلزام، قال: إذا كان اليهود والنصارى كلهم أجمعوا، كلهم كم عدة اليهود والنصارى؟ النصارى على وجه الأرض يعني يمكن ربع الدنيا أو أكثر، يقول: إذا أجمعوا على إعفاء لحاهم احلق لحيتك خالفهم، مع أن المسألة فيها نص، لكن هذا من باب الإلزام، يعني أنت المسألة مسألة هوى، يكون واحد بالمائة من اليهود أو من النصارى عفوا لحاهم تقول: أخالف اليهود والنصارى؟! إذا كان
(174/6)
الأمر المعلل عندنا أمر بإعفاء اللحية، معلل بمخالفة اليهود، مخالفة المجوس، الذي يهمنا من ذلك الأمر، والعلة سواءً وجدت أو ارتفعت ما لنا بها ارتباط، يهمنا الأمر، حتى لو اتفق اليهود والنصارى على إعفاء لحاهم أو تقصير ثيابهم عندنا أوامر شرعية ثابتة.
طالب: يقال: على فهم ابن عمر يعني هو راوي الحديث، والراوي أعلم بمرويه.
أي حديث؟ هذا الذي معنا؟
طالب: هذا أو غيره؟
إيه هذا الأصل، بقاء ابن عمر على هذا، لكن هل حفظ عن ابن عمر أنه يأخذ في غير النسك؟
طالب: لا.
خلاص انتهى الإشكال، يأخذ في النسك لفهم الآية، وبقيت عمره على الحديث.
طالب: لكن يكون فهمه للآية غير فهمه للحديث.
لا، لا، فهمه للآية في النسك.
طالب:. . . . . . . . .
لا، وإذا اختلف رأي الراوي عن روايته فالعبرة بما روى لا بما رأى.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يثبت، النبي -عليه الصلاة والسلام- أَمَرَ أمْر ما خالفه ولا نقضه لا بقول ولا بفعل، وأمر بألفاظ متعددة كلها تدل على أن اللحية لا يتعرض لها بشيء طالت أو قصرت، طال بعضها، أو قصر بعضها، بعض الناس يقول: المنظر يا أخي ما هو بشكل هذا، الله -جل وعلا- لا ينظر إلى الصور، إنما ينظر إلى القلوب.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب: الموازنة بين طرفي الحديث أمر بإحفاء الشارب ...
إي نعم يعني اقتران الأمر صدر لشيئين هل إحفاء الشارب واجب وإلا لا؟ كما أننا نقول: إعفاء اللحية واجب، هل الأمر للوجوب في الطرفين؟ هل هو للوجوب في الطرفين؟ الفقهاء يطلقون الكراهة بالنسبة للشارب، لكن يبقى أن الأصل فيه الوجوب.
طالب:. . . . . . . . .
الذي في الحديث الأكثر الإحفاء، جاء الأمر بالحلق عند النسائي، وهو مصحح عند جمع من أهل العلم، مصححة.
(174/7)
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حج، وهو على المنبر، وتناول قصة من شعر" كبة من شعر في يده من شعر "كانت في يد حرسي" ثم تناولها وأراها الناس على المنبر "يقول: يا أهل المدينة" يعني مروراً .. ، حج ومر على المدينة في طريقه إلى الشام "يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ " كأنه يعتب على العلماء الذين لا يغيرون، ولا يأمرون ولا ينهون "أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن مثل هذه" لأنه أخذ الكبة من الشعر ووضعها على رأسه، يعني القصد بذلك الزيادة "فقال: ((إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم)) " لأنهم اتخذوا القصة، وبعض الوعاظ يتكلم عن قص الشعر، ويستدل بهذا الحديث، وهو استدلال ليس بصحيح، إنما الحديث يدل على منع وصل الشعر، الذي جاء فيه اللعن ((لعن الله الواصلة)) فالحديث يدل على تحريم الوصل؛ لأنه شعر يضاف إلى شعر، وأما كونه ينهى عن القصة، أو تحرم القصة هذا المراد به، يعني القصة المزيدة لا المأخوذة، وأما الأخذ فنساء النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته كن يأخذن من شعورهن، حتى تكون كالوفرة، فالأخذ من الشعر إذا سلم من التشبه بالكفار أو بالفساق أو بالرجال لا بأس به، يعني ثبت عن نساء النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما بالنسبة للزيادة فلا تجوز بحال.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
أول من يفعله متشبه، هذا ما فيه إشكال، ويش لون فعله؟ يرى الكافرة تفعل كذا ثم تفعله مسلمة متشبهة بالكافرة، لكن قل: إذا شاع بين المسلمين، وصارت المرأة تنظر إلى أختها وعمتها وخالتها وجارتها وفلانة وفلانة من غير نظر أو استحضار لفعل الكفار هذا ينتفي فيه التشبه.
(174/8)
قال: "وحدثني عن مالك عن زياد بن سعد عن ابن شهاب أنه سمعه يقول: "سدل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ناصيته ما شاء الله ثم فرق بعد ذلك" الرسول -عليه الصلاة والسلام- سدل الشعر، أي أنزل شعره على جبهته موافقة لأهل الكتاب، وكان في أول الأمر -عليه الصلاة والسلام- يحب موافقتهم، رجاء أن يسلموا، يعني من باب التأليف، فلما أيس منهم نهى عن مشابهتهم وفارقهم، بعد ذلك فرق الشعر، جعله فلقتين من اليمين والشمال؛ لأنه أيس من استجابتهم فأمر بمخالفتهم.
(174/9)
"قال مالك: ليس على الرجل ينظر إلى شعر امرأة ابنه أو شعر أم امرأته بأس" لأنها من المحارم، زوجة الابن وأم الزوجة من المحارم، حلائل أبنائكم وأمهات نسائكم هذه من المحارم، فالشعر وما يخرج غالباً ما يحتاج إلى إخراجه في الخدمة هذا يجوز للمحرم أن ينظر إليه، تحتاج إلى أن تكشف وجهها، تحتاج إلى أن تكشف شعرها للوضوء مثلاً، تكشف ذراعها، تكشف إلى أثناء الساق، فهذا يجوز إبدائه للمحارم المنصوص عليهم في آيتي النور والأحزاب، بما في ذلك النساء، النساء المسلمات نسائهن، وما عدا ذلك وما زاد عليه لا يجوز إبدائه إلا للزوج؛ لأنه دلت النصوص على أنه يختص بما لا يختص به غيره، وأما بقية المحارم يشتركون، اللهم إلا إذا خشي فتنة، فلا تبدي لأخيها مع خشية الفتنة أو لابن زوجها، أو زوج ابنتها أو غيرهم من المحارم إذا خشيت الفتنة، فتخفي كل ما يفتن هذا المخفي، وإذا أمنت الفتنة فما الذي يظهر غالباً وما يحتاج إلى إبرازه في الخدمة، ويراه المحارم في عموم الناس قبل أن تُغير الفطر، نعم تغيرت الفطر، والناس كثير منهم اجتالتهم الشياطين في كثير من أقطار المسلمين مع الأسف، فصاروا يبدون أشياء لا يجوز إبداؤها إلا للزوج، وتوسع النساء في إبداء الزينة للنساء، والأصل أن المرأة مثل المحرم لا يبدى لها إلا ما يبدى للمحرم، حتى كُشف عن العورات، استرسل الناس في ذلك حتى وجدت النقوش للعورات المغلظة، مما يدل على أنها تظهر، وإلا ويش فائدة النقش؟ لا شك أن هذا مخالف لما دلت عليه النصوص الشرعية والقواعد العامة، فالمسلمات أهل حشمة، والتطهير مراد لجميع نساء المؤمنين، ليس بخاص بأمهات المؤمنين، العلة هذه يشترك فيها جميع النساء المكلفات من المسلمات، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والله الضمير "نسائهن" يعني المسلمات، والكفار غالباً إلا عند الحاجة ما وجد من يطبها إلا هذه المرأة هذه بقدرها تقدر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مر قول ... ، لا دليل عليه، الدليل أن المرأة منسوقة على المحارم، فحكمها حكم المحارم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما استثني من ذلك إلا الزوج الذي دلت النصوص على أنه يختص بما يختص به غيره، نعم؟
(174/10)
طالب: بعض النساء ترضع طفلها أمام النساء يا شيخ من ثديها؟
عاد بالنسبة لهذا بعض الفقهاء ينص على أنه لا مانع؛ لأن الحاجة تدعو إليه، فيخرج عند النساء وعند المحارم، لكن مع ذلك بقدر الإمكان تستر وتخفي ما يفتن، يعني مشكلة أن الأخت قد تبدي مثل هذا لأخيها فيفتتن بها، فإذا خشيت الفتنة يزاد على ما ذكر، نعم؟
طالب: بالنسبة للإحفاء ...
الأخذ منه حتى تبين الشفة، يعني على مستوى الشفة.
يقول -رحمه الله-: "حدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يكره الإخصاء، ويقول: فيه تمام الخلق" لأن إدخال مثل هذا الخبر في مثل هذا الباب في الشعر يعني بجامع أن كلاً منهما يمكن أخذه، وجوده من أصل الخلقة، وأخذه يعني أخذ هذا القدر الزائد من الإنسان وهو سل الخصية أو جبها، المقصود في الحيوان، وأما في الآدمي لا يجوز محرم، ولو كان رقيقاً، في الحيوان يعني أخذه، قد يقول قائل: لماذا لا يقال: إنه مثل جز الشعر بالنسبة له؟ يقول: كان يكره الإخصاء ويقول: فيه تمام الخلق، وأما جز الشعر فإنه لا يتأثر به، فيجوز أخذه، ويستفاد منه، وأما بالنسبة للإخصاء صحيح أنه يطيب اللحم بعده، لكن مع ذلك ابن عمر يقول: يكره ذلك؛ لأن فيه تمام الخلق، وإذا تقرب الإنسان بكبش تام الخلق بما في ذلك ما يؤخذ منه كالإخصاء لا شك أنه أكمل.
قال: "وحدثني عن مالك عن صفوان بن سليم أنه بلغه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة كهاتين)) ".
((أنا وكافل اليتيم)) يعني القائم بأمره ومصالحه المدبر لشئونه، سواءً كان من ماله هو وهذا أفضل، أو من مال اليتيم؛ لأن رعاية مصالح اليتيم وخدمة اليتيم فيها فضل عظيم، ويدخل في هذا الحديث، ولو كان من مال اليتيم أو من مال غيره، لكن كونه من ماله ليخدمه بماله وبدنه هذا أكمل.
يقول: " ((أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة كهاتين إذا اتقى)) " إذا كان دبر أمور هذا اليتيم من ماله واتقى الله -جل وعلا- في ماله، ورعى الأصلح في بدنه ونفسه وماله، بهذا الشرط.
(174/11)
"وأشار بإصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام" طيب ويش دخل هذا الحديث بهذا الباب ((أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة كهاتين إذا اتقى)) وأشار بإصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام؟
أولاً: من الرأفة باليتيم والرحمة له أن توضع اليد على رأسه، والرأس فيه الشعر، يعني نلتمس مناسبة ولو بعيدة، الأمر الثاني: أن القيام على اليتيم بجميع ما ينوبه حتى في أخذ شعره إن احتاج إلى ذلك، أو تركه إن احتاج إلى ذلك؛ لأن هذا من تمام رعايته، قد يكون في بلد يحتاج إلى إبقاء الرأس، وقد يكون في ظرف أو حال يقتضي حلق الشعر، كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بحلق شعر أولاد جعفر، فاليتيم كافله يتقي الله -جل وعلا- حتى في شعره أخذاً وتركاً.
سم.
باب إصلاح الشعر:
حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا قتادة الأنصاري قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن لي جمة أفأرجلها؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم، وأكرمها)) فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين لما قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وأكرمها)).
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن عطاء بن يسار أخبره قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، فدخل رجل ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده أن اخرج، كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته، ففعل الرجل ثم رجع، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان)).
يقول -رحمه الله تعالى- ...
يا إخوان ترون الأحاديث كثيرة جداً، ودنا ننتهي من الكتاب، يعني المقرر كثير، ودنا نفرغ من الكتاب، وكثرة الأسئلة والمناقشات تعوق، فنقلل من ذلك، اللي بحاجة، إذا وصل الأمر إلى أن السؤال أو الاقتراح أو شيء ينفع في الشرح، أو تنبيه على شيء غفلنا عنه، أو أخطأنا فيه، هذا ما يخدم الكتاب مطلوب، وما عدا ذلك نتجاوزه.
قال -رحمه الله-:
باب إصلاح الشعر:
إصلاحه بتسريحه ودهنه وترجيله.
(174/12)
قال -رحمه الله-: "حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا قتادة الأنصاري قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن لي جمة" الجمة هي الشعر ينزل حتى يصل إلى المنكبين "إن لي جمة، أفأرجلها؟ " يعني أسرحها "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم، وأكرمها)) " يعني ما يكفي أنك مجرد تسرح وترجل وتتركها شعثة بعد الترجيل، الترجيل يحتاج إلى دهن، ويحتاج إلى ملاحظة، ورش بالماء ليزول الغبار، ويزول الشعث "قال: ((نعم، وأكرمها)) قال: فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين" استجابة لقوله: ((وأكرمها)) نعم ربما دهنها في اليوم مرتين، لما قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وأكرمها)).
المسلم عليه أن يتوسط في أموره كلها، فلا إفراط ولا تفريط، لا يترك نفسه بحيث يستقذر في شكله، في هيئته، في ملبسه، في مسكنه، ولا يبالغ في ذلك بحيث يكون وقته كله لهذه الأمور، أو جهده، أو ماله يصرف في مثل هذه الأمور، بل عليه أن يتوسط في أموره، والفقهاء ينصون على أن الادهان يكون غباً، يعني يوم بعد يوم؛ لأنه لو ادهن في كل يوم هذا يحتاج إلى وقت، والمسلم الحازم الفطن الكيس ينبغي أن ينصرف بكليته إلى ما خلق من أجله، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك يلتفت إلى أمر دنياه.
فكان أبو قتادة ربما دهن في اليوم مرتين؛ لما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- له: ((وأكرمها)) يعني استجابة، {اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ} [(24) سورة الأنفال] فهذا من الاستجابة، لكن صرف الوقت الطويل؛ لأن بعض الناس في وقتنا هذا يسرفون في مثل هذه الأمور، تجد أكثر وقته أمام المرآة، هذه شعرة طالعة، وهذه نازلة، وهذا الشماغ مايل، وهذا ما أدري إيش؟ وتجده وهو في طريقه إلى عمله، أو فيما إذا خرج من البيت يقف، وينظر في نفسه تجد هذا موجود بكثرة، يعني عند الشباب، وهو مار بسيارة يقف أمام مرآتها ويوضب أموره ويناظر شماغه، فضلاً عن كونه يجلس في صالونه في بيته الساعة والساعتين هذا ليس من شأن المسلم، وما خلق المسلم من أجل هذا، يعني خلق لتحقيق العبودية لله -جل وعلا-، لكن أيضاً لا تنس نصيبك من الدنيا، بحيث لا تستقذر، ولا تكن أيضاً همك مثل هذا.
(174/13)
قال: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن عطاء بن يسار أخبره، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد" يعني على عادته، أكثر مقامه -عليه الصلاة والسلام- في المسجد "فدخل رجل ثائر الرأس واللحية" شعث، كل شيء منتفش "فأشار إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده أن اخرج" إشارة مفهمة للمراد، كأنه يعني إصلاح، كأنه أشار إلى شيء من الشعر، أما مجرد الإخراج لأنه دخل هذا ما يكفي، يعني لو دخل ثائر الرأس، ويطرد من المسجد ما يطرد، إلا لإصلاح حاله، فكأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته "ففعل الرجل" يعني فهم المراد "ثم رجع، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أليس هذا)) " يعني بعدما أصلح نفسه " ((أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان؟ )) " يعني يمثل بالشيطان ولو لم يرَ، {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} [(65) سورة الصافات] يمثل بها القبيح ولو لم تر، كما أن الجميل المستحسن يمثل بالملك ولو لم ير.
سم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في صبغ الشعر:
حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قال وكان جليساً لهم، وكان أبيض اللحية والرأس، قال: فغدا عليهم ذات يوم وقد حمرهما، قال: فقال له القوم: هذا أحسن، فقال: إن أمي عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسلت إلي البارحة جاريتها نخيلة فأقسمت علي لأصبغن، وأخبرتني أن أبا بكر الصديق كان يصبغ".
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول في صبغ الشعر بالسواد: لم أسمع في ذلك شيئاً معلوماً، وغير ذلك من الصبغ أحب إلي.
قال: وترك الصبغ كله واسع -إن شاء الله-، ليس على الناس في ذلك ضيق.
قال يحيى: وسمعت مالكاً يقول: في هذا الحديث بيان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يصبغ، ولو صبغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأرسلت بذلك عائشة إلى عبد الرحمن بن الأسود.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في صبغ الشعر:
الشعر كما هو معلوم في أول الأمر يخرج أسود، ثم بعد ذلك يتغير إلى البياض شيئاً فشيئاً حتى يكون أبيض خالص.
(174/14)
النبي -عليه الصلاة والسلام- لما رأى أبا قحافة وشعره كالثغامة شجر شديد البياض نبته شديد البياض كالثغامة، فقال: ((غيروا هذا الشعر، وجنبوه السواد)) فالصبغ جاء فيه هذا الأمر، وثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- شاب فيه شعرات يسيرة، يعني أكثر ما قيل: عشرين شعرة، مثل هذا العدد لا يبين فيه الشيب، فلم يحتج إلى الصبغ، مع هذا الأمر ((غيروا))، والجمهور على أن هذا الأمر للاستحباب ومنهم من قال بوجوبه، لكن المرجح عند أهل العلم أنه مستحب استحباباً متأكداً.
((وجنبوه السواد)) هذه الجملة من جملة المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال بعضهم: هي مدرجة، ولذا يختلفون في حكم الصبغ بالسواد، فمن قال: إنها من جملة المرفوع حرم الصبغ بالسواد ((جنبوه))، ومن قال: إنها مدرجة تسامح وتساهل، وهذا قول معروف عند الفقهاء، وذكر عن بعض الصحابة أنهم صبغوا بالسواد.
(174/15)
عندنا الأمر بتغيير الشيب، أمر بالتغيير، وهو متردد بين كونه للوجوب، وبين كونه للاستحباب، شخص يعلم العلم الشرعي حالق للحيته، فقال له شيخ من المشايخ: حلق اللحية حرام، الشيخ هذا لا يغير الشيب، لحيته بيضاء، فقال: إن كنت عاصٍ بحلق اللحية، فأنت عاص بترك التغيير، إذاً أنت عاصي وأنا عاصي، ومعصيتك يقول له: أشد من معصيتي، قال: لماذا؟ قال: لأن معصيتك بترك المأمور، ومعصيتي بارتكاب المحظور، والشيخ الذي ينهاه عن .. ، أو يذكر له بيان تحريم حلق اللحية، يرى رأي شيخ الإسلام أن ترك المأمور أعظم من ارتكاب المحظور، فهل مثل هذا الاستدلال يعني تدفع به النصوص؟ يعني أن الأصل أن الإنسان إذا أمر بمعروف أو نهي عن المنكر الذي دل عليه الدليل ما يدفع بصدر الآمر والناهي، يقول: سمع وطاعة، ثم بعد ذلك يناقش في المسألة الأخرى، يعني بعض الناس إذا أمر بشيء قال للآمر وأنت تفعل كذا، هذا ما هو بصحيح هذا، هذا الكلام ليس بصحيح، ولا يجوز مثل هذا، هذا رد الحق، أنت اقبل الحق إذا جاءك الحق بدليله عليك أن تقبل، ثم بعد ذلك بدورك وجه، قال: أنا عاصي وأنت عاصي، ومعصيتك أعظم من معصيتي ليش؟ قال: هذا أمر أنت تقرره، أن المعصية بترك المأمور أعظم من المعصية بارتكاب المحظور، وأنت معصيتك بترك مأمور، وهو تغيير الشيب، وأنا معصيتي .. ، هذه لا شك أنها حجة شيطانية، كل هذا من أجل ألا يمتثل الأمر.
قال: "حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قال وكان جليساً لهم، وكان أبيض اللحية والرأس، قال: فغدا عليهم ذات يوم وقد حمرهما" يعني صبغهما بالحمرة، بالحناء أو بغيره، أو بنحوه، بعض الناس يمتثل مثل الأمر ((غيروا)) لكنه يصبغ اللحية ولا يصبغ الرأس، يقول: الرأس يغطى، واللحية ما تغطى، الأمر الثاني: أن الرأس يحلق باستمرار في النسك وفي غيره، واللحية ما تحلق، فهل يكون من صنع هذا قد امتثل ((غيروا))، وفي حديث أبي قحافة: فإذا رأسه، يعني الأمر نص في الرأس، لا يتم الامتثال إلا بتغيير الرأس واللحية.
(174/16)
قال: "فغدا عليهم ذات يوم وقد حمرهما، قال: فقال له القوم: هذا أحسن، فقال: إن أمي عائشة" أم المؤمنين أمه وأم غيره "زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسلت إلي البارحة جاريتها نخيلة فأقسمت علي لأصبغن، وأخبرتني أن أبا بكر الصديق كان يصبغ" يعني أبو بكر حضر أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبيه أن يغير فكان يصبغ، وكان عمر يصبغ، كان عمر يصبغ بالحناء الصرف، وأبو بكر يصبغ بالحناء مع الكتم.
"قال يحيى: سمعت مالكاً يقول في صبغ الشعر بالسواد: لم أسمع في ذلك شيئاً معلوماً، كأنه رأى ((جنبوه السواد)) ليس من قوله -عليه الصلاة والسلام-، وغير ذلك من الصبغ أحب إلي" يعني لاحتمال ثبوت رفع هذه الجملة "وغير ذلك من الصبغ أحب إلي" قال: "وترك الصبغ كله واسع" يعني لو لم نصبغ واسع، الأمر واسع، لو بقيت بيضاء واسع، ليس على الناس فيه ضيق؛ لأنه يرى أن الأمر ليس للوجوب.
"قال: وسمعت مالكاً يقول: في هذا الحديث بيان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يصبغ، ولو صبغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأرسلت بذلك عائشة إلى عبد الرحمن بن الأسود" لماذا؟ لأنها قالت له: إن أبا بكر كان يصبغ، ولو كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصبغ ما قالت: إن أبا بكر كان يصبغ، لقالت: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصبغ، ولو كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صبغ أو .. ؛ لأرسلت بذلك عائشة إلى عبد الرحمن بن الأسود، يعني ما احتجت بفعل أبيها، كانت تحتج بالمرفوع.
على كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يحتج إلى الصبغ، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما يؤمر به من التعوذ:
حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: بلغني أن خالد بن الوليد قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إني أروع في منامي، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه، وشر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون)).
(174/17)
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: أسري برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأى عفريتاً من الجن يطلبه بشعلة من نار، كلما التفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رآه، فقال له جبريل: أفلا أعلمك كلمات تقولهن، إذا قلتهن طفئت شعلته، وخر لفيه؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بلى)) فقال جبريل: فقل: أعوذ بوجه الله الكريم، وبكلمات الله التامات اللاتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء، وشر ما يعرج فيها وشر، وشر ما ذرأ في الأرض، وشر ما يخرج منها، ومن فتن الليل والنهار، ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن.
وحدثني عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً من أسلم قال: ما نمت هذه الليلة؟ فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أي شيء؟ )) فقال: لدغتني عقرب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أما إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك)).
وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن القعقاع بن حكيم أن كعب الأحبار قال: "لولا كلمات أقولهن لجعلتني يهود حماراً، فقيل له: وما هن؟ فقال: أعوذ بوجه الله العظيم الذي ليس شيء أعظم منه، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، وبأسماء الله الحسنى كلها، ما علمت منها وما لم أعلم، من شر ما خلق وبرأ وذرأ".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما يؤمر به من التعوذ:
التعوذ الالتجاء إلى الله -جل وعلا- أن يكفي المتعوذ شر ما يتعوذ منه، يتعوذ بالله، يعوذ به، يلجأ إليه، ويستجير به من شر ما يقتضي هذا التعوذ.
قال: "حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: بلغني أن خالد بن الوليد قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إني أروع في منامي" خالد بن الوليد يروع، الذي يروع الأبطال في اليقظة يروع في المنام، هذا ما في شك أنه برهان على نقص البشر، مهما بلغ يعني، الخبر فيه إرسال وانقطاع، لكن ما يمنع أن يكون خالد بن الوليد يروع.
(174/18)
"إني أروع في منامي، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قل: أعوذ بكلمات الله التامة)) " يعني التي لا نقص فيها " ((من غضبه وعقابه)) " من غضب الله -جل وعلا- وعقابه " ((وشر عباده)) " يعني ألتجئ إلى الله، وأعتصم به، وأستجير به وبكلماته التامة، وهذا يستدل به على أن القرآن الذي هو كلمات الله منزل منه، ليس بمخلوق، ولو كان مخلوقاً كما تقول المعتزلة والجهمية لما جازت الاستعاذة به.
((أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه)) غضبه من أن أرتكب ما يسبب الغضب، ما يكون سبباً لغضب الله -جل وعلا-، وعقابه المرتب على هذا الفعل، هو يستعيذ بالله أو بكلماته من غضبه الناشئ عن فعل المكلف، فعلى الإنسان أن يستعيذ بلسانه ويترك، يعني يبذل السبب ويترك أو يحرص على انتفاء المانع مع إيجاد السبب.
((من غضبه وعقابه، وشر عباده)) شر عباده سواءً كانوا من الإنس أو من الجن، ومن شر المخلوقات كلها، ((ومن همزات الشياطين)) همزات الشياطين: يعني وساوسهم ونزغاتهم، وإملاءهم للمخلوق بمعصية الله -جل وعلا-، وما يغضبه، ويسبب عقابه.
((ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون)) يستعيذ بالله -جل وعلا- أن يحضره الشياطين، ويحرص على أن يكون الحضور الملائكة، كل ما جاء فيه النص على أن الملائكة لا تصحب كذا، أو لا تدخل بيت فيه كذا، يحرص على بذل الأسباب، وانتفاء الموانع أن الملائكة تدخل بيته، وإذا دخلت فلا سلطان للشياطين، وإذا منعت الملائكة من الدخول بسبب ما يوجد فيه من كلب أو صورة، أو ما أشبه ذلك، فلا محالة يحل محلهم الشياطين.
(174/19)
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: أسري برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأى عفريتاً من الجن يطلبه بشعلة من نار، كلما التفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رآه، فقال له جبريل: أفلا أعلمك كلمات تقولهن، إذا قلتهن طفئت شعلته، وخر لفيه؟ " يعني خر على وجهه، سقط على وجهه "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بلى)) فقال جبريل: فقل: أعوذ بوجه الله الكريم" وفيه إثبات صفة الوجه لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وبكلمات الله التامات على ما تقدم "اللاتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر" يعني لا يستطيع أن يتعدى هذه الكلمات لا بر ولا فاجر، لا يستطيع أن يتجاوزهن أحد.
"من شر ما ينزل من السماء، وشر ما يعرج فيها" يعني من الشر المقضي الذي ينزل من الله -جل وعلا- على عباده في الأرض، وشر ما يعرج فيها، بسبب الذنوب والمعاصي "وما ذرأ في الأرض" يعني خلق في الأرض من مخلوقات الأرض "وشر ما يخرج منها" يعني من جوفها، من شر ما ذرأ في الأرض، يعني على وجهها، شر ما يخرج منها، يعني من جوفها "ومن فتن الليل والنهار" نعم الناس يفتنون، والنبي -عليه الصلاة والسلام- نظر إلى المنازل، ونظر إلى مواقع الفتن كمواقع القطر، فالإنسان يستعيذ بالله من الفتن، فتن الليل والنهار، وبعض الناس يفتن يومياً، وبعضهم في الشهر مرة، وبعضهم مرتين، وبعضهم يفتن كل عام مرة، أو مرتين ولا يتوب، وقد تكون بعض هذه الفتن عظيمة فيستعيذ بالله من شر الفتن "ومن طوارق الليل والنهار" طوارق الليل هي الحوادث التي توجد في الليل، وكذلك النهار "إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن"
الذي يطرق بخير هذا لا يستعاذ بالله منه، وإنما يستعاذ ممن يطرق بالشر.
(174/20)
قال: "وحدثني مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رجلاً من أسلم قال: ما نمت هذه الليلة؟ فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أي شيء؟ )) فقال: لدغتني عقرب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أما إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك)) " لا شك أن الأذكار حصن يمنع من وصول الشر إلى قائلها، لا سيما الأذكار التي جاء التنصيص عليها، مثل: ((أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)) فهذه لا تمنع من الإصابة، لكنها تمنع من الضرر المرتب على هذه الإصابة، فقد تلدغه عقرب، لكنها لا تضر، ليس فيه نفي عن أن يلدغ، لكنها تنفي الضرر المرتب على هذا اللدغ، ومع ذلك إذا لزم هذه الأذكار مع أن هنا التنصيص على المساء، فهل تقال في الصباح؟ يعني هو أصيب في المساء، فلو قال في المساء ما ضره، ولو كانت إصابته في الضحى مثلاً، وقد قالها في المساء انتهى مفعولها؛ لأن المساء له حد، وأول النهار له حد، فإذا قالها في المساء ينتهي مفعولها بطلوع الصبح؛ لأن المساء انتهى، فما الذي يحفظه منها من الضحى مثلاً؟ أن يقولها في الصباح، يعني التنصيص على المساء، ((أما أنك لو قلت حين أمسيت)) ينفي قولها في الصباح؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، حمل الواقع، واقعة العين، هو لدغ بالليل، ما نمت هذه الليلة، فلا يمنع أن تقال في الصباح، أما التنصيص على المساء فلئن الواقعة حصلت في المساء، ((أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك)).
قال: "وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن القعقاع بن حكيم أن كعب الأحبار قال: "لولا كلمات أقولهن لجعلتني يهود حماراً" كيف تجعله اليهود حمار؟ من السحر، يعني بالسحر، وهل السحر يصل إلى حد ينقلب فيه الإنسان إلى صورة حمار؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني ينقلب، ينمسخ مرة من إنسان إلى حمار؟ لا، نعم؟
طالب: يخيل للناس.
يعني قد يخيل للناس، لا حقيقته تنقلب، وأيضاً قد ينقلب بأفعاله بتصرفاته بأشياء من ذلك فيما يشبه الحمار.
(174/21)
"فقيل له: وما هن؟ فقال: أعوذ بوجه الله العظيم ليس شيء أعظم منه، وبكلمات الله التامات" أعوذ بوجه الله العظيم، يعني استعاذ بعظيم "ليس شيء أعظم منه، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر" هذا موقوف على كعب، وله ما يشهد له مما تقدم "وبأسماء الله الحسنى كلها، ما علمت منها وما لم أعلم، من شر ما خلق وبرأ وذرأ"، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، العقاب منصوص عليه، هو الغضب من لازمه العقاب الذي هو الانتقام، يعني ما يفسر بالانتقام، إنما يفسر الغضب بالانتقام من يفر من إثبات صفة الغضب كما هو معلوم.
طالب:. . . . . . . . .
الاستعاذة مما يسبب.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ الرب -جل وعلا- لا يغضب إلا بسبب، الغضب لا بد له من سبب، يعني على مقتضى كلامك أن الإنسان قد يفعل الأسباب، ويستعيذ من عواقبها، نقول: هو يستعيذ من الأسباب قبل أن يستعيذ من عواقبها، لكن إذا وقع في السبب يستعيذ من العاقبة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو أصل الكتاب جامع، أصل الترجمة الكبرى كتاب الجامع، يجمع أحاديث لها مناسبة، وأحاديث ... ، ما يؤمر به من التعوذ، نعم جاء الباب الذي بعده.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في المتحابين في الله:
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله -تبارك وتعالى- يقول يوم القيامة: أين المتحابون لجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)).
وحدثني عن مالك عن خبيب بن عبد الرحمن الأنصاري عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، أو عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل دعته ذات حسب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)).
(174/22)
وحدثني عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أحب الله العبد قال لجبريل: قد أحببت فلاناً فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله قد أحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله العبد ... )) قال مالك: لا أحسبه إلا أنه قال في البغض مثل ذلك.
وحدثني عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن أبي إدريس الخولاني أنه قال: "دخلت مسجد دمشق فإذا فتى شاب براق الثنايا، وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه، وصدروا عن قوله، فسألت عنه فقيل: هذا معاذ بن جبل، فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير، ووجدته يصلي، قال: فانتظرته حتى قضى صلاته، ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه، ثم قلت: والله إني لأحبك لله، فقال: آلله؟ فقلت: آلله، فقال: آلله؟ فقلت: آلله فقال: آلله؟ فقلت: آلله، قال: فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه، وقال: أبشر، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((قال الله -تبارك وتعالى-: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: "القصد والتؤدة، وحسن السمت جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في المتحابين في الله:
(174/23)
المحبة والمودة توجد بين الناس، بين الأقارب والأباعد، لكن يختلف الباعث على هذه المحبة، هناك المحبة والمودة الغريزية التي تجعل بين الولد ووالده والعكس، بين الأم وولدها، بين الزوج والزوجة، ولكن العبرة بالمحبة الشرعية التي يترتب عليها تقديم مراد الله -جل وعلا- على مراد النفس وهواها، هنا يكون المحك، يعني كما جاء عن ابن عباس في الصدر الأول كان يقول: ولقد صارت عامة مؤاخاة الناس من أجل الدنيا، كان يقول: هذا لا يجدي شيء، المودة والمحبة يجب أن تكون في الله، خالصة لوجهه الكريم لتثمر الثمار التي ذكرت في هذه النصوص، أما المحبة من أجل الدنيا، من أجل أي هدف من الأهداف التي عاقبتها الزوال إذا زال السبب هذه لا تجدي شيئاً، كثير من الناس يبدي أنه يحب فلان في الله، لكن لو جاءه، زاره مثلاً ما استقبله الاستقبال المناسب، تغيرت هذه المودة، تغيرت هذه المحبة، لو نقل عنه كلام صحيح أو غير صحيح لا يناسب مقام هذا الشخص انتهت هذه المودة وهذه المحبة، الإنسان قد يظهر أنه يحب فلاناً في الله ثم إذا تحقق في أمره، وراجع نفسه وجد أن هذه المحبة ليست لله، وجد أن هناك سبب آخر يجعله يرغب في الذهاب إلى فلان، ويأنس بفلان، ويرتاح إلى فلان، ثم إذا حصل أدنى خلل بهذا السبب انتهت المحبة، المحبة الشرعية التي جاءت النصوص بترتيب الثواب عليها هي التي لا تزيد مع الصفاء، ولا تنقص مع الجفاء، وأما المحبة المرتبة على أمر تزول بزواله هذه ليست بشرعية، اللهم إلا إذا كان السبب الذي تزول بزواله هو مما يرضي الله -جل وعلا- انتقل منه إلى ما يغضبه ويسخطه، فإنه بدلاً من أن يحب في الله يبغض في الله، والحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان كما جاء بذلك الخبر.
(174/24)
قال: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله -تبارك وتعالى- يقول يوم القيامة: أين المتحابون لجلالي؟ )) " يعني من أجلي، من أجل جلالي وعظمتي " ((اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)) " وفيه إثبات الظل لله -جل وعلا-، وجاء أيضاً إثبات ظل العرش، وبعضهم يقول: إن ظل العرش قيد، والأصل أن الظل إنما يكون للعرش لا لله -جل وعلا-، ومع ذلكم ما دام ثبتت به النصوص الصحيحة الصريحة فلا مانع من إثباته على ما يليق بجلال الله وعظمته كسائر ما يتعلق به مما ثبتت به النصوص، ويكون له ظل، وللعرش ظل، وفيه أمر لا يمكن تكييفه، ولا يمكن تصوره، يعني يبقى كما هو، ومعناه واضح ومفهوم، لكن كيفيته الله أعلم بها كسائر الصفات.
قال: "وحدثني عن مالك عن خبيب بن عبد الرحمن الأنصاري عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة" شك، وسواءً كان عن أبي سعيد أو عن أبي هريرة سيان، كلاهما من الصحابة "أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل)) " يخرج بذلك الحاكم الظالم، أو القاضي الجائر، يخرج من هذا، إنما المطلوب العدل، {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [(58) سورة النساء] فمن لزم العدل سواءً كان فيما ولي من أمور المسلمين، أو كان عدل في نفسه وأهله وولده، ((المقسطون على منابر من نور)) وهم الذين يعدلون في أنفسهم وأهليهم وما ولوا.
((إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله)) يعني ليست له صبوة ((شاب نشأ في عبادة الله)) لا يعرف له مخالفة، وإن لم يكن معصوماً، لكنه على الجادة من بداية عمره.
(174/25)
((ورجل قلبه معلق بالمساجد)) قلبه متعلق بالمسجد، يعني ما يخرج من المسجد إلا ويحن إلى الرجوع إليه، فتجده في المسجد قبل الصلاة وبعد الصلاة، فإذا خرج لحاجة أو لضرورة أو لمعاش أو ما أشبه ذلك تجد قلبه في المسجد متعلق ((إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه)) يعني جمعتهم المودة، وتفرقا عليه حتى يجتمعا مرة أخرى، ((ورجل ذكر الله خالياً)) يعني ليس عنده أحد، لم يطلع عليه أحد غير الله -جل وعلا-، ((ففاضت عيناه)) يعني بدون رياء ولا سمعة ولا نظر لأحد، ((ورجل دعته ذات حسب وجمال)) يعني امرأة ذات حسب شرف نسب، ومع ذلك هي في نفسها مغرية، كما حصل ليوسف -عليه السلام-، ((فقال: إني أخاف الله)) يعني لم يستجب لها، ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها)) حتى أنه من مبالغته في الإخفاء لا يعلم بعض أطرافه بها ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) وهذه رواية الأكثر، وجاء رواية بالعكس، وحكم عليها أهل العلم أنها مقلوبة: ((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) الأصل أن الإنفاق باليمين، والرواية المقلوبة التي حكم عليها أهل العلم بالقلب هي ثابتة في صحيح مسلم، ومع ذلك يمكن توجيهها أن الإنسان قد يحتاج إلى الإنفاق بالشمال، لا سيما وأن مضمون الحديث إخفاء النفقة، فقد يأتي السائل من جهة الشمال، ويكون عن يمينه من يطلع على الإنفاق، فيعطيه بشماله، فالمعنى صحيح، الأمر الثاني: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((ما يسرني أن يكون لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة)) يعني ليلة ثالثة، ((وعندي منه دينار، إلا دينار أرصده لدين، إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا)) من أمامه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، فالإنفاق عن الشمال لا سيما مع الإكثار أو مع الإخفاء يحتاج إليه.
(174/26)
قال: "وحدثني عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أحب الله العبد قال لجبريل: قد أحببت فلاناً فأحبه)) " يعني الله -جل وعلا- يبلغ ويخبر جبريل بأنه يحب فلان، ((فيحبه جبريل)) ثم بعد ذلك جبريل ينادي في أهل السماء: "إن الله يحب فلان" ينتشر ذكره في السماء فيحبونه، يحبه أهل السماء، ثم بعد ذلك يوضع له القبول في الأرض، من أهل العلم من وضع له القبول في الأرض، من أهل العلم ومن أهل العمل حتى أنه يحبه من لا يعرفه، ويحبه من لم يصل إليه نفعه، لماذا؟ لأن الله -جل وعلا- وضع له القبول، والعكس بالعكس، إذا أبغض الله العبد نادى جبريل قال: إني أبغض فلان فأبغضه ... إلى آخر ما جاء في مسألة المحبة.
فيحرص الإنسان ويسارع إلى فعل ما يقربه إلى الله -جل وعلا-، ومن أعظم ذلك فعل الفرائض، فعل ما افترض الله عليه، ثم بعد ذلك يتقرب إلى الله بالنوافل، ولا يزال يتقرب إليه حتى يحبه.
قال: "وحدثني عن مالك" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه مفاعلة إيه.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال له أجره، الحب في الله أوثق عرى الإيمان، لكن مثل هذا مبني على المفاعلة.
قال: "وحدثني عن مالك عن أبي حازم بن دينار" لأن المفاعلة تقتضي المخالطة والمخالطة تشتمل أحياناً على ما ينافي المودة والمحبة، فإذا ثبت مع هذه المخالطة التي قد يحصل في أثنائها ما يقتضي شيء مما يخدش النفس، مما يؤثر على المحبة، إذا ثبتا على هذه المحبة فأمرهم أعظم من شخص بعيد عنك ما تسمع عنه إلا كل خير، ولا تسمع عنه شيء يسوؤك.
(174/27)
قال: "وحدثني عن مالك عن أبي حازم بن دينار" يعني سلمة بن دينار الزاهد المعروف "عن أبي إدريس الخولاني" عائذ الله بن عبد الله "أنه قال: دخلت مسجد دمشق، فإذا فتى شاب براق الثنايا، وإذا الناس معه" يعني حوله "إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه" يعني توجهوا إليه ليفصل بينهم، وصدروا عن قوله، يرضون بقوله وبحكمه "فسألت عنه فقيل: هذا معاذ بن جبل" معاذ بن جبل توفي وهو شاب، يعني كم عمره لما توفي؟ توفي سنة ثمان عشرة بطاعون عمواس، يعني في الثلاثينات "فقيل: هذا معاذ بن جبل، فلما كان الغد هجرت" يعني بكرت "فوجدته قد سبقني بالتهجير" يعني جاء قبلي إلى المسجد "ووجدته يصلي، قال: فانتظرته حتى قضى صلاته، ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه" هذا الأصل أن السلام يكون مع المواجهة، ولذا يستحب أهل العلم أنك إذا سلمت على حتى المقبور أن السلام يكون من جهة الوجه، بينما الدعاء يستقبل فيه جهة القبلة.
"ثم جئته من قبل وجهه، فسلمت عليه، ثم قلت: والله إني لأحبك في الله" يعني يخبر، من أحب شخصاً في الله يخبره، كما جاء في الحديث "فقال: آلله؟ " يستحلفه، يتثبت "فقلت: آلله" ثلاثاً، وما دام الأمر كذلك "قال: فأخذ بحبوة ردائي" التي تجمع بين ظهره وساقيه المنصوبتين، الاحتباء معروف أنه نصب الرجلين والجلوس على المقعدة، يأتون بالحبوة رداء يربط على .. ، يجمع بين الرجلين مع الظهر "فجبذني إليه" جبذني وجذبني بمعنىً واحد "وقال: أبشر، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((قال الله -تبارك وتعالى-: وجبت محبتي للمتحابين في)) " والجزاء من جنس العمل " ((والمتجالسين في)) " يعني جلسة لله -جل وعلا-، ما تروح لفلان من أجل أن تكسب منه شيئاً، أو تبيع معه وتشتري، إنما لله تزوره، " ((والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين فيّ)) " يعني كل واحد يبذل النفع لأخيه لله -جل وعلا-.
(174/28)
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول: "القصد" يعني التوسط في الأمور، "والتؤدة" التأني "وحسن السمت" كل هذا يقول: "جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة" وهذا الحديث يقوله ابن عباس، لكنه مما لا يدرك بالرأي، لا يمكن أن يقوله ابن عباس من تلقاء نفسه، وعلى كل حال له ما يشهد له في المرفوع عند الطبراني في الكبير.
هذه الأمور القصد يعني التوسط، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة] فالأمة وسط بين الأمم وأهل الحق وسط بين أهل الإفراط والتفريط، والقصد مطلوب، القصد القصد، جاء الإغراء به ((القصد القصد تبلغوا)) التؤدة التأني في الأمور، العجلة من الشيطان، والتأني لا شك أنه محمود في الشرع، والرفق ما دخل شيئاً إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه.
فالمطلوب التؤدة، وأيضاً حسن السمت، يكون للمسلم سمته الذي يميزه عن غيره، يكون لطالب العلم أيضاً سمته الذي يميزه عن العامة، يكون لحامل القرآن، لطالب السنة، للعالم أيضاً ما يميزه عن غيره، وكل هذه من الأمور المطلوبة، وأما كونها جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة فتقسيمها الله أعلم به، يعني إذا قيل: إن الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وأمكن تخريجها أن مدة النبوة ثلاثة وعشرين سنة، إذا قسمت على ستة أشهر الذي هو نصف السنة مدة الرؤيا للنبي -عليه الصلاة والسلام- خرجت مدة الرؤيا جزء من مدة النبوة بواحد على ستة وأربعين، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(174/29)
شرح: الموطأ – كتاب الجامع (7)
باب ما جاء في الرؤيا - باب ما جاء في النرد - باب العمل في السلام - باب ما جاء في السلام على اليهودي والنصراني - باب جامع السلام.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقال المؤلف -رحمه الله-:
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الرؤيا:
باب ما جاء في الرؤيا:
حدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)).
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمثل ذلك.
وحدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن زفر بن صعصعة بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
وين ابن مالك؟ عندك؟
طالب: عندي بن مالك.
صعصعة عن أبيه.
طالب: صعصعة بن مالك عن أبيه.
والسند الأول: إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك.
طالب: صحيح.
هاه؟
أما صعصعة بن مالك عندك؟
طالب: عندي صعصعة بن مالك.
موجود عندكم؟
طالب:. . . . . . . . .
عن أبيه بدون مالك، نعم.
عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول: ((هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟ )) ويقول: ((ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة)).
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لن يبقى بعدي من النبوة إلا المبشرات)) فقالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: ((الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)).
(175/1)
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: سمعت أبا قتادة بن ربعي يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم الشيء يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ، وليتعوذ بالله من شرها، فإنها لن تضره إن شاء الله)) قال أبو سلمة: "إن كنت لأرى الرؤيا هي أثقل علي من الجبل، فلما سمعت هذا الحديث فما كنت أباليها".
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول في هذه الآية: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [(64) سورة يونس] قال: "هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتاب الجامع:
باب ما جاء في الرؤيا:
وبعض النسخ فيها كتاب الرؤيا، وفيها عدة كتب كل كتاب مستقل عن كتاب الجامع، ومع ذلك إذا نظرت في الأبواب ما تجد هناك رابط، يعني مثلاً كتاب الرؤيا باب ما جاء في الرؤيا، بعدها: باب ما جاء في النرد، هل يصلح ما جاء في النرد تحت الترجمة كتاب الرؤيا؟ أو نقول: باب ما جاء في الرؤيا، وباب ما جاء في النرد، وكلاهما داخل في كتاب الجامع الذي تقدم، وغير ذلك، باب العمل في السلام، ليست تراجم كبرى، إنما جميع هذه التراجم تحت الترجمة السابقة كتاب الجامع.
الرؤيا: مصدر رأى، يفرقون بين المصادر الثلاثة من الفعل الواحد رأى، فإن كانت بالعين المجردة صار المصدر رؤية، رأى رؤية، وإن كان في المنام فالمصدر رؤيا كما هنا، وإن كان في المسائل العلمية والعقلية قيل: رأياً، رأى رأياً، فعل واحد، رأى رؤيا، ورأى رؤية، ورأى رأياً، التفريق في المصادر من أجل التفريق في الحقائق، حقيقة الرؤيا غير حقيقة الرؤية، وحقيقة الرؤية غير حقيقة الرأي، فيفرقون بالمصادر.
(175/2)
والرؤيا هي ما يراه النائم أثناء نومه، وهي فيها شيء من الرؤية باعتبار أنه يرى أشياء إلا أنها ليست برؤية تامة، إنما يعتريها ما يعتري النقص اللاحق بسبب النوم، من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- في المنام فقد رآه؛ لأن الشيطان لا يتمثل به، لكن الإشكال في النقص الذي يعتري الرائي، يعني لو رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- نقول: رأى النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن ما يحدث أثناء هذه الرؤيا إن كان هناك ما يؤيده من الشرع فلا إشكال، وإن كان هناك ما يعارضه أيضاً فلا إشكال؛ لأن الرؤى لا يترتب عليها أحكام شرعية، ولا يغير بها أحكام شرعية، إذا كانت الرؤيا لا موافق لها من الشرع ولا معارض فكذلك، إن كانت في أمور عادية فالأمر سهل، وإن كانت في أمور شرعية فلا؛ لأن كثيراً ممن التبس عليه الأمر يعمل بمقتضى الرؤى، فيقول: رأيت النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: صم هذا اليوم، أو قل للجماعة الفلانية، أو أهل البلد الفلاني يصومون هذا اليوم، نقول: لا، لا يصومون، طيب الرسول لا يتمثل به الشيطان، الإشكال فيك أنت، وفي ضبطك، ليس الإشكال في الرسول -عليه الصلاة والسلام-، يسترسل بعضهم ويثبت بها أحكام يعارض بها نصوص، فمنهم من يرى الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول له: الحديث الفلاني أو يسأل الرسول عن الحديث الفلاني فيقول: صحيح أو ضعيف، كل هذه لا تثبت بالرؤى، الدين كمل بوفاته -عليه الصلاة والسلام-، والسبب في ذلك لا الشك في رؤية النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما الشك في أهلية الرائي؛ لأن الأصل أنه نائم، والنائم لا يعقل تصرفاته، تجدون بعض من فيهم شوب من التصوف يسترسلون في هذا الباب، ويعارضون أحكام، ويبنون أحكام جديدة بمجرد رؤى، ويصححون أحاديث حتى تجاوز بعضهم مسألة الرؤيا، حتى زعم أنه يرى النبي -عليه الصلاة والسلام- في اليقظة، ويسأله عن أحكام، وعن أحاديث فيجيبه، ويقول: إن الشيطان لا يتمثل بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، نقول: هذا الكلام صحيح، لكن الإشكال فيك أنت، هل ضبطت هذه الرؤيا؟ بدليل أن الإنسان يرى رؤيا طويلة، ثم إذا أراد أن يعيدها ضاع تفلت منه أكثرها، تفلت منه كثير منها؛ لأنه ليس في حالة ضبط تامة، والكلام الصحيح
(175/3)
عموماً سواءً كان من الحديث أو غيره يحتاج إلى الضبط التام، وهذا شرط من شروط صحة الخبر، فالنائم ليس من أهل هذا الوصف، والخلل يتطرق إلى محتوى ومفاد هذه الرؤيا بسبب اختلال الضبط.
في أماكن عبدت من دون الله، ويتمسح بها، ويتقرب إليها، ويسجد إليها بناءً على رؤيا، ولا هي من رؤيا النبي -عليه الصلاة والسلام-، يرى شخص من الأشخاص يقول: إن المكان الفلاني بات به النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو ولد فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو ما أشبه ذلك، في قرون متأخرة في التاسع والعاشر، والله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .
لا بد في الصورة التي نقلت إلينا بالنقل الصحيح.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هو إذا تحقق أنه النبي -عليه الصلاة والسلام- بأوصافه التي نقلت إليه، ثبت بالنقل الصحيح الشيطان لا يتمثل به، بعض الناس اللي يعتمدون نقد المتون، يقول: جاءنا مدرس كان وزنه ثقيل جداً، ودخل الفصل وقال: أنا البارحة رأيت النبي -عليه الصلاة والسلام- فحملني على كتفه، ودار بي، قال: هذه رؤيا باطلة، هذا الرسول .. ، يا الله سيارة تشيلك.
أقول: يسترسلون في مثل هذا الباب، والإشكال إذا أدخلت الأحكام سواءً كانت إثبات أو إلغاء، قد يقول قائل: الأذان إنما ثبت برؤيا، نقول: نعم رؤيا لكنها مقرة من النبي -عليه الصلاة والسلام-، اكتسبت الشرعية من إقراره -عليه الصلاة والسلام-.
قال -رحمه الله-: "حدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الرؤيا الحسنة)) " بعض الروايات: ((الصادقة)) وبعضها: ((الصالحة)) ((من الرجل الصالح)) قد تكون الرؤيا حسنة لكن الرجل ليس بصالح، وقد يكون الرجل صالحاً، والرؤيا ليست بحسنة.
(175/4)
إذا توافر فيها الأمران إذا كانت صادقة صالحة حسنة من رجل صالح فإنها تكون ((جزءاً من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)) وتخريج هذه النسبة لأن مدة الرسالة ثلاث وعشرون سنة، والرؤيا منها مدتها ستة أشهر يعني نصف سنة، الثلاث والعشرون سنة فيها ست وأربعون جزء من النصف الذي هو ستة أشهر، يعني لو قسمت ثلاث وعشرين على ستة أشهر ظهر عندك العدد ستة وأربعين جزء، إذ أن الستة الأشهر عبارة عن جزء من ستة وأربعين جزءاً من مدة النبوة؛ لأنها ثلاث وعشرين سنة، لكن ما جاء في الجزئية السابقة أن ابن عباس أنه كان يقول: "القصد والتؤدة وحسن السمت جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة" هذه استخراج وجهها صعب.
قال: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمثل ذلك".
قال: "وحدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن زفر بن صعصعة عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا انصرف من صلاة الغداة -صلاة الصبح، صلاة الفجر- يقول لأصحابه: ((هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟ )) " نعم لأنه مؤيد بالوحي، ولن يخطئ في تعبيرها، ولذا لا يعرف عن أحد من أصحابه لا من أبي بكر ولا من عمر أنه كان يقول ذلك، فهذا خاص به، وأبو بكر -رضي الله تعالى عنه- أفضل الأمة عبّر بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أخطأت وأصبت)) ليس بمؤيد بالوحي، بينما الرسول -عليه الصلاة والسلام- المؤيد بالوحي يطلب مثل هذه الرؤى ويعبرها، ويقول: هل يبقى، أو ((ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة)) على ما تقدم وأنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة.
(175/5)
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لن يبقى بعدي من النبوة إلا المبشرات)) فقالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: ((الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له)) " سواءً كان رآها بنفسه، أو رئيت له هذه مبشرة، لكنه لا يتكل عليها ويعتمد عليها، ولا يخالف فيها نص، ولا يضمن السعادة بسببها، نعم هي مبشرة، لكن مع ذلك يبقى بين الخوف والرجاء، مع وجود هذه المبشرات.
طالب: كل الناس؟
كل الناس إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما نقول هذا، الرؤيا الجارية على مقتضى الشرع هذه ما فيها إشكال، وقد يضبط نصف الرؤيا، ربع الرؤيا، بعضهم يضبط الرؤيا كاملة، لا سيما إذا كانت قصيرة ومحددة بجملة، بعضهم يأتيه أحد في النوم ويلقي إليه جملة يعني سيحدث كذا، ثم يحدث بالفعل، هذه ضبطها لأنها ... ، كل يضبطها حتى ضعيف يضبط مثل الشيء اليسير، لكن إذا كان طويل ما ينضبط، ومع ذلك الأصل في النائم أنه عديم الضبط، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إي نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا أبداً، ولا عرف في سلف هذه الأمة من جعل التعبير مهنة أبداً، وجميع ما ذكر عن ابن سيرين وهو أشهر من في الباب جميع ما ذكر عنه ما يعادل تعبير يوم لبعض الناس ممن يتخذها مهنة، ويأخذ عليها أجراً.
قال: ((الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)) يعني على ما تقدم، ثم قال بعد هذا -رحمه الله-:
(175/6)
"حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: سمعت أبا قتادة –يعني الحارث بن ربعي- يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((الرؤيا الصالحة من الله)) " الصالحة الصادقة من الله -جل وعلا-، ((والحلم من الشيطان)) يعني واحد الأحلام الأضغاث، هذه من الشيطان، يتلاعب ببني آدم، يتلاعب بهم في النوم، ((فإذا رأى أحدكم الشيء يكرهه)) فلا يسعى في تعبيره، وإنما ينفث عن يساره ثلاث مرات، والرؤيا كما جاء في الخبر على رجل طائر إن أولت وقعت، ((فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ، وليتعوذ بالله من شرها، فإنها لن تضره إن شاء الله)) فإنها لن تضره إذا فعل ذلك انتهى أثرها.
وعلى هذا لو أن إنساناً ممن يتصدى للتعبير ثم جاءه من رأى رؤيا ليست بصالحة، هي في ظاهرها، بعض الناس يرى شيئاً ظاهره صالح، ثم بعد ذلك إذا ذهب إلى المؤول أو العابر تبين أنها ليست بصالحة، والرؤيا المؤثرات على تأويلها وتعبيرها كثيرة: منها ما يتعلق بالرائي، ومنها ما يتعلق بالمرئي، ومنها ما يتعلق بالظرف الذي يعيشه، ومنها ما يتعلق ... ، المقصود أن المتعلقات كثيرة، كلها على العابر أن يستحضرها، وبعد الاسترسال الذي حصل من بعض من ينتسب إلى طلب العلم تجد الآن الناس يمتحنونهم فيسألونهم عن أشياء يكذبون فيها ما حصلت، يختبرونهم في رؤى ما وقعت ويعبرونها، وهذا إشكال كبير؛ لأن تعبير الرؤيا له ظروفه، وله أحواله، وقد يعبر لشخص ما لا يعبر للآخر، يعني مثلما ذكر عن ابن سيرين أنه جاءه رجل قال: رأيت أني أذن، قال: تحج -إن شاء الله- هذه السنة، وجاءه آخر قال: رأيت أني أذن نفس الوقت، قال: سوف تقطع يدك، فرق كبير بين من يحج ومن تقطع يده، وذلكم إلا لأن الأحوال التي احتفت بالأول غير الأحوال التي احتفت بالثاني، فالمؤلفات التي ألفت في التعبير ما تلاحظ هذه الأمور، من رأى كذا سوف يحصل كذا، بينما العابر عليه أن ينتبه لهذه المؤثرات، يعني هناك أمور دقيقة جداً.
(175/7)
شخص يقول: رأيت خيطاً انسل من شماغي، قال: شماغك اللي عليك الآن؟ قال: نعم، قال: بيتصل عليك واحد من المسئولين الكبار، أمير، من أين أخذ هذا؟ قال: لأن الشماغ ملكي، وبالفعل يعني ما مضى إلا وقت يسير ويتصل عليه، يعني هذه وقعت، فهناك أمور ينبغي ملاحظتها للعابر، ومع ذلك الاسترسال واتخاذ التعبير مهنة ليس من عادة السلف، يعني مهنة يكتسب من روائها، ومثلها الرقية، يعني هذه لها أصول شرعية، الرقية لها أصل شرعي، التعبير له أصل شرعي، لكن مع ذلك لا يوجد في سلف هذه الأمة من نصب نفسه لهذا الأمر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
حصلت لبعض الصحابة وبعض التابعين، هذه ما فيها إشكال -إن شاء الله-، وحصلت للنبي -عليه الصلاة والسلام- رؤية الرب -جل وعلا- في الرؤيا، يعني من باب أولى، لكن حديث ما جاء أن الله -جل وعلا- في يوم القيامة أنه يأتي بصورته أو يأتي بصورة غير صورته، ثم بعد ذلك إذا قال: إنه الرب يقال له: لا؛ لأن الذي يقول: لا عنده من النصوص الذي يثبت بها الصفات لله -جل وعلا- على ما جاء عنه، وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، ثم يأتي على الصفة التي يعرفونها، فهذا محل نظر، يعني يحتاج إلى تحرير، والأصل أن الشخص يكون مؤهل عنده من الخبرة، وعنده من الفطنة، وعنده كذا، وأيضاً بالدربة.
طالب:. . . . . . . . .
ما أدري والله.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال عبر لهم ووقع كما قال، لكن كون الهالك يحمل الخبز على رأسه، والطير تأكل منه، يستدل به على أنه يصلب، قد يقول قائل: إن الذي يحمل الخبز هذا ويش المانع أنه يحمله للتصدق به؟ يحمله لكذا؟ لكن يوسف مؤيد بالوحي -عليه السلام-، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا مثل الأحكام على الأحاديث وغيرها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه إذا كان ظاهرها وهو صالح فتؤول ويش المانع؟ تؤول، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
من إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن هو فتوى من جهة، لكنه لا يضيف هذا إلى الله -جل وعلا-، فتوى في الأحكام الشرعية لا شك أنه أمره خطير؛ لأنه يقول: إن هذا حكم الله في هذه المسألة، إذا كان بغير علم فهو كذب بلا شك.
(175/8)
طالب:. . . . . . . . .
يعني كما جاء في الخبر: "الرؤيا على رجل طائر إذا أولت وقعت" هذا الفن فن خفي غامض، ولا شك أنه لا يصلح له جميع الناس، إنما يصلح له فئة معينة عندهم شيء من الفطنة والنباهة، وأيضاً شيء من الخبرة والدربة، وأيضاً فيه شيء من التوفيق الإلهي، بعض الناس عرف بالعلم والفضل وكذا، يوفق لمثل هذه الأمور، وبعضهم اكتسبها بالخبرة والدربة حتى من غير أصحاب الاستقامة، يعبرون عادي يعني.
" ((فإذا رأى أحدكم الشيء يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ، وليتعوذ بالله من شرها، فإنها لن تضره إن شاء الله)) قال أبو سلمة: "إن كنت لأرى الرؤيا هي أثقل علي من الجبل" لأن ظاهرها ضار بالنسبة له، يقول: "فلما سمعت هذا الحديث فما كنت أباليها" يعني يفعل ما وجه إليه من كونه ينفث عن يساره ويستعيذ بالله من شرها.
قال: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول في هذه الآية: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [(64) سورة يونس] قال: "هي الرؤيا الصالحة" تقدم أن الرؤيا الصالحة من المبشرات، ولم يبق من المبشرات سوى الرؤيا الصالحة يراها الرجل، قال: "هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له" يراها بنفسه أو ترى له.
سم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في النرد:
حدثني عن مالك عن موسى بن ميسرة عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله)).
وحدثني عن مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه بلغها أن أهل بيت في دارها كانوا سكاناً فيها وعندهم نرد، فأرسلت إليهم لئن لم تخرجوها لأخرجنكم من داري، وأنكرت ذلك عليهم.
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا وجد أحداً من أهله يلعب بالنرد ضربه وكسرها.
قال يحيى: وسمعت مالكاً -رحمه الله- يقول: لا خير في الشطرنج، وكرهها، وسمعته يكره اللعب بها وبغيرها من الباطل، ويتلو هذه الآية: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ} [(32) سورة يونس].
(175/9)
النرد والشطرنج يقاس عليهما أيضاً الألعاب المحدثة مثل الورقة اللي يلعبون بها الشباب وغيرهم، ومثل أيضاً اللعب بالكرة، كلها إذا اشتملت على جعل فهي من الميسر، إذا وضع جعل لأحد الطرفين هذا أمر مفروغ منه؛ لأنه لا سبق إلا في المنصوص عليه مما يعين على الجهاد، وقيس عليه كما قال شيخ الإسلام وابن القيم قاسوا عليه العلم، وجعلوا مسائل العلم يسوغ فيها السبق، أما ما عدا ذلك من الأبواب فكله داخل في الميسر.
والنرد: لعبة وجدها الفرس، وقد يقولون: النردشير، ومثلها الشطرنج والورق والبالوت، أمور يعني ما تخفى على الشباب، هذه فيها الصد عن ذكر الله، وفيها اللهو، وفيها أيضاً اللغو، وفيها أيضاً إحداث الضغائن والإحن بين اللاعبين، وفيها الكلام البذيء كما يشاهد من أربابها، فالعلل التي من أجلها حرم الخمر يعني
موجودة، وإذا كانت بجعل فالأمر مفروغ منه التحريم محل اتفاق، وإذا كانت بدون جعل فقد قال جمع من أهل العلم: إن ما جاء من النصوص غاية ما فيه الكراهة الشديدة، ولا يصل إلى حد التحريم إلا إذا كان من ضروب الميسر.
منهم من يحرمها من جهة أخرى أنها من أعمال الفرس، ويكون في هذا التشبه بهم، فتحرم من هذه الحيثية؛ لأنها ليست من أعمال المسلمين.
ويقول في الكتاب:
"حدثني عن مالك عن موسى بن ميسرة عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله)) " والخبر مطلق، والمطلق ليس فيه ذكر للجعل ولا عدمه، يعني الجعل مسكوت عنه، فدل على أن ما فيه جعل وما لا جعل فيه يدخل في المعصية، عصى الله ورسوله، لا شك أن هذه المعصية متفاوتة، منها المعصية الكبيرة، ومنها ما دونها.
(175/10)
قال: "وحدثني عن مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه بلغها أن أهل بيت في دارها كانوا سكاناً عندها وعندهم نرد، فأرسلت إليهم لئن لم تخرجوها لأخرجنكم من داري، وأنكرت ذلك عليهم" المالك مالك الدار أو مالك المحل إنما يمكن الساكن سواءً كان أجيراً أو ممكن من المنفعة بدون أجرة، المالك يملك الرقبة، فإذا كان مما يستعان به هذا المحل على ما يرضي الله -جل وعلا- فالمالك شريك، وإذا كان مما يستعان به على معصية الله -جل وعلا- مع علم المالك بذلك فهو شريك، وعلى هذا تأجير المحلات على من يزاول فيها المعصية ببيع ما حرم الله، أو استعمال ما حرم الله لا شك أن هذه مشاركة من المالك لا تجوز، وإجارة مثل هذا الذي يستغل هذه الأماكن بما حرم الله -جل وعلا- محرمة، والأجرة حرام، وعلى هذا يحتاط أهل المحلات، وإن كان الاحتياط في زماننا فيه شيء من الوعورة، وفيه شيء من الصعوبة، يعني أهل الشقق المفروشة بعض الإخوان تحرى، ولا وضع دشوش، ولا كذا، وراقب مراقبة شديدة، وما وجد من يستأجر، هذا إشكال، وبعض الشقق التي تؤجر على من يريد سكناها بالسنة يشترط صاحب البيت على المستأجر أنه لا يزاول فيها محرم، لا يضع فيها دش، ولا أي محرم من المحرمات، فضلاً عن كونه يؤجر من يزاول ربا، أو أعظم من ذلك من يزاول الشرك، كل هذا حرام لا يجوز؛ لأن هذا إقرار ومشاركة وتعاون على الإثم والعدوان، هذا إذا كان الظاهر من المستأجر أنه يستعمل هذا المستأجر والمحل فيما فيه سخط الله -جل وعلا-، لا بد أن يشترط عليه، فإذا أخل بالشرط يبطل العقد، وإذا كان ظاهره السلامة من ذلك تبرأ الذمة بتأجيره، ولو لم يشترط عليه، لكن إن اطلع على شيء مما فيه معصية لله -جل وعلا- فإنه لصاحب الملك إخراجه كما فعلت عائشة -رضي الله عنه-.
طالب:. . . . . . . . .
إذا استخفى بمعصيته ولم يدر، ولم يطلع عليه هذا سر بينه وبين ربه.
طالب:. . . . . . . . .
الجعل حرام بالاتفاق، ما يصير.
طالب:. . . . . . . . .
ولو كان؛ لأن ما فيه إلا سبق في الأمور التي تعين على الجهاد.
طالب:. . . . . . . . .
في إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه ما في غيرها.
(175/11)
طالب:. . . . . . . . .
يعني من طرد العلة قال: كل ما يعين على الجهاد يدخل في الباب، حتى ألحق شيخ الإسلام العلم، كل ها المسابقات العلمية التي تشوف كلها من باب الإلحاق، وإلا ما لها أصل، ما لها أصل إلا الإلحاق بالجهاد، قالوا: العلم نوع من الجهاد.
طالب: قياس الورق أو أضرابها بجامع ماذا يا شيخ على النرد؟
اللهو، لكن من قال: العلة مشابهة الفرس ما في مشابهة.
طالب: أو الاعتماد على الحظ مثلاً، الألعاب المعتمدة على الحظ، كون النرد من ذلك.
لكن ممكن الألعاب هذه يصير فيها جعل.
طالب: لا، كون أن العلة من خرج العلة في النرد أو النردشير على أنها مما يفعل يعني فيما تشتمل على نوع من الحظ.
وغيرها من الألعاب كذلك، العلة متعدية لكل ما أدى إلى هذا.
طالب: من ضعف حديث. . . . . . . . .
الآجري له مصنف في أحاديث النرد والشطرنج وجمعها بطرقها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما لها أصل.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما تقاس عليه.
طالب:. . . . . . . . .
بقية الألعاب إذا اشتركت معه في العلة أخذت حكمه.
طالب: كون النرد منصوص عليه.
إيه منصوص عليه لكن غيره بالإلحاق، كل من يقول بالقياس يقول به، وعلى كل حال لسنا بحاجة إليه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
في غير ما نص عليه في السبق؟
طالب:. . . . . . . . .
ما ينفع، لا ما يصلح.
قال: "بلغها أن أهل بيت في دارها كانوا سكاناً فيها وعندهم نرد فأرسلت إليهم: لئن لم تخرجوها لأخرجنكم من داري، وأنكرت ذلك عليهم" وهكذا يجب على كل مسلم إذا كان له محل يؤجره على من يستعمله في معصية الله أن يتقي الله -جل وعلا- في ذلك.
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيها؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش دخله بالنرد؟
طالب:. . . . . . . . .
(175/12)
أصل العرائس إنما تتخذ لتمرين البنات على تربية الأطفال، وهذه موجودة عند سلف هذه الأمة، لكن العرائس غير العرائس، يعني الشيء الموجود المصور الآن بدقة هذا لا يجوز، هذه الصور المجسمة المجمع على تحريمها، يعني وإن وجدت لهؤلاء الأطفال، لكن هذه حقيقة الصورة المجسمة المجمع على تحريمها، أما ما جاءت به النصوص فكما قال أهل العلم بالنسبة للعب البنات عبارة قالوا: عن وساد كبير في رأسه وساد صغير، تمرن عليه البنات لا فيه وجه، ولا فيه شيء، ولا، ما في قدر زائد على هذا، هذا الوساد الكبير، وفي رأسه وساد صغير، كأنها بنت، وزادوا بالمضاهاة الآن، جاءوا بها مصورة تصويراً دقيقاً بديعاً، ثم بعد ذلك جاءوا بها تتصرف تصرف العقلاء، بمعنى أنها لو ضرب لها على شيء رقصت، وإذا أضجعت أغمضت عينيها، وإذا أجلست صفقت، المقصود أن مثل هذه التصرفات فيها المضاهاة لخلق الله -جل وعلا-، هذه كلها محرمة، وجاءوا الآن عاد بأحجام أكبر مما كانوا يأتون به، وأصحاب الحسبة عندهم أخبار سيئة من هذا النوع، يندى لها الجبين يعني، والذي يريد أن يتأكد يسألهم.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا وجد أحداً من أهله يلعب بالنرد ضربه وكسرها" كانوا الناس إلى وقت قريب على هذا، إذا لقوا أدنى شيء من العبث مع الأطفال أدبوهم عليه إلا شيء ما يدخل في أي نص من النصوص التي تمنع مثل هذه الأمور.
"قال يحيى: وسمعت مالكاً يقول: لا خير في الشطرنج وكرهها" ومعروف أن الكراهة عنده الأصل فيها التحريم، وسمعته يكره اللعب بها وبغيرها من الباطل، ويتلو هذه الآية: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ} [(32) سورة يونس].
(175/13)
لأنها لا تخلو إما أن تكون حق والحق له حقيقة وله حد، وله ما يميزه في الشرع، وإن تعدى ذلك فهو الضلال، نعم العبث اليسير يعني جاء به بعض النصوص، النبي -عليه الصلاة والسلام- نكت الأرض بالعود، وعثمان عبث بالخاتم وغيره، المقصود أن الشيء اليسير الذي لا تترتب عليه الآثار المذكورة في علة تحريم الخمر، هذا أمره يسير، يبقى أن هناك من الألعاب ما هو أعظم من الخمر في أثره المتعدي، والخمر ما في شك أنه يغيب العقل، وله آثار سيئة ومحرم بالإجماع، لكن العلل التي ذكرت {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ} [(91) سورة المائدة] هذه موجودة في كثير من الألعاب، نعم.
أحسن الله إليك.
قال المؤلف -رحمه الله-:
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب السلام
باب: العمل في السلام:
حدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يسلم الراكب على الماشي، وإذا سلم من القوم واحد أجزأ عنهم)).
وحدثني عن مالك عن وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه قال: "كنت جالساً عند عبد الله بن عباس فدخل عليه رجل من أهل اليمن، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم زاد شيئاً مع ذلك أيضاً، قال ابن عباس -وهو يومئذٍ قد ذهب بصره-: من هذا؟ قالوا: هذا اليماني الذي يغشاك، فعرفوه إياه، قال: فقال ابن عباس: إن السلام انتهى إلى البركة".
قال يحيى: سئل مالك هل يسلم على المرأة؟ فقال: أما على المتجالة فلا أكره ذلك، وأما الشابة فلا أحب ذلك".
يقول -رحمه الله-:
كتاب السلام
وهذا مثل سابقه، الأصل ألا تذكر هذه الترجمة فهي داخلة في ضمن الترجمة الكبرى لكتاب الجامع.
باب: العمل في السلام:
(175/14)
العمل في السلام السلام المراد به التحية، تحية المسلمين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهي تحية أهل الجنة، السلام سنة بإجماع أهل العلم، وردها واجب على القول الصحيح، لكنه واجب كفائي، إذا رد بعضهم يكفي عن الجميع، ولا بد أن يكون الرد بالمثل أو أفضل لا ينقص عنه، {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [(86) سورة النساء] فإذا قال المسلم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يرد عليه بمثلها ولا مزيد على ذلك، فإن اكتفى بمرحباً رد على من سلم عليه فقد جاء في الحديث الصحيح أن أم هانئ قالت: السلام عليك يا رسول الله، قال: ((من هذه؟ )) قالوا: أم هانئ، فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) وكذلك سلمت فاطمة -رضي الله عنها- عليه -عليه الصلاة والسلام- فقال: مرحباً بابنتي، فذهب بعض العلماء إلى أن كلمة مرحباً تجزئ في الرد، ومنهم من قال: إنها قدر زائد على الرد الواجب، وأنه محفوظ بنصوص كثيرة، وكونه لا يذكر في بعض النصوص لا يعني أنه غير مطلوب، الملائكة سلموا على إبراهيم -عليه السلام- قالوا: سلاماً، في بعض المواضع قال: سلام، وفي بعضها ما قال، هل نقول: إنه ما رد السلام؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- سلم عليه بعض أصحابه، ونقل في نصوص كثيرة، وفي بعض المواضع ما نقل، هل نقول: إن الترك لبيان الجواز، أو نقول: إن الحكم يثبت بما يلزم به المكلف من نص صحيح، فإذا ثبت فلا يلزم أن ينقل في جميع الصور.
(175/15)
هنا يقول: "عن مالك عن زيد بن أسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذا مرسل "قال: ((يسلم الراكب على الماشي)) " وجاء في بعض الروايات: ((الماشي على الجالس، والصغير على الكبير))، ((يسلم الراكب على الماشي)) هذا هو الأصل والأفضل، لكن لو أن الراكب ما سلم، أو الصغير ما سلم على الكبير، أو الماشي ما سلم على الجالس، هل نقول: إن الطرف الثاني ما عليه شيء، أو نقول: خيرهما الذي يبدأ بالسلام؟ يعني تقابل كبير مع صغير ما بادر الصغير بادر الكبير، نعم خيرهما الذي يبدأ بالسلام، وفي كثير من الأحوال تجد بعض الناس يمر وفيه عامل جالس ما يسلم عليه؛ لأن نظرة عموم الناس إلى العمال نظرة دون، ولا شك أن هذا ضرب من الكبر نسأل الله العافية، فتجد العامل يبادر بالسلام وهو جالس، ثم يلومه، يقول: شف ها المسكين، المسكين أنت الذي حرمت نفسك من السلام، هذا بادر، خيرهما الذي يبدأ بالسلام، فأنت أولى بالخيرية.
السلام في بلاد المسلمين الأصل في الناس أنهم مسلمون يسلم عليهم، ولو كانوا عصاة، لكن أثناء المعصية هل اللائق السلام أو ترك السلام؟ يعني مررت بشخص يدخن مثلاً، أو يزاول معصية من المعاصي المسألة مسألة الهجر والصلة، يعني جالس والناس يصلون، يعني صعب على النفس أنك تبادره بالسلام وهو تارك لأمر واجب من أوجب الواجبات، لكن إذا كانت الصلة تدعوه إلى أن يستجيب، فإذا قلت: السلام عليكم، الناس يصلون، هذا هو الأصل، والهجر أيضاً علاج، لكن الهجر في مثل هذه الصورة يبعد معه الاستجابة، وكل منهما أعني الهجر والصلة علاج يفعل الأصلح، هذا بالنسبة للبدء بالسلام، لكن إذا سلم عليك شخص لا بد من الرد، يعني أنت إذا كنت في بلد خليط فيه مسلمون وغير مسلمين، ولا تدري هل هذا مسلم أو غير مسلم على حسب ما يغلب على ظنك، إن غلب على ظنك أنه مسلم تسلم عليه وإلا فلا، لكن إذا سلم وأنت في هذا البلد الخليط هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
ترد، لا بد من الرد، فإذا غلب عليك أنه غير مسلم تقل: وعليكم، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يرد على اليهود، وإلا فترد بأفضل مما قال.
(175/16)
يقول: " ((وإذا سلم من القوم واحد أجزأ عنهم)) " لأنها على الكفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقي.
قال: "وحدثني عن مالك عن وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه قال: "كنت جالساً عند عبد الله بن عباس فدخل عليه رجل من أهل اليمن، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" هذا غاية السلام ينتهي عند بركاته، ثم زاد شيئاً مع ذلك أيضاً، وكان الناس يقولون في سلامهم وفي مراسلاتهم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته ومرضاته، ويزيدون بعد "أزكى تحيات" المقصود أنهم يزيدون، السنة الاقتصار على هذا، ولذا قال: "ثم زاد شيئاً مع ذلك أيضاً، قال ابن عباس -وهو يومئذٍ قد ذهب بصره-" ابن عباس كف بصره قبل وفاته "من هذا؟ قالوا: هذا اليماني الذي يغشاك" يعني يتردد عليك "فعرفوه إياه، قال: فقال ابن عباس: إن السلام انتهى إلى البركة" يعني أنت زدت على ما جاء في النص، السلام يقول أهل العلم: يخير بين التعريف والتنكير، يعني لك أن تقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ولك أن تقول: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذا بالنسبة إلى الحي، أما بالنسبة إلى الميت فيعرف كما جاء في النص.
"قال يحيى: سئل مالك هل يسلم على المرأة؟ قال: أما على المتجالة" هذه العجوز التي لا تلتفت إليها الهمم، ولا تثير، هذه يقول: "المتجالة فلا أكره ذلك" لأنها لا يوجد ريبة من السلام عليها والسلام منها، وكذلك ردها على المسلم "وأما الشابة فلا أحب ذلك" لأنه يفتح باب للشيطان، ويفتح مجال للوسوسة التي تؤدي به إلى أن يفعل ما هو أكثر من ذلك، مثل هذا إبداء المحبة، يعني لو رأى امرأة صالحة وأحبها في الله هل له أن يخبرها بذلك أو تخبره؟ يعني وجد في رسائل الجوال من بعض طالبات العلم -لكنه جهل- إذا أعجبها عالم وإلا طالب علم وإلا شيء قالت له: أنها تحبه، هذا لا ينبغي؛ لأن هذا يفتح باب مجال للشيطان يلج معه، فمثل هذا ينبغي أن يوصد، هذا الباب ينبغي أن يوصد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
العبرة بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه انتهت الحسنات ببركاته.
طالب: بالنسبة للضيف ....
ويش فيهم؟
طالب:. . . . . . . . .
(175/17)
مثلما قال مالك: إن كانت عجوز ما يخالف، إن كانت شابة فلا.
طالب:. . . . . . . . .
يجزئ نعم على الكفاية.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
الأصل أن مثل هذه الأمور يتقيد فيها بالنص؛ لأنها ألفاظ يتعبد بها، ورتب عليها حسنات فيتقيد فيها بالنص.
طالب:. . . . . . . . .
فأراد أن يزيد ليرد بأحسن منها هذا اجتهاد منه -رضي الله عنه وأرضاه-، اجتهاد منه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والله الأصل ألا ترد، هذا الأصل إلا على رقم تعرفه أنه من محارمها، هذا الذي أنا أقوله: الأصل أنها ما ترد، الأصل ألا تكلم الرجال إلا لحاجة؛ لأن الشيطان في هذا الباب له حيل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
جماهير أهل العلم، جماهير العلماء على أن ابتداء السلام سنة، والرد هو الواجب.
طالب:. . . . . . . . .
بجزيء لكن الأجر هو الأصل أن يرد بالمثل أقل شيء، وإذا زاد هذا الأفضل، فإذا سلم بأقل ما تم امتثال الآية، إذا سلم بأقل مما سلم عليه به أقل، ما امتثل، ما تم الامتثال.
طالب:. . . . . . . . .
والله هو الامتثال ما تم، لكن التأثيم بعد يحتاج إلى ... ، التأثيم يحتاج إلى ....
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال الخلاف بين أهل العلم معروف، والرد ثابت بنصوص صحيحة وصريحة، ولو لم يكن في ذلك إلا الآية، فهل مرحباً تعادل السلام عليكم؟ ما تعادل.
طالب:. . . . . . . . .
على العموم ما في إشكال، الإشكال المحاورة بين الرجل وامرأة على الخصوص.
طالب:. . . . . . . . .
والله لو رد رداً ما تسمعه هو أفضل، رد ما تسمعه؛ لأن هذا يفتح باب بعد يمكن تبي تكلمه ثانية، وتبي .. ؛ لأن حيل الشيطان ما تنتهي.
سم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في السلام على اليهودي والنصراني:
حدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم فإنما يقول: السام عليكم، فقل: عليك)).
قال يحيى: وسئل مالك عمن سلم على اليهودي أو النصراني هل يستقيله ذلك فقال: لا.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في السلام على اليهودي والنصراني:
(175/18)
يعني ثبت أن اليهود يدعون على النبي -عليه الصلاة والسلام- في صورة السلام، فيقولون: السام، يعني الموت، السام عليك، فيقول: وعليكم، وعائشة -رضي الله عنها- تغضب؛ لأنها تفهم ما يقولون، وأنهم يدعون عليه، فكيف يرد عليهم -عليه الصلاة والسلام- وهم يدعون عليه؟! قال: ما سمعتي ويش أنا أقول؟ يعني عليكم، يعني يرجع دعوتكم عليكم، دعوتكم هذه ترجع عليكم.
قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم فإنما يقول: السام عليكم، فقل: عليك)) " فتعود دعوته عليه، بالمناسبة بعض العمال أحياناً ليس بمسلم، ومعروف أنه ليس بمسلم ووثني، بوذي وإلا سيخي، وأنت تريد أن تنبهه لشيء هو عامل تدعوه، والناس تعارفوا على؟
طالب:. . . . . . . . .
لا صديق، هاه؟ صديق، مشكلة صديق وهو كافر صعبة، أو تدعوه باسمه ويش تقول له؟ يا هذا وإلا؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه بعض الناس يتحرج من بعض الألفاظ فيقع في أمور يسأل عن حكمها، يقول: بدل ما أقول صديق، أقول: صديد، هو ما يدري ويش أنا أقول؟ ويلتفت ويستجيب؛ لأنه ليس بصديق، ما دام كافر ليس بصديق، وهذه الكلمة تداولها الناس، ويلتفت من دون يعني تردد، إذا قيل له: يا صديد، فيقول: أنا أبدل، مثلما كان اليهود يبدلون السلام بالسام، وهذا يقول: بدل ما هو بصديق خليه يكون ما يشاء، هو أصله كافر نجس، فيه ما هو أخس من الصديد، فيسأل يقول: هل يسوغ مثل هذا العمل أو لا يسوغ؟ لأنه لا يمكن تقول له: يا محمد، يا حسين، ادن يا محمد يا فلان، ويش الكلام وهو كافر مشرك نجش؟
نقول: إذا كان اليهود الكفار يقولون مثل هذا الكلام لسيد ولد آدم يعني فلئن يقال بالمقابل لأمثالهم مثل هذا الكلام، ونص القرآن على أنهم نجس: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة] فالأمر سهل إن شاء الله.
طالب:. . . . . . . . .
لكن الأصل أن العبد الذي يحقق الوصف هو عبد وإن رغم أنفه، لكن هذا تشريف له، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه إذا كانت مسلمة فهي أخت.
طالب: إذا كانت غير مسلمة، وهو يعرف أنها غير مسلمة ....
لا، لا ما يجوز، هذه سواءً كانت بالعربية أو غير العربية المعنى ما يتغير.
(175/19)
طالب:. . . . . . . . .
أخوة نسب ليس بدين، أخوة نسب.
"قال يحيى: وسئل مالك عمن سلم على اليهودي أو النصراني" يعني والمفترض أنه لا يعرف أنه يهودي ولا نصراني "هل يستقيله ذلك؟ " يعني هل يقول: رد علي سلامي، وأنا أرجع عما قلت لك "فقال: لا" لأن المسألة يعني انتهت، يعني والاستقالة ما تفيد شيء.
سم.
أحسن الله إليك.
باب جامع السلام:
حدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب عن أبي واقد الليثي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينما هو جالس في المسجد، والناس معه إذ أقبل نفر ثلاثة، فأقبل اثنان إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذهب واحد، فلما وقفا على مجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سلما، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا من الله فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه)).
وحدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك: "أنه سمع عمر بن الخطاب وسلم عليه رجل فرد عليه السلام، ثم سأل عمر الرجل فقال: كيف أنت؟ فقال: أحمد إليك الله، فقال عمر: ذلك الذي أردت منك".
وحدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن الطفيل بن أبي بن كعب أخبره: "أنه كان يأتي عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- فيغدو معه إلى السوق، قال: فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- على سقاط ولا صاحب بيعة ولا مسكين ولا أحد إلا سلم عليه، قال الطفيل: فجئت عبد الله بن عمر يوماً فاستتبعني إلى السوق، فقلت له: وما تصنع في السوق وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع، ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس السوق؟ قال: وأقول: اجلس بنا هاهنا نتحدث، قال: فقال لي عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: يا أبا بطن -وكان الطفيل ذا بطن- إنما نغدو من أجل السلام نسلم على من لقينا".
(175/20)
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلاً سلم على عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- فقال: "السلام عليك ورحمة الله وبركاته، والغاديات والرائحات، فقال له عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: وعليك ألفاً ثم كأنه كره ذلك".
وحدثني عن مالك أنه بلغه إذا دخل البيت غير المسكون يقال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب جامع السلام:
يعني الأحاديث التي لا تجتمع تحت ترجمة واحدة.
باب جامع السلام:
يقول: "حدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب عن أبي واقد الليثي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينما هو جالس في المسجد" كعادته -عليه الصلاة والسلام-، وأكثر جلوسه في المسجد "بينما هو جالس في المسجد، والناس معه، إذ أقبل نفر ثلاثة -ثلاثة أشخاص- فأقبل اثنان إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذهب واحد" دخل الثلاثة، فوجد النبي -عليه الصلاة والسلام- اثنان أقبلا على النبي -عليه الصلاة والسلام- وولى وأدبر الثالث "فلما وقفا على مجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سلما" يعني ما فيه نقل لرد السلام؟ هل نقول: إن هذا يدل على الجواز جواز الترك، أو نقول: يكفي أن الأدلة الأخرى التي نقل فيها رد السلام؟ لا سيما وقد جاء الأمر به "فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها" وجد مكان وجلس "وأما الآخر فجلس خلفهم" ما وجد مكان في الأخير "وأما الثالث فأدبر ذاهباً" راغباً عما يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا يلاحظ إذا شرع الإمام يحدث قبل الصلاة أو بعدها، والغالب اللي بعد الصلاة تجده ينصرف، ما يجلس والكلام كله ما يحتاج إلى دقيقتين أو ثلاث، ينصرف، هذا لا شك أنه إذا لم تكن هناك حاجة داعية إلى مثل هذا الانصراف أن هذه رغبة عن الخير، وعزوف عنه، وزهد فيه.
(175/21)
يقول: "وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ألا أخبركم عن النفر الثلاثة: أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله)) " يعني يسر له المكان المناسب، " ((وأما الآخر فاستحيا من الله فاستحيا الله منه)) " الأول أفضل، والثاني يليه، أوى إلى الله فآواه الله، رغب فيما يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام-، والثاني جلس حياء، رآه النبي -عليه الصلاة والسلام- ويشق على المتحدث أن ينصرف أن يقف وينصرف، أو يقوم من الدرس وينصرف هذا فيه مشقة على المتكلم، لا شك أن هذا قد يكون لهذا المنصرف حاجة، له عذر على موعد، يحتاج إلى قضاء حاجة، وما أشبه ذلك، كل هذه أمور واردة، لكنه في الجملة يدل على أنه إما أنه لم يجد شيء يغريه بالجلوس، يعني مثلاً تجد طالب علم يدخل ويجلس بالحلقة ربع ساعة ثم يقوم، الشيطان ماذا يقول للشيخ؟ ما يقول له: إنه يروح لدوره وإلا عنده موعد، قال: ترى ما لقى شيء ومشى يعني، يبي يغيظه الشيطان، ولا شك أن هذا له أثر في نفس المتحدث، وبعض الناس اللي عندهم شيء من حرارة الطبع، يعني وجد من يتكلم فخرج شخص فأتبعه بصره إلى أن خرج من المسجد، ثم الثاني مع الباب الثاني كذلك، ثم الرابع وكذلك قفل المكرفون قال: أنتم مشغولون وأنا مشغول، ما في داعي أجلس، وبالمقابل واحد من الكبار من كبار المشايخ المعروفين يعني، رُتب له محاضرة في جامع كبير، في جامع في بلد كبير، لكن الجامع في وسط السوق، يعني صلى في الجامع عشرة صفوف، الشيخ يعني ارتاح لكثرة الحضور من أجل أن يكثر النفع، يقول الشخص الذي يقدم ويرتب لهذه المحاضرة: خرج الناس، وبقي صفين خرج صف، ثم أطراف الصف الأول، في النهاية بعد ربع ساعة ما بقي إلا أنا والمؤذن والشيخ، يقول: إن شاء الله أنه ما تغيرت لهجة الشيخ ولا نبرة صوته، التأثر لا بد أن يوجد يعني، النفس مجبولة على مثل هذه الأمور، لكن من همه الآخرة ما يتأثر، والله المستعان.
(175/22)
" ((أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا)) " يعني مرتبة ثانية، والحياء مطلوب " ((فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه)) " يعني هل ينصرف من غير حاجة داعية إلى ذلك؟ هل يقال: إنه أعرض أو نقول: إن هذا أعرض عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن عداه لا يأخذ حكمه؟ وإلا يأثم كثير من الناس إذا شرع الإمام بالحديث طلعوا وخلوه؟ مدرس جلس عنده مجموعة ثم تركوه، وشيخ من المشايخ فتح درس حضر عنده في الدرس الأول مائة، والدرس الثاني خمسين، والدرس الثالث عشرة، ثم صفوا على اثنين أو ثلاثة، هل نقول: إن اللي ينصرفوا هؤلاء آثمون، رغبوا في العلم؟ نعم؟ ((أعرض فأعرض الله عنه)) هذا بالنسبة للنبي -عليه الصلاة والسلام- ظاهر، وأما بالنسبة لغيره فالناس لهم ظروفهم، وقد يختلفون في تقدير الأمور، قد تكون إفادته من هذا الشيخ أقل، ويذهب إلى شيخ يستفيد منه، مع أنه حصل حرج كبير لبعض الكبار من المشايخ، يعني تجد بعض الطلاب يحضر عند شيخ كبير، ويبي الفائدة كلها تحضر، تأتي في درس واحد، ما يمكن، قد يلازم الشيخ ولا يستفيد منه الطالب إلا خلال مدة سنة، يعني إذا راجع نفسه ويش استفدت؟ في اليوم الأول والثاني والشهر الأول ما يجد شيء يذكر، فمثل هذا عليه أن يتابع، لا سيما إذا كان الشيخ يعني مشهود له بين أهل العلم وطلاب العلم أنه مفيد، أما كون الإنسان شاب يقرر هل هذا الشيخ يصلح؟ ليس له هذا الأمر، كثير مما يأتينا أوراق، يقول: أنا أحضر هذا الدرس مثلاً، وأنا عمري كذا، وأدرس في مرحلة كذا، فهل ترى أن الدرس مناسب بالنسبة لي؟ يقولون مثل هذا، وهذا لا شك أنه من الأدب، يجد أنه وجد الدرس فوق مستواه، واستيعابه لما يقال أقل مما يصرف من الوقت، فينصح بأن ينصرف إلى من يناسبه من أهل العلم الذين يعرفون التعامل مع مثله.
(175/23)
قال: "وحدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك: أنه سمع عمر بن الخطاب وسلم عليه رجل فرد -عليه السلام-، ثم سأل عمر الرجل: كيف أنت؟ فقال: أحمد إليك الله" شوف هذا السؤال الخاص من عمر أو من غير عمر لهذا المسلم لا شك أنه يورث من المودة والمحبة، وجاء عن سفيان كما في السير: إني أجد الشيء في نفسي على الرجل فيقول لي: كيف أنت؟ أو كيف أصبحت؟ فيزول بعضه، مثل هذه المعاملة لا شك أنها تزيل ما في النفس "كيف أنت؟ فقال: أحمد إليك الله، فقال عمر: ذلك الذي أردت منك" لكن الإشكال أن بعض الناس يعني يبادل بمثل هذا الأمر، تجده مثلاً كبير سن، وإذا صلوا صلاة الصبح كيف أصبحت يا أبا فلان؟ كيف أصبحت يا أبا فلان؟ ثم بعد ذلك ستكون عادة، ويكون هذا من حقه، بحيث لو تخلف واحد ولو ناسي يلام، ويش جاءه اليوم هذا ما .. ؟ لأنه هذا يظن أنه من حقه، خلاص تمرن عليه، وتعود عليه، وكل إنسان مطالب بما يخصه، يعني هذا المبادر من الذي يسأل لا شك أنه له أجره من الله -جل وعلا-، يتألف هذا الشخص ويدخل إلى قلب هذا الكبير الذي يحتاج إلى رعاية وعناية، وأيضاً هذا الكبير مخاطب بأمور، يعني لا يجد في نفسه على شخص كونه انصرف ما قال: كيف أصبحت؟ يعني بل المفترض العكس، المفترض أنه إذا غفل بعض الجماعة أو قام ولو في نفسه شيء، وأراد أن يقطع مثل هذا لما وجد في نفسه أن هذا الكبير الذي كان يبادَر يبادِر؛ ليزول ما في النفس، كثير من الحساسيات التي تحصل بين الناس لا أصل لها إذا دقق في الأمر، يعني لو أن إنسان مر بواحد وهو غافل يفكر وإلا يهوجس مهموم وإلا شيء وما سلم، ثم جفاه هذا الشخص؛ لأنه ما سلم يظن أن في نفسه شيء، وهو في الحقيقة ما في نفسه شيء، لكن لو حصل العكس قام هذا وبادر وقال: كيف حالك؟ انتهى ما في النفس، وجد أن ما هناك شيء، كثير من الحساسيات التي توجد بين المسلمين مع الأسف الشديد لا أصل لها ولا أثر، إنما هي مجرد إما غفلة أو انشغال.
(175/24)
قال: "وحدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن الطفيل بن أبي بن كعب أخبره: أنه كان يأتي عبد الله بن عمر فيغدو معه إلى السوق، يقول: فإذا غدونا إلى السوق" يعني يترددون إلى السوق يومياً أو في الأسبوع مرة أو مرتين، المقصود أنهم يترددون إلى السوق، فالذي لفت نظر الطفيل أن ابن عمر يتردد ولا له شأن في السوق، ليس من أهل البيع والشراء، ولا يجلس، ولا يكلم أحد، بس إنما مجرد سلام وعليكم السلام، قال: "فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله بن عمر على سقاط" يعني يبيع من الأمتعة الرديئة "ولا صاحب بيعة" يعني صاحب عقد يبرمه مع أحد "ولا مسكين ولا أحد إلا سلم عليه" ماذا يقصد ابن عمر؟ وماذا يريد؟ يريد الأجر المرتب على السلام، وأن السلام يبعث على المحبة والمودة "قال الطفيل: فجئت عبد الله بن عمر يوماً فاستتبعني إلى السوق، فقلت له: وما تصنع في السوق؟ " أنت تتردد على هذا السوق ما أشوفك يعني لك غرض وإلا لك لازم وإلا شيء؟ فيظنه ضرباً من العبث "وما تصنع في السوق، وأنت لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السلع، ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس السوق؟ " يعني ما أشوف مبرر لأننا نروح ونرجع على شان إيش؟ "قال: وأقول: اجلس بنا هاهنا نتحدث، قال: فقال لي عبد الله بن عمر: يا أبا بطن -وكان الطفيل بن أبي ذا بطن - كبير يعني-: إنما نغدو من أجل السلام نسلم على من لقينا".
كثير من الناس يتردد إلى السوق من أجل الترويح على النفس، أو قضاء الفراغ، وما أشبه ذلك، ولا يحقق مثل هذا، والله المستعان، ((ولن تدخلوا الجنة حتى تحابوا)) والسبيل الوحيد كما جاء في النص إلى المحبة هو بذل السلام ((أفشوا السلام بينكم)).
(175/25)
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلاً سلم على عبد الله بن عمر فقال: "السلام عليك ورحمة الله وبركاته والغاديات والرائحات، فقال له عبد الله بن عمر: وعليك ألفاً" يعني كأنه كره "وعليك ألفاً" يعني السلام عليك بعدد الغاديات والرائحات، وهذا قال: وعليك ألفاً، يعني رد عليه كأنه كره اللفظ الذي أبداه المسلم؛ لأنه لم يرد به نص، وأنتم تجدون في الرسائل والمخاطبات والمكاتبات يعني في عصر قريب، وهناك ألفاظ يعني مبالغات وأشياء وتكرار للسلام، وربطه بأرقام بالألوف بالملايين، كل هذا ما يجدي شيء، إنما العبرة بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أنه إذا دخل البيت غير المسكون يقال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ} [(61) سورة النور] يسلم الإنسان على نفسه، وعلى عباد الله الصالحين من إنس وجن، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(175/26)
شرح: الموطأ – كتاب الجامع (8)
باب في الاستئذان - باب ما جاء في التشميت في العطاس- باب ما جاء في الصور والتماثيل.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب الاستئذان:
باب في الاستئذان:
حدثني مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سأله رجل فقال: يا رسول الله أستأذن على أمي؟ فقال: ((نعم)) قال الرجل: إني معها في البيت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((استأذن عليها)) فقال الرجل: إني خادمها، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((استأذن عليها، أتحب أن تراها عريانة؟ )) قال: لا، قال: ((فاستأذن عليها)).
وحدثني مالك عن الثقة عنده عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن أبي سعيد ...
ابن سعيد على طول.
أحسن الله إليك.
عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع)).
(176/1)
وحدثني مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم أن أبا موسى الأشعري -رضي الله عنه- جاء يستأذن على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فاستأذن ثلاثاً، ثم رجع، فأرسل عمر بن الخطاب في أثره، فقال: ما لك لم تدخل؟ فقال أبو موسى: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع)) فقال عمر: ومن يعلم هذا لئن لم تأتني بمن يعلم ذلك لأفعلن بك كذا وكذا، فخرج أبو موسى حتى جاء مجلساً في المسجد يقال له: مجلس الأنصار، فقال: إني أخبرت عمر بن الخطاب أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع)) فقال: لئن لم تأتني بمن يعلم هذا لأفعلن بك كذا وكذا، فإن كان سمع ذلك أحد منكم فليقم معي، فقالوا لأبي سعيد الخدري: قم معه، وكان أبو سعيد أصغرهم فقام معه، فأخبر بذلك عمر بن الخطاب، فقال عمر بن الخطاب لأبي موسى: أما إني لم أتهمك، ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب في الاستئذان:
أو باب الاستئذان, وأما الترجمة الكبرى كتاب الاستئذان والبسملة فهذه لا توجد في كثير من النسخ؛ لأن هذا الباب من ضمن كتاب الجامع، ليس كتاب داخل في كتاب، إنما هو باب من ضمن أبواب كتاب جامع كسوابقه ولواحقه.
والاستئذان: السين والتاء للطلب، فالاستئذان طلب الإذن بالدخول، فيستأذن الإنسان إذا أراد أن يدخل على غيره قائلاً: السلام عليكم، أأدخل؟ ثلاثاً، إن أذن له وإلا فيرجع، وحينئذٍ يكون الرجوع سواءً إذا لم يرد عليه، أو رد عليه بعدم الإذن، فالرجوع أزكى له من أن يحرج صاحبه بكلام زائد على الاستئذان ثلاثاً.
(176/2)
قال: "حدثني مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سأله رجل" عطاء تابعي يحكي قصة لم يشهدها، فالخبر مرسل "فقال: يا رسول الله أستأذن على أمي؟ " يعني الكلفة بين الأم وولدها بين الوالد وولده مرفوعة، فظن هذا أن هذا سبب لعدم الاستئذان، وأنه يعفيه منه، وإلا جاء النهي: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [(27) سورة النور] فظن هذا أن الأم لا تحتاج إلى استئذان "فقال: أستأذن على أمي؟ فقال: ((نعم)) " فهل يستأذن على زوجته أو لا يستأذن؟ لأن العلة هنا خشية أن يراها عريانة، وهذه العلة مرتفعة بالنسبة للزوجة، يستأذن على الزوجة وإلا ما يستأذن؟ هنا قال: "أستأذن على أمي؟ فقال: ((نعم)) قال الرجل: إني معها في البيت" يعني ما أنا في بيت مستقل، نسكن جميع "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((استأذن عليها)) فقال الرجل: إني خادمها" يعني صلتي بها قوية، وحاجتها إلي شديدة، فكيف استأذن عليها والصلة على ما ذكر؟ يخدمها "قال: ((نعم استأذن عليها، أتحب أن تراها عريانة؟ )) قال: لا، قال: ((فاستأذن عليها)) ".
يعني الاستئذان من أجل التحفظ والاحتراز والاحتياط عما لا يجوز النظر إليه، لكن الزوجة يحتاج أن يستأذن عليها، أو يدخل ولو لم تشعر بذلك، ولا تشعر به إلا وهو بجوارها؟ مثل هذه التصرفات قد توجد ريبة في البيت بين الزوج وزوجته، نعم إذا بلغه أنها شعرت به يعني من فتح الباب أو قرع نعليه، وعرفت ذلك وتهيأت لا بأس، أما أن ينساب بخفية كالمتجسس هذا لا شك أنه يروعها من جهة، ويجعلها في موطن الريبة من جهة أخرى، وقد تكون في وضع لا تحب أن يراها عليه، فلا يلزم الاستئذان، السلام عليكم أأدخل؟ لأنها لا تملك رده، لكن مع ذلك عليه أن يتصرف تصرفاً تشعر به بدخوله البيت ووصوله إليها، فإذا قرب منها سلم.
(176/3)
الرجل وهو جالس مثلاً في المسجد مكان عام، لو دخل شخص بخفية لا شك أن هذا قد يريعه، يخيفه، والناس يتفاوتون في مثل هذا، فعلى هذا غير الزوجة لا بد من الاستئذان، الاستئذان الشرعي، السلام عليكم أأدخل؟ ولو كانت أمه، ولو كانت بنته، ولو كان صاحب البيت يستأذن، والعلة في ذلك: ((أتحب أن تراها عريانة؟ )) لكن لو كانت الزوجة وكانت العلة هذه أتحب أن تراها عريانة؟ وقال: نعم، يرتفع الحكم؟ نعم الاستئذان الواجب لغير الزوجة لا يلزم بالنسبة للزوجة؛ لأنه يطلع منها على ما لا يطلع عليه غيره، لكن دخول الرجل على زوجته بما يشبه دخول المتجسس، هذا لا شك أنه لا يجوز؛ لأنه يجعلها في موضع الريبة والتهمة وهناك أوضاع حتى الزوجة لا تريد من زوجها أن يطلع عليها والعكس، الزوج أيضاً عنده أسرار لا يريد أن تطلع عليها زوجته، إذا كانت الزوجة مثلاً، بعض الزوجات تطلع على أشياء لا يريد أن يطلع عليها غيره، يعني له معاملات مع الناس، وله صلة بغيره، فإذا تجسست عليه زوجته، وقرأت ما في جيبه من أوراق هذا لا يجوز لها أن تفعل ذلك إلا بإذنه، وكذلك أيضاً دخوله عليها دخول المتجسس بحيث لا تشعر إلا وهو فوق رأسها هذا يخيفها، ويجعلها تشك فيه أنه يشك فيها، فيتبادلان الشك، ويتطور مثل هذا التصرف إلى أمور لا تحمد، أما بالنسبة لغير الزوجة فالعلة فيها: ((أتحب أن تراها عريانة؟ )) قال: لا، قال: ((فاستأذن عليها)) نعم؟
طالب: حديث السفر. . . . . . . . .
نعم، تطرق ليلاً كي تستعد، كي تستعد له، على وضع غير مطلوب؛ لأن بعض النساء يعني تختلف اختلافاً كبيراً، بعض النساء يختلف وضعها اختلافاً كبيراً إذا تهيأت لزوجها عما لو جاءها زوجها على غرة، وبعض النساء أمرها يسير يعني، حتى المحسنات والمجملات يعني ما تصنع شيء كثير بالنسبة لها، على كل حال هذه أمور ينبغي أن تدرس بعناية من قبل الأزواج؛ لأن كثير من البيوت تهدمت بسبب مثل هذه التصرفات.
(176/4)
قال: "وحدثني مالك عن الثقة عنده" الثقة عنده على ما قال أهل العلم في كتب المصطلح أنه يريد به مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج، يعني عن أبيه بكير بن عبد الله بن الأشج، مع أن الحديث مروي من طريق عمرو بن الحارث، فيمكن أن يكون المراد هذا، وهل يكفي مثل هذا الوصف بالثقة لقبول الخبر أو لا بد أن يسمى؟ نعم؟ يعني التوثيق على الإبهام، حدثني الثقة لا بد أن يسمى، قد يكون ثقة عنده لكنه عند غيره ليس بثقة، فلا بد حينئذٍ أن يسمى.
"عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري عن أبي موسى الأشعري أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الاستئذان ثلاث)) " يعني ثلاث مرات، السلام عليكم أأدخل؟ يكررها ثلاثاً، فإن أذن له وإلا رجع، فإن أذن له دخل وإلا فليرجع، والقصة مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- توضح هذا.
قال: "وحدثني مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم أن أبا موسى الأشعري" الحديث مخرج في الصحيحين، لكن هذا الإسناد حدثني مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم أن أبا موسى يحكي قصة لم يشهدها، ربيعة بن عبد الرحمن ما شهد القصة، إنما يرويها بواسطة غير واحد من علمائهم، فعلى هذا القصة، السند فيه مجاهيل غير واحد من علمائهم ما سموا، منهم من يقول مثل هذا السياق مضعف للسند؛ لأنهم مجاهيل ما يدرى من هم، وإذا كان التوثيق على الإبهام لا يكفي، فكيف بمثل هذا؟ ومنهم من يقول: إن مثل هذا السياق يجعل الخبر مقبولاً؛ لأنه غير واحد، أكثر من واحد، وموصوفين بأنهم من العلماء، وجهالة مثل هؤلاء ترتفع بالعدد، يعني هم مجموعة، يشهد بعضهم لبعض، وفي قصة امتحان البخاري -رحمه الله- بقلب الأحاديث ضعفها جمع من أهل العلم، لماذا؟ لأن ابن عدي يرويها عن عدة من شيوخه، قالوا: ما سمى، ومنهم من قال: القصة صحيحة؛ لأن العدة وإن لم يسموا إلا أن بعضهم يجبر بعضاً؛ لأنهم عدد ومن شيوخ ابن عدي، يعني أئمة، وهنا غير واحد من علمائهم لا شك أنه يجبر بعضهم بعضاً، وترتفع الجهالة بمثل هذا، مع أن الحديث في الصحيحين، لكن المسألة اصطلاحية في مثل هذا يعني لا بد من التعرض لها.
(176/5)
"أن أبا موسى الأشعري جاء يستأذن على عمر بن الخطاب فاستأذن ثلاثاً ثم رجع، فأرسل عمر بن الخطاب في أثره -ردوه- فقال: ما لك لم تدخل؟ فقال أبو موسى: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((الاستئذان ثلاث)) " لو كان الباب بعيد عن داخل البيت، وغلب على ظن المستأذن أن من في البيت لم يسمعوا، ما سمعوا الاستئذان، يكرر أكثر من ثلاث حتى يغلب على ظنه أنهم سمعوا، أو يكتفي بالثلاث ويرجع؟ وتعرفون الآن الأبواب بعيدة عن أجواف البيوت، لا سيما اللي ما عندهم أجراس وعندهم وسائل توصل الاستئذان إلى أقصى البيت، افترض أنه طرقت الباب ما سمع، السلام عليكم أأدخل؟ ثم بعد ذلك يلتقيان يقول: جئت واستأذنت ثلاثاً ما أذنت، قال: ما سمعناك يا أخي، وقد يكون على موعد معه في هذا الوقت، ثم يستأذن ثلاثاً ولبعده عنه ما يرد، في مثل هذه الحالة نقول: يكرر حتى يغلب على الظن أنه سمع فلم يؤذن له؟ يكرر؟
طالب:. . . . . . . . .
القرينة أنهم ما يسمعون بعيدين، الارتداد عشرين متر، وما في جرس، لا تقولون: الجوال يحل الإشكال وإلا يرفع الحكم لا، أنت افترض المسألة على أصلها، وعلى طبيعتها، هل يكرر وإلا ما يكرر حتى يغلب على الظن أنه سمع؟ أما إذا كان هناك ارتباط بموعد فلا شك أن مثل هذا يحتاج إلى تكرار؛ لأنه جاء بموعد.
طالب:. . . . . . . . .
إيه إيه سمع.
طالب:. . . . . . . . .
(176/6)
لكن عموم الحديث السابق ((الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع)) وهنا يقول: "استأذن ثلاثاً ثم رجع، فأرسل عمر بن الخطاب في أثره، فقال: ما لك لم تدخل؟ " يعني الجواب معروف، استأذنت فلم تأذن، كيف أدخل؟ "فقال أبو موسى: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع)) " عمر -رضي الله عنه- أبو موسى ثقة عنده، فأراد أن يحتاط للسنة -رضي الله عنه وأرضاه-، وعلل ذلك: خشيت أن يتقول الناس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، في مناسبات كثيرة يقبل عمر خبر الفرد، خبر الواحد، لكنه أحياناً إذا حصل عنده أدنى تردد طلب من يشهد له، ولا يقال: إن في مثل هذا مستمسك للمعتزلة الذين لا يقبلون خبر الواحد، لا يقبلون إلا خبر اثنين فأكثر، صرح بذلك أبو الحسين البصري، وأبو هاشم الجبائي وغيرهم من المعتزلة، ويقولون: هذا صنيع عمر، رد أبا موسى حتى وجد من يشهد له، نقول: لا، عمر -رضي الله عنه- يحتاط للسنة، وليس هذا منهجه وديدنه أنه يرد خبر الواحد، لا، قبل خبر الواحد في مناسبات، لكن إذا وجد في النفس أدنى تردد لا بد من الاحتياط للسنة.
"فقال عمر: ومن يعلم هذا؟ لئن لم تأتني بمن يعلم ذلك لأفعلن بك كذا وكذا" يعني هكذا يجب على من ولاه الله -جل علا-، الأمر أن يحتاط للدين، وإلا يتلاعب الناس بالأحكام، لأفعلن بك كذا وكذا، صحابي جليل معروف مقامه، ويقول عمر ذلك لأنه لا يحابي في الدين، عمر -رضي الله عنه- لا يحابي أحداً في دين الله.
(176/7)
"فخرج أبو موسى حتى جاء مجلساً في المسجد، يقال له: مجلس الأنصار" يدل على أن الصحابة -رضوان الله عليهم- في مسجده -عليه الصلاة والسلام- يعني يجلسون، الجماعة يجلسون في جهة، وجماعة أخرى يجلسون يتحدثون في غير وقت صلاة هذا، يتحدثون، وبعضهم يذكرون، وبعضهم يقرؤون، وبعضهم يعلمون، وبعضهم يتعلمون، المقصود أنهم مقسم المسجد يعني كل إلى جنسه، إلى قرابته ومعارفه وقبيلته مثلاً أو زملائه وأقرانه، هو موجود إلى الآن يعني، مجلس الأنصار، يعني معروف أن هذا يجلسون فيه، الآن لو تجي الجامع أو مثلاً في الحرم بعد صلاة الجمعة وجدت مثلاً الهنود على جهة يتحدثون، والباكستانيين على جهة، المغاربة على جهة، المصريين على جهة وهكذا، يتخذون كل أهل قطر مع قومهم.
"يقال له: مجلس الأنصار، فقال: إني أخبرت عمر بن الخطاب أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " ((الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع)) فقال: لئن لم تأتني بمن يعلم هذا لأفعلن بك كذا وكذا، فإن كان سمع ذلك أحد منكم فليقم معي، فقالوا لأبي سعيد الخدري: قم معه" كلهم سمعوا هذا من النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن باعتبار أن أبا سعيد هو أصغر القوم، قالوا: قم معه "قال: وكان أبو سعيد أصغرهم فقام معه، فأخبر بذلك عمر بن الخطاب، فقال عمر لأبي موسى: أما إني لم أتهمك"؛ لأنه ثقة عنده وعند غيره، وليس بمحل للشك أو الريبة أو التهمة "ولكني خشيت أن يتقول الناس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" عمر -رضي الله عنه- يختط منهج وهو الاحتياط للسنة، قد يحتاج إلى التثبت من حديث الثبت؛ لأنه إذا تثبت منه لا يلومه أحد أن يتثبت من غيره، قد يفعل هذا بأوثق الناس عنده؛ لأنه إذا طلب ممن هو دونه أو دون الذي دونه في المرتبة التثبت قد يقع في نفسه شيء، لكن إذا تثبت من الثبت فكونه يتثبت ممن دونه من باب أولى، ولا يقع في نفسه شيء.
"ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني عن طريقه؟
طالب:. . . . . . . . .
(176/8)
لا، هو مرة يرويه عن أبي موسى، ومرة يرويه مباشرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإلا ما تقوم به حجة إذا كان يرويه من طريقه ما ازداد الخبر قوة.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هو يرويه مرة عنه، مرة بواسطة، ومرة بدون واسطة، هو يرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بدون واسطة ثبت هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يلزم، ليبينوا لعمر -رضي الله عنه- أن هذا الخبر معروف عند الكبار وعند الصغار من جهة، والأمر الثاني: أنه إذا وجد من يقوم بالمهمة من الصغار لا داعي إلى أن يكلف الكبار، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في التشميت في العطاس:
حدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن عطس أحدكم فشمته، ثم إن عطس فشمته، ثم إن عطس فشمته، ثم إن عطس فقل: إنك مضنوك)) قال عبد الله بن أبي بكر: "لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة".
وحدثني مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا عطس فقيل له: يرحمك الله، قال: يرحمنا الله وإياكم، ويغفر لنا ولكم".
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء التشميت في العطاس:
إذا عطس الإنسان، والعطاس كما يقرر أهل العلم نعمة من نعم الله -جل وعلا-، يُخرِج من البدن ما لا يخرج بغيره مما يضره، وأيضاً هو بالنسبة للبدن شبيه بالزلزال يخلخل البدن، فإذا أخرج منه هذه الفضلات التي تضره لو بقيت وعاد البدن إلى طبيعته يحمد الله -جل وعلا- على هذه النعمة، ثم بعد ذلك من يسمعه يشمته قائلاً: يرحمك الله، هذا التشميت، هذا إذا حمد الله، أما إذا لم يحمد الله فإنه لا يشمت؛ لأنه عطس عند النبي -عليه الصلاة والسلام- رجل فشمته، وعطس عنده آخر فلم يشمته، فكأنه -الذي لم يشمت كأنه- صار في نفسه شيء على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال: شمت فلاناً ولم تشمتني؟ قال: ((فلان حمد الله، وأنت لم تحمد الله)) ولذا الذي لا يحمد الله لا يشمت.
(176/9)
بعضهم يستحب أن يذكر العاطس بالحمد، لكي ينال الجميع أجر الحمد والتشميت والرد، وجاء في ذلك خبر عزوه إلى سنن ابن ماجه، وما وجدناه في سنن ابن ماجه، لفظه: ((من سبق العاطس بالحمد أمن الشوص واللوص واللعلوص)) كلها أمور مؤذية فيأمن بهذا، والحديث لا يوجد في سنن ابن ماجه، إلا إذا كان في رواية لم تصل إلينا، وإلا كثير من المفسرين عزوه إلى ابن ماجه، فهل يذكر أو لا يذكر؟ لأنه إذا لم يحمد الله لا يشمت، يعني لو دخل شخص ما سلم، بعض الناس يقول له: السلام عليكم، من أجل أن يذكره، وهو بهذا يخجله، بهذه الطريقة، يذكر أو لا يذكر؟ المهم أنها فضيلة فاتته بسبب إهماله وتقصيره، لكن افترض أنه جاهل ما يعلم؟ نعم؟
طالب: يسأل.
ويش يسأل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما ذكّر الثاني الذي لم يحمد، لكن معروف أن الجاهل ينبغي تعلميه على كل حال، لا بد أن يعلم، وهذه طريقته -عليه الصلاة والسلام-، وتم تعليمه بقوله: ((أنك لم تحمد الله)).
يقول: ((إن عطس فشمته، ثم إن عطس فشمته، ثم إن عطس فشمته)) ثلاثاً، ثم بعد لك إن عطس في الرابعة أو الثالثة على الشك الذي يذكر على ذلك، ((فقل: إنك مضنوك)) يعني مزكوم، وما فائدة الإخبار بهذا؟ إيش فائدة الإخبار؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه مزكوم يشمت الأولى والثاني والثالثة، ولو كان مزكوم، بعد ذلك يقال له: إنك مزكوم، مضنوك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لأنه احتمال يعطس عشر أو عشرين، فيشق على كل من سمعه يرحمك الله، تصير المسألة، افترضنا أنه في المسجد مثلاً واحد عطس عشرين مرة، وكل واحدة من الجماعة قال: يرحمك الله، وعدة هؤلاء خمسين ستين، كم يرد؟ لا، ينتهي عند ثلاث، ثم بعد ذلك يخبر، ومثلما تفضل الشيخ ليرتفع ما في نفسه عن .. ، لو ما شمت بعد ذلك يمكن يقع في نفسه شيء، لكن يقال له: أنت مزكوم يا أخي خلاص تبي تبتل وإحنا ما إحنا بباتلين.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(176/10)
إيه بعضهم ما يحمد الله إلا أن ينتهي، يعني بعضهم يعطس مرة ومرتين وثلاث متواصلات، ثم إذا فصل قال: الحمد لله، نعم يشمت بعدها، لكن هل يشمت لو عطس ثلاث دفعة ثانية وثلاث دفعة ثالثة، أو يكتفى بالعطسات الثلاث الأولى بتشميتة واحدة؟ قال: ((إن عطس فشمته، ثم إن عطس فشمته، ثم إن عطس فشمته)) يعني تكرار التشميت يدل على أنه، والعطاس ما له عدد، إن عطس ما في مرة واحدة أو مرتين أو ثلاث، المقصود إن عطس فحمد الله شمته، فالعدد مربوط بالتشميت هذه دلالة الخبر " ((ثم إن عطس فقل: إنك مضنوك)) قال: لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة" يعني ما أدري هل هو بعد الثالثة قال: إنك مضنوك أو الرابعة؟ والأصل أنها تكرر ثلاثاً، يعني هكذا كثير من النصوص تربط بالعدد الثلاث، مثل ما في حديث ابن عمر الآتي.
يقول: "حدثني مالك عن نافع: "أن عبد الله بن عمر كان إذا عطس فقيل له: يرحمك الله، قال: يرحمنا الله وإياكم، ويغفر لنا ولكم".
طالب:. . . . . . . . .
إيه المشمت ما اقتصر على ثلاث، إيه ينظر في السبب الذي يقتصر فيه على الثلاث في الحديث، هل هو السبب من أجل رفع المشقة على المشمت -يعني رأفة به- أو أنه حكم شرعي؟ القدر الزائد على ذلك يدخل في حيز الابتداع؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، أنا أقول: ينظر إلى السبب، إلى الداعي، لماذا اقتصر على الثلاث.؟ هل هو من باب الرأفة بالمشمت، أو أنه حد محدد شرعاً لا يتجاوز إلا إذا تجاوزنا حد المسنون دخلنا في حيز الابتداع؟
طالب: في الثالثة يقول: عافاك الله.
شفاك الله وعافاك الله بعد الثالثة التشميت ثلاث، وبعدها يدعى له، إنك مضنوك، ويدعى له بالشفاء والعافية ما في بأس.
المقصود أن مثل هذا لا يتعدى فيه عدد الثلاث، لا يتعدى فيه الثلاث.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لا هذا أوضح، هذا مفسر ذا، هذا مفسر.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لا الثلاث معروفة يعني جادة في النصوص.
(176/11)
قال: "وحدثني مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان إذا عطس فقيل له: يرحمك الله، قال: يرحمنا الله وإياكم، ويغفر لنا ولكم" يعني تجد بعض الناس في الرد يقول: يهدينا الله ويهديكم، والأصل في الرد صيغته: يهديكم الله ويصلح بالكم، هذا الرد، وهذا موقوف على ابن عمر من قوله، وما جاء في المرفوع هو الأصل.
سم.
طالب:. . . . . . . . .
عطس، يعني من أي باب؟
طالب:. . . . . . . . .
يعطِس، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعطِس عطاساً، خلي المصادر تجيب كل المصادر عاد، لكن مصدر مناسب.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في الصور والتماثيل:
حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن رافع بن إسحاق مولى الشفاء أخبره، قال: دخلت أنا وعبد الله بن أبي طلحة على أبي سعيد الخدري نعوده، فقال لنا أبو سعيد: "أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه تماثيل أو تصاوير" شك إسحاق لا يدري أيتهما قال أبو سعيد؟
وحدثني مالك عن أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري يعوده، قال: فوجد عنده سهل بن حنيف فدعا أبو طلحة إنساناً، فنزع نمطاً من تحته، فقال له سهل بن حنيف: لم تنزعه؟ قال: لأن فيه تصاوير، وقد قال فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما قد علمت، فقال سهل: ألم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إلا ما كان رقماً في ثوب))؟ قال: بلى، ولكنه أطيب لنفسي.
وحدثني مالك عن نافع عن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام على الباب فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهة، وقالت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله، فماذا أذنبت؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فما بال هذه النمرقة؟ )) قالت: اشتريتها لك تقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم)) ثم قال: ((إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة)).
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في الصور والتماثيل:
(176/12)
الغالب أن الصور يراد بها ما لا ظل له، والتماثيل ما له ظل، وما له ظل مجمع عليه بين أهل العلم، وأما ما لا ظل له فعامة أهل العلم على تحريمه إذا كان لذي روح، إذا كان المصور من ذوات الأرواح، وعند جمع من أهل العلم أن النهي يشمل ما له روح وما لا روح له من مخلوقات الله -جل وعلا-؛ لأن فيه مضاهاة، وإذا رسم إنسان أو حيوان أو شجرة هذه مخلوقات الله، وهذا الذي رجحه القرطبي في التفسير أن التحريم لا يختص بذوات الأرواح، يشمل جميع مخلوقات الله؛ لأن العلة المضاهاة متحققة، ومع ذلك عامة أهل العلم على أن ما لا روح فيه يجوز تصويره.
الآلات المحدثة في التصوير التي تظهر الصورة مطابقة لخلق الله، يعني من رآه قال: هذا فلان من دون أي تردد، وبعضهم يقول: إن هذه الآلة تظهر شيئاً هو خلق الله، ليس فيه مضاهاة لخلق الله، إنما هو خلق الله، والارتباط بين الصورة والمصور هو نفس الارتباط بين الاسم والمسمى، العلماء يختلفون في الاسم هل هو عين المسمى أو غيره؟ ما اختلفوا في هذا؟ ما في خلاف؟ يختلفون، ويقولون: إن أريد به أن المسمى يتأثر بما يتأثر به الاسم فهذا ليس بصحيح؛ لأنك لو كتب زيد وأحرقتها بالنار ما تضرر زيد، فدل على أنه غيره، وإن كان المراد به أن هذا الاسم يعبر عن هذه الذات بحيث لو قرئ هذا الاسم عرفت تلك الذات، فالارتباط وثيق هذا هو ذاك، فهو عينه، يعني بالنظر الأول غيره، وبالنظر الثاني عينه.
الصورة لو أحرقت تضرر المصور؟ كالاسم لا يتضرر، ولكن من رآها كمن رأى الاسم، ويش اللي يترتب على هذا؟ هل نقول: إن هذه عين المخلوق أو غير المخلوق؟ لأنه إذا قيل: مضاهاة لخلق الله مقتضاه أن الموجود غير خلق الله شيء آخر يضاهي خلق الله، وإذا قلنا بهذا شمل جميع الصور، إذا قلنا: إن الصورة غير المصور شملت جميع الصور سواءً كانت بآلة أو باليد.
(176/13)
يقول بعضهم: إن الوعيد شديد في حق المصورين، جاء فيهم أنهم أشد الناس عذاباً يوم القيامة، ومن المحال أن يرتب هذا العذاب الشديد على ضغطة زر في آلة أخرجت عدد كبير من الصور، أو صورت جمع غفير من الناس، هل يؤمر أن ينفخ في جميع هؤلاء؟ صور الناس وهم يصلون بالمسجد الحرام، صورة واضحة كل واحد عيونهم واضحة ووجوههم، هل يكلف أن ينفخ الروح في مليون شخص بمجرد ضغطة زر؟ قالوا: هذا بعيد من حكم التشريع، لكن نظير هذا أنه قد يقتل إنساناً بضغطة زر، والقتل من عظائم الأمور أشد من التصوير.
أقول: إذا ضغط الزر -زر المسدس- وقتل إنسان نقول: مستحيل أن يدخل في قوله: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ} [(93) سورة النساء]؟ لأن المسألة ضغط زر؟! يقول: ما قتلت أنا قتلت الآلة، كما يقول الآخر: أنا ما صورت صورت الآلة.
على العموم عند أهل العلم أن هناك تسبب وهناك مباشرة للفعل، والمباشرة تقضي على أثر التسبب، لكن إذا كان المباشر غير مكلف ينتقل الحكم إلى المتسبب بلا شك، فالذي ضغط الزر هو المكلف، فالعلل التي تبدى في هذا الباب لا شك أنها واهية، والصواب أن التصوير بجميع أشكاله وهيئاته وآلاته كله داخل في النصوص، لا سيما تصوير ذوات الأرواح.
(176/14)
قال: "حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن رافع بن إسحاق مولى الشفاء أخبره قال: دخلت أنا وعبد الله بن أبي طلحة على أبي سعيد الخدري نعوده، فقال لنا أبو سعيد: "أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه تماثيل أو تصاوير" شك إسحاق لا يدري أيتهما قال أبو سعيد؟ " الملائكة لا تدخل بيت فيه كلب ولا صورة، كما أنها لا تصحب رفقة معها جرس، الإشكال أن الأمور عمت، والورع في مثل هذا الباب بل الاحتياط فيه فيه مشقة، لكن لا يعني أن هذه المشقة تبيح المحرم، يعني الآن أجراس السيارات إذا تعدى، أو مثلاً ما ربط الحزام، أو تعدى السرعة، إذا ما ربط الحزام فهو جرس الدواب مطابق مائة بالمائة، نفس الجرس الذي لا تصحبه الملائكة، إما تربط الحزام وإلا ما تصحبك الملائكة، نفس جرس الدواب، موجود هذا في السيارات كلها، الناس ما يحسبون لهذه الأمور حساب، يعني إذا لم تصحبك الملائكة من يصحبك؟ ما في بديل إلا الشياطين، إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه تماثيل أو تصاوير، أمور قد يكون الاحتياط في مثل هذا حرج شديد، كل شيء فيه تصاوير الآن، الكتب كتب العلم الآن فيها تصاوير، يعني تفاسير فيها تصاوير، ماذا تصنع؟ لا بد أن تطمس هذه الصور، كما قال علي -رضي الله عنه- لأبي الهياج: ألا أبعثك على ما بعثني به النبي -عليه الصلاة والسلام- ألا ترى صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته.
(176/15)
الأعلام للزركلي ثمانية مجلدات كبار فيها ألوف من الصور، أو أن المغلق يختلف عن المكشوف، يعني يختلف الحكم وإلا ما يختلف؟ يعني إذا كان مغطى وهذا يقودنا إلى تغطية وجه الصورة، يعني إذا لصقت عليها شيء من غير طمس، أو خط عليها شيء والصورة موجودة، يكفي وإلا ما يكفي؟ أو لا بد من الطمس الذي يثير، يغير الملامح والمعالم، هذا الأصل أنه لا يبقى من المعالم شيء، يعني سمع من يفتي بالقنوات من يقول: إذا كانت الصورة كبيرة هذه لا يجوز، وإذا كانت صغيرة في المحفظة وإلا شبهها هذه ما فيها شيء، يعني كان الناس يتندرون بشخص معتوه يعني مجنون يقوم ويعظ الناس، ويحذرهم من الراديو، كان الراديو جريمة قبل أربعين سنة، كان يعني شيء كبير عند الناس، يقول: الراديو الكبير هذا حرام، أما الصغير هذا ما فيه شيء، شبيه بهذه الفتوى التي يتبناها بعض من ينتسب إلى العلم الآن، أما ذاك غير مكلف أصلاً ذاك، كيف يقال مثل هذا؟ الصور صور، صغرت أو كبرت، الإشكال أن الأسباب توافرت وتيسرت بأيدي الناس، يعني وجدت هذه الجوالات وصار التصوير من أيسر الأمور.
طلاب علم أهل تحري نعرفهم صاروا يصورون، اقتنى الآلة فسهل عليه مزاولته، قد لا يعنيه أن يصور فلان وإلا علان وإلا كذا، يكون عنده طفل توه مولود، ثم يتصرف تصرف يعجبه فما يملك نفسه إلا أن يصوره، هذا حصل، ثم بعد ذلك يحبو حبوة أو حبوتين يصوره، يخطو خطوة وإلا خطوتين يصوره، ما يملك نفسه أمام ولده، ثم بعد ذلك ينظر في الأقوال الأخرى ومن أباحه من أهل العلم ومن كذا، وقبل ذلك ما ينظر إلى هذه الأقوال.
الإشكال إن تيسر مثل هذا الأمر هونه عند الناس، وإذا كثر الإمساس قل الإحساس، هذه مشكلة، شيوخ أئمة أفاضل إلى وقت قريب يرونه من عظائم الأمور ثم صار حلال، لا ينكر تغير الاجتهاد، وكون الأمر في أوله يكون مجهولاً ثم يكتشف حقيقته، هذا ما ينكر، يعني الساعة أول ما طلعت قالوا: سحر، بعضهم قال: سحر، ثم بعد ذلك اكتشفت حقيقتها، وأنها لما فككت وجدت صناعة ما فيها إشكال، فالإنسان عليه أن يحتاط لنفسه، والمسألة كبيرة، يعني معضلة من المعضلات، يعني ليس التصوير بالأمر الهين.
طالب:. . . . . . . . .
(176/16)
يطمس الوجه، يكفي الوجه، إذا طمس الوجه كفى؛ لأن الصورة الوجه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه عاد المكره ما عليه، الذنب على من أكرهه، المكره ما عليه، مرفوع عنه الحكم، هذا إكراه ما تقدر تمشي إلا به.
طالب:. . . . . . . . .
معضلة كارثة، ما تجد ملابس أطفال حتى الكبار أحياناً إلا فيها صور، ما يكفي، لا بد من طمسها أو خياطة غيرها.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، في صورة ما تدخل، أما بالنسبة للحكم فهو مرتفع بالإكراه، وأما بالنسبة للملائكة إذا ارتفع الحكم فيرجى إن شاء الله، إنسان مكره، غير مكلف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا كانت مخفية وخيف عليها، إذا أخرجتها وتخاف عليها بطاقة والدراهم وغيرها، إذا كنت تخشى عليها بس تخفيها، ولا تكون في موضع السترة المشترطة؛ لأن فرق بين أن تستتر بما فيه محرم السترة شرط، وبين أن تصلي في غير محل الاشتراط فيه محرم، الفرق بين أن تصلي بسترة حرير أو عليك أمامك حرير تبعدها عن محل الشرط.
طالب:. . . . . . . . .
نفس الشيء ما يختلف أبداً، كله تصوير، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنها ...
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما يباح، لا تقول لي: الفرس اللي عند عائشة، ما تعرفون حقيقة الصور في القديم؟ يعني لو جبت خشبة ووضعت لها جناحين وقلت: فرس، ويش صار؟ يعني لعب الأطفال التي عند عائشة وغير عائشة تتصورها مثل اللي الآن في الأسواق؟ أنت ما أدركت ما يفعل للأطفال من الصور من العهن؟ يعني قالوا: وساد كبير في رأسه وساد صغير، هذه الصور.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال إذا كان من رآها قال: هذا إنسان، أو هذا حيوان هذه صورة، إذا جاءت على هيئة إنسان أو حيوان صارت صورة.
طالب: البث المباشر ...
يعني بدون تثبيت، يعني بحيث لو خرج ما تعاد الصورة بعده.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا تعاد هذه.
طالب: النقل في الحرم في وقته ....
في وقته، لكن لو أرادوا إعادته يحفظونه.
طالب:. . . . . . . . .
(176/17)
لا، لا، هذا تصوير، لكن لو كان بالفعل يعني بث مباشر بدون حفظ، مثل مراقبة الأسواق، إذا طلعت خلاص انتهى، هذا ما هو بتصوير، هذا ليس بتصوير، إذا حفظت صارت صورة.
طالب:. . . . . . . . .
المقصود إن حفظت صارت صورة، وإن لم تحفظ، وانتهت بنهاية صاحبها انتهى ليست صورة.
طالب:. . . . . . . . .
اللي يتحجج يتحجج، يعني الصلاة ويش الحجة؟ اللي بيتعلل ويتعذر هذا أمره مفروغ منه، وقد أفتي بالجواز، يعني هذا ما في إشكال، الذي أفتي أفتاه من تبرأ الذمة بتقليده ما هو بالنقاش معه.
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . كل الناس عابرين.
طالب:. . . . . . . . .
لا، الناس يتواطئون على شيء بحيث لا يستطيعون الفكاك عنه، خلاص أخذوا عليه، يسمونه ضرورة، ما هو ضرورة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو مسألة الخلاف موجود، وكون بعضهم ينازع في كونها صورة موجود، يعني من أغرب الأمور، يعني في تفسير من التفاسير المعاصرة يقول صاحب التفسير عند قوله تعالى: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا} [(43) سورة الأنفال] يقول: هذا فيه دليل على جواز التصوير؛ لأنه كيف ترى الكثير قليل إلا بالتصوير، أما في الواقع ما يمكن، الكثير كثير والقليل قليل، لكن في التصوير يمكن ترى الكبير الجثة الكبيرة تراها صغيرة ما ذلك إلا بالتصوير، فهذا دليل على جواز التصوير، يقول: فعرضت هذا الاستنباط على شيخ من شيوخ الأزهر فقال: إن هذا يدل على وجوب التصوير.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال الهوى ما معه حل، إذا وجد الهوى ما في حل، ما تقدر تناقش إذا وجد الهوى، النقاش مع من يريد الحق، هو الإشكال أن عندنا علماء أئمة جبال كبار حفاظ، يعني أهل تحري وورع، وكان الناس يستدلون بهم ويقتدون بهم، وفجأة صوروا مشكلة هذه، يعني عاد في يوم من الأيام التصوير ما يمكن أن يناقش فيه، والآن يتندر بعض الناس لو تقول له: إن مثل هذا التصوير حرام، أو يذكر أن فلان ما يطلع في القنوات؛ لأنه ما يرى التصوير، قال: ويش هو ذا؟ حجري ذا وإلا ويش هو؟ ترى يجي على لسان طلاب علم هذا.
(176/18)
هو المسألة ترك الإنكار، كان الإنكار موجود، وعهدنا العلماء وطلاب العلم يكسرون الكاميرات بالمشاعر، يعني شيء أدركناه، يكسرون الكاميرات بالمشاعر، ثم عاد الآن يصورون بالمطاف، السبب أن بعض من تبرأ الذمة بتقليده يقول: ما هو بتصوير، صار من مسائل الخلاف، فالإنسان يعرض رأيه من باب المشورة لا من باب الإلزام في مثل هذا الظرف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أما من يقول: أنا لا أستطيع أن أوصل الحكم الشرعي أو أوصل صوتي إلا من خلال هذه القنوات، والمصلحة راجحة، وكان الشيخ ابن باز يحث الناس على الخروج في التلفزيون وغيره، لكن ما يخرج الشيخ، كان الشيخ يشير على بعض الناس أنهم يشاركون لكنه لا يخرج، الشيخ أيضاً في مسألة التصوير في مسائل العلم والفيديو التي ينتشر العلم بواسطته يتسمح فيه، لكن إذا نظرنا النصوص، وأردنا أن نوفق بين هذا وهذا ما مشى الكلام هذا، ما يمشي، يعني ما عند الله لا ينال بسخطه، ما دام محرم انتهى الإشكال، وعلى كل حال كل له اجتهاده، لا نحجر على أحد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو شوف بعض أهل التحري يحتفظ يسمونه النجتف.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه المسودة السوداء هذه بحيث إذا احتاج مرة ثانية ما يروح يصور هو خلاص تكرر هذه تحمض هذه وينتهي الإشكال، المسألة مسألة معضلة، والحاجة قائمة يعني بحق يعني أمور الجنايات وما الجنايات، يعني ما في إشكال أن الحاجة داعية.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو وجد خلاف قديم في حكمه، في حكم ما لا ظل له، موجود، لكن ما أعرف أحد من العلماء المعتبرين المعتد بهم يقول به.
طالب:. . . . . . . . .
والله هذا أمره أخف بكثير، وما في شك أنه اطلاع على محرم، لكنه محرم قائم لا أثر له متعدٍ، أمره -إن شاء الله- سهل.
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . ما هو بتصوير هذا.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن الفيديو إذا انتقل من المكان يجي وإلا ما يجي؟
طالب:. . . . . . . . .
إلا موجود، بحيث أن صاحب المرآة التي تذكر إذا خرج من المكان تقدر تعيده من المرآة؟ ما يمكن.
طالب:. . . . . . . . .
الحفظ تصوير.
طالب:. . . . . . . . .
(176/19)
هو بيجيك يوم من الأيام المنكر قد يوصف بأوصاف ما ...
طالب:. . . . . . . . .
إنكار من باب المشورة، يعني تشير عليه؛ لأن المسألة الخلاف فيها ظهر، وبقوة ظهر، وخالف فيها من تبرأ الذمة بتقليده بالفعل، يعني ما هم بأدعياء أو طلاب علم، خالف فيها ناس يعني حقيقة الإنسان يتضاءل أمامهم، لكن مع ذلك من باب المشورة تقول: والله يا أخي ويش الفرق بين هذا وبين ما جاءت النصوص بتحريمه؟ إن قبل وإلا الشكوى إلى الله.
طالب:. . . . . . . . .
الورع يترك، فيه كتاب طبع قبل ثمانين سنة فيه تراجم لشيوخ معهد أسيوط، الشيوخ المراد بهم، شيخ المعهد الفلاني معناه مدير المعهد، أو رئيس المعهد في عرفهم، وترجم يمكن لخمسين منهم، كلهم الصورة بجانب الاسم، في مربع إلى أن وصلوا إلى شخص اسمه الشيخ محمد شريت بالتاء، وحقل التصوير مربع، قالوا: الشيخ لم يمثل أمام كاميرا التصوير، ترجم له وأثنى عليه، وعلم وعمل، وفضل وما شاء الله، في النهاية قال: رأيت في المنام من يقول لي: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الغرفة مريض، فدخلت الغرفة فكشفت الغطاء فإذا شيخنا الشيخ محمد شريت هذا، يقول: لما ذهبت إلى المعهد في الصباح بلغت أن الشيخ توفي البارحة، يعني هذه لا يؤخذ منها حكم، لكن أيضاً بعد هناك عبر، لا يؤخذ منها حكم، ولا يقال: إن هذه الخاتمة بسبب عدم التصوير أو مرتبطة الله أعلم، قد يكون الرجل له سر بينه وبين ربه وصل به إلى هذه المنزلة، لكن مع ذلك التصوير إلى وقت قريب من عظائم الأمور، ثم تساهل الناس فيه إلى أن وصلنا إلى حد أن من ينكره يوصف بأوصاف لا تليق بطالب علم فضلاً عن متحرٍ، والله المستعان.
(176/20)
قال: "وحدثني مالك عن أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري يعوده قال: فوجد عنده سهل بن حنيف، فدعا أبو طلحة إنساناً فنزع نمطاً من تحته" شوف التغيير مع القدرة باليد، يعني كما حصل من بعض السلاطين بعض الخلفاء، عين أو وكل الحسبة إلى شخص من أهل العلم، خلاص أنت مسئول عن الحسبة، قال: قم، فأقام الخليفة، وأخذ البساط من تحته، قال: أتعلم أن الجلوس على الحرير حرام؟ الحسبة الآن بدأت، وهذا يقول: "فدعا أبو طلحة إنساناً فنزع نمطاً من تحته" يعني بساط "فقال له سهل بن حنيف: لم تنزعه؟ قال: لأن فيه تصاوير، وقد قال فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما قد علمت، فقال سهل ألم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إلا ما كان رقماً في ثوب))؟ " الرقم لا شك أنه يشمل النقوش العادية، فيكون الاستثناء منقطع كما قال جمع من أهل العلم، أو الرقم ما كانت الصورة فيه مقطعة وموزعة، فلا يقضى بمثل هذا على النصوص المحكمة "قال: بلى، ولكنه أطيب لنفسي" لأن مثل هذا حتى ولو كان من الصور التي لا تدخل تحت المحرم هذا لا شك أنه أطيب للنفس وأبعد عن الشبهة، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا الحديث أنه دخل على أبي طلحة يعوده، إلا رقماً في ثوب؟
طالب:. . . . . . . . .
أنه دخل، عن عبيد الله أنه دخل على أبي طلحة، لم يختلف رواة الموطأ في إسناد هذا الحديث ومتنه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، الدخول، ما هو بيقول: إن أبا طلحة فعل، فنقول: يحكي قصة، هو يحكي قصة شهدها، هو الذي دخل.
طالب:. . . . . . . . .
عبيد الله إيه.
طالب:. . . . . . . . .
الله أعلم، من خلال الإسناد القصة أنه دخل يعني أدركه.
(176/21)
قال: "وحدثني مالك عن نافع عن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير -وسادة فيها تصاوير- فلما رآها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام على الباب فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهية، وقالت: يا رسول الله أتوب إلى الله" لأنها معصية، من كبائر الذنوب "فقالت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله، فماذا أذنبت؟ " يعني هذا قبل أن تعرف الذنب تابت -رضي الله عنها وأرضاها- "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فما بال هذه النمرقة؟ )) قالت: اشتريتها لك تقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم)) " هل يستطيعون أن يحيوا ما خلقوا؟ لا يستطيعون " ((أحيوا ما خلقتم)) ثم قال: ((إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة)) ".
وكذلك الكلب كما في حديث عائشة أيضاً، وأن جبريل تأخر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بسبب الكلب.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما في فرق، التعظيم والتعليق أشد، يعني له نصيبه أشد، لكن الصور محرمة على أي حال.
طالب:. . . . . . . . .
المصوِر والمصوَر هذا ما في إشكال داخل في النهي، هذا زاول المعصية، وأقر المعصية، وخالف الأمر بالطمس.
طالب:. . . . . . . . .
كل له نصيبه.
طالب:. . . . . . . . .
وصار ما في أدنى مَعْلم للوجه؟
طالب:. . . . . . . . .
فم أنف وإلا كلها تزال، يعني يصير ما فيه أدنى شيء ما يخالف.
طالب:. . . . . . . . .
إلا، إلا، قطعته وانتهت.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن بعد إزالة حقيقة الصورة.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني ما يكفي وصفه بالثقة حتى يخبر حتى يظهر اسمه، يعني التعديل على الإبهام لا يكفي عند جمهور أهل العلم، لكن المالكية يلزمهم، الذين يقتدون بمالك في الأحكام يلزمهم أن يقتدوا به في التوثيق.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
أتوب إلى الله ورسوله، يعني أقدم هذه التوبة بين يدي رسوله، كأنني أتوب إلى الله على يد رسوله.
(176/22)
طالب:. . . . . . . . .
في حياته ما في إشكال.
طالب:. . . . . . . . .
ما في شيء اسمه مهان، هذه اللي تداس في الفرشاة؟ قطعه ولا يظهر له وجه ولا شيء ودوسها ما يخالف.
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه.
طالب:. . . . . . . . .
إيه مثله، يعني مما يضاهيه في الإطراب.
طالب:. . . . . . . . .
كل الصور.
طالب:. . . . . . . . .
كل الصور، كلها، المسألة مشقة وعنت عظيم، لكن هذا دين، علي -رضي الله عنه- ألا أبعثك ...
(176/23)
شرح: الموطأ – كتاب الجامع (9)
باب ما جاء في أكل الضب - باب ما جاء في أمر الكلاب - باب ما جاء في أمر الغنم - باب ما جاء في الفأرة تقع في السمن، والبدء بالأكل قبل الصلاة.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا سائل يقول: هل هناك دعاء يقال عند شرب ماء زمزم؟
ماء زمزم كغيره من المياه عند الشرب التسمية، وعند الفراغ منه الحمد، ويستحضر النية لما يريده من هذا الشرب؛ لأن ماء زمزم لما شرب له، إن شربه من أجل العلم كما فعله كثير من أهل العلم، وإن شربه من أجل الشفاء من مرض معين يحصل له -إن شاء الله تعالى-؛ لحديث: ((ماء زمزم لما شرب له)) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه نعم ((طعام طعم، وشفاء سقم)) كما جاء في حديث أبي ذر كما هو معلوم، لكنه مع ذلك هو كغيره من المياه بالنسبة ... ، يسمي عند أوله, ويحمد عند الفراغ منه، ويستحضر ما يشربه من أجله.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو ماء مبارك بلا شك، لو صب على رأسه ما في إشكال.
يقول: هل في دعاء يقال للحاج عند ذهابه أو رجوعه؟
الحاج مسافر، إن كان مسافر ودعاء السفر يشرع له، وكذلك دعاء الرجوع.
يقول: ما حكم زكاة الذهب الذي تلبسه المرأة؟
الخلاف معروف بين أهل العلم، فمنهم من يرى أن ما يستعمل للقنية للبس من غير الاتجار به، ومن غير اتخاذه كنزاً ينتظر فيه الزيادة، فهذا لا زكاة فيه عند جمع من أهل العلم، وهو الجاري على القواعد الشرعية، ونظائره كثيرة في حياة المسلمين، ومن أهل العلم من يرى أن فيه الزكاة، وإذا أخرج الزكاة من باب الاحتياط يكون أولى، وإلا فالإلزام لا يتجه.
يقول: هل المباح ما استوت فيه المفسدة والمصلحة؟
المباح مستوي الطرفين، بمعنى أنه لا يتناوله أمر ولا نهي، وأما إذا اجتمعت المصلحة والمفسدة على حد سواء فعند أهل العلم درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
يقول: سؤال إذا كان الله يعذب الإنسان بالنار فكيف يعذب الجن بالنار، وهم مخلوقون من نار؟ الرجاء ألا تهملوا رسالتي جزاكم الله خيراً.
على كل حال هذا أمر مرده إلى الله -جل وعلا- يعذبهم كيف شاء.
يقول: ما حكم نكاح المسيار؟
(177/1)
المسيار جعلوه علم على النكاح الذي تتنازل فيه المرأة عن بعض حقوقها من القسم والنفقة، وما أشبههما إذا تراضيا على ذلك، فالأمر لا يعدوهما، إذا تنازلت {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [(128) سورة النساء] سواءً كان قبل العقد أو بعده، بعد التخيير إذا خيرها إما أن تجلسي عندي وعند أولادك بلا قسم، ورضيت بذلك الأمر لا يعدوها، وسودة لما خافت من الطلاق وهبت نوبتها لعائشة -رضي الله عن الجميع-، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال هذا الأمر لا يعدوها، إذا تنازلت فإن الأمر لا يعدوها، تنازلت عن حقوقها فما في إشكال، لكن لا يعني أن المسيار نكاح خفي لا يطلع عليه كما يفعل بعضهم، يخفي حتى الاسم الحقيقي في العقد لا يظهره، هذا لا، الإعلان لا بد منه، أن يعرف الناس أن هذه زوجة فلان، وإلا كون الإنسان يوقع نفسه في مواقع الريب والتهم هذا لا يجوز.
يقول: هل فعل ابن مسعود مع عثمان -رضي الله عنهما- في الإتمام مع أنه يرى القصر، هل هو على إطلاقه بحيث لو عكس المسألة هل يكون نفس الشيء بمعنى مجموعة تقصر والإمام يقصر، وهذا الرجل يتم ولا يرى القصر في هذا المكان؛ لأنه أقل من ثمانين كيلاً، وهذا المكان أقل من ثمانين بكثير هل نقول له: اقصر كما يقصر أمير المجموعة؟
هذا لا يتجه، لماذا؟ لأنه إذا أتم لن يقول له أحد من أهل العلم: إن صلاتك باطلة، حتى من يوجب القصر، وإذا قصر فإن من يقول بوجوب الإتمام في هذه المسافة يبطل صلاته.
يقول: هل قول الإمام بعد الصلاة: من له مبلغ من المال ضائع فليأت، هل هو من إنشاد الضالة؟
نعم هو من إنشاد الضالة، لكن هو أخف من أن يطلبها لنفسه، كونه يطلب لغيره أخف من أن يطلب لنفسه.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين أجمعين يا رب العالمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في أكل الضب:
(177/2)
حدثني مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن سليمان بن يسار أنه قال: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت ميمونة بنت الحارث، فإذا ضباب فيها بيض، ومعه عبد الله بن عباس وخالد بن الوليد، فقال: ((من أين لكم هذا؟ )) فقالت: أهدته لي أختي هزيلة بنت الحارث، فقال لعبد الله بن عباس وخالد بن الوليد: ((كلا)) فقالا: أولا تأكل أنت يا رسول الله؟ فقال: ((إني تحضرني من الله حاضرة)) قالت ميمونة: أنسقيك يا رسول الله من لبن عندنا؟ فقال: ((نعم)) فلما شرب قال: ((من أين لكم هذا؟ )) فقالت: أهدته لي أختي هزيلة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أرأيتك جاريتك التي كنت استأمرتيني في عتقها أعطيها أختك، وصلي بها رحمك ترعى عليها فإنه خير لك)).
وحدثني مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عبد الله بن عباس عن خالد بن الوليد بن المغيرة أنه دخل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت ميمونة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأتي بضب محنوذ، فأهوى إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما يريد أن يأكل منه، فقيل: هو ضب يا رسول الله، فرفع يده فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ فقال: ((لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه)) قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينظر.
وحدثني مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رجلاً نادى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله ما ترى في الضب؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لست بآكله، ولا بمحرمه)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في أكل الضب:
يعني في حكمه من الجواز كما هو قول عامة أهل العلم، وحرمه بعضهم بناءً على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استقذره ولم يأكله، ولكن الدليل بالإقرار منه -عليه الصلاة والسلام- حيث أكل بحضرته يدل على جواز أكله، وهذا قول الجمهور.
(177/3)
يقول: "حدثني مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن سليمان بن يسار أنه قال: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" سيلمان بن يسار من فقهاء التابعين السبعة، يحكي قصة لم يشهدها، فالقصة مرسلة، والمرسل من قسم الضعيف، إلا أنه له ما يشهد له من الحديث الآتي، مما هو مخرج في الصحيحين وغيرهما، والمرسل يرتقي بالشواهد كما هو مقرر عند أهل العلم.
يقول: "إنه دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت ميمونة بنت الحارث" أم المؤمنين "فإذا ضباب فيها بيض" ضباب جمع ضب "فيها بيض" وأهل العناية بالضباب لا شك أن البيض عندهم له ميزة يستلذونه، وقد يستعمل في أمور يزعمون أنها منشطة، على كل حال هذا الواقف "ضباب فيها بيض، ومعه عبد الله بن عباس وخالد بن الوليد، فقال مخاطباً لزوجته -عليه الصلاة والسلام-، ورضي عنها: ((من أين لكم هذا؟ )) " النبي -عليه الصلاة والسلام- يسأل، إذا وجد في بيته طعاماً سأل من أين لكم؟ لئلا يكون مما لا يحل له من صدقة وشبهها "فقالت: أهدته لي أختي هزيلة بنت الحارث" أهدته "فقال لعبد الله بن عباس وخالد بن الوليد: ((كلا)) " لماذا؟ لأنه مباح، طيب لماذا لا يأكل -عليه الصلاة والسلام- "فقالا: أولا تأكل أنت يا رسول الله؟ " فقال: ((إني تحضرني من الله حاضرة)) وهذا إنما يقال: إذا كان فيه رائحة متميزة، تؤثر على الحضور أو على المجالس يقال مثل هذا الكلام، لكن إذا كان لا يتميز برائحة فكيف يقال: ((تحضرني من الله حاضرة)) ويقصد بذلك الملائكة؟ فالذين اعتادوا أكل الضباب هل يميزون رائحته من غيره؟ السمك له رائحة متميزة، له زفر، له زفرة واضحة، لكن هل الضب له رائحة متميزة؟
طالب:. . . . . . . . .
البيض له رائحة؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه معروف.
طالب:. . . . . . . . .
(177/4)
فيه زخم، يتجه حينئذٍ التعليل، وعلى كل حال إذا ما ظهر لنا التعليل فعلينا التسليم، لكن هذه أمور محسوسة إذا قال: ((تحضرني من الله حاضرة)) عرفنا أنه إنما كرهه لأنه يناجي من لا نناجي، ويحضره كما جاء في حديث الثوم والبصل وغيرهما من ذوات الروائح الكريهة، وجاء التعليل أيضاً بأنه لم يكن بأرض قومه، يعني لم يكن معهوداً عنده، ولا أخذ عليه، لذلك تجد في بعض البلدان يأكلون أشياء، ويشربون أشياء هي مستقذرة عند بلدان أخرى، والعكس، يعني لو قدم طعام من أطعمة البلدان الأخرى في هذا البلد أو العكس، وجدت النفس تتقزز منه؛ لأنه لم يعتد عليه، وإن كان مباحاً لا إشكال فيه.
"قالت ميمونة: أنسقيك يا رسول الله من لبن عندنا؟ " اللبن معروف، يعني ليس بمستقذر ولا مستنكر، وشربه النبي -عليه الصلاة والسلام- ويشربه "فقال: ((نعم)) " ما قال مثل الضباب ((يحضرني من الله حاضرة)) أو ((لم يكن بأرض قومي)) على كل حال اللبن شربه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو من أطيب الأغذية.
"فلما شرب قال: ((من أين لكم هذا؟ )) " السؤال عن الضب ((من أين لكم هذا؟ )) وقع قبل إرادة الأكل، إرادة نقول، ما نقول: أكل، وبالنسبة للبن شرب ثم قال: ((من أين لكم هذا؟ )) لماذا قدم السؤال في مسألة الضباب، ولم يقدمه في اللبن؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو في اللبن الغالب هو مثل الماء، نعم يتهاداه الناس بسهولة، وبالنسبة للحم قد يكون من أطعمة تختص بالمساكين فتلحق بالصدقة، بخلاف اللبن، اللبن حكمه حكم الماء فيتسامح في أمره، تشرب اللبن لكن الأكل لا بد من السؤال عن مصدره، واللبن مثلما تفضل الأخ كثيراً ما يوجد في بيوته -عليه الصلاة والسلام- بخلاف اللحم، لما وجد اللحم في البرمة على النار قال: ((من أين لكم هذا؟ )) قالوا: هذا لحم تصدق به على بريرة، يعني ما تصدق به على أهل بيته من نسائه، لا، تصدق به على الخادمة، فقال: ((هو عليها صدقة، ولنا هدية)).
(177/5)
" ((من أين لكم هذا؟ )) قالت: أهدته لي أختي هزيلة" هزيلة التي أهدت الضباب، وأهدت اللبن تستحق مكافئة، ميمونة بنت الحارث عندها جارية أرادت أن تتصدق بها، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أرأيتك جاريتك التي كنت استأمرتيني)) يعني أمرتيني ((في عتقها، أعطيها أختك)) يعني مكافئة لها، أخت بهذه المثابة تهدي، تستحق أيضاً أن تكافأ ((من صنع إليكم معروفاً فكافئوه))، ((وصلي بها رحمك)) ولا شك أن من أعظم ما يوصل به الرحم الهدية، ((وصلي بها رحمك ترعى عليها)) ويش معنى ترعى عليها؟
طالب: تستخدمها.
نعم تخدمها، ترعى عليها يعني شئونها ((فإنه خير لك)) يعني العتق شأنه عظيم في الشرع، ومن أعتق عبداً كان فكاكه من النار، فأمرها أن تتصدق بها على أختها، يعني تهديها لأختها، مما يدل على عظم شأن الصلة، صلة الرحم، وأن لها شأن في الدين، قد يفوق العتق، فإنه خير لك، هذا الحديث مثلما ذكرنا من رواية سليمان بن يسار يحكي قصة لم يشهدها فهي مرسلة، وعرفنا أن المرسل ينجبر بما بعده.
قال: "وحدثني مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عبد الله بن عباس عن خالد بن الوليد بن المغيرة" عن خالد بن الوليد يعني الحديث مرة يروى من حديث خالد بن الوليد، ومرة يروى من حديث ابن عباس لحضورهما القصة، كل منهما حضر القصة، وكل منهما يروي الخبر "أنه دخل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وهذا كأنه دخل منفرد مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، والقصة السابقة أنهما دخلا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بيت ميمونة، ولا مانع أن يدخلا معاً، وإذا أراد أن يتحدث شخص عن الآخر وقال: إنه دخل، فكلامه صحيح، ولو روى خالد بن الوليد عن ابن عباس أنه دخل الكلام صحيح، والجمع والتفريق في مثل هذه الأمور لا إشكال فيه.
"أنه دخل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت ميمونة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأتي بضب محنوذ" يعني مشوي بالحجارة المحماة، يقال: محنوذ وحنيذ، فعيل بمعنى مفعول، يعني مشوي "فأهوى إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده" النبي -عليه الصلاة والسلام- مد يده ليأكل، هل لحم الضب يلتبس بغيره؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(177/6)
إذا قطع إلى قطع صغيرة وشوي الظاهر أنه يلتبس، ولذلك أهوى النبي -عليه الصلاة والسلام- بيده "فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما يريد أن يأكل منه، فقيل: هو ضب يا رسول الله، فرفع يده" لأنه يكره هذا النوع من اللحم، ولا يدل على تحريمه، كثير من الناس يجد نفسه تعاف لحم البقر، ومع ذلك لا يجوز أن يحرمه على الناس، ونهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن أكل الثوم والبصل، ومن أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا، ومع ذلك قيل: "أحرام هو يا رسول الله؟ قال: ((إني لا أحرم ما أحل الله)) " فلا يلزم من كون الشيء لا يؤكل أنه حرام، فقد يمنع من أكل الشيء لظرف يختص به الإنسان، أو يعمه ويشمل غيره، يعني بإمكانك أن تنهى أباك المريض مثلاً، إذا أراد أن يأكل تمر، قلت: لا يا أبي لا تأكل وأنت تأكل، هل يعني هذا أنه حلال لك وحرام على أبيك؟ لا يعني أنه حرام، لكن وجود المضرة المترتبة على أكله ينهى عنه.
(177/7)
"فرفع يده فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ فقال: ((لا)) " يعني مثلما قال عن الثوم والبصل، قيل: أحرام هما يا رسول الله؟ قال: ((لا، أنا لا أحرم ما أحل الله)) فمن جهة أنه حلال داخل في {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [(157) سورة الأعراف] وجاء تسمية هاتين الشجرتين الخبيثتين، وبهذا استدل ابن حزم على تحريم أكل الثوم والبصل، {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] مع أن الخبيث يطلق ويراد به المحرم، ويطلق ويراد به الأدنى من الطعام، يعني الذي يوجد أطيب منه، {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] "فقال: ((لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي)) " هذه العلة يعني لا تقوى على التحريم، حتى ولا على الورع في مثل هذا، لكن كونه لم يكن بأرض قومه فلم يعتده، ولم يبن الجسد عليه، فقد يكون غير ملائم لهذا الجسد من جهة، وقد يكون أيضاً مما تعافه النفس؛ لأنه شيء طارئ عليها، كالطعام الذي تراه لأول مرة، يعني لا تجرؤ على الأكل منه حتى يعتاده البصر، وبعض الأطعمة وهي من نعم الله -جل وعلا-، بمجرد مرآك لها تتقزز منها، يعني ولو كانت مركباتها أنت تأكلها إذا ركبت بطريقة أخرى، يعني لو طبخ لك مثلاً مرق مع لبن تشرب وإلا ما تشرب؟ أو عندك المرق وصبيت عليه لبن، أكثر الناس ما يشرب مثل هذا، وهناك مركبات في بعض البلدان يعني ما يمكن أن يقدم عليها كثير من الناس، فهو من هذه الحيثية أن الإنسان ما اعتاد على هذا، فمثلاً أكلات مصرية، وأكلات يمنية، وأكلات هندية، يعني لا تسوغ عندنا والعكس، لو تقدم بعض الأكلات الشعبية لبعض الجهات ما استساغها، على كل حال مثل هذا يعني يجعل الإنسان لا يأكل، لكن لا يجعله يحرم، لا يجوز له أن يحرم بهذه العلل، ولذلك قال: "أحرام هو يا رسول الله؟ قال: ((لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه)) " يعني نفسياً أعافه، وإذا كان الإنسان يعاف طعاماً من الأطعمة، فليس لأحد أن يلزمه كائناً من كان، يعني إذا كان الإنسان لا يستسيغ اللبن، هل لأبيه أن يجبره على شرب اللبن؟ ما يجوز له يجبره، الطاعة بالمعروف، نعم؟
طالب: ما استدل عليه برائحته ....
(177/8)
لكن في القصة الأولى كذلك، قد تكون هناك علل مركبة تجتمع، يعني افترض أنك مثلاً ما تجده في أرض قومك، لكنك جائع، تأكل وإلا ما تأكل؟ قد تأكل، لكن ما تجده في أرض قومك، ولست بحاجة إليه، تتعلل بمثل هذه العلل؛ لأن مثل هذه العلل التي هي مجرد يعني ترجيح لمزاج معين، يعني ليس تقوى على تحريم ولا على كراهة، إذا أنضاف إليه علة أخرى مثلاً، تركبت العلل، وإذا كانت العلل مبيحة أو محرمة ومنصوص عليها فالمركبة لا تستقل جزء المركب منها بالحكم، فمثلاً لو أن شخصاً أكل ثوماً، وصلى مع جماعة في غير مسجده، أو أكل ثوماً ودخل مسجد ما فيه جماعة، وصلى بمفرده، فلا يقربن مسجدنا، فلا يؤذنا، فالملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فإذا وجدت هذه الرائحة ولا في أحد، أو وجدت الرائحة وفي أحد، لكن في خارج المسجد؛ لأن العلة مركبة من شقين، فالعلة المركبة أحد جزئيها لا يستقل بدوران الحكم عليه.
طالب:. . . . . . . . .
إلا إذا صرت تعافه لا تأكله، ويش المانع؟
طالب:. . . . . . . . .
نفس هذا الموجود، يعني إذا كنت نفسك تعافه تقول: والله يا أخي ما له داعي، المجاملة ما هي في هذا الباب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما هو. . . . . . . . . ((لا عدوى ولا طيرة)) لكن يحتاط الإنسان إذا أراد أن يعطس وإلا يتثاءب يخمر وجهه ولا عليه شيء.
طالب:. . . . . . . . .
إيه معروف ميمونة خالة ابن عباس، ميمونة بنت الحارث، هي خالته من المحارم، يمكن من محارمه، العلاقة الأسرية بينهم يعني هناك علاقة خاصة، ميمونة خالة ابن عباس وخالد أيضاً، فيمكن الموجود من النسوة بهذه المثابة.
طالب:. . . . . . . . .
الملائكة تتأذى مما يتأذى به بنو آدم، من الرائحة التي يتأذى بها بنو آدم.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه اللي تو ((إني تحضرني من الله حاضرة))؟ يعني من الملائكة يحضر، ومثلما تفضل بالنسبة للبيض فيه زفر، يعني له رائحة غير مقبولة، ما فيها إشكال -إن شاء الله-.
(177/9)
"فقال: ((لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه)) قال خالد: فاجتررته فأكلته" من عادة من يتصف بالشجاعة تجده لا يهاب أي شيء ما دام اتصف بالشجاعة، وسأل حرام هو أو حلال؟ قال: حلال، هات، ويش المانع؟ فيها جرأة ...
طالب:. . . . . . . . .
أقول: الشخص المتصف بالشجاعة والجرأة تجدها في كل مناسبة حاضرة، وإلا النبي -عليه الصلاة والسلام- من أشجع الناس -عليه الصلاة والسلام-، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه الشجاعة باعتبار أنه ضرب بنصيب وافر في جميع الصفات ما تبين مثل هذه الشجاعة، بقدر ما يبين الحلم، الكرم، الجود، بينما خالد بن الوليد هذه الصفة متميزة عنده، فتجده ما يذكر إلا وتذكر الشجاعة، لكن قد ينسى الكرم إذا ذكر خالد مثلاً، ما يذكر لأنه ما هو من أميز الناس في هذا الباب.
على كل حال من تميز بصفة معينة تجد عنده جرأة، تجده جريء في هذا المجال، جريء في المجال الثاني وثالث، تجده في جميع أحواله عنده جرأة "فأكلته ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينظر".
ثم قال: "وحدثني مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رجلاً نادى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله ما ترى في الضب؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لست بآكله، ولا بمحرمه)) " طعامك الذي تعتاده وتأكله باستمرار في بيتك لو طبخ في بيت ثاني قد لا تأكله؛ لأن كيفية الإعداد والتحضير تختلف من مكان إلى آخر، يعني لو قدم لك رز مع لحم في بيتك قدرت عليه، تأكله، يقدم لك في بيت آخر تجده أفضل من صنيع أهل بيتك تأكله، لكن قد يقدم لك بطريقة أخرى يمكن تجد نفسك تعافه، فمثل هذا لا يعني أنه محرم، والذي تعافه نفسك قد يجد ناس يكون عنده مفضل والعكس، فمثل هذا لا يكفي حتى ولا في الكراهة، وبعضهم أطلق الكراهة لكن لا وجه له، نعم.
باب ما جاء في أمر الكلاب:
(177/10)
حدثني مالك عن يزيد بن خصيفة أن السائب بن يزيد أخبره أنه سمع سفيان بن أبي زهير، وهو رجل من أزد شنوءة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو يحدث ناساً معه عند باب المسجد، فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من اقتنى كلباً لا يغني عنه زرعاً ولا ضرعاً نقص من عمله كل يوم قيراط)) قال: أنت سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: إي ورب هذا المسجد.
وحدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من اقتنى كلباً إلا كلباً ضارياً، أو كلب ماشية نقص من عمله كل يوم قيراطان)).
وحدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بقتل الكلاب.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في أمر الكلاب:
يعني في شأنها وما يتعلق بها من أحكام، وتقدم ما جاء في غسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب، وأكل ما يصيده الكلب.
وهنا قال -رحمه الله-: "حدثني مالك عن يزيد بن خصيفة أن السائب بن يزيد أخبره أنه سمع سفيان بن أبي زهير وهو رجل من أزد شنوءة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو يحدث ناساً عند باب المسجد" من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "وهو يحدث ناساً" الضمير هو يعود على؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
سفيان بن أبي زهير الأسدي.
"يحدث ناساً معه عند باب المسجد، فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من اقتنى كلباً)) " يعني من اتخذه للقنية، إما للزينة مع الأسف أنه يوجد من يتزين به، ويتحلى به، لا شك أنها عادة وافدة من عوائد الكفار، ويتشبه بهم بعض المسلمين، تجد الكلاب في بيوتهم تغدو وتروح، وتلغ في الأواني، وتشاركهم الأطعمة، ومع ذلك بعض الأقطار هي عندهم مثل الأولاد، وبعض النساء كما ذكر عن بعض المجتمعات الكافرة يستغنين بهم عن الرجال -نسأل الله السلامة والعافية-، مسخ، نسأل الله العافية.
(177/11)
يقول: " ((من اقتنى كلباً لا يغني عنه)) " يعني لا يفيده، ولا يحفظ له " ((زرعاً ولا ضرعاً نقص من عمله كل يوم قيراط)) " والحديث الآخر: ((من اقتنى كلباً إلا كلب صيد أو كلب ماشية))، حديث أبي هريرة: ((أو زرع)) قال ابن عمر: وكان أبو هريرة صاحب زرع، يستغل مثل هذه الكلمة بعض المفتونين ويقول: إن ابن عمر يقدح بأبي هريرة؛ لأنه زاد هذه الكلمة أنه صاحب زرع، فيحتاج هذه الكلمة، زادها من كيسه، وهذا الكلام ليس بصحيح، يعني الأئمة كلهم يجعلون ابن عمر يثق بأبي هريرة أكثر، وأنه حفظ هذه الكلمة من النبي -عليه الصلاة والسلام-، واهتم بها أكثر من غيرها، لماذا؟ لأنه يحتاجها، صاحب زرع، والذي يحتاج الشيء يحفظه أكثر من غيره.
لو أن طبيباً ألقى محاضرة على فئام من الناس عن ضغط الدم مثلاً، أو عن مرض السكري، وذكر لكل واحد منهما عشرين علاج، الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، وهذا إلى العاشر، العشرين، في هذا المرض، وهذا المرض ومرض ثالث، تجد مريض الضغط ينتبه لمرض السكري وعلاجاته، يمكن يعددهن؟ يمكن ما يعد ولا واحد، لكن العشرين بيسردهن سرد، لماذا؟ لأنها تهمه، لكن ثالث لا يهتم بهذا ولا هذا؛ لأنه بريء منهما، سليم ما في ضغط ولا سكري، ومع ذلك ما يهتم لهذه الأمور، لكن لو تعرض لمرض ثالث ويهمه حفظه.
(177/12)
أبو هريرة صاحب زرع، إيش يعني صاحب زرع؟ أنه يحتاج هذه اللفظة فحفظها وضبطها عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبعض -نسأل الله السلامة والعافية- من يريد الطعن في الدين؛ لأن الطعن في أبي هريرة طعن في الدين، يقول: شوف ابن عمر، أول من طعن في أبي هريرة ابن عمر، صاحب زرع، زاد هذه الكلمة على شان صاحب زرع، يبي يبرر لنفسه، نسأل الله العافية، والطعن في أبي هريرة طعن في الدين بالكلية، يعني لا شك أننا إذا طعنا في أبي هريرة، وألغينا ما يروى من طريقه معناه أنا شللنا الدين شلل، ولذلك تجد تركيز أعداء الدين من المستشرقين، وأذناب المستشرقين تركيزهم على أبي هريرة، ما في أحد .. ، في أحد سمع أنه طعن في أبيض بن حمال اللي ما يروي إلا حديث واحد؟ ما يطعنون فيه، ليش؟ لماذا؟ لأنهم إذا طعنوا في أبي هريرة ارتاحوا من نصف الدين، لكن يحتاجون إلى ألف من مثل أبيض بن حمال، أو خمسة آلاف من مثل أبيض بن حمال على شان يطعنون في النصف الثاني.
" ((ولا ضرعاً نقص)) " الضرع هو ما يقابل الثدي بالنسبة للمرأة، وهذا بالنسبة للحيوان يقال له: ضرع، " ((نقص من عمله كل يوم قيراط)) " يحرص على الأعمال الصالحة، ويكسب الحسنات، ثم بعد ذلك ينقص كل يوم من عمله قيراط، وأهل العلم يختلفون في القيراط المذكور في هذا الباب، هل هو بمنزلة القيراط الذي وعد به من صلى على الجنازة أو دفن الجنازة دفن الميت؟ الذي جاء تقديره بالجبل العظيم، هذا إن كان مثل هذا راح بيوم، لكن جمع من أهل العلم يقولون: إن قيراط الجنازة قيراط فضل، فضل الله واسع، وهذا قيراط عقوبة وذم، فهي أضيق من الباب السابق، وعلى كل حال اللفظ لفظ شرعي جاء تفسيره فيما يتعلق بالصلاة على الميت ودفنه، وهنا لم يأتِ، وكل هذا من باب التحذير الشديد في اقتناء الكلاب.
"قال: أنت سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: إي ورب هذا المسجد" مع القسم أكد، والصحابة كلهم عدول لا يحتاج إلى أن يحلف، لكن المسائل المهمة كهذه يحلف عليها.
(177/13)
هل يقاس على ما نص عليه الماشية والصيد والزرع يقاس عليها ما هو أعظم منها؟ يعني حفظ الأموال الطائلة مثلاً، أليست أولى من الزرع؟ الكلاب البوليسية التي تكتشف الطوام مما يهدم المجتمعات هل تقاس على الأمور الثلاثة التي جاء النص عليها؟ أهل العلم يختلفون، منهم من يقول: إن قياسها عليها من باب قياس الأولى، الذي هو القياس الجلي، فكل ما هو أعظم مما ذكر يقاس عليه من باب أولى، ومنهم من يقول: هذه نص عليها ولا يلحق بها غيرها، وعلى كل حال المسألة اجتهادية.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما حرم على الفرد حرم على المجتمع، ما حرم على الفرد حرم على الجماعة.
طالب:. . . . . . . . .
الحراسة إذا كانت لزرع ما عدا ذلك ... ، أو ماشية.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أهل العلم يختلفون في حكم التربية؛ لتكون حارساً، يعني الآن الكلب ساذج، ما يصلح لا لزرع ولا لماشية ولا لصيد، يقول: أنا أشتريه لتعويده وتعليمه على الصيد مثلاً، حكم تربية الجرو -جرو الكلب- من أجل أن يهيأ لمثل هذا، المسألة معروفة عند أهل العلم، أنه كثير منهم يقول: لا يقتنى إلا إذا تعلم، مع أنه لا يجوز بيع الكلب، ولو تعلم عند جمع من أهل العلم الحنابلة وغيرهم لا يجيزون بيعه، ولو كان كلب صيد، ولو كان مأذون به، لكنهم عند الحاجة يبيحونه للمشتري لا للبائع؛ لأنا قلنا: المشتري محتاج، والبائع غير محتاج، كما قالوا في الممنوعات مثل المصحف ومثل .. ، قالوا: لا يجوز بيعه، لكن يجوز شراؤه للحاجة.
طالب:. . . . . . . . .
في إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
على حسب الحاجة إلى الصيد، يعني إن كانت مجرد هواية، وليست هناك حاجة ماسة للصيد، يعني ما في مصدر إلا الصيد، فمثل هذا غايته مباحة فوسيلته كذلك، قال: "وحدثني" يعني نهى عن ثمن الكلب، قال: "وحدثني مالك" يحمل على الأنواع الأخرى.
"وحدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من اقتنى كلباً إلا كلباً ضارياً)) " يعني معلم، والتعليم يميز من اتصف به على غيره، فإذا كان التعليم ميز الكلب المعلم عن غيره فلئن يميز المكلف المسلم من باب أولى.
(177/14)
((إلا كلباً ضارياً)) يعني للصيد ((أو كلب ماشية نقص من عمله كل يوم قيراطان)) يعني لما اختلفت الرواية في فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ خمس وعشرين أو سبع وعشرين، قال العلماء: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر بالعدد الأقل، ثم زيد في فضل الله -جل وعلا-، وهنا نقول: أخبر بالأقل أو بالأكثر ثم نقص منه؟ أخبر أولاً بالأقل، أخبر بالأكثر ثم نقص منه، يعني هل هذا يسوغ مع سياق الكلام؟ نعم؟ لأن القصد منه التنفير، فلعله لما قيل: قيراط ما امتثل بعض الناس قيل: قيراطين، جاء في بعض الكتب المحققة لما ذكروا رواية: القيراط، ونسبوها للصحيحين، وقالوا: هي لمسلم كذا، ثم قال: وفي رواية (وضع نقطتين) وقال: له قيراطان، فعكس المطلوب بسبب تقديم النقطتين، ولو وضع النقطتين بعد له، وفي رواية له، أي لمسلم: قيراطان، انتهى الإشكال، يعني ينقص قيراطان، فهذه مسائل الترقيم أو علامات الترقيم، ينبغي أن يهتم بها؛ لأنها يترتب عليها فهم الكلام.
واحد يحضر رسالة بحث عن فقيه من فقهاء الشافعية، ما وجد له ترجمة، وهو من مشاهيرهم، بحث في كل الكتب كتب الطبقات، وكتب الدنيا كلها ما وجد أبو الحسن الزازان، وهو أبو الحسن الزاز، أن، وبقية الكلام وذهب أبو الحسن الزاز أن كذا، أو قال: إن، فعلامات الترقيم يعني مهمة جداً لفهم الكلام، عكس المراد.
قال: "وحدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بقتل الكلاب" يعني جاء الأمر بقتل الكتاب في أول الأمر ثم نسخ هذا الأمر كما هو معلوم، بقي الكلب الأسود البهيم الذي هو شيطان.
طالب:. . . . . . . . .
كلاب مملوكة وإلا .. ؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني لجاره؟
طالب:. . . . . . . . .
يرفع أمره إلى ولي الأمر، ويزيل الضرر، الضرر لا بد من إزالته.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن هي مملوكة ومأذون باتخاذها، إذا أذن باتخاذها وملكت لا يجوز التعدي عليها، إلا ولي الأمر هو الذي له مثل هذه الأمور المتعدية، أفراد الناس ما يملكون مثل هذا، نعم؟
أحسن الله إليك.
طالب: بالنسبة للقيراطين والقيراط يعني يصعب أن نحدد إلا بمعرفة تاريخ الحديث.
(177/15)
على كل حال كل هذه الأحاديث إنما سيقت للتنفير من اقتناء الكلب، والذي يظهر أن السياق يدل على أن القيراط في أول الأمر، ثم زيد في ذلك للتشديد.
طالب: أو النية مثلاً يا شيخ؟
منهم من يقول -من باب الجمع-: بالنسبة للقيراط عند البادية والقيراطين عند الحاضرة؛ لأن تأذي الحاضرة بالكلب أكثر من تأذي البادية، يعني البادية الكلاب قريبة منهم، يسمعون نباحها ليل نهار، ونسائهم وأطفالهم ما يخافون منها، بينما الحاضرة يتأذون بها أكثر، فالنقص أكثر، هذا قيل، وله وجه، يعني له وجه إذا نظرنا إلى التعليل.
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أن هذه قنية، يقتنى لا للصيد ولا للزرع، ولا ...
طالب:. . . . . . . . .
الخلاف اقتناء الجرو من أجل تعليمه هذا شيء، معروف عند أهل العلم، أما إنسان مسلم يبي يتفرغ لتربية كلاب! هذه ليست مهنة حقيقة.
سم.
أحسن الله إليك.
طالب: تحرير مسألة ثمن الكلب؛ لأنه الآن في محلات تبيع الكلاب هل ينكر عليهم وإلا لا؟
لا، ينكر عليهم، الكلاب لأي شيء؟ أظنها زينة، هي أشد تحريم.
طالب: لكن في ثمن الكلب، يعني نهى عن ثمن الكلب.
للتحريم هذا ما في إشكال، إيه، شيطان جاء التعليل أنه شيطان.
طالب:. . . . . . . . .
كذلك ما يجوز بيعه، نفس الشيء، إيه.
طالب:. . . . . . . . .
والله النقص، هذا يدل على أنه محرم، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في أمر الغنم:
حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رأس الكفر نحو المشرق، والفخر والخيلاء من أهل الخيل والإبل، والفدادين أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم)).
وحدثني مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن)).
وحدثني مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحتلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته))
الراء، الراء ...
((أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته))
مشرُبَته.
(177/16)
((أيحب أحدكم أن تؤتى مشرُبته فتكسر خزانته فينتقل طعامه، وإنما تُخزَن لهم))
تَخزُن.
((وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعامتهم))
أطعماتهم.
((وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم، فلا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه)).
وحدثني مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما من نبي إلا قد رعى غنماً)) قيل: وأنت يا رسول الله؟ قال: ((وأنا)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في أمر الغنم:
يعني من حيث الاقتناء، أما بالنسبة لاقتناء المحرم فمعلوم، كالكلب ونحوه، وأما بالنسبة لاقتناء الطاهرات المباحات كبهيمة الأنعام اقتناؤها متفاوت أيضاً، ليست على درجة واحدة، فجاء مدح الغنم، وأنها تؤثر على أصحابها، تؤثر فيهم السكينة، وأما ما هو أكبر منها كالإبل والخيل فإنها تؤثر أيضاً في أخلاق أصحابها من الغلظة والجفاء مع أن الخيل جاء فيها النصوص مدحاً لها ولأصحابها، وأنها لثلاثة كما جاء في الحديث الصحيح: ((هي لرجل أجر، ولرجل ستر، ولرجل وزر)) على حسب النية التي تصاحب الاقتناء.
قال -رحمه الله-: "حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رأس الكفر نحو المشرق)) " وجاء التسمية بنجد، وجاء بيان ذلك عند الطبراني وغيره: العراق، ونجد يطلق على كل ما ارتفع من الأرض، وجاء: حيث ربيعة ومضر، لكن رواية الطبراني التحديد بالعراق، وجاء منها مشاكل كثيرة في الصدر الأول، الحروب أكثرها من تلك الجهات، وما زالت مثار للفتن ومحل للفتن، وما وراءها ما هو أشد منها، حتى يخرج الدجال من أصبهان، ومعه سبعن ألفاً من يهودها، دليل على أن المشرق هي محل الفتن.
قال: " ((رأس الكفر نحو المشرق)) " كل الفتن تأتي من هناك، أو جلها " ((نحو المشرق، والفخر والخيلاء من أهل الخيل والإبل)) " والآن يقام لها ما يقام مما تظهر فيه مظاهر الفخر والخيلاء والتعالي على الناس، وصار لها شأن، والله المستعان.
(177/17)
" ((الفخر والخيلاء من أهل الخيل والإبل، والفدادين أهل الوبر)) " أقول: الفدادين بدل من أهل، أهل الخيل والإبل هم الفدادون، أهل الوبر بخلاف أهل المدر، الوبر أهل البيوت، بيوت الشعر، وأما أهل المدر فهم أهل البنيان.
((والسكينة في أهل الغنم)) يعني هل الحجم مؤثر في الطباع بمعنى أنه كلما صغر الحجم لان الطبع؟ لأنه واحد ممن يعلق على بعض الأمور قال: إن الخيل والإبل يقابلها الآن أهل السيارات الكبيرة، الشاحنات الكبيرة، وأهل الغنم يقابلها السيارات الصغيرة، وأن ذولاك أخلاقهم فظة شوي، مناسبة لحجم سياراتهم، هو نظر إليها من جهة أنها تستخدم وسائل نقل، لكن الغنم ما تستخدم وسائل نقل، فلا تدخل في هذا الباب.
حقيقة أدركنا شخص مات قبل ثلاثين سنة، يعني خلقه ما شاء الله يغبط عليه، وكان يُسأل وأنا أسمع -صبي في ذلك الوقت أسمع- يسأل، فقيل له: ماذا كان عملك؟ قال: كنت أعمل في الإبل، أول عمره يبيع ويشتري في الإبل، ثم تركها إلى البقر، ثم تركها إلى الغنم، ثم إلى الدجاج، ثم إلى المكسرات الموجودة في ذلك الوقت، ما هي الموجودة عندنا، يعني وصل إلى حد صغير جداً، يعني بدأ من الإبل وتدرج إلى .. ، فالحديث يعني هذا من باب الطرفة وليست يعني من متين العلم اللي يقال: إن هذا تدرج إلى أن وصل إلى هذا الحد بسبب هذه التنقلات، إنما المنصوص عليها ظاهر، يعني أهل الإبل وأهل الخيل أهل جفاء، نعم؟
طالب: الحلم بالتحلم.
إيه هو عاشرها، إذا شردت الإبل احتاج إلى أن يكون فيه شيء من الغلظة والشدة من أجل أن يسيطر عليها، لكن الغنم ما تحتاج إلى هذا كله.
((والفخر والخيلاء)) الفخر والتعالي على الناس، والترفع عليهم في أهل الخير والإبل، ولعل ذلك أيضاً مما ينشأ من أنه إذا ركبها صارت رؤيته إلى الناس رؤية دون، كلهم تحته، بينما أهل الغنم يمشون على الأرض ما يركبونها.
((والفدادين أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم)) السكينة في أهل الغنم؛ لأنها فيها شيء من السكينة بطبعها، والمجالسة والمخالطة لا بد لها من التأثير، المخالط لا بد له من الأثر على من يخالطه حتى في الحيوانات.
(177/18)
قال: "وحدثني مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يوشك أن يكون خيرُ مال المسلم غنماً)) " أو ((يوشك أن يكون خيرَ)) كما في الصحيح ((مال المسلم غنمٌ)) على التقديم والتأخير ((يتبع بها شعف الجبال)) رؤوس الجبال، أعالي الجبال، يتبع هذه الغنم ((شعف الجبال، ومواقع القطر)) يعني في البراري والقفار، ويعتزل الناس، ((يفر بدينه من الفتن)) وهذا من الأحاديث التي فيها فضل العزلة عن الناس خوفاً على الدين، لكن مع ذلك لا يجوز له أن يترك الجمع والجماعات إلا إذا ترتب على ذلك شيئاً أعظم، إذا كانت الفتن محققة، أما إذا كانت مظنونة فلا يجوز أن يترك الجمع والجماعات من أجلها.
وعلى كل حال جاء ما يدل على فضل الاعتزال، وما جاء من النصوص ما يدل على فضل الاختلاط بالناس وتعليمهم وإرشادهم وتوجهيهم والصبر على أذاهم، جاء هذا وهذا، ولا شك أن أحاديث العزلة محمولة على ما إذا تحققت الفتنة في حق هذا الشخص، والخلطة فيما إذا أمنت الفتنة.
يضاف إلى ذلك أن الناس يتفاوتون، فمنهم من يؤثر ولا يتأثر، هذا يتعين في حقه الخلطة، عكسه من يتأثر ولا يؤثر هذا يتعين في حقه العزلة، وبعض الناس سجال، قابل لأن يؤثر ويتأثر، مثل هذا على حسب ما يترجح عنده إذا كان نفعه أكثر من تضرره هذا يختلط بالناس، وإذا كان ضرره أعظم من نفعه ولو كان النفع موجوداً فإن مثل هذا يعتزل؛ لأن كما يقول العامة: ألزم ما على الإنسان نفسه، يصلح للناس ويتعرض هو وأسرته لأضرار بالغة هذا ليس من العقل ولا من الدين.
قال: "وحدثني مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحتلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه)) " أنت ماش في الطريق في البر ووجدت إبل وإلا غنم ثم بعد ذلك قلت: هذه ضروعها ملأى نخفف عنها، يدعي هذا وهو ينتقل من قطين إلى آخر، وكلما مر على شيء شرب منه، ويتعيش ويتقوت من مواشي الناس، هذا لا يجوز له ذلك إلا بإذن.
طالب:. . . . . . . . .
(177/19)
لا، إذا كنت تعرف أنه لا يكره ذلك، ولا يمنع لا بأس، لكن شخص ما تدري عن وضعه، الأصل أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه.
قال: ((لا يحتلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه)) وهل يكفي إذن الراعي؟ إذا كان الراعي مخول من قبل المالك لا بأس، إذا عرف من حال المالك أنه شحيح لا يرضى لأحد لا لراع ولا لغيره فيجتنب.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو له.
طالب:. . . . . . . . .
وإذا لم يرد، استأذن، حديث أبي موسى؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب وإذا ما جاء؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما يشرب إلا بإذنه.
((لا يحتلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته)) المشربة غرفة مرتفعة توضع فيها الأمتعة ((فتكسر خزانته فينتقل طعامه)) لأن اللبن طعام، ومخزون في الضرع ((فينتقل طعامه، وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم)) هذه خزائنهم ما عندهم غيرها، ما في أقفال ولا غلق ولا أبواب، ما في إلا الضروع ((فلا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه)).
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا عرف أن هذا الراعي مأذون له من قبل المالك لا بأس.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال الخازن الأمين إذا تبرع ويعرف أن صاحبه لا يمنع مأجور بإذن الله.
طالب:. . . . . . . . .
على أن الراعي يغلب على الظن أنه مأذون له.
طالب:. . . . . . . . .
يعني اللبن تقطع به اليد؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هذا من وجه دون وجه.
طالب:. . . . . . . . .
غير متخذ خبنة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أقول: يأكل غير متخذ خبنة، يعني وهذا ...
طالب:. . . . . . . . .
ذا يحتاج إلى معاناة، اللبن يحتاج إلى حلب، ويحتاج إلى كذا، هذا ما يحتاج إلى معاناة، على كل حال الفرق واضح، نعم؟
طالب: الآن في بعض المحلات قد يدخل واحد ويذوق شيء، أحياناً قد لا ....
بنية الشراء؟
طالب: أحياناً قد لا يكون بنية الشراء.
يقولون: الحبة والحبتين والثلاث معفو عنها، لكن الزائد على ذلك يحتاج إلى إذن.
طالب: طيب إن عفا مثلاً المحاسب وقال: خلاص ما في مشكلة، وقد يكون ...
(177/20)
إذا دلت القرائن على أن صاحبه لا يحاسبه، أو يأذن له في هذا لا بأس.
طالب: هل يشترط أن أسأله؟
الورع ألا يتعرض لشيء، نعم.
قال: "وحدثني مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما من نبي إلا قد رعى غنماً)) قيل: وأنت يا رسول الله؟ قال: ((وأنا)) " وكان يرعى غنماً لأهل مكة على قراريط -عليه الصلاة والسلام-، وهذا معروف.
سم.
قال -رحمه الله-:
باب ما جاء في الفأرة تقع في السمن، والبدء بالأكل قبل الصلاة:
وحدثني مالك عن نافع أن ابن عمر كان يقرب إليه عشاؤه، فيسمع قراءة الإمام وهو في بيته، فلا يعجل عن طعامه حتى يقضي حاجته منه.
وحدثني مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- عن ميمونة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الفأرة تقع في السمن؟ فقال: ((انزعوها وما حولها فاطرحوه)).
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في الفأرة تقع في السمن:
إذا وقعت في السمن لا يخلو إما أن يكون السمن مائعاً أو جامداً، النص ليس فيه تفريق بين الجامد والمائع، مع أنه جاء في خبر فيه كلام لأهل العلم ((فإن كان جامداً فألقوها وما حولها)) وقال به جمع من أهل العلم، لكن ماذا عن المائع؟ المائع إذا وقعت فيه الفأرة ماتت، والجامد ما تموت، بينما المائع تموت فيه، يعني في فرق وإلا ما فيه؟ المائع تغرق فيه وتموت، بينما الجامد قد يغوص بعضها فيه، لكنها لا تموت فيه، ونأتي إلى حديث السمن.
(177/21)
قال: "وحدثني مالك عن نافع أن ابن عمر كان يقرب إليه عشاؤه، فيسمع قراءة الإمام وهو في بيته، فلا يعجل عن طعامه حتى يقضي حاجته" هذا محمول على أنه كان محتاجاً مضطراً إلى هذا الطعام، يعني كما جاء: ((إذا حضر العَشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء)) نعم هذا عند الحاجة إليه، ولا يعمد إلى أن يكون هذا عادته وديدنه كلما قربت الإقامة قد يأكل إلى أن يفرغ الناس من الصلاة، وهذا محمول هذا أيضاً على أمر يسير خفيف، يمكن أن يتناول مع ذلك تدرك الصلاة، أما أن تضيع الصلوات مع الجماعة بسبب الأكل ويكون هذا ديدن المسلم فلا، إلا إذا احتاج إلى ذلك، واضطر إليه، فالنص دال عليه، النص المرفوع دال عليه.
قال: "وحدثني مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس عن ميمونة زوج النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهي خالة ابن عباس على ما تقدم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الفأرة تقع في السمن؟ فقال: ((انزعوها وما حولها فاطرحوه)) " يعني إذا كان جامداً هذا واضح؛ لأنها تلزم مكاناً واحداً، حتى ولو ماتت يلقى ما حوله، لكن إذا كان مائعاً وهي تسبح وماتت وهي تدور فيه، غرقت فيه ما ماتت، فما الحكم؟ منهم من يقول: إن حكم المائع والجامد واحد، والفأرة طاهرة وليست بنجسة، ومع ذلك إذا ماتت في المائع فالذي قبل مكان الموت طاهر ما له علاقة، فتؤخذ ما حوله، فلا يفرق لا طرداً ولا عكساً لا بين المائع ولا الجامد.
ومنهم من يفرق فيقول: الجامد تلقى وما حولها؛ لأنها لن تغوص فيه، ولن تؤثر فيه كثيراً بخلاف المائع فإنها قد تجوبه، وتمر على جميع أجزائه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(177/22)
شرح: الموطأ - كتاب الجامع (10)
باب ما يتقى من الشؤم - باب ما يكره من الأسماء.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
بحث كيف ينادى ثلاثاً على راعي الإبل -بهيمة الأنعام-؟
في سنن أبي داود -وأشار الألباني -رحمه الله- بقوله: "صحيح"- حدثنا عياش بن الوليد الرقام، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه، فإن أذن له فليحتلب وليشرب، فإن لم يكن فيها فليصوت ثلاثاً، فإن أجابه فليستأذنه وإلا فليحتلب وليشرب ولا يحمل)).
قال ابن قيم الجوزية: "وقد روى البيهقي من حديث يزيد بن هارون عن سعيد الجريري عن أبي نظرة عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أتى أحدكم على راع فلينادي يا راعي الإبل ثلاثاً، فإن أجابه وإلا فليحلب وليشرب، ولا يحملن، وإذا أتى أحدكم على حائط فلينادي ثلاثاً: يا صاحب الحائط، فإن أجابه وإلا فليأكل ولا يحملن)) وهذا الإسناد على شرط مسلم، وإنما أعله البيهقي بأن سعيداً الجريري تفرد به، وكان قد اختلط في آخر عمره، وسماع يزيد بن هارون منه في حال اختلاطه، وأعل حديث سمرة بالاختلاف في سماع الحسن منه، وهاتان العلتان بعد صحتهما لا يخرجان الحديثين عن درجة الحسن المحتج به في الأحكام عند جمهور الأمة، وقد ذهب إلى القول بهذين الحديثين الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه.
وفي جامع الترمذي -وقال الألباني: صحيح- حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف، قال: حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه، فإن أذن له فليحتلب وليشرب، وإن لم يكن فيها أحد فليصوت ثلاثاً، فإن أجابه أحد فليستأذنه، فإن لم يجبه أحد فليحتلب وليشرب ولا يحمل)).
(178/1)
قال: وفي الباب عن عمر وأبي سعيد، قال أبو عيسى: حديث سمرة حديث حسن صحيح غريب، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وبه يقول أحمد وإسحاق، قال أبو عيسى: وقال علي بن المديني: سماع الحسن من سمرة صحيح، وقد تكلم بعض أهل الحديث في رواية الحسن عن سمرة، وقالوا: إنما يحدث عن صحيفة سمرة.
وقال الكاندهلوي في أوجز المسالك إلى موطأ مالك على قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((فلا يحتلبن أحد إلا بإذنه)) قال الحافظ قال ابن عبد البر: في الحديث النهي عن أن يأخذ المسلم للمسلم شيئاً إلا بإذنه، وإنما خص اللبن بالذكر لتساهل الناس فيه، فنبه به على ما هو أولى منه، وبهذا أخذ الجمهور، ولكن سواءً كان بإذن خاص أو عام، واستثنى كثير من السلف ما إذا علم بطيب نفس صاحبه، وإن لم يقع منه إذن عام أو خاص، وذهب كثير منهم إلى الجواز مطلقاً في الأكل والشرب سواءً علم بطيب نفسه، سواءً علم بطيب نفس صاحبه أو لو يعلم، والحجة لهم ما أخرجه أبو داود والترمذي وصححه من رواية الحسن عن سمرة مرفوعاً: ((إذا أتى أحدكم على ماشية فان كان صاحبها فيها فليصوت ثلاثاً، فان أجاب فليستأذن، فإن أذن له وإلا فليحتلب وليشرب ولا يحمل)) إسناده صحيح إلى الحسن.
فمن صحح يا شيخ؟
إيه يعني فمن صحح رواية الحسن عن سمرة صحح.
هنا قال: فمن صح سماعه.
صحح سماعه.
أحسن الله إليك.
فمن صحح سماعه من سمرة صححه، ومن لا أعله بالانقطاع.
ومن لا، يعني ومن لا يصحح أعله بالانقطاع.
ومن لا أعله بالانقطاع، لكن له شواهد من أقواها حديث أبي سعيد مرفوعاً: ((إذا أتيت على راعي فناده ثلاثاً فإن أجابك وإلا فاشرب من غير أن تفسد، وإذا أتيت على حائط)) فذكر مثله، أخرجه ابن ماجه والطحاوي، وصححه ابن حبان والحاكم.
وأجيب عنه بأن حديث النهي أصح، فهو أولى بأن يعمل به، وبأنه معارض للقواعد القطعية في تحريم مال المسلم بغير إذنه، فلا يلتفت إليه، ومنهم من جمع بين الحديثين بوجوه من الجمع منها: حمل الإذن على ما إذا علم طيب نفس صاحبه، والنهي على ما إذا لم يعلم.
ومنها تخصيص الإذن بابن السبيل دون غيره، أو بالمضطر، أو بحال المجاعة مطلقاً، وهي متقاربة.
(178/2)
ومنهم من حمل حديث النهي على ما إذا كان المالك أحوج من المار.
قالوا: فيحمل حديث الإذن على ما إذا لم يكن المالك محتاجاً، وحديث النهي على ما إذا كان مستغنياً، ومنهم من حمل الإذن على ما إذا كانت غير مصرورة، والنهي على ما إذا كانت مصرورة.
واختار ابن العربي الحمل على العادة، وأشار أبو داود في السنن إلى قصر ذلك على المسافر في الغزو، وآخرون إلى قصر الإذن على ما كان لأهل الذمة، والنهي على ما كان للمسلمين، واستؤنس بما شرطه الصحابة على أهل الذمة من ضيافة المسلمين.
وفي المرقاة عن شرح السنة: العمل على هذا عند أكثر أهل العلم أنه لا يجوز أن يحلب ماشية الغير بغير إذنه إلا إذا اضطر في مخمصة، ويضمن، ومثل لا ضمان عليه لأن الشرع أباحه له.
وذهب أحمد وإسحاق وغيرهما إلى إباحته لغير المضطر أيضاً إذا لم يكن المالك حاضراً.
انتهى؟
طالب: نعم انتهى.
يعني مر بنا في درس الأمس، في الدرس الماضي، مر بنا أنه لا يجوز أن يحلب من الماشية إلا بإذن صاحبها، وجاء في الزروع والثمار أنه يأكل غير متخذ خبنة، وأن القياس متجه بالنسبة للبن في ضروع الإبل على الزرع والتمر في رؤوس النخل، يعني الباب واحد، لكن جاء النهي عن حلب الإبل إلا بإذن صاحبه، وأنه لا يجوز ذلك بحال، وجاء في حديث جابر وأبي سعيد، وفي حديث سمرة وأبي سعيد كما سمعتم، وإن كان كل واحد منهما له علة، وعلة ظاهرة وقادحة إلا أن من أهل العلم من يرى أن أحدهما يجبر الآخر؛ لأن السماع من المختلط حال الاختلاط قادح مضعف للحديث، والخلاف في سماع الحسن من سمرة أيضاً عند أهل العلم أكثرهم أو الكثير منهم يرون أنه لم يسمع منه مطلقاً، ومنهم من يقول: إنه سمع منه حديث العقيقة فقط، وهذا مصرح به في الصحيح في البخاري عن حبيب بن الشهيد، قال لي ابن سيرين: سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ قال: من سمرة، فدل على أنه سمع منه حديث العقيقة، ويبقى ما عداه على الانقطاع، ومنه حديث الباب، لكنه ينجبر بالحديث الثاني عند جمع من أهل العلم، ويصل إلى درجة الحسن لغيره، أما وصوله إلى درجة الصحيح فدونه خرط القتاد، يعني النزاع في كونه حسن لغيره، أما التصحيح فلا.
(178/3)
وعلى كل حال المسألة خلافية بين أهل العلم، وسمعتم أقوال العلماء فيها، أما المحتاج فالحاجة تبيح له مثل هذا المختلف فيه، الحاجة ولو لم يصل إلى حد الضرورة، أما حد الضرورة يبيح له المجمع على تحريمه، أما الحاجة فتبيح له مثل هذا المختلف فيه، الذي فيه نوع شبهة من ورود الحديثين، وما عدا ذلك يبقى الورع ألا يستعمل مال امرئٍ إلا بطيبة نفس منه.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما يتقى من الشؤم:
وحدثني مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن كان ففي الفرس والمرأة والمسكن)) يعني الشؤم.
وحدثني مالك عن ابن شهاب عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الشؤم في الدار والمرأة والفرس)).
وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: "جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله دار سكناها والعدد كثير، والمال وافر، فقل العدد، وذهب المال، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((دعوها ذميمة)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما يتقى من الشؤم:
الشؤم والتشاؤم والتطير متقاربة المعاني، وهو خلاف ما فيه بركة، يعني ما يتبرك به، نقيضه ما يتشاءم به، ما يتقى من الشؤم، جاء النفي التام ((لا عدوى ولا طيرة)) وأنه لا يتطير بشيء ولا يتشاءم به مطلقاً، ولا شك أن التطير والتشاؤم مما يناقض التوكل، ((لا عدوى ولا طيرة)) وهنا يقول: ((ما يتقى من الشؤم)).
ذكر الحديث الأول قال: "حدثني مالك عن أبي حازم بن دينار" يعني سلمة بن دينار، أبو حازم الذي يروي عن سهل بن سعد مطلقاً هو سلمة بن دينار الزاهد المعروف، وأما الذي يروي عن أبي هريرة أبو حازم اسمه سلمان، غير سلمة بن دينار.
(178/4)
"عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن كان)) " يعني الشؤم، يعني إن كان موجوداً في شيء ((ففي الفرس والمرأة والمسكن)) التي تكثر ملازمتها، يعني هذا إن كان، وإن هذه إنما يؤتى بها لتضعيف الأمر وتوهينه، إن كان، وإلا فالأصل أنه لا يكون ولا يوجد، ولذا يفرقون بين إن الشرطية وإذا، إن جاء زيد فأكرمه، يعني احتمال ضعيف جداً أن يجيء، لكن إذا قال: إذا جاء زيد فأكرمه يعني يغلب على الظن أنه يجيء، بل يجزم بمجيئه، خلاص مجيئه مجزوم به، بخلاف قولهم: إن جاء زيد فأكرمه، هذا بعيد جداً، ضعيف، ولذا يقول:
أنا إن شككت وجدتموني جازماً ... وإذا جزمت فإنني لم أجزمِ
إن شككت من حيث المعنى، جئت إن شككت من حيث المعنى جئت بحرف (إن) التي تجزم الفعل، وجدتموني جازماً.
وإذا جزمت - من حيث المعنى- فإنني لم أجزمِ، جئت بإذا التي لم تجزم الفعل، وهنا يقول: ((إن كان)) يعني على استبعاد ((إن كان ففي الفرس والمرأة والمسكن)) لكن ماذا عن الرواية الأخرى، أو الحديث الآخر حديث ابن عمر؟
"وحدثني مالك عن ابن شهاب عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الشؤم في الدار والمرأة والفرس)) " هذا ما فيه شك، هذا جزم، ((الشؤم في الدار والمرأة والفرس)) من أهل العلم من يقول: إن الأصل رواية الشك: ((إن كان)) والاستبعاد، لكن الراوي رواه على حسب ظنه ووهمه، وأن الشؤم موجود في هذه الأمور، فجزم به، وحذف حرف التشكيك.
ابن القيم -رحمه الله تعالى- له كلام جميل ونفيس في هذه المسألة، نقرأه قريباً -إن شاء الله تعالى-.
(178/5)
على كل حال كثير من الناس يشتري الفرس فيسقط منها مراراً، مرة تنكسر رجله، ومرة تنكسر يده، ومرة ظهره، ومرة ترفسه، فيتهمها بالشؤم والنحس، ويسكن الدار كما سيأتي في الحديث الأخير: دار سكناها والعدد كثير، والمال وافر، فقل العدد، وذهب المال، فيقول: هذه فرس مشئومة، يعني يتشاءم بها الناس؛ لكثرة ما يحصل من النقص بسببها، ومثل هذا في السيارات، تجد الإنسان يشتري سيارة، وأسبوعياً تدخل الورشة، ويتحمل بسببها الديون، ويشتري سيارة تمر السنون ما حصل منها شيء، هذا الذي يجعل الناس يتشاءمون مع أن كل هذا بقضاء الله وقدره.
المرأة يعني لكثرة مجالسته لها، والنساء خلقن من ضلع، يعني كثرة المشاكل موجودة في القديم والحديث، هذا يجعل الناس يتشاءمون بالمرأة، يعني هذا يحكي واقع لا يحكي حكم شرعي، وإلا لا عدوى ولا طيرة في الدار والمرأة والفرس.
الدار: قد يسكن دار كتب عليه أنه يحصل له في هذه المدة من سنة كذا إلى سنة كذا كتب عليه مما كتب عليه في القضاء والقدر في اللوح المحفوظ أنه يحصل له مشاكل بغض النظر عن كونه سكن هذه الدار، أو سكن غيرها، لكنه قدر له أيضاً أن يسكن هذه الدار فتحصل هذه المصائب في هذه الدار، فينسب ذلك إلى شؤم الدار، وإلا الدار لا تقدم ولا تؤخر، الفرس لا تقدم ولا تؤخر، المرأة ما بيدها حل ولا ربط، ولذلك تجده يقول: لو أخذت فلانة كان ما حصل لي ها المصائب والمشاكل، شوف أختها فلانة مع فلان ولا مشكلة ولا شيء، عائشين من أحسن ما يكون، وأنا ابتليت بهذه المرأة المشئومة، يا أخي أنت مقدر لك هذه المشاكل لو أخذت أفضل النساء يمكن، لا بد أن تقع لك هذه المشاكل، ولا ينفى أن يكون هناك أسباب تترتب عليها هذه المسببات، والمسبب هو الله -جل وعلا-، والمخلوق ليس له إلا مجرد السبب الذي قد يترتب عليه أثره، وقد لا يترتب عليه أثره.
(178/6)
قال: "وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: "جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله دار سكناها والعدد كثير، والمال وفير، فقل العدد، وذهب المال، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((دعوها ذميمة)) " يعني هل هذا إثبات للشؤم؟ هذا حصل لهم هذه الأمور في هذه الدار، وخشية أن يتطور الأمر عندهم فينسبوا هذه الأفعال إلى هذه الدار، فأراد -عليه الصلاة والسلام- حسم هذه المادة، كما في قوله: ((فر من المجذوم)) و ((إذا وقع الطاعون بأرض قوم فلا تدخلوها)) ((فلا تقدموا عليها)) و ((لا يورد ممرض على مصح)) يعني لحسم المادة هنا، دعها فإنها لئلا يتطور عندك الأمر، أنت الآن عندك ظن أن هذا بسببها لا يصير عندك يقين، انتقل عن هذه الدار.
فلا شك أن هذه من الأحاديث التي أشكلت عند كثير من أهل العلم حتى أنهم أثبت بعضهم الشؤم في هذه الثلاث، قال: الشؤم مرتفع في كل شيء إلا في هذه الثلاث، واستدلاله بالأحاديث ظاهر، لكن يبقى أن الشؤم مرتفع، لماذا؟ لأنه منافي للتوكل، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا عدوى ولا طيرة)) وهنا كلام ابن القيم -رحمه الله- وإن كان فيه طول لكنه مفيد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا مفتاح دار السعادة.
اقرأ من هذا الفصل؟
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
فصل: وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((الشؤم في ثلاث)) ... الحديث، فهو حديث صحيح من رواية ابن عمر وسهل بن سعد ومعاوية بن حكيم، وقد روى أن أم سلمة كانت تزيد السيف، يعني في حديث
(178/7)
الزهري عن حمزة وسالم عن أبيهما في الشؤم، وقد اختلف الناس في هذا الحديث، وكانت عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- تنكر أن يكون من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقول: "إنما حكاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أهل الجاهلية وأقوالهم" فذكر أبو عمر بن عبد البر من حديث هشام بن عمار قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن سعيد عن قتادة عن أبي حسان أن رجلين دخلا على عائشة وقالا: إن أبا هريرة يحدث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنما الطيرة في المرأة والدار والدابة)) فطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض، ثم قالت: كذب والذي أنزل الفرقان على أبي القاسم، من حدث عنه بهذا؟ ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: ((كان أهل الجاهلية يقولون: إن الطيرة في المرأة والدار والدابة)) ثم قرأت عائشة -رضي الله عنها-: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [(22) سورة الحديد].
قال أبو عمر: وكانت عائشة تنفي الطيرة، ولا تعتقد منها شيئاً حتى قالت لنسوة كن يكرهن البناء بأزواجهن في شوال: ما تزوجني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا في شوال، وما دخل بي إلا في شوال، فمن كان أحظى مني عنده، وكان تستحب أن يدخلن على أزواجهن في شوال.
وقال أبو عمر: وقولها في أبي هريرة "كذب" فإن العرب تقول: كذبت بمعنى غلطت فيما قدرت، وأوهمت فيما قلت، ولم تظن حقاً ونحو هذا.
يعني أطال ابن القيم -رحمه الله- في تخريج "كذب" في كلام عائشة بالنسبة لأبي هريرة، ومن نقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو يقرر كما قرره غيره من أهل العلم أن عند قريش في لغة قريش إطلاق الكذب على الخطأ غير المقصود، يطلقون عليه الكذب، ومنه حديث: ((صدق الله وكذب بطن أخيك)) يطلقونه على ما يخالف الواقع، سواءً كان مقصوداً أو غير مقصود.
تجاوز هذا تراه أطال عليه، نعم.
هذا الحديث قد روى على وجهين: أحدهما بالجزم، والثاني بالشرط.
(178/8)
فأما الأول: فرواه مالك عن ابن شهاب عن سالم وحمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الشؤم في الدار والمرأة والفرس)) متفق عليه، وفي لفظ في الصحيحين عنه: ((لا عدوى ولا صفر ولا طيرة، وإنما الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار)).
وأما الثاني ففي الصحيحين أيضاً عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن كان ففي المرأة والفرس والمسكن)) يعني الشؤم.
وقال البخاري: ((إن كان في شيء)) وفي صحيح مسلم عن جابر مرفوعاً: ((إن كان في شيء ففي الربع والخادم والفرس))
لا، لا ففي الربْعِ.
أحسن الله إليك.
((إن كان في شيء ففي الرَبْع والخادم والفرس))، وفي الصحيحين عن ابن عمر مرفوعاً: ((إن يكن من الشؤم شيء حقاً ففي الفرس والمسكن والمرأة)).
وروى زهير بن معاوية عن عتبة بن حميد، قال: حدثني عبيد الله بن أبي بكر أنه سمع أنساً يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا طيرة، والطيرة على من تطير، وإن يكن في شيء ففي المرأة والدار والفرس)) ذكره أبو عمر.
وقالت طائفة أخرى: لم يجزم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشؤم في هذه الثلاثة بل علقه على الشرط، فقال: ((إن يكن الشؤم في شيء)) ولا يلزم من صدق الشرطية صدق كل واحد من مفرديها، فقد يصدق التلازم بين المستحيلين، قالوا: ولعل الوهم وقع من ذلك، وهو أن الراوي غلط، وقال: الشؤم في ثلاثة، وإنما الحديث: ((إن كان الشؤم في شيء ففي ثلاثة)) قالوا: وقد اختلف على ابن عمر، والروايتان صحيحتان عنه، قالوا: وبهذا يزول الإشكال، ويتبين وجه الصواب.
وقالت طائفة أخرى: إضافة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الشؤم إلى هذه الثلاثة مجاز، واتساع أي قد يحصل مقارَناً لها،
مقارِناً.
أحسن الله إليك.
(178/9)
أي قد يحصل مقارِناً لها وعندها، لا أنها هي أنفسها مما يوجب الشؤم، قالوا: وقد يكون الدار قد قضى الله -عز وجل- عليها أن يميت فيها خلقاً من عباده كما يقدر ذلك في البلد الذي ينزل الطاعون به، وفي المكان الذي يكثر الوباء به، فيضاف ذلك إلى المكان مجازاً، والله خلقه عنده، وقدره فيه، كما يخلق الموت عند قتل القاتل، والشبع والري عند أكل الآكل وشرب الشارب، فالدار التي يهلك بها أكثر ساكنيها.
(178/10)
هذا الأسلوب وهذا التعبير إنما هو معروف عند الأشعرية الذين لا يثبتون تأثير الأسباب، فتجدهم يقولون: إن الشبع يكون عند الأكل لا به، والري يكون عند الشرب لا به، فهذا من أساليبهم، وابن القيم ينقل هذا القول عن غيره، ولا يمنع أن يكون هذا القائل منهم، وإلا فالأصل أن السبب له أثر، لا يؤثر بنفسه، إنما بجعل الله -جل وعلا- الأثر فيه، يعني لا يستقل بالتأثير، إنما الله -جل وعلا- رتب هذا المسبب على هذا السبب، وقد يتخلف المسبب لوجود مانع معارض، وإنما هو سبب مثلما قلنا سابقاً: إن هذا الرجل الذي قدرت له هذه المشاكل، وكتبت عليه في اللوح المحفوظ، قارنت وجود هذه المرأة، يعني وافقت أن تكون في عصمته هذه المرأة، فظن أن هذه المشاكل منها، وهي مكتوبة مقدرة عليه، ولو تزوج غيرها، وكذلك الدار مكتوب علي أنه يسقط مراراً وينكسر، سواءً كان في الدار أو من الفرس، أو ما أشبه ذلك، سواءً كان في هذه الدار أو في غيرها، لكن لكثرة ملابسة الناس ومخالطتهم لهذه الأمور الثلاثة تجدهم يضيفون إليها هذه الأشياء في الجاهلية، ثم كثير من الناس لا يستطيع التخلص من الطيرة ((وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل)) فعلى الإنسان أن يتوكل على الله -جل وعلا-، وإذا وجدت هذه الأمور، وخشي أن تتطور، وانتقل من البيت لا مانع من أن ينتقل، وأن يبيع الفرس، ويبيع السيارة، لا مانع من ذلك خشية أن يقع في حرج أعظم، ولذلك لما جاء الحديث الصحيح: ((لا عدوى ولا طيرة)) ثم وفيه: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد)) يعني هل آخر الحديث ينقض أوله؟ لا، لا عدوى مطلقاً، ولكن الفرار من المجذوم لئلا يتفق إصابة الصحيح بهذا المرض عند مخالطة هذا المريض أو على إثر مخالطة هذا المريض، ثم يقع في نفسه إثبات ما نفاه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن هذا حرج عظيم، فيحسم المادة بالكلية، ويبتعد عن الممرض، لا يورد على المصح، وكذلك يبتعد عن المجذوم؛ لئلا يقع في الحرج من مخالفة النص الصحيح، من هذه الحيثية، نعم.
أحسن الله إليك.
(178/11)
فالدار التي يهلك بها أكثر ساكنيها توصف بالشؤم؛ لأن الله -عز وجل- قد خصها بكثرة من قبض فيها، فمن كتب الله عليه الموت في تلك الدار حسن إليه سكَّانها ...
سُكْناها.
أحسن الله إليك.
فمن كتب الله عليه الموت في تلك الدار حسن إليه سُكناها، وحركه إليها حتى يقبض روحه في المكان الذي كتب له، كما ساق الرجل من بلد إلى بلد للأثر والبقعة التي قضى أن يكون مدفنه بها.
قالوا: وكذلك ما يوصف من طول أعمار بعض أهل البلدان ليس ذلك من أجل صحة هواء، ولا طيب تربة، ولا طبع يزداد به الأجل، وينقص بفواته، ولكن الله سبحانه قد خلق ذلك المكان، وقضى أن يسكنه أطول خلقه أعماراً، فيسوقهم إليه، ويجمعهم فيه، ويحببه إليهم، قالوا: وإذا كان هذا على ما وصفنا في الدور والبقاع جاز مثله في النساء والخيل، فتكون المرأة قد قدر الله عليها أن تتزوج عدداً من الرجال ويموتون معها، فلا بد من إنفاذ قضائه وقدره، حتى أن الرجل ليقدم عليها من بعد علمه بكثرة من مات عنها لوجه من الطمع يقوده إليها حتى يتم قضاؤه وقدره فتوصف المرأة بالشؤم لذلك، وكذلك الفرس، وإن لم يكن لشيء من ذلك فعل ولا تأثير.
وقال ابن القاسم: سئل مالك عن الشؤم في الفرس والدار؟ فقال: إن ذلك كذب فيما نرى كم من دار قد سكنها ناس فهلكوا، ثم سكنها آخرون فملكوا، قال: فهذا تفسيره فيما نرى، والله أعلم.
وقالت طائفة أخرى: شؤم الدار مجاورة جار السوء، وشؤم الفرس ألا يغزى عليها في سبيل الله، وشؤم المرأة أن لا تلد وتكون سيئة الخلق.
وقالت طائفة أخرى منهم الخطابي: هذا مستثنى من الطيرة، أي الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس أو خادم فليفارق الجميع بالبيع والطلاق ونحوه، ولا يقيم على الكراهة والتأذي به فإنه شؤم، وقد سلك هذا المسلك أبو محمد بن قتيبة في كتاب: مشكل الحديث له لما ذكر أن بعض الملاحدة اعترض ...
اسمه: تأويل مختلف الحديث.
أحسن الله إليك.
والمعنى واحد، نعم.
لما ذكر أن بعض الملاحدة اعترض بحديث هذه الثلاثة.
وقالت طائفة أخرى: الشؤم في هذه الثلاثة إنما يلحق من تشاءم بها وتطير بها، فيكون شؤمها عليه.
(178/12)
يعني يعاقب بهذه الابتلاءات بسبب تشاؤمه، نعم.
أحسن الله إليك.
فيكون شؤمها عليه، ومن توكل على الله ولم يتشاءم ولم يتطير لم تكن مشؤمة عليه.
يعني مثل العين، الذي يخاف منها ويهابها أكثر من يصاب بها، والذي يتوكل على الله -جل وعلا-، ويقوى قلبه لمدافتها هذا لا تضره بإذن الله.
قالوا: ويدل عليه حديث أنس: "الطيرة على من تطير" وقد يجعل الله سبحانه تطير العبد وتشاؤمه سبباً لحلول المكروه به، كما يجعل الثقة والتوكل عليه وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الأسباب التي يدفع بها الشر المتطير به.
وسر هذا أن الطيرة إنما تتضمن الشرك بالله تعالى، والخوف من غيره، وعدم التوكل عليه، والثقة به كان صاحبها غرضاً لسهام الشر والبلاء، فيتسرع نفوذها فيه؛ لأنه لم يتدرع من التوحيد والتوكل بجُنة واقية، وكل من خاف شيئاً غير الله سلط عليه، كما أن من أحب مع الله غيره عذب به، ومن رجا مع الله غيره خذل من جهته.
وهذه أمور تجربتها تكفي عن أدلتها، والنفس لا بد أن تتطير، ولكن المؤمن القوي الإيمان يدفع موجب تطيره بالتوكل على الله، فان من توكل على الله وحده كفاه من غيره، قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ* إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [(98 - 100) سورة النحل].
ولهذا قال ابن مسعود: وما منا إلا -يعني من يقارب التطير- ولكن الله يذهبه بالتوكل، ومن هذا قول زبان بن يسار.
زبَّان.
أحسن الله إليك.
ومن هذا قول زبَّان بن سيار:
أطار الطير إذ سرنا زياد ... لتخبرنا وما فيها خبيرُ
أقام كأن لقمان بن عاد ... أشار له بحكمته مشيرُ
تعلم أنه لا طير إلا ... على متطير وهو الثبورُ
بلى شيء يوافق بعض شيء ... أحاييناً وباطله كثيرُ
قالوا: فالشؤم الذي في الدار والمرأة والفرس قد يكون مخصوصاً بمن تشاءم بها وتطير، وأما من توكل على الله وخافه وحده ولم يتطير ولم يتشاءم فان الفرس والمرأة والدار لا يكون شؤماً في حقه.
(178/13)
وقالت طائفة أخرى: معنى الحديث إخباره -صلى الله عليه وسلم- عن الأسباب المثيرة للطيرة الكامنة في الغرائز، يعنى أن المثير للطيرة في غرائز الناس هي هذه الثلاثة، فأخبرنا بهذا لنأخذ الحذر منها، فقال: ((الشؤم في الدار والمرأة والفرس)) أي: إن الحوادث التي تكثر مع هذه الأشياء والمصائب التي تتوالى عندها تدعو الناس إلى التشاؤم بها، فقال: الشؤم فيها، أي: أن الله قد يقدره فيها على قوم دون قوم، فخاطبهم -صلى الله عليه وسلم- بذلك لما استقر عندهم منه -صلى الله عليه وسلم- من إبطال الطيرة وإنكار العدوى، ولذلك لم يستفهموا في ذلك عن معنى ما أراده -صلى الله عليه وسلم-، كما تقدم لهم في قوله: ((لا يورد الممرض على المصح)) ...
يعني صاحب الإبل المريضة على صاحب الإبل السليمة.
((لا يورد الممرض على المصح)) فقالوا عنده: وما ذاك يا رسول الله؟ فأخبرهم أنه خاف في ذلك الأذى الذي يدخله الممرض على المصح لا العدوى؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بالتوادد، وإدخال السرور بين المؤمنين، وحسن التجاوز، ونهى عن التقاطع والتباغض والأذى، فمن اعتقد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نسب الطيرة والشؤم إلى شيء من الأشياء على سبيل إنه مؤثر بذلك دون الله فقد أعظم الفرية على الله وعلى رسوله، وضل ضلالاً بعيداً.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- ابتدأهم بنفي الطيرة والعدوى، ثم قال: ((الشؤم في ثلاثة)) قطعاً لتوهم المنفية في الثلاثة التي أخبر أن الشؤم يكون فيها، فقال: ((لا عدوى ولا طيرة، والشؤم في ثلاثة)) فابتدأهم بالمؤخر من الخبر تعجيلاً لهم بالإخبار بفساد العدوى والطيرة المتوهمة من قوله: ((الشؤم في ثلاثة)) وبالجملة فإخباره -صلى الله عليه وسلم- بالشؤم أنه يكون في هذه الثلاثة ليس فيه إثبات الطيرة التي نفاها.
فيكون من باب الإخبار بالواقع، لا الإخبار عن حكم شرعي؛ لأن الحكم الشرعي فيه النفي، نعم.
أحسن الله إليك.
(178/14)
وإنما غايته إن الله سبحانه قد يخلق منها أعياناً مشؤمة على من قاربها وسكنها، وأعياناً مباركة لا يلحق من قاربها منها شؤم ولا شر، وهذا كما يعطي سبحانه الوالدين ولداً مباركاً يريان الخير على وجهه، ويعطي غيرهما ولداً مشؤماً نذلاً يريان الشر على وجهه، وكذلك ما يعطاه العبد ولاية أو غيرها، فكذلك الدار والمرأة والفرس.
يعطى ولاية، قد يولى ولاية فيصاحب هذه الولاية الخير والبركة والسعة، وقد يعطى ولاية أخرى فتكون بالضد.
العلماء في باب الفرائض يذكرون الأخ المبارك، والأخ المشئوم، المبارك قالوا: الذي لولاه لما ورثت أخته، والمشئوم الذي لولاه لورثت أخته، وليس من هذا الباب في شيء، إنما المسألة مسألة تقرير، سلب وإيجاب، فمن ثبت معه الإرث تكون بركته تعدت إلى أخته، ومن يسلب منها الإرث بسببه يكون النقص جاء من قبله، نعم.
أحسن الله إليك.
كلها مرتبطة بحكم شرعي، نعم.
والله سبحانه خالق الخير والشر والسعود والنحوس فيخلق بعض هذه الأعيان.
ثم واقع الناس إذا وجد زيد من الناس في ورثة وورثت أخته بسببه صار الناس يشيرون إليه، هذا الرجل المبارك الذي نفع الله به أخته، يعني من باب الإخبار، وبضده إذا وجد عمرو من الناس حرمت أخته الميراث بسببه صار الناس يشيرون إليه، هذا واقع الناس، وليس المعنى أنه يتشاءم بهذا، ويبغض من أجل أنه حرم أخته، ما حرمها، الذي حرمها الشرع، أو هذا يحب من أجل أن أخته ورثت بسببه، الذي ورثها الشرع، يعني ليس له أدنى دخل في المسألة، نعم.
أحسن الله إليك.
فيخلق بعض هذه الأعيان ...
ومسألة التواد والتحاب التي أشار إليها ابن القيم، يعني مسألة جبلية لا يتعلق بها حكم شرعي إلا إذا ترتبت آثارها عليها، يعني لو أن شخصاً حصل بينك وبينه حادث فانكسرت رجلك مثلاً بسيارته أو بآلته أو ما أشبه ذلك، تجد في نفسك عليه، هذا أمر طبيعي جبلي، لو قيل مثلاً: إن ولدك دهس يمكن ما تستطيع تقابل هذا الشخص الذي دهسه، الأمر مقدر ومكتوب، وليس بيده شيء من هذا الأمر، يعني المسألة خطأ وليست بعمد، ومع ذلك تجد في نفسك عليه.
(178/15)
وجود هذا في نفسك، وعدم إظهار هذا الأمر على تصرفاتك هذا أمر جبلي، ما يترتب عليه حكم إلا إذا تصرفت بما يمليه عليك هذا الشعور، فحينئذٍ تؤاخذ، يعني لو أن صاحب إبل مريضة ورد على صاحب إبل سليمة، ثم ماتت الإبل السليمة تجد أن هذا الشخص صاحب الإبل السليمة يحمل في نفسه شيء على صاحب الإبل المريضة، ولذا جاء النهي عن الإيراد حسماً لهذه المادة، وإلا الذي أمرضها هو الله، والذي أماتها هو الله، والله المستعان، نعم.
أحسن الله إليك.
فيخلق بعض هذه الأعيان سعوداً مباركة، ويقضى سعادة من قارنها، وحصول اليمن له والبركة.
الآن قوم عاد أهلكوا بالريح، ثمانية أيام، بدأت يوم الأربعاء، وانتهت يوم الأربعاء، وصار يوم الأربعاء يوم نحس، وجاء في النص تسميته يوم نحس، والثمانية الأيام نحسات، لكن هل معنى هذا أنه يضاف إليها شيء من التصرف والفعل؟ من الذي أوجد الفعل في هذه الأيام؟ هو الله -جل وعلا-، ومع ذلك جاء في يوم الأربعاء بخصوصه أن فيه دعوة مستجابة بين الصلاتين، ما يدل على أنه يوم مبارك، يعني نحس بالنسبة لأولئك الذين حصل لهم العذاب في ذلك الظرف الذي قدره الله -جل وعلا-، وأما بالنسبة لغيره فهو نحس وإلا بركة؟ نعم، أجيبت دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- في يوم الأربعاء بين الصلاتين، هذا ثابت من حديث جابر وغيره في المسند والسنن وغيرها، ومع ذلك كان جابر يتحرى الدعاء بين الصلاتين صلاتي الظهر والعصر من يوم الأربعاء، ويقول: إن فيه دعوة مستجابة، كل هذا من باب نفي هذا التطير وهذا التشاؤم في الأيام والأعيان وغيرها، نعم.
أحسن الله إليك.
ويخلق بعض ذلك نحوساً يتنحس بها من قارنها، وكل ذلك بقضائه وقدره، كما خلق سائر الأسباب وربطها بمسبباتها المتضادة والمختلفة، فكما خلق المسك وغيره من حامل الأرواح الطيبة، ولذذ بها من قارنها من الناس وخلق ضدها وجعلها سبباً لإيذاء من قارنها من الناس، والفرق بين هذين النوعين يدرك بالحس، فكذلك في الديار والنساء والخيل، فهذا لون والطيرة الشركية لون.
هنا في فصل آخر يا شيخ.
ما هو موضوعة؟
ذكر أثر مالك اللي معنا في الباب.
الأخير، ذميمة؟
إيه.
إي نعم اقرأ.
(178/16)
فصل: وأما الأثر الذي ذكره مالك عن يحيى بن سعيد جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله دار سكناها والعدد كثير، والمال وافر، فقل العدد، وذهب المال، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((دعواها ذميمة)).
وقد ذكر هذا الحديث غير مالك من رواية أنس أن رجلاً جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أنا نزلنا داراً فكثر فيها عددنا، وكثرت فيها أموالنا، ثم تحولنا إلى أخرى، فقلت فيها أموالنا، وقل فيها عددنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذكره.
فليس هذا من الطيرة المنهي عنها، وإنما أمرهم -صلى الله عليه وسلم- بالتحول عنها عند ما وقع في قلوبهم منها لمصلحتين ومنفعتين: إحداهما مفارقتهم لمكان هم له مستثقلون، ومنه مستوحشون لما لحقهم فيه ونالهم؛ ليتعجلوا الراحة مما دخلهم من الجزع في ذلك المكان والحزن والهلع؛ لأن الله -عز وجل- قد جعل في غرائز الناس وتركيبهم استثقال ما نالهم الشر فيه، وإن كان لا سبب له في ذلك وحب ما جرى لهم على يديه الخير، وإن لم يردهم به فأمرهم بالتحول مما كرهوه؛ لأن الله -عز وجل- بعثه رحمة ولم يبعثه عذاباً، وأرسله ميسراً ولم يرسله معسراً، فكيف يأمرهم بالمقام في مكان قد أحزنهم المقام به، واستوحشوا عنده لكثرة من فقدوه فيه لغير منفعته ولا طاعة ولا مزيد تقوى وهدى؟ فلا سيما وطول مقامهم فيها بعد ما وصل إلى قلوبهم منها ما وصل قد يبعثهم ويدعوهم إلى التشاؤم والتطير فيوقعهم ذلك في أمرين عظيمين:
أحدهما مقارنة الشرك، والثاني: حلول مكروه أحزنهم بسبب الطيرة التي إنما تلحق المتطير، فحماهم -صلى الله عليه وسلم- بكمال رأفته ورحمته من هذين المكروهين بمفارقة تلك الدار والاستبدال بها من غير ضرر يلحقهم بذلك في دنيا ولا نقص في دين، وهو -صلى الله عليه وسلم- حين فهم عنهم في سؤالهم ما أرادوه من التعرف عن حال رحلتهم عنها هل ذلك لهم ضار مؤد إلى الطيرة، قال: ((دعوها ذميمة)) وهذا بمنزلة الخارج من أرض بها الطاعون غير فار منه، ولو منع الناس الرحلة من الدار ...
أحسن الله إليك.
منَع وإلا مُنع؟
(178/17)
ولو مُنع الناس الرحلة من الدار التي تتوالى عليهم المصائب والمحن فيها، وتعذر الأرزاق مع سلامة التوحيد في الرحلة للزم ذلك إن كل من ضاق عليه ...
أن كل.
أحسن الله إليك.
للزم ذلك أن كل من ضاق عليه رزق في بلد أن لا ينتقل منه إلى بلد آخر، ومن قلت فائدة صناعته أن لا ينتقل عنها إلى غيرها.
انتهى كلامه -رحمه الله-.
سم.
الباب الذي يليه؛ لأن في كلام تبع الباب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو قريب من الشرك، بحسب ما يقر في القلب منه، إن رأى أن هذا المتشاءم به له أثر مستقل بنفسه فهذا هو الشرك.
طالب:. . . . . . . . .
المرأة شقيقة الرجل، النساء شقائق الرجال، لكن الغالب أن الذي يرد في النصوص ذكر الرجال والنساء تبع.
طالب: النصيحة في المسائل الاجتماعية هذه ...
أن يقال له طلق.
طالب: نعم.
إذا وصل الحد إلى أنه ينسب الخير والشر إلى هذه المرأة ولا يضيفه إلى الله -جل وعلا- يقال له: فارق، نعم.
طالب: مسألة العدوى بالمرض ....
(178/18)
على كل حال المسألة عند أهل العلم مختلف فيها، ولهم مسالك في المسألة، منهم من يثبت العدوى، ويحمل الحديث على تعدي المرض وانتقاله بنفسه من شخص إلى آخر، يعني لا عدوى يعني لا ينتقل المرض بنفسه بغير تقدير الله -جل وعلا-، وأما كونه سبب والمسبب هو الله -جل وعلا- فينتقل بسبب المخالطة، هذا قول مقرر عند أهل العلم ومعروف وعليه الأطباء، ويدل له: ((فر من المجذوم)) بقية الحديث، وأما بالنسبة للقول الثاني وهو نفي العدوى بالكلية، وأنها لا أثر لها، وأن مخالطة المريض كمخالطة الصحيح، لا فرق، لكن يخشى أن ينتقل المرض بتقدير الله -جل وعلا- لا بسبب المخالطة، يعني أصيب هذا الشخص ابتداءً، هذا المريض موجود يخدمه شخص سليم، أصيب هذا السليم بهذا المرض سواءً خالط هذا المريض أو لم يخالطه على حد سواء؛ لأنه لا عدوى، والنص في قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((فمن أعدى الأول)) صريح في هذا، وأما الأمر بالفرار من المجذوم على هذا القول حماية لجناب التوحيد، حماية لجناب التوحيد؛ لئلا يصاب بنفس المرض، ثم يقول، يقع في نفسه أن هذا الحديث ليس بصحيح، مخالف للواقع، وما أشبه ذلك، وهناك من يقول: لا عدوى مطلقاً إلا في الجذام؛ لقوله: ((فر من المجذوم)) وعلى كل حال الأقوال معروفة، والأطباء لهم رأي في هذا، والحديث محتمل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كم من صحيح خالط المرضى ولم يصب، كم من صحيح، كان الناس كلهم مرضى ما من بيت إلا وفيه مريض، يعني لو قلنا: إن السبب يترتب أثره عليه حتماً، لصار كل الناس مرضى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
عاد يقولون: إنهم يحتاطون وكمامات ومطهرات، الله المستعان.
سم.
أحسن الله إليك.
باب ما يكره من الأسماء:
(178/19)
حدثني مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال للقحة تحلب: ((من يحلب هذه؟ )) فقام رجل فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما اسمك؟ )) فقال له الرجل: مرة، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اجلس)) ثم قال: ((من يحلب هذه؟ )) فقام رجل فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما اسمك؟ )) فقال: حرب، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اجلس)) ثم قال: ((من يحلب هذه؟ )) فقام رجل فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما اسمك؟ )) فقال: يعيش، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((احلب)).
وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال لرجل: "ما اسمك؟ فقال: جمرة فقال: ابن من؟ فقال: ابن شهاب، قال: ممن أنت؟ قال: من الحرقة، قال: أين مسكنك؟ قال: بحرة النار، فقال: بأيها؟ قال: بذات لظى، قال عمر: أدرك أهلك فقد احترقوا، قال: فكما كان ...
فكان كما قال.
أحسن الله إليك.
قال: فكان كما قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-".
الخبر الأول مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا معضل بلا شك، وهو موصول من طرق أخرى، لكن في إسناده من فيه ضعف، فالخبر ضعيف، ولو ثبت يعني لو ثبت الخبر الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يعجبه الفأل، يعني يسمع الاسم الحسن فيرتاح إليه، وهذا أمر طبيعي وجبلي كما في هذا الحديث أنه -عليه الصلاة والسلام- لم يرض أن يحلب اللقحة من اسمه قبيح، وغير النبي -عليه الصلاة والسلام- بعض الأسماء، لكن لما جاء الاسم الحسن مكنه من الحلب، ومثل ذلك أيضاً في خبر عمر -رضي الله عنه- اسمه جمرة بن شهاب من الحرقة، كلها نيران تتوقد، نسأل الله العافية، فرتب النتيجة على هذه المقدمات إن صح الخبر، وإلا فيحيى بن سعيد يحكي قصة لم يشهدها.
لابن القيم -رحمه الله- كلام على هذين الخبرين، فقال -رحمه الله تعالى-:
(178/20)
فصل: وأما الأثر الذي ذكره مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة ... الحديث إلى آخره، فالجواب عنه أنه ليس بحمد الله فيه شيء من الطيرة، وحاشا أمير المؤمنين -رضي الله عنه- من ذلك، وكيف يتطير وهو يعلم أن الطيرة شرك من الجبت؟! وهو القائل في حديث اللقحة ما تقدم؟ لكن وجه ذلك -والله أعلم- أن هذا القول كان منه مبالغة في الإنكار عليه؛ لاجتماع أسماء النار والحريق في اسمه واسم أبيه وجده وقبيلته وداره ومسكنه، فوافق قوله: اذهب فقد احترق منزلك قدراً، ولعل قوله كان السبب، وكثيراً ما يجري مثل هذا لمن هو دون عمر بكثير، فكيف بالمحدث الملهم الذي ما قال لشيء: إني لأظنه كذا إلا كان كما قال، ويقول الشيء ويشير به فينزل القرآن بموافقته إذا نزل الأمر الديني بموافقة قوله، فكذلك وقوع الأمر الكوني القدري موافقاً لقوله، ففي الصحيحين عن عائشة ... إلى آخره، ثم جاء بالأحاديث التي تمدح عمر.
الحديث الأول حديث اللقحة أيضاً تكلم عليه ابن القيم -رحمه الله- قبل ذلك يعني كلام ابن القيم -رحمه الله- عن هذه المسألة طويل جداً، ومحرر، ويكشف كثير من هذه الأمور، ويزيل كثير من الشبهات؛ لأن المسألة من المضايق، من مضايق الأنظار.
الذي معي الطبعة الأولى، وما فيها فواصل، ولا فيها عناوين، ولا فيها، نعم.
قال: الفأل يفضي بصاحبه إلى الطاعة والتوحيد، والطيرة تفضي بصاحبها إلى المعصية والشرك، فلهذا استحب النبي -عليه الصلاة والسلام- الفأل، وأبطل الطيرة.
وأما حديث اللقحة ومنع النبي -عليه الصلاة والسلام- حرباً ومرة من حلبها، وأذنه ليعيش في حلبها فليس هذا بحمد الله في شيء من الطيرة؛ لأنه محال أن ينهى عن شيء ويبطله، ثم يتعاطاه هو، وقد أعاذه الله سبحانه من ذلك.
قال أبو عمر: ليس هذا عندي من باب الطيرة؛ لأنه محال أن ينهى عن شيء ويفعله، وإنما هو من طلب الفأل الحسن، وقد كان أخبرهم عن أقبح الأسماء أنه حرب ومرة، فأكد ذلك حتى لا يتسمى بها أحد، ثم ساق من طريق ابن ربيعة عن جعفر ... إلى آخره.
المقصود أن ابن القيم -رحمه الله- أشبع الموضوع في أواخر الكتاب، أعني في آخر الجزء الثاني أو في أواخره، وذكر جميع الأحاديث الواردة في الباب وأجاب عنها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(178/21)
شرح: الموطأ كتاب الجامع (11)
باب ما جاء في الحجامة وأجرة الحجام - باب ما جاء في المشرق - باب ما جاء في قتل الحيات وما يقال في ذلك - باب ما يؤمر به من الكلام في السفر- باب ما جاء في الوحدة في السفر للرجال والنساء - باب ما يؤمر به من العمل في السفر - باب الأمر بالرفق بالمملوك - باب ما جاء في المملوك وهبته.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في الحجامة وأجرة الحجام:
حدثني عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: احتجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجمه أبو طيبة، فأمر له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصاع من تمر، وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن كان دواء يبلغ الداء فإن الحجامة تبلغه)).
وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن بن محيصة الأنصاري أحد بني حارثة أنه استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في إجارة الحجام فنهاه عنها، فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى قال: ((اعلفه نُضَاحك)) يعني رقيقك.
نُضّاحك.
أحسن الله إليك.
حتى قال: ((اعلفه نُضّاحك)) يعني رقيقك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في الحجامة وأجرة الحجام:
(179/1)
من المعلوم أن الدم الذي يضخه القلب إلى سائر البدن، منه ما هو السليم النافع، ومنه ما هو الفاسد، والفاسد إبقاؤه كما هو معلوم في البدن يضره، فلا بد من إخراجه، إما بالفصد وإما بالحجامة، فأما الفصد فإنه قطع عرق يستخرج منه هذا الدم الفاسد، وأما الحجامة فهي امتصاص الدم بواسطة آلة كانت بدائية، ثم صارت آلية، والحجامة معروفة من القدم، من قبل الإسلام وأقرها الإسلام، وأشار النبي -عليه الصلاة والسلام- في نصوص كثيرة إلى أنها مما يعالج به، وأنها من أنفع الأدوية.
يقول -رحمه الله تعالى-:
(179/2)
"حدثني مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أنه قال: احتجم رسول الله –صلى الله عليه وسلم-" احتجم يدل على مشروعية الحجامة من فعله -عليه الصلاة والسلام- ومن قوله "حجمه أبو طيبة" مولى "فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر" بعض النصوص تدل على أنه أعطاه أجرته نقود، حتى جاء في الحديث، ولو كانت الحجامة حرام ما أعطاه أجرته، فالحجامة مباحة، لكن ما جاء فيها من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((كسب الحجام خبيث)) و ((أطعمه نضاحك)) أو ((أطعمه نواضحك)) كل هذا يدل على أن هذه المهنة ليست من أفضل المهن، وإنما هي مهنة مفضولة، ومما ينبغي أن تتداول بين المسلمين بانتفاع بعضهم من بعض من غير مشارطة أجرة؛ لأنه لما أخذ الأجرة قال: ((كسب الحجام خبيث)) بمعنى أنه رديء، كما في قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [(267) سورة البقرة] يعني أنه الرديء من الطعام، وإن كان مطعوماً ونافعاً مأكولاً، ولذا قال: ((أطعمه نضاحك)) فالحجامة مباحة إلا أنها ليست من المهن التي هي تعد من المهن المعظمة والمكرمة والشريفة عند عموم الناس؛ لكنها مهنة دون، ولذا قال: ((كسب الحجام خبيث)) ولو كانت الحجامة حرام، وفعلها محرم، وكسبها محرم لما قال: ((أطعمه نضاحك)) يعني رقيقك، ولم يعطه أجرة؛ لأن المحرم لا يدفع عليه أجرة، ولا يجوز أخذ الأجرة عليه كحلوان الكاهن ومهر البغي، هذه لا يجوز .. ، أجرتها سحت، لا يجوز أخذها، ولا يجوز دفعها؛ لأنها أجرة على محرم، أما هذا فيأخذه، وينفق فيه الأمور التي في المصارف التي أقل من الأكل والشرب أو اللبس لنفسه، وإنما أقل أحوالها أن تكون من المال الذي فيه نوع شبهة، يعني يطعم النواضح، يطعم الرقيق، ويعلف به البهائم، حتى لو سددت به الديون لا بأس؛ لأن شيخ الإسلام يرى أن المال الذي فيه شبه تسدد به الديون لا بأس، خلاف المال الذي فيه شيء محرم هذا لا يجوز أخذه البتة.
"احتجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجمه أبو طيبة، فأمر له صاع من تمر" يعني أجره له "وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه" الخراج: الذي يقرره السيد على رقيقه، نعم؟
(179/3)
طالب:. . . . . . . . .
لا لا ما تخرجها، ما دام الدم الذي يخرج هو الفاسد هي الحجامة، بس الفرق من حيث النظافة، ومن حيث ترفع الناس عنها، يعني الناس كانوا –الحجامون- يمصونها بالفم، ولذا جاء الحديث: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) لأن الحاجم احتمال أن يصل إلى فمه شيء من هذا الدم النجس، فعلى كل حال الحجامة لا إشكال فيها، وجاءت النصوص من فعله -عليه الصلاة والسلام- من قوله: بأنها دواء، والأحاديث صحيحة يعني لا مقدح فيها، ومن يكتب عن الحجامة، وأنها ضارة، وأنها لا تنفع البتة، هذا لجهله بالسنة، هذا إنما هو لجهله بالسنة.
"وأمر أهله" يعني مواليه؛ لأنه مولى "أن يخففوا عنه من خراجه" والخارج الذي يضربه السيد على رقيقه أن يحضره له في كل يوم، في مقابل أن يتركه يعمل، يتصرف بنفسه، لكن على أن يؤدي لسيده مبلغ كذا، وبعض الناس يستقدم العامل ويكفله، ثم يقول له: اضرب لي خراج وأتركك، يعطي في الشهر ألف، أو أكثر أو أقل مثلاً، ويتركه ويسيبه هذا يختلف عما نحن فيه، العامل هذا حر ليس برقيق، لا تملك منفعته، إنما هو يملك منفعة نفسه، منفعته له، وأكل شيء من ماله بغير طيب نفس منه هذا من أكل أموال الناس بالباطل، على أن الأنظمة المنظمة لأمور الناس في بلدانهم، ومن يفد إليهم تمنع من مثل هذا، فهذا ممنوع من أكثر من وجه، وأما أمر أهله أن يخففوا عنه من خارجه فإنه يملك رقبته، ويملك منفعته، لو أخذ كل أجرته ما في إشكال؛ لأنه هو وما يملك له.
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن كان دواء يبلغ الداء)) " يعني يصل إليه، ويحقق الهدف في النفع، سبب رتب عليه الشفاء بإذن الله -جل وعلا- من هذا الداء ((فإن الحجامة تبلغه)) وهذه مبالغة في كون الحجامة نافعة، وهذا البلاغ لا شك أنه موصول من طرق عن أبي هريرة وأنس وسمرة وغيرهم كما قال ابن عبد البر في التمهيد.
قال: "وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن ابن محيصة الأنصاري أحد بني حارثة" محيصة هذا أو سعد بن محيصة مختلف في صحبته، وأما ابنه الذي في سند هذا الحديث فليس له صحبة إجماعاً، فالحديث مرسل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
(179/4)
إيه معروف أنه جاء من روايته عن أبيه، فهذه الرسالة التي عندنا رواية يحيى مرسلة، لكنه في بعض رواية الموطأ، وأيضاً عند الترمذي وابن ماجه "عن ابن محيصة عن أبيه أنه استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لا يمكن أن يستأذن ابن محيصة؛ لأنه لم يدرك النبي -عليه الصلاة والسلام- "استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في إجارة الحجام، فنهاه عنها" يعني كما جاء في الحديث الآخر المتفق عليه ((كسب الحجام خبيث)) يعني ينهى عن هذه الأكساب الدنيئة، وتترك هذا الأمور مما يتبادلها المسلمون من دون أجرة، يعني ينتفع بعضهم من بعض، وينفع بعضهم بعضاً بمثل هذه الأمور دون مشارطة أجرة "فلم يزل يسأله ويستأذنه، حتى قال: ((اعلفه نُضَاحك)) " يعني الذي ينضحون لك الماء، ويستقون لك الماء، وهم الرقيق، ويطلق الناضح أيضاً على الإبل التي يستقى عليها الماء، فتطعم بها مثل هذا الأمور، وأيضاً تصرف في المصارف الرديئة، يعني لو دورة المياه احتاجت إلى إصلاح مثلاً يصلح دورة المياه منها، ما في إشكال، أما أن يأكل ويشرب فهذا ينبغي أن يتحرى له الكسب الطيب ((أطب مطعمك تكون مستجاب الدعوة)) وإن لم يكون حرام إلا أنه دنيء ورديء.
سم.
أحسن الله إليك
باب ما جاء في المشرق:
حدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشير إلى المشرق، ويقول: ((ها إن الفتنة ها هنا، إن الفتنة ها هنا، من حيث يطلع قرن الشيطان)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب أراد الخروج إلى العراق فقال له كعب الأحبار: لا تخرج إليها يا أمير المؤمنين، فإن بها تسعة أعشار السحر، وبها فسقة الجن، وبها الداء العضال.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في المشرق:
(179/5)
قال: "حدثني مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشير إلى المشرق" يعني ما كان شرق الحجاز، وجاء في رواية عند الطبراني أن المراد به العراق، يستوي في ذلك عراق العرب، وعراق العجم، العراقان: عراق العرب، وعراق العجم الأدنى والأبعد "يشير إلى المشرق ويقول: ((ها)) هذه للتنبيه ((إن الفتنة ها هنا)) " يعني حيث يشير بيده ((إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان)) قرن الشيطان يطلع .. ، الشمس تطلع بين قرني شيطان، قرن الشيطان يطلع من جهة المشرق، والدجال يخرج من جهة المشرق، من أصبهان، ويتبعه من يهودها أكثر من سبعين ألف، فتلك الجهات لا شك أنها موطن للفتن، وما زالت، يعني من أول الأمر إلى يومنا هذا وهي محل للفتن والقلاقل، على ما هو مشاهد، ومذكور في كتب التاريخ، هذا مسطر ومدون، وبها أيضاً الكثير من رؤوس البدع، كثير من البدع نشأت هناك، رؤوسهم نشأت هناك، وبالمقابل أيضاً خرج منها أئمة كبار، يعني لا يعني أن البلد حينما يمدح أو يذم أنه إذا مدح فهو خير خالص، أو إذا ذم أنه شر خالص، لا، لكن الكلام في الأغلب مقارنة بغيره، خرج منها الأئمة كلهم البخاري ومسلم والأئمة كلهم من المشرق، أئمة التفسير الطبري، سيبويه أئمة النحاة، أئمة العربية جلهم من المشرق، فلا يعني أن البلد إذا ذم أنه يذم جملة، يعني كل ما فيه مذموم، لا، كما أنه إذا مدح كالحرمين مثلاً كمكة والمدينة لا يعني أن كل من فيها طيب، بل فيها مبتدعة، وفيها أمور لا ترضى، على كل حال المدح والذم جملي، يعني إذا تكلمنا على سنن ابن ماجه مثلاً وقلنا: إنه أقل كتب السنة الستة، هل يعني أن كل ما فيه مذموم؟ لا، فيه الصحيح، وفيه الحسن، وفيه الضعيف، لكن المسألة تفضيل إجمالي، وهنا ذم إجمالي، وإذا فضلنا الرجال على النساء لا يعني أن كل رجل من الرجل أفضل من كل امرأة من النساء، لا، بل من النساء من تعدل المئات من الرجال، ومن أهل العراق ومن أهل المشرق من يعدل العشرات، بل المئات من أهل المغرب، بل من أهل الحجاز، فهذا التفضيل الإجمالي لا يعني أن كل من ما هناك ... ، لكيلا يستدرك على هذه النصوص بالأئمة
(179/6)
الذين خرجوا من المشرق، خرج من المشرق أئمة كبار البخاري يعني إمام أهل الحديث، مسلم، أبو داود من سجستان، الترمذي وكلهم من هناك، جل الأئمة من هناك، الإمام أحمد من العراق، المقصود أن مثل هذه النصوص لا تعني ذم الأفراد، ذم الجهة لا يعني ذم الأفراد، كما أن مدح الجهة لا يعني مدح الأفراد.
قال: "وحدثني مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب أراد الخروج إلى العراق، فقال له كعب الأحبار: لا تخرج إليها يا أمر المؤمنين، فإن بها تسعة أعشار السحر" يعني كعب الأحبار معروف أن أخباره من أخبار أهل الكتاب التي لا تصدق ولا تكذب، وهذه مشهورة منه لعمر إن صح الخبر، وعلى كل حال فيها سحرة، وفيها -مثل ما ذكر- فسقة الجن، معروف أن هناك أعداد كبيرة من هذا النوع.
"وبها الداء العضال" يعني الذي أعيا الأطباء، بحيث لا يستطيعون دواءه، وإن كان له دواء؛ لأنه ما أنزل من داء إلا وأنزل معه دواء، علمه من علم، وجهله من جهله، لا يعني أنه إذا قال الأطباء: هذا الداء ما له علاج أن هذا الكلام صحيح، هذا ليس بصحيح، له علاج، لكن ينبغي أن يقول: أنا لا أعرف له علاجاً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني هل الداء حسي أو معنوي؟ الأصل فيه الحسي، لكن قد يطلق ويراد به المعنوي، فيطلق على الأمراض، ويطلق أيضاً على أمراض القلوب، وعلى أمراض الأبدان، يعني أعم من أن يكون حسياً أو معنوياً، نعم.
أحسن الله إليك
باب ما جاء في قتل الحيات وما يقال في ذلك:
حدثني عن مالك عن نافع عن أبي لبابة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن قتل الحيات التي في البيوت.
وحدثني عن مالك عن نافع عن سائبة مولاة لعائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن قتل الجنان التي في البيوت إلا ذا الطفتين ...
الطفيتين.
أحسن الله إليك.
إلا ذا الطفيتين والأبتر، فإنهما يخطفان البصر، ويطرحان ما في بطون النساء.
(179/7)
وحدثني عن مالك عن صيفي مولى ابن أفلح عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه قال: دخلت على أبي سعيد الخدري فوجدته يصلي، فجلست انتظره حتى قضى صلاته، فسمعت تحريكاً تحت سرير في بيته، فإذا حية فقمت لأقتلها، فأشار أبو سعيد: أن اجلس، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار، فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم، قال: إنه قد كان فيه فتى حديث عهد بعرس، فخرج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الخندق، فبينما هو به إذ أتاه الفتى يستأذنه، فقال: يا رسول الله ائذن لي أَحدث ...
أُحدث.
أحسن الله إليك.
فقال: يا رسول الله ائذن لي أُحدث بأهلي عهداً، فأذن له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال: ((خذ عليك سلاحك، فإني أخشى عليك بني قريظة)) فانطلق الفتى إلى أهله، فوجد امرأته قائمة بين البابين، فأهوى إليها بالرمح ليطعنها، وأدركته غيرة، فقالت: لا تعجل حتى تدخل وتنظر ما في بيتك؟ فدخل، فإذا هو بحية منطوية على فراشه، فركز فيها رمحه، ثم خرج بها فنصبه في الدار، فاضطربت الحية في رأس الرمح، وخر الفتى ميتاً، فما يدرى أيهما كان أسرع موتاً الفتى أم الحية؟ فذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إن بالمدينة جناً قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في قتل الحيات، وما يقال في ذلك:
(179/8)
الحيات من ذوات السموم الضارة التي تقتل من لدغته، وقتلها من باب الدفاع عن النفس، هذا هو الأصل إلا ما جاء في حيات وجنان البيوت، فإنها يتعوذ بالله من شرها ثلاث، وتؤمر بالخروج إن خرجت وإلا قتلت، هذا على العموم في كل البيوت عند جمع من أهل العلم، ومنهم من يخص ذلك ببيوت المدينة، وما عداها يقتل، يعني ماذا لو وجد شخص من الأشخاص في زماننا هذا حية في بيته؟ هل يطيق أن يساكنها ثلاثة أيام وينذرها؟ الآن على القول بأن جنان البيوت لا تقتل، وحيات البيوت لا تقتل ثلاثة أيام، حتى تستأذن، إيش معنى يخرج من بيته هو وأهله يستأجرون مكان مؤقت حتى تنتهي الثلاثة أيام؟ أو ينامون معهم ويجالسونهم؟ الآن يوجد في وقتنا هذا من إذا وجد وزغة ما نام في بيته، أو صراصير وإلا ما أشبه ذلك، يروح إلى شارع الأربعين يجيب له عامل يقتله، صحيح هذا موجود ما هو بمبالغ يا الإخوان، فكيف إذا وجد حية في بيته؟ يعني نريد أن نتعامل مع هذا النص يعني بما يناسب، يعني فهم النص، يعني هل نستطيع أن نقول: اخرج أنت وأولادك واستأجر شقة إلى أن تنتهي ثلاثة أيام، وإلا يعني؟ ولذا من أهل العلم من يرى أن هذا خاص ببيوت المدينة، وما عدها يقتل لأنه ضار، كل من آذى طبعاً فإنه يقتل شرعاً، والفواسق الخمس تقتل في الحل والحرم، ومنها الحية، فالمتجه أن هذا خاص ببيوت المدينة، وسيأتي الإشارة إلى ما يدل على الخصوصية، وإلا ماذا عن شخص ما أدي يمكن ما يسكن البلد الذي فيه الحية، بعض الناس فضلاً عن البيت، يعني إذا وجد من ينفر من الصراصير يعني ما يدخل بيت إذا وجد صرصور من الصراصير شيء كبير وإلا صغير وإلا وزغ، ترى هذه ما هي مبالغة، يمكن مر عليكم، موجود، يعني مر علينا، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
(179/9)
والله من الرجال من هو كهل يعني أحياناً كبير ما هو بصغير يخاف، وجد يعني منهم من يتقذرها، وينفر منها ومنهم من يخاف، مع أنها غير مخوفة، يعني ليست قاتلة ولا سامة، بل أغرب من ذلك وجد من يخاف من الجراد، إيه من الجراد يعني، ما مر عليكم مثل هذا؟ والله وجد، أنا رأيت واحد طفل عمره أربع سنوات يلاحق له شاب كبير، كبير يعني في العشرين من عمره بجرادة يلاحقه، يخوفه، يعني ما هي مسألة افتراض وإلا تنكيت هذا واقع، يعني ماذا عن هذا الشخص لو وجد حية في بيته؟ يعني مشكلة هذه، يعني يمكن يغمى عليه، الله أعلم، ما هو ببعيد، ولذلك على الإنسان أن يوطن نفسه يوطن نفسه لمثل هذه الأمور يعني يمكن أن يعيش في زجاج في قارورة ما يمكن يدخل عليه شيء، ما هو بصحيح، لا بد ما يدخل عليه شيء في يوم من الأيام، ولا بد أن يقع له شيء من هذا.
قال: "حدثني عن مالك عن نافع عن أبي لبابة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن قتل الحيات التي في البيوت" لأنها في الغالب أنها فيها شيء، أو هي جن على كل حال، كما سيأتي.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع عن سائبة مولاة لعائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن قتل الجنان التي في البيوت إلا ذا الطفيتين والأبتر، فإنهما يخطفان البصر، ويطرحان ما في بطون النساء" الطفيتين خطان على ظهر الحية، الأبتر قصير الذنب، أو مقطوع الذنب، لكن قطع الذنب ليس بوصف مطرد أو مؤثر، يعني افترض أن حية عادية، ثم انقطع ذنبها، هل المقصود هنا في الحديث؟ لا، إنما خلقتها هكذا، "فإنهما يخطفان البصر" يذهبان بنوره، قد يعمى الإنسان إذا رآهما "ويطرحان ما في بطون النساء" ولعل هذا من شدة الخوف، ولذا يذكر أهل العلم أن المرأة الحاملة إذا استعداها السلطان وطلبها، وأسقطت الضمان على من؟ فمع شدة الخوف تسقط المرأة كما هو معلوم، فإذا خافت منه سقطت، أما بالنسبة إلى خطف البصر يعني من بعد معروف البرق من بعد يكاد يخطف أبصارهم، لكن الحية ذي الطفيتين والأبتر يعني كيف يخطفان البصر من بعد؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه يقذف سمه من بعد.
طالب:. . . . . . . . .
لا إله إلا الله، سبحان الله العظيم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(179/10)
لا لا ما هو .. ، اللدغة للجسد كله، يطرحان ما في بطون النساء يمكن من الخوف الظاهر، الظاهر أنه من الخوف.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لا لا أما بالنسبة لخطف البصر إن كان كما يقوله الشيخ أنه يقف كما يقف الإنسان، ويوازي بصر الإنسان، ويقذف سمه في عينيه هذا ظاهر، أما إذا كان من بعد فيكون مثل البرق، يكون مثل خطف البرق، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لا لا هذه أشد، هذان النوعان أشد من غيرهما، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم نفس ما قال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، على كل حال استثناء هذين النوعين يدل على جواز قتلهما في البيوت وغيرهما.
(179/11)
قال: "حدثني عن مالك عن صيفي مولى ابن أفلح عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه قال: دخلت على أبي سعيد الخدري فوجدته يصلي، فجلست انتظره حتى قضى صلاته، فسمعت تحريكاً تحت سرير في بيته" تحريكاً يعني صوت "تحت سريراً في بيته، فإذا حية فقمت لأقتلها" بناء على أن الحية تقتل في الحل والحرم "فأشار أبو سعيد: أن اجلس" بيده "فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار" الدار ما يشمل أكثر من دار، بيت يعني الغرفة يسمونها بيت، والدار تشمل غرف "فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم، قال: إنه قد كان فيه فتى حديث عهد بعرس، فخرج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الخندق" هكذا كان حال الصحابة -رضوان الله عليهم- لا يترددون في الخروج معه -عليه الصلاة والسلام-، مهما كان السبب المثبط، يعني حديث عهد بعرس مثل هذا يعني يصعب عليه فراق أهله، وهو فتى وشاب، وحديث عهد، لكن يرجو ما عند الله أعظم مما يرجو عند أهله "فخرج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبينما هو به إذ أتاه الفتى -يعني في الخندق- يستأذنه" يستأن النبي -عليه الصلاة والسلام- "فقال: يا رسول الله: ائذن لي أَحدث عهداً بأهلي" وحديث عهد بعرس، ثم خرج مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يحدث عهد بهم، يعني يرجع إليهم ويعهدهم ويعاشرهم، ويرجع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- "فأذن له رسول -صلى الله عليه وسلم-" مراعاة لظرفه "وقال: خذ عليك سلاحك، فإني أخشى عليك بني قريظة" يعني من اليهود، خاف عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم "فانطلق الفتى إلى أهله، فوجد امرأته قائمة بين البابين" يعني بين مصراعي الباب، قائمة بالباب تنتظر "فأهوى إليها" تريد أن تخرج من البيت، لماذا؟ لأن فيه هذه الحية المنطوية على الفراش "فأهوى إليها بالرمح ليطعُنها" طعن يطعُن الطعن الحسي، وفي العرض: طعن يطعَن "وأدركته غيره" يعني امرأته خشي أنها ما دام أطال عليها الغيبة تبحث عن غيره، أو تتعرض لغيره، فغار عليها "فأراد أن يطعنها بالرمح، فقالت: لا تعجل" لا تعجل حتى تعرف إيش السبب؟ "لا تعجل حتى تدخل أو تنظر ما في بيتك، فدخل فإذا هو بحية منطوية على فراشة، فركز فيها رمحه –حية قتلها- ثم خرج بها فنصبها في الدار"
(179/12)
يعني خارج البيت، خارج الغرفة، التي يسكنها "فاضطربت الحية في رأس الرمح" اضطراب المذبوح، المذبوح يضطرب، وهذه ضربة قاتلة، فتضطرب منها "وخر الفتى ميتاً" يعني خرجت روحه مع خروج روحها؛ لأن لها من ينتقم لها، وهذا يحصل كثيراً في القصص الكثيرة في القطط التي في البيوت، يتعرض لها إنسان فتتأذى فيؤذى مقابل هذا الأذى، حتى قالوا: امرأة ضربت هرة، وكسرت ما كسرت منها، فأصيبت بنزيف من الأعلى ومن الأسفل، فلما رقيت تكلم من تكلم، وقال: بسبب أذاها لفلانة تعني بنتهم هذه القطة، المقصود أن القصص من هذا كثير، لا سميا في الكلاب، وفي القطط، يتمثل بها الجن كثيراً، هنا تمثل الجني بهذه الحية "خر الفتى ميتاً فما يدرى أيهما كان أسرع موتاً الفتى أم الحية؟ فذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إن بالمدينة جناً)) " هذا عمدة من يقول: إن هذا خاص ببيوت المدينة، وما عدا بيوت المدينة يبقى على الأصل، تقتل في الحل، يعني يشملها الحل، وإن كان مكة يشملها الحرم ((إن بالمدينة جناً قد أسلموا، فإذا رأيتم منه شيئاً فآذنوه ثلاثاً)) يحرج عليه، ويأمر بالخروج، يستعاذ بالله من شره، ويأمر بالخروج ثلاثاً، أو ثلاثة أيام ((فإن بدا لكم بعد ذلك)) يعني إن خرج ((فاقتلوه)) يعني عذرته، يعني أنتم محقون في قتله ((فإنما هو شيطان)) يعني بيوت غير المدينة على القول الأول مثل هذا يؤذن ثلاثاً، ثم بعد ذلك يقتل، وعلى القول الثاني يقتل من أول وهلة، ولا يستثنى من ذلك إلا بيوت المدينة، ((إن بالمدينة جناً)) هذه عمدة من يقول: إن هذا خاص ببيوت المدينة.
طالب:. . . . . . . . .
يعني قصاص.
طالب:. . . . . . . . .
ما عليه شيء، ما يقتل، لا لا، أي نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بكونها تؤذن، تؤذن ثلاثاً، يعني على قول من يقول: إن هذا خاص بالمدينة هذا ما في إشكال، هذا ما في تعارض، بيوت المدينة خاصة، ومن يقول بالعموم الأمر بقتلها بعد أن تؤذن، أو خارج البيوت، نعم؟
سم؟
طالب:. . . . . . . . .
الخطين الطفيتين والأبتر.
طالب:. . . . . . . . .
(179/13)
بالنسبة للكلب الأسود شيطان هذا معروف، يعني الأسود، ولا يعني أن الشيطان لا يتمثل بغير الأسود، لكن الأسود هو الغالب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا تقول له: اخرج، اخرج لا تؤذنا، اتق الله إن كنت مسلماً فاخرج، ويستعاذ بالله من شره، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا إذا خرج ما عليك منه، أنت قل له: اخرج بس ...
طالب:. . . . . . . . .
لأن كانت البيوت في السابق ما هي بمثل البيوت الآن، الآن البيوت محكمة، يعني إذا أغلقت الباب والنوافذ يعني يندر أن يدخل عليك شيء، لكن قبل سهل يعني.
طالب:. . . . . . . . .
لو قتله يمكن يتعرض للأذى مثل هذا الشاب، وإذا قتله ولم يتعرض لشيء خالف الأمر: "فآذنوهم"، أما كونه لا يطيق البقاء في البيت ويخرج منه هذا مما يتم به امتثال الأمر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وما الذي يترتب على تصديقهم وتكذيبهم؟
طالب:. . . . . . . . .
جناية منه؟ كيف تقتص منه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه معروف، لكن أنت كيف تقتص منه إلا بالرقية؟
طالب:. . . . . . . . .
أولاً: الجن عالم خفي يروننا من حيث لا نراهم، ولا نستطيع الوقوف على حقيقة أمرهم، وهم أناس مجهولون، خلق مجهول، وإذا كان المجهول من بني آدم لا يقبل خبره إلا بعد التثبت فكيف بمن هذه حاله؟! نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والله هذا اللي يظهر كلام جمع من أهل العلم أنه خاص بالمدينة.
طالب:. . . . . . . . .
إذا وجد شيء يؤذنه.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما هو باللي يرحل يقتله.
طالب:. . . . . . . . .
إيه بعد ثلاث يقتله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مثل إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
قد تفتح الباب ويطلع يا أخي بعد، سهل يعني؛ لأنه ما يتعرض لك بأذى، مو مثل الحية إذا قربت عليك خوف.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا العقرب تقتل.
طالب:. . . . . . . . .
لا وبعد ذلك "فاقتلوه" النص، إن كان شيطان يصير صايل، شيطان صايل يقتل، يعني إذا كانت في غير البيوت.
طالب:. . . . . . . . .
يعني على الجوب مباشرة، نعم؟
أحسن الله إليك.
باب ما يؤمر به من الكلام في السفر:
(179/14)
حدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا وضع رجله في الغرز وهو يريد السفر يقول: ((بسم الله، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم ازو لنا الأرض، وهون علينا السفر، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، ومن كآبة المنقلب، ومن سوء المنظر في المال والأهل)).
وحدثني عن مالك عن الثقة عنده عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- عن خولة بنت حكيم -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من نزل منزلاً فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل)).
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما يؤمر به من الكلام في السفر:
(179/15)
يعني من الأذكار الذي يؤمر به، الذي يؤجر عليه، المأمور به جنس الأذكار من الكلام، قراءة القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهل هذا يؤمر به في السفر والحضر، لكن أذكار السفر خاصة بالسفر، ومنها قال: "حدثني مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وهذا صح من طرق عن جمع من الصحابة "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا وضع رجله في الغرز" يعني في الركاب "وهو يريد السفر يقول: ((بسم الله، اللهم أنت الصاحب في السفر)) " {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [(4) سورة الحديد] ((والخليفة في الأهل)) الذي يخلفهم بخير ((اللهم ازو لنا الأرض)) يعني اطوها لنا، وقرب بعيدها، ويسر قطعها ((وهون علينا السفر)) لأنه جاء في الحديث الصحيح في البخاري وغيره: أن السفر قطعة من عذاب، أو قطعة من النار، تأتي الإشارة إليه على كل حل هو في الصحيح في البخاري وغيره، "السفر قطعة من نار أو من عذاب" فلا شك أنه يؤثر في حياة المسافر، الأصل فيه المشقة، فلا تجده ينام مرتاحاً كنومه في بيته، ولا تجده يطعم كما كان يطعم في بيته، ولا تجده يتصرف، ولا يتعبد أيضاً كما يتعبد في بيته وفي حيه، السفر مؤثر في كل أمور الحياة، وهذا في الأصل، وإن كان يوجد الآن من الناس من سفره مريح مثل إقامته، ومن الناس من هو المشقة لازمة له في سفره وإقامته؛ لأن الظروف اقتضت بعض الأمور التي لا يدركها كثير من الناس حتى في حال الإقامة، على كل حال يقول: ((وهون على السفر)) لأن الأصل أنه مصاحب للمشقة ((اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر)) يعني شدته وخشونته ومشقته ((ومن كآبة المنقلب)) المنقلب المرجع؛ لئن يرجع كئيباً فيه، أو فيما يبلغه عن أهله، أو ما أشبه ذلك ((ومن سوء المنظر في المال والأهل)) من سوء المنظر في المال والأهل يعني إذا رجع وجد أهله قد تغيروا، وإذا رجع وجد ماله قد تغير، وجد المزرعة يبست، والثمار تغيرت، والولد تجده مثلاً مستقيم طرأ عليه شيء من الانحراف، المرأة حصل لها ما حصل مما لا يليق بها، على كل حال يتعوذ من هذا كله.
(179/16)
يقول: "وحدثني مالك عن الثقة عنده" من الثقة هنا؟ تقدم مراراً أنه مخرمة بن بكير، فيما يرويه عن أبيه هناك، يعني يترجح أنه مخرمة؛ لأنه يروي عن بكير بن عبد الله، وهنا الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة تكلم عن الثقة عند مالك، والثقة عند الشافعي، والثقة عند الأئمة، وذكر احتمالات، عندك؟
طالب:. . . . . . . . .
لا عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج، عن عمه، كان مخرمة إيش عندك؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه يكون مخرمة، لكن هنا يقول: عن عبد الله، ما قال: الثقة؟
طالب:. . . . . . . . .
الشرح ما ذكر الثقة، يعني ما بين الثقة عندكم في الشروح؟
طالب:. . . . . . . . .
الحارث بن يعقوب يعني عن أبيه، وإذا كان بكير فالثقة عنده مخرمة.
"عن بسر بن سعيد عن سعد بن أبي وقاص عن خولة بنت حكيم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من نزل منزل فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)) " كان العرب يتعوذون بالجن، أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، هذا الشرك نسأل الله العافية، كانوا يقولون كذا "فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من نزل منزلاً فليقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل)) " لن يضره ولم يقل: لم يصيبه؛ لأنه قد يلدغ، ويقول هذا الكلام ويلدغ، لكنها لا تضره.
((أعوذ بكلمات الله التامات)) استدل بهذا أحمد وغيره على أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، إذ لو كان مخلوقاً لما جازت الاستعاذة به، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وعْثاء يسكنونها. . . . . . . . . نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
في دعاء للركوب، وفي دعاء للسفر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال لو قاله في أول الأمر، أو في أثنائه، دعاء الركوب أثناء الركوب، ودعاء السفر حال السفر، نعم؟
أحسن الله إليك
باب ما جاء في الوحدة في السفر للرجال والنساء:
حدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب))
(179/17)
وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الشيطان يهم بالواحد والاثنين، فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم)).
وحدثني عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها)).
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في الوحدة -يعني الإنفراد- في السفر للرجال والنساء:
بالنسبة للرجال لا يحتاجون إلى محرم، والمرأة بحاجة إلى محرم، فلا يجوز لها السفر بدونه، بدون المحرم، الرجل لا يحتاج إلى محرم، لكن لا ينبغي له أن يسافر وحده، أو مع واحد فقط، بل يكون الركب ثلاثة فأكثر، ولذا قال: "حدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده" شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص عن جده عبد الله بن عمرو كما جاء في بعض الأحاديث "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الراكب شيطان)) " وسبق مراراً ذكر الخلاف في الاحتجاج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وعرفنا أن من أهل العلم من يضعف هذه السلسلة مطلقاً للاختلاف في عود الضمير في جده، وهذه شرحت مراراً، ومنهم من يقول: هو من قبيل الصحيح، والتوسط في مثل هذا أن يكون من باب الحسن إذا صح السند إلى عمرو.
(179/18)
قال: ((الراكب شيطان)) يعني الواحد المنفرد بمفرده يسافر شيطان ((والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب)) لأن الواحد إذا رآه من يريد بسوء يطمع فيه، سواء كان من شياطين الإنس أو من شياطين الجن، والاثنين كذلك قد يهم بهما الشيطان من الإنس أو الجن؛ لأن الاثنين يعني القدرة عليهم ممكنة، لكن الثلاثة، الثلاثة ركب، ولذا قال: ((فإن كانوا ثلاثة لم يهم بهم)) الراكب شيطان، قد يحتاج الإنسان السفر في مثل هذه الأيام وما يجد أحد يصحبه، فيركب سيارته ويمشي، هل نقول: هذا راكب شيطان، لا بد أن يأخذ معه اثنين، أو نقول: إن المراد به السير في الطريق لا بد أن يكون فيه أكثر من واحد، يعني هل المراد في مركبة واحدة لا بد أن يكونوا ثلاثة، أو في الطريق الواحد ولو كان كل واحد على مركبته لا بد أن يكونوا ثلاثة؟ يعني إذا نظرنا إلى حال الناس فيما قبل هل يتجمل الثلاثة على بعير واحد؟ ما يمكن، نعم؟ إذاً المقصود في الطريق، لا يكون في طريق لا يسلكه الناس، طريق مهجور، يسافر فيه وحده، لكن في الطرق المعروفة التي مأهولة، الطرق المأهولة التي يسير فيها الناس بكثرة ذهاباً وإياباً لو سافر وحده هذا ما هو منفرد هذا، هذا معه ناس كثر، يعني كما لو ركب دابته بمرده، وركب فلان دابته، وركب فلان دابته، هذا ما فيه إشكال، ولا يلزم أنه إذا أراد السفر قال: اركب يا فلان، اركب يا فلان، أنا ما أقدر أسافر وحدي، نعم لا تسلك طريقاً مهجوراً بمفردك، أما الطرق المأهولة هذه لا تدخل في مثل هذا.
(179/19)
((الراكب شيطان، والراكبان شيطانان)) هذا من باب التنفير من هذا العمل، والإنفراد في السفر ((والثلاثة ركب)) قال: "وحدثني مالك عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول" هذا موصول عن سعيد عن أبي هريرة في بعض الروايات "أنه كان يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الشيطان يهم بالواحد والاثنين)) " لأنه يغلب على ظنه أنه يقدر على الواحد، ويقدر على الاثنين ((فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم)) والحاجة إلى الرفقة من اثنين فأكثر لا شك أنها داعية؛ لأن الإنسان قد ينتابه ما ينتابه، كم من مشكلة حصلت من شخص .. ، واحد سافر أو سافر بأهله مثلاً، واحتاج إلى شيء، إلى عطل في سيارته، كيف يصنع؟ كيف يتصرف؟ فإذا كان معهم واحد أو اثنين خف عليه الأمر.
طالب:. . . . . . . . .
أيو؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه الكلام على الطريق المأهول هذا ما في إشكال، تقف وتشتري وتخدم، لكن الكلام في الطريق المهجور هذا لا يمكن يخدمك أحد.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو منصب على .. ، لكن لو نظرت إلى الرواح من قبل يعني وقت الحديث هل يلزم يركب ثلاثة على بعير؟ لنحقق الحديث؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا الكلام على الراكب ما هو الراجل، الراكب يعني الواحد على دابته، هل المقصود به يركب ثلاثة في دابة واحدة؟ لا ركب يعني معهم دوابهم، كل واحد معه دابته، لا لا واضح هذا ما في إشكال إن شاء الله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
العدد؟
طالب:. . . . . . . . .
لا الكلام فيما يكف الطمع، ما يطمع فيه، يحرص الإنسان ألا يعرض نفسه، ويعرض من تحت يده إلى الخطر، وهذا هو مناط المسألة.
(179/20)
قال: "وحدثني مالك عن سعيد بن أبي سيعد المقبري عن أبي هريرة أن رسول -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها)) " هذا مثال كأنه سئل -عليه الصلاة والسلام- عن السفر مسيرة يوم وليلة، وسئل عن مسيرة السفر يومين، وسئل عن مسيرة السفر ثلاثة أيام، والأصل في ذلك السفر كله، قصيره وطويله، لا يجوز إلا مع ذي محرم بالنسبة للمرأة وهو زوجها، أو من تحرم عليه على التأبيد، بسبب مباح؛ لئلا يأتي الملاعن مع الملاعنة، تحرم عليه على التأبيد، لكن السبب ليس مباح، المقصود أنه لا بد من ذي محرم منها؛ لأن بعضهم يقول: ذي محرم يجوز أن يكون منه، فإذا أخذ زوجته يكفي، نقول: لا ما يكفي، لا بد أن يكون ذي محرم منها، محرم منها يعني زوجها، أو من تحرم عليه على التأبيد، وتساهل الناس في مثل هذا، وجعلوا جمع من النساء مع أمن الفتنة كما يقولون مبرر للسفر بدون محرم، وهذا في الحقيقة مخالفة صريحة للنصوص، يعني إذا أردنا أن نتساهل فذكر عن سعيد بن جبير أنها تسافر مع مسلم ثقة، هو المحرم ما اشترط إلا من أجل هذا المسلم، صحيح مو بالسفر متصور في دار حرب أو في دار كفار، في بلاد مسلمين، على كل حال لا بد من المحرم، تساهلوا لا سيما في نقل المعلمات، تساهلون تجد السائق يجوب أحياء البلد من منتصف الليل، ويجمع هؤلاء النسوة واحدة بعد الأخرى من أحياء متباينة، ثم يسافر بهن مسيرة قصر فأكثر، ثم يحتاج إلى أن يصلوا الفجر في الطريق، فيقول: أنا لا أستطيع أن أصلي الفجر -هذا سئل عنه- لأنني أخاف عليهن، فلا يصلون حتى يصلون إلى المدرسة التي يعملن فيها بعد طلوع الشمس، ظلمات بعضها فوق بعض، والله المستعان، يعني إذا أردنا النتائج الشرعية لا بد أن نأتي بالمقدمات الشرعية، ما نقول: والله الصلاة ضرورة لازم نؤخر الصلاة خشية عليهن، لماذا ما خشيت من أول أمرها، يوم خرجت من بيت أهلها، هنا تقع الخشية من أول الأمر، نعم البلد لا يحتاج إلى محرم، إنما تحرم الخلوة، لكن مع ذلك هذا التساهل جر إلى بعض المشكلات، وكم من حادث حصل ومات السائق، واضطر النساء إلى أن يلجوا إلى غير محارم، نعم؟
(179/21)
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يكفي، يعني الذي يناهز الاحتلام يتساهلون، يعني بعض أهل العلم أفتى في الثلاثة عشر والرابعة عشر والثانية عشر، يعني إذا كان يناهز الاحتلام مع نباهته على أن يكون نبيهاً؛ لأن بعضهن تقول: خذ ريال اشتر من البقالة وإلا شيء ويروح ما همه أحد يعني ما كأن معه امرأة، يختلفون في الأعمى هل يصلح أن يكون محرماً أو لا يصلح؟ نعم يختلفون فيه، لكن الجمهور على أنه محرم، وبعض العميان أشد حرص من كثير من المبصرين، وتجده من ردة الفعل قد يكون عنده شيء من الظنة بالسائق، بأهله، وتجد حرصه أشد من اللازم فهو محرم الأعمى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا حكماً قدرياً، كوني لا شرعي، ما تعارض به النصوص، فما جاء فيما يكون في آخر الزمان لا يخرج من الحكم.
طالب:. . . . . . . . .
إذا انتفت الخلوة لا بأس -إن شاء الله- مع أمن الفتنة، أمن الفتنة مقرر في كل شيء.
طالب:. . . . . . . . .
عدد من النساء ما في إشكال -إن شاء الله-؛ لأنك ما في خلوة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
حجة الخادمات مثل غيرهن، نعم؟
أحسن الله إليك.
باب ما يؤمر به من العمل في السفر:
حدثني عن مالك عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك عن خالد بن معدان يرفعه: ((إن الله -تبارك وتعالى- رفيق يحب الرفق، ويرضى به، ويعين عليه، ما لا يعين على العنف، فإذا ركبتم هذه الدواب العجم فأنزلوها منازلها، فإن كانت الأرض جدبة فانجوا عليها بنقدها))
بنقيها، بنقيها.
أحسن الله إليك.
((فإن كانت الأرض جدبة فانجوا عليها بنقيها، وعليكم بسير الليل، فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار، وإياكم والتعريس على الطريق، فإنها طرق الدواب، ومأوى الحيات)).
وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه فليعجل إلى أهله)).
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما يؤمر به من العمل في السفر:
(179/22)
من العمل في السفر ماذا يصنع مما يريحه في السفر ويعينه عليه؟ قال: "حدثني عن مالك عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك عن خالد بن معدان يرفعه: ((إن الله -تبارك وتعالى- رفيق يحب الرفق)) " الخبر الآن موصول وإلا مقطوع؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم ليس بمتصل، لكنه مسند من وجوه كثيرة، كما يقول ابن عبد البر، ومخرج في صحيح مسلم عن خالد بن معدان يرفعه، يعني إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال: " ((إن الله -تبارك وتعالى- رفيق يحب الرفق، ويرضى به، ويعين عليه، ما لا يعين على العنف)) " الرفق محبوب لدى الله -جل وعلا-، الطمأنينة واللين والتوأدة كل هذه مطلوبة ومحمودة عند الله -جل وعلا-، والعجلة والطيش والشدة والعنف كلها صفات مذمومة، والله -جل وعلا- يعين على الرفق، ولا يعين على العنف وعلى الشدة، قال: ((فإذا ركبتم هذه الدواب العجم)) التي لا تتكلم، ولا ترفع شكايتها ((فأنزلوها منازلها)) التي تستفيد منها بالرعي، إذا كانت الأرض خصبة فإن كانت الأرض جدبة، يعني ما فيها ما تأكله ((فانجوا عليها بنقيها)) يعني أسرعوا، اقطعوا هذه الأرض، لا تنزلوا فيها، اقطعوها وتجاوزها إلى غيرها، ما دامت الإبل في نشاطها، وفي شحمها وفي قوتها؛ لأنكم إذا مكثتم في هذه الأرض فلا شك أنها وليس فيها مما تأكله هذه الدواب شيء أنها تنهك هذه الدواب فينتهي ما في بطونها فتعود إلى ما في أجسادها فتهزل.
(179/23)
((فانجوا عليها بنقيها، وعليكم بسير الليل)) هذا إغراء بسير الليل ((فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار)) وهذا مشاهد، يعني أن سير النهار فيه شيء من الكلفة، لا سيما في الأيام الشديدة الحر، وأما بالنسبة لليل فلا شك أنها كما جاء في الحديث هذا الصحيح: ((تطوى الأرض بالليل ما لا تطوى بالنهار)) وهذا مجرب، يعني لو سافرت بعد صلاة الصبح، أو منتصف النهار إلى المغرب، وجدت أنك تحتاج إلى راحة يومين، لكن لو سافرت بالليل إلى الفجر تنام إلى صلاة الظهر خلاص انتهى، ما يتعلق بالسفر ارتحت ((فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار، وإياكم والتعريس على الطرقات)) يعني النوم في آخر الليل على الطرقات؛ لأنها خطر أن تطؤكم الدواب لأنها طريق، وأيضاً هي من جهة طرق الدواب ومأوى الحيات، الحيات والدواب والهوام تأتي إلى هذه الطرقات لتأكل ما يلقى فيها من المسافرين.
((إياكم والتعريس على الطرقات)) هذا بعض من يترجم من الجهلة ترجم قال: ((إياكم والتعريس)) يعني العرس، يعني إقامة حفل الزواج بالشوارع وإلا بالطرقات، لا بد أن تأخذوا قصر أفراح وإلا شيء من .. ، وقال: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ} [(75) سورة الزمر] يقول: غير منتعلين، من هؤلاء الذين يترجمون وهم جهال ما يعرفون المعنى، وهذا حصل مدون يعني، ما هو بافتراض، والله المستعان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
النوم، النوم على الطرقات.
طالب:. . . . . . . . .
والله ما دام الضرر على حسب ما يغلب على الظن، إن يغلب على الظن الضرر خلاص هو تحريم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ممكن، يعان على قطعه، ويصل بنشاط أكثر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بكرة، مبكر إلا، إلا إذا أراد أن يسافر يتقدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام- سفر يقطعه في أول النهار لا بأس، لكن إذا كان يتجاوز أكثر النهار فالليل أفضل له.
(179/24)
وقال: "وحدثني مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((السفر قطعة من العذاب)) " يعني لما لازمه من وصف المشقة، ولذا حصلت فيه الرخص دون الإقامة ((يمنع أحدكم نومه)) كثير من الناس إذا تغير عليه الموضع -موضع النوم- المكان أو الفراش فإنه لا ينام مرتاحاً ((يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه)) لا يتيسر له ما كان يتيسر له في بيته، وفي بلده وبين قومه وعشيرته ((فإذا قضى أحدكم نهمته)) انتهت حاجته من هذا السفر ((من وجهه)) يعني من سفره ((فليعجل إلى أهله)) يرجع إليهم فإنه أرفق به وبهم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم إيه لا تسأل الإمارة هذا عام، لكن الإمارة عموماً شرعية، حتى إذا كانوا ثلاثة يؤمروا واحد عليهم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه يأثم إذا لم يأمره بمعصية؛ لأن إمارته شرعية في السفر، نعم.
أحسن الله إليك.
باب الأمر بالرفق بالمملوك:
حدثني عن مالك أنه بلغه أن أبا هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يذهب إلى العوالي كل يوم سبت، فإذا وجد عبداً في عمل لا يطيقه وضع عنه منه.
وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وهو يخطب، وهو يقول: لا تكلفوا الأمة غير ذات الصنعة الكسب، فإنكم متى كلفتموها ذلك كسبت بفرجها، ولا تكلفوا الصغير الكسب، فإنه إذا لم يجد سرق، وعفوا إذ أعفكم الله، وعليكم من المطاعم بما طاب منها.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب الأمر بالرفق بالمملوك:
(179/25)
المملوك لا شك أنه إنسان له حقوقه وله مشاعره، والأذى الذي يناله من سيده لا شك أنه يؤثر فيه، فضلاً عن غيره، ولذا جاء الأمر بالرفق به، وأن يطعمه الإنسان مما يطعم، ويكسوه مما يلبس، قال: "حدثني مالك أنه بلغه أن أبا هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف)) " للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، يعني فيما يتعارفه الناس، يعني يحتاج إلى الطعام بمبلغ كذا، أو بمقدار كذا، لا يجوز أن ينقص عنه بما يضره، ويحتاج من الكسوة كذا، فلا يجوز أن ينقص عنها، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق، لا يجوز أن يكلف أن يحمل أكثر فوق طاقته، وأن يعمل من الساعات أكثر مما يطيق ويحتمل، كما أن الدواب كذلك، لا يجوز أن يحمل عليها أكثر من طاقتها، وكان بعض الناس يظلم الدواب إلى وقت قريب، يعني قبل مجيء هذه الوسائل التي تحمل الأمتعة والبضائع يحملون هذه الدواب أكثر مما تطيق، فضلاً عن الرقيق، فماذا عن تحميل هذه المركبات، وهذه السيارات أكثر مما تطيق؟ حمولتها خمس طن يقول: الأمر هين، هذا حديد يتحمل، نشيل عليه ستة، هذا إذا كان يغلب على الظن أنها تتلف بهذا فهذا من إضاعة المال، يعني تحميلها أكثر مما تطيق هي لا يضر بها بقدر ما يضر بك أنت، هذا يكون من إضاعة المال، وإذا كانت تسبب في إتلاف مال غيره أيضاً يمنع من هذه الحيثية، ولذلك تجدون بين كل مسافة وأخرى ميزان يزن السيارات بحمولتها؛ لأن هذا يؤثر على الطرق، ويفسدها ويتلفها، فمثل هذا يمنع لا لذاته لا لأنه يؤثر على الدابة أو على المركبة، لكنه يؤثر على المال العام.
((للملوك طعامه)) ملك اليمين سواء كان ذكر أو أنثى، له طعامه، لا يجوز أن ينقص من طعامه ما يضر به، ولا من كسوته التي تعارف الناس عليها ((ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق)) لا يكلف أن يأتي يومياً أن يأتي بألف ريال، وهو لا يستطيع أن يحقق إلا خمس مائة مثلاً، أو أكثر أو أقل، لا يكلف إلا ما يطيق، والعلة في ذلك ما سيأتي في الحديث الأخير.
(179/26)
قال: "وحدثني مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب كان يذهب إلى العوالي كل يوم سبت، فإذا وجد عبداً في عمل لا يطيقه وضع عنه منه" يذهب إلى المزارع ويمرها ويدخل فيها، وينظر ماذا يفعله هؤلاء العبيد؟ إذا كانوا يكلفون أكثر من طوقهم فإنه يضع عنهم، يخفف عنهم، وهذه وظيفة ولي الأمر، أو من ينوب عنه.
قال: "وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع عثمان بن عفان وهو يخطب، وهو يقول: لا تكلفوا الأمة غير ذات الصنعة" يعني التي بيدها صنعة تتقنها هذه ما فيها إشكال، تصنع وتأخذ الكسب، لكن إذا كانت ليس بيدها صنعة "فإنكم متى كلفتموها ذلك كسبت بفرجها" إذا اضطررتموها أن تأتي بالخراج وبالجعل الذي وضع عليها، ثم لم تستطع الحصول إليه بطريق شرعي، وهي لا بد أن تحصل عليه اكتسبت بفرجها يعني زنت "ولا تكلفوا الصغير الكسب، فإنه إذا لم يجد" يعني لم يجد الكسب بطريق شرعي فإنه حينئذٍ يسرق "فإنه سرق" حتى يؤمن ما فرض عليه "وعفوا إذ أعفكم الله" عن تكليف هؤلاء الذين لا يستطيعون الكسب بطرق شرعية، وعليكم من المطاعم بما طاب منها؛ لأنه سواء كسبت بفرجها كسبها خبيث، أو كسب بالسرقة كسب خبيث، فعليك أن تطعم ما طاب من الطعام، نعم؟
أحسن الله إليك
باب ما جاء في المملوك وهبته:
حدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العبد إذا نصح لسيده، وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن أمة كانت لعبد الله بن عمر بن الخطاب رآها عمر بن الخطاب، وقد تهيأت بهيئة الحرائر فدخل على ابنته حفصة، فقال: ألم تري أجارية ...
ألم أرى.
طالب: سم يا شيخ.
ألم أرى جارية أخيك؟
أحسن الله إليك.
ألم أرى جارية أخيك تجوس الناس، وقد تهيأت بهيئة الحرائر، وأنكر ذلك عمر.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في المملوك وهبته:
يعني هل يعطي من مال سيده أو لا يعطي؟ هذا إذا كان يملك على رأي الإمام مالك فله أن يعطي، ويهب من ملكه، أما إذا كان لا يملك فلا بد من أن يعرف أن سيده لا يكره ذلك، والخازن الأمين له نصيبه من الأجر إذا تصدق من مال سيده.
(179/27)
قال: "حدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العبد إذا نصح لسيده، وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين)) " يعني جاء في الصحيح: ((ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، الرجل من أهل الكتاب أمن بنبيه ثم آمن بي)) آمن بعيسى، آمن بموسى، ثم لم بعث النبي -عليه الصلاة والسلام- فله الأجر مرتين، أجر إيمانه بنبيه، وأجر بالبني -عليه الصلاة والسلام- ((ورجل له جارية أعتقها ثم تزوجها)) وجعل عتقها صداقها، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأيضاً ((المملوك)) العبد إذا نصح لسيده، وأحسن عبادة ربه، له أجره مرتين؛ لأن التكليف عليه مضاعف، تكاليف تخص السيد، وتكاليف لله -جل وعلا-، فإذا أحسن هذه له الأجر مرتين، أما الحر فليس عليه تكليف إلا تكاليف الرب -جعل وعلا-.
قال: "وحدثني مالك أنه بلغه أن أمة كانت لعبد الله بن عمر بن الخطاب رآها عمر بن الخطاب وقد تهيأت بهيئة الحرائر" يعني لبست ما يلبسه الحرائر، وتشبهت بهم، تشبهت بالحرائر "فدخل على ابنته حفصة فقال: لم أرى جارية أخيك تجوس الناس" يعني تمشي بينهم وتتخطاهم "وقد تهيأت بهية الحرائر، وأنكر عمر ذلك" يعني للجواري ما يخصهن من اللباس، وللحرائر ما يخصهن من اللباس، وإن كان حجاب الحرائر أكثر وأحوط من حجاب الجواري، إلا أن الجواري لم تكلف بما تكلف به الحرائر، وهذا مع أمن الفتنة، أما إذا وجدت الفتنة فإنه يجب أن تحجب الجارية؛ لئلا تفتن غيرها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(179/28)
شرح: الموطأ – كتاب الجامع (12)
باب ما جاء في البيعة - باب ما يكره من الكلام - باب ما يؤمر به من التحفظ في الكلام - باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله - باب ما جاء في الغيبة.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب البيعة:
باب ما جاء في البيعة:
حدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كنا إذا بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة يقول لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فيما استطعتم)).
وحدثني عن مالك عن محمد بن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة أنها قالت: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نسوة بايعنه على الإسلام، فقلن: يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فيما استطعتن وأطقتن)) قالت: فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، هلم نبايعك يا رسول الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة، أو مثل قولي لامرأة واحدة)).
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كتب إلى عبد الملك بن مروان يبايعه، فكتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد:
لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأقر لك بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله فيما استطعت.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب البيعة:
وهذا الكتاب داخل في ضمن الكتاب الجامع:
باب ما جاء في البيعة:
(180/1)
البيعة على الإمارة والولاية، البيعة تكون للسلطان الأعظم، لا شك أنها من ضرورات الحياة، إذ لا يصلح الناس فوضى، لا بد لهم من حاكم، ولا بد لهم من سائس، ولا بد لهم من قائد.
فالبيعة أمر ضروري، لا يصلح الناس أبداً بدون بيعة، ولا يصلح الناس بدون رأس، لا بد لهم من شخص يتبعونه، وهذا الشخص له شروطه، وله أحكامه، وله حقوقه، وعليه أيضاً حقوق جاءت بها السنة النبوية، والأمور المجملة جاءت في الكتاب، وتفصيلها جاء في السنة، وفي كتب أهل العلم تفصيل، وألف في ذلك الكتب الخاصة من الأحكام السلطانية وغيرها.
على كل حال بسط هذا الموضوع يحتاج إلى دروس، يحتاج إلى لقاءات كثيرة، لا سيما وأن الحاجة داعية إلى ذلك؛ لاستخفاف كثير من الناس بأمر البيعة، كثير من الناس استخف بأمرها، ومن مات ولم يكن في عنقه بيعة لا شك أن ميتته جاهلية.
يقول: "حدثني مالك عن عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر قال: "كنا إذا بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة" {أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ} [(59) سورة النساء] فحديث عبادة بن الصامت: "بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره" يعني سواءً كان ذلك في حال السعة والرخاء، أو في حال الشدة، في حال المنشط في حال المكره، فيما إذا كان السلطان مرضياً لك، وفي حالة ما إذا كان لا يرضيك لا بد من البيعة، إذا بايع أهل الحل والعقد، لا بد من البيعة إذا بايع أهل الحل والعقد، ولا يقول الإنسان بعد ذلك: أنا بايعت، أنا ما بايعت، ليس له كلام، إذا بايع أهل الحل والعقد فليس لأحد كلام، كائناً من كان، ولذا لا تلزم البيعة، مباشرة البيعة من كل شخص بعينه، إذا بايع أهل الحل والعقد فالناس تبع له.
(180/2)
"بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على العسر واليسر، في المنشط والمكره، على أن نقول، أو نقوم بالحق لا نخاف في الله لومة لائم" هذا لا ينافي الأمر والنهي، والنصح والإرشاد، ((الدين النصيحة))، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم)) هذا لا ينافي البيعة، ولا يعني أن الإنسان إذا أسدى النصيحة لولي الأمر أنه يكون قد نقض بيعته وانتقص حقه، أبداً، هذا عليه أن يبايع، وذاك أيضاً عليه له الحقوق وعليه حقوق أيضاً لرعيته، وجاء: ((من مات وهو غاش لرعيته)) نسأل الله العافية، فيه الوعيد الشديد، لكن مع ذلك حقوقه ثابتة في الكتاب والسنة، وإجماع أهل العلم.
يقول: " ... بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة، يقول لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فيما استطعتم)) " لأن هذا أمر، والأمر مقيد بالاستطاعة، كأنه يقول: على كل مسلم أن يبايع، والمقصود بذلك المجموع لا الجميع؛ لأنه لو كلف الناس كلهم أن يبايعوا، يباشروا البيعة، لشق ذلك على السلطان نفسه، ولحق الناس في ذلك المشقة العظيمة، يكفي أن يبايع أهل الحل والعقد، والناس تبع لهم، ثم من نقض هذه البيعة بعد ذلك .. ، أولاً: الإثم العظيم، الأمر الثاني: أنه من يشاقق بعد اجتماع الكلمة مثل هذا إن ارتدع بالردع ورجع عن قوله وإلا لو يصل الأمر إلى قتله، لا سيما إذا رتب على ذلك ما يتطلبه نقض البيعة، وعدم الإذعان، وعدم السمع والطاعة إذا رتبت عليه أحكامه فإنه حينئذٍ: ((من جاءكم وأمركم جميع)) ماذا نصنع به؟ يقتل.
((فيما استطعتم)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) فإذا كلف الوالي الذي ثبتت بيعته من قبل أهل الحل والعقد، وأذعن له الناس، وثم أمر بما لا يطاق، أمر بما لا يستطاع، مثل هذا الطاعة بالمعروف، الطاعة بالمعروف كما هو معلوم، لذا الأمير الذي أمره النبي -عليه الصلاة والسلام- على السرية، ثم أوقد النار وقال لهم: ادخلوا، فرفضوا، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لو دخلوها ما خرجوا منها)) لماذا؟ لأن الطاعة بالمعروف، ولذا قال: ((فيما استطعتم)).
والحديث الذي يليه.
(180/3)
قال: "حدثني مالك عن محمد بن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة أنها قالت: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نسوة بايعنه على الإسلام، فقلن: يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني" يعني على ما جاء في سورة الممتحنة، وبيعة النساء مدونة بالقرآن، يعني معروفة لدى الخاص والعام، ولذا يقول عبادة: "بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بيعة النساء" وفهم منه بعضهم أن بيعة النساء متقدمة على بيعة الرجال، وليس الأمر كذلك، الرجال بايعوا قبل النساء، ولكن قال: "بايعنا على بيعة النساء" لأن بيعة النساء محفوظة عند الناس كلهم، مدونة في القرآن، وما يدون في القرآن يحال عليه؛ لأن القرآن معروف عند العام والخاص من المسلمين بخلاف ما جاءت به السنة قد يخفى على كثير من المسلمين.
ولذا من وطأ في نهار رمضان، وجاء فيه الحديث الصحيح المتفق عليه، يقال: عليه كفارة ظهار، ما يقال: كفارة وطء في رمضان، لماذا؟ لأن كفارة الظهار ثبتت بالكتاب المعروف لدى الخاص والعام، وأما كفارة الوطء في نهار رمضان فإنما ثبتت في السنة التي قد تخفى على كثير من الناس، فالذي في القرآن يحال عليه، ولو كان متأخراً.
وهنا تقول: "فقلنا: يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئاً" لأنه لا أعظم من الشرك "ولا نزني" الزنا من عظائم الأمور "ولا نقتل أولادنا" نعم هذا، ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل، هذه كبائر الذنوب التي رتبت عليها العقوبات في الدنيا والآخرة "ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا" يعني لا نقذف، ولا نلصق بأزواجنا ما ليس منهم "ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف" إذا كان هذا بالنسبة للنبي -عليه الصلاة والسلام- الذي لا يأمر إلا بمعروف، فإن غيره من باب أولى، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق "في معروف، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فيما استطعتن وأطقتن)) " يعني حتى الوالد طاعته بالمعروف، كل من له أمر طاعته بالمعروف، لو أمرك أبوك أن تتزوج فلانة وأنت لا تطيقها، الطاعة بالمعروف، لو أمرك أن تفارق فلانة وأنت لا تطيق فراقها، الطاعة بالمعروف.
(180/4)
قد يقول قائل: إن عمر بن الخطاب قال لابنه: طلق زوجتك، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((أطع أباك)) يعني من مثل عمر -رضي الله عنه-؟! ومع ذلك كل هذا من باب المشورة لا من باب الإلزام، لماذا؟ لأن الطاعة بالمعروف، لو أمرك أبوك أن تأكل من هذا الطعام وأنت لا تطيقه، أو تشرب هذا الشراب وأنت لا تطيقه الطاعة بالمعروف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني عاد هذا كناية عن القذف والإلصاق، إلصاق الولد به، وكذلك المعاصي التي تزاول باليدين وبالرجلين، وما بينهما.
طالب:. . . . . . . . .
منعه من طاعة، لكن هل هذه الطاعة يترتب عليها معصية لله -جل وعلا-؟
طالب:. . . . . . . . .
لو ما اعتكف معصية؟ لو أمره بترك الصلاة لا طاعة له، لو أمره بترك الجماعة لا طاعة له، أمره بترك مسنون، إما خوفاً عليه؛ لأن الوالد في الغالب إنما يمنع خشية على الولد.
طالب:. . . . . . . . .
ولو لم يكن هناك أسباب ظاهرة.
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه ما في شك، المقصود أن السنن والواجبات على الكفاية هذه فيها مندوحة، يعني لو أن ولي الأمر قال لفلان: لا تصل، لا طاعة له، لو قال له: لا تعلم الناس، وفي البلد غيره من يقوم مقامه الطاعة نعم تلزم؛ لأن الواجبات على الكفاية بالنسبة له مسنونة، لكن إذا أمر بمعصية بترك طاعة تعينت عليه، أو أمره بمعصية لا تأويل له بها هذا ما .. ، الطاعة في المعروف، لكن الأمور المستحبات، فروض الكفايات هذه فيها مجال؛ لأن هناك مصالح تترتب على هذا الأمر، أو مفاسد تترتب على تركه قد لا يدركها الإنسان.
طالب:. . . . . . . . .
هو ثبت عن عثمان، ثبت شيء لعثمان من البيعة.
على كل حال الأمر سهل، يعني إذا بايع أهل الحل والعقد انتهى الإشكال، ولا يلزم كل إنسان بعينه أن يبايع، لكن مقتضى البيعة يلزمه، ولو لم يبايع بيده بنفسه بمفرده مقتضاها ولازمها وأحكامها تلزمه، ما يقول: والله أنا بالخيار ما عد بايعت ما هو بصحيح، ليس لك خيار.
طالب:. . . . . . . . .
نعم أهل العلم، وأهل الرأي من الملأ، من علية القوم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
(180/5)
طالب:. . . . . . . . .
كل من له شأن، وهو متبوع هذا لا شك أنه يتعين عليه.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب: علي بن أبي طالب.
إيه له تأويله.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال مثل هذه الأمور لا بد من حسمها، ولا يترك مجال للأخذ والرد والنقاش والنزاع بحيث يتطرق الفساد إلى أمور الناس وأحوالهم وأعراضهم وأموالهم ودمائهم، مثل هذه الأمور لا بد من حسمها.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هذا إذا كان .. ، من شرط السلطان الإسلام، شرطه الإسلام، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيها؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا كانوا مجموعة يبايعون أحدهم، إذا كانوا مجموعات لا بد أن يتفقوا على شيء، مع أن الإقامة في دار الحرب تراها محرمة يعني، والهجرة واجبة، إلا إنسان لا يستطيع {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} [(98) سورة النساء]، يعني هذا المستثنى بالنص.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال لا بد من الاتحاد، لا بد من اتحاد الكلمة.
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فيما استطعتن وأطقتن)) قالت: فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا" يعني حيث ذكرهن بهذا الشرط، أو بهذا الاستثناء "هلم نبايعك يا رسول الله" يعني ما هو بالكلام، الآن هو يبايعهم بالمصافحة "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إني لا أصافح النساء)) " وما مست يده يد امرأة قط -عليه الصلاة والسلام-، ومصافحة النساء من قبل الرجال الأجانب محرمة، هذا لا إشكال فيه ((إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة، أو مثل قولي لامرأة واحدة)).
يعني إذا بايع على العموم، بايعوه على ما .. ، والتزموا بما اشترط، وحصل الإيجاب والقبول انتهى، ما يحتاج أن يكون كل شخص بعينه يأتي إلى المبايع ويلتزم له بشروطه، أو يشترط عليه، ليس الأمر كذلك، ما يلزم أبداًَ، لكن إذا تمت البيعة من أهل الحل والعقد فلا خيار لأحد، يقول: أنا والله ما رحت، ما بايعت، ما يمكن هذا، هذه الفوضى بعينها، ولا يلزم يعني مثلما قال بعضهم: إنه من تستطيع أن تحمله رجلاه ولا يذهب يبايع فهو آثم ما هو بصحيح، يعني كل إنسان إنما .. ، عموم الناس تبع، تبع لعلمائهم، وأهل الحل والعقد منهم.
(180/6)
قال: "وحدثني مالك عن عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر كتب إلى عبد الملك بن مروان يبايعه فكتب إليه: بسم الله" يعني كان مما كتب إليه؛ لأن التعبير هنا كتب إلى عبد الملك، فكتب إليه، يعني كأنه واحد كتب والثاني رد عليه، يعني هذا الأسلوب يقتضي هذا، لكن الكاتب واحد، فاعل كتب في الموضعين واحد، هو عبد الله بن عمر "كتب إلى عبد الملك بن مروان يبايعه، فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين" يعني يعترف له بالإمارة، أمير المؤمنين "سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأقر لك بالسمع والطاعة" لأنها ثبتت بيعته "على سنة الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- فيما استطعت".
الاستطاعة لا بد من اشتراطها، لو حمل الإنسان السلطان حمل بعض الناس ما لا يطيقون، وكلفهم ما لا يستطيعون لا طاعة له في هذا؛ لأن الاستطاعة شرط، فإذا كانت في أوامر الله -جل وعلا-، وأوامر رسوله -عليه الصلاة والسلام- شرط، فكيف بأوامر المخلوق؟!
طالب:. . . . . . . . .
إيه لما استقر له الأمر اتفقوا عليه، نعم؟
سم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، إيه نعم، هو ما يباشر بالقتل مرة واحدة، يعني يدعى إن أجاب وإلا في النهاية إن استمر على نزاعه يقتل.
طالب: يعني ليس مشروطاً بأن يبايع الآخر؟
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
ثبتت البيعة لزيد فنازعه عمرو يريد الملك دونه، ويريد أن يوجد فوضى، ويريد إراقة دماء يقتل هذا، هذا بعد أن يدعى، وبعد أن يناقش، وبعد أن تنفذ جميع الأسباب التي دون القتل.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما دام ما ثبتت البيعة لأحدهما فمن يبايعه أهل الحل والعقد يلزم الثاني ببيعته.
سم.
أحسن الله إليك.
كتاب الكلام:
باب ما يكره من الكلام:
حدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما)).
(180/7)
وحدثني مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعت الرجل يقول: هلك الناس فهو أهلكهم)).
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يقل أحدكم: يا خيبة الدهر، فإن الله هو الدهر)).
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عيسى ابن مريم لقي خنزيراً بالطريق فقال عيسى له: أنفذ بسلام الله، فقيل له: تقول هذا لخنزير؟ فقال عيسى ابن مريم: إني أخاف أن أعود لساني النطق بالسوء.
يقول -رحمه الله تعالى-:
كتاب الكلام:
باب ما يكره من الكلام:
الألفاظ التي على المسلم أن يجتنبها، إما وجوباً أو استحباباً.
قال: "حدثني مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما)) ".
يعني إن كان من قيلت له أهل لهذه الكلمة فقد وقعت موقعها، والقائل صادق، لكن إن لم يكن أهلاً لها فإنها ترجع إلى قائلها، وليس معنى هذا أنه يكفر بالفعل، ويخرج من الملة، لكنه قال كلمة عظيمة يبوء بإثمها، وكفره هنا دون كفر، إلا إن استحل كفر المسلم بدون مكفر عليه من الله برهان.
(180/8)
قال: "وحدثني مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعت الرجل يقول: هلك الناس فهو أهلكهم)) " فهو أشدهم هلاكاً، يعني بعض الناس مغرم بالتشكي، ولا ينظر إلى الواقع إلا بعين واحدة، ينظر إلى المساوئ فقط، ويدب إليه اليأس، فتجده دائماً ينذر الناس ويحذرهم، ويقول: الناس هلكوا خلاص ما عاد فيهم خير، وبالمقابل بعض الناس لا ينظر إلا بالعين الأخرى، فلا ينظر إلا إلى المحاسن، ولا ينظر إلى شيء من المساوئ، فهو يطمئن الناس، لكنه مع ذلك لا بد من التوسط، لا بد من النظر بالعينين كلتيهما، لا ينظر إلى المساوئ فقط، ويؤيس الناس، ويقنط الناس، ولا ينظر إلى المحاسن فقط، فيجعل الناس يأمنون من مكر الله، ولا يتوبون، ولا يثوبون، ولا يرجعون، عليه أن بين هذا وهذا، عليه أن ينظر إلى المحاسن وإلى المساوئ، إلى المحاسن فيشيد بها ويذكرها، ويشجع أهلها، وإلى المساوئ فيحذر منها، ولا يتم الأمر إلا بها؛ لأنه ليس من الإنصاف أن تنظر إلى المساوئ فقط، ولا تذكر إلا المساوئ، وأيضاً ليس من النصح لا للراعي ولا للرعية، ألا ينظر إلا إلى المحاسن؛ لأنه إذا لم ينظر إلى المساوئ متى يرعوي الناس؟ متى يرتدعون؟ إذا طمئنوا، إذا أمنوا من مكر الله، قد يؤخذون على غرة وهم لا يشعرون، وكل من الأمن من مكر الله، واليأس والقنوط من رحمة الله من عظائم الأمور -نسأل الله السلامة والعافية-، فلا بد من التوسط ينظر إلى المساوئ لتعالج، وينظر إلى المحاسن ليشجع فاعلها، ويقتدى به.
((فهو أهلكهم)) يعني أشدهم هلاكاً، بعض الروايات يضبط ((أهلكَهم)) هو الذي أهلكهم، يعني هو الذي سعى في هلاكهم، حيث أيسهم وقنطهم.
(180/9)
قال: "وحدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يقل أحدكم: يا خيبة الدهر، فإن الله هو الدهر)) " جاء النهي عن سب الدهر، والعلة: ((فإن الله هو الدهر)) أنت إذا سببت الدهر تسب من؟ أنت تسب الدهر لما وقع فيه، وأنت في الحقيقة إنما تسب من أوقع هذه الأمور في هذا الظرف، الدهر أيام وليالي ونهار وليل وماشي، شهور وفصول وسنوات، ظروف، لا تصنع شيئاً بنفسها، إنما أنت في حقيقة الأمر إنما تسب من أوقع هذا الذي جعلك تسب الدهر، وابن حزم تبعاً لظاهريته وجموده على الظاهر، قال: إن الدهر من أسماء الله -جل وعلا-، هذا الكلام ليس بصحيح، إنما كونه يقول: ((فإن الله هو الدهر)) يعني هو المذموم بهذا الأسلوب، إذا قلت: يا خيبة الدهر كأنك ذممت الله -جل وعلا-؛ لأنه هو الموجد لهذه الأشياء في هذا الظرف، في هذا الدهر الذي ذممته من أجله.
قال: "وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد أن عيسى ابن مريم لقي خنزيراً بالطريق" القصة يحكيها يحيى بن سعيد، وهو من أتباع التابعين، ولم يشهدها، وفيها انقطاع طويل، وإعضال شديد، يقول: "إن عيسى ابن مريم لقي خنزيراً بالطريق" وهي محتملة للثبوت وعدمه "فقال له: أنفذ بسلام" يعني امض واذهب بسلام مني، بحيث لا أتعرض لك بسوء "فقيل له: تقول هذا لخنزير؟! فقال عيسى: إني أخاف أن أعود لساني النطق بالسوء" نعم على الإنسان أن يعود لسانه جميل الألفاظ، الشافعي سمع المزني يقول لشخص: كذب فلان، قال: يا أبا إبراهيم أكس ألفاظك أجملها، يعني لا تعود لسانك كل من تكلم قال: كذب وإلا فعل وإلا ترك، فهذا من الأدب الرفيع الذي جاءت به النصوص، واقتفاه أهل العلم.
(180/10)
والإمام أحمد ذكر بعض الأمراء وسأل، وذمه ذماً شديداً، فقال له ابنه عبد الله: ألا تلعنه؟ أو قال: يجوز لعنه؟ قال: نعم، هو من الظلمة المشهورين على مستوى الأمة، يعني معروف، فقال: وهل سمعت أباك لعاناً؟! أو هل عرفت أباك لعاناً؟! يعني حتى من يستحق تعف عن لعنه وسبه وشتمه، إلا إذا كنت في مقام يخشى من بعض السامعين أو الحاضرين أن يحسن به الظن؛ لأن من عظائم الأمور كما قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: "من عظائم الأمور أن يظن بأهل الفجور خيراً".
فعلى الإنسان أن يجعل لسانه عفيفاً، وكثيراً من الناس يرسل اللعن على عواهنه، وجاء في الحديث الصحيح: ((لعن المؤمن كقتله)) ((وليس المسلم باللعان ولا بالطعان، ولا بالفاحش البذيء)).
قال: "تقول هذا لخنزير؟! فقال: إني أخاف أن أعود لساني النطق بالسوء" يعني على الإنسان أن يخطم لسانه، ويزمه بزمام العفة والأدب، وجاء في النساء أنهن أكثر أهل النار، وجاء من الأسباب: ((يكثرن اللعن)) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، هذا ليس. . . . . . . . . إجماعاًَ عند أهل العلم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا إذا عرفنا المعنى، المعنى بدقة واضح.
طالب:. . . . . . . . .
وتر واحد يعني، وتر واحد، هو الأحد، الفرد الصمد.
سم.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه جاء لعن الدابة، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بتسييبها، ولا تصحبنا ملعونة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
اللعن، لعن أي شيء هذا أمره عظيم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما يجوز، شكله صنع الله الذي أتقن كل شيء، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
الظاهر، هذه كثيراً ما يقولها أحد الزوجين حينما يحصل مشكلة، أحد الزوجين حينما يحصل مشكلة بينهما فإنه يسب اليوم الذي حصل التعارف، والوسيط أيضاً يناله ما يناله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الشيطان أمره سهل، نعم ما في إشكال.
طالب:. . . . . . . . .
إيه يجوز لعنه ما في إشكال.
طالب:. . . . . . . . .
(180/11)
جاء الأمر بلعن المتبرجات: ((فالعنوهن)) يعني ليس الكلام على إطلاقه، نعم لكن الإنسان يكون عفيف اللسان، بعض الناس كنا في مكان عام جلسنا فيه، اقتضى ظرف الحال أن نجلس فيه، وبجوارنا أناس من يوم جلسنا إلى أن قمنا وكثير منهم يلعن نفسه، ويلعن أمه، ويلعن أبوه، كل واحد يلعن الثاني من يوم جلسنا إلى يوم قمنا، نسأل الله العافية، وإذا عود الإنسان نفسه هذه الألفاظ خطر أن تطغى عليه في وقت الاحتضار، سمعنا في وقت الاحتضار، وفي العناية المركزة في المستشفيات ناس غابت عقولهم، لكن منهم من يؤذن، ومنهم من يقرأ القرآن، ومنهم من يلعن، ومنهم من يغني، يعني هذا كله موجود، فمن عاش على شيء شاب عليه، مات عليه، هذا ظاهر، والفواتح عنوان الخواتم، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما يؤمر به من التحفظ في الكلام:
حدثني عن مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن بلال بن الحارث المزني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه)).
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح السمان أنه أخبره أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالاً يهوي بها في نار جهنم، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالاً يرفعه الله بها في الجنة".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما يؤمر به من التحفظ في الكلام:
(180/12)
قال: "حدثني مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن بلال بن الحارث المزني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت)) " تكون سبب لرضوان الله عليه وهي كلمة، وقد يفعل فعلة تكون هي السبب في دخوله الجنة، وإن كانت عنده مخالفات، كلمة ينتفع بها أقوام وهي كلمة واحدة، وتجري له الأجور بسبب نفعه هؤلاء الأقوام إلى قيام الساعة، وهي كلمة واحدة، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يعني في بعض الروايات: ((لا يلقي لها بالاً)) لا نقول: إنها لم يقصدها ولم ينوها، إنما الأعمال بالنيات، لكن لا يلقي لها بالاً يلقيها في موضع يظن أن أمرها سهل عند الله -جل وعلا-، وهو يعرف أنها نافعة ومطلوبة ومن رضوان الله، ولذا معرفة حكم الشيء لا بد منه، لكن معرفة ما يترتب عليه ليس بلازم، يعني من يعرف أن التسبيح فيه أجر عظيم، ومحبوب عند الله -جل وعلا-، ولا يعرف أن من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة، حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، نقول: تحط عنه ولو لم يعرف.
من عرف أن الجماع في نهار رمضان حرام، لكن ما يعرف أن فيه عتق رقبة، وصيام شهرين متتابعين، نقول: يلزمه، المقصود أنه عرف أنه حرام، فإذا عرف الحكم إجمالاً لزمته توابعه.
هذا يعرف أن هذه الكلمة مما يرضي الله -جل وعلا-، لكنها يسيرة، وكم من كلمة من رضوان الله نفع الله بها نفعاً عظيماً، وكم من كلمة من سخط الله حصل بها الضرر العظيم، ((وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً)) نسأل الله العافية.
وهذا الحديث في الصحيح، لا يقال: إن هذا ثواب عظيم رتب على أمر يسير أو العكس، لا؛ لأن هذا الضابط عند أهل العلم ليس على إطلاقه؛ لأنه من ضوابط معرفة الموضوع عندهم: أن يرتب الثواب العظيم على العمل اليسير أو العكس، لكن هذا إذا لم يوجد للخبر إسناد، إذا لم يوجد له إسناد نعم، تكون قرينة على أنه موضوع، لكن إذا عرفنا إسناده ففضل الله واسع، وعذابه شديد.
(180/13)
((وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه)) جاء في الحديث الصحيح عند البخاري: ((يهوي بها في النار سبعين خريفاً)) فعلى الإنسان أن يحفظ لسانه، لا يظن أن المسألة همل وإلا عبث، وإلا يعني هو متروك لسانه على كتفه كما يقول الناس، يتكلم بما شاء، لا، لا، كل شيء محاسب عليه، جاء في حديث معاذ: وإنا لمؤاخذون على ما نتكلم به؟ قال: ((نعم، وهل يكب الناس على وجوههم، أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)).
قال بعد ذلك: "وحدثني مالك عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح السمان أنه أخبره أن أبا هريرة قال: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالاً يهوي بها في نار جهنم" ما يلقي لها بالاً، وكم من كلمة تخرج من لسان شخص بالعشرات بالمئات بالألوف وهو لا يلقي لها بالاً، وهذا إذا كان الضرر في أمر الدنيا، أو في أمر يقدح في شخص في دنياه، فكيف إذا كانت الكلمة مما يضل بسببها فئام من الناس، يقول الكلمة وهو لا يشعر، ولا يظن أن تبلغ هذا المبلغ، فعليه أوزار من عمل بها إلى قيام الساعة، نسأل الله العافية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان ما يعرف حكم هذه الكلمة، إذا ما كان ما يعرف، لكن إذا عرف الحكم هذه حرام، حتى لو شك كما جاء في الحديث: ((من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب)) يعني لو شك فيه أدنى شك يجب عليه أن يتوقف.
طالب:. . . . . . . . .
إيش لون العلم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، المهم أن يعرف أنها محرمة، يعرف أنها ممنوعة، ولا يعرف التفاصيل، ولا الأمر المترتب عليها يلزم باللوازم.
طالب:. . . . . . . . .
هناك كلمات واضحة يعرفها الخاص والعام، واضحة، لا يجهلها أحد، وهناك كلمات غامضة لا يعرفها إلا أهل العلم، مثل هذه لا بد من أن يعرف حكمها؛ لأن بعض الكلمات قد يخفى على كثير من الناس هل هي مدح وإلا ذم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الكلمة تطلق ويراد بها المفردة، وتطلق ويراد بها الجملة، وتطلق ويراد بها الكلام الكثير.
وكلمة بها كلام قد يؤم ... . . . . . . . . .
يعني يقصد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(180/14)
لا، هذا بيان الواقع وإلا السخط صفة ثابتة لله -جل وعلا-، ومثله الغضب.
"وإن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالاً يرفعه الله بها في الجنة" يعني ما يدري ويش الكلمة؟ صحيح أنها من رضوان الله، ويعرف أنها نافعة، لكن مع ذلك ما يقدر قدرها، ثم بعد ذلك تيسر له هذه الكلمة، وتلقى على لسانه فيفوز بسببها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يخفى على هذا، إن هذا الكلب قد بلغ به مثل ما بلغ بي، تعرف أن هذا في الجملة، تعرف إجمالاً أن هذا المسقي يستفيد، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله:
حدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: قدم رجلان من المشرق فخطبا، فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن من البيان لسحراً)) أو قال: ((إن بعض البيان لسحر)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عيسى ابن مريم كان يقول: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم، فإن القلب القاسي بعيد من الله، ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد، فإنما الناس مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية".
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت ترسل إلى بعض أهلها بعد العتمة فتقول: "ألا تريحون الكُتاب".
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله:
والكراهية أعم من أن تكون للتنزيه أو للتحريم، في عرف المتقدمين تتناول التحريم.
قال: "حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أنه قال: قدم رجلان من أهل المشرق فخطبا، فعجب الناس لبيانهما" لا شك أن الخطيب البليغ الفصيح يعجب الناس، ويأخذ بعقولهم وألبابهم، فيتعجب الناس من بلاغته وفصاحته، لكن العبرة باستخدام هذا البيان، وهذه البلاغة، وهذه الفصاحة في نصر الحق، ودحض الباطل، إن استعملت في هذا فهي ممدوحة، وإن استعمل البيان في نصر الباطل، وغمط الحق، فهو مذموم.
(180/15)
الإمام -رحمه الله تعالى- جعل هذا الحديث تحت هذه الترجمة فيما يكره من الكلام، وحمله على هذا المحمل، وإن كان العلماء اختلفوا في المراد به، هل هو مدح وإلا ذم؟
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن من البيان لسحراً)) " يعني بعض البيان سحر، لا سيما إذا استخدم في نصر الباطل، والبيان مشابه للسحر، باعتبار أنه يؤثر في الناس تأثير السحر، كم من خطيب أقنع الناس ببيانه، وغير قناعات الناس ببلاغته وفصاحته، كما يخيل الساحر على الرائي وعلى السامع ما يخيله، فتأثير الكلام نظير تأثير السحر، فهذا الكلام ليس على .. ، لا يذم مطلقاً، ولا يمدح مطلقاً، والتفصيل مثلما سمعتم، إن استعمل هذا البيان في نصر الحق وقمع الباطل فإنه حينئذٍ يكون ممدوحاً، وإن استعمل بالعكس فبالضد يكون مذموماً.
((إن من البيان)) هذه تبعيضية، ما يدل على أن منه ما هو ممدوح، يعني تشبيهه بالسحر يعني هل يقتضي التشبيه من كل وجه؟ لا، التشبيه لا يقتضي مطابقة المشبه مع المشبه به من كل وجه، قد يكون التشبيه من وجه دون وجه، كما شبه الوحي بصلصلة الجرس، الجرس مذموم، والوحي ممدوح؛ لأن صلصلة الجرس لها جهتان: جهة ممدوحة، وجهة مذمومة فهو يشبه به من الجهة الممدوحة لا المذمومة.
وهنا البيان له جهة مذمومة يشبه فيها بالسحر، وله جهة ممدوحة يمدح بها ويثنى على من نصر الحق ببيانه، ولذا قال: ((إن من البيان)) وفي الرواية الأخرى: ((إن بعض البيان لسحر)).
قال: "وحدثني مالك أنه بلغه أن عيسى ابن مريم كان يقول: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم".
لا شك أن فضول الكلام من أخطر الأمور على القلب، إضافة إلى فضول الطعام، فضول السمع، فضول البصر، فضول النوم، فضول الخلطة بالناس، كل هذه مما يحجب القلب ويغطيه، كما ذكر ذلك ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين، فعلى الإنسان أن يقلل من الخلطة بقدر الإمكان، ويخلو بما ينفعه، وما يقربه إلى الله -جل وعلا-.
(180/16)
"لا تكثروا الكلام" لأنه إذا كان بمفرده لن يكثر الكلام، بغير ذكر الله، تجده يذكر الله إذا كان منفرداً، أو يقرأ ما ينفعه، وقد يوجد منه ما يضره، لكن الغالب أن القيل والقال إنما يكون في الخلطة، ولا يكون في العزلة.
"لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم" تقسو: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية الواقعة في جواب النهي "فإن القلب القاسي بعيد من الله، ولكن لا تعلمون" كم من شخص تجده طالب للعلم، ملازم للعلم، وتظن به خيراً، وهو من هذا النوع، وأحياناً تذرف الدمعة من عينيه وهو من هذا النوع قلبه قاسي، إذا كان الحسن يقول: "ابحث عن قلبك في ثلاثة مواطن: في الصلاة، وعند قراءة القرآن، والذكر، فإن وجدته وإلا فاعلم بأن الباب مغلق" ومسخ القلوب لا شك أنه كما يقرر أهل العلم أعظم من مسخ الأبدان، كثير من الناس قلبه ممسوخ وهو لا يشعر، وإذا راجع الإنسان نفسه مع الأسف يجد أنه مع طول الوقت مع ملازمته للتعلم والتعليم والقراءة يجده مع طول الوقت لا يستفيد قلبه شيء، لماذا؟ للأسباب بعضها موجود، وبعضها مفقود، لكن الموانع أيضاً موجودة، {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم} [(14) سورة المطففين] نعم الكسب له شأن عظيم في هذا الباب، إضافة إلى ما ابتلي به الناس بعد انفتاح الدنيا من الفضول، كان الناس منشغلين بالمعيشة، وإذا فضل من الوقت شيء يطلب فيه العلم، لكن الآن ما في انشغال بالمعيشة، العلم له وقت يسير، والباقي قيل وقال، وخلطة، ونظر، وإرسال للبصر، وأكل كثير، ونوم كثير، هذه كلها مما يقسي القلب، فعلى الإنسان أن يحرص على علاج قلبه قبل علاج بدنه.
(180/17)
يعني لو أن الإنسان تحسس نفسه، وراجع نفسه، ونظر في وضعه قبل عشرين سنة، ووضعه اليوم وجد الفرق كبير، كل بحسبه اللي ما وصل الأربعين ينظر إلى نفسه قبل عشر سنوات يجد الفرق كبير، ولسنا نتقدم إلى ما ينفعنا، الإشكال أننا نتأخر، يعني وإن كان الظاهر ملازمة علم وتعليم وقراءة وتذكير، لكن المدار على القلب؛ لأنه هو الذي إذا صلح صلح الجسد كله، قد يكون الظاهر على السنة، لكن الكلام على الباطن، ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأبدانكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)) فالعبرة بالقلب.
"فإن القلب القاسي بعيد من الله، ولكن لا تعلمون" نعم قد يكون الإنسان ممن مسخ قلبه وهو لا يشعر.
"ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب" لا تنظروا في ذنوب الناس، يعني عليك بنفسك، وانشغل بعيبك عن عيوب الناس، ولست برب تحاسب الناس على أعمالهم.
"وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد" نعم أنت عبد مربوب لله -جل وعلا- حاسب نفسك.
"فإنما الناس -اثنان- مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء" ارحموهم، فإن كان البلاء في البدن ساعدوهم على ما يخفف عنهم هذا البلاء، وإن كان البلاء في القلب، أو في العمل، أو في الشكل فعليك أن تسعى إلى رفع هذا البلاء.
"فارحموا أهل البلاء" مو معناه ترحمه تشفق عليه، وتنظر إليه نظرة رحمة وإشفاق من دون أن تقدم له شيء، وأنت تستطيع مما يخفف عنه هذا البلاء.
"فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية" قد جاء الأمر بسؤال الله -جل وعلا- العافية.
قال: "وحدثني مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت ترسل إلى بعض أهلها بعد العتمة" يعني بعد صلاة العشاء، جاء النهي عن تسمية العشاء بالعتمة، لكنه إذا صار ديدناً لهذا المسمى بمعنى أنه لا يعرف بين الناس إلا بالعتمة، ولذلك قال: ((لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء)) يعني إذا كان لا يسميها إلا العتمة وإلا تسميته مرة أو مرات مع حفظ اسمها العشاء هذا لا يضر، وجاء ما يدل عليه.
"فتقول: "ألا تريحون الكتاب؟ " ويكون إراحة الكتاب بأي شيء؟ بالنوم؛ لأن المستيقظ لا سيما إذا كان عنده أحد هذا هو الذي يشغل الكتاب بالقيل والقال.
(180/18)
وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يختم ليله قبل النوم بركعتين، وينام عليهما؛ لتكون كفارة لما بدر منه وحصل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه يكتبون الحسنات والسيئات.
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا من باب التوسع في الكلام.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، الأصل ما يكتب عليه شيء الطفل، لكن مخاطبة الطفل بهذا الكلام إنما هو من باب التوسع في الكلام.
طالب:. . . . . . . . .
إيه ريح ملائكتك.
طالب:. . . . . . . . .
يعني أنهم شقوا بذلك، لا ما يلزم.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يلزم.
طالب: يعني ما في بأس؟
ما في إشكال -إن شاء الله- نعم.
طالب:. . . . . . . . .
ما في جرس خير، الجرس كله شر.
طالب:. . . . . . . . .
منهي عنه، لا تصحبنا رفقة فيها جرس.
طالب: جرس السيارات، ومنبه السيارات.
نفس الشيء إذا كان صوته مثل جرس الدواب الذي جاء ذمه، فإن كان أمره أخف في الإطراب فالأمر سهل، إذا كان أشد فهو أعظم، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في الغيبة:
حدثني عن مالك عن الوليد بن عبد الله بن صياد أن المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي أخبره أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما الغيبة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع)) قال: يا رسول الله وإن كان حقاً؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قلت باطلاً فذلك البهتان)).
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في الغيبة:
يعني ذكر الإنسان في حال غيبته بما يكره، ذكره بما يكره حال غيبته، وأما ذكره بما يكره في حال حضوره، هذا ليس بغيبة، لكن يلزم عليه أنه إذا كان يتأذى بذلك فإنه يأثم، والمواجهة بالكلام البذيء وإن أمكن دفعه، وإن أمكن الرد عليه، ليس من هدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإنه لم يواجه أحداً بما يكره ولو كان فيه.
(180/19)
قال: "حدثني مالك عن الوليد بن عبد الله بن صياد أن المطلب بن عبد الله بن حنطب" ابن صياد: هذا الذي في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، حتى قيل: إنه هو الدجال، وكان بعضهم يحلف عليه، لكن جاء ما يدل على أنه أسلم، وتسمى بعبد الله، لكن ممكن أن يكون هو المراد بالإسناد عبد الله بن صياد؟ الرواية عن الوليد بن عبد الله بن صياد، مالك أدرك التابعين، ولا يمنع أنه أدرك الوليد بن عبد الله بن صياد.
في شرح؟
طالب:. . . . . . . . .
قال عنه شيء؟ ما في شرح ثاني يصير؟
طالب:. . . . . . . . .
معك إسعاف المبطأ السيوطي، اللي معه تنوير الحوالك في آخره إسعاف المبطأ، وقد يذكر في تعجيل المنفعة يعني العادة أن الرجل الذي لم يذكر في تاريخ البخاري، ولا ابن أبي حاتم، ولا ثقات ابن حبان، أنه ميئوس منه، هذه موسوعات الرجال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه قضينا إيه بعده، حديث مرسل.
طالب: عنه .... فهو عن المطلب بن عبد الله بن حنطب.
بس يعني ما تعرض له؟
على كل حال رواية مالك عن الراوي تقوية له بلا شك؛ لأنه لا يروي إلا عن ثقة مالك، مع ذلك أنا أريد علاقة هذا الراوي بابن صياد الذي ذكر أنه هو الدجال، وهو محتمل، يعني بالنسبة للسن يحتمل.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال الله أعلم يمكن نرجع له. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
هو له عقب، لكن السن يحتمل الآن، السن يحتمل أنه ولده.
"أن المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي أخبره أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما الغيبة؟ " أين الإرسال؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا الرجل في المتن، ما هو في السند، المطلب ليس بصحابي، يعني يحكي قصة لم يشهدها.
"أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما الغيبة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع)) " يعني في حال غيبته "قال: يا رسول الله وإن كان حقاً؟ " هذا نعم، وإن كان حقاً هذه الغيبة، وإن كان حقاً، وإن كان فيه ما أقول؟ قال: نعم، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته، هذا البهتان.
"قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قلت باطلاً)) " يعني مما ليس فيه ((فذلك البهتان)).
(180/20)
وهو أعظم وأشد من الغيبة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا الجهالة ما .. ، يعني إذا كان المغتاب المذكور ليس بمعلوم، ولا يؤول إلى العلم، ولا يعرفه أحد من الحاضرين؛ لأنه قد تكون القصة معروفة لأحد من الحاضرين، أو يذكر بوصف كاشف، يعني اشتهر بين الناس أن فلاناًَ من الناس أفتى بكذا، ثم يتعرض لهذه الفتوى وينال من قائلها، ولو لم يسم هذه غيبة، فإذا كان غير معلوم، ولا يؤول إلى العلم، ولا يعرفه أحد من الحضور لا يضره -إن شاء الله-، المجهول ما له غيبة.
طالب:. . . . . . . . .
يعني الكافر؟ الخلاف في الفاسق من المسلمين، جمع من أهل العلم يقول: لا غيبة لفاسق، لكن بعضهم يركز على ما يظهره مما يفسق به، الذي يظهره هو الذي أهدر عرضه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أشد، يعني أهل العلم ينظرون إلى مثل هذا ويبحثونه في القذف، يعني من قذف شخص بعينه زيد من الناس زاني، أو أهل بلد كامل قال: زناة، أيهم أشد؟
طالب:. . . . . . . . .
(180/21)
هذا يجب فيه الحد، إذا قذف شخص بعينه مسمى، أما أهل البلد فهناك قرائن تدل على كذب هذا القول، وإن كان يعزر، نعم قرائن تدل على كذبه؛ لأن فيهم الأخيار، وفيهم الصالحون، وفيهم .. ، تدل على كذبه، ولذلك الفرق بين التحديد بالشخص هل هو أشد؟ التحديد مع اليقين هل هو أشد من التعميم مع الظن؟ لأن يرمي أهل بلد، أو يتكلم في أهل بلد ما هو مثل ما يتكلم بشخص بعينه، والخلاف في كونهما كون هذا أشد أو ذاك يؤخذ من خرق السفينة، وقتل الغلام، خرق السفينة قال: إمراً، وقتل الغلام قال: نكراً، خرق السفينة ليس بمقطوع أن جميع من في السفينة يغرق، مظنون، وقتل الغلام، أولئك جماعة السفينة فيها يمكن مائة شخص، والغلام واحد، لكن قتله مقطوع به، ويختلفون في أيهما أشد إمرا ونكراً؟ مع أنه جاء في الحديث الصحيح قال: نكراً، وهذه أشد، يعني قتل الغلام قال: وهذه أشد في الحديث الصحيح، فهذه تقطع الخلاف بأن المقطوع به أقوى من المظنون وإن كان في جملته أشد وأعظم، ونستفيد من هذا أن كثير من الناس يقع في المحرم، مجزوم في تحريمه ويقع فيه، فإذا نوقش قال: أنا دفعت بهذا المحرم أمر أعظم، وأنت ما تدري، هذه حجة كثير من الناس ترى، أننا ندفع أمر أعظم، وأنتم ما تدرون، فيقع في المحرم بيقين ليدفع ما هو أعظم منه على حد زعمه؛ لأنه وهو مظنون، نقول: المقطوع به أولى بالاجتناب من المظنون، وإن كان أعظم منه، مثلما وقع من قوله: إمراً، أو نكراً، هذه يعني نناقش بعض المسئولين، لما يقال له: أنت كيف مر من عندك هذا المنكر وأنت على اطلاع منه وإقرار وهذا توقيعك؟ قال: نعم، أنت ما تدري، ما هو بأكيد أنه يقع المظنون المتوقع، وقد يعاقب الإنسان يكون وقوعه في المظنون الأعظم من باب العقوبة له لارتكابه المجزوم به، والمقطوع به.
نقف على هذا.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك ...
(180/22)
شرح: الموطأ – كتاب الجامع (13)
باب: ما جاء فيما يخاف من اللسان - باب: ما جاء في مناجاة اثنين دون واحد - باب: ما جاء في الصدق والكذب - باب: ما جاء في إضاعة المال وذي الوجهين - باب: ما جاء في عذاب العامة بعمل الخاصة - باب: ما جاء في التقى - باب: القول إذا سمعت الرعد - باب: ما جاء في تركة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: الوليد بن عبد الله بن صياد، ذكره ابن حبان في الثقات في أتباع التابعين.
أتباع التابعين في الرابعة أو في التابعين؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
الثقات لابن حبان، الأول الصحابة، نعم، في أتباع التابعين في الرابعة.
قال: يروي عن المطلب بن حنطب روى عنه مالك بن أنس.
قال ابن حجر في التعجيل: روى عن المطلب بن حنطب أنه أخرجه، وهذا الحديث، قال: لم يترجم ابن عبد البر للوليد هذا، أما ابن الحذاء فقال في الموطأ: هو أخو عمارة، قال: ولم يقع ذكره في تاريخ البخاري، ولا في كتاب ابن أبي حاتم، ولكن ذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة من الثقات، ولم يزد على ما في الموطأ.
يقول: وكان أصغر من عمارة، فإن عمارة مذكور في التابعين، له سماع من جابر.
لكن ما بين لنا أنه ...
لا، لا، جاءنا من الإخوان من قال: عمارة هذا ابن عبد الله بن صياد الذي اتهم بأنه الدجال.
طالب:. . . . . . . . .
لا أنا ما يهمني هو ثقة أو ليس بثقة، يهمني أنه هل هو لعبد الله بن صياد الذي اتهم بأنه الدجال وإلا لا؟
طالب:. . . . . . . . .
ما ذكر هنا.
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا هو اللي يهمنا إحنا.
يقول: بعض الإخوة هداهم الله يؤخر الكتب من على الأرض.
يعني أنه يرفع الكتاب الذي حجز صاحبه المكان له بكتابه.
يقول: ثم يتقدم مع العلم أننا سبقناه إلى المكان، وإذا رجعنا بعد النافلة تحرجنا أن نكلمه.
(181/1)
على كل حال الذي في داخل المسجد له أن يحجز، الذي يريد أن يتكأ على جدار ويحجز في الصف الأول له ذلك، المقصود أنه لا يجوز أن يحجز مكان ويتحجر مكان وهو خارج المسجد، اللهم إلا إذا تقدم إلى مكان ثم خرج من المسجد ليعود إليه قريباً، يعني يحتاج للدورة، يحتاج شيء، يعود قريباً لا بأس، لا بأس أن يحجز مكان.
هذا كلام طويل عن المشرق والمراد به.
يقول: ذكرتم في الدرس قبل الماضي في باب: ما جاء في المشرق أن المقصود به العراق لرواية الطبراني، ولكني وقفت على كلام لشيخ الإسلام في الفتاوى في المجلد الرابع.
ثم ذكر أنه يراد بالمشرق ما هو أعم من ذلك، هذا الكلام صحيح، كل ما كان شرق مكة أو شرق المدينة فهو مشرق، هذا في الكلام العام، لكن المقصود به في هذا الحديث تبينه الروايات الأخرى، رواية الطبراني تبين المراد به في هذا الحديث.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء فيما يخاف من اللسان
حدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة)) فقال رجل: يا رسول الله لا تخبُرُنا.
لا تخبرْنا.
أحسن الله إليك.
فقال رجل: يا رسول الله لا تخبرنا، فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم عاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال مثل مقالته الأولى، فقال له الرجل: لا تخبرنا يا رسول الله، فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك أيضاً، فقال الرجل: لا تخبرنا يا رسول الله، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مثل ذلك أيضاً ثم ذهب الرجل يقول مثل مقالته الأولى فأسكته رجل إلى جنبه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة، ما بين لحييه وما بين رجليه، ما بين لحييه وما بين رجليه، ما بين لحييه وما بين رجليه)).
(181/2)
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- دخل على أبي بكر الصديق وهو يجبذ لسانه، فقال له عمر: مه غفر الله لك، فقال أبو بكر: إن هذا أوردني الموارد.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء فيما يخاف من اللسان
قدم ذكر الغيبة لكثرة وقوعها بين الناس، وإلا هي داخلة في هذا الباب، لكنه أفردها في باب خاص للاهتمام بشأنها والعناية بها، وشدة التحذير منها.
يقول:
باب: ما جاء فيما يخاف من اللسان
(181/3)
"حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من وقاه شر اثنين ولج الجنة)) " يعني من جسده، اثنين من جسده ولج الجنة، دخل الجنة إذا كفي ووقي شر هذين الاثنين "فقال رجل: يا رسول الله لا تخبرنا" يعني الذي يستمع هذا الكلام يستعظم مثل هذا الأمر "يا رسول الله لا تخبرنا" والعلماء يوجهون مثل هذا أنه خشي من تبعة هذا القول، أنه إذا بين ووضح وفصل عجز عن اتقاء شر هذين الاثنين، فيبقى الأمر على الإجمال أيسر من التنصيص؛ لأن الشيء إذا نص عليه لزم ((ذروني ما تركتكم)) مع أن في هذا المتروك الذي فيه سعة ما دام متروك لو بين ووضح وحذر منه، ونص عليه صار الأمر فيه أشد "يا رسول الله لا تخبرنا" خلنا على الإجمال ويكون الأمر فيه أخف؛ لأن النصوص العامة والقواعد العامة يعني دخول بعض المفردات فيها أخف من أن ينص على بعض مفرداتها، يعني البدن فيه أكثر من اثنين، ما بين لحييه وبين رجليه، وفيه عينان، وفيه أذنان، وفيه يدان، وفيه أمور تزاول المعاصي بواسطتها، فالأمر أعم من أن يكون بين اللحين، وبين الرجلين، لكن إذا نص على ما بين اللحين وبين الرجلين صار الأمر فيهما أشد، فهذا يريد أن تدخل في العموم في الجملة، فيكون الأمر فيها أخف، لا تخبرنا، يعني من عرف أنه في بيته سُرق له شيء، والاحتمال لا يتعدى الزوجة والأولاد ما في غيرهم، الأبواب مغلقة، كون الأمر يبقى محتمل بين هؤلاء المجموعة خمسة أو ستة أو عشرة أيسر وإلا بين أن يبقى منصوص على شخص بعينه منهم؟ العموم أخف من التخصيص، فخشي هذا أنه إذا نص وخصص شيء يكون فيه من الشدة بحيث لا يستطاع، وإلا الرسول يقول: ((من وقاه شر اثنين ولج الجنة)) فقال رجل: يا رسول الله لا تخبرنا، كأن هذا فيه اعتراض على ما أرد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يخبر به، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
في رواية: "ألا" في رواية أخرى، لكن الرواية التي معنا: "لا تخبرنا" وهي رواية الأكثر، لكن في رواية أخرى أنه على سبيل العرض، يعني طلب منه برفق ألا تخبرنا، من أجل أن نتقي هذين الأمرين هذا أسلوب مقبول من أجل أن يحذر هذين الاثنين ويحتاط لهما، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(181/4)
لا، لا، لا بد أن تدل القرائن على الزيادة، وإلا الأصل أن النفي أو النهي ثابت، هذاك نفي، وهنا نهي، الأمر الثاني أن هناك جواب القسم يدل على أنه قسم، القرينة تدل على أنه قسم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لا، معروف أنه لا سيما مع التكرار، يخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول ما يقول، ثم يقول: لا تخبرنا، لا تخبرنا، الرواية الأخرى فيها العرض، يعني طلب الإخبار برفق، يعني ألا تخبرنا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
يكون على الضد، الذي خشي من الإخبار الذي أسكته، يكون على الضد، يعني في رواية: لا تخبرنا الذي خشي من تبعة الإخبار هذا الرجل، والذي أراد الإخبار الذي أسكته، وفي رواية العرض: ألا تخبرنا، العكس، الذي خشي من تبعة الإخبار الذي أسكته.
"فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم عاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال مثل مقالته الأولى" ((من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة)) "فقال له الرجل: لا تخبرنا" فقال رجل، ثم في الموضع الثاني فقال له: الرجل، النكرة إذا أعيدت معرفة فهي عينها، نفس الرجل، لكن لو قال: فقال رجل، ثم فقال له رجل يعني آخر، فلما جاء به معرفة صار عينه، عين الرجل الأول "لا تخبرنا يا رسول الله، فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال مثل ذلك" ((من وقاه الله شر اثنين)) ... إلى آخره.
(181/5)
"فقال الرجل: لا تخبرنا" وهو الرجل عينه، الأول "لا تخبرنا يا رسول الله، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك، ثم ذهب الرجل يقول مثل مقالته الأولى فأسكته رجل إلى جنبه" يعني من التكرار، من تكرار النبي -عليه الصلاة والسلام- لهذا الخبر كأنه يود أن يخبر، لكن من أدبه -عليه الصلاة والسلام- لا يحب المصادمة من أول الأمر، لعل الرجل يفهم، لعله يترك، لعله يترك من نفسه من دون أن يسكت فأسكته رجل، نعم إلى جنبه "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة)) " دخل الجنة ((ما بين لحييه وما بين رجليه)) يعني ما بين لحييه يعني اللسان، بين الفكين اللحيين نعم هو اللسان، وما بين رجليه يعني الفرج "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة، ما بين لحييه وما بين رجليه، ما بين لحييه وما بين رجليه)) " كررها ثلاثاً للتأكيد.
قال: "وحدثني مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب دخل على أبي بكر الصديق وهو يجبذ لسانه فقال له عمر" أبو بكر الصديق أفضل الأمة بعد نبيها، يعني أفضل المخلوقين بعد الأنبياء على الإطلاق، دخل عمر "دخل على أبي بكر الصديق وهو يجبذ لسانه" يجبذ ويجذب بمعنى واحد، يجذب لسانه بيده "فقال له عمر: مه" اكفف، ما الذي دعاك إلى هذا؟! "غفر الله لك! فقال أبو بكر: إن هذا أوردني الموارد".
وهل تظنون أنه ينطق بمحرم عن علم بتحريمه، وهو خير هذه الأمة بعد نبيها؟ حاشاه، وليس بمعصوم، لكن قوله: إن هذا أوردني الموارد يعني في الكلام بما هو مفضول مثلاً، وبما هو خلاف الأولى، يعني عندنا كلام واجب، وكلام مستحب، وكلام مباح، وكلام مكروه، وكلام محرم، فالذي يتكلم بالمستحب مع إمكانه أن يتكلم بالواجب، هذا خلاف الأولى، يتكلم بمباح مع إمكانه أن يتكلم بمستحب بدلاً من القيل والقال الذي لا تبعة فيه، ولا تحريم فيه يسبح ويذكر الله -جل وعلا-، صار يتكلم بما هو خلاف الأولى، فضلاً عن أن يتكلم بالمكروه والمحرم.
(181/6)
وسلف هذه الأمة يتعاظمون كثير من الأمور التي هي ليست بشيء عند غيرهم، ليست بشيء، يعدون بعض الأمور من العظائم وهي عندنا كأنه ذباب وقع على الأنف فطرد، لا شيء، فأبو بكر يقول: إن هذا أوردني الموارد، فكيف بغيره؟ كيف بغيره ممن اعتاد أن يقضي أوقاته بالقيل والقال، ولا بد أن يخرج عن دائرة المباح إلى المكروه، إذا كثر الكلام وطال المجلس لا بد أن يكون للشيطان فيه نصيب، ثم بعد ذلك هناك أقوام وفئام من الناس لا يتورعون عن الكلام المحرم، ومع الأسف أنه قد يوجد بين بعض طلاب العلم، بعضهم كأنه نصب حكماً بين العباد، إذا جلس في مجلس ليس له هم إلا أن فلان قال، وفلان أفتى، وفلان زعم، وفلان ترك، فيأتي يوم القيامة مفلساً، وإن كان له أعمال.
المفلس كما قال في الحديث الصحيح: أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، يعني الحقيقة وهي حقيقة شرعية هذا مفلس، من وجد متاعه عند رجل قد أفلس هذا هو، يعني من زادت ديونه على موجوداته هذا مفلس، لكن المفلس الحقيقي الخسارة الحقيقية خسارة الآخرة، والدنيا كلها لا تعدل شيء بالنسبة للآخرة، المفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال، ثم بعد ذلك يوزعها على من يقع في عرضه، يقع في ماله، يقع بشتمه، بضربه، بسفك دمه، يوزع هذه الأعمال التي هي أمثال الجبال تعب عليها، لكنه لم يستطع صيانتها ولا حمايتها، لا عن غيره بل عن نفسه، ما استطاع، اللسان هو الذي يورد الموارد، ويورد المهالك، قد ينطق بالكلمة كما تقدم لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً، وإذا كان أبو بكر هذا وضعه يقول: أوردني الموارد فكيف بغيره؟! نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه سيسترون عليه هذه عادتهم، يبهم ستراً عليه، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في مناجاة اثنين دون واحد
(181/7)
حدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار قال: كنت أنا وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عند دار خالد بن عقبة التي بالسوق، فجاء رجل يريد أن يناجيه، وليس مع عبد الله بن عمر أحد غيري، وغير الرجل الذي يريد أن يناجيه، فدعا عبد الله بن عمر رجلاً آخر حتى كنا أربعة، فقال لي وللرجل الذي دعاه: استأخرا شيئاً، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يتناجى اثنان دون واحد)).
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون واحد)).
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في مناجاة اثنين دون واحد
ما جاء من النهي في المناجاة، يعني المفاعلة كل واحد يناجي الثاني، اثنين دون واحد، أما إذا كان أكثر من واحد كما بينه في الحديث الذي هو صدر الترجمة، المصدر به الباب فلا مانع، ولا شك أن مناجاة اثنين دون الثالث يحزنه، ويوقع في قلبه شيء، قد يسول له إبليس، ويوسوس له أنهما يريدان الإساءة إليه، ومناجاتهما بعيدة كل البعد عن هذا، وإذا وجدت مثل هذه الوساوس وهذه الخواطر حصلت البغضاء، وحصلت الشحناء، وحصلت الأحقاد بين المسلمين، وهذه أمور جاء الشرع بحسمها، ولا تدخلوا الجنة حتى تحابوا، وإذا وجدت الشحناء والبغضاء انتفت هذه الصفة التي التحاب في الله -جل وعلا-.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
هو الأمر لا يعدوه، لكن يبقى أنه لا بد أن يكون في نفسه شيء، قد يأذن من باب المجاملة، لكن نفسه لا بد أن يبقى فيها شيء.
(181/8)
قال: "حدثني مالك عن عبد الله بن دينار قال: كنت أنا وعبد الله بن عمر عند دار خالد بن عقبة التي بالسوق، فجاء رجل يريد أن يناجيه" يناجي من؟ يناجي عبد الله بن عمر "وليس مع عبد الله بن عمر أحد غيري وغير الرجل الذي يريد أن يناجيه، فدعا عبد الله بن عمر رجلاً آخر" بالسوق، قال: تعال يا أخي اجلس مع هذا "فدعا عبد الله بن عمر رجلاً آخر حتى كنا أربعة" المناجي والمناجى مع الثالث والرابع الذي أضيف إليه "فقال لي وللرجل الذي دعاه: استأخرا شيئاً" من أجل إيش؟ ألا يسمعا الكلام؛ لأن المناجاة الكلام الخفي، ولا يخفى إلا من أجل ألا يسمع "استأخرا شيئاً، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يتناجى اثنان دون واحد)) " هذا في الكلام الخفي المخافتة في الكلام، إذا كان الكلام بلغة لا يفهمها الثالث، وإن كان مع رفع الصوت هل يدخل في هذا أو لا يدخل؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب: العلة موجودة.
العلة موجودة، يعني لو دخل، جاء واحد جالس في المسجد فدخل عامل المسجد من غير العرب، ودخل مع واحد ثاني ويتكلمون وأنت جالس، نقول: لا يجوز تتكلمون حتى يحضر رابع؟
طالب: يا شيخ لو كانوا ثلاثة في مجلس ويتكلمون مع بعض ثم تكلم اثنين منهم بالإنجليزية؟
لأنهم يعرفون، هذا ما فيه إشكال، القرينة تدل على أنهم .. ، العلة واضحة؛ لأن القرائن لها مدخل في مثل هذا، قد يكون الاثنان ما لهم علاقة بالثالث ذا، يتحدثون في موضوع لا يعنيه، هل نقول: لا بد من إحضار رابع؛ لأن العلة موجودة؟ أو إذا دلت القرينة على أنهم مجموعة ثلاثة، ثم انفردوا بكلام بحيث لا يفهموا، بلغة لا يفهموها، وهو منهم وبينهم؟ فلا شك أن القرائن لها أثرها في مثل هذا، يعني لو أن اثنين يسولوفون مرتكئين على قدام هناك يسولفون ودخل واحد، دخل ونحر البرادة يشرب، ثالث ما يسمع كلامهم، نقول: لا بد تجيب رابع معك؟ ما له علاقة هذا، الكلام فيما إذا كانوا مجموعة ثلاثة، ثم انفرد واحد بالثاني، صاروا يتناجون، والثالث لا شك أنه يحزنه، أما إذا كان لا ارتباط له بهم أو بهما فهذا الأمر لا يدخل في مثل هذا.
(181/9)
أيضاً لو كانت المناجاة بين ثلاثة وأربعة دون رابع أو خامس، نفس الكلام، نفس العلة، العلة موجودة.
"وحدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون واحد)) " وهو بمعنى ما تقدم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
العلماء يقررون أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، إذا كانت منصوصة، وإذا كانت مستقلة بالحكم، أما إذا كان الحكم لأكثر من علة فلا يدور معها الحكم، لكن يبقى أن العلة كالمنصوصة هنا؛ لأنه يحزنه، جاء التنصيص على أنه يحزنه، لكن إذا دلت القرائن على أنه غير مقصود في الكلام أصلاً، أو طارئ عليهما، اثنين يتناجون وواحد دخل وجلس بزاوية من المسجد، نقول: لا يتكلمون، يسكتون إلى أن يجيب رابع؟ هل هو المكلف أن يأتي أو هم؟ لا، القرائن تدل على عدم إرادته، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني صنيع ابن عمر؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني هذه حيلة لارتفاع العلة، يعني ابن عمر جاء بواحد للخروج من النص، يعني الإتيان برابع للخروج من النص.
طالب:. . . . . . . . .
التورق أمة الإسلام كلهم على جوازه.
طالب:. . . . . . . . .
أنت لو، لا، لا ما هو بحيلة ولا شيء يا رجال، لا أنت لو قلت مثل صنيع ابن عمر في ترك المجلس، مجلس الخيار؛ لينهي خيار المجلس كان يخطو خطوات ابن عمر من أجل أن يبطل خيار المجلس، وهو الذي جاء النص بعدم جوازه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا العلة ارتفعت ويوجد رابع، بحيث لو تناجى هذان الاثنان لإيذاء هذا الثالث؛ لدفع عنه هذا الرابع الذي معه، فالعلة ارتفعت، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في الصدق والكذب
حدثني عن مالك عن صفوان بن سليم أن رجلاً قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أكذب امرأتي يا رسول الله؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا خير في الكذب)) فقال الرجل يا رسول الله أعدها وأقول لها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا جناح عليك)).
(181/10)
وحدثني مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- كان يقول: عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، ألا ترى أنه يقال: صدق وبر وكذب وفجر.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أنه قيل للقمان: ما بلغ بك ما نرى؟ يريدون الفضل، فقال لقمان: صدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك ما لا يعنيني.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- كان يقول: لا يزال العبد يكذب وتنكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه كله، فيكتب عند الله من الكاذبين.
وحدثني عن مالك عن صفوان بن سليم أنه قال: قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أيكون المؤمن جباناً؟ قال: ((نعم)) فقيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟ فقال: ((نعم)) فقيل له: أيكون المؤمن كذاباً؟ فقال: ((لا)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الصدق والكذب
الصدق هو الكلام المطابق للواقع، والكذب المخالف للواقع، هذا الأصل فيه، وقد يكون مطابقاً للواقع وهو كذب، حقيقة شرعية، يعني كما جاء في تكذيب العراف والكاهن، وتكذيب القاذف، هو كاذب، وإن طابق كلامه الواقع؛ لعدم استكمال النصاب، والكاهن والعراف وإن صدق فيما يقول لكنه كاذب حقيقة شرعية؛ لأن بعض الناس يقول: لا يمكن أن أدفع التصديق عن نفسي وهو كلامه مطابق للواقع، نقول: لا بد أن تدفع التصديق، أن تقول: أنت كذبت ولو طابق الواقع، وهذه حقيقة شرعية، أما الأصل في الكلام أنه إما صدق وإما كذب، ولا واسطة بينهما عند أهل السنة، ويرى المعتزلة أن هناك واسطة كلام ليس بصدق ولا كذب، والصدق والكذب يعني مخالفة الواقع أو مطابقة الواقع بغض النظر عن القصد، فيكون كذاباً لو أخطأ، لكن الفرق بينهما أن هذا يلام عليه، ويؤاخذ به إذا كان عن قصد، وذاك لا يؤاخذ به إذا كان عن غير قصد.
(181/11)
قال: "حدثني مالك عن صفوان بن سليم أن رجلاً قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أكذب امرأتي" يعني أكذب عليها، أعدها ولا أفي، إذا اشتريت لها شيئاً أزيد في قيمته، اشترى هذا القماش بمائة قال: بخمسمائة، وقس على هذا "قال: أكذب امرأتي" يعني أكذب عليها يا رسول الله؟ "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا خير في الكذب)) " كره الكلمة، الأصل في الكذب أنه لا خير فيه، كما قال: ((أكره العقوق)) لما سئل عن العقيقة، نفس الكلمة مكروهة، مادتها مكروهة "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا خير في الكذب)) فقال الرجل: يا رسول الله أعدها وأقول لها؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا جناح عليك)) " لأن النساء جبلن على كثرة المطالب، ولا تتخلص منها إلا بمثل هذا أحياناً، يعني في ظرف لو تقول لها: لا، ما عندي استعداد مشكلة، تقوم مشكلة لا تسكن، والمشاكل لا تعد ولا تحصى بين الزوجين، فينتهي من هذا الظرف الذي يعيش فيه بمثل هذا، وتنحل فيما بعد، يعني تهدأ فيما بعد، وتراجع نفسها، والآن في هذا الظرف لا يمكن مناقشتها، في ظرف ثاني يمكن مناقشتها، فالمرأة لو لم يسلك معها هذا المسلك ما يمكن تعيش مع زوجها عيشة تضمن الاستمرار.
طالب:. . . . . . . . .
بس عاد لا يزيد زيادة فاحشة، على أنها تعرف هي يعني ما هي ...
(181/12)
يعني من الطرائف شخص اشترى قماش لزوجته المتر بعشرة دراهم من الإمارات، وهو من أهل هذه البلاد، فجاء به فقالت زوجته: بكم هذا؟ قال: المتر بمائة درهم، ولا يوجد عندنا، ودته الخياط، وفصل ولبس في مناسبة في زواج، وكل من رآه ما شاء الله إيش هذا القماش؟ قالت: هذا من الإمارات، المتر بمائة درهم، وجاءت بوصايا كثيرة من النسوة، فلما رأى الدراهم كثيرة، وما يمكن إذا كذب على زوجته ما يمكن يكذب على الناس، فقال لها: ما دام -الحمد لله- أعجبك وأعجب النساء المتر بعشرة دراهم، فدعت عليه، قالت دعت عليه بكلام شنيع وقبيح، وقالت: إنك خجلتها بين الناس، تلبس الشيء الرديء، وهو معجب للناس كلهم، قال: رجعي الدراهم على أهله، ما يمكن نشتري هذا، فصار بدلاً من أن يكون أطيب شيء صار أردأ شيء، تبعاً لقيمته، فمثل هذه الأمور لا شك أنها تمشي الأمور، لكن إذا أريد حقيقة الأمر لا بد من المصارحة، يعني إذا دخل طرف ثالث لا يجوز الكذب عليه، هذا لا بد أن ينكشف الأمر.
"فقال: ((لا جناح عليك)) " هل يدخل في حكم المرأة الولد مثلاً؟ الولد يحتاج إلى شيء، وقد يكلف الأب يحتاج إلى شيء نظيره مع زملائه وقيمته غالية، فيحضر بثمن مناسب لحاله ويقول: اشترينا لك بكذا، بعضهم يسلك التورية، يصرف الريال، يعني إذا كان بخمسة ريال، وعشرة ريال، قال: بمائة أو مائتين، يعني قرش، قال: بمائة إذا كان بخمسة، أو بمائتين يوري في مثل هذا ليسلم فالأمر في التورية أمرها واسع، لا سيما إذا كان فيها تخلص من غير حق، يعني ما هو مطالب أن يشتري له بمائة، والله ظروفه لا تحمل المائة مثلاً، فيشتري له رخيص ويقول: بمائة، بعضهم يسلك مثل هذا، وهو مخرج حسن أحسن من الكذب الصريح، وليس الولد مثل المرأة.
طالب:. . . . . . . . .
مقام إبراهيم، ذكرنا هذا في درس.
طالب:. . . . . . . . .
قلنا: هذا لمقام إبراهيم، يعني عد كذب وليس بكذب.
طالب:. . . . . . . . .
إلا فيه، مائة قرش صحيح، صحيح هو بألف ليرة مثلاً، خليه يقول: ألف، أو مائة ألف ريال يمني أو تركي، أو شيء من العملات الـ ...
طالب:. . . . . . . . .
أيش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
(181/13)
((لا خير)) جاء من طريق دلالة على جواز الكذب على المرأة، ما في إشكال.
قال: "وحدثني مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- كان يقول: عليكم بالصدق" إغراء، "عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر" هذا الحديث مرفوع، هنا وقفه على ابن مسعود، وهو في الحقيقة مرفوع "فإن الصديق يهدي إلى البر" البر الجامع لأبواب الخير كلها "والبر يهدي إلى الجنة، وإياكم والكذب" تحذير من الكذب "فإن الكذب يهدي إلى الفجور" الذي يجمع أبواب الشرور "والفجور يهدي إلى النار، ألا ترى أنه يقال: صدق وبر" يعني يعطف الشيء على نظيره، البر عطف على الصدق "وكذب وفجر" والشيء يعطف على نظيره، فالفجور يعطف على الكذب، ولا شك أن الأمور قد تكون مقدماتها خفيفة، ثم يعاقب بما هو أشد منها، فيقع فيه، ثم يعاقب بالأعظم {ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [(61) سورة البقرة] عوقبوا بأي شيء؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، آية البقرة؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ} [(61) سورة البقرة] نعم، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [(61) سورة البقرة] والمقدمة الأخيرة، المقدمة الأولى صارت الآخر، يعني {بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ} [(61) سورة البقرة].
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا أنا أبي آية البقرة.
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أن كل ذنب رتب على ما قبله، فكونهم كفروا سببه أنهم كانوا قبل ذلك عصوا وكانوا يعتدون، عوقبوا بما هو أعظم الذي هو الكفر، فكانت النتيجة النهاية أنهم غضب الله عليهم ... إلى آخره.
المقصود أن الذنب قد يكون صغير، ثم بعد ذلك يعاقب بما هو أعظم منه، ثم يعاقب بأن يخرج من الدين بالكلية.
"إياكم والكذب فإنه يهدي إلى الفجور" الآن كذب، تجد الإنسان يتساهل بالكذبة والكذبتين، ثم بعد ذلك يكون الكذب خلق له كما سيأتي.
(181/14)
قال: "وحدثني مالك أنه بلغه أنه قيل للقمان: ما بلغ بك ما نرى" يريدون الفضل "فقال لقمان: صدق الحديث وأداء الأمانة" والكذب من علامات النفق ((إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان)) "وترك ما لا يعنيني" ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)).
قال: "وحدثني مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول: لا يزال العبد يكذب وتنكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه كله" يعني كما تعرض المعاصي على القلوب، وتعرض البدع على القلوب، فإذا أحبها وأشربها، وتتابعت عليه أسود قلبه، -نسأل الله السلامة والعافية-، وتنكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه، تجتمع هذه الأمور حتى يسود، فيكتب عند الله من الكاذبين.
قال: "وحدثني مالك عن صفوان بن سليم أنه قال: قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أيكون المؤمن جباناً؟ قال: ((نعم)) " لأنه جبل على حب البقاء، والشجاعة لا شك أنها موردة، قد يقتل بسببها.
"قال: ((نعم)) فقيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟ " لأنه جبل على حب المال "فقال: ((نعم)) فقيل له: أيكون المؤمن كذاباً؟ فقال: ((لا)) " لماذا؟ لأنه لم يجبل على الكذب، جبل على حب البقاء، جبل على حب الدنيا، جبل على حب المال ((يشب ابن آدم ويشب منه خصلتان حب الدنيا وطول الأمل)).
الرجل يكذب ويتحرى الكذب، ثم بعد ذلك يكون له سجية، فلا يزال يكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، لكن على الإنسان أن يلزم الصدق، وبعض الناس قد يكذب لا لمصلحة، إنما اعتاد هذا الأمر، صار عنده الصدق والكذب سواء، ثم ترجح عنده الكذب فصار هو ديدنه، نسأل الله العافية.
طالب:. . . . . . . . .
يعني اللي سبق؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه معروف، هذا معروف ما في إشكال -إن شاء الله-.
طالب:. . . . . . . . .
يعني يكذب على امرأته فيما لا يتعلق بها، يعني يكذب عليها أنه فعل وترك وشجاع وفعل ... ، لا، لا ما ينفع هذا، يكذب عليها فيما يتعلق بها، أما ما لا يتعلق بها فهي كغيرها.
طالب:. . . . . . . . .
(181/15)
هذا أمره سهل إذا كان يتعلق بها، لكن لو وصف نفسه بأوصاف أو بأفعال أو كذا ليست صحيحة مثل غيرها، لكن مثل هذا يعني ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)) لكن قد تدعوه شهوته وغريزته إلى شيء من ذلك ثم يثوب ويعود ويتوب أو لا يتوب فيعاقب به، هذا لا يخرجه من ... ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
فيما يوافق ما يجوز أن يكذب عليها به، يعني يحرجها في أمور لا تستطيعها، فيقول: أنت مثلاً لا تعرفين الطبخ مثلاً، ثم تقول: لا، أنا أطبخ كذا، أو طبخت كذا، أو فعلت هكذا عند أهلي، أو ... ، يعني تتخلص منه مثلما يتخلص منها، يعني إذا عرفنا السبب والعلة التي يدور عليها الحكم تعدت، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في إضاعة المال وذي الوجهين
حدثني عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويسخط لكم ثلاثاً، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم)).
تنَاصحوا وإلا تُناصحوا؟
طالب: إيه فتحها يا شيخ.
إيه عندنا فتحها، لكن معناها؟
طالب: إيه تُناصحوا.
((وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويسخط لكم قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال)).
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه)).
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في إضاعة المال وذي الوجهين
وذو الوجهين، المال هو مال الله، وصاحبه مؤتمن عليه {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النور].
(181/16)
قال -رحمه الله-: "حدثني مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه أبي صالح السمان ذكوان عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويسخط لكم ثلاثاً)) " ذكرنا مراراً أن ذكر العدد يفيد، يعني لو قال: إن الله يرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا ... إلى آخره من دون ثلاثاً، فحفظها الإنسان وأراد استذكارها قد ينسى منها شيء، لكن إذا كانت ثلاث وثلاث حسب بأصابعه واحد اثنين ثلاثة، واحد اثنين ثلاثة، إذا نسي شيء لا بد أن يراجع.
قال: ((إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويسخط لكم ثلاثاً، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً)) وهذا مع كونه مرضي هو فرض، بل لا يصح الإسلام إلا به ((وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً)) يعني: ولا تفرقوا، بحبل الله بكتابه بدينه ((وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم)) ولي الأمر له من الحقوق ما تقدم تجب طاعته و ((الدين النصيحة)) قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم)) فهو أولى الناس بالمناصحة، وهذا لا يعني كونه يناصح أو كونه ينبه لا يعني هذا نزع اليد من الطاعة، أو أن هناك تعارض بينهما، ولذا جاء الجمع بينهما في حديث عبادة بن الصامت: "بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، على أن نقوم أو نقول بالحق، لا نخاف في الله لومة لائم" لكن بالأسلوب الذي يحقق المصلحة، ولا يترتب عليه مفسدة؛ لأن شأن النصيحة، وشأن الإنكار أمره مقرر عند أهل العلم، ألا يغير بمنكر أعظم منه.
(181/17)
قال: ((وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم)) المناصحة لا بد منها، وإذا لم يناصح ولم يبين له كيف تستقيم الأمور إذا كان الديدن غشه بالثناء الكاذب، هذا أهل العلم يؤكدون على مثل هذا، أنه من الغش لولي الأمر أن يثنى عليه ثناءً كاذباً أنت فعلت وتركت، وما أدري ويش؟ ويغطى عنه الجانب الآخر، بل العكس نصيحته هي التي تنقذه من عذاب الله -جل وعلا-، وتنقذ غيره، فالنصح لا بد منه، لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- في الأسلوب الحصري قال: ((الدين النصيحة)) لكن بالشرط الذي اتفق عليه أهل العلم، لا يترتب على ذلك مفسدة أعظم، إذا ترتب على ذلك مفسدة أعظم ما حققت النصيحة ولا حققت الأمر والنهي الفائدة المرجوة منه.
قال: ((ويسخط لكم قيل وقال)) يعني كثرة الكلام، قيل كذا، وقال فلان كذا، وكفى بالمرء إثماً أو كذباً أن يحدث بكل ما سمع، تجد الإنسان يفرح بأي خبر من أجل أن يروج به، وينفق، وتتسع له مجالس الناس، إذا جلس والله فلان -ما شاء الله- يسولف ما شاء الله، وعنده أخبار، وعنده علوم، وتجد فلان يلزم عليه، وأنت من المبطئين ما شفناك، وأنت ما سيرت، وتجده من مجلس لمجلس من أجل إيش؟ أنه قيل وقال، كأنه إذاعة، ما يسكت أبد، ولو يقول: لا إله إلا الله من دون أن يتعرض لهم بشيء استثقلوه، إذا كان هذه عادته، وهو مرغوب من أجل هذا، فكيف إذا أنكر عليهم شيئاً يكرهونه، والحق ثقيل على النفوس، يمكن ما يدعى مرة ثانية.
((ويسخط لكم قيل وقال)) وفي هذا الحديث صفتي الرضاء والسخط لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته ((يسخط لكم قيل وقال)) هذا في المباح، فكيف بالحرام؟ ((وإضاعة المال)) أنت مؤتمن على هذا المال، ليس لك، بل هو مال الله، لا يجوز لك أن تضيعه، ولا تؤتيه السفهاء ((وإضاعة المال، وكثرة السؤال)) كثرة السؤال فيما لا يعني، في أمور الدين، في أمور الدنيا، سؤال عن أمور غيبية، سؤال تعنيت، سؤال إحراج، سؤال عن أمر لا يمكن أن يقع يدخل في هذا، وإلا السؤال الذي وراءه الفائدة جاء الأمر به {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(43) سورة النحل].
(181/18)
قال: "وحدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من شر الناس ذو الوجهين)) " معنى ذو الوجهين أنه له وجه يقابل به فئة، وله وجه آخر يختلف تماماً يقابل به فئة أخرى.
قال: " ((الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه)) " تجده إذا جلس مع الأخيار من خير الناس، وإذا جلس مع الأشرار من شر الناس، وإذا جلس مع الناس العاديين صار مثلهم، كل هذا ليمشي مع جميع الناس، ومع جميع الطبقات.
المسلم عليه أن يكون مستقيماً على الصراط المستقيم ظاهراً وباطناً، رضي من رضي، وغضب من غضب، تجد بعض الناس إذا كان في مجالس يعني فيها توسع توسع أكثر من العامة، وهو في الأصل طالب علم، بحيث يتسع له مجالسهم، إذا جلس مع العباد والزهاد تجده مطأطئ الرأس كأنه أزهد الناس، وإذا جلس مع الأشرار بادرهم بالأخبار، وجاذبهم الحديث، وتوسع معهم هذا ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه، لكن لو جلس مع الأخيار مثل مجلسه السابق مع الأشرار طردوه، وإذا جلس مع الأشرار مثلما يجلس مع الأخيار استثقلوه، ولا دعوه، ويمكن يتضايقون، ويمكن يلمحون، وأحياناً يصرحون أن مجالسهم لا تتسع له، فيحتاج إلى أن يداهن هؤلاء، ويداهن هؤلاء، ويمشي مع هؤلاء على شان إيش؟ تنفق سوقه، هذا هو ذو الوجهين نسأل الله العافية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا في المداراة لا في المداهنة، فرق بين المداراة وبين المداهنة، المداراة ما تتنازل فيها شيء أبداً، المداهنة لا بد أن تتنازل إما بترك واجب، أو فعل محظور {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [(9) سورة القلم] أما بالنسبة للمداراة هذه ما فيها إشكال، هذه علاج، الداعي لها التأليف، كما يعطى من الزكاة ينال له الكلام، ومع ذلك قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إن شر الناس من تركه الناس اتقاء شره)).
طالب:. . . . . . . . .
لو قال: باب ما جاء في إضاعة المال وسكت، قلنا: ما العلاقة؟ ويش دخل الحديث الثاني؟ لكن الترجمة من شقين، شق له هذا وشق له هذا، ما في إشكال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(181/19)
لا؛ لأن مثل هذا في الغالب أولاً: يدرس وضع ولي الأمر إذا كان ممن يتقبل الحق ممن جاء به، والأصل السر هو الأصل، وهو أقرب إلى الإخلاص، هذا مفروغ منه، يعني وقع من أبي سعيد، ووقع من بعض الصحابة يعني علناً؛ لأن القلوب تتقبل مثل هذا، الآن لو تبي تنصح أعلم الناس عالم زاهد عابد تبي تنصحه ما قبل، يعني القلوب تغيرت، والمسألة مسألة تحقيق مصلحة ودرء مفسدة، المسلم بصدد تحقيق مصلحة ودرء مفسدة، فإذا كانت المصلحة تتحقق بمثل هذا فما الداعي إلى غيره؟!
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
القلوب تتقبل، عمر ينكر عليه على المنبر، أبو بكر ينكر عليه، القلوب تتقبل ليش؟ لأن الحق هو رائد الجميع، الآن لو تشوف أعلم الناس، وأزهد الناس مشكلة الآن القلوب تغيرت ما تتحمل مثل هذه الأمور، وبعض الناس ما يقبل ولو كان من أهل العلم النصيحة ولو سراً، ولذلك جاء في ... ، مر عليكم في المصطلح لا تسدي لإيش؟ لمتكبر أو شيء من هذا أو مغرور لا تسدي له نصيحة، يستفيد منك علماً ويتخذك عدواً، هو بيغير هذه النصيحة فيستفيد منها، لكن هو بيتخذك عدو، مع أن المفترض أنك تسدي لكل أحد نصيحة، النصح لكل مسلم "بايعنا رسول الله ... والنصح لكل مسلم" كما في حديث جرير بن عبد الله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو ينظر إلى الظرف المناسب، قد لا يحتمل الشيخ ولا سؤال بعد الدرس، يطول الدرس، وتكثر المناقشات وكذا خلاص انتهى، لكن إذا كان مثلاً انتهى الدرس وبقي وقت يستغل هذا الوقت بأسئلة، إذا كان نفسية الشيخ منشرحة، ولا يحتاج إلى بيته مثلاً، إلى دورة، أحياناً يحتاج إلى الدورة، وتجد بعض الإخوان -ما شاء الله- يمشي معه إلى الباب ويمسكه ويلح، لكن ما زالوا بفلان وهو من ... ، بعض المحدثين قالوا: كان فلان أحسن الناس خلقاً، فما زالوا به حتى صار أسوأ الناس خلقاً، ومر بنا في آداب طالب الحديث ألا يضجر الشيخ، يعني يرفق به؛ لأنه إنسان عادي مثل الناس، يعني تركيبته مثل الناس العاديين، لكن أيضاً بالمقابل عليه أن يبذل، وعليه أن يجيب، فكل مخاطب بما يليق به.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في عذاب العامة بعمل الخاصة
(181/20)
حدثني عن مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم إذا كثر الخبث)).
وحدثني عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول: "كان يقال: إن الله -تبارك وتعالى- لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عمل المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلهم".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في عذاب العامة بعمل الخاصة
عموم الناس ولو لم يفعلوا المعاصي، يعني إنما فعله بعضهم وسكت الباقون، أو أنكر بعضهم وسكت بعضهم على ما جاء في آية الأعراف؛ لأن من الناس من يفعل المعاصي، ومنهم من ينكر، ومنهم من يسكت، الذين أنكروا {أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} والذين فعلوا المعاصي {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [(165) سورة الأعراف] فماذا عن الذين سكتوا؟ ابن عباس يقول: سكتوا فسُكت عنهم، فهل نجوا وإلا أخذوا؟ نعم؟
طالب: أخذوا؟
أخذوا، لماذا؟ لأنهم عصاة؛ لأنهم تركوا فريضة من فرائض الإسلام، وهي الأمر والنهي، هذا الذي يظهر من القواعد العامة، ومن النصوص الأخرى، لكن مقتضى بعضهم أنا أخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس فقط، التنصيص عليهم يدل على أن من عاداهم سلم.
على كل حال الساكت مع إمكانه أن ينكر بيده أو بلسانه لن ينجو؛ لأن بني إسرائيل إنما لعنوا بتركهم الإنكار، {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} [(79) سورة المائدة] فاستحقوا اللعن، ومسخوا قردة وخنازير؛ لأنهم فعلوا المنكر علناً، ولم ينكر بعضهم على بعض، والذين أنكروا نجوا.
(181/21)
قال: "حدثني مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم إذا كثر الخبث)) " الحديث في البخاري من حديث زينب بنت جحش، وهذا أنزل حديث في صحيح البخاري، يعني تساعي الحديث، وما عنده تساعي إلا هذا الحديث، والحديث فيه طول عند البخاري: ((ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح من ردم يأجوج ومأجوج ... )) إلى أن قالت: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم إذا كثر الخبث)).
يعني رأينا ما يسر -ولله الحمد- من إقبال الناس على الالتزام، وكثرة طلاب العلم، وطلب العلم على الجادة، العناية بالكتاب والسنة، وكثرة أهل الاستقامة والخير والفضل، يعني في صفوف جميع الفئات من الكبار والصغار رجال ونساء، هذا شيء لا شك أنه يسر، هذا شيء يشرح النفس، لكن إذا نظرنا في المقابل أسواق المسلمين تعج بالمنكرات، فكثر الخبث، فيخشى من مثل هذا نعم إذا كثر الخبث، ولو كثر الصالحون، إلا إذا وجد من يرفع التبعة عن البقية ممن يأمر وينهى ممن يحصل به سقوط فرض الكفاية.
قال: "وحدثني مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول: "كان يقال: إن الله -تبارك وتعالى- لا يعذب العامة بذنب الخاصة" يعني إذا كانت الخاصة في بيوتهم يفعلون المنكرات الله -جل وعلا- لا يعذب العامة بسببهم، لكن إذا عُمل المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلهم؛ لأنهم مذنبون كلهم، هذا مذنب بمباشرة المنكر، وذاك مذنب بترك الإنكار، فيستحقون حينئذٍ العذاب، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في التقى
حدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت عمر بن الخطاب وخرجت معه حتى دخل حائطاً فسمعته وهو يقول وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ بخ، والله لتتقين الله أو ليعذبنك.
قال مالك -رحمه الله-: وبلغني أن القاسم بن محمد كان يقول: أدركت الناس وما يعجبون بالقول.
قال مالك: يريد بذلك العمل إنما ينظر إلى عمله، ولا ينظر إلى قوله.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في التقى
(181/22)
التقى التلبس بالتقوى، التقوى هي وصية الله -جل وعلا- للأولين والآخرين، وجاء الأمر بها في نصوص كثيرة.
قال: "حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: سمعت عمر بن الخطاب وخرجت معه" يعني والحال أني قد خرجت معه "حتى دخل حائطاً، فسمعته وهو يقول وبيني وبينه جدار" يخاطب نفسه، وهو في جوف الحائط "عمر بن الخطاب أمير المؤمنين" يخاطب نفسه "بخ بخ" استحسان أنه أمير المؤمنين، لكن ما بعد ذلك؟ يعني في أمور الدنيا ماشي، مستحسن أمير المؤمنين، لكن العاقبة: "والله لتتقين الله أو ليعذبنك" سواءً كنت أمير المؤمنين وإلا أسفل سافلين من طبقات الناس، إن لم تتق ليعذبنك الله، والله لتتقين الله، ولو كنت عمر بن الخطاب، أو ليعذبنك، يعني التقوى تحصل بترك المحظورات، وفعل المأمورات، يعني الذي لا يترك المحظورات، ولا يفعل المأمورات هذا لا شك أنه معرض نفسه لعقوبة الله، ولو كان من كان، ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.
"قال مالك: وبلغني أن القاسم بن محمد كان يقول: أدركت الناس" القاسم بن محمد من فقهاء التابعين السبعة، ويريد بالناس الصحابة الذين أدركهم.
أدركت الناس وما يعجبون بالقول، يعني تكلم ما تتكلم لا فرق، لكن العبرة بالعمل؛ لأن كثير من الناس يتكلم، فإذا سمعت كلامه أعجبت به، لكن إذا عرضته إلى عمله وجدت فرق كبير، أدركت الناس وما يعجبون بالقول، القول إذا لم يكن له رصيد من الواقع لا قيمة له.
"قال مالك: يريد بذلك العمل" العبرة بالعمل "إنما ينظر إلى عمله ولا ينظر إلى قوله" فإن كان القول مطابق للعمل فبها ونعمت، وإلا فالمعول على العمل، والله -جل وعلا- إنما ينظر إلى القلوب والأعمال، لا ينظر إلى الصور والأبدان والأجسام والمظاهر هذه كلها لا تعدل شيئاً، ويؤتى بالرجل السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: القول إذا سمعت الرعد
حدثني عن مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: سبحان الذي يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته، ثم يقول: إن هذا لوعيد لأهل الأرض شديد.
يقول -رحمه الله تعالى-:
(181/23)
باب: القول إذا سمع الرعد
يعني ماذا يقول إذا سمع الرعد؟ ليس فيه حديث مرفوع ثابت، إنما يذكر عن عبد الله بن الزبير، وهنا في الباب عن ابنه عامر.
قال: "حدثني مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث، وقال: سبحان الذي يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته" هذا مأثور عن ابن الزبير نفسه عبد الله بن الزبير، وهنا عن عامر ابنه، ثم يقول: "إن هذا لوعيد لأهل الأرض شديد" الرعد لا شك أنه مخيف، يخوف الله به عباده، وقد يصاحبه ما يصاحبه مما يحصل به الضرر، فلا شك أنه مثار للخوف، فعلى الإنسان أن يوجل إذا سمع هذا الرعد إلا إذا تبعه المطر فإنه يسر عن الإنسان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بالنسبة للموقوف على الصحابي قد يكون استنباط، يعني أن هذا الكلام مناسب، وهو وارد في القرآن، نعم استنباط منه مناسب للظرف، ولا يلزم أن يكون مرفوعاً، ليس هذا مما لا يدخل الاجتهاد، يقولون: من باب الاستنباط، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كلها مخيفة.
طالب:. . . . . . . . .
ما أعرف، كل شيء يخصه من هذه الأدعية إلا ما جاء في مثل هذا، نعم؟
طالب: دعاء رؤية الهلال؟
هذا مذكور يعني في كتب الأذكار، وذكره شيخ الإسلام في الكلم الطيب، وذكره النووي وغيره، لكن فيه كلام، بعضهم يثبته لطرقه، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في تركة النبي -صلى الله عليه وسلم-
حدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أن أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- حين توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أردن أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر الصديق فيسألنه ميراثهن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت لهن عائشة: أليس قد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا نورث ما تركنا فهو صدقة))؟
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يقتسم ورثتي دنانير، ما تركت بعد نفقة نسائي، ومئونة عاملي فهو صدقة)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في تركة النبي -صلى الله عليه وسلم-
(181/24)
التركة ما يتركه الميت من مال ونحوه، هذه تركة، فهي بمعنى متروكة.
قال: "حدثني مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أن أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- حين توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ولا خبر عندهن من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا نورث)) "أردن أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر الصديق" لأنه هو الذي تولى الأمر بعده -عليه الصلاة والسلام- "فيسألنه ميراثهن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت لهن عائشة" التي سمعت ما لم يسمعن، وحفظت ما لم يحفظن "فقالت لهن عائشة: أليس قد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا نورث ما تركنا فهو صدقة))؟ " فالأنبياء لا يورثون، وليس همهم جمع الدنيا، حتى قال -عليه الصلاة والسلام-: ((ما يسرني أن لي مثل أحد هذا ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده لدين إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا)) فالأنبياء ما بعثوا جباة، ولا بعثوا مكتسبة مرتزقة يجمعون الأموال، إنما بعثوا لتبليغ الدين، والحرص على هداية الناس، ولذا لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم، فالوارث الحقيقي للنبي هو العالم، وكل له نصيبه ممن يسعى ويجتهد مخلصاً لله -جل وعلا- من هذا الإرث، أما بالنسبة للأموال وحطام الدنيا فلا يورث النبي، وأما قول زكريا: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي} [(5 - 6) سورة مريم] فالمراد به ميراث النبوة، لا ميراث المال.
قال: "وحدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يقتسم ورثتي دنانير)) " يعني أي شيء من أمور الدنيا، لا دنانير ولا دراهم ولا عقار ولا بيوت ولا رباع ولا غيره ((لا يقتسم ورثتي دنانير، ما تركت بعد نفقة نسائي، ومئونة عاملي فهو صدقة)) يعني يتصدق به؛ لأنه لا يورث، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(181/25)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ – كتاب الجامع (14)
باب: ما جاء في صفة جهنم - باب: الترغيب في الصدقة - باب: ما جاء في التعفف عن المسألة - باب: ما يكره من الصدقة.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا يقول: ما حكم القسم بآيات الله؟ يقول: ما حكم صيغة القسم أقسم بآيات الله؟
آيات الله تطلق ويراد بها القرآن، والقرآن كلام الله صفة من صفاته يجوز القسم به، كما أنها تطلق ويراد بها العلامات الدالة على وحدانيته كالليل والنهار، والشمس والقمر، والمخلوقات، وهذه لا يجوز القسم بها إذا كان اللفظ مجملاً يحتمل الجواز وعدم الجواز فالأولى تركه.
طالب:. . . . . . . . .
هو رب نعم، كلامه نعم.
هل هناك دعاء يقال عند شرب ماء زمزم؟
في الحديث: ((ماء زمزم لما شرب له)) والنية كافية في مثل هذا، وإن صرح بعضهم أنه شربه ليصل في العلم إلى مرتبة فلان من أهل العلم، أو في الحفظ إلى حافظة فلان، أو ما أشبه ذلك، وإلا فالأصل النية.
هل في دعاء يقوله الحاج عند ذهابه أو رجوعه من الحج؟
هو دعاء السفر ذهاباً وإياباً، وهو مسافر.
يقول: عمتي أجريت أو أجرت عملية زراعة كلية قبل ثلاث سنوات، وبعد العملية نصحها الأطباء بعدم صيام رمضان، فأفطرت وأطعمت عن كل يوم مسكين، كما أفتى أهل العلم، واستمرت على تلك الحال لعامين، وفي هذه السنة (1428هـ) استطاعت -ولله الحمد- صيام رمضان كاملاً، السؤال: ماذا تفعل بالشهرين الذين لم تستطع صيامهما في وقتهما؟ هل تقضي تلك الشهرين مع العلم أنها أطعمت؟ وهي ترغب في القضاء وتقول: إنها -إن شاء الله- تستطيع الصيام؟
(182/1)
هذه المرأة التي أجرت هذه العلمية، ونصحها الأطباء بعدم الصيام إن كانوا قالوا لها: إن صيامك ميئوس منه في المستقبل، يعني خلاص الصيام لا تستطيعه إطلاقاً، فأطعمت مستصحبة هذه النصيحة فيكفيها الإطعام، وإن كانوا نصحوها ألا تصوم في هذه السنة، واحتمال أن تكون السنة الثانية الله أعلم هل تستطيع أو لا تستطيع؟ فعليها أن تنتظر حتى تيأس من القدرة على الصيام، فينظر فيما قيل لها، هي نصحه الأطباء بعدم الصيام، هل معنى هذا أنها ميئوس من صيامها مستقبلاً، وأطعمت من أجل هذا اليأس؟ هذا يكفيها الإطعام، وإن قالوا: لا تصومي من هذه السنة، واحتمال أن تستطيعي الصيام فيما بعد انتظري، فعليها الانتظار؛ لأن الإطعام لا يجوز ما لم يحصل اليأس التام من الصيام.
يقول: بم يحصل التحلل الأول؟
يحصل بفعل شيئين من ثلاثة: الرمي، والحلق أو التقصير، والطواف"، وإذا فعلت اثنين من هذه الثلاثة حل لها كل شيء إلا ما يتعلق .. ، وحل له إلا ما يتعلق بالنساء.
يقول: ما رأيك بشرح كتاب الطهارة لبلوغ المرام للشيخ: سلمان العودة؟
ما قرأت فيه، ولذلك لا أستطيع الحكم عليه.
يقول: أعيش في عشوائية وتخبط وتشعب في الحفظ والطلب خاصة في الفقه، هل أفضل طريقة أن أبدأ في باب معين وأفصله وأحفظ الأقوال والأدلة والراجح في المسألة، ثم أنتقل إلى باب أخر، أو أني أتم الكتاب كاملاً على قول واحد، والدليل مع الراجح، أفيدونا؟
على كل حال هذا يختلف باختلاف وضع الطالب، هل هو طالب مبتدأ أو متوسط أو منتهي، إذا كان مبتدأ لا بد أن ينهي الكتاب على وجه مختصر، يعني تصور المسائل ويفهمها يكفيه مثل هذا في هذه المرحلة، ثم بعد ذلك يستدل لهذه المسائل، ثم المرحلة الثالثة يقارن في هذه المسائل بين أقوال الموافقين والمخالفين مع أدلتهم.
يقول: ما حكم زكاة الذهب الذي تلبسه المرأة مع توضيح الخلاف الواقع فيه؟
على كل حال الذهب المستعمل للقنية هذا كسائر ما يستعمل وما يقتنى لا زكاة فيه، إلا أن أراد الإنسان أن يخرج الزكاة من باب الاحتياط لوجود من يوجب الزكاة فيه، لا سيما وأنه قول معتبر عند أهل العلم.
يقول: هل المباح ما استوت فيه المفسدة والمصلحة؟
(182/2)
لا يلزم أن يترتب عليه مفسدة، إنما ما استوى طرفاه من حيث الطلب والمنع، أي لم يحصل فيه لا طلب ولا منع.
هذا من المغرب يقول: هل صحيح أن زيادة: "فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه الإمام" مدرجة من كلام الزهري؟
على كل حال القراءة خلف الإمام بفاتحة الكتاب ركن من أركان الصلاة؛ لحديث عبادة بن الصامت: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) وهذا هو المرجح، ولازمة لكل مصلٍ إلا المسبوق.
وفي بلدنا ليس هناك سكتة بين قراءة الفاتحة والسورة بالنسبة للإمام، فمتى يقرأ المأموم الفاتحة؟
يقرأ المأموم الفاتحة إن تيسر له أن يقرأ في سكتات الإمام فبها ونعمت ليجمع بين النصوص كلها، وإذا كان الإمام يواصل القراءة، ولا يمكن المأموم من القراءة في سكتاته فيقرأ والإمام يقرأ، لكنه بفاتحة الكتاب فقط.
يقول: لو فعل الإمام بعض الأمور التي نراها بدعة فهل نتبعه كالقنوت الذي يفعله المالكية في صلاة الصبح؟
والشافعية عندهم القنوت في صلاة الصبح، وعلى كل حال لهم أدلتهم، وإن كان الراجح عدمه، حتى قال بعضهم: إنه محدث، في مثل هذا إذا كان إماماً راتباً ولا يوجد غيره، إن وجد غيره لا تصل معه، صل مع واحد ما يقنت، إذا كنت لا ترى القنوت، وإذا لم يوجد غيره فلا مانع من متابعته؛ لأن له أصل، وإن كان الراجح خلافه، ذكرنا مراراً في رسالة الشيخ محمد ابن الإمام المجدد -رحمه الله- إلى أهل مكة، يقول: ونصلي خلف الشافعي الذي يقنت في صلاة الصبح، ولا نصلي خلف الحنفي الذي لا يطمئن في صلاته.
طالب:. . . . . . . . .
هذا مقلد يعني طالب علم أداه اجتهاده إلى هذا، وبين عامي أو مقلد يقتدي بمن تبرأ الذمي بتقليده، على كل حال إذا وجد غيره، وأنت لا ترى هذا العمل لا تصلِ معه، وإذا لم يوجد غيره فالاقتداء به لا بأس به، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(182/3)
ما في شك، لكن باعتبار أن هذه المسألة يعني ليست خالية من الدليل، يعني فرق بين مسألة لا دليل عليها أصلاً، يعني هناك بعض الأمور بعض التصرفات من بعض الأئمة لا دليل عليها، مثل هذه لا يتابع عليها؛ لأن العبرة بالمشروع، ولو ترك الإمام شيئاً من المشروع ما يتابع ولا تعد هذه مخالفة، لكن لو جاء بشيء مختلف فيه بين أهل العلم، وقول له وجه، يعني ليس باطل القول، إنما هو مرجوح، لا مانع من متابعته في مثل هذا.
يقول: أنا وأخوتي نريد أن نتصدق بمالنا الخاص لبعض أقاربي من جهة أمي في بلد آخر، وهم محتاجون جداً، ووالدي غضب حين علم، وقال لوالدتي: أبلغيهم أني غاضب عليهم إلى يوم القيامة إن أرسلوا هذه الأموال، حالنا يا شيخ جيدة، ولسنا محتاجين لهذه الأموال، فهل يجوز لنا إرسال هذه الأموال، ولا طاعة لمخلوق حيث أن الأموال من أموالنا الخاصة؟
على كل حال عليكم أن تبروا بأبيكم، وأن تطيعوا فيما أمركم به، ولو اقتضى ذلك التحايل على مثل هذا العمل، بأن تعطوا أمكم شيئاً ترسله لإخوانها في البلد الثاني، تكون ما أرسلتم أنتم لأخوالكم أعطيتم الأم، والأم بدورها قامت بإرسالها إلى إخوانها.
هذا يقول: عن حديث القردة التي زنت في الجاهلية، ورجمها القردة؟
أي نعم هذا في صحيح البخاري في أمور الجاهلية، باب: القسامة في الجاهلية هذا موجود، وليس هو بمرفوع لكنه في الصحيح.
هذه من المغرب تقول: هل يجوز للإنسان أن يقوم الليل كله أشكل علينا قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [(64) سورة الفرقان]؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أحياء ليلة كاملة إلى الفجر، والخلاف في العشر الأخيرة من رمضان، جاء فيها أنه أحيا ليله، وشد مئزره، وأيقظ أهله -عليه الصلاة والسلام-، لكن مع ذلك ما ثبت عنه أنه صلى ليلة إلى الصبح، وإلا ثبت عنه أنه ينام ويقوم.
يقول: هل قول الإمام بعد الصلاة: من له مبلغ من المال ضائع فليأتي إلي هل هو من إنشاد الضالة؟
لو صنع ذلك عند باب المسجد خارج المسجد لا بأس، أما الإنشاد مثل هذا، المساجد ما بنيت لهذا, وإن كان لا يطلب شيئاً لنفسه، وهو محسن في إنشاده، لكن مع ذلك يتورع عن مثل هذا.
(182/4)
يقول: هل الحية والثعبان لها نفس الحكم؟
الحية والثعبان لها نفس الحكم، حكم إيش؟ يعني قتل جنان البيوت؟ يمكن يقصد هذا، الحية والثعبان منها، ويش معنى جنان البيت؟ هي الحية.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب جهنم
باب: ما جاء في صفة جهنم
حدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة? أن رسول الله ? قال: ((نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم)) فقالوا: يا رسول الله إن كانت لكافية؟! قال: ((إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً)).
وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: "أترونها حمراء كناركم هذه؟ لهي أسود من القار" والقار: الزفت.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في صفة جهنم
جنهم اسم علم من أسماء النار، نسأل الله السلامة والعافية.
يقول: "حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نار بني آدم التي يوقدون)) " يعني في الدنيا لإنضاج ما يُحتاج إلى طبخه، هذه النار المتعارف عليها ((جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم)) يعني التي درجتها مائة، جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم، من درجة الحرارة درجة الغليان مائة، نعم؟ بالنسبة للماء نعم، وبالنسبة للنار؟ لأنه حتى بعض المواد يعني الزيت أشد درجتها أعلى من درجة الماء إذا غلى، والزفت والغار أشد إذا غلي تكون درجته أعظم.
(182/5)
فالكلام على النار، بغض النظر عن الموقد عليه، هذه النار التي تنضج هذه الأمور، تلين الحديد، هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جنهم "قالوا -يعني الصحابة-: يا رسول الله إن كانت لكافية؟ " لأنها لا تطاق، هذه النار التي هي جزء من سبعين جزءاً كافية لا تطاق، إذا كانت تلين الحديد فماذا عن أجساد بني آدم؟ تكفي، قال: ((إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً)) والفضل هنا يراد به هاه؟ فضلت يعني زيد في نسبتها هذا المقدار تسعة وستين جزءاً، يعني واحد على سبعين هذه النار التي تلين الحديد، فضلاً عن المواد الأخرى، لكن هي تلين الحديد، والحديد ألين لداود -عليه السلام-، لكن ماذا عن الحجارة؟ هل تلينها النار؟ وهل ألينت لأحد؟ الحجارة تلينها النار؟ لا قد يحصل لها شيء من ... ، تنكسر مثلاً إذا زيد عليها الحرارة، لكنها لا تلين، والحديد يلين بالنار والحديد ألين لداود، فإذا كان الحجارة أشد من الحديد، وقلب أو قلوب بعض الناس أشد من الحجارة، وهذه إذا كانت الحجارة لا تلين بالنار، وقلوب بعض الناس أشد منها، ويحتاج إلى مثل هذه النسبة، إلى السبعين {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [(98) سورة الأنبياء] {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [(24) سورة البقرة] نسأل الله السلامة والعافية، قد يقول قائل: هذا القلب كيف قلب يمكن أن يؤكل نيئاً، كيف يكون أقسى من الحجارة؟! النص القطعي دل على ذلك، أقسى من الحجارة، ويشاهد من بعض الظلمة في ظلمهم وعدوانهم وتعديهم ما يدل على أن قلوبهم أقسى، إذا كان القرآن الذي أخبر الله -جل وعلا- عن ثقله لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً، وتجد الإنسان الذي لديه معرفة بالقرآن، وماهر في قراءته، وعلى اطلاع على ما قيل في تأويله، لا يؤثر فيه، ومثل هذا يحتاج إلى ما يلينه، وعلى الإنسان إذا كان من هذا النوع -وكلنا ذلك الرجل نسأل الله أن يردنا- عليه أن يراجع نفسه، القلوب تحتاج إلى مراجعة، وذكر الحسن -رحمه الله- يقول: تفقد قلبك في ثلاثة مواضع: في الصلاة، وعند قراءة القرآن، والذكر، إن وجدته وإلا فاعلم بأن الباب مغلق، وبعدين مغلق ترجع؟ إن كان الباب مغلق ترجع وإلا تحاول؟ لا بد من
(182/6)
المحاولة، نعم إذا أغلق الباب بينك وبين ربك فمن تصل، والله المستعان، فعلى الإنسان أن يستعد، ويعد العدة للخلاص من هذه النار.
قال: "وحدثني مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة أنه قال: أترونها -يعني نار جهنم- حمراء كناركم هذه؟ لهي أسود من القار" والقار: الزفت" القار معروف، من القدم وهو معروف، هل من مشتقات البترول؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن عندهم بترول؟ هم استخرجوا بترول وإلا؟ هو معروف عندهم القار، لكن طريقة استخراجه قد تختلف عن طريقة استخراج البترول المشتمل على مشتاقات كثيرة.
"ناركم هذه ترونها حمراء كناركم هذه؟! " وجاء في الخبر: ((أنها أوقد عليها ألف عام حتى أحمرت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى أبيضت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى أسودت، فهي سوداء مظلمة)) نسأل الله العافية هذا موقوف على أبي هريرة، لكن مثله لا يقال بالرأي، فله حكم الرفع، نعم.
أحسن الله إليك
كتاب الصدقة
باب: الترغيب في الصدقة
حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي الحباب سعيد بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من تصدق بصدقة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا طيباً- كان كأنما يضعها في كف الرحمن، يربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون مثل الجبل)).
(182/7)
حدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [(92) سورة آل عمران] قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الله -تبارك وتعالى- يقول: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [(92) سورة آل عمران] وان أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بخ ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت فيه، وأني أرى أن تجعلها في الأقربين)) فقال أبو طلحة: افعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه.
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أعطوا السائل، وإن جاء على فرس)).
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عمرو بن معاذ الأشهلي الأنصاري عن جدته أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا نساء المؤمنات لا تحقرن إحداكن أن تهدي لجارتها ولو كراع شاة محرقاً)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن مسكيناً سألها وهي صائمة، وليس في بيتها إلا رغيف، فقالت لمولاة لها: أعطيه إياه، فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه، فقالت: أعطيه إياه، قالت: ففعلت، قالت: فلما أمسينا أهدى لنا أهل بيت أو إنسان ما كان يهدي لنا شاة وكفنها، فدعتني عائشة أم المؤمنين فقالت: كلي من هذا، هذا خير من قرصك.
وحدثني عن مالك قال: بلغني إن مسكيناً استطعم عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-، وبين يديها عنب فقالت لإنسان: خذ حبة فأعطه إياها، فجعل ينظر إليها ويعجب، فقالت عائشة: أتعجب كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة؟!
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب الصدقة
باب: الترغيب في الصدقة
(182/8)
كتاب الزكاة الواجبة المفروضة تقدم، وهذا في الصدقة غير الواجبة، والأليق أن يكون بعد كتاب الزكاة، لكن الإمام جعله في الكتاب الجامع، للمفارقة بينهما من حيث الحكم؛ لأن هذه أقرب إلى السنن والآداب والأخلاق والكرم هذه أقرب ولكل وجه.
قال:
باب: الترغيب في الصدقة
"حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي الحباب سعيد بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من تصدق بصدقة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا طيباً-)) وجاء قول الله -جل وعلا-: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] الخبيث هو مقابل للطيب ((ولا يقبل الله إلا طبياً)) هل معنى هذا أن الرديء لا يقبل؟ أو المقابل للطيب هنا ... ؛ لأن الطيب يطلق ويقابله الخبيث، {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] الخبيث منه ما هو حلال ومنه ما هو حرام، أم الحرام فهذا لا يقبله الله -جل وعلا-، لا يقبل الله إلا طيباً، لا يقبل الخبيث بمعنى الحرام، وأما الخبيث بمعنى الدون الأقل فمثل هذا مقبول؛ لأنه ينتفع به، لكن المرغب فيه أكثر هو الطيب، ولو قدر أن إنساناً عنده أنواع من التمر كلها صالحة للأكل من قبل بني آدم، وزاد عنده مقدار من النوع المتوسط أو الأقل، لكنه يؤكل، كثير من الناس يتمناه، لو افترضنا أنه عنده نوع جيد الكيلو بخمسين مثلاً، وعنده نوع آخر الكيلو بثلاثين، وعنده ثالث الكيلو بعشرة، الآن الأجود أبو الخمسين، ودونه أبو الثلاثين، والأقل أبو العشرة، {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [(267) سورة البقرة] يعني لو قدر لك تمر سلم عند أحد من النوع الجيد ما أنت بآخذ أبو عشرة إلا أن تقول: آخذ هذا ولا يضيع مالي؛ لأنه ما في بديل، إلا أن تغمضوا فيه، هل نقول: إن هذا الأردأ الأقل لا تجوز الصدقة به، والله -جل وعلا- يقول: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] قالوا: معناه أنه الأقل، ومثله ما قيل في كسب الحجام ونحوه.
(182/9)
أما المحرم لأن كسب الحجام لو كان محرماً لما أعطى النبي -عليه الصلاة والسلام- الحجام أجرته، يقابله الخبيث بمعنى المحرم مثل مهر البغي، وحلوان الكاهن، وهو المقابل للطيب في قوله: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] هذا لا يقبل، لكن الخبيث بمعنى الأٌقل جودة والدون المنصوص عليه في الآية هذا يرجى قبوله، وإن كان الحث على الأجود أكثر.
((ولا يقبل الله إلا طبياً)) ((إن الله طيباً لا يقبل إلا طيباً)) ((كان إنما يضعها في كف الرحمن)) فيه إثبات الكف لله -جل وعلا-، وجاءت بذلك النصوص القطعية من الكتاب والسنة على ما يليق بجلاله وعظمته، وجاء في الحديث الصحيح: ((كلتا يديه يمين)).
((يربيها كما يربي أحدكم فلوه، أو فصيله)) الصغير من نتاج الحيوان، يربى يربيه صاحبه حتى يكبر، وهذه الصدقة يربيها الله -جل وعلا- لصاحبها ((حتى تكون مثل الجبل)) في هذا حث على الصدقة، وأن يحرص الإنسان أن يكون من كسب طيب، وهكذا ما يستعمل في العبادات عليه أن يكون من النوع الطيب تجود به نفسه، وإذا أفطر فليفطر على حلال، وإذا حج فليحج بمال حلال حتى تكون مثل الجبل.
(182/10)
قال: "وحدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالاً من نخل" عنده مزارع، لكن أفضل هذه المزارع عنده بيرحاء "كانت أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد" قريبة من المسجد "فجادت نفسه بها" والله ما قال: هذه بالمنطقة المركزية ما يمكن نتصدق بها، نشوف لنا واحدة تشطر بعيدة، قريب مستقبلة المسجد "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [(92) سورة آل عمران] قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الله -تبارك وتعالى- يقول: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} " يعني على مستوى العلماء وطلاب العلم لو زاد نسخة من كتاب، عنده زائد نسخة من كتاب، وأراد أن يدفعها لمن ينتفع بها من طلاب العلم هل يدفع الأجود وإلا يدفع الأقل؟
طالب:. . . . . . . . .
(182/11)
طيب وهو؟ أو نقول: إن هذا من باب الإيثار بالقرب، فيكون الإيثار بالقرب عند أهل العلم مفضول؟ يعني بعض الـ ... عنده نسخة مثلاً من البيهقي أصلية وعنده مصورة يقول: تكفيني المصورة وأدفع هذه {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} أنا والله أحب هذه النسخة قيمتها ثلاثين ضعف من النسخة الثانية، نقول: ادفع هذه النسخة وتكفيك المصورة؟ لا سيما أن الفارق ما هو بحسي معنوي، يعني المصورة هذه تقوم مقامها ادفعها لأي طالب علم، قد تدفع الأصلية لطالب علم لا يقدرها قدرها فيتلفها، ومثل هذا لو كان عنده نسخة من البخاري من الطبعات المعتبرة، وورق من النوع الفاخر الغالي، وعنده نسخة ورق ثاني. . . . . . . . . ثاني أو ثالث يعني أقل، هل نقول: إن هذا داخل في قول الله -جل وعلا-: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}؟ ندفع النسخة الأصلية الغالية وأكتفي بالدون؟ أو نقول: إن هذا إيثار بالقربة؟ لأن اقتناء الكتاب قربة، لكن يبقى أن السبب الإمساك إمساك النسخة ويش الدافع عليه؟ هل الدافع عليه شرعي يتعلق بالعلم أو مادي؟ يعني بإمكانك تقول: والله أنا أمسك هذه النسخة، لماذا؟ لأنها أطول يعني ما قصها المجلد أحتاج الحواشي وأعلق عليها، نقول: هذا مقصد حسن، هذا مقصد شرعي، لكن إن كان إمساكك إياها بأن تقول: والله لو احتجت إلى بيعها تجيب قيمة أضعاف مضاعفة عن تلك، نقول: لا، الدافع مادي.
(182/12)
قام أبو طلحة لما أنزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} "قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الله -تبارك وتعالى- يقول: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله" يرجو ثوابها وأجرها من الله -جل وعلا- "فضعها يا رسول الله حيث شئت" فوض النبي -عليه الصلاة والسلام- في مصرفها، كيف يصرفها والرسول -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه أعرف منه بما يترتب عليه من الثوب أكثر؟ ففوضى النبي -عليه الصلاة والسلام- "فضعها يا رسول الله حيث شئت، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بخ)) " يعني استحسان ((ذلك مال رابح)) الربح ظاهر، يعني أقل الأحوال الحسنة بعشر أمثالها، عشر أضعاف إلى سبعمائة ضعف، وماذا فوق هذا الربح؟ فوقه فضل أرحم الرحمين، وفضل الله لا يحد ((ذلك مال رابح، ذلك مال رابح)) وبعض الروايات: ((رايح)) بالياء، يعني ماضي في سبيله إلى الله -جل وعلا- ((وقد سمعت ما قلت فيه وإني أرى أن تجعلها في الأقربين)) لأن الصدقة على البعيد صدقة، وعلى القريب صدقة وصلة "فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه" ليجتمع له مع أجر الصدقة أجر الصلة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه صدقة، لكن ينظر مع القرب هناك أمور مرجحة، هناك أشياء مرجحة، لو كان عندك جار، أو عرفت حال فقير يشرف على الهلاك، يعني حاجته أمس، فلا شك أن مثل هذا مقدم؛ لأن إنقاذ حياته واجب على من يعلم به، ولو كانت حاجته أكثر، لكن لا يصل إلى حد الضرورة، فالمسألة تحتاج إلى موازنة بين هذه الأمور.
(182/13)
قال: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أعطوا السائل، وإن جاء على فرس)) " الحديث مضعف عند أهل العلم، لكن مفاده أنه لو دلت القرائن على أنه ليس بحاجة إلى ما يسأل، هذا مفاده أنه لو جاء على وسيلة تدل على أنه غني، أو جاء بمظهر يدل على أنه ليس بحاجة، فإذا سأل يرد بالشيء اليسير من الصدقة، خشية أن يكون صادقاً في سؤاله ((ولو صدق السائل ما أفلح من رده)) لكن الذي يخشى منه أن يكون كاذباً، وأنه غير محتاج.
قال: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عمرو بن معاذ الأشهلي الأنصاري عن جدته أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا نساء المؤمنات لا تحقرن إحداكن أن تهدي لجارتها ولو كراع شاة محرقاً)) " يا نساء المؤمنات من باب إضافة الموصوف إلى صفته، من إضافة الموصوف إلى صفته ((يا نساء المؤمنات لا تحرقن إحداكن)) لأن بعض الناس يحتقر الصدقة إذا كانت قليلة، وهذا أشير إليه في القرآن، وأنه من صنيع المنافقين، حتى بعض الناس لا سيما في ظروف السعة، وليس بحاجة إلى أن يتصدق عليه، فإذا جيء له بشيء يسير احتقره، وأشد من هذا إذا حصلت ضيافة لشخص تعود على أنه يسرف في إكرامه، ثم بعد ذلك وضع له أقل من ذلك فإنه يتبرم بهذا، ويضيق به ذرعاً، بعض الناس ما يتحمل مثل هذه الأمور، عود على شيء لا يستطيع الفطام عنه، هذا لا شك أنه من ازدراء نعمة الله، والشيء اليسير وإن كان يسيراً إن كنت لا تحتاجه اقبله من صاحبك، واجبر خاطره، وادفعه إلى غيرك.
((لا تحقرن أحداكن أن تهدي لجارتها ولو كراع شاة محرقاً)) وفي بعض الأحاديث: ((لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة)) مثله، المعنى واحد، ولو فرسن شاة ....
ما تصلح يا أخي هذه النغمة، هذه موسيقى، فلتغير جزاكم الله خيراً.
((لا تحقرن إحداكن أن تهدي لجارتها)) وفي هذا أدب -أدب شرعي- رفيع، يؤدب فيه من يتدين بهذه الشريعة الكاملة، يقبل.
(182/14)
واحد من الشيوخ الكبار قال له شخص: عندي لك يا شيخ هدية، لقيه في أول يوم قال: عندي لك هدية، عندي في البيت هدية، ثم لقيه من الغد قال: عندي لك هدية يا شيخ، أنا جاي من مكة وعندي لك هدية، في اليوم الثالث قال: عندي لك هدية جزآك الله خير وين هي؟ ذهب وجاء بالهدية فإذا به مسواك سواك أعوج، ثلاثة أيام تردد هدية هدية وآخرها سواك أعوج! هذا احتقار بلا شك، لكن يبقى أنه لو المسألة مرة جابه له، لكن مراراً يتردد عليه عندي لك هدية، عندي لك هدية، يقول الشيخ: رجعت إلى نفسي وقلت: إن هذا الشخص ليس لي عليه أدنى معروف، وخصني بهذه الهدية ولو كانت على هذا المستوى؛ لأنها في مقابل لا شيء، والله -جل وعلا- الذي رباني بنعمه من أول لحظة إلى أن أموت تعاملي معه أعوج، فإذا تعامل الإنسان مع الله -جل وعلا- على ما أراده الله -جل وعلا-، كون الإنسان ينظر في نفسه قبل النظر في غيره هذا لا شك أنه أدعى لتقويم اعوجاجه.
قال: "وحدثني عن مالك" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مردود هذا، مردود ما في إشكال.
طالب:. . . . . . . . .
اللي يعلم لا يصلي، اللي يعلم والذي لا يعلم صلاته صحيحة، نعم.
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن مسكيناً سألها وهي صائمة، وليس في بيتها إلا رغيف، فقالت لمولاة لها: أعطيه إياه" أعطيه يعني هذا المسكين إياه تعني الرغيف، ما في غير هذا، كيف تفطر؟ "فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه، فقالت: أعطيه إياه، قالت: ففعلت، قالت: فلما أمسينا" دخلنا في المساء، وقرب وقت الإفطار "أهدى لنا أهل بيت أو إنسان ما كان يهدي لنا" يعني عادة كأنه معتاد أن يهدي لهم "ما كان يهدي لنا شاة وكفنها" يعني ما تلف به من خبز ونحوه، ويوجد الآن في بعض المطاعم يسمونه المكفن، يكفنون الشاة أو الخروف بأنواع من رقائق الخبز يسمون مكفن، التسمية لها أصل؛ لأنه يشبه الكفن لنبي آدم "شاة وكفنها" يعني ما تغطى به من الخبز "فدعتني عائشة أم المؤمنين فقالت: كلي من هذا، هذا خير من قرصك" هذه نتيجة التوكل والاعتماد على الله -جل وعلا-، الاعتماد على الله -جل وعلا- هذا هو التوكل، وهذه آثاره.
وقال: "وحدثني عن مالك" نعم؟
(182/15)
طالب:. . . . . . . . .
عادة يعني كان له عادة.
طالب:. . . . . . . . .
نعم تكون نافية، احتمال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
خلنا نشوف هذه قبل.
"فلما أمسينا أهدى لنا أهل بيت أو إنسان ما كان" ليس من عادته أن يهدي لنا، لكن أهدى لنا في هذه المرة من أثر التوكل، لما توكلنا على الله -جل وعلا-، وبعثنا ما عندنا، ولم يبق لنا شيء نفطر به، هذا الشخص سيق لنا، ولم تكن عادته الإهداء، وهذا واضح، وهو أولى مما تقدم، ولا شك أن دلالته على المراد أكثر، "فقالت: كلي من هذا، هذا خير من قرصك".
"وحدثني عن مالك قال: بلغني أن مسكيناً استطعم عائشة أم المؤمنين وبين يديها عنب، فقالت لإنسان: خذ حبة" حبة عنب واحدة "فأعطه إياها، فجعل ينظر إليها ويعجب" حبة ويش تسوي هذه؟ يعني لو طرق الباب طارق وأعطي تمرة، احتمال في ظروفنا هذه يرميها في وجه الذي تصدق بها "قالت لإنسان: خذ حبة" يعني من العنب "فأعطه إياها، فجعل ينظر إليها ويعجب" فجعل ينظر إليها هذا الإنسان أو المتصدق عليه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(182/16)
أحداهما، يعني تعيينه ما يلزم، ما يدل على شيء "فجعل ينظر إليها ويعجب" إيش لون تتصدق بحبة عنب؟! "فقالت عائشة: أتعجب! كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة؟ " {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [(8) سورة الزلزلة] هذا خير، كم تزن من ذرة هذه؟ ألوف مؤلفة، الإنسان لا يحسب لها حساب، تجد الطعام يبقى نصفه أو ثلثاه نقول: والله ما يسوى من يتصدق به هذا، ويجد كبد رطبة بأمس الحاجة إليه، بقي طعام من وليمة في وقت متأخر من الليل جداً، في الساعة الثانية من الليل، فقال واحد من الحاضرين: دعوني أذهب به إلى الجمعية، قال واحد: اتصلوا على الجمعية، قال واحد: لا أنا بوديه، أنا طريقي على الجمعية أنا بوديه، وذهب به، فماذا صنع بهذا الطعام؟ هل أدخل في مكان يحفظ فيه إلى الغد ليوزع؟ أُكل فوراً، وجد من ينتظره من الفقراء في آخر الليل، الآن يوضع لهم ويأكلونه، ما يحتاج إلى أن يحفظ للغد، فاحتقار مثل هذه النعم، وإن كانت قلية لأنه يوجد من يقبلها، وقد يكون هذا الاحتقار لأن وضعك أو وضع المحتقر يعني يزدري مثل هذه الأمور، لكن يوجد أناس يتمنونه، كما قال بعض الوعاظ: إن بعض الفقراء ينظر إلى الرغيف عند الخباز يترآءه كما يتراء الهلال، يعني كأنه قمر في السماء، يعني مستحيل يناله، هذا موجود، موجود أناس يموتون على وجه الأرض من المسلمين، يموتون جوع، وهذه مسئولية القادر والمستطيع على إغاثته.
طالب:. . . . . . . . .
(182/17)
والله على حسب الحاجة، إذا كان محتاج إلى طعام مهيأ، والحاجة قائمة فالطعام أفضل، يطعمون الطعام على حبه، وإن كان الحاجة لا مندفعة الآن وبحاجة إلى قوت مستقبل ... علماً بأن هذه النوعيات من الناس يعني الفقراء كثير منهم لا يحسن التصرف بالأموال، تجده محتاج إلى أكل وشرب -وحصل هذا- فتصدق عليه بمبلغ فاشترى به تحف، تكسرت هذه التحف قبل ما يصل إلى البيت، يعني ما يحسنون بعضهم، ما يحسن التصرف في الأموال، وأولاده ينتظرون شيئاً يأكلونه، ترى هذا موجود يا الإخوان، ما هي بافتراضات، وأمثلة واقعية، ولذلك يعمد كثير من الإخوة أهل الاحتساب في هذه المشروعات النافعة التي أجرها عظيم عند الله -جل وعلا-، ما يسلم أموال بعض الفقراء، يكون نائب عن الفقير في قبض الأموال من الأغنياء، فيشرف على نفقتهم بنفسه، هو الذي يصرف عليهم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أكيد هذا موجود بكثرة.
طالب: أي نعم بعض الناس يتساهل في. . . . . . . . .
لا، لا، لا يتساهل، ولو كان شيئاً يسيراً، ولذلك قال: ((لا تحرقن أحداكن))، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ... , هذا يتعبد بمال محرم، لا أهل العلم يشددون فيما يتعلق بمواطن العبادة كالمساجد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بمال محرم؟
طالب:. . . . . . . . .
يمكن تصحيحه، يعني يكون بانيه من المال المحرم يخرج من ماله هذا المقدار إلى صاحب المال الأصلي، إن كان مغصوب يرد مثله من الغصب، وإن كان كسب ربا يتخلص منه وهكذا.
طالب:. . . . . . . . .
بعد التوبة، بعد التوبة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيهما؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه أنت بتدفع العنب كله.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن فرق بين القوت الضروري والقوت الكمالي، هذا فاكهة، قد زائد على الأكل، فرق بين القوت الضروري كالرغيف، وفرق بين القوت الكمالي هذا مثل الحلاء هذا.
طالب:. . . . . . . . .
اللي هو عائشة.
طالب:. . . . . . . . .
(182/18)
على كل حال المسألة مسألة ظروف وأحوال تتفاوت، الإنسان قد يجود في يوم ولا يجود في يوم، والمعطي والمانع هو الله -جل وعلا-، وعلى كل حال مثلما قلنا لك: القرص ضروري، قوت ضروري، قد يكون السائل بأمس الحاجة إليه، أما عنبة من العنب لو عاش عمره كله بدون عنب ما ضره.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
وهو مما يطعم، لكن ليس من الضروري، الطعام أعم من أن يكون ضرورياً أو كمالياً، يعني أنت عندك إيش يسمونها؟ الحافظة التي تحفظ الشاي والقوة مثلاً، ووقف على رأسك قال: صب لي كأس جزآك الله خيراً، يعني هذا مثل لو عندك طعام ترى الناس حاجتهم له؟ لا يختلف.
طالب:. . . . . . . . .
إيه أبد، بلا شك، تفاوت هذا.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال النصوص العامة تدل على مثل هذا، يعني هذه أخبار عن عائشة -رضي الله عنها-، وهي لائقة بها ما فيها إشكال؟
طالب:. . . . . . . . .
مالك بلغه، مالك يثبت مثل هذه البلاغة، وكلها موصولة، يستصحب هذا، أن كل البلاغات موصولة، وصلها ابن عبد البر إلا أربعة ليست هذه منها، نعم.
أحسن الله إليك
باب: ما جاء في التعفف عن المسألة
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفذ ما عنده، ثم قال: ((ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء هو خير وأوسع من الصبر)).
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -وهو على المنبر وهو يذكر الصدقة والتعفف عن المسألة-: ((اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة)).
(182/19)
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى عمر بن الخطاب بعطاء فرده عمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لم رددته؟ )) فقال: يا رسول الله أليس أخبرتنا أن خيراً لأحدنا أن لا يأخذ من أحد شيئاً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما ذلك عن المسألة، فأما ما كان من غير مسألة فإنما هو رزق يرزقكه الله)) فقال عمر بن الخطاب: أما والذي نفسي بيده لا أسأل أحداً شيئاً، ولا يأتيني شيء من غير مسألة إلا أخذته.
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلاً أعطاه الله من فضله فيسأله أعطاه أو منعه)).
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد أنه قال: نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد، فقال لي أهلي: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأله لنا شيئاً نأكله، وجعلوا يذكرون من حاجتهم، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده رجلاً يسأله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا أجد ما أعطيك)) فتولى الرجل عنه وهو مغضب، وهو يقول: لعمري إنك لتعطي من شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه ليغضب علي أن لا أجد ما أعطيه، من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً)) قال الأسدي: فقلت: للقحة لنا خير من أوقية، قال مالك: والأوقية أربعون درهماً، قال: فرجعت ولم أسأله، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بشعير وزبيب، فقسم لنا منه حتى أغنانا الله -عز وجل-.
وعن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن أنه سمعه يقول: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع عبد إلا رفعه الله، قال مالك: لا أدري أيرفع هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في التعفف عن المسألة
(182/20)
التعفف عن المسألة أما التعفف منها مع الاكتفاء فواجب، ومع الحاجة مطلوب إلا إذا بلغت به الحاجة مبلغاً لا تبقى معه حياته، فحينئذٍ يجب عليه أن يسأل، ولا يجوز له أن يتعفف إذا وصل به الأمر إلى أن يموت لو ترك المسألة، وأما التعفف عن المسألة إذا وجد عنده ما يغنيه فهو واجب، وإذا كانت حاجته داعية من غير ضرورة الحاجة داعية لكن لا يموت بسببها فهي محل التفصيل.
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري ? أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم" سألوه أول مرة فأعطاهم "ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفذ ما عنده، ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: ((ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم)) " لأنه -عليه الصلاة والسلام- ما عرف عنه أنه يكنز الأموال ويدخرها لنفسه، وقال -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث الصحيح: ((ما يسرني أن لي مثل أحدٍ ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده لدين)).
((ما يكون عندي من خيرٍ)) يعني المال {إِنْ تَرَكَ خَيْراً} [البقرة: 180] يعني مالاً، ((ما يكون عندي من خيراً فلن أدخره عنكم)) يعني ما عرف في كنز الأموال -عليه الصلاة والسلام-، ((ومن يستعفف يعفه الله)) يوطن نفسه على العفة، تصير عنده ملكة، يصير السؤال عنده يستحضر الذل الناشئ عن السؤال ويستعفف، فأن الله -جل وعلا- يعفه، وهكذا الغرائز التي أصلها ثابتة، وبعضها مكتسب، قد يكون الإنسان ليس عنده أو ما جبل على شيء من الغرائز أو الأخلاق المحمودة، لكنه مع ذلك يحاول أن يكتسب هذه الأمور فتحصل له بالاكتساب، يستعفف يعفه الله، تعلم يعلمه الله، يتحلم يرزق الحلم، يتصبر يرزق الصبر، وهكذا.
((ومن يستغن يغنه الله)) يعني يأطر نفسه على هذا، ولا يلتفت إلى ما في أيدي المخلوقين تحصل له النتيجة، لكن إذا نظر وعلق آمالاه بالمخلوقين فإنه يوكل إلى مثل هذا، ويستمر وتستمر الحاجة عنده وتستمر الفاقة، ولا ينتفع بما يأخذ.
(182/21)
((ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء هو خير وأوسع من الصبر)) الصبر جاء مدحه والحث عليه في نصوص الكتاب والسنة {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [(10) سورة الزمر] هذا إذا لم يحصل له ما صبر نفسه عليه في الدنيا يكون أجره مدخر يوم القيامة، وفي الغالب أنه يحصل له ما يريد مع الصبر {اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ} [(200) سورة آل عمران] فلا بد من الصبر والمصابرة ومداومة ذلك والمرابطة عليه حتى تحصل النتيجة التي هي الفلاح.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -وهو على المنبر وهو يذكر الصدقة والتعفف عن المسألة-: ((اليد العليا خير من اليد السفلى)) " ثم فسره بقوله: ((واليد العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة)) لأن السفلى تقول: هكذا، يد السائل هذا وضع يده، والمنفق يده فوق، هذا هو الواضح منه، وهو تفسير الحديث في الحديث، ومع ذلك يقول بعض الزهاد المتصوفة الذين يؤثرون الكسل والخمول، ولا يرغبون في العمل والتكسب، ويتوكلون على أزواد الناس، يقولون: لا اليد العليا هي الآخذة، واليد السفلى المعطية، لماذا؟ قالوا: الآخذ نائب عن الله {إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [(17) سورة التغابن] هذا جاء يأخذ قرض لله -جل وعلا-، فيده نائبة عن الله -جل وعلا-، ولا يمكن أن تكون نائبة عن الله وهي السفلى، يعني هذا تبرير لكسلهم وعجزهم، وإلا فالمشاهد والذي يدل عليه الواقع، وهو أيضاً الثابت في الأخبار أن اليد العلياء هي المنفقة، والسفلى هي السائلة حقيقة ومعنى، حسناً ومعنى، المعطية هي العلياء، في الحس والمعنى، الحس ظاهر لأن اليد فوق، ما في أحد بيقول لك: خذ، في أحد بيقول لك: خذ؟ ما في، بيقول: خذ، هذا من حيث الحس، المعنى أيضاً، يعني إيش معنى العلو والتعالي؟ لكن لا يستصحب معنى علو وتجبر علو في الأرض وما أدري إيش؟ لا، ومع ذلك عليه أن يتواضع لله -جل وعلا-؛ لأن المال مال الله.
(182/22)
قال: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى عمر بن الخطاب بعطاء فرده عمر" لأنه سمع كلام من النبي -عليه الصلاة والسلام- فاستعمله بعمومه، واللفظ العام يعمل به ما لم يرد مخصص "فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لم رددته؟ )) فقال: يا رسول الله: أليس أخبرتنا أن خيراً لأحدنا أن لا يأخذ من أحد شيئاً" هذا عام استعمله عمر بعمومه، وهو في الحقيقة يراد به الخصوص "أن خيراً لأحدنا ألا يأخذ من أحد شيئاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما ذلك عن المسألة)) " أن تروح تسأل الناس، تستشرف لما في أيدي الناس، تطلب من الناس ((فأما ما كان من غير مسألة فإنما هو رزق يرزقكه الله)) لا سيما إذا كان من السلطان، من ولي الأمر، من بيت المال، إذا جاء من غير مسألة ولا استشراف فخذه، وإذا كان عن مسألة واستشراف فلا يأخذ، وأيضاً إذا كان من غير مسألة ولا استشراف كما جاء في صحيح مسلم: "ما لم يكن ثمن لدين، وأما إذا كان ثمن لدينك فلا" هذا في صحيح مسلم؛ لأن بعض الناس يعطي هذا الشخص ليتنازل له عن شيء، سواء كان من أمور الدنيا، أو من أمور الدين، فإذا كان من أمور الدين فالهرب الهرب "فقال عمر بن الخطاب: أما والذي نفسي بيده" إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته "لا أسأل أحداً شيئاً" يعني ولو اضطر إلى المسألة؟ عمر اقسم بالله -جل وعلا- ألا يسأل أحداً شيئاً "ولا يأتيني شيء من غير مسألة إلا أخذته" فهو عمل بالنص العام وبالخاص، عمل بالنص العام في ما لم يدخله خصوص، وعمل بالنص الخاص "أما والذي نفسي بيده لا أسأل أحداً شيئاً، ولا يأتيني شيء من غير مسألة إلا أخذته" فعمل -رضي الله عنه وأرضاه- بالشقين.
(182/23)
قال: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلاً أعطاه الله من فضله فيسأله أعطاه أو منعه)) " حث على العمل، وديننا دين العمل للآخرة؛ لما خلق له الإنسان، تحقيق العبودية، ومع ذلك فلا تنسى نصيبك من الدنيا، تأخذ الحبل وتتسبب وتحتطب وتبيع، أو تعمل عملاً يناسبك، ويليق بك، وتحسنه، تنتفع به وتنفع به غيرك ((خير له من أن يأتي رجلاً أعطاه الله من فضله)) يسأله ويتكففه ((أعطاه أو منعه)) لأن المعطي والمانع هو الله -جل وعلا-.
(182/24)
قال: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد أنه قال: نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد، فقال لي أهلي: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأله لنا شيئاً نأكله" إذا كان ما عندهم شيء هذا الأسدي مع أهله ما عندهم شيء يأكلونه، فجاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجعلوا يذكرون من حاجتهم، أهله جعلوا يذكرون له من حاجتهم ما يجعله يهتم لطلبهم، ويلبي طلبهم "فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده رجلاً يسأله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا أجد ما أعطيك)) فتولى الرجل عنه وهو مغضب، وهو يقول: لعمري إنك لتعطي من شئت" هذا لا يليق بمسلم أن يقول هذا في حقه -عليه الصلاة والسلام-، جاء في حق خارجي: "اعدل"، وجاء في حق الأعرابي ما جاء، عيينة بن حصن أو غيره، ذكروا ذلك للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وأساءوا الأدب "إنك لتعطي من شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه ليغضب علي أن لا أجد ما أعطيه)) " النبي -عليه الصلاة والسلام- قاسم، والله -جل وعلا- هو المعطي وهو المانع ((إنما أنا قاسم، والله هو المعطي)) ((لا أجد ما أعطيه، من سأل منكم وله أوقية، أو عدلها فقد سأل إلحافاً)) أربعين درهماً، كم تعادل بالريال؟ المائتين ستة وخمسين، يعني حدود أحد عشر ريال عربي فضة، إن قلنا: إن الريال العربي بعشرين، يعني مائتين ريال أو ثلاثمائة ريال ((من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً)) يعني الذي جاء النهي عنه، قال الأسدي هذا الذي جاء يطلب من النبي -عليه الصلاة والسلام-: "للقحة لنا خير من أوقية" هذه يمكن تسوى أواقي "قال مالك: والأوقية أربعون درهماً"، "قال: فرجعت ولم اسأله" لماذا؟ لأنه ما دامت عنده هذه اللقحة فقد يكون سؤاله إلحافاً على ما جاء في الخبر "قال: فرجعت ولم اسأله، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بشعير وزبيب، فقسم لنا منه حتى أغنانا الله -عز وجل-" يعني أخذه من غير مسألة ولا استشراف، ومثل هذا هو المأمور بأخذه.
(182/25)
قال: "وحدثني مالك عن العلاء بن عبد الرحمن أنه سمعه يقول: ما نقصت صدقة من مال" هذا خبر الصادق الذي لا ينطق عن الهواء، لكن قد يقول قائل: أنا عندي ألف زكاته خمسة وعشرون، خمسة وعشرون إذا حذفنا الخمسة والعشرين من الألف صار الباقي تسعمائة وخمسة وسبعين نقص الألف، الزكاة معناها النماء والتطهير، والزيادة كيف؟ تصير الألف تسعمائة وخمسة وسبعين، يعني نقص حسي ظاهر، لكن الزيادة المعنوية والحسية أضعاف مضاعفة عن هذه النقص، والنصوص تدل على هذا، والواقع يشهد له.
((ما نقصت صدقة من مال)) جاء بعض الزيادات التي لا أصل لها: ((بل تزيده، بل تزيده)) نعم؟ يعني الزيادة في الخبر، وإن كانت من حيث عموم النصوص والقواعد العامة تدل على أن الزكاة زيادة ونماء ((وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً)) بعض الناس يظن أنه إذا عفا عمن ظلمه يكون مهضوم، أو يظن به أنه لا يستطيع الانتقام، لا، يخيل إليه أنه يذل بهذا العفو؛ لئلا يقال: إنه ترك الانتقام عجزاً، والحديث يقول: ((وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً)) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا يتفاوت يعني {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [(237) سورة البقرة] هذا الأصل، لكن إذا كان العفو عن فلان من الناس الذي له سوابق، وله جرائم متعددة يغريه ويجرئه على الزيادة من ذلك هذا لا يعفى عنه.
((وما تواضع عبد إلا رفعه الله)) بعض الناس يظن أن التواضع ضعة، هذا الكلام ليس بصحيح، التكبر هو الضعة.
تواضع تكن كالنجم لاح لناظرٍ ... على صفحات النجم وهو رفيعُ
ولا تكن كالدخان يعلو بنفسه ... إلى طبقات الجو وهو وضيعُ
فالمتواضع هذا هو الذي في أعين الناس رفيع ضد المتكبر الذي كل الناس يحتقرونه، كل الناس يحتقرون هذا المتغطرس وهذا المتكبر، وأما المتواضع فإن كل الناس يقدرونه ويحترمونه ((وما تواضع عبد إلا رفعه الله)) "قال مالك: لا أدري أيرفع هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ " ومثله لا يقال بالرأي، وعلى كل حال الحديث موصول في صحيح مسلم، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما يكره من الصدقة
(182/26)
حدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تحل الصدقة لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس)).
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً من بني عبد الأشهل على الصدقة، فلما قدم سأله إبلاً من الصدقة، فغضب رسول الله ? حتى عُرف الغضب في وجهه، وكان مما يعرف به الغضب في وجهه أن تحمر عيناه، ثم قال: ((إن الرجل ليسألني ما لا يصلح لي ولا له، فإن منعته كرهت المنع، وإن أعطيته أعطيته ما لا يصلح لي ولا له)) فقال الرجل: يا رسول الله لا أسألك منها شيئاً أبداً.
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: قال عبد الله بن الأرقم: ادللني على بعير من المطايا استحمل عليه أمير المؤمنين، فقلت: نعم جملاً من الصدقة، فقال: عبد الله بن الأرقم: أتحب أن رجلاً بادناً في يوم حار غسل لك ما تحت إزاره ورفغيه، ثم أعطاكه فشربته؟! قال: فغضبتُ وقلت: يغفر الله لك، أتقول لي مثل هذا؟ فقال عبد الله بن الأرقم: إنما الصدقة أوساخ الناس يغسلونها عنهم.
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما يكره من الصدقة
باب ما يكره من الصدقة بالنسبة للمتصدق أو للآخذ؟ يعني للآخذ.
قال: "حدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تحل الصدقة لآل محمد)) " اللفظ الآخر: ((لمحمد ولا لآل محمد)) وإذا منع آل محمد من أخذ الصدقة لأنها أوساخ الناس فإنما منعوا من أجله -عليه الصلاة والسلام-، فدخوله في آله أولي، فلا يحل لمحمد ولا لآل محمد أن يأخذ من الصدقة، لماذا؟ لأنها أوساخ الناس، والزكاة مجمع عليها، وأما بالنسبة للصدقة المستحبة فمحل خلاف بين أهل العلم، والعلة تشملها، لكن ماذا عما لو اضطر من اتصف بهذا الوصف من الآل، ولا مدخل له، ولا خمس، ولا أعطي من بيت المال، ومثل هذا حال الضرورة بالنسبة له عند بعض أهل العلم يجعله يأخذ من الصدقات غير الواجبة، مع أنه إذا لم يستغني عن الصدقة فعموم الحديث لا تبيح له ذلك، وتوجب نصيبه من بيت المال، كفافه إنما هو من بيت المال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيها؟
طالب:. . . . . . . . .
(182/27)
هدية لا بأس، أما صدقة لا.
طالب:. . . . . . . . .
وإن كانت منة، أوساخ، تبقى أنها أوساخ.
طالب:. . . . . . . . .
هم ناس، يعني هم ناس.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا.
قال: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً من بني عبد الأشهل على الصدقة، فلما قدم سأله إبلاً من الصدقة استعمل رجلاً من بني عبد الأشهل على الصدقة" يعني يجبي الصدقة، ساعي، أو استعمله راعياً عليها، الاستعمال أعم "فلما قدم سأله إبلاً من الصدقة، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف الغضب في وجهه، وكان مما يعرف به الغضب في وجهه أن تحمر عيناه" النبي -عليه الصلاة والسلام- يغضب مع كونه نهى عن الغضب، ووجه من استنصحه قال له: ((لا تغضب)) غضب النبي -عليه الصلاة والسلام-، النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يغضب انتصاراً لنفسه، وإنما يغضب إذا انتهكت المحارم، محارم الله -جل وعلا-، يغضب لله "ثم قال: ((إن الرجل ليسألني ما لا يصلح لي ولا له)) " يعني لا يصلح لي أن أعطيه إياه، ولا يصلح له أن يأخذه ((فإن منعته كرهت المنع)) لأنه جواد -عليه الصلاة والسلام-، يتحرج من المنع، عود نفسه وجبل نفسه على هذا، فإذا وقع منه خلاف ما عود نفسه شق عليه مشقة عظيمة " ((فإن منعته كرهت المنع، وإن أعطيته أعطيته ما لا يصلح لي ولا له)) فقال الرجل: يا رسول الله لا أسألك منها شيئاً أبداً " لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- غضبه من يطيق من المسلمين غضب النبي -عليه الصلاة والسلام-، مثل هذا لا يطاق.
طالب:. . . . . . . . .
ممكن، ما لا يصلح لي ولا له؛ لأنه لا يأخذ الصدقة -عليه الصلاة والسلام-، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني تطهر بها الأموال، الزكاة تطهر المال.
طالب:. . . . . . . . .
أي نعم كأن هذا ما يخرج من بعد التطهير، ويش اللي يخرج من بعد التطهير؟
طالب:. . . . . . . . .
الوسخ.
(182/28)
قال: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: قال عبد الله بن الأرقم: ادللني على بعير من المطايا استحمل عليها أمير المؤمنين" يعني أطلب منه أن يحملني عليها، يعني أن أركبها "ادللني على بعير من المطايا استحمل عليها أمير المؤمنين" يعني أطلب منه أن يحملني عليها "فقلت: نعم جملاً من الصدقة" يصلح لك يعني يتحمل الحمل "فقال: عبد الله بن الأرقم: أتحب أن رجلاً بادناً في يوم حار" يعني رجلاً سمين يعني مع العرق والأوساخ والغبار "في يوم حار غسل لك ما تحت إزاره" يعني ما يقرب من العورة، بعد العرق وبعد الغبار، وبعد الشعث "يغسل لك مثل هذا تحت إزاره ورفغيه" أصول الأفخاذ، يعني وما بين أصل الفخذ والعورة "ثم أعطاكه فشربته" في أحد يقبل مثل هذا؟ ما في أحد يقبل مثل هذا "قال: فغضبت، وقلت: يغفر الله لك، أتقول لي مثل هذا؟! " يواجه إنسان مثل هذا الكلام الشديد "قال: فقال عبد الله بن الأرقم: إنما الصدقة أوساخ الناس" يعني ما قال: أوساخ اليدين غسل يديه، وقال: اشرب الماء، نظر إلى أشنع مكان أو أشنع بقعة في البدن فمثل بها للتنفير، لن يقبل بعد هذا التصوير البشع "قال: أتقول لي مثل هذا؟! قال: فقال عبد الله بن الأرقم: إنما الصدقة أوساخ الناس يغسلونها عنهم" يعني لو غسل يديه، يعني يمكن يقبل على حسب قوة الحاجة الداعية وعدم قوتها، وعلى حسب ما جبل عليه من حب المال أو عدمه، لكن تلك المواطن من البدن لا يقبلها أحد.
على كل حال بقي شيء يسير من آخر الكتاب، يعني ثلاث صفحات بقيت وبعدها -إن شاء الله تعالى- نأتي إلى كتاب الضحايا، في كتاب الضحايا، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا كتاب الضحايا عندك الجزء الأول؟ الثاني؟ إيه الباب ثلاث وعشرين، كتاب الضحايا، كتاب الضحايا ثلاثة وعشرين؛ لأنه مناسب لهذا الوقت، وبعده الذبائح أيضاً، نعم؟ وكتاب الصيد أيضاً إلى أن نصل إلى ما وقفنا عليه ثم نعود.
طالب:. . . . . . . . .
(182/29)
ما في تكثر، لا، لا، أصلاً بنكمل الباقي، ما إحنا بنخليه، ثلاث صفحات نأخذها في الدرس القادم مع الضحايا، ونحرص أننا نكمل ما نستطيع؛ لأن كل هذه متعلقة بالهدي والأضاحي والعقيقة والصيد والأطعمة هذه مهمة يعني في مثل هذا الوقت، ولا يبقى إلا الفرائض، الفرائض أمره -إن شاء الله- سهل، يعني نبدأ به مع ما يبقى من أول الجزء، يعني كوننا نبدأ بالضحايا مناسب لهذا الوقت.
اللهم صل على عبدك ورسولك، نبينا محمد وعلى وآله وصحبه أجمعين.
(182/30)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ – كتاب الجامع (15)
باب: ما جاء في طلب العلم - باب: ما يتقى من دعوة المظلوم - باب: ما جاء في أسماء النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب العلم
باب: ما جاء في طلب العلم
حدثني عن مالك أنه بلغه أن لقمان الحكيم أوصى ابنه فقال: "يا بني جالس العلماء، وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة، كما يحيي الله الأرض الميتة بوابل السماء".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- كما في الكتب التي بأيدينا:
كتاب العلم
والأصل أن هذا الباب داخل في ضمن الكتاب الجامع.
قال:
باب ما جاء في طلب العلم
طلب العلم تضافرت عليه نصوص الكتاب والسنة، ومع ذلكم المؤلف -رحمه الله تعالى- ما ذكر فيها شيء لا من الكتاب ولا من السنة، ولعله رأى أن ما ورد فيه من نصوص الكتاب والسنة محفوظ، لدى الخاص والعام، ومعروف عند الجميع، والاستدلال عليه بالنص قد لا يحتاج إليه لأنه مما عرف من الدين بالضرورة، فلا يحتاج إلى استدلال، وإلا فالبخاري أطال جداً في كتاب العلم، وتقرير مسائله، والحث عليه، وهنا ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- قال:
(183/1)
"حدثني عن مالك أنه بلغه أن لقمان الحكيم" هذا لا من الكتاب ولا من السنة، يعني ممن تقدم، وكأن ما جاء في الكتاب والسنة مثلما ذكرنا محفوظ عند الجميع، لا يحتاج إلى تستطير ولا تدوين، ولو لم يكن في ذلك إلا قوله -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) وهذا مما اتفق الأئمة في تخريجه، لكن مالك -رحمه الله- عدل عن ذلك كله إلى ما بلغه أن لقمان الحكيم أوصى ابنه فقال: "يا بني جالس العلماء، وزاحمهم بركبتيك" لأنه قد تكون النصوص في الحث على العلم معروفة لدى طالب العلم، لكن كيف يطلب العلم؟ هل يطلب العلم من خلال الكتاب والمصنفات وهذا موجود قديماً؟ أو يكتفي بالآلات كما وجد الآن؟ يكتفي بسماع الأشرطة، وتفريغها على المتون؟ أو يحضر الدرس من خلال الشبكة؟ أو يزاحم العلماء؟ لا شك أن الأجر المرتب على سلوك الطريق، والتماس العلم إنما هو بالذهاب إلى أهل العلم، ومزاحمتهم في أماكنهم، يقول: "يا بني جالس العلماء، وزاحمهم بركبتيك" ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً)) هل نقول: إن الذي شغل المسجل، أو الآلة في منزله سلك الطريق؟ نعم إذا لم يوجد وسيلة إلا هذه، هذا معذور، ويكون سلك طريقاً مناسباً له، ويرجى أن يدخل في الوعد، لكن من أمكنه الوصول إلى أهل العلم ثم جلس في بيته إيثاراً للراحة، وطلباً للسلامة هذا لا يحصل له ما وعد به؛ لأنه ما سلك طريقاً، إذا عجز عن سلوك الطريق، إذا منع من سلوك الطريق بغير إرادته هذا يثبت له الأجر مثل هذا، لكن من كان بإمكانه أن يسلك الطريق على الجادة المعروفة عند أهل العلم، بالمثول لديهم، أو عندهم، "جالس العلماء، وزاحمهم بركبتيك" زاحمهم، يعني كلما استطعت أن تقرب من الشيخ فاحرص، يعني ليس المراد بالعلم هو مجرد الكلمات التي تخرج من العالم، والتوجيهات التي تصدر منه، لا، كثير من الطلاب يستفيد من بعض الشيوخ لا أقول: جميع الشيوخ من بعض الشيوخ من سمته وهديه أكثر مما يستفيد من علمه، وعلى هذا قال: "وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة" يعني بالعلم من الكتاب والسنة "بنور الحكمة كما يحيي الله الأرض الميتة بوابل السماء" نعم القلوب تحتاج إلى الغيث
(183/2)
الغيث المعنوي، إلى الشفاء من نصوص الكتاب والسنة، والجهل داء.
والجهل داء قاتل وشفاؤه ... أمران في التحقيق متفقانِ
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، في التحقيق وشفاؤه أمران في التحقيق متفقان.
نص من كتاب أو من سنة ... وطبيب ذاك العالم الرباني
ثم عاد أخذ يمدح الشيخ -رحمه الله-.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا يجمع بين الأمرين، يجمع بين علم المتقدمين وعلم المتأخرين، يعني في القرن الماضي مثلاً ما قال العلماء أو طلاب العلم: نبي نجلس نقرأ كتب شيخ الإسلام والإمام أحمد والأئمة المتقدمين ونترك شيوخنا، يعني يجمع بين هذا وهذا.
"فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الله الأرض الميتتة بوابل السماء" لا شك أن القلوب تحتاج إلى علم تحيا به، وبالمقابل القلوب تموت بالمعاصي، وسواء كانت مادية أو معنوية، بما يخرج به عن دائرة الالتزام سواء كان أمراً عملياً كفعل المنكرات والمحرمات، أو عقدياً كالنظر في كتب المبتدعة، كتب المبتدعة تميت القلوب، المعاصي تميت القلوب، الذنوب تميت القلوب، وكذلك النظر في الكتب المخالفة للكتاب والسنة، فإذا كانت حياة القلوب بالكتاب والسنة فموت القلوب بضد ذلك مما يخالف الكتاب والسنة، والنووي -رحمه الله- يقول: إنه اقتنى كتاب القانون لابن سينا كتاب طب، يقول: لما اقتنيته أظلم قلبي، وعالجت الحفظ، فلم أستطع، حاولت الفهم ما استطعت، حتى أخرجته من بيتي، والله المستعان, نعم.
أحسن الله إليك.
كتاب دعوة المظلوم
باب: ما يتقى من دعوة المظلوم
حدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- استعمل مولى له يدعي هَنياً.
هُنياً.
أحسن الله إليك
(183/3)
أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- استعمل مولى له يدعي هُنياً على الحمى، فقال: يا هني اضمم جناحك عن الناس، واتقِ دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مستجابة، وأدخل رب الصريمة، ورب الغنيمة، وإياي ونعم بن عوف، ونعم بن عفان، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع، وإن رب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ماشيته يأتني ببنيه فيقول: يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبا لك، فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والورق، وأيم الله إنهم ليرون إني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم ومياههم، قاتلوا عليها في الجاهلية، واسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبراً.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب دعوة المظلوم
باب: ما يتقى من دعوة المظلوم
يعني في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما بعث معاذً إلى اليمن قال له: ((واتقِ دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) دعوة المظلوم مستجابة.
قال: "حدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب استعمل مولى له يدعي هُنياً" اسمه هُني، استعمله على الحمى، مراقب مشرف على الحمى، والحمى: ما يحميه السلطان، فإن كان الحمى لإبل الصدقة، وما يتعلق ببيت المال، وأنعام بيت المال هذا له سلف، الخلفاء حموا، وإن كان لأمواله الخاصة فهذا لم يسبق عند الراشدين، وإن استعمله الملوك من بعدهم، وجاء التشبيه بمن يقرب من المعاصي، ويتناول الشبهات كالراعي يرعى حول الحمى، فإذا رعى الراعي حول الحمى دخلت مواشيه حول الحمى، وتعرض للأذى من قبل من حماه.
فقال: "يا هُني اضمم جناحك عن الناس" يعني خفف عليهم، لا تشق عليهم، ولا تشدد عليهم، يعني لو افترض أنه دخلت شاة أو دابة أو شيء من ذلك، أو ناقة، أو جمل ورعى شيئاً من الحمى لا تؤذي صاحبها، واكتفي بإبعادها "اضمم جناحك عن الناس، واتقِ دعوة المظلوم" اجعل بينك وبينها وقاية فلا تظلم "فإن دعوة المظلوم مستجابة" وفي حديث معاذ الذي أشرنا إليه: ((ليس بينها وبين الله حجاب)).
(183/4)
"وأدخل رب الصريمة، ورب الغنيمة" الذي عنده من الإبل الشيء اليسير، أو من الغنم الشيء اليسير الذي لا يؤثر في المحمي، ولا تضرر به إبل بيت المال، ولا أبل الصدقة هذا لا مانع من أن يمكن؛ لأنه ليس له من المال إلا الشيء اليسير، بحيث لو تلف ضاق ذرعاً بنفسه وبأولاده، وذهب يلتمس من ولي الأمر النفقة لولده كما في الخبر "وإياي ونعم بن عوف" عبد الرحمن بن عوف تاجر عنده أنعام كثيرة "و-كذلك- عثمان بن عفان" عنده، وعندهم أمول أخرى، عندهم نخيل، وعندهم زروع، يعني لو تضررت مواشيهم رجعوا إلى غيرهم، واستفادوا من غيرهم، لكن رب الصريمة ورب الغنيمة إذا تضررت مواشيهم وإبلهم وغنمهم فإنهم لا شيء لهم يأوون إليه، ولا يرجعون إليه إلا الله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك يعودون إلى ولي الأمر، ويحرجونه بالمطالب.
قال: "فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع" عندهم مزارع، إذا فاتهم الإبل والغنم ما فاتهم النخل والتمر والزرع والعيش والحب وغيره، والفواكه، عندهم مزارع يرجعون إليها "فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع، وإن رب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتني ببنيه" يأتي بأولاده، بنسائه انظر يا أمير المؤمنين، أين نطعم هؤلاء؟ "فيقول: يا أمير المؤمنين، يا أمير المؤمنين" يصوت له من أجل أن يعطف عليه وعلى ولده "أفتاركهم أنا؟ " نعم هذه مسئولية ولي الأمر إذا كان في بيت المال شيء لا يجوز أن يجوع المسلم، ولا يجوز أن يحتاج الصغار والكبار ما دام في بيت المال شيء "فيقول: أفتاركهم أنا لا أبا لك" وعمر الذي يقول: لو عثرت دابة بالعراق لسئل عنها عمر، فكيف بصبية يتضاغون، ونساء يتضورن جوعاً؟! "فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والورق" مكنهم خل مواشيهم ونعامهم ودوابهم تأكل، "الماء والكلأ أيسر علي من الذهب والورق" من الذهب والفضة "وأيم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم" بم ظلمهم؟ ظلمهم بالحمى، يرون أنه ظلمهم بالحمى، وهو ما ظلمهم لإبل نفسه، أو لمواشيه الخاصة، وإنما حمى هذا الحمى لإبل الصدقة، أو لما يحمل عليه في سبيل الله "إنها لبلادهم ومياههم" لأن هذه الأمور العامة المشتركة الناس فيها سواء، والناس شركاء في ثلاثة، ومنه الكلأ.
(183/5)
"قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام" نعم هي بلادهم، وهم فيها سواء، لا يجوز تخصيص بعضهم دون بعض "والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله" يعني الدواب التي يحمل عليها المجاهدون "لولا هذه ما حميت عليهم من بلادهم شبراً" لأن العدل في مثل هذا واجب، نعم.
أحسن الله إليك.
كتاب أسماء النبي -صلى الله عليه وسلم-
باب: ما جاء في أسماء النبي -صلى الله عليه وسلم-
حدثني عن مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب)).
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في أسماء النبي -عليه الصلاة والسلام-، التي ذكر منها هذه الخمسة بهذا الحديث، وزيد عليها في أحاديث أخرى، وفهم من نصوص أخرى، من أوصافه -عليه الصلاة والسلام- سمي بها، حتى أوصلها بعضهم إلى مائتين، بل قال بعضهم: قد تصل إلى الألف من الأسماء والصفات -عليه الصلاة والسلام-، لكن الصحيح من ذلك الذي يمكن أن يسمى أسم قليل جداً، ومنها هذه الخمسة.
قال:
باب: أسماء النبي -صلى الله عليه وسلم-
(183/6)
"حدثني مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لي خمسة أسماء)) " التقديم والتأخير دليل على الحصر، يعني ليس لي غيرها ((أنا محمد، وأنا أحمد)) ولذا ما جاء من تسميته -عليه الصلاة والسلام- بطه، أو ياسين، وغير ذلك مما اختلف فيه بين أهل العلم يخرجه هذا الحصر ((أنا محمد)) هذا اسمه الأشهر، وبه سماه والده، يعني جده، سمي بذلك، سمي محمد ((وأنا أحمد)) وهو أيضاً من أسمائه الواردة في القرآن {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [(6) سورة الصف] ((وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر)) نعم محا الله به الكفر في جزيرة العرب، وما والاها من بلاد الروم وفارس إلى أن وصل إلى المشرق والمغرب، وإن كان بقي طوائف من الكفر على كفرهم، واستمروا على ذلك، لكن المراد بالماحي محا الله به ظهور الكفر، وانتشار الكفر، واشتهار الكفر، وإن وجد بعض البقاع والأصقاع مما لا يدين بالإسلام فلا يرد على هذا، ((وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي)) يعني بعده، -عليه الصلاة والسلام-، هو العاقب الذي جاء عاقب الأنبياء فهو آخرهم، وهو خاتمهم -عليه الصلاة والسلام-، خاتم الأنبياء، ولا نبي بعده، وفي كتاب الشفاء للقاضي عياض أسماء بأدلتها، ومع ذلك هذا الكتاب فيه من أخبار النبي -عليه الصلاة والسلام- وصفاته وشمائله وفضائله وحقوقه ما لا يوجد في غيره، على أنه لا يسلم من بعض الملاحظات التي من أجلها تركه كثير من أهل التحقيق، وهو محل عناية، في كثير من أقطار المسلمين، وعلى كل حال فيه فوائد، وفي شروحه أيضاً كذلك فيها فوائد لا توجد في غيرها، على أنه ورد في صحيح السنة من البخاري ومسلم والكتب من أوصافه وشمائله وحقوقه -عليه الصلاة والسلام- ما قد يستغنى به عن مثل هذا الكتاب.
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ ويش المانع؟
طالب:. . . . . . . . .
ولو ما سمع بها، ما دام ثبتت في الحديث الصحيح، ما لأحد كلام، على كل حال النص عام ((اتقِ دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(183/7)
شرح: الموطأ - كتاب القدر
باب النهي عن القول بالقدر
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للحاضرين والسامعين يا حي يا قيوم.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
كتاب القدر:
باب النهي عن القول بالقدر:
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تحاج آدم وموسى فحج آدم موسى، قال له موسى: أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي أعطاه الله علم كل شيء، واصطفاه على الناس برسالته؟ قال: نعم، قال: أفتلومني على أمر قد قدر علي قبل أن أخلق؟! )).
وحدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أبي أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- سئل عن هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [(172) سورة الأعراف] فقال عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسأل عنها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله -تبارك وتعالى- خلق آدم، ثم مسح ظهره بيمينه، حتى استخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون)) فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله ربه الجنة))
به.
أحسن الله إليك.
(184/1)
((فيدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه)).
وحدثني يحيى عن مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم عن طاوس اليماني أنه قال: أدركت ناساً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون: كل شيء بقدر.
قال طاوس: وسمعت عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل شيء بقدر حتى العجزَ والكيس ... ))
العجزِِ.
أحسن الله إليك.
العجزِ.
أحسن الله إليك.
((حتى العجز والكيس، أو الكيس والعجز)).
وحدثني مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن دينار أنه قال: سمعت عبد الله بن الزبير -رضي الله تعالى عنهما- يقول في خطبته: "إن الله هو الهادي والفاتن".
وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك أنه قال: كنت أسير مع عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- فقال: ما رأيك في هؤلاء القدرية؟ فقلت: رأيي أن تستتيبهم فإن تابوا وإلا عرضتهم على السيف، فقال عمر بن عبد العزيز: "وذلك رأيي".
قال مالك: وذلك رأيي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب القدر:
هذا الكتاب المضاف إلى القدر لا شك أنه من أهم الأبواب؛ لأهمية ما يذكر فيه، وأهمية ما يذكر فيه باعتبار أنه من أغمض الأبواب وأخفاها، بل هو سر الله في خلقه، وهو مزلة الأقدام، ومضلة الأفهام، زلت الأقدام من قبل طوائف من المسلمين، وأقدموا على نفي القدر، نفوه بالكلية، وقالوا: إن الله -جل وعلا- لا يعلم الأشياء قبل وجودها، وأن لا قدر، وأن الأمر أنف، يعني مستأنف، ويقابلهم طائفة غلوا في إثبات القدر، فجعلوا العبد مسلوب الحرية والإرادة، والأولون جعلوه حراً مختاراً، اختياراً كاملاً مستقلاً، يستقل بفعل نفسه، يقابلهم الجبرية الذين قالوا: لا يتصرف في شيء من نفسه، وهو مجبور على جميع أفعاله وحركاته، إنما هي كحركات ورق الشجر في مهب الريح.
(184/2)
القدرية الغلاة في النفي هم مجوس هذه الأمة، ووجودهم قديم، من أقدم أهل الأهواء والبدع، وجدوا في عصر الصحابة، وجاء إلى ابن عمر كما في صحيح مسلم من يقول له: إن بناحيتنا قوم وصفهم بالحرص على العلم، وأنهم يتقفرونه -يطلبونه في البراري والقفار- حرصاً عليه، وأنهم يقولون: لا قدر، وأن الأمر أنف، فقال ابن عمر: أخبرهم أنني منهم براء، وهم مني بُرَاء حتى يؤمنوا بالقدر؛ لأن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، ثم جاء أورد الحديث الذي فيه سؤال جبريل عن الإيمان، وذكر فيه أركان الإيمان ((وأن تؤمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره)) القدرية النفاة كان أوائلهم ينكرون العلم، وهذا كفر محض -نسأل الله السلامة والعافية- والذي ينكر العلم بعد ذلك قليل، إنما ينكرون المراتب الأخرى، مراتب القدر الأربع هي:
العلم، هاه؟ الكتابة، المشيئة، الخلق، والتقدير، هذه مراتب القدر الأربع، القدرية الذين يبالغون ويغلون في النفي -نفي القدر- منهم المعتزلة، وفئات من الشيعة الإمامية وبعض الزيدية، وكثير من الطوائف زلوا زلة أقدامهم في نفي القدر، وجعلوا العبد يخلق فعله، فراراً من وصف الرب -جل وعلا- بالظلم؛ لأنه لو أجبرهم .. ؛ لأنهم ما فهموا إلا أن المسألة لا تخلو من حالين: الحال الأولى: المبالغة والغلو في النفي، كما توصلوا إليه، أو الغلو والمبالغة بالإثبات، ولم يوفقوا كما وفق أهل السنة والجماعة وأئمة الإسلام وسلف هذه الأمة، فتوسطوا بين الطائفتين، قالوا: إذا أثبتنا القدر معناه أن الله -جل وعلا- ظالم للعباد حينما يكتب عليهم ويقدر عليهم الكفر والشرك والمعاصي والجرائم، ثم يعذبهم عليها، والجبرية الذين هم في مقابلهم يقولون: المالك له أن يتصرف في ملكه كيفما شاء، يقدر عليه الكفر ويعذبه على ذلك.
ألقاه في اليم مكتوفاً ثم قال له: ... إياك إياك أن تبتل بالماءِ
(184/3)
هذا رأي الجبرية، ووفق الله أهل السنة والجماعة فأثبتوا القدر على ما جاء في النصوص، وأثبتوا التكليف، وأثبتوا أن للعبد حرية وإرادة يختار، له أن يختار أحد الطريقين، أحد النجدين، لكنها حرية مقيدة، وإرادة مقيدة بإرادة الله -جل وعلا- ومشيئته، لا يستقل بفعل نفسه فيكون القول كقول القدرية النفاة، مجوس هذه الأمة، الذين أثبتوا مع الله -جل وعلا- خالقاً، ولا يقولون كما يقول الجبرية الذين خالفوا المعقول والمنقول، فيرون أن حركة الإنسان كحركة ورق الشجر، كيف؟ في أحد يمنع الإنسان أن يقوم إلى الصلاة؟ أليس حراً مختاراً أن يقوم ويذهب إلى المسجد؟ قالوا: لا، هو مجبور على القيام، لا يستطيع أن يجلس، والذي لا يصلي هو مجبور على القعود، تعالى الله -جل وعلا- أن يكون في أفعاله مثل هذا، ثم يعذب من جبره على القعود بحيث لم يترك له أدنى حرية يفعل بها ما طلب منه، يعني هل الإنسان عاجز عن أن يأخذ حجراً فيرميه إلى أي هدف؟ هل يقول بهذا عاقل؟ هل الإنسان عاجز بأن يقف على قدميه ويسير إلى المسجد ليؤدي الصلاة المفروضة؟ هذا لا ينكره إلا ممسوخ العقل {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} [(17) سورة الأنفال] وما رميت نفي للرمي، إذ رميت نفي الرمي، فيه رد على القدرية النفاة، نفاة القدر، إذ رميت فيه رد على الجبرية {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} [(17) سورة الأنفال] يعني وما أصبت، الإصابة من الله، إذ حذفت الحجر أو التراب ولكن الله -جل وعلا- هو الذي أصاب، يعني الإنسان له أن يأخذ الحجر ويرمي به الطير، وهذا هو المثبت، لكن الإصابة هي التي إلى الله -جل وعلا-، ولذا تجدون كم من شخص يرمي ولا يصيب، وبعض الناس يصيب، فالذي يسر له هذه الإصابة هو الله -جل وعلا-، فهذا الباب أعني باب القدر مزلة قدم، واحتار فيه كثير ممن وصف بأنه من الأذكياء، لكنه استرسل وراء الأوهام، وقادته ما يدعيه من الأفهام غير معتمد على نص الكتاب، وكلام سيد الأنام، الذي لا يجعل قياده بيد النص هذا يضل بلا شك، يسترسل في وراء الذهن، ثم يبدأ بمقدمات توصله إلى نتائج باطلة، لكن من جعل خطامه وزمامه بالكتاب والسنة قاداه إلى الصراط
(184/4)
المستقيم، الصراط الوسط {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة].
وأهل السنة وسط في جميع أبواب الدين بين أهل الغلو، أهل الإفراط، وأهل التفريط، وأهل السنة في هذا الباب وسط بين القدرية النفاة وبين الجبرية، يعني لو قرأنا في تفسير الزمخشري وجدناه على رأي القدرية النفاة، معتزلي هو، والرازي على العكس جبري، فهذا شأن أهل الأهواء، ينظرون إلى بعض النصوص ويتركون بعضاً، أو يضربون بعض النصوص ببعض، ويسعون إلى إبطالها، وأما أهل السنة فينظرون إلى النصوص بالعينين كلتيهما، قد يجد نافي القدر بعض النصوص، ويجد الغالي في إثباته بعض النصوص، فإذا ضرب بعضها ببعض فإما أن يكون هذا أو ذاك، أو ينسلخ من الدين بالكلية، -نسأل الله السلامة والعافية- لأنه يحتار، كما قال:
كم عالم عالم أعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
هذا الذي جعل الأفهام حائرة ... وصير العالم النحرير زنديقاً
لماذا صار زنديق؟ لأنه ما اعتمد على الكتاب والسنة، وأهل العلم ينهون طلاب العلم من الاسترسال في مثل هذا الباب؛ لأنه في كثير من مباحثه لا بد أن ترضى وتسلم، وقدم الإسلام لا تثبت إلى على قنطرة التسليم، هناك كتاب عظيم في هذا الباب لابن القيم اسمه: (شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل) لا يصلح لطبقات المتعلمين الأولى والثانية، المبتدئين والمتوسطين، إنما يقرأه المنتهي، وعقد ابن القيم -رحمه الله- مناظرات في هذا الباب، وأفاد وأجاد -رحمة الله عليه- كعادته.
المقصود أن على المسلم أن ينظر إلى النصوص كلها وأن يتوسط في هذا الباب، كما هو منهج ومذهب سلف هذه الأمة وأئمتها.
باب النهي عن القول بالقدر:
(184/5)
النهي عن القول بالقدر مبالغة في النفي أو في الإثبات، أو الاحتجاج به على ارتكاب ما حرم الله ونهى عنه، كما هو عادة المشركين، المشركون يقولون: لو شاء الله ما أشركنا، وهذه حجة ما زالت قائمة وباقية إلى يومنا هذا، إذا ليم الإنسان على فعل ما لا ينبغي فعله قال: هذا أمر قدره الله علي، والاحتجاج بالقدر لا يجوز على المعايب؛ لأن المعايب ترتكبها أنت وأنت مختار، نعم لن تخرج عما قدر الله لك، لكنك أنت المختار لارتكاب هذه المعايب، يعني هل يستطيع أن يقول الإنسان الذي لا يصلي: أنا مكتوب علي أني لا أصلي؟ وما يدريك أنه مكتوب عليك أنك ما تصلي؟ هل اطلعت على الغيب؟ هل يستطيع أن يقول: أنا لا أستطيع الذهاب إلى المسجد؛ لأن الله كتب علي ألا أصلي؟ نقول: تستطيع، لو تضرب بسوط ذهبت إلى المسجد، والذي يستدل بالقدر على فعل المعائب لا يستطيع أو لا يمكن أن يستدل بالقدر على معايب الآخرين تجاهه، ما يمكن، يعني لو ضربه إنسان واحتج هذا الإنسان الضارب بأن هذا أمر مقدر، أمر مقدر عليك، يرضى؟ ما يمكن أن يرضى، لكنه يبرر لنفسه ارتكاب المحرمات بهذه الحجة ولا يرضاها من غيره له، إذا كنت لا ترضى أن تضرب ويحتج بالقدر على أنك ضربت فكيف ترضى أن تتعامل مع ربك بهذه الحجة؟! والله المستعان.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تحاج آدم وموسى)) " آدم أبو البشر، وموسى بن عمران نبي بني إسرائيل، من أولي العزم من الرسل، ومن أفضلهم ((تحاج آدم وموسى فحج آدم موسى)) والأصل في الرواية أن تكون هذه بعد المحاجة، هذه النتيجة، أو يكون هذا إجمال تفصيله في قوله: ((قال له موسى: أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة؟ )) أنت آدم الذي أغويت الناس بأكلك من الشجرة طلباً للخلد فيها، بعد تسويل الشيطان، وتزيين الشيطان له، وتهوين الشيطان له بهذه المعصية طلباً للخلد أو للخلود فعوقب بالحرمان.
(184/6)
((أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة؟ )) وفي الحديث الصحيح: ((أنت آدم أبو البشر، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، ثم تخرج الناس من الجنة تأكل من الشجرة)) لا شك أن هذا الذنب من آدم -عليه السلام- قبل أن يتوب الله عليه ويجتبيه ويهديه، ويوفقه للتوبة، أنه معصية وذنب، استحق عليه هذه العقوبة، ولو كان قبل التوبة، وقبل الاجتباء، وقبل الاصطفاء، لما جاز لآدم أن يحتج بما احتج به.
((قال له موسى أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسى الذي أعطاه الله علم كل شيء؟ )) قال أجاب آدم: ((أنت موسى الذي أعطاه علم كل شيء)) وفي الحديث الصحيح: ((أن الخضر قال له: ما علمي وما علمك إلى كما نقص هذا العصفور من البحر)) كيف يقول هنا: أعطاه علم كل شيء؟ يعني أعطاه التوراة الذي فيها التبيان لكل شيء.
طالب: وكتبنا له.
نعم؟
طالب: كتبنا له.
(184/7)
((الذي أعطاه علم كل شيء واصطفاه على الناس برسالته؟ قال: نعم)) اسمعوا إلى حجة آدم، قال: ((أفتلومني على أمر قد قدر علي قبل أن أخلق؟! )) يعني الاحتجاج بالقدر على المعائب لا يجوز، وهو طريقة المشركين، طريقة كل من يبرر لنفسه ارتكاب المحظورات، يقول: هذا أمر مكتوب علي، لكن إن قال ذلك قبل التوبة رد عليه، وإن قال ذلك بعد التوبة بشروطها، وندمه على ما بدر منه بحيث تكون هذه المعصية مصيبة بالنسبة له وليست معيبة، آدم لما أكل من الشجرة، وأخرج من الجنة، وتاب من ذنبه، ووفقه الله للتوبة، واجتباه بعد ذلك، صارت مصيبة وإلا معيبة؟ مصيبة؛ لأن الأثر بقي، والذنب محته التوبة، التوبة تهدم الذنب، تهدم ما كان قبلها، وتجب ما كان قبلها، فالذنب انتهى أثره، بقيت المصيبة، وهو الأثر المترتب على هذا الذنب، له أن يحتج بالقدر، يعني شخص يمشي في طريقه فصدمته سيارة، بعد أن بذل جميع الأسباب أسباب السلامة، يعني ما عرض نفسه لئن يصدم، يعني بعض الناس يمشي من غير اكتراث، لا يلتفت يميناً ولا شمالاً، ثم يحصل ما يحصل، يعاب عليه، ولا يحتج بالقدر حينئذ؛ لأنها معيبة هذه، بسبب نفسه، ويأثم بسبب ذلك، فيصير ذنباً، أما إذا فعل الاحتياطات اللازمة، وتحرى واحتاط لنفسه، ثم أتاه ما لم يكن بحسبانه، اصطدم، صدم، رعاك يا فلان ما تشوف؟ قال: هذا أمر كتبه الله علي وقدره، أشوف والتفت يمين وشمال، لكن طلع هذا ما أدري من وين طلع؟ هذا يحتج بالقدر؛ لأنه مصيبة، وليست معيبة بعد أن بذل جميع الأسباب، سواءً كان يمشي على قدميه أو في سيارة، أحياناً يكون الإنسان في طريقه، ويمشي السرعة المحددة بل أقل أحياناً، مما لا يؤثر على الآخرين، وفي طريقه وأسباب وسائل السلامة كلها قد بذلت، ثم بعد ذلك يأتيه شخص يقطع الإشارة، ويمشي على ما يقولون طبلون السيارة، ويقابله في خطه المعاكس لخط السيارة الأخرى، مثل هذا يحتج بالقدر، لكن الثاني ما يحتج بالقدر، لا يحتج بالقدر، هذا الذي قطع الإشارة وقابل الناس، هذا ليس له أن يحتج بالقدر؛ لأن هذه معيبة وليست مصيبة، بينما المصاب الذي بذل جميع الاحتياطات، هذا له أن يحتج، والله هذا أمر مكتوب، ما لنا مفر من المكتوب، وبعض العامة وهذا
(184/8)
سمع يخاف خوفاً شديداً أكثر من المطلوب شرعاً، ويحتاط أكثر مما ينبغي بذله من أسباب الاحتياط، ثم إذا قيل له: ترفق يا أخي، ما جاءك إلا المكتوب، قال: أنا ما أخاف إلا من المكتوب، اللي ما هو مكتوب ما هو بجاي، هذا الكلام بحد ذاته صحيح وإلا ما هو بصحيح؟ هو ما جاي إلا المكتوب، صحيح، واللي ما هو بمكتوب ما هو بحاصل، لكن أيضاً يلام على مقدماته قبل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أصل المقدمات فيها الإساءة، الاحتياط والاحتراز الشديد، وكونه لا ينام، يعني يأوي إلى الفراش بعد صلاة العشاء، ويؤذن الفجر وهو يتقلب في فراشه؛ لأن بعض الأولاد ما بعد جاء، خائف عليهم، طيب خائف عليهم، ابذل من الأسباب الممكنة اللي يمكن أن تعدل طريقتهم فيها، أما أن تجلس في فراشك، وتقول: أنا خائف عليهم، وخائف من المكتوب، أبذل أسباب نافعة، إذا كنت خائف عليهم بالفعل، أما الأسباب التي هي مجرد أماني، أو حسرات فقط هذه ما تجدي، فلا شك أن مثل هذا يلام.
كلامه في الجملة يعني النتيجة صحيحة، لكن المقدمات والوسائل باطلة، مثل واحد يقول: ويش اللي ملأ المقابر إلا القدر؟ نعم؟ هذا الكلام في غايته ونهايته كل هذه الأمور كلها بآجال، وبأقدار من الله -جل وعلا-، لكن وسائل هذه النتائج هي التي يلام عليها الإنسان، يلام الإنسان على فعله لا على فعل الله -جل وعلا-، وحينما يناقش عن ما يبذله من أسباب واحتياطات أكثر من المطلوب شرعاً، أو وسائل واحتياطات غير شرعية، نعم، يلام على فعله هو، لا على فعل الله -جل وعلا-.
(184/9)
((أفتلومني على أمر قد قدر علي قبل أن أخلق؟! )) الكافر إذا قال: أتلومني على أمر قد قدر علي قبل أن أخلق؟ يعني هل لأبي لهب أو لأبي طالب أن يحتج بمثل هذا الكلام، أو من في حكمهما؟ لا، أولاً: ما الذي يدريك أنه كتب عليك أن تموت كافراً؟ الأمر الثاني: ما الذي منعك وقد ركب فيك الحرية والاختيار؟ يعني أبو طالب لا يستطيع أن يقول: لا إله إلا الله حينما طلبت منه؟ يستطيع وإلا ما يستطيع؟ يستطيع؛ لأنه يتكلم بما شاء مختار حر، لكن لا يمكن أن يكون إلا ما أراده الله -جل وعلا- وقدره، يعني مع هذه الحرية، وهذا الاختيار، ولا شك أن هذا الباب من مضايق الأنظار، لكن الإنسان إذا تأمله بعين التحري والاتباع لا شك أنه يلوح له مثل الشمس.
بعض أهل العلم يقول: إن آدم حج موسى لسوء أدبه مع أبيه؛ لأن الأصل أن الابن يتأدب مع أبيه، يعني قال له: أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة؟ لكن هذا الكلام صحيح وإلا غير صحيح؟ غير صحيح، نعم على الابن أن يتأدب مع أبيه، وجاءت النصوص الكثيرة بهذا، لكن محور المسألة ومدارها على أن الاحتجاج بالقدر إنما هو على المعائب لا على المصائب، فلو أن آدم -عليه السلام- قال: أتلومني على أمر قدره علي قبل أن أخلق قاله قبل التوبة؟ قلنا: نعم، هذا احتجاج بالقدر ولا يجوز، قاله بعد التوبة وبعد الاجتباء وبعد الاصطفاء، وبقيت الآثار التي هي بالنسبة إليه وأولاده مصيبة، نعم يحتج بالقدر، أظن هذا في غاية الظهور.
(184/10)
"وحدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أبي أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [(172) سورة الأعراف] فقال عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسأل عنها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله -تبارك وتعالى- خلق آدم، ثم مسح ظهره بيمينه، حتى استخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون)) ".
في هذا جبر وإلا اختيار؟ هذا موافق للقدر السابق، والكلام فيه مثل الكلام في القدر، مكتوب على زيد من الناس أنه يموت كافر، مكتوب على فلان أنه يموت مسلم، لكنه غير مجبور على هذا، وبين له، وأوجب عليه التكاليف، ومنع من المحرمات، واختار الطريق المعوج الذي يوصل إلى النار -نسأل الله السلامة والعافية-، ولم يختر الصراط المستقيم الموصل إلى الجنة.
"فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ " يعني ما دامت النتائج معروفة، يعني لو دخل الأستاذ القاعة، وقال: القاعة مقسومة إلى قسمين، قسم يمين وقسم شمال وبينهما ممر، قال: هؤلاء ناجحين، كلهم ناجحون، وهؤلاء كلهم راسبون، وترى عندكم بكرة اختار، ويش لون اختبار؟ خلاص تعرف أن هؤلاء ناجحين، وهؤلاء راسبين ليش الاختبار؟ هذا بالنسبة للبشر اللي عقولهم ما تحتمل، نعم، هذا يمكن أن يجاب ففيما العمل؟ لماذا نذاكر؟ إحنا راسبين، وهؤلاء ناجحين، خلاص ما نحتاج مذاكرة، أعطنا النتائج وانتهينا.
(184/11)
ففيما العمل؟ ما دامت النتائج معروفة عند الله -جل وعلا- نعم، ففيم العمل؟ قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة)) يعني هل هذا مجرد من شيء يبذله هذا الشخص؟ أو مصحوب بما يبذله هذا الشخص من مما يؤديه إلى مثل هذا التوفيق؟ يعني هل المخلوق منه شيء وإلا ما منه شيء؟ لا بد أن يكون منه شيء يكون سبباً لهذا التوفيق.
((وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار))
يعني حينما يزني الزاني، أو يسرق السارق هل هو مرتاح راحة تامة يدل أن ذمته بريئة من هذا العمل؟ وأنه ليس له أي دور ولا دخل في هذه الجريمة، أو يحس من نفسه بالخطيئة؟ وأنه جاءها مختار، وميله القلبي إلى هذه الجريمة مما يكون سبباً في عذابه؟ كل إنسان يجد هذا من نفسه، الذي ذهب إلى المسجد، وتقدم إلى المسجد، وصلى ما كتب له، وقرب من الإمام، واستمع لقراءته، هذا لا شك أنه يجد في هذا ما يجد من اللذة والنعيم، وهو الفاعل لهذا الأمر، والله -جل وعلا- هو الموفق، له أن يفعل هذا، ولو شاء ربك ما فعلوه، لكن مع ذلك العبد وإن كانت هذه النتائج معلومة ومحسومة إلا أن له دوراً كبيراً في هذه النتائج، إذا بذل أسباب دخول الجنة دخلها بإذن الله، وإذا بذل أسباب دخول النار دخلها، وتبقى أن المسألة يعني كثير من الناس لا يستطيع استيعابها؛ لأنها من المضايق، فمثل هذا يقول: رضينا وسلمنا وآمنا، لا يسترسل وراء الذهن؛ لأنه قد يصل به الأمر إلى ما وصل بأولئك، لكن من تأملها، وبعد أن عرف النصوص الواردة في هذا الباب لا شك أنه تلوح له هذه القضايا مثل الشمس.
(184/12)
القرطبي ذكر في مسألة الفطرة، وأشار إلى هذا الباب من الموطأ، نقلاً عن ابن عبد البر يقول في المسألة الثانية: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [(30) سورة الروم] "الثانية: في الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة)) في رواية: ((على هذه الملة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ )) ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [(30) سورة الروم] وفي رواية: ((حتى تكونوا أنتم تجدعونها)) قالوا: يا رسول الله، أفرأيت من يموت صغيراً؟ قال: ((الله أعلم بما كانوا عاملين)) هذا لفظ مسلم.
الثالثة: اختلف العلماء في معنى الفطرة المذكورة في الكتاب والسنة على أقوال متعددة، منها الإسلام، قاله أبو هريرة وابن شهاب وغيرهما، قالوا: وهو المعروف عند عامة السلف من أهل التأويل، واحتجوا بالآية؛ لأنه ما قال في الحديث أو يسلمانه، فدل على أن الإسلام هو الأصل، ثم أهله من شياطين الإنس والجن يجتالونه عن هذا الأصل، واحتجوا بالآية، وحديث أبي هريرة، وعضدوا ذلك بحديث عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال للناس يوماً: ((ألا أحدثكم بما حدثني الله في كتابه؟ أن الله خلق آدم وبنيه حنفاء مسلمين، وأعطاهم المال حلالاً لا حرام فيه، فجعلوا مما أعطاهم الله حلالاً وحراماً)) المزارع يزرع الأرض بالأسباب الشرعية والثمار تطلع لا شبهة فيها ولا شية فيها، ثم بعد ذلك إذا حمل هذه الثمرة باع الصاع بصاعين، الأصل حلال، لكن تصرفه هذا جعل فيه الحرام، ومن الذي أرغمه على مثل هذا التصرف؟ ((وأعطاهم المال حلالاً لا حرام فيه، فجعلوا مما أعطاهم الله حلالاً وحراماً)) ... الحديث.
(184/13)
وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((خمس من الفطرة)) وعلى هذا التأويل فيكون معنى الحديث: أن الطفل خلق سليماً من الكفر على الميثاق الذي أخذه الله على ذرية آدم حين أخرجهم من صلبه، وأنهم إذا ماتوا قبل أن يدركوا في الجنة، أولاد مسلمين كانوا أو أولاد كفار، يعني على الميثاق.
وقال آخرون: الفطرة هي البداءة التي ابتدأهم الله عليها، أي على ما فطر الله عليه خلقه من أنه ابتدأهم للحياة والموت والسعادة والشقاء، وإلى ما يصيرون إليه عند البلوغ، قال: والفطرة في كلام العرب البداءة، والفاطر: المبتدئ، واحتجوا بما روي عن ابن عباس أنه قال: لم أكن أدري ما فاطر السموات والأرض؟ حتى أتى أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي ابتدأتها، قال المروزي: كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا القول ثم تركه، قال أبو عمر في كتاب التمهيد له: ما رسمه مالك في موطئه، وذكر في باب القدر فيه من الآثار يدل على أن مذهبه في ذلك نحو هذا، يعني ابتداء الخلق، يدل على أن مذهبه في ذلك نحو هذا، والله أعلم.
يعني الحديث: ((فمسح ظهره، ثم قال: خلقت هؤلاء للجنة ثم مسح ظهره، فقال: خلقت هؤلاء للنار)) يقول: يدل على هذا، يدل على أن مذهبه في ذلك نحو هذا، والله أعلم.
ومما احتجوا به ما روي عن كعب القرظي في قول الله تعالى: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ} [(30) سورة الأعراف] قال: من ابتدأ الله خلقه للضلالة صيره إلى الضلالة، وإن عمل بأعمال الهدى، ومن ابتدأ خلقه على الهدى صيره إلى الهدى، وإن عمل بأعمال الضلالة، ابتدأ الله خلق إبليس على الضلالة، وعمل بأعمال السعادة مع الملائكة، ثم رده الله تعالى إلى ما ابتدأ عليه خلقه، قال: وكان من الكافرين، ثم قال: وجاء من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: دعي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى جنازة غلام من الأنصار فقلت: يا رسول الله، طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل السوء ولم يدركه! قال: ((أو غير ذلك يا عائشة! إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم)) خرجه ابن ماجه في السنن.
(184/14)
أقول: في كلام طويل ... ، إلى أن قال: قال شيخنا أبو العباس –يعني القرطبي-: من قال هي سابقة السعادة والشقاوة فهذا إنما يليق بالفطرة المذكورة في القرآن؛ لأن الله تعالى قال: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [(30) سورة الروم] وأما في الحديث فلا؛ لأنه قد أخبر في بقية الحديث بأنها تبدل وتغير، وقالت طائفة من أهل الفقه والنظر: الفطرة هي الخلقة التي خلق عليها المولود في المعرفة بربه، فكأنه قال: كل مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة ...
أطال القرطبي -رحمه الله- في كلام كثير، وتفصيل في هذه المسألة، واستيعاب للأقوال، بما لا تجده في غيره، وأخشى أن يأخذ جميع الوقت، وإلا قراءته طيبة، ولو رجع إليه الإخوان وتأملوا ما فيه أفادوا، لا سيما وهو قد أحال إلى ما في هذا الكتاب، يعني فيه ارتباط بين ما ذكره، وبين ما عندنا، نعم؟
طالب: في وقوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [(172) سورة الأعراف] من الذي يتذكر هذا الميثاق؟
بعضهم قال: مما يحتج به على أن هذا مجرد الخلقة نعم أنه ما في أحد يذكر هذا الميثاق، نعم، كلام طويل، لو رجعت إلى التفسير وجت الكلام مفصل.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم)) أو ((ما مسكتم)) أو ((ما مسَّكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه)) -عليه الصلاة والسلام-، فالاعتصام بالكتاب والسنة كفيل وضامن للمسلم ألا يزل ولا يزيغ ولا يحيد، ولا تؤثر فيه الفتن بإذن الله تعالى.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مسكتم تمسكتم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه بالتخفيف، ضبطها بالتخفيف، لكن الأصل فيها مسَّكتم {وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ} [(170) سورة الأعراف] نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
التمهيد اللي معك؟ فيه الكلام الذي ذكره؟
طالب:. . . . . . . . .
عن نفس الحديث؟ لأنه أحال على .. ، قالها أبو عمر بن عبد البر، هذا اختيار مالك، أو كلام مالك قريب من هذا، لعله في الاستذكار مثلاً، في غير التمهيد.
طالب: كلام الإمام مالك في الموطأ يشير إلى هذا الكلام الثاني؟
(184/15)
يقول: نحو هذا الكلام، يقول: نحو، لو قارنت يعني لو قرأت جميع ما في التفسير في الجزء الرابع عشر صفحة أربعة وعشرين، ثلاثة وعشرين، خمسة وعشرين، ستة وعشرين، يعني في أوائله، قرأت ما في التفسير، وقارنت بين هذا الباب في الموطأ، وكتبت خلاصة وربطت بينهم يكون طيب جزاك الله خير، ونظرت إلى كلام ابن عبد البر إما في التمهيد أو الاستذكار.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، شوف في أول الجزء الرابع عشر، مر علينا قريباً، ما أبطينا يعني، قبل شهر، قبل شهر ترى، صفحة أربعة وعشرين وخمسة وعشرين {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} [(30) سورة الروم] سورة الروم.
طالب: على وجه المناظرة والإقناع إذا أردنا أن نفهم الشخص المقابل ألا يتوهم أن كل ما في الأمر أن الله -سبحانه وتعالى- علم أعمال العباد ...
التي لهم فيها الحرية والاختيار.
طالب: دون ذكر بقية المراتب، دون ذكر أو الإشارة إليها الكتابة والمشيئة والخلق؛ لأنه لو قلنا هذا لربما توهم أنه مجبور على هذا، وكل ما في الأمر أن الله -سبحانه وتعالى- علم ....
إذا كان الله -جل وعلا- يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن، يعني لو كان كيف يكون؟ {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ} [(28) سورة الأنعام] الله -جل وعلا- يعرف أن هؤلاء إذا دخلوا النار، وعذبوا بسبب كفرهم وشركهم، لو ردوا إلى الدنيا لعادوا إلى شركهم، الله -جل وعلا- يعلم هذا، وأنهم يشركون بطوعهم واختيارهم، لا إجبار، يعني كل إنسان يعرف من نفسه أنه بيده أن يمسك هذا ويرميه على فلان ويفقأ عينه، في أحد يقول: والله أنا حاولت وعجزت؟ يعني سمعتم واحد أخذ حجر وقال: عجزت أرميه؟ ما في أحد، يقول: والله با أقوم للصلاة، وكلما قمت سقطت من غير علة إلا أنني مجبور على ترك الصلاة؟ هذا الكلام ما هو بصحيح، يعني هذا يدركه حتى الأطفال، حتى الأطفال يعرفون مثل هذه الأمور، هذه فطرة.
قال -رحمه الله-: "وحدثني يحيى عن مالك عن زياد بن سعد ... "
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
(184/16)
إيه الإمام مالك يريد أن يلفت نظر المسلم والقارئ لهذا الكتاب على وجه الخصوص أن يجعل الكتاب والسنة هما القائد، فإذا حاد عنهما يميناًَ أو شمالاً لا بد أن يضل، ولا يمكن أن يصل إلى الصراط المستقيم من غير طريق الكتاب والسنة.
قال: "وحدثني يحيى عن مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم عن طاوس اليماني أنه قال: أدركت ناساً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون: كل شيء بقدر" والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [(49) سورة القمر].
"قال طاوس: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل شيء بقدر)) " يعني موافق لما في القرآن، والتمثيل له ببعض الأفراد ((حتى العجز والكيس)) أو ((الكيس والعجز)) شك هل قدم العجز أو قدم الكيس؟ الكيس الحزم، الحزم هو الكيس، والعجز والتفريط ضده، يعني كون الإنسان إذا أمر فاستجاب بسرعة هذا كيس، إذا أمر ثم تراخى وتردد، أو رأى إلى عمل هو بحاجة إليه مما ينفعه في دينه أو دنياه بادر إلى فعله هذا كيس، وإذا تراخى حتى يفوت هذا عجز، وكل هذا بقدر الله -جل وعلا-.
قال: "وحدثني مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن دينار أنه قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول في خطبته: "إن الله هو الهادي والفاتن" نعم الله -جل وعلا- هو الذي علم هذه الأمور وكتبها وقدرها على خلقه، فهو الهادي لمن يشاء، وهو المضل لمن يشاء، لكن من حيث الأسلوب يعني حقيقة الأمر هذا هو الواقع، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، فالله -جل وعلا- هو الهادي وهو المضل، وهو الفاتن عن الصراط المستقيم، لكن لما علم الله -جل وعلا- من هؤلاء الهداة يعملون بعمل أهل الهداية، والغواة يعملون بعمل أهل الغواية.
(184/17)
قال: "وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك أنه قال: كنت أسير مع عمر بن عبد العزيز فقال: ما رأيك في هؤلاء القدرية؟ " القدرية: الغلاة في نفي القدر ما رأيك فيهم؟ لا شك أنهم إذا نفوا العلم كفروا بلا شك بإجماع، فهم كفار إذا نفوا العلم "فقلت: رأيي أن تستتيبهم" يعني تقام عليهم الحجة ويستتابوا، تطلب منهم التوبة، وأن يرجعوا عن هذا القول "فإن تابوا وإلا عرضتهم على السيف" فإما أن يتوبوا، ويرجعوا عن هذا الضلال وإلا يقتلون؛ لأنهم مرتدون "فقال عمر بن عبد العزيز: "وذلك رأيي" يعني عمر بن عبد العزيز وافق أبي سهيل بن مالك عم الإمام مالك بن أنس "قال مالك: وذلك رأيي" وافق عمه، ووافق الخليفة الراشد الزاهد عمر بن عبد العزيز، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما هو باسم لأنه ليس مرفوع، اللهم إلا أن يقال: إن هذا مما لا يقال بالرأي، ما يمكن أن يقوله عبد الله بن الزبير برأيه، فله حكم الرفع، يعني مثلما قالت أم سلمة: فعزم الله لي فقلته، الذين احتجوا بإثبات صفة العزم اعتمدوا على كلام أم سلمة قالوا: هو موقوف، وأجيب عن ذلك بأنه لا يمكن أن يقال من قبل الرأي، نعم.
أحسن الله إليك.
باب جامع ما جاء في أهل القدر:
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، ولتنكح فإنما لها ما قدر لها)).
وحدثني عن مالك عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: قال معاوية بن أبي سفيان -رضي الله تعالى عنهما- وهو على المنبر: "أيها الناس إنه لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع الله، ولا ينفع ذا الجد منه الجد، من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين".
ثم قال معاوية -رضي الله تعالى عنه-: "سمعت هؤلاء الكلمات من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على هذه الأعواد".
وحدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أنه كان يقول: الحمد لله الذي خلق كل شيء كما ينبغي، الذي لا يعجل شيء أناه وقدره، حسبي الله وكفى، سمع الله لمن دعا، ليس وراء الله مرمى.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أنه كان يقال: إن أحداً لن يموت حتى يستكمل رزقه فأجملوا في الطلب.
(184/18)
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب جامع ما جاء في أهل القدر:
ما جاء في أهل القدر، ثم ذكر حديث أبي هريرة في نهي المرأة أن تسأل طلاق ضرتها، فالمرأة التي تسأل طلاق ضرتها من أهل القدر، لماذا؟ لأنها توهمت أن هذه الضرة تأخذ شيئاً مما كتب الله لها.
(184/19)
قال: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، ولتنكح فإنما لها ما قدر لها)) " هذه المرأة التي لها ضرة، امرأتان تحت رجل واحد، أو ثلاث قالت واحدة منهما: طلق فلانة، طيب لماذا؟ قالت: هي الآن آخذة نصف نصيبي، فقد يخيل لها أنها قد أخذت نصف ما كتب الله لها، كانت عنده امرأة واحدة إذا جاء بالراتب كاملاً سلمه لها، أو نفقة البيت كاملة ثم جاءت أخرى والراتب لا يستوعب بيتين، فأخذ منه شيء للبيت الثاني، فيخيل إليها أنها أخذت شيئاً مما كتب لها، هي لن تأخذ شيئاً مما كتب لها، أبداً، لن تأخذ شيئاً مما كتب لها، إنما تأخذ ما كتب لها كاملاً، ولن تموت حتى تستكمل رزقها، يعني ما أخذته الثانية ليس على حساب الأولى، يعني ليس على حساب ما قدر وكتب للأولى، قد يكون في ظاهر الأمر الإنسان يتصور أن الراتب مثلاً ثلاثة آلاف، وكاف للبيت يعني مع الاقتصاد والتدبير، فتزوج امرأة ثانية فاحتاجت إلى ألف هذه الجديدة من هذه الثلاثة فقصر في نفقة البيت الأول، وما يدريكِ أنه لو لم يتزوج لابتلي أو ابتليتِ بمرض يأخذ هذا المبلغ أو أكثر منه؟ فلن تكون هذه على حسابك، ولذا قال: ((لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، ولتنكح فإنما لها ما قدر لها)) يعني المرأة حينما تقبل أو تُخطب من قبل معدد عنده امرأة أو امرأتين أو ثلاث تقول: لن أوافق على ربع زوج، تحتاج إلى زوج كامل، والواقع قد يكون ربع هذا أفضل من زوج كامل قد ضيق عليه في معيشته، أو ضيق عليه في خلقه، أو أقل في مزايا أخرى، وهذا واضح، ليس هذا يعني مصادمة لرغبات الناس، أو لما جبلوا عليه من الغيرة، لا، لكن هذا تقرير شرعي ((إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه)) من غير نظر إلى اعتبارات أخرى، لكن إذا قالت المرأة: أنها لا تريد ضرة، عندها غيرة قد توقعها في المحرمات، بسبب غيرتها الأمر إليها، يعني لا أحد يكرهها، ولا أحد يلزمها، إذا اعترفت بشرع الله، وأن هذا شرع، وأنه لا يمكن أن يعترض عليه، لكن ظروفها النفسية، أو ظروفها .. ، المسألة مسألة عرض وطلب، فعلى كل حال هذا أمر شرعي فلا يجوز للمرأة
(184/20)
أن تطلب طلاق ضرتها، وإذا تصورت أن هذه الضرة قد تأخذ شيئاً مما كتبه الله لها، فهو تصور باطل، وصارت من أهل القدر، فلن يستطيع أحد أن يأخذ شيئاً مما كتب لغيره أبداً.
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: قال معاوية بن أبي سفيان -رضي الله تعالى عنه - وهو على المنبر -يعني منبر المدينة-: "أيها الناس إنه لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع" في الحديث: ((اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت)) بعض الروايات: ((ولا راد لما قضيت)) "ولا ينفع ذا الجد" الحظ والنصيب، هذا لا ينفعه من الله -جل وعلا- لا حظه ولا نصيبه، "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" يعني يفهمه ما جاء عن الله وعن رسوله في جميع أبواب الدين.
ثم قال معاوية: "سمعت هؤلاء الكلمات من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على هذه الأعواد" يعني على هذا المنبر، في منبر المدينة.
(184/21)
قال: "وحدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أنه يقال: الحمد لله الذي خلق كل شيء كما ينبغي" خلق كل شيء كما ينبغي يعني أحسن خلقه "على ما أراده الله -جل وعلا-" فخلق الله كله على ما أراد، وكله حسن، لكن الحسن نسبي، الحسن لبني آدم شيء، والحسن للطيور شيء، والحسن لكل فصيلة شيء، فخلق الله كله حسن، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ} [(7) سورة السجدة] فكل نوع أو كل جنس أو كل فصيلة من نوع حسنها مناسب لها "الذي لا يعجل شيء أناه وقدره" يعني قدر تأخره، لا يمكن أن يعجل، يعني أنت قدر لك أن تولد في اليوم الفلاني لا يمكن أن تولد قبله بلحظة، في الساعة الفلانية، قدر لك أن تموت في اللحظة الفلانية لا يمكن أن تموت قبلها، "الذي لا يعجل شيء أناه" يعني أخره، وقدره متأخراً لا يمكن أن يعجل عن وقته، ولذا فالدعاء بمثل .. ، دعاء الإنسان أنه .. ، أو تمنيه أنه لم يوجد في هذا الوقت، إما قبله أو بعده هذا لا قيمة له، نعم يحب الخير لنفسه، ويحب أن لو وجد في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- لينصره، لكنه لا يعترض على ما قدر الله له، وما يدريك أنك قد توجد في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- وتكون من المنافقين؟ ما تدري أنت، على الإنسان أن يرضى بما كتب له، وأن يجزم أنه لا يستطيع أن يتقدم ولا يتأخر لا في الولادة ولا في الوفاة، ولا في المجيء ولا في الذهاب، ولو كان محل لو وجد صاحب محل تجاري تأخر في يوم من الأيام أخذه النوم، وما خرج إلى المحل إلا في التاسعة صباحاً، والعادة أنه يخرج في السابعة، فقيل له: فاتك، جيء بالبضاعة الفلانية وبيعت، وتقاسمها الناس، وتقاسموا أرباحها، يعني هل يستطيع أن يغير من الواقع شيء؟ أراد الله -جل وعلا- تأخرك، فلا يمكن أن تستقدم ولا تتأخر عن هذا الوقت.
"الذي لا يعجل شيء أناه، وقدره، حسبي الله وكفى" يعني كفاني في جميع أموري، والحاسب هو الكافي، حسبنا الله ونعم الوكيل، هذه خير ما يقال في الشدائد، قالها إبراهيم حينما ألقي في النار، وقالها محمد -عليه الصلاة والسلام- حينما قيل له: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم.
(184/22)
"سمع الله لمن دعا" يعني أجاب دعاء من دعاه، فيه إثبات السمع لله -جل وعلا-؛ لأن الإجابة من لازم السمع، الذي لا يسمع لا يمكن أن يجيب، وهذا أمر لا يختلف فيه أحد، خلافاً لمن منفى صفة السمع عن الله -جل وعلا- ادعاءاً وزعماً أنها مشابهة للمخلوق، لكن ما ثبت عن الله وعن رسوله فيما يتعلق بالله من أسماء وصفات لا بد من إثباتها كما جاءت، وهذا مذهب أئمة الإسلام قاطبة.
"سمع الله لمن دعا، ليس وراء الله مرمى" يعني ليست هناك غاية تطلب وراء الله -جل وعلا-، قد تطلب من دونه من الأسباب، لكن الغاية هو الله -جل وعلا-، والأسباب لا قيمة لها إذا لم يقدر لك ما أنت بصدد طلبه، أسباب نعم نافعة لكنها لا تستقل بالنفع، فالغاية والمرمى هو الله -جل وعلا-.
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أنه كان يقال: إنه بلغه أنه كان يقال" هذا منقطع "إن أحداً لن يموت حتى يستكمل رزقه" وجاء فيه الحديث المرفوع عن جابر: ((لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها)) "فأجملوا في الطلب" يعني طلب الرزق، وطلب ما يرضي الرب -جل وعلا-، وما تكتسب به الحسنات، أجملوا، سددوا وقاربوا، وأجملوا في طلب ما ينفعكم من رزق الدنيا، وما يوصلكم إلى جنات النعيم في الآخرة، من غير إفراط ولا تفريط في الأمرين، على أن الهدف الأصلي، المطلوب الأسمى والأسنى هو ما يرضي الله -جل وعلا-؛ لأنه إنما خلق لتحقيق العبودية {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] هذا هو الهدف، وأما تحصيل أمر الدنيا فإنما هو من أجل تحقيق هذا الهدف، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(184/23)
شرح: الموطأ - كتاب حسن الخلق (1)
باب ما جاء في حسن الخلق - باب ما جاء في الحياء - باب ما جاء في الغضب
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والسامعين والحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب حسن الخلق:
باب ما جاء في حسن الخلق:
وحدثني عن مالك أن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: "آخر ما أوصاني به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين وضعت رجلي في الغرز أن قال: ((أحسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل)).
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "ما خير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها".
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "استأذن رجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قالت عائشة: وأنا معه في البيت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بئس ابن العشيرة)) ثم أذن له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت عائشة: فلم أنشب أن سمعت ضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معه، فلما خرج الرجل قلت: يا رسول الله قلت فيه ما قلت ثم لم تنشب أن ضحكت معه! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره)).
وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن كعب الأحبار أنه قال: "إذا أحببتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه فانظروا ماذا يتبعه من حسن الثناء".
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: "بلغني أن المرء ليدرك بحسن خلقه درجة القائم بالليل، الظامي بالهواجر".
(185/1)
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: "ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى قال: إصلاح ذات البين، وإياكم والبغضة فإنها هي الحالقة".
وحدثني عن مالك أنه قد بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بعثت لأتمم حسن الأخلاق)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب حسن الخلق:
الكتاب مضى الكلام فيه مراراً، فهذا هو الكتاب السابع والأربعون من كتب الموطأ، فلا داعي للكلام في هذه الكلمة، والحسن ضد السوء، وهو ما تستخفه النفس، وتميل إليه، وتحبه، والخلق هو الدين والطبع والسجية، ويأتي بمعنى الأدب الشرعي، كما جاء في الخبر: ((أدبني ربي فأحسن تأديبي)) وجاء أيضاً قول عائشة: "كان خلقه القرآن" يعني خلق النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد بعث ليتمم مكارم الأخلاق، فهو أكمل الناس في الخلق -عليه الصلاة والسلام-، خلقه القرآن، فحياته وعيشته، وسيرته، وشمائله ترجمة عملية للقرآن، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [(4) سورة القلم] هذا بالنسبة لحسن الخلق.
وإذا قلنا: إن حسن الخلق المراد به الأدب الشرعي، فعلى طالب العلم أن يعنى بهذا الجانب، وينظر ما جاء في هذا الباب من نصوص الكتاب والسنة ليتأدب بها، ليكون مع علمه عاملاً بعلمه، قدوة لغيره، والكتاب العزيز والسنة المطهرة فيها الشيء الكثير مما يحتاجه المسلم لا سيما طالب العلم في تعامله مع الناس، والخلق كما يكون في التعامل مع الله -جل وعلا- يكون في التعامل مع النفس، ومع الأقربين من الوالدين والإخوة والأخوات، والعمات، والأعمام، والأخوال، والخالات، وسائر الأقارب، ويكون أيضاً مع المسلمين، ومع غيرهم ممن له عهد أو ميثاق، لا بد أن يتعامل مع كل إنسان بما يليق به، ولذا يترجمون باب البر والصلة والآداب، باب البر والصلة والآداب، فالبر يكون لأقرب الناس للوالدين، والصلة للأقارب، والآداب مع سائر الناس.
باب ما جاء في حسن الخلق:
(185/2)
يعني من النصوص، وما جاء في هذا الباب لا يكاد يحصر، ونصوص الكتاب والسنة في هذا متضافرة، وكثيرة جداً، وهي من خير ما يعنى به طالب العلم؛ لكي يعيش عيشة قويمة بأدب الله وأدب رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وما نشاهده ونسمعه من سوء التعامل بين المسلمين، وقد يوجد مع الأسف بين طلاب العلم، كل هذا إنما هو بالغفلة عن هذا الباب العظيم، تجد الجفاء بين الأشقاء، تجد الجفاء بين الوالد وولده، والأم مع ابنها وبنتها، بين الزوج وزوجته، مع الجار ... ، كل هذا أمرنا بالإحسان إليهم، والتعامل معهم على أكمل وجه، غفل الناس عن تحصيل هذا الباب العظيم من أبواب الدين، ولا يتم الفقه في الدين إلا به، ثم ماذا إذا حمل طالب العلم من الأحكام ما حمل بأدلتها ومعرفة الراجح منها وهو لا يستطيع أن يتعامل مع والده؟ لا يستطيع أن يتعامل مع زوجته؟ مع إخوانه؟ مع أولاده؟ ماذا يستفيد من هذا العلم إلا النفرة والبغضاء؟ وكثير من الأمور التي لا تحمد عقباها إنما أوتي الإنسان من قبل هذا الباب، بسببها.
كتب الأدب كثيرة جداً التي تدعو إلى حسن الخلق، ومع الأسف أن الذي استأثر بالاسم هو ما يدعو إلى سوء الخلق، وسفاسف الأمور، فتجد كتب الأدب المصطلح عليه أدب الدرس عند الناس، الفن المعروف، كثير منه يدعو إلى سوء الأدب مع الأسف، لما اشتملت عليه هذه الكتب المصنفة في هذا الباب من قصص مسفة فاحشة بذيئة، وأخبار كاذبة تحمل في طياتها البغضاء والشحناء؛ لأن مؤلفيها ليسوا على درجة من التدين والاستقامة مع أن بعض من ينتسب إلى العلم قد يفصل بين العلم والأدب، من أهل العلم من تولى القضاء والإفتاء، وألف في علوم الشريعة، مشهور، ومع ذلك يؤلف في الجواري والغلمان، كتاب من أسوأ الكتب، ويذكر في مقدمته أنه قد يستغرب من إمام وعالم ومؤلف وفقيه قاضي أن يطرق مثل هذه الموضوعات، لكنه أجاب بما يفاد منه أنه لا علاقة للدين بالأدب، وأن هذا فن، وذاك فن، مع الأسف أن هذا عالم من علماء المسلمين، وله أيضاً قصائد في الأدب الشرعي يعني بالمقابل، وهي مشهورة ومحفوظة عند طلاب العلم من القدم.
(185/3)
هذا إذا كان بهذه المثابة من العلم والدين، والمناصب العلية في الدولة الإسلامية مشكلة، هذا هو الإشكال، أما أن يدعو إلى الأدب الفاحش والبذيء من هو .. ، ممن لا يعرف بعلم ولا دين، يعني من عرف بالفسق والشرب والمجون، وغير ذلك هذا أمره سهل، يعني سهل أن يطرق مثل هذا الموضوع شخص من أهل الشرب، شرب الخمر مثلاً؛ لأنه ليس بقدوة، لا يغتر الناس به، لكن الإشكال حينما يطرق هذا الباب شخص محسوب على أهل العلم، فمثل زكي مبارك من المتأخرين، ومعروف وضعه، والله المستعان، حينما عتب على صاحب زهر الآداب إغفاله للمجون، وقال: إنه أغفل جانباً مهماً من جوانب الأدب، والحياة -كما يقول هو وأظنه ليس بكامل عقله لما يكتب هذا الكلام- تفقد حيويتها حينما تكون هدىً خالص، يقول: أذهب إلى أبعد من ذلك فأزعم أن بعض الغي رشد.
هذا ما عليه شره، هذا ليس ممن يقتدى به، أو يؤخذ بكلامه، نظائره كثير يعني في الأدباء، لكن الإشكال حينما يصدر هذا من عالم، ويرى أن العلم الشرعي فن، والأدب فن آخر، الدين واحد، يعني نظير ما يذكره بعض المؤرخين ممن عرف بسلامة المعتقد في الجملة، ثم يأتي يترجم لعالم ثم يمدح قبره، وأن ضريحه شفاء، ترياق مجرب، هذا فصل بين التوحيد والتاريخ، فالدين وحدة متكاملة، يكمل بعضه بعضاً، وأبوابه يرتبط بعضها ببعض، ولا يتم الفقه فيه إلا إذا تفقهنا على مراد الله، ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فالنصوص -نصوص الكتاب والسنة- وأقاويل سلف هذه الأمة تدعو إلى حسن الخلق، وفي كتب الأدب ما يدعو إلى الفحش، وبذاءة اللسان، وإيراث أو ما يورث الشحناء والبغضاء، كل هذا ينبغي أن يكون طالب العلم على حذر منه.
(185/4)
وفي كتب الأدب التي هذه صفتها مما يعنى به أهل العلم، وإن كان فيها ما فيها، لكن يكون الإنسان على حذر منها، ويستصحب النصوص، ويجعلها هي الحادي والسائق والقائد، ثم بعد ذلك يستفيد من هذه الكتب كما يقول أهل العلم من باب استجمام النفس، وترويح النفس، ويمر فيها في أثنائها بعض الفوائد التي يحتاجها طالب العلم، وكتب التواريخ إذا سلمت من الكذب وعرف ثقة مؤلفيها أنفع من كتب الأدب في هذا الباب، وأكثر فائدة؛ لأن فيها العبرة، يعتبر طالب العلم بما مضى بسنن الله -جل وعلا- الكونية في السابقين واللاحقين التي لا تتغير ولا تتبدل، هذه محل عبرة، لكن بعض المؤرخين لا يتورع عن الكذب أو نقل الكذب، وهنا تكمن المشكلة، وعلى كل حال المقصود بالأدب عندنا الأدب الشرعي، واستمداده من نصوص الكتاب والسنة، نعني حسن الخلق من نصوص الكتاب والسنة، وأقاويل سلف هذه الأمة، والكلام في هذا الباب كثير عند أهل العلم، منظوم ومنثور، فلو رجعنا إلى الآداب الشرعية لابن مفلح، أو غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، الشرح للسفاريني والنظم لابن عبد القوي، ومنظومة الشيخ حافظ الحكمي الميمية في الوصايا والآداب العليمة اشتملت على كثير من مسائل هذا الباب، يقول:
باب ما جاء في حسن الخلق:
"وحدثني عن مالك أن معاذ بن جبل قال: "آخر ما أوصاني به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين وضعت رجلي في الغرز أن قال: ((حسن خلقك للناس يا معاذُ بنَ بن جبل)) ".
الأحاديث التي جاءت مرسلة سواءً كانت مما حذف من آخرها أو صارت بلاغات من مالك أو غير ذلك كلها وصلها ابن عبد البر في التمهيد، كلها وصلها، سوى أربعة أحاديث هذا آخرها، التي لم يستطع ابن عبد البر أن يصلها، وأن يجدها موصولة في كتاب من الكتب المعتبرة، على أن ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- وصل هذه الأحاديث الأربعة، فصارت الأحاديث كلها موصولة، لكن لا يعني أنها صحيحة إذا تم وصلها فقد توصل بأسانيد صحيحة، وقد توصل بأسانيد حسنة، وقد توصل بأسانيد ضعيفة.
(185/5)
على كل حال هذا الخبر معناه صحيح، قال: "إن معاذ بن جبل قال: "آخر ما أوصاني به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" حينما بعثه إلى اليمن، وقصته معروفة حينما أرسله النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى اليمن، وقال له ما قال ((إنك تأتي قوماً أهل كتاب)) ... إلى آخر الحديث، وفيه زوائد على الروايات المعروفة المشهورة منها هذا "كان آخر ما أوصاني به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين وضعت رجلي في الغرز" الغرز الذي يركب فيه على الرحل "أن قال: ((أحسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل)) ".
((أحسن خلقك)) يعني تواضع للناس، وتعامل مع الناس بما يليق بكل إنسان من التعامل، وأمرنا أن ننزل الناس منازلهم، كما في حديث عائشة في مقدمة مسلم، أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، فيتعامل مع الكبير بالاحترام والتقدير والإجلال، والتعظيم، بما يليق به، من غير غلو، ويتعامل مع النظير أيضاً بمثل هذا من المودة والاحترام والتقدير، ويتعامل مع الصغير بالرحمة والرأفة والشفقة، فيعامل كل إنسان بما يليق به.
((أحسن خلقك للناس)) جاء في حديثه الآخر: ((وخالق الناس بخلق حسن)) فحسن الخلق مطلوب، وما وضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، ((إن أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)) كل هذه تدل على أن هذا له شأن في الشرع، ولا يمكن أن تسود المودة والمحبة والاحترام بين الناس إلا بمثل هذا.
((يا معاذ بن جبل)) يا معاذُ منادى مبني على الضم في محل نصب؛ لأنه مفرد، وابن: نعت، أو بدل، أو بيان من معاذ، منصوب؛ لأن محل معاذ النصب، وابن: مضاف، وجبل: مضاف إليه.
قال -رحمه الله-:
(185/6)
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "ما خير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمرين قط إلا أخذ أيسرهما" ما خير بين أمرين، أو في أمرين، بعض الروايات: بين أمرين، وفي بعضها: في أمرين، -عليه الصلاة والسلام- إلا أخذ أيسرهما، والتخيير هذا إما من الله -جل وعلا-، أو ممن بينه عهد أو عقد أو يريد معاملة مع شخص ويخيره الطرف الثاني، فيختار الأيسر -عليه الصلاة والسلام-، لكن اختيار الأيسر بالنسبة لما بينه وبين ربه من التكاليف لا شك أن الدافع إليه الشفقة على أمته -عليه الصلاة والسلام-، كما فعل في ليلة الإسراء وفي غيرها.
(185/7)
"إلا أخذ أيسرهما" الأسهل، ونسمع كثير ممن يتصدر للإفتاء يستدل بهذا الحديث على اختيار الأيسر من أقوال أهل العلم، وهذا الكلام ليس بصحيح، بل باطل؛ لأن اختيار الأيسر من أقوال أهل العلم هو ما يعرف عند أهل العلم بتتبع الرخص، لما كان هناك اختيار نعم الرسول اختار الأيسر، لكن الآن هل في اختيار؟ الآن هل في مندوحة أن تأخذ بالواجب أو لا تأخذ؟ يعني إذا قال مالك أو الجمهور قالوا: طواف الوداع واجب، وقال مالك: سنة، هل لنا خيار في أن ننظر في رأي مالك؟ نختار الأيسر منهما؟ هل هذا محل الحديث وإلا لا؟ محل الحديث لما كان هناك مجال للاختيار، الآن انتهى، كملت الشريعة، كمل الدين، فلا في مجال للاختيار، في مجال راجح ومرجوح، فنأخذ بالراجح ونترك المرجوح، ما في مندوحة ولا في خيار، وإلا لجعلنا مالكاً ومن يضاهيهم من أهل العلم هم أهل التخيير للناس، وهذا ليس بصحيح الذي يخير من بيده الخيار {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [(36) سورة الأحزاب] ما فيه، ما في خيار، الرسول -عليه الصلاة والسلام- أمر بطواف الوداع، وخفف عن الحائض والنفساء، هل هذا واجب وإلا مستحب؟ لو كان مستحب ما فيه مجال للتخيير، ما فيه مجال للتخفيف، أصل المستحب خفيف، أقوى الناس وأنشط الناس له أن يتركه ما دام مستحب، لكن التخفيف عن النساء النفساء والحيض دليل على أنه واجب، وليس هذا مجال للتخيير، التخيير فيما جاء فيه التخيير، كفارة اليمين {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [(89) سورة المائدة] اختر الأيسر أنت من الثلاثة، تقول: والله رقبة بمائة ألف، والكسوة بألف مثلاً للعشرة، وخمسة عشر كيلو رز بثلاثين ريال أو بخمسين ريال مثلاً، اختر الأيسر؛ لأنه في مجال للتخيير من قبل من يملك التخيير، أما سائر الناس ما لهم خيرة، في دليل راجح ومرجوح، وإذا ترجح عند الإنسان حكم لا يجوز له أن يتنازل عنه بحال من الأحوال، ليس له أن يتنازل، بل يجب عليه أن يعمل وأن يفتي بما يدين الله به، أما أن يترجح
(185/8)
عنده الوجوب، ويقول للناس: هذا مستحب، هذا تشهي، هذا تنازل عن شيء لا يملك التنازل عنه، هذا دين، ولذلك تضيع أمور المسلمين بهذه الطريقة، وعلى إثرها تضيع عبادات الناس، بسبب ضياع الفتوى تضيع أديان الناس، إذا كان الإنسان إذا فعل محرماً وجد من يقول له: ما عليك شيء، انتهى، ويترك فلان، ويذهب إلى فلان، وفلان عرف بالتساهل، وفلان عرف بالتشديد، والآن يلوك الناس بألسنتهم بعض أهل التحري من أهل العلم، ويقولون: فلان لا تستفتونه، كل شيء حرام، يعني هذا موجود، وهذا واقع، والله المستعان.
"ما خير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمرين قط إلا أخذ أيسرهما"، نعم؟
طالب: أحسن الله إليك المشقة تجلب التيسير.
هناك قواعد وعمومات شرعية، يعني المشقة تجلب التيسير، تجلب التيسير في أصل التشريع، يعني المشقة في السفر تجلب رخص السفر، لكن مشقة الصيام في الصيف في الحضر تجلب التيسير؟ تفطر؟ ما تفطر يا أخي، لكن في السفر المشقة تجلب التيسير؛ لأن الأصل في السفر المشقة، ولهذا قرنت به الرخص، فالسفر وصف مؤثر، وسببه في الأصل المشقة، وإذا وجد مشقة لا يحتملها الإنسان، ولا يطيقها أشرف على الهلاك يفطر، فالمشقة تجلب التيسير، مشقة في مستحب، مشقة في ارتكاب مكروه، يعني لا يأثم الإنسان بفعله، أو لا يأثم بتركه، تجلب التيسير؛ لأن فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- المخالف لأمره في حال الاستحباب لبيان الجواز، وفعله المخالف لنهيه الصارف للنهي من التحريم إلى الكراهة إنما هو لبيان الجواز، ويبقى أن الأفضل أن تعمل في المستحب، والأفضل أن تترك في المكروه، هذه الأمور التي فيها خيار، أما الواجبات الصريحة ما فيها خيار، نعم إذا وجد مشقة لا يحتملها الإنسان بحيث تخرج عن طوقه وعادته في تحملها ترخص.
طالب: المسائل التي يكون فيها الخلاف ويصعب فيها الترجيح هل في مثل هذا اختيار الأسهل من أقوال أهل العلم؟
(185/9)
أهل العلم يختلفون في مثل هذا إذا عدم المرجح، منهم من يقول: نختار الأيسر؛ لأن اليسر سيمة هذه الشريعة، ومنهم من يقول: لا، الدين دين تكاليف، ولا تبرأ الذمة إلا بالخروج من العهدة بيقين، فعلى هذا تأخذ بالأشد، وهما قولان لأهل العلم، لكن إذا توقف الإنسان في مسألة ما لم يستطع فيها الترجيح، بأن صارت من عضل المسائل، يعني الكفتان متساويتان، الواجب في مثل هذه الصورة على المجتهد أن يتوقف حتى يترجح لديه أحد القولين، إن ضاق عليه الوقت ولم يستطع الترجيح له أن يقلد، له، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو الأصل أن الدين يسر ((إن الدين يسر)) لكن يسر نسبي، لكنه يسر نسبي، يعني هل في ديننا إذا أصابتك نجاسة تقرضها بالمقراض؟ نعم هل في ديننا من التوبة أن تقتل نفسك؟ لا، الآصار والأغلال التي كانت علينا كلها انتهت، التي كانت على من قبلنا، فديننا يسر بالنسبة للشرائع السابقة، وإلا من قال {لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ} [(7) سورة النحل] يعني ما .. ، هذا نص شرعي، ماذا نعمل بهذا النص؟ كيف نعمل بمثل هذا النص؟ ولا ينكر أحد أن صيام الهواجر شاقة على النفس، هل نقول: من يسر الدين أن نترك الصيام في الصيف؟ لا.
طالب: الاجتماع على الرأي المرجوح أولى من الاتفاق على. . . . . . . . .
أهل العلم في بعض القضايا وبالنظر إلى المصالح والمفاسد المترتبة على بعض الأقوال، يرون أن الإمام له أن يرجح قولاً مرجوحاًَ لمصلحة راجحة، فالمرجوح ليس بملغى، يعني له دليل، أقول: له دليل، وله ما يرجحه في بعض الأحوال، وهذا معروف عند أهل العلم.
"إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً" كيف يكون إثم؟ يعني مفضياً إلى الإثم، بمعنى أن .. ، لو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اختاره، وعمل به، وشق على من بعده.
طالب:. . . . . . . . .
(185/10)
. . . يفضي إلى الإثم، ما لم يكن إثماًَ، يعني يفضي إلى الإثم، فيختاره النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعمل به، وعمل به الصدر الأول، ثم بعد ذلك شق على بعض الناس، مما جعلهم يتركونه لشدته عليهم، يفضي في مثل هذه الحالة إلى الحرج، كما أسف وندم على دخوله البيت -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه في هذا شق على أمته، يعني لو تضافر المدح، مدح دخول البيت وفعل دخول البيت، لو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حث عليه مع كونه دخله، ألا يقتتل الناس على دخوله؟ يعني لو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر في رمضان مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((عمرة في رمضان تعدل حجة)) في رواية: ((حجة معي)) يعني لو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر في رمضان تقاتل الناس عليه، لكن لما ما اعتمر، وحث عليه، ولم يعتمر، كثير من الناس يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- أفضل الخلق، وأكمل الخلق ما اعتمر، فيصير في شيء من التخفيف على الأمة، لكن لو تضافر القول والفعل لاقتتل الناس عليه، ولذلك ندم -عليه الصلاة والسلام- على دخول البيت.
"فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه" -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه معصوم من ارتكاب الإثم، ومع ذلك يكره ما يكرهه الله -جل وعلا-، فهو أشد الناس كراهية لما يكرهه الله -جل وعلا-؛ لمنزلته عند ربه، والموافقة في المحاب والمكاره، لا شك أن هذا دليل المحبة.
"وما انتقم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنفسه" نعم أساء بعض الناس الأدب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مما سمعه النبي -عليه الصلاة والسلام- أو بلغه ومع ذلك ما انتقم.
"ما انتقم لنفسه، إلا أن تنتهك حرمة الله" قد يقول قائل: لماذا حد الذين خاضوا في الإفك، أليس هذا انتقام للنفس؟ نقول: لا، هذا انتهاك حرمة؛ لأن القذف كبيرة من كبائر الذنوب، وفيها الحد، فهذا ليس انتصاراً لنفسه، وإنما هو لأنها انتهكت حرمة الله -جل وعلا-، فينتقم لله بها، وأمر بقتل ابن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة، وكان يهجو النبي -عليه الصلاة والسلام- ويسب الدين، ولسبه للدين ولكونه ارتد عن الإسلام استحق القتل، لا لأنه سب النبي -عليه الصلاة والسلام- فيكون منتصراً لنفسه.
(185/11)
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) ".
علي بن الحسين تابعي، فالخبر مرسل، لكنه مسند في الترمذي وابن ماجه من حديث الزهري، مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، فالحديث أقل أحواله أنه حسن.
(185/12)
((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) لأن فيما يعنيه ما يشغله عما لا يعنيه؛ لأن فيما يعنيه، الوقت لا يستوعب ما يعنيه، فكيف إذا اشتغل بما لا يعنيه؟ لا شك أنه يترتب على ذلك التفريط بما يعنيه من أمور دينه ودنياه، فلو أن كل إنسان اشتغل بخويصة نفسه وما يعنيه لانتهى كثير من المشاكل، لكن الفضول والتدخل في أمور الناس هذا الذي يورث المشاكل بين الناس، ولا يعني هذا أن فلاناً من الناس ارتكب معصية لا ينصح ولا يؤمر ولا ينهى؛ لأن الأمر لا يعنيك، إلا الأمر يعنيك، مما يعنيك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما يعنيك النصيحة لأخيك المسلم، نعم، يعنيك تغيير المنكر، فإذا وجد مثل هذا فإن هذا مما يعنيك؛ لأنه قد يستدل بهذا الحديث من يرى ترك النصيحة للناس، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، دع الناس وشأنهم، هذا لا يعنيك، عليك بخويصة نفسك، ولذا المغرضون أعداء الدين، وأعداء الملة يرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدخل في شئون الناس، إذا كان تدخل في شئون الآخرين معناه أنه ليس مما يعنيك، و ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) نقول: لا، هذا الكلام ليس بصحيح، أنت مسئول عن هذا المنكر، وعن تغيير هذا المنكر ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) هذا الأصل، ((فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) فلا بد من التغيير، لا بد من بذل النصيحة، ((الدين النصيحة)) أسلوب حصري، الدين النصيحة ثلاثاً، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) فالدين هو النصيحة، ومن الدين الذي هو النصيحة أن تنصح لأخيك لكونه دخل في شيء يضره، ما يقال: هذا والله تدخل في شئون الناس، أنت عندك خبرة في التجارة، في الزراعة، في الصناعة، رأيت أخاك تورط في مشروع يضره في مجال من هذه المجالات تسدي له النصيحة، ما يقال: والله أنت ملقوف تدخلت في أمر لا يعنك، لا، هذا الأمر يعنيك؛ لأنك مكلف به شرعاً، ((الدين النصيحة)) كالأمر والنهي.
(185/13)
((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) لكن رأيت عمارة شاهقة تم بناؤها وتم استثمارها فتأتي وتنظر فيها ولا تسدي نصيحة إلى صاحبها، يعني لو عدلت كذا، أو فعلت كذا في أثناء العمل، لا بأس هذه نصيحة، لكن تنظر إليها بعد تمامها وبعد استثمارها وتتحدث بينك وبين نفسك وبين أناس آخرين لا يعنيهم الأمر، شوف هذا المفترض أنه حطها عشرين دور بدل خمسة عشر، المفترض، هذا لا يعنيك، هذا ضياع وقت بالنسبة لك، إن كان عندك نصيحة اذهب وأسدها إلى صاحبها، نعم، أو تتحدث في المجالس أن فلاناً بنا عمارة، وأسكنها من يستعملها فيما لا يرضي الله -جل وعلا-، اذهب يا أخي وانصحه، هذا المفروض، لا تتحدث به في المجالس؛ لأن حديثك في المجالس الذي لا يترتب عليه مصلحة هذا هو الذي لا يعنيك، بخلاف بذل النصيحة لأخيك.
(185/14)
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "استأذن رجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني جاء تعيينه أنه عيينة بن حصن، أو الأقرع بن حابس، من الجفاة، ممن أسلم ولما يقر الإيمان في قلبه، أسلموا ودخلوا في الإسلام، ثم بعد ذلك "استأذن رجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت عائشة: وأنا معه في البيت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بئس ابن العشيرة)) " يقوله لعائشة، ((بئس ابن العشيرة)) يعني ذكر الإنسان بما فيه لا سيما مثل هذا الذي جاهر وأعلن بخلقه البذيء السيئ الذي يجاهر بما حرم الله -جل وعلا-، سواءً كان في الأخلاق أو في العبادات، أو المعاملات هذا معروف أنه هو الذي فضح نفسه، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أذن له قالت عائشة -رضي الله عنها-: "لم أنشب" يعني لم ألبث "أن سمعت ضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معه" يعني المفترض يعني في اتحاد المواقف أنه ما دام بئس أخو العشيرة على حد فهم عائشة -رضي الله عنها-، وهذا الذي يتبادر إلى أذهان عموم الناس، ما دام بئس أخو العشيرة ليش تضحك معه؟ وتنبسط معه؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- انبسط معه، وضحك معه، فاستغربت عائشة -رضي الله عنها- "فلما خرج الرجل قلت: يا رسول الله قلت فيه ما قلت، ثم لم تنشب أن ضحكت معه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره)) " يعني مثل هذا يلاطف في القول، ويدارى في الكلام اتقاء شره، وأهل العلم يقررون أن المداراة مطلوبة، يعني في التعامل بخلاف المداهنة، المداهنة التي يترتب عليها تنازل عن واجب، أو تجاوز محظور، أو ارتكاب محظور، هذا لا يجوز بحال، {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [(9) سورة القلم].
أما المداراة والتعامل مع الناس بما يحقق المصلحة ولا يترتب عليه أدنى مفسدة، فإن هذا أمر شرعي، ولذا ترجم عليه الإمام البخاري: باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب، وفي مسلم في كتاب الأدب: باب مداراة من يتقى فحشه، ومعروف ترجمة الإمام البخاري من الإمام البخاري، وأما ترجمة مسلم فهي من الشراح، وهنا من النووي.
(185/15)
قال: "وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن كعب الأحبار"، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما ترتكب محظور ولا تترك مأمور، إن ارتكبت محظور أو تركت مأمور هذه مداهنة.
"وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن كعب الأحبار أنه قال: "إذا أحببتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه انظروا ماذا يتبعه من حسن الثناء" هذا موقوف على كعب، ومعناه صحيح.
في المرفوع عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه مر بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال: ((وجبت، وجبت، وجبت)) ثم مر بجنازة أخرى فأثنوا عليها شراً، فقال: ((وجبت وجبت، وجبت)) فقالوا للرسول -عليه الصلاة والسلام-، حصل هذا وحصل هذا وقلت: وجبت في الأول، وقلت: وجبت في الثاني، قال: ((نعم، أثنيتم على هذا خيراً فوجبت له الجنة، وأثنيتم على هذا شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في أرضه)) فيقول هنا: "إذا أحببتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه فانظروا ماذا يتبعه من حسن الثناء".
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: "بلغني أن المرء ليدرك بحسن خلقه درجة القائم بالليل، الظامي بالهواجر" لا شك أن حسن الخلق كما جاء في الحديث أثقل ما يوضع في الميزان، أو من أثقل ما يوضع في الميزان حسن الخلق، فإذا وجد حسن الخلق ووجد سيء الخلق، وقائم صائم، لا شك أن هذا يبلغ درجته، وقد يفوقه على حسب ما عند الثاني من حسن في خلقه أو عدمه.
(185/16)
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: "ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى قال: إصلاح ذات البين" لأن الصلاة نفعها قاصر، والمقصود من الصلاة النافلة، وإلا الفريضة لا يعدلها شيء من الأركان، فضلاً عن الواجبات، الفريضة لا يعدلها شيء، وإن كان نفعها قاصراً إلا أنها الركن الثاني بعد الشهادتين، والصدقة نفعها لا شك أنه متعد؛ لكنه آني، تتصدق على إنسان بدرهم أو دينار، يأكله فينتهي منه، نعم، ونفع متعدي، ولا شك أن ثوابه عظيم، لكن إصلاح ذات البين، رجل مع زوجته تدابرا وتقاطعا، وقرب أمرهما من الفراق تصلح بينهما، هذا من أعظم الأمور، والإصلاح بين الناس صدقة، أو أخوان تقاطعا من ذو سنين بسبب إرث، أو وقف، أو ما أشبه ذلك، أو ابن مع ابنه، أو ابن مع أبيه، وهكذا.
قال: "إصلاح ذات البين" لأنه نفع متعد ودائم، وأما الصلاة فنفعها قاصر، والصدقة نفعها متعد، لكنه منقطع.
"وإياكم والبغضة" البغضة شدة البغض والحقد على الناس، تحمل بغضاً للناس، وحقداً عليهم، وتتربص بهم، وتفرح إذا أصيبوا، وقد يظهر من ملامح وجهك شيء من ذلك، فلا شك أن هذا من الأمور المحذر منها، المكروهة لدى الشرع.
"إياكم والبغضة فإنها هي الحالقة" الحالقة التي تحلق الدين وتستأصله، كما يحلق الموسى الشعر، ولذا جاء في الحديث المرفوع: ((لا أقول: تحلق الشعر، وإنما تحلق الدين)).
(185/17)
قال: "وحدثني عن مالك أنه قد بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) " هذا الحديث موصول من وجوه عن أبي هريرة، ((بعثت)) النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما بعث هادياً للناس كافة، بشيراً لمن أطاعه، نذيراً لمن خالف أمره، في بعض الروايات الحصر ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) وعلى كل حال هذا الأسلوب سواءً كان حصرياً أو غير حصري فإنه من باب العناية والاهتمام بشأن حسن الخلق، وكان الناس على خلق قبل بعثته -عليه الصلاة والسلام- كانوا على خلق موروث عن أبيهم إبراهيم -عليه السلام-، لكنهم فرطوا في كثير منه، وجاء النبي -عليه الصلاة والسلام- بما فرطوا به وزيادة عليه مما لم يأتهم من قبل عن طريق الأنبياء والرسل، فتمم -عليه الصلاة والسلام- حسن الأخلاق ومكارم الأخلاق كما في الروايات الأخرى -عليه الصلاة والسلام-.
تفضل.
طالب:. . . . . . . . .
يقول البخاري -رحمه الله-:
باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب.
يعني لو أن شخصاً عرف واشتهر بين الناس بأمر مما ينكر عليه في الشرع نصح فلم ينتصح، كما يوجد في الذين يكتبون في الصحف، ويتكلمون في القنوات وفي المجالس، وفي المجالس الرسمية وغيرها، هل يقال: إن مثل هذا بيان شره، وبيان منزلته في الشرع، هل يقال مثلاً: إن هذا غيبة؟ نعم؟ ليس بغيبة، هذا الرجل عرف بسوء الخلق، ومن النصيحة للناس أيضاً أن يُعرف، من لم يعرف يعرفه، يعني هذا من باب النصيحة للناس أن يقال فيه مثل هذا الكلام، وإذا اقتضت النصيحة الكلام في الإنسان فيما يكره، الذي جاء عموم النهي عنه، وتسميته غيبة، إذا كانت المصلحة راجحة فلا شك أن مثل هذا يجوز، بل قد يجب أحياناً، يعني الكلام في الرواة غيبة في الأصل، لن صيانة للسنة لا بد من الكلام فيه.
مثل ما كتب هنا يقول في الحديث: ((بئس أخو العشيرة)) كيف يتم فهمه مع الوعيد الذي جاء في الغيبة؟
(185/18)
عرفنا هذا أنه لأنه تظاهر بفحشه، وصار الناس يتقونه من أجل شره، فإذا كان بهذه المثابة لا مانع من الكلام فيه، وأنه ليس على منهج؛ لأنه قد يظن بعض السذج أن مثل هذا الصنيع من هذا الرجل أنه هو الحزم؛ لأن بعض الناس لا يربيهم إلا الشدة والقوة والقسوة، قد يقال: إن هذا حزم، نقول: هذا ليس بصحيح، هذا شر، فعلى الناس أن يتقوه ليكون من شر الناس هو، ما دام الناس يتقونه من أجل شره فإنه يكون حينئذٍ من شر الناس.
سم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في الحياء:
وحدثني عن مالك عن سلمة بن صفوان بن سلمة الزرقي عن زيد بن طلحة بن ركانة يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء)).
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر على رجل وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((دعه فإن الحياء من الإيمان)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في الحياء:
(185/19)
الحياء خلق حميد شرعي، يورث في صاحبه ومن تحلى به الانقباض عما لا يحمد شرعاً أو عرفاً، فهذا الخلق الشرعي الذي لا يأتي إلا بخير، وهو من الإيمان، كما جاء في حديث الشعب، وكما سيأتي في الحديث حديث الباب الثاني، قد يلتبس على بعض الناس الحياء العرفي بالحياء الشرعي، الحياء الشرعي يورث الانكفاف عما لا يحمد، الانكفاف عما يحمد ليس بحياء شرعي، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصح الناس وبذلهم وتوجيههم وتعليمهم، بعض الناس قد يخجل منه، لا يستطيع أن يقارفه حياءً وخجلاً، هذا حياء عرفي، لكنه يوجب الانكفاف عما يحمد شرعاً، فليس من الحياء الشرعي في شيء، هذا الخجيل يورث الانكفاف عما يحمد شرعاً، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محمود وإلا مذموم شرعاً؟ محمود، النصيحة للناس، توجيه الناس، عظة الناس، هذا كله محمود، فإذا كان الحياء يكف عن أمر محمود شرعاً، يكف هذا الحياء العرفي عن أمر محمود قلنا: هذا ليس بشرعي، وخجل مذموم، بينما إذا كان هذا الخلق الحميد يكف الإنسان عما يذم شرعاً فإنه حينئذٍ يكون محموداً، وهو الحياء الذي لا يأتي إلا بخير، يقول ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
هو موجود من القدم، يعني التقسيم هذا موجود من القدم بجامع أن كلاً منهما يدعو إلى الانكفاف، يعني عموم مواجهة الناس حياء، أو عدم مواجهة الناس حياء، فإن كان عدم مواجهتهم فيما يذم، بعض الناس تجده يواجه الناس فيما يذم به شرعاً، هذا لا عنده لا حياء شرعي ولا عرفي هذا، وهذا قد يكون هو القسم الأخير إذا قسمناه تدريجياً قلنا: إن هناك حياء يكف عما يذم به شرعاً، ولا يكف عما يحمد به شرعاً، هذا إيش؟ المحمود، المحمود من كل وجه.
(185/20)
وهناك حياء يكف مطلقاً عما يحمد وعما يذم هذا الخجل، هذا أيضاً محمود من وجه، مذموم من وجه، بعض الناس، القسمة رباعية، بعض الناس لا يوجد عنده لا هذا ولا هذا، لا يستحيي من أحد، وجاء في الحديث: ((إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)) هذا مذموم، مذموم من كل وجه؟ لا، قد يمدح من وجه، هذا لا يستحيي مطلقاً، تجده يقدم على ما يذم به، ولا يستحيي أن ينكر على من يأتي مذموماً، هذا من وجه دون وجه.
القسم الأخر الأرذل المذموم من كل وجه الذي لا يستحيي عما يذم به، ويستحيي عما يمدح به، أيضاً القسمة الرباعية ظاهرة، نعم، في من لا يستحيي مطلقاً يقدم على كل شيء محمود ومذموم هذا موجود في الناس، يعني عادي أن يواجه إنسان على لا شيء لأتفه الأسباب بما يسوؤه، وعادي أن ينكر منكر سيان عنده؛ لأنه ما في شيء اسمه شيء يردعه عن مواجهة الناس، سواءً كانت بحق أو بباطل، ويقابله الذي يستحيي من إنكار المحمود والمذموم، وبين المرتبتين من يستحيي من إنكار المحمود، بل لا يقدم عليه، ولا يستحيي من إنكار المذموم والعكس، ولكل واحدة منزلتها.
(185/21)
الحياء العرفي الذي يكف عما يحمد به شرعاً، الحياء المذموم هذا الخجل موجود بين الناس، تقول له: قم اتكلم يقول: ما أقدر، بعض الناس تقول له: صل بالناس، يقول: ما أستطيع، ولو كان من الحفاظ، يعني ما في مبرر لهذا الخجل، يعني ما في شيء محسوس أو شيء يمنعه، يعني يوجد مثل هذا مع الأسف مع طلاب العلم في مناسبات كثيرة، يصلي الناس ظهر وعشرين ثلاثين من الجماعة من خريجي الكليات الشرعية، ما يستطيع أن يواجه الناس هذا محمود وإلا مذموم؟ مذموم بلا شك، وحصل وقائع من هذا النوع، يصلون ظهر وفيهم من هو كفؤ، لكنه ما تعود، وقد يقوم بهذه المهمة مع وجود أخيار وطلاب علم، يقوم بها شخص فاسق؛ لأنه تعود هذا الأمر، وليكن مذيع مثلاً، مذيع بقناة مثلاً، تعود هذا الأمر ولا يصعب عليه أن يصعد المنبر ويخطب بالناس، لكن هل هذا بالنسبة لطلاب العلم محمود وإلا مذموم؟ مذموم يا أخي بلا شك، مذموم، وعلى طالب العلم أن يهيئ نفسه لكل ما يمدح به شرعاً، وكم حصل من قضية صارت مفتاح خير لبعض العلماء، يعني تجد مثلاً من يشار إليهم بالبنان بالخطابة الآن، سبب ذلك أنه أحرج في موقف، قيل له: اخطب، قال: والله ما تهيأ، ولا تعود، ثم خطب على ضعف، يعني أول خطبة تعرفون ويش وضعها؟ قال: ما دخلت مسجد لصلاة الجمعة إلا وفي جيبي خطبة، ومع الوقت ترك الخطب المكتوبة، وصار معروف من مشاهير الخطباء.
المقصود أن مثل هذه الأمور لا بد أن يتعود عليها، بعض الناس تقول: والله الآن إحنا جالسين مرتاحين ومبسوطين، وفي ناس عندهم أغاني بجواركم، بنزهة، برحلة، تقول: قم يا أخي انصحهم وإلا ذكرهم، يقول: والله ما تعودت، أنكر عليهم، والله ما تعودت، ويش معنى ما تعودت؟ هذا حال كثير من طلاب العلم، فهذا الحياء ممدوح وإلا مذموم؟ مذموم.
(185/22)
المقصود أن مثل هذه الأمور لا شك أنها الحياء الذي لا يأتي إلا بخير هو الحياء الشرعي، يذكر بعض الناس عن أنفسهم خلاف ما يتوقعه الإنسان إطلاقاً من خلال ما كتبوا، يعني في الحياء واحد كتب عن حياته مجلد، ويقول عن نفسه في هذا الكتاب، وهو مدرس في مدرسة القضاء الشرعي، وله زميل في نفس المدرسة، واحتاجوا إلى تعلم اللغة الإنجليزية، يقول: لنرى العالم بالعينين بدل عين واحدة، فقلت لصاحبي: ابحث عن مدرس، وأنا أبحث، كل واحد بطريقته، ثم نتعلم عليه، يقول: بحثت فوجدت شخص إنجليزي شاب وزوجته، في شهر الزواج، توا متزوجين، فقلت لصاحبي: وجدت البغية، أنت لك الزوج، وأنا لي الزوجة، هذه تعلمنا، وهذا تعلمك، هل هذا مما يستحى منه شرعاً وإلا لا؟ نعم، هذا كتبه في مذكرته في حياته، نعم، ومع ذلك يقول: إنها تقول: إن العين العربة صعبة، يعني قصده حرف عين، يعني صعب عليها تنطقها، وقلت لها: إن العين الإنجليزية أصعب، هو يقصد عينها، نسأل الله العافية، هل مثل هذا الكلام مما يستحيا منه شرعاً وإلا لا؟ بلى، بالمقابل بنفس الكتاب يقول: أجلس في المجلس ساعتين ثلاث ساعات، وأنا أحتاج الدورة استحيي أن أستأذن، نفس الشخص، ولذلك يحصل وجود ما يذم، وانتفاء ما يمدح، يوجد تناقضات في مثل هذا، تجد إنسان عنده جرأة ينكر الحق، ويستحيي عن إنكار الباطل، يعني الناس فيهم من هذه النوعيات، نسأل الله العافية.
طالب: لكن يا شيخ -أحسن الله إليك- هل يسمى حياءً؟
هو خجل، لكن الحياء العرفي يشمله هذا، الكلام على الحياء العرفي، حتى من القدم، حتى الشراح يعظ أخاه في الحياء، ها شوف يعظ أخاه في الحياء.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا لا، الشراح بينوا هذا.
طالب:. . . . . . . . .
إيه الحياء الشرعي لا يأتي إلا بخير، والحياء بمفهومه العام نعم فيه وفيه، لكن الحياء الشرعي لا يأتي إلا بخير.
(185/23)
يقول: "وحدثني عن مالك عن سلمة بن صفوان بن سلمة الزرقي عن زيد بن طلحة بن ركانة يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-" وهو مرسل "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لكل دين خلق)) " يعني الأديان السماوية جاءت للأمم بالخير واتقاء الشر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، -عليه الصلاة والسلام-.
قال: ((لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء)) خلق الإسلام الحياء، ولذلك تجد المسلم يستحيي من ذكر أشياء لا يخجل عن ذكرها غير المسلم مما يستحيا منه شرعاً أو عرفاً، فخلق هذا الدين الحياء، وجاء في الحديث الصحيح: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)) فدل على أن الحياء متوارث في سائر الأديان، لكنه في هذه الديانة -في الإسلام- برزت مظاهره ومعالمه أكثر، وصار شأنه في هذا الدين أعظم.
في الحديث الصحيح: "إن الله لا يستحيي من الحق" وفي الآية {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً} [(26) سورة البقرة] "إن الله لا يستحيي من الحق" إيش معنى "لا يستحيي من الحق" يعني يشيع على ألسنة الناس: لا حياء في الدين، هذا الكلام صحيح وإلا ليس بصحيح؟
طالب: ليس بصحيح.
يعني إن كان القصد منه في مسائل الدين كما قالت أم سلمة: "إن الله لا يستحيي من الحق" يعني في مسائل الدين، يعني لو أردت أن تسأل عن مسألة لا حياء فيها، على هذا الوجه يمكن حمله صحيح، لكن إذا كان نفي للحياء بالكلية عن الدين أبداً هذا العكس، الحياء كله خير، وخلق الإسلام الحياء.
{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً} [(26) سورة البقرة] إيش معنى لا يستحيي؟ يعني لا يترك؛ لأن مآل الحياء الترك، فالحياء الذي يؤدي إلى ترك الحق منفي عن الله -جل وعلا-.
(185/24)
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر على رجل وهو يعظ أخاه في الحياء" يعني يقول له: لا تستحي أنت، هذا موجود في معاملات الناس وأعراضهم، تجد واحد عاشر الناس، عاملهم، وصار مثلما يقولون: خراج ولاج، نعم، وله أخ ما تعود ولا تمرن على هذا، ويقول له: خذ هذه البضاعة بعها، أو حرج عليها بالمزاد، هل كل إنسان من الناس يستطيع أن يقول: من يزيد؟ يرفع صوته بهذا؟ نعم؟ كثير من طلاب العلم لا يستطيع أن يبلغ خلف الإمام، إذا قال: الله أكبر، رفع صوته بالله أكبر، صح وإلا لا؟ فضلاً عن كونه يحرج بين الناس، كم نقول، كم نقول، يقول يا أخي -يعظ أخاه-: لا تستحي، اشتغل، ترزق، نعم يعظ أخاه في الحياء، ولعله يقصد به الحياء مطلقاً، يعني لا تستحي مطلقاً، لا عما يحمد، ولا عما يذم، ولذلك قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((دعه)) يعني اتركه، ((دعه فإن الحياء من الإيمان)) وفي رواية: ((لا يأتي إلا بخير)) نعم الحياء من الإيمان، الحياء شعبة من شعب الإيمان ((الإيمان بضع وستون شعبة)) في مسلم: ((بضع وسبعون شعبة)) في بعضها: ((ستون أو سبعون، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الإيمان)).
سم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في الغضب:
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن رجلاً أتى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن، ولا تكثر علي فأنسى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تغضب)).
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في الغضب:
(185/25)
الغضب معروف لا يحتاج إلى بيان، وبيانه كبيان الماء، الغضب خروج النفس عن حد الاعتدال بسبب المثير، والغضب غريزة موجودة عند الناس، لكنهم يتفاوتون فيها، فمن الناس من يثور لأدنى سبب، ومن الناس من يثور لغير سبب، ومنهم من لا يثور، ومنهم من يغلي قلبه بالغضب لأتفه الأسباب، ومنهم الحليم الذي اتصف بالحلم والأناة، كالأحنف، وممن وصف بذلك معن بن زائدة المشهور، حصل رهان بين اثنين إن أغضبه فله كذا وكذا من الإبل، فجاء إليه وسبه بأبشع أنواع الهجاء والذم بالشعر المحفوظ إلى اليوم، ومع ذلك يعرض عنه إلى أن أيس من إغضابه، وهذه منة ونعمة، لكن هناك مواقف لا بد فيها من الغضب لا سيما إذا انتهكت محارم الله -جل وعلا-.
ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
لا سيما بعض الناس إذا ما تعومل معه معاملة تردعه عن بعض تصرفاته يسترسل، فمثل هذا لا بد أن يكف، ولا شك أن الغضب غريزة، ويزيد مع عدم الكف، وعدم خزم النفس، والحلم بالتحلم، يعني مع الوقت تجده يتصف بهذا الخلق، وإن لم يكن متصفاً به قبل ذلك، كما أن العلم بالتعلم، كذلك الحلم بالتحلم، والفقه بالتفقه.
"أن رجلاً أتى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن" كلمات "ولا تكثر علي فأنسى" مثل الذي قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأرشدني" هنا: "علمني كلمات أعيش بهن، ولا تكثر علي فأنسى" يعني لو علمه حديثاًَ طويلاً يشتمل على جمل كثيرة يمكن ينسى بعضه، لا سيما وقد عرف من نفسه ضعف الحافظة.
(185/26)
"ولا تكثر علي فأنسى، وأعيش بهن" يعني أنتفع بهن في معيشتي في ديني وفي دنياي "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تغضب)) " وأي نصيحة أبلغ من هذه النصيحة، وكم للغضب من آثار على الشخص نفسه، وعلى غيره، والغضب مؤثر تأثيراً بالغاً في صحة الإنسان، وله أيضاً آثار متعدية تصل إلى حد القتل، تصل إلى حد القذف، تصل إلى حد أن يقول كلمة لا يلقي لها بالاً أثناء غضبه يهوي بها في النار سبعين خريفاً -نسأل الله السلامة والعافية-، وكمن إنسان شتم الدين بسبب الغضب، وكمن إنسان وقع في عظائم الأمور بسبب الغضب، ولذا الغضب من الشيطان، فإذا وجده الإنسان فليغير وضعه، إن كان واقفاً فليجلس، وإن كان جالساً فليضطجع أو ليقف، المقصود أنه يغير وضعه، وإن توضأ؛ لأن حرارة الشيطان إنما تطفأ بالماء.
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس الشديد)) " ليس الشديد القوي ((بالصرعة)) يعني الذي يصرع الناس ليس هذا هو الشديد، ليس هذا هو القوي، ليس هذا الذي يمدح بقوته، جاء في الحديث الصحيح: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)) وما قال الرسول -عليه الصلاة والسلام- الرجل القوي، قال: المؤمن، يعني القوي في إيمانه، ((خير من المؤمن الضعيف)) في إيمانه، ويتبع ذلك ما يتطلبه الإيمان من قوة في البدن، وإعداد للعدو، وما أشبه ذلك، هنا يقول: ((ليس الشديد بالصرعة)) الذي يصرع الناس، وهذا البناء صرعة لاسم الفاعل صرعة، يعني ضحكة، همزة، لمزة، الذي يصرع الناس، لمزة الذي يلمز الناس، همزة الذي يهمز الناس.
بعض التراجم، تراجم الأئمة يقولون: الإمام العالم، المتفنن، الرُحْلة، رُحْلة، هذا اسم المفعول، يعني يرحل إليه، ورُحَلة يعني يرحل اسم الفاعل.
((إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)) يستعيذ بالله من الشيطان، ويتوضأ ويترك هذه الآثار المترتبة على الغضب، ولا يرتب عليه ما يتطلبه الغضب عند دخول الشيطان من قتل، من سفك دم، من كلام بذيء، كثيرا ًما يحصل الطلاق بسبب الغضب، ثم بعد ذلك الندم، وكلام أهل العلم في طلاق الغضبان معروف.
(185/27)
المقصود أنه مسبباته كلها أو جلها سيئة، يُندم عنها بسرعة، أو يندم صاحبها بسرعة، فعلى الإنسان أن يملك نفسه عند الغضب، وقد يقول الإنسان: هذا شيء لا أستطيع أن أملك نفسي، أنا جبلت على الغضب، لكن الحلم بالتحلم، ومع ذلك أُثر عن بعض الصحابة أنه كان شديد الغضب لكنه وجه من قبل النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى كثرة الاستغفار، وعليه أن يتحلم، وينظر في عواقب الأمور قبل أن تصدر عنه، وإذا حصل منه أو بدر منه شيء مما لا تحمد عقباه لا بد أن يتحمل المسئولية، فإذا غضب وتكلم في حق فلان أو علان لا بد أن يذهب إليه، ويستسمحه، ويستبيحه ويستحله مما حصل منه، والله المستعان.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(185/28)
شرح: الموطأ – كتاب حسن الخلق (2)
باب ما جاء في المهاجرة - باب ما جاء في لبس الثياب للجمال بها
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في المهاجرة:
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)).
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال)).
قال مالك -رحمه الله-: لا أحسب التدابر إلا الإعراض عن أخيك المسلم فتدبر عنه بوجهك.
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً)).
وحدثني عن مالك عن عطاء بن أبي مسلم عبد الله الخراساني قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا وتحابوا وتذهب الشحناء)).
وحدثني عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا)).
(186/1)
وحدثني عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: تعرض أعمال الناس كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبداً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا هذين حتى يفيئا أو اتركوا ...
فيقال؟
فيقال: اتركوا هذين حتى يفيئا.
أو اركوا؟
في سقط.
"أو اركوا هذين حتى يفيئا"
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في المهاجرة:
المهاجرة: مفاعلة من الهجر، وهو الترك، ومنه الهجرة، الهجرة الممدوحة من الترك أيضاً، ترك بلاد الكفر إلى ديار الإسلام، وعموم الترك فيه ما يمدح، وفيه ما يذم، والمهاجرة هنا مفاعلة من الهجر الذي هو ترك الصلة، فالمهاجرة في مقابل الصلة، وكل من الهجر والصلة في الشرع علاج، إذا وجد السبب المقتضي للهجر ترجح، وإلا فالأصل أن المسلمين أخوة، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [(10) سورة الحجرات] ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)) هذا هو الأصل، لكن إذا ارتكب ما يقتضي الهجر فالهجر شرعي، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- هجر الذين تخلفوا عن غزوة تبوك خمسين يوماً، فالهجر لأمر شرعي، لمخالفة شرعية لبدعة أو ارتكاب محظور حتى يفيء، حتى يرجع، وكان هذا الهجر وترك الصلة أنفع وأجدى بالنسبة لهذا الشخص فهو شرعي، مطلوب، أما إذا كانت الصلة أنفع له وأقرب إلى أن يؤلف قلبه بهذه الصلة ويرجع ويفيء عما كان عليه من مخالفة فالصلة أرجح من المهاجرة.
(186/2)
يقول: "حدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه)) " يعني في الدين، ومن باب أولى أخوة النسب إذا اجتمعت مع الدين، فإذا اجتمعت مع الدين كان الحق أعظم، وإذا وجدت أخوة الدين فهي أقوى من أخوة النسب، وأخوة النسب المجردة عن الدين لها حقها من الصلة، يعني لا يمنع أن يصل أخاه ما لم يكن محارباً للمسلمين، المقصود أنه يقول: ((لا يحل)) يعني لا يجوز، بل يحرم للمسلم ((أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال)) يهاجر سواءً كانت المهاجرة من الطرفين، بمعنى أن كل واحد منهما يهجر الآخر ولا يصله، أو من طرف واحد، بمعنى أن أحدهما هاجر لأخيه والثاني واصل، فالهاجر هو الذي لا يجوز له هذا الفعل، والثاني إن وصلهم مع القطيعة من قبلهم فكأنما يسفهم المل كما في الحديث الصحيح.
((لا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال)) فوق ثلاث ليال مفهومه أن الثلاث الليال تجوز المهاجرة فيها، تجوز القطعية فيها، ثلاث ليال، ولو كان مقصود القطع إن كان القطع مقصود، وعدم الصلة مقصودة لمشاحنة بينهما، فالنفس لها حظ، تُركت لها هذه الفرصة ثلاث ليال، وإلا فقد يهجر الإنسان أخاه شهراً ولا يأثم بمعنى أنه مجرد ترك من غير قصد للهجر، يعني كون الإنسان ما يزور أخاه إلا في الشهر مرة من بين مقتضٍ لهذا الهجر، ومن غير مقصد، من غير قصد لهذا الهجر وهذا الترك، والنفوس سليمة لم يداخلها شيء فلا مانع، بل الإنسان يرتب مع أخيه ويقول: والله أنا مشغول، وأنت مشغول لو تكون لنا دورية في الشهر مرة، هل نقول: إن هذا هجر أخاه فوق ثلاث؟ نعم؟ إنما المقصود به الهجر مع القطع، مع قطع الرحم الذي يقتضي القصد لهذا الهجر.
((فوق ثلاث ليال)) فالثلاث فما دون جائزة بمفهوم هذا الحديث؛ لأن النفس لها حظ، يعني تأخذ النفس شيئاً من حظها مما جبلت عليه في الشرع، كما أنه لا يجوز لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا أن يكون الزوج، فالنفس أيضاً لوحظ حقها في مثل هذا.
(186/3)
((فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) الترك من غير قصد ومن غير هجر لا يمكن أن يوجد منه هذا الأثر يعرض هذا ويعرض هذا، بل إذا التقيا تبادلا ما يدل على المحبة والمودة بينهما، لكن الهجر المقصود ولو كان فوق ثلاث ليال شيئاً يسيراً؛ فإنه يحرم؛ لأنه يلزم منه أن يعرض هذا إذا التقيا، ويعرض هذا عن أخيه، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، وواقع كثير من الناس لا سيما من العامة، وقد يوجد من بعض الخاصة أن الكبير يستنكف أن يبدأ الصغير، نعم الصغير في الشرع عليه أن يحترم الكبير، ويسلم الصغير على الكبير نعم لكن لو سلم الكبير على الصغير لا شك أن مثل هذا يكون خيرهما، ((فخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) وكثير من الناس إذا قيل له: بينك وبين أخيك قطيعة، قال: أنا أكبر منه، الحق لي، أنا لي الحق، أو أنا العم، لي الحق، أو أنا الخال لي الحق، لا، لا ((خيرهما الذي يبدأ بالسلام)).
ومع أن العم له حق، وعم الرجل صنو أبيه، والخال أيضاً له حق، والأخ الكبير له حق، والوالد أعظم، والوالدة أشد، والأجداد والجدات كذلك، لكن القاعدة الشرعية: ((خيرهما الذي يبدأ بالسلام)) سواءً كان أكبر أو أصغر أو السبب الجامع بينهما في حقه وفي جانبه أقوى كالعم والخال وما أشبه ذلك، ((خيرهما الذي يبدأ بالسلام)).
يذكر في كتب الأدب أنه صار بين الحسن والحسين شيء من القطيعة اليسيرة يعني يومين أو ثلاث أو شيء من هذا لا تصل إلى حد الممنوع، لكنه مع ذلك قيل للحسن: ألا تذهب فتصالح أخاك؟ أو قيل للحسين، قيل لأحدهما، نعم، فقال: الإيثار مطلوب، ومدح الأنصار بالإيثار، وأؤثره بهذه الخيرية، كلام صدق ما هو بدعوى، لكن بعض الناس قد يقول: أنا أؤثره بهذه الخيرية ليكمل ما قال: إن الحق لي، على شان يجي أخوه ويسلم عليه، أنا أؤثره، هذا من باب الإيثار؟ لا، ليس من باب الإيثار.
(186/4)
وعلى كل حال القاعدة المطردة الشرعية ((خيرهما الذي يبدأ بالسلام)) وقد تكون القطيعة عن لا شيء، أمر يسير جداً، وقد يكون وهمياً، وتستمر السنين الطويلة على هذا، والشيطان واقف بينهما، لا يريد الإصلاح، وعلى كل حال لا يجوز الهجر فوق ثلاث، فإذا وجد فأعرض هذا وأعرض هذا لا شك أن هذا من تحريض الشيطان بين الأخوة ليقعوا في المحظور العظيم الذي هو القطيعة، ومع ذلك على الإنسان أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويتنازل، ويؤثر أخاه، أو يؤثر نفسه، وهذا أولى؛ لأن الإيثار بالقُرَب عند أهل العلم الإيثار بالقرب مكروه عند أهل العلم، ولا يجوز الإيثار بالواجبات، فـ ((خيرهما الذي يبدأ بالسلام)) فعليه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويذهب إلى أخيه ويسترضيه ليكون خيرهما، والحديث متفق عليه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم الإشكال أن العبرة بما في القلوب، تجد بعض الأسر بينهم بغضاء وشحناء من أجل موروثات وأسبال وما أشبه ذلك وأوقاف، ثم بعد ذلك يسعى المصلحون لجمعهم في اجتماع شهري أو ما أشبه ذلك للأسرة أو للعائلة فتجدهم يجتمعون وينصرفون على ما كانوا عليه، كل واحد يسلم على الثاني ويبش في وجهه وقلبه مشحون بالبغضاء والتدابر والتقاطع، وإذا خلا بعضهم وانفرد أكل عرض هذا، وما أشبه ذلك، وسب هذا، هذا لا يجدي شيئاً، هذا لا يجدي، العبرة بما في القلوب.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، أهل العلم يقولون: إن السلام يقطع الإثم، لكن إذا تحدث بما في قلبه يؤاخذ عليه.
طالب: المسائل الشرعية؟
المسائل الشرعية مطلوب فيها الهجر، هجر المبتدع أمر مقرر في الشرع، المخالف أيضاً، العاصي يهجر ليرتدع، أما إذا كان يزداد شره، ويتعدى ضرره إذا هجر، فالمداراة مطلوبة.
طالب:. . . . . . . . .
والله ما في شك أن هذا جاء من قبل الشارع، والشرع لا شك أنه يدرك ما في أنفس الناس وقلوبهم وعاداتهم، فحد هذا الحد، فلا شك أن النفس يتدرج فيها الحقد من أعلى مستوياته وقت النزاع إلى أن اليوم الأول أشد، والثاني أخف، والثالث أقل، فتعطى النفس شيء من حظها، ولو حصلت الصلة من أول لحظة، وغلب الإنسان نفسه الأمارة بالسوء هذا أفضل بلا شك، لكن الجواز إلى ثلاث فقط.
(186/5)
طالب:. . . . . . . . .
لا، التأديب يقولون: لو زاد، لو زاد بقدر الجرم، لو زاد، النبي -عليه الصلاة والسلام- آلى شهراً ألا يكلم نساءه شهراً، كما في الحديث الصحيح، وأيضاً الأب له أن يهجر ولده لكي يرتدع؛ لأن هؤلاء القلوب في الغالب سليمة، إنما المقصود من هذا الهجر هو التأديب، وليس ما ينطوي عليه القلوب من حقد وغل وتدابر وتقاطع، لا، إنما للأب أن يهجر ولده فوق ثلاث، لكن ليس للولد أن يهجر أباه، ليس له أن يهجر أباه؛ لأن داعي الأب هو المصلحة، وداعي الابن هو التشفي؛ لأن قلوب الآباء والأمهات تختلف عن قلوب الأولاد.
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تباغضوا)) " يعني لا تتباغضوا، أي: لا يبغض بعضكم بعضاً، وهذه مفاعلة من طرفين كما هو الأصل، لكن لو وقعت من طرف واحد دخلت فيها، شخص يبغض أخاه، وأخوه لا يبغضه، لا شك أن مثل هذا آثم، إذا لم يكن سبب ومبرر للبغض؛ لأن الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان، إذا كان يبغضه لله لما عنده من مخالفة، فإن هذا من أوثق عرى الإيمان، الإشكال إذا وجد التباغض والتهاجر بسبب أمور الدنيا.
((لا تباغضوا)) يعني لا تتعاطوا أسباب البغض؛ لأن البغض له أسباب، ولا يحدث هكذا فجأة من غير سبب، نعم بعض أنفس الناس تجده مجرد ما يرى الشخص يقول: أنا والله ما دخل قلبي، لا أحبه، ما لي .. ، عرفته؟ في سبب؟ ما في سبب، بس ما لي والله خلقه، يقولونه الناس، هذا موجود في قلوب الناس، هو له أصل وإن لم يكن له أثر شرعي، يعني الأرواح جنود مجندة، يعني ما تعارف ائتلف، قد ترى الإنسان من أول وهلة وتحبه، وترى الثانية من أول وهلة وتكرهه، لكن مع ذلك الآثار المترتبة على مثل هذا لا يجوز تعليقها إلا بسبب شرعي.
(186/6)
((لا تباغضوا ولا تحاسدوا)) الحسد المحرم الذي يأكل الحسنات هو: أن يتمنى المسلم زوال النعمة عن غيره، يتمنى زوال النعمة عن غيره، لكن إذا كان الغير يستعمل هذه النعمة فيما لا يرضي الله -جل وعلا-، كما يوجد الآن من أثرياء اليوم، تجده مفسد في ماله، ألا يتمنى المسلم أن يزول عنه هذا المال من أجل إفساده؟ نعم؟ لا لمجرد الحسد الذي لا مبرر له ولا سبب، لكن شخص مفسد عُرف بالإفساد بسبب ماله فإنما هذا يدعى عليه، وموسى -عليه السلام- دعا {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [(88) سورة يونس] فهذه الدعوة لا بأس بها إذا وجد مبرر، أما إذا لم يوجد مبرر فإن هذا لا يجوز بحال، وهو الحسد المذموم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا إذا أمكن، وإلا المفسد فساداً علانية كما يلعن المؤذي من الكفار يدعى على هذا إذا آذى وبذلت الأسباب في حقه ولم يرتدع يدعى عليه.
((لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا)) بمعنى أن كل واحد يولي الآخر دبره؛ لما بينهما من الشحناء والبغضاء، يعرض هذا ويعرض هذا عن الثاني، كل واحد يولي الثاني دبره.
((وكونوا عباد الله إخواناً)) عبادَ منصوب، ونصبه هل هو لكونه خبر كان؟
طالب: اسم منادى.
هو منادى، لكن بحذف حرف النداء، كونوا يا عباد الله إخواناً، ألا يصلح أن يكون خبر كان؟ يصلح وإلا ما يصلح؟ ما يصلح، لماذا؟ هم عباد الله، فلا يؤمروا بأن يكونوا عباداً لله، هم عباد لله من الأصل، كونوا إخواناً، هذا خبر كان، وإلا كونوا عباداً لله، هم عباد لله، فلا يؤمر بمثل هذا، وعباد الله هذا لا شك أنه منادى، منادى مضاف.
طالب: يشمل على التحقيق والعبودية عباد الله؟
وإخواناً؟
طالب:. . . . . . . . .
ما تجي، كونوا يا عباد الله إخواناً.
((ولا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال)) وهذا تقدم.
قال مالك: "لا أحسب التدابر إلا الإعراض عن أخيك المسلم فتدبر عنه بوجهك".
تلتفت، وهذا يلاحظ في بعض المجالس أنه إذا وجد اثنان بينهما شحناء تجده لا يطيق النظر إليه، وتجده منصرف عنه طيلة الجلسة، فمثل هذا لا يجوز.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال إذا وجد المبرر فلا حد له، حتى ينتهي السبب.
(186/7)
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال إذا كان، الناس منازل، إذا وجدت المخالفة من كبير ما هي مثل المخالفة من شخص صغير، هذه تختلف باختلاف حال الإنسان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو على سبب ما يبعث عليه، إن احتجت جارك الذي عن يمينك وتتحدث معه، وترتب على ذلك أنك تنصرف، هذا ما له أثر، أو كان فيك ألم في ظهرك تحتاج إلى أن تلتفت أحياناً يمنياً وأحياناً شمالاً، هذا ما له أثر، الكلام على التدابر الذي ينبعث عن شيء في النفس.
قال -رحمه الله-: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إياكم والظن)) " إياكم والظن تحذير، احذروا الظن، والسبب في ذلك ((فإن الظن أكذب الحديث)) الظن له استعمالات يبدأ من كونه أكذب الحديث إلى كونه لا يغني من الحق شيئاً، إلى كونه مرادفاً للشك، إلى كونه الاحتمال الراجح إلى أن يصل إلى درجة العلم واليقين {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} [(46) سورة البقرة] فاستعماله في النصوص، وفي لغة العرب ليس على وتيرة واحدة، بل هو على حسب السياق الذي يقتضيه حسب ما يقتضيه السياق.
(186/8)
فهنا: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)) ما المراد بالحديث هنا؟ يعني ما يتحدث به أكذب الكلام؟ هذا ليس بكلام، هو ظن في النفس، فهو أكذب حديث النفس؛ لأنه يوجد في الحديث الذي يتحدث به ما هو أعظم من الظن، الله -جل وعلا- يقول: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [(12) سورة الحجرات] مفهومه أن البعض الثاني ليس بإثم، وهناك مما يتحدث به ما هو شر من مجرد ظن، هناك قطع، وهو أشد من الظن، إذا ظننت بأخيك أو غلب على ظنك أو شككت في أخيك في أمر من الأمور أسهل من كونك تجزم، وترتب الآثار على هذا الجزم، فكونه أكذب الحديث المراد به حديث النفس؛ لأنه ما يزال يتردد في النفس، الله -جل وعلا- يقول: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [(12) سورة الحجرات] لو قال قائل: إن بعض الظن ليس بإثم، يجوز وإلا ما يجوز؟ نعم؟ يُستفصل، إن كان يقصد ما أثبته الله -جل وعلا- البعض الذي أثبته الله وأنه إثم، قال: ليس بإثم، هذا تكذيب لله -جل وعلا-، الله -جل وعلا- يقول: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [(12) سورة الحجرات] وهو يقول: إن بعض الظن ليس بإثم، إن كان يريد ما أثبته الله -جل وعلا- هذه مصادمة وتكذيب لله -جل وعلا-، وإن قال: لا، أنا أريد .. ؛ لأنه قد يوجد الآن من يكتب كتابات موهمة ثم بعد ذلك قد يحكم عليه بالردة بسببها، إلا أنه إذا وجد الاحتمال يستفصل في مثل هذا، ما مرادك بالظن الذي أثبت أنه ليس بإثم؟ والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [(12) سورة الحجرات]؟، إن قال: أنا أريد البعض الذي لا يريده الله -جل وعلا-، بل البعض الذي يفهم مفهوم مخالفة مما ذكر، قلنا: كلامك صحيح، لكن إن قال: إن الله -جل وعلا- يقول: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [(12) سورة الحجرات] وأنا أقول: ليس بصحيح، إن بعض الظن ليس بإثم، ويريد ما أثبته، نقول: لا، أنت ترتد بهذا، مكذب لله -جل وعلا-، هذه ردة، فمثل هذا يحتاج إلى استفصال.
((فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا)) هما في هذا السياق مترادفان، معناهما واحد؛ لأنهما سيقا على جهة المنع.
(186/9)
أما في قول الله -جل وعلا- على لسان يعقوب {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ} [(87) سورة يوسف] التحسس هنا هو المنهي عنه هنا؟ لا، يختلف، التحسس وهو البحث والتحري هذا ما فيه إشكال، البحث والتحري لإرادة الخير، وأما التجسس وهو لإرادة الوقيعة والشر بالناس هذا لا يجوز بحال، والنبي -عليه الصلاة والسلام- نهى أن يخبر عن أصحابه، ليخرج إليهم سليم الصدر، الحديث في صحيح مسلم، نهى أن يخبره أحد عن أصحابه، يجي واحد يقول: والله فلان ترى فعل فلان كذا، لكن إذا فعل أحد ما يضر بالعامة فلا بد من الإخبار.
قال الصحابي في مواطن: لأخبرن بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهذا يختلف باختلاف المخبر عنه، فإن كان المخبر عنه قد ارتكب شيئاً لا يضر بالناس، مثل هذا ينصح ولا يخبر عنه، وإن كان ما يرتكبه مما ينفع الناس أو ينتفع به في آخرته فمثل هذا لا يجوز بحال أن يخبر عنه، وإن كان يتضرر به العامة فلا بد من الإخبار عنه، ينصح إن انتصح وارتدع وإلا يخبر عنه، فمثل هذه الأمور تحتاج إلى تفصيل، وكثيراً ما يسأل عن حكم العمل في هذا المجال، من اتخذه للوقيعة وللإضرار بالمسلمين لا يجوز بحال، ومن اتخذه للنصح لأئمة المسلمين وعامتهم هذا لا شك أنه عمل طيب، النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى أن يخبر عن أصحابه، لكن الصحابي قال: لأخبرن بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ما يتضرر به الناس لا بد من الإخبار، ولا بد قبل ذلك من بذل النصيحة لهذا الشخص الذي يراد الإخبار عنه، أما إذا كان مراده الإضرار بالمسلمين بعامة المسلمين لا بد أن يخبر عنه، وإلا فكيف يقضى على الشرور في مهدها إلا بهذه الطريقة؟! فلا بد من التفصيل في مثل هذا العمل، وبعض الناس يتخذه وسيلة للكسب من غير نظر للهدف، يأتِ ليعمل في هذا المجال ما همه إلا الراتب، نقول: يا أخي على حسب ما تزاوله من عمل، فإن كان قصدك الإضرار بالمسلمين لا سيما بخاصتهم، فعليك الإثم العظيم -نسأل الله السلامة والعافية-.
((ولا تجسسوا ولا تحسسوا، ولا تنافسوا)) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ابن عبد البر يقول في هذا الحديث واحد، يقول: ما بينهم فرق.
(186/10)
((ولا تنافسوا)) المنافسة المذمومة هي المنافسة في أمور الدنيا، ومعلوم أن المنافسة إذا وجد أطراف يتنافسون في أمور الدنيا لا شك أنهم يسترسلون في أمور الدنيا، ويغفلون عما خلقوا من أجله، لكن المنافسة في أمور الدين والعبادة مطلوبة، والمسارعة والمسابقة كلها مطلوبة، لكن في أمور الدنيا تمنع لما يترتب عليها؛ لأن الإنسان في وقت المنافسة يريد أن يحصل على أكبر قدر من صاحبه بأي وسيلة كانت، فتجده يستغل الوقت، وتجده يستغل الوسائل التي تكسبه هذا المتنافس عليه سواءً كان بحق أو بغير حق.
((ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا)) كله على تنافسوا، منافسة مفاعلة ومحاسدة، كل واحد يحسد الثاني، ولو حصل من طرف واحد دخل في المنع، وعرفنا أن الحسد هو تمني زوال النعمة عن الغير، وعرفنا أنه إذا كان هذا الغير يستعملها فيما لا يرضي الله، ويؤذي الناس، ويفسد على الناس أديانهم فإن مثل هذا لا مانع من تمني زوال النعمة عنه.
((ولا تحاسدوا)) أما الغبطة تمني مثل مال الغير هذه لا تدخل في هذا النهي ((لا حسد إلا في اثنتين)).
((ولا تباغضوا)) هذا تقدم، ((ولا تدابروا)) كذلك، ((وكونوا عباد الله إخواناً)).
قال -رحمه الله-: "وحدثني عن مالك عن عطاء بن أبي مسلم عبد الله الخراساني" هكذا أورده الإمام مرسلاً، وإن شئت فقل: معضلاً كما قاله المنذري "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تصافحوا يذهب الغل)) ".
((تصافحوا)) المراد كل واحد يفضي إلى أخيه بصفحة يده، يعني بطون الأصابع مع الراحة على الطريقة المأثورة، فالمصافحة وسيلة إلى إذهاب الغل من القلوب، والحقد، والحديث هنا معضل، مرسل، وهو يتصل من وجوه عند ابن عدي، والأصبهاني في الترغيب، وأما قوله: ((تهادوا تحابوا)) فهذا في الأدب المفرد عند الإمام البخاري بسند حسن، والحديث بكامله من حديث أبي هريرة عند ابن عساكر، أيضاً سنده لا بأس به، فبمجموعه وما يشهد له يصل إلى درجة الحسن لغيره.
((تصافحوا يذهب الغل)) المصافحة معروفة، وهناك استعمالات كثيرة للمصافحة، في بعض البلدان تختلف عن بعض، لكن مع ذلك هي الأمر المتوارث من القدم هي الإفضاء بصفحة اليد، يعني داخل اليد إلى صفحة يد أخيه.
(186/11)
((يذهب)) فعل مضارع مجزوم جواب الطلب، أو بشرط مقدر إن تتصافحوا يذهبِ، وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين، وإلا فهو مجزوم، الغل، فاعل، والغل والحقد والضغينة بمعنىً واحد.
((وتهادوا تحابوا)) من الهدية ولا شك أن الهدية تسل السخيمة، وتذهب ما في النفس؛ لأنها ضرب من الإحسان، والنتيجة المودة والمحبة.
((وتذهب الشحناء)) والمراد بها العداوة والبغضاء، والأحقاد والضغائن، إذا وجدت الهدية، فالإحسان إلى الإنسان يملك به.
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ ... لطالما استعبد الإنسان إحسانُ
من هي له القصيدة هذه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ليست لأبي البقاء لا، لصالح بن عبد القدوس.
طالب:. . . . . . . . .
إي نعم، عند ابن عدي، وأيضاً عند أبي يعلى، وعند البخاري في الأدب المفرد، بأسانيد متصلة وحسنة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا معضل هذا، حديث الباب معضل، لكنه من وجوه كثيرة متصل.
قال: "وحدثني عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس)) " وفي الحديث الآخر: ((ترفع الأعمال)) وفي الحديث الثالث: ((تعرض الأعمال على الله يوم الاثنين والخميس)) ولذا جاء الحث على صوم هذين اليومين؛ لأنهما يومان ترفع فيهما الأعمال، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)) وإن كان ما جاء في الاثنين أقوى مما جاء في الخميس؛ لأن له أكثر من علة، وأكثر من سبب.
((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئاً)) والشرك هنا يتناول الأكبر والأصغر؛ لأن (شيئاً) نكرة في سياق النفي تعم، أي شيء يسمى شرك، فيدخل في هذا الأكبر والأصغر، كما قال بعضهم في قول الله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] فالشرك ليس بقابل للغفران كبيره وصغيره عند جمع من أهل العلم، إلا أن الصغير لا يقتضي التخليد بخلاف الكبير، ومنهم من يقول: إن الصغير تحت المشيئة كالكبائر.
(186/12)
((فيغفر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء)) وبين أخيه، فضلاً عن أن تكون بينه وبين أبيه، أو أمه، أو جده أو جدته، فإذا وجدت هذه الشحناء وهي العداوة ((فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا)) فالأمر ليس بالسهل كون الناس يغفر لهم إلا هذا القاطع، هذا الأمر ليس بالهين أن الإنسان ديدنه سؤال الله المغفرة إن لم يغفر له عطب ((فيقال: أنظروا)) يعني أخروا وأجلوا أمر هذين حتى يصطلحا، حتى يتفقا، ويزول ما في أنفسهما.
((أنظروا هذين حتى يصطلحا)) تأكيد لفظي للاهتمام به والعناية بشأنه.
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أنه قال: "تعرض أعمال الناس كل جمعة مرتين" يعني كل أسبوع، يعني تعرض يوم الجمعة مرتين؟ لا، الأسبوع يقال له: جمعة، كما أنه يقال له: سبت، ما رأينا الشمس سبتاً، يعني أسبوع من الجمعة إلى الجمعة.
"تعرض أعمال الناس كل جمعة مرتين، يوم الاثنين ويوم الخميس" هذا يوضح المراد، وأن المراد بذلك في الأسبوع كالحديث السابق.
"فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبداً كانت بينه وبين أخيه شحناء" من كان بينه وبين أخيه شحناء وترتب عليها القطعية هل يقال له: مؤمن وإلا مسلم؟ هاه؟ يعني عنده أصل الإيمان، عنده مطلق الإيمان لا الإيمان المطلق، وعلى كل حال الذي يفرق بين الإيمان والإسلام، ويقول: إن الإيمان لا يستحقه مثل هذا الذي ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب يعني مطلقه، يقول: إن الاستثناء متصل وإلا منقطع؟ منقطع؛ لأن هذا مسلم، واستثناؤه من الإيمان استثناء من الغير عند من يقول بالمغايرة، وإذا قلنا: إنه مؤمن عنده أصل الإيمان، وعنده مطلق الإيمان، لا الإيمان المطلق قلنا: الاستثناء متصل.
"إلا عبداً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا هذين حتى يفيئا" حتى يرجعا، حتى يصطلحا كما في الحديث السابق "أو اركوا" يعني أخروا "هذين حتى يفيئا" يعني يرجعا، والفيئة هي الرجوع.
سم.
طالب:. . . . . . . . .
ليكون صائماً.
طالب:. . . . . . . . .
ويش المانع؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في بأس -إن شاء الله-.
طالب:. . . . . . . . .
(186/13)
لا، لا بعض الناس ما يصوم إلا الاثنين فقط من كل أسبوع، ولا تجتمع له هذه الأعمال إلا يوم الاثنين، أو الخميس؛ لأنه موظف مثلاً يشق عليه الصيام أثناء الدوام، والجمعة لا يجوز إفرادها فيصوم الخميس، ويش المانع؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، القصد أعظم أجراً؛ لأنه يتم فيه اجتماع هذه الأعمال مع الامتثال.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا.
طالب: في درجات دون الهجر، يعني سمعت أحد طلبة العلم يعبر بهذا التعبير، تقول له يعني: بينك وبين فلان شيء، يقول: المسلم ما يغل قلبه على أخيه المسلم، لكن اللي بيني وبينه الوحشة، إنا نسلم بعضنا على بعض لكن الانبساط في الحديث وكذا ما هو موجود.
هو ما يلزم المسلم أن يعامل الناس على درجة واحدة، ما يلزم أن يعامل زيد وعمرو وعبيد على درجة واحدة، يتفاوتون في معاملاتهم على حسب تفاوتهم منه قرباً وبعداً، واتفاقاً واختلافاً، لكن الكلام على النفوس لا تكون فيها شيء من هذا، نعم.
سم.
أحسن الله إليك.
كتاب اللباس:
باب ما جاء في لبس الثياب للجمال بها:
(186/14)
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنه- أنه قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة بني أنمار، قال جابر: فبينا أنا نازل تحت شجرة إذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله هلم إلى الظل، قال: فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقمت إلى غرارة لنا، فالتمست فيها شيئاً، فوجدت فيها جرو قثاء فكسرته، ثم قربته إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((من أين لكم هذا؟ )) قال: فقلت: خرجنا به يا رسول الله من المدينة، قال جابر: وعندنا صاحب لنا نجهزه يذهب يرعى ظهرنا، قال: فجهزته، ثم أدبر يذهب في الظهر وعليه بردان له قد خلقا، قال: فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أما له ثوبان غير هذين؟ )) فقلت: بلى يا رسول الله، له ثوبان في العيبة كسوته إياهما، قال: ((فادعه فمره فليلبسهما)) قال: فدعوته فلبسهما، ثم ولى يذهب قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما له يلبس الخلقين ضرب الله عنقه، أليس هذا خيراً له؟ )) قال: فسمعه الرجل فقال: يا رسول الله في سبيل الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((في سبيل الله)) قال: فقتل الرجل في سبيل الله.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "إني لأحب أن أنظر إلى القارئ أبيض الثياب".
وحدثني عن مالك عن أيوب بن أبي تيم ...
تميمة.
عن أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين، قال: قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم، جمع رجل عليه ثيابه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب اللباس:
(186/15)
اللباس يراد به ما يواري البدن، وتستر به العورة، هذه حقيقته، وإن أطلق على غيره كالزوج والزوجة {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [(187) سورة البقرة] هذا الاستعمال على خلاف الأصل، بعضهم يقول: مجاز، على كل حال هو استعمال غير أصلي؛ لأن الاستعمال الأصلي للثياب التي تواري البدن، وستر العورات مطلب شرعي، توافقه الفطر السليمة بخلاف الفطر المنحرفة التي اجتالتها الشياطين، وكان من أهداف إبليس الأولى أن ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما، وما زال يصنع هذا ويسول للناس من تلك الأيام إلى قيام الساعة، فنزع اللباس الذي لا يجوز نزعه إنما هو استجابة لرغبة إبليس وأتباعه من أهل النفاق؛ لأن الله -جل وعلا- قال في أواخر سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا* لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} [(59 - 60) سورة الأحزاب] يعني في مخالفة مثل هذا الأمر، الله -جل وعلا- يأمر بالستر، وإبليس وأتباعه من المنافقين يدعون إلى الكشف، ينزع عنهما لباسهما، وعلى كل حال الرائحة تشم من خلال الأسطر في كتابات بعض الكتاب، ومن خلال الجمل والكلمات، من خلال بعض المقالات، والحق بين وواضح، ولا يعني هذا أن من أداه اجتهاده وهو من أهل النصح، ومن أهل العلم الحقيقي، ومن أهل الاجتهاد إلى اجتهاد في مسألة من المسائل أن يلحق بأمثال هؤلاء الذين لا علاقة لهم بعلم ولا خلق ولا دين، أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، يعني إذا قيل: إن هناك من يدعو إلى كشف الوجه، وكشف ما يزيد على الوجه، ووصفنا هذا بالنفاق وهو ظاهر من خلال النصوص، ومن خلال المقاصد التي لا تكنها النيات، بل أفصحت عنها الألسنة، لا يعني بهذا أننا نرمي من اجتهد، ورأى أن كشف الوجه -وهو من أهل الاجتهاد- أنه لا بأس به، نقول: اجتهد، وهو مثاب على اجتهاده، ومأجور عليه وإن أخطأ، لكن إذا كان أهلاً للاجتهاد، وحاديه إلى ذلك النصح لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، أما إذا كان هدفه وغرضه الإفساد
(186/16)
وليس له في الاجتهاد في الشرع في العلم في الدين أي نصيب، مثل هذا يليق أن يوصف بما وصفه الله به -جل وعلا-.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هذه مسألة شرعية، أبداً أبداً، قصد ما يدين الله به من خلال النظر في النصوص.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما هو يسهل على الناس، العكس، لا، لا، هو يقصد أن الأدلة دلته على هذا، لا أكثر ولا أقل، وهو من أهل الاجتهاد، نقول: هو مأجور على كل حال وإن أخطأ.
باب ما جاء في لبس الثياب للجمال:
نعم كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يتجمل أي في الأعياد والجمع وللوفود، ينبغي أن يقتدى به، وقال الله -جل وعلا-: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [(31) سورة الأعراف] يعني عند كل صلاة، من المؤسف أن ترى بعض الناس حتى من كبار السن، وبعض من عليه على ما يقول العامة: الشرهة، يعني ليس بأهل لمثل هذا التبذل، إذا جاء إلى الصلاة لا سيما لصلاة الفجر يأتي بقميص النوم، وإذا خرج إلى الدوام اعتنى بمظهره هذه مخالفة لقوله: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [(31) سورة الأعراف] ولا شك أن التهيؤ للقاء الله -جل وعلا- دليل على تعظيمه وتعظيم شرعه ودينه، بخلاف من لا يهتم بذلك ولا يرفع به بأساً.
باب ما جاء في لبس الثياب للجمال بها:
"وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة بني أنمار" وهي المعروفة بغزوة غطفان، وكانت في السنة الثالثة بعد الهجرة.
"قال جابر: فبينا أنا نازل تحت شجرة إذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: يا رسول الله هلم إلى الظل" تعال إلى الظل "بينا أنا نازل تحت شجرة" يعني سبق إليها، ونزل تحتها "فقلت: يا رسول الله هلم إلى الظل" يعني تعال إلى الظل، ليؤثره في مجلسه.
"قال: فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقمت إلى غرارة لنا" الغرارة ما زالت مستعملة عند البادية بهذا الاسم، وهي: ما يحفظ به الأمتعة.
(186/17)
"فالتمست فيها شيئاً فوجدت فيها جرو قثاء" صغير من صغار القثاء والخيار، الصغير يقال له: جرو، كما يقال لصغار الكلاب: جرو، جرو كلب، وهكذا، وأيضاً يقال لصغار الشمام يقال له: جرو، وإن كان عاد توسعوا في استعماله فصاروا يطلقونه على الكبير والصغير.
"فوجدت فيها جرو قثاء، فكسرته ثم قربته إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((من أين لكم هذا؟ )) " يعني يتثبت، لا يكون مر ببستان لغيره فأخذه، وإن جاز له أن يأكل ما لم يتخذ خبنة، فلا يأخذ، ما دام وصل به إلى هذا المكان يحتمل أن يكون أخذه فالتثبت مطلوب، لا سيما فيما يدخل الجوف، ويدخل البطن، التخلص منه صعب.
" ((من أين لكم هذا؟ )) قال: فقلت: خرجنا به يا رسول الله من المدينة"
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا من شعر، المستعمل الآن من شعر، أحياناً يجعلون في أطراف محمل العدل المزودة معروفة وإلا ما هي بتحمل بعرى؟ يجعلون في أطرافها تمر، ويخيطون عليه، وقد يمكث في مكانه الأوقات الطويلة، بحيث إذا احتاجوا إليه وجدوه، وإلا فهو بمثابة ما يجعل ويخاط عليه من أجل أن يكون له شيء يمكن أن يمسك به، وحدثونا، يعني ناس عاصرناهم وأدركناهم، ومنهم ناس موجودين الآن، أنهم قد يحتاجون إلى مثل هذا بعد سنين فيأكلونه، وحدثنا من عدل عن الطريق كيلوات كثيرة إلى منزل نزلوا به في العام الماضي علهم أن يجدوا فيه شيء قد سقط منهم، رجاء أن يجدوا شيئاً قد سقط منهم، والله المستعان، والذي غير الحال من الضيق إلى السعة سنته الإلهية إذا لم تشكر هذه النعم أن تغير إلى الضيق، السنن لا تتغير ولا تتبدل، والذين سافروا إلى الأمصار من أهل هذه البلاد رأوا العجب العجاب مما عندهم من الخيرات، ثم غيرت بالنسبة لهم وغيرت حالنا إلى ما ترون، فالإنسان إذا سمع مثل هذه الأمور يضع يده على قلبه، يخشى من التغيير {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [(11) سورة الرعد] ونحن نرى الخدم يأتون إلينا من الأمصار والآفاق البعيدة، وكان أجدادنا يذهبون لخدمتهم، فعلى الإنسان أن يراجع نفسه، والله المستعان.
(186/18)
"قال: فقلت: خرجنا به يا رسول الله من المدينة، قال جابر: وعندنا صاحب لنا نجهزه يذهب يرعى ظهرنا" الظهر نعم الدواب، الدواب التي تركب، وجاء فيها: ((من كان له فضل ظهر فليجد به على من لا ظهر له)) والإنسان وهو راكب سيارته بمفرده، أو معه نفر يسير، ويجد إنسان منقطع في الطريق يجد بهذا المكان الزائد لمثل هذا، لكن الذي يجعل الناس يترددون في مثل هذه الأمور وجود بعض الوقائع الذي يسيء فيها بعض الناس إلى بعض، وجد وقائع حصل فيها نصب، وفيها احتيال، وفيها اعتداء، لكن الأصل في المسلم أنه على ظاهره ما لم يغلب على الظن، أو تقوم قرينة أنه مفسد.
"قال: فجهزته ثم أدبر يذهب في الظهر وعليه بردان له قد خلقا" يعني قد بليا من طول ما لبسا.
"قال: فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليه فقال: ((أما له ثوبان غير هذين؟ )) " يعني أفضل وأحسن من هذين الثوبين الخلقين "فقلت: بلى يا رسول الله له ثوبان في العيبة" العيبة هي الوعاء الذي يحفظ به المتاع، لا سيما الثياب، فالعيبة شيء يحفظ به المتاع، ورحلة ابن رُشيد اسمها: "ملئ العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى مكة وطيبة" هذه رحلة من أنفع الرحلات على الإطلاق، إن لم تكن هي الأنفع على الإطلاق لابن رشيد في خمسة مجلدات كلها فوائد علمية، ونكات وطرائف ومطارحات بين أهل العلم الذين لقيهم في بلاد الحرمين، وفيها تحريرات وتحقيقات في علوم الحديث لا توجد في غيرها.
طالب:. . . . . . . . .
طبع منه ثلاثة، أعرف الأول والثالث والخامس.
طالب: في أي دار؟
ما أدري والله بأي دار؟ لكن أول طبع في تونس المجلد الثالث، ثم طبع في دار الغرب مجلد، مفرق يعني.
طالب: ملئ العيبة.
"ملئ العيبة بما جمع بطول الغيبة" ووعاء الطيب يقال له: جؤنة، وهذه من غرائب المفارقات فيه جؤنة العطار كتاب اسمه: "جؤنة العطار" اللي هو وعاء الطيب، والعيبة وعاء الأثاث والمتاع، وجؤنة العطار أسوأ كتاب، من أسوأ الكتب هذا الكتاب، وذاك من أفضل الكتب وهذا من أسوأ الكتب، هذا تذكرة يعني في ثلاث مجلدات أو أربعة، جمع فيه من الكلام الذي يهدم به عقيدة أهل السنة والجماعة، نسأل الله العافية.
طالب: لمن الأول والآخر؟
(186/19)
هذاك لابن رشيد معروف، رحلة ابن رشيد مشهورة، وهذا للغماري نسأل الله العافية.
"فقلت: بلى يا رسول الله له ثوبان في العيبة كسوته إياهما" لكنه ادخرهما، الرعاية يكفيها الثياب الخلقة، لكن أيام المناسبات تحتاج إلى ثياب أنظف وأحسن وأجود "كسوته إياهما، قال: ((فادعه فمره فليلبسهما)) قال: فدعوته فلبسهما ثم ولى يذهب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما له ضرب الله عنقه)) " يعني هذا دعاء لكنه غير مقصود، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأم المؤمنين: ((عقرى حلقى)) ((تربت يداه)) هناك أدعية غير مقصودة.
((ما له ضرب الله عنقه، أليس هذا خيراً له؟ )) لكنه ما جبلت عليه النفس من المحافظة على الثمين، وعدم المبالاة والاهتمام بدونه.
" ((أليس هذا خيراً له؟ )) قال: فسمعه الرجل فقال: يا رسول الله في سبيل الله" يعني خروجي هذا في سبيل الله مثل .. ، أنا أرعى الظهر، لكن هل أنا خرجت في سبيل الله؟ أجير هو، يرعى الظهر، فهل خروجي هذا في سبيل الله كإخواني، أو أنا لي مجرد الأجرة ولست في سبيل الله؟ "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((في سبيل الله)) قال: فقتل الرجل في سبيل الله".
طالب:. . . . . . . . .
على الإنسان أن يعتني بنفسه بحيث لا يزدرى، المسلم يتوسط في أموره كلها، وما دام يستطيع فلا يجعل نفسه في موضع الازدراء من قبل الآخرين، يكون مضحكة للناس، يلبس ثوب خلق وعنده نظيف، أو يلبس ثوب مرقع، وعنده ثوب مستقيم، ولا فيه إشكال، أو ثوب فيه شقوق وخروق وفتوق، مثل هذا لا يليق بالسلم أن يزدرى، والناس ما يتركونه، أقول: مثل هذا في جميع متاع الدنيا، يعني لا يكون الإنسان يدفعه ورعه وتحريه وزهده أن يسكن الخرب التي يخشى عليه وعلى ذريته منها، ولا أيضاً يبالغ في عمارة القصور الشاهقة التي لا يؤجر عليها.
طالب: يكون ما سمعه الرجل يقول: ((ضرب الله عنقه)) فقال؟
إيه هذا يعني قرينة وإلا فالأصل أنها لا يراد بها الدعاء، وإن كانت ضرب الله عنقه في سبيل الله صار للشهادة.
(186/20)
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال: "إني لأحب أن أنظر إلى القارئ أبيض الثياب" أنظر إلى القارئ يعني طالب العلم أو قارئ القرآن يعني ينبغي أن يظهر بمظهر لائق، بمظهر مناسب، والبياض أفضل الثياب ((البسوا من ثيابكم البياض، وكفنوا فيها موتاكم)) وجاء في حديث: ((فإنها أطيب وأطهر)) فالبياض أفضل من غيره؛ لأنه إذا وقع عليه شيء مما يخدشه بان بخلاف الثياب الأخرى.
"وحدثني عن مالك عن أيوب بن أبي تميمة" السختياني بفتح السين، وإن كنا نسمع حتى من الكبار أنهم يكسرونها "عن ابن سيرين" محمد "قال: قال عمر بن الخطاب: "إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم".
"إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم" نعم إن الله -جل وعلا- يحب أن يرى أثر النعمة، فإذا وسع على الإنسان يوسع على نفسه، ويوسع على من تحت يده، ولا يضيق على نفسه ولا على من ولاه الله إياهم.
"فأوسعوا على أنفسكم، جمع رجل عليه ثيابه" هذا خبر لكن يراد به الأمر، يعني ليجمع عليه ثيابه، ويلبس من الثياب ما يناسبه ويليق به، من الثياب المتنوعة من القمص والسراويل والقباء، وما أشبه ذلك، والألبسة عرفية، يعني يلبس في كل زمان أو مكان ما يناسب، وما تعورف عليه في هذا الزمان، وما تعورف عليه في هذا المكان.
طالب:. . . . . . . . .
هذا يخرج عنه الإطلاق في كونها عرفية، يخرج عنه ما جاء النهي عنه في الشرع، فالمنهي عنه لا يدخل، ولو تعارف الناس عليه كالإسبال مثلاً، أو ما فيه مشابهة للكفار، أو ما أشبه ذلك.
اللهم صل على محمد ...
(186/21)
شرح: الموطأ - كتاب اللباس
باب ما جاء في لبس الثياب المصبغة والذهب - باب ما جاء في لبس الخز - باب ما يكره للنساء لبسه من الثياب - باب ما جاء في إسبال الرجل ثوبه - باب ما جاء في إسبال المرأة ثوبِها - باب ما جاء في الانتعال - باب ما جاء في لبس الثياب.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والسامعين يا حي يا قيوم.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في لبس الثياب المصبغة والذهب:
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يلبس الثوب المصبوغ بالمشق، والمصبوغ بالزعفران.
قال يحيى: وسمعت مالكاً يقول: وأنا أكره أن يلبس الغلمان شيئاً من الذهب؛ لأنه بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن تختم الذهب، فأنا أكرهه للرجال الكبير منهم والصغير.
قال يحيى: وسمعت مالكاً يقول في الملاحف المعصفرة في البيوت للرجال وفي الأفنية قال: لا أعلم من ذلك شيئاً حراماً، وغير ذلك من اللباس أحب إلي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في لبس الثياب المصبغة -أو المصبوغة- والذهب:
الثياب المصبغة إن كانت مصبوغة بالحمرة الخالصة فهذا جاء منعها بالنسبة للرجال والتشديد في أمرها، وجاء النهي عن لبس المزعفر والمعصفر، وجاء أن عبد الرحمن بن عوف تزوج فجاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي ثوبه ردع أو ردغ من زعفران، وحمله أهل العلم على أنه علق بثوبه من ثوب امرأته وإلا فالنهي ثابت، وأهل العلم يطلقون الكراهة في مثل هذا، والأصل في النهي التحريم.
(187/1)
بعض الصحابة لبس شيئاً من هذا كما سمعنا في عبد الرحمن بن عوف، لكنه أجيب عنه بما ذكر، لكن الإمام مالكاً -رحمه الله تعالى- أسند عن ابن عمر كما في الخبر الأول، قال: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يلبس الثوب المصبوغ بالمشق".
قالوا: المشق المغرة، والمغرة البياض المشرب بحمرة، بياض مشرب بحمرة، والعامة ما زالوا يسمون اللبن المختلط بشيء من الدم يسمونه إيش؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . لا يمكن أنه ما أدركه من الأدنى، إيه، يسمونه اللبن المختلط بالدم إيش يسمونه العامة؟ ما زال، نعم؟
طالب: مغير.
إيه يسمونه مغير أو مغر، أو شيء من هذا إيه، ما زال العامة يسمونه بهذا الاسم، فهو بياض مخلوط بحمرة، لكنه ليس بخالص، وأما الثوب الأحمر الخالص فجاء التشديد فيه بالنسبة للرجال، والنبي -عليه الصلاة والسلام- جاء أنه لبس الحلة الحمراء، لكن ابن القيم -رحمه الله تعالى- قال: إنها حلة ليست حمراء خالصة وإنما فيها الخطوط المغايرة للونها، والأحمر الخالص النهي عنه ثابت، لكن إن خالطه لون آخر انتفى المحظور كالشماغ مثلاً فيه بياض، لكن لو كان أحمر خالص لمنع منه.
"والمصبوغ بالزعفران" وهذا أيضاً جاء النهي عنه، فلعله لم يكن خالصاً، أو أن النهي لم يبلغ ابن عمر -رضي الله عنهما-.
"قال يحيى: وسمعت مالكاً يقول: وأنا أكره أن يلبس الغلمان شيئاً من الذهب" وإن كانوا غير مكلفين، إلا أن ما يمنع منه المكلف يمنع منه غير المكلف ((الحرير والذهب حرام على ذكور أمتي)) يدخل فيه الكبار والصغار، والنهي في مثل هذه الحالة إنما يتجه على أولياء أمورهم، والكراهية هنا يريد بها الإمام مالك -رحمه الله تعالى- التحريم "أكره أن يلبس الغلمان شيئاً من الذهب" وهذا مفاده عند المتقدمين، وفي كثير من النصوص جاءت بإزاء التحريم، والعلماء يقسمون الكراهة إلى كراهية تحريم وكراهية تنزيه، لكن جل استعمال المتقدمين لها محمول على كراهية التحريم، بدليل "فأنا أكرهه للرجال الكبير منهم والصغير" ولا يقال: إن الإمام مالك أنه يكره الذهب كراهية تنزيه بالنسبة للرجال، لا يمكن أن يظن به هذا.
(187/2)
لأنه بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن تختم الذهب، وذكر أنه حرام على ذكور أمته فيشمل الكبار والصغار.
الحنفية لهم رأي في المسألة وأن الصغير غير مكلف، فلا يطالب بما يطالب به المكلف، يطردون هذا في جميع الأبواب، يلبس الحرير، ويلبس الذهب، قول ووجه عند الشافعية، ولا زكاة في ماله؛ لأنه غير مكلف، لكن أكثر أهل العلم على أن هذا من باب ربط الأسباب المسببات، والنهي في مثل هذا، والأمر بالنسبة للزكاة إنما يتجه إلى ولي أمره في المال كما هو معلوم.
قال: "فأنا أكرهه للرجال الكبير منهم والصغير" هذا يدل على أنه يرى أنه محرم على الذكور كباراً كانوا أو صغاراً.
"قال يحيى" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش هي؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، الذهب ما يعفى عنه.
طالب:. . . . . . . . .
الذهب ما يعفى عنه، ما دام يستقل منه إذا عرض على النار يستقل منه شيء لا، ما دام يقال: هذا لابس للذهب لا.
طالب:. . . . . . . . .
حلية السيف والمنطقة، وما أشبه ذلك الفقهاء ينصون على أن مثل هذا يتجاوز عنه، لكن البعد عنه ما دام النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((حرام على ذكور أمتي)) منهم من يخص ذلك بالأكل والشرب، لكن لا وجه له.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال ما دام النص المحكم ((حرام على ذكور أمتي)) مثل هذا لا معارض له.
"قال يحيى: وسمعت مالكاً يقول في الملاحف المعصفرة في البيوت للرجال وفي الأفنية، قال: لا أعلم من ذلك شيئاً حراماً، وغير ذلك من اللباس أحب إلي" لأنه جاء النهي عن لبس المعصفر والمزعفر والأحمر، يقول: "في البيوت" تستعمل ثوب بذلة للمهنة في البيت، وفي فنائه قريباً منه، يعني مثل القمص التي يلبسها الناس، ويتساهلون في أمرها، لكنهم إذا أرادوا أن يبتعدوا عن بيوتهم لبسوا ما يليق بهم، فالإمام مالك يرى أن مثل هذا اللباس الذي لا يواجه به الأجانب عنهم ممن يحترمهم هذا لا بأس به، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، الأحمر الأمر فيه أشد، الأحمر الخالص لا.
طالب:. . . . . . . . .
(187/3)
على كل حال على الذكور ما يصلح، الإمام مالك يرخص في المعصفرة في البيوت، وأفنية البيوت، يعني هذا كأنه يريد قميص البذلة الذي يوفر به ثوب التجمل، ومع الأسف أن بعض الناس يأتي إلى المسجد يصلي بها صلاة الصبح، وإذا أراد الذهاب إلى الدوام ذهب على أكمل حال، والله -جل وعلا- يقول: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [(31) سورة الأعراف] هذا تساهل وتسامح غير مرضي، الله أحق أن يستحيى منه من الناس.
طالب:. . . . . . . . .
هو إذا كان فيه لون آخر ما في إشكال، النبي -عليه الصلاة والسلام- لبس الحلة الحمراء.
طالب:. . . . . . . . .
ما ينفع خالص، ما يصلح، خالص، لو لبس شماغ أحمر ما فيه نقاط بيض قلنا: ما يجوز.
طالب:. . . . . . . . .
منهم من يلحقه بالعلة، يقول: هذا أشد في العلة، فخر وخيلاء وإسراف، ومنهم من يقول: التنصيص على الذهب والفضة وما عدا ذلك فلا.
أحسن الله إليك.
طالب: الحمرة للرجال والنساء؟
لا، النساء لا.
الآن لو دخلت إلى مساجد المسلمين وجدت الغالب أن الفرش حمر وفيها خطوط صفر، مواضع القدمين في الغالب أصفر، والفرشة حمراء، وكانت موجودة عندنا قبل هذه، وجاء كلام عمر -رضي الله عنه- لا تحمروا ولا تصفروا، يعني في المساجد، فينتبه لمثل هذا.
"لا أعلم من ذلك شيئاً حراماً، وغير ذلك من اللباس أحب إلي" وعلى كل حال ما دام ثبت النهي عن المعصفر وعن المزعفر فيتقى بقدر الإمكان.
طالب:. . . . . . . . .
التشبه لا، التشبه ممنوع.
طالب:. . . . . . . . .
ولو كان، ما دام تشبه ممنوع، ممنوع لذاته للتشبه، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في لبس الخز:
حدثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها كست عبد الله بن الزبير مطرف خز كانت عائشة تلبسه.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في لبس الخز:
(187/4)
الخز: يطلق ويراد به الحرير الخالص، وحينئذٍ يكون حراماً على الرجال، ويطلق ويراد به ما سداه حرير، ولحمته صوف، وهذا هو المحمول على ما جاء في إباحته، ما جاء في إباحته محمول على هذا، ليس بحرير خالص، سداه حرير، ولحمته صوف، بمعنى أن الحرير ينغمر في الصوف، فكأنه غير موجود، وجاء الترخيص فيه، وجاء المنع، والتحريم والتشديد في أمره، ونصوص التحريم محمولة على الخالص، ونصوص الإباحة محمولة على ما سمعتم.
((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير)) بعض الروايات: ((الخز والحرير)) وهذا من باب عطف العام على الخاص، والخز نوع من أنواع الحرير، فهو محرم بلا شك ((يستحلون)) يدل على أنها أمور محرمة كما عطف عليها.
وعلى كل حال مثل هذا محمول على الخالص، وما في حديث الباب محمول على المخلوط الذي نسبة الحرير فيه يسيرة.
"حدثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها كست ابن أختها عبد الله بن الزبير" وبه كانت تكنى، عائشة يقال لها: أم عبد الله "مطرف خز" المطرف ثوب له أعلام، وفيه خطوط "كانت عائشة تلبسه" كانت عائشة تلبسه فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ نعم؛ لأنه كان لباس امرأة، فكيف تكسوه هذا الصبي؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم ربما غيرت هيئته، أو ربما كانت تظنه ممنوعاً على الرجال، فكانت تلبس لأنه مما يلبسه النساء، ثم رأت أنه لما كان مخلوطاً فصار مما يباح للرجال والاجتهاد يتغير، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بعض الألبسة مشتركة، لكن هي كانت تظن هذا النوع ممنوعاً من الرجال، إنما هو خاص بالنساء فكانت تلبسه، ثم بعد ذلك اجتهدت في الأمر، ورأت أن المخلوط تنزل عليه نصوص الإباحة فكسته ابن أختها، نعم؟
طالب: الآن الحرير الصناعي. . . . . . . . .
إذا كانت طبيعته مثله، ومادته من جنسه نعم، وإلا فلا، التسمية ما تكفي، مجرد الاسم ما يكفي، لكن إذا كانت المادة واحدة فلا شك أنه يمنع، إذا كان المآل واحد، المادة واحدة يمنع، وإن كان مجرد اشتراك في الاسم فلا، كما يقال: الذهب الأسود، يعنون البترول، يقولون: الذهب الأسود، هل يكون فيه زكاة الذهب هذا أو فيه .. ؟ لا، نعم.
أحسن الله إليك.
(187/5)
باب ما يكره للنساء لبسه من الثياب:
وحدثني عن مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أنها قالت: دخلت حفصة بنت عبد الرحمن على عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلى حفصة خمار رقيق، فشقته عائشة وكستها خماراً كثيفاً.
وحدثني عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: "نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام".
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن شهاب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام من الليل فنظر في أفق السماء فقال: ((ماذا فتح الليلةُ ... ))
الليلةَ
أحسن الله إليك.
((ماذا فتح الليلةَ من الخزائن؟ وماذا وقع من الفتن؟ كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة؟ أيقظوا صواحب الحجر)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما يكره للنساء لبسه من الثياب:
والكراهة في اصطلاحه واصطلاح المتقدمين تطلق ويراد بها كراهة التحريم.
قال -رحمه الله-: "وحدثني عن مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أنها قالت: دخلت حفصة بنت عبد الرحمن" عبد الرحمن بن أبي بكر نعم، على عمتها "عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلى حفصة خمار رقيق" الخمار: ما يغطي الرأس والوجه "فشقته عائشة -رضي الله عنها-" لأن هذا لا يكفي، لا يكفي حجاباً للمرأة، ومن قارب المرأة، فالمرأة في عرفهم لا يقتصر على المكلفة، بل إذا بلغت المرأة تسعاً أو البنت تسعاً فهي امرأة، كما تقول عائشة -رضي الله عنها-، فبنت تسع فما فوق تلزم بما يلزم به النساء، والناس يتساهلون في مثل هذا، وإذا قيل لهم: قيل: غير مكلفة، لكن على ولي أمرها أن يلزمها؛ لأن التأثير بالنسبة للرجال، وافتتانهم بالنساء إنما هو في الغالب على السن وإلا على الجسم؟ على الجسم بلا شك، البنات بنات تسع وأحياناً ثمان، وأحياناً بنات سبع تفتن الرجال، فإذا كانت بهذه المثابة تلزم بما تلزم به المرأة.
(187/6)
على كل حال حفصة عليها خمار رقيق، فشقته عائشة؛ لئلا تعود إلى لبسه مرة ثانية، وكستها خماراً كثيفاً، يغطي شعرها وبشرتها؛ لئلا يفتتن بها الرجال، وإن كانت غير مكلفة، وعلى كل حال سواءً كانت مكلفة أو غير مكلفة ممن تلفت أنظار الرجال لا بد من حجبها عنهم.
قال: "وحدثني عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه قال: "نساء كاسيات عاريات" هكذا موقوف عند أكثر رواة الموطأ، لكنه موصول في بعض روايات الموطأ، وهو موصول أيضاً في صحيح مسلم، مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في مسلم.
قال: "نساء كاسيات عاريات" كاسيات من نعم الله -جل وعلا-، عاريات عن شكرها، أو كاسيات بالألبسة العرفية، لكنهن عاريات عن حقيقة الاكتساء الشرعي، بلبس الضيق أو الشفاف أو القصير أو ما أشبه ذلك، هذه وإن كانت تزعم أنها كاسية إلا أنها عارية حكماً.
"كاسيات عاريات، مائلات مميلات" مائلات إلى مثل هذه الأمور الفاتنة، مميلات إلى الرجال إليهن، أو مائلات عن الحق مميلات لغيرهن من بنات جنسهن إليه، ومنهم من يحمل ذلك على ما هو أعم من هذا، مما ذكر فيشمل إمالة كل شيء بالنسبة للمرأة.
وتجدون فيما يزاوله النساء سواءً كان في ثيابهن أو أبدانهن، أو أصباغهن أو شعورهن، ما فيه ميل إلى جهة من الجهات، أكثر من الجهات الأخرى، ولا شك أن هذا من أعلام النبوة، تجدون القصة مائلة، والشعر التسريحة مائلة، كل شيء فيه ميل، والله المستعان.
"لا يدخلن الجنة" من أجل هذا التبرج الذي نهيت عنه المرأة المسلم، {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [(33) سورة الأحزاب] ومر علينا في درس التفسير أن من تبرج الجاهلية الأولى شق القميص من الجانبين، وانظر ترى في نساء المسلمين اليوم، بما في ذلك من فيهن شيء من الصلاح، أو من نساء بعض الصالحين، تجد الشق من الجانبين أحياناً إلى منتصف الساق، وأحياناً يصل إلى الركبة، وقد يزيد على ذلك لا سيما في مجتمعات النساء ((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة)) هذا تبرج الجاهلية الأولى، وهذا ضرب منه.
(187/7)
ثم بعد ذلك: "ولا يجدن ريحها، وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة سنة" هذا نص من نصوص الوعيد -نسأل الله العافية- وإمراره كما جاء لا شك أنه أبلغ في الزجر عن مثل هذه الأعمال، والنساء يتساهلن في مثل هذا، المرأة تركب السيارة في الشارع، وتنزل من السيارة ويبدو منها ما لا يجوز إظهاره لغير الزوج، والله المستعان.
طالب: أفضل تفسير كاسيات عاريات؟
ويش هو؟
طالب: أقول أصح تفسير؟
اللي يظهر أنه في اللباس، في اللباس يعني كاسيات على حد زعمهن، وعلى حد عرفهن، لكنها في الحقيقة عارية.
طالب: ما يدخل في مائلات مميلات. . . . . . . . .
على كل حال كل ما يحتمل اللفظ يدخل، ولبس الأحذية المرتفعة والخف المرتفع، أو النعل المرتفع هذا جاء في صحيح مسلم أنه من .. ، سببه بغي من بغايا بني إسرائيل، كانت تمشي مع واحدة أطول منها، فالرجال ينظرون إلى الطويلة، ولا ينظرون إلى القصيرة، فتلتفت أنظارهم بلبس هذا الخف أو هذا النعل المرتفع.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال إذا ثبت أن هذا هو تبرج الجاهلية الأولى ولو في البيت.
طالب:. . . . . . . . .
ما يبين الأحجام، يعني إذا ظهر شيء من جسمها هذا ضيق.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن شهاب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام من الليل" وهو موصول في الصحيح في البخاري وغيره "قام من الليل فنظر في أفق السماء: ((ماذا فتح الليلةَ من الخزائن)) " من خزائن من بركات السماء لمن يستغل مثل هذا الوقت، وقت النزول الإلهي فيما يرضي الله -جل وعلا-.
((وماذا وقع من الفتن؟ )) يعني من عرض نفسه لها، ثم قال: ((كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)) كاسية في الدنيا لكنها عارية يوم القيامة، كم من شخص يبدو له يوم القيامة ما لم يكن يحتسب، هذه تزعم أنها كاسية، وهي في الحقيقة عارية، وهذا يزعم أنه عالم، وهو في الحقيقة جاهل، وهذا يزعم أنه عابد، وهو في الحقيقة ضال -نسأل الله العافية- وهكذا {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [(47) سورة الزمر] يظهر لهم يوم القيامة، يظن أن هذا العمل في ميزان حسناته فإذا هو في ميزان سيئاته –نسأل الله العافية-.
(187/8)
((أيقظوا صواحب الحجر)) من أجل الذكر والصلاة والدعاء بما يدفع هذه الفتن، والمراد نساء النبي -عليه الصلاة والسلام- في حجراته، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في إسبال الرجل ثوبه:
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الذي يجر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة)).
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ينظر الله -تبارك وتعالى- يوم القيامة إلى من يجر إزاره بطراً)).
وحدثني عن مالك عن نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم كلهم يخبره عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ينظر الله يوم القيامة إلى من يجر ثوبه خيلاء)).
وحدثني عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه أنه قال: سألت أبا سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- عن الإزار فقال: أنا أخبرك بعلم سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، ما أسفل من ذلك ففي النار، لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطراً)).
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يبي يجي، باب الإزار والإسبال في إيش؟
طالب: الذهب.
الذهب ما فيه إلا النساء حل لإناثها على سبيل التحلي، لكن لا يجوز لها أن تتخذ إناء من الذهب، أو أي شيء من الذهب ما لم يكن حلية.
طالب:. . . . . . . . .
إلا جاء النهي عنه، الجلوس لبس، الجلوس نوع من اللبس، كما قال أنس: فعمدت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبس، فهو داخل في اللبس.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في إسبال الرجل ثوبه:
(187/9)
قال: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الذي يجر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة)) " هذه العقوبة العظيمة الشديدة هي ما إذا اقترن بالخيلاء ((الذي يجر ثوبه خيلاء)) لكن إذا تخلف القيد اختلف الحكم، فإذا استصحب الخيلاء والبطر فإن الله -جل وعلا- لا ينظر إليه يوم القيامة.
الحديث الذي يليه:
"حدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ينظر الله -تبارك وتعالى- يوم القيامة إلى من يجر إزاره بطراً)) ".
وشهد النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي بكر أنه لم يكن يفعل ذلك خيلاء ولا بطراً ولا شيء مما يتعلق بالترفع عن الناس في قلبه، برأه النبي -عليه الصلاة والسلام- فمن الذي يبرئ غيره.
طالب: لكن أبا بكر هل كان مسبلاً يا شيخ؟
يسترخي إزاره.
طالب: يسترخي لكن هو الأصل فيه ...
على كل حال هو سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((أنت لست ممن يفعله خيلاء ولا بطراً)) فأبو بكر شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قد يحتج بعض الناس، يقول: أنا يسترخي إزاري ومع ذلك لا أفعله خيلاء ولا كبر، لكن ننظر في حقيقة الإزار، يعني ما تفصيله؟ هل هو تحت الكعب أو فوقه، ثم بعد ذلك نظراً لكونه نضو الخلقة ينزل؟ يعني ما يستمسك على الحقو ثم ينزل، نقول .. ، نعرف أن هذا ما فعله خيلاء، وإن كنا لا نجزم بذلك كما نجزم به لأبي بكر؛ لأنه شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام-.
وأما من عداه يبقى على المنع، وكون الإنسان يدعي ذلك لنفسه فهو تزكية للنفس لا تقبل، لا تقبل منه، والناس ليس لهم إلا الظاهر.
هذا ما يتعلق بإسبال الإزار إذا اقترن به الخيلاء، اقترنت به هذه العلة فحكمه شديد ((لا ينظر الله إليه يوم القيامة)).
(187/10)
وبعد ذلك قال: "وحدثني عن مالك عن نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم كلهم يخبر عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ينظر الله يوم القيامة إلى من يجر ثوبه خيلاء)) " كل هذه مقيدة بالخيلاء والبطر إلى من يجر إزاره بطراً، والبطر معروف أنه الكبر والخيلاء، وعرف النبي -عليه الصلاة والسلام- الكبر بكونه: ((بطر الحق، وغمط الناس)) إذا كان يترفع على الناس بهذا الإزار، مع الأسف أن بعض الناس يؤثر فيه اللباس الجديد أو الفاخر تجده يترفع ويتعالى على الناس إذا لبس البشت كأنه حاز الدنيا بحذافيرها، أو لبس الثوب الجديد ترفع على الناس، وتعالى عليهم، ألا يدري أنه "كالدخان يعلو بنفسه إلى طبقات الجو وهو وضيع" ليس العبرة باللباس، العبرة بما بين الجنبين من علم وعقل ودين، وحسن خلق.
((بَطَراً)) وضبطها بعضهم "بَطِرا" وتعرب حينئذٍ حال، وبطراً تمييز.
طالب:. . . . . . . . .
بيجئ في الحديث الذي يليه.
هذا الحديث مقيد بالخيلاء وبالبطر، ويستحق هذه العقوبة إذا وجدت العلة، والعقوبة شديدة وعظيمة.
(187/11)
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه أنه قال: سألت أبا سعيد الخدري عن الإزار فقال: أنا أخبرك بعلم" نعم وأي علم؟ لأنه تلقاه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، ولا علم إلا ما كان عن طريقه -عليه الصلاة والسلام- "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه)) " يناقش بعض العلماء وطلاب العلم المراد بالأزرة، وهل يدخل فيها كل ما يلبس على أسفل البدن؟ أو أن هذا خاص بالإزار لا يلحق به القميص ولا السراويل، ولا ما يلتحف به كالمشالح وما أشبهها؟ وكأن أجناس العموم التي أشرنا إليها من أزر وسراويل ومشالح وقمص كلها تدخل في الباب، يعني بعضهم يقول: البشت ما يدخل في هذا، السروال ما يدخل، البنطلون ما يدخل، القميص ما يدخل، ما في إلا الإزار، الإزار إذا كان هو المظنة فيه أنه هو الذي يسترخي من غير قصد صاحبه، الإزار هو اللي مظنته أن يسترخي من غير قصد، فما عداه لا يسترخي إلا من قصد، فيكون أولى بالحكم من الإزار، الإزار معروف أنه يربط على أسفل البدن، وجربتموه في الحج أنه قد يسترخي، تشوف الناس من خيار الناس أحياناً مع شدة العمل والتعب وكثرته وتتابعه ينزل عن الكعبين من غير قصد، لكن نزول السروال أيضاً حكمه حكم الإزار؛ لأنه قد ينزل من غير قصد، أما بالنسبة للقميص والبشت وما أشبه ذلك فإنه لن ينزل إلا بقصد، وإذا كان الإزار الذي قد ينزل من غير قصد، وشهد النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي بكر أنه لم يكن يفعله خيلاء فيه هذا الاحتمال، وفيه هذا المجال، ومع ذلك قال: ((إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين)) رخصة، لكن العزيمة إلى أنصاف ساقيه ((لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، ما أسفل من ذلك ففي النار)) يعني ما نزل عن الكعبين ففي النار ((ما أسفل من ذلك ففي النار)) وهل المقصود ما نزل من الإزار أو صاحبه؟ صاحبه، إذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كل ضلالة في النار)) هل المراد الضلالة أو صاحبها؟ صاحبها ((ما أسفل من الكعبين ففي النار)) المراد صاحبه، ليس المراد الإزار ((ما أسفل من ذلك ففي النار، لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره
(187/12)
بطراً)) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال يكفيه، على كل حال يكفيه أن يعذب أسفله في النار، وأبو طالب عليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه، نسأل الله العافية.
((ما أسفل من ذلك ففي النار، لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطراً)) عندنا جملتان: إحداهما مطلقة والأخرى مقيدة ((ما أسفل من ذلك ففي النار)) مطلقة غير مقيدة بالخيلاء، و ((لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطراً)) ولا شك أن كونه لا ينظر الله إليه أشد، حكم أشد من مجرد كونه في النار، وإذا اختلف الحكم هل يحمل المطلق على المقيد أو لا يحمل؟ لا يحمل، إذا اختلف الحكم لا يحمل المطلق على المقيد، إنما يحمل المطلق على المقيد إذا اتحد الحكم عند جمهور أهل العلم، وأما إن اتحد الحكم والسبب فمعلوم أن هذا متفق عليه، محل اتفاق بين أهل العلم أنه يحمل المطلق على المقيد، أما إذا اختلفا في الحكم ولو اتحد السبب فإنه لا يحمل المطلق على المقيد، وإن اختلفا في الحكم والسبب محل إجماع أنه لا يحمل المطلق على المقيد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا يتحدث عن بعض المتصوفة، متصوفة زمانه هؤلاء الأكمام يوسعونها كثيراً، وكان هذا موجود في البادية، وموجود في بلاد الصعيد وغيره، في الصعيد موجودة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال الكم يختلف عما يلبس على البدن، الكم يختلف، النبي -عليه الصلاة والسلام- كمه إلى الرسغ، وإسبال الكم ليس كإسبال الإزار، يختلف عن إسبال الإزار، يطلقون الكراهة فقط، الزيادة في الكم الكراهة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
النبي -عليه الصلاة والسلام- كمه إلى الرسغ، يعني إلى هذا.
طالب:. . . . . . . . .
(187/13)
ما دام إلى نصف الساق هذه هي العزيمة، وله أن يترخص إلى الكعب، فبحسب ما يؤثره هذا الفعل عليه في داخله أو خارجه ومحيطه، يعني بعض الأمور وإن كانت جائزة، أو كانت العزيمة قد يعرض للمفوق ما يجعله فائق، بعض الناس إذا لبس إلى نصف الساق ادعى أنه الأوحد في الأمة، وهو رأسها ومرجعها، هذا يقال له: لو يسبل أسهل مما وقر في قلبه من كبر؛ لأن الكبر كما يحصل في الزيادة يحصل في النقص؛ لأن بعض الناس تجد ثيابه خلقه، ومع ذلك يترفع على الناس، ويزعم أنه قد بلغ مرتبة ومرحلة من التدين لم يبلغها غيره، مثل هذا يقال له: لا، لا عليك بالرخصة، القصد القصد، فإذا كان هذا يؤثر في نفسه فالرخصة أفضل له؛ لأنه وقر في قلبه ما هو أعظم وأشد.
وأيضاً إذا ترتب على ذلك أن الناس ينزلونه فوق منزلته من أجل هذا، أو ترتب عليه مضايقات بسببها، فليترخص.
طالب: أحسن الله إليك.
مسألتين: الأولى: هل يصح أن يقال: إن (إلى) تقتضي أن (على) يجوز يعني على الكعب قول بعض أهل العلم.
الأمر الثاني: هل يصح نسبة مذهب عدم الإسبال في السراويل إلى الإمام البخاري؟
ما نسب إلى الإمام البخاري ما أذكر شيء الآن.
وأما مفهوم قوله: ((ما أسفل من ذلك ففي النار)) مفهومه أن ما على الكعب ليس في النار، إنما المتوعد عليه ما نزل عن الكعب، هذا واضح من مفهوم ((ما أسفل)) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أهل العلم يطلقون أنه مكروه؛ لأنه مخالف لكمه -عليه الصلاة والسلام-، بعض الناس مثلما ذكر عن بعض الجهات أن الكم الواحد يصلح أن يكون ثوباً لبعض الناس، وعند البادية سابقاً في بلاد نجد يوجد مثل هذا الأردان، أو المرودن أو ما أشبه ذلك موجود، ويوجد الآن في صعيد مصر، على كل حال كل هذا من الإسراف.
طالب:. . . . . . . . .
هو أثبت ما فيه وصف كم النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لا بأس.
طالب:. . . . . . . . .
في المسند هذا، نعم؟
طالب: ما أسفل الكعبين الجزء الزائد في النار وإلا جميع الشخص؟
(187/14)
والله سواءً كان هذا أو ذاك، القدر الزائد هذا الأصل، المفهوم من الحديث، لكن يكفيه أن يكون شيء منه في النار، وجاء في الحديث إن أبا طالب عليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه، النار ما منها شيء يستهان به.
طالب: أحسن الله إليك، حديث أبي سعيد ما هو على شرط مسلم؟
إلا، رواته كلهم ثقات، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في إسبال المرأة ثوبِها:
ثوبَها.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في إسبال المرأة ثوبَها:
وحدثني عن مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه نافع مولى ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- عن صفية بنت أبي عبيد أنها أخبرته عن أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت حين ذُكر الإزار: فالمرأة يا رسول الله؟ قال: ((ترخيه شبراً)) قالت أم سلمة: إذاً ينكشف عنها، قال: ((فذراعاً لا تزيد عليه)).
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في إسبال المرأة ثوبَها:
ثوب منصوب؛ لأنه معمول للمصدر، مصدر مضاف إلى فاعله فينصب مفعوله كفعله، يعني ما حكمه؟
"وحدثني عن مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه نافع مولى ابن عمر عن صفية بنت أبي عبيد" زوجة عبد الله بن عمر، أخت المختار بن أبي عبيد الذي ادعى النبوة.
"صفية بنت أبي عبيد أنها أخبرته عن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت حين ذكر الإزار" يعني بالنسبة للإزار "فالمرأة يا رسول الله؟ " يعني ماذا عنها؟ ماذا عن إزارها هل تدخل فيما أسفل من ذلك ففي النار أو لا تدخل؟
(187/15)
"قال: ((ترخيه شبراً)) " يعني ما يكفي أن ينزل عن الكعب، بل ترخيه شبراً، بحيث يغطي القدمين "قالت أم سلمة: إذاً ينكشف عنها" مع المشي ما يكفي شبر "قال: ((فذراعاً لا تزيد عليه)) " وقد أدركنا النساء قبل ثلاثين سنة تسحب الثوب وراءها ذراع أو أكثر من ذراع أحياناً، فهذا بالنسبة للنساء لا يجوز أن يبدو منها شيئاً بالنسبة للرجال الأجانب، لا وجه ولا كفين ولا قدمين، لا بد أن ترخي ثوبها شبراً أو ذراعاً على الأكثر لا تزيد عليه، وإذا كان مثل هذا ينكشف عنها، وينحسر عنها، والنساء في أجسامهن يختلفن، وإذا كان بعض النساء لا ينحسر عنها بالشبر أو بالذراع فإن بعض النساء عرضة لئن ينحسر عنها وينكشف، ولو زاد على الشبر ولو بلغ الذراع.
على كل حال الذراع هو الغاية، فإذا وصل إلى الذراع بعد طولها، يعني يفصل عليها على طولها، ويزاد عليه ذراع، لا يقول: إزرة المؤمن إلى نصف ساقه نزيد عليه ذراع بالنسبة للمرأة، لا، ما يصلح هذا، ما هو بالمقارنة مقارنة المرأة بالرجل لا، نعم؟
طالب: قالته في نفس الموطن.
حين ذكر فالمرأة يا رسول الله؟ قال: ((ترخيه)) يعني بعد طولها ((ترخيه شبراً)) قالت أم سلمة: إذاً ينكشف عنها، قال: ((فذراعاًَ لا تزيد عليه)) والمساومة والمقاولة هنا هل هي في التخفيف أو في التشديد بالنسبة لنساء الصدر الأول؟ في التشديد بخلاف ما نعيشه الآن، تجد المقاولة والمفاوضة بين العامة ذكوراً كانوا أو إناثاً مع أهل العلم من أجل التخفيف، وهذا يدل على حرص السلف على ما يصون الدين والعرض، مع تساهل المقابل تساهل الخلف لا سيما في العصور المتأخرة بعد أن اختلطوا بأعدائهم، وصار العدو داخل البيوت في حقيقته وفي صورته وشبحه، داخل البيوت، ويقتدى بهم، ويستن بسننهم، والله المستعان.
(187/16)
أم المؤمنين تقاول الرسول -عليه الصلاة والسلام- من أجل أن تشدد، ونجزم أنها ودت لو قال: ذراعين كل هذا من باب الاحتياط والديانة والصيانة، وحفظ النفس من أن يتعرض لها، ونساء اليوم على العكس من ذلك، وإذا تعرض لها وضويقت أخذت تشتكي، ووليها ينحي باللائمة على هذا المتعرض، وما يدري أنه هو السبب الرئيس الذي مكن هذه المرأة من هذا اللباس، ثم بعد ذلك هذه المرأة هي المباشرة مع ذلك الرجل، أو ذلك الفاسق الذي أراد التحرش بها.
سم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في الانتعال:
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يمشين أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعاً أو ليحفهما جميعاً)).
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا نزع فليبدأ بالشمال، ولتكن اليمنى أولهما تَنَعُل))
تُنْعل، تُنْعل
أحسن الله إليك.
((أولهما تُنْعَل وآخرهما تنزع)).
وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن كعب الأحبار أن رجلاً نزع نعليه فقال: لم خلعت نعليك؟ لعلك تأولت هذه الآية: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [(12) سورة طه] قال: ثم قال كعب للرجل: أتدري ما كانت نعلا موسى -عليه الصلاة والسلام-؟ قال مالك: لا أدري ما أجابه الرجل؟ فقال كعب: كانتا من جلد حمار ميت".
طالب: بالنسبة لثوب المرأة ألا. . . . . . . . . التصاق النجاسة به؟
يطهره ما بعده.
يقول -رحمه الله-، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال الستر هو الوجوب، ألا يخرج منها شيء هو الوجوب.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في الانتعال:
الانتعال لبس النعلين.
(187/17)
"وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يمشين أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعاً، أو ليحفهما جميعاً)) " يعني يلبس نعلين على القدمين، أو يترك القدمين بدون نعل، إما هذا وإما هذا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- انتعل واحتفى، مشى حافياً -عليه الصلاة والسلام-، ولبس النعلين، أما أن يلبس واحدة دون الأخرى فلا، ويقول بعض الشراح: إن هذه طريقة الشيطان يمشي بنعل واحدة، ونهينا عن التشبه به، على كل حال النهي ثابت، والعلة الله أعلم بها.
طالب: "فإنها نعلة الشيطان" عند أحمد وصححه.
على كل حال جاءت العلة، والذي يهمنا النهي ((لا يمشين أحدكم في نعل واحدة، لينعلهما جميعاً، أو ليحفهما جميعاً)) ولا يعني الاجتماع هنا جميعاً في الموضعين أنه يدخل النعلين حال كونهما مجتمعتين، يعني في آن واحدة، يلبسهما لا، وإنما يلبس اليمنى ثم يلبس اليسرى على ما في الحديث الذي يليه، وإذا أراد الاحتفاء ليخلع اليسرى، ثم يخلع اليمنى.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
مثلها الخف تماماً، الشُرّاب مثله.
((لا يمشين أحدكم في نعل واحدة، لينعلهما جميعاً، أو ليحفهما جميعاً)) هل يدخل في هذا ما يتعلق باليد، برد مثلاً ولا وجد إلا قفاز واحد، هل نقول: يلبس في اليدين أو يترك اليدين؟ وأحياناً إحدى اليدين تحتاج إلى علاج، تحتاج إلى تدفئة، أو تحتاج إلى دهان، أو قل مثل هذا في القدم، القدم محتاجة إلى علاج، والأخرى ما تحتاج، فاحتيج إلى لف هذه القدم دون تلك، هل يدخل هذا في الحديث أو لا يدخل؟
طالب: لا يدخل.
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
هو يبي يمشي عليهن، وهذه ملفوفة وهذه ما لفت، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، رجعنا الآن عن اليد الآن بالرجل، هذه محتاجة إلى دهان وتلف فيما يشبه الخف، هناك أربطة في الصيدليات تشبه الخفاف للأقدام، فيلبسها بعد أن يدهنها بالعلاج يكفي وإلا ما يكفي؟ وإلا لا بد أن يلبس اثنتين؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب: يكون ماشياً؟
هو بيمشي هو، هو بيمشي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(187/18)
إيه نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا إذا قلنا: النهي للتحريم ما دخل قولهم: إن الكراهة تزول بأدنى حاجة، هذا لا يزول النهي، إذا قلنا: التحريم.
طالب: يقوم مقام النهي.
طيب نفترض أنه حر شديد ولا وجد إلا نعل واحدة.
طالب: الضرورات إذا كان يتأذى ...
هو بيتأذى افترض أنه خرج من المسجد ولا قدامه إلى البيت إلا سفلت أو البلاط، وقد ضاع إحدى نعليه، هاه؟
طالب: يجوز في هذه الحالة.
يعني الضرورات تقدر بقدرها.
طالب:. . . . . . . . .
ولا قصد التشبه.
طالب: ولا عمد إلى مثل هذا.
ما قصد التشبه.
"وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين)) " تكرمة لها، ولتبقى أطول مدة في الخف الذي يقيها الحر والقر ((وإذا نزع فليبدأ بالشمال، ولتكن اليمنى أولهما تنعل، وآخرهما تنزع)) لتبقى في الخف وفي النعل أطول من بقاء اليسرى، وذلك من أجل وقايتها من كل مؤذي، وهي أحق بالتكرمة، وأهل العلم يقولون في الدخول إلى محل قضاء الحاجة يقدم اليسرى دخولاً، واليمنى خروجاً، عكس مسجد ونعل، فيقدم اليمنى في الدخول إلى المسجد، ويقدم اليسرى في الخروج، والنعل كذلك، والعلة ما سمعتم.
قال: "وحدثني عن مالك" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيهم؟
طالب:. . . . . . . . .
على القاعدة -قاعدة كثير من أهل العلم- أنه في الآداب لا يقتضي تحريم ولا يقتضي وجوب، لكن الأصل في الأوامر أنها للوجوب، والأصل في النواهي أنها للتحريم ما لم يوجد صارف.
طالب:. . . . . . . . .
إيه البداءة باليمين واجب إيه، كثير من الناس يغفل، يغفل عن مثل هذا بناءً على أنه أمر مستحب كما هو قول الأكثر، ويتساهلون في هذا، لكن لو الإنسان عود نفسه وأطرها على هذا ما نسي.
قال: "وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن كعب الأحبار أن رجلاً نزع نعليه فقال: لم خلعت نعليك؟ " نزع نعليه في الوادي المقدس؛ لأنه قال له: "لم خلعت نعليك؟ لعلك تأولت هذه الآية: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [(12) سورة طه] ".
طالب:. . . . . . . . .
(187/19)
يعني قاس المسجد عليه، يعني كما هو معمول به الآن في بلاد الحرمين، ما تمكن من الدخول بالنعال، ويستدلون بالآية {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [(12) سورة طه] نعم يستدلون بهذه، ويقولون: إذا كان الوادي المقدس أمر موسى -عليه السلام- بخلع نعليه فالمسجد الحرام وهو أفضل منه من باب أولى، المسجد النبوي وهو أفضل منه من باب أولى، يستدلون بهذا، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بالنعلين في مسجده، وأمر بالصلاة في النعال، فلا وجه للقياس.
وهنا يقول كعب: "لم خلعت نعليك؟ لعلك تأولت هذه الآية {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [(12) سورة طه] " قال: ثم قال كعب لذلك قال مالك: "لا أدري ما أجابه الرجل" هل أجابه بقوله: نعم تأولت، أو أجابه بجواب آخر؟ ثم قال كعب للرجل: "أتدري ما كان نعلا موسى؟ " قال مالك: "لا أدري ما أجابه الرجل أيضاً" ما يدري بما أجابه بقوله: لما خلعت نعليك؟ ولم يدر بما أجابه أتدري ما كان نعلا موسى؟ فقال كعب: "كانتا من جلد حمار ميت" يعني حفظ كلام كعب فقط من جلد حمار ميت، وهذا لا شك أنه متلقى عن كعب الأحبار وهو الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب، لكنه مع ذلك لا يظن بموسى -عليه السلام- أنه يذهب للقاء ربه -جل وعلا- بهذه النعل النجسة، وإن كان لا يعرف أيضاً حكم الحمار في شريعته.
طالب: أو هو اشتراها ولا يعلم أنه. . . . . . . . . مثل النبي -عليه الصلاة والسلام- لما كان في نعليه أذى فأتاه جبريل فأمره بخلعها.
فأمر بخلعها، لكن احتمال أن يكون الحمار في وقته أيضاً مباح، كما كان في صدر الإسلام فهو طاهر، وعلى كل حال لا يدرى أيضاً هل جلد الحمار الميت دبغ أو لا؟ ليدخل في عموم حديث: ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)) وعلى كل حال هذا من أخبار بني إسرائيل لا يترتب عليه حكم شرعي، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في لبس الثياب:
(187/20)
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن لبستين، وعن بيعتين، عن الملامسة، وعن المنابذة، وعن أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء، وعن أن يشتمل الرجل بالثوب الواحد على أحد شقيه".
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- رأى حلة سَيَراء تباع ...
سِيراء.
أحسن الله إليك.
سِيراء تباع عند باب المسجد، فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه الحلة فلبستها يوم الجمعة، وللوفد إذا قدموا عليك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة)) ثم جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها حلل، فأعطى عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- منها حلة، فقال عمر -رضي الله عنه-: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لم أكسكها لتلبسها)) فكساها عمر أخاً له مشركاً بمكة.
وحدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه قال: قال أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه-: "رأيت عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- وهو يومئذ أمير المدينة، وقد رقع بين كتفيه برقع ثلاث لبّد بعضها فوق بعض".
نعم؟
طالب: انتعل جالس ....
إيه جاء الأمر به، فالانتعال من قيام خلاف الأولى، أو مكروه عند جمع من أهل العلم، وهو محمول عند جمع أيضاً على ما إذا خشي من السقوط، إذا ما خشي من السقوط ينتعل جالس.
طالب: أو انكشاف العورة ....
لا، هو الانكشاف اللبس جالس.
طالب: لا، إذا جلس يستر، قالوا: إذا رفع، وجاء في النسخ قالوا: إنه ... فكان لما لبس السراويل ....
الانتعال، النهي عن الانتعال قائماً؟
طالب: إيه قائماً، ثم قالوا: لما لبس السراويل لبس قائماً.
على كل حال الانتعال قاعداً إذا خشي من السقوط، أو من أي أمر مكروه يتجه النهي.
قال -رحمه الله-:
باب ما جاء في لبس الثياب:
(187/21)
"وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنه قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن لبستين وعن بيعتين، عن الملامسة وعن المنابذة" يعني من باب اللف والنشر المشوش، يعني غير المرتب، ولو كان مرتباً لقدم اللبستين على البيعتين "عن لبستين وعن بيعتين" ثم أخذ يفصل وينشر المراد باللبستين وبالبيعتين، قدم نشر البيعتين مع تأخرهما في اللف على طريقة اللف والنشر المشوش، يعني غير المرتب، وهذا أسلوب معروف حتى في القرآن، وفي كلام العرب معروف {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} هذا لف، النشر {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ} [(106) سورة آل عمران] يعني غير مرتب، البيعتين هما الملامسة والمنابذة، الملامسة أي ثوب تلمسه فهو عليك بكذا، والمنابذة أي ثوب تنبذه أو أنبذه إليك، أو تنبذ إليه هذه الحصاة فيدخل في معنى بيع الحصاة، يتفق معه في هذه الصورة، فهي منابذة، إذا نبذ الحصاة منابذة، ويسمى أيضاً بيع الحصاة، ومنهم من يقول: إن الملامسة يعني في مكان مظلم فيه ثياب كثيرة، أي ثوب تلبسه فهو عليك بكذا، وأيضاً بيع المنابذة، أي ثوب تنبذه أو أنبذه إليك فهو عليك بكذا، أو علي بكذا من غير نظر فيه فيدخل فيه الغرر، السبب في النهي الغرر، لا سيما إذا كانت الثياب متفاوتة، ولا يفعل مثل هذا إلا إذا كانت متفاوتة، أما إذا كانت متساوية من مصنع واحد، وعلى طريقة واحدة ما يفعل مثل هذا.
ثم جاء إلى ذكر تفصيل اللبستين، اللبسة الأولى: "أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء" الاحتباء: رفع الساقين والفخذين، وليس عليه إلا ثوب واحد، وجاء النهي عن هذا الاحتباء إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد، فإنه تنكشف معه العورة غالباً، وعلى هذا ينزل ما جاء من النهي عن الاحتباء وقت الخطبة يوم الجمعة، وما جاء في جوازه على أن عليه ثوبين لا تنكشف معهما العورة.
"وعن أن يشتمل الرجل بالثوب الواحد على أحد شقيه" هذه يوردونها كما جاء في بعض النصوص عن اشتمال الصماء، يعني يلف بدنه بالثوب بحيث لو أراد إخراج يده لاتقاء شيء يؤذيه لما تمكن.
(187/22)
"وعن أن يشتمل الرجل بالثوب الواحد على أحد شقيه" مع أن اللفظ يحتمل أن يكون الثوب ساتر لشق دون شق، الشق الثاني احتمال أن تنكشف معه العورة لضيقه، أو كما جاء في الروايات الأخرى: أنه يلف به بدنه فلا يستطيع إخراج يده منه لدفع ما يؤذيه، وهذا هو المعروف عند الفقهاء باشتمال الصماء.
"وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رأى حلة سِيراء" ثوب من حرير والسيراء المخططة كأن فيها سيور، وهي الخطوط.
"تباع عند باب المسجد" وهذا يدل على أن البيع عند أبواب المساجد لا شيء فيه، ما لم يترتب عليه تضييق على الناس، وإيذاء لهم، أو الوقوف أمام أبواب البيوت، أو ما أشبه ذلك، فإن وجد مثل هذا منع لهذه العوارض، وإلا فالأصل الجواز؛ لأنه لا يجوز البيع داخل المسجد، وأما عند باب المسجد فلا بأس.
"تباع عند باب المسجد، فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه الحلة فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك" يوم الجمعة يستحب أهل العلم كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل يلبس أحسن ثيابه، ويتنظف ويتطيب، ويغتسل، وكذلك يتجمل للوفد؛ لأن فيه إظهار هيبة المسلمين، وفيه أيضاً إكرام لهؤلاء الوفود.
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة)) " يعني لا نصيب له في الآخرة؛ لأنها حرام على ذكور هذه الأمة؛ لأنها حرير.
"ثم جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها حلل" جيء بحلل من اليمن، ومن البحرين، ومن الجهات، "فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة، فقال عمر: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟ " أنه يلبسها من لا خلاق له "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لم أكسكها لتلبسها)) " احتمال أنه كساها ليبيعها وينتفع بثمنها، احتمال أن يكسوها زوجته، أو إحدى بناته ممن تحل له، "فكساها عمر أخاً له مشركاً بمكة" الواضح من قوله: "فكساها" أنه أعطاه إياها ليلبسها كسوة، لا أنه أعطاه إياها ليستفيد من ثمنها، أو يكسوها زوجته، وإن كان المشرك مخاطب بفروع الشريعة كالمسلم.
(187/23)
فقوله: "فكساها" هل كساها إياه بمعنى أعطاها إياه ليتصرف بها كما تصرف عمر؟ لا أنه إباحة له من أجل أن يلبسها؟ في قوله: ((لم أكسكها لتلبسها)) ما يزيل الإشكال، النبي -عليه الصلاة والسلام- كساها عمر، لا ليلبسها، فيكون معنى كساها أو كساه إياها، يعني أعطاه إياها، وحينئذٍ يرتفع الإشكال، وإلا فما يمنع منه المسلم يمنع منه المشرك؛ لأنه مخاطب بالفروع كالمسلم، وحينئذٍ لا إشكال؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كساها عمر، وعمر كساها أخوه، ولا يلزم من ذلك أن يلبسها بنفسه.
قال: "وحدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه قال: قال أنس بن مالك: "رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المدينة" وهو يومئذ أمير المؤمنين، المدينة وغير المدينة، أمير على جميع المسلمين في أقاصي البلاد وأدانيها، وكونه أمير المدينة يعني لوجوده فيها "وقد رقع بين كتفيه برقع ثلاث" يلبس الثوب المرقع -رضي الله عنه وأرضاه- "لبد بعضها فوق بعض" لتستر ما تحتها، ومثل هذا وهو أمير المؤمنين، وبيده بيت المال، وتجبى إليه الأموال من بلاد الإسلام قريبها وبعيدها، ومع ذلك يتورع عن أن يأخذ من مال المسلمين شيئاً، وهذه حالهم، والله المستعان.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
اللي تباع عند المسجد.
طالب:. . . . . . . . .
عطارد اسم، اسم رجل ...
(187/24)