الموطأ - كتاب الحج (12)
شرح: باب: نكاح المحرم، وباب: حجامة المحرم.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مسألة جماع المحرم والتفصيل الذي ذكره أهل العلم فيما تقدم، وأنه يختلف حكمه قبل التحلل وبعده، التحلل الأول، وعرفنا قول الظاهرية، وأنه يفسد حجه إذا كان عالماً عامداً، وأنه ينصرف ولا شيء عليه، لا يمضي في فاسده، ولا يلزمه دم، ولا يقضيه، إن أمكنه أن يصحح بأن يحرم قبل الوقوف بعرفة وإلا فلا شيء عليه، إلا إذا كانت حجة الإسلام في ذمته، فلا بد أن يأتي بها، وقول الأئمة الأربعة وغيرهم في مسألة الفساد والمضي في الفاسد والهدي والقضاء من قابل هذا معروف، وإمكان الإحرام والتصحيح في الصورة التي ذكرها النووي، وهو أنه إذا بطل حجه وفسد بالجماع ثم أحصر عن متابعة حجه الفاسد والمضاء فيه، أحصر ثم تحلل بالحصر، ثم تمكن من أن يحرم بالحج من هذه السنة صح حجه، ولا يلزمه إلا البدنة التي لزمته بالأول، وأنه الفاسد لن .. ، صد عنه، وأحصر عنه، والقضاء حصل من هذه السنة، ولا يتصور في غير هذه الصورة عندهم.
ويوجد الآن من يفتي بأنه إذا أمكنه التصحيح فلا مانع من التصحيح أحصر أو لم يحصر، لكن القول للجمهور، جماهير أهل العلم على أنه لا يمكن تصحيح ما فسد بالوطء؛ لأنه يلزمه المضي في فاسده، والخلاف بينهم فيما إذا كان جماعه بعد الوقوف بعرفة أو قبل التحلل أو بعد التحلل الأول، معروف بين الحنفية وغيرهم.
المقصود أن المسألة شيء مرفوع ملزم عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- لا يثبت فيها شيء إلا أنه قول عامة أهل العلم، وأفتى به بعض الصحابة، وأما ما روي عن عمر -رضي الله تعالى عنه- وعلي -رضي الله عن الجميع- ففيه انقطاع، لا يسلم من ضعف، لكنه معروف من فتوى ابن عمر وابن عباس، وقال به جماهير أهل العلم.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا حي يا قيوم.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: نكاح المحرم:(75/1)
حدثني يحيى عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث أبا رافع ورجلاً من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحارث، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة قبل أن يخرج.
وحدثني عن مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أخي بني عبد الدار أن عمر بن عبيد الله أرسل إلى أبان بن عثمان وأبان يومئذٍ أمير الحاج، وهما محرمان: إني قد أردت أن أَنكِح طلحة.
أُنكح.
أحسن الله إليك
إني قد أردت أن أُنكح طلحة بن عمر بنت شيبةِ بن جبير. . . . . . . . .
شيبةَ.
أحسن الله إليك.
بنت شيبةَ بن جبير وأردت أن تحضر فأنكر ذلك عليه أبان، وقال: سمعت عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يَنكِح المحرم ولا يُنكَح ولا يخطب)).
لا يَنكِح ولا يُنكِح.
أحسن الله إليك.
((لا يَنكِح المحرم ولا يُنكِح ولا يخطب)).
وحدثني عن مالك عن داود بن الحصين أن أبا غطفان بن طُريف المري أخبره أن. . . . . . . . .
طَريف، طَريف.
أحسن الله إليك
ابن طَريف المري أخبره أباه طريفاً تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر بن الخطاب نكاحه.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-ما كان يقول: "لا ينكح المحرم ولا يخطب على نفسه ولا على غيره".
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار سئلوا عن نكاح المحرم، فقال: "لا ينكح المحرم ولا ينكح".
قال مالك -رحمه الله- في الرجل المحرم: إنه يراجع امرأته إن شاء إذا كانت في عدة منه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(75/2)
"باب: نكاح المحرم" والنكاح يطلق ويراد به العقد، ويطلق ويراد به الجماع، وتفصيل شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في التفريق بين النكاح المأمور به والنكاح المنهي عنه، وأنه في المأمور به لا يتأتى امتثال الأمر إلا بالأمرين معاً، بالعقد وبالوطء، فلا يتم امتثال {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم} [(3) سورة النساء] و ((فليتزوج)) إلا إذا عقد ووطء، لا يكفي أن يقول: عقدت والعقد نكاح، وأطلق وأكون في حل من هذه الأوامر، كما أنه لا يتصور أن يطأ دون عقد.
في النكاح المنهي عنه فيما يقرره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أنه ينصرف إلى العقد بمفرده وإلى الوطء بمفرده، ومن باب أولى الجمع بينهما، فإذا نهي عن النكاح {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم} [(22) سورة النساء] لا يجوز العقد بمفرده ولو لم يطأ، كما أنه لا يجوز الوطء من باب أولى.(75/3)
وهنا النكاح بالنسبة للمحرم منهي عنه، فهل المراد به العقد أو المراد به الوطء؟ الوطء تقدم البحث فيه، وأن أمره بالنسبة للنكاح شديد، وأنه مفسد للحج إذا كان قبل التحلل الأول في قول جماهير أهل العلم، والكلام في الوطء تقدم، وموضوع الباب في العقد، يعني في عقد المحرم، عقد المحرم على زوجة أثناء الإحرام، والمحرم من تلبس بالإحرام فعلاً، يعني دخل في النسك، ونستحضر هنا ما مضى عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه كان يرى أن من بعث الهدي من بلده ولو لم يتلبس بإحرام أنه محرم حكماً، ويمتنع عن جميع المحظورات حتى يبلغ الهدي محله وهذا تقدم، رأي ابن عباس، فهل يجوز له أن ينكح إذا بعث بهديه فصار محرماً عنده في حكم المحرم، وهذا قد يحتاج إليه عند ذكر حديث ابن عباس في زواجه ونكاحه لميمونة خالة ابن عباس، حيث يزعم ابن عباس أنه محرم، وميمونة تقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوجها وهما حلالان، وكذلك أبو رافع على ما سيأتي، فهل يمكن الجمع بأن ما ينسب لابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- عقد عليها وقد بعث بالهدي قبل أن يدخل في الإحرام فيكون لا خلاف؟ لأن ابن عباس قريب من الحدث ما هو ببعيد، وخبره في الصحيح، هل يمكن حمله على هذا؟ فيقال: حديث ميمونة وحديث أبي رافع حلال، يعني لم يتلبس بإحرام، وحديث ابن عباس وهو محرم يعني أنه بعث بالهدي من بلده فصار في حكم المحرم، يحرم عليه ما يحرم على المحرم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ليس بمحرم، لكن إذا تصورنا رأي ابن عباس وجزمه بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوج ميمونة وهو محرم، هاه؟
طالب: لما لا يحرم. . . . . . . . .
من أجل إيش؟ أن تصحح كل الروايات، صيانة للصحيح، فيحمل قول ابن عباس أنه تزوجها وهو محرم بمعنى أنه بعث بهديه ولم يتلبس بالنسك، وهو في حكم المحرم عند ابن عباس، لكن هل يستوي عند ابن عباس من بعث بهديه وبين من دخل في الإحرام وأنه يجوز له أن يتزوج؟
طالب:. . . . . . . . .
عنده ما دام يحرم عليه إذا بعث بالهدي كالمحرم لماذا لا يستوي وأنه يرى جواز ذلك؟ رأي، رأي لا رواية، أما الرواية فتحمل على أنه عقد عليها وقد بعث بهديه، احتمال هذا.(75/4)
الرأي يختلف عن الرواية، الرواية مردها إلى الصدق والكذب، والرأي مرده إلى الاجتهاد طابق أو خالف، كون الإنسان يخطئ في روايته أعظم من كونه يخطئ في رأيه، نعم؛ لأن هذا مرده إلى العدالة والضبط، وذاك مرده إلى الفهم.
هذه مقدمة نحتاجها إلى شرح الحديث الذي يلي هذا، نفس الحديث هذا، الحديث الأول.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"حدثني يحيى عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن" ربيعة الرأي شيخ الإمام مالك "عن سليمان بن يسار" أحد الفقهاء السبعة المعروفين "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث أبا رافع" وهذا مرسل؛ لأن سليمان بن يسار تابعي يحكي قصة لم يشهدها "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث أبا رافع ورجلاً من الأنصار" يعني وبعث رجلاً من الأنصار، وبعث أبا رافع ورجلاً من الأنصار "فزوجاه ميمونة بنت الحارث، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة قبل أن يخرج" الحديث خرجه الترمذي، يقول: حدثنا قتيبة قال: أخبرنا حماد بن زيد عن مطر الوراق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع، يعني كون سليمان بن يسار يحكي القصة وهو لم يشهدها حكمها إيش؟ الانقطاع، وكونه يحكيها عن صاحب الشأن أو من حضرها متصل، عن مطر الوراق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع يعني يحكي عن صاحب القصة، يعني نظير ما ذكرناه مراراً في حديث عمار، عن محمد بن الحنفية عن عمار أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر به متصل، لكن عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر به النبي -عليه الصلاة والسلام- منقطع، وهذه مثلها.
عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع قال: تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت أنا الرسول فيما بينهما، الرسول فيما بينهما، مطر الوراق صدوق كثير الخطأ، وحديثه عن عطاء نعم يقول: ضعيف، لكن حديثه هنا عن مطر الوراق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن.(75/5)
في صحيح مسلم عن ميمونة: "تزوجني النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن حلالان بسرف" وفي الترمذي عن أبي رافع قال: "تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت أنا الرسول بينهما بسرف" وفي حديث الباب: "ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة قبل أن يخرج" مع أنه منقطع، ولا يقاوم ما في صحيح مسلم عن ميمونة نفسها، وأنه تزوجها بسرف، اللهم إلا أن يحمل على مقدمات الخطبة، ومقدمات النكاح، كانت قبل خروجه من المدينة، ثم بعد ذلك عقد عليها بسرف، وبنى بها وهو حلال.
يقول ابن عبد البر: الرواية بأنه -عليه الصلاة والسلام- تزوجها وهو حلال متواترة عن ميمونة نفسها، وفي البخاري عن سيعد بن المسيب: "وهم ابن عباس في تزوج ميمونة وهو محرم، وإن كانت خالته، ما تزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا بعد ما حل"، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا كلامه، هذا كلام سعيد، لكن التواتر بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوجها وهو حلال معروف هذا عند أهل العلم، عامة أهل العلم عليه، وأنه ما قال: إنه تزوجها وهو محرم إلا ابن عباس، وابن عباس ليس بعيد عن القصة هي خالته، لكن لا يلزم أن .. ، يعني كون الإنسان محكوم بعدالته وضبطه وإتقانه، بل هم أعني الصحابة في المرتبة الأولى من مراتب التعديل بلا منازع ممن يعتد بقوله من أهل العلم، لكن لا يعني أنه معصوم لا يخطئ، وعائشة استدركت على كثير من الصحابة، ويقع الوهم، يقول شيخ الإسلام: "الوهم لا يسلم منه أحد حتى الصحابة" لكن لا يعني أننا نبادر بتوهيمهم لأدنى ملابسة لا، فحمل كلام ابن عباس على ما مال عليه إليه بعض أهل العلم، واستروح إليه أنه في حكم المحرم، بمعنى أنه بعث بهديه وهو بالمدينة لم يخرج، لكي تتفق النصوص فيكون عقد عليها وهو حلال.
طالب:. . . . . . . . .
مقلوب؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا.
طالب:. . . . . . . . .(75/6)
لا، هو احتمال من نسيان مثلاً، يقول ابن عباس في القصة القصة عام الحديبية سنة ست، قبل وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- بخمس سنين، أو أربع ونصف، نعم، وابن عباس عند وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- كان عمره ثلاث عشرة، فإذا كانت قبل وعمره ثمان سنين أو تسع سنين، ومع ذلك طالت به الحياة، توفي سنة ثمان وستين، يعني بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- بما يقرب من ستين سنة إلا ثلاث سنوات، فالوهم وارد، وإذا أمكن حمله على وجهٍ يصح كما قيل سابقاً، من أنه في حكم المحرم، لا أنه تلبس بالإحرام، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يبقى رأي في المسألتين، لا رواية.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، وأن هذا لا يضر، وكونه يعقد الإنسان الذي بعث بالهدي، وإن كان حكمه حكم المحرم لا يضره ذلك.
أقول: كوننا نقول: إن هذا رأيه في أن من بعث بالهدي نعم حكمه حكم المحرم هذا رأي له، وليس رواية، ولا يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكونه ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه تزوجها وهو محرم إحرام حقيقي بمعنى أنه دخل في النسك، هذه رواية، نعم والوهم إلى الرأي أقرب منه إلى الرواية، لا سيما في الثقات صيانة لهم؛ لأنه كونه يهم في رأيه لا يلام، لا يلام إذا وهم في رأيه، إذا كان من أهل النظر واستوعب القضية، ونظر فيها النظر المعتبر، ووهم وأخطأ ما يلام، بل هو مأجور على هذا أجر واحد، هم حينما أقول: من يستروح إلى هذا القول نعم يريد أولاً صيانة الصحابي من أن يخطئ في روايته، ويريد أيضاً أن يصون الصحيح عن أن يوجد مثل هذا الخطأ، نعم؟
طالب: لو قلنا: إن ابن عباس. . . . . . . . .
بلا شك.
طالب: تزوج بميمونة، لا بد أن يكون سمعه صحابي؟
لكن ألا يكفينا رواية ميمونة؟ ورواية السفير بينهما أصحاب القصة أصحاب الشأن؟ وعندك الحديث حديث عثمان: ((لا ينكح المحرم ولا ينكح)).
طالب:. . . . . . . . .
ما يكفي توهيم ميمونة نفسها، هي ردت عليه، وأبو رافع رد عليه وقال: أنا السفير بينهما، ويش غير هذا الإنكار؟ كل الصحابة كلهم. . . . . . . . . عليه وينكرون عليه، يكفي واحد أن ينكر عليه.
طالب:. . . . . . . . .(75/7)
أنكروا عليه أنكر عليه ميمونة وأنكر عليه أبو رافع، أنكر عليه هذا الإنكار، يعني كونهم يروون ما يعتقدونه وما ثبت عندهم هذا الإنكار.
طالب:. . . . . . . . .
ما يلزم، ما يلزم أبداً، إذا ثبتت الرواية الصحيحة ما يلزم، كل النصوص بهذه الطريقة، يعني كل من روى خطأ يبي يقال له: اسكت أنت أخطأت أو يبين الصواب ويكفي؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يلزم، الإنكار ثبت برواية ميمونة وبرواية أبي رافع السفير بينهما، يعني كوننا نعتمد على رأي لابن عباس تخالف المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قوله: ((لا ينكح ولا ينكح)) نعم يعني مسألة الخصوصية تحتاج إلى دليل، وعندنا مسألة ترجيح، تعارض وترجيح، هل يرجح ابن عباس مع أنه صبي في ذلك الوقت؟ يرجح قوله على ميمونة نفسها صاحبة الشأن؟ في أحد أعرف بالقصة من صاحبها؟ ما في أحد أعرف من صاحبها، وأبو رافع هو السفير بينهما، هو الذي بعثه النبي -عليه الصلاة والسلام- إليها، ورجع إليه، فما في مقارنة بين روايته وروايتهما.
طالب:. . . . . . . . .
يعني ما سمعها وهي خالته؟ ما سمعها وهي تقول: تزوجني وأنا حلال؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن كم عمر ابن عباس بعد ميمونة؟ كم عمر؟ ماتت بسرف هي، بنفس اللي بني عليها، ولا تأخرت وفاتها، وعاش بعدها يمكن نصف قرن ألا يحتمل الوهم هذا؟ يا أخي العام الماضي حصل قصة نظير من هذه واختلفوا، العام الماضي، حج العام الماضي اللي ما دونه إلا ها السنة، واحد يقول: إحنا رمينا، وواحد يقول: لا ما رمينا، اثنين وبحجة واحدة، يكلمون لهم واحد في نفس القصة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، نعم يحصل، يحصل مثل هذا بكثرة يعني ماهو بـ ....
طالب:. . . . . . . . .
في قصة خطبة، خطبة وقعت في منى، واحد يقول: إحنا رامين يوم نكلم الرجال وإلا ما رمينا، يتساءلون.
طالب: هذا مثلاً بالمبيت تو جايين يوم النحر، يأتي لما الصبح واحد يقول: طلعنا قبل الفجر وواحد يقول: طلعنا بعد الفجر.(75/8)
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع عن نبيه بن وهب العبدري أخي بني عبد الدار أن عمر بن عبيد الله أرسل" المرسل هو نبيه المذكور، إلى .. ، نقول: إيش؟ إلى إيش؟ لا يستعجل اللي ما هو متأكد؛ لأنه منع من الصرف، لو جاء بالوجهين؟ وجه أو وجهين؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، هي مصروفة عند الأكثر مصروفة، وابن مالك يقول: لا، ممنوعة من الصرف، وسبق كلامهم في من منع أبان فهو أتان.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
"إلى أبانِ بن عثمانَ وأبانٌ" لازم نقول التنوين؛ لأن المنع من الصرف هو عدم التنوين، والصرف هو التنوين، "وأبانٌ يومئذ أمير الحاج، وهما محرمان: إني قد أردت أن أنكح طلحة بن عمر"، "أن أُنكح"، "إني قد أردت أن أُنكح طلحة بن عمر" القرشي التيمي "بنت شيبة بن جبير، وأردت -يعني أحببت- أن تحضر" يعني تحضر العقد، أحببت أن تحضر العقد، فهذا يستدل به على أن حضور العقد لا بد فيه من إذن؛ لأن فيه من الأمور الخاصة التي تحصل بين الطرفين ما لا يرضاه بعضهم، فهو يحتاج إلى إذن "فأنكر ذلك عليه أبان" فقال: لا أراه إلا أعرابياً أي جاهلاً بالسنة كالأعراب، لماذا؟ وهما محرمان، فالنكاح والمراد بذلك عقده لا يجوز حال الإحرام "وقال: سمعت عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا ينكح)) " يعني لا يعقد لنفسه ((المحرم)) بحج أو عمرة أو بهما ((ولا ينكح)) يعني لا يتولى العقد لغيره ((ولا يخطب)) فيمنع من الخطبة حال الإحرام، وبه قال الجمهور، وقال الشافعية: النهي في الخطبة للتنزيه؛ لأن الممنوع العقد، والخطبة لما اعتبرت وسيلة على هذا العقد منعت من باب منع الوسائل، ففيها الكراهة فقط، الكراهة فقط، هذا عند الشافعية، والجمهور على أن الحكم واحد، فلا تجوز الخطبة ولا يجوز أيضاً العقد.(75/9)
"وحدثني عن مالك عن داود بن الحصين أن أبا غطفان" اسمه: سعد بن طريف المري "أخبره أن أباه طريفاً تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر بن الخطاب نكاحه" الآن النكاح إذا توافرت أركانه وشروطه، وحصل في وقت يمنع فيه مثل هذا المتلبس بالإحرام ممنوع، هل نقول: إن المانع أن هذا المانع وهو الإحرام مثل المانع من العقد على المعتدة مثلاً؟ نعم حتى تنتهي عدتها؛ لأنه قد يقول قائل: لماذا لا يصح النكاح مع التحريم؟ نعم؛ لأن النهي عاد إلى أمر خارج عن النكاح، نعم هم يشترطون في المرأة وفي الزوج أيضاً أن لا يكونا قد تلبسا بإحرام، والزوجة أن لا تكون معتدة مثلاً، يشترطون في الزوج أن لا يكون معتداً، ومتى يعتد الزوج؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا طلق رابعة، نعم إذا طلق رابعة طلاقاً رجعياً نعم فيلزمه انتظار المدة.
طالب:. . . . . . . . .
الظاهر أنه مثل الموت، ما هو ببعيد منه؛ لأنه ليس له أن يرجع إليها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، الآن أقول: هل النكاح حال الإحرام مثل النكاح حال العدة؟ المرأة ممنوعة من أن يعقد عليها والرجل ممنوع من أن يعقد فالنكاح باطل لهذا؟ أو نقول: إن النهي لأمر خارج؟ النكاح تام الشروط والأركان، نعم وإذا عدلنا إلى أمر خارج يصح التحريم، عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- رد نكاحه بناءً على أنه نكاح فاسد يرد، وأقرب ما تكون إذا كانت محرمة أنها كالمعتدة.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: "لا ينكح المحرم ولا يخطب على نفسه ولا على غيره" عملاً بعموم حديث عثمان -رضي الله تعالى عنه-: ((لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب)) ابن عمر يقول: "لا ينكح المحرم ولا يخطب على نفسه ولا على غيره" يعني حملاً للحديث على عمومه.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن -الفقهاء الثلاثة من السبعة- سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار سئلوا عن نكاح المحرم فقالوا: "لا ينكح المحرم -بمعنى أنه لا يعقد لنفسه بالفتح- ولا ينكح" بالضم يعني غيره، ومراد المؤلف مما ذكره أن العمل بحديث عثمان والفتوى عليه فليس بمنسوخ.(75/10)
"قال مالك في الرجل المحرم: إنه يراجع امرأته -إن شاء- إذا كانت في عدة منه" لأنها ما زالت في حكم الزوجات، يراجعها، فلا تحتاج إلى ولي ولا صداق، فهي في حكم من في عصمته، الرجعية زوجة والرجعة ليست بنكاح؛ لأنها لو كانت نكاح لاحتاجت إلى ما يحتاج إليه النكاح من ولي وشهود وصداق، وهذه مجرد ما يقول: راجعت فلانة يكفي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والله إذا أشهد أحوط، لكن لو وطئها دون كلام يعتبرونه أهل العلم رجعة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما هو .. ، زوجته زوجته، تزوجها قبل، زوجته زوجته، أم أولاده، طلقها قبيل الحج ثم أحرم، وقال: أشهدكم أني راجعت زوجتي، نعم، واضح؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا خرجت، إذا انتهت العدة هل له أن يراجع؟ ليس له أن يراجع؛ لأن هذا نكاح جديد، ليس له أن يراجع حتى يتحلل من إحرامه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مع النية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو الفرق بينهما أن المطلقة إن كانت رجعية وما زالت في العدة نعم فنكاحه لها يعني بمجرد الرجعة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، تختلف ذي، لا رجعيته هو، يشهدهم، ما هو. . . . . . . . .
طالب: ...
تقصد أنه يراجع مطلقة غيره؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، إيه التنظير السابق إذا منع من نكاح المحرمة هل نقول: إن هذا المنع يعود لأمر خارج عن ذات العقد ولا شرطه؟ لأمر خارج.
طالب:. . . . . . . . .
لأن هذا أسهل يعني.
طالب:. . . . . . . . .
أيهما أسهل؟
طالب:. . . . . . . . .
لحظة لحظة أيهما أسهل: أن تصيد طائراً لشخص حق آدمي وتأكله أو تصيد صيداً وأنت محرم وتأكله؟ أو تجد ميتة فتأكلها أيهما أسهل؟ ما هو بالمحرم ممنوع من الصيد؟ لحق من؟
طالب:. . . . . . . . .
لحق الله -جل وعلا-، وصيد الرجل الأجنبي هذا لحق هذا الرجل، لحق الآدمي، وأكل الميتة لأنك مضطر يعني هل تفضل .. ؟ أيهما أسهل في الشرع أن يأكل المضطر من الميتة أو من حق الآدمي أو لحق الله -جل وعلا- وهو محرم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والله يقولون: حكمها حكم الميتة، نعم؟
طالب: المضطر معذور يا شيخ.
أن يأكل إيش؟
طالب: الميتة.(75/11)
من الميتة، لكن ما هو مأذون له يصيد، لا تجزم، كلامهم ما هو بواضح في هذا، بعضهم يقول: الميتة أسهل؛ لأن فيها نص يبيحها، هذه ما فيها نص، لكن في الظرف التي نعيشها هل يمكن شخص أن يقدم على ميتة، نعم وهو يجد مال لشخص آخر؟ نعم؟ لا يمكن، لا ما يمكن، في الظروف التي نعيشها وإلا مر أوقات على الأمة على الناس صار عادي يأكلون الميتة، وبحث المسألة في كتب الفقه واستطرادهم في الأكل منها، هل يأكل شيئاً يسير أو .. ؟ يدل على أن هذا يعني تصوره ما هو ببعيد يعني.
طالب:. . . . . . . . .
المرفوع؟ المرفوع ((لا ينكح ولا ينكح)) على كل حال لا ينكح لنفسه ولا ينكح غيره، ويش فهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ونحن المأمورون بالاقتداء بسنته؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما يلزم يا أخي، هم قالوا: إن المحرمة مثل المعتدة نكاحها فاسد، يرد.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: حجامة المحرم:
حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو محرم فوق رأسه، وهو يومئذٍ بلحيي جمل مكان بطريق مكة.
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: "لا يحتجم المحرم إلا مما لا بد له منه".
قال مالك -رحمه الله-: "لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة"
"باب: حجامة المحرم" الحجم هو المص، والحجام هو المصاص في لغة العرب فيما يقوله ابن سيدة وغيره.
فالحجامة معروف ما ورد فيها بالنسبة للصائم، وتقدم ما فيها، وهنا تورد الحجامة بالنسبة للمحرم، لما يلزم عليها من أخذ شعر إن كانت في موضع شعر، ومن إضعاف للمحرم كإضعاف الصائم، ولذا منع المحرم من صوم يوم عرفة؛ لأنه يضعفه، والحجامة تضعفه فتمنع فمنعها من هذه الحيثية، وأيضاً يلزم منها أخذ الشعر.(75/12)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سليمان بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" مرسل وهو موصول في الصحيحين وغيرهما "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- احتجم من شقيقة كانت به" والشقيقة: نوع من الصداع، احتجم وهو محرم، وذلك في حجة الوداع، فوق رأسه، وفي الصحيحين: وسط رأسه، وعندهم -يعني الشراح- ذكروا أن في موضع من الرأس إذا استعمل في الحجامة صار سبباً في العمى.
طالب:. . . . . . . . .
صحيح؟
طالب:. . . . . . . . .
الشراح يقولون هذا.
طالب:. . . . . . . . .
يعني من أي موضع كان؟ ما له أثر؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه؛ لأنه يقول هنا: فوق رأسه، وفي الصحيحين: وسط رأسه، وهم يقولون: إن في الرأس جزء لو استعمل في الحجامة صار سبباً في العمى، يعني جرب كل مواضع الرأس؟
طالب:. . . . . . . . .
ولا ثبت شيء، يعني يصير مثل قولهم: أكل السمك مع شرب اللبن يورث البرص، يمكن هذا مثله؟
طالب: يضعف الذاكرة.
يضعف؟
طالب: الذاكرة.
إيه، في موضع يضعف الذاكرة، هذا يضعف الذاكرة، الناس يدورون الذاكرة ما هو ....
طالب:. . . . . . . . .
تقوي الذاكرة، مع وسط الرأس أو مع القفا؟
طالب:. . . . . . . . .
يقولون: نقرة القفا.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟ الحجامات كلها من هنا من الخلف.
طالب:. . . . . . . . .
الوسط؟
طالب: هذه وهذه تؤثر على الحواس.
ويش يسمونهن ذولاء؟
طالب: الأخدعين.
الأخدعين إيه.
يقول: "احتجم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا من شقيقة كانت به -يعني صداع- وهو محرم، وذلك في حجة الوداع فوق رأسه" وفي الصحيحين كما ذكرنا: وسط رأسه "وهو يومئذ بلحيي جمل" وهذا مكان بين مكة والمدينة وإلى المدينة أقرب، ووهم من ظنه فكي الجمل، الحيوان المعروف، وأنه كان آلة الحجم، لحي الجمل، نعم يقول: كان هو آلة الحجم الذي يشرط فيها الجلد، توقع هذا، يعني مثل خلافهم في كون إبراهيم -عليه السلام- اختتن بالقدوم، هل هو الآلة الذي هو الفأس وإلا موضع؟ هذا نظير ذاك، فالأوضح في الحديثين أنه موضع.(75/13)
وفيه الحجامة في الرأس وغيره أيضاً للحاجة، ولو أدت إلى قلع الشعر، وهل يفدي أو لا؟ لأنه احتاج إلى محظور، والمحظورات -محظورات الإحرام- لا شك أن فيها الفدية، من تعمدها فيها الفدية، لكن إن كان مع تعمده لها محتاجاً إليها فلا إثم، وإن كان بدون حاجة فالإثم، وهنا محتاج لا إثم عليه، لكن هل يفدي أو لا يفدي؟ ما نقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه فدى، لكن هذا هو الأصل في حديث كعب بن عجرة أذن له النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يحلق رأسه؛ لأنه محتاج إليه، وألزمه بفدية الأذى، وهذا منها، لكن هل يقال: إن المحلوق في الحجامة يختلف عن المحلوق في رأس كعب مثلاً؟ ذاك حلق كامل واحتاج إلى فدية، وهذا يحلق جزء منه فيفرق بينهما من هذه الحيثية، مع أن ما يلزم به من فدية عند أهل العلم منهم من يقول: بثلاث شعرات، ومنهم من يقول: ربع الرأس، فمثل هذا لا شك أنه محتاج إليه، الحجامة حاجة، فعلى قولهم طرداً لقولهم أنه إذا احتاج المحظور يرتفع عنه الإثم وتلزمه الفدية، والفدية هنا فدية أذى، يخير بين أن يذبح شاة وبين أن يصوم وبين أن يطعم ستة مساكين.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: "لا يحتجم المحرم إلا مما لا بد له منه" يعني لا بد أن يكون محتاج ومضطر إلى ذلك، فإن احتجم لغير حاجة أثم إن لزم من ذلك قلع شعر، لكن لو احتاج أن يحتجم أو لو احتجم من غير حاجة، نعم احتجم في موضع لا شعر فيه يلزمه شيء وإلا ما يلزمه؟ لا يلزمه شيء، لكن لو كان بحاجة إلى الاحتجام ويسوف من سنين وهو يبي يحتجم ويوم أحرم قال:. . . . . . . . . فرصة نحتجم الآن، النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو محرم، ولا يضيره أن يؤخره أسبوع أو عشرة أيام أو شهر؛ لأنه من مدة طويلة وهو يسوف، يعني من غير حاجة ملحة، قد يكون أصل الحاجة موجود، لكن لا فرق بين أن يحتجم وهو محرم أو ينتظر عشرة أيام أو شهر حتى، هل نقول: هذه حاجة؟ أو نقول: إنه احتاج إلى هذا الأمر بمعنى أنه أصيب بالشقيقة في الحج وقيل له: علاجك بالحجامة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وهو محرم على كل حال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .(75/14)
أنا أقول: هل قولهم حاجة مسمى الحاجة أدنى الحاجة أو أنه يسوف له مدة طويلة بيحجم بيحجم ما تيسر له، فرصة شاف حجام أو الحلاقين قال .. ، وقد يتعبد بهذا، افترض شخص قال: احتجم النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو محرم، لماذا لا أحتجم وأنا محرم اقتداءً به -عليه الصلاة والسلام-؟ نقول: حجامته -عليه الصلاة والسلام- للحاجة، فإن كنت محتاجاً فاقتدِ به وإلا فلا، هذا إذا لزم عليها أخذ شيء من الشعر؛ لأن قطع الشعر من محظورات .. ، حلق الشعر من محظورات الإحرام.
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان لا. . . . . . . . . ما لك فيه بأس -إن شاء الله-.
"أنه كان يقول: "لا يحتجم المحرم إلا مما لا بد له منه" فإن احتجم لغير حاجة أثم إن لزم من ذلك قلع شعر، "قال مالك: "لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة" لأنه يلزم عليها أخذ شعر؛ ولأنها تضعفه، كما منع المحرم من الصيام يوم عرفة لئلا يضعف، منع الحاج من الصيام يوم عرفة لئلا يضعف فهذه تضعفه أيضاً، تلحق به، لكن القول بالتحريم لا يتجه في مثل هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني اللي يحلق ربع الرأس ما عليه شيء؟ طيب اللي يحلق نصف دون النصف ويش يلزمه؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا قلنا: الحكم للأكثر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذن ما ينضبط نقول الحكم للغالب، نرجع إلى الحاجة، ومع الحاجة هل يفدي أو لا يفدي؟ قاعدتهم المطردة أن من احتاج إلى محظور له أن يتعمد ارتكاب هذا المحظور لكن يلتزم بلوازمه.
طالب:. . . . . . . . .
ما نقل، لا.
طالب:. . . . . . . . .
لكنه لما أمر كعب بن عجرة أن يحلق شعر رأسه، ونزلت فيه الآية أمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يفدي.
طالب:. . . . . . . . .
حجامة بدون شعر ما فيها شيء، ما حد يلزمه، لكن الكلام على الشعر {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [(196) سورة البقرة] فيه أذى من رأسه ألزم الفدية، ألا يكفينا في هذا القرآن؟ {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [(196) سورة البقرة] يعني فالواجب فدية.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذه في حجة الوداع هذه.
طالب:. . . . . . . . .
هذه في حجة الوداع.
طالب:. . . . . . . . .
قبل أن يحتجم فحجامته في حجة الوداع. . . . . . . . .(75/15)
الموطأ كتاب - الحج (13)
شرح: باب: ما يجوز للمحرم أكله من الصيد، وباب: ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما يجوز للمحرم أكله من الصيد:
حدثني يحيى عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله التيمي عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري عن أبي قتادة -رضي الله عنه-: أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم فرأى حماراً وحشياً فاستوى على فرسه فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا عليه فسألهم رمحه فأبوا فأخذه ثم شد على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبى بعضهم، فلما أدركوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سألوه عن ذلك فقال: ((إنما هي طعمة اطعمكموها الله)).
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير بن العوام -رضي الله عنه- كان يتزود صفيف الظباء وهو محرم.
قال مالك -رحمه الله-: والصفيف القديد.
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن عطاء بن يسار أخبره عن أبي قتادة -رضي الله عنه- في الحمار الوحشي مثل حديث أبي النضر إلا أن في حديث زيد بن اسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((هل معكم من لحمه شيء؟ )).(76/1)
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال: أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عمير بن سلمة الضمري عن البهزي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء إذا حمار وحشي عقير، فذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه)) فجاء البهزي وهو صاحبه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر -رضي الله عنه- فقسمه بين الرفاق، ثم مضى حتى إذا كان بالأثاية ....
بالأثابة.
أحسن الله إليك.
باء وإلا ياء؟
بالباء، أحسن الله إليك.
حتى إذا كان بالأثابة بين الرويثة والعرج إذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم فزعم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر رجلاً أن يقف عنده لا يريبه أحد من الناس حتى يجاوزه.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه أقبل من البحرين حتى إذا كان بالربذة وجد ركباً من أهل العراق محرمين، فسألوه عن لحم صيد وجدوه عند أهل الربذة، فأمرهم بأكله، قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: ثم إني شككت فيما أمرتهم به، فلما قدمت المدينة ذكرت ذلك لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقال عمر: ماذا أمرتهم به؟ فقال: أمرتهم بأكله، فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لو أمرتهم بغير ذلك لفعلت بك" يتواعده.
وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يحدث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه مر به قوم محرمون بالربذة فاستفتوه في لحم صيد وجدوا ناساً أحلت يأكلونه فأفتاهم بأكله قال: ثم قدمت المدينة على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فسألته عن ذلك، فقال: بن ....
بمَ أفتيتهم؟
أحسن الله إليك.
فقال: بم أفتيتهم؟ قال: فقلت: أفتيتهم بأكله، قال: فقال: عمر لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك.(76/2)
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن كعب الأحبار أقبل من الشام في ركب حتى إذا كانوا ببعض الطريق وجدوا لحم صيد، فأفتاهم كعب بأكله، قال: فلما قدموا على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بالمدينة ذكروا ذلك له، فقال: من أفتاكم بهذا؟ قالوا: كعب، قال: فإني قد أمرته عليكم حتى ترجعوا، ثم لما كانوا ببعض طريق مكة مرت بهم رجل من جراد فأفتاهم كعب بأن يأخذوه فيأكلوه فلما قدموا على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ذكروا له ذلك، فقال: ما حملك على أن تفتيهم بهذا؟ قال: هو من صيد البحر، قال: وما يدريك؟ قال: يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إن هي إلا نثرة حوت ينثره في كل عام مرتين.
وسئل مالك عما يوجد من لحوم الصيد على الطريق هل يبتاعه المحرم؟ فقال: أما ما كان من ذلك يعترض به الحاج، ومن أجلهم صيد فإني أكرهه وأنهى عنه، فأما أن يكون عند رجل لم يرد به المحرمين فوجده محرم فابتاعه فلا بأس به.
قال مالك -رحمه الله تعالى-: فيمن أحرم وعنده صيد قد صاده أو ابتاعه فليس عليه أن يرسله ولا بأس أن يجعله عند أهله.
قال مالك -رحمه الله- في صيد الحيتان في البحر والأنهار والبرك وما أشبه ذلك إنه حلال للمحرم أن يصطاده.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من محظورات الإحرام، ومن المحرمات في الحرم الصيد والاصطياد {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [(96) سورة المائدة] الصيد يطلق ويراد به الاصطياد، كما أنه يطلق ويراد به المصيد، تقول: هذا صيد للطائر المصيد، وهذا أيضاً مهنته الصيد أي الاصطياد، والآية فيها المنع من الاصطياد بالنسبة للمحرم، لا يجوز له أن يصيد، وأيضاً الصيد يحرم عليه إن صاده وهو محرم أو في الحرم، أو صيد من أجله.
"باب: ما يجوز للمحرم أكله من الصيد" المراد به هنا المصيد لأنه هو الذي يؤكل.(76/3)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن أبي النضر -سالم بن أبي أمية- مولى عمر بن عبيد الله التيمي عن نافع -بن عباس الأقرع المدني- مولى أبي قتادة الأنصاري -الحارث بن ربعي- عن أبي قتادة -مولاه- أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" عام الحديبية، أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذلك في عام الحديبية "حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة" موضع يقال له: القاحة بين مكة والمدينة "تخلف مع أصحاب له محرمين، وهو غير محرم" وكان -رضي الله عنه وأرضاه- صياد عداء رقاء للجبال، كانت هذه من أوصافه "فرأى حماراً وحشياً" وهو غير محرم وليس في الحرم، ما الذي يمنعه من اصطياده؟ في ما يمنع؟ ليس فيه ما يمنع؛ لأنه ليس بمحرم، وليس في الحرم "فاستوى على فرسه" علا عليه وصعد ورقيه "فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه" سوطه في الأرض، ناولوني السوط، قالوا: لا، "فأبوا عليه" وقالوا: لا نعينك على قتله، لماذا؟ لأنهم محرمون، لا نعينك على قتله "فسألهم رمحه فأبوا" نزل فأخذ الرحم "ثم شد على الحمار فقتله" أدركه وراء أكمة وطعنه برمحه فعقره "فأكل منه بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" له أن يأكل هو أو ليس له أن يأكل؟ له أن يأكل؛ لأنه لا يوجد ما يمنع من أكله، لا إحرام ولا حرم، أصحابه محرمون، اختلفوا، فبعضهم أداه اجتهاده إلى أن يأكل "فأكل منه بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبى بعضهم" عن الأكل، الذين أكلوا بناءً على أن المراد بالصيد الاصطياد، وهم لم يصطادوه ولم يعينوا على اصطياده، وأما الصيد إذا لم يصد من أجلهم، ولم يعينوا على اصطياده فرأوا أن ذلك جائز "وأبى بعضهم" امتنع بعضهم؛ لأنهم حملوا الصيد على المصيد، والمصيد محرم، إذا كان معنى الاصطياد المصيد فالاصطياد محرم، يعني مسألة اجتهادية؛ لأن اللفظة تطلق على هذا وعلى هذا، فإذا كانت المسألة اجتهادية والنص محتمل، والمكلف أهل للاجتهاد فيعمل اجتهاده فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد.(76/4)
هل يدخل الورع في مثل هذا أو لا يدخل؟ الآن إذا قلنا: إن اللفظ يدل على الاحتمالين على حد سواء فالورع يدخل، فدل على أن الصحابة يجتهدون في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- وفي وقت التنزيل، وهم من أهل الاجتهاد.
"وأبى بعضهم، فلما أدركوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سألوه عن ذلك" بأن ذكروا له القصة كاملة؛ لأن الحكم لا يتبين حتى تذكر كاملة، لو قيل: إن أبا قتادة صاد حماراً وحشياً، فلما صاده أكل بعضنا وبعضنا لم يأكل، نحتاج إلى استفصال، هل كان محرماً أو غير محرم؟ هل أنتم محرمون أو غير محرمين؟ هل أعانه منكم أحد؟ هل أشار إليه أحد؟ يحتاج إلى استفصال، لكن القصة ذكرت كاملة كما جاء في بعض الطرق.
"سألوه عن ذلك فقال: ((كلوا ما بقي من لحمها إنما هي طعمة –يعني طعام- اطعمكموها الله)) "، ((اطعمكموها الله)) أيهما أجود أن يقال: اطعمكموها الله، أو أطعمكم الله إياها؟ الآن هذا في تقديم المفعول على الفاعل، ولو قال: أطعمكم الله إياها، كان هو الأصل تقديم الفاعل على المفعول يجوز وإلا ما يجوز؟ يجوز، أطعمكم الله إياه، ويش المانع؟ ما في ما يمنع؛ لأن .. ، إلا أنه كل ما أمكن التعبير بالضمير المتصل كان أولى من التعبير بالضمير المنفصل لأنه أخصر، والتقديم والتأخير هنا جائز، ما في أدنى إشكال.
وفي هذا جواز أكل المحرم لحم الصيد إذا لم يكن منه إعانة على صيده، ولا إشارة سواءً كانت الإشارة قوية أو خفية، يستدل بها من أراد صيده عليه، فإن صاده المحرم أو صيد لأجله بإذن أو بغير إذنه حرم عند الجمهور، لماذا قيد الخبر بكونه لم يصد من أجله؟ في الرواية اللاحقة قال النبي -عليه الصلاة والسلام- وهي في الصحيحين: ((هل معكم من لحمه شيء؟ )) فقالوا: معنا رجله، فأخذها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأكلها، لماذا قيدناه بأنه لم يصد من أجله؟ للتوفيق بين النصوص؛ لأنه سيأتي في حديث الصعب بن جثامة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رده عليه، فالصعب إنما صاده من أجل النبي -عليه الصلاة والسلام- فرده عليه، وجاء في الخبر أيضاً صيد البر حلال كم ما لم تصيدوه أو يصد لكم، وسيأتي الإشارة إلى هذا.(76/5)
يقول أبو حنيفة: يجوز أكل ما صيد لأجله، ورده الجمهور، وهناك زيادة وردت عند الدارقطني أن أبا قتادة قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "إنما اصطدته لك" فلم يأكل منه، لكنها زيادة شاذة، الآن في إشكال كونه صاده له فلم يأكل منه، الحكم صحيح وإلا ما هو بصحيح؟ صحيح، لكن من أين جاء الشذوذ؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم مخالفته لما هو أقوى منه، فرواية الدارقطني والبيهقي وابن خزيمة عندهم هذه الزيادة إنما اصطدته لك فلم يأكل منه، لكنها زيادة شاذة مخالفة لما هو أوثق وأقوى من هذه الرواية، في الصحيحين وغيرهما أنه أكل -عليه الصلاة والسلام-.
جمع النووي كعادته -رحمه الله- في شرح المهذب احتمال أنهما قضيتان، النووي -رحمه الله تعالى- إذا اختلفت الروايات وأمكن الجمع في التعدد حمله على التعدد، ولو كان مرد الاختلاف إلى نقل الرواة، يعني لو اختلف الرواة في نقلهم للخبر حمله على تعدد القصة، كأنه يريد صيانة الرواة الأثبات الثقات عن أن يحكم على مروياتهم بالبطلان والشذوذ، لكن أئمة الحديث وجهابذته لا يقولون بمثل هذا، بل لا يترددون على الحكم على الراوي بالوهم إذا دلت القرائن على أنه وهم، لا يترددون في توهيم الراوي وتضعيف روايته إذا دلتهم القرائن على أنه وهم، وعندهم قرائن تقرب من اليقين؛ وذلكم لممارستهم أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجمع طرق الأخبار بحيث يتبين لهم حفظ الحافظ، وضبط الضابط، ووهم الواهم، النيسابوري ابن زياد؟ معروف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه حكم بأنها شاذة، وله كتاب في الزيادات والزوائد في الجمل المزيدة في الأحاديث، ولا يتردد في الحكم على مثل هذه بالشذوذ فهما منهجان لأهل العلم منهم من يجرؤ على توهيم الرواة وإن كانوا ثقات أثبات، ومنهم من يجبن عن ذلك، بل بعضهم يرده عن ذلك الورع، لكن إذا كانت الجرأة مبنية على علم راسخ، وقدم ثابت فلا مانع منها، وهي طريقة الأئمة الكبار من أهل العلم، لا يترددون في أن يقولون: هذه لفظة منكرة، وإن أتى بها من أتى بها، ولما مثلوا للمنكر مثلوا بتسمية الإمام مالك.
. . . . . . . . . ... ومالك سمّى ابن عثمان عمر(76/6)
والأئمة يسمونه عمرو بفتح العين، ومالك تفرد بتسميته عمر، وذكروه في مثال المنكر، قالوا:
نحو (كلوا البلح بالتمر) الخبر ... ومالك سمّى ابن عثمان عمر
قلت: فماذا بل حديث نزعه ... خاتمه عند الخلا ووضعه
لا يترددون في الحكم على الخبر أو على راويه بأن روايته منكرة، وعرفنا أن هذا سببه ليست الجرأة من فراغ كما يفعل بعض المتعالمين، بعض المتعالمين شباب أحداث في مسألة مختلف فيها، ويعيب بعضهم والثاني يسمع ما رآه من البدع في الحج، في مسائل مختلف فيها، يختلف فيها أئمة كبار، نعم، وهم أحداث يعني أنا لا أبالغ إذا قلت: إنهم في الثانوي، في التعليم العام، يتضايق واحد منهم من رؤية هذه البدع، ومن سماعه لها، وقد قال بها أئمة من أئمة الإسلام، هل هذا مرده إلى علم؟ هذا حمق وجهل.
على كل حال من أداه علمه -علمه الثابت الراسخ ما هي بالدعاوى- إلى رد خبر باجتهاد منه فله ذلك، وهذا صنيع أئمة الإسلام، وليس معنى هذا أن الباب يفتح لكل أحد، ليس معنى هذا أن الباب مفتوح لكل أحد، وبعض الناس ما يجرؤ هذه الجرأة والنووي يرى هذا ديدنه قد يكون الباعث عليه ورعه، وقد عرف بهذا وتحريه وتثبته، وقد يكون الداعي له أن قدمه في هذا الباب في باب الراوية ما وصلت إلى حد ما وصل إليه الأئمة الكبار، يعني لو جعلت النووي في كفة، وجعلت شيخ الإسلام في كفة في هذا الباب، وجدت شيخ الإسلام أجرأ من النووي، ولا يتردد بأن يحكم؛ لأن قدمه في هذا ثابتة، وإحاطته واطلاعه واسع حتى شهد له خصومه، قالوا: كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث، والحديث مخرج في الصحيحين.(76/7)
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن أباه الزبير بن العوام" ... في صلاة الكسوف الثابتة في الصحيحين وغيرهما أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها ركعتين، في كل ركعة ركوعان، هذا ثابت في الصحيحين، وهو الوجه المرجح، وجاء في صحيح مسلم ثلاث ركوعات وأربعة، وجاء في غيره خمسة ركوعات، وكلها مضافة إلى صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، والنووي في مثل هذا يحمل على تعدد القصة، وشيخ الإسلام يقول: أبداً المحفوظ ركوعان وما عداه شاذ، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما صلاها إلا مرة، وإبراهيم ما مات إلا مرة، ابن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولهذا نظائر كثيرة، ولا شك أن الناس في تركيبهم أيضاً يختلف من شخص إلى شخص.
يقول: ما المراد بحمار الوحش الوارد في الحديث؟
هو الحمار المعروف المخطط، الذي يعيش في البراري، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا لم يمكن الجمع، إذا أمكن الجمع ما يتردد، لكن لو لاحظنا إلى التفريق بين أهل العلم، بعض أهل العلم يكون نفسه الرواية، وبعضهم نفسه الدراية، بعضهم يهتم بالطرق، وبعضهم يهتم بالمتون، فالذي يهتم بالطرق وجمعها وأقوال أهل العلم فيها، تجد عنده شيء من هذا، نعم، والذين يهتمون بالدراية والمتون، ودراسة المتون، والتوفيق بين نصوصها المتعارضة تجدهم هذا منحاهم، وهذه على طريقة الفقهاء ماشية.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن أباه الزبير بن العوام كان يتزود صفيف الظباء وهو محرم، "قال مالك: والصفيف القديد" يعني اللحم الجاف، الصفيف اللحم الجاف، القديد، وكان إلى وقت قريب قبل انتشار المبردات والحافظات يقد اللحم ويجفف ويشمس، وهو صفيف بمعنى مصفوف، فعيل بمعنى مفعول؛ لأنه يصف في الشمس لكي يجف، فهو فعيل بمعنى مفعول.(76/8)
واستعمال القديد موجود، حتى أن بعضهم الآن يستعمله، لا من حاجة ولا عوز، أو لأنه ليس عنده آلات يبرد بها، لا، بل بعض علية القوم يستعملونه؛ لأن له طعم متميز، وبعض الناس من حبهم للرجوع إلى الماضي قليلاً يحبون مثل هذا، وقد يشترط بعضهم أن تكون الأكلة من هذا النوع، ويأتي في كتب الأدب شيء من كلام العرب مما يفهم منه ذم القديد الجاف، وأنه يوهن البدن ويضعفه، وعلى كل حال الحاجة تدعو إلى هذا أحياناً.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو اللي يسمونه القفر، نعم.
لماذا لم يحرم أبو قتادة؟ قيل: بعثه إلى طريق الساحل؟ نعم، بعثه النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى طريق الساحل، ومنهم من يقول: هو لم ينوِ حجاً ولا عمرة، لم ينوِ النسك، وأيضاً؟ نعم لو تعدى الميقات.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يجي، الرجعة ويش لون محرمين وهم بالرجعة؟ لا، ليس في الرجعة، أصحابه محرمون، المواقيت حدت في ذلك الوقت وإلا ما حدت؟ يعني عام الحديبية حدت المواقيت وإلا بعد ذلك؟ نعم؟ متى حددت المواقيت؟ تبحث، نريد تحديدها بالتحديد إذا نص أهل العلم على ذلك واستدلوا عليه.
يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم -العدوي مولى عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أن عطاء بن يسار أخبره عن أبي قتادة في الحمار الوحشي -يعني الذي مر ذكره في رواية أبي النضر- مثل حديث أبي النضر إلا إن في حديث زيد بن أسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فيه زيادة حديث زيد بن أسلم على حديث أبي النضر فيه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: " ((هل معكم من لحمه شيء؟ )) " فقالوا: معنا رجله، فأخذها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأكلها -عليه الصلاة والسلام-، فدل على حل أكل الصيد الذي صاده غير المحرم، حله للمحرم إذا لم يكن صيد من أجله.(76/9)
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال: أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عمير بن سلمة الضمري -صحابي- عن البهزي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج يريد مكة" البهزي زيد بن كعب السلمي صحابي أيضاً، وهل الحديث من مسنده أو من مسند عمير بن سلمة الضمري؟ يأتي في السياق "عن البهزي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء -موضع بين مكة والمدينة- إذا حمار وحشي عقير" عقير: يعني معقور، ضرب بسهم جعله لا يستطيع المشي، نعم "إذا حمار وحشي عقير، فذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فقيل: هذا حمار عقير "فقال: ((دعوه -اتركوه- فإنه يوشك أن يأتي صاحبه)) " الذي عقره "فجاء البهزي وهو صاحبه" الآن يقول: عن عمير بن سلمة الضمري عن البهزي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر القصة، فجاء البهزي وهو صحابه، هل يمكن أن يروي القصة ثم يقول: فجئت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار؟ الآن ظاهر السياق أن الحديث من مسند عمير بن سلمة أو من مسند البهزي؟ مسند عمير إذاً تكون عن هذه ....
طالب:. . . . . . . . .
لا، في (عن) تأتي لا للرواية، تأتي (عن) ولا يراد بها الرواية إنما يراد بها القصة، عن قصة البهزي، يعني كما في قولهم: عن أبي، إيش؟ أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، نسيته، إنما ذكروا اسمه، خرج عليه خوارج فقتلوه، هل يمكن أن يروى عنه بعد موته؟ نعم؟ عن فلان أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، يعني عن قصته، عن قصة فلان، وهنا عن قصة البهزي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى آخره، فتكون عن هذه لا للرواية، لكنها في هذا السياق، هو يحدث بها عن قصته التي أخبره بها، إيش المانع؟ تكون (عن) هذه ليست للرواية.
يقول: "فجاء البهزي وهو صحابه" أي صاحب الحمار الوحشي، والمصاحبة تطلق لأدنى مناسبة، تطلق المصاحبة والصحبة لأدنى مناسبة، ((إنكن لأنتن صواحب يوسف)) هذا قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- لمن؟ لأمهات المؤمنين ((لأنتن صواحب يوسف)) المصاحبة هنا لأدنى مناسبة.(76/10)
ووجه المناسبة بين صنيع أمهات المؤمنين مع صنيع صواحب يوسف، نعم، أظهرن ما لم يكن في الباطن، أبدين شيئاً لم يكن يقصدنه، وعائشة -رضي الله تعالى عنها- لما قالت لحفصة ....
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا العادة أن الذي يخلف عظيماً يكرهه الناس، يعني أنت افترض شخص كفؤ في محل مناسب من كل وجه، نعم، رأى ولي الأمر استغنى عنه وعين غيره في مكانه، لا شك أن الناس بيكرهونه، فكون أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- يقوم مقام النبي -عليه الصلاة والسلام- يكون في أنفسهم منه شيء، فعائشة أرادت أن لا يكون في أنفس الناس على أبيها شيء؛ لأنه وقف موقف النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقالت: إنه رجل أسيف، فأبدت ما لم تخفيه، وقالت لحفصة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يصر إلا أن يكون أبو بكر هو الذي يصلي بالناس.
"فجاء البهزي وهو صاحبه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار" يعني إغراء "بهذا الحمار، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر الصديق" وهو صاحبه، البهزي صاحبه، والأمر لا يعدوه، فإذا تنازل عنه لهم طاب أكله "فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر الصديق فقسمه بين الرفاق -الرفقة في السفر- ثم مضى حتى إذا كان بالأثابة -موضع أو بئر- بين الرويثة والعرج -موضع بين مكة والمدينة- إذا ظبي حاقف -منحنٍ رأسه بين يديه إلى رجليه- في ظل فيه سهم"، إذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم، يعني في الظل وإلا في الظبي؟ نعم؟ في ظل فيه سهم، الضمير يعود على أقرب مذكور؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب هم يقولون: الضمير يعود إلى أقرب مذكور، لا يمكن عوده إليه، نعم، إلى أقرب مذكور مما يمكن عوده إليه "في ظل فيه سهم فزعم" والزعم يطلق ويراد به القول، نعم يطلق زعم بمعنى قال، وهذا وارد وكثير في النصوص، وكثيراً ما يقول سيبويه في كتابه: زعم الكسائي ويوافقه، دل على أن الزعم هنا بمعنى القول "فزعم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر رجلاً" لم يسمّ هذا الرجل "أن يقف عنده" حارس، يقف عنده يحرسه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(76/11)
يرد، يرد، يعني في الكلام المشكوك به، يأتي، لكن ليس مطرد، إنما يأتي ويراد به أيضاً معنى (قال) "فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً أن يقف عنده" كالحارس له، بحيث "لا يريبه أحد من الناس" لا يحركه ولا يهيجه أحد من الناس "حتى يجاوزه" على ذكر التحريك والتهييج لو أن شخصاً أثار صيداً نفره، فهم يقولون في أمثلتهم: فأكلته حية، أو وقع في بئر، أو .. ، لكن عندنا الأمثلة الحية الآن عندنا المروحة لو أثار حمام في الحرم مثلاً وضربته المروحة وطاح ميت، عليه وإلا ما عليه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ينفر صيده، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، عندهم هذا إتلاف، كثير من أهل العلم لا يفرق بين الإتلاف وعدمه مع أن التعمد منصوص عليه في الآية {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا} [(95) سورة المائدة] يعني في المباشرة فكيف بالتسبب؟ وبعضهم يقول: لو وقع طائر على ثوبه، ثوبه معلق يبي يلبس الثوب، ينتظر إلى أن يطير الطائر وإلا إيش يسوي به؟ فأخذ الثوب ثم طار فعرض له ما يتلفه يضمن عنده، نعم، لكن العمد منصوص عليه في الآية في المباشرة، ففي التسبب من باب أولى.
"لا يريبه أحد من الناس" لا يحركه ولا يهيجه أحد من الناس، يعني لئلا يريبه، وجد هذا الحارس "حتى يجاوزه" لأنه لا يجوز للمحرم أن ينفر الصيد ولا يعين عليه.
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
عند بعضهم إي نعم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يضمن إذا قصد الإتلاف، متعمد، في حقوق الآدميين وإلا في حقوق الله؟ فرق بين حقوق الآدميين؛ لأنه في حقوق الآدميين العمد وعدمه سواء؛ لأنه ليس من باب الحكم الشرعي {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] لكن يبقى أنه من باب الحكم الوضعي، هذا تسبب في إتلاف مال المسلم يضمن سواءً كان عامد .. ، من هذا قتل الخطأ.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لو كان مملوك لإنسان نعم، يكون من باب ربط الأسباب بالمسببات، أما في حق الله -جل وعلا- {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] وقال: قد فعلت.(76/12)
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة أنه أقبل من البحرين" من البحرين موضع معروف في شرق الجزيرة العربية يطلق بمعنىً أعم، وبمعنىً أخص، فيشمل الجزء الشرقي بالمعنى الأعم، وعلى الجزيرة المعروفة بالمعنى الأخص، وهو تثنية بحر، والأصل فيه بحران، نعم، ثم حكي بعد ذلك فلزم الياء، تقول: هذا البحرين، ما تقول: هذا البحران، أو هذان البحران، وجئت من أبو ظبي، ما تقول: من أبي ظبي، لأنه خلاص لزم هذه الصيغة، فالنسبة إلى البحرين بحريني وإلا بحراني؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هم يفرقون، دعونا من التفريق العقدي يقولون: بحراني هذا لغير أهل السنة، وبحريني لأهل السنة، البحراني معروف هذا عندهم، في بحث للشيخ إسماعيل الأنصاري أظن في مجلة المنهل احتمال هذا أنه حقق أن النسبة إلى البحرين بحراني مطلقاً، بإرجاعه إلى أصله بعد خلوه من العوامل المؤثرة، الأصل في المثنى أنه مرفوع قبل دخول العوامل، ثم بعد ذلك ينسب إلى أصله؛ لأنه في النسب ترد الأمور إلى أصولها، لكن إذا التبس هذا، شخص من خيار أهل السنة، ومن خيار الناس تقول له: بحراني، ويلتبس بشرار الناس هذا ما هو بصحيح، نعم؛ لأن هذا يوقع في لبس، وإن كان من حيث العربية له وجه.
"أنه أقبل من البحرين" ... في كتب البلدان القديمة تقول: موضع مثلاً بين البصرة وعمان، يعني هذا مثل إيش؟ الجهاز اللي يستعملونه الآن للتحديد، ويش يسمونه؟
طالب:. . . . . . . . .
جارمان؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، يعرفونه الإخوان، الصيد والرحلات نعم، مثل الجارمن، بين البصرة وعمان، كم من ألف كيلو؟ وقالوا: في فيد -قرية في شمال الجزيرة- قالوا: بين مكة والبصرة، يعني اركب البعير وعلى طول تبي تقف -إن شاء الله- ...
طالب:. . . . . . . . .(76/13)
لا، لكن عندهم هم الطرق معروفة ومسلوكة لا تميل يمين ولا يسار، طريق الحاج من البصرة إلى مكة ما يميل لا يمين ولا يسار، معروف القرى التي يمر بها، فتكون بين مكة والبصرة، أنت إذا قصدت مكة تبي .. ، لا بد أن تقع في هذا الموقع، وكان عاد يعني تحديدهم ما هو بدقيق، معروف، ما له دقة عاد؛ لأن هذه براري وقفار، ومساحات شاسعة، فكيف يتوصل إلى معرفتها بدقة على طريقتهم؟ الآن هنا الخرائط، وهنا المقاييس، وهنا .. ، أمور محددة، بل عندهم الآن لو جعل الوحدة الطرفية لما يراد الوصول إليه في موضع الوحدة الثانية لا بد من الوقوف على تلك الوحدة، نعم، لا بد من الوقوف عليها بدقة، وهذا يستعملونه بدقة في الحروب.
"يحدث عن أبي هريرة أنه أقبل من البحرين حتى إذا كان بالربذة وجد ركباً من أهل العراق محرمين" الربذة قرية كانت إلى وقت قريب وأهل العناية بالبلدان يجزمون بأنها الحناكية، ثم خرج لجان من أهل التحري والتتبع، ودراسة أوضاع القرية فوجدوا أن في الربذة ما لا يوجد في الحناكية، ثم أداهم اجتهادهم إلى أنها بعيدة جداً عن الحناكية، بالربذة هذه التي نفي إليها أبو ذر -رضي الله تعالى عنه-، ومات فيها "وجد ركباً من أهل العراق محرمين" يعني أحرموا قبل الميقات "محرمين فسألوه عن لحم صيد" سألوا أبا هريرة هؤلاء المحرمون، سألوه عن لحم صيد "وجدوه عند أهل الربذة" الحمام صيد، جاء هؤلاء وهم محرمون، ودخلوا على بندة وإلا غيرة بندة، ووجدوا حمام يأكلون وإلا ما يأكلون؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
صيد، صيد، صيد يا أخي دعنا من الدجاج، ذا حمام صيد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما صيد لهم.
"فسألوه عن لحم صيد وجدوه عند أهل الربذة فأمرهم بأكله" لماذا؟ لأنمم لم يصيدوه، ولم يصد من أجلهم، قال أبو هريرة .... طيب، لم يصيدوه ولم يصد من أجلهم، في حمام يباع مثلاً بالمشاعر هذا الحمام معد لمن؟ في أحد غير الحجاج، هل نقول: إن هذا الحمام صيد من أجل الحجاج فلا يأكلونه؟
طالب:. . . . . . . . .(76/14)
لا، لا الذين يخدمون إنهم لا عبرة بهم، نفر يسير، نعم لكن شخص معه حمام مورد مستورد نعم، جاء به للمشاعر هو قصد بيعه على الحجاج، فهل قصد صيده من أجل الحجاج؟ لا، هو مجمد، يعني يباع بالمشاعر، أو يباع بالرياض أو بمصر أو بغيرها من البلدان لا فرق، فلم يصد من أجلهم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، حكمه. . . . . . . . . صيد صيد كله، صيد، لكن الذي يصيد نقول: فرصة الموسم يبي يصرف كل ما نصيده، نعم فيكون صاده من أجل الحجاج أو يكون صاده من أجل حاج بعينه؟ وهذا الشخص الذي يأكل ما صيد من أجله بعينه، يعني افترضنا أنه وقت صيد، وخرج مجموعة، جمع غفير من الناس يصيدون من أجل هذا الموسم، يتكسبون من جهة، وينفعون إخوانهم بتوفير اللحم لهم، هل نقول: إن قصد الحجاج بهذا وقصد هذا الموسم أنه صيد من أجلهم؟ أو صاده من أجل نفسه ليتكسب به ثم يبيعه من حاج أو غير حاج؟ أنا أقول: مثل هذه النية تؤثر في الحكم أو لا تؤثر؟ نعم، أنا أقول: هذا يقول: أنا صائده للحجاج، أنا أبيعه للحجاج، هل هذا معناه أنه صاده لهم؟ نعم؟
طالب: لا، هو ليس لهم، يسترزق.
صاده لنفسه، وإن أكله الحجاج، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
صاده لنفسه، لمصلحته هو.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن هل صاده لهم في الأصل من أجل الحجاج ليعينهم به أو صاده لشخص بعينه؟ أنت افترض شخص صاد حمار وحش، وهو شخص واحد وهو يكفي مائة أو عشرة قل على الأقل، ولا وجد إلا حجاج، نعم أو يغلب على ظنه أنه لن يوجد إلا حجاج، فقال: أنا أصيد هذا، وآكل منه، وأتصدق بباقيه، أو أهدي باقيه، لكن هل يشترط تعيين المصيد من أجله؟ أو يكفي النية المطلقة أنه لا يصاد لحاج، ولو لم يعين، نعم؟
طالب: مؤثر؟
إيه مؤثر؛ لأنه ما صاده من أجله، صاد من أجل الدراهم، طيب هذا بغير عوض، أنا أقول: هذا حمار وحش آكل رجل منه أو يد والباقي أتصدق به على الحجاج أو أهديه إليهم، حتى من أصل النية، هل يقصد التعيين أنه صاده لزيد من الناس؟ إذا صاده من أجل شخص معين، هذا لا إشكال فيه أنه لا يجوز، لكن لو صاده وقال: أنا أتصدق به على الحجاج وهم محرمون، هل نقول: إنه صاده من أجلهم؟(76/15)
طالب:. . . . . . . . .
هو بيا ... ، صاده لنفسه، أو صاده لأناس غير معينين من الحجاج؟
طالب: حديث أبي قتادة هذا حديث أبي قتادة فيه إشارة إلى هذا؛ لأنه الحمار ما آكله لحاله أبو قتادة، يأكلوه .... وقال لهم: كلوا، فيه ميل إلى أنه كان منهم، لكن لم يصده من أجلهم لنفسه وهم، ولذلك أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بأكله، لكن لم يصده بعينه لفلان، فيه إشارة. . . . . . . . .
نعم؟
طالب: مثل أول حديث. . . . . . . . . يدل على أنهم صاده من أجل أن يضيفهم.
لا ما في ما يدل على هذا، أنت افترض شخص يقول: زمن صيد، وأنا أريد أن أنفع الحجاج، وبر الحج إطعام الطعام، وأصيد لي عشرة من حمار الوحش وأوزعه على الحجاج، أنا ما قدامي إلا حجاج، لكن من غير قصد أناس معينين، صاده لهم، ولا أكل أبداً هو، عنده حوافظ، وكل ما صاد حطه بحافظة.
طالب: من باب الصدقة؟
نعم؟
طالب: من باب الصدقة.
لكنه صاده من أجل الحجاج على نية العموم لا على نية الخصوص.
طالب: هم لا يعلمونه.
لا، لعل في الباب ما يكشف.(76/16)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "فسألوه عن لحم صيد وجدوه عند أهل الربذة فأمرهم بأكله" وعرفنا السبب أنهم لم يصيدوه، ولم يصد من أجلهم "قال أبو هريرة: ثم إني شككت فيما أمرتهم به، فلما قدمت المدينة ذكرت ذلك لعمر بن الخطاب" يعني مع هيبة عمر، ومع قوته في الحق إلا أن الأمر وهذه الفتاوى أخذت تساور أبا هريرة لتحريه وورعه واحتياطه لذمته شك فلما قدم المدينة ذكر ذلك لعمر بن الخطاب "فقال عمر: ماذا أمرتهم به؟ فقال أبو هريرة: أمرتهم بأكله" وهذا فيه التفات وإلا فالأصل أن يقول: فقلت: كلوه، "فقال: أمرتهم بأكله، فقال عمر بن الخطاب: "لو أمرتهم بغير ذلك لفعلت بك" يتواعده" في الرواية التالية: لأوجعتك، الرواية التي ... : "لو أفتيتهم بمنع أكله لأوجعتك" في الحديث الذي يليه يقول: "وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه سمع أبا هريرة يحدث عبد الله بن عمر أنه مر به قوم محرمون بالربذة فاستفتوه في لحم صيد وجدوا ناساً أحلة -جمع حلال، وهم من أهل الربذة- يأكلونه فأفتاهم بأكله، قال: ثم قدمت المدينة على عمر بن الخطاب فسألته عن ذلك" يعني شكي في فتواي، كما يدل على ذلك الرواية السابقة "فقال: بمَ أفتيتهم؟ فقلت: أفتيتهم بأكله" والعلة ما ذكرنا "قال: فقال عمر: لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك" يعني بالضرب أو بالتقريع، وفي هذا ما يدل على أن ولي الأمر عليه أن يهتم بهذا أشد الاهتمام، ولو أدى ذلك إلى الضرب، لأن هذا الأمر حفظ الأديان من أولى ما يعنى به ولي الأمر، وإلا لضاعت أديان الناس، لو ترك الناس يفتون بغير علم فيضلون ويضلون هذه مشكلة توقع الناس في ضلال مبين، فعلى ولي الأمر أن يتدخل في مثل هذه الأمور التي تؤدي إلى ضياع الدين بضياع الفتوى، هذا عمر يقول: "لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك" فهؤلاء الذين يتساهلون في الفتوى، أو يفتون بغير علم، أو تكثر عندهم الشواذ، مثل هؤلاء يمنعون، وهذه من وظائف ولي الأمر.(76/17)
المقصود أن عمر -رضي الله تعالى عنه- عرف بهذا، القوة في الحق، ومثل هذا يورد لبيان فقه أبي هريرة من وجوه، أولاً: إصابته الحق، الأمر الثاني: خوفه من الله -جل وعلا- أن يكون لم يصب، فأراد أن يتثبت مع ما في المسألة من هيبة عمر، ما منعته هيبة عمر من أن يتثبت، وهذا هو العلم، ليس العلم بالجرأة إنما العلم بالورع.
وليس في فتواه مفتٍ متبع ... ما لم يضف للعلم والدين الورع
لا بد من هذا، عمر -رضي الله عنه- أراد أن يختبر أبا هريرة فقال له: يا أبا هريرة إذا طُلقت المرأة طلقة واحدة أو اثنتين ثم تزوجت بآخر ثم رجعت إلى الأول تعود بطلقاتها أو تستأنف؟ معروف أنها إذا كانت بائن، طلقت ثلاثاً ثم تزوجت، ثم تزوجها الأول ثانية، تعود صفر، تستأنف من جديد، تبدأ بالعد من جديد، لكن لو طلقت طلقتين هل نقول: إنها تبدأ من جديد كالبائنة أو نقول: إنها ترجع بطلقاتها ويبقى له واحدة؟ نعم؟ ترجع بطلقاتها، يبقى له واحدة فقط، وقال له عمر نفس الكلام هذا، لو قلت غير هذا لأوجعتك، وهذا اختبار من عمر -رضي الله تعالى عنه- لمن يتصدى للإفتاء مثل أبي هريرة، وهذا استدل به شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- على فقه أبي هريرة، وهذا لدفع قول من يقول: إن أبا هريرة راوية غير فقيه، ويشترطون في قبول رواية الراوي أن يكون فقيهاً، لكن هذا قول مردود، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا قول أبي هريرة وعمر بعد ما إحنا معارضينه -إن شاء الله-، وقال: لو أفتيت بغير هذا لأوجعتك، لكن إحنا ما عندنا حد يوجع الحين.(76/18)
يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن كعب الأحبار -الحميري التابعي المشهور- أقبل من الشام في ركب حتى إذا كانوا ببعض الطريق وجدوا لحم صيد -صاده حلال- فأفتاهم كعب بأكله قال: فلما قدموا على عمر بن الخطاب بالمدينة ذكروا ذلك له فقال: من أفتاكم بهذا؟ قالوا: كعب قال: فإني قد أمرته عليكم حتى ترجعوا" يعني إمارة جزئية على هؤلاء الركب وإلا فالحاج له أمير، ومكة لها أمير، نعم لأن الإمارات تتجزأ، والصلاحيات تتوزع، نعم فهي إمارة جزئية "فإني قد أمرته عليكم حتى ترجعوا ثم لما كانوا ببعض طريق مكة مرت بهم رجل من جراد -قطيع من جراد- فأفتاهم كعب بأن يأخذوه فيأكلوه فلما قدموا على عمر بن الخطاب ذكروا له ذلك، فقال: ما حملك على أن تفتيهم بهذا؟ " أي بأكل الجراد وهم محرمون، ومعروف أن الجراد يصاد، نعم فتشمله الآية، فهو صيد، ومصيد "ما حملك على أن تفتيهم بهذا؟ " يعني بأكل الجراد وهم محرمون؟ "قال: هو من صيد البحر" والله -جل وعلا- يقول: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [(96) سورة المائدة] "قال: هو من صيد البحر، قال: وما يدريك؟ " ما الذي يعلمك؟ رأيته يخرج من البحر؟ نعم؟ "قال: يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إن هي -يعني (إن) هذه نافية بدليل وجود الاستثناء بعدها- إن هي إلا نثرة حوت -عطسة، عطس الحوت فخرج الجراد- إن هي إلا نثرة حوت ينثره -يعني يرميه متفرقاً، يعطس ويطلع الجراد ذا- ينثره في كل عام مرتين" وورد به حديث مرفوع عند ابن ماجه عن أنس أن الجراد نثرة حوت من البحر، لكنه حديث ضعيف، والأكثر على أن الجراد بري وليس ببحري، فلا يجوز صيده وفيه الجزاء، ومن قال: بأنه بحري ولا جزاء فيه اعتمد على مثل هذا وهو ثابت، يعني قرره كعب الأحبار بحضور عمر -رضي الله تعالى عنه-، وهذا مما يتلقى عن بني إسرائيل مما لا يصدقون فيه ولا يكذبون، نعم، لكن المشاهدة والواقع بعد التتبع من جهات تعنى به يدل على خلاف هذا، نعم، والمسألة اجتهادية، يعني من اقتنع، بلغه مثل هذا الخبر واقتنع به، وقال: إن كعب ذكره في محضر(76/19)
عمر -رضي الله تعالى عنه- وسكت، وقال به بعض الصحابة أنه بحري، بناءً على هذا، وثبت عن بعض الصحابة أنه بحري، أما الحديث المرفوع فهو ضعيف لا يصح، فالمسألة اجتهادية، والذي يراه بحري لا جزاء فيه، والذي يقول: هو بري فيه الجزاء، فيتصدق بدرهم أو بقبضة طعام أو ما أشبه ذلك، وأقيامه ترتفع وتنخفض، نعم، أحياناً يكفي قبضة من طعام، وأحياناً تمرة، وأحياناً كذا، والآن سعر الجراد أظن أغلى بكثير، نعم، كان الناس يخرجون لاصطياده ويتقوتون عليه، وسافروا مع النبي وغزوا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- سنين يأكلون الجراد، وواحد من المشايخ يقول: إنهم صادوا جراد ووضعه في كيس، فطلبت المدرسة هندسة، من أين هندسة ذاك الوقت؟ قالوا: بكم الهندسة؟ بخمسة ريالات، وبعث الجرد لبلد آخر وبيع بخمسة واشتروا هندسة، واحد من المشايخ المشاهير، المقصود أن المسألة قابلة للاجتهاد، والذي يغلب على الظن أنه بري، ويشهد الواقع بهذا.
"وسئل مالك عما يوجد من لحوم الصيد على الطريق" والرسول -عليه الصلاة والسلام- أكل الجراد، وأكل بحضرته فهو حلال، إلا ما يذكر عن جراد الأندلس، وأنه في سم، يعني سام هذا الجراد، فيمنع للضر لا لأن الجراد ممنوع "وسئل مالك عما يوجد من لحوم الصيد على الطريق هل يبتاعه المحرم؟ " يعني يشتريه المحرم؟ "فقال: أما ما كان من ذلك يعترض به الحاج -يقصد به الحاج- ومن أجلهم صيد فإني أكرهه" هذا يدل على أن النية العامة كافية، نعم، إذا قال: موسم الحج بيصيد من أجل الحاج ليبيع عليهم فتنفق سلعته في هذا الموسم نية عامة لا يقصد به حاجاً بعينه، ولا يقصد به الإهداء إلى الحاج إرفاقاً بهم، إنما يقصد بيعه على الحجاج، نعم، إنما يقصد به البيع على الحجاج، يعني فرق بين أن يجعله في محل يرتاده الحجاج وغيرهم على محل سواء، هذا مثل الربذة ما في إشكال نعم، لكن إذا قصد موضع ما فيه إلا حجاج، ويجزم بأنه لن يشتريه إلا حجاج، فهو يقصد الحجاج بهذا، هذا الذي يقصده مالك.(76/20)
يقول: "فقال: أما ما كان من ذلك يعترض به الحاج -يعني يقصد به الحاج- ومن أجلهم صيد فإني أكرهه" والمراد بذلك كراهة تحريم "وأنهى عنه" تحريماً، وكأنه أتى به إشارة إلى أن مراده بالكراهة كراهة التحريم، "فأما أن يكون عند رجل لم يرد به المحرمين -بحج أو عمرة- فوجده محرم فابتاعه فلا بأس به" أي يجوز له شراءه كما في فتوى أبي هريرة -رضي الله عنه-.
"قال مالك فيمن أحرم وعنده صيد قد صاده أو ابتاعه فليس عليه أن يرسله" من أحرم وعنده صيد قد صاده قبل أن يحرم، أو ابتاعه اشتراه قبل أن يحرم واستصحبه معه "فليس عليه أن يرسله -يطلقه- ولا بأس أن يجعله عند أهله" أي يبقيه عندهم، لكن لو صاد صيد قبل أن يحرم ثم أحرم وهو بيده حي، له أن يذبحه؟ ليس له أن يذبحه بعد أن نوى الدخول في النسك.
هل له أن يبعثه إلى أهله في بلده وهو حي؟ ليس له ذلك بل يجب عليه أن يرسله، يطلقه إذا كان حي؛ لأن الصيد ما بعد تم، يعني مجرد الإمساك ليس بصيد.
يقول: "ولا بأس أن يجعله عند أهله" أي: يبقيه عندهم، وليس المراد أنه يبعث به بعد إحرامه ومعه إلى أهله، يعني لو افترض أن عنده تجارته بالحمام مثلاً للبيع للأكل، نعم في بلده ثم أحرم هل يقال: اتصل على أهلك يفتحون الباب .. ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ليس. . . . . . . . .؛ لأنه ما صاده محرم، ولا صادها في حرم، وليس عليه أن يرسلها، يطلقها.
"قال مالك في صيد الحيتان" وغيرها من صيد البحر "في البحر والأنهار" يعني سواءً كانت المياه المالحة أو العذبة "والبرك وما أشبه ذلك" كالغدير "أنه حلال" {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [(96) سورة المائدة] فصيد البحر حلال "فللمحرم أن يصطاده" بنص القرآن، لكن هل هناك من الصيد صيد يعيش في البر والبحر؟ يصير برمائي؟ نعم؟ فيه طيور يمكن أن تعيش في الماء؟ نعم؟ مائية؟
طالب:. . . . . . . . .
برمائية، إذاً إذا وجد من هذا النوع برمائي مما يصاد وبالإمكان أن يعيش في البر، وأحياناً يعيش في البحر في مثل هذا يغلبون جانب الحظر فلا يصاد.
نأخذ الباب.
طالب: نأتي به سريعاً.
سم.
أحسن الله إليك.(76/21)
باب: ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- عن الصعب بن جثامة -رضي الله عنه- ...
تشديد جثَّامة.
أحسن الله إليك.
عن الصعب بن جثَّامة الليثي -رضي الله عنه- أنه أهدى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حماراً وحشياً وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما في وجهي، قال: ((إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم)).
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الرحمن بن عامر بن ربيعة قال: "رأيت عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بالعرج وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان، ثم أتي بلحم صيد فقال لأصحابه: كلوا، فقالوا: أو لا تأكل أنت؟ فقال: إني لست كهيئتكم إنما صيد من أجلي".
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت له: "يا ابن أختي إنما هي عشر ليال فإن تخلج في نفسك شيء فدعه" تعني أكل لحم الصيد.
قال مالك -رحمه الله- في الرجل المحرم يصاد من أجله صيد فيصنع له ذلك الصيد فيأكل منه وهو يعلم أنه من أجله صيد فإن عليه جزاء ذلك الصيد كله.
وسئل مالك عن الرجل يضطر إلى أكل الميتة وهو محرم أيصيد الصيد فيأكله أم يأكل الميتة؟ فقال: بل يأكل الميتة، وذلك أن الله -تبارك وتعالى- لم يرخص للمحرم في أكل الصيد، ولا في أخذه في حال من الأحوال، وقد أرخص في الميتة على حال الضرورة".
قال مالك: وأما ما قتل المحرم أو ذبح من الصيد فلا يحل أكله لحلال ولا لمحرم؛ لأنه ليس بذكي كان خطأ أو عمداً فأكله لا يحل، وقد سمعت ذلك من غير واحد، والذي يقتل الصيد ثم يأكله إنما عليه كفارة واحدة مثل من قتله ولم يأكل منه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد" في الباب السابق ما يحل، وهو ما لم يصده أو يصد من أجله، والباب الثاني: ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد وهو ما صاده بنفسه أو صيد من أجله.(76/22)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب -الإمام الجليل محمد بن مسلم الزهري- عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود -الهذلي أحد الفقهاء السبعة من التابعين- عن عبد الله بن عباس -حبر الأمة وترجمان القرآن- عن الصعب بن جثامة -بن ربيعة الليثي- أنه أهدى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حماراً وحشياً" هذه الرواية تدل على أنه كامل، حمار كامل، وحشي، في بعض الروايات: لحم حمار، وهذا لا يدل على كماله، وهي في مسلم، وفي رواية: رجل حمار، وفي رواية: عجز حمار وحشي، ويطلق الكل ويراد به البعض والعكس، فلا اختلاف بين هذه الروايات "وهو بالأبواء" يقولون: جبل بينه وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً "أو بودان" موضع قرب الجحفة، فهما موضعان متقاربان "فرده عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فتأثر؛ لأن رد الهدية لا شك أن فيه كسر لقلب المهدي، ولذا لما رد النبي -عليه الصلاة والسلام- الخميصة على أبي جهم، قال: ((أتوني بأنبجانية أبي جهم)) أو أبي جهيم، نعم، لكي يعرف أنه إنما رده لأمر، لا لأنه رده لذات المهدي بدليل أنه طلب منه غيرها لما رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا التأثر في وجهه قال تطييباً لقلبه: ((إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم)) يعني محرمون، ولأجل أننا محرمون رددناه عليك، وهذا محمول على أن الصعب صاده من أجله -عليه الصلاة والسلام-، ولذلك رده لكي يتم الجمع والتوفيق بين هذا وبين حديث أبي قتادة.
((إنا لم نردَه عليك)) ضبط نرده؟ المحدثون يضبطونه هكذا (لم نردَه) الدال مفتوحة، حرف مضعف، والأصل في (لم) أنها عاملة تجزم الفعل المضارع والمضعف لا يبين عليه مشدد، فالمحدثون ينطقونه هكذا لم نردَه، والنووي ينقل عن أهل اللغة قاطبة وهم يخطئون أهل الحديث في مثل هذا الموضع (لم نردُه عليك) لكن لو كان مضافاً إلى ضمير المؤنث فتح لم نردَها للمناسبة، المحدثون يقولون: (لم نردَه) وأهل اللغة يقولون: (لم نردُه) ما الذي يترتب على قول أهل اللغة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(76/23)
نعم إهمال العامل، الآن إذا الفعل أولاً لا يدخله الجر، لكن إذا ترتب على إهمال العامل سواءً كان اللفظي أو المعنوي إذا ترتب عليه ما يلغيه عن العمل يحرك، ويحرك بحركة لا تلتبس بتأثير العوامل الأخرى، وإذا كان .. ، إذا الفعل في موضع جزم ووليه ساكن يكسر {يَرْفَعِ اللَّهُ} [(11) سورة المجادلة] نعم لالتقاء الساكنين، يُرفع لالتقاء الساكنين، لو حرك بالضم بالرفع مثلاً لالتغى عمل العامل، صح وإلا لا؟ لو قيل: يرفعُ الله، التغى عمل العامل، والعامل لا يمكن إلغاؤه، فيحرك بحركة إذا لم تمكن حركته المناسبة له يحرك بحركة لا تؤدي إلى إلغائه، ولذلك حركوا المضارع المجزوم عند التقاء الساكنين بالكسرة، والأصل أن الكسر لا يدخل الأفعال، فإذا قرأ القارئ الفعل المضارع مكسور، وهو يعرف أن الفعل لا يدخله الكسر تبين أن هناك عامل أثر في هذا الفعل؛ لأنه لا يتعذر النطق فيه على إلغاء العامل، لا يتعذر، الرفع ما يتعذر، لكن إعمال العامل متعذر فيحرك بحركة تدل على أن الفعل انتقل من حركته الأصلية قبل دخول العامل إلى حركة فرعية، وحيث تعذر إعمال العامل بحركة مناسبة له يحرك بحركة تدل على أنه انتقل عن وضعه الأصلي مثل تحريك الفعل المضارع المجزوم بالكسر عند التقاء الساكنين.
ونأتي هنا إلى (نردُه) لو قلنا: (إنا لم نردُه) ترتب على ذلك إلغاء عمل العامل (لم)، وإذا قلنا: (لم نردَه) ولم يتقدمه ضمير نصب عرفنا أن العامل أثر فيه، لكن لما لم نتمكن من الحركة الأصلية حركناه بحركة تدل على أنه فعل منتقل، من فعل مجرد عن العوامل إلى فعل أثر فيه العامل، أيضاً المضارع لو أتينا بفعل الأمر منه والأمر يجزم .. ، أقول: يبنى، الأمر يبنى على ما يجزم به مضارعه، فكيف نصوغ الأمر من (نردُه)؟ ردَه، هل يستطيع أن يقول: ردُه؟ نعم؟ بالضم؟ ما يمكن، إذاً هذا مثله، ونسبة النووي هذا إلى أهل اللغة لعل المراد به بعضهم.
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيها ربيعة؟
طالب:. . . . . . . . .(76/24)
المسألة معروفة عند أهل اللغة، (لم) حرف نفي وجزم وقلب، الجزم هنا متعذر لأن التضعيف أخفى الحرف الذي عليه الجزم، فشدد، نعم، فيحرك بالضم إذا حركناه بالضم على ما ادعاه النووي من أنه قول أهل اللغة إذا حركناه بالضم أدى ذلك إلى إلغاء العامل، ورده إلى الأصل، والعامل عامل، نعم، فيحرك بحركة تدل على أن الفعل منتقل عن وضعه الأصلي قبل دخول العوامل إلى ما أثر فيه العامل، لكن لما تعذر عمل العامل بالحركة المناسبة انتقل إلى غيرها كما في جر الفعل المجزوم عند التقاء الساكنين.
أما لغة ربيعة التي تذكر فهم لا ينونون "سمعت أنسَ بن مالك" هذه اللغة الربعية عندهم "سمعت أنسَ بن مالك" والأصل أن تقول: "سمعت أنساً بن مالك" فلا تأتي هنا، طيب عندنا {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [(233) سورة البقرة] لا تضارَّ نعم {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ} [(233) سورة البقرة] {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} [(282) سورة البقرة] كلها حركت بإيش؟ بالفتح، أصلها: تضارِر، أو تضارَر، فالفعل مشترك بين المسند إلى الفاعل والمسند إلى المفعول، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(76/25)
الموطأ - كتاب الحج (14)
تابع: شرح: باب: ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد، وباب: أمر الصيد في الحرم، وباب: الحكم في الصيد.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب: ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد.
عرفنا سابقاً أن الصيد يطلق ويراد به المصيد، ويطلق ويراد به الاصطياد، فيحرم الاصطياد من المحرم، وفي الحرم، ويحرم أيضاً أكل الصيد المصيد، وهنا في الترجمة يتعين المصيد؛ لأن الأكل إنما يكون للمصيد،
ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى-، وهذا سبق الكلام فيه حديث الصعب بن جثامة أنه أهدى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حماراً وحشياً، على ما جاء في الروايات هل هو كامل كما توحي به الرواية المذكورة أو عجز حمار، أو رجل حمار، أو من لحم حمار؟ وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وجبر خاطره لما رأى ما في وجهه من التغير تطييباً لقلبه قال له: ((إنا لم نرده إليك إلا أنا حرم)) يعني متلبسون بالإحرام، وهذا محمول على أنه صيد لأجله بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أكل من الصيد الذي صاده أبو قتادة، نعم فيجمع بينهما بأن هذا صيد من أجله، وذاك إنما صاده لنفسه فأهدى منه للنبي -عليه الصلاة والسلام-.(77/1)
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الرحمن بن عامر بن ربيعة قال: "رأيت عثمان بن عفان بالعرج -وهو منزل بطريق مكة- وهو محرم" (وهو محرم) هذه جملة حالية "في يوم صائف" صائف: يعني حره شديد "قد غطى وجهه بقطيفة" القطيفة: كساء له خمل "بقطيفة أرجوان" أرجوان: صوف أحمر، قد غطى وجهه وهو محرم، قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان، الآن هو في يوم صائف هل احتاج إلى أن يغطي وجهه؟ نعم، يحتاج أن يغطي وجهه في الجو البارد، لكنه في يوم صائف، وبعض الناس لا ينام إلا إذا غطى وجهه على أي حال كان، سواءً كان في حر أو في برد، ويحتمل أن يكون تغطية الوجه هذه من أجل النواميس من ذبان وغيرها، المقصود أنه محرم وغطى وجهه، والوجه بالنسبة للمحرم هل هو مما يجب كشفه كالرأس أو يجوز تغطيته كسائر البدن؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، والحكم فيها لحديث المحرم الذي وقصته ناقته، وفيه: ((ولا تخمروا رأسه)) في الرواية المتفق عليها، وعند مسلم: ((ولا وجهه)) هذه الرواية تدل على أن وجه المحرم لا بد من كشفه، وعلى هذا لو غطى وجهه لزمته فدية كما لزمت من غطى رأسه ولو كانت لحاجة، فدية أذى، كما هو معلوم، كما لو غطى رأسه، وبعض أهل العلم يحكم على هذه الزيادة بأنها غير محفوظة، زيادة مسلم، لكن ما دام ثبتت في كتاب التزمت صحته وتلقي بالقبول لا مانع من القول بقبولها، وأنها زيادة ثقة، فلا يجوز تغطية المحرم وجهه كرأسه، ويكون هذا رأي لعثمان -رضي الله تعالى عنه-؛ لأنه يرى حل تغطية الوجه للمحرم بهذا الدليل.(77/2)
"ثم أتي بلحم صيد" الآن هذه .. ، رأيت عثمان بن عفان بالعرج وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان، كل هذه الملابسات للقضية تدل على أن الراوي ضبط القضية وأتقنها، ذكر المكان بالعرج ليبين أن الراوي ضبط ما حصل له في هذا المكان بدليل أنه ذكر المكان الذي حصل فيه هذا الخبر، وهذا التصرف في يوم صائف، قد غطى وجهه بقطيفة، هذه وإن كان فيها أو يؤخذ منها أحكام إلا أن المقصود "ثم أتي بلحم صيد فقال لأصحابه: كلوا، فقالوا: أو لا تأكل أنت؟ فقال: إني لست كهيئتكم -يعني لست مثلكم، لست كصفتكم هذا الصيد- إنما صيد من أجلي" وأنا محرم، فدل على أن المحرم لا يؤكل ما صيد لأكله، بخلاف ما صيد لا لأجله فإنه يأكل.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت له" عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين خالته؛ لأن عائشة خالة عروة خالة عبد الله بن الزبير، أخت أسماء أمهما "أنها قالت له: يا ابن أختي -أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين- إنما هي عشر ليال" يعني تحمل، واصبر عما ألفته نفسك هي عشر ليال، لكن من يطيق الصبر عما ألفته نفسه في هذه الليالي العشر وفي غيرها إذا كان قد أطلق لنفسه العنان؟ كل على قدره سواءً كان ممن استرسل في المحرمات، لا يطيق الصبر عنها ولا في عشر ليال، ولا في الأربع الليالي، إذا كان قد أطلق لنفسه العنان في المكروهات، في الشبهات، في المباحات، كل على قدره، فالنفس تحتاج إلى فطام في الرخاء.
النفس كالطفل إن تهمله شب على ... حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم(77/3)
فالنفس تحتاج إلى فطام، وهي تقول له: إنما هي عشر ليالٍ كيف عشر ليال؟ اصبر عشر ليال ولا أربع ولا أقل ولا أكثر، بعض الناس ما يطيق ساعة صبر، وإذا كان في مجلس حشمة وبين أناس يستحيي منهم يعد نفسه في سجن، يتثاقل كثير من الإخوان الذين عودوا أنفسهم على كثرة القيل والقال، يعني لا يطيق مجالسة أهل التحري، والتثبت، ولذلك استثقل الناس أو يستثقلون النقد، يعني لو واحد جالس في مجلس ثم تكلم شخص بكلام ثم انتقد صار عليه أشد من وقع السيوف، لماذا؟ لأن الإنسان إذا عود نفسه على شيء صعب عليه الفطام منه، ويصعب عليه أيضاً مواجهته بما يظن أنه يسوؤه ولو كان نصح وتوجيه، ولو كان خالياً به، والسبب في هذا أن النيات مدخولة وإلا المفترض أن الإنسان يفرح إذا انتقد، أن يبين له الخطأ فيكف عنه، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((الدين النصيحة)).
"إنما هي عشر ليال" يعني تقللها "فإن تخلج في نفسك شيء فدعه" نعم إن تحرك في نفسك شيء وقلقت منه فدعه، يعني فشككت فيه فدعه، فاتركه خشية أن يكون إثماً، وفي الحديث: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) اترك ما تشك فيه إلى ما لا تشك فيه، بعض الناس إذا اشترى بضاعة، اشترى بضاعة فقيل له: كم الحساب؟ قال: ألف، قال لصاحب البضاعة: ألف، مجموعة من البضائع لما جمعها صاحب الحساب ألف، وهو يتوقع أنها ألف ومائتين مثلاً، المشتري، نعم لا يراجع صاحب السلعة، ويقول: لعلك تركت شيء بدون حساب، أو غلطت في الحساب، ولا يتأكد مع أن الأصل إذا غلب على ظنه أنه أخطأ في حسابه عليه أن يراجعه، يجب عليه أن يراجعه إذا غلب على ظنه، وإذا كان يعرف أسعار المفردات عليه هو أن يجمع، ويرجع إليه فيقول: نسيت كذا أو تركت كذا، والصحيح أن المجموع كذا؛ لأن اليوم في درهم ودينار تستطيع أن توفي، لكن غداً من أين؟ وبعضهم يقول: لا، ما دام هو قال لي: المطلوب ألف نعطيه ألف، وليس لنا أن ندقق أكثر من هذا، وهو صاحب الشأن، فإذا غلب على الظن وجب عليه، وإذا شك واستوى عنده الأمران فالمسألة ورع، ما يدري كم المجموع؟ المسألة ورع، يعني إن تخلص من هذا المشكوك فيه فهو الأصل.(77/4)
"فدعه، تعني -عائشة -رضي الله عنها- أكل لحم الصيد" بقولها المذكور، يعني تحرك في نفسك شيء، يعني هل صيد من أجلك أو لا؟ دعه، هل كان صيده في الحل أو في الحرم؟ دعه، هل صاده محرم أو حلال شككت في هذا كله؟ دعه، والحلال -ولله الحمد- غيره كثير، قد يقول قائل: الشك لا يزيل اليقين، المتيقن أنها ذبيحة مسلم، كوننا نشك هل صادها وهو محرم أو غير محرم أو في الحرم أو خارج الحرم؟ هذا مجر دشك، والشك لا يرفع اليقين، نقول: هذا هو موطن الورع، هذا موطن الورع، والقاعدة إنما يلجأ إليها عند الإلزام، وعند التقاضي، لو أراد أحد منعك قلت له: الشك لا يرفع اليقين.
"قال مالك في الرجل المحرم يصاد من أجله صيد فيصنع له ذلك الصيد فيأكل منه وهو يعلم أنه من أجله صيد فإن عليه جزاء ذلك الصيد كله" لا بقدر أكله؛ لأن الجزاء لا يتبعض، وقيل: بقدر أكله، صيد حمار وحشي من أجل زيد من الناس، وطبخ وقدم له فأكل منه ربع العشر، ويعرف أنه صيد من أجله، يقول مالك: فيأكل منه وهو يعلم أنه صيد من أجله فإن عليه جزاء ذلك الصيد كله لا بقدر أكله، يعني هل نقول: عليك ربع عشر القيمة أو نقول: عليك القيمة كاملة؟ مثله: صيد حمامة من أجل زيد فطبخت واجتمع عليها أربعة فأكلوها منهم زيد، الثلاثة ما صيدت من أجلهم، لكن لو صيدت من أجل الأربعة كل واحد عليه جزاء؟ كل واحد عليه شاة؟ أو نقول: الأربعة كلهم في شاة لأنها صيدت من أجلهم؟ نعم؟ وماذا على من صادها؟ ويش عليه هو؟ نقول: حمامة واحدة يصير عليها خمس شياة؟ ممكن؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أنه لا يتبعض، الجزاء لا يتبعض، كل واحد عليه شاة، واللي صادها؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
محرم أو في الحرم {فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [(95) سورة المائدة] عليه شاة.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ الصائد ما فيه إشكال، لكن من أكل منها جزءاً يسيراً الربع أو افترض ربع العشر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وأثم، وعليه شيء وإلا ما عليه؟ من؟
طالب:. . . . . . . . .(77/5)
الأربعة، إحنا افترضنا حمامة صيدت في الحرم، وقدمت لأربعة أشخاص فأكلوا منها، رأي الإمام مالك أن هؤلاء الأربعة كل واحد عليه شاة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
عليه شاة؛ لأن الجزاء لا يتبعض، والذي صادها أيضاً عليه شاة، أو نقول: هذه فجزاء مثل ما في أمثال، الآن ألزمناه بخمسة أمثال، ألزمنا المجموعة، والأصل مثل، هل نقول: إن الذين أكلوا هؤلاء آثمون ولا شيء عليهم؛ لأنهم ما قتلوا، ويختص الجزاء بمن قتل؟ أو عليهم جزاء؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
شوفوا كلام الإمام مالك صريح: في الرجل المحرم يصاد من أجله صيد فيصنع له ذلك الصيد فيأكل منه وهو يعلم، الجاهل ما عليه شيء، الذي يخفى عليه الأمر لا شيء عليه، وهو يعلم أنه من أجله صيد فإن عليه جزاء ذلك الصيد كله.
قالوا: لأن الجزاء لا يتبعض فعليه الجزاء كامل لا بقدر أكله، هناك من أهل العلم من يقول: عليه بقدر أكله، فإذا كان عليه بقدر أكله، والأربعة أكلوا هذه الحمامة الأربعة عليهم شاة، ومن قتلها من باب أولى عليه شاة، أو نقول: إن الخمسة يشتركون في الجزاء، عندنا أربعة احتمالات أو ثلاثة احتمالات، الأول: أن كل واحد من الخمسة عليه شاة، الثاني: على الجميع شاة، كل واحد عليه الخمس، الثالث: أن الجزاء على من قتل ومن أكل ولو صيد من أجله لا جزاء عليه وإنما يأثم؛ لأنه أكل ما حرم عليه، ومن قتل عليه فديته، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
{وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [(95) سورة المائدة] هل قتلوا هم؟ إنما أكلوا ما حرم عليهم {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [(96) سورة المائدة] حرام، لكن هذا فيه جزاء وإلا ما فيه؟ حرم عليهم نعم حرم لكن هل فيه جزاء؟ من قتله منكم على الذي قتل، ومن أكل ولو صيد من أجله ارتكب محظوراً ولا جزاء عليه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني ضمان ما أكل؟ نعم؟(77/6)
أولاً: هذا الصيد الذي قتله المحرم نعم جزاؤه على القاتل بالدرجة الأولى، لكن هل يستفيد منه أحد من أجل أن يضمنه من أكله، يعني مثل ما قالوا في الأضحية مثلاً، لو أكلها كلها إلا أوقية جاز، فإن أكل الأوقية ضمنها؛ لأن لها مصرف، لكن هل هذا الصيد له مصرف؟ أو المسألة مفترضة في كلام مالك أن هذا صيد، صاده حلال من أجل محرم، مثل قصة الصعب، نعم فالحلال هذا لا جزاء عليه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
عليهم جزاء؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني على رأي الإمام مالك، على رأي الإمام مالك عليهم الجزاء.
طالب:. . . . . . . . .
ما فيه، أنا أقول: إن هذا منع من أكله فأكله عليه حرام، وارتكب المحرم كما لو أكل ميتة، أو أكل أي حيوان محرم، نعم لو جاء شخص وأكل لحم حمار بدون تأويل، حمار أهلي، يلزم بشيء؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يلزم بشيء، إنما ارتكب محرم.
طالب:. . . . . . . . .
احتمال إيه.
طالب:. . . . . . . . .
الآن الصيد من حلال خارج الحرم فيه إشكال؟ بالنسبة للصائد ما في إشكال ولا شيء عليه، لكن هذا الحلال الذي صاد هذا الصيد خارج الحرم صاده من أجل محرم، نعم، لا يجوز أن يأكل منه، لكن أكل، يلزم بشيء؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعلم، إيه.
طالب: ألزمه مالك.
يعلم أنه صيد من أجله، وهذا يعلم أنه حمار أهلي أو كلب قدم له فأكل، يعني هذا الصيد نعم لا بد له من جزاء، صار من يتوجه إليه الأمر الأصلي معذور، ينتقل إلى من وراءه، صار المباشر للقتل المباشر ما هو مكلف بهذا الحكم، ينتقل إلى المتسبب؟ هل ينتقل الحكم للمتسبب؟
طالب:. . . . . . . . .(77/7)
نعم، والتسبب قد يأخذ حكم المباشرة؛ لأن عندنا مباشرة وعندنا تسبب، الأصل أن المؤاخذ المباشر، والمباشرة تقضي على أثر التسبب، هذا صاده من أجله فهو سبب في صيده، نعم، الأصل أن المباشر هو المؤاخذ، لكن المباشر ليس بمكلف في هذا الحكم أصلاً، يعني يجوز له أن يصنعه؛ لأنه حلال وخارج الحرم، هل نقول: ما يضيع الحكم نرجع إلى المتسبب؟ وأحياناً الأصل أن المباشرة تقضي على أثر التسبب، لكن إذا كان المتسبب ما هو بمكلف مثلاً، جاء صبي وقتل صيد في الحرم أو وهو محرم على القول بأن الصبي غير مكلف بهذه الأمور وإن كان فيها إتلاف، وقتله وإن كان عمداً من قبيل الخطأ عند أهل العلم، عمد الصبي والمجنون خطأ، فإذا رتبنا هذا الحكم على العمد كما هو صريح الآية، نعم، قلنا: لا عليه شيء، لا الصبي ولا المجنون، صاده هذا الصبي أو المجنون، المباشر غير مكلف بهذا الحكم، ننتقل إلى المتسبب صاده لأبيه أو لأمه، وهو لا أمر ولا حضر ولا شيء أكل، عرف أنه صيد من أجله فأكل، الآن ما فيه، ما ورد من النصوص ما يجعل المتسبب مباشر؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
جاء جعل المتسبب مباشر ((لعن الله من لعن والديه)) هل يلعن والديه مباشرة؟ لا، يتسبب في لعن والديه، فجعله كالمباشر للعن والديه.
طالب:. . . . . . . . .
من هو؟
طالب:. . . . . . . . .
ما صاده إلا من أجله فصار سبب.
طالب: أكل منه، أكل وهو يعرف.
أكل، أكل وهو يعرف، أكل وهو يعلم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب: أقول: لو أكل وهو يعرف ....(77/8)
ما بعد وصلنا إلى هذا الحكم، لنقرر المسألة من أساسها، وننظرها بنظائرها من أجل إيش؟ أن تستقر في الذهن، قد يكون التسبب بالفعل، قد يكون التسبب بالفعل بأن يقول الأب: اقتل لي هذا الصيد، وقد يكون بالقوة القريبة من الفعل لما له عليه من الحق يقتله من أجله، ويعرف أنه قتله في الحرم، أو وهو محرم فيأكل منه هذا قريب من التسبب، والأصل أن الدم لا يضيع، يعني لو افترضنا أن صبياً أو قل شخص مخطئ يبي يقتل صيد فقتل إنسان، يضيع هذا الدم؟ ما يضيع أبداً، ما يمكن يضيع، أنا والله ما قصدته ولا أردته، أنا أردت الصيد .. ، طيب افترض أن هذا الشخص صوب آلته على شجرة فيها صيد فجاء إنسان وهو يمشي مر وهو يمشي فقتله، هذا قتل خطأ، ويش يلزمه؟ أو ما يلزمه شيء؟ الدية والكفارة عليه، طيب هو اللي مر، هو اللي مر من قدام السيارة وأنا ماشي يا أخي، لا، الدم لا يضيع يا أخي، فهل نعتبر هذا منه أو نقول: إن ما عدا العمد لا حكم فيه بصريح الآية؟ وأهل العلم يقررون أن عمد الصبي والمجنون حكمه حكم الخطأ، فلا شيء عليه، وإلا لو قلنا: عليه صار الضمان على وليه في المال، كما يقررون ما عليه من كفارات وإلزامات مالية.
طالب:. . . . . . . . .
صار كأنه صاده؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب وحديث أبي قتادة؟ لأنه ما صيد من أجله، فلا يأخذ حكمه، ويش؟ ما الذي يظهر في هذه المسألة؟ المباشر للقتل في الإحرام أو في الحرم لا شك أنه إذا كان عن عمد لا يختلف في أنه يلزمه جزاؤه، ذكرنا أن المباشر للقتل ليس بمحرم وليس في الحرم، هل ينتقل الحكم إلى من بعده لمن أكل وهو يعلم أو نقول: إن هذه التي قتلت من أجلك وأنت محرم حرمت عليك كسائر المحرمات من الأطعمة؟ ولذلك في الآية يقول: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [(95) سورة المائدة] يعني الله -جل وعلا- يقول: من قتله منكم، وإحنا نقول: من أكله منكم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على هذا وهذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(77/9)
إيه، فلا يجوز له أن يأكل، لكن من أشار، من تسبب، شوف السبب حسي ومعنوي السبب الحسي أشار، السبب الحسي أعان، السبب ناوله، المهم أنه شارك في القتل، يعني لو اشترك مجموعة في قتل آدمي شخص واحد كلهم يقتص منهم، لكن والله ما تسبب أنا أعرف مثلاً أو زيد من الناس يعرف أن بين عمرو وبكر عداوة، فقال: ما دام قتل بكر يسر عمرو ليش ما أقتله؟ فقتله، ويش علاقة بكر؟ نعم، فقتله من أجله هل يلزمه شيء؟ نعم؟ ما يلزمه شيء، ما باشر شيء، مثل اللي أكل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه طيب.
طالب:. . . . . . . . .
هل هذه الأسئلة لجواز الأكل ومنعه؟ ومنع الأكل أو من أجل الإلزام باللازم؟ يشمل هذا وهذا.
هذا يقول: ألا يقال: إن الضمان على المباشر لأنه أتلفه مع علمه أن المحرم ممنوع من أكل الصيد فهو معين له على الإثم فيكون قد فعل ما لا يجوز له، ويكون على المحرم الأكل، الإثم لتعمده الأكل مما هو ممنوع منه؟
لكن هنا يقول: ألا يقال: إن الضمان على المباشر؟ يعني مثل قصة الصعب، نعم، صاده من أجل النبي -عليه الصلاة والسلام-، هل ضمنه النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ ما ضمنه، فلا يمكن أن يقال مثل هذا.
يقول: في الرجل المحرم يصاد من أجله صيد فيصنع له ذلك الصيد فيأكل منه وهو يعلم أنه من أجله صيد فإن عليه جزاء ذلك الصيد كله من أجله صيد؟
جبنا المسألة على افتراض أن الذي صاده محرم أو في الحرم، وعليه بلا إشكال الجزاء إذا كان متعمداً، وهل هناك جزاء آخر على من أكل؟ ما ذكر فيه شيء، ما ورد في النص ما يدل عليه فيبقى أنه أكل شيئاً منع منه وحرم عليه لأنه صيد من أجله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لأنه يأتينا مسألة ثانية، هذا قتل الصيد وأكله، افترض أن زيد من الناس محرم فقتل صيد وأكله، هل نقول: يلزمه جزاء واحد وإلا جزاءين؟
طالب:. . . . . . . . .
على كلام مالك؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
جزاء للصيد وجزاء للأكل.
ألا نقول: إن العمد في الآية خرج مخرج الغالب فلا يختص به الحكم، يتعداه إلى ما سواه من خطأ أو سهو أو غيره حيث أن حكم الجزاء من باب الأحكام الوضعية فهي متعلقة بسبب كدم الآدمي؟(77/10)
على كل حال الخلاف في قوله: {مُّتَعَمِّدًا} [(95) سورة المائدة] هل له مفهوم أو لا مفهوم له؟
"وسئل مالك -هذا اللي يوضح- وسئل مالك عن الرجل يضطر إلى أكل الميتة وهو محرم أيصيد الصيد فيأكله أم يأكل الميتة؟ فقال: بل يأكل الميتة" وأصل ذلك "أن الله -تبارك وتعالى- لم يرخص للمحرم في أكل الصيد ولا في أخذه في حال من الأحوال" بل أطلق المنع فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ} [(95) سورة المائدة] بل أطلق المنع "وقد أرخص في الميتة في حال الضرورة" {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [(173) سورة البقرة].
"قال مالك: وأما ما قتل المحرم أو ذبح من الصيد فلا يحل أكله لحلال ولا لمحرم؛ لأنه ليس بذكي" لأنه غير مذكى، حكمه حكم الميتة "خطأ كان أو عمداً فأكله لا يحل، وقد سمعت ذلك من غير واحد، والذي يقتل الصيد ثم يأكله إنما عليه كفارة واحدة، مثل من قتله ولم يأكل منه" جزاء واحد، والذي يقتل الصيد ثم يأكله إنما عليه كفارة واحدة، أي جزاء واحد، مثل من قتله ولم يأكل، فلا يتعدد الجزاء، وبهذا قال الجمهور خلافاً لعطاء وطائفة، نعم إن ذبحه المحرم ثم أكله فكفارتان، والجمهور على التداخل، الجمهور على التداخل، إيش معنى الجمهور على التداخل؟ إذا قلنا: بالتداخل فمعناه على أن من أكل عليه جزاء، نعم؛ لأن فيه كفارة، لكنها دخلت في كفارة أخرى، فتدخل إحداهما في الأخرى، مثل من جامع أكثر من مرة في نهار رمضان، تتداخل الكفارات، هل مفهوم كلامهم أن على من أكل إذا لم تدخل كفارته في كفارته الأولى بمعنى أنه تعدد مثل هل كفارة المرأة في جماع نهار رمضان تدخل في كفارة الرجل؟ ما تدخل، لكن لو كرر أو كررت تداخلت، وهنا يقولون خلافاً لعطاء وطائفة: إن ذبحه المحرم ثم أكله كفارتان والجمهور على التداخل.(77/11)
مفهوم هذا الكلام أن الأكل فيه كفارة، لكنها تدخل في كفارة القتل، خليكم معنا يا الإخوان؛ لأنه فرق بين أن .. ، مسألة التداخل يكون في أمرين مقررين يدخل أحدهما في الآخر، ونحن نريد أن نقول: إن الأكل لا شيء فيه، لا كفارة فيه أصلاً، ولم يرد ما يدل عليها، وإن ثبت التحريم؛ لأنه صيد من أجله، لكن الكفارة الأصل ما في كفارة من أجل إيش؟ أن تدخل في كفارة أخرى، لكن إذا قال الجمهور بالتداخل قلنا: إنهم يقولون: إن الأكل فيه كفارة، لكنها تدخل في كفارة القتل، وإذا تصور إن الجهة انفكت القاتل غير الآكل فلا تداخل، فهل يقول الجمهور أن القاتل عليه جزاء والآكل عليه جزاء؟ مثل ما نظرنا الرجل عليه كفارة والمرأة عليها كفارة، ما أنتم معي إلى الآن.
طالب:. . . . . . . . .
طيب، أنت فهمت كلامي جزاك الله خير.
أنا أقول: إذا قررنا أن المسألة من باب التداخل ألزمنا الآكل، إذا كان غير القاتل؛ لأن التداخل حينما تتجه الكفارتان إلى شخص واحد، مثل من جامع أكثر من مرة، لكن إذا اتجهت الكفارات إلى أكثر من واحد كيف تتداخل؟ فيكون القتل عليه كفارة جزاء، والأكل عليه جزاء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الجماع ورد فيه النص، لكن هل الأكل فيه نص؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
قتل وأكل عليه كفارة واحدة.
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . .
صحيح، لكن قتل وأهدى، أهدى لمحرم، ولم يصده من أجله، يأكل شريطة أن لا يكون القاتل في حرم أو في إحرام؛ لأنه يكون حكمها حكم الميتة، بل أشد من الميتة عندهم على ما تقرر.(77/12)
شوف يقول: "سئل مالك عن الرجل يضطر إلى أكل الميتة وهو محرم أيصيد الصيد فيأكله أم يأكل الميتة؟ فقال: بل يأكل الميتة، وأصل ذلك أن الله -تبارك وتعالى- لم يرخص للمحرم في أكل الصيد ولا في أخذه في حال من الأحوال، بل أطلق المنع كما في الآية، وقد أرخص في الميتة إلى حال الضرورة" {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [(173) سورة البقرة] يعني وجدت ذبيحة مشرك ووجدت ميتة أيهما أولى بالأكل؟ ذبيحة المشرك غاية ما يقال فيها: إنها ميتة صح وإلا لا؟ غاية ما يقال فيها: إنها ميتة، فمنع الشيء لذاته يختلف عن منعه لأمر عارض، الآن الميتة ما هي حرمت من أجل الضرر، ذبيحة المشرك وذبيحة المحرم ما فيها ضرر.
طالب: ذبيحة المشرك ....
يا أخي من الضرر الحسي، الآن ما زلنا نتكلم من الضرر، المحرم ممنوع والمشرك ممنوع حكمهم واحد، فتذكية كل واحد منهما في حكم العدم، يعني كأن هذه الذبيحة ما ذكيت ميتة، طيب الميتة منعت من أجل إيش؟ لما فيها من الضرر، الضرر بسبب إيش؟ الدم المحتقن فيها، وقد سفح هذا الدم على يد من منع من الذبح، سواءً كان محرماً أو مشركاً فهل نقول: غاية ما في ذبيحة المحرم أو ذبيحة المشرك أن تكون كالميتة؟ نعم؟ فتكون حينئذٍ أخف من الميتة؟ وإذا قلنا: إن الميتة لها بدل أرخص فيها للضرورة، وما جاء من ذبيحة المشرك وذبيحة المحرم ما في رخصة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما نقول: صايد حلال، إحنا على كلام مالك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
شفت، مالك الرجل يضطر إلى أكل الميتة وهو محرم، أنت حلال مثلاً ووجدت هذه الذبيحة هذا الصيد قتله محرم، تأكل منه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أنت حلال لكن الذي صادها محرم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
تذكية من لا تنفع تذكيته كالمشرك ممنوع من التذكية ويش يصير؟ أنت ممنوع منه، الميتة أسهل منها عندهم.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .(77/13)
والميتة جاء فيها الترخيص، نعم، ألا يمكن أن يقال: إن غاية هذه التذكية وجودها مثل عدمها، غاية هذه التذكية أن وجودها مثل عدمها، هذا من حيث الحكم الشرعي ميتة ليست بذكية، لكن من حيث المعنى الذي من أجله منع من أكل الميتة ألا تكون أخف من هذه الحيثية؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
العلة في تحريم الميتة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، افترض أنت نفذ زادك، أنت الآن، خلونا من الكلام النظري وإحنا تحت المكيفات، الكلام شخص اضطر وأمامه صيد في الحرم، وهو محرم وممنوع، ويحرم عليه أن يصيده، وتذكيته له وجودها مثل عدمها كالميتة، وجدت هذا الصيد ووجدت هذه الميتة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو اللي صاد، وهو اللي أكل، هو الذي صاد وهو الذي أكل ومضطر إلى ذلك وعنده ميتة، ألا يمكن أن يقال: هذه فيها رخصة أرخص في الميتة في حال الضرورة وتلك لها بدل يضمن البدل؟ {فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [(95) سورة المائدة] إحنا مقررين أن نمنع مثل هذه الطريقة، لكن مثل هذه إشكالات؛ لأن هذه ترد، يعني شخص انتهى زاده ما معه شيء، ظل الطريق وانتهى كل ما معه من زاد وهو بين أمرين.
طالب:. . . . . . . . .
لكن له بدل.
طالب:. . . . . . . . .
الضرورة.
طالب:. . . . . . . . .
لا والله، الله لا يبلانا يا أخي.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . .
إيه معك، أنا أعرف، جاري على قاعدة مالك هنا، واضح كلامه ويقول به جمع من أهل العلم، لكن ينتابه أمور، مثل هذا الكلام ينتابه أمور، هذه مرخص فيها في حال الضرورة، وهذه لها بدل، ومع ذلك عن عمد،
{وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا} [(95) سورة المائدة] الضرورة ترفع عنه الإثم في حال العمد.
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
النصوص القطعية تدل على تحريم مال الغير إلا بطيب نفس منه أنت قدامك شاة لفلان من الناس، وقدامك ميتة هل تقول: أذبح هذه الشاة وأدفع قيمتها وإلا أكل من الميتة؟
طالب:. . . . . . . . .
هي محرم عليك تعتدي عليها.(77/14)
طالب:. . . . . . . . .
يا أخي هذه حقوق العباد أيضاً تعظيمها جاءت النصوص القطعية بهذا.
طالب:. . . . . . . . .
وبعدين إذا نظرنا إلى حقوق الله أمرها أسهل من حقوق العباد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما هو بضيف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والله يا الإخوان المسألة .. ، الآن افترضها في شخص لا يطيق أكلها لو يموت، لا يطيق أكل الميتة لو مات، لو مات ولو ترتب عليها موته وأثم بتركه أكل الميتة؛ لأنه يجب عليه أن يأكل منها، كيف نخير بين هذا، بين شخص يبي يموت ما هو بآكل الميتة، ويوجد كثير من الناس بهذه النفسية، ما يمكن، يموت ولا يأكل الميتة، نعم، وقدامه ظبي من أبدع ما يكون، وليس بينه وبينه إلا أن يفرغ في رأسه رصاصة.
طالب:. . . . . . . . .
التوبة ملازمة في كل حال حتى اللي بيأكل ميتة بيتوب.
طالب:. . . . . . . . .
بيأكل وهو مرتاح أصلاً مضطر.
طالب:. . . . . . . . .
لا، خلونا نبسط المسألة؛ لأن مسائل من هذا النوع ينتابها أمور كثيرة، ومسائل عملية ما هي بمسألة مثل مسألة الحج.
طالب:. . . . . . . . .
مسألة كتاب الأطعمة مبني على مثل هذه الأمور.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
والله أنا عندي إنه أخف؛ لأن التحريم عارض وليس بأصلي، الأمر الثاني: أن له بدل والعمد ترفعه الحاجة، مثل من حلق رأسه متعمد للحاجة، مثل من غطى رأسه للحاجة، وغاية ما يقال في قتل الصيد من قبل المحرم أو في الحرم أنها مثل .. ، غاية ما يقال فيها: إنه ذكاها من ليس بأهل للذكاة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن المذبوح من بهيمة الأنعام، ما في شيء، ما هو بصيد.
طالب:. . . . . . . . .
ما هو بصيد، ما منع من تذكية بهيمة الأنعام، محرم ويشتي يشتري خروف وإلا تيس يذبحه عادي، هذه من بهيمة الأنعام وما منع منها.
طالب:. . . . . . . . .
أنا ما عندي إشكال إن الميتة أعظم مفسدة.
طالب:. . . . . . . . .(77/15)
إيه لا، لا نجسة، نجسة إجماعاً نجسة، وضارة أيضاً، والنفوس تعافها، وإذا اتقى الله ما استطاع وارتكب محظور كغيره من المحظورات يتوب ويستغفر وله بدل، والحمد لله، يعني أنا عندي أسهل بكثير يعني، مع كلام أهل العلم، لكن يبقى أن المسألة أقول: الشرع معلل، والمصالح والمفاسد معروفة في الشريعة.
طالب:. . . . . . . . .
أنا أقول: غاية ما يقال في الصيد أنه ميتة، نعم ويبقى أنها ميتة غير ضارة، وتلك ميتة ضارة.
يقول: والله إنك أطلت وأغرقت في هذه الجزئية حتى أننا مللنا وذهب الوقت على حساب مسائل أخرى، ووعدت قبل أيام أنك ستمضي وستحزم فهل يذهب الوقت كله في مسألة واحدة ولا تغضب يا شيخ، ليس لها من واقعنا من شيء إلا ما ندر.
والله يا أخي لو أن هذا اطلع على كتاب الأطعمة أنه يعرف ضرورة مثل هذا الكلام، والله لو قرأ في كتاب الأطعمة من كتب الفقهاء أنه يعرف ضرورة هذا الكلام، وأنه لا يمشي سطر إلا بمثل هذا الكلام، لكن ما في فائدة إذا صار الواحد يبي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والله يا الإخوان أنا ودي أنا نمشي، والله لا تظنون أني أقصد أني أعوق، لا والله ودي نفهم المسألة.
طالب:. . . . . . . . .
والله أنا ما يضيرني أن أخلي الشيخ يقرأ عشر دقائق وأعلق بخمس دقائق، أنا سمعت المشايخ يشرحون خمسة أحاديث عشرة أحاديث بخمسة دقائق وتنتهي الكتب، لكن ثم ماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
يا أخي أنا أربي طالب على حديث واحد أفضل من كتاب، لكن نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا والله بس من باب الإنصاف، يعني على شان نرد عليه فقط، إنصاف، والله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على خلاف بين أهل العلم، يعني مسألة .. ، تحتاج إلى درس كامل يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ماذا عن الحمار يوم كان حلال وماذا عنه لما حرم؟ هل كان خبيث وإلا غير خبيث؟ كان في الأصل خبيث ثم صار أو في الأصل طيب ثم صار خبيث؟ أو أن نقول: القدر يدور مع الشرع فيرتفع؟ ولما حرمت الخمرة سلبت المنافع؟ هذا الكلام يحتاج إلى بسط، والله المستعان.
يقول، لحظة، نعم؟(77/16)
طالب: أقول: لو المسألة اللي ذكرت للتو قرّت من قبلكم الله يحسن عملكم دون تدخل الطلاب. . . . . . . . .
لا، لا، لا، ما يخالف.
طالب: لكن بعض الطلاب. . . . . . . . .
لا، لا يمسكون، يمسكون، يا أخي مثل هذه المسألة مشكلة وعويصة، هذه يحتاج إليها باستمرار ترى، هل يقال: نادرة ولا عمرها حصلت ولا شيء أبد؟ هذا جالس في أيام رخاء، ولا يتصور أنه بيحتاج في يوم من الأيام ولا عنده مشكلة يعني في هذا.
لو يشوف مثلاً بحث أهل العلم فيما إذا احتاج عشرة مثلاً إما أن يموت العشرة كلهم أو يأكلوا واحد منهم؟ هذه مجدية وإلا ما هي مجدية بعد هذه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، أنا أصل أطلب هذا الأمر، أنا أطلب هذا الأمر، لكن المسألة بالمحاورة تحرر كثير من المسائل، والطالب الذي لا يفهم من أول مرة ولا ثاني مرة يفهم فيما بعد.
طالب:. . . . . . . . .
ولا شك أن بعض الطلبة عندهم فهم سريع هذا بيمل، وهذا يقول: مللنا صح مل، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا تكلم تكلم ثلاثاً، وإذا سلم سلم ثلاثاً، ويش معنى هذا؟ من أجل يمل الناس؟ ما هو من أجل أن يمل الناس على شان من أجل أن يفهم المتوسط، أما البليد الذي لا يفهم ولا لعشر مرات هذا لا يلتفت إليه، أيضاً الذكي الذي يفهم لمرة واحدة ما يراعى ويترك البقية بعد، المسألة مسألة توسط في الأمور.
"وأما ما قتل المحرم أو ذبح من الصيد فلا يحل أكله لحلال ولا لمحرم لأنه ليس بذكي بل حكمه حكم الميتة، كان خطأ أو عمداً فأكله لا يحل" لأحد من الناس "وقد سمعت ذلك عن غير واحد من العلماء، والذي يقتل الصيد ثم يأكله إنما عليه كفارة واحدة" أي جزاء واحد، وتكون الثانية داخلة، كفارة الأكل داخلة في كفارة القتل، فالتداخل هنا وارد على قولهم "مثل من قتله ولم يأكل منه" أما عطاء فيقول: عليه كفارة للقتل وكفارة للأكل.
طالب:. . . . . . . . .
في المسألة؟
طالب:. . . . . . . . .
قلت: أنا أستروح وأميل إلى أن الصيد أسهل من الميتة.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
الأكل فيه الإثم فقط.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .(77/17)
وصاده من أجل، من أجل محرم ويعرف أنه صاده؟ رده النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو آثم إن أكل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
آثم، ما شي عليه شيء، الجزاء على القتل، الجزاء على من قتل، أما ....
طالب:. . . . . . . . .
لا، الإشارة غير المفهمة ما هي بـ ... ، لكن الكلام، الإشارة المفهمة حكمها حكم المشاركة.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، بس ما صاده من أجلهم، لكن إن صاده من أجلهم يأثمون، نعم والجزاء على من قتل، نعم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، وارفع قدره في الدنيا والآخرة، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: أمر الصيد في الحرم:
قال مالك -رحمه الله-: "كل شيء صيد في الحرم أو أرسل عليه كلب في الحرم فقتل ذلك الصيد في الحل فإنه لا يحل أكله، وعلى من فعل ذلك جزاء الصيد، فأما الذي يرسل كلبه على الصيد في الحل فيطلبه حتى يصيده في الحرم فإنه لا يؤكل، وليس عليه في ذلك جزاء، إلا أن يكون أرسله عليه وهو قريب من الحرم، فإن أرسله قريباً من الحرم فعليه جزاؤه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: أمر الصيد في الحرم"(77/18)
"قال مالك: "كل شيء صيد في الحرم -صيد في الحرم من الصيد ولو كان الصائد حلالاً- أو أرسل عليه كلب في الحرم" لأن للتحريم جهتين، الجهة الأولى: الإحرام، والجهة الثانية: الحرم، فصيد الحرم حرام على كل أحد محرماً كان أو حلالاً، وصيد المحرم حرام في الحل والحرم "أو أرسل عليه كلب" أو نحوه كجارح من الجوارح من الطيور وغيرها في الحرم، أو أرسل عليه كلب في الحرم، يعني وهو في الحرم، أرسل عليه الكلب وهو في الحرم فأخرجه الكلب من الحرم، أخرجه من الحرم، ثم صاده في الحل "فقتل ذلك الصيد في الحل فإنه لا يحل أكله لأحد" خلاص؛ لأنه صيد –أثير- من الحرم، نفر من الحرم فلا يحل أكله ولو صيد في الحل؛ لأن الأصل اعتبار إرسال الكلب، كما لو أرسل الكلب في الحل ثم دخل الصيد في الحرم فصاده الكلب في الحرم، العبرة في وقت الإثارة هل هو في الحل أو في الحرم؟ "فإنه لا يحل أكله، وعلى من فعل ذلك جزاء الصيد، فأما الذي يرسل كلبه على الصيد في الحل فيطلبه حتى يصيده في الحرم فإنه لا يؤكل" أيضاً؛ لأنه يصدق عليه أنه صيد في الحرم "وليس عليه في ذلك جزاء" لأنه أرسل كلبه وهو المكلف الذي أنيطت به الأحكام أرسل كلبه والصيد في الحل، ما عليه شيء، لكن كون الكلب تبعه حتى دخل الحرم فصاده لا يجوز أكله؛ لأنه يصدق عليه أنه صيد في الحرم، لكن لا يؤاخذ على ذلك، ليس فيه جزءا، وليس عليه في ذلك جزاء؛ لأن دخول الكلب الحرم ليس من فعله، ولا من مقدوره، الكلب لا يفرق بين حل ولا حرم "إلا أن يكون أرسله عليه وهو قريب من الحرم" بحيث يغلب على الظن أنه يعني هو على الحد هنا، يغلب على الظن أنه إذا تبعه الكلب دخل في الحرم، يكون حكمه حكم الصيد في الحرم، أما إذا كان بعيداً عنه وتبعه حتى دخل في الحرم، الكلب لا تكليف عليه "إلا أن يكون أرسله عليه وهو قريب من الحرم، فإن أرسله قريباً من الحرم فعليه جزاؤه" لأن القرب صير دخوله كأنه من فعله؛ لأن المسألة مسألة غلبة ظن، يعني لو نهي عن تعذيب الحيوان مثلاً بالنار، وأمامك نار، ثم هذا الحيوان الذي تطرده لا مفر له من أن يلج هذه النار لقربه منها، لا شك أنك تأثم، لكن لو كان في مسافة بعيدة بحيث يستطيع أن يكر ويفر يمين وإلا(77/19)
شمال، نعم فكون القرب يجعل هذا لا خيار له في أن يدخل الحرم، يأخذ حكمه.
"وهو قريب من الحرم، فإن أرسله قريباً من الحرم فعليه جزاؤه" لأن هذا القرب صير دخوله كأنه من فعله، ولا شك أن هذا هو الحمى، هذا يوشك أن يرتع في هذا الحمى لقربه منه، كالذي يرسل دوابه وهي قريبة من الحمى، الدواب تبي تدخل لا سيما إذا رأت ما يغيرها، نعم؟
أحسن الله إليك.
باب: الحكم في الصيد:
قال مالك: قال الله -تبارك وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [(95) سورة المائدة].
قال مالك -رحمه الله-: "فالذي يصيد الصيد وهو حلال ثم يقتله وهو محرم بمنزلة الذي يبتاعه وهو محرم ثم يقتله، وقد نهى الله عن قتله فعليه جزاؤه، والأمر عندنا أن من أصاب الصيد وهو محرم حكم عليه بالجزاء".
قال يحيى: قال مالك: "أحسن ما سمعت في الذي يقتل الصيد فيحكم عليه فيه أن يقوم الصيد الذي أصاب فينظر كم ثمنه من الطعام فيطعم كل مسكين مداً، أو يصوم مكان كل مد يوماً، وينظر كم عدة المساكين، فإن كانوا عشرة صام عشرة أيام، وإن كانوا عشرين مسكيناً صام عشرين يوماً عددهم ما كانوا، وإن كانوا أكثر من ستين مسكيناً".
قال مالك: "سمعت أنه يحكم على من قتل الصيد في الحرم وهو حلال بمثل ما يحكم به على المحرم الذي يقتل الصيد في الحرم وهو محرم".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: الحكم في الصيد"(77/20)
"قال مالك: قال الله -تبارك وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ} والقتل الإزهاق إزهاق الروح بأي وسيلة كانت فهي أعم من الذبح {الصَّيْدَ} [(95) سورة المائدة] والخلاف في المراد بالصيد هل هو مأكول اللحم فقط أو يشمله ويشمل غيره؟ وهذا يتقرر في الباب الذي يليه، في الفواسق التي تقتل في الحل والحرم {وَأَنتُمْ حُرُمٌ} حال كونكم محرمين بأحد النسكين، يقال: أحرم إذا تلبس بالإحرام، دخل فيه، كما يقال: أنجد وأته، وأظلم دخل نجداً ودخل تهامة ودخل في الظلام، {وَأَنتُمْ حُرُمٌ} إما قد تلبستم بالإحرام أو دخلتم الحرم، من باب أحرم فلان أي دخل في الحرم، كما أنه أيضاً يندرج على من دخل في الإحرام، فعرفنا أن تحريم الصيد له سببان: الأول: الشروع في النسك والدخول فيه، الثاني: الحرم، فيمنع لهذا وهذا والحكم واحد، ما يقتله المحرم حكمه حكم ما يقتل في الحرم، ما يقتله المحرم خارج الحرم حكمه حكم ما يقتله الحلال داخل الحرم، وإذا اجتمع الأمران اشتد الأمر، محرم وداخل الحرم يضاعف، لكنها جزاء واحد وإلا أكثر؟ جزاء واحد من باب التداخل {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا} يعني ذاكراً عالماً بالحرمة {فَجَزَاءٌ مِّثْلُ} فعليه جزاء مثل {مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} فجزاءٌ مثلُ بالقطع عن الإضافة، جزاءٌ مثلُ، والقراءة الأخرى فجزاءُ مثلِ بالإضافة، والتعمد شرط عند أهل الظاهر، وبعض العلماء وهو منطوق الآية، وعند الجمهور الآية لا مفهوم لها، مفهومها ملغى؛ لأن هذا إتلاف ويستوي فيه العمد وغير العمد من باب ربط الأسباب بالمسببات، فالمكلف إذا أتلف يلزمه ضمانه سواءً كان أتلف آدمياً أو أتلف متاعاً أو أتلف صيداً كل هذا يلزمه جزاءه، المقصود أن الظاهرية أعملوا منطوق الآية، فعلى هذا من أتلف صيداً قتل صيداً عن غير عمد لا يلزمه شيء عندهم، وعند الجمهور يلزمه لأنه من باب الإتلاف {فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ} يعني بالجزاء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(77/21)
الآية ظاهرة، يعني إلزام الناس بغير لازم، يعني قل مثل هذا في قص الأظافر وفي حلق الشعر يعني من غير عمد، كثير من أهل العلم يقولون: الإتلاف يستوي فيه العمد والسهو والخطأ، لكن هنا منصوص عليه، والصيد أعظم ما يتلف، يعني الصيد أعظم من الأظافر، وأعظم من الشعر، فإذا اشترطنا العمدية هنا اشترطناها هناك {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ} أي من المسلمين، منكم يعني من المسلمين، وهل يكون المتلف أحدهما أو غيره؟ خلاف بين أهل العلم، يعني الذي قتل الصيد واحد من الاثنين أو يطلب اثنين غيره؟ نعم، الأصل أن هذا محكوم عليه فلا يقبل حكمه، وإن قال به بعض العلماء.
{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ} أي من المسلمين {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} هدياً: حال، وبالغ: وصف، بالغ الكعبة {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [(95) سورة المائدة] طيب الكفارة هذه هل هي على الترتيب مثل ما قتل من النعم إن لم يجد كفارة إطعام إن لم يجد صام؟ أو نقول: هي على التخيير لأن الأصل في (أو) التخيير؟ ولعل هذا هو الأظهر، وإن قال بعض أهل العلم أنها على الترتيب.
"قال مالك: "فالذي يصيد الصيد وهو حلال" أمسك طائر صيد إمساك، أو صوبه بآلة لم تقتله فأمسكه لما دخل الحرم أو تلبس بالإحرام قتله "فالذي يصيد الصيد وهو حلال ثم يقتله وهو محرم بمنزلة الذي يبتاعه وهو محرم ثم يقتله، وقد نهى الله عن قتله، فعليه جزاؤه" لأن القتل حصل، سواءً كان الاستيلاء عليه بطريق الشراء أو مجرد الإمساك.(77/22)
"والأمر عندنا أن من أصاب الصيد وهو محرم حكم عليه بالجزاء" المماثلة فجزاء مثل ما قتل، المماثلة هل هي باعتبار الخلقة أو باعتبار القيمة؟ صاد حمامة مثلاً جزاء الحمامة؟ شاة، باعتبار الخلقة وإلا باعتبار القيمة؟ باعتبار الخلقة، وجه الشبه بين الشاة وبين الحمامة؟ العب، عب الماء، يعني هناك وجه شبه دقيق جداً لحظه الصحابة حينما حكموا بهذا، فدل على أن الاعتبار بالخفقة، وقال أبو حنيفة: الاعتبار بالقيمة، صاد حمامة كم تسوى؟ عشرة ريال عشرة ريال ما تزيد، ليش نكلفه بخمسمائة ريال وهي ما تسوى إلا عشرة؟ والله -جل وعلا- يقول: {فَجَزَاء مِّثْلُ} [(95) سورة المائدة] وهذا ليس بمثل، لكن الصحابة اعتبروا الخلقة وعليهم المعول في هذا الباب.(77/23)
"وقال يحيى: قال مالك -بياناً لكيفية الحكم-: "أحسن ما سمعت في الذي يقتل الصيد فيحكم عليه فيه أن يقوّم الصيد الذي أصاب فينظر كم ثمنه من الطعام" هذا إذا لم يوجد له مثل، نعم، أما ما له مثل لا سيما ما حكم به الصحابة لا يتعدى ما حكم به الصحابة "أن يقوّم الصيد الذي أصاب فينظر كم ثمنه من الطعام" هذا الصيد يقوم مائة ريال، مائة ريال كم يُشترى بها من الطعام؟ نعم عشرة آصع، فيصوم "فيطعم عن كل مسكين مداً" والأصل أن لكل مسكين نصف صاع، فعلى هذا يصوم عشرين يوماً "أو يصوم مكان كل مد يوماً" هذا رأيه -رحمه الله- "أو يصوم مكان كل مد يوماً" إذا اشترى به عشرة آصع بالمائة يصوم على هذا أربعين يوماً؛ لأن الصاع أربعة أمداد "وينظر كم عدة المساكين، فإن كانوا عشرة صام عشرة أيام، وإن كانوا عشرين مسكيناً صام عشرين يوماً عددهم ما كانوا" قلوا أو كثروا، لو قلنا مثلاً: إن هذا الصيد يقدر بألف ريال، نعم، أو صاد نعامة النعامة فيها إيش؟ بدنة، قلنا: كم البدنة؟ كم تسوى؟ ألفين ريال، ألفين ريال كم فيها من صاع؟ نعم، فيها قل مثلاً: مائتي صاع، الصاع بعشرة، وإذا قسمناه على رأي مالك أربعة أمداد يعني ثمانمائة يوم يصوم، نعم، وإذا قلنا: إن الإطعام نصف صاع قلنا: أربعمائة يوم، يصوم عن كل مسكين يوم، نعم "ما كانوا -قلوا أو كثروا- وإن كانوا أكثر من ستين مسكيناً" لقوله تعالى: {أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [(95) سورة المائدة] لماذا حدد الستين؟ لئلا يقول قائل: الرجل إذا قتل مسلم كم يصوم؟ نعم؟ شهرين متتابعين، وقتل نعامة يصوم ثمانمائة يوم؟! نعم؟! لئلا يقول قائل مثل هذا الكلام، ولذلك قال: "وإن كانوا أكثر من ستين مسكيناً".
"قال مالك: "سمعت أنه يحكم على من قتل الصيد في الحرم وهو حلال بمثل ما يحكم به على المحرم الذي يقتل الصيد في الحرم وهو محرم" وعرفنا أن المسألة متعلقة بأمرين، الإيجاب متعلق بأمرين: الإحرام والحرم، والآية متناولة للأمرين، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(77/24)
الموطأ - كتاب الحج (15)
شرح: باب: ما يقتل المحرم من الدواب، وباب: ما يجوز للمحرم أن يفعله.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واحفظه بحفظك يا ذا الجلال والإكرام، واغفر للسامعين يا رب العالمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما يقتل المحرم من الدواب:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب والحَدأة ...
الحِدأة، الحِدأة.
أحسن الله إليك.
((والحِدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور)).
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((خمس من الدواب من قتلهن وهو محرم فلا جناح عليه: العقرب والفأرة والغراب والحدأة والكلب العقور)).
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((خمس فواسق يقتلن في الحرم: الفأرة والعقرب والغراب والحدأة والكلب العقور)).
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أمر بقتل الحيات في الحرم.
قال مالك -رحمه الله- في الكلب العقور الذي أمر بقتله في الحرم: "إن كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنِمْر ...
النَمِر.
أحسن الله إليك.
النَمِر
أحسن الله إليك.
وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب فهو الكلب العقور، وأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع والثعلب والهر وما أشبههن من السباع فلا يقتلهن المحرم، فإن قتله فداه، وأما ما ضر من الطير فإن المحرم لا يقتله إلا ما سمى النبي -صلى الله عليه وسلم- الغراب والحدأة، وإن قتل المحرم شيئاً من الطير سواهما فداه".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(78/1)
لما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما تقدم ما لا يجوز قتله من الصيد أردف ذلك بما يجوز قتله في الحرم والإحرام، فقال: "باب: ما يقتل المحرم من الدواب" مما لا يجب عليه فيه الجزاء؛ لأن النص جاء بالإذن في قتلها في الحل والحرم، والدواب جمع دابة اسم لكل حيوان يدب على وجه الأرض، خصه العرف بذوات الأربع، والحديث فيه شيء من العموم؛ لأن فيه من غير ذوات الأربع فهو على معناه الأصلي.
أخرج بعضهم من الدواب الطير، قال: لا يقال للطائر دابة، وليس من الدواب الطير، لقول الله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [(38) سورة الأنعام] فعطف الطائر على الدابة يدل على أنه غيرها؛ لأن العطف يقتضي المغايرة، لكن في هذا الحديث الغراب والحدأة وهما من الطيور، ففيه رد على هذا القول، وجاء من النصوص ما يشمل الطيور {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [(6) سورة هود] {وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} [(60) سورة العنكبوت] يدخل في هذا كل ما يدب على وجه الأرض.
قال -رحمه الله تعالى-:(78/2)
"حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((خمس من الدواب)) " خمس مبتدأ نكرة وسوغ الابتداء بها الوصف، فمن الدواب جار ومجرور متعلق بوصف محذوف للخمس، والنكرة إذا وصفت أفادت " ((ليس على المحرم)) " هذا خبر المبتدأ، ليس على المحرم بأحد النسكين الحج أو العمرة " ((في قتلهن جناح)) " لا إثم ولا حرج ولا فدية ((الغراب)) وهذا هو الأول، الغراب كذا بالإطلاق، وجاء تقييده بإيش؟ بالأبقع، ورجح الأكثر عدم التقييد، ورجح ابن خزيمة التقييد، واتفقوا على إخراج الغراب الصغير غراب الزرع الذي يأكل الحب، اتفقوا على إخراج الغراب الصغير، الغراب ووصفه بالأبقع هل نقول: إن هذا وصف فيكون من باب الإطلاق والتقييد، ومقتضى القاعدة في مثل هذا التقييد، إذا قلنا: إنه من باب تقييد المطلق؟ أو نقول: إن الأبقع فرد من أفراد العموم الذي هو الغراب المحلى بـ (أل) الجنسية، فإذا كان فرداً من أفراد الغراب قلنا: إن هذا تنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق فلا يقتضي التخصيص.
أولاً: الأكثر على عدم اعتبار الوصف الذي هو الأبقع، فإذا قلنا: إنه وصف وصفناه بأنه أبقع، قلنا: إنه من باب الإطلاق والتقييد، أو نقول: إن الأبقع فرد من أفراد العام، وليس وصفاً من أوصافه، الآن الغراب إذا أطلق يطلق على إيش؟ على جميع الأنواع، يطلق على الأسود الخالص، ويطلق على الأبقع، ويطلق على غراب البين، ويطلق على غراب الزرع، هذه أفراده، وقد يكون له أفراد غير هذه الأفراد، الغراب يشمل جميع هذه الأفراد، فهو لفظ عام، و (أل) الجنسية من صيغ العموم، نعم، فإذا قلنا: الغراب الأبقع هل نقول: إن هذا وصف أو فرد من أفراد الغربان؟ نعم؟
طالب: فرد.
فرد؛ لأن في أبقع وفي غير أبقع، فالغراب يشمل الأنواع كلها بما في ذلك ما ذكرنا من الأبقع وغيره، وهو فرد من أفراده، ولعل هذا هو السبب في عدم اعتبار هذا القيد عند جمهور أهل العلم، وإلا لو قلنا ... هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(78/3)
ما في تخصيص، إذا قلنا: عام وخاص ما في تخصيص، يعني الاهتمام بشأنه والعناية به، لكونه أشر، أشدها، ولذلك لما خص الصغير -غراب الزرع- نعم قلنا: يخص لماذا؟ لأن الحكم موافق وإلا مخالف؟ مخالف، بينما الأبقع موافق، وإذا كان الحكم موافقاً لا يحمل العام على الخاص، وإذا كان الحكم مخالفاً حمل العام على الخاص، ظاهر وإلا مو بظاهر؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
نخشى نكرر مرة ثانية، أخونا اللي كتب ذاك اللي يفهم لأول مرة، يمكن يمل، نعم؟
طالب: كيف ترد على. . . . . . . . .
هو ما في شك أن البقعة وصف، لكن الغراب الأبقع فرد.
طالب: من قيده؟
ابن خزيمة قيده، ونص على ذلك في صحيحه، نعم، فأحياناً لا يتحرر الفرق بين التخصيص والتقييد، أحياناً لا يتحرر، ولذلك في ((وجعل تربتها)) نعم اضطراب كبير بين أهل العلم هل هو تخصيص أو تقييد؟ ولذا أحمد والشافعي لا يجوز التيمم بغير التراب لأنه تقييد، وغيرهم يتيمم بكل ما على وجه الأرض باعتبار التراب فرد من أفراد الأرض، فلا يتحرر الفرق بين التقييد والتخصيص ثم بعد ذلك يقع ما يقع، نعم؟
المسألة مسألة وصف وإلا فرد؟ إذا كان الشيء واحد لا يتعدد، نعم ثم ذكر بعض أوصافه يقيد، وإذا كان الوصف الأكبر أو اللفظ الأكبر ذو أفراد، تحته أجناس وأفراد وأنواع يكون من باب العموم والخصوص كما هنا، فالذي يظهر أنه من باب العموم والخصوص وحينئذٍ لا يخص به، وعلى هذا جرى أكثر العلماء نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا.
طالب:. . . . . . . . .
نعم صحيح، ويش تقول: أنت؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو إذا نص على فرد من أفراد العام بحكم موافق صار للاهتمام بشأن الخاص والعناية به.
((الحِدأة)) طائر معروف تسرق الأمتعة، فهي مؤذية ((والعقرب)) التي تلدغ ....
طالب:. . . . . . . . .
ما .. ، هي تختطف المتاع، تختطف الأمتعة تسرق.
طالب: لو ركزت على ....
عاد هذا يُذكر في مثل حياة الحيوان ولا يدرى عن حقيقته.(78/4)
العقرب فيها السمية التي تلدغ بها فيتأذى بها الملدوغ، ((والفأرة)) الفويسقة المفسدة ((والكلب العقور)) بمعنى عاقر، وهو كل سبع يعقر ويفترس، جارح على ما سيأتي، خمس: التقييد بالخمس له مفهوم وإلا لا مفهوم له؟
طالب:. . . . . . . . .
لا مفهوم له، لماذا؟ يعني زيد على العدد في نصوص أخرى، يعني لو جاءنا هذا بصيغة الحصر وقيل: لا يقتل في الحرم إلا خمس، ثم جاءت الزيادة في النصوص الأخرى، يكون الحصر له مفهوم وإلا لا مفهوم له؟ يعني ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) ثم جاء في النصوص الأخرى على أن العدد بلغ سبعة، نعم، يزاد عليه، وإلا نقول: خلاص الحصر حقيقي ولا يمكن الزيادة عليها؟ يزاد عليها ما جاء في النصوص الأخرى؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يكون اطلع على هذا العدد ثم زيد عليه؛ لأنه لا يعلم الغيب، والأحكام الأصل فيها أنها من الله -جل وعلا-، ثم يزاد فيما يزاد من الأحكام مما ينزل عليه -عليه الصلاة والسلام-، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والأخبار أيضاً، والأخبار من ذلك {مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ} [(78) سورة غافر] المقصود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعلم إلا ما أعلم من قبل الله -جل وعلا-، فهو لا يعلم الغيب.(78/5)
التقييد بالخمس وإن كان مفهومه اختصاص المذكورات بذلك، يقول العلماء: لكنه مفهوم عدد وليس بحجة، يقول ابن حجر: عند الأكثر، مفهوم العدد، وعلى تقدير اعتباره فيحتمل أن يكون قاله -عليه الصلاة والسلام- أولاً، ثم بين بعد ذلك أن غير الخمس تشترك معها في الحكم فقد ورد في بعض طرق حديث عائشة أربع، وفي بعضها ست، هذا ذكره ابن حجر، وقل مثل هذا ما جاء في خصال المنافق في النفاق العملي، إذا جمعنا الروايات وجدناها أكثر من أربع، لكن تقرر مثل هذه المسائل بكل أدب مع النصوص النبوية، لا تكون الجرأة تحمل طالب العلم مثل ما قال بعضهم في شرح حديث: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) قال: في هذا الحصر نظر، تتكلم في كلام من؟ كلام من لا ينطق عن الهوى، والحديث في الصحيح، هذا سوء أدب بلا شك، فإذا أراد الإنسان أن يجمع طرق الحديث ويجمع زيادات بعضها على بعض بكل أدب واحترام؛ لأنه يتعامل مع كلام المعصوم -عليه الصلاة والسلام-.
قالوا: الغراب سمي بذلك لأنه يغترب ويبعد وينأى، والعلة في قتل هذه الدواب جاء التنصيص عليها في الحديث الثالث حديث عائشة.
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((خمس من الدواب)) " كسابقه ((من قتلهن وهو محرم فلا جناح عليه)) يعني من باب أولى إذا كان حلالاً ((العقرب والفأرة والغراب والحدأة والكلب العقور)) وزيد على ذلك الحية والأفعى، وهو داخل في مسمى الحية، والسبع العادي وهو داخل في الكلب العقور، على ما سيأتي في كلام مالك.
زيد في حديث أبي هريرة عند ابن خزيمة الذئب والنمر فصارت تسعاً، وإن أمكن إدخال بعضها في بعض إلا أنها ورد التنصيص عليها.
الحديث الذي يليه يقول:
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((خمسٌ فواسق)) أو ((خمسُ فواسق)) يقول النووي: هو بإضافة خمس لا بتنوينه، يكون خمسُ فواسق وإلا على التنوين: خمسٌ فواسقُ، فهو بإضافة خمس لا بتنوينه.(78/6)
وجوز ابن دقيق العيد الوجهين، وأشار إلى ترجيح الثاني الذي هو التنوين، فإنه قال: رواية الإضافة تشعر بالتخصيص، إذا قلنا: خمسٌ فواسق تكون فواسق وصف، وصف بالتنوين، وإذا قلنا بالإضافة: خمسُ فواسق، نعم نبي نقرر كلام ابن دقيق العيد قبل، الآن إذا قلنا: خمسٌ فواسق وصفنا الخمس بأنهن فواسق، وإذا قلنا: خمسُ فواسق هل مثل هذه الإضافة تقتضي التخصيص؟ أو نقول: إن هذا من باب إضافة الموصوف إلى صفته فيتحد التنوين وعدمه؟ يعني هل كل إضافة تقتضي التخصيص؟ إذا قلنا: قلمُ زيد اختص به، يعني لا قلم عمرو، وإذا قلنا: قفل الباب يختص وإلا ما يختص؟ نعم؟ يختص بالباب؟
طالب: لا يختص.
إذا قلنا: متاع المسجد فرش المسجد، إذا أضيف إلى ما لا يملك؛ لأن هذه الإضافة بمعنى اللام، إذا قلنا: قفل الباب قلنا: القفل للباب، والمتاع للمسجد، والقلم لزيد، فإذا كانت هذه الإضافة لمن يملك أصاب التخصيص أفاد التخصيص، لكن إذا كان لا يملك لا يفيد التخصيص، وإنما هو شبهه، مثلما نقول: اللام هذه التي بمعنى هذه الإضافة اللام أحياناً تأتي للمُلك أو للمِلك كما يقولون أو لشبهه إذا أضيفت لما لا يملك، وهنا سواءً قلنا بالتخصيص بالإضافة خمسُ فواسق، قلنا: إن هذا من باب إضافة الموصوف إلى صفته فلا يقتضي تخصيص، أو قلنا: إنه بالتنوين وقطع الإضافة كما يقول النووي فلا يختلف المعنى.
على كل حال كلام ابن دقيق العيد يقول: رواية الإضافة تشعر بالتخصيص، فتخالف هذه الأمور غيرها، أو الأمور المذكورة غيرها في الحكم من طريق المفهوم، ورواية التنوين تقتضي وصف الخمس بالفسق من جهة المعنى، فيشعر بأن الحكم المرتب على ذلك وهو القتل معلل بما جعل وصفاً وهو الفسق فيدخل فيه كل فاسق من الدواب.(78/7)
التنصيص على الوصف فواسق، له أثر في الحكم وإلا لا أثر له؟ يعني هل قتل هذه الخمس لأنها فواسق وصف مؤثر وإلا غير مؤثر؟ مؤثر، إذاً العلة في قتل هذه الخمس لأنها فواسق، ويقول النووي: تسمية هذه الفواسق تسمية صحيحة، جارية على وفق اللغة، فإن أصل الفسق في اللغة الخروج، ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها، وفي قوله -جل وعلا-: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [(50) سورة الكهف] أي: خرج، سمي الرجل فاسقاً لخروجه عن طاعة ربه فهو خروج مخصوص.
وزعم ابن الأعرابي أنه لا يعرف في كلام الجاهلية ولا في شعرهم فاسق، لا يعرف فاسق في كلام الجاهلية ولا في شعرهم.
المادة: مادة الفسق موجودة في معاجم اللغة، ونطق بها الجاهليون، نطقوا بالمادة، وقال ابن الأعرابي وهو من أئمة اللغة: إنه لا يعرف في كلام الجاهلية ولا في شعرهم فاسق، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(78/8)
المادة معروفة، نعم يمكن أن تقول العرب احتمال تقول: هذا غراب فاسق، وهذه فأرة فاسقة وفويسقة، كيف يقول ابن الأعرابي وهو يعترف بهذا الكلام؟ نعم يعترف بأن الغراب فاسق، ويعترف بأن الفأرة فاسقة وفويسقة، لكن نستحضر ما ذكرناه عن اللغويين في الذات، نفي ابن الأعرابي الإطلاق الشرعي على من خالف أنه يقال له: فاسق، فنفي ابن الأعرابي أنه قال: لا يعرف في كلام العربية ولا في شعرهم فاسق يعني بالمعنى الشرعي، يعني مثل ما قلنا عن إطلاق الذات على الله -جل وعلا- أنه لا يعرف في لغة العرب، بل هو مولد، وجاء في الحديث الصحيح في ذات الله لكن المراد في الحديث غير مراد من يقول: الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، وهنا نقول: هم يعترفون بأنه فاسق، الغراب فاسق، لكن الشخص العاصي يوجد في كلام العرب ما يسمى به فاسق؟ لا، هذا مراد ابن الأعرابي، فننتبه للمراد من كلام المتكلم لا نهجم عليه مثل ما هجمنا على اللغويين في الذات، نعم، هذا وصف شرعي، دعونا مثلاً من الوصف الإسلامي بعد استقرار اللغة، يعني لو بحثنا في كلام العرب قبل الإسلام ما وجدنا أن من خالف أمر الله وأمر نبيه -عليه الصلاة والسلام- فاسق؛ لأنه متقدم على هذا الاصطلاح، لكن هل يمكن أن يقول العربي لمن خالف أمر عيسى أو أمر موسى بأنه فاسق؟ نعم؟ لم يعرف، لم يعرف في لغة العرب هذا الكلام، وإن كانت المادة بمعناها وهو الخروج موجودة في لغة العرب، فهذا مراد ابن الأعرابي، ما يقال ابن الأعرابي مسكين كيف ينفي والمادة موجودة؟ لكن مراده بالإطلاق الشرعي، نعم مراده بالإطلاق الشرعي، وهناك اصطلاحات إسلامية، يعني وجدت بعد الإسلام.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(78/9)
لا بد من حمله على هذا، ابن الأعرابي إمام مطلع في العربية، من الكبار يعني، من الأساطين في هذا الباب، لكن يخفى عليهم هذه المادة، وهو خالط العرب وجالسهم، وتلقاها بنفسه، ما هو من اللي ينقلون، تقول: والله خفي عليه هذا النقل، لا، ولا بد من حمل كلامه على هذا، طيب ثعلب لما قيل له: هل الآحاد جمع أحد؟ قال: حاشا أن يكون للأحد جمع، يعني مقصوده هل ينكر ثعلب أن في الشهر أربعة آحاد؟ ينكر؟ ما يمكن ينكر، لكن نظر إلى أنه اسم من أسماء الله -جل وعلا-، وأسماء الله الحسنى لا تجمع، فلا بد من إصابة المراد، لا بد من نظر بدقة إلى مراد المتكلم.
وأما المعنى نقول: ففاسق يعني بالمعنى الشرعي، وأما المعنى في وصف الدواب المذكورة بالفسق فقيل: لخروجها عن حكم غيرها من الحيوان في تحريم القتل، يعني له يمكن أن يقال: هذا معناها في اللغة، في تحريم القتل والتحريم شرعي، وقيل: في حل أكله لقوله تعالى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [(145) سورة الأنعام] وهذا أيضاً شرعي، وقيل: لخروجها عن حكم غيرها بالإيذاء والإفساد، وهذا يدركه العرب قبل الإسلام، يدركون أن هذه خرجت عن مسار غيرها مما لا يؤذي بكونها مؤذية فهذا يمكن ينطبق عليه الخروج الفسق اللغوي، وأما كونها مما يحرم أكله أو كونها مما يحل قتله فهذا لا يدرك إلا بالشرع.
طيب نأتي إلى العلة الحقيقية في جواز قتل هذه الفواسق، الوصف المؤثر فواسق، فهل نقول: إن العلة ما دامت العلة الفسق وهو الخروج، وهذه الدواب خرجت عن غيرها بأمر يجمعها وهو الأذى، وكلها مؤذية فيلحق بها كل مؤذي، يلحق بها كل مؤذي؛ لأن العلة منصوصة مؤثرة يدور معها الحكم، فإذا وجد الأذى جاز القتل، أو نقول: إن العلة كما استروح بعضهم يعني نظر إلى مجموع ما ورد، فإذا عدم الأكل يشملها فتكون العلة عنده عدم الأكل، فيجوز قتل كل ما لا يؤكل، ومنهم من قال: إن هذه خرجت عن حكم غيرها بجواز قتلها، وقتلها إنما هو مستمد من الشرع، وعلى هذا لا يجوز قتل غيرها.
طيب نأتي إلى الوزغ مثلاً محرم وإلا في الحرم ورأيت وزغ تقتل وإلا ما تقتل؟ على العلل الثلاث، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مؤذي وإلا ما هو مؤذي؟ نعم؟(78/10)
طالب:. . . . . . . . .
كونه يقتل خارج الحرم لا يعني أنه يقتل داخل الحرم، إذا قلنا: هذه لا يقاس عليها؛ لأن العلة الأخيرة، وأن العلة في القتل إذن الشارع بالقتل، وعلى هذا لا يقاس عليها، وإذا قلنا: عدم الأكل فيقاس عليها كل ما لا يؤكل، وهذا قيل به، وإذا قلنا: العلة الأذى قلنا: يقتل كل مؤذي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أقول: العلل عند أهل العلم ثلاث: الأولى: كونها مؤذية، الثانية: عدم حل أكلها، والثالثة: الإذن بقتلها، على العلة الثالثة لا يقاس على ما ذكر شيء، يبقى النص وما عداه لا يجوز قتله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا الصائل يدفع، ولو أدى إلى قتله، هذا مفروغ منه، وعندهم القاعدة: (ما آذى طبعاً قتل شرعاً) لكن لا يعني هذا أنه يقتل في الحل والحرم، هذه جاء التنصيص عليها، بأنها تقتل في الحرم، وكونها ينص على أعداد معينة لا شك أن هذا له وقع في الحكم، وإلا لو أراد الشرع أن كل ما لا يؤكل يجوز قتله أو كل مؤذي يجوز قتله، فلا يعجز عن مثل هذا، لأتى بلفظ يتناول الجميع، لكن لا شك أن الأحكام معللة، وأن الأحكام تدور مع عللها لا سيما المنصوصة، فإذا وجد وتحققت العلة وكل على مذهبه، الشافعي يقول: العلة عدم الأكل، فكل ما لا يؤكل يجوز قتله، والحنفي يقول: العلة التنصيص على جواز قتلها، فدل على أن غيرها لا يجوز قتله، ومنهم من يقول: العلة الأذى، كل مؤذي يجوز قتله، كل مؤذي من الحيوان يجوز قتله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ها؟ ويش تقول أنت بالراجح؟
طالب:. . . . . . . . .
أن الوصف هو الفسق والخروج عن غيرها، لكن يا الله الفسق ويش سبب تسميتها بالفسق؟ الشيء .. ، إن أردنا حقيقته اللغوية انصرفت إلى الأذى فقط، وإن أردنا الحقيقة الشرعية فيدخل فيها العلل الأخرى.
طالب:. . . . . . . . .
يعني مؤذي، على الخلاف في اعتبار معنى الفسق، طيب، القمل مؤذي، يقتل وإلا ما يقتل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هين، اللي فيه فدية هذا ما يجوز قتله، معناه أنه ما يجوز قتله.
طالب: الفدية هل هي على قتل القمل وإلا لإزالة الشعر؟
لا، لا هو افترض واحد يفلي شعره، أو ملابسه وكل ما وجد قتله بدون حلق شعر.(78/11)
طالب:. . . . . . . . .
لا، انتهينا من الشعر.
طالب:. . . . . . . . .
لا، قمل مجرد يعني، حك رأسه وطلع بيده قمل، وقتلها بالطريقة المعروفة، إذا وجد، وكان الناس يعانون من هذا، لكن -الحمد لله- تغيرت الحال، ولله الحمد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا قلنا: العلة الأذى قلنا: يقتل؛ لأنه مؤذي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
فهل نفعل وإلا نفعل؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما نقتل، الأصل أن ما سكت عنه في هذا الباب الأصل المنع في كل شيء.
طالب:. . . . . . . . .
ولا في معنى المنصوص؟
طالب:. . . . . . . . .
ما هو بمعنى أن هذا المكان آمن، ويبقى أن كل ما فيه آمن، هذه هو الأصل، نعم؟
يأتي في صنيع عمر -رضي الله تعالى عنه- يقرد بعيراً له .. إلى آخره، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والله اللي يظهر الأذى، اللي يظهر الأذى، يعني هذه أقوى العلل، أن كل مؤذي يقتل، والمقصود بالمؤذي في طبعه، ما هو بأذىً عارض، نعم، إن تعرض إن كان من باب دفع الصائل له حكم آخر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الذئب ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
يبي يجي في كلام الإمام مالك الذئب، الكلب الأسود المأذون بقتله وليس بعقور يقتل وإلا ما يقتل لأنه شيطان؟ ما يقتل إلا إذا كان عقوراً.
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب أمر بقتل الحيات في الحرم" والحية جاء التنصيص عليها، وإذا قلنا: إن العلة الأذى فإذا أذن بقتل العقرب فالحية من باب أولى.
"قال مالك في الكلب العقور الذي أمر بقتله في الحرم: "إن كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم" هو لحظ الوصف وهو كونه عقور "كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم -فهو مثل الكلب العقور- مثل الأسد" يعني إذا جاز قتل الكلب العقور والأسد يعني من باب أولى، والنِمر كذلك، والفهد والذئب، كلها في حكم الكلب العقور، لا سيما إذا قلنا: إن الحكم يتعدى مع الاشتراك في العلة.(78/12)
وجاء تسمية الأسد كلب ((اللهم سلط عليه كلباً من كلابك)) فقتله الأسد، فهو الكلب العقور "وأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع والثعلب والهر -يعني والكلب العادي هذا اللي ما يعقر الناس- وما أشبههن من السباع فلا يقتلهن المحرم" طيب وجدنا أسد في الحرم الإمام مالك يقول: يقتل، لكن وجدنا أسد بدون أسنان وبدون مخالب ارتفعت العلة.
طالب:. . . . . . . . .
ما يمكن؟
طالب: لا مو بالقوة يا شيخ. . . . . . . . .
ما يلزم، خلونا بدون آلة قتل، خلوه مريض كالأسد مريض.
طالب: القوة في فكه يا شيخ.
على كل حال في آلته التي يقتل فيها ما هي موجودة.
طالب:. . . . . . . . .
يا إخوان خلونا ندور مع العلة، وجدنا ذئب مريض هل نقتل وإلا ما نقتل؟
طالب:. . . . . . . . .
رحم الله الإمام مالك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب: إذا كان. . . . . . . . .
ما استأنس، لا كونه وجد بين الناس لا يعني أنه صار إنسي، ما في آنس من الحمام، ومع ذلك صيد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم بين الناس الفأرة أيضاً.
يقول: "إن كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب فهو الكلب العقور، وأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع والثعلب والهر وما أشبههن من السباع فلا يقتلهن المحرم، فإن قتله فداه" فأنا قلت: حكم الإمام مالك على هذه الأمور هل هي لدخولها في مسمى الكلب كدخول الأسد؟ أو في الوصف المؤثر وهو العقر؟ فإذا قلنا: إنه في المسمى، إذا عرف مثلاً أسد مربى تربية بحيث لا يعدو على إنسان ولا يؤذيه فالعلة انتهت، وقل مثل هذا في النمر والفهد الذئب، ربي بحيث لا يضر أحد، نقول: ارتفعت العلة فلا نقتله؟ أو نقول: يبقى الأسد كلب ولو ارتفعت العلة لكنه ليس بكلب عقور؟ يعني يصير حكمه حكم الكلب غير العقور؟ هذا هو اللي يظهر هذا.
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "وأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع والثعلب والهر وما أشبههن من السباع فلا يقتلهن المحرم، فإن قتله فداه" يعني على القول بأن العلة عدم الأكل، الضبع يؤكل، الخلاف معروف فيه، فالذي يقول: يؤكل يقتله للأكل أو لا يقتله؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(78/13)
دعونا، خلونا مع العلة، العلة في هذه الأمور عدم الأكل عند من يقول بأن هذه هي العلة، وأنه يقتل كل ما يؤكل، ألا يرد عليه مثل الضبع؟ وقد جاء فداه عن الصحابة، وهو صيد، مثل الصيد، الأصل أنه صيد وهو ممنوع، فيمنع لأنه صيد، والخلاف في الثعلب أيضاً معروف، وأما الهر فهو لا يعدو إلا إذا ضيق عليه، ولذا جاء وصفه بأنه سبع، فإذا ضيق عليه عدا وإلا فالأصل أنه لا يعدو "وما أشبههن من السباع فلا يقتلهن المحرم، فإن قتله فداه" قتل كلب غير عقور، أو قتل هر مثلاً أو ثعلب يفدي وإلا ما يفدي؟ هو صيد؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟ صيد؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو الأصل أنه فيما يؤكل.
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
يفدى وإلا ما يفدى؟
طالب:. . . . . . . . .
على أي العلل؟ يقول: "مثل الضبع والثعلب والهر وما أشبههن من السباع فلا يقتلهن المحرم، فإن قتله فداه" وقل مثل هذا في الكلب غير العقور، الكلب غير العقور يفدى وإلا ما يفدى؟ لا يفدى؟
طالب:. . . . . . . . .
يفدى، يقول: "فإن قتله فداه" لأن العلة عنده هو ما كان من السباع لا يعدو، فإذا كان لا يعدو يفدى، وإذا كان يعدو دخل في الصنف الأول فلا يفدى، وتحققت فيه العلة علة الفسق، وإذا قلنا: إن العلة عدم الأكل فإنها تقتل ولا تفدى، وإذا قلنا: إن العلة التنصيص على ما ذكر، وعدم الإلحاق بها كما خرجت عن غيرها بالوصف الذي هو جواز قتلها، وعلى هذا يكون ما عداها لا يجوز قتله، وكل على مذهبه.
يقول: "وأما ما ضر من الطير فإن المحرم لا يقتله" يعني لا يقاس على الغراب والحدأة ولو ضر، مو قلنا: إن العلة الفسق فتقتل لأنها ضارة؟ عدم الأكل كذلك متحقق، تبقى العلة الثالثة وهي التي يقول بها الحنفية التنصيص على جواز قتلها، خرجت عن غيرها بالتنصيص على جواز قتلها فحينئذٍ يكون هذا منه، لكن الإمام مالك ألحق بالمنصوص عليه غيره، فهل اطرد مذهبه بالإلحاق أو لم يطرد؟ نعم أخرج الطير وإن كان ضاراً.(78/14)
يقول: "فإن المحرم لا يقتله إلا ما سمى النبي -صلى الله عليه وسلم- الغراب والحدأة، وإن قتل المحرم شيئاً من الطير سواهما فداه" لأنه صيد عنده وإن كان ضاراً، نعم؟ لماذا؟ هل لأن ما يعدو من السباع لا يمكن الاتقاء منه بخلاف ما يعدو من الطيور؟ إيه ممكن ينقض الصقر أو النسر فيؤذي.
أقول: هل اطرد مذهب الإمام مالك -رحمه الله تعالى- فيما قرره هنا أو لم يطرد؟ إن كانت العلة الأذى وهي التي تفهم من كلامه الأول بالنسبة للسباع، فالأذى متحقق في الطيور التي استثناها، نعم؟ هذا إذا كانت العلة الأذى، فسقت خرجت عن خيرها بالأذى، إن كانت العلة حل الأكل وعدم حله فهذه الطيور الضارة ذوات المخالب تحل وإلا ما تحل؟ لا تحل، إذاً هي مثل السباع، لم يطرد مذهبه، وإذا كانت العلة التنصيص فقد ألحق بالمنصوص غيره ولم يلحق الطيور، فمذهبه على أي علة لم يطرد، نعم؟
هل يلحظ وجه للتفريق عند الإمام مالك بين السباع والطيور؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني علة الكلب منصوصة، وعلة ما ذكر من الطيور مستنبطة، فرق يعني بين العلة المنصوصة والعلة المستنبطة.
طالب: إذا كان الإمام مالك يرى أن العلة هي التنصيص فقط فمذهبه مطرد في هذا لأن التنصيص. . . . . . . . .
لا ما يلزم التنصيص، هو يفرق بين العلة المنصوصة والعلة المستنبطة، نعم، يعني خله مثلاً يقيس على الكلب العقور كل مؤذي من السباع، إلحاق، إيه من عموم العلة، يعني سواءً قلنا: من عموم العلة أو إلحاق للعلة الجامعة ما يختلف.
طالب: قد يرى أن الكلب العقور وصف عام ليس في شيء بذاته وليس هو كلباً الكلب المتعارف عليه ....
لا، أصل الكلب العقور هو الكلب المتعارف عليه إلا أنه اتصف بهذا الوصف فهو من عموم العلة.
طالب: هل يطلق على الأسد كلب؟
يطلق، لكن هل هذا الإطلاق لغوي وإلا شرعي؟ نعم؟
طالب: أكيد شرعي، لكن ....
طيب دعنا من الأسد دخل في عموم الكلب، اللي بعده الفهد والذئب؟
طالب: قد يكون. . . . . . . . . عن لغات العرب، قد يكون دخلت في أفراد هذا العام.(78/15)
أنا أقول: كونها تدخل في لفظ الكلب ما يلزم، هي دخلت في العلة، العقر، دخلت في عموم العلة، فدخولها في عموم العلة يقتضي الإلحاق، بينما التنصيص على الأفراد من الطيور من غير نظر إلى علة، وإن كان فيها علة مستنبطة، لكن الحكم حينما يقولون: الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً يقصرونه على العلة المنصوصة دون المستنبطة، وعلة الكلب منصوصة وعلة الغراب والحدأة ليست منصوصة إنما هي مستنبطة، وهنا يكون كلامه اتجه، جزاء الله خير.
نقرأ الباب الذي بعده.
أحسن الله إليك.
باب: ما يجوز للمحرم أن يفعله:
حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ربيعة بن أبي عبد الله بن الهدير أنه رأى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقرد بعيراً له في طين بالسقيا وهو محرم، قال مالك: وأنا أكرهه.
وحدثني عن مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أنها قالت: سمعت عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، تسأل عن المحرم أيحك جسده؟ فقالت: "نعم فليحككه وليشدد ولو ربطت يداي ولم أجد إلا رجلي لحككت".
وحدثني عن مالك عن أيوب بن موسى أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- نظر في المرآة لشكوٍ كان بعينيه وهو محرم.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يكره أن ينزع المحرم حلمة أو قراداً عن بعيره.
قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك.
وحدثني عن مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم أنه سأل سعيد بن المسيب -رحمه الله- عن ظفر له انكسر وهو محرم، فقال سعيد: "اقطعه".
وسئل مالك عن الرجل يشتكي أذنه أيقطر في أذنه من البان الذي لم يطيب وهو محرم؟ فقال: لا أرى بذلك بأساً، ولو جعله في فيه لم أرَ بذلك بأساً.
قال مالك -رحمه الله-: ولا بأس أن يبط المحرم خراجه، ويفقأ دمله، ويقطع عرقه إذا احتاج إلى ذلك.
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما يجوز للمحرم أن يفعله" وذكر ما يمنع، ثم ذكر ما استثني من الممنوع، ثم ذكر ما يجوز له أن يفعله، وذكر بسنده عن ربيعة بن أبي عبد الله بن الهدير أنه رأى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقرد بعيراً له في طين بالسقيا وهو محرم.(78/16)
أولاً: القراد كالقمل بالنسبة للإنسان يعلق بالدواب من الإبل والبقر، والتقريد إزالة القراد عنه.
"رأى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقرد بعيراً له في طين، قال مالك: وأنا أكرهه" أولاً: القراد لا شك أنه مؤذي، القراد والحلم كله مؤذي بالنسبة للدابة؛ لأنه يمتص من دمها ويؤذيها، فهل نقول: إن هذه مؤذية تزال؟ أو يقتصر على مجرد إزالة ضررها بتقريدها ولو لم تقتل؛ لأن عندنا مجرد الإزالة، وعندنا ما يترتب على الإزالة من قتل مباشر أو تعريض للقتل، عندنا في النص الذي معنا: "رأى عمر بن الخطاب يقرد بعيراً له في طين" طيب وقع هذا الغراب في الطين، يموت وإلا ما يموت؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم يموت، عرضناه، لم يباشر، لم يباشر قتله، وإنما تسبب في قتله، فعمر -رضي الله عنه- نظر إلى أن هذا البعير متضرر بوجود هذا القراد، والقراد مؤذي وضار فيلحق بما يتأذى به الإنسان كالفأرة مثلاً، فأزاله قرد وأزاله، ووقع في الطين بالسقيا والسقيا قرية بين مكة والمدينة وهو محرم، فعلى هذا لا شيء في نزع القراد أو القُراد من الدابة، وقل مثل هذا في إزالة القمل من الرأس بالنسبة للإنسان لأنه مؤذي، هو مؤذي، لكن هل مع هذه الإزالة تترك دون قتل أو تقتل؟ تترك، لا يباشر قتلها، قد يقول قائل: إن أخذ القمل من الرأس وإلقاؤه في الأرض بحيث ينتقل منه إلى غيره أذى، والأذى يزال، بل هو مما يماط عن المكان، بدلاً أن يتضرر به ويتأذى به سيكون سبباً في أذى غيره، فهل نقول: إنها مثل الفواسق تقتل لأنها مؤذية؟
"قال مالك: وأنا أكرهه" لماذا؟ لأن إزالته وإلقاؤه في الطين يكون سبباً في قتله، ولذا يكرهون قتل القمل مع أنه مؤذي بالنسبة للإنسان.(78/17)
وهنا يقول: "وحدثني عن مالك عن علقمة بن أبي علقمة -بلال- عن أمه -مرجانة- أنها قالت: سمعت عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- تسأل عن المحرم أيحك جسده؟ فقالت: "نعم فليحككه وليشدد -زيادة في بيان الإباحة- ولو ربطت يداي ولم أجد إلا رجلي لحككت" وهذه أيضاً مبالغة في بيان الحكم وأن هذا جائز لا إشكال فيه، وهذا الحك لا يخلو إما أن يكون في موضع فيه شعر، بحيث لو حك بقوة وشدة كما قالت أم المؤمنين لترتب على ذلك إزالة شيء من الشعر، أو يكون المكان لا شعر فيه فلا يكون سبباً في إزالة شيء من الشعر وهذا لا إشكال فيه، كون المكان لا شعر فيه ما فيه إشكال، قد يقول قائل: البشرة بعضها مع الحك ينزل منه شيء، لا أقول شيء من الوسخ، وإنما شيء من البشرة، وجاء في حديث: ((من أراد أن يضحي -يعني بعد دخول العشر- فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته شيئاً)) فهل نقول مثل هذا؟ طيب الرجل فيها حكة مثلاً ثم حكها وشدد في حكها فنزل منها قطع من الشقوق التي فيها، هل يمنع منها من أجل هذا؟ أو نقول: إن الأخذ من البشرة خاص بالأضحية وأم المؤمنين تقول: يحك ويشدد ولو ربطت يداي ولم أجد إلا رجلي لحككت، كلامها يدل على أن ما يترتب على مثل هذا العمل لا شيء فيه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إزالة، إزالة نعم، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني يكرهه تورعاً تبعاً لابن عمر، ابن عمر سيأتي عنه النقل.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، سيأتي عن ابن عمر.
يقول: "وحدثني عن مالك عن أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص أن عبد الله بن عمر نظر في المرآة لشكوٍ كان بعينيه وهو محرم" النظر في المرآة من قبل المحرم فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ ما في إشكال، لماذا نقل الإمام مالك مثل هذا الأثر عن ابن عمر وهو الصحابي المؤتسي المقتدي الذي يميل إلى التحري في هذا الباب؟ لأنه يترتب على النظر في المرآة شيء من الترفه، والأصل في المحرم أنه لا يترفه.
يقول: "نظر في المرآة لشكوٍ كان بعينيه وهو محرم" لكن لو كان من دون سبب، أراد أن يسرح شعره، نعم، أو أراد أن ينظر هل في وجهه شيء أذى وإلا قذر ليزيله هل يقال: إن النظر في المرآة ممنوع من قبل المحرم؟ لا يوجد ما يدل على منعه.(78/18)
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يكره أن ينزع المحرم حلمة أو قراداً عن بعيره" وقد ثبت فعله عن عمر فيما تقدم، وهذا عن عبد الله بن عمر وهذا من زيادة تحريه، ولذلك كرهه الإمام مالك، وقال: "وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك".
قال: "وحدثني عن مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم أنه سأل سعيد بن المسيب عن ظفر له انكسر وهو محرم، فقال سعيد: اقطعه" لماذا؟ لأنه صار مؤذياً، الظفر إذا انكسر أو العين، الشعرة إذا دخلت جزء منها في العين تزال؛ لأنها مؤذية، ولا شيء عليه في ذلك.
"وسئل مالك عن الرجل يشتكي أذنه -يعني من وجع بها- أيقطر في أذنه من البان الذي لم يطيب" يعني وصف له الطبيب قطرة للأذن أو للعين هل يقطر في أذنه أو في عينه؟ قال: "وهو محرم؟ فقال: لا أرى بذلك بأساً" يعني يجوز "ولو جعله في فيه لم أر بذلك بأساً" إذ هذه الأدوية التي ليس فيها شيء من الطيب لا خلاف في مزاولتها.
"قال مالك: ولا بأس أن يبط المحرم خراجه" الدمل ونحوه لا بأس أن يفقأه، ويفقأ الدمل والخراج، ويزيل ما به من أذى ويعالج، ويقطع العرق إذا احتاج إلى ذلك؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما تقدم احتجم وهو محرم، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(78/19)
الموطأ - كتاب الحج (16)
شرح: باب: الحج عمن يحج عنه، وباب: ما جاء في من أحصر بعدو.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الحج عمن يحج عنه:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان الفضل بن عباس -رضي الله عنهما- رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: ((نعم)) وذلك في حجة الوداع.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: الحج عمن يحج عنه" النيابة في الحج ما حكمها؟ منها ما هو واجب يجب على من استطاع الحج بماله وعجز عنه ببدنه أن ينيب عنه من يحج، ومنها ما يستحب أن يحج الرجل عن أبيه عن أمه ممن لا يستطيع الحج، لا بنفسه ولا بماله، ومنها ما اختلف في حكمه من الحج أو العمرة عن القادر المستطيع ممن حج الفرض، سواءً كان حياً أو ميتاً.(79/1)
حديث الباب: يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس قال: "كان الفضل بن عباس" يعني أخاه الفضل بن عباس، أكبر ولد العباس، وبه كنيته "رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني راكباً خلفه على الدابة، وهذا معنى الرديف، الركوب خلف الراكب، وأردف النبي -صلى الله عليه وسلم- عدداً من أصحابه، معاذ يقول: كنت رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لي: ((يا معاذ)) ... إلى آخره، وأردف النبي -صلى الله عليه وسلم- الفضل، وأردف أسامة، وأردف غيرهم، وقد بلغوا أكثر من ثلاثين ممن أردفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- والإرداف على الدابة جائز شريطة أن تكون مطيقة لذلك بما لا يشق عليها، ولا يكرثها، يجوز ذلك وقد فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويجوز ركوب ثلاثة إذا كانوا بحيث تطيقهم الدابة، ويمتنع إرداف واحد إذا كانت الدابة تعجز عن ذلك، ومرد ذلك إلى إطاقة الدابة.
"كنت رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني من إلى .. ، النبي -عليه الصلاة والسلام- في منصرفه من عرفة إلى مزدلفة أردف من؟ أسامة، ومن مزدلفة إلى منىً أردف الفضل، فهو رديف النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذه الفترة.
وابن عباس ممن قدمه النبي -صلى الله عليه وسلم- في الضعفة، فلم يحضر هذا الكلام، عن عبد الله بن عباس قال: كان الفضل ابن عباس، يحكي قصة لم يشهدها، إلا أنه جاء في بعض طرق الخبر ما يدل على أنه يرويها عن صاحبها، وهو الفضل بن عباس "فجاءته امرأة" لم يذكر اسمها.
طالب:. . . . . . . . .
ما يضر، نعم، لا يضر يعني لو لم نقف على أن ابن عباس تحمله عن أخيه ما يضر "فجاءته امرأة" لم تسم، في مثل هذا السياق لا يحرص لا الصحابة ولا من بعدهم من الرواة، ولا أهل كتب المبهمات لا يحرصون على تسمية مثل هذه ستراً عليها، فمثل هذا يبهمون من ذكر في المتن من باب الستر عليه؛ ولأنه لا يترتب على ذكره فائدة "فجاءته امرأة من خثعم" قبيلة مشهورة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يترتب عليه.
طالب:. . . . . . . . .(79/2)
إيه، يعني في تعارض بين النصين؟ إذا كان في تعارض بحث عن هذا، حمل على تعدد القصة ولو لم يعرف الاسم "فجاءت امرأة من خثعم تستفتيه" يعني لا يقال باطراد أن المبهم تعيينه لا فائدة فيه، فيه فائدة، وألفت فيه المؤلفات الكثيرة، المبهمات فيها المؤلفات للخطيب البغدادي، وللنووي ولأبي زرعة ابن الحافظ العراقي، كتب مؤلفات فيها عناية فائقة في تتبع الطرق من أجل تعيين المبهم، وفيه فوائد كثيرة تعيين المبهم، منها معرفة تاريخ الخبر، إذا سمي وعرفنا أنه متأخر الإسلام عرفنا أن الخبر متأخر، ولو عرفنا أنه متقدم الإسلام عرفنا أن الخبر متقدم، ويفيدنا هذا في القول بالنسخ، معرفة الناسخ والمنسوخ، وأما تعيين المبهمات في الأسانيد فأمر لا يخفى؛ لأن المبهم من قبيل المجهول مجهول الذات، وهو أشد من جهالة العين والحال، فتعيينه لا بد منه وإلا حكم على الخبر بعدم الثبوت حتى يعين.
"فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه" ونص الفتوى: "إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: ((نعم)) " الجواب هذا استفتاء والفتوى "قال: ((نعم)) وذلك في حجة الوداع" وعرفنا أن هذا في آخر أمره -عليه الصلاة والسلام-، لا يمكن أن يقال في مثل هذا الخبر أنه قبل نزول الحجاب؛ لأنه قال: "وذلك في حجة الوداع" هذه المرأة تستفتي النبي -عليه الصلاة والسلام- عن أبيها الشيخ الكبير الذي لا يثبت على الراحلة، وأدركته فريضة الله في الحج، يعني وجبت عليه فريضة الله في الحج، فدل على أنه كان قادراً على الحج، لكنه لا يستطيع بنفسه، قادر بماله لكنه لا يستطيع بنفسه وحينئذٍ يلزمه أن ينيب من ماله إلا إذا وجد متبرع كهذه، ولذا قالت: "إن فريضة الله في الحج أدركت أبي".(79/3)
"فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه" فجعل الفضل ينظر إليها وكانت وضيئة، وتنظر إليه وكان وسيماً، والنظر من قبل الرجل إلى المرأة، ومن قبل المرأة إلى الرجل حاشا نظر الفجأة أمر محرم، يجب غض البصر عنه، أما نظر الفجأة لو نظرها أول مرة، أو نظرت إليه أول مرة ثم صرف لا شيء في ذلك، له الأولى وليست له الثانية، أما استمرار النظر والنبي -عليه الصلاة والسلام- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر ثم يعود لا شك أن مثل هذا لا يجوز، ولذا غير النبي -عليه الصلاة والسلام- المنكر بيده فصرف وجه الفضل إلى الجهة الأخرى التي ليست فيها المرأة، غير جهة المرأة، وفي رواية: لوى عنقه، يعني بقوة، وهذا تغيير للمنكر باليد وهو الأصل، وهو المرتبة الأولى، مع الاستطاعة، هو المتعين مع الاستطاعة، ولذا قال: ((فإن لم يستطع فبلسانه)) وهنا النبي -عليه الصلاة والسلام- يغير بيده لأنه يستطيع.
وجوب الغض من قبل الطرفين أمر معروف، نص عليه في القرآن: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [(30) سورة النور] ثم قال: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [(31) سورة النور] فلا يجوز بحال نظر الرجل إلى المرأة سواءً كانت امرأة حقيقية، ينظر إلى جسمها أو إلى وجهها أو إلى أي شيء يتعلق بها مما يثيره، ولو كانت متحجبة الحجاب الكامل لا يجوز له أن ينظر إليها إذا كان نظره إلى حجمها وجرمها يثيره، وقل مثل هذا في المرأة؛ لأن هذا من ذرائع الموصلة إلى الفاحشة والشرع جاء بسدها، كما أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجال لا سيما تحديدها في شخص بعينه، لا يجوز لها ذلك سواءً كان بغير واسطة كما هنا، أو بواسطة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة كلها، في الصحف والمجلات والقنوات كل هذا لا يجوز، بل على الرجل أن يغض بصره عن المرأة، وعلى المرأة أن تغض بصرها عن الرجال.(79/4)
نظر المرأة إلى عموم الرجال، أو نظر الرجل إلى عموم النساء بحيث لا يحدد في امرأة بعينها تفتنه، أو امرأة تنظر إلى عموم رجال خارجين من مسجد أو داخلين إليه، أو في مجتمع وما أشبه ذلك، عموم الرجال الذين أو عموم الناس التي لا يفتن الرجل ولا المرأة مثل هذا لا بأس به؛ لأن عائشة نظرت إلى الحبشة وهم .. ، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يسترها، المقصود أن مثل العموم لا بأس به.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب: كانت صغيرة.
من هي؟
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أن الإقرار في مثل هذا ولو من الصغيرة على وليها أن يكفها عن نظر الرجال.
طالب:. . . . . . . . .
نعم المتزوجة، المقصود أن مثل هذا لا يجوز بحال، والنص عليه بالقرآن نص لا يحتمل {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا} [(30) سورة النور] {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ} [(31) سورة النور] وكل ما أثار الرجل من قبل النساء لا يجوز له النظر إليه، كما أنه لا يجوز النظر إلى الرجال من قبل النساء إذا أدى ذلك إلى هذه المفسدة.
وفي حكم النساء المردان، وجاء التحذير الشديد من قبل سلف هذه الأمة وأئمتها من نظر الرجل إلى المردان، وجعلوه بمثابة المرأة، بل منهم من شدد في ذلك فحرم النظر ولو من غير شهوة إلى الأمرد، فلا شك أن مثل هذه الأمور مزلة، مزلة مع تكرارها يقر في القلب من قبل الشيطان ما لا تحمد عقباه.
قد يقول قائل وهذا سائل يقول: "فجعل ينظر إليها وتنظر إليه" احتج بعضهم بهذا الحديث على جواز كشف المرأة وجهها؟
أولاً: ليس فيه نص على أنها كاشفة لوجهها، ونظر الرجل إلى الحجم والطول والعرض معروف، وفتنته بهذا معروفة، في بعض الروايات: أنها كانت وضيئة، والوضيئة بمعنى أنها بيضاء حسناء كما جاء في بعض الروايات، ومعروفة وضاءتها إنما يتم بخروج أي جز منها، ولو أصبع واحد، ولو بأصبع واحد، وكونها راكبة على جمل لا بد أن يخرج منها شيء من غير قصد، المقصود أن هذا ليس فيه دليل.(79/5)
جاء في بعض الراويات أن أباها كان معها، قد يقول قائل: كيف يكون أبوها معها في حجة الوداع وهي تسأل عن أبيها الذي أدركته فريضة الله وهو شيخ كبير قالوا: المراد بالأب هذا الجد، لماذا لم يسأل الأب؟ لماذا؟ نعم؛ لأنه يعرضها على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويعرض بها كي يتزوجها، وجاءت هذا في بعض الروايات منصوص عليه، فمثل هذا الموطن لا بد أن تبدي شيئاً ولو لم يكن الوجه، لو لم يكن الوجه ما يلزم، نعم تبدي شيئاً يرغبه في نكاحها، ولذا الفضل بن عباس لما رأى عدم حاجة النبي -عليه الصلاة والسلام- إليها جعل ينظر إليها، فصرفه النبي -عليه الصلاة والسلام- علها أن تقبل به بديلاً عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، المقصود أنه ليس في الحديث ما يدل على أنها كاشفة لوجهها، ليس فيه نص على ذلك، كونها وضيئة، كونها حسناء، كون جسمها يلفت النظر بحيث ينظر إليها هذا أمر معروف والرجال الفحول يدركون مثل هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه تنظر إليه، معصية، معصية رجل وضيء كاشف وجهه جميل تنظر إليه.
طالب: وهي؟
هي تنظر إليه، رغم النبي -عليه الصلاة والسلام- يراها، مجرد اتجاه الوجه دليل، مجرد اتجاه الوجه معروف أنها تنظر إليه، وهذا يدرك من وراء الحجاب، وكونها تنظر تستطيع أن تنظر ولو كانت متحجبة؛ لأنه ليس معنى الحجاب أنه يغطي كل ما وراءه كالأعمى، لا، نعم إنما يغطي الوجه لكن لا يغطي النظر، نعم؟
طالب: سفعاء الخدين؟
لا غير هذه، هذه مسألة ثانية، هذه في صلاة العيد سفعاء الخدين، وهذا عنه أجوبة، إما أن يكون قبل الحجاب؛ لأن صلاة العيد فرضت قبل الحجاب هذا من جهة، أو لأنها من القواعد، كبيرة في السن، فلا يلزمها الحجاب.
طالب: هو كان رديف النبي -صلى الله عليه وسلم-.
من؟ الفضل؟
طالب. . . . . . . . .
إيه نعم إيه.
طالب: هي تنظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو رديفه.
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
تنظره، تنظر إليها وتنظر إليه، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
النبي -عليه الصلاة والسلام- اتجه إليها ليجيب عن سؤالها، والفضل رديفه ملتفت إليها، في بعد؟(79/6)
مجرد اتجاه الوجه، اتجاههم واحد، رديفه، لكن المرأة وهي على جملها تنظر إلى العباس وينظر إليها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما يدرك هذا.
طالب: يعني يحتمل يكون. . . . . . . . .
لا، ما يلزم، لا ما يلزم أبداً.
طالب: في احتمال. . . . . . . . .
ما في أدنى احتمال، ينظر إليها، ينظر إلى حجمها إلى طولها إلى عرضها هذا ما يفتن الرجال؟ الجرم ما يفتن الرجال؟
طالب: يفتن.
خلاص، وكونها وضيئة وحسناء يمكن بأنملة يبين هذا، امرأة راكبة على جمل يمكن ما يبدو منها شيء؟
طالب:. . . . . . . . .(79/7)
وضيئة يعني بيضاء، والبياض من الأصبع يبان، يبين البياض من الأصبع، لكي تتفق النصوص ولا نضرب بعض النصوص ببعض، في قصة الإفك في البخاري تقول عائشة -رضي الله عنه-: "وكان يعرفني قبل نزول الحجاب" هل يحتاج أن تقول هذا وهي كاشفة عن وجهها؟ لا يحتاج أن يقال مثل هذا، قد يقول قائل: هذا خاص بأمهات المؤمنين {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [(53) سورة الأحزاب] هذه العلة التي من أجلها فرض الحجاب على نساء النبي -عليه الصلاة والسلام- ألا تشترك بنات المؤمنين ونساء المؤمنين في هذه العلة؟ ألسن بحاجة إلى طهارة القلوب؟ نعم؟ ألسن بحاجة إلى طهارة القلوب؟ يعني التنصيص على العلة هذا عبث؟ ليس بعبث، إذاً أمهات المؤمنين يلزمهن الحجاب بالنص، وأمهات ونساء المؤمنين وبنات المؤمنين يلزمهن الحجاب بالعلة {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [(53) سورة الأحزاب] أيضاً {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [(59) سورة الأحزاب] إلى أن قال: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} [(60) سورة الأحزاب] ... إلى آخره، الارتباط وثيق بين الآيتين، يعني الذي يدعو إلى السفور لا شك أن فيه شعبة من هذه الشعب، لا شك أن في قلبه مرض {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [(32) سورة الأحزاب] هذا في قلبه مرض.
طالب: هذا الأمر. . . . . . . . .
كيف؟
طالب: هذا الأمر شرعي ....
نعم، بلا شك، ما في شك، إلى عهد قريب، أنت لو نظرت إلى تواريخ بلاد المسلمين مصر والشام والهند وغيره قبل مائة سنة ترى امرأة كاشفة؟ هاه؟
طالب: لا.
كلهن محتجبات بلا استثناء.(79/8)
بعض العلماء بل أكثر العلماء على أن إحرام المرأة في وجهها لا يجب عليها كشفه كما تقول عائشة بنت طلحة وغيرها فيما مر علينا، نعم أنهن كن يحرمن كاشفات فإذا حاذاهن الرجال -وعائشة يوم تقول هذا- سدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا كان الإحرام في الوجه وتغطيته لا تجوز، فكيف يترك مثل هذا الأمر بأمر مباح أو مستحب، لا بد أن يكون تغطية الوجه في غير الإحرام واجبة.
طالب: الشيخ عبد الرحمن العايد يسأل يقول: لماذا لم ينهها النبي -صلى الله عليه وسلم- كما نهى الفضل؟
أولاً: هي مسألة لي عنقها ما هو بوارد، مثل ما حصل منه -عليه الصلاة والسلام- للفضل، الأمر الثاني: أن المعصية التي تحصل من طرفين لا بد فيها من طرفين تنتهي بانتفاء أحد الطرفين، إذا انتهى العباس انتهت المسألة، انتهى الفضل انتهت المشكلة.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، على كل حال إذا انصرف أحدهما انصرف الآخر انتهى الإشكال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما في هنا حجة الوداع ما عاد، هي حجة الوداع والجواب عنه ممكن، النصوص الأخرى تدل على وجوب الحجاب مما لا إشكال فيه، النصوص المحكمة التي لا تحتمل تدل على وجوب الحجاب، النصوص المحتملة ما يرجع إليها في مقابل النصوص المحكمة.
الأمر الثاني: أنه لو وجد عالم وبحث المسألة بحثاً شرعياً متجرداً لله -جل وعلا- كغيرها من المسائل، وأداه اجتهاده إلى أن الوجه ليس بعورة هذا مأجور على هذا الاجتهاد، يعني لا نقول: إنه لئن لم ينته المنافقون يدخل في ذلك من رجح من أهل العلم أبداً، الكلام على من يطالب بنزع الحجاب وليس من أهل الاجتهاد، ولو كان من أهل الاجتهاد وصحب هذا الاجتهاد هوىً في نفسه قلنا: في قلبه مرض ويش المانع؟ نعم؟ لكن المسألة إذا تجرد لله، وبحث المسألة متجرد لله، وأداه اجتهاد إلى هذا مأجور على كل حال، والقلوب السليمة من الأمراض معروفة يعني عليها أمارات وعليها أدلة.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
هؤلاء ما لهم .. ، نقل عنها أشياء، أقول: ذكرت عنها أشياء إن ثبتت فهي مكفرة، نقل عنها بعض الاختيارات.
طالب: ما لقت مسجد فلذلك يفتحوا لها الكنيسة ....
نقول: عمارة.(79/9)
طالب: حول الكنيسة ....
نعم ما أذن لها في مسجد فأدوا الجمعة في عمارة، وهذا معروف أن مثل هذه تنفذ خطوة من خطوات الشيطان، ونقل عنها أشياء إن ثبتت فهي مكفرة، تقول: إن قطع يد السارق وحشية لا يجوز العمل بها، والآية التي لا يستطيع المسلم فهمها أو الحديث له رفضه ولو كان آية، ولكل واحد من الجنسين الاكتفاء بجنسه، فإن ثبتت هذه الأمور هذه مكفرات، نسأل الله السلامة والعافية.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا الدين كل إنسان يدين بما يترجح عنده، كل إنسان يدين الله بما .. ، ويبقى أن المسألة التي يتفق عليها أنه إذا خشيت الفتنة وجب الحجاب، هذا أمر مجمع عليه بين المسلمين، حتى لو خشيت الفتنة من الأخ من الرضاعة مثلاً لا يمكن من الدخول على أخته، من الأخ من النسب عليها أن تبتعد عنه، وأن يحال بينه وبينها إذا خشيت الفتنة بين الأب وابنته يفرق بينهما، فإذا كانت الفتنة قائمة هذا محل اتفاق بين أهل العلم، والسنة واضحة والشريعة -الحمد لله- محكمة، وما جاءت بشيء فيه ما فيه أبداً، الأمور واضحة -ولله الحمد- إلا إنسان له مقصد وإلا إنسان له غرض وهدف يحقق بعض الخطوات التي هي أول خطوات الشيطان، ولذلك من أول ما وسوس به للإنسان {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا} [(20) سورة الأعراف] هذه أول خطوات الشيطان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الفتنة إذا كانت تثير الرجال، إذا كانت تثير الرجال ويخشى عليها ويخشى منها هذه فتنة، المقصود أن كل ما يؤدي إلى الفاحشة محرم، كل ما يؤدي إلى المحرم حرام، وين؟
طالب: بوقتنا هذا؟
هذا أشد، أشد في وقتنا الحاضر، في وقتنا الحاضر أشد.
طالب: حتى الذين. . . . . . . . .
كأنه في هذا الظرف الذي نعيشه محل إجماع بين أهل العلم.
طالب: يكثر المداخلات. . . . . . . . .
لا ما يخالف الموضوع مهم ترى، الموضوع مهم وطيب يعني إنه يدرس، لا سيما وأنه موضوع حي، الآن المطالبة من بعض المفتونين قوية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، النظر أمر مفروغ منه، محسوم بالقرآن، النظر إلى الرجل والرجل إلى المرأة كلها محسومة بالنص القطعي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(79/10)
الكلام في المسألة طويل، في الاستثناء {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [(31) سورة النور] معروف والخلاف بين الصحابة، لكن .. ، وموضعه غير هذا حقيقة يعني نحتاج إلى بسط طويل، تحتاج المسألة إلى دروس ليس بدرس واحد في بيان أدلة الفريقين، والترجيح والإجابة عن الأدلة عما يمكن أن يتمسك به من يقول: إن كشف الوجه .. ، إن الوجه ليس بعورة، على كل حال. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا العكس، العكس ادعي العكس ترى، يعني من نظر في المذاهب وجد أن في جميع المذاهب الأربعة من يقول بوجوب تغطية الوجه، المقصود أن في جميع مذاهب ... ، عند الحنفية وعند الشافعية وعند المالكية كلهم في المذاهب من يقول بوجوب تغطيته، أما ادعاء الإجماع لا قيمة له.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما يكفي، مع هذه النصوص، ومع. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما يمكن.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا المسألة يعني هي .. ، تساوي أدلة الفريقين؟ ما هي متساوية يا الإخوان، والله ما هي متساوية، لمن نظر بعين البصيرة، والله ما هي متساوية.
طالب:. . . . . . . . .
حجاب إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
بكثير، نعم، شوف الأدلة في سورة النور، وفي سورة الأحزاب، والنصوص في صحيح البخاري وغيرها كثيرة، نعم؟
الشيخ الشنقيطي -رحمة الله عليه- في أضواء البيان ذكر الأدلة واستطرد في المسألة في سورة النور وسورة الأحزاب.
طالب:. . . . . . . . .
إيه معروف معروف كتاب المقدم هذا طيب، جمع فيه النصوص جمعاً طيباً.
طالب:. . . . . . . . .
ما تساوت؛ لأن حتى الاستثناء إلا ما ظهر منها الإجابة عنه سهلة يعني ما هي ....
طالب: يعني حتى ولو ... يعني أدلة الشريعة العامة تمتنع مثل هذه الأمور التي قد تفضي إلى الرذيلة في المجتمع المسلم.
ما في شك أن سد الذرائع أمر مقرر في الشريعة وقاعدة كلية من قواعد الدين.(79/11)
"فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج" فريضة الله في الحج يعني ما افترضه الله على عباده من هذا الركن من أركان الإسلام أدركت أبي شيخاً كبيراً يعني احتمال أنه تأخر إسلامه، أو أنه بهذا الوصف حينما نزل فرض الحج ونزوله كان في السنة التاسعة أو السادسة على خلاف بين أهل العلم "شيخاً كبيرا ًلا يستطيع أن يثبت على الراحلة" ومعلوم أن الراحلة تحتاج إلى ثبات، ويوجد عدد كبير لا يلزم أن يكون شيخ كبير، بعض الشباب وبعض الكهول لا يثبتون على الراحلة؛ لأن الثبات على الراحلة فن، يحتاج إلى مران، ويحتاج إلى تعود، الذي يركب الدابة لأول مرة يقع ولو كان شاباً، فمثل هذا الشيخ الكبير الذي لا يستطيع أن يثبت على الراحلة لكبره، لكن هل يلزم أنه إذا لم يثبت على الراحلة أن يشد بمعنى يربط على الراحلة، إذا أمكن ربطه، جاء في بعض الروايات: "وإن شددته خفت عليه" لا شك أن الربط .. ، تتصورون الربط مثل حزام الأمان، لا، مثل تربيط العفش، صحيح؛ لأن هذه ما هي بسيارة هذه دابة، لا بد أن يقع يعني، تقول: وإن شددته خفت عليه، هو في هذه الحالة يعني يلزمه إذا كان مستطيعاً بماله أن ينيب من يحج عنه، إذا تبرع أحد من أولاده بالحج عنه فكفى كما في هنا "لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ " أي يصح أن أنوب عنه فأحج "قال: ((نعم)) " أي حجي عنه.
طالب:. . . . . . . . .(79/12)
ما يحتاج يا أخي أننا نرد نصوص محكمة بمحتملة أبداً، يعني يلزم من ذكر المحرم في كل .. ، نعم في كل قضية، ما دام ثبت المحرم ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله ... أن تسافر مسيرة يوم وليلة بدون محرم)) نعم، يعني نصوص محكمة نردها بمثل أمور مجملة، يعني ما لها أخ؟ ما لها عم؟ ما لها خال؟ لا بد، لا بد النصوص التي يعني .. ، عدم الذكر ليس بذكر للعدم، يعني لما جاء الثلاثة وأووا إلى مسجد، ودخلوا والنبي -عليه الصلاة والسلام- جالس، فأحدهم أوى فأواه الله، والثاني استحيا فاستحيا الله منه، والثالث انصرف هل نقل أنهم سلموا؟ نقول: ما يلزم السلام؟ هل نقول: إنهم صلوا تحية المسجد؟ لا يلزم، ما يلزم؛ لأن عندنا نصوص محكمة تأمر بالسلام، ونصوص تأمر برد السلام، ونصوص تقول: ((لا يجلس ... حتى يصلي ركعتين)) ما يلزم أن يذكر الأمر في كل قضية بعينها.
"قال: ((نعم)) -أي حجي عنه- وذلك في حجة الوادع".
وفي حديث أبي رزين العقيلي أنه قال نفس السؤال: إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً ... إلى آخره، فقال: ((حج عن أبيك واعتمر)) فدل على وجوب الحج والعمرة على المستطيع بماله، وإن لم يستطع ببدنه بالنيابة عنه، هذه النيابة في الحج الواجب معروفة ولا إشكال فيها، وأما النيابة في الحج المسنون يعني شخص لا يجب عليه الحج؛ لأنه غير مستطيع لا بماله ولا بنفسه، فتبرع أحد أولاده أو من عصبته أو غيرهم تبرع محسن أن يحج عنه هذا مأجور، وأيضاً الحج شرعي هنا؛ لأنه حج واجب في الجملة، يقبل النيابة كالمستطيع، لا يلزم، ليس بواجب أن يحج عنه، لكن إذا حصل له أجره -إن شاء الله تعالى-، لكن لو عوفي بعد ذلك يجزئ وإلا ما يجزئ؟ شخص لا يستطيع أن يثبت على الراحلة لمرض به، ثم بعد ذلك عوفي، بعد أن حج عنه، هل يلزم أن يحج بنفسه؟ لأننا تبينا ببرئه أنه غير ميئوس منه، وأن التقرير الذي قال: إنه ميئوس منه غير صحيح؟ أو نقول: إن الله -جل وعلا- لم يوجب حجتين؟ أوجب حجة واحدة وأديت وكفت، والمسألة خلافية بين أهل العلم، مثل العبد إذا حج ثم تحرر عليه حجة الإسلام، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(79/13)
ويش نقول؟ يعني ما يلزمه شيء؟ هو الأصل أنه في حق من لا يرجى برؤه، أما من يرجى برؤه لا تصح النيابة عنه، ينتظر حتى يبرأ، فإذا حج عنه ثم برئ عرفنا أن تقديرنا ليس بصحيح أنه لا يرجى برؤه، هذه مسألة، وبهذا يقول جمع من أهل العلم وكأن الإمام أحمد المشهور عنه أنه ما دام حج عنه على الوجه الشرعي وهو معذور في وقت حج النائب عنه أنه يكفيه ولا يلزم بحجتين، حجته حجة النائب، والأكثر على أنه يلزمه أن يحج بنفسه.
لا شك أن الأحوط شيء، ولكن ما دام أخرج من ماله لمن يحج عنه، وقلنا: إن هذه الحجة صحيحة، فهل يمكن أن يوجب الشارع حجتين بغير نذر؟ هل يلزمه أن يحج بنفسه؟
طالب: التقدير أصبح خاطئ، لكن هنا من يفرق إن كان الظاهر منها مثلاً مثل في غيبوبة أو تقرير أطباء مثله مثل الصيام هل يشترط طبيب مسلم عدل؟
لو قرر لجنة من ثلاثة من الأطباء قالوا: خلاص هذا ميئوس من برئه ثم أناب، وقل مثل هذا فيمن قرر الأطباء أنه لا يستطيع الصيام فأطعم، ثم برئ يلزمه الصيام أو لا يلزمه؟ لا يلزمه الصيام، كأن القاعدة على هذا، أنه لا يلزم أكثر مما لزمه شرعاً، وإذا أدي عنه على اجتهاد صحيح لا يلزم إعادته، نعم؟
طالب. . . . . . . . .
ثم تيمم؟
طالب: بعد ذلك. . . . . . . . .
نعم، فليتقِ الله وليمسه بشرته، للمستقبل.
طالب: بعد الصلاة. . . . . . . . .
للمستقبل، منهم من يفرق بينما إذا كان في الوقت وبينما إذا خرج الوقت.
طالب: حجه الحج. . . . . . . . .
لا، هم يفرقون بين أن يبرأ قبل أن يتلبس النائب بالحج وبين أن يكون قد تلبس به وأحرم به ولبى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كما لو برئ بعد رجوع النائب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
"أفأحج عنه" تحج عن أبيها.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يلزم، هو يلزم أن .. ، لأنها قالت: فريضة الله في الحج، دل على أنها عليه فريضة، نعم عليه فريضة، يجب عليه أن يحج؛ لأنه مستطيع لا يستطيع ببدنه يستطيع بماله، عليه أن ينيب، فإذا تبرعت بنته بالحج عنه كفى، ما يلزم أن يخرج من ماله شيئاً.
طالب:. . . . . . . . .(79/14)
هذه رواية، هذه رواية وفيها ما فيها، فيها أبو نجيح السندي معشر، مضعف لكن هي تسأل عن أبيها وحمله على الجد لا شك أنه خلاف الظاهر.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على الرواية، هذا كله، هي في الحج هي تحج عن نفسها الآن، هي الآن عن نفسها تسأل، بعد المنصرف من مزدلفة السؤال، بين مزدلفة ومنى، أبوها إن كان الأب الأقرب الذي هو الذي هي من صلبه فهي تسأل عنه وهي في محج، وإن كان على ما قيل: إن أباها معها وترك لها السؤال تسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- لكي تتعرض تعرض نفسها عليه كي يتزوجها، والمراد بالأب الجد، وإطلاق الأب على الجد مستفيض في النصوص كما جاء في بعض روايات هذا الحديث، المقصود أن المسألة واضحة يعني، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في من أحصر بعدو:
حدثني يحيى عن مالك قال: من حبس بعدو فحال بينه وبين البيت فإنه يحل من كل شيء، وينحر هديه، ويحلق رأسه حيث حبس، وليس عليه قضاء.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حل هو وأصحابه بالحديبية فنحروا الهدي، وحلقوا رءوسهم، وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت، وقبل أن يصل إليه الهدي، ثم لم يعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر أحداً من أصحابه ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئاً، ولا يعودوا لشيء.
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال حين خرج إلى مكة معتمراً في الفتنة: "إن صددت عن البيت صنعنا كما صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ...
صنعنا.
أحسن الله إليك.
"إن صددت عن البيت صنعنا .... "
كما صنعنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أنا عندي سقط.
أحسن الله إليك.
إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأهل بعمرة من أجل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهل بعمرة عام الحديبية، ثم إن عبد الله نظر في أمره فقال: ما أمرهما إلا واحد، ثم التفت إلى أصحابه فقال: ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة ثم نفذ حتى جاء البيت فطاف طوافاً واحداً، ورأى ذلك مجزئاً عنه وأهدى.(79/15)
قال مالك -رحمه الله-: فهذا الأمر عندنا فيمن أحصر بعدو كما أحصر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فأما من أحصر بغير عدو فإنه لا يحل دون البيت.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في من أحصر بعدو" الحصر والإحصار هو المنع عن المضي في ما دخل فيه من نسك ومنع إتمامه، يقال: حصره العدو وأحصره إذا حبسه ومنعه وصده حصره العدو والمرض أيضاً منعه، وعلى كل حال الأصل في الحصر المنع {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [(39) سورة آل عمران] أي ممنوعاً أو مانعاً نفسه، على الخلاف في هل هو ممتنع بنفسه عن النساء أو ممنوع عن النساء؟ المقصود أن الحصر هو المنع.
قال: "حدثني يحيى عن مالك قال: من حبس بعدو" حبس وحصر بعدو حال بينه وبين البيت "فإنه يحل من كل شيء، وينحر هديه" يعني ولو لم يشترط: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، ولو لم يشترط إذا وجد ما يحول بينه وبين الباب فإنه يتحلل، وسبق أن ذكرنا فيمن أحصر بعد فساد حجه أنه يتحلل ولا يلزمه المضي في فاسده؛ لأنه محصور ممنوع "فإنه يحل من كل شيء، وينحر هديه، ويحلق رأسه حيث حبس" يعني في أي موضع كان، داخل الحرم أو دونه قبل الحرم، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديبية فلا يلزمه أن يبعث بهديه إلى الحرم، ويبقى محرماً إلى أن يبلغ الهدي محله، إنما ينحر هديه ويحلق رأسه حيث حبس في المكان الذي حبس فيه "وليس عليه قضاء" لما أحصر عنه، عندنا الحصر والمنع بالعدو يترتب عليه أمور أشار إليها الإمام -رحمه الله تعالى-: النحر -نحر الهدي-، وحلق الرأس، والقضاء، الإمام يرى أنه ليس عليه قضاء.(79/16)
بالنسبة لنحر الهدي النبي -عليه الصلاة والسلام- نحر هديه بالحديبية، لكن هل هذا على سبيل الوجوب واللزوم أو على سبيل الاستحباب؟ {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] يعني فالواجب ما استيسر من الهدي، وبهذا قال الجمهور: إنه لا بد من الهدي، لكن من أهل العلم من يرى أنه يتحلل دون هدي، دليله؟ دليله أن الذين كانوا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديبية ألف وأربعمائة، وليس معهم إلا سبعين من الإبل، والسبعين دون الخمسمائة أربعمائة وتسعين، فيبقى تسعمائة أو يزيدون دون هدي، ولم يذكر أنهم أمروا أن يشتروا هدي ليذبحوه في هذا، هذه حجة من يرى أنه لا هدي على المحصر، لكن الآية صريحة {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] لفظ ما استيسر هل يوحي باللزوم أو يوحي بأن الأمر فيه شيء من السعة؟ الذي معه هدي يذبحه، والذي ليس معه هدي لا يلزم بشرائه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب، يعني هل نقدر، فإن أحصرتم فالواجب ما استيسر من الهدي؟ يعني كما قلنا: فعدة من أيام أخر، فالواجب عدة من أيام أخر، نعم هل نقول: هذا مثل هذا؟ أو نقول: إن لفظ استيسر دليل على اليسر وأنه لا يلزم الإنسان بما ليس معه إن تيسر الهدي يذبح وإن لم يتيسر لا يلزم؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- نحر هديه، ومعهم سبعون من الإبل، وعدتهم ألف وأربعمائة، هل أمر أحد منهم أن يشتري هدي؟ ما حفظ، وينحر هديه، يعني إن كان معه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أقول: إذا قدرنا فالواجب ذبح ما استيسر من الهدي، قلنا: إن الهدي واجب، وبهذا يقول الجمهور، جمهور أهل العلم على أن الهدي واجب، هدي الإحصار، وإذا قلنا: إن الآية فيها ما يوحي بأن على التيسير إن وجد وإلا فلا يلزم به ولا يكلف، ويؤيد ذلك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أمر أحداً ممن معه أن يشتري هدياً يذبحه، وعلى كل حال الآية ما استيسر من الهدي، كأن الجمهور يقولون: فالواجب عليه ما استيسر، ما تيسر من أنواع ما يهدى، ما استيسر، إبل، بقر، غنم، فالتخيير بين الأنواع الثلاثة بين هذه الأنواع بين مفردات هذه الأنواع لا بين هذه الأنواع وعدمها.(79/17)
"وينحر هديه، ويحلق رأسه حيث حبس" وقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه أن يحلقوا رؤوسهم فترددوا، في أول الأمر رجاء أن يثبت لهم ما قصدوه من زيارة البيت، لكنه أصر النبي -عليه الصلاة والسلام- وقبل الصلح على أن يرجع هذا العام، ويحج من قابل، فدخل على بعض نسائه مغضباً؛ لأنه يأمر -عليه الصلاة والسلام- ولم يمتثلوا، ومعلوم أن الباعث لهم على ذلك إرادة الخير، ومع ذلك قالت أم المؤمنين: لو حلقت رأسك لحلقوا، صحيح إذا حلق النبي -عليه الصلاة والسلام- رأسه وأيسوا بادروا بالحلق، لكن قبل أن يحلق هم على رجاء أن يتم لهم ما أرادوا، فلما حلق النبي -عليه الصلاة والسلام- كادوا أن يقتتلوا على الأمواس؛ لأن الآن ما في مندوحة من قبول هذا التوجيه.
"ويحلق رأسه" في الموضع، في أي موضع حصر فيه، فلا يلزمه أن يبعث الهدي إلى الحرم، وأن يحلق رأسه في الحرم "وليس عليه قضاء" لما أحصر عنه، هذا رأي الإمام مالك، وهو أيضاً معروف عن الإمام أحمد وجمع من أهل العلم أنه ليس عليه قضاء، ويرى آخرون أن عليه القضاء؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قضى هذه العمرة من قابل، لكن لم يثبت أن جميع من كانوا معه في العام الماضي أنهم قضوا في هذا العام، يعني هل كل من كان معه في الحديبية اعتمروا من العام القابل في عمرة القضاء؟ قالوا: إن الذين تخلفوا عنه كثير لم يقضوا، هذه حجة من يقول: إنه ليس عليه قضاء، ومن يقول بالقضاء يقول: إنه دخل في النسك فلزمه إتمامه، فلما صد عنه صار كمن أفسد حجه عليه القضاء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه والله أنا أقول: إذا أمكنه ولم يصعب عليه شراؤه بأن كانت قيمته. . . . . . . . . ويستطيع أن يقترض ولا يشق عليه، وإلا تكليفه بأن يستدين لا شك أن هذا خلاف ما استيسر؛ لأن لفظ ما استيسر يشمل المفاضلة بين الأنواع الثلاثة، كما أنه يشمل المفاضلة بينها وبين عدمها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا العموم يشمله.
"وليس عليه قضاء" هذا قول الإمام مالك بدليل أن الذين كانوا معه في عمرة الحديبية أو في صلح الحديبية كثير منهم تخلف عن عمرة القضاء.
طالب:. . . . . . . . .(79/18)
نعم، بهذا لا، لكن {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] هذا من باب الإتمام اللزوم المضي فيه إن أمكن وإلا فبدله، يعني من هذا الباب.
طالب: حتى لو كانت عمرة؟
إذا دخل فيها صار حكمها حكم الواجب.
طالب:. . . . . . . . .
هدي هدي، إيه هذه السبعين هذه.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حل هو وأصحابه بالحديبية" يعني لما صدهم المشركون "فنحروا الهدي وحلقوا رءوسهم وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت" يعني حلوا من كل شيء منعوا منه بسبب الدخول في النسك "قبل أن يطوفوا بالبيت" وهذا معلوم أنهم صدوا عن البيت، "وقبل أن يصل إليه الهدي" وإنما نحر هديه في مكانه -عليه الصلاة والسلام- "ثم لم يعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر أحداً من أصحابه" الملازمين له، المتقدمين في الصحبة "ولا ممن كان معه" من الخارجين للحديبية، والكل صحابة، لكن يحمل قوله: "من أصحابه" على من تقدم إسلامهم، ولازموا النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا ممن كان معه ممن خرج إلى الحديبية من متأخري الإسلام، كل هؤلاء لم يؤمروا "أن يقضوا شيئاً ولا أمرهم أن يعودوا لشيء" يفعلونه.(79/19)
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال حين خرج إلى مكة معتمراً في الفتنة" حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير بمكة، وحصل منه ما حصل، قال ابن عمر حين خرج إلى مكة حين أراد أن يخرج إلى مكة معتمراً في ذلك الظرف الذي نزل فهي الحجاج بابن الزبير لقتاله: "إن صددت عن البيت" قال ذلك جواباً لولديه سالم وعبيد الله اللذين نصحاه بأن لا يحج هذا العام، نصحاه أن لا يحج، المسألة فيها إشكال، وفيها احتمال فتنة، وفيها احتمال قتال أشاروا عليه من باب الشفقة على والدهم أن لا يحج هذه السنة، فقال: "إن صددت عن البيت -منعت عن البيت- صنعنا كما صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عمرة الحديبية" صنعنا أي صنعت أنا ومن معي كما صنع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا الصد موجبه ما تقدم من التحلل حيث منعوا من دخول مكة عام الحديبية "فأهل -ابن عمر- بعمرة" لكي يطابق فعله فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما صد كان محرماً بعمرة، فأهل ابن عمر بعمرة من أجل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهل بعمرة عام الحديبية، سنة ست من الهجرة "ثم إن عبد الله بن عمر تأمل ونظر في أمره" وسأل نفسه ما الفرق بين الحج والعمرة؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- تحلل من العمرة لما صد عنها، هل يكون هناك فرق بين أن يكون الصد عن عمرة أو عن حج؟ تأمل ابن عمر وراجع نفسه في هذا "ثم إن عبد الله نظر في أمره فقال: ما أمرهما إلا واحد" الحج والعمرة حكمهما واحد فإذا صددت تحللت، سواءً كان ذلك حج أو عمرة، قال هذا في نفسه، زور هذا في نفسه "ثم التفت إلى أصحابه" فأخبرهم بما استقر عليه اجتهاده "فقال: ما أمرهما إلا واحد، أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة" قد قال ذلك ليقتدى به وإلا فالنية في مثل هذا تكفي، أن يلبي بهما جميعاً، من دون أن يشهد الناس على ما أراد، لكن من أجل أن يقتدوا به "ثم نفذ -يعني مضى- حتى جاء البيت فطاف طوافاً واحداً" هو أوجب الحج مع العمرة يعني إيش؟ أحرم بماذا؟
طالب: بالقران.(79/20)
بالقران، أوجب الحج مع العمرة فصار قارناً "حتى إذا جاء البيت فطاف طوافاً واحداً" والقارن كما تقدم لا يلزمه إلا طواف واحد وسعي واحد كالمفرد "ورأى ذلك مجزيا عنه" يعني يكفي الطواف الواحد والسعي الواحد "وأهدى" هدي القران، وهذا رأي الجمهور أن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد كالمفرد، والحنفية يرون أن القارن كالمتمتع يلزمه طوفان وسعيان كالمتمتع سواء.
طالب:. . . . . . . . .
هو طواف الركن، أما طواف القدوم فليس بلازم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كأنه لم يطف للقدوم، حتى إذا جاء البيت يحتمل أنه بعد نزوله من عرفة، وهذا هو الركن، وهذا كونه طاف طوافاً واحداً مما يلزمه، ولا ينفي هذا أن يكون طاف للقدوم، أو أن يكون تطوع بالطواف، لكن الطواف الواحد هذا مما يلزمه "ورأى ذلك مجزياً عنه" يعني ما طاف طواف بنية عمرة مستقلة كالمتمتع، ولو كان قد طاف للقدوم لا يرد على هذا التعبير؛ لأنه إنما طاف طوافاً يعني مما يجب عليه، والحنفية يرون أن القارن كالمتمتع يلزمه طوافان وسعيان، فعندنا رأي الجمهور أن القارن مثل المفرد يلزمه طواف واحد، وسعي واحد، ولا فرق في الصورة بين الإفراد والقران.
الحنفية يرون أن القارن مثل المتمتع يطوف طوافين ويسعى سعيين، وشيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أن المتمتع يلزمه طوافين وسعي واحد، وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فطافوا بين الصفا والمروة طوافاً واحداً، شيخ الإسلام جمعوا بين الحج والعمرة يرى أنه يشمل التمتع، والجمهور يحملونه على القران.
"قال مالك: فهذا الأمر عندنا فيمن أحصر بعدو -يفعل- كما أحصر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه" فيفعل كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- من التحلل ونحر الهدي ولا قضاء؛ لأن الله -جل وعلا- قال: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] ولم يذكر قضاء، ولا ألزم كل من معه في الحديبية بالقضاء "فأما من أحصر بغير عدو -كمرض- فإنه لا يحل دون البيت".(79/21)
يعني رأي الإمام مالك في التفريق فيمن كان حصره بسبب العدو أو بسبب المرض ظاهر، يقول: فأما من أحصر بغير عدو، يعني كالمرض، أو ذهاب نفقة، أو موت دابة تحمله إلى المشاعر ولا يستطيع أن ينتقل هذا أحصر، ولكنه بغير عدو كالمرض مثلاً فإنه لا يحل دون البيت، لا بد أن يصل إلى البيت، طيب مريض ما يستطيع يمرض، وإذا عوفي يذهب إلى البيت ويتحلل بعمرة إذا كان الحج قد فاته "فإنه لا يحل دون البيت" وبهذا قال الشافعي وأحمد وإسحاق وجماعة خلافاً لأبي حنيفة ككثير من الصحابة في أنه عام في كل حابس من عدو ومرض وغيرهما.
يعني النص بالعدو، لكن الحصر بالمرض محلق به بجامع المنع من الوصول إلى البيت في العدو في حال حصر العدو، وفي حال حصر المرض، هم يفرقون بين الحصر والإحصار والمتعدي واللازم في كلام طويل يعني، ولذلك الإمام -رحمه الله- ترجم بعد هذا بقوله: "باب: ما جاء فيمن أحصر بغير عدو" على كل حال هذا رأي الإمام مالك، وبه يقول الإمام الشافعي، وهو رواية عن أحمد.
يقول في المقنع مع حاشيته: "ومن أحرم فحصره عدو ولم يكن له طريق إلى الحج ذبح هدياً في موضعه وحل، فإن لم يجد هدياً صام عشرة أيام ثم حل، وفي وجوب القضاء على المحصر روايتان، ومن أحصر بمرض أو ذهاب نفقة لم يكن له التحلل، فإن فاته الحج تحلل بعمرة؛ لأن الحصر بالمرض وذهاب النفقة لا يمنعه من أن يصل إلى البيت، يعني غاية ما هنالك أنه يدخل المستشفى فإذا عوفي وصل إلى البيت لم يكن له التحلل فإن فاته الحج تحلل بعمرة، ويحتمل أنه يجوز له التحلل كمن حصره العدو بجامع المنع في كل منهما، وأن الحصر بالمرض إن لم يكن أشد من الحصر بالعدو فليس دونه.(79/22)
ومن شرط في إحرامه: أن محلي حيث حبستني فله التحلل بجميع ذلك، ولا شيء عليه، يتحلل، فلا يلزمه هدي، ولا يلزمه حلق رأس، ولا يلزمه قضاء، المقصود أنه إذا كان قد اشترط ينفعه ذلك، والاشتراط جاء في حديث ضباعة بنت الزبير أنها قالت: يا رسول الله إني أريد الحج وأجدني شاكية، فقال: ((حجي واشترطي، فإن لك على ربك ما استثنيت)) فالاشتراط ينفع مطلقاً كما يقول بعض العلماء، للإنسان أن يشترط ويتحلل متى حصل له ما يمنع من الحج، حتى أنهم قالوا: إن الحائض لها أن تشترط إذا خشيت أن تحبس الرفقة أن تتحلل وينفعها ذلك، ومنهم من يرى أن الاشتراط خاص بضباعة بنت الزبير، ومنهم من يقول كشيخ الإسلام ابن تيمية: إن الاشتراط ينفع من حاله كحال ضباعة ممن وجدت آثار أو مقدمات المرض، وأنه لا ينفع مطلقاً؛ لأن فيه نقضاً لما أبرمه من الدخول في النسك.
وعلى كل حال النص صحيح صريح ((حجي واشترطي، فإن لك على ربك ما استثنيت)) لكن التوسع في الاشتراط بأن يشترط كل من أراد النسك يشترط؟ كان هذا معروف بين الناس متداول بينهم، كل من دخل في الإحرام قال: فإن حبسني حابس فحملي حيث تحبسني، ويوجد من يشترط في غير الحج، يعني وجد من العامة من يسمع مثل هذا الكلام ويصطحبه –ويستصحبه- حتى في الصيام مثلاً، ويقول: اللهم إني أريد الصوم فإن حبسني حابس .. ، هذا سمع من بعض العامة.
طالب: العشرة الأيام. . . . . . . . .
نعم؟
طالب: ثم يتحلل. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
ومن أحصر بمرض أو ذهاب نفقة ... أو قبل؟ ومن أحرم فحصره عدو ولم يكن له طريق إلى الحج ذبح هدياً في موضعه وحل، فإن لم يجد هدياً صام عشرة أيام، ثم حل ... ، أنه لا يحل حتى يصوم عشرة أيام، وهذه المسألة وحصر المرض وتأثيره والخلاف في المسألة؛ لأنه حيث ترجم الإمام -رحمه الله تعالى- في الباب الذي يليه، باب: ما جاء فيمن أحصر بغير عدو، يأتي ذكره -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(79/23)
الموطأ - كتاب الحج (17)
شرح: باب: ما جاء فيمن أحصر بغير عدو.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
باب: ما جاء فيمن أحصر بغير عدو:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: المحصر بمرض لا يحل حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة، فإذا اضطر إلى لبس شيء من الثياب التي لا بد له منها أو الدواء صنع ذلك وافتدى.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها كانت تقول: المحرم لا يحله إلا البيت.
وحدثني عن مالك عن أيوب بن أبي تميمة السِختياني. . . . . . . . .
بفتح السين.
أحسن الله إليك.
عن أيوب بن أبي تميمة السَختياني عن رجل من أهل البصرة كان قديماً أنه قال: خرجت إلى مكة حتى إذا كنت ببعض الطريق كسرت فخذي فأرسلت إلى مكة وبها عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- والناس فلم يرخص لي أحد أن أحل فأقمت على ذلك الماء سبعة أشهر حتى أحللت بعمرة.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: من حبس دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن سعيد بن حزابة المخزومي صرع ببعض طريق مكة وهو محرم، فسأل من يلي على الماء الذي كان عليه فوجد عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- وعبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- ومروان بن الحكم فذكر لهم الذي عرض له، فكلهم أمره أن يتداوى بما لا بد منه له ويفتدي، فإذا صح اعتمر فحل من إحرامه، ثم عليه حج قابل، ويهدي ما استيسر من الهدي.(80/1)
قال مالك -رحمه الله-: وعلى هذا الأمر عندنا فيمن أحصر بغير عدو وقد أمر عمر بن الخطاب أبا أيوب الأنصاري وهبار بن الأسود -رضي الله عنهم- حين فاتهما الحج وأتيا يوم النحر أن يحلا بعمرة ثم يرجعا حلالاً ثم يحجان عاماً قابلاً ويهديان فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
قال مالك: وكل من حبس عن الحج بعد ما يحرم إما بمرض أو بغيره أو بخطأ من العدد أو خفي عليه الهلال فهو محصر عليه ما على المحصر.
قال يحيى: سئل مالك عمن أهل من أهل مكة بالحج ثم أصابه كسر أو بطن متحرق أو امرأة تطلق، قال: من أصابه هذا منهم فهو محصر يكون عليه مثل ما على أهل الآفاق إذا هم أحصروا.
قال مالك في رجل قدم معتمراً في أشهر الحج حتى إذا قضى عمرته أهل بالحج من مكة ثم كسر أو أصابه أمر لا يقدر على أن يحضر مع الناس الموقف، قال مالك: أرى أن يقيم حتى إذا برأ خرج إلى الحل ثم يرجع إلى مكة فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ثم يحل ثم عليه حج قابل والهدي.
قال مالك فيمن أهل بالحج من مكة ثم طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ثم مرض فلم يستطع أن يحضر مع الناس الموقف، قال مالك: إذا فاته الحج فإن استطاع خرج إلى الحل فدخل بعمرة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة؛ لأن الطواف الأول لم يكن نواه للعمرة فلذلك يعمل بهذا، وعليه حج قابل والهدي، فإن كان من غير أهل مكة فأصابه مرض حال بينه وبين الحج فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة حل بعمرة وطاف بالبيت طوافاً آخر وسعى بين الصفا والمروة؛ لأن طوافه الأول وسعيه إنما كان نواه للحج وعليه حج قابل والهدي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء فيمن أحصر بغير عدو" وعرفنا أن هذا يكون بالمرض، بذهاب النفقة، بضلال الطريق، فيما يفوت عليه الوقوف الذي بفواته يفوت الحج.(80/2)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أنه قال: "المحصر بمرض لا يحل" وعرفنا الفرق، وجه التفريق فيمن أحصر بعدو ومن حصر بمرض، عرفنا وجه التفريق أن المحصر بعدو لا يتصور منه الوصول إلى البيت، بينما من أحصر بمرض يتصور منه الوصول إلى البيت، ولو بمساعدة غيره بأن يصل محمول أو يطاف به محمول، ويسعى به محمول، يمكن.
"أنه قال: المحصر بمرض لا يحل حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة" ولا يجوز له التحلل، محصر بمرض، قلنا: إنه لا يتحلل حتى يطوف بالبيت، ولو اقتضى هذا مكثه في المستشفى مدة طويلة، كسر ومرض ودخل المستشفى مثلاً بعد أن دخل في النسك، وأقام في المستشفى أشهر، وهو يرجى برؤه، أو سنين، نعم، يبقى على إحرامه، لماذا لا نقول: إن هذا مثل ما لو قيل للمحصر بعدو: اضرب خباء دون العدو وامكث على إحرامك حتى تتمكن من الدخول إلى البيت؟ ويش الفرق بين أن يبقى المريض على سرير المستشفى سنة مثلاً أو يبقى بخبائه أو ببلد دون العدو ويبقى محرم؟ أيهما أيسر؟ محرم وهو مريض على السرير أو محرم وهو مصدود عن البيت حتى يرتفع هذا الصد وينتقل هذا العدو؟ أيهما أسهل؟ يعني من هذه الحيثية صد العدو أسهل، مع مراعاة سبب نزولها، يعني مراعاة سبب النزول، لكن هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب؟ العبرة بعموم اللفظ، وهنا يتقوى القول بأن الحصر بجميع أنواعه كل ما يصد عن البيت سواءً كان بعدو أو بغيره يسيغ التحلل، وعلى كل حال كلام الشيخ الشنقيطي -رحمه الله تعالى- مفصل، ونأتي عليه قريباً، بس نأتي على كلام المؤلف بسرعة، ثم بعد ذلك نعود إلى كلام الشيخ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أنت تتصور المسألة في رجل كسر، انكسر عنده الحوض ويحتاج إلى سنة وحمله لا يستطيع، لا يستطيع أن يطوف ولا يسعى، ولا يثبت على محمول، لا بد من سرير، ولا بد من ... ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(80/3)
لا، هم يقولون: يمكث في الإحرام، ونحن نريد أن نقرر هل هو بهذه الصورة أشد ممن حصر بعدو، نعم، يمكث على إحرامه أو يتحلل الجميع؟ يمكث الجميع أو يتحلل الجميع؟ النص جاء بأنه يتحلل، وسبب النزول بالعدو، لكن هل ما يوجد مما هو أشد من العدو، أشد من العدو يجعل الحكم مثل من أحصر بعدو، وهذا قول معتبر عند أهل العلم قول الحنفية وغيرهم، ومعروف عند الحنابلة القول بأن الحصر يشمل العدو والمرض، أو نقصر النص على سببه، والجميع يتفقون على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإذا وجد ما أثره كأثر الحصر بالعدو يأخذ حكمه، وقد يوجد ما هو أشد من الحصر بالعدو فيكون قياسه من باب الأولى، أو شمول العلة.
طالب: شيخ -غفر الله- لك بالنسبة للقائلين بالقضاء أدلتهم أليست قوية؟
فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب: لا والآية: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ} [(196) سورة البقرة].
لكن لو استطاع الإتمام أتم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، في أقوال للصحابة يحج من قابل.
طالب: أنا أقصد أن الآية {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [(196) سورة البقرة] بس، فكت الإتمام؟
نعم، وليس فيها أكثر من الهدي، على كل حال كلام الشيخ وافي الشنقيطي -رحمه الله-، ولعلنا نأتي على مقاصده ومهماته -إن شاء الله تعالى-.
"أنه قال: المحصر بمرض لا يحل حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة" ولا يجوز له التحلل "فإذا اضطر إلى لبس شيء من الثياب التي لا بد له منها -لمرض أو برد مثلاً- أو الدواء" المشتمل على شيء من المحظور "صنع ذلك وافتدى" ولا إثم عليه كالسليم للحاجة، يعني مثل كعب بن عجرة لما احتاج إلى حلق شعره صنع ذلك وافتدى، ونزلت فيه الآية، قال ... ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لو معه أطياب وإلا معه شيء، يحتاج إلى شيء من ذلك، يعني ما يشتمل على محظور.
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه -قالوا: عن عمرة أو غيرها- عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها كانت تقول: "المحرم لا يحله إلا البيت" وهذا عمومه يشمل جميع من أحرم، ولا يستثنى من ذلك إلا ما اتفق عليه وهو الحصر بالعدو.(80/4)
قال ابن عبد البر: معناه المحرم يمرض مرضاً لا يقدر أن يصل إلى البيت فيبقى على حاله فإن احتاج إلى لبس أو دواء فعله وافتدى، فإذا برأ أتى البيت فطاف به وسعى، فهذا مفاده -مفاد كلام ابن عمر السابق-، نعم، وهو رأي الإمام مالك.
"وحدثني عن مالك عن أيوب بن أبي تميمة" اسمه كيسان السَختياني "عن رجل من أهل البصرة كان قديماً" "عن رجل من أهل البصرة" ذكروا أنه أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي "أنه قال: "خرجت إلى مكة -يعني معتمراً- حتى إذا كنت ببعض الطريق -وقعت عن راحلتي كما في بعض الروايات- كسرت فخذي، فأرسلت إلى مكة وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر" والناس يعني من الصحابة وكبار التابعين فسألوهم "فلم يرخص لي أحد أن أحل" لماذا؟ لأن العمرة ليس لها وقت يفوت كالحج، يعني العمرة أمرها أوسع، ينتظر فمتى ما طاب يأتي بالعمرة، يطوف ويسعى ويقصر وينتهي أو يحلق "فأقمت على ذلك الماء سبعة أشهر" الماء الذي كسر عنده أقام سبعة أشهر "حتى أحللت بعمرة" يعني بعد أن عافاه الله وشفاه من كسره، لكن لو أمكن حمله إلى مكة والطواف به والسعي يكفيه؛ لأنه محتاج إلى هذا، يقول: "فلم يرخص لي أحد أن أحل" هذا يسند قول الإمام مالك والشافعي.
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أنه قال: من حبس دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت ويسعى -أيضاً- بين الصفا والمروة" ويكمل أركان العمرة الطواف والسعي ثم بعد ذلك ما يجب عليه من حلق أو تقصير.
ثم قال: "حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن سعيد بن حزابة المخزومي صرع ببعض طريق مكة وهو محرم" صرع من أيسر الأمور أن يقع يسقط من دابته فيكسر أو يموت، المقصود أن هذا سهل في السابق كثرة ... ، لكنه في هذه الأوقات بسبب الحوادث أكثر، والإصابات أبلغ، نسأل الله العافية، وكثير منها سببه التفريط.(80/5)
يقول: "صرع ببعض طريق مكة وهو محرم، فسأل -من يلي- على الماء الذي كان عليه" سأل القائمين على الماء "عن العلماء" فهل على هذا الماء أحد؟ "فوجد عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم فذكر لهم الذي عرض له فكلهم أمره أن يتداوى بما لا بد له منه ويفتدي" للتداوي المشتمل على طيب "فإذا صح وبرأ من مرضه اعتمر فحل من إحرامه" بفعل العمرة، يتحلل بعمرة، الآن هو أحرم بحج، ثم حصل له ما يمنعه من الحج، مثل هذا يتداوى بما لا بد له منه، ولو مكث في المستشفى مدة طويلة ثم بعد ذلك يتحلل بعمرة "ثم عليه حج قابل ويهدي ما استيسر من الهدي" الآن وجوه الاتفاق ووجوه الافتراق بين من أحصر بعدو ومن أحصر بمرض، الافتراق أن من أحصر بعدو يتحلل، ومن أحصر بمرض لا يتحلل على رأي الإمام مالك -رحمه الله-، ووجوه الاتفاق أنه يهدي ويحج من قابل كل منهما على ما تقدم.
"قال مالك: وعلى هذا الأمر عندنا" يعني في مذهبه وفي بلده المدينة "فيمن أحصر بغير عدو" أنه لا يحل إلا بفعل العمرة، لكن أحصر وأمكنه الحج، يلزمه أن يحج، مرض قبل مع دخول الشهر مثلاً ذي الحجة، ثم بعد ذلك تعالج وبرئ قبل الوقوف، هذا ما عنده مشكلة، ما في إشكال بالنسبة له، الإشكال فيما لو فاته الوقوف ولم يقف مع الناس "يقول مالك: وعلى هذا الأمر عندنا فيمن أحصر بغير عدو" أنه لا يحل إلا بفعل العمرة، سواءً كان محرماً بعمرة أو محرماً بحج لم يتمكن فيه من أدائه مع العجز.
طالب:. . . . . . . . .
يعني يستطيع يوزع الحج ويرجع.
طالب:. . . . . . . . .
أنت شو اللي يروح أجل؟ إيش اللي يروح؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن مثل هذا. . . . . . . . . ويروح. . . . . . . . . بيروح، يقول: وأنت أوقف عنه، وأنت طوف، وأنت أسعَ، وأنت أرمِ.
طالب: يقول ويستدل بأنه ما صح في العبادات في جزء من بعضه صح في الكل، في كله صح في جزئه، بما أنه تصح النيابة في كله تصح في بعضه.
النيابة من غير حاجة، ونقتصر فيها على ما ورد.
طالب: هو يقول: مثلاً إذا كان أنه جاز صح حجه إذا حج فرضه صح له أن ينيب عنه في النفل، ويقول: أنا بقسم. . . . . . . . .(80/6)
إذا كان في حج النفل من القادر عليه محل خلاف كبير بين أهل العلم.
طالب: لو ترجح عنده لكن هل يصح طرده؟
لا، لا ما يصح، هذه عبادات توقيفية، هذه عبادات توقيفية الأصل فيها أن يؤديها المكلف بنفسه، جاء بعض .. ، أو الإنابة في بعض الصور يقتصر على ما جاء، وما عدا ذلك يبقى على أن المكلف مطالب به.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا فيه من يقول بهذا القول، لكنه قول مردود شاذ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أحصر بعمرة، محرم بعمرة، وقلنا له: يلزمك أن تبقى على إحرامك، صح وإلا لا؟ أن تبقى على إحرامك، فإذا شفيت تطوف وتسعى ما عليه هذا، إذا تمكن من أدائها كاملة ولم يرتكب محظور ما يلزمه شيء، هذا مجرد تأخير الإتيان بالعمرة بعد الدخول فيها.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب: إذا أحرم ولم يتمكن أو أحصر ولم يتمكن من دخول مكة، يتحلل كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
إيه يتحلل و. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
إي نعم، إيه.
"وقد أمر عمر بن الخطاب أبا أيوب الأنصاري -خالد بن زيد- وهبار بن الأسود حين فاتهما الحج وأتيا يوم النحر أن يحلا بعمرة، ثم يرجعا حلالاً من كل شيء، ثم يحجان عاماً قابلاً، ويهديان، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله" هذا أحصر بغير عدو، فاته الحج، أحصر بغير عدو، لماذا لا يقال له: تبقى على إحرامك ما دام الحصر بغير عدو حتى تؤدي الحج؟ من العام يبقى على إحرامه، ويش الفرق بينه وبين المريض الذي يبقى على سريره مثلاً وقد أحرم؟ الآن مكث سبعة أشهر على الماء، إذا أردنا أن نفرق في الحصر بين العدو والمرض، إذا فاته الحج لماذا لا نقول: يبقى محرماً؟ مثل هذا يرد عليه أنه أحرم بالحج قبل أشهره، لا يقول: إنه أحرم الآن في أشهر الحج، ونلزمه أنه يبقى إلى أن يؤدي الحج من قابل، نقول: هذا أحرم بالحج قبل أشهره، المقصود بأشهره الشهرين ذي القعدة والحجة، وشوال والقعدة وعشر من ذي الحجة، نعم هذه أشهر الحج، فما قبلها لا يصح عند أهل العلم الإحرام به، أما بالنسبة للعمرة التي ليس لها وقت، نعم يبقى على إحرامه حتى يتمكن من أدائها.(80/7)
"أتيا يوم النحر أن يحلا بعمرة ثم يرجعا حلالاً، ثم يحجان عاماً قابلاً ويهديان، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله".
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هؤلاء محرمين بحج، وفاتهم الوقوف فأمرا أن يحلا بعمرة، تحللا بعمرة، ويلزمهما الحج من قابل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن هو ما قال الإمام مالك -رحمه الله- فيما تقدم من فعل عبد الله بن زيد الجرمي أبي قلابة أنه مكث سبعة أشهر محرم على الماء؛ لأنه محرم بعمرة، لكن ماذا عما لو أحرم بحج في أشهر الحج ثم حصل له مرض يمنعه أن لا يبقى على إحرامه إلى أن يحج من قابل، عرفنا الفرق بينهما أن العمرة السنة كلها وقت للعمرة فلا يتحلل، أما بالنسبة للحج فبمضي وقته انتهى، ولا يصح الإحرام به قبل دخول أشهره، نعم؟
طالب: بمجرد مضي وقته؟
نعم بمجرد مضي وقته، خلاص انتهى، يفوت الحج، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
تقرير المذهب، تقرير مذهب الإمام مالك والشافعي ورواية عن أحمد أنه لا حصر إلا بالعدو، أما المرض فلا، يستمر محرم إلى أن يؤدي نسكه الممكن.
في البخاري عن سالم قال: كان ابن عمر يقول: أليس حسبكم سنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حل من كل شيء حتى يحج عاماً قابلاً فيهدي أو يصوم إن لم يجد هدياً.
معروف قول الصحابي من السنة أو نحو أمرنا حكمه الرفع، نعم معروف أن قول: حسبكم سنة نبيكم أي هذه السنة، أو سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- كل هذه لها حكم الرفع، لكن في مثل هذا استناد ابن عمر على إيش؟ على ما حصل له في الحديبية، على ما حصل للنبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديبية.
يقول -كلام ابن عمر-: أليس حسبكم سنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حل من كل شيء حتى يحج عاماً قابلاً فيهدي أو يصوم من لم يجد هدياً، أو إن لم يجد هدياً.(80/8)
هل ابن عمر استند على نص خاص في هذه المسألة تلزم بما ذكر، يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يحل ثم يحج عاماً قابلاً أو استند في ذلك إلى ما حصل للنبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديبية؟ هل نقول: إنه فهم، وقال: هذا دليلي، فهذه السنة تدل على قولي، أو نقول: إنه استند على نص؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو ما تقدم نظير هذه المسألة، قلنا: إن ابن عباس فهم أو استند إلى نص؟ في أي مسألة؟
طالب: في النكاح، نكاح المحرم.
طالب: تقليد الهدي.
في تقليد الهدي حينما عزاه إلى السنة نعم، هل نقول: إن هذا فهم من ابن عباس أو عنده نص اختص به دون غيره فعبر عنه بالسنة؟ وهنا نقول: هل هذا فهم من ابن عمر من قصة الحديبية أو نقول: إنه اعتمد على نص يدل على هذا بدليل أنه قال: "هذه السنة" نعم؟ فهمها من قصة الحديبية أو من نص خاص اختص به وعبر عنه؟ نعم؟
طالب: يرجع إلى. . . . . . . . .
لا، يمكن نص قولي، نعم مفاده أن من حبس طاف بالبيت والصفا والمروة، ثم حل ثم يحج من عام قابل فيفدي؛ لأن قوله: من السنة أو حسبكم السنة .. ، وقيل: لسالم .. ، وسئل سالم فقال: ولا يريدون بذلك إلا سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه القصة، كما ذكر ذلك الشافعي في الأم وغيره، ولا يريدون بذلك إلا سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
طالب: كان فهم من الحديبية الحج.
طيب، والحج من قابل باعتبار النبي -عليه الصلاة والسلام- قضى وأهدى، يعني الصورة ما فيها من الفرق إلا أنه لم يطف بالبيت هنا.(80/9)
إذن الذي يغلب على الظن أنه يستند إلى نص، والحديث الخبر في البخاري، وابن عمر لا يمكن أن يضيف إلى السنة ما ليس منها، فيكون هذا الحكم ثم حل من كل شيء، طاف بالبيت يعني أنه ليس له أن يتحلل دون عمرة، نعم ليس له أن يتحلل بمجرد الصد، نعم، إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبين الصفا والمروة، وهذا يتصور في من حبس بمرض أو بعدو؟ إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل من كل شيء، كيف يطوف بالبيت وهو مصدود؟ يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- لما صد عن البيت بالعدو تحلل دون أن يطوف ويسعى، نفترض شخصاً صد بعدو، وقد أحرم بالحج هل نقول: إنه يلزمه أن يطوف بين الصفا والمروة؛ لأن هذه تختلف عن قصة الحديبية؟ أو يتحلل كما في تصريح ابن عمر: "ما أمرهما إلا واحد" نعم؟ ابن عمر يرى .. ، راوي الخبر يرى أنهما ما أمرهما إلا واحد؛ ليغلب على الظن أنه لو حبس جاءه ما يعوق ويحول بينه وبين الوقوف بعرفة فقط، ثم فاته الحج مثل هذا يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يحل، ثم يحج عاماً قابل، نعم؟
طالب: متعلق بالحج.
بالحج، يعني قل مثل هذا لو صد عن البيت لأنه ما معه تصريح، فلما غابت الشمس من يوم عرفة أذنوا له .. ، لا طلع الفجر من يوم النحر، تصير المسألة فاتت مرة بالكلية، مثل هذا مصدود عن البيت، مثل هذا يطوف ويسعى ويتحلل ويحج من قابل ويهدي؛ لأنه حبس عن البيت، وقل مثل هذا فيمن حبس بمرض، حبس بمرض، أما الصد عن البيت الذي لا يتمكن معه من الوصول إلى البيت، مثل هذا يذبح ما استيسر ويحلق ويتحلل كما لو صد عن عمرة، وين؟
طالب:. . . . . . . . .
حسبكم سنة نبيكم، نفس الشيء.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هم نصوا على أن قول الصحابي: من السنة حكمه الرفع.
طالب:. . . . . . . . .(80/10)
هو الإشكال الآن فيمن يتوسع وينسب إلى الدين رأيه، ويوجد ما رأي الدين في كذا؟ ثم يجيب بجواب اجتهادي، وفي كتاب مطبوع (أنت تسأل والإسلام يجيب) مطبوع بهذا الاسم، وكثير من الأحكام اجتهادية، نعم لو أجاب بالنص، السؤال كذا، الجواب قال الله تعالى كذا، قال النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما صح عنه، هذا الإسلام أجاب نعم، لكن تجتهد وتقول: الإسلام يجيب، ويربأ بابن عمر وأمثال ابن عمر أن يتصرف مثل هذا التصرف إلا أن يكون عنده توقيف في هذه المسألة.
طالب:. . . . . . . . .
هو فهم الذي يقول: إن الإسلام يجيب هذا جواب الإسلام بعد، ابن عمر صاحب تحري وتثبت وما يمكن أن ينسب اجتهاده إلى .. ، لكن أحياناً يهجم على الذهن وينقدح فيه أن دلالة الخبر مطابقة لهذا الاجتهاد، ثم يأتي من ينازعه، فإذا انقدح في ذهنه أن دلالة الخبر تدل على هذا، وقال السنة بناءً على ما انقدح في ذهنه، وجاء من ينازعه، لكن يبقى أن الاحتمال قائم، أنه هل ابن عمر حينما قال: حسبكم سنة نبيكم استند إلى الحديبية إلى قصة الحديبية أو استند إلى نص خاص؟ وما فعله حينما نزل المختار بابن الزبير وقيل له .. ، طلب منه أن يؤجل الدخول في النسك، فقال: حسبنا سنة نبينا -عليه الصلاة والسلام- إن صدنا عن البيت فعلنا مثل ما فعل، فأحرم بعمرة، ثم بعد ذلك قال: ما أمرهما إلا واحد، فأحرم بهما، فالذي يظهر من مجموع الطرق أنه يستند إلى قصة الحديبية، لكن مثل ابن عمر واحتياط ابن عمر يدخل أشياء يطوف بالبيت وبالصفا والمروة، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما طاف بهما، فمثل هذا ....
طالب: أثر عائشة ما يقوي أن فيه نص، لا يحل إلا البيت، المحرم لا يحله إلا البيت.
هذا قولها موقوف عليها، موقوف، هذا اجتهاد، هذا ما فيه إشكال.
طالب: إيه، لا يعني أنها اجتهدت قد يكون هذا يعضد أن ابن عمر مستند على نص فعلاً وإلا لن يقول برأيه.
ما تنتهي المسألة ترى، ولن تنحسم؛ لأن الاحتمالين لكل واحد منهما ما يؤيده، وفي مثل هذا إذا الدلالة انتابها وتجاذبها أمران على حد سواء يرجع في تقرير المسألة إلى الأدلة الخاصة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
في هذا؟(80/11)
طالب:. . . . . . . . .
في هذه المسألة؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما في .. ، إن حبس أحدكم عن الحج، يعني فاته، لو تصور أنه جاءه ما يمنعه، افترض أي مانع، السيارة خبطت مثلاً تبي توضيب تجلس ثلاثة أيام، ولا يوجد وسيلة غيرها، وإذا جلس ثلاثة أيام ما وصل إلى صبح يوم النحر، حبس عن الحج، فمثل هذا يتحلل بعمرة ويذبح ما استيسر وعليه حج عام قابل، وواضح من كلام ابن عمر.
"قال مالك: "وكل من حبس عن الحج بعد ما يحرم إما بمرض أو بغيره أو بخطأ من العدد، أو خفي عليه الهلال" يعني أعلن أن الشهر -شهر القعدة كامل- ثم أعلن أنه ناقص، يعني مثل ما حصل هذه السنة، لو افترضنا أن الإعلان تأخر مثلاً، الإعلان الثاني تأخر ما هو بيوم ثلاثة أعلنوه يوم ثمانية مثلاً، وقد أحرم ولا يتمكن بهذه الطريقة؛ لأنه حاسب حساب يومين وما بقي إلا يوم، هذا إيش؟ خطأ في العدد "أو بخطأ من العدد أو خفي عليه الهلال" يعني في الصورة التي حصلت في هذه السنة أعلنوا أن الشهر كامل، ثم أعلنوا أن الشهر ناقص، الجهات المسئولة هل تلام في مثل هذا أو هي مستندة إلى مقدمات شرعية؟ ما جاءهم أحد أعلنوا التمام، ثم جاءهم من جاءهم وهو الملوم في تأخره فأعلنوا بناءً على الرؤية، فالملوم في مثل هذا الذي تأخر في الإبلاغ، الذي تأخر في إبلاغهم "أو خفي عليه الهلال فهو محصر عليه ما على المحصر" يتحلل بعمرة وعليه دم.
"قال يحيى: سئل مالك عمن أهل من أهل مكة بالحج ثم أصابه كسر لبعض أعضائه أو بطن متحرق" كيف بطن متحرق؟ إسهال شديد يمنعه "أو امرأة تطلق" يعني أخذها الطلق والمخاض قال: "من أصابه هذا منهم فهو محصر، يكون عليه مثل ما على أهل الآفاق" يعني بإمكان المرأة التي تطلق أن تؤدي جميع ما يؤديه الحجاج إلا الطواف بالبيت.
طالب:. . . . . . . . .
لا، بإمكانها قبل أن يبدأ نفاسها أن تطوف أيضاً، لكن إذا قرر الأطباء أنها لو خرجت مع الناس وهي في هذه الحالة أنها عليها خطر تموت مثلاً فمثل هذه محصرة، يكون عليه مثل ما على أهل الآفاق إذا هم أحصروا، يعني لا فرق بين أهل مكة وغيرهم.(80/12)
"قال مالك: في رجل قدم معتمراً في أشهر الحج حتى إذا قضى عمرته أهل بالحج من مكة ثم كسر أو أصابه أمر لا يقدر على أن يحضر مع الناس الموقف -بعرفة- قال مالك: أرى أن يقيم حتى إذا برَأ -أو برِئ أو برُؤ مثلث الراء يعني صح من مرضه- خرج إلى الحل" نعم، لماذا؟ لأن إحرامه من مكة، فيلزمه حينئذٍ أن يخرج إلى الحل، وبيأدي عمرة فلا بد أن يجمع فيها بين الحل والحرم، لكن من أحرم من الميقات مثلاً بالعمرة وبقي عليه .. ، ما يلزمه أن يخرج إلى الحل وهنا وجه التفريق.
ابن عبد البر -رحمه الله- في التمهيد يقول: "قال مالك: وعلى هذا الأمر عندنا فيمن حبس بغير عدو، والمحصر الذي أراد الله -عز وجل- بقوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [(196) سورة البقرة] هو المريض، قال: وإنما جعلنا للمحصر بالعدو أن يحل بالسنة، وذلك أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- حصره العدو فحل، قال مالك: ولم نجعل له الإحلال بالكتاب وإنما جعلناه بالسنة في ذلك".
الآن الخلاف في الآية هل هي بالعدو أو بالعدو وبغيره؟ يعني ما يتعرضون للخلاف هل الآية تتناول العدو أم لا؟ يعني هل دلالة الآية مع دلالة قصة الحديبية فيها تطابق وإلا ما فيها تطابق؟ يعني {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} ... {فَمَن لَّمْ يَجِدْ} [(196) سورة البقرة] هل فيه حللتم؟ نعم؟ في الآية؟
طالب:. . . . . . . . .
يقول: إن أحصرتم هذا المريض، ورأيه في المريض أنه لا يتحلل، في الآية في قوله -عز وجل-: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [(196) سورة البقرة] يقول: هو المريض، يعني الحصر بالعدو يؤخذ من قصة الحديبية، والحصر بالمرض يؤخذ من الآية، هذا مفاد كلام ابن عبد البر -رحمه الله-، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يمشي؟
طالب:. . . . . . . . .(80/13)
من حيث أن الآية ما فيها تنصيص على أنه يحل، ويش اللي يلزمه بالهدي الآن؟ أهل بعمرة ومرض وجلس عشرة أشهر سنة على إحرامه، وأتى بعمرته، وأتى بعمرته على الوجه المطلوب، ويش اللي يلزمه ما استيسر من الهدي؟ لأن رأي مالك أنه يبقى على إحرامه، ارتكب محظور عليه فداء المحظور، ما ارتكب شيء هذا، ما الذي يلزمه؟ فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي؟
طالب: كان مريضاً. . . . . . . . .
يعني المعروف أن العلماء لا يختلفون في إدخال العدو في الآية، ويجعلون دلالة الآية مطابقة لدلالة قصة الحديبية، المختلف فيها الحصر بغير العدو هل يدخل في الآية أو في قصة الحديبية أو لا يدخل؟
طالب: العكس.
هاه؟
طالب: العكس.
عكس كلام مالك -رحمه الله-، وإلا ابن عبد البر من أعلم الناس بمذهبه، ومن أدق الناس، هذا كلام يعني ...
"قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا فيمن حبس بغير عدو، قال مالك: والمحصر الذي أراد الله -عز وجل- بقوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [(196) سورة البقرة] هو المريض، ويش يستفيد مالك من هذا الكلام؟ يستفيد أن الآية ليس فيها تنصيص على أنه يحل، لكن هل يقول مالك: إن المريض إذا لم يحل حتى أدى العمرة على الوجه المطلوب ولم يرتكب محظور عليه ما استيسر من الهدي؟ هنا يأتي النقض.
طالب:. . . . . . . . .
هذا الحج. . . . . . . . . لأنه بيحل من الحج، هو بيحل من حجه.
طالب:. . . . . . . . .
ما ذكر شيء، والمحصر الذي أراد الله -عز وجل- بقوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [(196) سورة البقرة] هو المريض.
طالب: لو حملناه. . . . . . . . . العمرة.
إيه يشمل.
طالب: لو حملناه. . . . . . . . .
ما عندنا ما يدلنا على حمله.
طالب: حتى يستقيم، وأتموا الحج والعمرة.
والله مشكل هذا.
"قال: وإنما جعلنا للمحصر بالعدو أن يحل بالسنة، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حصره العدو فحل، قال مالك: ولم نجعل له الإحلال بالكتاب" يعني جعل دلالة الكتاب خاصة، نعم؟
طالب: بالمريض.
بالمريض، وقصة الحديبية خاصة بالعدو.
"ولم نجعل له الإحلال بالكتاب، وإنما جعلناه بالسنة في ذلك، ذكر ذلك أحمد بن المعذل عن مالك وهو قول الشافعي".
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟(80/14)
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو يريد أن يقرر أن من أحصر بمرض لا يتحلل؛ لأن الآية لا تدل عليه، وقصة الحديبية يتحلل؛ لأن الحصر بالعدو جاء النص فيه، وفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب: الشيخ محمد الأمين ما أشار إليه؟
لا بنجيب كلامه، كلامه مطول وبيجيبه، نعم من الموافقات أن .. ، حتى الشيخ الأمين الشنقيطي مالكي المذهب بيوضح لنا هذا الكلام -إن شاء الله تعالى-.
طالب:. . . . . . . . .
إيه ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش لون؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يدخل في الآية، إذا مرض الآية نص فيه، لكن هل هناك ارتباط بين الآية والحديث؟ يعني هل في قصة الحديبية نزلت الآية وإلا منفكة عنها؟ نعم فيرجع إلى أسباب النزول إن كان لها ارتباط فتنزيله .. ، دخول سبب النزول في النص قطعي عند أهل العلم، يعني إذا كان سبب النزول يتناول وجوه، يتناول أفراد، فدخول الوجه الذي ذكر فيه سبب النزول قطعي عند أهل العلم، ولا يجوز إخراجه بحال.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني قبل الحديبية؟ يعني قول السنة الرابعة؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا في واحد قال الرابعة.
على كل حال في كلام الشنقيطي -إن شاء الله- ما يحل الإشكالات كلها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا وجد ما يحصر ويمنع المحرم من أداء نسكه، المسألة تفترض في العمرة، في الحج الذي يفوت، أما العمرة تدخل في كلام مالك، لكن الحج الذي يفوت لا بمرض ولا بعدو، ما عنده ترخيص، يقال له: ارجع، ويش يصير؟ يلحق بالعدو أو بالمرض؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن يبقى أن وصوله إلى البيت ممكن بعد فوات.
طالب: إن لم يستطع؟
كالمرض، فعلى كل حال كلام الشيخ مطول، وفيه فوائد كثيرة -إن شاء الله- نأتي عليه.
"قال مالك: في رجل قدم معتمراً في أشهر الحج حتى إذا قضى عمرته أهل بالحج من مكة ثم كسر أو أصابه أمر لا يقدر" يعني مرض أو غيره "أمر لا يقدر على أن يحضر مع الناس الموقف" بعرفة "قال مالك: أرى أن يقيم -يعني ولو طالت المدة- حتى إذا برأ خرج إلى الحل ليأتي بعمرة" لماذا؟ لأنه أحرم فيحتاج إلى أن يخرج بالعمرة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟(80/15)
طالب:. . . . . . . . .
إيه إحرامه من مكة بالحج صحيحة، لكن أحرم هذا الإحرام الذي من مكة وقد كان يريده للحج ما يلزمه أن يخرج إلى الحل، لكنه الآن إحرام من مكة للعمرة، صار للعمرة، فلا بد أن يخرج على كلام مالك ليجمع بينهما.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني هل حجه إحرامه بطل؟ أو خروجه لا للإحرام وإنما ليجمع بين .. ، يعني هل إحرامه ساري المفعول وإلا ليس بساري؟ يعني هو محرم حكماً وإن لم يكن محرم حقيقةً، هو محرم بحج وفاته الحج، يتحلل بعمرة، لكن الفترة بين الحج الذي فات والعمرة التي لم يدخل فيها حتى يخرج إلى الحل؟
طالب:. . . . . . . . .
صحيح، أصلاً ما طلبت منه العمرة إلا ليتحلل، فكيف يتحلل قبلها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، واضح هذا.
"ثم يرجع إلى مكة فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ثم يحل ثم عليه حج قابل والهدي" جبراً لذلك.
"قال مالك فيمن أهل بالحج من مكة ثم طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ثم مرض فلم يستطع أن يحضر مع الناس الموقف" بعرفة، المسألة مفترضة فيمن أهل بالحج فقط أو أهل بهما معاً؟ نعم فجاء إلى مكة فطاف للقدوم، وسعى سعي الحج، وفاته الحج، نعم، قال مالك: إذا فاته الحج وذلك بفوات الوقوف هل يعتد بالطواف والسعي؟ يقول: لا يعتد بهما، لماذا؟ لأنه لم ينوه للعمرة، إنما نواه للحج؛ إذا فاته الحج فإن استطاع خرج إلى الحل فدخل بعمرة فطاف بالبيت؛ لأنه قد يقول قائل: إنه طاف وسعى ما بقى عليه إلا أن يقصر ويمشي، فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة والسبب في ذلك أن الطواف الأول لم يكن نواه للعمرة، الطواف الأول مسنون للقدوم، والسعي الذي بعده للحج ليس للعمرة، لم يكن نواه للعمرة فلذلك يعمل بهذا، أي يأتي بطواف وسعي، وعليه حج قابل والهدي، فإن كان من غير أهل مكة فأصابه مرض حال بينه وبين الحج، فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة حل بعمرة وطاف بالبيت طوافاً آخر، وسعى بين الصفا والمروة؛ لأنه طوافه الأول وسعيه يعني الأول إنما كان نواه للحج الذي فاته، وعليه حج قابل والهدي.
فلا فرق حينئذٍ بين المكي وغيره.(80/16)
نأتي إلى كلام الشيخ في مسألة الإحصار، وهل يختص بالعدو أو يشمل كل ما يمنع من أداء النسك؟
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] اختلف العلماء في المراد بالإحصار في هذه الآية الكريمة، فقال قوم: هو صد العدو المحرم ومنعه إياه من الطواف بالبيت، وقال قوم: المراد به ما يشمل الجميع من عدو ومرض ونحو ذلك، ولكن قوله تعالى بعد هذا: {فَإِذَآ أَمِنتُمْ} يشير إلى أن المراد بالإحصار هنا صد العدو للمحرم -وفي هذا يرد الشيخ على مالك أنه خاص بالمرض- لأن الأمن إذا أطلق في لغة العرب انصرف إلى الأمن من الخوف لا إلى الشفاء من المرض ونحو ذلك، ويؤيده أنه لم يذكر الشيء الذي منه الأمن فدل على أن المراد به ما تقدم من الإحصار، فثبت أنه الخوف من العدو، فما أجاب به بعض العلماء من أن الأمن يطلق على الأمن من المرض كما في حديث: ((من سبق العاطس بالحمد أمن من الشوص واللوص والعلوص)) أخرجه ابن ماجه في سننه فهو ظاهر السقوط.
أولاً: الحديث من سنين وأنا أبحث عنه في ابن ماجه ما وجدته، وسبق الشيخ الشنقيطي إلى عزوه إلى ابن ماجه القرطبي، وبالمناسبة يعني كثير من مباحث الكتاب موجودة في القرطبي، وكأنه أصل لهذا الكتاب، أما إذا قال: قال مقيده فهي اجتهادات الشيخ، لكن الكتاب معوله على القرطبي في كثير من مباحثه، ولا يعني هذا أن الشيخ ليس له جهد ولا دور، لا، الكتاب متميز، إذا قال الشيخ: قال مقيده الزم، تحرير وتحقيق وفهم دقيق قد لا يوجد عند غيره -رحمه الله-.
فهذا الحديث ما وقفت عليه في سنن ابن ماجه، ولعله في بعض الروايات التي لم تصلنا.
أخرجه ابن ماجه في سننه فهو ظاهر السقوط؛ لأن الأمن فيه مقيد بكونه من المرض، فلو أطلق لانصرف إلى الأمن من الخوف.(80/17)
يعني فرق بين الأمن المطلق والأمن المقيد، لو قال شخص مثلاً في يوم امتحان استيقظ وإذا بالساعة بقي على الامتحان ربع ساعة، والطريق يعني ما يكفيه ربع ساعة، ثم ركب مع غيره ممن هو أخبر منه بالطرق وكذا ووصل، فقال: أمنا من فوات الامتحان، نعم الأسلوب سائغ، أمن وفوات الامتحان بالنسبة له مخوف والمرض مخوف، لكن الأمن المطلق هو المقابل للخوف من العدو.
فهو ظاهر السقوط؛ لأن الأمن فيه مقيد بكونه من المرض، فلو أطلق لانصرف إلى الأمن من الخوف.
وقد يجاب أيضاً بأنه يخاف وقوع المذكور من الشوص الذي هو وجع السن، واللوص الذي هو وجع الأذن، والعلوص الذي هو وجع البطن؛ لأنه قبل وقوعها به يطلق عليه أنه خائف من وقوعها، فإذا أمن من وقوعها به فقد أمن من خوف، أما لو كانت وقعت به بالفعل فلا يحسن أن يقال: أمن منها؛ لأن الخوف في لغة العرب هو الغم من أمر مستقبل لا واقع بالفعل، فدل هذا على أن زعم إمكان إطلاق الأمن على الشفاء من المرض خلاف الظاهر، وحاصل تحرير هذه المسالة في مبحثين:
الأول: في معنى الإحصار في اللغة العربية.
والثاني: في تحقيق المراد به في الآية الكريمة، وأقوال العلماء، وأدلتها في ذلك، ونحن نبين ذلك كله -إن شاء الله تعالى-.
ثم أطال الكلام في تقرير المسألة من جهة العربية، وفي تقرير كلام أهل العلم في أبسط عبارة وأوضح بيان، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، ونأتي به -إن شاء الله- غداً، وإن تمت مراجعته من قبلكم ليكون أسهل في الفهم فهو مطلوب، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(80/18)
الموطأ - كتاب الحج (18)
شرح: باب: ما جاء في بناء الكعبة، وباب: الرمل في الطواف، وباب: الاستلام في الطواف.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول الإمام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "وقوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] ذكروا أن هذه الآية نزلت سنة ست، أي عام الحديبية، حين حال المشركون بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين الوصول إلى البيت، وأنزل الله في ذلك سورة الفتح بكمالها، وأنزل لهم رخصةً أن يذبحوا ما معهم من الهدي وكان سبعين بدنة، وأن يحلقوا رؤوسهم، وأن يتحللوا من إحرامهم فعند ذلك أمرهم -عليه السلام- أن يحلقوا رؤوسهم، وأن يتحللوا، فلم يفعلوا انتظاراً للنسخ حتى خرج فحلق رأسه، ففعل الناس وكان منهم من قصّر رأسه ولم يحلقه، فلذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: ((رحم الله المحلقين)) قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ فقال في الثالثة: ((والمقصرين)) وقد كانوا اشتركوا في هديهم ذلك كل سبعة في بدنة، وكانوا ألفاً وأربعمائة، وكان منزلهم بالحديبية خارج الحرم، وقيل: بل كانوا على طرف الحرم، فالله أعلم.
ولهذا اختلف العلماء هل يختص الحصر بالعدو، فلا يتحلل إلا من حصره عدو لا مرض ولا غيره؟ على قولين:
فقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري قال: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس وابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس وابن أبي نَجِيح عن ابن عباس أنه قال: لا حصر إلا حصر العدو، هذا موقوف على ابن عباس، فأما من أصابه مرض أو وجع أو ضلال فليس عليه شيء، إنما قال الله تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ} فليس الأمن حصراً، قال: وروي عن ابن عمر وطاووس والزهري وزيد بن أسلم نحو ذلك.(81/1)
والقول الثاني: أن الحصر أعمّ من أن يكون بعدو أو مرض أو ضلال وهو التَّوَهان عن الطريق أو نحو ذلك، قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا حجاج بن الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من كُسِر أو وجع أو عرج فقد حل، وعليه حجة أخرى)) قال: فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة فقالا: صدق.
وأخرجه أصحاب الكتب الأربعة من حديث يحيى بن أبي كثير، وفي رواية لأبي داود وابن ماجه: ((من عرج أو كُسر أو مَرض)) فذكر معناه، ورواه ابن أبي حاتم عن الحسن بن عرفة عن إسماعيل بن عُلَيَّة عن الحجاج بن أبي عثمان الصواف به، ثم قال: وروي عن ابن مسعود وابن الزبير وعلقمة وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ومجاهد والنخعي وعطاء ومقاتل الإحصار من عدو أو مرض أو كسر.
قال الثوري: الإحصار من كل شيء آذاه، ثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقالت: يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية، فقال: ((حجِّي واشترطي أنَّ محلي حيث حبستني)) ورواه مسلم عن ابن عباس بمثله، فذهب من ذهب من العلماء إلى صحة الاشتراط في الحج لهذا الحديث، وقد علق الإمام محمد بن إدريس الشافعي القول بصحة هذا المذهب على صحة هذا الحديث، وقال البيهقي وغيره من الحفاظ: وقد صح -ولله الحمد-، والحديث في الصحيحين، يعني بعضهم أنكر أن يكون حديث ضباعة في صحيح البخاري؛ لأنه لم يورده لا في الحج ولا في الإحصار، وإنما أورده في كتاب النكاح، تردد القرطبي في تصحيحه؛ لأنه نسبه إلى السنن ولم ينسبه إلى الصحيحين.
المقصود أن المسألة فيها الأقوال المذكورة التي سبق أن أشرنا إليها، وهناك تفصيل للشنقيطي -رحمه الله تعالى-، وقبله للقرطبي، القرطبي -رحمه الله- يقول: قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] فيه اثنتا عشرة مسألة:(81/2)
الأولى: قال ابن العربي: هذه آية مشكلة، عضلة من العضل، قلت -يقول القرطبي-: لا إشكال فيها، ونحن نبينها غاية البيان فنقول: الإحصار هو المنع من الوجه الذي تقصده بالعوائق جملة، فجملةً أي بأي عذر كان، كان حصر عدو أو جور سلطان أو مرض أو ما كان.
واختلف العلماء في تعيين المانع هنا على قولين: الأول: قال علقمة وعروة بن الزبير وغيرهما: هو المرض لا العدو، وعرفنا أن ابن عبد البر ينسب هذا لمالك، أن الآية في المرض لا في العدو، وقصة الحديبية دليل على الحصر بالعدو دون المرض.
وقيل: هو العدو خاصة، قاله ابن عباس وابن عمر وأنس والشافعي، قال ابن العربي: وهو اختيار علمائنا، ورأى أكثر أهل اللغة ومحصليها على أن أحصر -أحصر الرباعي- عرض للمرض، وحصر الثلاثي نزل به العدو، قلت: ما حكاه ابن العربي من أنه اختيار علمائنا فلم يقل به إلا أشهب وحده، وخالفه سائر أصحاب مالك في هذا، الآن أحصر، والآية في إيش؟ هل هي من الثلاثي أو من الرباعي؟ أحصرت من الرباعي، يقول ابن العربي إيش؟ ورأى أكثر أهل اللغة ومحصليها على أن أحصر عرض للمرض، فعلى هذا تكون الآية في المرض، وحصر نزل به العدو.
قلت: ما حكاه ابن العربي من أنه اختيار علمائنا فلم يقل به إلا أشهب وحده، عرفنا في درس الأمس أن ابن عبد البر نسبه لمالك -رحمه الله-، وخالفه سائر أصحاب مالك في هذا، وقالوا: الإحصار إنما هو المرض، وأما العدو فإنما يقال فيه: حُصر حصراً فهو محصور.
طالب:. . . . . . . . .
أيه؟
طالب:. . . . . . . . .
ابن العربي؟ نعم؟ قال ابن العربي: العدو إيش؟ يقول: الأول: قال علقمة وعروة ابن الزبير: هو المرض لا العدو.
وقيل: العدو خاصة، قاله ابن عباس وابن عمر وأنس والشافعي، قال ابن العربي: وهو اختيار علمائنا، أيه اختيار علمائهم؟ العدو خاصة، الذي أنكر القرطبي ما نسبه ابن العربي إلى أنه اختيار علمائهم؛ لأنه لم يقل به إلا أشهب، وقيل: العدو خاصة، قال: هذا اختيار علمائنا يقوله ابن العربي، العدو خاصة، في الموطأ فيما مضى من الدروس يقرر أن الحصر حصر العدو فقط، وأن من حصر بغير العدو هذا لا يأخذ هذا الحكم، لا يتحلل.(81/3)
يقول: ما حكاه ابن العربي من أنه اختيار علمائنا فلم يقل به إلا أشهب وحده، وخالفه سائر أصحاب مالك في هذا، وقالوا: الإحصار إنما هو المرض، وأما العدو فإنما يقال فيه: حصر حصراً فهو محصور، قاله الباجي في المنتقى، وحكى أبو إسحاق الزجاج أنه كذلك عند جميع أهل اللغة على ما سيأتي، وقال أبو عبيدة والكسائي: " أحصر بالمرض، وحصر بالعدو، وفي المجمل لابن فارس على العكس، فحصر بالمرض وأحصر بالعدو، وقالت طائفة: يقال: أحصر فيهما جميعاً من الرباعي، حكاه أبو عمر.
ولعل هذا يجمع الأقوال، الحصر والإحصار بمعنىً واحد وهو المنع؛ لأن أصل المادة تدل على هذا، قلت: وهو يشبه قول مالك حيث ترجم في موطئه "أحصر" فيهما، في الموطأ ماذا قال في الترجمتين؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم في الترجمتين قال: أحصر، باب: ما جاء فيمن أحصر بعدو، ثم قال: باب: ما جاء فيمن أحصر بغير عدو، وهو يشبه قول مالك في موطئه أحصر فيهما فتأمله، وقال الفراء: هما بمعنى واحد في المرض والعدو
قال القشيري -أبو نصر-: وادعت الشافعية أن الإحصار يستعمل في العدو، فأما المرض فيستعمل فيه الحصر، والصحيح أنهما يستعملان فيهما، قلت: ما ادعته الشافعية قد نص الخليل بن أحمد وغيره على خلافه، قال الخليل: حصرت الرجل حصراً منعته وحبسته، وأحصر الحاج عن بلوغ المناسك من مرض أو نحوه، هكذا قال، جعل الأول ثلاثياً من حصرت، والثاني في المرض رباعياً، وعلى هذا خرج قول ابن عباس: لا حصر إلا حصر العدو، قال ابن السكيت: أحصره المرض إذا منعه من السفر أو من حاجة يريدها، وقد حصره العدو يحصرونه إذا ضيقوا عليه فأطافوا به، وحاصروه محاصرة وحصاراً، قال الأخفش: حصرت الرجل فهو محصور، أي حبسته، قال: وأحصرني بولي، وأحصرني مرضي، أي جعلني أحصر نفسي، قال أبو عمرو الشيباني: حصرني الشيء وأحصرني أي حبسني.
قلت: فالأكثر من أهل اللغة على أن (حصر) في العدو، و (أحصر) في المرض، وقد قيل ذلك في قوله تعالى:
{لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ} [(273) سورة البقرة] هذا بإيش؟ بعدو وإلا بغيره؟ بغير العدو.
وقال ابن ميادة:
وما هجر ليلى أن تكون تباعدت ... عليك ولا أن أحصرتك شغولُ(81/4)
قال الزجاج: الإحصار عند جميع أهل اللغة إنما هو من المرض، فأما من العدو فلا يقال فيه إلا حصر، يقال: حصر حصراً، وفي الأول أحصر إحصاراً فدل على ما ذكرناه، وأصل الكلمة من الحبس، ومنه الحصير للذي يحبس نفسه عن البوح بسره، والحصير: الملك؛ لأنه كالمحبوس من وراء الحجاب، والحصير الذي يجلس عليه لانضمام بعض طاقات البردي إلى بعض، كحبس الشيء مع غيره.
الثانية: ولما كان أصل الحصر الحبس قالت الحنفية: المحصر من يصير ممنوعاً من مكة بعد الإحرام بمرض أو عدو أو غير ذلك.
واحتجوا بمقتضى الإحصار مطلقاً، قال: وذكر الأمن في آخر الآية لا يدل على أنه لا يكون من المرض، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((الزكام ... )) وذكر الأمن في آخر الآية لا يدل على أنه لا يكون من المرض، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وذكر الأمن في آخر الآية لا يدل على أنه لا يكون من المرض، هو يريد أن يفند قول من قال: إن ذكر الأمن في الآية يدل على أن الإحصار من العدو فقط، نعم.
قال -صلى الله عليه وسلم-: ((الزكام أمان من الجذام)) وقال: ((من سبق العاطس بالحمد)) ... الحديث الذي ذكرناه بالأمس ((أمن من الشوص واللوص والعلوص)) الشوص: وجع السن، واللوص: وجع الإذن، والعلوص: وجع البطن، أخرجه ابن ماجه في سننه، وقلت لكم أني من سنين أبحث عنه ولم أجده، ونسبه إلى بعض كتب الموضوعات: اللآلئ المصنوعة، والفوائد المجموعة وغيرها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وجدته؟
طالب:. . . . . . . . .
في الأوسط؟ أنا في زوائد المعجمين ما وجدته، أما في مجمع البحرين ما هو موجود.
طالب:. . . . . . . . .
إيش ذكر؟
طالب:. . . . . . . . .
هنا؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه؟
طيب، حديث ((من سبق العاطس)) ذكره السخاوي في المقاصد الحسنة وقال: ضعيف، ضعفه واضح، لكن لماذا لم يذكر في مجمع البحرين؟ هل لأنه موجود في سنن ابن ماجه وهذه زوائد؟ نعم؟ لأنه ما يذكر اللي في الكتب الستة، نعم، فلعله لهذا، وذكرنا بالأمس أنه يحتمل أن يكون في رواية لم تبلغنا، أو لقصور أو تقصير في البحث، الله أعلم، من أهل العلم من نفى أن يكون البخاري خرج حديث ضباعة وهو موجود، لكن لما صار في غير مظنته نفاه.(81/5)
قال: وإنما جعلنا حصر العدو حصاراً قياساً على المرض إذا كان في حكمه لا بدلالة الظاهر، يعني الحكم واحد، لا بدلالة الظاهر، إيش معنى دلالة الظاهر؟ يعني أن كون دلالته على العدو أظهر من دلالته على المرض، لا بدلالة الظاهر، وقال ابن عمر وابن الزبير وابن عباس والشافعي وأهل المدينة: المراد بالآية حصر العدو؛ لأن الآية نزلت في سنة ست في عمرة الحديبية حين صد المشركون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن مكة.
قال ابن عمر: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحال كفار قريش دون البيت فنحر النبي -صلى الله عليه وسلم- هديه وحلق رأسه، ودل على هذا قوله تعالى: {فَإِذَا أَمِنتُمْ} [(196) سورة البقرة] ولم يقل: برأتم، والله أعلم.
الثالثة: جمهور الناس على أن المحصر بعدو يحل حيث أحصر وينحر هديه إن كان ثم هدي ويحلق رأسه، وقال قتادة وإبراهيم: يبعث بهديه إن أمكنه، فإذا بلغ محله صار حلالاً، وقال أبو حنيفة: دم الإحصار لا يتوقف على يوم النحر، بل يجوز ذبحه قبل يوم النحر إذا بلغ محله، وخالفه صاحباه فقالا: يتوقف على يوم النحر، وإن نحر قبله لم يجزه، وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان.
الرابعة: الأكثر من العلماء على أن من أحصر بعدو كافر أو مسلم أو سلطان حبسه في سجن أن عليه الهدى، وهو قول الشافعي، عرفنا فيما مضى أن عددهم ألف وأربعمائة، ومر علينا ذكرهم، وأن معهم سبعين في كلام الحافظ ابن كثير، والسبعين لا تفي للألف وأربعمائة، هذه حجة من يقول: إنه لا يلزم الهدي إلا من ساقه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لم يقضِ، هذا دلالة الهدي؛ لأنه ذبح، ونص عليه في الآية، أما القضاء ما نص عليه في الآية.
طالب: لكن -أحسن الله إليك- هو الآن قاسها بأن بعضهم لم يقضِ وفات أن السبعين لا تكفيهم في الهدي.
لا، هو عدم الذكر ما يعني أنه .. ، لكن الآية دلت صراحة على الهدي، ولم تدل صراحة على القضاء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
صيام عشرة أيام، البقية صاموا؟
طالب:. . . . . . . . .
نقول: عدم الذكر هنا لا يعني عدم الوجود، هذه حجة من يقول بأن .. ، اسمع كلام أهل العلم.(81/6)
الأكثر من العلماء على أن من أحصر بعدو كافر أو مسلم أو سلطان حبسه في سجن أن عليه الهدى، وهو قول الشافعي، وبه قال أشهب، وكان ابن القاسم يقول: ليس على من صد عن البيت في حج أو عمرة هدى إلا أن يكون ساقه معه، وهو قول مالك، ومن حجتهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما نحر يوم الحديبية هدياً قد كان أشعره وقلده حين أحرم بعمرة، فلما لم يبلغ ذلك الهدى محله للصد أمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنحر؛ لأنه كان هدياً وجب بالتقليد والإشعار، وخرج لله فلم يجز الرجوع فيه، ولم ينحره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أجل الصد، فلذلك لا يجب على من صد عن البيت هدى.
واحتج الجمهور بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يحل يوم الحديبية ولم يحلق رأسه حتى نحر الهدى، فدل ذلك على أن من شرط إحلال المحصر ذبح الهدى إن كان عنده، وإن كان فقيراً فمتى وجده وقدر عليه لا يحل إلا به، وهو مقتضى قوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] وقد قيل: يحل ويهدى إذا قدر عليه، والقولان للشافعي، وكذلك من لا يجد هدياً يشتريه قولان.
الخامسة: قال عطاء وغيره: المحصر بمرض كالمحصر بعدو، وقال مالك والشافعي وأصحابهما: من أحصره المرض لا يحله إلا الطواف بالبيت وإن أقام سنين حتى يفيق، وكذلك من أخطأ العدد أو خفي عليه الهلال، قال مالك: وأهل مكة في ذلك كأهل الآفاق، وهذا كله مر علينا في الموطأ، وإن احتاج المريض إلى دواء تداوى به وافتدى وبقي على إحرامه لا يحل من شيء حتى يبرأ من مرضه، فإذا برئ من مرضه مضى إلى البيت فطاف به سبعاً، وسعى بين الصفا والمروة، وحل من حجته أو عمرته.
وهذا كله قول الشافعي، وذهب في ذلك إلى ما روي عن عمر وابن عباس وعائشة وابن عمر وابن الزبير أنهم قالوا في المحصر يمرض أو المحصر بمرض أو خطأ العدد: إنه لا يحله إلا الطواف بالبيت، وهذا مر في الموطأ كله، وكذلك من أصابه كسر أو بطن منخرق، ويش عندنا أمس؟
طالب: متحرق.
متحرق نعم، وهنا يقول: أو بطن متحرق، وهنا يقول: منخرق، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
منخرق؟(81/7)
وحكم من كانت هذه حاله عند مالك وأصحابه أن يكون بالخيار إذا خاف فوت الوقوف بعرفة لمرضه إن شاء مضى إذا أفاق إلى البيت فطاف وتحلل بعمرة، وإن شاء أقام على إحرامه إلى قابل، نعم أمس أوردنا أنه لا يبقى على إحرامه وإنما يتحلل بعمرة، لماذا؟ لأنه أحرم بحج قبل أشهره، وهنا يقول: إن شاء تحلل بعمرة وإن شاء أقام على إحرامه إلى قابل، وإن أقام على إحرامه ولم يواقع شيئاً مما نهي عنه الحاج فلا هدي عليه.
ومن حجته في ذلك الإجماع من الصحابة على أن من أخطأ في العدد أن هذا حكمه لا يحله إلا الطواف بالبيت، وقال في المكي إذا بقي محصوراً حتى فرغ الناس من حجهم: فإنه يخرج إلى الحل فيلبي ويفعل ما يفعله المعتمر ويحل، فإذا كان قابل حج وأهدى، وقال ابن شهاب الزهري في إحصار من أحصر بمكة من أهلها: لا بد له من أن يقف بعرفة وإن نعش نعشاً، يعني ولو حمل على نعش مثل الميت، واختار هذا القول أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن بكير المالكي فقال: قول مالك في المحصر المكي أن عليه ما على الآفاق من إعادة الحج والهدى خلاف ظاهر الكتاب؛ لأن الكتاب فرق بين حاضري المسجد الحرام وبين غيرهم؛ لقول الله -عز وجل-: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(196) سورة البقرة].
قال: والقول عندي في هذا قول الزهري في أن الإباحة من الله -عز وجل- لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام أن يقيم لبعد المسافة يتعالج وإن فاته الحج، فأما من كان بينه وبين المسجد الحرام ما لا تقصر في مثله الصلاة فإنه يحضر المشاهد، وإن نعش نعشاً لقرب المسافة بالبيت، وقال أبو حنيفة وأصحابه: كل من منع من الوصول إلى البيت بعدو أو مرض أو ذهاب نفقة أو إضلال راحلة أو لدغ هامّة بالتشديد وإلا بالتخفيف؟
طالب: بالتشديد.
الهوام هي التي تلدغ، أما الهامة التي هي البوم لا ما تلدغ.(81/8)
أو لدغ هامّة فإنه يقف مكانه على إحرامه ويبعث بهديه أو بثمن هديه، فإذا نحر فقد حل من إحرامه، كذلك قال عروة وقتادة والحسن وعطاء والنخعي ومجاهد وأهل العراق؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] الآية، هذا رأي أبي حنيفة ومعروف عند الحنابلة، قد نأتي إلى حديث ضباعة.
السادسة: قال مالك وأصحابه: لا ينفع المحرم الاشتراط في الحج إذا خاف الحصر بمرض أو عدو، وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأصحابهم.
والاشتراط أن يقول إذا أهل: لبيك اللهم لبيك ومحلي حيث حبستني من الأرض، وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور: لا بأس أن يشترط وله شرطه، وقاله غير واحد من الصحابة والتابعين، وحجتهم حديث ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أنها أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إني أردت الحج أأشترط؟ قال: ((نعم)) قالت: فكيف أقول؟ قال: ((قولي: لبيك اللهم لبيك، ومحلي من الأرض حيث حبستني)) أخرجه أبو داود والدارقطني وغيرهما، قال الشافعي: لو ثبت حديث ضباعة لم أعده، وكان محله حيث حبسه الله.(81/9)
قلت: قد صححه غير واحد، منهم أبو حاتم البستي وابن المنذر، قال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لضباعة بنت الزبير: ((حجي واشترطي)) وبه قال الشافعي إذ هو بالعراق، ثم وقف عنه بمصر، قال ابن المنذر: وبالقول الأول أقول، وذكره عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أن طاووساً وعكرمة أخبراه عن ابن عباس قال: جاءت ضباعة بنت الزبير إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني امرأة ثقيلة وإني أريد الحج، فكيف تأمرني أن أهل؟ قال: ((أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني)) قال: فأدركت، يعني حجت، وهذا إسناد صحيح، يعني خفي عليه أن الحديث في الصحيحين، ومعروف أن المفسر القرطبي بضاعته في الحديث ضعيفة، ولذا تجده ينسب الحديث في البخاري ينسبه إلى ابن ماجه، هذا كثير عنده، فبضاعته في الحديث ضعيفة، ليس من أهل الحديث، وليس الحديث صنعته، ولو كان محدثاً مع هذا الجمع الجامع النافع الماتع الذي أتى على جل ما يحتاجه طالب العلم، لا سيما في أحكام القرآن، وبسط القول في مسائله، يذكر عن بعض الآيات ستين سبعين ثمانين مسألة، في آية واحدة، فهو كتاب عظيم لا يستغني عنه طالب علم، يبقى أن الأحاديث لا بد من خدمتها، كنت قد شرعت في ذلك قبل سنين فرأيت أنها كثيرة جداً، يعني بالمجلد الأول ستمائة حديث، إذا قلنا: الكتاب عشرين مجلد يعني اثنا عشر ألف حديث يحتاج إلى عمر وتفرغ تام، ويذكر أن الذي خدم تفسير الطبري وتفسير الدر المنثور وغيرهما من التفاسير وكتب الفقه الآن يشتغل عليه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما هو بعد. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هو مشكل، مشكل لا لا كتاب كبير يعني يحتاج إلى تفرغ، إلا إنسان بيوزعه على ناس يشتغلون ويشرف إشراف، هذا سهل، لكن الكتاب كبير.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا تخريج ضعيف، طبع مراراً بتخريجات ضعيفة، ما تكفي.
طالب:. . . . . . . . .(81/10)
لا، لا هذا غيره ممن له صلة بالحديث نفى أن يكون البخاري رواه، تدري أنه خرجه في النكاح؟ باب الأكفاء في الدين، وخرج الحديث وكانت تحت المقداد، بنت الزبير بن عبد المطلب بنت عم النبي -عليه الصلاة والسلام- ومع ذلك كانت تحت المقداد مولى، نعم فنزع إلى هذه الكلمة وهو يكرر بعض الأحاديث عشرين مرة، وهذا يعني صعب علينا نكرره في الحج على شان يجدونه الناس؟ رحمة الله عليه، الله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
القرطبي الطبعة الثانية لدار الكتب المصرية المقابلة على ثلاثة عشر نسخة، هذه أفضل الطبعات، يبقى خدمة الكتاب من ناحيتين: الأحاديث، تخريج وتصحيح وتضعيف، الناحية الثانية: العقيدة، لا بد من التنبيه على المخالفات العقدية في الكتاب.
السابعة: اختلفت العلماء أيضاً في وجوب القضاء على من أحصر، فقال مالك والشافعي: من أحصر بعدو فلا قضاء عليه لحجه ولا عمرته، إلا أن يكون صرورة، صرورة يعني لم يحج قبل حجة الإسلام، إلا أن يكون صرورة لم يكن حج فيكون عليه الحج على حسب وجوبه عليه، وكذلك العمرة عند من أوجبها فرضاً.
وقال أبو حنيفة: المحصر بمرض أو عدو عليه حجة وعمرة، وهو قول الطبري.
وقال أصحاب الرأي: إن كان مهلاً بحج قضى حجة وعمرة؛ لأن إحرامه بالحج صار عمرة؛ لأنه تحلل بعمرة نعم صارت عليه هذه العمرة ويقضي ما أحرم به وهو الحج، وإن كان قارناً قضى حجة وعمرتين، وإن كان مهلاً بعمرة قضى عمرة، وسواء عندهم المحصر بمرض أو عدو على ما تقدم، واحتجوا بحديث ميمون بن مهران قال: خرجت معتمراً عام حاصر أهل الشام ابن الزبير ... إلى آخره.
المقصود أن مع النبي -عليه الصلاة والسلام- عدد ألف وأربعمائة ولم يحفظ أنهم كلهم قضوا من عام قابل، فالقضاء يحتاج إلى نص ملزم، والذي يظهر أنه لا قضاء عليه، وأما كون الحصر يشمل المرض والعدو فهذا هو المتجه؛ لأن العلة واحدة، إنسان ممنوع من أن يصل إلى البيت، نقول: اجلس على إحرامك حتى تشفى ولو قرر الأطباء أنك محكوم عليك بالإعاقة الدائمة مقتضى كلامهم أنه خلاص حتى يشفى، ولو يطاف به منعوشاً، كيف؟ الحمد لله محصر ويذبح، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(81/11)
أبداً، بل العدو يتصور أنه في بعض الحالات أسهل من بعض الأمراض، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا أحصر وصد عن المشاعر يتحلل ويش المانع؟
طالب:. . . . . . . . .
مع الاستطاعة كغيرها من الأحكام؛ لأنه نص عليها، مشارطة بينه وبين قريش، سميت عمرة القضاء لأنهم قاضاهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بها.
طالب:. . . . . . . . .
ليس من باب القضاء، لا.
فاض في المسائل كثيرة.
طالب: الاشتراط يا شيخ -أحسن الله إليك- ويش يظهر لك مطلق وإلا مقيد؟
هو ما عرف الاشتراط إلا في حديث ضباعة، وعلى هذا من كانت حاله مثل حال ضباعة يشترط وأما لا فلا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الشيخ الشنقيطي أيضاً ذكر مسائل وذكر فروع جلها من القرطبي، لكن حرر بعض المسائل حينما يقول -رحمه الله تعالى-؛ لأن أول الكلام كله مأخوذ من القرطبي بحروفه.
طالب: لكن تجي أسطر مثل حجة ضباعة يرى الاشتراط.
إيه لا لا حرر بعض المسائل، قال: قال مقيده، وفيه مسائل، أحكام منقولة عن من بعد القرطبي، وأيضاً تحرير مسائل، وربطها بقواعدها الأصلية، نعم؟
طالب: من أسباب النزول.
يقول: نزلت في صد المشركين النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وهم محرمون بعمرة عام الحديبية عام ست بإطباق العلماء.
وقد تقرر في الأصول أن صورة سبب النزول قطعية الدخول فلا يمكن إخراجها بمخصص، فشمول الآية الكريمة لإحصار العدو الذي هو سبب نزولها قطعي، فلا يمكن إخراجه من الآية بوجه.
هذا كلام ابن عبد البر في درس الأمس، إن الآية فيمن حصر بمرض وقصة الحديبية من أحصر بعدو، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
فيه ما فيه، أقول: فيه ما فيه.(81/12)
يقول: كونها قطعية هنا، يقول: وروي عن مالك -رحمه الله- أن صورة سبب النزول ظنية الدخول لا قطعية، وهو خلاف قول الجمهور، وإليه أشار في مراقي السعود بقوله ... ، لعل منزع هذا القول أن سبب نزول هذه الآية هو هذه القصة قد لا يكون إثباتها بسبب قطعي، فلظنية ثبوتها تبع ذلك دلالتها، لكن يبقى أنه لو قدر أنه دخل شخص عليه آثار الحاجة والفاقة ثم أمر أحد من الأغنياء بأن يعطى كل فقير -لو رأى هذا الشخص- أن يعطى كل فقير مائة ريال مثلاً هل نقول: إن هذا الفقير الذي دخل الذي هو سبب هذا الأمر ما يدخل؟ ما يعطى؟ هذا قطعي دخوله، عامة أهل العلم على هذا أن دخول سبب النزول قطعي.
قال مقيده عفا الله عنه: الذي يظهر لنا رجحانه بالدليل من الأقوال المذكورة هو ما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد في أشهر الروايتين عنه أن المراد بالإحصار في الآية إحصار العدو، وأن من أصابه مرض أو نحوه لا يحل إلا بعمرة.
لأن هذا هو الذي نزلت فيه الآية، ودل عليه قوله تعالى: {فَإِذَآ أَمِنتُمْ} [البقرة: 196] ... الآية، ولا سيما على قول من قال من العلماء: إن الرخصة لا تتعدى محلها، وهو قول جماعة من أهل العلم، وأما حديث عكرمة الذي رواه الحجاج بن عمرو وابن عباس و ... إي نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وأبي هريرة -رضي الله عنهم- إيش؟ في سقط.
فلا تنهض به حجة لتعين حمله على ما إيش؟ على ما إذا اشترط، على ما هذا اشترط كثيرة الأخطاء الطبعة هذه، على ما إذا اشترط ذلك عند الإحرام، بدليل ما قدمنا من حديث عائشة عند الشيخين، وحديث ابن عباس عند مسلم، وأصحاب السنن، ثم ذكر حديث ضباعة.
الفرع الأول: إذا كان مع المحصر هدي لزمه نحره إجماعاً، وجمهور العلماء على أنه ينحره في المحل الذي حصر فيه، حلاً كان أو حرماً، وقد نحر -صلى الله عليه وسلم- ... إلى آخره.(81/13)
الفرع الثاني: إذا لم يكن مع المحصر هدي فهل عليه أن يشتري الهدي ولا يحل حتى يهدي أو له أن يحل بدون هدي؟ ذهب جمهور العلماء إلى أن الهدي واجب عليه، فلا يجوز له التحلل بدونه إن قدر عليه، ووافق الجمهور أشهب من أصحاب مالك، وخالف مالك وابن القاسم الجمهور في هذه المسالة، فقالا: لا هدي على المحصر إن لم يكن ساقه معه قبل الإحصار، وحجة الجمهور واضحة وهي قوله تعالى: {فَإِنْ اُحْصِرْتُمْ فَمَا استيسر مِنَ الهدي} [البقرة: 196] وذكرنا أن ما استيسر يراد به ما تيسير، وهذا اليسر يعني في التخيير بين أنواع ما يهدى احتمال أن يكون بين الإبل والبقر والغنم المتيسر منها أو بين الذبح وعدمه، وهذا أيضاً احتمال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني التخيير يكون بين أنواع ما يهدى.
قال بعض أهل العلم: لا بدل له إن عجز عنه، ممن قال لا بدل لهدي المحصر أبو حنيفة، فإن المحصر عنده إذا لم يجد هدياً يبقى محرماً حتى يجد هدياً أو يطوف بالبيت.
مسائل وفروع كثيرة يعني لا بد من مراجعتها في الكتابين، لا بد من مراجعة تفسير هذه الآية في الكتابين، فيها فروع نافعة ويحتاجها طلاب العلم، ولولا أنها تحتاج إلى أكثر من درس لأكملناها.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب: أهل مكة.
أهل مكة استثنوا من الهدي الواجب بالاتفاق، وهو هدي المتعة والقران، أقول: استثنوا، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن مختلف في غيرهم فكيف بهم؟
يقول: ذكرت أنه لم ينقل أن الذين صدوا عن البيت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنهم نحروا أو لم ينحروا، في الصحيحين من حديث جابر قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بقرة، نعم؟
لكن ما معهم إلا سبعين، هذا الذي معهم.
فكيف التوجيه وعلى هذا ألا يكون قوله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] للوجوب في أصل النحر والتسهيل في النوع؟
هو الذي يرشح ويرجح الوجوب التخيير بين أو الانتقال مع عدم الهدي إلى الصيام.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(81/14)
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في بناء الكعبة:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق أخبر عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم)) قالت: فقلت: يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت)) قال: فقال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "لئن كانت عائشة -رضي الله عنها- سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم".
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: "ما أبالي أصليت في الحجر أم في البيت".
وحدثني عن مالك أنه سمع ابن شهاب -رحمه الله تعالى- يقول: سمعت بعض علمائنا يقول: "ما حجر الحجر فطاف الناس من ورائه إلا إرادة أن يستوعب الناس الطواف بالبيت كله".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في بناء الكعبة" واختلف في أول من بناها فقيل: أول من بناها الملائكة، وقيل: آدم، وقيل: شيث، والقرآن ينص على أن إسماعيل وإبراهيم بنياها، والحافظ ابن كثير يرجح أن أول من بناها إبراهيم؛ لأنه هو المنصوص عليه، ولا يوجد نص يدل على أنها بنيت قبل ذلك.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق أخبر عبد الله بن عمر" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(81/15)
رواية الأكابر عن الأصاغر "عن عائشة" بلغه الخبر عن عائشة "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم)) قصرت بهم النفقة، ما استطاعوا أن يتمموا بناء الكعبة بكاملها قصروا دون قواعد إبراهيم ((اقتصروا عن قواعد إبراهيم)) "قالت: فقلت: يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟ " الآن بالإمكان، النفقة موجودة، فلماذا لم ترد على قواعد إبراهيم؟ "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت)) " لأن مثل هذا فتنة للناس، الأمور المعظمة شرعاً كونها تعرض للهدم والبناء لا شك أن مثل هذا يوجد في القلوب شيء، لا سيما من لم يتمكن الإيمان من قلبه " ((لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت)) قال: فقال عبد الله بن عمر: "لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم" هذا الذي تمناه النبي -عليه الصلاة والسلام- والذي منعه منه حدثان القوم بالكفر فعله ابن الزبير لما تولى، فحقق هذه الأمنية، لكن هل استمر على ذلك؟ لم يستمر، هدمت لما حاصر الحجاج ابن الزبير، ونصب المنجنيق، وتهدمت جوانبها أعادها كما كانت على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-.(81/16)
وفي عهد أبي جعفر استشار الإمام مالك في أن تعاد على قواعد إبراهيم، لا سيما والمفسدة مندفعة بعد أن مضى قرون من انقراض هؤلاء الذين عهدهم بالكفر جديد -حديث-، فرأى أبو جعفر أن تعاد على قواعد إبراهيم، وهذا ما تمناه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فمنعه الإمام مالك لئلا تكون ملعبة بأيدي الملوك، كل ملك من الملوك يتولى من جديد يتصرف، فشخص أقول: ملك يستدل بالفعل، وملك يستدل بالقول، وهكذا إلى قيام الساعة؛ ليحصل على شرف خدمة البيت، شخص من هؤلاء الملوك يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- تمنى ولماذا لا نفعل والنفقة موجودة وحدثنان العهد انتهى؟ والثاني يقول: لا، بقعة طاف بها النبي -عليه الصلاة والسلام- على هذه الهيئة لا بد أن نطوف عليها وهي على هذه الهيئة، فكل واحد ينقض كلام الثاني وتصير ملعبة للملوك، كما قال الإمام مالك -رحمه الله-، ومثل هذه التصرفات المتتابعة لا شك أنها تزيل هيبتها من القلوب.
" ((لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت)) " يعني لأعدتها على قواعد إبراهيم "قال: فقال عبد الله بن عمر: "لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هو لا يشكك في رواية الخبر، والخبر ثابت في الصحيحين وغيرهما، لكن هو ليرتب عليه حكم "لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أرى -يعني ما أظن- الرسول -عليه الصلاة والسلام- ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر -يعني في جهة الشمال- إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم".
ولذلك عيب على ابن عمر أنه لا يستلم من البيت إلا الركنين كما في مسلم، لا يستلم من البيت إلا الركنين ويترك ركنين، لماذا؟ وغيره وجد في عصره من يستلم الأركان الأربعة، ويقول: ليس شيء من البيت مهجوراً.
فابن عمر قال: هكذا رأيت النبي -عليه الصلاة والسلام- يستلم الركنين فقط، والعلة هي ما أشار إليه هنا؛ لأنه ليس على قواعد إبراهيم، ولذلك الركنان الشاميان لا يستلمان، ويقتصر في الاستلام على الركنين اليمانيين؛ لأنهما على قواعد إبراهيم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
فعل كونه يمسح؟
طالب:. . . . . . . . .(81/17)
عمله بالسنة، ولذلك ما مسحه، لو تبرك كان مسح بقية الأركان، وبقية أجزاء الكعبة، لكنه اتباع.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا تبرك.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال هو له اجتهادات لكن ما ووفق عليها، -رضي الله عنه وأضاه-.
قال: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عائشة أم المؤمنين قالت: "ما أبالي أصليت في الحجر أم في البيت" لأن الحجر من البيت، فإذا صلت في الحجر فقد صلت في البيت، لكن هل دخوله حقيقة أو حكماً، بمعنى أنه من البيت وقصرت النفقة دونه و .... عليه. . . . . . . . . حجة يعني مع البيت، ليطوف الناس من روائه، لكن لو نذر شخص أن يصلي في البيت أو أقسم أن يصلي في البيت ثم بعد ذلك منع من دخول البيت وصلى بالحجر يكون بر بقسمه ووفى نذره أو لا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هل يرجع إلى نيته أو يرجع إلى العرف؟
طالب: لو رجع إلى. . . . . . . . .
الإمام مالك يرى أنه يرجع إلى نيته، ما في نيته يكفيه، والجمهور على أن الأيمان والنذور مبناها على العرف، لكن عندنا حقيقة شرعية للبيت تشمل الحجر، فهل إذا عمل بهذه الحقيقة الشرعية يكون أدى ما عليه؟ أو نقول: لا بد أن يصلي فيما تعارف عليه الناس أنه هو البيت؟ وحينئذٍ يلزمه ما يلزمه؟ نعم؟
طالب: الحقيقة الشرعية في العرف عند. . . . . . . . . عند خلو الحقيقة الشرعية.
لا شك أنها حقيقة شرعية، لكن لا يظن، أهل العلم يقررون أن الأيمان والنذور مبناها على العرف، لكن افترض أن شخص ما دري أن هذا من البيت، ما عرف أن هذا من البيت، هذا ما عرف أن الحجر من البيت، وأقسم أن يصلي في البيت، ولا في ذهنه إلا ها اللي مقفول عليه في الباب، نعم؟ ها يا شيخ.
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . .
لا، له أن ينتقل من الأسفل إلى الأعلى، من الأدنى إلى الأعلى ولا عكس، نعم، وأيهما أعلى داخل البيت وهذا الذي في نيته، وفي عرفه ولا يعرف غيره أو خارج المحجور؟ وهو منه من الأصل، هذا أولى، فما ينتقل من الأعلى إلى الأدنى، ظاهر هذا، أقول: مبنى الأيمان والنذور لا شك أنه لا بد أن يحتاط لها، عامة أهل العلم على أن مبناها على العرف.(81/18)
يقول: "وحدثني عن مالك أنه سمع ابن شهاب يقول: سمعت بعض علمائنا يقول: "ما حجر الحجر فطاف الناس من ورائه إلا إرادة أن يستوعب الناس الطواف بالبيت كله" ما دام هو من البيت، الحجر من البيت، فلا بد أن يكون الطواف من ورائه لأنه جزء من البيت، فلو طاف إنسان ودخل في الحجر لم يصح طوافه؛ لأنه لم يستوعب أجزاء البيت، فلا بد أن يكون الطواف من ورائه.
طالب: الحجر لماذا سمي حجر إسماعيل.
والله ما أعرف أصلها، لكنه لأنه حجر.
نعم.
أحسن الله إليك.
باب: الرمل في الطواف:
حدثني يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف".
قال مالك: "وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا".
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يرمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود ثلاثة أطواف ويمشي أربعة أطواف.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان إذا طاف بالبيت يسعى الأشواط الثلاثة يقول: "اللهم لا إله إلا أنت وأنتا تحيي بعد ما أمتا" يخفض صوته بذلك.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه رأى عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- أحرم بعمرة من التنعيم، قال: ثم رأيته يسعى حول البيت الأشواط الثلاثة.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا أحرم من مكة لم يطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى، وكان لا يرمل إذا طاف حول البيت إذا أحرم من مكة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: الرمل في الطواف" الرمل: الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، وهو دون الخبب، دون السعي، لكنه فوق المشي العادي.(81/19)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد" المعروف بالباقر، جعفر بن محمد بن علي بن الحسين الباقر جعفر الصادق "عن أبيه" محمد بن علي بن الحسين اللي هو الباقر، فجعفر هو الصادق، وأبوه محمد بن علي هو الباقر "عن جابر بن عبد الله" الصحابي الجليل، راوي الحجة النبوية في مسلم وفي غيره، وهذا قطعة من حديثه الطويل في صفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم- "أنه قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف" وهذا في حجة الوداع، رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه، بمعنى أنه استوعب الأشواط الثلاثة بالرمل، وأما في عمرة القضاء فكان رمله من الحجر الأسود إلى الركن اليماني، ويمشي بين الركنين، يمشي بين الركنين، لماذا؟ لأن المشركين الذين قالوا ما قالوا، وشرع الرمل من أجل مقالتهم ولدفعها وردها كانوا من جهة الحجر، لا يرونهم إذا كانوا بين الركنين، فيمشون؛ لأنهم لا يرون، ويحققون الحكمة من الرمل، وأما في حجة والوداع وقد انتهى سبب التشريع وعلته رُجع إلى الأصل؛ لأن الترك إنما هو من أجل مراءاة المشركين، وإغاظة المشركين، والإبقاء على من قدم من بعيد، ثم ارتفعت هذه العلة، وبقي الرمل مع ارتفاع علته؛ لأنه لا يوجد من يقول: يأتي محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب ومع ذلك بقي الحكم، وهذا من الأحكام التي شرعت لعلة فارتفعت العلة وبقي الحكم كالقصر، القصر الأصل في مشروعيته {إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] فارتفع الخوف صار صدقة، وهذا أيضاً ارتفعت علته وبقي حكمه، وما صار للمشي بين الركنين مبرر؛ لأنه لا يوجد من يراءى في مثل هذا، والمراءاة هذه من أجل إغاظتهم، يعني ما هو بالفعل الدافع لهذا الفعل تشريكهم به مع الله -جل وعلا- ليكون من باب الرياء، لا، وإن جاء لفظ المراءاة لكن المقصود بها الإغاظة، إغاظة الكفار {وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ} [(120) سورة التوبة] وهذا يغيظهم، وما يذكر عن بعضهم أنه إذا كان وطء نسائهم يغيظهم جاز، هذا لا أصل له، يعني الاسترسال في مثل هذا، هذا ينسب لبعض أهل العلم، لكن مع ذلك قول ساقط، بعضهم أطلقوا، أطلقوا.(81/20)
المقصود أنه في عمرة القضاء يمشي بين الركنين وفي حجة الوداع يستوعب الأشواط الثلاثة بالرمل.
"قال مالك: "وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا" يعني أنهم يرملون في الأشواط الثلاثة من أول طواف يطوفه الداخل في النسك، هذا هو الذي عليه الأمر ببلده وهو اختيار أهل العلم، إلا من قال: إن هذه ارتفعت وليست سنة وإنما هي لعلة وارتفعت كما يذكر عن ابن عباس، المقصود أنها بقيت ورمل الصحابة بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، ورمل النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد وجود العلة، كونه رمل في حجة الوداع يدل على أنه حكم باقٍ إلى قيام الساعة.
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر ... " على كلٍ الرمل قد لا يتمكن منه الإنسان مع الزحام، فهل نقول لمن قدم وشرع في حقه الرمل: ابتعد عن محل الزحام وطف من وراء الناس وارمل؟ أو نقول: الأفضل أن تقرب من الكعبة ولو تركت هذه السنة؟ أهل العلم يقررون أن الفضل المرتب على العبادة نفسها أولى بالمحافظة من الفضل المرتب على مكانها أو زمانها ما لم يكن المكان أو الزمان مما يشترط لصحتها، أما إذا كان أفضل فالمفاضلة بين ما يتعلق بذات العبادة وبين ما يتعلق بمكانها وزمانها أهل العلم يرجحون ما يتعلق بذاتها.
طالب:. . . . . . . . .
الرمل أفضل نعم، ولو أبعد؛ لأن هذا يحقق فضل في ذات العبادة.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال الطواف الذي فيه الرمل هو أول طواف يطوفه القادم، يسمى طواف القدوم، سواءً كان للقدوم بالفعل الذي هو سنة، أو ركن العمرة، أو ركن الحج، بمعنى أنه لو جاء الحاج مفرد أو قارن وذهب إلى عرفة مباشرة وما طاف للقدوم، طاف طواف الإفاضة يرمل؛ لأن هذا أول طواف يطوفه القادم، أما المقيم بمكة نعم في آخر الباب، "كان لا يرمل إذا طاف حول البيت إذا أحرم من مكة" لأنه مرتبط بالقدوم، وأصل المشروعية فيها: يقدم محمد وأصحابه، فدل على أن لهذه المادة أثر في الحكم.
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يرمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود ثلاثة أطواف ويمشي أربعة أطواف" يعني كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع.
"وحدثني عن مالك" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(81/21)
ويش اللي يحرم بعمرة؟ خلاص رمل أو لما قدم يكفيه.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان إذا طاف بالبيت يسعى الأشواط الثلاثة يقول: "اللهم لا إله إلا أنتا وأنت تحيي بعد ما أمتا" يعني يسعى يرمل وإلا فالسعي أشد، السعي أشد من مجرد الرمل، لكن يستعار هذا لهذا وهذا لهذا، ولذا يقولون: طاف بين الصفا والمروة، وسعى حول البيت، وهنا يقول: يسعى الأشواط الثلاثة وإلا فالأصل أن الطواف مع الرمل بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة بين العلمين.
"وكان يقول: اللهم لا إله إلا أنتا، وأنت تحيي بعد ما أمتا" وهذا شعر، فهل يقول الطائف شيء من الشعر؟ هذا فعل صحابي عن أباه عروة بن الزبير تابعي، فهو مقطوع، وهذا اجتهاد منه، وإن اقتصر على ما ورد من الأدعية لا سيما المرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو جاءت من أدعية الكتاب أو السنة، أو الأدعية المطلقة التي لا محظور فيها كان أولى.
"يقول: اللهم لا إله إلا أنتا، وأنت تحيي بعد ما أمتا، يخفض صوته بذلك" لئلا يظن أنه مرفوع فيتعبد به، فمثل هذه الاجتهادات التي يجتهدها بعض الناس، ويخشى من اقتداء غيره به مثل هذا يخفيه لئلا يتعبد بغير مشروع.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه رأى عبد الله بن الزبير أحرم بعمرة من التنعيم قال: ثم رأيته يسعى حول البيت الأشواط الثلاثة" مثل ما في الخبر الذي قبله.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا أحرم من مكة لم يطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى" لأنه ما قدم فلا يطوف للقدوم، إذا أحرم من مكة لم يطف بالبيت إلا إذا رجع، حتى يرجع من منى، يعني بعد رمي جمرة العقبة؛ لأنه لم يقدم، والطواف للقدوم إنما يشرع للقادم، والسعي إنما يصح بعد طواف مشروع، وهذا لم يشرع فيه الطواف إذاً لا يسعى بعده "كان إذا أحرم من مكة لم يطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى" يعني بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر "وكان لا يرمل إذا طاف حول البيت إذا أحرم من مكة" لأن الرمل مرتبط بأول طواف يطوفه إذا قدم، وهو لم يقدم فلا يشرع في حقه.
طالب:. . . . . . . . .(81/22)
هو مشي، مشي، الأكثر مشي، والحكم للغالب لماذا لا يقال: المشي بين الصفا والمروة؟ تريد هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؛ لأن الحكم للغالب.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
فاسعوا.
طالب: فلا جناح عليه.
أن يطوف، لكن السعي أعم من أن يكون المشي الشديد أو المشي مع السكينة والوقار {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [(9) سورة الجمعة] ومع ذلك لو سعى من بيته إلى الجمعة يشرع وإلا ما يشرع؟ لا يشرع، المقصود أن المسألة فيها سعة -إن شاء الله-.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذا ما قدم، ما قدم.
طالب: كما فعل ابن الزبير عبد الله بن الزبير.
إيه.
طالب: كان إذا أخذ عمرة من التنعيم يرمل بينما ابن عمر لأنه في مكة ما يرمل.
لكن هل مثل هذا الآن يسمى قادم وإلا ما يسمى قادم؟ يسمى من حاضري المسجد الحرام أو من غير .... ؟
طالب: عبد الله من الحاضر.
لا، هو من حاضري المسجد الحرام على كل حال، وأهل مكة يختلفون في مثل هذه الأحكام عن غيرهم.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب: هو من أهل مكة.
من أهل مكة وأحرم من الميقات.
طالب:. . . . . . . . .
هذا قادم، هذا قادم، قادم، نعم.
اقرأ اقرأ إن أمدانا وإلا ....
أحسن الله إليك.
باب: الاستلام في الطواف:
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قضى طوافه بالبيت وركع الركعتين وأراد أن يخرج إلى الصفا والمروة استلم الركن الأسود قبل أن يخرج.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعبد الرحمن بن عوف: ((كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الركن؟ )) فقال عبد الرحمن: استلمت وتركت، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أصبت)).
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان إذا طاف بالبيت يستلم الأركان كلها، وكان لا يدع اليماني إلا أن يغلب عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(81/23)
"باب: الاستلام في الطواف" الاستلام الأركان الأربعة عرفنا أن الركنين الشاميين لا يستلمان، ولا يشار إليهما، والركن اليماني باقي على قواعد إبراهيم فيستلم، فإن تيسر استلامه وإلا فلا يشار إليه، والركن الذي فيه الحجر فيه أكثر من مزية، باقٍ على قواعد إبراهيم، وفيه أيضاً الحجر، وحينئذٍ إن أمكن تقبيله واستلامه باليد وإلا فالإشارة إليه ... أو يستلم بواسطة محجن أو شبهه، أو يشار إليه بالمحجن والعصا، أو يشار إليه باليد، ففيه أكثر من مزية.
"قال: حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قضى طوافه بالبيت وركع الركعتين" بلغه من طريق الصادق عن الباقر عن جابر، نعم في الحديث السابق، فهي صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- في صحيح مسلم، وهو مروي بهذه السلسلة "أنه كان إذا قضى طوافه بالبيت وركع الركعتين، وأراد أن يخرج إلى الصفا والمروة استلم الركن الأسود قبل أن يخرج" فيستلمه في كل شوط من الأشواط، ويستلمه أيضاً إذا انتهى.
"وركع الركعتين" ركعتي الطواف وسيأتي الحديث عنهما "وأراد أن يخرج إلى الصفا" بعد فراغه من الطواف وما يتعلق به "استلم الركن الأسود قبل أن يخرج" إذا كان لا يستطيع أن يستلم وقلنا: إنه إذا لم يستطع في جميع الأشواط يشير، فهل يشير إذا لم يستطع بعد الركعتين؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه كلما حاذى الركن كبر، وسيأتي في باب جامع الطواف أن التكبير والإشارة تكون في البداية والنهاية، في الفاتحة والخاتمة، كما جاء في حديث جابر، فهل يشير ويكبر إذا انتهى من الركعتين ولم يتمكن من الاستلام؟ لأن هذا هو البدل.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يشير كبقية الأشواط، كالأشواط إذا لم يستطع الاستلام فإنه يشير ويكبر وسيأتي -إن شاء الله تعالى-.
قال: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعبد الرحمن بن عوف: ((كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الركن؟ )) فقال عبد الرحمن: استلمت وتركت" استلمت لما استطعت وتركت عندما عجزت وشق علي "فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أصبت)) ".(81/24)
وعلى هذا فلا يزاحم على الحجر فيشق على نفسه ويشق على الناس، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عمر بن الخطاب؛ لأنه رجل قوي قد يؤثر على من حوله إذا أصر على الاستلام، كان ابن عمر -رضي الله عنهما- لشدة اقتدائه واتباعه أنه يصر على الاستلام حتى يرعف خشمه -أنفه-، يرعف الدم، ويصر على الاستلام، يعود ثانية وثالثة ويدفع، لكن ليس هذا من السنة، وهذا من اجتهادات ابن عمر التي لم يوافق عليها.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان إذا طاف بالبيت يستلم الأركان كلها"، "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن أباه -عروة بن الزبير- كان إذا طاف بالبيت يستلم الأركان كلها، وكان لا يدع اليماني إلا أن يغلب عليه" الأركان كلها يعني الأربعة أو التي على القواعد؟ هو وجد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أقول: وجد من بعض الصحابة استلام الأركان الأربعة، وأنه ليس شيء من البيت مهجور، فهل هذا منه أنه يستلم الأربعة أو يقتصر على الركنين؟ الظاهر أنه يقصد الأربعة، يستلم الأركان كلها، ومع ذلك في اليماني؛ لأنه على القواعد يحرص عليه أشد من غيره "وكان لا يدع اليماني إلا أن يغلب عليه" والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(81/25)
الموطأ - كتاب الحج (19)
شرح: باب: تقبيل الركن الأسود في الاستلام، وباب: ركعتا الطواف، وباب: الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف، وباب: وداع البيت، وباب: جامع الطواف.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، وارفع قدره في الدنيا والآخرة، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: تقبيل الركن الأسود في الاستلام:
حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال -وهو يطوف بالبيت- للركن الأسود: "إنما أنت حجر ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبلك ما قبلتك، ثم قبله".
قال مالك -رحمه الله-: "سمعت بعض أهل العلم يستحب إذا رفع الذي يطوف بالبيت يده عن الركن اليماني أن يضعها على فيه".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: تقبيل الركن الأسود في الاستلام" الركن الأسود الذي فيه الحجر الأسود، الركن الأسود المراد به الركن الذي فيه الحجر الأسود، وهو مختص بالتقبيل لأن فيه خصائص: أولاً: لأنه على قواعد إبراهيم، ثانياً: أن فيه الحجر الأسود، فهو يستلم ويقبل ويشار إليه، وأما الركن اليماني فليس فيه إلا أنه على قواعد إبراهيم، وحينئذٍ يستلم، ولا يقبل ولا يشار إليه إذا لم يمكن استلامه، وأما بقية الأركان فليست قواعد إبراهيم، فلا يفعل معها شيء، لا تستلم، ولا تقبل، ولا يشار إليها.(82/1)
يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال -وهو يطوف بالبيت-" قال وهو يطوف بالبيت فالجملة حال، حال كونه يطوف بالبيت "للركن الأسود" قال للركن الأسود، يعني كلم الركن الأسود؟ أو أنه تكلم رافعاً صوته مخاطباً بذلك من يسمع؟ ومخاطبته للحجر كما هو الظاهر من قوله: "قال للركن: "إنما أنت" إنما يريد به من يسمع لا أنه يريد به الركن؛ لأن الركن جماد "إنما أنت حجر" يعني مخلوق لا تنفع ولا تضر، والنافع الضار هو الله -جل وعلا- "إنما أنت حجر ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبلك ما قبلتك" بهذا يكون الاقتداء، أمور قد لا يدركها الشخص بعقله قد يقول قائل: لماذا ندور بالبيت؟ لماذا نقبل الحجر؟ هذا تعبد، فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- فنفعله "ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبلك ما قبلتك" لو أن هذه الأمور اجتهادية لا بد من الوقوف على العلة لسبقنا بذلك هذا الخليفة الراشد الملهم، ما قال: الحكمة ما هي بظاهرة، كثير من الناس ممن يكتبون الآن يجعلون الأمور كلها معقولة، ويزنون النصوص الشرعية بعقولهم، الذي لا تقبله عقولهم لا يثبتونه هذا ضلال، من أنت؟ وما عقلك الذي تقيس به النصوص؟ أنت لا تدرك أشياء أنت أخص بها من غيرك، أمورك التي تزاولها، حياتك اليومية ما بين جنبيك من أعضاء لا تدرك كنهها ولا حقيقتها، فتريد أن تدرك أمور غيبية بعضها معقول المعنى وبعضها لا يدرك؟! وإن كان الشرع لا يأمر بشيء إلا لمصلحة، ولا ينهى عن شيء إلا لمصلحة، فعمر -رضي الله تعالى عنه- يقول: "ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبلك ما قبلتك" فقد فعله اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- قبله، ثم قبله عمر بمجرد اقتدائه بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو كانت المسألة عقلية ما قبل؛ لأنه لا ينفع ولا يضر فماذا يفيد؟ وليس في تقبيله لذة، وإلا هناك من لا ينفع ولا يضر لكن تقبيله معروف يعني مشروع، ومحسوس فيه شيء من ... ، لكن هذا لا ينفع ولا يضر ولا في لذة، ولا .. ، إذاً المسألة شرعية.(82/2)
علي -رضي الله تعالى عنه- يقول: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه" فالمسألة شرعية، وليس للإنسان مندوحة إذا ثبت عنده النص أن يختار أبداً.
"قال الإمام مالك: "سمعت بعض أهل العلم يستحب" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني هل نقول: إنه ما دام معظم شرعاً فهل نقبل كل ما عظم شرعاً كالقرآن مثلاً؟ نقول: نقف مع النصوص، هذا ورد فيه النص نفعل، القرآن ما ورد فيه نص ما نفعل، قد يقول قائل: إن هذا من تعظيم شعائر الله التي يمكن أن يستدل بعموم قوله -جل وعلا-: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [(32) سورة الحج] أقول: يا أخي هذه أمور إجمالية، إجمالاً نعم، لكن مفرداتها تحتاج إلى نصوص، على كل حال قد أحسن من انتهى إلى ما سمع.
وذكرنا قصة امرأة تتمسح بالمقام مقام إبراهيم، لما قيل لها: إنها هذه شباك من حديد لا ينفع ولا يضر جيء به من المصنع كغيره، قالت: عندكم ما ينفع عندنا ينفع، تقول: عندنا ينفع، وهي ممن ابتلي بعبادة القبور وغيرها والمشاهد، نسأل الله السلامة والعافية، فعندها ينفع ما هو دون من ذلك، والله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .
مسح على إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
الحجر، ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يمسح، ما يمسح.
طالب:. . . . . . . . .
ما فيه ركن أصلاً الآن، كيف تمسح؟ تمسح المدور؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما يكفي، ما يكفي هو ليس على قواعد إبراهيم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما يصلح، ما يصلح يا أخي.
"قال مالك: سمعت بعض أهل العلم يستحب إذا رفع الذي يطوف بالبيت يده عن الركن اليماني أن يضعها على فيه" من غير تقبيل، الثابت في حقه الاستلام فقط، يستلم الركن اليماني فلا يقبل، وإذا لم يمكن استلامه لا يشار إليه؛ لأنه لم يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"أن يضع يده على فيه" هكذا بدون تقبيل، لكن هذا يحتاج إلى نص.
نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ركعتا الطواف:(82/3)
حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان لا يجمع بين السُبعين لا يصلي بينهما، ولكنه كان يصلي بعد كل سُبع ركعتين، فربما صلى عند المقام أو عند غيره.
وسئل مالك عن الطواف إن كان أخف على الرجل أن يتطوع به فيقرن بين الأسبوعين أو أكثر، ثم يركع ما عليه من ركوع تلك السُبوع؟ قال: لا ينبغي ذلك، وإنما السنة أن يُتبع كل سُبع ركعتين.
قال مالك في الرجل يدخل في الطواف فيسهو حتى يطوف ثمانية أو تسعة أطواف، قال: يقطع إذا علم أنه قد زاد ثم يصلي ركعتين، ولا يعتد بالذي كان زاد، ولا ينبغي له أن يبني على التسعة حتى يصلي سبعين جميعاً؛ لأن السنة في الطواف أن يتبع كل سبع ركعتين.
قال مالك: ومن شك في طوافه بعدما يركع ركعتي الطواف فليعد فليتمم طوافه على اليقين، ثم ليعد الركعتين؛ لأنه لا صلاة لطواف إلا بعد إكمال السبع، ومن أصابه شيء ينقض وضوؤه وهو يطوف بالبيت أو يسعى بين الصفا والمروة ....
ومن أصابه؟
أحسن الله إليك.
ومن أصابه شيء ينقض ....
بنقض، بنقض.
أحسن الله إليك.
ومن أصابه شيء بنقض وضوئه وهو يطوف بالبيت أو يسعى بين الصفا والمروة أو بين ذلك فإنه من أصابه ذلك وقد طاف بعض الطواف أو كله ولم يركع ركعتي الطواف فإنه يتوضأ ويستأنف الطواف والركعتين، وأما السعي بين الصفا والمروة فإنه لا يقطع ذلك عليه ما أصابه من انتقاض وضوئه، ولا يدخل السعي إلا وهو طاهر بوضوء.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ركعتا الطواف
حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان لا يجمع بين السبعين لا يصلي بينهما" لا يجمع بين السبعين بمعنى أنه لا يطوف سوى سبعة أشواط، أسبوع، ويقال له: سُبع، ويقال له: سٌبوع، أما كونه أسبوع فلكونه مشتمل على سبعة، وكل ما يشتمل على سبعة فهو أسبوع، كالسبعة الأيام يشملها الأسبوع، وأما السُبع فهو هو الأسبوع، وكذلك السبوع تخفيفاً "كان لا يجمع بين السبعين" بمعنى أنه لا يطوف أربعة عشر شوطاً، ثم يصلي بعد ذلك أربعة ركعات بتسليمتين، ولا يطوف واحداً وعشرين شوطاً ثم يصلي بعد ذلك ست ركعات، يعني لا يجمع الأسابيع.(82/4)
يقول: "عن أبيه" عروة بن الزبير "أنه كان لا يجمع بين السبعين لا يصلي بينهما" بل يطوف الأسبوع ثم يصلي بعده، ثم يطوف الثاني ثم يصلي بعده وهكذا فلا يجمع بين الأسابيع "ولكنه كان يصلي بعد كل سبع ركعتين، فربما صلى خلف المقام أو عند غيره"؛ لأن اتخاذ المقام مصلى لا شك أنه أولى، وفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء الأمر به، لكنه على سبيل الاستحباب، وعمر -رضي الله تعالى عنه- صلى الركعتين بذي طوى، ولا مكان للركعتين خاص لا في المسجد ولا في البيت ولا غيره، المسألة أعم من ذلك، فعمر -رضي الله تعالى عنه- صلاهما بذي طوى.
يقول: "وسئل مالك عن الطواف إن كان أخف على الرجل أن يتطوع به فيقرن بين الأسبوعين أو أكثر، ثم يركع ما عليه من ركوع تلك السبوع؟ قال: لا ينبغي ذلك وإنما السنة أن يتبع كل سبع ركعتين" يعني لا يقرن بين الأسابيع، هذه هي السنة؛ لأنه لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه فعل ذلك، جاء عنه أنه طاف -عليه الصلاة والسلام- ثلاثة أسابيع، ثم صلى ست ركعات، لكنه ضعيف لا تقوم به حجة، وهو ثابت عن عائشة والمسور، الجمع بين الأسابيع ثابت عن عائشة والمسور، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يذكر عنه، لكن هو المعروف عن عائشة والمسور ثابت عنهما أنهم يقرنون، ولا شك أنه في بعض الأوقات يكون أرفق، لا سيما إذا كان ممن يتحرج من الصلاة في وقت النهي، فيجمع الأسابيع فإذا زال وقت النهي صلى ما لكل أسبوع ركعتين، ومع هذا لا يقال بتداخل الركعات، العبادات من جنس واحد تتداخل، لا، لماذا؟ لأن من شرط التداخل أن لا تكون إحداهما مقضية والأخرى مؤداة، وركعتا الأسبوع الأول مقضية وإلا مؤداة؟ مقضية، أما ركعتا الأسبوع الأخير مؤداة، لكن الذي قبله مقضية، والذي قبله مقضية، فلا تتداخل في هذه الصورة، ولا يتصور تداخل الركعات في مثل هذا.
ثبت ذلك عن عائشة والمسور ولم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه فعله، وأجازه الجمهور بلا كراهة، وكرهه مالك، وقال: لا ينبغي ذلك، وإنما السنة أن يتبع كل سبع من ركعتيه، لا شك أن هذا أولى وأحوط، لكن إذا كان هناك غرض صحيح من أجله يقرن بين الأسابيع فهذا لا شك أنه له وجه، وقد فعله الصحابة.(82/5)
"قال مالك في الرجل يدخل في الطواف فيسهو حتى يطوف ثمانية أو تسعة أطواف، قال: يقطع إذا علم أنه قد زاد" يعني علم في منتصف الشوط الثامن أو منتصف التاسع يقطع؛ لأنها زيادة على القدر المشروع، فلو تعمد ذلك صار بدعة، عمله بدعة، فمجرد ما يعلم كما لو علم أنه في خامسة من الصلاة، يقطع الصلاة، يجلس، ويتمها فمثل هذا "يقطع إذا علم أنه قد زاد، ثم يصلي ركعتين، ولا يعتد بالذي كان زاد" لكن هل يسجد للسهو في مثل هذا؟ نعم؟ في سجود للسهو؟ ليس فيه سجود للسهو، سجود السهو خاص بالصلاة.
طالب:. . . . . . . . .
إذا تعمد؟
طالب:. . . . . . . . .
والله مثل ما لو تعمد الزيادة على قدر الغسلات في الوضوء، لو توضأ أربع أربع، زيادة على القدر المشروع لا شك أنه دخل في حيز المخالفة والابتداع، لكن البطلان يحتاج؛ لأنه أتى بالقدر الواجب وزيادة، ما هو مثل الصلاة.
طالب:. . . . . . . . .
الطواف بالبيت صلاة، هاه؟
التشبيه لا شك أنه تشبيه بليغ لحذف الأداة، والكلام في الحديث معروف عند أهل العلم، لكن المتجه قبوله، وعرفنا مراراً أن التشبيه لا يقتضي المطابقة بين المشبه والمشبه به من كل وجه، فهذا من أوجه الخلاف.
"ثم يصلي ركعتين ولا يعتد بالذي كان زاد، ولا ينبغي له أن يبني على التسعة حتى يصلي سبعين جميعاً" حتى إيش؟ يصلي سبعين جميعاً، يعني لا يبني على التسعة ثم يضيف إليها خمسة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، غير معتد بها، ما نُويت ولا قُصدت.
"لأن السنة في الطواف أن يتبع كل سبع ركعتين" هذا رأيه، رأي الإمام مالك -رحمه الله- وفيه ما تقدم.
"قال مالك: ومن شك في طوافه بعدما يركع ركعتي الطواف" يعني أنه لم يتم السبع، شك في طوافه بعدما يركع ركعتي الطواف جاء بخمسة أشواط أو ستة، ثم صلى الركعتين يقول: فليعد، وننتبه إلى قوله: بعد ما يركع الركعتين فليعد، والمسألة مسألة شك، فإذا شك في العبادة بعد الفراغ منها يلتفت أو لا يلتفت؟ لا يلتفت، لكن لعله يرد بذلك الشك غلبة الظن، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(82/6)
إيه يعيد، يعيد على كلامه، فليعد، فليتمم طوافه على اليقين، يعني يأتي بما بقي عليه، يأتي بواحدة واثنين على اليقين ويلغي الشك، ثم ليعد الركعتين، إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
فليعد، نعم، فليعد يعني فليرجع إلى الطواف، فليتمم طوافه على اليقين، يتمم، نعم، إذا كان طاف خمسة أشواط يأتي بشوطين، إذا كان طاف ستة يأتي بسابع وهكذا، ثم ليعد الركعتين، ما تجزئ الركعتان اللتان فعلهما؟ لا، لأنه جاء بهما قبل تمام الطواف، قبل تمام الطواف، وهما مربوطتان بتمامه، فلا تصحان قبل تمام الطواف؛ لأنه لا صلاة لطواف إلا بعد إكمال السبع، بلا خلاف، هذا لا خلاف فيه أنه لا يجوز أن يصلي أحد ركعتين قبل أن يطوف، أو في أثناء طوافه، وإلا في زحام شديد نصلي الركعتين حتى يخف الزحام ثم نعود إلى .. ، لا، ما دام باقي عليه خطوة في المطاف لا بد أن يأتي بها ثم يصلي الركعتين.
"ومن أصابه شيء بنقض وضوئه وهو يطوف بالبيت أو يسعى بين الصفا والمروة أو بين ذلك فإن من أصابه ذلك وقد طاف بعض الطواف أو كله ولم يركع ركعتي الطواف فإنه يتوضأ، ويستأنف الطواف والركعتين".
يقول: "ومن أصابه شيء بنقض وضوئه وهو يطوف" يجوز يعني ينقض وضوءه، المعنى صحيح "وهو يطوف بالبيت أو يسعى بين الصفا والمروة" أما بالنسبة للطواف بالبيت فالمعتمد عند أهل العلم أن الطهارة شرط صحة، فلا يصح الطواف إلا بطهارة، وأما بالنسبة للسعي فليس بشرط على ما سيأتي حتى عند مالك -رحمه الله-.(82/7)
يقول: "ويطوف بالبيت أو يسعى بين الصفا والمروة أو بين ذلك فإن من أصابه ذلك وقد طاف بعض الطواف أو كله ولم يركع ركعتي الطواف فإنه يتوضأ ويستأنف الطواف والركعتين" يستأنف الطواف إذا طاف شوطين أو ثلاثة ثم أحدث ثم ذهب وتوضأ على كلامه يستأنف الطواف، يبدأ من جديد، إذا طاف خمسة ستة ثم أحدث توضأ ثم يستأنف الطواف من جديد لوجوب المولاة، والذي يراه جمع من أهل التحقيق أن مثل هذا لا يقطع الموالاة، بل يبني على ما سبق لا سيما إذا قصرت المدة، ثم بعد ذلك والركعتين؛ لأنه لو قدر أنه طاف خمسة أشواط ثم أحدث ثم أكمل ثم صلى ركعتين لا بد من أن يتوضأ ويستأنف على كلامه، وإن كان الفاصل قصير يبني على ما مضى ثم يصلي الركعتين؛ لأن الركعتين السابقتين قبل تمام الطواف.
وأما السعي بين الصفا والمروة فإنه لا يقطع ذلك عليه ما أصابه من انتقاض وضوئه، لماذا؟ لأنه ليس بشرط؛ لأن الطهارة ليست بشرط، ولا يدخل السعي إلا وهو طاهر بوضوء استحباباً لكن إن طاف من غير طهارة فلا شيء عليه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أو بين ذلك؟ من أصابه شيء بنقض وضوئه وهو يطوف بالبيت أو يسعى بين الصفا والمروة أو بين ذلك، يعني على كلامه بين الطواف والسعي.
طالب: وهو يشرب زمزم.
بين الطواف والسعي، انتهى من الطواف واتجه إلى المسعى وصلى ركعتين واتجه إلى المسعى أحدث، نعم؟ أو في الصلاة، المقصود أن مالك يرى استحباب الطهارة للسعي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
في إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
الأصل أنهما تابعتان للطواف والطواف موضعه الحرم، يعني لولا صنيع عمر -رضي الله عنه- وصلاته إياهما بذي طوى لكان المتجه القول بأنها من أفعال المسجد؛ لأنها تابعة لما لا يصح إلا في المسجد، لكن عمر -رضي الله عنه- صلاهما بذي طوى.
نعم.
أحسن الله إليك.
باب: الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عبد القاري أخبره أنه طاف بالبيت مع عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- بعد صلاة الصبح فلما قضى عمر طوافه نظر فلم ير الشمس طلعت فركب حتى أناخ بذي طوى فصلى ركعتين.(82/8)
وحدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي أنه قال: لقد رأيت عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما- يطوف بعد صلاة العصر ثم يدخل حجرته فلا أدري ما يصنع.
وحدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي أنه قال: "لقد رأيت البيت يخلو بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر ما يطوف به أحد".
قال مالك -رحمه الله-: "ومن طاف بالبيت بعض أسبوعه ثم أقيمت صلاة الصبح أو صلاة العصر فإنه يصلي مع الإمام، ثم يبني على ما طاف حتى يكمل سبعاً، ثم لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب، قال: وإن أخرهما حتى يصلي المغرب فلا بأس بذلك".
قال مالك -رحمه الله-: "ولا بأس أن يطوف الرجل طوافاً واحداً بعد الصبح وبعد العصر، لا يزيد على سبع واحد، ويؤخر الركعتين حتى تطلع الشمس كما صنع عمر بن الخطاب، ويؤخرهما بعد العصر حتى تغرب الشمس، فإن غربت الشمس صلاهما
فإذا، فإذا، فإذا غربت.
أحسن الله إليك.
فإذا غربت الشمس صلاهما إن شاء، وإن شاء أخرهما حتى يصلي المغرب لا بأس بذلك".
يقول -رحمه الله تعالى-:
"باب: الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف" الصلاة بعد الصبح والعصر يعني في وقت النهي، وكلامه في الوقتين الموسعين، ومن باب أولى الأوقات المضيقة الثلاثة، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم بقوله: "باب: الطواف بعد الصبح وبعد العصر" وأورد أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، فدل على أنه يختار أن الركعتين لا تصليان في أوقات النهي، وصنع مثله المؤلف -رحمه الله تعالى-، فترجم بقوله: "باب: الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف" يعني ركعتي الطواف.(82/9)
"حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عبد القاري أخبره أنه طاف مع عمر بن الخطاب بعد صلاة الصبح" طاف بعد صلاة الصبح يعني الطواف ما ورد عنه النهي، بل جاء فيه ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)) لكنه عام يخصص بأحاديث النهي "طاف بالبيت مع عمر بن الخطاب بعد صلاة الصبح، فلما قضى عمر طوافه نظر فلم يرَ الشمس طلعت فركب حتى أناخ بذي طوى فصلى ركعتين" وكان عمر -رضي الله عنه- يضرب من يصلي بعد الصبح وبعد العصر، وهذه المسألة ذهبت، مضى بحثها في وقتها، وهو المرجح أنه لا يصلي في أوقات النهي لا سيما المضيقة، والمؤلف كالبخاري يختار أنه لا يصلى مطلقاً لا في الموسع ولا في المضيق؛ لأنه وقت نهي.
"وحدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي أنه قال: رأيت عبد الله بن عباس يطوف بعد صلاة العصر ثم يدخل حجرته فلا أدري ما يصنع" فإما أن يكون يصلي هاتين الركعتين أو لا يصلي، فإن كان لا يصلي فالخبر مطابق للترجمة، وإن كان يصلي ويريد أن يستخفي بذلك عن الناس لئلا يسترسل الناس في الصلاة في هذه الأوقات المنهي عن الصلاة فيها فهذا من حكمته وسياسته في مثل هذه الأمور التي يخشى من استرسال الناس فيها، لو استخفى بها المجتهد الذي أداه اجتهاده إلى جواز ذلك لكان أولى.
ومع الأسف أنه يوجد ممن ينتسب إلى العلم من يدخل قبيل الغروب بدقائق ثم يصلي، والشمس صفراء الشمس تضيفت للغروب، المقصود أن مثل هذا ينبغي أن يتقى، فإن النهي شديد، النهي في هذا شديد "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا ... " ثم ذكرها، هذه الأوقات المضيقة، وأما الموسعة فتقدم ما فيها.
"وحدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي قال: "لقد رأيت البيت يخلو" الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي قال: "لقد رأيت البيت يخلو بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر ما يطوف به أحد" لماذا؟ لأنه يلزم من الطواف الصلاة، وهو وقت نهي.(82/10)
"قال مالك: "ومن طاف بالبيت بعض أسبوعه ثم أقيمت صلاة الصبح أو صلاة العصر فإنه يصلي مع الإمام" يصلي مع الإمام، وهذا لا يخل بالموالاة "ثم يبني على ما طاف حتى يكمل سبعاً، ثم لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب" لكن لو شرع في صلاة جنازة، هذه فريضة الصبح أو العصر، شرع في صلاة جنازة، يقف ويصلي على الجنازة ثم يتابع باعتبار أن الجنازة تفوت وهذا لا يفوت؟ هذا له وجه، لو كان يقرأ القرآن في طوافه ثم مر بآية سجدة يسجد وإلا ما يسجد؟ نعم؟ مثل هذا لا يخل بالتتابع والموالاة فمثل هذا يفعله.
"ثم لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب" وفيه ما تقدم، قال: "وإن أخرهما حتى يصلي المغرب" يعني ما اكتفى بغروب الشمس، إنما صلى المغرب "فلا بأس بذلك" لأنه زال النهي والفاصل وإن طال لا إشكال فيه؛ لأن عمر طال الفصل عنده حينما انتقل إلى ذي طوى.
"قال مالك: "ولا بأس أن يطوف الرجل طوافاً واحداً بعد الصبح وبعد العصر، لا يزيد على سبع واحد، ويؤخر الركعتين حتى تطلع الشمس" لماذا؟ لأنه لا يرى الجمع بين الأسابيع وإلا بإمكانه على القول الآخر أن يطوف أسبوع وأسبوعين وثلاثة وخمسة، ثم بعد ذلك يصلي عن كل أسبوع ركعتين بعد خروج وقت النهي، "ويؤخر الركعتين حتى تطلع الشمس كما صنع عمر بن الخطاب، ويؤخرهما بعد العصر حتى تغرب الشمس، فإذا غربت الشمس صلاهما إن شاء وإن شاء أخرهما حتى يصلي المغرب لا بأس بذلك" والمسألة في صلاة الركعتين في وقت النهي، وهي من وذات الأسباب، وعنده وهو قول الجمهور أنه لا يفعل في هذه الأوقات حتى ما له سبب، وعرفنا رأي الشافعي وتأييد شيخ الإسلام، وأفتى به جمع من أهل العلم، لكن المسألة تقدمت مبسوطة، فيكتفى بذلك.
نعم.
أحسن الله إليك.
باب: وداع البيت:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال: "لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت".(82/11)
قال مالك -رحمه الله تعالى- في قول عمر بن الخطاب: فإن آخر النسك الطواف بالبيت: إن ذلك فيما نرى -والله أعلم- لقول الله -تبارك وتعالى-: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [(32) سورة الحج] وقال: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [(33) سورة الحج] فمحل الشعائر كلها وانقضاؤها إلى البيت العتيق.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- رد رجلاً من مر الظهران لم يكن ودع البيت حتى ودع.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: "من أفاض فقد قضى الله حجه، فإنه إن لم يكن حبسه شيء فهو حقيق أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت، وإن حبسه شيء أو عرض له فقد قضى الله حجه".
قال مالك: ولو أن رجلاً جهل أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت حتى صدر لم أرَ عليه شيئاً إلا أن يكون قريباً فيرجع فيطوف بالبيت ثم ينصرف إذا كان قد أفاض.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: وداع البيت" وداع البيت والوداع والتوديع يراد به ما يفعله المسافر في آخر أمره قبل سفره من توديع أهله ومحبيه هذا يسمى وداع، ويسمى توديع، ومثله ما يفعله الحاج إذا أراد الانصراف، وقد جاء الأمر به، فلا ينصرف حتى يكون آخر عهده بالبيت، جاء الأمر بالوداع، والوداع مرتبط بالحج؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أمر به في الحج، واعتمر مراراً ولم يأمر بالوداع، وهو من أعمال الحج، وليس للعمرة وداع، وعائشة -رضي الله تعالى عنها- اعتمرت بعد الحج ولم يحفظ أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرها بالوداع، فالمرجح أن العمرة لا وداع لها، وإنما الوداع للحج.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: "لا يصدرن أحد من الحاج" هذا يدل على أن الوداع للحج، لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت، يعني حتى يكون آخر عهده بالبيت، والمراد آخر عهده بالبيت الطواف، ليس معنى أن يكون آخر عهده بالمسجد، ولذا فرق بين تحية المسجد وتحية البيت، تحية المسجد الركعتان، تحية البيت الطواف، وعلى هذا يكون وداع البيت بالصلاة؟ لا، بالطواف، وداعه بالطواف.(82/12)
وجاء التصريح بذلك في البيهقي ((حتى يكون آخر عهده بالبيت الطواف)) حتى يطوف بالبيت، فإن آخر النسك الطواف بالبيت.
"قال مالك في قول عمر بن الخطاب: "فإن آخر النسك الطواف بالبيت": إن ذلك فيما نرى -يعني نظن- والله أعلم لقول الله -تبارك وتعالى-: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [(32) سورة الحج] يعني لو افترضنا أن شخصاً في طرف البلد وأبوه في الطرف الثاني، ثم سافر الولد من غير أن يمر بأبيه هل هذا من تعظيم الأب؟ أليس من حق الأب وتعظيمه أن يذهب إلى والده في الطرف الآخر ويودعه ثم ينصرف إلى سفره؟ نعم؟ هذا معنى هذا الكلام، هذا من تعظيم شعائر الله أن يأتي إلى البيت ولو كان بعيداً عنه، ويطوف به {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [(32) سورة الحج] "وقال: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [(33) سورة الحج] فمحل الشعائر كلها وانقضاؤها إلى البيت العتيق" وهذا منها، هذا من الشعائر، فمثل هذا .. ، مع الأمر الذي سمعناه منه -عليه الصلاة والسلام- يدل على وجوب طواف الوداع بالنسبة للحج.
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب رد رجلاً من مر الظهران" وهو اسم وادٍ بقرب مكة، رده عمر "لم يكن ودع البيت حتى ودع" لماذا؟ لأنه ترك واجباً، وعند أهل العلم يجبر عند الجمهور يجبر مثل هذا، ترك واجب من واجبات الحج، ترك نسك، وعلى هذا يريق دماً، وتبرأ ذمته -إن شاء الله تعالى-.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: "من أفاض -طواف الإفاضة- فقد قضى الله حجه، فإنه إن لم يكن حبسه شيء فهو حقيق أن يكون آخر عهده بالبيت" أفاض وخرج مباشرة، هذا آخر عهده بالبيت "وإن حبسه شيء أو عرض له فقد قضى حجه" لماذا؟ لأنه لم يسافر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا حج، رد رجلاً من مر الظهران لم يكن ودع البيت حتى ودع.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا أتى بما ترك، يأتي بما ترك فقط.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما اعتمر، لا، لا، ما اعتمر، ولو اعتمر قلنا: يكفيه العمرة عن طواف الوداع.(82/13)
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: "من أفاض فقد قضى الله حجه" لأنه أتى ببقية الأركان، ومعلوم أن طواف الإفاضة وبعده السعي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم، فهذه تتمة الأركان، "فإنه إن لم يكن حبسه شيء فهو حقيق أن يكون آخر الطواف عهده بالبيت، وإن حبسه شيء أو عرض له فقد قضى الله حجه" حبسه شيء أي ما سافر حينئذٍٍ لا يلزمه طواف؛ لأن الطواف للمسافر طواف الوداع، وعلى هذا إذا أخر طواف الإفاضة حتى قبل أن يخرج إلى أهله طاف للإفاضة ونوى بذلك طواف الإفاضة دخل فيه طواف الوداع، يدخل فيه طواف الوداع، هذا إن لم يكن بعده سعي، أما إن كان بعده سعي فإنه حينئذٍ يطوف للإفاضة ثم يسعى ثم بعد ذلك يطوف للوداع، هذا هو الأكمل، لكن إن رأى في ذلك ما يشق عليه كما هو الحال في الأزمان الأخيرة فيرجى أن يكون الفاصل يسير، ويعفى عن ذلك -إن شاء الله تعالى-، لكن ماذا عما لو قدم السعي على الطواف؟ قدم السعي عليه طواف الإفاضة والسعي الذي بعده جاء فقدم السعي وقال في حديث أسامة بن شريك: سعيت قبل أن أطوف، قال: ((افعل ولا حرج)) وأريد أن لا أطوف مرتين، لا شك أن الطواف في اليوم الثاني عشر والثالث عشر فيه مشقة شديدة، فلو قدم السعي ثم طاف بعده كفاه عن طواف الوداع، مع أني المتجه عندي أن يطوف ثم يسعى، إن تيسر له أن يطوف للوداع وإلا يرجى أن يكفيه ذلك أسهل من تقديم السعي على الطواف؛ لأن جمع من أهل العلم يرون أن السعي لا يصح إلا بعد طواف ولو مسنوناً.
"قال مالك: ولو أن رجلاً جهل أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت حتى صدر لم أرَ عليه شيئاً" يعني ما عليه شيء، ما دام جاهل فهو معذور بجهله ولا شيء عليه، والأكثر يلزمونه بدم، وجهله ونسيانه يعفيه من الذنب، أما الدم فلا بد منه؛ لأن من ترك نسكاً فليرق دماً عند جمهور العلماء "لم أرَ عليه شيئاً إلا أن يكون قريباً فيرجع فيطوف بالبيت ثم ينصرف إذا كان قد أفاض".
نعم.
باب: جامع الطواف:(82/14)
حدثني يحيى عن مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "شكوت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني أشتكي، فقال: ((طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)) قالت: فطفت راكبة بعيري ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينئذٍ يصلي إلى جانب البيت وهو يقرأ بـ {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ} [(1 - 2) سورة الطور].
وحدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي أن أبا ماعز الأسلمي -عبد الله بن سفيان- أخبره أنه كان جالساً مع عبدَ الله بن عمر -رضي الله عنهما-
مع عبدِ.
أحسن الله إليك.
مع عبدِ الله.
أحسن الله إليك
مع عبدِ الله بن عمر -رضي الله عنهما- فجاءته امرأة تستفتيه فقالت: إني أقبلت أريد أن أطوف بالبيت حتى إذا كنت بباب المسجد هرقت الدماء، فرجعت حتى ذهب ذلك عني، ثم أقبلت حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء، فرجعت حتى ذهب ذلك عني، ثم أقبلت حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء، فقال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "إنما ذلك ركضة من الشيطان فاغتسلي ثم استثفري بثوب ثم طوفي".
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عنه- كان إذا دخل مكة مراهقاً خرج إلى عرفة قبل أن يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم يطوف بعد أن يرجع.
قال مالك -رحمه الله-: وذلك واسع إن شاء الله.
وسئل مالك هل يقف الرجل في الطواف بالبيت الواجب عليه يتحدث مع الرجل؟ فقال: لا أحب ذلك له.
قال مالك: لا يطوف أحد بالبيت ولا بين الصفا والمروة إلا وهو طاهر.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: جامع الطواف:(82/15)
"حدثني يحيى عن مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "شكوت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أم سلمة أم المؤمنين شكت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مرضاً ألم بها، لا تستطيع معه الطواف بدون ركوب "فقال: ((طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)) قالت: فطفت راكبة بعيري ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينئذٍ يصلي إلى جانب البيت وهو يقرأ بـ {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ} [(1 - 2) سورة الطور].
هذا سائل يقول: هل هناك من مال إلى أن الوداع في العمرة بدعة؟ وما مدى صحة هذا القول إذا قال به بعض طلاب العلم؟
قل: إذا كان الدليل محتملاً فلا تبديع ولا ابتداع، إذا كان الدليل محتملاً يحتمل هذا القول فلا تبديع، إنما الابتداع اختراع قول أو فعل لم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة، وإذا كان الدليل يحتمل القولين فلا بدعة، من رأى العموم فلا ينصرف حتى يكون آخر عهده بالبيت يرى أن كل من قدم مكة لنسك يشمله هذا، وكونه -عليه الصلاة والسلام- لم يقل ذلك إلا في حجته لا يمنع أن يكون تشرع جديد بالنسبة لكل من أراد الانصراف عن البيت مما جاء بالنسك سواءً كان حجاً أو عمرة، هذا احتمال وله وجهه، لكن يبقى أنه مرجوح، الراجح أنه خاص بالحج، وأما التبديع فلا، فلا وجه له.
منهم من يرى في مثل هذا الاستحباب خروجاً من الخلاف، وليس الخروج من الخلاف من الأدلة التي يعتمد عليها، والأصول التي يستند إليها عند أهل العلم، وإنما الأصل في مثل هذا قوة دليل المخالف، فخشية من أن يكون قول المخالف راجحاً أو يكون دليله أقوى من دليل الموافق يقال: خروجاً من الخلاف، وهذه جملة يستعملها أهل العلم كثيراً.(82/16)
في حديث الباب: "عن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "شكوت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني أشتكي فقال: ((طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)) قالت: فطفت راكبة بعيري" فيه جواز الطواف بالنسبة للراكب، جواز الطواف وصحته من الراكب، لكن هل هذا خاص بالمريض أو يشمل السليم؟ لو طاف السليم راكباً على بعير هل يقال: طوافه صحيح وإلا غير صحيح؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- طاف راكباً، لكن في الصحيح طاف راكباً، في سنن أبي داود ما يشير إلى أنه كان شاكياً، ففعله -عليه الصلاة والسلام- حينما حطمه الناس وضيقوا عليه، وأراد أن يراه الناس ويسألونه ويقتدون به ركب فإذا وجدت هذه العلة في أحد من الناس من العلماء الذين يحتاج إليهم، بحيث لا يرون إلا على هذه الهيئة فالأمر فيه سعة، وإلا فالأصل المشي، الأصل في الطواف المشي.
أذن لأم سلمة تطوف راكبة لأنها شاكية مريضة، "فقال: ((طوفي من رواء الناس وأنت راكبة)) قالت: فطفت راكبة بعيري، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم يصلي" يصلي الصبح "يصلي إلى جانب البيت وهو يقرأ بـ {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ} [(1 - 2) سورة الطور].
فثبت عنه أنه قرأ هذه السورة الطور في صلاة الصبح، وأيضاً ثبت في صلاة المغرب في حديث جبير بن مطعم، نعم؟
طالب: ...
لا، لا ما هو بهذا، لا، استدل من يقول بنجاسة أرواث مأكول اللحم بطواف النبي -عليه الصلاة والسلام- على البعير؛ لأنه لا يؤمن أن يبول أو يصدر منه روث في المسجد وهو .. ، يستدل بهذا من يقول بإيش؟ بالطهارة، استدل به من يقول بالطهارة؛ لأنه لا يؤمن أن يبول أو يصدر منه روث فدل على أنه طاهر، ولو كان نجساً ما طاف عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأصحاب القول الثاني قالوا: إن الله -جل وعلا- عصم دابة النبي -عليه الصلاة والسلام- لحاجته إليها، لكن الأدلة على طهارة أبوال وأرواث مأكول اللحم متكاثرة.
طالب: دابة أم سلمة.
نعم وماذا عن دابة أم سلمة؟ وأيضاً النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر الركب من عكل وعرينة أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها، فالمرجح أنها طاهرة.
طالب:. . . . . . . . .(82/17)
الحمر الإنسية روثها نجس، فلا يجوز أن تدخل المساجد؛ لأنه لا يؤمن أن تنجس هذه المساجد، فلا تدخل المساجد.
يقول المؤلف -رحمه الله-: "وحدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي أن أبا ماعز الأسلمي عبد الله بن سفيان أخبره" أبو الزبير معروف بالتدليس وإلا فهو ثقة، من رجال مسلم، لكنه معروف بالتدليس، وقال: إن أبا ماعز، والسند المؤنن عند أهل العلم حكمه حكم المعنعن، فلا يقبل من مدلس إلا أن يصرح "أن أبا ماعز عبد الله بن سفيان أخبره" فصرح بالإخبار وحينئذٍ انتفت تهمة تدليسه.
"أنه كان جالساً مع عبد الله بن عمر فجاءته امرأة تستفتيه فقالت: إني أقبلت أريد أن أطوف بالبيت حتى إذا كنت بباب المسجد هرقت الدماء" صبت الدم، إهراق الدماء وأراقه يعني: صبه، فهي صبت الدم، وهذا الدم لا تدري هي أحيض هو أم استحاضة دم فساد؟ "فرجعت حتى ذهب ذلك عني، ثم أقبلت" تعني مرة ثانية، "حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء" ثانية "فرجعت حتى ذهب ذلك عني، ثم أقبلت حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء، فقال عبد الله بن عمر: "إنما ذلك ركضة" يعني دفعة "من الشيطان" يريد أن يشوش عليها عبادتها، ويريد أن يشككها في صحتها، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ويحاول جاهداً أن يعيقه وأن يصده عن عبادته "إنما ذلك ركضة من الشيطان، فاغتسلي ثم استثفري بثوب ثم طوفي"
فعلى هذا هذا الدم الخارج منها استحاضة وليس بحيض، لا يمنع من الصلاة ولا من الطواف ولا من غيرهما مما تطلب له الطهارة.
طالب:. . . . . . . . .
صبت، صبت، نزل منها الدم.
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
هي تقول: هرقت، هرقت الدماء، هرق وأراق وأهراق بمعنىً واحد، أهريقوا ما في إشكال يعني.
طالب:. . . . . . . . .(82/18)
لا ما يلزم أن يكون ... ، لا، لا مثل ما يقال: مات فلان، ويش يصير بيده الموت وإلا يحيى؟ الأصل توفي فلان، يعني الله يتوفى الأنفس، توفته رسلنا، فالإضافة -إضافة الفعل- إلى من يسند إليه إضافات نسبية، منها ما إضافته حقيقية، إذا قال: الله يتوفى الأنفس، توفاه فلان هذه إضافة حقيقية، لكن توفته رسلنا إضافة نسبية، باعتبار أنهم مأمورون من قبله -جل وعلا-، ففعلهم ينسب إليه وينسب إليهم، أيضاً إذا قيل: مات فلان هل بيده أن يموت أو يحيى؟ ليس بيده ذلك، لكن الإسناد إلى الفعل قد يكون لأدنى مناسبة، فلا مانع أن تقول: هرقت الماء "فاغتسلي ثم استثفري" اغتسلي ليزول عنك أثر الدم، ثم استثفري بثوب، وعرفنا كيفية الاستثفار في حديث امرأة أبي بكر لما ولدت في المحرم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أسماء بنت عميس، قال لها: ((استثفري)) ومعنى ذلك أن تربط خيطاً في وسطها، تربط حبلاً في وسطها ثم بعد ذلك تأتي بخرقة تشدها على فرجها فتربط هذه الخرقة من أمامها بالخيط ومن خلفها بالخيط، كيفيته معروفة يعني، معنى ذلك تتحفظ، ولا يلزم أن يكون هناك خيط ولا رباط، يقوم مقامه ما يمسك هذا الذي يمسك الدم.
"فاغتسلي ثم استثفري بثوب ثم طوفي" لأنها في حكم الطاهرات، وسئل ابن عباس عن المستحاضة يجامعها زوجها؟ قال: نعم، الصلاة أعظم، وكثير من أهل العلم يكره ذلك.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعد بن أبي وقاص كان إذا دخل مكة مراهقاً" يعني ضاق عليه الوقت حتى خاف على نفسه أن يفوت عليه الوقوف، دخل مكة في يوم عرفة مثلاً ماذا يصنع؟ خرج إلى عرفة قبل أن يطوف بالبيت؛ لأنه يخشى أن يعوقه عائق، ثم لا يصل إلى عرفة حتى يخرج الوقت بطلوع الصبح من ليلة النحر، فإذا جاء مراهقاً يعني ضاق عليه الوقت إلى عرفة مباشرة، وهذا بالنسبة للقارن والمفرد، أما بالنسبة للمتمتع فلا يتمكن من ذلك، إذا ضاق عليه الوقت يدخل الحج على العمرة حتى يصير قارناً كما صنعت عائشة -رضي الله عنها-.
"كان إذا دخل مكة مراهقاً خرج إلى عرفة قبل أن يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم يطوف بعد أن يرجع" ثم يطوف بعد أن يرجع يعني إلى منى، يرجع من عرفة إلى منى "قال مالك: وذلك واسع إن شاء الله"(82/19)
ذلك واسع -إن شاء الله تعالى-؛ لأنه فعل وجاء بالأركان التي أمر بها بالنسبة لمناسك الحج، ويستوي في ذلك ما أشرنا المفرد والقارن، وأما المتمتع فيختلف عنهما؛ لأنه لا يسمى متمتعاً إلا إذا تمكن من أداء العمرة التامة بطوافها وسعيها وتقصيرها، ثم بعد ذلك يحرم بالحج.
"وسئل مالك هل يقف الرجل في الطواف بالبيت الواجب عليه يتحدث مع الرجل؟ فقال: لا أحب ذلك له" لأنه جاء تشبيهه بالصلاة، وإن كان قد أبيح فيه الكلام، لكن ينبغي أن يستغل بالذكر والتلاوة، يستغل بذكر الله -جل وعلا- والتلاوة؛ لأن هذه عبادات لا يليق بها إضاعة هذه الفرصة بين يدي الله -جل وعلا- في أشرف البقاع وفي أفضلها، يمضي هذا الوقت بإرسال النظر يميناً وشمالاً، أو بمحادثة فلان أو علان، أو باستغلال الجوال مثلاً، يستغل الجوال إما أن يكلم أو يُكلم، كل هذا لا ينبغي؛ لأنه في موطن عظيم مبارك، ينبغي أن يستغل بما يقرب إلى الله -جل وعلا- ويرضيه، "فقال: لا أحب له ذلك".
"قال مالك: لا يطوف أحد بالبيت ولا بين الصفا والمروة إلا وهو طاهر" مع الأسف أنه يوجد بعض النساء مع رفع الصوت، والأنغام البشعة المؤذية، بعضهم يجعل بدل الرنة هذه أو التنبيه أمور يعني لا يستحسنها سوي، ومع ذلك تحصل هذه في أشرف البقاع وأفضلها، ويؤذى الناس في أماكن العبادة، وتشبه مساجد المسلمين بالكنائس ومع ذلك كثر الإمساس بها حتى صار كثير من الناس لا يستنكرها، فضلاً عن كونه ينكرها، يسمع من النساء ومن الأطفال ومن الكبار، بل من بعض طلاب العلم يستعمل الجوال والرنات والموسيقى وما أدري إيش في أشرف البقاع، وينتهي الطواف في مكالمة واحدة، والمرأة ترفع صوتها بين الرجال تكلم، هذا إذا كان في شيء مباح، فما بالكم إذا كان في كلام محرم؟! نسأل الله السلامة والعافية.(82/20)
وقد رأيت شخصاً في المسجد الحرام شخص عليه سيما الخير والفضل والصلاح، قصير الثوب، طويل اللحية، بعد أن صلى الصبح فتح الجوال، وكلم مكالمة واحدة حتى صلى الناس صلاة الضحى، مكالمة واحدة انقطع فأعاده، هذا حرمان يا أخي، والله هذا الحرمان، يعني لا يوجد وقت للمكالمة إلا هذا؟ هذا هو الحرمان بعينه، إذا كنت لا تريد أن تجلس مقتدياً بالنبي -عليه الصلاة والسلام- اذهب إلى ما شئت وكلم من شئت، ما أحد يلومك ولا أحد يثرب عليك، أما بين الناس يشغلهم عن قراءتهم وعن أذكارهم بهذه الطريقة، هذا لماذا جلس؟ والله المستعان.
يقول مالك -رحمه الله تعالى-: "لا يطوف أحد بالبيت ولا بين الصفا والمروة إلا وهو طاهر" وعرفنا أن رأيه بالنسبة للطواف أن الطهارة شرط صحة، وبالنسبة للسعي بين الصفا والمروة أن هذا شرط كمال، يعني مستحب، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(82/21)
الموطأ – كتاب الحج (20)
(البدء بالصفا في السعي - جامع السعي - صيام يوم عرفة - صيام أيام منى)
الشيخ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: إذا حمل الطائف بالبيت بحج أو عمرة, أو تطوعاً صبياً؛ هل يقع الطواف لهما، أو لأحدهما؟
يقع لهما -إن شاء الله تعالى- ولا يحتاج إلى إعادة.
إذا حمل الإنسان ابنه ليطوف به؛ والطواف ينويه للابن؛ هل يشترط للصغير ما يشترط للكبير؟
الذي يستطاع فعله من قبل الصغير؛ الذي يستطاع فعله؛ لا شك أنه يشترط، أما ما لا يستطاع؛ فلا يشترط.
يقول: هل للكبير من طهارة؟
الطهارة لا بد منها إذا كان يحسن هذه الطهارة؛ وإذا كان يحسن الطهارة من الحدث؛ فلا بد منها؛ إذا كان لا يحسن يكفي طهارته من الخبث.
وأن يجعل البيت على يساره, ...
لا بد من أن يجعل البيت على اليسار؛ سواء في ذلك الكبير، والصغير؛ سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين, اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء, واغفر اللهم للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب: البدء بالصفا في السعي:
حدثني يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول حين خرج من المسجد؛ وهو يريد الصفا؛ وهو يقول: ((نبدأ بما بدأ الله به)) , فبدأ بالصفا.
وحدثني عن مالك عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا وقف على الصفا يكبّر ثلاثاً، ويقول: ((لا إله إلا الله, وحده لا شريك له؛ له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير))؛ يصنع ذلك ثلاث مرات, ويدعو ويصنع على المروة مثل ذلك.
وحدثني عن مالك عن نافع أنه سمع عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- وهو على الصفا يدعو ويقول: "اللهم إنك قلت: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر (60)] , وإنك لا تخلف الميعاد, وإني أسألك كما هديتني للإسلام أن لا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم.(83/1)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله؛ نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين, أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب البدء بالصفا في السعي"(83/2)
"حدثني يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد بن علي" جعفر الصادق "عن أبيه" محمد بن علي بن الحسين الباقر "عن جابر بن عبد الله أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" قال في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الطويل الذي بيّن فيه جابر الحجة النبوية، ووضحها، وأتقنها، وضبطها منذ خروجه -عليه الصلاة والسلام- من المدينة إلى رجوعه إليها؛ وهو أجمع حديث في الباب، وأورد منه الإمام مالك -رحمه الله تعالى- في موطئه قطعاً تقدم بعضها، وفرقه في مواضع؛ والجمع والتفريق عند أهل العلم بالنسبة للروايات -تقطيع الحديث- جائز عند الجمهور؛ يشترطون في ذلك ألا يترتب فهم الحديث على ما حُذف؛ يعني ترتب فهم المذكور على ما حُذف؛ أما إذا كان المذكور لا يفهم إلا بما حذف فإنه لا يجوز حينئذ؛ كونه تقييد، أو استثناء، أو اشتراط، أو ما أشبه ذلك؛ فمثل هذا لا يجوز إلا أن يذكر إلا بفصه, أما إذا أمكن فصل جمل بعضه عن بعض, ولا يترتب فهم بعض الجمل على الجمل الأخرى؛ فلا مانع من تقطيعه, وفعله البخاري كثيراً, ويفعله الإمام مالك وغيره, وإذا كان هذا جائز في القرآن؛ ففي السنة من باب أولى؛ إذا كانت الجمل يمكن فصلها عن بعض؛ مثلنا مراراً بقوله –جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [سورة النساء (58)] , فإذا كان الحديث عن الأمانة؛ هل يلزم أن نقول: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [سورة النساء (58)]؟ ما يلزم, وإذا كان الحديث عن العدل، واقتصرنا على هذه الجملة؛ لا يلزم أن نقول من أول الآية: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [سورة النساء (58)]، وعمل أهل العلم وصنيعهم على هذا جاري؛ كثيراً ما يقتصرون على بعض الآية, وبعض الحديث, ومنه ما عندنا؛ أنه "قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول حين خرج من المسجد" خرج من المسجد؛ يعني بعد والطواف، وصلاة الركعتين؛ خرج من المسجد؛ إلى أين؟ إلى المسعى؛ فالمسعى خارج المسجد, ولا يزال إلى الآن خارج المسجد؛ إلى الآن لم يدخل في المسجد "خرج من المسجد وهو يريد الصفا" فلما دنى إلى(83/3)
الصفا, نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين التوسعة؟ داخلة, داخلة.
طالب:. . . . . . . . .
ما دخلت, ما بعد دخلت إلى الآن؛ إذا سورت الساحة -إن شاء الله- دخل المسعى؛ إذا سورت الساحة دخل المسعى؛ انظر خارطة المسجد والمسعى تجزم يقيناً أن المسجد ما دخل؛ لكن إذا سورت الساحة اللي وراء المسعى، وشملها جدار المسجد دخل؛ أما الآن فلا.
طالب:. . . . . . . . .
لا, لا، ما في شيء داخل؛ المسعى ممتد هكذا بجوار المسجد؛ ملاصق له.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟ وين؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال إلى الآن ما دخل؛ والذي يدخل فيه أثناء الطواف طوافه باطل؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما علينا منهم؛ اللي يصلون في الساحة، والمسجد فيه فضاء؛ صلاتهم باطلة؛ إذا كان المسجد فيه متسع صلاتهم إذا لم تتصل الصفوف؛ فالصلاة باطلة؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما هي بداخل المسجد؛ حتى تسور، ويشملها مسمى المسجد.
طالب: حتى العمائر؟
نعم العمائر ... مو منتهين ذولا، يجدون من يفتيهم؛ لكن إلى الآن المسعى ما دخل في المسجد.
"حين خرج من المسجد، وهو يريد الصفا" فلما دنى من الصفا قرأ آية: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ} [سورة البقرة (158)]؛ كما في صحيح مسلم "وهو يقول: ((نبدأ بما بدأ الله به)) " , بصيغة الإخبار, وفي رواية: ((أبدأ))، وفي رواية بالأمر: ((ابدؤوا بما بدأ الله به))؛ فالله -جل وعلا- بدأ بالصفا: {إِنَّ الصَّفَا} [سورة البقرة (158)]؛ فما بدأ الله به قولاً نبدأ به فعلاً, وقل مثل هذا في آية الوضوء, وعندهم في أساليب العرب: أن الأولية لها دخل في الأولوية, وهنا يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((نبدأ بما بدأ الله به)) , وبصيغة الإخبار عن الرواية مشهورة: "فبدأ بالصفا. " فإن بدأ بالمروة لم يُعتد بالشوط الأول حتى يبدأ من الصفا. نعم.
طالب:. . . . . . . . .(83/4)
ما في ما يمنع أبداً؛ حتى عند المقام تقول: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سورة البقرة (125)] , ويش المانع؟ فإن بدأ بالمروة لم يعتد بذلك؛ والشوط الأول باطل؛ لأنه لم يبدأ بالصفا؛ والنبي -عليه الصلاة والسلام- فعل هذا، وقال: ((خذوا عني مناسككم))، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
من حيث الأدلة كثيرة؛ ما هي مسألة الواو فقط؛ ما هي مسألة الآية فقط؛ لا الأدلة متظاهرة على وجوب الترتيب.
"وحدثني عن مالك عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه" وهو قطعة من الحديث المذكور الطويل "عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا وقف على الصفا" فرقي عليه حتى رأى البيت؛ استقبل القبلة "يكبّر ثلاثاً، ويقول: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ له الملك وله الحمد؛ وهو على كل شيء قدير)) " وحده: حال, وهو على كل شيء قدير: حال "يصنع ذلك ثلاث مرات" يكبر، ويهلل "ويدعو" ويدعو؛ يدعو؛ يكبّر ويهلل ثلاث مرات؛ ويدعو بين الثلاث المرات؛ فيكون الدعاء على هذا مرتين, وجاء على ما يدل على أنه يكبّر، ويهلل، ويدعو؛ يفعل ذلك ثلاثاً؛ فعلى هذا يكون الدعاء ثلاث مرات؛ فإن فعل هذا فقد حسن, وإن فعل هذا فقد أحسن, والنصوص محتملة؛ "ويصنع" .. نعم؟
طالب: فيها رفع يدين؟
كيف؟
طالب: فيها رفع يدين؟
إيه مع التكبير نعم؛ والدعاء –أيضاً-.
"ويصنع على المروة مثل ذلك. " مثل ما فعل على الصفا من الوقوف والذكر والدعاء, ولا حد في ذلك؛ فيفعل ذلك كم مرة؟ ثمان مرات؛ ثمان مرات على الصفا أربع مرات, وعلى المروة أربع مرات؛ في الفاتحة والخاتمة.(83/5)
"وحدثني عن مالك عن نافع أنه سمع عبد الله بن عمر؛ وهو على الصفا يدعو" يعني موقوف على ابن عمر بأصح الأسانيد "وهو على الصفا يدعو ويقول: اللهم إنك قلت: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر (60)] " وهذا يشمل دعاء المسألة, ويشمل –أيضاً- دعاء العبادة؛ لكنه هنا عند ابن عمر دعاء مسألة؛ {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر (60)]؛ ادعوني: هذا أمر, أستجب: هذا جواب الطلب, أو مجزوم بشرط مقدر: إن تدعوني أستجب "وإنك لا تخلف الميعاد, وإني أسألك" بدأ بهذه الآية: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر (60)]؛ لتكون مقدمة لدعائه؛ يدل بها على ربه -جل وعلا- "وإني أسألك كما هديتني للإسلام أن لا تنزعه مني" وأي دعوة أعظم من مثل هذه, دعوة على الثبات "حتى تتوفاني وأنا مسلم. " حتى تتوفاني وأنا مسلم, في دعاء إبراهيم: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} [سورة إبراهيم (35)] , وهو الذي كسر الأصنام، وفي دعاء محمد -عليه الصلاة والسلام-: ((وإذا أردت بعبادك فتنة؛ فاقبضني إليك غير مفتون))؛ فالدعاء في مثل هذا أمر ينبغي أن يكون ديدن المسلم لا سيما طالب العلم, والفتن تموج بالناس "ألا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم" تتميماً لنعمتك العظيمة؛ ليفوز بالجنة، وينجو من النار.
ابن القيم -رحمه الله- يقول:
والله ما خوفي الذنوب وإنها ... لعلى سبيل العفو والغفران
لكن ما أخشى انسلاخ القلب من ... تحكيم هذا الوحي والقرآن
ورضاً بآراء الرجال وخرصها ... لا كان ذاك بمنة الرحمن
المقصود أن الإنسان يلهج دائماً بالدعاء بالثبات، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: جامع السعي:(83/6)
حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: قلت لعائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- وأنا يومئذٍ حديث السن: أريت قول الله -تبارك وتعالى-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [سورة البقرة (158)]؛ فما على الرجل شيء ألا يطوّف بهما؟ فقالت عائشة -رضي الله عنها-: كلا؛ لو كان كما تقول لكانت "فلا جناح عليه ألا يطوف بهما" إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار؛ كانوا يهلون لمناة، وكانت مناة حذو قديد, وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة؛ فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك؛ فأنزل الله -تبارك وتعالى-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [سورة البقرة (158)].
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن سودة بنت عبد الله بن عمر كانت عند عروة بن الزبير، فخرجت تطوف بين الصفا والمروة في حجٍ أو عمرة ماشية؛ وكانت امرأة ثقيلة؛ فجاءت حين انصرف الناس من العشاء؛ فلم تقض طوافها حتى نودي بالأولى من الصبح؛ فقضت طوافها فيما بينها وبينه, وكان عروة إذا رآهم يطوفون على الدواب ينهاهم أشد النهي؛ فيعتلون بالمرض حياءً منه؛ فيقول لنا فيما بيننا وبينه: لقد خاب هؤلاء وخسروا.
قال مالك -رحمه الله-: من نسي السعي بين الصفا والمروة في عمرة؛ فلم يذكر حتى يستبعد من مكة؛ أنه يرجع فيسعى, وإن كان قد أصاب النساء فليسع بين الصفا والمروة حتى يتم ما بقي عليه من تلك العمرة, ثم عليه عمرة أخرى والهدي.
قال مالك -رحمه الله تعالى-: ومن نسي من طوافه شيئاً, أو شك فيه فلم يذكر إلا وهو يسعى بين الصفا والمروة؛ فإنه يقطع سعيه، ثم يتم طوافه بالبيت على ما استيقن, ويركع ركعتي الطواف، ثم يبتدئ سعيه بين الصفا والمروة.(83/7)
وحدثني عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا نزل من الصفا والمروة مشى، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي؛ سعى حتى يخرج منه.
قال مالك في رجل جهل فبدأ بالسعي بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت؟ قال: ليرجع فليطف بالبيت ثم ليسع بين الصفا والمروة؛ وإن جهل ذلك حتى يخرج من مكة ويستبعد؛ فإنه يرجع إلى مكة, فيطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة؛ وإن كان أصاب النساء؛ رجع فطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة حتى يتم ما بقي عليه من تلك العمرة, ثم عليه عمرة أخرى والهدي.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب جامع السعي".(83/8)
"حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: قلت لعائشة أم المؤمنين" وهي خالته, "وأنا يومئذ حديث السن" صغير فهم الآية على ما ذكر؛ لأنه صغير السن, وقد يفهم الكبير الذي لا يعرف السبب مثل فهمه؛ قد يفهم مثل فهمه, وقد فهم منها هذا الفهم من لم يوجب السعي؛ وأما حكمه فعند الجمهور ركن من أركان الحج لا يتم إلا به, وهو قول المالكية -كما هنا- والشافعية والحنابلة, والحنفية يرون وجوبه يجبر بدم؛ والحنفية هم يرون أن مثل هذه الآية ليست ملزمة, ولا تدل على الشرطية مثل ما فهم عروة؛ لكن إذا قارنا قولهم هنا، وفهمهم لهذه الآية مع فهم قوله -جل وعلا-: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ} [سورة النساء (101)] , وهم يوجبون القصر؛ يوجبون القصر بالآية، وبما جاء معها من النصوص؛ والجمهور فهموا من آية: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ} [سورة النساء (101)]؛ أنه ليس بواجب, وفهموا من هذه الآية أنه ركن؛ يعني عكس الحنفية في المسألتين؛ فهل نقول: بالنسبة لقوله -جل وعلا- .. ؟ يقول في الحديث: قلت لعائشة أم المؤمنين، وأنا يومئذٍ حديث السن؛ يعني صغير "أرأيتِ" أخبريني عن معنى "قول الله -تبارك وتعالى-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِر اللهِِ} [سورة البقرة (158)] " وشعائر الله أعمال الحج " {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ} [سورة البقرة (158)] " لا إثم عليه, " {أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [سورة البقرة (158)] " يطَّوّف: أصله يتطوّف؛ أبدلت التاء طاء، ثم أدغمت التاء بالطاء؛ صارت يطوّف, {بِهِمَا} [سورة البقرة (158)] أي بالصفا والمروة؛ فيسعى "فما على الرجل" ومثله المرأة "شيء ألا يطوّف بهما؟ " هذا فهمه -رحمه الله- هذا فهمه للآية؛ لأن رفع الجناح؛ رفع الإثم لا يقتضي اللزوم ولا الوجوب, ولو قيل: بأنه مباح ما بعد؛ لأنه لا يلزم من رفع الإثم ورفع الجناح الوجوب؛ هذا الأصل "فما على الرجل شيء ألا يطوّف بهما؟ " ومفهومها أن السعي ليس بواجب "فقالت عائشة -رضي الله عنها-" رداً عليه ": كلا" وفيها الردع والزجر(83/9)
"كلا لو كان" الأمر "كما تقول لكانت" الآية: "فلا جناح عليه ألا يطوّف بهما" أي لا جناح في ترك الطواف بينهما؛ لو كان هناك تخيير بين الطواف وعدمه؛ لجاءت الآية: فلا جناح عليه ألا يطوّف بهما؛ يعني له أن يترك السعي "إنما نزلت هذه الآية في الأنصار" ثم ذكرت السبب؛ ورفع الجناح المذكور في الآية؛ هو التأثم الذي وجدوه في أنفسهم أول الأمر من السعي بين الصفا والمروة "وقد كانوا" يعني الأنصار؛ في بعض الروايات الأنصاب بالباء؛ لكن الأكثر على هذه الرواية "الأنصار" "كانوا يهلون" يحجون قبل الإسلام "لمناة" وهو صنم؛ صنم كان في الجاهلية يعبدونه "وكانت مناة حذو" مقابل "قديد" قرية بين مكة والمدينة "وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة" يهلون لها؛ يهلون لهذا الصنم ثم يطوفون بين الصفا والمروة؛ يعني يفعلون هذا الشرك الذي من أجزاءه السعي بين الصفا والمروة؛ فقبل نزول هذه الآية تحرجوا من أن يسعوا بين الصفا والمروة؛ لأنهم كانوا يفعلونه إذا أهلوا لهذا الصنم, وجاء في بعض الأخبار ما يدل على أن على الصفا صنم، وعلى المروة صنم, إساف ونائلة؛ وكان المشركون يسعون بين الصفا والمروة لهذين الصنمين, استصحب الصحابة -رضوان الله عليهم- هذا الصنيع القبيح، والعمل الشنيع؛ فتحرجوا؛ فتحرجوا، وضربنا مثال تقريبي لهذا في بعض الدروس؛ وقلنا: لو وجد كرتون دخان؛ استعمل في محرم، واشتريت خمسين مصحف، وما وجدت أن تضع هذه الخمسين إلا في كرتون الدخان؛ ها.
طالب: ……
لابد من وجود الحرج؛ لابد من وجود الحرج؛ في أحد يبي يقول: إن الكرتون نجس, ولا فيه ما فيه؛ نعم؟ ما(83/10)
في, ما في أحد بيقول: إن الكرتون نجس؛ لكن يتحرج الإنسان من أن يضع القرآن في كرتون كان يستعمل للدخان؛ نعم, أكثر الكتب تأتي في كراتين الدخان؛ لأن فيها كثرة في الأمصار، وتوفر عليهم, وأيضاً- مقاسها للكتب؛ وبعدين لو يروحون للمصانع يشترون، ويصنعون لهم هذه الكراتين تحتاج إلى مبالغ؛ والدخان -الله المستعان- ابتلي به الناس -نسأل الله السلامة والعافية-؛ يعني لو جيء –بلا مؤاخذة يا أخوان- لو جيء بحفاظة طفل جديدة من الكرتون ما فيها شيء، والجو بارد، وأنت متوضئ؛ هل تستطيع أن تنشف بها؟ جديدة من الكرتون؛ ما تحرج أن تتنشف بها؟ لأنك تستصحب لماذا صنعت؟ تستصحب لماذا صنعت؟.
فتكرهه؛ يوجد في نفسك الكره لهذا الشيء؛ فهو من هذا الباب تحرج الصحابة من السعي بين الصفا والمروة؛ فنزل رفع الجناح؛ يعني ما عليكم من جناح؛ هذا شرع؛ هذا شرع لا يقرر بمثل هذه الأمور؛ فرفع الجناح في هذه الآية منصب إلى التأثم الذي وجدوه في أنفسهم؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؛ حتى كلام عائشة يدل على رفع الجناح الذي هو التأثم, وأما الوجوب…؛ وعائشة من دقيق فقهها تريد أن ترد عليه؛ مع استحضارها للنصوص الأخرى؛ وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- سعى وأمر بالسعي: ((اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي))، وقال: ((خذوا عني مناسككم))؛ استصحبت هذا كله, وأرادت أن ترد عليه, ويش تقول؟ وقرر أهل العلم: أن هذا من ثاقب ذهنها, ودقيق فقهها؛ قالت: "كلا لو كان كما تقول لكانت: "فلا جناح عليه ألا يطوّف بهما" أي لا جناح عليه في ترك الطواف بينهما "إنما نزلت" نعم.
طالب:. . . . . . . . .(83/11)
بلا شك "إنما نزلت هذه الآية في الأنصار؛ كانوا يهلون لمناة، وكان مناة حذو قديد, وكانوا يتحرجون" يتحرزون "أن يطَّوَّفوا" أو "أن يطوفوا بين الصفا والمروة" فيتركون ذلك خشية الحرج, استحضاراً منهم لما كان يفعل في هذا المكان من الشرك "فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك؛ فأنزل الله -تبارك وتعالى-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [سورة البقرة (158)] " وهذا لا شك أنه كما قرر أهل العلم أنه من بديع فقهها, ودقيق فهمها -رضي الله عنها وأرضاها-؛ وعلى كل حال جمهور أهل العلم على أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج لا يتم إلا به, والحنفية يجبرونه بدم.
يقول: "وحدثني .. ؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا, لا يؤخذ صراحة؛ لكن الأدلة المتظافرة تدل على أنه لا بد منه.(83/12)
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن سودة بنت عبد الله بن عمر كانت عند عروة بن الزبير" هو ما فيه شك أنه بيان؛ فعله بيان؛ لكن أهل العلم يقولون: بيان الواجب واجب؛ فهل في الآية ما يدل على الوجوب؟ فسرها ووضحها؛ يعني كيفية ما جاء في الآية وضحت؛ لكن بالنسبة للحكم ما في ما يدل؛ على كل حال الأدلة متظافرة على أنه لا بد منه "أن سودة بنت عبد الله بن عمر كانت عند عروة بن الزبير، فخرجت تطوف بين الصفاء والمروة, في حج أو عمرة " شك "ماشيةً؛ وكانت امرأةً ثقيلةً" سمينة, وجاء في وصف سودة بنت زمعة أنها كانت ثبطة؛ يعني ثقيلة, وهذه –أيضاً- ثقيلة؛ إما لسمنٍ بها، أو لبطءٍ في مشيها "فجاءت حين انصرف الناس من" صلاة "العشاء" بعد صلاة العشاء دخلت المسعى "فلم تقض طوافها حتى نودي بالأولى من الصبح" ففعلها استغرق ما بين العشاء إلى الأذان الأول للصبح "فقضت طوافها فيما بينها وبينه" لأنها ثقيلة؛ وعلى هذا إذا كان طول المدة -طول مدة السعي- في أثناء السعي؛ لا يعتبر هذا تفريق بين أجزاءه؛ إنما لو سعت شوطاً ثم نامت ساعة –مثلاً- ثم سعت شوطاً ثم نامت نصف ساعة؛ يفترض هذا في شخص لا يحتاج إلى النوم, وأما من يحتاج فأمره معروف؛ لكن شخص لا يحتاج إلى النوم؛ يصح سعيه ولا ما يصح؟ لا يصح؛ لأن الموالاة لابد منها؛ لابد منها؛ هذه استغرقت هذه المدة الطويلة لحاجتها إلى ذلك، وليس فيها فواصل بين أجزاء السعي "وكان عروة إذا رآهم يطوفون على الدواب" شوف الآن عروة هذه زوجته استغرقت هذه المدة الطويلة؛ ولعله لم يرخص لها في أن تركب؛ لأنه "كان عروة إذا رآهم يطوفون على الدواب ينهاهم أشد النهي" يشدد عليهم في ذلك "فيعتلون" فيحتجون "بالمرض؛ حياءً منه" هو يراهم -رحمه الله- أقوياء أشداء "فيعتلون بالمرض حياء منه؛ فيقول لنا فيما بيننا وبينه: لقد خاب هؤلاء وخسروا. " لمخالفة النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه سعى ماشياً؛ لكن لو أن إنساناً شاب في العشرين من عمرة تعب في الطريق من طول المسافة؛ وصل، وقال: يبادر في قضاء العمرة؛ لما طاف وجد التعب، وركب؛ هل يمكن أن يقال: طوافه باطل؟ أو نقول: ينتظر ينام، ويرتاح حتى إذا نشط للعمرة يؤديها؟ الركوب في الطواف(83/13)
والسعي؛ النبي -عليه الصلاة والسلام- ركب؛ ركب وترجم عليه الإمام البخاري: "الركوب في الطواف"؛ النبي -عليه الصلاة والسلام- لما حطمه الناس, وكانوا لا يدَعُّون عنه، ولا يُكهرون ركب, وطاف على دابته, وفي سنن أبي داود ما يدل على أنه كان شاكياً؛ فمن أهل العلم من لا يجيز الطواف ولا السعي من راكب إلا إذا كان مريضاً شاكياً, ومنهم من يرى جواز ذلك؛ لأن رواية الصحيح ليس فيها هذا القيد؛ ليس فيها هذا القيد, وعلى كل حال لا شك أن السعي على القدمين هو الأصل؛ وهو الأحوط؛ لكن إن احتاج إلى الركوب فلا حرج -إن شاء الله تعالى-.
طالب:. . . . . . . . .
واجب ايه؛ لأنه سعى هكذا وقال: ((خذوا عني مناسككم))؛ نعم؟.
طالب:. . . . . . . . .
ايه, لا, لا؛ يصلح؛ ويش المشكلة؟ إذا كان راكباً يحثه؛ مثله, مثله؛ أيه.
طالب:. . . . . . . . .
أيه, على شان ينتهي هذا الأجير؛ يريد أن ينتهي يأخذ ثاني؛ يأخذ زبون ثاني.
طالب:. . . . . . . . .
أيه, لا هذا خلاف السنة؛ كونه يسعى سعياً شديداً في كل المسافة؟ لا.
طالب:. . . . . . . . .
بالنسبة للركوب؟
طالب:. . . . . . . . .
لا من حيث الدليل الطواف قد يكون أسمح؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- طاف راكباً، وليس في الصحيح ما يدل على أنه كان شاكياً؛ إنما احتاج ذلك لما حطمه الناس؛ وهو محل الإقتداء؛ يريد ير أن يروه؛ فركب -عليه الصلاة والسلام-؛ والحاجة إليه أدعى؛ على كل حال من تمكن من الطواف، والسعي ماشياً فهو الأصل.
"قال مالك: من نسي السعي بين الصفا والمروة في عمرة؛ فلم يذكر حتى يستبعد" يعني يبعد عن مكة "من مكة؛ أنه يرجع" وجوباًَ "فيسعى"؛ لأنه ركن "وإن كان قد أصاب النساء" ففسدت عمرته؛ فليرجع "فليسع بين الصفا والمروة حتى يتم ما بقي عليه من تلك العمرة" التي فسدت, ويمضي في فاسدها؛ يكمل العمرة الفاسدة يسعي ويقصر، ثم بعد ذلك يأتي بعمرة أخرى قضاءً، ثم يفدي.(83/14)
يقول: من نسي السعي بين الصفا والمروة في عمرة؛ فلم يذكر حتى يستبعد؛ يبعد عنها من مكة أنه يرجع فيسعى وجوباً؛ وإن كان قد أصاب النساء فسدت عمرته, ثم ليرجع، وليسع بين الصفا والعمرة حتى يتم ما بقي عليه من تلك العمرة الفاسدة؛ يلزمه أن يمضي في فاسدها, ثم عليه عمرة أخرى قضاءً على التي فسدت والهدي في القضاء للفساد, هذه العمرة التي فسدت يمضي في فاسدها كما تقدم نظيره في الحج؛ كما تقدم نظيره في الحج؛ لكن امرأة طافت وهي حائض, ثم سعت، ثم قصرت، ثم لبست ثيابها، ورجعت إلى بلدها؛ العمرة أيش؟ فاسدة؛ هل يلزم هذه المرأة أن تأتي بعمرة مضاءً في العمرة الفاسدة, ثم تقضي؟ أو نقول: أنها مضت، وانتهت ما عليها إلا القضاء؟ يعني ما عليها إلا عمرة القضاء؛ لأن الفاسدة مضت فيها وأنهتها؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هي من الأصل ما دامت فاسدة فليس بوجه شرعي, مع علمه بفسادها؛ يعني هل يلزم العلم, أو نقول: إن هذه مضت وأكملت؛ فلا يلزمها إلا قضاء هذه العمرة؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا نحن نقول: هذه مضت؛ الحج نعم يتصور فيه بمثل هذا؛ أنه يمضي في فاسده، ولا بد من إكماله؛ لكن العمرة كملت الآن, ورجعت إلى بلدها؛ نعم؟.
طالب:. . . . . . . . .
لا بد.
طالب:. . . . . . . . .
أي ترجع, إذا ما أكملت؛ نحن تصورنا مسألة: أنها تمت عمرتها؛ طافت وهي حائض، ثم سعت، ثم قصرت ثم لبست, وذهبت إلى بلدها؛ العمرة صحيحة، ولا فاسدة؟ فاسدة؛ هل تأتي بعمرة إمضاءً للفاسدة, ثم تقضي, أو يكفيها أن تقضي؛ لأنها أمضت الفاسدة وكملتها؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب
طالب:. . . . . . . . .
أيه
طالب:. . . . . . . . .
هو الآن جزء منها فاسد؛ مثل الحج؛ الآن إذا قلنا: إنه قبل التحلل الأول جامع زوجته؛ نعم؟ بطل حجه, ويلزمه أن يمضي في فاسده، ويكمل؛ يكمل؛ ما نقول: يستأنف؛ يكمل هذه الفاسدة؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(83/15)
هي كملت وانتهت؛ مضت في الفاسد، وانتهت؛ لكن هل نقول: من شرط المضاء في الفاسد أن يكون على علم أنه فاسد، ويمضي فيه؛ يلزم بإكماله؛ هي كملت؛ فهل يلزمها أن تأتي بعمرة جديدة؟ أتمت الأولى، ولبست ثيابها، وذهبت إلى بلدها؛ وهي فاسدة, وهي لا تعلم أنها فاسدة؛ قيل لها: أنها فاسدة يلزمك القضاء؛ لكن هل يلزمها مع القضاء عمرة ثانية مضاءً في الفاسدة؟. نعم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
كونها ارتكبت محظورات هذه مسألة ثانية.
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان على جنابة وطاف وسعى؛ مثل الحائض.
طالب:. . . . . . . . .
نعم, مثله بالضبط.
طالب:. . . . . . . . .
يعني الآن هذه العمرة الفاسدة التي أُكملت يعني ما تجزئ عن فاسدة؟ ها؟.
طالب:. . . . . . . . .
وأنا أقول: لا يلزمها أكثر من عمرة واحدة؛ صحيح ما دام كملت العمرة؛ الفاسدة أمضت فيها وأكملتها؛ فلا وجه لإلزامها بعمرة أخرى؛ وإن قيل به؛ قيل به, وقد يفتي بعضهم بهذا.
يقول: "وإن كان قد أصاب النساء" يعني فسدت عمرته؛ لأنه لم يكملها؛ بقي عليه ركن وهو السعي؛ فليرجع "فليسع بين الصفا والمروة؛ لأنه لم يسعى قبل "حتى يتم ما بقي عليه من تلك العمرة؛ لأنه غير مسألتنا التي افترضناها فيمن أتم العمرة التي فسدت لوجوب إتمامها "ثم عليه عمرة أخرى" قضاء عن التي أفسد "والهدي" في القضاء للفساد.
"سئل مالك عن الرجل يلقاه الرجل بين الصفا والمروة؛ فيقف مع يحدثه؟ فقال: لا أحب له ذلك"؛ لأن المطلوب في هذا المقام الذكر والدعاء؛ فلا تضيع هذه الفرصة بالكلام؛ ولو كان مباحاً؛ إلا أن الشيء يسير منه لا بأس به, أما الشيء الذي يشغل عن الأهم؛ لا يقال: ببطلان السعي؛ لكن لا شك أنه عدول من الفاضل إلى المفضول.(83/16)
"قال مالك: ومن نسي من طوافه شيئاً، أو شك فيه فلم يذكر" ذلك "إلا وهو يسعى بين الصفا والمروة؛ فإنه يقطع سعيه"؛ لأن الطواف لم يكمل؛ الطواف لم يكمل، والسعي إنما يصح إذا وقع بعد طواف صحيح؛ ولو مسنوناً "إلا وهو يسعى بين الصفا والمروة؛ فإنه يقطع سعيه، ثم يتم طوافه بالبيت على ما يستيقن" يعني شك وهو يسعى هل طاف خمسة، أو ستة، أو سبعة, يرجع ويكمل السادس والسابع, ثم يصلي الركعتين على ما تقدم؛ لأن الركعتين مبنيتان على صحة الطواف, ثم بعد ذلك يخرج إلى الصفا، ويبدأ من جديد؛ فيبنى على الأقل "ويركع ركعتي الطواف, ثم يبتدئ سعيه بين الصفا والمروة" ولا يعتد بما سعى؛ لأن صحته بتقدم طواف؛ وين؟
طالب:. . . . . . . . .
هو يريد أن يجعل العبادات مترابطة؛ يجعل السعي مبني على عبادة مشكوك فيها؛ يحتاج إلى أن يبرأ من عهدته.
"وحدثني عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا نزل من الصفا والمروة مشى" أول ما ينزل يمشي المشي المعتاد "حتى إذا انصبت قدماه" انحدرت قدماه "في بطن الوادي سعى" أي أسرع شديداً "حتى يخرج منه" أي من بطن الوادي, حتى يخرج منه؛ يسعى سعياً شديداً حتى أن ركبتيه تبينان من تحت إزاره من شدة السعي -عليه الصلاة والسلام-.(83/17)
"قال مالك في رجل جهل فبدأ بالسعي بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت؟ قال: ليرجع" بدأ بالسعي بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت, قال: "ليرجع فليطف بالبيت"؛ وذلك لأن السعي لا يصح إلا إذا كان بعد طواف؛ عنده، وعند جمع من أهل العلم؛ وأما حديث أسامة بن شريك: "سعيت قبل أن أطوف"؛ بعضهم حكم عليه بالشذوذ؛ ومن عمل به، وصححه أجاز مثل هذه الصور, ومنهم من حمله على القاعدة العامة: "ما سئل عن شيء قدم ولا أخر في ذلك اليوم"؛ في ذلك اليوم؛ يعني يوم العيد"، وبعضهم وقف على هذا، ولم يزد عليه؛ قال: "ليرجع وجوباً فليطف بالبيت، ثم ليسع بين الصفا والمروة" لأن سعيه باطل "وإن جهل ذلك حتى يخرج من مكة ويستبعد؛ فإنه يرجع إلى مكة، فيطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة, وإن كان أصاب النساء؛ رجع فطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة حتى يتم ما بقي عليه من تلك العمرة" التي فسدت "ثم عليه عمرة أخرى" قضاءً "والهدي" في القضاء جبراً على ما تقدم؛ نعم.
أحسن الله إليك.
باب: صيام يوم عرفة:
حدثني يحيى عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عمير مولى عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- عن أم الفضل بنت الحارث -رضي الله تعالى عنها- أن ناساًَ تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال بعضهم: هو صائم, وقال بعضهم: ليس بصائم؛ فأرسلتُ إليه بقدح لبن؛ وهو واقف على بعيره فشرب.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن عائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- كانت تصوم يوم عرفة؛ قال القاسم: ولقد رأيتها عشية عرفة يدفع الإمام، ثم تقف، حتى يبيّض ما بينها وبين الناس من الأرض, ثم تدعو بشراب فتفطر.
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب صيام عرفة"(83/18)
وصيام يوم عرفة جاء فيه أنه يكفّر السنة الماضية والباقية؛ يكفّر سنتين؛ وهو من أفضل الأعمال؛ لكن هل هو لكل أحد؟ أو يستثنى من ذلك الحاج؟ وفي الباب أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أفطر والناس ينظرون إليه؛ وفيه –أيضاً- أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة؛ وقد ضعّف؛ ولذا اختلف الصحابة؛ فمنهم من كان يصوم؛ كعائشة، وابن عمر، وغيرها، ومنهم من لا يصوم؛ وأفتى جمع من أهل العلم بتحريم الصيام؛ يوم عرفة بعرفة؛ وذلكم ليتقوى على العبادة في هذا اليوم، ويستغل هذا اليوم العظيم بالذكر والدعاء.
من أهل العلم من أثم, ومن ذلك الشيخ ابن باز يقول: يأثم, يقول: يأثم, إن ثبت حديث نهى, له وجه.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن أبي النظر مولى عمر بن عبيد الله عن عمير مولى عبد الله بن عباس عن أم الفضل" يعني أمه "عن الفضل بنت الحارث: أن ناساً تماروا عندها" تجادلوا، واختلفوا "يوم عرفة في صيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" منهم من قال: صام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني استبعد أن يقول: إنه يكفّر سنتين، ولا يصوم! يرجع إلى مثل هذا النص، ويجزم بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صام؛ ما يمكن أن يفرط بهذا الأجر "فقال بعضهم: هو صائم, وقال بعضهم: ليس بصائم" فاحتكموا إليها "فأرسلتُ إليه بقدح لبن" ليكون الجواب عملي, ويكون حينئذ أوقع في النفوس؛ أوقع في النفوس "فأرسلتُ إليه بقدح لبن؛ وهو واقف على بعيره فشرب" الآن بعد رؤيته يشرب؛ هل يمكن أن يقال: إنه صائم –خلاص- زالت الشبهة؛ ليس لأحد أن يقول: إنه كان صائماً؛ ففي الباب إفطاره -عليه الصلاة والسلام-؛ وأقل الأحوال أن يكون على جهة الاستحباب؛ لأن ما يصنعه -عليه الصلاة والسلام- أقل أحواله أنه مستحب.
طالب:. . . . . . . . .
ليس خاص بالرسول؛ جاء في عبادات مكفرة؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا, ما هو بالإشكال في ما تقدم؛ الإشكال فيما تأخر؛ الإشكال فيما تأخر.
طالب:. . . . . . . . .
النسائي؛ عند النسائي، وصححه المنذري؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(83/19)
صححه المنذري؛ وأما بالنسبة لصوم يوم عرفة أنه يكفر السنتين؛ هذا ما فيه إشكال؛ ما فيه إشكال أبداً؛ وللحافظ ابن حجر رسالة في الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة؛ رسالة مطبوعة.
"وحدثني عن مالك يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن عائشة أم المؤمنين كانت تصوم يوم عرفة" حملاً للحديث الوارد في ذلك على عمومه؛ وأنه لا يوجد ما يخرج من وقف بعرفة؛ ومثله يذكر عن ابن عمر "قال القاسم: ولقد رأيتها" القاسم بن محمد "ولقد رأيتها عشية عرفة يدفع الإمام، ثم تقف، حتى يبيض ما بينها وبين الناس من الأرض" يعني ينصرفون ويتركونها؛ فتبقى الأرض بيضاء ليس عليها أحد؛ سيكون هناك فرصة لأن تفطر "ثم تدعو بشراب فتفطر" ثم تدعو بشراب فتفطر. نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في صيام أيام منى:
حدثني يحيى عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن سليمان بن يسار: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صيام أيام منى.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث عبد الله بن حذافة أيام منى يطوف؛ يقول: إنما هي أيام أكل، وشرب، وذكر لله.
وحدثني عن مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صيام يومين؛ يوم الفطر، ويوم الأضحى.
"وحدثني عن مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صيام يومين؛ يوم الفطر، ويوم الأضحى. " وهذا مجمع عليه كما تقدم في كتاب الصيام.
وحدثني عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهادي عن أبي مرة مولى أم هانئ أخت عقيل بن أبي طالب -رضي الله عنهم- عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أنه أخبره: أنه دخل على أبيه عمرو بن العاص؛ فوجده يأكل، قال: فدعاني؛ قال: فقلت له: إني صائم؛ فقال: هذه الأيام التي نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صيامهن, وأمرنا بفطرهن.
قال مالك -رحمه الله-: هي أيام التشريق.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب ما جاء في صيام أيام منى"(83/20)
عرفنا ما في صيام يوم عرفة للحاج وغيره, ويومي العيدين يحرم صومهما اتفاقاً، وماذا عن أيام منى أيام التشريق؟.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثني يحيى عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن سليمان بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صيام أيام منى. " وهذا الخبر مرسل؛ لكن يشهد له ما بعده.
"وحدثني عن مالك ابن شهاب أن رسول -صلى الله عليه وسلم- بعث عبد الله بن حذافة أيام منى يطوف يقول" يطوف يعني يمشي بين الناس, و "يقول: إنما هي أيام أكل، وشرب، وذكر لله. " وهذا –أيضاً- مرسل؛ وهو موصول من جهات.
"وحدثني عن مالك عن يزيد بن عبيد الله بن عبد الله بن الهادي عن أبي مرة مولى أم هانئ" بنت أبي طالب "أخت عقيل بن أبي طالب عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه أخبره: أنه دخل على أبيه عمرو بن العاص فوجده يأكل، قال: فدعاني؛ قال: فقلت له: إن صائم؛ فقال: هذه الأيام التي نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صيامهن, وأمرنا بفطرهن".
"قال مالك: هي أيام التشريق. " وجاء التصريح بها, وأنه لا يجوز صيامها؛ لا يجوز صيامها؛ بل هي أيام أكل، وشرب، وذكر لله -عز وجل-؛ يستثنى من ذلك من لم يجد الهدي؛ وجب عليه الهدي؛ فلم يجده؛ وجب عليه أن يصوم عشرة أيام مكان الهدي: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [(196) سورة البقرة]، وسبعة إذا رجع إلى أهله؛ وهذه الأيام الثلاثة ينبغي أن تكون قبل يوم عرفة؛ أما إذا لم يتمكن، ولم يتقرر عنده أنه لا يجد, أو كان عنده ثم فقد؛ فقد نفقته يوم العيد؛ فلم يستطع أن يهدي؛ حينئذ يصوم أيام التشريق؛ فلم يرخص لأحد أن يصوم أيام التشريق إلا من لم يجد الهدي.
يمدينا على باب وإلا. . . . . . . . .
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله؛ نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.(83/21)
الموطأ – كتاب الحج (21)
(ما يجوز من الهدي - العمل في الهدي حين يساق)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد, وعلى آله، وصحبه أجمعين, اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء, واغفر للسامعين يا حي يا قيوم.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما يجوز من الهدي:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهدى جملاً كان لأبي جهل بن هشام في حج أو عمرة.
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يسوق بدنةً؛ فقال: ((اركبها))؛ فقال: يا رسول الله إنها بدنةٌ؛ فقال: ((اركبها ويلك))؛ في الثانية، أو الثالثة.
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار: أنه كان يرى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يهدي في الحج بدنتين، بدنتين, وفي العمرة بدنة، بدنة؛ قال: ورأيته في العمرة ينحر بدنة وهي قائمة في دار خالد بن أَسيد؛ وكان فيها منزله، قال: ولقد رأيته طعن في لبة بدنته حتى خرجت الحربة من تحت كتفها.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد: أن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- أهدى جملاً في حج أو عمرة.
وحدثني عن مالك عن أبي جعفر القارئ: أن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي, أهدى بدنتين؛ إحداهما بختية.
وحدثني عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: إذا نُتجت الناقة؛ فليحمل ولدها حتى ينحر معها, فإن لم يوجد له محمل حمل على أمه حتى ينحر معها.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن أباه قال: إذا اضطررتَ إلى بدنتك فاركبها ركوباً غير فادح, وإذا اضطُررتَ إلى لبنها فاشرب بعدما يروى فصيلها, فإذا نحرتها فانحر فصيلها معها.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله؛ نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين. أما بعد:(84/1)
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب ما يجوز من الهدي" ما يجوز؛ ما يجزئ من الهدي.(84/2)
قال: "حدثني يحيى عن مالك" والهدي يطلق على المندوب, ويطلق على الواجب؛ فما يُهدى إلى البيت تقرباً إلى الله -جل وعلا- لا بسبب متعة، ولا قران، ولا بسبب ترك واجب، ولا ارتكاب محظور؛ هذا من المندوب, ودم أو هدي المتعة والقران؛ هذا واجب؛ وجب على المتمتع، والقارن شكراً لله -جل وعلا- الذي يسر له الإتيان بالنسكين في سفر واحد, وما وجب بترك واجب "جبران" ولكل واحد منها حكمه الخاص به. يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهدى جملاً كان لأبي جهل بن هشام في حج أو عمرة. " هذا الحديث هكذا أخرجه الإمام مالك مرسلاً, ووصله أبو داود من طريق النفيلي؛ قال: "حدثنا محمد بن سلمة, قال: حدثنا محمد بن إسحاق, حدثنا محمد بن منهال, قال: حدثنا يزيد بن زريع عن ابن إسحاق المعنى, قال: قال عبد الله؛ يعني ابن أبي نجيح حدثني مجاهد عن ابن عباس: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهدى عام الحديبية جملاً كان لأبي جهل، في رأسه برة فضة, وقال ابن منهال: برة من ذهب، زاد النفيلي: يغيض بذلك المشركين. الآن هذا الجمل أهدي عام الحديبية, وأبو جهل قُتل في بدر,نعم, يعني قبل أربع أو خمس سنوات, قال النفيلي: يغيض بذلك المشركين؛ جاء به وأهداه إلى البيت, وهو جمل رئيسهم، ومقدمهم أبو جهل؛ ولا شك أن في هذا إغاظة للمشركين؛ أقول: في هذا إغاظة؛ وأي إغاظة؟! البرة: حلقة تجعل في لحم الأنف, حلقة من ذهب، أو من فضة, أو من أي معدن كان؛ لكن هنا جاءت الرواية أنها من فضة, وفي رواية أنها كانت من ذهب؛ المقصود أن هذا الجمل لا يضيره أن كان لمشرك, وأن كان استعمل فيما يغضب الله -جل وعلا- أبو جهل كان يركبه، ويستعمله، ويسخره فيما لا يرضي الله -جل وعلا- ثم بعد ذلك استعمل فيما يرضي الله -جل وعلا-، فجعل هدياً يتقرب به إلى الله -جل وعلا-؛ على هذا العين المباحة إذا استعملت فيما يرضي الله, أو استعملت قبل ذلك فيما لا يرضي الله, ثم استعملت فيما يرضي الله, لا تتأثر؛ لا تتأثر بذلك؛ فالسكين التي يذبح بها المسروق, هي السكين التي يذبح بها الهدي والأضاحي, ولا يضيرها, ولا تتأثر بذلك, ولا(84/3)
يقال: أن هذا الجمل كان لمشرك يستعمله فيما لا يرضي الله, ينبغي أن يترك ويسيّب, ولا يتقرب به إلى الله؛ لا؛ لا ذنب له.
يقول: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يسوق بدنة" بدنة كُثَر استعماله فيما يهدى إلى البيت من الإبل؛ من الإبل، وقد يطلق على البقر, "فقال: ((اركبها)) " يسوقها ويمشي؛ باعتبار أنه أخرجها من ماله لله -عز وجل-؛ وعلى هذا لا ينتفع بها, كما أنه لا يبيع من أجزائها شيئاً ولا يأكل, ولا يرجع فيها, فإنه لا يركبها هذا على حد فهمه, فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اركبها)) , "فقال: يا رسول الله إنها بدنة" يعني أخرجتها من مالي لله -جل وعلا- "فقال: ((اركبها)) " هذه " في الثانية, أو" في "الثالثة" قال له: " ((ويلك)) " , وهذه كلمة يدعى بها لكنهم لا يقصدون معناها؛ فلمن استحق الهلكة يقال له: ويلك, والذي وقع في هلكة لا يستحقها يقال له: ويحك, المقصود أن هذا يدل على جواز .. ؛ الأول يجوز التقرب لله -جل وعلا- بما استعمل فيما لا يرضيه؛ طيب ما الفرق بين أن نقول: يستعمل هدي, وبين أن يقال: يتخلص منه؟ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً؛ يعني ما الفرق بين هذا الجمل, الجمل في الحديث الأول, جمل لأبي جهل كان يستعمله في حرب المسلمين مثلاً, ثم غنمه المسلمون أو اشتراه النبي -عليه الصلاة والسلام- ونقول هذا استعمل فيما لا يرضي الله, لم لا يتخلص منه, لا بنية التقرب؛ النبي -عليه الصلاة والسلام- أهداه بينة التقرب؟ يقال: أنه ملكه النبي -صلى الله عليه وسلم- بطريق شرعي صحيح؛ لكن لو كان ملكه بطريق غير شرعي, قلنا: يتخلص منه, لكن ما دام ملك بطريق شرعي فهو طيب يتقرب إلى الله -جل وعلا- وهنا يجوز الانتفاع بالبدنة فيما لا يضرها؛ فتركب عند الحاجة, وتحلب ويشرب من لبنها بقدر الحاجة فيما لا يضر بها ولا بولدها, فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أمره بالركوب؛ وإن كانت هدي.(84/4)
قال: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار: أنه كان يرى عبد الله بن عمر يهدي في الحج بدنتين، بدنتين, وفي العمرة بدنة، بدنة" لا شك أن الحج أعظم من العمرة, وأكثر عملاً وأعظم أجراً, فيناسب أن يهدى فيه بدنتين, أو ثلاث، أو عشر، أو مائة كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه عمل عظيم, وأما العمرة فهي دونه, فيهدى فيها أقل منه, ولذا كان عبد الله بن عمر يُهدي في الحج بدنتين، بدنتين, وفي العمرة بدنة، بدنة "قال: ورأيته في العمرة ينحر بدنة وهي قائمة" نعم السنة في الإبل أن تنحر قائمة معقولة يدها اليسرى, وأما بالنسبة للبقر والغنم فتذبح, تضجع على جانبها الأيمن فتذبح ذبحاً, وأما بالنسبة للبدن من الإبل فإنها تنحر قائمة, وأهل العلم يقولون: إن نحر ما يذبح، أو ذبح ما ينحر أجزأ؛ لكن هذه هي السنة.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
معقولة يدها اليسرى.
طالب:. . . . . . . . .
على جانبها الأيسر.
طالب:. . . . . . . . .
نعم يستقبل بها القبلة, ويمسكها, ويمسك رأسها بيده اليسرى، والمدية بيده اليمنى.
طالب:. . . . . . . . .
أي هدي؟ هدي العمرة؟
طالب:. . . . . . . . .
وقت ذبح الهدي في الحج؛ يعني في أثناءه؛ يعني بعد أن يفعل الوقوف بعرفة والمبيت, والرمي؛ يذبح قبل أن يطوف، وقبل أن يسعى, ففي العمرة –أيضاً- لو كان بين بعد الطواف والسعي وقبل الحلق؛ لا بأس؛ نظير ما يفعل في الحج, المقصود أنه في أثنائها, نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لو كان بعدها لا بأس؛ ما في إشكال, ما في إشكال.
قال: "ورأيته في العمرة ينحر بدنة وهي قائمة في دار خالد بن أَسيد, وكان فيها منزله" منزله في دار؟ نعم؟
أقول: منزل ابن عمر في دار؟ يعني ساكن ملحق عند هذا الرجل؟
طالب:. . . . . . . . .
ها.
طالب:. . . . . . . . .
يعني غرفة في بيت هذا الرجل؟ الدار .. ؟
طالب:. . . . . . . . .(84/5)
لا, لا؛ ما يلزم, يعني ينزل في هذه الدار؛ يعني في بعض هذه الدار؛ على كل حال الدار قد تطلق على الحي؛ تطلق الدار على الحي, تطلق –أيضاً- على القبيلة: ((خير دور الأنصار بني عبد الأشهل)) مثلاً, معناها قبيلة؛ أمر أن تبنى المساجد في الدور, وأن تطيب وتنظف؛ يعني في الأحياء؛ المقصود أن الدار أعم من أن تكون بيتاً أو حجرة أو غرف، قال: "ولقد رأيته طعن في لبة بدنته" نعم, تنحر البدنة في اللبة؛ في أصل العنق "حتى خرجت الحربة من تحت كتفها" حتى خرجت الحربة من تحت كتفها؛ هكذا تنحر الإبل قائمة بالحربة, أو في السكين الطويلة في لبتها.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد: أن عمر بن عبد العزيز أهدى جملاً في حج أو عمرة. " نعم, الجمل يهدى, ليس معنى بدنة أن تكون أنثى؟ لا, ما يلزم أن تكون, بدنة تطلق على الإبل ذكراً كان أو أنثى.
"حدثني عن مالك عن أبي جعفر القارئ: أن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي أهدى بدنتين إحداهما بختية" إحداهما بختية؛ أهدى بدنتين إحداهما بختية والثانية؛ نعم؟ عادية, ذات سنام واحد, والبختية لها سنامان؛ والبخات نوع من البدن؛ من الإبل؛ يجزئ -على ما تقدم في كلام الإمام مالك- يجزئ إهداؤها.
"وحدثني عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان يقول: إذا نُتِجت الناقة فليحمل ولدها حتى ينحر معها" الآن نتجت الناقة؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيش صغير؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن, ويش نعرب الناقة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نائب فاعل؛ طيب المنتج ما هو؟
طالب:. . . . . . . . .
فاعل؛ هاه؟
إذا كانت الناقة هي نائب الفاعل, فالفاعل ما هو؟ فليُحمل ولدها, ودل على أن الناقة هي الفاعل؛ هي التي أنتجت الولد, ولم يسمع هذا الفعل إلا على هذه الصيغة المغيرة, والناقة فاعل, نتجت الناقة, فالولد هو المنتج, والناقة هي المنتجة, والكل بأمر الله –جل وعلا- وتقديره, نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الفاعل في الحقيقية هو الله -جل وعلا-؛ لكن الناتج؛ المنتجة هي الأم؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا مانع, لا مانع؛ سهل, سهل؛ مثل ما يقال: بنت وولد له كذا؛ ما في إشكال؛ نعم؟(84/6)
ولم يسمع الفعل نُتج إلى على هذه الصيغة, وصيغته صيغة المحوَّل من المعلوم إلى المجهول, والناقة فاعل, والمنتج هو الولد, فليحمل ولدها حتى ينحر معها؛ ما يقال: هذا نماء منفصل, والمهدى هو الأم, نقول: في الهدي يتبعه النماء المنفصل, والنماء المتصل؛ النماء المنفصل، والنماء المتصل, يتبع المهدى, فلا يجوزالتصرف فيه؛ لأنه تبعاً لهديته, ورجوعه في هذا النماء رجوع في جزء مما تقرب به إلى الله -جل وعلا- "فإن لم يوجد له محمل" ما وجدوا ما يحملونه عليه "حمل على أمه حتى ينحر معها" حمل مع أمه حتى ينحر معها.
قال: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن أباه قال: إذا اضطررت إلى بدنتك؛ فاركبها ركوباً غير فادح" يعني غير متعب, وشاق على هذه البدنة، إذا اضطررت إليها؛ دل على أنه لو كان معه ما يركبه, ومعه الهدي؛ أنه لا يستعمل الهدي إنما يستعمل دابته, ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
يركبها؟
طالب:. . . . . . . . .
إي نعم؛ لأنه محتاج إليها ليس معه غيرها؛ لأنه يمشي.
"إذا اضطررت إلى بدنتك فاركبها ركوباً غير فادح, وإذا اضطررت إلى لبنها فاشرب بعدما أن يروى فصيلها" فصيلها: يعني ولدها الذي انفصل عنها وولدته؛ لا بد من رعايته والعناية به, وهو أحق بلبن أمه، فإذا روي فصيلها؛ يشرب منه "فإذا نحرتها فانحر فصيلها معها" على ما تقدم من أنه يتبعها نماؤها سواء كان متصلاً أو منفصلاً؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني؛ ما الفرق بين النماء المنفصل والمتصل, وهل يتبع النماء مطلقاً أو لا يتبع؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
يعني في مدة الخيار؛ في مدة الخيار ولدت؛ فهل يتبع ولدها أو لا يتبع، في مدة الخيار سمنت؛ يتبع أو لا يتبع؟ النماء المتصل يتبع؛ لكن النماء المنفصل لا, هنا هل في مدة خيار؟ خرجت؛ انتهت كالمبيع بعد مدة الخيار, مثله ما يفرق.
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
الهبة بعد قبضها تلزم, قبل قبضها لا؛ المنفصل لا. نعم؟
أحسن الله إليك.
باب: العمل في الهدي حين يساق:(84/7)
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان إذا أهدى هدياً من المدينة قلّده، وأشعره بذي الحليفة؛ يقلده قبل أن يشعره، وذلك في مكان واحد، وهو موجه إلى القبلة يقلده بنعلين, ويشعره من الشق الأيسر, ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفه, ثم يدفع به معهم إذا دفعوا فإذا قدم منى غداة النحر؛ نحره قبل أن يحلق أو يقصر, وكان هو ينحر هديه بيده, يصفهن قياماً, ويوجههن إلى القبلة, ثم يأكل ويطعم.
وحدثني عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا طعن في سنام هديه وهو يشعره, قال: بسم الله والله أكبر.
وحدثني عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: الهدي ما قلد، وأشعر ووقف به بعرفة.
وحدثني عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يجلل بدنه القباطي والأنماط والحلل، ثم يبعثها بها إلى الكعبة, فيكسوها إياها.
وحدثني عن مالك: أنه سأل عبد الله بن دينار: ما كان عبد الله بن عمر يصنع بجلال بدنه؛ حين كسيت الكعبة هذه الكسوة؟ فقال: كان يتصدق بها.
وحدثني عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول في الضحايا والبدن: الثني فما فوقه.
وحدثني عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان لا يشق جلال بدنه, ولا يجللها حتى يغدو من منى إلى عرفة.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول لبنيه: يا بني لا يُهدين أحدكم من البدن شيئاً يستحي أن يهديه لكريمه؛ فإن الله أكرم الكرماء, وأحق من اختير له.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب العمل في الهدي حين يساق"(84/8)
"حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر: أنه كان إذا أهدى هدياً من المدينة قلده وأشعره بذي الحليفة" يعني بالميقات, وهكذا ينبغي أن يساق الهدي من قبل الميقات, ينبغي أن يساق الهدي قبل الميقات "إذا أهدى هدياً من المدينة قلده، وأشعره بذي الحليفة" فإذا وصل إلى الميقات قلده وأشعره "يقلده قبل أن يشعره" يقلده أولاً بأن يربط به نعلين في جهته اليمنى, أو على رقبته؛ المقصود أنه يقلده بنعلين ليعلم أنه هدي فلا يتعرض له بسوء "يقلده قبل أن يشعره" الإشعار: شق الجهة اليسرى من سنام البعير حتى يخرج الدم؛ ليعرف أن هذا هدي "قبل أن يشعره، وذلك في مكان واحد وهو موجَّه" وهو موجه يعني الهدي "موجه إلى" جهة "القبلة, يقلده بنعلين ويشعره من الشق الأيسر ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة" لأنه هدي جاء به الحاج من بلده, ولا ينحر حتى يبلغ الهدي محله؛ في يوم النحر "ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة, ثم يدفع به معهم إذا دفعوا إلى المزدلفة, فإذا قدم منى غداة النحر؛ نحره قبل أن يحلق أو يقصر" يعني بعد أن يرمي؛ بعد أن يرمي جمرة العقبة ينحر هديه كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- "قبل أن يحلق أو يقصر, وكان هو ينحر هديه بيده" ابن عمر ينحر هديه بيده؛ اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذه هي السنة فيمن يقدر على ذلك ويحسنه, أما من لا يقدر على نحر الهدي بيديه يوكل, فإن أمكنه الحضور حضر, وإلا تكفي الوكالة في هذا "يصفهن قياماً" النبي -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع نحر ثلاثاً وستين من البدن بيده الشريفة, وترك ما بقى, ما غبر لعلي -رضي الله تعالى عنه- نحر ما غبر "يصفهن قياماً، ويوجههن إلى القبلة ثم يأكل ويطعم" يعني بعد أن ينحر هذا الهدي، ويُطبخ منه ما يطبخ, ثم يُأكل منه ما يُأكل, ويطعم منه ما يُطعم, ويُتصدق ويهدى منه.
"وحدثني عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان إذا طعن في سنام هديه؛ وهو يشعره؛ قال: بسم الله والله أكبر" التسمية حكمها .. ؛ ها؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(84/9)
الوجوب؛ بل الاشتراط؛ اشتراط حل الأكل, والتكبير سنة: {وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [(185) سورة البقرة] , فالتسمية شرط لحل الأكل, والتكبير سنة, وبعض الخطباء في يوم العيد, في خطبة العيد يقول: يسمي وجوباً، ويكبر استحباباً, بل يقول: بسم الله وجوباً, والله أكبر استحباباً، وعامة الناس عند الذبح يقولون هكذا, يذبحها ويقول: بسم الله وجوباً والله أكبر استحباباً! يقولون هذا؛ لأنهم يسمعون الخطيب, العوام إذا سمعوا شيئاً من حرصهم على التطبيق والتنفيذ؛ يطبقونه بحروفه ولا يتصرفوا؛ قد يظنون أن مثل هذا لا يجزئ؛ لكن لا بد من البيان لعامة الناس؛ لأن هذا دين؛ لا بد أن يبيّن لهم معنى الوجوب، ومعنى الاستحباب؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا فعل ابن عمر, فعل ابن عمر؛ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [(121) سورة الأنعام]؛ أيش فيها؟
طالب:. . . . . . . . .
لا في؛ في أدلة، في اشتراط, نصوص؛ نصوص الصيد, ونصوص الذبائح كلها تدل.
طالب:. . . . . . . . .
كلها تدل على الاشتراط, وأنها لا تؤكل.
طالب:. . . . . . . . .
إيه: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [(121) سورة الأنعام]، هذا شرط ذا؛ هذا شرط لصحة الأكل, من أهل العلم يفرق بين الناسي وغيره, فالناسي يسمي إذا ذكر لكنه لا يجزئ بحال؛ لأنه حرم منها مرة ما نسي التسمية, والشرط لا يعفى عنه بالنسيان؛ لأن النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم؛ لكن لا عكس؛ لا ينزل المعدوم منزلة الموجود, لا بد, لو صلى من غير طهارة ناسي يكفي؟ ما يجزئ.
يقول: بسم الله, عند الإشعار, بسم الله والله أكبر؛ كل هذا على جهة الاستحباب؛ لكن الوجوب عند الذبح, عند الذبح.(84/10)
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان يقول: الهدي ما قلد واشعر, ووقف به بعرفة" فعلى هذا غيره ليس بهدي, لو أهدى بدنة أو بقرة أو شاة ولم يشعرها, ولم يقلدها؛ ما في ما يدل على أنها هدي؛ ما في ما يدل على أنها هدي؛ لأن مثل هذه الأمور الظاهرة؛ تجعلها هدي بالنسبة للمتبرع وبالنسبة للناظر؛ لكن إذا لم توجد هذه العلامات الدالة على أنها هدي, فالذي لم يتقرب بها لا يدري عن ذلك, إن اشتراه بمكة أو بمنى؛ يعني داخل الحرم؛ يسمى هدي ولا ما يسمى هدي؟ أو الهدي ما يساق؟ يقال: ساق الهدي؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كلامه: "الهدي ما قلد واشعر, ووقف به بعرفة" مفهومه أن ما عداه ليس بهدي, فعلى هذا إن اشتراه من مكة أو منى, أو لم يخرج به إلى الحل؛ فإنه لا يسمى هدي؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
له مفهوم؛ لأنه يقول: "الهدي ما قلد واشعر؛ ما عداه هدي, وإلا ليس بهدي؟ المفهوم.
طالب: هل الهدي الصحيح الكامل؛ الكامل الأجر والإتباع؟
لا على كل حال المسألة خلافية؛ من أهل العلم من يقول: ليس بهدي؛ إذا ما اشعر، وقلد فليس بهدي؛ ليس بهدي.
طالب:. . . . . . . . .
لا؛ من الميقات؛ عندهم يشعر من الميقات "ووقف به بعرفة" هذا إذا كان في الحج, أما إذا كان في العمرة شيء آخر, إذا كان هدي مرسل وصاحبه ببلده؛ حكمه حكم آخر, المقصود أنه يهدى إلى البيت من خارج الحرم.
"وحدثني عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان يجلل بدنه" يجلل البدن يعني يكسوها ويغطيها بالجلال "كان يجلل بدنه القباطي" جمع: قبطي: ثوب رقيق من كتان؛ منسوب إلى القبط, "والأنماط": جمع نمط؛ وهو ثوب من صوف ذو ألوان, ولا يقال للأبيض: نمط؛ إلا إذا كان ذو ألوان, إذا كان من أكثر من لون، فإنه يقال له: نمط, والنمط: الثوب المذكور:
"أل" حرف تعريف أو "اللام" فقط ... فنمط عرفت قل فيه: "النمط"
"والأنماط والحلل" جمع حلة, ولا يكون إلا من ثوبين من جنس واحد, فالثوب الواحد يقال له: حلة, ولا ما يقال له: حلة؟
طالب: ليس بحلة.
ليس بحلة, وإذا كان الجنس, أحد الثوبين من جنس، والثوب الآخر من جنس آخر, فإنه –أيضاً- لا يقال له: حلة "ثم يبعث بها إلى الكعبة"؛ نعم؟(84/11)
طالب:. . . . . . . . .
يعني من قطعتين كلاهما أحمر, من جنس واحد.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا؛ ما تسمى حلة إلا إذا كانت قطعتين, وكونها حمراء, لا يعني أنها حمراء خالصة؛ لورود النهي الصحيح عن الأحمر؛ لكنها خالطها لون آخر, ففيها خطوط وأعلام, وأما كونها حمراء فلأن الأحمر غالب, يغلب على غيره من الألوان؛ كما يقال في الشماغ: أحمر, مع أن البياض بقدر الحمرة "ثم يبعث بها إلى الكعبة فيكسوها إياها" هذه الجلال التي تجلل بها البدن إذا فرغ منها؛ ينزعها عنها قبل الذبح؛ لئلا تتلطخ بالدماء, ثم يرسل بها إلى الكعبة لتكسى إياها؛ لكن لما كسيت الكعبة من قبل المسئولين من ولاة الأمر؛ ماذا يصنع بها؟ يتصدق بها.
قال: "وحدثني عن مالك أنه سأل عبد الله بن دينار: ما كان عبد الله بن عمر يصنع بجلال بدنه, حين كسيت الكعبة؟ هذ الكسوة؟ " صارت الكسوة رسمية, في أول الأمر كانت شعبية؛ الأمر متروك للناس؛ لكن لما صارت رسمية؛ تبناها الولاة، وصاروا يكسونها كل سنة, فما صار لهذه الجلال التي ترسل للكعبة؟ لا داعي لها "قال: كان يتصدق بها".
"وحدثني عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان يقول في الضحايا والبدن: الثني فما فوقه" الثني فما فوق؛ البدن من الهدي، ومثله العقيقة؛ لا يجزئ فيهما إلا ما يجزئ في الأضاحي, والذي يجزئ الأضاحي؛ الجذع من الضأن, والثني مما سواه؛ على خلاف في الجذع سيأتي -إن شاء الله تعالى- لكن يجزئ الجذع, وهو ماله ستة أشهر, والثني مما سواه, من المعز سنة كاملة, ومن غيرها يتفاوت بحسب تفاوت الجنس, فالثني من البقر والثني من الإبل, والمقصود أنها متفاوتة, لا شك أنها إذا أهديت إلى الكعبة خرجت من ملك المهدي، فلا يجوز أن يتصرف فيها؛ يعني هي للكعبة, ثم بعد ذلك إذا تعطلت منافعها تباع، وتصرف على الكعبة.
"حدثني مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان يقول في البدن: الثني فما فوقه" الثني فما فوقه, وعرفنا أن الجذع من الضأن يجزئ, وأما ما عداه فلا بد من أن يكون ثنياًَ, لا ما دون ذلك؛ فإنه لا يجزئ.(84/12)
"حدثني عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان لا يشق جلال بدنه, ولا يجللها حتى يغدو من منى إلى عرفة" كان لا يشق جلال بدنه؛ لأن شق الجلال فيه إضاعة وإتلاف لشيء من المال "ولا يجللها حتى يغدو من منى إلى عرفة؛ لكي يوفر هذا الجلال من كثرة الاستعمال, قال: "وإذا نحرها نزع جلالها" مخافة أن يفسدها الدم, ثم يتصدق بها؛ لأنه إذا أفسدها الدم قلَّت ماليتها وتأثرت, وقد لا يوجد من يقبلها.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه: أنه كان يقول لبنيه" عروة بن الزبير كان يقول لبنيه ": يا بني لا يهدين أحدكم من البدن شيئاً يستحيي أن يهديه لكريمه" يعني الشخص الغالي عليه ما يهديه الشيء الردي, فلا يهدي هذا الشيء الردي إلى الله -جل وعلا-: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ} [(267) سورة البقرة] , فلا يهدي شيئاً يستحيي من إهدائه لكريمه "فإن الله أكرم الكرماء" فإذا كان الآدمي المسكين؛ الآدمي المسكين يُستحيى منه فالله -جل وعلا- أحق وأكرم أن يستحيى منه من الناس "وأحق من اختير له" الأجود والأطيب: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [(32) سورة الحج] , فكل ما يخرج لله -جل وعلا- يتوخى فيه أن يكون أطيب الموجود, وقد قيل: إن الشعائر هنا هي ما يشعر من الأنعام؛ الشعائر: جمع شعيرة؛ فعيلة؛ بمعنى المفعول ما يفعل به؛ ما يهدى, وما يشعر من الأنعام.
والله أعلم.
.. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله؛ نبينا محمد، وعلى آله ....(84/13)
الموطأ - كتاب الحج (22)
(العمل في الهدي إذا عطب أو ظل - هدي المحرم إذا أصاب أهله - هدي من فاته الحج - أصاب أهله قبل أن يفيض - ما استيسر من الهدي)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, سم
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين, اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء, واغفر لسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف --رحمه الله- تعالى-:
باب: العمل في الهدي إذا عطب أو ظل:
حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه: أن صاحب هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من الهدي؟ فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل بدنة عطبت من الهدي؛ فانحرها، ثم ألقي قلادتها في دمها, ثم خل بينها وبين الناس يأكلونها)).
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال: من ساق بدنة تطوعاً فعطبت فنحرها، ثم خلى بينها وبين الناس يأكلونها, فليس عليه شيء, وإن أكل منها أو أمر من يأكل منها غرمها.
وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس --رضي الله عنه-ما- مثل ذلك.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه قال: من أهدى بدنة جزاءً أو نذراً، أو هدي تمتع فأصيبت في الطريق؛ فعليه البدل.
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر --رضي الله عنه-ما- أنه قال: من أهدى بدنة ثم ضلت أو ماتت, فإنها إن كانت نذراً أبدلها, وإن كانت تطوعاً؛ فإن شاء أبدلها، وإن شاء تركها.
وحدثني عن مالك: أنه سمع أهل العلم يقولون: لا يأكل صاحب الهدي من الجزاء والنسك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فيقول المؤلف --رحمه الله- تعالى-: "باب العمل في الهدي إذا عطب أو ضل"
عطب: يعني هلك, أو قارب الهلاك, أو ضل: بأن فقده صاحبه.(85/1)
"حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه: أن صاحب هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني الذي يرعى شؤونها "قال: يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من الهدي؟ " والمراد بالعطب هنا: ما يقرب من التلف والهلاك, لا من فاتت روحه, ولا من ثوي بالفعل؛ إنما قرب منه, بدليل قوله له -عليه الصلاة والسلام-: ((كل بدنة عطبت من الهدي فانحرها)) , لو كانت هلكت بالفعل, لا يجوز فيها النحر؛ تكون ماتت: ((كل بدنة عطبت من الهدي فانحرها, ثم ألقي قلادتها في دمها))؛ ليعرف أنها هدي, فيأكل منها من له الأكل: ((ثم خل بينها وبين الناس يأكلونها))؛ وهذا يعني أنه لا يأكل منها؛ المؤتمن عليها لا يأكل منها, وجاء مصرح به في الصحيح, في صحيح مسلم, لماذا؟ وذلك حسماً للمادة, نعم؛ لئلا يحتاج إليها ثم يزعم أنها عطبت, ولئلا يسرع في تقدير العَطَب المجيز لذبحها, إذا أتيح له الأكل منها؛ مجرد ما تصاب بأدنى شيء؛ ينحرها ويأكل منها؛ لكن إذا عرف أنه لن يأكل منها؛ فلن ينحرها حتى يغلب على ظنه أنها لا يتصل إلى محلها، ((كل بدنة عطبت من الهدي فانحرها, ثم ألقي قلادتها في دمها)) , عرفنا أن الهدي يقلد؛ تفتل القلائد، تعلق عليها النعال, وتشعر؛ إذا كانت من الإبل, ((ثم خل بينها وبين الناس يأكلونها)).
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال: من ساق بدنة تطوعاً فعطبت فنحرها, ثم خلى بينها وبين الناس يأكلونها, فليس عليه شيء" يعني أنه لا يضمنها؛ لا يضمنها إذا كانت تطوع؛ إذا عطبت ثم نحرها, وخلى بينها وبين الناس يأكلونها, هذا لا شيء عليه "وإن أكل منها, أو أمر من يأكل منها غرمها" إن أكل منها لأنها واجبه, أيش؟ "من ساق بدنة تطوعاًَ فعطبت فنحرها, ثم خلى بنيها وبين الناس يأكلونها, فليس عليه شيء, وإن أكل منها" كما تقدم؛ أنه لا يحل له الأكل منها؛ لئلا يتهم في دعوى الطلب, أو لئلا يبادر في تقرير العطب المقتضي للنحر, "أو أمر من يأكل منها غرمها".(85/2)
قال: "وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس مثل ذلك" هناك فرق بين بدنة التطوع والبدنة الواجبة؛ ولذا قال: "حدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه قال: من أهدى بدنة جزاءً أو نذراً" جزاءً يعني جزاء صيد مثلاً, أو جزاء ارتكاب محظور, أو ترك مأمور "أو نذراً أو هدي تمتع؛ فأصيبت في الطريق فعليه البدل" لأنه لا يجزئ حتى يبلغ الهدي محله, حتى يبلغ الهدي محله؛ هذا عليه البدل, أما التطوع فإذا ذبحه, ولم تتجه إليه التهمة؛ فإنه يجزيه ذلك.
شخص اشترى أضحية؛ مثلاً, وقبل يوم العيد في يوم عرفة؛ مثلاً، صار الباب مفتوح وخرجت وظلت, أو خرجت مع الباب فصدمتها سيارة فماتت؛ يغرمها ولا مغرمها؟ أو نقول: فرق بين التطوع والواجب؛ هناك فرق بين التطوع والواجب؛ فإن كانت تطوع, فلا يغرم كما هنا, وإن كانت واجبة فإنه يغرمها "أو هدي تمتع فأصيب بالطريق فعليه البدل".
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال: من أهدى بدنة ثم ضلت أو ماتت, فإنها إن كانت نذراً" يعني واجبة "أبدلها" فإنه يضمنها، ويغرمها "وإن كانت تطوعاً؛ فإن شاء أبدلها، وإن شاء تركها. " يعني الأمر إليه؛ المتطوع أمير نفسه؛ إن شاء غرمها وأبدلها، وإن شاء اكتفى بها, وهذه تختلف عن سابقتها بأنها ماتت وفاتت روحها، الأولى عطبت؛ قاربت الموت ثم ذبحها, والحياة فيها مستقرة، وتركها للناس يأكلونها, وهذه ضلت أو ماتت؛ إن كانت نذراً أبدلها, إن كانت تطوعاً إن شاء أبدلها وإن شاء تركها؛ لأنه أمير نفسه, فالأصل ندب لا يلزم به؛ فبدله حكمه حكمه, والبدل له حكم المبدل.
قال: "وحدثني عن مالك, نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيش هوه؟
طالب:. . . . . . . . .
مثل صيام التطوع؛ إن شاء أمضاه وإن شاء أفطر, إن شاء قضاه وإن شاء ترك.
وحدثني عن مالك, نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أي هو؟
طالب:. . . . . . . . .
لكنه موصول في السنن؛ عند أبي داود، والترمذي، وابن ماجة موصول؛ ما فيه إشكال؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيه؛ يعني تلف مات, قارب الموت؟
طالب: قارب الموت.(85/3)
فنحره في وقته؛ هذا يختلف؛ شيء يؤكل منه، وشيء ما يؤكل؛ الجزاء ما يؤكل منه, والتطوع يؤكل منه, هدي المتعة والقران يؤكل منه.
يقول: "وحدثني عن مالك: أنه سمع أهل العلم يقولون: لا يأكل صاحب الهدي من الجزاء والنسك. " من الجزاء؛ جزاء الصيد, ولا من النسك يعني من تركه, من ترك النسك, لو تشوفون وتلاحظون يا إخوان أننا بنسرع؛ لأن هذه الموضوعات تكررت مراراً, حتى ملها الإخوان, وقل الحضور بسببها, فنسرع في شرحها -إن شاء الله تعالى-.
أحسن الله إليك.
. . . . . . . . . سم.
باب: هدي المحرم إذا أصاب أهله:
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وعلي بن أبي طالب وأبا هريرة --رضي الله عنه-ما- سُئلوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم بالحج؟ فقالوا: ينفذان يمضيان لوجههما حتى يقضيا حجهما, ثم عليهما حج قابل والهدي, قال: وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: وإذا أهلا بالحج من عام قابل تفرقا حتى يقضيا حجهما.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد: أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: ما ترون في رجل وقع بامرأته وهو محرم؟ فلم يقل القوم شيئاً؛ فقال سعيد: إن رجلاً وقع بامرأته وهو محرم؛ فبعث إلى المدينة يسأل عن ذلك, فقال بعض الناس: يفرق بينهما إلى عام قابل, فقال سعيد بن المسيب: لينفذا لوجههما فليتما حجهما الذي أفسداه, فإذا فرغا رجعا, فإن أدركهما حج قابل فعليهما الحج والهدي, ويهلان من حيث أهلا بحجهما الذي أفسداه, ويتفرقان حتى يقضيا حجهما, قال مالك: يُهديان جميعاً بدنة، بدنة.
قال مالك في رجل وقع بامرأته في الحج؛ ما بينه وبين أن يدفع من عرفة, ويرمي الجمرة؟ إنه يجب عليه الهدي وحج قابل, قال: فإن كانت إصابته أهله بعد رمي الجمرة, فإنما عليه أن يعتمر ويهدي، وليس عليه حج قابل.(85/4)
قال مالك: والذي يفسد الحج أو العمرة حتى يجب عليه في ذلك الهدي في الحج أو العمرة, التقاء الختانين وإن لم يكن ماء دافق، قال: ويوجب ذلك –أيضاً- الماء الدافق, إذا كان من مباشرة, فأما رجل ذكر شيئاً حتى خرج منه ماء دافق؛ فلا أرى عليه شيئاً, ولو أن رجلاً قبَّل امرأته، ولم يكن من ذلك ماء دافق؛ لم يكن عليه في القبلة إلا الهدي, وليس على المرأة التي يصيبها زوجها وهي محرمة مراراً في الحج أو العمرة, وهي له في ذلك مطاوعة, إلا الهدي وحج قابل؛ إن أصابها في الحج, وإن كان أصابها في العمرة فإنما عليها قضاء العمرة التي أفسدت والهدي.
يقول --رحمه الله- تعالى-: "باب هدي المحرم إذا أصاب أهله"
عرفنا أن من جامع امرأته, حصل منه الجماع في الحج قبل الوقوف؛ فسد حجه إجماعاً, وبعد الوقوف وقبل التحلل الأول؛ فسد عند الجمهور خلافاً للحنفية لحديث: ((الحج عرفة)) , وإذا حصل منه الجماع بعد الوقوف, وبعد التحلل الأول, فإنه لا يفسد حجه عند الجمهور, وإن بقي عليه من أعمال الحج ما بقي, فالعبرة بالتحلل الأول؛ إن كان الجماع قبله فإنه يفسد عند عامة أهل العلم, ويلزمه مع ذلك أن يمضي في فاسده, وأن يهدي بدنة, وأن يحج من قابل, ومضى الكلام في هذه المسألة مفصلاً.
يقول: "باب هدي المحرم إذا أصاب أهله".
قال: "حدثني يحيى .. " وإنما ذكره هنا من أجل الهدي؛ لأن الأبواب؛ الأبواب متعلقة بالهدي.
"حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه: أن عمر بن الخطاب وعلى بن أبي طالب وأبا هريرة -رضي الله عنهم- سئلوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم بالحج" وهو محرم بالحج "فقالوا: ينفذان, يمضيان لوجههما حتى يقضيا حجهما" لأن الفاسد يلزم المضي فيه, الفاسد يلزم المضي فيه؛ خلافاً لمن قال: أنه لا يلزم؛ لأنه: ((ليس عليه أمرنا)) ليس عليه أمر الرسول -عليه الصلاة والسلام- فهو مردود عليه؛ فلا يكلف أن يأتي بعبادة مردودة, وتقدم كلام ابن حزم في هذا؛ لكن غاية ما يقال في هذا: أنه ما دام فاسداً؛ فهل تشترط له النية؛ نية المضي, أو لا تشترط؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(85/5)
هو فاسد؛ هو ما علم أنه فاسد حجه حتى انتهى من الحج, وقل مثل هذا في امرأة طافت وهي حائض, وأتمت عمرتها الفاسدة, هل نقول: هذا المضي يكفي ولو كان من غير النية, هذا ما سأل إلا بعد ما انتهى من أعمال حجه, فقيل له: حجك فاسد, وعليك أن تمضي في فاسدك؛ يكفي هذا الحج الذي مضى فيه, وإلا ما يكفي؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
القضاء لا بد منه, والهدي لا بد منه، ما قلنا: في مسألة العمرة, فيمن طافت وهي حاضت, ثم سعت وقصرت, وذهبت على ظنها على أنها أتمت عمرتها.
طالب: ورجعت لبلدها؟
ورجعت, يقال: تأتي بعمرة إمضاءً للفاسد, ثم تأتي بعمرة قضاء؛ ما بحثنا هذا؟ بحثنا هذا؛ أنا أقول: هل الفاسد يحتاج إلى نية؟ هل هو مما يتقرب به إلى الله -جل وعلا- فيحتاج إلى نية؟ أو مجرد المضي يكفي؟ يعني هذا ما سأل في الحج إلا بعدما تمت أعمال الحج؛ نقول له: ما نويت أن تمضي في فاسد؟ والعمرة التي أدتها هذه المرأة بطواف باطل, ويتبعه السعي, وجميع الأعمال المرتبة على الطواف باطلة؛ من أهل العلم من يقول: تأتي بعمرة جديدة إمضاء للفاسدة, ثم تأتي بالقابل, واستظهرنا فيما سبق أنها إذا أتمتها فقد أمضت الفاسدة, ثم تأتي بعمرة صحيحة, وقل مثل هذا في الحج.
" عن رجل أصاب امرأته وهو محرم بالحج, فقالوا: ينفذان" يستمران "يمضيان لوجهها حتى يقضيا حجهما" إمضاء للفاسد "ثم عليهما حج قابل والهدي، قال: وقال علي بن أبي طالب: وإذا أهلا بالحج من قابل" من عام قابل "تفرقا حتى يقضيا حجهما" المسألة في شخص: جامع أهله فأفتي أن حجه فاسد, وقال: ما دام الحج فاسد ألبس ثيابي، وأروح لأهلي, وأحج من قابل، ما مضى في الفاسد؛ ما الذي يلزمه؟ هل نقول: يأتي بحج جديد إمضاءً للفاسد, ثم يحج من قابل؟ لا؛ ...
طالب:. . . . . . . . .
هذا ما مضى في الفاسد؛ يمضيان وينفذان حتى يقضيا حجهما؛ هذا الفاسد.
طالب: الآية: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ... } [(196) سورة البقرة].
نعم؟
طالب: الآية: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ... } [(196) سورة البقرة].
لس ما يدري جاهل؛ يقول: ما دام قالوا لي: فاسد حجك؛ أروح لأهلي ليِ أجلس؟
طالب:. . . . . . . . .(85/6)
ليش أرمي جمار؟ وأبيت وما أدري أيش؟ وأنا حجي فاسد؛ ما يسمن ولا يغني من جوع؟
طالب:. . . . . . . . .
طالب: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ... } [(196) سورة البقرة].
سبحان الله! جاهل؛ جاهل هذا؛ نعم؟
طالب: وهذه الآية: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ... } [(196) سورة البقرة].
لكن جاهل؛ ما عرف؛ قال: ما دام فاسد أبى أمشي ليش اجلس هنا؛ الآن ما هم يمضون في العمرة, أن تأتي بعمرة وقد أتمت عمرتها, وتأتي إمضاءً للفاسدة, ويلزمونها بثانية؛ فعلى هذه تأتي بثلاث عمر؛ الأولى: صورية الباطلة الفاسدة هذه, والثانية: إمضاءً للفاسدة.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ والثالثة: هي القضاء, يا إخوان ما حنا بسطنا المسألة سابقاً؛ وطولنا عليها, أنت افترض عندنا في الحج؛ دع العمرة؛ في الحج في مزدلفة جامع زوجته, ولا تقول لي: وين جامع وإلا كيف جامع؟ نعم؟ في مزدلفة جامع, نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
صارت, صارت, في أماكن ما يتخيلها شخص؛ لكنها صارت يعني وقعت, أقول: هذا شخص جامع في مزدلفة, وقلنا له: حجك فاسد, والذي أفتاه ما انتبه إلى لوازم هذا؛ قال: حجك فاسد وكفى, سكت؛ قال: ما دام حجي فاسد ألبس ثيابي، وأرجع لبلدي, والسنة الجايه أقضي, نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
سأل في أثناء؛ لكن المفتي ما قال له شيء؛ ما قال له: يلزمك أن تمضي؛ لكن قيل: إنه في مثل هذه الصورة, إنه يعتمر, إنه يعتمر يأت بعمرة؛ في مقابل هذا الحج الفاسد الذي مضى وقته. نعم؟
طالب: القول هذا الراجح؟
وإلا مرجوح؟ قال به أئمة من أئمة الإسلام, ويأتي إشارة إليه, يأتي إليه إشارة, نعم.(85/7)
أنا أقول: المضي في الفاسد, هل هو مما يتقرب به إلى الله -جل وعلا- فيحتاج إلى نية, أو يحصل بمجرد وجوده؟ هل هو بمجرد وجوده يمضي؟ هو عقوبة؛ ولئلا يتحايل لإبطال النسك بالجماع؛ لأن بعض الناس يأتيه ظرف ما يستطيع الجلوس؛ يقول: بدل ما أجلس أربعة أيام, يبطل حجه ويمشي لأهله, الحج الجاي -إن شاء الله- احتمال هذا يوجد؛ لأن عنده ظرف، وما يستطيع البقاء معهم, هم يلزمونه "ينفذان ويمضيان حتى يقضيان حجهما" الآن ما هو بالإشكال في كونهما يمضيان؛ في الفاسد, أنا الذي يشكل كون هذه المرأة التي طافت طوافاً باطلاً, وبطلت عمرتها، وأتمتها, سعت وقصرت وذهبت لأهلها, على أساس أنها تمت عمرتها, ثم قيل لها: إن عمرتك فاسدة, يقال: تأتي بعمرة إمضاءً لهذه الفاسدة, ثم تقضي, قد قيل بهذا, قيل بهذا. نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم أتمت.
طالب:. . . . . . . . .
وهذا الذي اتجه لنا سابقاً، طيب؛ الآن هذا حج ولا عمرة؟
طالب: حج.
وقف بعرفة؟
طالب: وقف بعرفة, وبات في المزدلفة.
وبات بمزدلفة, ورمى الجمرة.
طالب:. . . . . . . . .
قبل التحلل, حجه فاسد, حجه فاسد, العبرة بالطواف.
طالب: بالطواف؟
نعم, "ثم عليهما حج قابل والهدي؛ قال: وقال علي بن أبي طالب: وإذا أهلّا بالحج من عام قابل؛ تفرقا حتى يقضيا حجهما" يتفرقان؛ يتفرق الزوج في جهة, والزوجة في جهة لماذا؟ لئلا يتكرر ما حصل في العام الماضي, لئلا يتكرر ما حصل في العام الماضي؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
في شيء؟
طالب:. . . . . . . . .
أيه, طيب؟
طالب:. . . . . . . . .
ما زال محرماً, نعم ما زال محرماً, فيتحلل بعمرة, نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، مازال محرماً.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يتحلل بعمرة؛ كيف يتحلل؟ أو ينتظر في إحرامه إلى قابل؟ يتحلل بعمرة مثل هذا؛ مثل هذا.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما هي بفاسدة؛ يتحلل بعمرة صحيحة, يتحلل بعمرة صحيحة.(85/8)
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد: أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: ما ترون في رجل وقع بامرأته وهو محرم؟ فلم يقل له القوم شيئاً" ما أفتوه "فقال سعيد: إن رجلاً وقع بامرأته وهو محرم، فبعث إلى المدينة يسأل عن ذلك, فقال بعض الناس: يفرق بينهما إلى عام قابل" يفرق بينهما إلى عام قابل؛ لماذا؟ لأنهما ما زالا محرمين, نعم إلى عام قابل؛ هذا قول "فقال بعض الناس: يفرق بينهما إلى عام قابل، فقال سعيد بن المسيب: لينفذا لوجههما؛ فليتما حجهما الذي أفسداه" يعني كما أفتى الصحابة في الخبر الماضي "فإذا فرغا رجعا، فإن أدركهما حج قابل فعليهما الحج والهدي, ويهلان من حيث أهلا بحجهما الذي أفسداه, ويتفرقان حتى يقضيا حجهما" يعني يلزمهما أن يحرما من الميقات الذي أحرما منه من العام الماضي؛ لأن القضاء يحكي الأداء "ويتفرقان حتى يقضيا حجهما" لئلا يتكرر ما حصل؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إن كان فيه صعوبة؛ يخشى على المرأة من أن تضل, تضيع بين الناس, وقد تلا, نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يخشى عليها أن تضل؛ تضيع, خشيَ عليها؛ على كل حال لا بد أن يوجد التفريق, ولو كان .. ؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه لا يترك له فرصة يخلو بها, لا يترك له الفرص يخلو؛ فإن كانت مع نسوة, وهو مع رجال, ولو كانوا متقاربين؛ المقصود أنه لا يترك له فرصة تتيح له أن يقع منه ما وقع في العام الماضي هذا على القول الأول, باعتبار أنه استمروا محرمين؛ ما زالوا محرمين.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يتحلل إلى العام القابل؛ يستمر, هذا قول بعض الناس, هذا قول بعض الناس, ثم ماذا قال سعيد؟ أفتى سعيد بمقتضى فتوى الصحابة السابق.
"قال مالك: يهديان جميعاً بدنة؛ بدنة" يعني كل واحد عليه بدنة, ومعلوم أن هذا إذا كانت مطاوعة, أما إذا كانت مكرهة؛ فلا شيء عليها.(85/9)
"قال مالك في رجل وقع بامرأته في الحج ما بينه وبين أن يدفع من عرفة, ويرمي الجمرة؟ إنه يجب عليه الهدي، وحج قابل" لأنه وقع منه الجماع قبل التحلل الأول "قال: فإن كانت إصابته أهله بعد رمي الجمرة" يعني بعد التحلل الأول, على القول بأنه يحصل بواحد "فإنما عليه أن يعتمر ويهدي" يعتمر ويُهدي, يعتمر بطواف وسعي "ويهدي وليس عليه حج قابل" لأنه بعد التحلل الأول.
طالب:. . . . . . . . .
لا, لا الثاني .. , ما في فاسد؛ صحيح ما هو بفاسد.
طالب: .. لو كان من قبل؟
لا, لا مثل هذا يمضي في فاسده, إي بس فقط, فإذا كان من قابل يقضي.
"قال مالك: والذي يفسد الحج، أو العمرة حتى يجب عليه في ذلك الهدي في الحج أو العمرة؛ التقاء الختانين" يعني الجماع الذي تترتب عليه أحكامه هو التقاء الختانين, الذي تترتب عليه الأحكام وهو التقاء الختانين "وإن لم يكن ماء دافق": فـ ((إذا جلس بين شعبها الأربع؛ وجب)) عليه ((الغسل)) ولو لم ينزل، وقل: يجب على الحد, وقل: يفسد حجه, ويلزمه المهر كاملاً, إلى آخر الأحكام المرتبة على النكاح, "قال: ويوجب ذلك –أيضاً- الماء الدافق إذا كان من مباشرة" يعني مجرد مباشرة من غير إيلاج يوجب ذلك -أيضاً-، هذا عند مالك -رحمه الله- أن حكم المباشرة مع الإنزال؛ حكم الجماع "فأما رجل ذكر شيئاً" تفكر "ذكر شيئاً" يعني تفكر، ثم أنزل أو كرر النظر فأنزل "حتى خرج منه ماء دافق, فلا أرى عليه شيئاً" لأنه ليس بجماع؛ لأنه ليس بجماع "ولو أن رجلاً قبّل امرأته, ولم يكن من ذلك ماء دافق" ولم يكن من ذلك ماء دافق "لم يكن عليه في القبلة إلا الهدي" إلا الهدي, ولو لم ينزل, لا شك أن القبلة من الرفث؛ لا يجوز, من الرفث؛ لكن هل فيها الهدي؟ أو ليس فيها هدي؟ أي مجرد معصية؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه, مثل لو ارتكب الجدال, عندنا معروف رأي ابن حزم؛ كل ما جاء في الآية مبطل: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ} [(197) سورة البقرة] كله مبطل؛ مبطل للحج, إيه.(85/10)
"ولو أن رجلاً قبّل امرأته، ولم يكن من ذلك ماء دافق, لم يكن عليه في القبلة إلا الهدي, وليس على المرأة التي يصيبها زوجها, وهي محرمة مراراً في الحج أو العمرة، وهي له في ذلك مطاوعة, إلا الهدي وحج قابل" يعني كفارات تتداخل, ولو كانت مراراً هدي واحد وحج واحد "إن أصابها في الحج، وإن كان أصابها في العمرة, فإنما عليها قضاء العمرة التي أفسدت والهدي" وهذا كله إذا كانت مطاوعة, أما إذا كانت مكرهة فلا شيء عليها؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه.
طالب:. . . . . . . . .
يعني يتحلل في عمرة؛ يعني عمرة تكفر ما اقترفه, الآن عندهم؛ عند بعض أهل العلم: أنه إذا وقع الجماع بعد التحلل الأول, بعد التحلل الأول؛ هذا لا يبطل الحج, ولا يفسده, وإنما عليه أن يحرم من جديد؛ لأنه أفسد الإحرام, أفسد الإحرام, فيحرم من جديد؛ لأنه أفسد إحرامه, هذا قول معروف ومشهور عند الحنابلة, نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا مضى في فاسده, وأتى بالحج كاملاً, وانصرف مع الناس, ويش المانع؟ ها؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا, ما هو بيأتي أهله؛ إذا انصرف إلى بلده.
طالب:. . . . . . . . .
إيه؛ فسد الحج بالجماع قبل التحلل الأول؛ يعني من دون التحلل بعمرة, هم ما ذكروا عليه لأنه "يمضيان في فاسده وينفذان حتى يقضيا حجهما من قابل, ويهديان" ما في فرق, لا؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيه, ويش فيه؟ ويش وجه الإشكال؟
طالب:. . . . . . . . .
لا, إذا بلغ محله يؤكل منه؛ لكن قبل إن يبلغ محله, إذا عطب قبل أن يبلغ محله؛ لا يؤكل منه, أما إذا بلغ محله فالتطوع، وهدي المتعة والقران؛ يؤكل منه, كالأضحية, كالأضحية تماماً.
نعم, عندما نكمل يا أخوان, ودنا نمشي على شان عندنا أسبوعين بعد هذا، وننتهي من الكتاب -إن شاء الله تعالى-.
طالب:. . . . . . . . .
معصية, معصية, نعم؟
أحسن الله إليك.
باب: هدي من فاته الحج:(85/11)
حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: أخبرني سليمان بن يسار: أن أبا أيوب الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- خرج حاجاً حتى إذا كان بالنازية من طريق مكة؛ أضل رواحله, وإنه قدم على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يوم النحر فذكر ذلك له, فقال عمر: اصنع كما يصنع المعتمر ثم قد حللت, فإذا أدركك الحج قابلاً؛ فاحجج واهدي ما استيسر من الهدي.
وحدثني عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار أن هبَّار بن الأسود جاء يوم النحر, وعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ينحر هديه, فقال: يا أمير المؤمنين أخطأنا العدة؛ كنا نُرى أن هذا اليوم يوم عرفة, فقال عمر -رضي الله عنه-: اذهب إلى مكة فطف أنت، ومن معك، وانحروا هدياً؛ إن كان معكم, ثم احلقوا أو قصروا, وارجعوا فإذا كان عام قابل, فحجوا وأهدوا, {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رجعتم} [(196) سورة البقرة].
قال مالك: ومن قرن الحج والعمرة، ثم فاته الحج؛ فعليه أن يحج قابلاً، ويقرن بين الحج والعمرة, ويُهدي هديين؛ هدياً لقرانه الحج مع العمرة, وهدياً لما فاته من الحج.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب هدي من فاته الحج" لإحصار تقدم الكلام فيه, وهذا في الفوات؛ فيمن فاته الحج من غير أمر خارج يحصره عنه؛ لا يوجد عدو، ولا يوجد مرض, إنما تأخر حتى فاته الوقوف بعرفة؛ إما أن يكون ضل الطريق, أو أخطأ في الحساب, فمثل هذا حكمه في هذا الباب.(85/12)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: أخبرني سليمان بن يسار: أن أبا أيوب الأنصاري خرج حاجاً, حتى إذا كان بالنازية" والنازية على طريق بين مكة والمدينة، وهي إلى المدينة أقرب "حتى إذا كان بالنازية من طريق مكة؛ أضل رواحله" أضل رواحله؛ لا يقول قائل: يلزمه المشي؛ إذا كان لا يطيق ذلك, أو يصعب عليه ذلك, فالراحلة من الاستطاعة "أضل رواحله, وإنه قدم على عمر بن الخطاب يوم النحر" يعني بعد أن فات يوم عرفة؛ و ((الحج عرفة)) "فذكر ذلك له, فقال عمر: اصنع كما يصنع المعتمر" بأن يتحلل بعمرة "ثم قد حللت" يعني هل يقال له: ما دام فاتك الوقوف؛ تبيت مع الناس بمنى, وترمي الجمار, وتفعل ما يفعله الحاج, نعم؟ يلزمه هذا، ولا ما يلزمه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
عمر ألزمه بعمرة؛ عمر -رضي الله تعالى عنه- ألزمه بعمرة, ما الفرق بينه وبين المجامع؟ أنه يلزمه أن يبيت مع الناس, ويرمي مع الناس, ويمضي بالفاسد؛ يعني: ((الحج عرفة))، الحج عرفة, وقد فاته؛ فإذا فاته عرفة, فاته الحج "وإنه قدم على عمر بن الخطاب يوم النحر, فذكر ذلك له, فقال عمر: اصنع كما ينصع المعتمر" يعني تحلل بعمرة "ثم قد حللت" حللت الحل كله "فإذا أدركك الحج قابلاً؛ فاحجج" قضاءً لهذا الحج الفائت "واهد ما استيسر من الهدي. " يعني يهدي ما استيسر، والخلاف فيما استيسر يأتي في الباب اللاحق.(85/13)
قال: "وحدثني مالك عن نافع عن سليمان بن يسار: أن هبّار بن الأسود" يعني عندنا أبو أيوب الأنصاري, وهبّار بن الأسود, كل منهما فاته الحج, أبو أيوب أضل رواحله, وهبّار أخطأ في الحساب, ولا فرق بينهما "أن هبّار بن الأسود جاء يوم النحر, وعمر بن الخطاب ينحر هديه, فقال: يا أمير المؤمنين أخطأنا العدة, كنا نُرى أن هذا اليوم يوم عرفة، فقال عمر: اذهب إلى مكة" يعني لو أن شخصاً اعتمد التقويم؛ والتقويم القعدة فيه متمم مكمل, فقال: ما دام كامل فيوم الاثنين هو يوم عرفة, وحسب الرؤية الشهر ناقص, فعلى هذا يكون الأحد يوم عرفة؛ عمل بالتقويم, ثم لما ذهب وجد الناس وقفوا بالأمس, أو سأل من سأل, وقيل له: اليوم السابع, وهو في الحقيقة الثامن, قال: يمدينا, فلما وصل وجد الناس قد وقفوا بالأمس, وقل مثل هذا في مسألة: ما لو سأل قائد الطائرة مثلاً؛ وقال: حاذينا الميقات؟ وقال: بقي علينا, ثم لما سألوه, قال: تجاوزنا الميقات؛ هل يضمن, وإلا ما يضمن؟ يعني هو يلزمه دم لمجاوزة الميقات؛ لكن من غره؛ يضمن ولا ما يضمن؟ مثل هذا لو قال .. ، سأل أحد الناس, وقال: اليوم سبعة, وهو في الحقيقة ثمانية, فتراخى حتى فاته الحج, يضمن وإلا ما يضمن؟ يضمن التبعات وإلا ما يضمن؟ الأصل أن من يغر يضمن, أن من يغر يضمن؛ لكن مثل هذه المسائل تحتاج إلى احتياط؛ يعني ما يكفي أن تقتدي بشخص واحد, نعم إذا كان ثقة, قبوله متجه؛ لكن يبقى أنه قد يعتري الثقة ما يعتريه, فيسأل غيره, ويتأكد ويحتاط لنفسه, ويحتاط لنفسه في مثل هذه الأمور؛ يعني لو أن شخصاً سكن في بلد لا يدري أين اتجاه القبلة؛ لكن في الفندق علامة على اتجاه القبلة, وعمل بهذه العلامة؛ تبرأ ذمته ولا ما تبرأ؟ بحسب ما يغلب على ظنه من واضع هذه العلامة, ولو أن شخصا .. ً؛ العلامة صحيحة في مكانها الأصلي, ثم جاء شخص غير مكلّف وأزالها إلى الجهة المخالفة, صلاته صحيحة، وإلا ليست صحيحة؟
طالب:. . . . . . . . .
والأصل أنه موثوق، ووضعت على الصواب.
طالب:. . . . . . . . .
ألا, في محاريب مسلمين في بلد إسلامي, في فندق بجوار الكعبة, وضعت العلامة تجاه الكعبة, ثم جاء شخص غير مكلف وأزالها؛ إيه.(85/14)
طالب:. . . . . . . . .
لكن أهل العلم يقولون: البلدان ليست محل اجتهاد. هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
البلدان يقول أهل العلم: ما فيها اجتهاد؛ لا بد من الإصابة ما فيها اجتهاد.
طالب:. . . . . . . . .
هو شاف العلامة. نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يسأل وهو يشوف العلامة قدامه؟
طالب: هو شاف العلامة؟
شاف العلامة قدامه؛ مكتوب الجهة هنا, أما التغيير فهو احتماله ضعيف.
طالب: هم يحطونه غلط.
احتمال التغيير ضعيف؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا, لا سهل هذا, سهل هذا ما هو بمشكلة, الإشكال في القبلة المغيرة, مثل هذه العلامات, لا نطول بهذا؛ لكن على الإنسان أن يحرص على إبراء ذمته, على الإنسان أن يحرص على براءة ذمته.
"هبّار بن الأسود جاء يوم النحر، وعمر بن الخطاب ينحر هديه فقال: يا أمير المؤمنين أخطأنا العدة؛ كنا نُرى أن هذا اليوم يوم عرفة" هذا اليوم يوم عرفة؛ يعني جاء من بلد يعتمدون الحساب, أو لهم رؤية, ومطلعهم يختلف عن مطلع أهل مكة مثلاً, وجاء وقد ثُبت دخول الشهر في يوم, فلما وصل إلى مكة ... , هو من الشام, ومطلعهم يختلف عن مطلع الحجاز؛ يختلف ولا ما يختلف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؛ دخول الشهر عندهم في الشام قبل دخوله في الحجاز؛ مثلاً, وجاء على هذا الأساس؛ يعني الشهر ثبت دخوله بشهادة الشهود؛ لكن مثل هذا يتصور وإلا ما يتصور الغلط فيه؟ يتصور الغلط وإلا ما يتصور؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . . الشهر.(85/15)
لا, لا؛ هم أهل العلم يقولون: يتصور أن يقف الناس خطأ في العاشر؛ لكن ما يتصور أن يقف الناس خطأ في الثامن؛ سوف يبيّن لهم الصواب، ويقفون من الغد؛ هذا الذي جاء من الشام، والشهر دخل عليه قبل أهل مكة, هذا يخطئ ولا ما يخطئ؟ ما يخطئ؛ هذا ينتظر مع الناس؛ لكن الإشكال لو جاء من جهة مقابلة, والشهر يدخل عندهم بعد مكة, هذا الذي يتصور منه الخطأ, ولذا يقولون: يتصور أن يقف الناس خطأ في اليوم العاشر, ولا يتصور أن يقفوا في اليوم الثامن, "هبّار بن الأسود جاء يوم النحر، وعمر بن الخطاب ينحر يهديه, فقال: يا أمير المؤمنين أخطأنا العدة؛ كنا نُرى أن هذا اليوم يوم عرفة, فقال عمر: اذهب إلى مكة, فطف أنت ومن معك، وانحروا هدياً, إن كان معكم, ثم احلقوا، أو قصروا وارجعوا, فإن كان عام قابل فحجوا وأهدوا, {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رجعتم} [(196) سورة البقرة] ".
"قال مالك: ومن قرن الحج والعمرة، ثم فاته الحج, فعليه الحج قابلاً, ويقرن بين الحج والعمرة," لماذا؟ لأنه قضاء يحكي الأداء "ويُهدي هديين؛ هدياً لقرانه الحج مع العمرة، وهدياً لما فاته من الحج" نعم.
أحسن الله إليك.
باب: من أصاب أهله قبل أن يفيض:
حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزبير المكي عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه سُئل عن رجل وقع بأهله؛ وهو بمنى قبل أن يفيض؟ فأمره أن ينحر بدنة.
وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة مولى ابن عباس قال: لا أظنه إلا عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: الذي يصيب أهله قبل أن يُفيض؛ يعتمر ويهدي.
وحدثني عن مالك أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول في ذلك مثل قول عكرمة عن ابن عباس, قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك.(85/16)
وسئل مالك: عن رجل نسي الإفاضة حتى خرج من مكة، ورجع إلى بلاده؟ فقال: أرى إن لم يكن أصاب النساء فليرجع؛ فليفض, وإن كان أصاب النساء فليرجع فليفض, ثم ليعتمر وليُهدي، ولا ينبغي له أن يشتري هديه من مكة وينحره بها, ولكن إن لم يكن ساقه معه من حيث اعتمر؛ فليشتريه بمكة، ثم ليخرجه إلى الحل, فليسقه منه إلى مكة ثم ينحره بها.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب من أصاب أهله قبل أن يفيض".
"حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزبير المكي عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس: أنه سئل عن رجل وقع بأهله؛ وهو بمنى قبل أن يفيض؟ فأمره أن ينحر بدنة" يعني بعد التحلل الأول؛ يعني بعد أن وقف, ورمى الجمرة, وحلق رأسه؛ تحلل التحلل الأول هذا ما عليه إلا أن ينحر بدنة, من أهل العلم من يقول: أنه بطل إحرامه، فيلزمه أن يحرم من جديد؛ ليطوف بالبيت محرماً بإحرام صحيح, ومنهم من يقول: لا يحتاج إلى ذلك؛ لأنه جاز له لبس الثوب, فعوده إليه إلا بنسك جديد.
قال: "وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة مولى ابن عباس" عن عكرمة مولى ابن عباس، عكرمة فيه كلام لأهل العلم؛ اتهم برأي الخوارج, وكان يرى السيف, وأجاب ابن حجر بكلام طويل في مقدمة فتح الباري, وأجاب الحافظ الذهبي في السيَّر عما نسب إليه, المقصود أنه لا يسلم من كلام لأهل العلم, ولذا قال محمد بن علي بن المديني: سمعت أبي يقول -الإمام علي بن عبد الله المديني- سمعت أبي يقول: "لم يسمِّ مالك عكرمة في شيء من كتبه إلا في حديث ثور عن عكرمة عن ابن عباس في الرجل يصيب أهله" يعني في هذا الحديث فقط, ما سماه مالك إلا في هذا الحديث, فكأنه ذهب إلى أنه يرى رأي الخوارج, والإمام مالك المعروف عنه أنه لا يروي عن مبتدع, أنه لا يروي عن مبتدع, ومن أشد الناس؛ من أشد العلماء في الرواية عن المبتدعة, وأما في الصحيحين وغيرهما فالرواية عن المبتدعة موجودة:
ففي البخاريِّ احتجاجاً عكرمة ... مع ابن مرزوق وغير ترجمة(85/17)
فالبخاري احتج بعكرمة "عن عكرمة مولى ابن عباس قال: لا أظنه إلا عن عبد الله بن عباس, أنه قال: الذي يصيب أهله قبل أن يفيض؛ يعتمر ويهدي" هناك أمره أن ينحر بدنة؛ كيف يعتمر ويهدي؟ الآن ما بقي عليه إلا الطواف والسعي؛ من أعمال التحلل؛ وقف بعرفة, ورمى الجمرة, وحلق شعره, على القول أنه يحصل باثنين, أو رمى الجمرة فقط؛ على القول أنه يحصل بواحد, وبقي عليه أن يطوف ويسعى, هناك قال: "فأمره أن ينحر بدنة" وما في عمرة؛ لكن يلزمه أن يطوف ويسعى, يأت ببقية أعمال الحج, وهنا قال: "يعتمر ويهدي" هل المراد بالعمرة حقيقة العمرة, أو صورة العمرة بالطواف والسعي؟ نعم؟
طالب: سم.
يعني قال في الأول: "فأمره أن ينحر بدنة"، وهنا قال: "الذي يصيب أهل قبل أن يفيض يعتمر ويهدي"؛ هل المراد حقيقة العمرة, أو صورة العمرة بطواف الإفاضة والسعي؟
طالب:. . . . . . . . .
في الأول: "وقع بأهله وهو بمنى قبل أن يفيض, فأمره أن ينحر بدنة" ومعلوم أنه لا بد أن يطوف ويسعى؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لأنه لو كان قد طاف وسعى؛ ما يلزمه شيء, خلاص انتهى حجه؛ لكن هنا بقي عليه الطواف والسعي, فهل نقول: يأتي بعمرة غير الطواف والسعي للحج, أو نقول: هذا هو المراد به يطوف ويسعى فيما صورته العمرة, ويتفق حينئذٍ الأثر الأول مع الثاني, والأثر الثاني فيه عكرمة وسمعنا ما فيه, والأثر الأول فيه أبو الزبير وقد عنعن "عن عطاء"؛ نعم؟
طالب: يتحلل بعمرة؟
وراه؛ قبل أن يفيض؛ تحلل التحلل الأول, وما بقي إلا الإفاضة؛ يعتمر فقط, هذا على الرواية الثانية, الرواية الأولى ينحر فقط, ويطوف ويسعى للحج, فلكي تجتمع الروايتان عن ابن عباس نقول: عليه أن يطوف ويسعى وينحر, فتكون العمرة صورة العمرة, وليست حقيقتها؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا لا شك أن أبا الزبير مدلس, وهنا عنعن, وعنعنات المدلسين لا تقبل؛ لكن الحديث له ما يشهد له؛ من خبر عكرمة, فهذا يشهد لهذا؛ لكن للتوفيق بينهما نسلك المسلك الذي ذكرناه؛ أن المراد بالعمرة صورة العمرة.(85/18)
"وحدثني عن مالك أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول في ذلك مثل قول عكرمة عن ابن عباس" مثل قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن؛ ربيعة الرأي, شيخ مالك, إمام من أئمة المسلمين, فقيه معروف, يقول في ذلك مثل قول عكرمة عن ابن عباس؛ يعني يعتمر ويهدي "قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك".
"وسئل مالك: عن رجل نسي الإفاضة حتى خرج من مكة" عمل جميع أعمال الحج إلا طواف الإفاضة؛ وهو ركن من أركان الحج؛ يعني فرق بين أن ينسى طواف الإفاضة، أو أن ينسى طواف الوداع, هذا نسي طواف الإفاضة؛ لكن لو نسي طواف الإفاضة، وطاف للوداع؛ يكفي وإلا ما يكفي؟
طالب:. . . . . . . . .
لا بد أن ينوى طواف الإفاضة, مع أن عند الشافعية قولاً معروفاً: أن هذا يحل محل هذا.
طالب:. . . . . . . . .
لا؛ لا, لا, طاف للوداع, ويكفي عن الإفاضة, وطواف الوداع يحل محل طواف الإفاضة, نظير ذلك لو أن شخصاً لم يحج فحج عن غيره؛ يقع عن غيره ولا عن نفسه؟ يقع عن نفسه؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه مثلها عندهم؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه مثلها عندهم, فيقع طواف الوداع عن طواف الإفاضة, وإن كان آخر شيء لا يلزمه شيء, ومثل هذا قد يحتاج إليه فيما يحصل من أخطاء الآفاقيين الذين لا يتسنى لهم الرجوع مرة أخرى؛ يصحح على هذه الكيفية, وهو قول معروف عند أهل العلم, ومعتبر وله وجهه, وإن كان المرجح خلافه, في حال السعة.(85/19)
"سئل مالك: عن رجل نسي الإفاضة حتى خرج من مكة، ورجع إلى بلاده, فقال: أرى إن لم يكن أصاب النساء فليرجع؛ فليفض" يغني ما عليه إلا أن يرجع إلى مكة ويطوف, ليس عليه أن يحرم من جديد؛ لأنه تحلل من إحرامه "وإن كان أصاب النساء فليرجع؛ فليفض ثم ليعتمر وليُهدي" فليفض ثم ليعتمر وليهدي؛ هل يلزمه أكثر من أن يأتي بما أوجب الله عليه؟ فيما مضى قلنا: أن الذي يقع منه الجماع بعد التحلل الأول؛ عليه أن يهدي؛ عليه هدي, وعليه أن يأتي بجميع أعمال الحج، هذا رجع إلى بلده, يقول: "إن كان أصاب النساء فليرجع فليفض ثم ليعتمر وليهدي" يلزمه عمره؛ مثل ما جاء عن ابن عباس في رواية عكرمة "ثم ليعتمر وليهدي ولا ينبغي له أن يشتري هديه من مكة، وينحره بها" لا ينبغي له أن يشتري هديه من مكة وينحره بها؛ لا سيما إذا كان آفاقياً "ولكن إن لم يكن ساقه معه من حيث اعتمر" يعني من حيث أحرم بالعمرة "فليشتريه بمكة, ثم ليخرجه إلى الحل" لأن السَّوق لا يتصور إلا من الحل إلى الحرم "ثم ليخرجه إلى الحل, فليسقه منه إلى مكة, ثم ينحره بها" نعم.
أحسن الله إليك
باب: ما استيسر من الهدي:
حدثني يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- كان يقول: ما استيسر من الهدي شاة.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- كان يقول: ما استيسر من الهدي شاة، قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك؛ لأن الله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [(95) سورة المائدة] , فمما يُحكم به في الهدي شاة, وقد سماه الله هدياً, وذلك الذي لا اختلاف فيه عندنا؛ وكيف يشك أحد في ذلك؟ وكل شيء لا يبلغ أن يحكم في ببعير أو بقرة, فالحكم فيه شاة, وما لا يبلغ أن يحكم فيه بشاة فهو كفارة من صيام أو إطعام مساكين.(85/20)
وحدثني عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: ما استيسر من الهدي بدنة, أو بقرة.
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر: أن مولاة لعمرة بنت عبد الرحمن يقال لها رقية أخبرته: أنها خرجت مع عمرة بنت عبد الرحمن إلى مكة, قالت: فدخلت عمرة مكة يوم التروية، وأنا معها, فطافت بالبيت، وبين الصفا والمروة, ثم دخلت صفة المسجد, فقالت: أمعك مقصان؟ فقلت: لا, فقالت: فالتمسيه لي, فالتمسته حتى جئت به فأخذت من قرون رأسها, فلما كان يوم النحر ذبحت شاة.
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب من استيسر من الهدي".
"حدثني يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد" الصادق "عن أبيه" الباقر "أن علي بن أبي طالب كان يقول: ما استيسر من الهدي شاة" جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب, محمد هذا الباقر هل لقي علي بن أبي طالب؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما لقيه بينهما مفازة طويلة؛ لأنه جد أبيه, كان يقول: ما استيسر من الهدي شاة" حدثني .. ، وهذه مأخوذة من لفظ اليسر، والتيسر، والاستيسار؛ هذا المتيسر؛ هذا أيسر خصال الهدي التي هي الإبل والبقر والغنم, أيسرها والمتيسر منها هو الشاة؛ لكن لو أن شخص عنده بدنة, وأراد أن يهديها, وإهداؤه للبدنة أيسر له من البحث عن شاة, قلنا: هذا –أيضاً- ما استيسر.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- كان يقول: ما استيسر من الهدي شاة.(85/21)
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول: ما استيسر من الهدي شاة" وهذا ظاهر في كون الشاة أيسر خصال ما يطلب في الهدي "قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك؛ لأن الله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [(95) سورة المائدة] , فمما يحكم به في الهدي شاة, وقد سماها الله -جل وعلا- هدياً, وذلك الذي لا اختلاف فيه عندنا؛ وكيف يشك أحد في ذلك؟ " لا شك أن الشاة هدي؛ لكن ما دون الشاة, يسمى هدياً وإلا ما يسمى؟ لا يسمى, والله -جل وعلا- يقول: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [(95) سورة المائدة].
طالب:. . . . . . . . .
نعم، من قتل يربوع, فعليه ... كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يكفره, من قتل جرادة على القول بأنها برية فعليه قيمتها, قبضة من طعام, أو شبهها، فهل يمكن أن تسمى القبضة من الطعام هدي, {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [(95) سورة المائدة] , أو لا يمكن؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا الإطعام غير؛ الإطعام بعد أن يقوّم هذا الصيد بمثله, ثم يقوّم هذا المثل إذا لم يوجد؛ بأيش؟
طالب: بالأصل.
بالأصل, ثم بعد ذلك إذا لم يجد ما يشتري به طعاماً يصوم عن كل مسكين يوماً, الذي يفهم من كلام مالك -رحمه الله تعالى- أنه لا يوجد شيء أقل من الشاة, فمهما بلغت قيمته من القلة من الصيد, أقل ما يدفع الشاة, ولذا يقول: وقد سماها الله هدياً, وذلك الذي لا اختلاف فيه عندنا, وكيف يشك أحد في ذلك "وكل شيء لا يبلغ أن يحكم فيه ببعير أو بقرة, فالحكم فيه شاة, وما لا يبلغ أن يحكم فيه بشاة, فهو كفارة من صيام أو إطعام مساكين" يعني ما في شيء أقل من الشاة, هو اللي حكم؟ واضح, يحكم به ذوى عدل منكم, على كلام مالك نحتاج إلى أن يحكم به ذوى عدل منكم؟
طالب: يحتاج، هو يظن بدنة، وإلا يظن بقرة وإلا .. ؟(85/22)
الإمام مالك وضع الحد الأدنى.
طالب: لكن ما وضع الأعلى.
وهناك حد أعلى, وهناك قدر متوسط, ما نستطيع أن نحدده من كلام مالك, نعم في شيء؟
طالب:. . . . . . . . .
"وكل شيء لا يبلغ أن يحكم فيه ببعير أو بقرة, فالحكم فيه شاة, وما لا يبلغ أن يحكم فيه بشاة فهو كفارة من صيام أو إطعام مساكين" يعني ما يهدى أقل من شاة؛ الشاة هذه هل يشترط فيها ما يشترط في الأضحية, كما هو مقرر في الهدي, أو نقول: أنها تشمل الصغير والكبير بحيث يتفق قول الإمام مالك مع قول غيره من أهل العلم، ومع أحكام الصحابة في بعض القضايا التي حكموا فيها بما لا يجزئ في الهدي والأضحية؟ فالجفرة مثلاً العناق؛ العناق لا تجزئ في الأضحية, ولا تجزئ في الهدي, وتجزئ –أيضاً- فيما يشابها من الصيد, هل نقول: إن كلام الإمام مالك في الشاة يشمل الصغير والكبير؟ ليتفق كلامه مع أهل العلم, وما لا يبلغ أن يحكم فيه بشاة فهو كفارة من صيام، أو إطعام مساكين؛ بأن يقوّم هذا الصيد بنظيره، قتل كذا عليه حمامة مثلاً؛ لأنها أقرب إليها؛ لكن عند مالك ما يمشي هذا الكلام, الجمهور قرر أن عليه كذا, يذبح هذا, إن لم يجده يقوّم هذا بأيش؟ بالطعام, ثم إن وجد الطعام أخرجه, وإلا صام بدله.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان يقول: ما استيسر من الهدي بدنة، أو بقرة" ابن عمر يقول: ما استيسر من الهدي بدنة أو بقرة, وإلا في أعلى منها؟ نعم؟
طالب: في في.
سبحان الله! يعني هل يمكن نتصور أن ابن عمر يلزم بأعلى من هذا, إذا كان هذا ما استيسر فكيف بما تعسر؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
إي نعم, هذا أقل شيء عند ابن عمر, هذا أقل شيء عند ابن عمر.(85/23)
قال: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر: أن مولاة لعمرة بنت عبد الرحمن يقال لها رقية أخبرته: أنها خرجت مع عمرة بنت عبد الرحمن إلى مكة, قالت: فدخلت عمرة مكة يوم التروية، وأنا معها, فطافت بالبيت, وبين الصفا والمروة, ثم دخلت صفة المسجد" يعني مؤخرة المسجد, المكان المسقوف في المسجد من آخره "فقالت: أمعك مقصان؟ " يعني ما يكفي واحد؟ يعني مكون من قطعتين, فهما مقصان باعتبار أفراده, وإلا فهو مقص واحد "أمعك مقصان؟ فقلت: لا, فقالت: فالتمسيه" يعني ابحثي عنه "فالتمسيه لي فالتمسته حتى جئت به فأخذت من قرون رأسها, فلما كان يوم النحر ذبحت شاة" يأتي -في خبرٍ لاحق- أنه لم يجد مقص؛ ليقصر عن زوجته, فقضم شعرها بأسنانه, يأتي هذا, فلا يتعين المقص, المقصود أنه يقصر من شعرها. والله أعلم.
وصلى الله وسلم، وبارك على عبده ورسوله؛ نبينا محمد،،(85/24)
الموطأ – كتاب الحج (23)
(جامع الهدي - والوقوف بعرفة والمزدلفة - ووقوف الرجل غير طاهر ووقوف على الدابة - ووقوف من فاته الحج بعرفة)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء, واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع الهدي:
ح دثني يحيى عن مالك عن صدقة بن يسار المكي أن رجلاً من أهل اليمن جاء إلى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- وقد ظفر رأسه، فقال: يا أبا عبد الرحمن إني قدمت بعمرة مفردة؛ فقال له عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- لو كنت معك، أو سألتني لأمرتك أن تقرن؛ فقال اليماني: قد كان ذلك؛ فقال عبد الله بن عمر: خذ ما تطاير من رأسك واهدي، فقالت امرأة من العراق: ما هديه يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: هديه، فقالت له: ما هديه؟ فقال عبد الله بن عمر: لو لم أجد إلا أن أذبح شاةً لكان أحب إلي من أن أصوم.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: المرأة المُحرِمة إذا حلت لم تمتشط حتى تأخذ من قرون رأسها، وإن كان لها هدي لم تأخذ من شعرها شيئاً حتى تنحر هديها.
وحدثني عن مالك أنه سمع بعض أهل العلم يقول: لا يشترك الرجل وامرأته في بدنة واحدة، لينحر كل منهم ..
ليُهدي.
طالب: أحسن الله إليك.
ليُهدي.
طالب: ليهدي! عندنا لينحر، عندنا لينحر يا شيخ؛ حتى في الطبعة الثانية، مع الزقاوي.
أيش عندك؟
طالب: ليهدي.
ليُهدي .. إيه.
طالب: أحسن الله إليك ..
ليهدي كل منهما بدنة بدنة.
وسئل مالك عن من بُعث معه بهدي؛ ينحره في حج، وهو مهل بعمرة؛ هل ينحره إذا حل أم يؤخره حتى ينحره في الحج؟ ويحل هو من عمرته؟ فقال: بل يؤخره حتى ينحره في الحج، ويحل هو من عمرته.(86/1)
قال مالك -رحمه الله تعالى-: والذي يُحكم عليه بالهدي في قتل الصيد، أو يجب عليه هدي في غير ذلك؛ فإن هديه لا يكون إلا بمكة كما قال الله -تبارك وتعالى-: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [سورة المائدة (95)]، وأما ما عُدل به الهدي من الصيام أو الصدقة فإن ذلك يكون بغير مكة، حيث أحبَّ صاحبه أن يفعله فعله.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن يعقوب بن خالد المخزومي عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر أنه اخبره أنه كان مع عبد الله بن جعفر فخرج معه من المدينة، فمرُّوا على حسين بن علي؛ وهو مريض بالسُقْيَا، فأقام عليه عبد الله بن جعفر حتى إذا خاف الفوات خرج، وبعث إلى علي بن أبي طالب، وأسماء بنت عميس -رضي الله عنهما- وهما بالمدينة فقدما عليه، ثم إن حسيناً أشار إلى رأسه، فأمر علي برأسه؛ فحلق ثم نسك عنه بالسقيا؛ فنحر عنه بعيراً.
قال يحيى بن سعيد: وكان حسين خرج مع عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في سفره ذلك إلى مكة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب جامع الهدي" يعني الباب الجامع للمسائل المتعلقة بالهدي.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن صدقة بن يسار المكي أن رجلاً من أهل اليمن جاء إلى عبد الله بن عمر وقد ظفر رأسه" ظفر رأسه: يعني جعله ظفاير، جدايل، ظفير: بمعنى مظفور، يعني مجدول.
"فقال: يا أبا عبد الرحمن، إني قدمت بعمرة مفردة" قدمت بعمرة مفردة؛ وهذا في وقت الحج.(86/2)
"فقال له عبد الله بن عمر: لو كنت معك أو سألتني لأمرتك أن تقرن؛ فقال اليماني: قد كان ذلك" يعني كان في أول الأمر قارن، ثم حول نسكه إلى عمرة مفردة؛ ليحج بعده، كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- من معه من الصحابة ممن قرن بين الحج والعمرة، ولم يكن معه هدي؛ أمرهم أن يجعلوها عمرة، وقد فعل هذا اليماني امتثالاً لذلك الأمر، فقال اليماني: قد كان ذلك. "فقال عبد الله بن عمر: خذ ما تطاير من رأسك" يعني ما أرتفع منه؛ يعني قصر من شعرك "وأهدي" والهدي هدي المتعة؛ لأنه أهلَّ بعمرة مفردة ليحج بعدها، عمرة .. عمرة متمتع ليحج بعدها، فهذا يلزمه هدي التمتع، "وأهدي"، "فقالت امرأة من أهل العراق: ما هديه؟ " ما الذي عليه من الهدي "يا أبا عبد الرحمن؟ "، هذه كنية عبد الله بن عمر "فقال: هديه؟ قالت له: ما هديه؟ فقال عبد الله بن عمر: لو لم أجد إلا أن أذبح شاةً لكان أحب إلي من أن أصوم".
المتمتع يلزمه ما استيسر من الهدي {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ} [سورة البقرة (196)]؛ فالصيام لمن لم يجد الهدي، والهدي؛ النبي -عليه الصلاة والسلام- نحر البدن، ولاشك أن الإبل والبدن أفضل؛ ولذا يقول ابن عمر: لو لم أجد إلا أن أذبح شاةً، ويصدق عليها أنه ما استيسر من الهدي، لكان أحب إلي من الصوم؛ وكلمة أحب أفعل تفضيل تدل على أن كلاً منهما محبوب؛ الصيام والذبح؛ لكن الصيام إنما يكون محبوباً بالنسبة لمن؟ لمن لم يجد الهدي، نعم؟ لمن لم يجد الهدي؛ أما من وجد الهدي فلا يجزئه الصيام، {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [سورة البقرة (196)].(86/3)
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: المرأة المُحْرِمة إذا حلت لم تمتشط حتى تأخذ من قرون رأسها" لم تمتشط؛ لأن لا يسقط شيء من شعرها، وهي مازالت متلبسة بالإحرام، بقي عليها من الإحرام، من النسك، بقي عليها التقصير؛ وهو نسك، فلا يجوز لها أن تترفه بشيء من المحظورات حتى تأخذ من قرون رأسها، "وإن كان لها هديٌ لم تأخذ من شعرها شيئاً حتى تنحر هديها"، لقول الله -جل وعلا-: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [سورة البقرة (196)]، حتى يبلغ الهدي محله، من كان له هدي فلا يأخذ من شعره حتى يبلغ الهدي محله، وعلى هذا قد يرد على مثل هذا الكلام الحلق قبل النحر، النبي -عليه الصلاة والسلام- رمى الجمرة ثم .. نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أو نحر قبل؟
طالب:. . . . . . . . .
نحر ثم حلق، نحر ثم حلق؛ لكن لو قدم الحلق على النحر؛ "حلقت قبل أن أنحر؟ قال: ((افعل ولا حرج))، نعم؟ فعلى هذا لو فعل من أعمال يوم العيد -عيد النحر- يوم الحج الأكبر قدم أو أخر يتجه إليه القاعدة العامة، "ما سئل عن شيء قدم ولا أخر في ذلك اليوم، إلا قال: ((افعل ولا حرج))، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . من جماعك هذا، من جماعك هذا، هاه؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
هذا رأيه؛ رأيه الأخذ بالأشد؛ لكن الأخذ بالأقل مع أنه قول الأكثر أن ما استيسر يطلق على الشاة. . . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا رأيه.
طالب:. . . . . . . . .(86/4)
هذا رأيه؛ لكن مع ذلك لو أن الإنسان رجح قولاً من الأقوال، نعم مما يحتمله النص، والاحتمال الثاني –أيضاً- قوي، فكونه يُعمد إلى هذا الاحتمال الثاني؛ وإن كان مرجوحاً -من وجهة نظره- إلا أنه أفضل من المفضول من كل وجه عند جميع العلماء، ومن هذه الحيثية أفضل من الصيام؛ إلا لو كان يقول: لا يجزئ، يعني مثلاً: يمكن أن يقول: لو لم أجد إلا أن أذبح دجاجة كان أحب إلي من الصوم، يمكن يقول مثل هذا؟ لا؛ لأن الدجاجة؛ ايش؟ لا تجزئ، عند أحد من أهل العلم؛ لكن هل تجزئ عند عامة أهل العلم؟ فهو ترك مذهبه وهو تشديد في مثل هذا، وأن البدنة كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- هي الأصل؛ لكن هي أفضل من الصيام.
طالب:. . . . . . . . .
إيه؛ طيب، وبعدين.
طالب:. . . . . . . . .
عليه أن يعتمر؛ فعل صورته وإلا حقيقته؛ عليه أن يعتمر؛ طواف وسعي وتقصير؛ تكون عمرة، تكون حقيقة العمرة هنا، نعم إذا سعى قبل ذلك تكون حقيقة العمرة، وين؟
طالب:. . . . . . . . .
هو مو قال عليه أن يعتمر، وبقى عليه طواف الإفاضة، وقلنا أنه ما دام عليه طواف وسعي، نعم؟ فالحكم هذا طواف وسعي الحج، والصورة صورة عمرة.
طالب:. . . . . . . . .
لكن لو سعى، وما بقي عليه إلا الطواف، والصحابي يقول: عليه أن يعتمر، نعم، نقول: عليه أن يأتي بالطواف والسعي؛ سعي الحج الذي هو في الحقيقة صورة العمرة.
طالب:. . . . . . . . .
فيكون سعيه لاغي.
طالب:. . . . . . . . .
إيه .. فيكون سعيه لاغي، يأتي بالسعي، إيه إيه، ولو أتى به في البداية؛ لأنه يلزمه أن يعتمر، ومن لازم المعتمر أن يطوف ويسعى. وين؟
طالب:. . . . . . . . .
أحنا ما وفقنا بين القولين بين قول أهل العلم فيما مضى أن الصورة صورة عمرة، وهي في الحقيقة طواف الحج وسعي الحج، سعى يكون سعيه لاغي يأتي بعمرة، بصورة عمرة، سعى وإلا ما سعى، ما يفْرِق.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه سمع بعض أهل العلم يقول: لا يشترك الرجل وامرأته في بدنة واحدة، يهدي كل واحد بدنة بدنة" يعني الرجل بدنة، والمرأة بدنة؛ ولا يشتركان في واحدة.(86/5)
وهذا قول مالك، لكن أكثر العلماء على جواز الاشتراك في الهدي، على جواز الاشتراك في الهدي، وقد روى أبو داود وغيره؛ النسائي وابن ماجة من حديث أبي هريرة: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم- ذبح عمن اعتمر من نسائه بقرة.
طالب:. . . . . . . . .
بينهن، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والتشريك في مثل هذا جائز عند جمهور أهل العلم؛ خلافاً لمالك، وهو الذي يفهم من كلامه.
وسئل مالك ..
طالب: أحسن الله إليك؛ يصح الحديث العشرة؛ التشريك بالعشرة.
التشريك بالعشرة في الغزو.
طالب: فقط.
نعم نعم في الغنائم، في الغنائم أما في الهدي، والأضاحي سبعة.
عند قسم الغنائم في مكان بعيد عن البلد، الآن فعلى الإنسان بدنة وإلا عشر من الغنم؟ بدنة يركبها ويستمتع بها إلى أن يصل، يستعملها في نقله ونقل أثاثه؟.
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
طالب. . . . . . . . .
وإلا عشر من الغنم يبلش بهم؛ يسوقهن، وإلا يؤجر عليهم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
واضح هذا، واضح أن مثل هذا أنفع.
"وسئل مالك عمن بعث معه بهدي ينحره في حج" بعث معه بهدي ينحره في حج، "وهو مهل بعمرة، هل ينحره إذا حل أم يؤخره حتى ينحره في الحج؟ " لأنه قال السؤال عمن بعث معه بهدي ينحره في حج، في حج؛ يعني في أثناء حج، وهو مهل بعمرة، المبعوث معه هذا الهدي مهل بعمرة، هل ينحره إذا حل هو؟ أو ينفِّذ ما وصي به أن هذا الهدي يُنحر في حج.
قد يكون لمن بعثه هدف وقصد؛ صحيح بأن يكون الناس قد اكتمل توافرهم في المواقف، فيستفيد من هذا الهدي أكبر قدر يمكن، أم يؤخره حتى ينحره يحج ويحل هو من عمرته؟ قال: بل يؤخره حتى ينحره في الحج، "ويحل هو من عمرته. " يعني يجمع بينهما، لكن يفترض أنه ما أحل من عمرته، هذا المبعوث معه أهل بعمرة فقط ولم يحج، هل يرتبط به ذبح الهدي؟ والوكيل هل له أثر في ما وكل عليه؟ عمله هل له أثر في ما وكل عليه؟ نعم.
الكلام كله المقصود به الموكِّل، نعم؛ ولذا لو وكل على ذبح أضحية مثلاً هل يلزمه أن يمسك عن شعره وبشره؟ ما يلزم، فالعبرة بصاحب الهدي والأضحية.
الإمام ملك -رحمه الله تعالى- قال: "بل يؤخره حتى ينحره في الحج ويحل هو من عمرته".(86/6)
يعني معروف أنه إذا جاء وقت الحج، وحل وقت النحر أنه ما عد بقي للعمرة أثر، يعني هو تصريح بما هو بمجرد توضيح، وإلا في أحد بيستمر على عمرة بوقت النحر؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما فيه أحد؛ لاسيما ممن قدم في أيام الحج من أجل الحج.
قال مالك: "والذي يحكم عليه بالهدي في قتل الصيد، أو يجب عليه هدي في غير ذلك فإن هديه لا يكون إلا بمكة".
يعني كل هدي فهو لمساكين الحرم، كل هدي واجب فإنه لمساكين الحرم.
أو يجب عليه هدي في غير ذلك؛ فإن هديه لا يكون إلا بمكة؛ "كما قال الله -تبارك وتعالى-: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [سورة المائدة (95)] "، هدياً بالغ الكعبة، "وأما ما عُدل به الهدي من الصيام أو الصدقة، فإن ذلك يكون بغير مكة، حيث أحب صاحبه أن يفعله فعله".
تمسك الإمام مالك بقوله -جل وعلا-: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [سورة المائدة (95)]، وفهم منه أن ما عدى الهدي يجوز أن يكون بغير مكة.
الصيام يقول أهل العلم: حيث شاء، يصوم حيث شاء، لماذا؟ لأنه لن ينتفع بصيامه مساكين الحرم؛ لكن الهدي واضح أنه لمساكين الحرم، الإطعام يستفيد منه مساكين الحرم، وإلا ما ستفيدون؟ يستفيدون؛ ولذا يقول جمع من أهل العلم: أن حكم الإطعام حكم الهدي، إنما يكون لمساكين الحرم.
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن يعقوب بن خالد المخزومي عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر" بن أبي طالب "أنه أخبره أنه كان مع" مولاه "عبد الله بن جعفر، فخرج معه من المدينة" يقصدون .. أين يقصدون؟
طالب: مكة.
مكة.
"فمروا على حسين بن علي" الحسين بن علي سبط النبي -عليه الصلاة والسلام- "وهو مريض بالسُقْيا" وقرية جامعة من أعمال الفُرع "فأقام عليه عبد الله بن جعفر" يمرِّضه .. فقام عليه يمرضه "حتى إذا خاف الفتوات خرج" ما عاد بقي وقت يكفي، تركه وخرج إلى مكة.
"وبعث إلى علي بن أبي طالب" وهو بالمدينة، الآن لن يترك حسين بدون من يمرضه، عبد الله بن جعفر عازم على الحج، فتركه خشية فوات الحج، فبعث إلى علي بن أبي طالب "وأسماء بنت عميس" وكانت تحت علي بن أبي طالب في هذا الوقت، وكانت قبل ذلك تحت أبي بكر الصديق، وكقبله تحت .. ؟
طالب: جعفر .. جعفر بن أبي طالب.(86/7)
جعفر بن أبي طالب، وكانت .. أقول: وبعث إلى علي بن أبي طالب وأسماء بنت عميس من أجل أن يمرضانه، "وهما بالمدينة" .. وهما بالمدينة، يعني ما حجَّا في تلك السنة.
"فقدما عليه، ثم إن حسيناً أشار إلى رأسه" يشكوا من وجع في رأسه "فأمر علي برأسه فحُلق، ثم نسك عنه بالسقيا فنحر عنه بعيراً" هذا فعل من؟ فعل علي بن أبي طالب؛ وهو الصحابي الخليفة الراشد ممن أمرنا بالإقتداء به، {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ} [سورة البقرة (196)]، وحديث كعب بن عجرة سبب نزول الآية واضح؛ أنه احتاج إلى الحلق فقالوا: انسك، وهنا أمر علي برأسه فحلق، أمر بشعر رأسه فحلق، كما فعل بكعب بن عجرة.
ثم نسك عنه بالسقيا، يعني في مكان استحلال المحظور؛ النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أمر بحلق رأس كعب بن عجرة هل قال له: انحر في مكة هدياً بالغ الكعبة، أو قال: ((أتجد شاة)). قال: لا، قال: ((انسك نسيكة))؛ يعني في مكانك، هذا الأصل، ولو كان مما يجب نحره، نعم؟ في مكة لبينه؛ ولذا قال: ثم نسك عنه بالسقيا، فنحر عنه بعيراً، {فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [سورة البقرة (196)]، وهي على التخيير كما هو ظاهر "أو"، وإن كان بعضهم يرى الترتيب؛ لكن "أو" هنا ظاهرة في التخيير.
رأي الإمام مالك أن مثل هذا ينحر واين؟ كلامه السابق، "والذي يحكم عليه بالهدي في قتل الصيد، أو يجب عليه هدي في غير ذلك" يعني بسبب ترك مأمور مثلاً، أو ارتكاب محظور مما يوجب الهدي "فإن هديه لا يكون إلا بمكة، كما قال تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [سورة المائدة (95)] "، وأما الصيام والصدقة في أي مكان، وعرفنا الخلاف في الصدقة.
هنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- نحر عنه بعيراً بالسقيا، وليست بمكة؛ فدل على أن مكان ذبح ما ترتب على قتل الصيد أو ارتكاب المحظور أنه في مكانه، ولا يلزم أن يبعث إلى الحرم؛ والمسألة خلافية.
"قال يحيى بن سعيد: وكان حسين" حسين بن علي "خرج مع عثمان بن عفان" يعني للحج "في سفره ذلك إلى مكة. " ولم يخرج علي -رضي الله تعالى عنه- في هذه السنة. نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(86/8)
لا، لا هذه بدنة، يجب عليه بدنة كاملة، لكن لو وجب عليه شاة.
طالب: ما الفرق بين هدي التمتع والقران، وبين هدي ارتكاب المحظور، وإنه جمع. . . . . . . . .
لا ما وجب فيه البدنة .. ، لا كيف يشترك وهو واجب عليه بدنة كاملة؟ لكن لو وجب عليه شاة مثلاً.
طالب: كلامه مفهوم مفهوم.
وين؟
طالب:. . . . . . . . . كل واحد منهم عليه بدنة. . . . . . . . .
لا حتى لو كان واحد عليه شاة يشركان في بدنة؟ لا، عنده لا؛ ما فيه اشتراك، والجمهور على جواز الاشتراك. نعم.
أحسن الله إليك.
باب: الوقوف بعرفة والمزدلفة:
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: ((عرفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن عُرَنة، والمزدلفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن محسر)).
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: "اعلموا أن عرفة كلها موقف إلا بطن عُرَنة، وأن المزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر".
قال مالك -رحمه الله-: قال الله -تبارك وتعالى-: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [سورة البقرة (197)]؛ فالرفث: إصابة النساء -والله أعلم-؛ قال الله -تبارك وتعالى-: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ} [سورة البقرة (187)]، قال: والفسوق: الذبح للأنصاب -والله أعلم-؛ قال الله -تبارك وتعالى-: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ} [سورة الأنعام (145)]، قال: والجدال في الحج: أن قريشاً كانت تقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة بقُزَح، وكانت العرب وغيرهم يقفون بعرفة، وكانوا يتجادلون، يقول هؤلاء: نحن أصوب، ويقول هؤلاء: نحن أصوب؛ فقال الله –تعالى-: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ} [سورة الحج (67)]، فهذا الجدال فيما نُرى والله أعلم؛ وقد سمعت ذلك من أهل العلم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب الوقوف بعرفة والمزدلفة".(86/9)
الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج؛ و ((الحج عرفة))، والوقوف بالمزدلفة من واجبات الحج في قول الأكثر وليس بركن خلافاً لمن زعم ذلك، وليس بسنة كما قاله بعض أهل العلم، فالترخيص فيه لأهل الأعذار، يدل على عدم ركنية، إذ الركن لا يرخص فيه، وأيضاً الحاجة إلى الترخيص يدل على الوجوب، إذ المندوب لا يحتاج إلى استئذان وطلب رخصة؛ فأعدل الأقوال أن المبيت بمزدلفة واجب؛ من تركه يجبره بدم عند جمهور العلماء.
قال: "حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((عرفة كلها موقف .. )) "
يعني يجزئ الوقوف في أي جزء منها، على أن يتأكد الإنسان أنه في محيط عرفة، داخل عرفة، ولا يتساهل في هذا؛ لأنه لو وقف وانصرف وهو قريب جداً من حدود عرفة لمَّا يدخلها، حجه ليس بصحيح، فعرفة كالها موقف فيجزئ فيها " ((وارتفعوا عن بطن عُرَنة)) " وهو موضع بين منى وعرفات؛ يقولون ما بين العلمين الكبيرين جهة عرفة، والعلمين الكبيرين من جهة منى؛ يعني من بين الحدود.(86/10)
وبطن عرنة ليس من عرفة؛ ولذا أمر بالارتفاع عنه، ونسب للإمام مالك -رحمه الله تعالى- أنه يقول: أن بطن عرنة من عرفة؛ لكن لا يجوز –يجزئ- لكن لا يجوز الوقوف فيه؛ يحرم الوقوف ببطن عرنة، وإن كان من عرفة، طيب الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((وارتفعوا عن بطن عرنة))، كيف يقول ارتفعوا وهو من عرفة؟ قالوا: لأنه لو لم يكن من عرفة؛ لما احتاج أن يذكر؛ ((عرفة كلها موقف))؛ لكن مفهومه أن ماعدا عرفة ليس بموقف، فلو كان بطن عرنة ليس من عرفة لما احتيج إلى التنبيه عليه؛ ولذا لم يقل -عليه الصلاة والسلام-: عرفة كلها موقف، وارتفعوا عن منى، ارتفعوا عن مزدلفة؛ لأنها ليست من عرفة؛ لكن لما كانت بطن عرنة من عرفة احتاج إلى أن ينبه عليه؛ لأن الوقوف لا يجوز فيه، يأثم والوقف فيه وإن كان مجزئاً؛ والصواب قول عامة أهل العلم: أن بطن عُرنة ليس من عرفة؛ فلذا من وقف فيه فحجه باطل " ((وارتفعوا عن بطن عرنة، والمزدلفة كلها موقف .. )) " المزدلفة يقال لها جمع؛ لأنه يجتمع فيها الناس بعد الوقوف، وهي أيضاً يزدلف فيها الناس يتقربون فيها، " ((والمزدلفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن محسِّر .. )) " ارتفعوا عن بطن محسِّر؛ وهو وادٍ بين منى ومزدلفة؛ يقال: إن فيه أبرهة حسَر فيه وأعيى، وكل وتعب "وارتفعوا عن بطن محسر .. نعم .. و ...
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه في وقت الوقوف وجد في عرفة.
طالب:. . . . . . . . .
يعني من غير نية من غير قصد.
طالب:. . . . . . . . .
يعني ما قصد أن يدخل إلى عرفة، الأصل ..
طالب: هو عند نفسه الموقف. . . . . . . . . .
أنا عارف؛ لكن دخوله .. تصوره باطل يعني؛ وما يتبع هذا التصور من الوقوف باطل؛ لكن هو دخل عرفة، ووجد فيها في الظرف الذي هو وقت الوقوف؛ لكنه من غير قصد، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
يعني أنت افترض أنه يبي .. يقصد مكان ثم صرفه المرور إلى جهة ودخل عرفة، وخرج منها على أساس إنها ما هي بعرفة، مثله.
طالب:. . . . . . . . .(86/11)
معروف كلامك واضح؛ لكن حديث عروة بن مضرس: ((من أدرك صلاتنا هذه، وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة أية ساعة من ليل أو نهار؛ فقد أدرك الحج))؛ فكونه هؤلاء يقولن: لو مُر به؛ لكن أللي يظهر أنه ما دام الوقوف بعرفة عبادة من العبادات، وركن ركين من أركان هذه العبادة التي هي من أركان الحج إنه لابد أن يقصد؛ لأن الأعمال بالنيات؛ فإذا لم يقصد الدخول، ولم يقصد الوقوف بعرفة؛ لا يجزئ.
طالب:. . . . . . . . .
إيه؛ هل هو رجع، ووقف وإلا ما رجع.
طالب:. . . . . . . . .
صلاة الفجر.
طيب، وايش أللي ترتب عليه؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن وقف مرة بعرفة والجبال ناوياً والوقوف عندها، وإن لم يعرفها؛ لكن إذا تردد شخص جاء بعد ما انصرف الناس، ثم تردد هل هذه عرفة أو هذه؟ قال هذه نحتمل .. ؛ مثل جهات القبلة إذا أشكلت عليه؛ يصلي إلى عدد الجهات التي تحتمل أنها القبلة، فوقف عند هذا الجبل باعتبار أنها عرفة، ثم وقف عند الجبل الثاني باعتبار أن؛ يعني قصد الوقوف في هذا المكان؛ إذاً ما ينفع؛ لما دخل لو قال: والله أنا شاك الآن في هذا المكان، أنا جالس على أساس أنه من عرفة –وهو بطن عرنة- لكن أنا شاك أبي أدخل –أيضاً- أجرب هذا المكان؛ لكن قاصد لدخوله؛ فرق بين هذا وهذا.
طالب: هو رجع لبطن عرنة يظن إنه مو بعرفة، هو طلع إنه يشري، ثم رجع لبطن عُرنة يخاف أنه مو بعرفة.
لا هو متأكد؛ يعني يغلب على ظنه أنه بعرفة، وهو ببطن عرنة، البقاء لازم وجوده في عرفة؛ فدخل يشتري ورجع ما قصد الوقوف في دخوله.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما تكفي.
طالب:. . . . . . . . .
لكن هذه عبادة تحتاج إلى نية، ((وإنما الأعمال بالنيات)).
طالب:. . . . . . . . .
واين؟
طالب:. . . . . . . . .
إحنا أكملنا ..
طالب:. . . . . . . . .(86/12)
شوف يا أخي؛ هنا فرق بين شخص يعرف أن عرفة فيها جبل، وجاء وقف عند جميع الجبال على أساس أنها عرفة؛ هذا حجه؟ صحيح؛ لأنه قاصد الوقوف عند هذا الجبل؛ لكن شخص ما بذهنه أنه يدخل لعرفة؛ هو لزم هذا المكان الذي ليس من عرفة، وانتهى وقت الوقوف في هذا المكان، والذي يغلب على ظنه أنه بعرفة، ماذا نقول عن حجه؟ صحيح وإلا فاته الحج؟ فاته الحج. هو رأى مثلاً قيل له: قم عن هذا المكان؛ قم لا تجلس في هذا المكان، هذا المكان ممنوع الجلوس فيه، ثم دخل إلى عرفة غير قاصد؛ وهو عنده أن وقوفه في المكان الأول، نيته للمكان الأول، أو مثلاً لاح له لائح؛ مثلاً: بقالة وإلا شيء بيشتريه، أو دورة مياه مثلاً: بعرفة راح بيقضي حاجته ويرجع؛ هل نقول أنه قصد الوقوف في هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا .. هو خرج من عرفة، هو في نيته أنه خرج من عرفة، هو في نيته أن بطن عرنة هل هي عرفة؟
طالب:. . . . . . . . . ما حدد. . . . . . . . .
يعني قصده هذا المكان، وما حوله كله عرفة، ودخل في الجزء، ال ... لا إشكال فيه، ما فيه إشكال، لا أنا أتصور لو كان دخوله لعرفة بنية الخروج من عرفة.
طالب: لا هو ما يعرف. . . . . . . . .
ما في إشكال.
طالب:. . . . . . . . .
ما في إشكال؛ الإشكال فيما لو دخل عرفة بنية الخروج من عرفة.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
حتى الذي دخل فيه ألي فيها البقالة من عرفة.
طالب: نعم.
انتهى الإشكال، انتهى؛ لكن لو قام من مكانة بنية الخروج من عرفة من أجل أن يشتري.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذا يختلف تماماً. نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
ولو لحظة، مجرد مرور، يكفي عند أهل العلم ولو مرور.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؛ ولو بالليل، ولو بالليل ما لم يطلع الفجر.(86/13)
((وارتفعوا عن بطن محسر))؛ هذا الحديث اللي ذكره الإمام مالك بلاغاً، وهو موصول في صحيح مسلم من حديث جابر؛ في الحديث الطويل، وأيضاً في السنن من حديث أبي هريرة؛ فالحديث صحيح، حديث جابر: ((وقفت هاهنا، وعرفة كالها موقف))، ((وقفت هاهنا، وجمع كلها موقف)) المقصود أن الحديث لا إشكال فيه.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة" يعني ابن الزبير "عن" عمه "عبد الله بن الزبير أنه كان يقول: اعلموا أن عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة، وأن المزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر".
وبمعنى الحديث السابق، وهذا وإن كان موقوفاً؛ إلا أن الإمام مالك -رحمه الله تعالى- كثيراً ما يردف المرفوع بالموقوف؛ ليبين استمرار العمل بهذا الحديث، وأنه أفتي به بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- فليس بمنسوخ.
"قال مالك -رحمه الله-: قال الله -تبارك وتعالى-: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [سورة البقرة (197)] " يريد أن يفسر الأمور الثلاثة؛ الرفث والفسوق والجدال قال: "فالرفث: إصابة النساء" الذي هو الجماع؛ وعلى هذا إذا كان دون الجماع؛ فيما دون الجماع، سواء كان بقول أو بفعل، يدخل في الرفث وإلا ما يدخل؟
طالب:. . . . . . . . .
على كلامه.
طالب: على كلامه. . . . . . . . .
ما يدخل، "فالرفث: إصابة النساء -والله أعلم-؛ قال الله -تبارك وتعالى-: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ} [سورة البقرة (187)] " فالمقصود به هنا الجماع، ولو أن أهل العلم؛ عامة أهل العلم على أن الرفث: الجماع، وما يقصد به الجماع، والكلام الفاحش الذي يواجه به النساء، ومنهم من يرى إطلاق الرفث على الكلام المتعلق بالنساء؛ ولو كان بين الرجال؛ البيت المنسوب الذي يذكر عن ابن عباس معروف لكنه غير مناسب أن في مثل هذا المكان.(86/14)
قال: والفسوق: الذبح للأنصاب" إصابة النساء فرد من أفراد الرفث، والفسوق الذبح للأنصاب فرد من أفراد الفسوق؛ فهل معنى هذا أن مالك يقصر تفسير العام بفرده، أو يريد أن يمثل؟ وهو يقول: الرفث إصابة النساء؛ تعريف الجزأين؛ تعريف الجزأين يدل على الحصر؛ لكن لاشك أن مثل هذا يكون من باب التعريف بالفرد من الأفراد، وهذا لا يقتضي التخصيص، في الحديث: ((ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي))؛ في تفسير النبي -عليه الصلاة والسلام- لقوله -جل وعلا-: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [سورة الأنفال (60)]، قال عليه الصلاة والسلام: ((ألا إن القوة الرمي))؛ هذا فرد من أفراد؛ الرمي لا يقتضي الحصر ولا يخصص به، ومثله ما معنا.
"قال: والفسوق: الذبح للأنصاب -والله أعلم-؛ قال الله -تبارك وتعالى-: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [سورة الأنعام (145)] " لاشك أن هذا من أعظم الفسوق، كما أن إصابة النساء من أشد الرفث؛ فمثل هذا التفسير لا يقتضي الحصر.
"قال: والجدال في الحج: أن قريشاً كانت تقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة بقُزَح، وكانت العرب وغيرهم يقفون بعرفة" يعني الحُمْص لا يخرجون عن الحرم، ويقولون: نحن أهل الحرم كيف نخرج عنه؟ وأما من عداهم من قبائل العرب فهؤلاء يخرجون إلى الحل؛ والحل هنا عرفة؛ ولذا لما جاء جبير بن مطعم إلى عرفة وقد أضل بعيره؛ وجد النبي -عليه الصلاة والسلام- واقف مع الناس استغرب! كيف يقف مع الناس وهو من الحمص؟! والحمص لا يخرجون من الحرم!: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [سورة البقرة (199)]، يعنى ما فيه فرق بين قرشي هاشمي، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما في فرق بينه وبين غيره، الذي يجب عليه يجب على غيره في مثل هذه العبادات.(86/15)
"قال: والجدال في الحج أن قريشاً كانت تقف عند المشعر الحرام من مزدلفة بقزح، وكانت العرب وغيرهم يقفون بعرفة" يخرجون عن الحرم؛ لأنهم ليسو هم أهل الحرم "وكانوا يتجادلون يقول هؤلاء: نحن أصوب، ويقول هؤلاء: نحن أصوب" كل يصوب فعله ويتجادلون؛ فهذا هو فرع وصورة من صور الجدال؛ قل مثل هذا في ما يحصل في اجتماع الناس من عامة، ومن صالحين، وأخيار وطلاب علم؛ يكثر الجدال والنزاع، وأحياناً لا أثر له ولا نتيجة عملية؛ ما له فائدة؛ ما يترتب عليه فائدة، ويطول الجدال، وترتفع الأصوات؛ وهذا داخل .. هذا داخل؛ لاشك أنه جدال وفي الحج –أيضاً-.
"فقال الله –تعالى-: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ} [سورة الحج (67)]، فهذا الجدال"، المقصود أن الإنسان يتمسك بالحق الذي عليه الدليل، ولا يتعصب لرأيه، أو تأخذه العزة بالإثم؛ فينتصر لقول باطل لا دليل عليه؛ قد يزيد على ذلك؛ فيلزم بلوازم؛ ولو كانت باطلة؛ مثل هذا هو الجدال الممنوع.
"فهذا الجدال فيما نُرى" يعني فيما نظن "والله أعلم؛ وقد سمعت ذلك من أهل العلم". نعم.
أحسن الله إليك.
باب: وقوف الرجل وهو غير طاهر، ووقوفه على دابة:
سئل مالك –رحمه الله تعالى- هل يقف الرجل بعرفة، أو بالمزدلفة، أو يرمى الجمار، أو يسعى بين الصفا والمروة وهو غير طاهر؟ فقال كل أمر تصنعه الحائض من أمر الحج فالرجل يصنعه وهو غير طاهر، ثم لا يكون عليه شيء في ذلك؛ ولكن الفضل أن يكون الرجل في ذلك كله طاهراً، ولا ينبغي له أن يتعمد ذلك.
وسئل مالك عن الوقوف بعرفة للراكب؛ أينزل أم يقف راكباً؟ فقال: بل يقف راكباً إلا أن يكون به أو بالدابة علة؛ فالله أعذر بالعذر.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب وقوف الرجل" ومثله المرأة "وهو غير طاهر" وقوف الرجل بعرفة وهو غير طاهر، ومثله المرأة؛ فالمرأة الحائض تقف: ((افعلي واصنعي ما يصنع الحاج؛ غير أن لا تطوفي بالبيت))، فالحائض تقف مع الناس؛ وهل الجنب يقف مع الناس؟ وإلا ما يقف؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .(86/16)
صلى الجمع الظهر والعصر في أول الوقت، ثم غفا إغفاءة احتلم فيها؛ يلزمه أن يغتسل الآن وإلا متى ما اغتسل؟ إذا أراد الصلاة بمزدلفة؟
طالب:. . . . . . . . .
يلزم وإلا ما يلزم.
طالب:. . . . . . . . .
إذا أراد الصلاة يلزمه. . . . . . . . . ما بيصلي وهو جنب، لكن بيقف الآن؛ هو الآن صلى في الساعة الواحدة، ظهر وعصر جمع تقديم، ثم أغفى إغفاءة يسيرة احتلم فيها، وكم بقي على الغروب؟ بقي ست ساعات، يقول: أنا ما أنا مغتسل حتى أريد الصلاة التي من شرطها الطهارة، يبي يقف وهو جنب، شو المانع.
طالب:. . . . . . . . .
الحائض تقف: ((اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي في البيت)).
طالب:. . . . . . . . .
يدعو لكن ما يقرأ؛ يقول: ما أنا بقارئ؛ بس أبي أدعو دعاء.
طالب:. . . . . . . . .
يعني لو سكت من دخل عرفة إلى أن خرج؛ نقول: محروم؛ لكن وقوفه صحيح وإلا باطل؟
طالب: صحيح.
صحيح يا أخي، لكن هل يلزمه أن يغتسل الآن؟
طالب: لا يلزمه إلا إذا أراد أن الصلاة.
إلا إذا أراد الصلاة، أو أراد ما يشترط له الطهارة؛ فوقوف الرجل وهو غير طاهر؛ يقف وهو غير طاهر، لكن لاشك أن الأكمل أن يقف طاهراً؛ كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ووقوفه على الدابة، النبي -عليه الصلاة والسلام- وقف على الدابة؛ كما في حديث جابر في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجعل بطنه إلى الصخرات، وهو متجه إلى القبلة. نعم.(86/17)
يقول: إن الإمام مالك ممن عرف عنه أنه لا يروي إلا عن ثقة، وخرَّج الرواية عن عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف؛ الإمام مالك هذه طريقته وهذا منهجه، وكونه يحصل ما يخل بهذا المنهج؛ هذا موجود عند عامة أهل العلم، تقعيد شيء ثم عند التطبيق يخرجون عن هذا التقعيد، لأمر يحتث بما خرجوا إليه، والإمام مالك فيما نقل عنه قال: إن هذا -أبا أمية عبد الكريم بن أبي المخارق- قال: إنه غره بكثرة جلوسه في المسجد؛ فخرج عنه، روى عنه، المقصود أنه ليس بمعصوم، من قعد قاعدة لابد أن تنخرم عليه؛ يذكرون قواعد عامة ثم بعد ذلك يخالفونها؛ إما لأمر اقتضى هذه المخالفة، أمر احتث بما خرجوا إليه، أو لأنهم غفلوا عن ذلك؛ ولذا قالوا: من اشترط أن لا يروي إلا عن ثقة، ثم روى عن من لم يسمه، أو نص على أنه ثقة، حدثني الثقة، يقبل؟ ما يقبل حتى يسمه؛ ولو قال: جميع أشياخه ثقات، لا يقبل حتى يسمي من يروي عنه منهم؛ لأنه قد يكون ثقة عنده؛ لكنه عند غيره ليس بثقة؛ فمثل هذا ما يستدرك على مالك -رحمه الله-.
يقول: "باب وقوف الرجل وهو غير طاهر، ووقوفه على دابة".
"سئل مالك: هل يقف الرجل بعرفة، أو بالمزدلفة، أو يرمي الجمار، أو يسعى بين الصفا والمروة وهو غير طاهر؟ فقال: كل أمر تصنعه الحائض من أمر الحج فالرجل يصنعه وهو غير طاهر"
لأنه ما استثني بالنسبة للحائض إلا الطواف بالبيت، فما عدا ذلك يصح من المرأة الحائض، ويصح من غيرها ممن هو غير طاهر.
"فالرجل يصنعه وهو غير طاهر ثم لا يكون عليه شيء في ذلك" ثم لا يكون عليه شيء في ذلك.
سعى وهو غير طاهر، يلزمه شيء؟ وقف وهو غير طاهر، يلزمه شيء؟
شخص كبير السن من العوام سعى أربعة عشر شوطاً، لأنه فاهم أن السعي رايح جاي، ذهاباً وإياباً، فلما أتم السعي، استرجع وقال: أنه على غير طهارة، فتوضأ ثم أعاده، أربعة عشر ثانية، ثم بعد ذلك سعى، فقيل له: يكفيك ربع ما صنع. هو صحيح على فعله يعني سعى ثمانية وعشرين شوط، نعم.
ثم لا يكون عليه شيء في ذلك، والفضل أن يكون الرجل في ذلك كله طاهر.(86/18)
نعم هذه عبادات، ومزاولتها على أكمل حال لا شك أنه أفضل، وهذا من تعظم شعائر الله، جاء في الصلاة {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [سورة الأعراف (31)]، فكون الإنسان على أكمل هيئة، ويفعل ذلك كما قال الإمام مالك -رحمه الله-: على أكمل الوجوه، وقد كان الإمام مالك ممن يعتني بهذا الأمر، ويهتم لشؤون العبادات والتحديث وغيرها، كلها يعطي على أكمل وجه.
"والفضل أن يكون الرجل في ذلك طاهراً، ولا ينبغي له أن يتعمد ذلك" لا ينبغي له أن يتعمد أن يكون على غير طهارة، فإن تيسر له أن يرفع الحدث فليبادر.
"وسئل مالك عن الوقوف بعرفة للراكب" سئل مالك عن الوقوف بعرفة للراكب، قلنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وقف راكباً "أينزل أم يقف راكباً؟ فقال: بل يقف راكباً" اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- "إلا أن يكون به" لا يستطيع أن يستمر واقفاً على الدابة، به علة "أو بدابة" علة، بحيث لا تطيق أن تحمله وقت الوقوف، فإن كان به "أو بدابة علة فالله أعذر بالعذر"، يعني فالله -جل وعلا- يعذره لأن هذه سنن، وغاية ما يقال في تركها أنها مكروهة، غاية ما يقال في ذلك؛ والكراهة تزول بأدنى حاجة كما يقول أهل العلم. نعم.
أحسن الله إليك.
باب: وقوف من فاته الحج بعرفة:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: "من لم يقف بعرفة من ليلة المزدلفة قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج، ومن وقف بعرفة من ليلة المزدلفة من قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج".
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: "من أدركه الفجر من ليلة المزدلفة ولم يقف بعرفة فقد فاته الحج ومن وقف بعرفة من ليلة المزدلفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج".
قال مالك في العبد يعتق في الموقف بعرفة: فإن ذلك لا يجزئ عنه من حجة الإسلام إلا أن يكون لم يحرم فيحرم بعد أن يعتق، ثم يقف بعرفة من تلك الليلة قبل أن يطلع الفجر فإن فعل ذلك أجزأ عنه، وإن لم يحرم حتى طلع الفجر كان بمنزلة من فاته الحج إذا لم يدرك الوقوف بعرفة قبل طلوع الفجر من ليلة المزدلفة، ويكون على العبد حجة الإسلام يقضيها.(86/19)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: وقوف من فاته الحج بعرفة".
وقوف من فاته الحج بعرفة، بعرفة: جار ومجرور متعلق بايش؟ وقوف بعرفة من فاته الحج، الجار والمجرور بايش؟ الآن الجار والمجرور متعلق بوقوف.
طالب:. . . . . . . . .
وقوف بعرفة من فاته الحج؟
طالب:. . . . . . . . .
أو فاته الحج بفوات عرفة؟
طالب:. . . . . . . . .
باب وقوف بعرفة من فاته الحج؛ يعني إذا وقف بعرفة من فاته الحج ما الحكم؟ جاء يوم النحر ووقف بعرفة، يقول باب وقوف من فاته الحج بعرفة، أو فاته الحج بفوات عرفة، تقديره هكذا؟
"حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: من لم يقف بعرفة من ليلة المزدلفة قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج، ومن وقف بعرفة من ليلة المزدلفة من قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج".
كلام ابن عمر موافق لما جاء بحديث عروة بن مضرس: ((من أدرك صلاتنا هذه، وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة أية ساعة من ليل أو نهار؛ فقد أدرك الحج))؛ مفهومه أن من لم يدرك ساعة من ليل أو نهار، قبل صلاة الصبح؛ قبل طلوع الصبح؛ فإنه يكون حينئذ فاته الحج "من لم يقف بعرفة من ليلة المزدلفة قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج، ومن وقف بعرفة من ليلة المزدلفة من قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج"؛ يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه" عروة بن الزبير "أنه قال: من أدركه الفجر من ليلة المزدلفة، ولم يقف بعرفة؛ فقد فاته الحج، ومن وقف بعرفة من ليلة المزدلفة من قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج" فالوقوف بعرفة يجزئ بالوقوف ولو يساراً بعرفة في اليوم التاسع وليلة العاشر التي هي ليلة النحر، ويقولون: إن كل ليلة تابعة لليوم الذي يليها إلا ليلة يوم النحر؛ فهي تابعة لليوم الذي قبلها؛ يعني حكماً؛ لأنك ما تستطيع أن تقول: هذه ليلة عرفة، ليلة النحر، تقول: ليلة النحر؛ لكن ما تقول: ليلة عرفة، وإن كانت في الحكم تابعة ليوم عرفة لإجزاء الوقوف فيها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أما من مر بها ليلاً فلا شيء عليه عند أهل العلم، ما عليه شيء.
ومن وقف بها نهاراً ثم انصرف قبل غروب الشمس، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(86/20)
هذا قالوا: خالف فعل النبي -علية الصلاة والسلام- فيجبر هذه المخالفة بالدم؛ هذا إذا انصرف قبل غروب الشمس، أما إذا انتظر حتى تغرب الشمس ثم انصرف؛ فلا شيء عليه، وقد أدى ما عليه؛ هذا فعله -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
الوقوف قبل الزوال؛ حديث عروة بن مضرس: ((وكان قد وقف قبل ذلك ساعة من ليل أو نهار)) يدل على جواز الوقوف قبل الزوال؛ لأنه يصدق عليه أنه وقف ساعة من نهار وهذا قول الحنابلة؛ الحنابلة يجيزون الوقوف قبل الزوال؛ استدلالاً بعموم هذا الحديث، وغيرهم يقول: لا يجزئ الوقوف قبل الزوال؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- تحرى ذلك، وصلى الجمع ثم وقف، ولم يذكر عن أحد من أصحابه أنه وقف قبل الزوال.
طالب:. . . . . . . . .
ما هو بهذا الله يهديك.
طالب:. . . . . . . . .
قضينا من عروة بن مضرس، قضينا منه.
هذا النبي -عليه الصلاة والسلام- لما صلى الظهر والعصر جمع؛ دخل عرفة؛ نعم؟ لماذا لم يدخل قبل الصلاة وينصرف قبل الصلاة؟
أو يستفتى هل الوقوف قبل الصلاة يجزئ أو ليس بمجزئ؛ يعني قبل الزوال؟ ما وقع من أصحابه -عليه الصلاة والسلام- أن أحداً منهم وقف قبل الزوال؛ فوقف هكذا، وقال: ((خذوا عني مناسككم))؛ أما بالنسبة للحاجة للسائل فليست داعية؛ لأنه ما تتصور أنه واقف قبل الزوال، مار عروة بن مضرس عرفة قبل الزوال وجاين يالله يدرك صلاة الفجر. نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
قاعدة عامة. إيه.
طالب: قاعدة عامة.
إيه. لكن هل الفعل يخصص القول؛ القول يُخَص بالفعل؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو فعل فعل؛ يعني وقع في فعله -عليه الصلاة والسلام- ما هو ركن، ووقع في فعله ما هو واجب، ووقع في فعله ما هو مستحب، وقال عن الجميع: ((خذوا عني مناسككم)).
فالأدلة الأخرى هي التي ترجح؛ هل هو ركن وإلا واجب وإلا مستحب؟ لابد من النظر في الأدلة الأخرى.(86/21)
فهل وقوفه -عليه الصلاة والسلام- بعد الزوال وقوله: ((خذوا عني مناسككم)) كاف في إيجاب الوقوف في هذا الوقت، وأنه لو وقف في غيره لا يجزئ، الجمهور على هذا؛ الجمهور على أنه لا وقوف قبل الزوال، والمعروف عند الحنابلة أنه يجزئ. هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
شو .. أيش؟
طالب:. . . . . . . . .
الحنابلة عملو بحديث عروة بن مضرس، والجمهور عملوا بفعله -عليه الصلاة والسلام- شو على أيش؟
طالب:. . . . . . . . .
"قال مالك في العبد يعتق في الموقف بعرفة" حج به سيده لما صار بعرفة قال: أنت حر.
قال مالك في العبد يعتق في الموقف بعرفة "فإن ذلك لا يجزئ عنه من حجة الإسلام" يعني لا يقع؛ لا يجزئ عنه؛ بل لابد أن يحج حجة الإسلام؛ قل مثل هذا فيمن بلغ بعرفة، وكان وقت إحرامه غير مطالب بالحج على جهة الوجوب، فلما أحرم الصبي بالحج على نية النفل أو الفرض؟
طالب: النفل.
النفل؛ العبد لما أحرم بالحج، والمعمول به أنه يلزمه إذا عتُق حجة الإسلام، هذا أحرم بالحج ثم لما وصل إلى عرفة بلغ الصبي وعتق الرقيق؛ هل نقول كمل، وانقلب الإحرام من نفل إلى فرض؟ ينقلب وإلا ما ينقلب؟
طالب: ما ينقلب.
الإمام مالك يقول: "في العبد يعتق في الموقف بعرفة فإن ذلك لا يجزئ عنه من حجة الإسلام، إلا أن يكون لم يحرم" يعني جاء يوم عرفة وهو ما أحرم؛ يحرم، وإحرامه يكون بعد عتقه يكون نفل وإلا فرض؟
طالب: فرض.
فرض، وإحرامه بعد بلوغه نفل وإلا فرض؟
طالب: فرض.
فرض؛ نعم. "إلا أن يكون لم يحرم فيحرم بعد أن يعتق ثم يقف بعرفة من تلك الليلة" يعني مثل ما صور النووي -رحمه الله تعالى- من أفسد حجه؛ هل يمكن أن يقضي هذا الحج الفاسد في هذه السنة؟ صوره في مسألة واحدة، وهي أيش؟ أذا أُحصر، وتحلل، ثم فك الإحصار؛ خلاص نوى الخروج بطريق شرعي من النسك، ثم بعد ذلك يفك الإحصار له أن يحرم، ويأتي بحجة هي قضاء ما أفسد من حج. هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
الصحابة غيروا؛ غيروا من حج إلى عمرة، والذي حج عن غيره قيل له: ((حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة))، المقصود أن مثل هذا ..
طالب:. . . . . . . . .
إيه؛ لأنه يحل محله، يحل محله.
طالب:. . . . . . . . .
نعم.(86/22)
طالب:. . . . . . . . . الصبي.
طيب والرقيق له حج.
طالب:. . . . . . . . .
له حج.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما يجزئ.
طالب: ما يجزئ.
الصبي هذا الذي رُفع له حج من حيث الأجر؛ لكن لا يجزئ عن حجة الإسلام، ومثله من عتق.
"إلا أن يكون لم يحرم، فيحرم بعد أن يعتق ثم يقف بعرفة من تلك الليلة" يعني يستطيع؛ الآن المسألة المفترضة فيه من وصل إلى المحرم وهو غير مكلف، أو رقيق، ثم لما وصل عرفة كُلِّف، أو اعتق الرقيق، هل نقول له: ارجع إلى المحرم، وأحرم من جديد بنية أداء الفريضة؟ أو نقول: إن النية نفسها انقلبت من نفل إلى فرض؟ الإمام مالك يقول: لا؛ إذا أحرم –خلاص- لزمه ما أحرم به، نفل نفل؛ فرض فرض، وين؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، إذا عتق وهو بعرفة وهو لم يحرم؛ يعني ترو كثير من الناس الآن موجودين بعرفة وهم عليهم ثيابهم، ما أحرموا، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
موجود هذا؛ لاسيما من يتولى الخدمة؛ لأن الخدمة بالثوب أيسر له، ثم بعد ذلك يحرم؛ هل نقول له تحرم من مكانك أو من الميقات الذي مررت به؟ نعم، يعني من حيث أنشاء .. من حيث أنشاء. نعم.
طالب: إذا كان متمتع.
إذا كان متمتع نعم يتصور في المتمتع؛ دخل بعمرة ثم بين الحج والعمرة كلف أو اعتق، هذا يحرم عادي، يحرم بحج واجب لا إشكال فيه؛ لكن جاء ينشأ العمرة، ولا أحرم من الحج .. ولا أحرم، وإلا أنهى من نسك العمرة، ثم كلف أو أعتق.
على كل حال يقول: "إلا أن يكون لم يحرم فيحرم بعد أن يعتق، ثم يقف بعرفة من تلك الليلة، قبل أن يطلع الفجر" يعني إذا أدرك الوقوف بعرفة قبل طلوع الفجر بعد أن أحرم إحراماً يتصور فيه وجوب النسك؛ يعني أحرم إحرام نسك واجب؛ فإن فعل ذلك أجزئ عنه؛ يعني جاء متمتع؛ اعتمر عمرة قبل تكليفه أو قبل عتقه، ثم حج الحج بعد تكليفه أو بعد عتقه؛ نقول الحج مجزئ عن حجة الإسلام، لكن العمرة عند من يقول بوجوبها لا تجزئ.(86/23)
"وإن لم يحرم حتى طلع الفجر كان بمنزلة من فاته الحج" طيب واقف مع الناس؛ نقول هو وقف على أساس أنه متنفل وليس بمفترض "كان بمنزلة من فاته الحج إذا لم يدرك الوقوف بعرفة قبل طلوع الفجر من ليلة المزدلفة، ويكون على العبد حجة الإسلام يقضيها" وجاء في هذه المسألة حديث: ((أيما عبد فعليه ... ))
طالب: ... حجة أخرى)).
... حجة أخرى))، ومثله الصبي؛ ما فيه حديث!
"ويكن على العبد حجة الإسلام يقضيها" والمسألة خلافية؛ لأن الحج عرفة، وقد أدرك ..
طالب:. . . . . . . . .
أدرك عرفة؛ أقول: هذا النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((الحج عرفة))، وقد أدرك عرفة؛ إذاً أدرك الحج؛ ولذا يقول في التنقيح: "إن أسلم الكافر، أو أفاق المجنون، أو بلغ الصغير، أو عُتَق العبد في الحج قبل الخروج من عرفة، أو بعده قبل فوات وقته إن عاد فوقف وفي العمرة قبل طوافها فيجزيهم.
طيب النية التي دخل بها نية نفل؛ يعني هل ينقلب النفل إلى فرض؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن أنت تفترض أنك صليت متنفل، وفي أثنائه قلبتها فرض.
طالب: يا شيخ هو لم يحج أصلاً هو هذا الحج الذي كتب عليه لم يكتب عليه حج الفريضة فالآن وجبت عليه.
هو هنا متنفل؛ هو متنفل.
طالب: لأنه لم تكتب. . . . . . . . .
يعني دخل في النسك هو متنفل؛ لكنه أدرك جميع أركان الحج؛ ماعدا نية الدخول في النسك.
طالب: لكن الكلام هو أصلاً دخل لأنه هذا الذي كتب عليه شرعاً؛ لأنه غير مطالب به.
ما هو بالإشكال في هذا، ما نختلف، ولا يختلون هم في هذا؛ الكلام على أنه أعتق بعرفة أو بلغ، ويتمكن من الرجوع إلى الميقات؛ يرجع إلى السيل ويحرم بحج واجب؛ حجة الإسلام، أو يحرم في مكانة من الحل بعرفة، أو لا يحرم استصحاباً للإحرام السابق، وينقلب هو بذاته فرض، أما الصلاة فلا يجوز فيها مثل هذا الكلام؛ الصلاة لا يمكن أن يحرم بها؛ يكبر تكبيرة الإحرام بنية النفل ثم تنقلب فرضاً –أبداً-؛ هم يجيزون العكس؛ "وإن قلب منفرد فرضه نفلاً في وقتها متسع جاز؛ يجوز لكن من الأدنى إلى الأعلى لا".(86/24)
يقول -رحمه الله تعالى-: وإن لم يحرم حتى طلع الفجر كان بمنزلة من فاته الحج إذا لم يدرك الوقوف بعرفة قبل طلوع الفجر من ليلة المزدلفة، ويكون على العبد حجة الإسلام يقضيها.
يقول في التنقيح: "إن أسلم الكافر، أو أفاق المجنون، أو بلغ الصغير، أو عُتق العبد في حج قبل الخروج من عرفة أو بعده قبل فوت وقته إن عاد فوقف، وفي العمرة قبل طوافها فيجزيهم.
قال الموفق وغيره: "إنما يعتد بإحرام ووقوف موجودين"؛ إذاً. نعم.
طالب:. . . . . . . . .
وما قبله تطوع لم ينقلب فرضاً، وقال المجد وغيره: ينعقد إحرامه موقوفاً؛ ينعقد إحرامه موقوفاً؛ يعني إذا شك، هو قريب من البلوغ؛ فقال: إن بلغت قبل فوات الحج في ..
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . في طلوع فجر يوم النحر، فهو فرضي وإلا نفل؛ يعني كمن تردد في نية رمضان؛ إن كان غداً من رمضان.
طالب: صمت.
فرض وإلا نفل؛ مثله؛ الحنابلة ما يجيزون مثل هذا التردد؛ لكن شيخ الإسلام لاسيما إذا علق أمره برؤية الهلال، واحتاج إلى النوم قبل ذلك؛ فهذه النية تكفيه؛ فمثل هذا قال: إن عتقت قبل عرفة فهي حجة الإسلام وإلا تستمر نفل. نعم.
يقول الموفق: "إنما يعتد بإحرام ووقوف موجودين إذاً؛ وما قبله تطوع لم ينقلب فرضاً".
وقال المجد وغيره: "ينعقد إحرامه موقوفاً إذا تغير حاله تبين فرضيته، ولاشك أن المشقة اللاحقة بمثل هذا أنه يحرِم، ثم يطالب بالحج مرة ثانية، يعني لو قيل له: أحرم ثانية بنية الفرض، نعم .. أحرم ثانية بنية الفرض.
طالب: في موضعه.
هو الآن لما أحرم الإحرام الأول يلزمه إتمامه لقول الله -جل وعلا-: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [سورة البقرة (196)]، لكن هو أحرم نفل؛ لو قطع الإحرام الأول أبطله؛ لاشك أنه يأثم، وهم يقولون: الإحرام لا يمكن رفضه؛ يستمر محرم ولو رفضه، وإذا أدخل إحرام على إحرام عندهم صحيح وإلا باطل؟ إحرام على إحرام في غير صورة ما إذا حاضت وخشيت فوات الحج فأدخلت الحج على العمرة؛ صارت قارنة، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
سواء حاجها أو عمرتها إن كانت فريضة فهي فريضة، وإن كانت نافلة فنافلة؛ لكن الآن نبي ندخل حج واجب على حج مستحب؛ هذا لا يدخل عندهم، وعلى كل حال المسألة خلافية، والأمور تقدر بقدرها.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(86/25)
الموطأ – كتاب الحج (24)
(تقديم النساء والصبيان - السير في الدفعة - ما جاء في النحر في الحج - العمل في النحر – الحلاق – التقصير)
الشيخ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء, واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: تقديم النساء والصبيان:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أن أباهما عبد الله بن عمر كان يقدم أهله وصبيانه من المزدلفة إلى منى؛ حتى يصلوا الصبح بمنى, ويرموا قبل أن يأتي الناس.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عطاء بن أبي رباح: أن مولاة لأسماء بنت أبي بكر أخبرته، قالت: جئنا مع أسماء ابنة أبي بكر -رضي الله عنهما- منىً بغلس, قالت: وقلت لها: لقد جئنا منىً بغلس, فقالت: قد كنا نصنع ذلك مع من هو خير منكِ.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن طلحة بن عبيد الله -رضي الله تعالى عنه- كان يقدِّم نساءه، وصبيانه من المزدلفة إلى منى.
وحدثني عن مالك أنه سمع بعض أهل العلم يكره رمي الجمرة, حتى يطلع الفجر في يوم النحر, ومن رمى فقد حل له النحر.
وحدثني عن مالك عن هشام بن العروة عن فاطمة بنت المنذر أخبرته: أنها كانت ترى أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- بالمزدلفة تأمر الذي يصلي لها ولأصحابها الصبح؛ يصلي لهم الصبح حين يطلع الفجر, ثم تركب فتسير إلى منى ولا تقف.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم، وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:(87/1)
فيقول المؤلف: "باب تقديم النساء والصبيان" يعني في الدفع من مزدلفة إلى منىً, والنبي -عليه الصلاة والسلام- أذن لسودة بنت زمعة أن تنصرف قبل حطمة الناس؛ لأنها كانت ثقيلة, امرأة ثبطة, وأذن للصبيان –أيضاً- كان ممن أذن له ابن عباس -رضي الله عنهما- والمقصود أن المبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج, إذ لو كان ركناً لما أذن بتركه للرعاة والسقاة, ولو كان سنة مستحباً -غير واجب- لما احتيج فيه إلى الاستئذان, فأعدل الأقوال فيه أنه واجب؛ من تركة مطلقا فعليه دم يجبره بدم عند الجمهور, ومن عجز عن الوصول، أو صد عنه، أو بات فيه غالب الليل فلا شيء عليه.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر: أن أباهما عبد الله بن عمر كان يقدم أهله وصبيانه من المزدلفة إلى منى" يعني يتعجلون فإذا باتوا غالب الليل انصرفوا, وهل يكفي إلى منتصف الليل؟ كما يقول الأكثر, باعتبار أنه إذا بات إلى المنتصف فما بعد المنتصف مرجح للنصف الأول, أو يكون إلى مغيب القمر, كما كانت تفعل أسماء -رضي الله عنها- كما في الصحيح, المقصود أن العاجز والضعيف, أو من معه عاجز أو ضعيف لا يستقل بنفسه؛ له أن ينصرف قبل الصبح، يقول: "حتى يصلوا الصبح بمنى" هذا دليل على أنهم انصرفوا من مزدلفة في الليل قبل طلوع الصبح, ثم يصلون الصبح بمنى "ويرموا قبل الناس" وهذه هي الفائدة من التعجل, الفائدة من التعجل أن يصلوا إلى منى، ويرموا الجمرة قبل كثرة الناس, وهذا الحديث من فعل ابن عمر -رضي الله عنهما- ويرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يفعل ذلك يقدم أهله؛ قدّم سودة، وقدّم بعض النساء والذرية, المقصود أنه ثابت من فعله -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عطاء بن أبي رباح: أن مولاة لأسماء بنت أبي بكر" لكن غير العاجز، وغير الضعفة لو انصرف بعد مضي غالب الليل؛ أكثر أهل العلم يقولون: الحكم للغالب, ويجوزون له أن ينصرف بعد أن يمضي غالب الليل, ولو لم يكن عاجزاً؛ لأنه مكث غالب الليل, ...
طالب:. . . . . . . . .(87/2)
هو من بعد المغرب, من بعد المغرب إيه، أقول: أكثر أهل العلم يجيزون الانصراف؛ ولو لم يكن عاجز بعد مضي غالب الليل؛ لأن الحكم عندهم الغالب؛ لأن الحكم للغالب, والسنة أن يمكث بها, حتى يصلي الفجر في أول وقته, عندما يبزغ الصبح يصلي ثم يأتي المشعر فيذكر الله ويدعوه حتى يسفر جداً, وقبل أن تطلع الشمس يدفع إلى منى, هذه هي السنة, ولا ينتظر حتى تطلع الشمس, لا ينتظر بطبعه واختياره حتى تطلع الشمس, لكن إن كان الطريق أمامه مسدود لا يستطيع الانتقال من زحمة الناس, وبقي فيها من غير طبعه واختياره إلى أن طلعت الشمس, هذا لا يتصور فيه المشابهة, أما من جلس في مكانه حتى تطلع الشمس من غير سبب, هذا فيه مشابهة للمشركين الذين لا ينصرفون حتى تطلع الشمس, ويقولون: أشرق ثبير كي ما نغير, هذه هي السنة أن يمكث حتى يصلي بها الفجر, ثم يجلس يذكر الله حتى يسفر جداً، ثم يدفع إلى منى.
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عطاء بن أبي رباح: أن مولاة لأسماء بنت أبي بكر أخبرته, قالت: جئنا مع أسماء ابنة أبي بكر منىً بغلس, قالت: فقلت لها: قد جئنا منى بغلس, فقالت: قد كنا نصنع ذلك مع من هو خير منكِ", لا شك أن فعله -عليه الصلاة والسلام- صلى في المزدلفة ومكث فيها حتى أسفر, وأذن لبعض الناس أن ينصرفوا قبل ذلك, فلا شك أن مثل هذا تبيحه الحاجة, إذا خشي الإنسان على نفسه من الزحام الشديد, ومن لا يطيق ذلك ولا يصبر عليه, له أن يترخص, لا سيما إذا كان معه نساء, والنساء في مثل هذه الأوقات, لو قال قائل: وقد قيل: أنهن كلهن ضعفة, حتى القويات الشواب ضعفة, لا سيما في الأماكن الزحام الشديدة في المطاف، وفي رمي الجمرة مثل هذا النساء بلا شك ضعفه, ويحصل من مخالطتهن الرجال في هذه الأماكن ما لا تحمد عقباه؛ يعني .. نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .
نعم, هو بلا شك أن المشاعر كلها الآن فيها مشقة شديدة؛ لكن الرجال الأقوياء الأشداء، المتعين في حقهم الإقتداء به -عليه الصلاة والسلام- أما النساء فإنهن ضعفة, النساء لا شك أنهن ضعفة، وقد قيل, قاله من أهل العلم من قاله.(87/3)
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه: أن طلحة بن عبيد الله" أحد العشرة المبشرين بالجنة "كان يقدِّم نساءه، وصبيانه من المزدلفة إلى منى" لأنهم ضعفة, والفائدة من ذلك أن يرموا قبل الناس، أو يطوفوا –أيضاً- قبل الناس؛ لأنه يجوز تقديم الطواف على الرمي –على ما سيأتي- يجوز تقديمه، فلو انصرف من مزدلفة إلى البيت؛ لا سيما من كان معه نساء, وخشي أن يبتلين بالحيض، وقدَّم ذلك؛ له ذلك, من طاف قبل أن يرمي لا حرج عليه.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه سمع بعض أهل العلم يكره رمي الجمرة حتى يطلع الفجر من يوم النحر, ومن رمى فقد حل له النحر" جاء في حديث ابن عباس النهي عن الرمي قبل طلوع الشمس, النهي عن رجم الجمرة قبل طلوع الشمس, والحديث فيه كلام لأهل العلم, وأكثر أهل العلم على أنه ما دام رخص له أن ينصرف قبل الناس, وفائدة الترخيص أن يرمي قبل الناس؛ لأن المشقة ما هو بالانصراف, المشقة في الرمي, فما أذن له حتى يرمي قبل الناس فإذا رخص له في ذلك, فله أن يرمي متى ما وصل, ولذا يجيزون الرمي من آخر الليل, وكذلك الطواف طواف الإفاضة, من بعد ذلك يقول ... نعم؟
الطالب: والذبح.
وين؟
الطالب:. . . . . . . . .(87/4)
عندنا أعمال يوم النحر, النبي -عليه الصلاة والسلام- فعلها مرتبة؛ رمى الجمرة ثم نحر، ثم حلق ثم طاف وسعى, هذا الترتيب الذي فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أولى وأكمل, فلو قدم شيئاً من هذه الأعمال على بعضها جاءت الأسئلة؛ رميت قبل أنحر, نحرت قبل أرمي, إلى غير ذلك من الأسئلة التي تدل على جواز التقديم والتأخير؛ لأنه قال -عليه الصلاة والسلام-: ((افعل ولا حرج))؛ قاعدة الكلية: "فما سئل عن شيء قدّم، ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)) , وهذا يتناول جميع أعمال النحر, فإذا أجزنا الرمي قبل طلوع الفجر, أو قبل طلوع الشمس, وأجزنا له أن ينحر قبل الرمي من لازم ذلك أن ينحر قبل طلوع الشمس أو قبل طلوع الفجر, فهل يجوز له أن ينحر؟ ولذا يقول: "ومن رمى فقد حل له النحر" من رمى فقد حل له النحر؛ إذا رمى قبل طلوع الفجر، يقول: يكره رمي الجمرة حتى يطلع الفجر قبل يوم النحر؛ كيف؟ لكن الآن لو رمى قبل طلوع الفجر, شو يصير عليه؟ وقد رخص له في أن ... ، يجوز ولا ما يجوز؟
الطالب:. . . . . . . . .
لا, أنا أقول لك: يجوز يرمي وإلا ما يجوز؟ يرمي؛ إذا أجزنا له الرمي, وقد سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن النحر قبل الرمي؟ فقال: ((لا حرج)) , من لازم ذلك أنه يجوز النحر قبل طلوع الفجر.
طالب:. . . . . . . . .
لا، وينه, من اللي شبهها؟ من اللي شبهها؟
طالب:. . . . . . . . .
ما نستفيده من الكلام الذي معنا, ما في أضحية, الآن هذا هدي؛ هدي متعة، أو قران مثلاً, كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
من اللفظ نأخذ هذا؟ لا, ما نأخذه منه؛ اللفظ ما يدل على هذا "حتى يطلع الفجر من يوم النحر" طيب, أنت دعه مثل الأضحية, الآن هذا صلى الفجر، ورمى الجمرة ثم نحر هديه؛ تحل وإلا ما يحل قبل طلوع الشمس؟
طالب:. . . . . . . . .
قبل طلوع الشمس؟ لأنك أنت أفدتنا؛ إنه يفيد كلامه: إنه مثل الأضحية, والأضحية لا تجوز إلا بعد صلاة العيد؛ الأضحية متى تحل؟ بعد الصلاة.
الطالب: بعد الصلاة.(87/5)
صلاة الفجر وإلا العيد؟ العيد؛ هذا نحر هديه قبل صلاة العيد, صلى الفجر بغلس، ثم رمى ثم عند المرمى نحر هديه؛ قبل طلوع الشمس بساعة, أيش تقول له؟ مقتضى كلامهم أنه يجوز, وهو مقتضى –أيضاًً- التقديم والتأخير, هنا يقول: "ومن رمى فقد حل له النحر" مفهومه أن من لم يرمِ؛ لم يحل له النحر, مع أنه في الحديث الصحيح سئل عن النحر قبل الرمي؟ فقال: ((افعل ولا حرج)) , فعلى هذا يحل له النحر قبل أن يرمِ, مفهوم قوله: "ومن رمى فقد حل له النحر" لو أخر الرمي إلى العصر, نقول: لا تنحر حتى ترمي, على كلامه, مفهوم كلامه أنه ما يحل له النحر حتى يرمي, ولو أخر الرمي, مع أنه يجوز تقديم النحر على الرمي؛ لكن من أهل العلم من يسن بالهدي سنة الأضحية؛ فلا يجيزه إلا بعد صلاة العيد, مثل الأضحية, كما أن الهدي مقيس على الأضحية في كثير من الأمور في سنها، وفي عيوبها، وفي إجزائها، وعدم إجزائها, ولا شك أن تأخير النحر بعد صلاة العيد أحوط؛ لكن ماذا لو نحر الهدي قبل؛ يعني من إحرامه .. ، الآن الهدي هذا؛ هدي المتعة والقران سببه الجمع بين النسكين في سفرة واحدة, نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو دم شكران؛ شكران على أن يسر الله -جل وعلا- هذين النسكين في سفرة واحدة؛ شكران لا جبران؛ سببه الإحرام بالعمرة التي ينوي التمتع بعدها، أو الإحرام بالقران من المحرم, هذا سبب الوجوب, ووقت الوجوب عند أهل العلم, مكان حلوله أو وقت حلوله؟ مكانه يعني مجرد ما يبلغ به محل الذبح يكفي, أو هما معاً؟ طيب, الوقت متى؟ يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- جلس بالمزدلفة إلى أن أسفر جداً, ووصل منى في أول النهار ورمى الجمرة ثم ذبح, يعني ذبح -عليه الصلاة والسلام- بعد تحقق وقت الأضحية؛ لكن لو إنسان تعجل, هل نقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- فعل في هذا الوقت, وقال: ((خذوا عني مناسككم)) , وقال: أن الأضحية لا تجزئ قبل الصلاة, لا؛ يمكن الذي قيل له: ((افعل ولا حرج)) متأخر, جاء متأخراً إلى منى بعد صلاة العيد وذبح, ما أحد بيقول له: لماذا تذبح قبل الرمي؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(87/6)
يعني الوقت هل هو منصوص عليه, وإلا مسكوت عنه؟ لكن هو من لازم المنصوص؛ هو من لازم المنصوص, هو نُصَّ على الرمي لا سيما للمتقدم المتعجل وأنه يرمي, وهذه فائدة التعجيل, لا سيما إذا ضعفنا حديث ابن عباس في عدم الرمي قبل طلوع الشمس, حتى لو افترضنا أننا صححنا حديث ابن عباس ورمى بعد طلوع الشمس، وحل الذبح قبل صلاة العيد –احتمال- لا سيما أن ذبح في مكانه, ..
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . لا, وأيش فائدة التعجيل؟ ما هو بفائدته عدم مزاحمة الناس؟ طيب؛ لكن مذهب جمهور أهل العلم جواز الرمي من الانصراف, وأسماء صلت الصبح بمكة بالحرم صلت في المسجد, صلت الصبح يعني بعدما رمت, مرت منى ورمت، وصلت الصبح هناك, أيش مقتضى هذا؟ جواز النحر مباشرة؛ يعني بين الرمي والطواف يجوز النحر, وهو الأصل على الترتيب النبوي, هناك قاعدة ذكرها العلماء أنه: إذا كان للعبادة سبب وجوب، ووقت ووجوب؛ لا يجوز تقديمه على السبب، ويجوز بعد الوقت, والخلاف بينهما, فعندنا سبب وجوب الهدي الإحرام, سواء كان بالقران أو بعمرة التمتع, ووقت الوجوب هو وقت الأضحية, وبينهما من الإحرام بالعمرة إلى وقت الأضحية بعد صلاة العيد, هذا هو محل الخلاف, والشافعية يجيزونه بمجرد انعقاد السبب, وهو رواية عن أحمد, وهو قول معروف عند أهل العلم, وقد أُفتي به, وكتب فيه ما كتب, نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يقدّم لو يذبح يوم ثامنة، يوم سبعة، يوم تسعة, نعم؟ أُلف فيه (القول اليسر في جواز نحر الهدي قبل يوم النحر) , ورد عليه بكتاب اسمه: (إيضاح ما توهمه صاحب اليسر في يسره من تجويزه النحر قبل يوم نحره) , أقصد أن المسألة خلافية بين أهل العلم؛ لكن لا شك أن الأحوط والأبرأ للذمة أن ينحر الهدي في وقت الأضحية,ها؟
طالب: إعادة القاعدة؟
إعادة أيش؟
طالب: القاعدة الفقهية؟(87/7)
القاعدة؛ تروا القاعدة الفقهية؛ يقول ابن رجب وغيره: "إذا كان للعبادة سبب وجوب، ووقت وجوب, عندنا الكفارة؛ كفارة اليمين سببها انعقاد اليمين, ووقتها الحنث, يقولون: لا يجوز التكفير عن هذه اليمين قبل انعقادها؛ يعني عندك وفرة طعام, تقول: أبى أطعم لي مائة مسكين فيما لو حلفت في مستقبل عمري عشر مرات إلى أن يصير, مقدمة للكفارة, تجزئ ولا ما تجزئ؟
طالب: ما تجزئ.
ما تجزئ قولاً واحداً؛ لأن سبب الانعقاد اليمين؛ لكن لو أخرج الكفارة بعد الحنث خلاف ولا اتفاق؟ اتفاق أنها مجزئة, لو أخرج الكفارة بعد انعقاد اليمين، وقبل الحنث, تجزئ ولا ما تجزئ؟ انعقد السبب، ولم يأت وقت الوجوب؛ هذا محل الخلاف, لكن في مثل اليمين جاء قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إني والله لا أحلف على يمين فأجد غيرها خير منها, إلا كفرت عن يميني, ثم أتيت الذي هو خير)) وجاء –أيضاً- رواية أخرى: ((إلا أتيت الذي هو خير، وكفرت عن يميني)) , المقصود أن مثل هذا يجوز؛ يعني من أجل أن يحنث يكفر, هذه القاعدة؛ تنطبق عليها القاعدة, ولو رجعت إلى قواعد ابن رجب؛ وجدتهم ذكروا هذه المسائل.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
اللي مرت، المقصود أن مثل هذا الكلام لابد من مراجعته في قواعد ابن رجب, ولها نظائر, والأحوط -بلا شك- أن يؤخر الذبح إلى وقت ذبح الأضحية؛ خروجاً من خلاف من قال: أنها لا تجزئ.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر" جماعتكم متى ينحرون الهدي؟
طالب:. . . . . . . . .
جماعتكم متى ينحرون الهدي؟
طالب: جماعتنا؟
إيه الشافعية, متى ينحرون؟
الطالب:. . . . . . . . .
يحجون مفردين؛ لا هذا قول معروف عند الشافعية؛ مجرد ما يحرم خلاص انعقد السبب؛ هذا القول عند الشافعية معروف.
الطالب:. . . . . . . . .(87/8)
نعم, هذه لها سبب، ولها وقت تنطبق عليها القاعدة, يعني مثل ما قدمنا السعي؛ الآن السعي مو من أعمال يوم النحر؟ ألا يجوز تقديمه مع طواف القدوم؟ يجوز, وليس معنى هذا أن هذا هو الراجح عندي لا؛ يعني إذا جاز له الانصراف, من أجل أن يأتي بأعمال التحلل التي منها الطواف والرمي والحلق, "وما سئل عن شيء قدم ولا أخر في ذلك الأمر, إلا قال: ((افعل ولا حرج)) , ومنهم من وقف عند ذلك اليوم فجعله من طلوع الفجر؛ يبدأ من طلوع الفجر.
"حدثني عن مالك" .. نعم.
الطالب:. . . . . . . . .
لا, لا، الله يهديك, النحر قبل وقت النحر.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أخبرته: أنها كانت ترى أسماء بنت أبي بكر بالمزدلفة تأمر الذي يصلي لها" يعني الإمام الذي يصلي بهم "لها ولأصحابها الصبح, يصلي لهم الصبح حين يطلع الفجر" هذه هي السنة؛ أن يبادر بهذه الصلاة, وجاء في الحديث الصحيح: "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما صلى صلاةً قبل وقتها إلا صلاة الصبح في مزدلفة,", وليس معنى قبل وقتها, قبل طلوع الصبح؛ لا, قبل وقتها المعتاد الذي كان يعتاده -عليه الصلاة والسلام- بعد التأكد من طلوع الصبح "يصلي لهم الصبح حين يطلع الفجر, ثم تركب فتسير إلى منىً ولا تقف" تصلي وتمشي؛ مع أن السنة المكث حتى تسفر وتدعو وتذكر الله, فإذا أسفر أدفعت, نعم.
أحسن الله إليك.
باب: السير في الدفعة:
حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: سئل أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- وأنا جالس معه؛ كيف كان يسير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع حين دفع؟ قال: يسير العنق فإذا وجد فجوة نص.
قال مالك: قال هشام بن عروة: والنص فوق العنق.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يحرك راحلته في بطن محسِّر قدر رمية بحجر.(87/9)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب السير في الدفْعَة" يعني كيفية السير إذا دفع من عرفة إلى المزدلفة, ومن المزدلفة إلى منى, يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: سئل أسامة بن زيد, وأنا جالس معه" وكون أسامة يقصد بالسؤال؛ لأنه كان رديف النبي -عليه الصلاة والسلام- من عرفة إلى المزدلفة "كيف كان يسير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع حينما دفع" حينما دفع من عرفة إلى المزدلفة؟ "قال: كان يسير العنق" والعنق: سير؛ ضرب من أضرب السير؛ بين الإبطاء والإسراع, سير متوسط؛ لأن الإبطاء الشديد يضيع الوقت ويهدره، ويتسبب في تعب المسافر والمتنقل من مكان إلى مكان, والإسراع الشديد –أيضاً- يعرضه للتعب والكلّفة, المقصود أن مثل هذا ينبغي أن يكون بين بين, والإسراع على كل حال مذموم؛ لأنه ضرب من العجلة, والعجلة من الشيطان, جاء في الخبر: ((سرعة المشي تذهب بهاء الوجه)) , النبي -عليه الصلاة والسلام- في الظروف التي يظن أنها تحتاج إلى شيء من العجلة؛ يقول لعلي -رضي الله تعالى عنه-: ((انفذ على رسلك))؛ يعني تأن لا تعجل, في غزوة انفذ على رسلك؛ فكيف بك حال الأمن الذي ينبغي أن يكون الإنسان متأنياً مطمئناً في جميع تصرفاته رفيقاً, فلا شك أن العجلة -لا سيما في هذه الآلات التي يستخدمها الناس وسائل للانتقال- فيها خطر على الراكب وعلى غيره, وكم من حادث يحصل في النفرة من عرفة إلى مزدلفة, سببه السرعة، وسببه شؤم مخالفة السنة, فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يسير العنق, في السير المتوسط "فإذا وجد فجوةً" فرصة "نص" أسرع قليلاً, وهذا يستدل به بعض الناس الذين يسرعون في سياراتهم؛ يقولون: الآن في فجوة, والسنة أنه إذا وجد فجوة نص، ويسبب في الأضرار له ولدابته وللناس, فمثل هذا لا شك أنه مخالف للسنة.
"وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر كان يحرك راحلته في بطن محسِّر" الوادي "قدر رمية بحجر" قالوا: إنه سمي محسِّراً؛ لأن الفيل حسر فيه, ومنهم من يقول: أن هذا الوادي هو الذي نزل فيه العذاب عليهم, فمواطن العذاب لا يستقر فيها, بل يسرع بالخروج منها، نعم. ...
أحسن الله إليك.(87/10)
باب: ما جاء في النحر في الحج:
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال بمنى: ((هذا المنحر وكل منى منحر)) , وقال في العمرة: ((هذا المنحر ... )) يعني المروة (( ... وكل فجاج مكة وطرقها منحر)).
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن: أنها سمعت عائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- تقول: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لخمس ليالٍ بقين من ذي القَعْدة، ولا نرى إلا أنه الحج, فلما دنونا من مكة أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من لم يكن معه هدي إذا طاف بين السعي والمروة أن يحل, قالت عائشة -رضي الله تعالى عنها-: فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر, فقلت: ما هذا؟ فقالوا: نحر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أزواجه, قال يحيى ابن سعيد: ذكرت هذا الحديث للقاسم بن محمد, فقال: أتتك –والله- بالحديث على وجهه.
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن حفصة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- أنه قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما شأن الناس حلوا, ولم تحلل أنت من عمرتك؟! فقال: ((إني لبَّدت رأسي, وقلَّدت هديي, فلا أحل حتى أنحر)).
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب ما جاء في النحر في الحج" النحر: يعني في بيان ما ينحر, وفي بيان مكان النحر, والنحر: الأصل فيه أنه يكون للإبل, فتنحر قائمة بالحربة في الوهدة, ويذبح ما عداها؛ تذبح البقر, وتذبح الغنم, وهنا قال: نحر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أزواجه, يجوز إطلاق اللفظ؛ يجوز إطلاق لفظ النحر على ما يذبح, وإطلاق الذبح على ما ينحر, هذا من حيث الإطلاق اللفظي جائز, وهنا فيه ما يدل عليه؛ لكن لو فعل, لو نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر, أهل العلم يقولون: يجوز ذلك, ويجزئ, ويحل به المذبوح والمنحور, لكن خالف السنة.(87/11)
"حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال بمنىً: ((هذا المنحر .. )) " , يعني الذي نحر فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- أشار إليه: " (( ... وكل منىً منحر)) " يعني تصور لو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قال مثل هذا؛ لا شك أن الناس سيتزاحمون على هذا المكان الذي نحر فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- كما تقدم في الموقف: ((وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف))، و ((وقفت هاهنا وجمع كلها موقف)) لو لم يقل مثل هذا الكلام, والباعث عليه رأفة النبي -عليه الصلاة والسلام- ورحمته بأمته؛ لئلا يزدحمون على مكان ضيق، فيقتتلون فيه؛ لأنه من الناس أهل تحري؛ يتحرون الأماكن التي باشر النبي -عليه الصلاة والسلام- العبادات بها, فكونه يقول: ((هذا المنحر وكل منى منحر)) , هذا من التوسعة على الناس "وقال في العمرة: ((هذا المنحر .. )) يعني المروة" التي ينتهي بها السعي, " ((هذا المنحر .. )) يعني المروة (( .. وكل فجاج مكة وطرقها منحر)) " يعني الطرق الواسعة التي هي الفجاج, وأيضاً الطرق الضيقة كلها محل للنحر, فالفجاج: جمع فج, وهو الطريق والواسع, والطريق المعطوف عليه يشمل الواسع والضيق, وهو من باب عطف العام على الخاص؛ لكن مثل الظروف التي نعيشها مع منع الذبح في الطرقات؛ لا شك أن الدم المسفوح نجس, وقد جاء النهي عن البول في الطريق؛ في طريق الناس؛ فهل يلحق به النجس من الدم المسفوح؟ أو نقول النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((كل فجاج مكة وطرقها منحر))، فيجوز ذلك, فلا يقاس على البول؟ هل نقول أن مثل هذا الدم النجس ينبغي أن يكون سبيله سبيل البول في محل قضاء الحاجة؟ أو نقول: أنه الأمر فيه أوسع, والنبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كل فجاج مكة وطرقها منحر)) , لا شك أنما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- الاحتكام إليه, ما دام قاله؛ فلا إشكال في جوازه؛ لكن لو منع من باب النظر في مصالح الناس لكثرتهم, واحتياجهم إلى هذه الطرقات، وتلويث الجو-على ما يقولون- نظراً للمصلحة, مع اعتقاد أن مثل هذا فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأنه قال به, من غير معاندة، ولا معارضة, لكن رؤية أن المصلحة بخلافة؛ المسألة مسألة مصالح(87/12)
ومفاسد, فإذا كانوا لا يتضررون والطرق واسعة وأيضاً هي من التراب أو الرمل الذي يشرب ما يراق عليه؛ يختلف الوضع عما نحن عليه الآن من التبليط والسفلتة وغيره, بحيث يسيل ويصل إلى أماكن بعيدة, بحيث لا تشربه الأرض فمثل هذا ضرره واضح, لكن لو نحر أي إنسان في أي فج من فجوجها أو من طرقها, من طرق مكة صحَّ ذلك, هو مفهومه أنه لا يُنحر خارج مكة؛ يعني خارج الحرم؛ يجزئ النحر خارج الحرم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [(95) سورة المائدة]؛ لكن إذا كان جزاء صيد, وإلا صد؛ يعني: أين نحر الهدي في الحديبية لما صدوا عن البيت؟ في مكانه, في مكانه, فإذا لم يمكن أن ينحر في مكة، ويوزع على مساكين الحرم نُحر في مكانه.(87/13)
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن: أنها سمعت عائشة أم المؤمنين تقول: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لخمس ليال بقين من ذي القعدة, ولا نرى إلا أنه الحج" لما خرجوا لم يروا إلا أنه الحج فقط؛ يعني هم في المدينة لا يرون إلا أنه الحج, كانوا يرون تبعاً لاعتقاد العرب أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور, وما كان في ذهنهم إلا الحج " فلما دنونا من مكة أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة أن يحل" فيجعلها عمرة "قالت عائشة: فدُخل علينا يوم النحر بلحم بقر, فقلت: ما هذا؟ " دُخل عليهم يوم النحر بلحم بقر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أهدى عن نسائه البقر، قولها: "فقلت: ما هذا؟ " يدل على أن عندها علم بما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأنها وكلته أن ينحر عنها البقر؟ لا؛ ولهذا يجوز أن ينوب ولي الأمر عمن تحت يده من نساء، وذراري في إخراج ما يجب عليهم, فإذا وجبت الزكاة على شخص, وقال ولده: الزكاة عليَّ؛ أتحملها عنك, وأخرجها بالفعل, أو وجبت عليه كفارة ثم كفر عنه, أو العكس قال الأب لابنه: إن وجب عليك شيء فهو عليَّ, بس لا بد أن يتأكد من أن النائب أدى؛ لأنه لو لم يؤدِّ يلزم من؟ يلزم الأصلي, يلزم الأصلي, فلا بد من التأكد أنه أدى, ولا يلزم بذلك علمه, لكن لو قال له: أنا أخرجت –والله- عنك كفارة, أما قضاء الديون فمثل هذا لا يحتاج إلى نية, قضاء الديون باعتباره من باب التخلي؛ لا يحتاج إلى نية, يعني شخص مدين بألف ريال لزيد, جاء عمرو فقال لزيد: هذا ألف ريال دينك على فلان؛ تبرأ ذمته, ولا يلزمه العلم بذلك, لو نيته؛ لأن هذا لا يحتاج إلى نية, لكن إذا رد ذلك رداً للمنة المترتبة على هذا؛ له ذلك, الأمر لا يعدوه, الأمر لا يعدوه.
"قال يحيى بن سعيد: فذكرت هذا الحديث للقاسم بن محمد" ابن أبي بكر –أحد الفقهاء- "فقال: أتتك –والله- بالحديث على وجهه" أتتك –والله- بالحديث على وجهه؛ يعني أنها حفظته، ووعته؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(87/14)
إلا, الحديث في الصحيح: "ضحى عن نسائه البقر" وهو محمول على الهدي؛ لأنه في وقت الأضحية, في وقت الأضحية, ومنهم من يقول: إن هذه قصة أخرى, وأن الأضحية للحاج, ما فيها إشكال, له أن يجمع بين الأضحية والهدي.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر عن حفصة أم المؤمنين أنها قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما شأن الناس حلوا، ولم تحلل أنت من عمرتك؟! " أمر الناس أن يحلوا، وأن يجعلوها عمرة, من لم يسق الهدي أمر بأن يجعلها عمرة, فقالت له حفصة أم المؤمنين لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما شأن الناس حلوا, ولم تحلل أنت من عمرتك؟! فقال: ((إني لبَّدت رأسي، وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر)) " , ((فلا أحل حتى أنحر)): {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [(196) سورة البقرة] حتى ينحر. نعم.
أحسن الله إليك.
باب: العمل في النحر:
حدثني يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحر بعض هديه، ونحر غيره بعضه.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: من نذر بدنة، فإنه يقلدها نعلين, ويشعرها, ثم ينحرها عند البيت أو بمنى يوم النحر؛ ليس لها محل دون ذلك, ومن نذر جزوراً من الإبل أو البقر؛ فلينحرها حيث شاء.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة: أن أباه كان ينحر بدنه قياماً.
قال مالك -رحمه الله-: لا يجوز لأحد أن يحلق رأسه حتى ينحر هديه, ولا ينبغي لأحد أن ينحر قبل الفجر يوم النحر, وإنما العمل كله يوم النحر؛ الذبح، ولبس الثياب، وإلقاء التفث والحلاق, لا يكون شيء من ذلك يفعل قبل يوم النحر.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب العمل في النحر".
"حدثني يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه" جعفر بن محمد الصادق "عن أبيه" محمد بن علي بن الحسين الباقر "عن علي بن أبي طالب: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحر بعض هديه، ونحر غيره بعضه" رواية الباقر عن جده علي بن أبي طالب منقطعة؟
طالب:. . . . . . . . .
أيه؟ جعفر بن محمد عن أبيه الباقر: محمد بن علي بن الحسين بن علي.(87/15)
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ جد أبيه, كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الرواية منقطعة؛ لكنه ثابت من حديث جابر في صحيح مسلم: "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نحر بعض هديه, نحر ثلاث وستين بيده الشريفة الكريمة, ووكل الباقي إلى علي, ونحر غيره بعضه" ما قال: ونحرت بعضه, نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا مانع أن يكني عن نفسه, ويتحدث عن غيره عنه؛ على اعتبار أنه غيره, المقصود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نحر ثلاث وستين عدد سني عمرة, ونحر غيره الباقي سبع وثلاثين.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر قال: من نذر بدنة؛ فإنه يقلدها نعلين, ويشعرها, ثم ينحرها عن البيت، أو بمنى يوم النحر, ليس لها محل دون ذلك, ومن نذر جزوراً من الإبل أو البقر؛ فلينحرها حيث شاء". ويش الفرق بين أن ينذر بدنة، وبين أن ينذر جزوراً؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(87/16)
"أنه يقول: من نذر بدنة فإنه يقلدها نعلين, ويشعرها, ثم ينحرها عند البيت، أو بمنىً يوم النحر, ليس لها محل دون ذلك, ومن نذر جزوراً من الإبل أو البقر؛ فلينحرها حيث شاء" يعني كأن البدنة لفظ "البدنة" إنما تستعمل فيما يهدى للبيت, وسكان البيت, والنذر والجزور أعم من ذلك, إذا نذر أن يذبح جزوراً، ويفرقه على الفقراء فعله حيث شاء؛ ما يلزم أن ينذر في الرياض، أو في الشمال، أو في الجنوب, أن يذبح جزوراً يفرقها على الفقراء, في أي مكان تبرأ ذمته, لكن إذا نذر بدنة، وارتباط البدنة بالبيت، وما يتعلق به, فإنه كما جاء هنا: "من نذر بدنة فإنه يقلدها نعلين ويشعرها, ثم ينحرها عند البيت" لكي تعرف, إذا عيّن المكان ينظر في المكان؛ ويش السبب الباعث على ذلك؟ " نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة, فسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- هل فيه شيء يمكن أن ينذر من أجله؛ هل فيها عيد من أعيادهم؟ هل ... ؟ فأمره أن يوفي بنذره, فإذا سلم المكان من محظور لا مانع من وفاء النذر فيه, يقول: "من نذر بدنة فإنه يقلدها نعلين، ويشعرها" من أجل أن تعرف, فلا يتعرض لها أحد بأذى "ويشعرها، ثم ينحرها عند البيت" لأن هذا مكان نحر البدن, "أو بمنىً يوم النحر, ليس لها محل دون ذلك" لأنها الأصل فيها أنها لمساكين الحرم "ومن نذر جزوراًَ من الإبل أو البقر؛ فلينحرها حيث شاء" لأن مثل هذا النذر لا ارتباط له بالحرم, فيفعله حيث ما شاء.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة: أن أباه كان ينحر بدنه قياماً" وهذه هي السنة؛ أن تنحر الإبل قائمة.
"قال مالك: لا يجوز لأحد أن يحلق رأسه حتى ينحر هديه" في الحديث: "حلقت قبل أن أنحر؟ الجواب: ((افعل ولا حرج))، وهنا يقول: "لا يجوز لأحد أن يحلق رأسه قبل أن ينحر هديه" النهي صريح في الآية: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [(196) سورة البقرة] , فإذا قلنا: المسألة مسألة وقت حلول, فبمجرد وقت الحلول يحل له أن يحلق رأسه؛ ولو لم ينحر, نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(87/17)
المقصود أنه إذا جاء وقت الحلول؛ فالأمر فيه سعة "حتى ينحر هديه" للأمر بذلك في الآية "ولا ينبغي لأحد أن ينحر قبل الفجر يوم النحر" ولا ينبغي لأحد أن ينحر قبل الفجر؛ لأن النحر من أعمال ذلك اليوم، وذلك اليوم لم يدخل بعد, فلا يصح قبل الفجر -على كلامه- قبل الفجر يوم النحر "وإنما العمل كله يوم النحر" لأن هذه الأعمال هي أعمال يوم النحر "الذبح، ولبس الثياب" إذا تحلل "وإلقاء التفث والحلاق, لا يكون شيء من ذلك يفعل قبل يوم النحر" ويوم النحر متى يبدأ؟
طالب:. . . . . . . . .
عندنا يوم، وعندنا ليل، وعندنا نهار, النهار يقابل الليل بلا شك, لكن اليوم يقابل الليل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يسن التكميل في يوم العيد وليلته, فيطلق ويراد به النهار, قد يطلق ويراد به النهار.
يقول: "لا يكون شيء من ذلك يفعل قبل يوم النحر" وهنا علق الحلق بالنحر امتثالاً للآية, وهذا هو الأصل, لكن الترتيب النبوي نحر قبل أن يحلق, وإلا عكس؟ نعم، نحر قبل أن يحلق, وأيضاً ما سئل عن شيء قدم ولا أُخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)) , فلا مانع من النحر قبل الحلق، والعكس. نعم.
أحسن الله إليك.
باب: الحلاق:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اللهم ارحم المحلقين))، قالوا: والمقصرين يا رسول الله, قال: ((اللهم ارحم المحلقين))، قالوا: والمقصرين يا رسول الله, قال: ((والمقصرين)).
وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: أنه كان يدخل مكة ليلاً وهو معتمر فيطوف بالبيت، وبين الصفا والمروة, ويؤخر الحلاق حتى يصبح, قال: ولكنه لا يعود إلى البيت فيطوف به حتى يحلق رأسه, قال: وربما دخل المسجد فأوتر فيه، ولا يقرب البيت.
قال مالك: التفث: حلاق الشعر, ولبس الثياب وما يتبع ذلك.
قال يحيى: سئل مالك عن رجل نسي الحلاق بمنى في الحج؛ هل له رخصة في أن يحلق بمكة؟ قال: ذلك واسع, والحلاق بمنى أحب إلي.(87/18)
قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا: أن أحداً لا يحلق رأسه، ولا يأخذ من شعره حتى ينحر هدياً إن كان معه, ولا يحل من شيء حرم عليه حتى يحل بمنى يوم النحر, وذلك أن الله -تبارك وتعالى- قال: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [(196) سورة البقرة].
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب الحلاق".
"حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اللهم ارحم المحلقين)) " , دعا للمحلقين الذين يحلقون رؤوسهم بعد أو في نسكهم؛ يحلقون رؤوسهم في نسكهم, والحلق في العمرة إنما يقع بعد الإحرام والطواف والسعي, وفي الحج هو من أعمال يوم النحر, الأصل أن يقع بعد الرمي والنحر؛ لكن إن قدم أو أخر فلا بأس " ((اللهم ارحم المحلقين)) " هذه دعوة صالحة لهم، فأرادوا أن يدعو للمقصرين؛ لأن بعض الناس يفضل التقصير؛ يأنف أن يكون رأسه بدون شعر ألبته, فيود أن يقصر, والتقصير إذا أبقى .. , إذا أبقت الآلة للموسى شيئاً يأخذه فهو تقصير، ولو كان يسيراً, وعلى هذا المكاين "مكاين الحلاقة" هذه التي رقم واحد واثنين وثلاثة, كلها تقصير إذا بقيت أصول الشعر, والأصل أن الحلق لا يكون إلا بالموسى بحيث لا يبقى للشعر أصول " ((اللهم ارحم المحلقين)) قالوا: والمقصرين يا رسول الله, قال: ((اللهم ارحم المحلقين)) قالوا: والمقصرين يا رسول الله, قال: ((والمقصرين)) " الذين يقصرون من رؤوسهم بحيث يبقى من الشعر شيء على الرأس, والدعوة للمقصرين في الثالثة؛ يعني بعد أن امتنع مرتين، أو ثلاثاً قال ذلك؛ فدل أن الحلاق أفضل من التقصير, أفضل من التقصير, أيش؟
طالب:. . . . . . . . .
أيش فيها؟
طالب:. . . . . . . . .
من كان مع النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا, لا؛ عامة, عامة لمن كان معه ولمن جاء بعده, ولا شك أن الحلق أبلغ في الامتثال, أبلغ في الامتثال.(87/19)
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه" القاسم بن محمد, ": أنه كان يدخل مكة ليلاً وهو معتمر" يدخل مكة ليلاً وهو معتمر, وعرفنا من حديث ابن عمر –سابقاً-: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان، أنه هو نفسه يبيت بذي طوى, ثم يدخل الصبح, ويرفع ذلك إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- "يدخل مكة ليلاً وهو معتمر فيطوف بالبيت وبين الصفا والمروة, ويؤخر الحلاق حتى يصبح" يعني ما يشترط الترتيب بين السعي والحلاق؛ لو انتهى من سعيه وهو تعبان ثم نام, وأخر الحلق إلى الظهر؛ مثلاً أو إلى العصر, إلى أن يرتاح؛ لا بأس؛ لكنه يبقى محرم "قال: ولكنه لا يعود إلى البيت فيطوف به حتى يحلق رأسه" لا يتطوع بطواف وقد بقي عليه من واجبات الحج أو العمرة شيء, لا يتطوع وقد بقي عليه من الواجب شيء, "قال: وربما دخل المسجد فأوتر فيه، ولا يقرب البيت" لا مانع؛ يبقى عليه الحلاق ثم يوتر؛ لا بأس؛ لأن هذا الوتر ليس من أعمال النسك, أعمال النسك المستقلة قد بقي عليه من الأعمال الواجبة؛ مثل هذا لا ينبغي حتى يفرغ من نسكه.
"قال مالك: التفث: حلاق الشعر، ولبس الثياب، وما يتبع ذلك" يعني إلقاء التفث.
"قال يحيى: سئل مالك رجل نسيَ الحلاقة بمنى في الحج؛ هل له رخصة أن يحلق بمكة؟ قال: ذلك واسع" لأن منى من الحرم ومكة من الحرم "والحلاق بمنى أحب إلي" لأنه أسرع في الامتثال، والمبادرة إلى فعل الواجب.
"قال مالك: الأمر الذي لا اختلاق فيه عندنا: أن أحداً لا يحلق رأسه، ولا يأخذ من شعره حتى ينحر هدياً إن كان معه" يعني من استدلاله بالآية ظاهر "ولا يحل من شيء حرم عليه حتى يحل بمنى يوم النحر" يعني بعدما ينهي الأعمال؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(87/20)
بأيش؟ الأصل أنه يحلق بالحرم؛ يقول: "الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا: أن أحداً لا يحلق رأسه، ولا يأخذ من شعره حتى ينحر هدياً إن كان معه" وهنا يقول: هل له رخصة أن يحلق بمكة؟ قال: "ذلك واسع" لأنها كلها حرم "لكن الحلاق بمنى أحب إلي" لأنه أسرع في الامتثال, ثم قال: "قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا: أن أحداً لا يحلق رأسه، ولا يأخذ من شعره حتى ينحر هدياً إن كان معه": {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [(196) سورة البقرة] , وهذا ظاهر في الاستدلال "ولا يحل من شيء حرم عليه حتى يحل بمنىً يوم النحر" ولا يحل من شيء حرم عليه حتى يحل بمنى يوم النحر, وذلك يكون بالرمي والحلق عند الأكثر, ويكون بالرمي فقط عند بعضهم, وهذا هو التحلل الأول، وأما الثاني فلا يكون إلا بتمام الأركان "وذلك أن الله -تبارك وتعالى- قال: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [(196) سورة البقرة]. التقصير.
باب: التقصير:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا أفطر من رمضان وهو يريد الحج, لم يأخذ من رأسه، ولا من لحيته شيئاً حتى يحج, قال مالك: ليس ذلك على الناس.
وحدثني عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا حلق في حج، أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه.
وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن: أن رجلاً أتى القاسم بن محمد فقال: إني أفضت، وأفضت معيَ أهلي, ثم عدلت إلى شعب, فذهبت لأدنو من أهلي, وقالت: إني لم أقصر من شعري بعدُ؛ فأخذت من شعرها بأسناني, ثم وقعت بها؛ فضحك القاسم، وقال: مرها فلتأخذ من رأسها بالجلمين, قال مالك: أستحب في مثل هذا أن يهرق دماً, وذلك أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: من نسي من نسكه شيئاً فليهرق دماً.
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أنه لقي رجلاً من أهله يقال له: المجبَّر, قد أفاض ولم يحلق ولم يقصر؛ جهل ذلك, فأمره عبد الله: أن يرجع فيحلق، أو يقصر, ثم يرجع إلى البيت فيفيض.(87/21)
وحدثني عن مالك أنه بلغه: أن سالم بن عبد الله كان إذا أراد أن يحرم دعا بالجلمين فقص شاربه, وأخذ من لحيته, قبل أن يركب، وقبل أن يهل محرماً.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- لما ذكر الحلاق أردفه بالتقصير, وكل منهما مجزئ مسقط للطلب, وإن كان الحلاق أفضل من التقصير, والتقصير المراد به: أخذ بعض الشعر وترك البعض من عموم الرأس, من مجموعه, لا من جميعه, ولا يجزئ الشيء اليسير؛ لأنه لا يسمى تقصير أو الربع على ما يذهب إليه بعض أهل العلم؛ بعضهم يقول: يكفي ثلاث شعرات, وبعضهم يقول: الربع, وبعضهم يقول: يكفي ما يمسح في الوضوء, والمعتمد أنه مجموع الرأس في التقصير وفي المسح في الوضوء, فرق بين جميع ومجموع, المجموع: التعميم؛ لكن لا يلزم أن تكون كل شعرة بعينها نجزم بأنه وصلها المسح أو التقصير.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان إذا أفطر من رمضان وهو يريد الحج لم يأخذ من رأسه" لم يأخذ من رأسه؛ من شعر رأسه "ولا من لحيته شيئاً حتى يحج" يوفر ذلك للحج.
"قال مالك: ليس ذلك على الناس" يعني ليس مما يجب على الناس أن يتركوا هذا.
"وحدثني عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه" ابن عمر في النسك يأخذ ما زاد عن القبضة من لحيته, متأولاً قول الله -جل وعلا-: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [(27) سورة الفتح] , فالواو هذه للجمع, فإذا حلق رأسه ماذا يبقى للتقصير؟ ما بقي إلا اللحية؛ ما يبقى إلا اللحية, فيقصر من لحيته متأولاً هذه الآية، وهذا اجتهاده ولم يوافق عليه -رضي الله عنه وأرضاه- وإنما: {وَمُقَصِّرِينَ} [(27) سورة الفتح] هذه بمعنى "أو" التي هي للتقسيم, التي هي للتقسيم والتنويع.
يقول: "وحدثني عن مالك ربيعة .... " وليس في هذا مستمسك للمن يأخذ من لحيته, معرضاً عما جاء من النبي -عليه الصلاة والسلام- من الأمر بإعفائها، وتوفيرها، وإكرامها. . . . . . . . .(87/22)
يقول: "وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن: أن رجلاً أتى القاسم بن محمد, فقال: إني أفضت وأفضت معي بأهلي, ثم عدلت إلى شعب, فذهبت لأدنو من أهلي, فقالت: إني لم أقصر من شعري بعد, فأخذت من شعرها بأسناني" ما عندهم مقص، هو يحتاج أن تحل من أجل أن تحل له "فأخذت من شعرها بأسناني, ثم وقعت بها, فضحك القاسم، وقال: مرها فلتأخذ من شعرها بالجلمين" يعني كأنه يرى أن هذا الشعر الذي أخذ بالأسنان لا يجزئ؛ لأنه ما يقال له: قص ولا تقصير "قال مالك: أستحب في مثل هذا أن يهرق دماً" أن يهرق دماً؛ لأن مثل هذا لا يجزئ "وذلك أن عبد الله بن عباس قال: من نسي من نسكه شيئاً فليهرق دماً" كلام ابن عباس معروف عنه: "من ترك نسكاً فليهرق دماً" واعتمده جمهور أهل العلم في إيجاب الدم على من ترك واجباً.
"وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر: أنه لقي رجلاً من أهله يقال له: المجبَّر" يقال له المجبَّر؛ لأنه حصل له أن وقع وانكسر، وحصل فيه كسور، ثم جبر, فقيل له: المجبَّر "قد أفاض ولم يحلق ولم يقصر؛ جهل ذلك" جهل أن الحلاقة والتقصير واجب من واجبات النسك "فأمره عبد الله: أن يرجع" لأن هذا من أعمال النسك التي تفعل في الحرم في حدود الحرم "فأمره عبد الله: أن يرجع فيحلق، أو يقصر، ثم يرجع إلى البيت فيفيض" ثم يرجع إلى البيت فيفيض؛ كيف يرجع إلى البيت فيفيض؟ هو ما طاف طواف الإفاضة, إذا ما طاف طواف الإفاضة يتصور أنه رجع؟ خرج من الحرم؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
من أجل الترتيب؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
هو ما في شك, أنه يحملهم على العزيمة, يحملهم على العزيمة, فما دام ترك الترتيب يأمره بالإعادة من أجل الترتيب, وإلا إذا كان أفاض قبل الحلق لا شك أنه يجزئه: ما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)).
طالب:. . . . . . . . .
وينه؟
طالب:. . . . . . . . .
"فأمره عبد الله أن يرجع" من أين يرجع؟ يرجع فيحلق، أو يقصر، ثم يرجع إلى البيت فيفيض" يعني احتمال أنه خرج إلى الحل.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟(87/23)
يعني أفاض ولم يحلق ولم يقصر, خرج من منى إلى البيت فأفاض فيه, فأمره عبد الله أن يرجع إلى منى فيحلق ثم أمره أن يرجع إلى البيت فيفيض؛ يعني كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- حلق بمنى .. ، هذا لما انتقل من منى إلى مكة إلى البيت, قال له: ارجع إلى منى، ثم احلق؛ فإذا حلقت ارجع إلى البيت فأفض, وهذا لا شك أن حمل على العزيمة, وهو لائق بابن عمر في مثل هذا المقام, وإن لم يكن واجباً.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه: أن سالم بن عبد الله كان إذا أراد أن يحرم دعا بالجلمين فقص شاربه" لئلا يحتاج إليه بعد الإحرام فلا يتيسر له "وأخذ من لحيته" هذا سالم بن عبد الله اقتداءً بأبيه؛ لكن عرفنا ما في المسألة، وأن العبرة، والحكم، والمرد في مثل هذا إلى الله ورسوله "قبل أن يركب، وقبل أن يحل محرماً" لأنه إذا أهل محرماً؛ لا يجوز له أن يفعل شيئاً من ذلك.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.(87/24)
الموطأ – كتاب الحج (25)
(التلبيد - الصلاة في البيت، وقصر الصلاة، وتعجيل الخطبة بعرفة - الصلاة بمنى يوم التروية، والجمعة بمنى وعرفة - صلاة المزدلفة - صلاة منى - صلاة المقيم بمكة ومنى - تكبير أيام التشريق)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله، وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء, واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: التلبيد:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: من ظفر رأسه فليحلق، ولا تشبهوا بالتلبيد.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: من عقص رأسه، أو ظفر، أو لبد فقد وجب عليه الحلاق.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.(88/1)
يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "باب التلبيد" التلبيد: هو أن يجعل المحرم على رأسه شيئاً يمنع من تفرق الشعر, ودخول الغبار فيما بينه, ووجود القمل، وما أشبه ذلك, التلبيد: شيء يوضع على الشعر, على شعر الرأس؛ صمغ، أو عسل، أو ما أشبه ذلك, يمنع من انتشاره وتشعثه, ويجعل بعضه يلتصق ببعض, فلا يتخلله غبار، ولا يصيبه شعث، ولا قمل ولا غير ذلك, يصنعون هذا لطول المدة بين الإحرام وبين التحلل, أما الآن والمدة قصيرة والأمد يسير؛ لا يحتاج إلى مثل هذا؛ لأنه بين الإحرام والتحلل سويعات, وأحياناً يكون ساعة أو قريب منها, فمثل هذا لا يحتاج؛ لأنه في حياته العادية ما يحتاج إلى مثل هذا الأمر, فكذلك في الإحرام, على كل حال لو فعل؛ لو لبد رأسه بسمغ، أو شبهه؟ يقول الإمام -رحمه الله-: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر: أن عمر بن الخطاب قال: من ظفر رأسه فليحلق" ظفر رأسه: يعني أدخل بعضه في بعض، وجعله ظفائر, نسجه وجدله، وجعله ظفائر, يقول: لا يكفي فيه التقصير؛ إنما لا بد من حلقه "فليحلق" وجوباً هذا رأي عمر -رضي الله عنه- قال: "ولا تشبهوا" تشبهوا الظفر هذا "بالتلبيد" ولا تشبهوا الظفر الذي تصنعونه من جدل الشعر ونسجه بالتلبيد؛ لأنه أشد منه, فيجوز التقصير في التلبيد, ولا يجوز عند عمر -رضي الله تعالى- عنه التقصير لمن ظفر شعره؛ شو الفرق بينهما؟ أن الظفر .. نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
افترض أنه جعله ثلاث ظفائر, أطراف هذه الظفائر لا تستوعب جميع الشعر؛ لأن الشعر منه الطويل ومنه القصير, فأطراف هذه الظفائر لا تستوعب جميع الشعر؛ فلا بد من نقضه واستيعاب جميع الشعر بالتقصير, أو يحلق, وأما التلبيد فالشعر باق كما هو يمكن استيعابه بالتقصير.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: من عقص رأسه، أو ظفر، أو لبد فقد وجب عليه الحلاق.(88/2)
يقول: "وحدثي عن مالك عن يحيى بن سعيد" الأنصاري "عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب قال: من عقص رأسه" يعني لواه، وأدخل أطرافه في أصوله "أو ظفر رأسه، أو لبد" رأسه "فقد وجب عليه الحلاق" جعل الحكم واحد؛ للعقص وهو لي الشعر، وإدخال بعضه في بعض, أو ظفر الشعر وجدله ونسجه, أو تلبيده بما تقدم كل هؤلاء وجب عليهم الحلاق؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا, ما في قبل التحلل -الله يهديك- لا, لا؛ يعني عند التحلل، وفي وقت الحلق، أو التقصير عند التخيير هذا ما فيه خيار، يقول: ولا يجزئه التقصير؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو لو قال: أوجب عليه, ووجب عليه؛ مثل: أبيح لنا، ورخص لنا, أو وجب علينا هذا له حكم الرفع, لكن وجب هذا حكم منه -رضي الله عنه- هذا حكم اجتهادي منه؛ ولذا يختلف أهل العلم فيمن جمع شعره بطريقة من هذه الطرق؛ هل يخير بين الحلق والتقصير أو يتعين في حقه الحلق؟
على كل حال يقول: فقد وجب عليه الحلاق, ولا يجزئه التقصير على هذا، وبهذا قال مالك، وأحمد في رواية والشافعي في القديم, وعند أبي حنيفة؛ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
تشبهوا بالتلبيد, الأثر الأول يدل على التفريق بين الظفر وبين التلبيد, الثاني جعل التلبيد -ولعله تغير اجتهاده- مثل الظفر؛ لأن الكل يجمع الشعر, بمقالة عمر -رضي الله تعالى- عنه، وبقوله قال الإمام مالك، وأحمد في رواية، والشافعي في القديم, وأما القول الجديد للإمام الشافعي هو قول أبي حنيفة: أنه يخيَّر كغيره, وهذا اجتهاد من عمر -رضي الله عنه وأرضاه-، والأصل أننا أمرنا بالعمل بسنته؛ لكن سنته إذا خالفت ظاهر المرفوع؛ فالعبرة بالمرفوع, والصواب أنه يخير, إذا تمكن من استيعاب الشعر كله بالتقصير, وحديث: ((رب مبلغ أوعى من سامع))؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(88/3)
إذا كان الاحتمال على حد سواء رُجِّح فهم الراوي؛ لكن إذا فهم الراوي ندَّ فهمه، وذهنه عن فهم الخبر على .. , وللمتأخر أن ينظر، للمتأخر أن ينظر؛ لكن شريطة أن يكون فهمه موافق لفهم السلف؛ يعني ينطلق من فهم السلف في الجملة, تكون له صلة قوية بفهم السلف, أما يأتي شخص كقدح الراكب؛ زنيم, لا دعي, لا صلة له بعلم, ولا بسلف ولا خلف, ثم بعد ذلك يقول: أنا أفهم, نقول: ما تفهم؛ كيف تفهم نصوص، وأنت بعيد كل البعد عنها؛ يعني لو إنسان تخصصه شرعي مثلاً، ودخل في أي علم من العلوم كيمياء، وإلا فيزياء وإلا أمور أخرى؛ يعني تدرك بالرأي؛ لكنه بعيد عنها, يقول: لا, أنا مثلهم مثلهم؛ ويش الفرق؟ هم رجال، وأنا رجل؛ أنا أفهم مثلهم؛ نقول: لا يا أخي؛ ولذا يقول أهل العلم: من تعاطي غير فنه أتى بالعجائب، ولذا نسمع بعض النصوص يحرفها بعض الكتبة، وبعض المتحدثين, وبعض من ينتسب إلى الثقافة, يحرفونها تحريفاً واضحاً, تحريفاً, والنوايا لا يعلمها إلى الله -جل وعلا-؛ لكن قصدهم -والله أعلم- فيما يظهر وتنضح به كلماتهم مع بعدهم كل البعد عن النصوص, ما عرفوا النصوص إلا لما احتاجوها؛ فالمسألة خطيرة يحذر مثل هذا؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
-والله- هم يقولون للحاجة؛ للحاجة يعني للعلاج ما في بأس؛ لكن لزيادة ترف, لزيادة ترف, إما تجعيد وإلا نعومة، وإلا .. ؛ هذا امتهان, هذا امتهان؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
أن عمر .. ؛ يدعمه الأثر الأول؛ يشهد له السند, هو مثل الشمس الأول؛ الأول مثل الشمس ما في إشكال, الثاني شاهد له؛ إلا أن فيه عدم التفريق, نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مخالفة من وجه, وموافقة من أصل المسألة, وإلزامه بالحلق شاهد للأول؛ من هذه الحيثية شاهد, ومخالفته للجمع بين جميع هذه الأمور فيه مخالفة من وجه، وموافقة من وجه.
طالب:. . . . . . . . .
التلبيد بالحناء؛ لكنه يمنع من وصول الماء إلى الشعر فهذا يزال في وقت الصلاة عند الوضوء, نعم.
أحسن الله إليك.
باب: الصلاة في البيت، وقصر الصلاة، وتعجيل الخطبة بعرفة:(88/4)
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد، وبلال بن رباح، وعثمان بن طلحة الحجبي, فأغلقها عليه، ومكث فيها، قال عبد الله: فسألت بلالاً حين خرج, ما صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: جعل عموداً عن يمينه، وعمودين عن يساره, وثلاثة أعمدة وراءه, وكان البيت يومئذٍ على ستة أعمدة, ثم صلى.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه قال: كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف, ألا تخالف عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- في شيء من أمر الحج, قال: فلما كان يوم عرفة جاءه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما حين زالت الشمس, وأنا معه, فصاح به عند سرادقه: أين هذا؟ فخرج عليه الحجاج, وعليه ملحفة معصفرة, فقال: مالك يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: الرواح, إن كنت تريد السنة, فقال: أهذه الساعة؟ قال: نعم, قال: فأنظرني حتى أفيض علي ماءً ثم أخرج, فنزل عبد الله حتى خرج الحجاج فسار بيني وبين أبي, فقلت له: إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم, فاقصر الخطبة، وعجل الصلاة, قال: فجعل ينظر إلى عبد الله بن عمر كي ما يسمع ذلك منه, فلما رأى ذلك عبد الله قال: صدق سالم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب الصلاة في البيت، وقصر الصلاة، وتعجيل الخطبة بعرفة"
"الصلاة في البيت" يعني بداخل الكعبة "قصر الصلاة" في أيام الحج بمكة، وبمنى وبعرفة وبمزدلفة, والمناسك, "وتعجيل الخطبة بعرفة" تعجيلها باختصارها، وتقصيرها.
"حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد" أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل الكعبة هو وأسامة, هو: ضمير فصل, يؤتى به للتمكن من العطف على ضمير الرفع المتصل, وهنا فيه فاصل وهو الكعبة المفعول, فيجوز حذف "هو" هنا:
وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فافصل بالضمير المنفصل
أو فاصل ما وبلا فصل يرد ... في النظم فاشياً وضعفه واعتقد(88/5)
"أو فاصل ما" هنا يوجد فاصل غيره "وبلا فصل يرد * * * في النظم فاشياً وضعفه واعتقد، يوجد فاصل وهو المفعول "هو وأسامة بن زيد" معطوف, "وبلال بن رباح، وعثمان بن طلحة الحجبي" , يعني من الذي دخل مع النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ يعني ما في أحد يريد الدخول مع النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا هؤلاء؟ أو أنه لا فرق بين أسامة بن زيد، وبلال من الموالي وبين أبي بكر وعمر إلا بالتقوى؛ لماذا اختير مثل هؤلاء في هذا الموضع؟ يعني في أشرف المواضع؛ دخول البيت؟ ليبين أن الناس سواسية, وأن التقديم والتأخير مرده إلى الدين "هو وأسامة بن زيد، وبلال بن رباح، وعثمان بن طلحة الحجبي" حاجب؛ من بني شيبة, وهم حجاب البيت وسدنته, والمفتاح معهم، ولا ينزعه منهم إلا ظالم, ولما خرج النبي -عليه الصلاة والسلام- أعاد المفتاح إليهم, ونزل قول الله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء]، ولا ينزعه منهم إلا ظالم "فأغلقها عليه" دخل وقفل الباب -عليه الصلاة والسلام- "ومكث فيها" من يبادر إلى للسؤال, من المتوقع أن يبادر؟ عبد الله بن عمر؛ لينظر هل صلى, أو لم يصل؟ أين صلى, وكيف صلى؟ لأنه كما تهمه الصلاة, يهمه –أيضاً- موضع الصلاة, وهو ممن يعنى بمثل هذا "قال عبد الله: فسألت بلالاً حين خرج, ما صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: جعل عموداً عن يمينه, وعمودين عن يساره، وثلاثة أعمده وراءه" يعني في الخلف "وكان البيت يومئذ عليه ستة أعمدة, ثم صلى" صلى ركعتين في جوف الكعبة, في جوف الكعبة, الصلاة في الكعبة -لا سيما النافلة- صحيح؛ أخذاً من بفعله -عليه الصلاة والسلام-، ولو لم يستقبل جميع البيت, أما بالنسبة للفريضة فأهل العلم عندهم أنه لابد من استقبال جميع البيت, ولو جاز ذلك؛ لفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو مرة, وهذا الحديث في الصحيحين, متفق عليه.
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه قال: كتب عبد الملك بن مروان, نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يستقيم هذا؛ هذا جدار قائم, كيف؟ لو أراد ألا يستتر كيف يصنع؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(88/6)
استتر بالجدار, هذا لا يدل على الوجوب؛ بدليل أنه -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى غير جدار, ثبت أنه صلى إلى غير جدار, نعم؟
طالب: يضعف؟
لا, لا، ما يمكن يضعف هذا؛ يعني إلا غير سترة, لا, غاية من يقول بوجوب السترة, قالوا: أنه صلى إلى غير جدار؛ يعني صلى إلى سهم مثلاً أو إلى عنزة, وابن عباس يقول: يعني إلى غير سترة, صلى إلى غير جدار؛ يعني إلى غير سترة, وهذا لبيان إلى الجواز, والأدلة الدالة على الأمر بالسترة مصروفة إلى الاستحباب.
قال: "وحدثني عن مالك .. " نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟ لو أن إنساناً دخل غرفة، وقفل عليه الباب, ولا يتوقع أن يمر بين يديه أحد؟ لا مانع أن يصلي إلى غير سترة؛ لكن إن استتر، ودنى منها فهي السنة.
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه قال: كتب عبد الملك بن مروان" الخليفة "إلى الحجاج بن يوسف" وهو أمير الحاج في تلك السنة "ألا تخالف عبد الله بن عمر في شيء من أمر الحج" العبرة بأهل العلم, في العبادات العبرة بأهل العلم, والعلماء يقولون: أن العلماء هم الرؤساء في الحقيقية، وغيرهم تبعهم لهم, ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال؛ بل يقبض العلم بقبض العلماء, فإذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً))، وفي رواية: ((رؤساء جهالاً)) , فدل على أن أهل العلم هم أهل الرئاسة, فلما فقدوا بحثوا عن من يفتيهم؛ ولو كان جاهلاً, وسموهم رؤساء, فالرئاسة الحقيقية لأهل العلم, وهكذا كانت على مر التاريخ.
طالب: تعلموا قبل أن تسودوا.(88/7)
أيه؛ لابد أن يتعلم الإنسان قبل أن يرأس؛ لأنه إذا رأس قبل يسود أُحرج, ووقع في أخطاء, ولا بد أن يجعل له من ينير له الطريق "أن لا تخالف عبد الله بن عمر في شيء من أمر الحج, قال: فلما كان يوم عرفة" كان هذه تامة, ويوم فاعلها "يوم عرفة جاءه عبد الله بن عمر حين زالت الشمس" يعني مباشرة "وأنا معه" هذا سالم بن عبد الله بن عمر "فصاح به عند سرادقه" ناداه بأعلى صوته "أين هذا؟ " أين هذا؟ يعني أين الحجاج؛ أين الأمير؛ أمير الحاج؟ فناداه بأعلى صوته "أين هذا؟ فخرج عليه الحجاج، وعليه ملحفة معصفرة" يعني ملاءة يجل بها ثيابه "معصفرة" وقد جاء النهي عن لبس المعصفر، والمزعفر بالنسبة للرجال, لكن هذه قد تكون معصفرة مصبوغة بالكامل, أو يكون فيها شيء من العصفر, المقصود أنه جاء النهي عن ذلك, "فقال: مالك يا أبا عبد الرحمن؟ " ما الذي عندك؛ ما الخبر؟ بأعلى صوته, صاح به, ظن أن هناك حدث أو أمر وقع, فقال: مالك يا أبا عبد الرحمن "فقال: الرواحَ" الرواح, إغراء منصوب على الإغراء؛ يغريه بالرواح, بالمبادرة في هذا الوقت "فقال: الرواح إن كنت تريد السنة" والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما بات بمنى, صلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر, وجلس حتى طلعت الشمس, دفع إلى عرفة، ونزل دونها حتى إذا زالت الشمس, بمجرد زوالها خروج وقت النهي, صلى الظهر والعصر ودخل في أول الوقت "إن كنت تريد السنة, فقال: أهذه الساعة؟ قال: نعم, قال: فأنظرني" يعني أجلني؛ انتظر قليلاً "حتى أفيض علي الماء" يعني أغتسل للوقوف, من أجل أن يغتسل للوقوف "ثم أخرج, فنزل عبد الله" لعله نزل من دابته ليريحها انتظارا للحجاج "حتى خرج الحجاج, فسار بيني وبين أبي" سار الحجاج بين عبد الله بن عمر وبين سالم "فقلت له" سالم, يقول: فقلت له يعني الحجاج ": إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم, فاقصر الخطبة"، وفي رواية: "فعجل في الرواح" هجَّر "إن كنت تريد السنة اليوم، فاقصر الخطبة، وعجل الصلاة, قال: فجعل ينظر إلى عبد الله بن عمر" يعني يوافق على هذا الكلام أو لا يوافق، فيه أن الطالب له أن يتكلم بحضرة شيخه؛ لكن الشيخ يسدده إذا أخطأ "فجعل ينظر إلى عبد الله بن عمر كي ما يسمع ذلك(88/8)
منه" من أجل إقراره أو الإنكار عليه "فلما رأى ذلك عبد الله قال: صدق سالم" وافقه على هذا, نعم.
أحسن الله إليك.
باب: الصلاة بمنى يوم التروية، والجمعة بمنى وعرفة:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى, ثم يغدو إذا طلعت الشمس إلى عرفة.
قال مالك: والأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن الإمام لا يجهر بالقرآن في الظهر يوم عرفة, وأنه يخطب الناس يوم عرفة, وأن الصلاة يوم عرفة إنما هي ظهر وأن وافقت الجمعة فإنما هي ظهر, ولكنها قصرت من أجل السفر.
قال مالك في إمام الحاج: إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة، أو يوم النحر, أو بعض أيام التشريق؛ إنه لا يجمع في شيء من تلك الأيام.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب الصلاة بمنى يوم التروية" الثامن من ذي الحجة يصلي فيها الظهر والعصر، ثم بعد ذلك يصلي المغرب ليلة التاسع والفجر "والجمعة" وهل تصلى "بمنى" أو لا تصلى؟ كذلك "عرفة".
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان يصلي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، والصبح بمنى, ثم يغدوا إذا طلعت الشمس إلى عرفة" وهكذا فعل الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
"قال مالك: والأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا" يعني ببلدهم "أن الإمام لا يجهر بالقرآن في الظهر يوم عرفة" لأنها صلاة نهارية؛ لا يجهر بالقراءة فيها, كحال الإقامة "وأنه يخطب الناس يوم عرفة, وأن الصلاة يوم عرفة إنما هي ظهر وإن وافقت الجمعة" وفي حجته -عليه الصلاة والسلام- يوم عرفة يوم جمعة, ومع ذلكم ما جمَّع بهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإنما صلاها ظهراً "وإن وافقت الجمعة فإنما هي ظهر، ولكنها قصرت من أجل السفر" لا يقول قائل: أنه خطب، وصلى ركعتين الجمعة، وجمع إليها العصر, نقول: لا, يا أخي, هذه ظهر, والخطبة ليوم عرفة لا للصلاة. نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(88/9)
الخطبة لا ارتباط لها بالصلاة, ولذا لا يفعلها أحد غير الإمام, ولو كانت للجمعة، واحتيج لإقامة أكثر من جمعة, خطب الناس حتى من قبل غير الإمام؛ لكنها ظهر، ويجمع إليها العصر, ولا تجمع صلاة العصر مع الجمعة؛ لأن الجمعة أصل مستقل برأسه, لا تجمع ولا يجمع إليها كالصبح, والنبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
المسافر ليس عليه جمعة وهو في حال سفر, ولذا لم يصلِّ الجمعة.
"قال مالك في إمام الحاج: إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة، أو يوم النحر، أو بعض أيام التشريق؛ أنه لا يجمع في شيء من تلك الأيام" يعني في المشاعر ما في جمعة, في المشاعر ما في جمعة، لا لأهل مكة ولا للآفاقيين, إنما يصلون الصلوات باستثناء الظهر والعصر يوم عرفة, والمغرب والعشاء بمزدلفة, يصلون الصلوات قصراً مع صلاة كل صلاة في وقتها؛ كل صلاة في وقتها, أنه لا يجمع في تلك الأيام لا في يوم عرفة، ولا في يوم النحر، ولا في أيام التشريق؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يفعل ذلك؛ نعم؟
طالب: من فرَّق: أن من صلى الجمعة قبل الزوال, ليس له الجمع مع العصر, وإن صلاها بعد الزوال له أن يجمعها مع العصر؛ له وجه؟
ليس له وجه, ليس له وجه؛ الجمعة أصل برأسه كالصبح؛ لا تجمع، ولا يجمع إليها؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني الكلام سيأتي؛ أنهم جمعوا كلهم, وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- في المسجد: ((أتموا فإن قوم سفر)) , ولم يقل ذلك في المشاعر؛ تأتي الإشارة إليه؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما فيه إلا الإمام فقط الذي يخطب؛ أما عداه ما يخطب؛ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يخطبون, لا, لا؛ ما يخطبون, ما يخطبون.
طالب:. . . . . . . . .
ما تصلي الجمعة إلا في المسجد, كانت في المسجد.
طالب:. . . . . . . . .(88/10)
ما تقام, يا أخي في مشاعر؛ ما تقام, يقول: "قال مالك في إمام الحج: إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة، أو يوم النحر، أو بعض أيام التشريق؛ أنه لا يجمع بشيء من تلك الأيام" لكن لو الواحد مثلا في أيام التشريق جالساً بمنى أو مثلاً تارك منى في النهار, نازل للمسجد؛ يصلي جمعة مع الناس, في بجواره مسجد, وذهب يصلي إليه؛ ما يمنع, لكن ما يقام صلاة جمعة في المشاعر, نعم.
أحسن الله إليك.
باب: صلاة المزدلفة:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً.
وحدثني عن مالك عن موسى بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس -رضي الله عنهما- عن أسامة بن زيد -رضي الله تعالى عنهما-: أنه سمعه يقول: دفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عرفة, حتى إذا كان بالشعب نزل فبال, فتوضأ فلم يسبغ الوضوء, فقلت له: الصلاة يا رسول الله, فقال: ((الصلاة أمامك)) , وركب فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء, ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب, ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله, ثم أقيمت العشاء فصلاها ولم يصل بينهما شيئاً.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عَدِيِّ بن ثابت الأنصاري: أن عبد الله بن يزيد الخطمي أخبره: أن أبا أيوب الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- أخبره: أنه صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً.
وحدثني عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يصلي المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب الصلاة بمنى يوم التروية" اليوم الثامن والجمعة, باب أيش؟ انتهينا من هذا .. "باب صلاة المزدلفة" انتهينا من يوم التروية, ويوم عرفة؛ يوم التروية تُصلَّى الصلوات كل صلاة في وقتها, الظهر العصر والمغرب والعشاء والفجر كل صلاة في وقتها, وتقصر الصلاة في هذا مع التوقيت, وأما بالنسبة لعرفة فسمعنا أن السنة الجمع بين الصلاتين؛ جمع تقديم بعد الزوال, والسنة التهجير ليطول وقت الوقوف, ثم بعد هذا الصلاة بالمزدلفة.(88/11)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً" يعني جمع بين المغرب والعشاء, وهذه هي السنة؛ يدفع بعد غروب الشمس من عرفة, ثم بعد ذلك إذا وصل المزدلفة بادر بالصلاة؛ صلاة المغرب والعشاء جمعاً بأذان واحد وإقامتين, وجاء في الصحيح أنها بأذانين وإقامتين, وجاء بإقامتين, وكلها روايات صحيحة, لكن المعول في هذا على حديث جابر؛ لأنه هو الذي ضبط الحجة وأتقنها, هو الذي ضبطها من خروجه -عليه الصلاة والسلام- من بيته إلى رجوعه, فالمعول في مثل هذا عليه, هو يقول: بأذان واحد وإقامتين.(88/12)
"وحدثني عن مالك عن موسى بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد أنه سمعه يقول: دفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عرفة" أردف النبي -عليه الصلاة والسلام- أسامة من عرفة إلى المزدلفة, وأردف الفضل بن العباس من مزدلفة إلى منىً، يقول: "دفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عرفة, حتى إذا كان بالشعب" يعني لو اختلفت رواية ابن عمر مثلاً, فيما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- في الدفع من عرفة إلى مزدلفة مع رواية أسامة مثلاً, من الذي يقدم؟ أسامة؛ لقربه من النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه رديفه, كل مثل هذا في الفضل "حتى إذا كان بالشعب نزل فبال فتوضأ" -عليه الصلاة والسلام-؛ احتاج إلى نقض الوضوء, فبال -عليه الصلاة والسلام-، فتوضأ وضوءً لم يسبغه يعني أليس على عادته أنه يسبغ الوضوء؟ الرسول من عادته إسباغ الوضوء؛ لكن هذا الوضوء لا يريد به الصلاة, وإنما يريد به أن يبقى على طهارة, ولعله للذكر -أيضاً-؛ لئلا يذكر الله إلا على أكمل وجه, لكن لما أراد الصلاة أسبغ الوضوء "فلم يسبغ الوضوء" في الطريق "فقلت له: الصلاة يا رسول الله, فقال: ((الصلاة أمامك)) " أمامك يعني في المزدلفة ليس هنا, إنما هي بالمزدلفة, "وركب" -عليه الصلاة والسلام- "فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء" نعم, الآن يريد الصلاة, والإسباغ جاء الأمر به: ((أسبغوا الوضوء)) , أسبغوا الوضوء؛ جاء الأمر به, وجاء التثليث, وجاء إتمام الوضوء عنه -عليه الصلاة والسلام-، والترغيب في ذلك "ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب" الأذان لا ذكر له هنا, الأذان لا ذكر له هنا؛ لكنه محفوظ من رواية غيره من الصحابة "ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب, ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله, ثم أقيمت العشاء فصلاها, ولم يصل بينهما شيئاً" هنا فصل بين الصلاة الأولى والثانية، بين مجموعتين بإناخة الإبل, كل في منزله, فصار فيه فاصل بين المجموعتين, وهذا بالنسبة لجمع التأخير فيه سعة, بخلاف جمع التقديم "ثم أقيمت العشاء فصلاها, ولم يصل بينهما شيئاًً" لم يسبح بينهما, إنما صلى المغرب ثم العشاء, وأما السنن فلم يفعل شيئاً منها, حتى نازع بعضهم في الوتر, الذي ثبت عنه -عليه الصلاة(88/13)
والسلام- أنه كان لا يدعه حضراً ولا سفراً, من قول جابر: "فنام حتى أصبح" بعضهم ينازع في هذا, وسيأتي -إن شاء الله تعالى-.
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عدي بن ثابت الأنصاري: أن عبد الله بن يزيد الخطمي أخبره: أن أبا أيوب الأنصاري أخبره: أنه صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً" , وهذا ثابت عن جمع من الصحابة, ممن حضر صلاته -عليه الصلاة والسلام- هناك.
"وحدثني عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان يصلي المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً" يعني لا يفرق بينهما؛ لا يصلي المغرب في وقت, والعشاء في وقت, وعلى هذا يكون أول ما يبادر إذا وصل المزدلفة يصلي المغرب ثم العشاء.
هذا يقول: "بعضهم يقول: لو جاء إلى المزدلفة مبكراً قبل دخول وقت العشاء؛ فلا يصلي العشاء حتى يدخل وقتها, وأجاب عن حديث جابر؛ وفيه: أن المسافة بين عرفة ومزدلفة يحتاج لوقت لو حسبناه لتبين لنا أن وقت المغرب قد خرج, لذا فهو قد جمع لذلك؟ " يعني جمع تأخير؛ نعم، الذي يغلب على الظن أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع جمع تأخير, لكن الآن أحياناً تصل المزدلفة بعد ربع ساعة, أحياناً بعد ربع ساعة من بعد غروب الشمس.
طالب:. . . . . . . . .
مزدلفة؛ أيه, وأحيانا لا تصل إلا مع الصبح, هذا وهذا كله حاصل, نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ايش هوه؟ أشو. معناته؟ خلاص ويش بيسوي؟
طالب:. . . . . . . . .
الكلام في الصلاة ماذا يصنع؟ المقصود أن الصلاة لا يجوز إخراجها عن وقتها, يصليها في أي مكان.
طالب:. . . . . . . . .
أيه؛ لأن هذا جمع تأخير.
طالب:. . . . . . . . .
لأن هذا جمع تأخير، ويتوسعون في جمع التأخير.
طالب: في فعل حصل بين المغرب والعشاء؟
أيه, لكن ما حصل من جنس الصلاة؛ نعم؟
طالب: يجوز الكلام ويجوز. . . . . . . . .؟
أيه؛ لا بأس, نعم.
طالب:. . . . . . . . .
يصلي؛ إذا خشي على وقته يصلي.
"وحدثني عن مالك عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان يصلي المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً", نعم؟ أيش هو؟
طالب:. . . . . . . . .(88/14)
إذا أمكن؛ .. لكن يمديه؛ ما دام المسألة خشي على فوات الوقت, فبالإمكان أن ينزل عن سيارته ويصلي ويعود إليها, وين؟
طالب:. . . . . . . . .
ولو صلاها في السيارة حفاظاً على الوقت, وأعادها احتياطاً, لا بأس -إنشاء الله-.
طالب: على غير القبلة؛ في السيارة؟
الأصل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يصلي الفريضة على الدابة، فلا بد أن يقف، ويصلي الصلاة بشروطها وأركانها؛ لكن أحياناً لا يستطيع؛ السيارات من عن يمينه وشماله، وأمامه وخلفه لا يستطيع.
س/ في وقتنا الحاضر تعلمون اختلاف وصول الحملات إلى المزدلفة, فهل كل حملة تصل إلى المزدلفة يلزمها الأذان, أو يكفتى بأذان من وصل إلى المزدلفة؟
السنة أن يؤذنوا؛ كل يؤذن, نعم.
أحسن الله إليك.
باب: صلاة منى:
قال مالك في أهل مكة: إنهم يصلون بمنى إذا حجوا ركعتين، ركعتين حتى ينصرفوا إلى مكة.
وحدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الصلاة الرباعية بمنى ركعتين, وأن أبا بكر -رضي الله عنه- صلاها بمنى ركعتين, وأن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- صلاها بمنى ركعتين, وأن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- صلاها بمنى ركعتين شطر إمارته, ثم أتمها بعد.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما قد مكة صلى بهم ركعتين, ثم انصرف, فقال: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر, ثم صلى عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- ركعتين بمنى, ولم يبلغنا أنه قال لهم شيئاً.
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه: "أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- صلى للناس بمكة ركعتين فلما انصرف، قال: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر, ثم صلى عمر -رضي الله تعالى عنه- ركعتين بمنى, ولم يبلغنا أنه قال لهم شيئاً.
سئل مالك -رحمه الله- عن أهل مكة كيف صلاتهم بعرفة؛ أركعتان أم أربع؟ وكيف بأمير الحاج إن كان من أهل مكة؛ أيصلي الظهر والعصر بعرفة أربع ركعات أو ركعتين؟ وكيف صلاة أهل مكة في إقامتهم؟(88/15)
فقال مالك -رحمه الله-: يصلي أهل مكة بعرفة ومنى ما أقاموا بهما ركعتين، ركعتين؛ يقصرون الصلاة حتى يرجعوا إلى مكة, قال: وأمير الحاج -أيضاً- إذا كان من أهل مكة قصر الصلاة بعرفة، وأيام منى, وإن كان أحد ساكناً بمنى، مقيماً بها فإن ذلك يتم الصلاة بمنى, وإن كان أحد ساكناً بعرفة مقيماً بها, فإن ذلك يتم الصلاة بها –أيضاً-.
يقول المؤلف -رحمة الله عليه-: "باب صلاة منى"
"قال مالك في أهل مكة" يسأل عن الصلاة التي قبل الوقوف, والصلاة التي بعد الوقوف في يوم النحر، وأيام التشريق "قال مالك في أهل مكة: إنهم يصلون بمنى إذا حجوا ركعتين، ركعتين حتى ينصرفوا إلى مكة" وذلكم لارتباط الصلاة بالنسك, والعمدة في ذلك على كونهم صلوا خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- بما فيهم أهل مكة, ومن هو دون مسافة القصر, ولم يحفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: أتموا, أتموا, بينما لما صلى بهم في المسجد, قال: ((أتموا فإنا قوم سفر)) , يدل على أن أهل مكة بمكة لا يقصرون الصلاة؛ لكن إذا خرجوا إلى المشاعر يقصرون الصلاة, وهذا قول أبي حنيفة ومالك, لارتباط هذه الصلاة بالنسك, والذين يقولون: لا يجوز القصر ولا الجمع والترخص, إلا بتحقق المسافة والمدة, يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لهم: ((أتموا)) , ولا يلزم أن تقال هذه الكلمة في كل موطن, إذا عرفت العلة: ((أتموا فإنا قوم سفر))، وأنتم حضر, لستم بمسافرين, فلا يحتاج إلى أن ينبه إلى الإتمام في كل مناسبة؛ يكفي التنبيه الأول, وهذا هو المعروف عند الحنابلة والشافعية؛ أن من دون مسافة القصر لا يجمع ولا يقصر "أنهم يصلون بمكة إذا حجوا ركعتين، ركعتين حتى ينصرفوا إلى مكة, وهذا رأيه وموافق رأي أبي حنيفة, وعرفنا رأي الشافعي وأحمد؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني فيه قوة, صلى معه بمنى أناس؛ ما شهدوا ولا سمعوا قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أتموا)) , فله وجه, ومن عمل بالاحتياط وقال: إن السفر لا بد له من المسافة, وأن الصلاة هذه لا يمكن أن يستبرأ لها, وأن تعمل على يقين, إلا على القول الآخر -أيضاً- له وجه, وحجته أنه بُيِّن، ولا يلزم البيان في كل مناسبة, نعم, تفضل؟
طالب:. . . . . . . . .(88/16)
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
عند مالك، وأبي حنيفة نفس الكلام, نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مسألة: حصول العيد في يوم الجمعة والاكتفاء بالعيد عن الجمعة, وصنيع ابن الزبير؛ ابن الزبير السياق يدل على أنه أخر صلاة العيد, واكتفى بها عن الجمعة؛ لأنها صارت في وقت صلاة الجمعة, على القول بأن صلاة الجمعة تصح قبل الزوال, وعلى هذا إذا صليت بنية الجمعة، وهي الآكد أغنت عن العيد, ولا يمنع أن يكون ابن الزبير صلاها عيد، ولم يخرج إليهم إلا إلى وقت العصر، أنه صلاها ظهراً، ولم يخرج إليهم, صلاها في حيه, ولم يأت إلى المسجد الذي يجتمع في الناس كلهم, وعلى كل حال القول بالاكتفاء بالعيد عن الجمعة والظهر قول شاذ, وعامة أهل العلم أن العيد تغني عن صلاة الجمعة لكنها لا تتغني عن الظهر, فلا بد من الإتيان بها.
هنا يقول: "وحدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الصلاة الرباعية بمنى ركعتين, وأن أبا بكر صلاها بمنى ركعتين, وأن عمر بن الخطاب صلاها بمنى ركعتين, وأن عثمان صلاها بمنى ركعتين" وهذه هي السنة؛ اقتداء بفعله -عليه الصلاة والسلام- "شطر إمارته" يعني جزء, ويحتمل أن يكون النصف، أو أكثر أو أقل من إمارته، ثم بعد ذلك أتمها "ثم أتمها بعد" متأولاً؛ وهو أنه إمام المسلمين, والبلدان في حقه سواء, ولا فرق بين مكة والمدينة كلها بالنسبة له سواء, فهو أمير على الجميع، والبلدان كلها تابعة له, وحينئذ يتم الصلاة, هذا تأول -رضي الله عنه وأرضاه-، وعائشة –أيضاً- تأولت كما تأول عثمان, وأنها أم المؤمنين وفي كل مكان لها بيت ومسكن وأولاد, فهي تأولت مثل ما تأول عثمان, وخالفهم من خالفهم, ابن مسعود وغيره صرح بما صرح به.
"وحدثني عن مالك .. " والعبرة بما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.(88/17)
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب: "أن عمر بن الخطاب لما قدم مكة صلى بهم ركعتين ثم انصرف، فقال: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر" وهذا فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- عام الفتح أمرهم بالإتمام, معللاً بأنهم قوم سَفْر؛ سفر: جمع مسافر؛ أصل جمع سافر، كصحب جمع صاحب, وركب جمع راكب, فسفر جمع سافر, والسافر هو المسافر "ثم صلى عمر بن الخطاب ركعتين بمنى ولم يبلغنا أنه قال لهم شيئاً" وهكذا فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ما حفظ عنه أنه قال لهم: أتموا بمنى.
قال: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه: أن عمر بن الخطاب صلى للناس" يعني صلى بهم "بمكة ركعتين" لأنه مسافر "فلما انصرف، قال: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر, ثم صلى عمر ركعتين بمنى ولم يبلغنا أنه قال لهم شيئاً"، كسابقة.
"سئل مالك عن أهل مكة: كيف صلاتهم بعرفة؛ أركعتان أم أربع؟ وكيف بأمير الحاج إذا كان من أهل مكة؛ أيصلي الظهر والعصر بعرفة أربع ركعات أو ركعتين؟ وكيف صلاة أهل مكة في إقامتهم؟ "
فأجاب: "فقال مالك -رحمه الله تعالى-: يصلي أهل مكة بعرفة ومنى ما أقاموا بهما ركعتين، ركعتين, يقصرون الصلاة, حتى يرجعوا إلى مكة" والعمدة في ذلك كونه -عليه الصلاة والسلام- لم يأمر أحداً بالإتمام, "قال: وأمير الحاج –أيضاً- إذا كان من أهل مكة قصر الصلاة بعرفة" يعني ولو لم تتحقق مسافة القصر, "وأيام منى وإن كان أحد ساكنا بمنى مقيماً بها؛ فإن ذلك يتم الصلاة بمنى" إذ لا يتصور أن الشخص يجمع ويقصر في موطن إقامته, مسألة المسافة وقد اختلف فيها العلماء -كما هو معروف- قابلة للاجتهاد, لكن بدون مسافة؛ في بيته يجمع ويقصر, نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ليس له ذلك, ولذا أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أهل مكة بأن يتموا "وإن كان أحد ساكناً بمنى مقيماً بها, فإنه يتم الصلاة بمنى، وإن كان أحد ساكناً بعرفة مقيماً بها" فإنهم يتموا "فإن ذلك يتم الصلاة بها -أيضاً-" هو الذي يظهر أما السفر ما تحققت المسافة عندهم, هو الذي يظهر مثل رأي مالك.
طالب:. . . . . . . . .(88/18)
نعم، تبي تقول لي: إنه ما في فرق بين المقيم، وغير المقيم؛ يعني الذي انتقل من مكان إلى مكان؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أنا أعرف, أنا أعرف؛ أنا أقول: من انتقل من بيته, من مكان إلى مكان, وترك بيته وموطن إقامته, ولو كان قريباً؛ يتضح مسألة: ترجيح النسك على المسافة, لكن من لم ينتقل, ممن يرجح بالنسك فقط؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال من أهل العلم من يقول بالقصر, حتى لأهل مكة بمكة, لكن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أتموا فإنا قوم سفر)) , نص في هذا, نص في هذا؛ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
قصروا بمنى, وبعرفة قصروا, وبمزدلفة قصروا, وبالمشاعر قصروا؛ لكن في بيوتهم لا، لو طردناه للنسك, قلنا: حتى أهل مكة يقصرون، حتى أهل مكة في بلدهم, والمقيمون بمنى يقصرون, لكنه -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أتموا)) , يدل على أن المقيم في محل إقامته ليس له ذلك, "سُئل مالك .. " نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيه, لأنه لا يوجد سكان بالمشاعر في ذلك الوقت, لو وجد سكان يمكن يقول لهم: أتموا, وعلى كل حال عدم التنبيه على أمر مشترط لصحة للعبادة, لا يلزم أن يكون ... , أقول: التنبيه لا يلزم في كل مناسبة, مثل ما مضى الكلام في قطع الخفين, "ثم صلى عمر ركعتين بمنى ولم يبلغنا أنه قال لهم شيئاً".
"سئل مالك عن أهل مكة" .. انتهينا؟
طالب: قال: وأمير الحاج. . . . . . . . .
نعم "قال: وأمير الحاج –أيضاً- إذا كان من أهل مكة قصر الصلاة بعرفة" يعني بغض النظر عن تحقق المسافة كأهل مكة "وأيام منى، وإن كان أحد ساكن بمنى مقيما بها, فإنه يتم الصلاة بها, وإن كان أحد ساكن بعرفة مقيما بها فإنه يتم الصلاة بها –أيضاً- لذلك, نعم.
باب: صلاة المقيم بمكة ومنى:
حدثني يحيى عن مالك أنه قال: من قدم مكة لهلال ذي الحجة، فأهل بالحج, فإنه يتم الصلاة حتى يخرج من مكة لمنى، فيقصر؛ وذلك أنه قد أجمع على مقام أكثر من أربع ليال.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب صلاة المقيم بمكة ومنى" المقيم؛ يعني الذي خرج من مكة إلى منى هذا ليس بمقيم, أما من كان له بيت يسكنه بمنى, أو بعرفة, أو بمزدلفة, أو من أهل مكة في مكة.(88/19)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك أنه قال: من قدم مكة لهلال ذي الحجة، فأهل بالحج, فإنه يتم الصلاة" يعني هو لو كان آفاقياً, ولو كان ضرب المسافات الطويلة, فإنه يتم الصلاة؛ لأنه يجلس أكثر من أربعة أيام، من قد مكة لهلال ذي الحجة بيقيم إلى اليوم الثامن؛ أكثر من المسافة المشترطة للترخص عند مالك، وغيره من أهل العلم؛ مالك والشافعي وأحمد؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المسافة عندهم أربعة أيام, وعند أبي حنيفة خمسة عشر يوماً, وكلهم يقولون بالتحديد "فأهل بالحج فإنه يتم الصلاة حتى يخرج من مكة لمنى، وذلك أنه قد أجمع على مقام أكثر من أربعة أيام" فإذا عزم المسافر للإقامة في مكان واحد أكثر من أربعة أيام, فإن حكمة حكم المقيم, وهذا معروف قول أكثر أهل العلم, نعم, وإن كانت الأدلة قد لا تنهض إلى الإلزام بمثل هذا؛ لكن الاحتياط للصلاة, والاهتمام بشأنها, وعدم تضييعها, وتذرع بعض الناس بالترخص من غير رخصة؛ يحتاط لمن هذا, وكان الشيخ ابن باز -رحمه الله- يفتي بالإطلاق, وأنه لا مسافة ولا مدة, إنما إذا وجد السبب الذي هو السفر حصل الترخص, ثم بعد ذلك رجع إلى قول الجمهور, فحدد بالمدة والمسافة, احتياطاً للدين، وإبراء للذمة، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: تكبير أيام التشريق:
حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خرج الغد يوم النحر؛ حين ارتفع النهار شيئاً فكبر, فكبر الناس بتكبيره, ثم خرج الثانية من يومه ذلك بعد ارتفاع النهار, فكبر, فكبر الناس بتكبيره, ثم خرج الثالثة حين زاغت الشمس فكبر, فكبر الناس بتكبيره, حتى يتصل التكبير ويبلغ البيت فيعلم أن عمر قد خرج يرمي.
قال مالك: الأمر عندنا أن التكبير في أيام التشريق دبر الصلوات, وأول ذلك تكبير الإمام والناس معه دبر صلاة الظهر من يوم النحر, وآخر ذلك تكبير الإمام والناس معه دبر صلاة الصبح من آخر أيام التشريق, ثم يقطع التكبير.(88/20)
قال مالك: والتكبير في أيام التشريق على الرجال والنساء, من كان في جماعة أو وحده بمنى، أو بالآفاق كلها واجب, وإنما يأتم الناس في ذلك بإمام الحاج، وبالناس بمنى؛ لأنهم إذا رجعوا وانقضى الإحرام ائتموا بهم حتى يكونوا مثلهم في الحل, فأما من لم يكن حاجاً, فإنه لا يأتم بهم إلا في تكبير أيام التشريق.
قال مالك -رحمه الله-: الأيام المعدودات أيام التشريق.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب تكبير أيام التشريق".
التكبير؛ جاء الأمر به "الذكر": {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} [(27) سورة الحج]، وجاء –أيضاً- الأمر به في الأيام المعدودات, فالأيام المعلومات أيام العشر, والأيام المعدودات أيام التشريق, الأيام المعلومات العشر, والأيام المعدودات هي أيام التشريق, فيسن التكبير من دخول عشر ذي الحجة, وهذا يسميه أهل العلم: التكبير المطلق, وينتهي بغروب شمس آخر أيام التشريق, هذا المطلق الذي لم يطلق بأدبار الصلوات, ولذا كان عمر -رضي الله عنه- يخرج في اليوم ثلاث مرات، أو أكثر فيكبر في أيام التشريق, فيسمعه الناس، ويكبرون بتكبيره, فترتج منى بالتكبير, فدل على أن المطلق يستمر إلى آخر أيام التشريق, وأما المقيد بأدبار الصلوات, المقيد بأدبار الصلوات, هذا يبدأ من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق, هذا بالنسبة لغير الحاج, وأما الحاج المشتغل بالتلبية فإنه يبدأ من صلاة الظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق, ومنهم من يقول: إلى فجر آخر أيام التشريق, المقصود أن التكبير المطلق عرفنا وقته, ومشروعيته, بالنصوص، بالأدلة بالآيتين, وغيرهما, أما بالنسبة للتكبير المقيد, وقد ثبت عن بعض السلف, من الصحابة وغيرهم, وبعضهم يقول: ما دام ما في شيء مرفوع, والتعبد يحتاج إلى شيء مرفوع, فهو ليس بمشروع, وقد تجرأ بعضهم، فقال: بدعة, هو معروف عن سلف هذه الأمة، ويقابل هذا القول؛ القول: بأنه بدعة, يقابله قول الحسن البصري -رحمه الله-: وأن المسبوق؛ المسبوق للصلاة, الآن يسلم الإمام، ويبدأ بالتكبير مباشرة, والناس معه, المسبوق متى يكبر؟ الحسن البصري يقول: يكبر مع الإمام, فإن انتهى من التكبير؛ أتم صلاته؛ وراه؟ هاه؟(88/21)
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
أقول: هذا القول منسوب للحسن البصري؛ يجعل في مقابل من جعله بدعة, في نحر من جعل التكبير بدعة, وإذا قلنا: ليس ببدعة, ولا يصل إلى هذا الحد, بأن يكبر في أثناء الصلاة, لا هذا، ولا هذا, يقال: ما دام ثبت عن سلف هذه الأمة؛ فيفعل, ويكون وقته من صلاة فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق, هذا بالنسبة لغير الحاج, وأما الحاج فيكون من صلاة الظهر يوم النحر؛ لأن الحاج مشغول بالتلبية قبل ذلك.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه: أن عمر بن الخطاب خرج الغد" يعني في الغد من "يوم النحر" يوم الحادي عشر "حين ارتفع النهار شيئاً" , يعني قدراً معلوماً "فكبر, فكبر الناس بتكبيره" هذا مطلق وإلا مقيد؟ مطلق؛ لأن المقيد بأدبار الصلوات "ثم خرج الثانية من يومه ذلك بعد ارتفاع النهار، فكبر, فكبر الناس بتكبيره, ثم خرج الثالثة حين زاغت الشمس فكبر, فكبر الناس بتكبيره, حتى يصل التكبير ويبلغ البيت" يعني من قوة الأصوات المجتمعة؛ يعني ولو كانت ليست قوية بمفرداتها؛ لكنها إذا اجتمعت زادت قوتها "فيعلم أن عمر قد خرج يرمي" يعرفون الناس إذا حصل هذا التكبير, وعمر الذي يبدأ به, عرفوا أن هذا الصوت أثر يدل على مؤثر، وهو فاعله, وحينئذ يعرفون خروج عمر إلى الرمي بالتكبير.
"قال مالك: الأمر عندنا أن التكبير في أيام التشريق دبر الصلوات" يعني أيش؟
طالب: مقيد.
مقيد "دبر الصلوات, وأول ذلك تكبير الإمام والناس معه دبر صلاة الظهر من يوم النحر" لأنه قبل ذلك مشغول بالتلبية "وآخر ذلك تكبير الإمام والناس معه دبر صلاة الصبح من آخر أيام التشريق, ثم يقطع التكبير" لكن عندما يقول: "الأيام المعدودات أيام التشريق", وقد أمرنا بالذكر فيها, والتكبير من الذكر الذي أمرنا به, واليوم يشمل إلى النهار كله إلى غروب الشمس, فكيف يقول: إلى صلاة الصبح؟ ثم يقطع التكبير.(88/22)
"قال مالك: والتكبير في أيام التشريق على الرجال والنساء" يعني على حد سواء، فالنساء شقائق الرجال, لكن إذا كن بحضرة رجال أجانب فإنهن يخفضن الصوت؛ لئلا يفتن الرجال "من كان في جماعة أو وحده" المنفرد يكبر عند الإمام مالك, ومنهم من يقول: أن التكبير المقيد خاص بأدبار الصلوات مع الإمام في المساجد "في جماعة أو وحده بمنى، أو بالآفاق" كلهم يكبرون "كلها واجب" كلها واجب, ولعل المراد بالواجب هنا المتحتم المتأكد, كما في حديث: ((غسل الجمعة واجب على كل محتلم)) , لا يلزم منه الإثم؛ لكنه متحتم متأكد؛ لا ينبغي أن يضيع "وإنما يأتم الناس في ذلك بإمام الحاج"، نعم: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به))، وهذا منه, فيؤتم به فلا يتقدم عليه؛ فلا يتقدم عليه بشيء "وبالناس بمنى؛ لأنهم إذا رجعوا وانقضى الإحرام ائتموا بهم" وإنما يأتم الناس في ذلك بإمام الحاج, وهو الإمام الأعظم للأمة، أو من ينيب الإمام الأعظم, "وإنما يأتم الناس في ذلك بإمام الحاج, وبالناس بمنى" الإنسان يأتم بالناس بمنى إذا خفي عليه الأمر يصنع مثل ما يصنعون الناس؛ لكن من المراد بالناس؟ هم الذين يقتدى بهم "لأنهم إذا رجعوا وانقضى الإحرام ائتموا بهم" فإذا كانوا يأتمون بهم في سائر الأيام؛ يأتمون بهم في المناسك "حتى يكونوا مثلهم في الحل" وبالناس بمنى؛ لأنهم إذا رجعوا، وانقضى الإحرام ائتموا بهم حتى يكونوا مثلهم في الحل, "فأما من لم يكن حاجاً, فإنه لا يأتم بهم إلا في تكبير أيام التشريق" ولا شك أن غير الحاج مطالب بالذكر في الأيام المعلومات، والمعدودات, فيتجه إليه الاستحباب المؤكد في الذكرين المطلق والمقيد.
"قال مالك: الأيام المعدودات أيام التشريق"، وقد تقدم, نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم, يعني يكبر عمر ثم يكبر الناس بتكبيره, هذا ليس فيه دليل على التكبير الجماعي؛ لأن هذه الجلبة، وارتفاع الأصوات تكون بمجرد الاجتماع, نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(88/23)
كلام مجموع الناس يحصل منه هذا؛ بدليل أنه لو كان كل واحد يقرأ, لو تدخل في المسجد الجامع واحد يقرأ بصوت منخفض, ليس سراً, بصوت منخفض, لا تتبين ما يقول ولا تدري ما يقول, ولا تسمع حتى ولا صوت يمكن, لكن لو كان معه ثاني وثالث وعشرة ومائة وألف؛ كلهم في آن واحد, وهذا في البقرة، وهذا في النساء, وهذا في آل عمران, وهذا في الناس, وهذا في الجزء الأول، وفي الأخير, وبمجموع الأصوات ألا يحصل جلبة من هذه الأصوات؟ هذا مجرب, ولا يلزم منه أن يكون جماعياً في آن واحد؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هي؟ يعني يقتدون به؛ انتهى من التكبير كبر, هذا لحقه في آخر التكبير، وهذا في أوله, وهذا في التكبيرة الأولى, وذا بالثانية, ما يضر هذا.
لا ما يلزم منه أن يكون جماعيا أبداً.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال قيل به؛ لكنه لا ينهض, والشواهد والأحوال ظاهرة؛ أنت ادخل الجامع تسمع الأصوات المرتفعة, وهم لو كل واحد بمفرده ما سمعت شيء.
طالب:. . . . . . . . .
والله ما حفظ, ما حفظ تكبير جماعي أبداً عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يضع حلقه، ويكبر، ثم يرددون وراءه.
طالب: اقصد صادف يا شيخ تكبيرهم تكبيراً الجماعي؟
ويش؟ هو؟ ما هو بجماعي, هذا واضح يا أخوان.
طالب:. . . . . . . . .
من دون قصد, يعني كبر، وكبروا معه اقتداءً به, ما لم يحدث اتفاق بينهم؟
طالب: بدون قصد وحصل اتفاق بينهم, بدون قصد؟
ما يمكن يحصل.
طالب:. . . . . . . . .
لا, واحد يغفل, وواحد ما ينتبه إلى انتهى زميله, وواحد .. ؛ تعرف الناس ما يمكن يتفقون على شيء.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.(88/24)
الموطأ – كتاب الحج (26)
(صلاة المعرَّس والمحصب - البيتوتة بمكة لياليَ منى - رمي الجمار - الرخصة في رمي الجمار)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: صلاة المُعرَّسِ والمحصب:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة فصلى بها.
قال نافع: وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يفعل ذلك.
قال مالك -رحمه الله-: لا ينبغي لأحد أن يجاوز المعرس إذا قفل حتى يصلي فيه؛ وإن مر به في غير وقت صلاة؛ فليُقِم حتى تحل الصلاة ثم صلى ما بدا له؛ لأنه بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عرس به، وأن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أناخ به.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمحصَّب ثم يدخل مكة من الليل فيطوف بالبيت.
الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله؛ نبيا محمد وعلى آله، وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب صلاة المعرس والمحصب".
المعرَّس هو الموضع الذي ينزل فيه المسافر ليلاً؛ فالمعرس موضع النزول، والمحصَّب والحصباء والأبطح والبطحاء متقاربة المعاني.
"حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أناخ بالبطحاء" أناخ برَّك راحلته بالبطحاء حين صدر من الحج، حينما انتهى من الحج، ورجع وقفل راجعاً، البطحاء التي بذي الحليفة، احترازاً من البطحاء التي بين مكة ومنى، البطحاء والأبطح، والمحصب، وخيف بني كنانة متقاربة، هذه بين مكة ومنى.(89/1)
"فصلى بها" النبي -عليه الصلاة والسلام- لما رجع قبل أن يدخل المدينة بشيء يسير بالبطحاء التي بذي الحُليفة أناخ بها حتى أصبح وصلى بها، وهذا عند أهل العلم ليس من المناسك، وإنما نزل هذا المكان ليلاً لأن لا يطْرِق أهله، وقد جاء النهي عن طروق الأهل ليلاً، وإنما يطرقون بالنهار.
"قال نافع: وكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك" تأسياً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فابن عمر يتتبع مثل هذه الأماكن، ويقصدها تأسياً بالنبي -عليه الصلاة والسلام- بخلاف غيره من الصحابة؛ فإنهم يرون أن مثل هذه الأماكن إنما حصلت اتفاقاً من غير قصد؛ لأنها على طريقة.
"قال مالك: لا ينبغي لأحد أن يجاوز المعرس" الذي هو موضع النزول إذا قفل: يعني رجع من الحج حتى يصلي فيه تأسياً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- يعني كصنيع بن عمر "وإن مر به في غير وقت صلاة" إن مر به في غير وقت صلاة "فليقم به حتى تحل الصلاة" يعني مر به في أول الليل ينتظر إلى أن تأتي صلاة الصبح، وإن مر به في أول النهار ينتظر حتى تأتي صلاة الظهر وهكذا.
"فليقم به حتى تحل الصلاة ثم صلى ما بدا له" ما تيسر له، وإن كان قصد الإمام وإن مر به في غير وقت صلاة؛ يعني وقت النهي؛ ينتظر إلى أن يخرج وقت النهي فيصلي ما بدا له "لأنه بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عرس به" يعني نزل به ليستريح، وصلى به -عليه الصلاة والسلام- "وأن عبد الله بن عمر أناخ به" برَّك راحلته تأسياً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء" إذا رجع من منى "بالمحصب" يصلي الظهر يعني يرمي الجمرة في آخر يوم من أيام التشريق إن تأخر، أو في الثاني عشر إن تعجل بعد الزوال ثم يصلي الظهر، والعصر والمغرب، والعشاء بالمحصب، يكون بذلك خرج من منى "ثم يدخل مكة من الليل فيطوف بالبيت" ثم يطوف في البيت.(89/2)
والمحصب اسم لمكان متسع بين مكة ومنىً، ويقال له: الأبطح والبطحاء وخيف بني كنانة، نزل به النبي -صلى الله عليه وسلم- إغاظةً للكفار حيث اجتمعوا في هذا المكان، وتقاسموا على الكفر، وكتبوا الصحيفة المشئومة التي فيها المقاطعة، فينزل النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد أن ظهر أمره، وعلا دينه على الدين كله؛ إغاظة للكفار الذين اجتمعوا في هذا المكان، وإذا لحظ المسلم هذا الملحظ، وأنه يجلس في هذا المكان ليغيظ الكفار لاشك أنه يؤجر على هذا؛ لكن قد يقول قائل: الكفار الآن .. قد لا يفرق؛ لا يوجد فرق بين هذا المكان وبين غيره من الأماكن؛ الكفار الذين .. ؛ ليسو هم من ورثة أولئك الذين تقاسموا، إنما جنس الكفار يغيظهم أن يبيت بالمحصب أو لا يغيظهم؟ وقد لا يستحضرون هذا أصلاً، ولا يغيظهم؛ فإذا قلنا أن العلة ارتفعت فيكون المسألة مجرد ..
طالب:. . . . . . . . .
لا الرمل فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد أن ارتفع السبب، وهنا ما فُعل بعد ارتفاع السبب، إنما جلوسه بالمحصب مرة واحدة؛ لما حج -عليه الصلاة والسلام- ليغيظ بذلك الكفار، نعم بعده بسنة سنتين عشر سنوات مادام فروع أو ورثة هؤلاء الكفار موجودين، والمسألة مستحضرة؛ يعني يستحضرها الكافر إغاظتهم مطلوبة؛ لكن في مثل هذه الأيام لعل العلة ارتفعت. نعم.
طالب:. . . . . . . . .
إذا قفل حتى يصلي به، الذي مر في النص.
طالب:. . . . . . . . .
الذي مر سابقاً، الذي مر سابقا، هو يعلق على الخبر السابق الذي بذي الحليفة، وإذا قال: بالمعرس الذي بذي الحليفة؛ فله أن يقول: بالبطحاء والأبطح من باب أولى؛ لأنه نزول معلل. نعم.
أحسن الله إليك.
باب: البيتوتة بمكة لياليَ منى:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع أنه قال: زعموا أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- كان يبعث رجالاً يدخلون الناس من وراء العقبة.
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب –رضي الله تعالى عنه- قال: لا يبيتن أحد من الحاج لياليَ منى من وراء العقبة.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال في البيتوتة بمكة ليالي منى: لا يبيتن أحد إلا بمنى.(89/3)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب البيتوتة بمكة ليالي منى".
البيتوتة بمكة ليالي منى؛ الأصل أن المبيت ليالي منى بمنى، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((خذوا عني مناسككم))، فالمبيت واجب عند جمهور أهل العلم، وقال بعضهم: سنة، والصحيح أنه واجب، لأن السنة لا تحتاج إلى ترخيص، ولا تحتاج إلى استئذان، وليس بركن؛ لأن الركن لا يؤذن فيه، فالجمهور على أن المبيت بمنى واجب، وعلى هذا البيتوتة بمكة ليالي منى لا تجوز؛ لأنه يترتب عليها ترك الواجب، المقصود من هذه الترجمة منع ذلك لوجوب المبيت بمنىً.
قال: "حدثني عن مالك عن نافع أنه قال: زعموا .. " زعموا .. زعموا؛ بأس المطية "زعموا"؛ فكثيرا ما تستعمل "زعموا" في الكلام المشكوك فيه، وتستعمل –أيضاً- بإزاء القول المحقق؛ بمثابة "قال"، وجاء استعمالها في لغة العرب بمعنى "القول" كثير؛ كثيراً ما يقول سيبويه في كتابه: "زعم الكسائي" ويؤيده؛ يرجح قوله؛ فدل على أنه يستعملها بإزاء "القول"، وهنا لعلها بمعنى "القول"؛ المعنى الثاني، ولا يريد أن يشكك بذلك بدليل أنه روى عن مولاه عبد الله بن عمر أن أباه كان يفعل ذلك بسند متصل "زعموا أن عمر بن الخطاب كان يبعث رجالاً يدخلون الناس من وراء العقبة" لأن الذي وراء العقبة ليس من منى، والمبيت بمنى واجب إذاً لابد أن يدخل الناس إلى تحقيق الواجب، وعلى هذا يلزم ولي الأمر أن يرعى مصالح الناس الدينية؛ فإذا رأى الناس خارج ما يجب المبيت به؛ يدخلهم؛ بعض الناس يجهل، فيه بعض الناس يجهل؛ فيقف خارج عرفة؛ فيفوته الحج؛ فعلى ولي الأمر أن يرشده، ويجعل ناس يرشدون الناس لهذا الأمر، وكذلك المبيت بمزدلفة وهو وكذلك المبيت بمنى، وكان عمر يبعث رجالاً يدخلون الناس من وراء العقبة؛ لأن العقبة حد فاصل بين مكة ومنىً؛ على الخلاف بين أهل العلم؛ هل العقبة من مكة أو من منى؟ فجمع من أهل العلم يرون أنها من منى؛ لأن رمي جمرة العقبة تحية منى، وقال آخرون: هي من مكة وليست من منى، وقال الأولون: كيف يقال تحية منى وهي خارج منى؟ أجيبوا بأن تحية البيت الطواف وهو خارج البيت، نعم.
تحية البيت الطواف وهو خارج البيت، وتحية منى الجمرة وهي خارج؛ نعم؟(89/4)
طالب:. . . . . . . . .
يستقيم وإلا ما يستقيم؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
ما قالوا بتحية المسجد.
طالب:. . . . . . . . .
هم ما قالوا تحية المسجد.
طالب:. . . . . . . . .
لأن بعض الأجوبة تصير حاضرة .. والله المستعان. نعم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لا هم أرادوا تفنيد القول، مادام قالوا إن تحية منى .. ؛ كيف تكون تحية منى خارج منى؟ قالوا: لأن تحية البيت الطواف وهو خارج البيت.
طالب:. . . . . . . . .
إيه بدليل على أن التحية تطلق من خارج؛ تطلق على الداخل والخارج؛ المقصود أن هذا ما قالوه، وعلى كل حال الأحوط أن يكون المبيت دون الجمرة؛ دون العقبة؛ ليبيت بيقين.
طالب:. . . . . . . . .
أيش فيها؟
طالب:. . . . . . . . .
"زعموا" فيه انقطاع؛ فيه واسطة؛ لكن الرواية الثانية ما فيها انقطاع.
"وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: لا يبيتن أحد من الحاج ليالي منى من وراء العقبة" ذاك من فعله، وهذا من قوله.
قال: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال في البيتوتة بمكة ليالي منى: لا يبيتن أحد إلا بمنى" لوجوب المبيت، والنبي -عليه الصلاة والسلام- رخص للعباس أن يبيت ليالي منى بمكة من أجل السقاية، فالترخيص يدل على لزوم أو العزيمة على أن مبيت غير المرخص له عزيمة وهو الأصل، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال الذي لا يجد مكان ..
طالب: الذين يبيتون في الشوارع.
الذي لا يجد مكاناً يبيت فيه هذا معذور، وقد أفتاه أهل العلم أن يبيت خارج منى، والذي يجد مكاناً ويبيت خارج منى هذا يلزمه عند أهل العلم دم؛ لأنه فرط بواجب ترك نسك، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
إذا كانت نزلة محتملة كما يشتري ماءً للوضوء؛ يدفع.
طالب:. . . . . . . . .
والله سواء كانت منها، أو ليست منها؛ فالاحتياط أن يدخل يعني. نعم.
طالب:. . . . . . . . .
شوه.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يكفي.
طالب:. . . . . . . . .
المبيت الليالي. نعم.
طالب:. . . . . . . . .(89/5)
لكن لو ترك ليلة واحدة؛ هل يلزمه الدم الكامل، أو الدم عن مجموع الليالي؟ الذي يظهر أنه عن مجموع الليالي؛ لأنه نسك واحد. نعم.
طالب:. . . . . . . . .
السفر يختلف عن الإقامة؛ السفر يختلف عن الإقامة، والإنسان في طريقه وهو مسافر يقول أن ما أجلس إلا تحت مكيف، وعلى كنب وفرشات؛ لا، لا السفر يختلف عن الإقامة؛ هذا أمر مقرر في جميع الأعراف، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، فرق؛ الآن منى .. أنت فرطت تجبر بدم؛ لكن قصدت منى، ومنعت هذا ما عليك شيء؛ ولو كلها فاضية، منعت منها؛ قيل لك: لا، المسير ما هو منى، وجيت مع الخط الثاني، ومضى عليك الليل؛ خلاص.
طالب:. . . . . . . . .
وايش لون مناسب؟ ايش معنى مناسب؟ الشوارع من منى؛ الشوارع من منى؛ ما لم تعرض نفسك للتهلكة، أو يكون معك نساء تخشى من التكشف، أو أطفال لا تملكهم بين السيارات؛ هذه مثل هذه الأمور؛ نعم، أما رجال كبار يحفظون أنفسهم ويجدون ملاذات؛ فهذا نسك؛ هذا الأصل؛ ما دام واجب يأثم بتركه؛ لابد أن يحتاط في دينه؛ ولو تسومح في مثل هذا ما بات أحد؛ المسألة تحتاج إلى تحمل.
طالب: الشوارع من منى؟
الشوارع من منى إيه.
يستوعب للمبيت وللمشي، والحمد لله؛ المسألة واسعة؛ لكن بعض الناس يريد أن يترفه، ويتعلل بأدنى شيء هذا لا يفتح له باب، أما شخص –والله- جاء وبحث ما وجد، أو خشي على نفسه سيارات، أو خشي –أيضا- حتى على دينه؛ أحياناً يجد مكان في شارع مناسب لكن أمامه أسره، وإلا شيء؛ هذولا ما يجوز قدامهم. نعم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
شوه؟
طالب:. . . . . . . . .
وايش؟. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال المسألة بين واجب، وبين تعريض النفس للضرر؛ سواء كان المعنوي أو الحسي؛ لكن ويش حد الضرر المعنوي؟ ما له حد؛ أنت لو بي قال لك: إنهم يوزعون أراضي في الجهة الفلانية؛ أنت تجلس على الرصيف إلى أن ينتهي الدوام، تقضب سره؛ صح وإلا لا؟ ما تقول ما يليق بي هذا.
طالب:. . . . . . . . .(89/6)
أنا أقول: إذا كان عليه خطر بنفسه، أو على أسرته؛ حتى من التكشف ونظر الناس، أو على نفسه من حيث افتتانه بالنساء؛ لأن هناك تعرف الأوضاع ما هي بمثل أوضاع البيوت؛ إذا جلست أسرة على الرصيف مثلاً؛ مثل هذا ما يُجلس أمامهم، {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سورة التغابن (16)]؛ لكن يبقى إن فتح الباب كما يفعله بعض الناس هذا غير وارد؛ لأنه قد يأتي يوم من الأيام أن يقول: والله المكيفات هذه ما تناسبنا بعد؛ صحيح! وها الخيام والله ما عندنا استعداد أننا نجلس بالخيام والشمس فوق رؤوسنا، أو إذا طلعنا ضربتنا الشمس.
طالب:. . . . . . . . .
إذا فرط نعم، عليه الدم.
طالب:. . . . . . . . .
عليه الدم، إيه.
طالب:. . . . . . . . .
إذا فرط عليه الدم، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والله الأصل أنه في أقرب مكان؛ يقيسونه على الصفوف في الصلاة، ومنهم من يقول: إذا خرج عن الواجب فليتخير ما شاء؛ هذا أرفق بالناس؛ هذا أرفق،؛ والعزيمة هو الأول. نعم.
طالب:. . . . . . . . .
ويشق عليه الذهاب.
طالب:. . . . . . . . .
ويغلب على ظنه أنه مثل الأمس؛ يعني ما نقص العدد؛ لكن ليلة الثالث عشر، وهو يريد أن يتأخر؛ سوف يجد المكان. نعم. سم.
أحسن الله إليك.
باب: رمي الجمار:
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- كان يقف عند الجمرتين الأوليين وقوفاً طويلاً حتى يمل القائم.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقف عند الجمرتين الأوليين وقوفاً طويلاً يكبر الله، ويسبحه، ويحمده، ويدعو الله، ولا يقف عند جمرة العقبة.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يكبر عند رمي الجمرة كلما رمى بحصاة.
وحدثني عن مالك أنه سمع بعض أهل العلم يقول الحصى التي يرمى بها الجمار مثل حصى الخذف؛ قال مالك: "وأكبر من ذلك قليلاً أعجب إلي".
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: "من غربت له الشمس من أوسط أيام التشريق، وهو بمنى فلا ينفرن حتى يرمي الجمار من الغد".(89/7)
وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن الناس كانوا إذا رموا الجمار مشوا ذاهبين وراجعين، وأول من ركب معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما-.
وحدثني عن مالك أنه سأل عبد الرحمن بن القاسم: من أين كان القاسم يرمي جمرة العقبة؟ فقال: من حيث تيسر.
قال يحيى: سئل مالك: هل يرمى عن الصبي، والمريض؟ فقال: نعم، ويتحرى المريض حين يرمى عنه فيكبر، وهو في منزله، ويهريق دماً؛ فإن صح المريض في أيام التشريق؛ رمى الذي رمي عنه، وأهدى وجوباً.
قال مالك: لا أرى على الذي يرمي الجمار، أو يسعى بين الصفا والمروة -وهو غير متوضأ- إعادة؛ ولكن لا يتعمد ذلك.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: لا ترمى الجمار في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب رمي الجمار".
والجمار: جمع جمرة؛ والجمرة: اسم لمجتمع الحصى؛ اسم لمجتمع الحصى،؛ سميت بذلك لاجتماع الحصى فيه، ولاجتماع الناس حوله؛ يقال: تجمَّر بنو فلان؛ إذا اجتمعوا، وقيل: إن العرب تسمي الحصى الصغار جمار؛ فعلى هذا الجمار، والجمرات هي الحصى.
"باب رمي الجمار" فالرمي هنا؛ إذا قلنا: الجمار جمع جمرة وهو مجتمع الحصى؛ عندنا الجمار والجمرة تطلق ويراد بها مجتمع الحصى؛ كما تطلق –أيضاً- على الحصى نفسه؛ فإذا أضفنا الرمي للمجتمع؛ لمجتمع الحصى؛ فيكون من إضافة .. نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(89/8)
الآن إذا قلنا: باب رمي الجمار؛ أنت ترمي مجتمع الحصى؛ أنت ترميه بمعنى أنك ترجمه بالحصى، ترميه بالحصى، وإذا قلنا: إن المراد الجمار هو الحصى نفسه؛ قلنا: ترمي باب رمي الحصى؛ التي هي الجمار؛ على التقرير باب رمي مجتمع الحصى بالحصى، والثاني باب رمي الحصى، وإلقاء هذا الحصى إلى المكان الذي يجتمع فيه، وإذا قلنا: إن المراد مجتمع الحصى، وهذا قول الأكثر، إن المقصود بهذا الرمي؛ أن يقع هذا الحصى الذي ترميه في هذا المكان؛ يقع في هذا المكان الذي هو المجتمع؛ مجتمع الحصى؛ فلا يلزم أن يضرب الشاخص الذي هو علامة على هذا المجتمع؛ على هذه الجمار التي هي مجتمع الحصى؛ إنما إذا قذفت الحصاة تقع هذا المجتمع؛ في يمينه، في يساره، في طرفه؛ زاد نقص كبر صغر؛ نعم؟.
طالب:. . . . . . . . .
وقع في مجتمع الحصى فأجزأ. نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، ما أحد قال: إن الشاخص هو الجمار. نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه وقعت في مجتمع الحصى، ولا لك دعوى فيما بعد ذلك؛ وقعت في مجتمع الحصى، أنت افترض أن مجتمع الحصى أكثر من الحوض؛ أكثر، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
يعني لو لم تأتي هذه الآلات التي ترفع هذا الحصى لكان الحصى لاسيما في آخر يوم أكثر؛ فأنت ترمي هذا المكان الذي اجتمع فيه الحصى، وكان المكان صغيراً ثم وسع في هذه السنة، وما زال الاسم باقي، هو مجتمع الحصى؛ سواءً كان كبيراً أو صغيراً هو مجتمع الحصى؛ على أن المكان الأول الصغير؛ السعة هذه التي زيدت فيه؛ عن يمينه وشماله؛ لأنه صار الآن مثل السفينة؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طولي بيضاوي؛ فأنت ترمي هذه الحصى في أي جزء من هذا الحيز، وينزل في المرمى القديم؛ مثل الرمي في الدور الأعلى؛ ترمي أنت في هذا المكان ثم ينزل إلى المرمى القديم؛ لكن هل أنت بهذا رميت الحصى في مجتمع الحصى الذي هو الجمار، أو أنت رميته في مكان أداه إلى مجتمع الحصى؛ يعني ما هو بأنت أللي رميت الحصاة في مكانها الأصلي؛ وعلى هذا يجزئ الرمي بهذه الطريقة وإلا ما يجزئ؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(89/9)
يمثل العلماء بأمثلة ما تقع؛ لكن يمكن أن ينظر عليها ما عندنا؛ يقول: لو رمى الحصاة، ثم التقمها طائر ووضعها في مجتمع الحصى؛ الآن هو جزء من المسافة بفعله، وبقية المسافة ليست بفعله، ما يكفي يا أخي أنت بتفترض أنها هذه وضعت في منحدر من الأرض، وصار الناس يضربون من بعيد ثم تنزلق بنفسها. إيه.
طالب:. . . . . . . . .
إيه .. لكن أنت تطل في الحوض الأعلى، وتقصد أن تقع هذه الحصاة في المجتمع القديم، أو ترميها على حافة الأعلى ثم تنزل بطريقتها.
طالب:. . . . . . . . .
بحيث لو لم يكن هذا الحوض الأعلى؛ لو كان ما هو بموجود لم تقع في محل الرمي؛ لأنك ترميها إلى جهة من فوق؛ فسوف تقع هناك، ما هي بواقعة تحت، سمتها يقع خارج المرمى.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
و. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
أسفل .. أسفل .. أسفل .. أسفل.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، فيه أسفل.
طالب:. . . . . . . . .
إيه فيه مكان للأسفل.
هم مادام أفتوا بالهوى؛ فالقرار مثله؛ ما يختلف.
طالب:. . . . . . . . .
هاه.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، ترفق شوي ...
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، لن تلزق بالشخص؛ لأنه أملس؛ نعم، خلاص.
طالب:. . . . . . . . .
ما يبقى ما يمكن يبقى.
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
صحيح.
المقصود أن مثل هذا؛ يعني هل لابد أن تقع في المرمى بفعل الرامي؟ أو لو وقعت المقصود أنها في النهاية تقع.
طالب:. . . . . . . . .(89/10)
لأن الآن لما مثل الفقهاء لما قالوا: إذا رماها الرامي .. ؛ أنت افترض أنها رماها إلى غير الجهة؛ فجاء طائر .. هذا يقول: يمكن من ضرب الخيال؛ وهو صحيح من ضرب الخيال، يجي طائر يلتقط هذه الحصاة، ويضعها في المرمي؛ أنت نظرت إلى المرمى الأعلى بهذا الشكل، وأنت جالس على طرفه من هنا، وترمي إلى الجهة هذه لينسل؛ لنزل في النهاية إلى الآخر؛ أنت لو كانت هذه ما أمامها شيء؛ وين بيقع الحصى؟ يقع في المرمى الأسفل؟ لن يقع في المرمى الأسفل؛ لكن بطريقته الهندسية صار ينزل إلى الأسفل فيصل إلى المرمى الحقيقي، فجزء من الرمي بفعل المكلف، وجزء منه بفعل ما جُعل له هذا؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
باشر جزء؛ باشر جزء ما باشر الكل.
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
هم الذي جعلهم يفتون بمثل هذا؛ وقل مثل هذا في السعي، ومثل هذا في الطواف، وغيره؛ بناءً على القاعدة العامة: "الهواء له حكم القرار" الهواء له حكم القرار؛ مادام ضربت الحيز الذي لو كنت في الأسفل وقع في المرمى الأصلي؛ وكل هذا مربوط بالحاجة؛ يعني لولا هذه الحاجة الملحة؛ بل لو قيل إنها ضرورة لما أفتي بمثل هذا؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . .
وراه.
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
أنت افترض أن الأعلى ما هو موجود، ورميت على سمت هذا! أنت ترمي الجدار الثاني -المقابل لك- من أجل أن تنزل؛ ما أنت بتنزل .. أنت بتضرب الحفرة؛ وإلا تضرب الجدار المقابل؛ أنت تضرب الحفرة؛ لكن غيرك؛ كثير من الناس يضرب الجدار المقابل، وفي النهاية تقع في الحفرة بالطريقة الهندسية؛ لكن لو افترضنا ما هي موجودة لن يقع في المرمى.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
أنت ترمي عن نفسك؟
طالب:. . . . . . . . .
الرمي لك أنت؟
طالب:. . . . . . . . .
يرمي عنك؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن أنت تريده يرمي عنك، وإلا يرمي عن نفسه؟
طالب:. . . . . . . . .(89/11)
لا ما يجزئ، وأنت قادر؛ ما يجزئ أبداً، يجيك كلام مالك قوي في هذا الباب.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، تطول علينا المسألة، وهي لا تقدم ولا تأخر؛ العلماء أفتوا بهذا ومشوا عليه، وأنتها الإشكال.
طالب:. . . . . . . . .
وحل أزمة كبيرة -ولله الحمد-، والله يدلهم على الحق، ويوفقهم للعمل به.
طالب:. . . . . . . . .
لكن هذا من باب المسألة مسألة تفقه فقط؛ يعني على شان تشوفون كلام الفقهاء؛ وإن كان بعيد كل البعد؛ إلا أنه يقع له نظائر؛ أنت افترض إنه في يوم من الأيام جعلوا .. زاد الزحام، وجعلوا المرمى من بعيد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما هو من الاقتراحات أن يوجد خراطيش كهربائية تمتص الحصى؛ فيرمى طرف هذه الخراطيش -ولو من كيلو- فتمتصه ويضع في الحفرة.
طالب:. . . . . . . . .
أيش هذا؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
تشفط.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، ما أجازوه، ما أجازوه، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن يا إخوان المسألة ايش؟ أنا أقول: لولا الحاجة القريبة من الضرورة -في مثل هذا التصرف- قلنا لا يتصرف فيه؛ لكن المسألة مسألة موت، والدين يسر في مثل هذا ((لا يشاد الدين أحد .. )) .. نعم.
طالب:. . . . . . . . .
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [بسورة الحج (78)]، نعم.
طالب: فيما لو وضع. . . . . . . . .
المهم أنه وقع في الموضع؛ سهل بقاؤه ما له داعي.
طالب:. . . . . . . . .
بقاؤه ما له داعي، ما دام وقع في المكان ما عليك ما عليك منه؛ هو بيشال، بيشال؛ أما ما جاء من أن حكم الحصى؛ حكم القرابين؛ ما قبل منه رُفع، وما لم يقبل منه بقي؛ هذا ماله أصل، هذا لا أصل له.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
مثل الدور الأعلى .. مثل الدور الأعلى.
طالب:. . . . . . . . .
مثله .. مثله.
طالب:. . . . . . . . .
إيه مثله.(89/12)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب كان يقف عند الجمرتين الأوليين وقوفاً طويلاً حتى يمل القائم" النبي -عليه الصلاة والسلام- دعا بعد الأولى، وبعد الثانية دعاءً طويلاً جداً؛ قدر في حديث ابن مسعود، وغيره بنحو من سورة البقرة؛ ولا شك أن المنتظر، والقائم الذي ينتظر الداعي يمل؛ والداعي الذي يدعو وهو قائم –أيضاً- يمل؛ لكن من يفعل هذا؟ سورة البقرة تحتاج بالقراءة إلى ..
طالب:. . . . . . . . .
الهذّ نصف ساعة ..
طالب:. . . . . . . . .
الهذ نصف ساعة، والترتيل تبي لها ساعة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
فالساعة ما يطيقها الناس، ولا نصف الساعة، ولا ربع الساعة، الناس مع هذا -والناس ربوا أنفسهم على الترف، وعدم تحمل المشاق- فصاروا ما يطيقون؛ من وقف خمس دقائق ظن أنه أتى بما لم تستطعه الأوائل.
طالب:. . . . . . . . .
يبعد .. يبعد .. يبعد عن محل الحركة.
طالب:. . . . . . . . .
لا الموقف ما هو محدد؛ يبعد يمين، وإلا شمال؛ له مواضع. نعم.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقف عند الجمرتين الأوليين وقوفاً طويلاً" كما جاء في بعض الروايات بمقدار سورة البقرة، ويكبر الله ويسبحه ويحمده، ويدعو الله، ولا يقف عند جمرة العقبة الأخيرة للدعاء؛ ورفع ذلك إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يكبر عند رمي الجمرة كلما رمى بحصاة" اتبع النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ وقد جاء في حديث جابر، وغير أنه يقول مع كل حصاة: ((الله أكبر)).
قال: "وحدثني عن مالك أنه سمع بعض أهل العلم يقولون: الحصى التي يرمى بها الجمار مثل حصى الخذف" الخذف هو الرمي بطرف الإبهام والسبابة، حتى صور في بعض الروايات هكذا، أو هكذا؛ والخذف منهي عنه؛ فكوننا نشبه المطلوب بالمنهي عنه فيه ما يمنع؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
فيه ما يمنع من تشبيه المطلوب بالمنهي عنه؟
طالب:. . . . . . . . .(89/13)
لأن التشبيه لا يقتضي المشابهة من كل وجه، وليس معنى هذا أن الرامي للجمرة يخذف؛ إنما نظير الحصى الذي يخذف به؛ والمشابهة هنا في مقدار الحصى؛ في حجم الحصى؛ يعني كما جاء تشبيه الوحي بصلصة الجرس؛ وكثير من ما جاء به التشبيه لا يلزم المطابقة من كل وجه.
طالب:. . . . . . . . .
وين المدة؟
طالب:. . . . . . . . .
يسهل .. يسهل بعد الأولى إن أخذ يميناً، وبعد الثانية إن أخذ شمالاً؛ يسهل؛ المقصود "قال مالك: وأكبر من ذلك قليلا أعجب إلي" نعم حديث جابر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رمى الجمرة بسبعة حصيات؛ يكبر مع كل حصاة بمثل حصى الخذف؛ بمثل حصى الحذف؛ فقول الإمام مالك كونه أكبر قليلاً مع كونه عليه الصلاة والسلام رمى بمثل حصى الخذف قول مرجوح. نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وضع؛ هذا ما هو برمي، هذا ليس .. بمجرد الوضع ليس برمي؛ بل لابد من أن يتحقق الوصف "الرمي" ولله كأنه ما رمى؛ لكن عاد كونه يلزم بعد؛ الإلزام فيه ما فيه.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: من غربت له الشمس" يعني عليه أو ظهر له غروبها "من أوسط أيام التشريق" يعني في اليوم الثاني عشر "وهو بمنى فلا ينفرن حتى يرمي الجمار من الغد" لأنه لا يصدق عليه أنه تعجل في يومين؛ فهذا تأخر؛ وإذا تأخر بالمبيت لزمه الرمي.
"وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن الناس" يقصد بذلك الصحابة "كانوا إذا رموا الجمار مشوا ذاهبين وراجعين" يعني ما يركبون في الذهاب إلى الرمي ولا في الرجوع منه "وأول من ركب معاوية بن أبي سفيان" لأنه ثقيل؛ عذره السمن. نعم.
"وحدثني عن مالك أن سأل عبد الرحمن بن القاسم: من أين كان القاسم يرمي جمرة العقبة؟ فقال: من حيث تيسر. " من بطن الوادي؛ بمعنى أنه لم يعين محلاً منها للرمي؛ والنبي -عليه الصلاة والسلام- إنما رماها من بطن الوادي، وعمر -رضي الله تعالى عنه- إنما رماها من فوق؛ من العقبة "الجبل"؛ لكن على أن تقع في المرمى؛ لأن جمرة العقبة إنما ترمى من جهة واحدة من بطن الوادي؛ لأنها نصف دائرة، نعم؛ هذا الأصل.(89/14)
وكيف ما رماها إذا وقعت الحصاة في المرمى؛ من فوق، من تحت، من يمين، من شمال؛ شريطة أن تقع الحصاة في المرمى لا بأس؛ من حيث تيسر له.
"قال يحيى سئل مالك: هل يرمى عن الصبي والمريض؟ فقال: نعم" يرمى عنهما "ويتحرى المريض حين يُرمى عنه" يعني وقت رمي النائب يتحرى وقت رمي النائب في وقت الإمام مالك ما يمكن أن يتحرى، نعم؛ إلا غلبة ظن؛ لكن الآن ومعه الجوال، ويكلم على النائب: ترني الآن على الحوض؛ ويعطيه إشارات للجمرة الأولى، والثانية، والثالثة، والحصاة السادسة، والسابعة، ويكبر مع كل حصاة؛ هذا متصور؛ لكن في وقتهم متصور؟
يقول: "ويتحرى المريض حين يرمى عنه فيكبر وهو في منزله، ويهريق دماً" يعني مريض معذور، وينيب، ومع ذلك يريق دماً؛ هذا رأي الإمام ملك؛ والجمهور على أن من أناب، ووكل لعذر يبيح له التوكيل أنه لا شيء عليه "فإن صح المريض في أيام التشريق؛ رمى الذي رمي عنه، وأهدى وجوباً" هذا كل هذا تشديد؛ تشديد يعني يرمى عنه؛ ينيب في وقت تجوز فيه النيابة، ثم بعد ذلك يصح في الوقت، ويرمي، ويلزمه دم؛ رحم الله الإمام مالك؛ كل هذا ليس بلازم.
"قال مالك: لا أرى على الذي يرمي الجمار أو يسعى بين الصفا والمروة وهو غير متوضأ إعادة؛ لأن الوضوء ليس بشرط لا للرمي، ولا للسعي؛ ولكن لا يتعمد ذلك فيفوت الفضيلة عن نفسه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- باشر هذه العبادات على طهارة.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا ترمى الجمار في الأيام الثلاثة" لغير المستعجل نعم، "حتى تزول الشمس".
في الأيام الثلاثة، أيش؟
طالب:. . . . . . . . .
في الأيام الثلاثة، الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر؛ هذا لغير المستعجل "المتأخر"؛ أما المتعجل في اليومين الحادي عشر والثاني عشر، المتعجل لا يرمي الجمرة في اليوم الحادي عشر والثاني عشر، وغير المتعجل ولا في الثالث عشر حتى تزول الشمس؛ فإن رماها قبل الزوال أعاد عند الجمهور؛ لأن هذا ليس بوقت للرمي؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- مع صحابته كانوا يتحينون الزوال؛ فإذا زالت الشمس رموا؛ وهذا سؤال نقرأه بعد الأذان- إن شاء الله تعالى- يتعلق بهذا.(89/15)
هذا يقول: في هذا الأزمنة يكثر الموت عند رمي الجمرات؛ فهل يفتى بجواز الرمي قبل الزوال في اليوم الأخير للضرورة القصوى؟
على كل حال القول قال به الحنفية في يوم النفر، يبيحون له الرمي قبل الزوال نظراً للمشقة، وأفتى به بعض أهل العلم؛ لكن الذي عليه الجماهير أن الرمي قبل الزوال لا يجزئ، وإذا كان القصد من الفتوى بهذا الرأي التخفيف على الناس؛ فثقوا ثقة تامة أن هذا لن يحل الإشكال! لن يحل الإشكال! الرمي يوم العيد من منتصف الليل، ويموت أكثر من يموت في جمرة العقبة يوم العيد؛ فما انحل الإشكال مع طول المدة، فالإشكال والمقتلة التي تكون يوم النفر بعد الزوال؛ سوف تنتقل إلى الوقت الذي يفتى به؛ يعني افترض أن الناس يتقاتلون عند الزوال من أجل أيش؟ أن ينصرفوا؛ سوف يتقاتلون عند طلوع الشمس إن قيل لهم يبدأ الرمي من طلوع الشمس، والمشكلة لن تنحل بهذا. نعم.
طالب: ولي الأمر يلزم الناس بالتأخير.
شوه.
طالب: ولي الأمر يلزم الناس بالتأخير؛ الآن المشكلة أن أكثر من تسعين بالمائة من الحجاج يتعجلون؛ هذا بالتجربة؛ أكثر من تسعين بالمائة من الحجاج يتعجلون؛ يعني مليون وثمانمائة ألف يمشون كلهم يوم الثاني عشر، ولا يبقى ما يقارب ولا الميتين ألف، ما يبقى.
إيه على كل حال إذا كان الأمر جائز ما يلزم بالجائز؛ يعني كون الناس يلزم نصفهم بالتأخر هذا فيه الصعوبة.
طالب: من باب يا شيخ مصالح ....
إيه مصالح لكن من تلزم من تترك؛ يعني ولي الأمر يمكن يلزم الموظفين أن لا يتعجلوا؛ لكن ما غيرهم ..
طالب: لكن ولي الأمر يلزمنا –نحن التجار في خدمة الحجاج- في خروج حجاجنا في أوقات معينة ويحط علينا غرامة نوقع عليها. . . . . . . . .
إيه لكن هذا حكم شرعي منصوص عليه بدليل قطعي: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [سورة البقرة (203)]، نقول: الإمام من باب المصلحة أن يمنع بعض الناس من الخروج.
طالب: لكن بيصير فيها موت.
إيه يصير فيها موت، طيب وايش ذنب أللي منعوا؟ وايش ذنب الآخيرن ألي لم يسمح لهم؟
طالب:. . . . . . . . . مثلا. . . . . . . . .(89/16)
على كل حال هذا بالدليل القطعي ثبت جواز الأمرين، ومثل هذا لن يحل الإشكال؛ الرمي قبل الزوال والفتوى به من أجل الضرورة والحاجة لن يحل الإشكال؛ فالمستعجل مستعجل؛ الذي يقدم نفسه للمشقة العظيمة التي قد تصل إلى الموت عند زوال الشمس سوف يقدمها عند طلوع الشمس، ولن يحل الإشكال؛ لكن يوجه الناس، يرشد الناس، يثقف الناس، يفوج الناس؛ يجعلون أفواج يرتبون، ينظمون بطريقة مناسبة، ولا تخالف بذلك الأحكام.
طالب:. . . . . . . . .
ويشلون يكبرون؟
طالب: ظهر وعصر.
يؤذنون؟
طالب: بعد التكبير الله أكبر الله ..
لا لا أللي بيبدأ هذا .. ما .. ما ..
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
بل يوجد الآن من يفتي؛ بصراحة يفتون؛ كان هناك يوجد من يمنع من الرمي قبل ... ؛ كانوا يمنعون الرمي قبل الزوال.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، ما له علاقة، تكبير مطلق هذا.
طالب:. . . . . . . . .
هذا التكبير؛ التكبير المطلق في أيام التشريق؛ هذا ما هو على هيئة الأذان؛ لأن الزوال مرتبط به أذان صلاة الظهر، فلو أذن شخص مثلاً، ورموا الناس بسبب أذانه، وغرهم في هذا كما لو أفطروا بأذانه.
طالب:. . . . . . . . .
من تبرأ الذمة بتقليده.
طالب:. . . . . . . . .
ما ينفع .. ما ينفع .. لابد .. لابد .. أن يحتاط، نعم لابد أن يحتاط لدينه كما يحتاط لدنياه؛ لابد أن يحتاط لدينه كما يحتاط لدنياه، على كل حال عليه أن يحتاط لدينه. نعم.
أحسن الله إليك.
باب: الرخصة في رمي الجمار:
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه أن أبا البدَّاح بن عاصم بن عدي أخبره عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن منى يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد، ومن بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عطاء بن أبي رباح أنه سمعه يذكر أنه أُرخص للرعاء أن يرموا بالليل يقول: في الزمان الأول.(89/17)
قال مالك –رحمه الله-: تفسير الحديث الذي أرخص فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرعاء الإبل في تأخير رمي الجمار فيما نرى -والله أعلم- أنهم يرمون يوم النحر، فإذا مضى اليوم الذي يلي يوم النحر رموا من الغد؛ وذلك يوم النفر الأول، فيرمون لليوم الذي مضى ثم يرمون ليومهم ذلك؛ لأنه لا يقضي أحد شيئاً حتى يجب عليه؛ فإذا وجب عليه، ومضى كان القضاء بعد ذلك؛ فإن بدا لهم النفر فقد فرغوا، وإن أقاموا إلى الغد؛ رموا مع الناس يوم النفر الآخر، ونفروا.
وحدثني عن مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه أن ابنة أخ لصفية بنت أبي عبيد نُفِست بالمزدلفة؛ فتخلفت هي وصفية حتى أتتا منى بعد أن غربت الشمس من يوم النحر؛ فأمرهما عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- أن ترميا الجمرة حين أتتا، ولم ير عليهما شيئا.
قال يحيى سئل مالك عمن نسي جمرة من الجمار في بعض أيام منى حتى يمسي؟ قال: ليرمي أي ساعة ذكر من ليل أو نهار كما يصلي الصلاة إذا نسيها، ثم ذكرها ليلاً أو نهاراً؛ فإن كان ذلك بعد ما صدر وهو بمكة، أو بعدما يخرج منها فعليه الهدي.
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب الرخصة في باب الجمار".
الرخصة في رمي الجمار؛ والرخصة في الترك، أو في التأخير، أو في الجمع بين اليومين والثلاثة؛ المقصود أن الرخصة توحي بهذا الأمور كلها.
"حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر" ابن محمد بن عمرو "ابن حزم عن أبيه أن أبا البدَّاح" يقال: هذا اسمه، ويقال: اشتهر بهذه الكنية، ولا يعرف اسمه؛ مثل العادة أن من اشتهر بشيء يضيع غيره؛ يعني من اشتهر بالكنية يضيع عليه الاسم، ومن اشتهر بالاسم تضيع الكنية.
"ابن عاصم بن عدي" الأنصاري مولاهم "أخبره عن أبيه" عاصم: صحابي شهد أحد "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرخص لرعاء" جمع راع "لرعاء الإبل في البيتوتة" البيتوتة: مصدر بات "خارجين من منى" رعاء الإبل أرخص لهم أن يبيتوا خارج منى؛ لانشغالهم بالرعي بحيث لو تركوا هذه الإبل؛ لتفرقت يميناً وشمالاً؛ والحجاج بحاجتها؛ أرخص لهم فدل على أن المبيت واجب؛ لأنه لو كان ليس بواجب؛ لما احتاجوا أن يرخص لهم؛ السنة لا تحتاج إلى ترخيص، ومثل ما قلنا: لو كان ركناً لما أرخص فيه.(89/18)
"يرمون يوم النحر" يرمون جمرة العقبة "ثم يرمون الغد" في الحادي عشر "ومن بعد الغد ليومين" مجموعين؛ يعني يرمون من الغد نصيب الحادي عشر، والثاني عشر كجمع التقديم "ثم يرمون يوم النفر. " يعني إن جلسوا إلى اليوم الثالث؛ يرمون يوم النفر؛ لأن يوم النفر لا يحتاج إلى أن يجمع إلى غيره؛ لأنه خفيف؛ المقصود أن هذا الذي من الحديث، ومالك -رحمه الله تعالى- تأوله على غير هذا؛ أنهم يرمون يوم العيد جمرة العقبة، ثم يؤخرون بقية الرمي إلى آخر يوم؛ فيجمعونها، ويقول: لا يقضي أحد شيئاً حتى يقضي ما يجب عليه؛ إلى الآن ما بعد وجب عليه، والظاهر من الحديث أنه جمع تقديم؛ وفهم مالك -رحمه الله تعالى- أنه نظير جمع التأخير.
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سيعد عن عطاء بن أبي رباح أنه سمعه يذكر أنه أرخص للرعاء أن يرموا بالليل" لما فاتهم رميه نهاراً؛ يرموا بالليل ما فاتهم بالرمي نهاراً؛ فهؤلاء معذورين، وعلى كل حال كون الإنسان يتولى الرمي بنفسه أولى من التوكيل؛ ولو اقتضى ذلك التأخير إلى الليل.
يقول: إنه أرخص للرعاء أن يرموا باليل، يقول: "في الزمان الأول" يعني في زمن الصحابة.(89/19)
"قال مالك: تفسير الحديث" -حديث عاصم بن عدي الذي تقدم- تفسير الحديث "الذي أرخص فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرعاء الإبل في تأخير رمي الجمار فيما نُرى" يعني نظن "-والله أعلم-" يعني بما أراده الرسول -عليه الصلاة والسلام- من حديثه؛ وفي هذا تحري من الإمام مالك -رحمه الله تعالى- عند إقدامه على تفسير الحديث؛ لأن تفسير الحديث مفاده أن هذا مراد النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا الحديث، فإذا أقدم على تفسير الحديث من غير أن يقف فيه على ما يدل على تفسيره سواء كان من النصوص، أو من لغة العرب؛ لاشك أنه جاء التحذير منه؛ وهذا قول على رسول الله بغير علم، كان سلف هذه الأمة يتوقون الكلام في الغريب؛ ولما سئل الأصمعي عن الصقب في حديث الجار أحق بصقبه؛ قال: أنا لا أفسر حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنما العرب تزعم أن الصقب هو اللزيق؛ العرب تزعم أن الصقب هو اللزيق؛ فإذا كان الأصمعي الذي يحفظ مئات الألوف من الأبيات من لغة العرب؛ من ديوان العرب؛ يقول هذا الكلام؛ فكيف بغيره الذي لا يفهم كثير من مفردات اللغة؛ فضلاً عن أن يكون حافظاً لها؟ يعني لا يفهمها لو قرأها؛ فكيف بحفظها؛ يقدمون بكل جرأة، ويتحدثون عن النصوص، ويشرحون، ويجزمون بمراد الله، ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام- بأن مراده هذا من غير تردد؛ ويمثل هذا الإقدام، وهذه الجرأة؛ لاشك أنها مذمومة؛ لكن لو أن الإنسان سمع نصاً، وسئل عنه، ولم يكن له به علم، ولا سابق مراجعة، وقال: لعل المراد كذا، لعل المراد كذا؛ فمثل هذه الحالة لا يلام؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما ذكر حديث السبعين الألف ثم دخل إلى منزلة؛ توقعوا لعلهم كذا .. لعلهم كذا .. لعلهم كذا .. ما ثرَّب عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهنا الإمام مالك يقول: "فيما نُرى"، ما قال: فيما نَرى، فيما نَرى! وهو مالك نجم السنن! إمام دار الهجرة! تجد الآن الطالب وهو في مرحلة الطلب؛ والذي نراه؛ الذي عليه الأئمة كذا، والذي نراه؛ والإمام مالك يقول: "فيما نُرى" يعني نظن "-والله أعلم-" وكل العلم إلى عالمه؛ يعني والله أعلم بمراد رسوله -عليه الصلاة والسلام- "أنهم يرمون يوم النحر" جمرة(89/20)
العقبة "فإذا مضى اليوم الذي يلي يوم النحر؛ رموا من الغد" رموا من الغد؛ يعني اليوم الثالث، الثاني عشر "وذلك يوم النفر الأول؛ فيرمون لليوم الذي مضى" الحادي عشر "ثم يرمون ليومهم ذلك" الثاني عشر على الترتيب، يرمون ليوم الحادي عشر، الأولى ثم الثانية، ثم العقبة، ثم يرجع مرة ثانية فيرمي الأولى ثم الثانية ثم جمرة العقبة، وعلل الإمام مالك ذكر العلة وأنه استمد ذلك من القياس؛ قال: "لأنه لا يقضي أحد شيءً حتى يجب عليه".
تفسير الإمام مالك لاشك أنه مخالف لظاهر الحديث؛ لاشك أنه مخالف لظهار الحديث؛ لكن مع ذلك ذكر العلة التي جعلته يختار هذا التفسير؛ قال: لأنه لا يقضي أحد شيءً حتى يجب عليه؛ "فإذا وجب عليه، ومضى كان القضاء بعد ذلك؛ فإن بدا لهم النفر" متعجلين "فقد فرغوا" من الرمي؛ رموا يوم النحر، ورموا في الثاني عشر؛ رمي الحادي عشر والثاني عشر؛ فرغوا من الرمي، "وإن" كانوا "أقاموا" بمنىً "إلى الغد" الثالث عشر فلم يتعجلوا "رموا مع الناس يوم النفر الآخر، ونفروا" يعني انصرفوا.
قال: "وحدثني عن مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه" نافع مولى ابن عمر "أن ابنة أخ لصفية بنت أبي عبيد" ابنة الأخ هذه لم تسم، ولم يسم أخوها؛ لكن مِن أخوتها؛ من أخوة صفية بنت أبي عبيد الثقفي المختار؛ المختار بن أبي عبيد الذي ادعى النبوة؛ وصفية زوجة عبد الله بن عمر؛ وأخوها المختار بن أبي عبيد، ولا هل هذه البنت له أو لغيره.(89/21)
ابنة أخ لصفية بنت أبي عبيد الثقفية؛ زوج عبد الله بن عمر "نُفِست بالمزدلفة" يعني ولدت بالمزدلفة "فتخلفت هي وصفية" أي عمتها؛ تخلفت هي وعمتها صفية "حتى أتتا منىً" يعني قد لا يستوعب الإنسان ويتصور أن امرأة تلد بالمزدلفة؛ كيف تحج وهي على هذه الحال؟ مر بنا أن أسماء بنت عميس ولدت في المحرم؛ يعني على بعض عشرة كيلوات من بيتها؛ يعني أخذها الطلق قطعاً قبل أن تخرج من بيتها؛ هنا وفي أيامنا هذه حرص على إبراء الذمة من الواجب؛ ركن من أركان الإسلام، ونسمع في أيامنا أنه مجرد ما يعرفون بالتحليل أن هناك شبة حمل؛ خلاص على الظهر؛ ما فيه لا خروج ولا دخول؛ فضلاً عن الحج؛ يمكن الصلاة بالإيماء، ومع ذلك يوجد ممن ينتسب إلى طلب العلم يقول: والله هالسنة ربيع؛ أحج السنة القادمة -إن شاء الله- سمعنا هذا، أو تسليم البحث بعد الحج مباشرة؛ هذه علل عليلة لا يقابل بها ركن من أركان الإسلام؛ فانظر حال الصحابة التي تلد بالمحرم؛ الطلق بدأ بها قبل أن تخرج من بيتها، وهذه ولدت بالمزدلفة "فتخلفت هي وصفية" هي ضمير فصل لا محل له من الإعراب؛ تُوُصِّل به إلى العطف على ضمير الرفع المتصل "حتى أتتا منىً بعد أن غربت الشمس من يوم النحر" النُفساء تحتاج إلى وقت؛ وقت الولادة يحتاج إلى شيء من العناية؛ فتأخروا ما وصلوا منى إلى أن غربت الشمس من يوم النحر "فأمرهما عبد الله بن عمر أن ترميا الجمرة حين أتتا" يعني بالليل "ولم يرى عليهما شيئاً. " لعذرهما، واستحب الإمام مالك الهدي مع ذلك؛ على كل حال الرمي بالليل محل خلاف بين أهل العلم، وفي حديث أسامة بن شريك: رميت .... لا؛ أسامة: سعيت قبل أن أطوف.
طالب: سعيت قبل أن أطوف.
نعم سعيت قبل أن أطوف؛ على كل حال مما سئل عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- في يوم النحر: رميت بعد ما أمسيت؟ قال: ((افعل ولا حرج))، والمساء كما يطلق على ما قبل غروب الشمس يطلق على ما بعده؛ لاسيما في هذه الظروف التي نعيشها مع المشقة الشديدة؛ الفتوى بجواز الرمي ليلاً أولى من التوكيل.(89/22)
"قال يحيى: سئل مالك عمن نسي جمرة من الجمار في بعض الأيام من منى حتى يمسي؟ قال: ليرمي أي ساعة ذكر من ليل أو نهار؛ كما يصلي الصلاة إذا نسيها ثم ذكرها ليلاً، أو نهاراً؛ فإن كان ذلك بعد ما صدر وهو بمكة" يعني بعدما خرج من منى إلى مكة، ورجع منها إلى مكة، "أو بعدما يخرج منها، فعليه الهدي" واجب؛ لأنه انتهى وقته؛ لكن لو ذكر؛ هو صدر إلى مكة، ثم ذكر أن عليه رمي، ثم رجع في وقت الرمي؛ فلا شيء عليه، أما إذا انتهى وقته، أو خرج من مكة؛ فانتهى وقته؛ فحينئذ يلزمه الهدي.
نأخذ الإفاضة وإلا يكفي.
طالب:. . . . . . . . .
نقف على الإفاضة.
اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.(89/23)
بسم الله الرحمن الرحيم شرح بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب الجهاد (1)
باب: الترغيب في الجهاد - باب: النهي على أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو - باب: النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب: الجهاد
باب: الترغيب في الجهاد
حدثني يحيى بن يحيى عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صلاة، ولا صيام حتى يرجع)).
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله، وتصديق كلماته أن يدخله الجنة، أو يرده إلى مسكنه الذي خرج منه، مع ما نال من أجر أو غنيمة)).
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الخيل لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأما الذي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله، فأطال لها في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلها ذلك من المرج، أو الروضة كانت له حسنات، ولو أنها قطعت طيلها ذلك فاستنت شرفاً أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه، ولم يرد أن يسقي به كان ذلك له حسنات، فهي له أجر، ورجل ربطها تغنياً وتعففاً، ولم ينس حق الله في رقابها ولا في ظهورها، فهي لذلك ستر، ورجل ربطها فخراً ورياء ونِواء لأهل الإسلام فهي على ذلك وزر)).
وسئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الحمر، فقال: لم ينزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة، {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [(8) سورة الزلزلة].(90/1)
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري عن عطاء بن يسار أنه قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا أخبركم بخير الناس منزلاً؟ رجل آخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله، ألا أخبركم بخير الناس منزلاً بعده؟ رجل معتزل في غنيمته يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعبد الله لا يشرك به شيئاً)).
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد، قال: أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده قال: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في اليسر والعسر والمنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقول أو نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم.
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم، قال: كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب ذكر له جموعاً من الروم وما يتخوف منهم فكتب إليه عمر بن الخطاب، أما بعد: فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله بعده فرجاً، وإنه لن يغلب عسر يسرين، وأن الله تعالى يقول في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [(200) سورة آل عمران].
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
كما يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
باب: الجهاد(90/2)
الكتاب مر التعريف به مراراً، والجهاد مصدر جاهد يجاهد مجاهدة، والمراد به بذل الجهد، واستغراق الوسع في مجاهدة ومقاتلة الكفار، كما أن الاجتهاد في مسائل العلم، وبذل الجهد، واستغراق الوسع، واستنباط الأحكام من أدلتها، ولا يطلق الجهاد إلى على ما فيه مشقة، لا يطلق على الشيء اليسير الهين جهاد؛ لأنهم كما يقولون: اجتهد في حمل الرحى، ولا يقولون: اجتهد في بحمل نواة مثلاً، أو حمل قلم؛ لأن هذه المادة الأصل فيما فيه مشقة ومن أعظم ما يشق على الإنسان بأن يبذل مهجته فداء لدينه، هذا أمر شاق، وأيضاً بذل النفس، وبذل الجهد في العلم وتحصيله واستنباط الأحكام من أدلتها لا شك أن هذا شاق، فمن هذه الحيثية قيل له جهاد، وهناك جهاد في غير هذين البابين في غير مقارعة الأعداء ومجاهدتهم، وفي غير تحصيل العلم ونيل أسبابه، أيضاً هناك جهاد للنفس، جهاد للشيطان، والجهاد كما يكون بالسنان يكون باللسان أيضاً وبالمال، وأكثر النصوص بالجهاد تقدم المال عن النفس أكثر النصوص الواردة تقدم المال عن النفس، وأيضاً هناك من أنواع الجهاد الجهاد باللسان، كما جاء في الحديث: ((جاهدوا الكفار بأنفسكم وأموالكم وألسنتكم)) كل هذا جهاد، وفي بعض النسخ تقديم البسملة على كتاب الجهاد، وفي بعضها تأخيرها عن كتاب الجهاد، والأمر كما ذكرنا مراراً، كما يحصل ذلك في كتاب البخاري أيضاً، ولكل منهما وجه، فمن قدم البسملة هذا هو الأصل أن يبدأ بالبسملة، ومن قدم الترجمة عن البسملة قال: إن الترجمة بمنزلة اسم السورة والبسملة بعدها، والأمر -كما قلنا- سهل.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: الترغيب في الجهاد
طالب:. . . . . . . . .
لا لا هذه ما هي من الكتاب أصلاً، لا لا هذا المحقق، باعتبار أن الكتاب كتاب حديث، لتبين للناس.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا ليست من الموطأ.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا هذه من المحقق، ليست من الموطأ، ولذا لا تجدونها في طبعات قبل طبعات فؤاد عبد الباقي، الطبعات التي قبلها ما توجد.
باب: الترغيب في الجهاد(90/3)
يعني والحث عليه, وما جاء في نصوص الكتاب والسنة المتوافرة المتظاهرة الصحيحة الصريحة في الترغيب فيه، والحث عليه، وأيضاً سيأتي ترجمة متأخرة بهذا اللفظ، باب الترغيب في الجهاد، ترجمة رقم (18) في الحديث (39) وما يليه، باب الترغيب في الجهاد، والأصل أن يضم هذا الباب المتأخر إلى الباب المتقدم، يعني تجعل هذه النصوص في باب واحد تحت ترجمة واحدة، وسيأتي -إن شاء الله- الكلام على الترجمة الثانية.(90/4)
قال -رحمه الله-: "حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع)) " لأنهم بمجرد خروجه من بيته لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيل الله إلى أن يرجع وهو في سبيل الله، وتكتب له حسناته كمثل الصائم القائم الذي لا يفتر من صيام ولا من قيام، ولا شك أن هذا فضل عظيم أن يكتب له الأجر وهو قائم، الأجر وهو نائم، الأجر وهو جالس، الأجر وهو في أمور مباحة ما دام لا يخرجه إلا الجهاد في سبيل الله، فأجره دائم مستمر لا ينقطع ما لم يقطع هذا الأجر ويحرم نفسه منه بإتيانه بما ينافيه ويناقضه، إما قطع للنية، أو استعمال هذا الوقت في ما حرم الله عليه؛ لأنه لا يمكن أن يستمع في وقت واحد طاعة ومعصية في آن واحد، وإن كان بعضهم يقول: إن الجهة يبالغ في هذا ويقول: إن الجهة منفكة يمكن يكتب مجاهد وهو عاصي، كما ذكر ابن العربي في عارضة الأحوذي أنه قد يجتمع قوم للشرب في بيت فيسقط عليهم البيت فيموتون، عليهم إثم الشرب، ولهم أجر الشهادة، لا شك أن هذه مبالغة في انفكاك الجهة، يعني مثل ما قال بعض الأشعرية: إنه يجب على الزاني غض بصره بالمزني بها، يعني المبالغة إلى هذا الحد في انفكاك الجهة يقابله مبالغة الظاهرية في أن كل محرم يبطل العمل، أي عمل محرم يبطله، يعني لو صليت وبيدك خاتم ذهب صلاتك باطلة، الصلاة باطلة، عليك عمامة حرير الصلاة باطلة، لكن أحياناً الجهة يمكن أن تنفك، وأحياناً لا يمكن أن تنفك متى تنفك؟ إذا كان النهي عائد إلى أمر خارج عن هذه العبادة، مثل ما قلنا: خاتم ذهب أو عمامة حرير، لكن إذا كانت الجهة لا يمكن أن تنفك بأن عادت النهي إلى ذات المنهي عنه، أو إلى شرطه، فمثلاً قاتل بسيف مسروق هذا يمكن فك الجهة؟ يمكن أن تنفك الجهة؟ لا يمكن أن تنفك الجهة، لكن لو سرق مالاً اشترى به ماء يمكن أن يستعمله للصلاة، أو يستعمله للشرب، يستعمله للطبخ، هذا قالوا: يمكن أن تنفك الجهة مع أن بعضهم قد يرى أن مثل هذا داخل في المؤثر، فإذا عاد النهي إلى ذات المنهي عنه، أو إلى شرطه، فإن العبادة أو العقل(90/5)
يبطل، بخلاف ما إذا عاد النهي إلى أمر خارج.
قال: "حدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تكفل الله)) " يعني ضمن ((الله -جل وعلا- لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله)) لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله بهذا الشرط، كما جاء نظيره في الصلاة ((لا ينهزه إلا الصلاة، فإن له في كل خطوة حسنة)) وهنا لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله، الجهاد فقط دون التشريك، أما إذا جاهد، وأظهر للناس الجهاد، وهو في الحقيقة إنما جاهد واجتهد وبذل وسعه ليقال شجاع، فهذا أحد الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار، هذا لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله، لكنه مع ذلك التفت إلى شيء من أمور الدنيا، يعني في نفسه أنه في الأصل خرج لإعلاء كلمة الله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، ولا يمنع أن يقصد بذلك شيء من أمور الدنيا كالغنيمة، أو ما أشبه، على ما سيأتي الخلاف فيه، قال: ((وتصديق كلماته أن يدخله الجنة)) يعني إن مات يدخله الجنة ((أو يرده إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة)) يدخله الجنة هذا إذا قتل في سبيل الله، أو يرده تقسيم، قسم يقتل فيدخل الجنة، وقسم يسلم فلا يقتل يرد إلى مسكنه الذي خرج منه، يرد مع ما نال من أجر أو غنيمة، (أو) هذه في قوله: ((أجر أو غنيمة)) يحتمل أن تكون للتقسيم، فإذا كان الغنيمة قسيمة للأجر قلنا له: إن غنم لا أجر له، وإن لم يغنم عاد بالأجر، وهل هذا الكلام مستقيم؟ مع ما جاء في خصائص هذه الأمة أنها أحلت لها الغنائم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يسوق مثل هذا الكلام ليبين شرف هذه الأمة ومزيتها على غيرها، نقول: الغنيمة قسيمة للأجر فمن غنم لا أجر له؟ لكن أجر أو غنيمة، أو نقول: إن من أجر التنكير هنا للتعظيم، من أجر عظيم، إذا لم يغنم أو أجر مع الغنيمة، أو أقل منه في مقابل الغنيمة، كل هذا قيل من قبل أهل العلم، والمسألة لا شك أنها فيها شيء من الإشكال، إذا قلنا: إن (أو) هذه للتقسيم، وإذا قلنا: إنها بمعنى الواو "وربما عاقبت الواو" كما يقول ابن مالك، فيكون مع ما نال من أجر وغنيمة، وهذا متجه.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟(90/6)
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
حقق الأهداف؟ يكون الذي غنم له أجره، ومع ذلك استعجل شيئاً من دنياه، ويرد على هذا كما أورد الشراح أيهما أفضل من شهد بدر وغنم، أو من شهد أحد ولم يغنم؟ أيهما أفضل؟ بدر أفضل، بلا شك، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: ((اعملوا ما شئتم))؟ ومن شهد بدراً وغنم أفضل ممن شهد أحد ولم يغنم، ((مع ما نال من أجر أو غنيمة)) نظيره من حج مريداً الحج فقط، ومن حج مريداً الحج ومع ذلك يبتغي من فضل الله، هل يقدح هذا في حجه؟ لا يقدح هذا في حجه، لكن هل نقول: إن من حج للحج فقط أفضل ممن حج للحج وغيره من فضل الله؟ لا شك أن من تمحض عمله لله -جل وعلا- أفضل ممن شركه شيء أخر، لكن الكلام في هذا الشيء الذي شرك به، هل يؤثر من حيث نقص الأجر؟ هذا ما فيه إشكال، لكن من حيث أنه يقضي عليه، يأتي عليه بالبطلان، لا أبداً، ولذلك أحلت الغنيمة، وما أبيحت وتمدح بإباحتها، وجعل من خصائص هذه الأمة إلا لأن ملاحظتها لا تؤثر في أصل المقصد، إنما من جاهد لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا الأصل، لا يخرجه إلا الجهاد، هو ما نظر إلى الغنيمة أصلاً، في الأصل، لكن حصلت له الغنيمة يردها وإلا ما يردها، إن نظر قل أجره، والحكم للغالب عند أهل العلم، مع أن ملاحظة أمر الدنيا أسهل من ملاحظة مراءاة الناس، بلا شك يعني يرد على هذا ما ترجم بها أهل العلم: باب ما جاء من إرادة الإنسان بعمله الدنيا، يعني يدخل فيه من خرج للغنيمة فقط، من خرج للغنيمة فقط فهذا داخل، لكن من خرج لتكون كلمة الله هي العليا، ومع ذلك قال: إن جاء شيء مما يستعان به على طاعة الله قد يؤجر عليه، إذا كان قصده الاستعانة به على يرضي الله -جل وعلا-، فالأمور بمقاصدها.
طالب:. . . . . . . . .
يقل أجره.
طالب:. . . . . . . . .
إذا قتل فهو شهيد.
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . ولذلك الذي رجحه ابن القيم إن أفضل المكاسب الغنائم، أفضل المكاسب على الإطلاق الغنائم؛ لأنها هي كسب النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .(90/7)
ما يلزم قد يقر في قلب هذا الذي غنم من إرادة أعلاء كلمة الله ونصر دينه أعظم بكثير مما وقر في قلب الثاني الذي لم يغنم، فهذه أمور متفاوتة، قد يكون الإنسان والذي بجواره في الصلاة في المسجد في حال الرخاء الذي يتصرف الإنسان على مقتضى نظره، ويستطيع أن يوازن بين أموره، في حال الرخاء يكون بينهما كما بين السماء والأرض، فيكف بمثل تلك الظروف التي قد يتصرف الإنسان غير مقتضى نظره التام.
طالب:. . . . . . . . .
نعم هذا مشكل، لكن قد يقال: إنه بالنسبة لهؤلاء كل إنسان في هذا المجال لا يمكن أن يساويه إنسان من كل وجه سواء غنم أو لم يغنم؛ لأن هذه أمور تقديرها عند الله -جل وعلا-؛ لأن هذا مرده إلى قوة الإخلاص، وصدق المقصد لله -جل وعلا-، بعض الإنسان ترده أمور الدنيا ولا تنقصه من حياته شيء، كما جاء في حديث الصحابي: منا من تعجل، فتحت له الدنيا فهو يهدبها، مثل مصعب بن عمير ... إلى آخره، لا شك أن الدنيا لها أثر على الآخرة، وهي ضرتها، لكن يبقى أن هذه أمور قد تكون معارضه بما هو أقوى من ذلك، قد ينوي بها قتل الكفار، قد ينوي بها الاستعانة بما يرضي الله -جل وعلا- فتكون في ميزان حسناته.(90/8)
قال: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الخيل لثلاثة لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر)) " ثلاثة، قسمة ثلاثية ((لرجل أجر)) يعني يؤجر على اقتنائها ((ولرجل ستر)) لا يؤجر عليها لذاتها، ولا يأثم باقتنائها، الثالث لا يؤجر عليها، بل يأثم باقتنائها، التفصيل: ((فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله)) مجهزها للغزو، جهزها للغزو، سواء كان بنفسه أو بإعارتها لغيره ((ربطها في سبيل الله، فأطال لها في مرج أو روضة)) أطال لها الحبل الذي تربط به ((في مرج)) يعني مكان فيه كلأ وعشب، وهو في الغالب يكون منخفض ((أو روضة)) تكون مرتفعة ((فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كان له حسنات، ولو أنها قطعت طيلها)) الحبل هذا ((طيلها ذلك فاستنت -جرت- شرفاً أو شرفين)) يعني شوطاً أو شوطين، سواء كان مرتفعاً كما هو المحل، كما هو شأن المحل المشرف شوطاً أو شوطين ((كانت آثارها -أقدامها على الأرض- وأرواثها حسنات له)) لماذا؟ للنية العامة، التي من أجلها اقتنى هذا الخيل وربطه، وهو أنه في سبيل الله ((ولو أنها مرت بنهر فشربت منه، ولم يرد أن يسقي به)) يعني من غير نية، حديث عمر: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) هذا ما ورد أن يسقي، ما أراد أن يسقي ولا قصد ولا نوى لها أن تستقي، ومع ذلك كان ذلك له حسنات اكتفاء بالنية العامة، يعني الإنسان إذا اشترى كتاب، ووضعه في المسجد لمن يقرأ فيه أو مصحف تكفي هذه النية في تحصيل أجر كل من قرأ فيه، هل يلزم أن نقول: ينوي كل من قرأ فيه أن ينوي به المُوقِف، يعني يجلس عند هذا الكتاب، ثم إذا رفعه فلان ونظر فيه نوى أن يقرأ فيه ليؤجر؟ نيات تفصيلية ما تلزم، تكفي النية العامة، فهي له أجر، هذا الذي ربطها في سبيل الله له أجر.(90/9)
((ورجل ربطها تغنياً وتعففاً)) ليستغني بها عن سؤال الناس، بإجارتها مثلاً، يؤجرها يحمل عليها ((تغنياً وتعففاً، ولم ينس حق الله في رقابها، ولا في ظهورها)) لم ينس زكاتها إذا أعدها للتجارة، أو لم ينس زكاة ريعها إذا أعدها للإجارة، أو إعارتها على إن في المال حق سوى الزكاة ((في رقابها ولا في ظهورها)) فهي لذلك ستر، هذا يستتر بها عن سؤال الناس، ويستعف بها عن مسألتهم، ورجل إذا نوى بهذا الاستتار، وهذا التعفف أن يستتر بها عن سؤال الناس الذين جاءت النصوص بذمه، أو يستغني بها في تأمين نفقته، ونفقة من يمون ويقوت بهذا النية يؤجر عليها.
((ورجل ربطها فخراً ورياء، ونواء للإسلام)) وهذا التقسيم يأتي على كثير من أمور الدنيا، يعني شخص فتح محل تجاري، ما الذي يقصده من المحل التجاري هذا؟ إذا قصد بذلك التيسير على الناس وإنظار المعسرين، والتصدق من هذا المحل يؤجر على هذه النية العامة، لكن إذا قصد بذلك استغلال الناس، أو قصد بذلك مجرد التعفف به والاسترزاق منه، كل على نيته.
((ورجل ربطها فخراً)) يفتخر به على الناس ((ورياء ونواء لأهل الإسلام)) مثل السيارات الفارهة، كثير من الناس تجده يسلك المسالك غير المرضية لتحصيلها، إما باستدانة تجعله يضيق على نفسه، وعلى من تحت يده، من أجل أن يقال فخراً: يركب السيارات الكذا الفارهة، عاد عندهم أسماء لها، قد لا نستوعبها، المقصود أنه في كثير من السيارات الباهضة الأثمان الكثير ممن يشتريها -لا نقول: الجميع- إنما يركبها فخراً ورياء، هذا عليه وزر، لا سيما إذا كانت على حساب شيء من الواجبات.(90/10)
((ونواء لأهل الإسلام)) نواء يعني عداء ومناوأة لأهل الإسلام، يستغل بها الفرص، كما أنه يوجد من يشتري بعض السيارات الفارهة يقتنص بها من يشاء، بعضهم يشتري السيارة بخمسمائة ألف، بستمائة ألف، من أجل إيش؟ إذا رآها من رآها ممن ضعفت نفسه إما امرأة عرفت بشيء من التساهل بالركوب مع الآخرين، أو صبي؛ لأن هذه الأمور مثل ما يحدث الآن في كثير من تصرفات الناس تجده إنما يفعل هذا من أجل أن يقتنص به بعض الضعاف ضعاف النفوس، هذا موجود هذا أيضاً نواء لأهل الإسلام، لا يلزم أن يكيد للإسلام بالكلية، وإنما يكيد لهؤلاء المغفلين.
طالب:. . . . . . . . .
ما يلزم اجتماع، إذا ربطها فخراً ورياء هذا معروف أنه يأثم به، وهي عليه وزر، وكذلك نواء لأهل الإسلام نسأل الله العافية.
قال: ((فهي على ذلك وزر)) يعني في وقت ... بعض الناس، بعض السماسرة الآن تجد ما عنده شيء ألبتة، ثم بعد ذلك يشتري سيارة يستدين لمدة عشر سنوات أقساط لهذه السيارة من أجل إيش؟ يقتنص بها الزبائن؛ لأن الناس يرتاحون في تجاراتهم لمن مظهره التجارة، ويظنون به أنه كفء لأن يعطى الأموال يضارب بها، يعني لو جاءك شخص على سيارة بنصف مليون مثلاً، وقال: أنا عندي تجارة وهات ما عندك ندخله في تجارتنا، ولك نصيبك من الربح بقدر مالك، أو جاءك شخص على سيارة تالفة لا شك أنك سوف تثق بالأول أكثر من الثاني، تقول هذا إيش عرفه للتجارة؟ لو كان عنده تجارة كان اشترى سيارة تنقل رجله، ويتخذونها لهذا الأمر، تجده ما عنده شيء أصلاً، ويستدين لمدة عشر سنوات، أقساط لهذا الهدف، ولو لم يكن نواء وعداء لأهل الإسلام إنما تغرير بهم، هذا يغرر بمثل هؤلاء.(90/11)
((فهي على ذلك وزر)) وسئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الحمر" يعني ماذا لمن يقتني الحمر؟ أو ماذا عليه؟ هل هي مثل الخيل؟ هل الحمر مثل الخيل لثلاثة؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا قال: نعم ولا لا، ما قال: نعم ولا لا، لماذا؟ لدخولها في عموم الآية: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [(7 - 8) سورة الزلزلة] لو عندك حمار وأنت في طريقك وجدت رجلاً بحاجه إلى مساعدة معه متاع حملته وحملت متاعه لك أجر، هذا من الخير الذي تعمل، لكن إذا قصدت بها الإضرار مثلاً ربطتها في مجالس الناس، ظل ينتفع به الناس، وتركتها تبول وتروث فيه، وهذا قصدك وهذا من همك، هذا عليك وزر؛ لأن هذا شر.
يقول: "وسئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الحمر، فقال: ((لم ينزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة)) " فالعموم يعمل به ما لم يرد ما يخصصه، العموم يعمل به حتى يرد ما يخصصه {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [(7) سورة الزلزلة] نكرة في سياق الشرط فتعم، {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [8) سورة الزلزلة] كذلك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن عندنا التنصيص على الخيل، والرسول -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الحمر، فأجاب بهذه الآية الجامعة الفاذة التي تجمع الحمر والبغال والسيارات والطائرات، وكل ما يمكن أن ينتفع به، إذا أراد بها خير أجر، وإن أراد بها شر صارت عليه وزر، إن فعل فيها خير أجر عليه، وإن فعل فيها شر أثم به.
قال -رحمه الله-: "حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري عن عطاء بن يسار أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا أخبركم بخير الناس منزلاً؟ )) " في الدنيا وإلا في الآخرة؟ أو في الدارين؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش معنى الخيرية هنا؟ يعني الأفضل؟(90/12)
على كال حال المرد كله إلى أمر الآخرة؛ لأنه قد يكون بالنسبة لمقاييس الدنيا رجل الذي بعده رجل معتزل في غنيمته قد لا يكون هذا خير الناس منزلاً بالنسبة للدنيا، وإنما كفى الناس عن شره، صار من خير الناس منزلاً يوم القيامة، فالمرد إلى الآخرة على كال حال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
((يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال)).
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن هذه الخيرية هل نقول: إنها بالنسبة لمقاييس الدنيا الذي يتعرض للبرد والشمس والحر وشظف العيش أفضل من الذين في البيوت من حيث الدنيا لا، إنما المقصود في الآخرة، هو أسلم ممن يخالط، ويأتي هذا في العزلة والخلطة.
((ألا أخبركم بخير الناس منزلاً؟ رجل آخذ بعنان فرسه)) يعني بلجام فرسه ((يجاهد في سبيل الله)) هذا لا شك أنه من خير الناس، هذا بالنسبة لمن يجاهد في سبيل خير الناس.(90/13)
((ألا أخبركم بخير الناس منزلاً بعده؟ )) الذي يليه ((رجل معتزل في غنيمته، يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعبد الله لا يشرك به شيئاً)) أما فضل الجهاد فجاءت به النصوص هذا لا شك أنه من أفضل المنازل، أما بالنسبة للعزلة فلا شك أنها في أوقات الفتن التي يخشى أن يتعدى شرها وضررها على الإنسان فالعزلة خير له، وإلا فالخلطة أفضل، الذي يخالط الناس ويصبر على شرهم أفضل بكثير ممن يعتزلهم ولا يصبر عليهم، لكن المسألة في أوقات الفتن التي يخشى أن تتعدى هذه الفتن إلى الشخص، فمثل هذا عليه أن أو الأفضل له أن يعتزل، والناس لا شك أنهم يتفاوتون في هذا المقام، فبعض الناس العزلة له خير مطلقاً، وبعضهم الخلطة خير له مطلقاً، فالذي يستطيع أن يؤثر في الناس ينفع الناس، هذا الخلطة أفضل له، بحيث لا يتأثر بما هم عليه من شرور، والذي لا يستطيع أن يؤثر وهو قابل للتأثر، مثل هذا يقال له: اعتزل، وللخطابي أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي البوستي، المعروف صاحب معالم السنن، له كتاب في العزلة، جمع فيه النصوص في الطرفين، ووازن بينها، على كل حال كل إنسان يعرف من نفسه تأثره وأثره في غيره، لو أن إنسان عنده شيء من العلم ينفع الناس هل يقال له: اعتزل؛ لأن الزمن زمن فتنة؟ نعم إذا خشي من بعض ما عنده من علم أن يؤثر في الناس أثراً غير مناسب، كما كان أهل العلم يمنعون من يدرس إذا خشي أن يخلط، إذا خشي عليه التخليط منع، وجعل في بيته لا يخالط الناس، فهذا له حكم، لكن الإنسان الذي نفع الله به، يعلم الناس الخير هل يقال له: اعتزل باعتبار أن خير الناس بعد المجاهد الذي يعتزل في غنيمته؟ اعتزل في غنيمتك، قل: لا، الخلطة والعزلة تختلف من شخص إلى آخر، فبعض الناس مخالطته للناس أفضل، وبعضهم عزلته اعتزاله للناس أفضل، والشراح منذ القرن الثامن والتاسع كأنهم يطبقون على أن العزلة أفضل مطلقاً، ويعلقون لقولهم الاستحالة خلو المحافل عن المآثم، عن المعاصي، عن المنكرات، وواقع الناس اليوم لا شك أن المنكرات موجودة وبكثرة وظاهرة، لكنها في أماكن دون أماكن، فبالإمكان أن يعتزل الإنسان وهو في بلد بلد كبير، يعني كثير من الأحياء ليس فيها كثير من المنكرات، وبعض المحلات(90/14)
والأسواق، وأمور الناس وبعض محافل الناس العامة لا تسلم من منكرات، هل نقول لطالب العلم أو لغيره ممن يريد نجاة نفسه نقول: لا تنزل إلا الأماكن التي فيها المنكرات، واعتزل بالأحياء التي تسلم من المنكرات، أو نقول: انزل إلى هذه المحلات التي تشتمل على المنكرات، وأنكر وغير بقدر استطاعتك، نعود إلى المسألة الأولى: إن كان ممن يستطيع أن يغير ويؤثر فهذا هو المتعين في حقه وإلا فلا ينزل إلى هذا الأماكن خشية أن يتأثر ((يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعبد الله لا يشرك به شيئاً)).
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده قال: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره" وفي بعض أحاديث عبادة قال: بايعناه على ما بايع عليه النساء، مع أن المقطوع به المجزوم أن بيعة الرجال وقعت قبل بيعة النساء، لكنهم يحيلون على ما في القرآن، الذي يعرفه الخاص والعام، ذكرنا هذا مراراً، ونظرنا له بأن من جامع في نهار رمضان يقال له: عليك كفارة ظهار، ما يقال: عليك كفارة مجامع، وإن كانت ثابتة في الأحاديث الصحيحة، لكن كفارة الظهار مضبوطة بالقرآن المعروفة لدى الخاص والعام، والبيعة التي بايع عليها الرجال هي مثل بيعة النساء المضبوطة بالقرآن.(90/15)
يقول: "بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر" على السمع والطاعة وهذه للرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولأولي الأمر من بعده على السمع والطاعة، ما لم يأمروا بمعصية؛ فإنه حينئذٍ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق "في العسر واليسر" يعني في حال السعة وفي حال الضيق، في حال الغناء وفي حال الفقر؛ لأن بعض الناس ولاؤه يدور مع حالته، وهمه الدنيا إن أعطي منها رضي، وإن لم يعطَ منها سخط "في العسر واليسر، والمنشط والمكره" في حال النشاط، وفي حال ما تكرهه النفس، فإذا أمر بأمر ليس فيه معصية، عليه أن لا يلتفت إلى حاله إلا إذا كان عاجز، إذا عجز فالذي لا يستطيع لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لكن لا ينظر إلى أن هذا يناسبه وهذا لا يناسبه، ويتخير من الأوامر ما يناسبه دون ما لا يناسبه، فعليه الطاعة، بغض النظر في كونه يناسبه أو لا يناسبه.(90/16)
"وألا ننازع الأمر وأهله" الأمر لأهله ما دام ثبتت البيعة لزيد من الناس لا يجوز الخروج عليه، ولا يجوز عصيانه إلا إذا أمر بمعصية من جهة الخروج عليه معلق بالكفر البواح، أو ترك الصلاة ((لا ما صلوا)) ((لا ما لم تروا كفراً بواحاً)) ومع ذلك يشترط أهل العلم القدرة، أما إذا لم توجد القدرة فلا يجوز الخروج، ولو وجد الكفر البواح، وترك الصلاة؛ لأنه يترتب على ذلك من المفاسد وإراقة الدماء ما هو أعظم من الصبر على هذا الرجل، على هذا الوالي، وإن كان كافراً كفراً بواحاً، أو لا يصلي، فأهل العلم يشترطون ذلك، ومع ذلك يقول عبادة: "وأن نقول أو نقوم بالحق حيث ما كنا" الطاعة في العسر واليسر والمنشط المكره لا تنافي النصيحة، لا شك أن الولاة كغيرهم من الناس ليسوا بمعصومين، يقع منهم ما يقع، وقد يقع منهم أكثر من غيرهم، باعتبار أنهم مكنهم الله من كثير من الأمور التي تيسر ما لا يتيسر لغيرهم، ومع ذلك يبقون بالنسبة لوجوب الطاعة تجب الطاعة ولو حصل منهم ما حصل، ولو حصل الظلم، ولو حصل الجور، ولا ينازعون الأمر بحال من الأحوال إلا بما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولكن النصيحة واجبة ((الدين النصيحة)) قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) فبذل النصيحة لولي الأمر من أهم المهمات، بل من أوجب الواجبات، وينص أهل العلم في شرح حديث النصحية أنه من الغش لولي الأمر أن يغر بالثناء الكاذب، فلا يثنى عليه بما لم يفعل، ولا يغمط ما يفعل؛ لأن الناس في هذا الباب على طرفي نقيض، إما أن يبالغ في المدح، وهذا في الغالب الذي يبالغ في المدح بما ليس فيه أن هذا قصده شيء من أمور الدنيا، ولا يلبس ولا يشنع ولا يشهر بشيء لم يحصل، أو يضخم الشيء اليسير يجعله كبيراً على أن تكون النصيحة كما هو الأصل سراً بينه وبينه، فهي أجدى لأن النصيحة وإن كان نصيحة علنية فهي من باب الأمر والنهي، من باب التغيير، من باب الإنكار يشترطون أن لا يترتب عليها من المفسدة ما هو أعظم منها، فهذه أمور ملاحظة ومرعية عند أهل العلم.(90/17)
"وأن نقول أو نقوم بالحق حيث كنا لا نخاف في الله لومة لائم" واللوم إنما هو باللسان، يعني لو قيل مثلاً: هذا مجنون، كيف يدخل نفسه في ما لا يعنيه؟ نقول: لا هذا ليس بمجنون، هذا محض النصيحة، وهذا أدى ما عليه، لكن إذا تعدت المسألة اللوم، إذا خاف على نفسه، على ماله، على ولده، له أن يترك، وهو معذور في هذه الحالة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، المنصوص عليه لا نخاف في الله لومة لائم، اللوم إنما يكون باللسان، اللسان ما يثني، لكن لو خشي على جسده، خشي على ماله، على ولده هناك يكون فيه مندوحة على أن ينكر المنكر بقلبه.
طالب:. . . . . . . . .
يبقى أنها عند، هذه مسألة، في عزائم وفي رخص، يعني من ارتكب العزيمة وصبر على الآثار المترتبة عليها هذا له ذلك، لكن يبقى أن له مندوحة، وله رخصة، ولا يؤاخذ إن خشي على نفسه، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
باللسان نعم بلا شك، له أجر الجهاد، كل جهاد بحسبه، جهاد النفس، جهاد الشيطان.
طالب:. . . . . . . . .
فالباب طويل وبعده الإيمان والنذر، وإحنا ما عندنا إلا اليوم وغداً وأربعة دروس في الأسبوع القادم فقط، ما في غيرها، يعني باقي مع هذا الدرس خمسة دروس فقط، والكلام في الجهاد وفي الأيمان والنذر طويل نحتاج إلى أن نكمل على أي حال.(90/18)
قال: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم قال: كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموع من الروم" يعني على أنهم قادمون وافدون "كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر جموع له من الروم، ويتخوف منهم" يعني مثل ما يحصل الآن من تهويل قوات الأعداء، وما أشبه ذلك من شرق أو غرب أو غير ذلك "فكتب إليه عمر بن الخطاب أما بعد: فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله بعده فرجاً" على أن يبذل الأسباب الشرعية "فيجعل الله بعد ذلك فرجاً، وأنه لن يغلب عسر يسرين، وأن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [(200) سورة آل عمران] "، لن يغلب عسر يسرين {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [(5 - 6) سورة الشرح] العسر معرفة، وأعيد معرفة، فهو عينه، واليسر نكرة أعيد نكرة فهو غيره، ومن هذا قالوا: لن يغلب عسر يسرين، العسر أعيد معرفة فهو عينه، واليسر أعيد نكرة فهو غيره، يقول الله تعالى في كتابه: {اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ} [(200) سورة آل عمران] الصبر لا بد منه، ولن ينال أحد مطلوبه إلا بالصبر، وصابروا المصابرة مفاعلة، ما دام صبر خصمك لا بد أن تصابره، وتصمد أمامه، ورابطوا يعني داوموا، واتقوا الله لا بد من هذه الأمور اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله أربعة أشياء لتحصل النتيجة لعلكم تفلحون.
أحسن الله إليك.
باب: النهي على أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو.
قال مالك: وإنما ذلك مخافة أن يناله العدو.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: النهي على أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو(90/19)
يعني خشية أن يساء إليه، وأن يمتهن، فالعدو لا يجوز تمكينه من القرآن، نعم قد يمكن من آية يقام بها الحجة عليه، كما أرسل النبي -عليه الصلاة والسلام- بالآية إلى هرقل، وغيره ممن دعاهم إلى الإسلام {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [(64) سورة آل عمران] ... إلى آخره، فيمكن من آية أو بعض آية لكن لا يمكن من القرآن؛ لأنه لا يتدين به، فيخشى أن يسيء إليه، ويكثر السؤال عن تمكين من رجي إسلامه من القرآن، أو من ترجمة معانيه، ويقول: أنا أسمع القرآن منكم، لكن ما أفهم، أعطوني مصحف ترجمت معانيه لأقرأ وأستفيد وأنظر، يعني إذا غلب على الظن أنه يستفيد منه ولا يسيء إليه حينئذٍ لا مانع من ذلك، وقد أفتى به بعض أهل العلم، وإن كان تحت النظر فهو أولى، يقال: اطلع عليه عندنا، يطلع على هذه الترجمة، ويقرأ ويتأمل رجاء أن يسلم.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو" يسافر بالقرآن في بعض الروايات: المصحف، وهذا لا بد منه، ليس المراد أن يسافر بالقرآن الذي في صدور الرجال، ليس هذا هو المراد، إنما المراد به المكتوب في المصاحف.
"قال مالك: وإنما ذلك مخافة أن يناله العدو" فيسيء إليه، وقد أسيء إليه من قبل من لا يتدين به في بلاد المسلمين، فكيف إذا كان في بلاد العدو؟! نعم.
أحسن الله إليك.
باب: النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن ابنٍ لكعب بن مالك، قال: حسبت أنه قال عبد الرحمن بن كعب أنه قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين قتلوا ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان، قال: فكان رجل منهم يقول: برحت بنا امرأة ابن أبي الحقيق بالصياح، فأرفع السيف عليها ثم أذكر نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأكف، ولولا ذلك استرحنا منها.
وحدثني عن مالك عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة، فأنكر ذلك، ونهى عن قتل النساء والصبيان.(90/20)
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- بعث جيوشاً إلى الشام، فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان، وكان أمير ربع من تلك الأرباع، فزعموا أن يزيد قال لأبي بكر: إما أن تركب، وإما أن أنزل، فقال أبو بكر: ما أنت بنازل، وما أنا براكب، إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله، ثم قال له: إنك ستجد قوماً زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله، فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له، وستجد قوما فحصوا عن أوساط رءوسهم من الشعر، فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف، وإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة، ولا صبياً ولا كبيراً هرماً، ولا تقطعن شجراً مثمراً، ولا تخربن عامراً، ولا تعقرن شاة، ولا بعيراً إلا لمأكلة، ولا تحرقن نحلاً، ولا تفرقنه، ولا تغلل ولا تجبن.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامل من عماله: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا بعث سرية يقول لهم: ((اغزوا باسم الله، في سبيل الله، تقاتلون من كفر بالله، لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً)) وقل ذلك لجيوشك وسراياك، إن شاء الله، والسلام عليك.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو
يعني ممن لا يد له في القتال بل يضعف عن ذلك، وأما من شارك في القتال ولو كان شيخاً كبيراً، أو امرأة فإن حكمه حكم المقاتلين، النساء والذراري في الغالب وكبار السن الشيوخ لا يقاتلون فهم لا يجوز قتلهم، وثبت النهي عن قتل النساء والذرية، مع أنه قال -عليه الصلاة والسلام-: ((من بدل دينه فاقتلوه)) فحصل التعارض بين النهي عن قتل النساء والذراري، وبين من بدل دينه فاقتلوه، فهل تقتل المرأة المرتدة أو لا تقتل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
تقتل نعم.
طالب:. . . . . . . . .(90/21)
طيب لكن عموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) مطلق وإلا وجهي؟ وجهي، النهي عن قتل النساء والذرية يشمل الأصليات والمرتدات، ومن بدل دينه فاقتلوه عمومه شامل للرجال والنساء، إلا أنه خاص بالمرتدين من الرجال والنساء، فعموم النهي عن قتل النساء والذراري في إيش؟ عموم النهي عن القتل عمومه خاص بالنساء، دعونا من الذراري، الآن ((من بدل دينه فاقتلوه)) خاص بالمكلفين من الرجال والنساء، وعموم النهي عن قتل النساء هذا شامل للأصليات والمرتدات، وعموم الثاني في الرجال والنساء، خصوص الأول خاص بالنساء، وخصوص الثاني بالمرتدين، فنحتاج إلى مرجح خارجي، الحنفية عملوا بحديث النهي عن قتل النساء الذراري، فلا يجوز قتل المرتدة؛ لأن النهي عن قتل النساء شامل للكافرات الأصليات والمرتدات، والجمهور قالوا: تقتل المرتدة عملاً بعموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) لكنه معارض بحديث النهي عن قتل النساء، وحديث النهي عن قتل النساء معارض بـ ((من بدل دينه فاقتلوه)) وبينهما عموم وخصوص وجهي، الجمهور يقولون: عموم النهي عن قتل النساء دخله مخصصات كثيرة، فهو ضعيف، عمومه ضعف لكثرة المخصصات، يعني المرأة إذا زنت مثلاً تقتل وإلا ما تقتل؟ تقتل، يدخل في النهي عن قتل النساء والذرية؟ إذا قتلت تقتل وإلا ما تقتل؟ تقتل، ثبت قتل السواحر وإن كن نساء، فعمومه دخله مخصصات كثيرة فضعف أمام عموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) فرجح عليه من هذه الحيثية فتقتل المرتدة، فالمرتدة لا تدخل في النهي عن قتل النساء في الغزو.(90/22)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن ابن لكعب بن مالك قال: حسبت أنه قال: عبد الرحمن بن كعب" وفي بعض الروايات: عبد الله بن كعب "أنه قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين قتلوا بن أبي الحقيق" سلام بن أبي الحقيق يهودي آذى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فانتدب له من يقتله "أنه قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين قتلوا ابن أبي الحقيق" نهاهم قبل القتل، يعني انتدبهم لقتله، فنهاهم عن قتل النساء والوالدان "قال: فكان رجل منهم يقول: برحت بنا امرأة ابن أبي الحقيق" يعني لما رأتهم صاحت، فهم خشوا من أن يدركه من يسعفه، أو من يسطوا عليهم فيقتلهم، والعلاج في هذا أن يقتلوها، العلاج أن يرتاحوا منها "قال: برحت بنا امرأة ابن أبي الحقيق بالصياح، فارفعوا السيف عليها، ثم أذكر نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأكف، ولولا ذلك استرحنا منها" يعني لولا النهي قتلناها وارتحنا.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فأنكر ذلك، ونهى عن قتل النساء والصبيان" يعني هذا في الأصليات، وأما المرتدات فيقتلن على ما تقدم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم هو السبب الأصلي في كون النساء والصبيان والشيوخ الكبار هؤلاء ليسوا من أهل القتال، لكن إذا شاركوا في القتل، أو تترس بهم الكفار بحيث لا يمكن الوصول إليهم إلا بهم، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والوسائل لها أحكام الغايات، هو مخصوص بالمرتدات، يعني عمومه مخصوص بقتل المرتدة، عمومه مخصوص بالزانية المحصنة، عمومه ... فيمن قتلت تقتل.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو ما استطعنا إلى أن عرفنا كثرة المرجحات التي أضعفت هذا العموم، نعم؟
هي مرتدة؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش يدريك؟
طالب:. . . . . . . . .
يمكن بفلوسه راحت.(90/23)
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر الصديق بعث جيوشاً إلى الشام، فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان، وكان أمير ربع من تلك الأرباع" لأنه أرسل أربعة جيوش على واحد منها يزيد بن أبي سفيان، أخو معاوية "فزعموا أن يزيد قال لأبي بكر" لأنه شيعه ماشياً ويزيد راكب، يزيد مثل هذا لا يليق/ الخليفة يمشي وهو راكب! "فقال يزيد لأبي بكر: إما أن تركب وإما أن أنزل، فقال أبو بكر: ما أنت بنازل وما أنا براكب، إني أحتسب خطايا هذه في سبيل الله" -رضي الله عنه وأرضاه-، "ثم قال: إنك ستجد قوماً زعموا أنهم حبسوا أنفسهم" يعني رهبان لزموا بيعهم وصوامعهم هؤلاء ما لك بهم دعوى، لا هم يقاتلون، لا يقاتلون، حبسوا لله "فذرهم وما زعموا" وإن كانوا على باطل ذرهم؛ لأن ما على الناس منهم خطر، وهذا من حسن رعاية الإسلام لمثل هؤلاء الضعفاء، بخلاف طرائق الكفار الذين يأتون على كل شيء سواء كان له أثر أو لا أثر له فيتلفونه، والله المستعان، والآن هم مثل ما يقول المثل: رمتني بدائها وانسلت، هم المفسدون في الأرض، ومع ذلك يرمون المسلمين بالعظائم، والله المستعان.
"زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له، وستجد قوماً فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشعر" هؤلاء رؤوس من رؤوس الكفر، من رؤوس النصارى، هؤلاء لهم الأثر في غيرهم "فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف" يعني اضرب هذه الرؤوس بالسيف "وإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة" لما ثبت من النهي عن قتل النساء والصبيان "ولا صبياً ولا كبيراً هرماً" قد يقول القائل: إن دريد بن الصمة قتل في حنين وهو شيخ كبير هرم، لكنه له رأي ويخطط ويساعدهم على حربهم "ولا كبيراً هرماً، ولا تقطعن شجراً مثمراً" لأن هذا إفساد، هذا إفساد في الأرض، ومآله بعد الفتح للمسلمين "ولا تخربن عامراً" يعني لا تهدم البيوت "ولا تعقرن شاة، ولا بعير إلا لمأكلة" من أجل الأكل، وقد جاء النهي عن قتل الحيوان إلا لمأكلة؛ لأن هذا فيه إتلاف، إتلاف للمال وإفساد "ولا تحرقن نخلاً" يعني في غزوة بني النظير حرق النبي -عليه الصلاة والسلام- النخل.
وهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطيرُ(90/24)
المقصود أن مثل هذا إذا ترجحت فيه المصلحة، أو تترس به الكفار فإنه يحرق؛ لأنه لا يمكن أن يتوصل إلى ما يجب فعله إلا به "ولا تفرقن" إيش لون: "لا تفرقن"؟ ولا تحرقن نخلاً ولا تفرقن؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نحلاً نعم، هو يقول: نحلاً هو حيوان العسل.
"ولا تحرقن نحلاً" لا شك أنه مثل تخربن عامراً، تقطعن شجراً مطرد معها، يعني على النخل بالخاء مطرد مع قوله: "لا تقطعن شجراً مثمراً، ولا تخربن عامراً" وبعض النسخ على هذا، لكن على النسخة التي عليها أكثر الشروح "لا تحرقن نحلاً" لأنه لا يمكن أن يتترس به مثل النخل، وعلى كل حال كل ما يتوصل به إلى المقصود يفعل، وما لا فلا، لا سيما إذا كان على جهة الإفساد "ولا تفرقنه" النحل لا تفرقنه؛ لأن النخل لا يتصور تفريقه، والنحل يتصور تفريقه، دعه مجتمعاً ليستفاد منه "ولا تغلل" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وهنا "ولا تفرقن" والشارح إيش قال؟
طالب:. . . . . . . . .
هو كلهم، المسألة لا تختلف.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو موجود في كل مكان، لا سيما مثل الأماكن التي فيها الزروع والثمار والعشب، وما أشبه ذلك "ولا تغلل" الغلول: هو الأخذ من الغنيمة قبل أن تقسم "ولا تجبن" يعني لا تخف من العدو فيطمع فيك.
قال: "حدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامل من عماله أنه بلغنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا بعث سرية يقول لهم: ((اعزوا باسم الله)) " يعني ابدأ بسم الله وعلى بركته ((في سبيل الله)) مخلصاً في ذلك لله -جل وعلا- ((تقاتلون من كفر بالله)) يعني الوصف المؤثر في مشروعية الجهاد هو الكفر ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) ((لا تغلوا، ولا تغدروا)) يعني لا تغدروا بالعدو، ولا تخونوا ((ولا تمثلوا)) التمثيل بالقتيل بجدع أطرافه، وتشويه صورته ((ولا تقتلوا وليداً)) كما جاء النهي فيما تقدم عن قتل الصبيان "وقل ذلك لجيوشك وسراياك" يعني من بعثته على سرية، أوعلى جيش أو قطعة من الجيش ذكره بهذه الأشياء "-إن شاء الله-" وهذا للتبرك "والسلام عليك" والله أعلم.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(90/25)
شرح: الموطأ - كتاب الجهاد (2)
باب: ما جاء في الوفاء بالأمان - باب: العمل فيمن أعطى شيئاً في سبيل الله - باب: جامع النفل في الغزو
باب: ما لا يجب فيه الخمس - باب: ما يجوز للمسلمين أكله قبل الخمس - باب: ما يرد قبل أن يقع القسم مما أصاب العدو - باب: ما جاء في السلب في النفل.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الوفاء بالأمان
حدثني يحيى عن مالك عن رجل من أهل الكوفة أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل جيش كان بعثه: إنه بلغني أن رجالاً منكم يطلبون العلج حتى إذا أسند في الجبل وامتنع، قال: رجل مطرس، يقول: لا تخف فإذا أدركه قتله، وإني والذي نفسي بيده لا أعلم مكان واحد فعل ذلك إلا ضربت عنقه.
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: ليس هذا الحديث بالمجتمع عليه، وليس عليه العمل.
قال: وسئل مالك عن الإشارة بالأمان أهي بمنزلة الكلام؟ فقال: نعم، وإني أرى أن يتقدم إلى الجيوش أن لا تقتلوا أحداً، أشاروا إليه بالأمان؛ لأن الإشارة عندي بمنزلة الكلام، وإنه بلغني أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: ما ختر قوم بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الوفاء بالأمان
إذا حصل الأمان لأحد من المشركين فإنه لا يجوز حينئذٍ أن ينقض هذا العهد وهذا الأمان إلا بموجب، ولا بد أن يخبر بانتقاض عهده، لا بد أن ينبذ عليه إليه على سواء، لا بد أن يكون علمه كعلم المسلم، ولا يجوز أن يغدر به، ولا يجوز أن يختر وهو أشد الغدر، ومن صفات المنافقين إذا عاهد غدر، فليس من صفات المسلم ولا يجوز له بحال أن يغدر بمن أمنه، وينصب لكل غادر لواء يوم القيامة يُعرف به، نسأل الله العافية.
قال الإمام -رحمه الله تعالى-:(91/1)
باب: ما جاء في الوفاء بالأمان
"حدثني يحيى عن مالك عن رجل من أهل الكوفة أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل جيش" الوفاء واجب بالأمان، ولو لم يثبت مثل هذا الخبر، الوفاء بالعهود جاء الخبر به بالكتاب والسنة "إلى عامل جيش كان بعثه: إنه بلغني أن رجالاً منكم يطلبون العلج الكافر" وبعضهم يخصه بضخم الجثة، جمعه علوج "حتى إذا أسند في الجبل" يعني ارتقى وطلع الجبل وامتنع يعني لا يقدر عليه أعطي الأمان، وقيل له: لا تخف، مطرس أو مترس وهي كلمة فارسية تعريبها: لا تخف، وكأنه تترس بهذا الجبل وامتنع به، ومترس ومطرس بإبدال التاء طاء والعكس، هذا معروف في لغة العرب "يقول: لا تخف" أمنه "فإذا أدركه قتله" يعني غدر به، "وإني والذي نفسي بيده" فيه إثبات اليد لله -جل وعلا- "لا أعلم مكان واحد فعل ذلك إلا ضربت عنقه"؛ لأنه قتل من لا يجوز قتله، ولكن الإجماع قام على عدم العمل بهذا الحكم؛ لأن المسلم لا يقتل بالكافر.
"قال مالك: قال يحيى: سمعت مالك يقول: ليس هذا الحديث بالمجتمع عليه" يعني المتفق عليه "وليس عليه العمل" يعني لم يتفق على صحته وثبوته، والعمل على خلافه.
طالب:. . . . . . . . .
ما يتعلق بالإمام وصلاحياته هذا الأمر الشارع وسع فيه، إذا رأي الإمام المصلحة في قتله هذا .. ، التعزير للإمام يعني فيه سعة، الشرع وضع له شيء من هذه الصلاحيات، إلا إن من أهل العلم من يقول: إنه لا يصل إلى حد القتل، يعزر بما دون ذلك من إيذاء ببدن أو بمال، لكن حد القتل قال به جمع من أهل العلم.
على كل حال يقول: "سئل مالك عن الإشارة بالأمان" الإشارة المفهمة التي تقوم مقام العبارة "أهي منزلة الكلام؟ فقال: نعم" الإشارة المفهمة تقوم مقام الكلام، وهل هذا مطرد في هذا المقام وفي غيره من المقامات؟ يعني لو أشار في الصلاة هل نقول: إنه تكلم فبطلت صلاته؟ أو نقول: إنها تختلف من باب إلى باب؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أفادت معنى الكلام الذي يبطل الصلاة تبطله.
طالب:. . . . . . . . .(91/2)
"أهي منزلة الكلام؟ فقال: نعم، وإني أرى أن يتقدم إلى الجيوش ألا تقتل أحداً أشاروا إليه بالأمان" يعني هي بمنزلة الكلام، هل نقول: إنها في هذا الباب وفي باب الصلاة يختلف؟ يعني لا تبطل الصلاة؟ كما في حديث صلاة الكسوف لما جاءت أسماء في الصحيح، في البخاري، فرأت الناس يصلون، فاستفهمت ما هذه؟ فأشارت عائشة إلى السماء بأصبعها، فقالت: آية؟ فقالت عائشة: أي نعم، إشارة، فهل هذا مما يبطل الصلاة أم لا؟ عائشة ما أعادت الصلاة، ولا قال أحد ببطلان صلاتها، على كل حال الأبواب أو التصرفات تختلف من باب إلى باب، بعض الأبواب أخف من بعض، وبعضها يحتاط له أكثر من بعض، وما يتعلق بالمخلوق أمره أشد، والذي معنا من باب ما يتعلق بالمخلوق "لأن الإشارة عندي بمنزلة الكلام، وإنه بلغني أن عبد الله بن عباس يقول: ما ختر قوم بالعهد -يعني غدروا به أشد الغدر ونقضوه- إلا سلط الله عليهم العدو" لأن هذه معصية، وتسليط العدو عقوبة يستحقها المسلم إذا عصى.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: العمل فيمن أعطى شيئاً في سبيل الله
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان إذا أعطى شيئاً في سبيل الله يقول لصاحبه: إذا بلغت وادي القرى فشأنك به.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان يقول: إذا أعطي الرجل الشيء في الغزو فيبلغ به رأس مغزاته فهو له.
قال يحيى: وسئل مالك عن رجل أوجب على نفسه الغزو فتجهز حتى إذا أراد أن يخرج منعه أبواه أو أحدهما، فقال: لا أرى أن يكابرهما، ولكن يؤخر ذلك إلى عام آخر، فأما الجهاز فإني أرى أن يرفعه حتى يخرج به، فإن خشي أن يفسد باعه، وأمسك ثمنه حتى يشتري به ما يصلحه للغزو فإن كان موسراً يجد مثل جهازه إذا خرج فليصنع بجهازه ما شاء.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: العمل فيمن أعطى شيئاً في سبيل الله
يقول -رحمه الله تعالى- ...
معروف أن العطية لا يجوز الرجوع فيها، لكن هنا عطية موقوتة.(91/3)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا أعطى شيئاً في سبيل الله يقول لصاحبه: إذا بلغت وادي القرى فشأنك به" وادي القرى منزل كان بين المدينة والشام، ولماذا خصص وادي القرى؟ لأن الإنسان إذا وصله وبلغه يصعب عليه الرجوع، فيغلب على الظن أنه يستمر إلى ما قصده من الجهاد، لكن لو كان قال: شأنك به من المدينة، احتمال أنه يتملكه ويبيعه ولا يجاهد، لكن إذا قطع نصف المسافة لا شك أنه يتشجع لإكمالها، نظير ذلك لو أن شخص قال: لا أريد أن أدرس في المكان الفلاني في الكلية الفلانية، أو أدرس على الشيخ الفلاني، وهو يشرح الموطأ مثلاً، وأنا أحتاج لهذا الكتاب، أو أحتاج أدرس في كلية الشريعة أحتاج إلى حاشية الروض المربع مثلاً، يقول: أنا أعيرك الكتاب، خذ الكتاب، لكن لا يقول: عطية من أول الأمر؛ لكي لا يراه في يوم لاحق يباع في الكتاب المستعمل؛ لأنه ما يضمن استمراره ما دام في المستوى الأول، أو من الأيام الأولى من الطلب كثير من الطلاب يجربون، يحضرون عند الشيوخ يوم يومين أسبوع، ثم يتركون، فإذا أعطي الكتاب مآله إلا أن يباع، لكن إذا قال: إذا انتهى المجلد الأول فهو لك، إذا انتهى المجلد الأول من الكتاب لا شك أن الطالب يتشجع إلى الاستمرار بالحضور، ومثله لو قال: إذا وصلت إلى المستوى الخامس مثلاً فالكتاب لك، إذا أنهى نصف المرحلة الجامعية حينئذٍ يتشجع على إكمال النصف الثاني فلا يعطيه إياه عطية أو هبة تمليكاً من أول الأمر خشية أن يفرط به، فتقل منفعته، لكن يعطيه الكتاب لأن له أجر من قرأ فيه، وهذا يريد متابعة القراءة فيه، لا يريد أن يعطيه، لو أراد أن يعطيه ليبيعه وينتفع بثمنه أعطاه القيمة مثلاً، وهنا يقول: "إذا بلغت وادي القرى فشأنك به" لماذا؟ لأنه يصعب عليه الرجوع، ويسهل عليه متابعات ما قصد، ومثل هذا إذا انتصف في الدراسة يعني يصعب عليه أن يهدر السنتين، يعني إهدار الكتاب سهل، لكن إهدار سنتين من العمر صعب، فعلى هذا يضمن استمرار الانتفاع بكتابه، يضمن الاستمرار.(91/4)
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان يقول: إذا أعطي الرجل الشيء في الغزو فيبلغ به رأس مغزاته فهو له" لأنه إنما أعطي لينتفع به في الغزو، يقول: إذا أعطي الرجل الشيء في الغزو فيبلغ به رأس مغزاته فهو له، يعني تحقق الشرط العرفي الذي من أجله دفع إليه هذا الشيء، يعني كأنه لما أعطاه الكتاب، ما يملكه من أول يوم، أو من أول مدة، يملكه إذا عزم على الإكمال، فإذا بلغ رأس مغزاته فهو له، كأنه قال: إن لم تقرأ فيه فليس لك، كأنه قال: إن لم تقاتل بهذا السيف، أو بهذه الفرس فليست لك، فإذا وصل، ولو أعطي عطية يعني بلفظ صريح، أريد أن أدرس قال: خذ استعن بهذا الكتاب على دراستك، فإنه لا يملك هذا الكتاب إلا إذا درس به بالفعل، كأنه قيل له: خذ هذا الكتاب شريطة أن تنتفع به في دراستك، طيب الجهات الحكومية توزع الكتب فهل يملكها من أعطيها من أول الأمر، أو لا يمكلها إلا بالانتفاع بها؟ يعني وزارة الشؤون الإسلامية وقبلها الإفتاء وجهات حكومية كثيرة والجامعات والمدارس توزع على الطلاب، لكن هل نقول: إن هذا شرط عرفي ولو لم يذكر أن هذه الكتب إنما وزعت للانتفاع ولو لم يكتب عليها وقف؟ إذا كتب عليها وقف انتهى الإشكال، الوقف لا يجوز بيعه إلا إذا تعطلت منافعه، هل نقول: إن مثل هذه الكتب يستفاد منها؟ ولو بغير القراءة تباع وينتفع بثمنها؟ أو نقول: إنها أعطيت بهذا الشرط؟ نعم هذا مقتضى الشرط العرفي الذي يذكره أهل العلم، وأن حكمه كالشرط الذكري، يمثلون له بأنه لو قيل لزيد من الناس: إن امرأتك زنت، فقال: هي طالق، فتبين أنها لم تزنِ، ما يقع الطلاق، الطلاق ما يقع، كأنه قال: إن كانت زانية فهي طالق، ونحن نرى الكتاب المستعمل والحراج وغيره مليئة بهذه الكتب التي توزع، ولا شك أن مثل هذا الاشتراط يحد من الدفع لغير المنتفع، ويوسع التوزيع على من ينتفع، فمثل هذا الأمر لا بد منه، ما نصبت هذه الجهات لأمور الانتفاع .. ، لوجوه الانتفاع الأخرى غير العلم.(91/5)
"إذا أعطي الرجل الشيء في الغزو فيبلغ به رأس مغزاته فهو له" يعني إذا استعمله فيما وضع من أجله، "وسئل مالك عن رجل أوجب على نفسه الغزو فتجهز، ثم إذا أراد أن يخرج منعه أبواه" ما استشار الأبوين قبل التجهز، تجهز وما استشار فمنعه أبواه والجهاد لا يجوز إلا بإذن الأبوين ((أحي والداك؟ )) قال: نعم، قال: ((ففيهما فجاهد)) لا يجوز بغير إذنهم، والمراد بذلك الجهاد الذي هو لا يعارض به فرض العين الذي هو البر، وهو جهاد التطوع أو فرض الكفاية، لا يعارض به، أما الجهاد المتعين فأهل العلم يوازنون بين المصالح العامة والخاصة، الجهاد يتعين كما يقول أهل العلم في ثلاث مسائل:
إذا استنفره الإمام، أو داهمه العدو، أو حضر الصف لا يجوز له أن يفر من الزحف.
"حتى إذا أراد أن يخرج منعه أبواه أن يخرج أو أحدهما، فقال: لا يكابرهما" لا يعاند ولا يكثر من الإلحاح إذا علم الله منه صدق النية أثابه ثواب الجهاد، إذا منعه من له حق المنع أثابه ثواب الجهاد "لا يكابرهما، ولكن يؤخر ذلك إلى عام آخر" لعل الوالدين يأذنان له "فأما الجهاز الذي تجهز به قبل أن يستأذن والديه فإني أرى أن يرفعه" إيش معنى يرفعه؟ يحفظه، يحفظه في مكان يحفظ به مثله "أن يرفعه حتى يخرج به من العام القادم إذا أذن له، فإن خشي أن يفسد" بأن كان طعاماً، ماذا يصنع به؟ "باعه وأمسك ثمنه" لأنه لا يرجع فيه "حتى يشتري به ما يصلحه للغزو، فإن كان موسراً ... " إن كان معسراً يحجز هذا المال عنده؛ لأنه قد يحتاجه في العام القادم ولا يجده إذا أنفقه، أما إذا "كان موسراً يجد مثل جهازه إذا خرج فليصنع بجهازه ما شاء" لأنه بيتجهز مرة ثانية، موسر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
الذي هو المجاهد الذي منعه أبوه؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا كأنه أخرجه لله فلا يعود فيه، أخرجه لله لا يجوز العود به، فإن كان أخرجه بالفعل وميزه عن ماله فلا يجوز بحال, وإن لم يخرجه بل نواه وقصده فهذا يجوز له أن يرجع فيه، ما لم يقرن ذلك بعهد {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ} [(75) سورة التوبة] نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(91/6)
لا، لا، الإمام مقدم، الإمام مقدم؛ لأن هذا يكون فرض عين، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لأنه مضمون عنده، وهو موسر متى ما أراد أن يتجهز استطاع.
طالب:. . . . . . . . .
ولو ميزه؛ لأنه متى ما أراد أن يخرج بدله استطاع هذا الموسر، أما غيره الذي لا يستطيع عند تيسر أمر الجهاد بالنسبة له هذا لا.
طالب:. . . . . . . . .
لا؛ لأن البر انتهى، والنبي -عليه الصلاة والسلام- علق المنع بالحياة ((أحي والداك؟ )) فالذي يستأذن الحي.
سم.
أحسن الله إليك
باب: جامع النفل في الغزو
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد فغنموا إبلاً كثيرة، فكان سهمانهم اثني عشر بعيراً، أو أحد عشر بعيراً، ونفلوا بعيراً بعيراً.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: كان الناس في الغزو إذا اقتسموا غنائمهم يعدلون البعير بعشر شياه.
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول في الأجير في الغزو: إنه إن كان شهد القتال، وكان مع الناس عند القتال وكان حراً فله سهمه، وإن لم يفعل ذلك فلا سهم له.
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: وأرى أن لا يقسم إلا لمن شهد القتال من الأحرار.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع النفل في الغزو
النفل واحد الأنفال، وهي ما حصل عليه المسلمون دون إيجاف خيل ولا ركاب، يعني من دون قتال، حصلوا عليه بأيسر الأسباب بأن تركه العدو، أو سلموه دون قتال، هذا نفل، وجاءت فيه آية الأنفال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ} [(1) سورة الأنفال] ... إلى آخره.(91/7)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع" الغنيمة: هي التي تؤخذ من أموال الأعداء بالقتال، والنفل دون قتال، قال: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد" يعني جهة نجد "فغنموا إبلاً كثيرة" وهذا الوصف متحقق بدليل أن سهمان كل واحد حصل له إثنا عشر بعيراً، أو أحد عشر بعيراً، هذا شيء كثير، ونفلوا زيدوا على ما حصل لهم من السهمان من الغنيمة من النفل بعيراً بعيراً، النفل الزيادة على ما يستحقه الإنسان، كالنافلة فهي زيادة على ما أوجب الله عليه، فسهمانهم التي يستحقونها "اثني عشر أو أحد عشر بعيراً، ونفلوا بعيراً بعيراً" يعني كل واحد أعطي بعير زائد، و (أو) هذه "أو أحد عشر بعيراً" الراوي حينما قال: أحد عشر بعيراً، لعله أراد المجموع بعد النفل، وقوله: أحد عشر بعيراً أراد بذلك قبل النفل، ثم بعد ذلك الرواة ينقل بعضهم هذا وبعضهم هذا.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: كان الناس في الغزو إذا اقتسموا غنائمهم يعدلون البعير بعشر شياه" نعم لأن البعير يستفاد به في الغزو أكثر مما يستفاد منه في حال السعة، ولذا في الغزو يحتاج إليه حاجة ماسة، ينقل الناس وينقل أمتعتهم، بينما في حال السعة، في الأضاحي مثلاً عدل البعير بسبع شياه، لكن لو غنموا بقر، هل نقول: إن البقر في الأضاحي مثل الإبل فتعدل بعشرة أو تبقى البقر بسبعة كما هو الأصل؟ وأيضاً غناءها في الغزو أقل من فائدة الإبل، تبقى سبع وإلا عشرة؟
نعم تبقى سبعة، تعدل بسبعة.
"قال مالك في الأجير في الغزو: إنه إن كان شهد القتال، وكان مع الناس عند القتال" الأجير، أجير أستأجر هذا الشخص يحمل متاع، إن كان شهد القتال وشارك مع الناس في القتال وهو حر فيقسم له مع المقاتلين؛ لأن الغنائم للمقاتلين، وهو واحد منهم "فله سهمه، وإن لم يفعل ذلك" ما شهد ولا قاتل "فلا سهم له" لأن السبب الذي يستحق به هذا السهم لا يوجد "وأرى ألا يقسم إلا لمن شهد القتال من الأحرار" أما من لم يشهد ولو كان حراً لا يقسم له، ومن شهد وكان عبداً لا يقسم له أيضاً.(91/8)
النبي -عليه الصلاة والسلام- قسم لبعض الصحابة ممن لم يشهد بدراً، قسم لهم، وهم لا يشهدون؛ لأن تخلفهم في مصلحة عامة، وبإذن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبإذنه –عليه الصلاة والسلام-.
سم.
طالب:. . . . . . . . .
أي غنائم والنفل الزائد، يعني كل واحد منهم اثنان.
طالب:. . . . . . . . .
نعم إيه إيه.
طالب:. . . . . . . . .
أضيف إلى هذه الغنيمة مما لم يوجفون عليه بخيل ولا ركاب، يعني ما حصلوا عليه بالقتال صارت نتيجة قسمته اثني عشر، ووجد قدر زائد تركه العدو دون قتال هذا نفل.
طالب:. . . . . . . . .
أما ما يتركه من دون قتال، فر من دون قتال هذه غنيمة، وفر بعد قتال وتركه هذه غنيمة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بعض الجيش يقاتل، وبعضه يفر بدون قتال وهكذا، يعني المسألة واضحة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إي نعم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
{وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ} [(41) سورة الأنفال] هذه لا شك أنها في الغنائم، {فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} [(41) سورة الأنفال].
لكن قد يطلق في النص الغنيمة تطلق على النفل والعكس، نعم.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: ما لا يجب فيه الخمس
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول فيمن وجد من العدو على ساحل البحر بأرض المسلمين فزعموا أنهم تجار، وأن البحر لفظهم، ولا يعرف المسلمون تصديق ذلك إلا أن مراكبهم تكسرت أو عطشوا فنزلوا بغير إذن المسلمين: أرى أن ذلك للإمام يرى فيهم رأيه، ولا أرى لمن أخذهم فيهم خمساً.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما لا يجب فيه الخمس
يعني هو في الأصل ليس بغنيمة، مما ليس بغنيمة، ولا فيء، نفل.(91/9)
"قال مالك فيمن وجد من العدو على ساحل البحر بأرض المسلمين فزعموا أنهم تجار" جاءوا ليأسروهم، جاء المسلمون ليأسروهم، فقالوا: إحنا والله تجار ما جئنا نقاتل "وأن البحر لفظهم" ولا يعرف المسلمون تصديق ذلك، يعني ما عندهم شهود من المسلمين ممن تقبل شهادته، ليست عندهم بينة، وإنما عندهم قرائن، عندهم قرينة وليس عندهم بينة يمكن الحكم بها "ولا يعرف المسلمون تصديق ذلك إلا أن مراكبهم تكسرت" هذه قرينة، تكسرت المراكب، تكسرت السفينة، فاضطروا إلى الساحل، أو أمواج البحر دفعتهم إلى الساحل، "أو عطشوا فنزلوا بغير إذن المسلمين" عطشوا في البحر، والبحر ما يمكن الشرب منه، فرست، أرسوا سفينتهم على ساحل من سواحل المسلمين فيه ماء عذب فشربوا منه "أو عطشوا فنزلوا بغير إذن المسلمين" الأصل أنه لا بد من إذن لأن هذا انتهاك "فنزلوا بغير إذن المسلمين: أرى أن ذلك للإمام يرى فيهم رأيه" الإمام يجتهد، قد يكون المن عليهم يحقق مصلحة أعظم، وقد يكون أسرهم يحقق مصلحة أعظم، وقد يكون قتلهم إذا كانوا محاربين، وفي قتلهم نكاية وتشريد بمن خلفهم، قد يكون أفضل، فهذا مرده إلى اجتهاد الإمام، "ولا أرى لمن أخذهم فيهم خمساً" إنما هؤلاء أمرهم إلى الإمام، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما يجوز للمسلمين أكله قبل الخمس
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: لا أرى بأساً أن يأكل المسلمون إذا دخلوا أرض العدو من طعامهم ما وجدوا من ذلك كله قبل أن يقع في المقاسم.
قال مالك -رحمه الله-: وأنا أرى الإبل والبقر والغنم بمنزلة الطعام، يأكل منه المسلمون إذا دخلوا أرض العدو كما يأكلون من الطعام.
قال مالك -رحمه الله-: ولو أن ذلك لا يؤكل حتى يحضر الناس المقاسم، ويقسم بينهم أضر ذلك بالجيوش.
قال مالك: فلا أرى بأساً بما أكل من ذلك كله على وجه المعروف والحاجة إليه، ولا أرى أن يدخر أحد من ذلك شيئاً يرجع به إلى أهله.(91/10)
قال يحيى: وسئل مالك عن الرجل يصيب الطعام في أرض العدو فيأكل منه، ويتزود فيفضل منه شيء، أيصلح له أن يحبسه فيأكله في أهله، أو يبيعه قبل أن يقدم بلاده فينتفع بثمنه؟ قال مالك: إن باعه وهو في الغزو فإني أرى أن يجعل ثمنه في غنائم المسلمين، وإن بلغ به بلده فلا أرى بأساً أن يأكله، وينتفع به إذا كان يسيراً تافهاً.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما يجوز للمسلمين أكله قبل الخمس
يعني لا ينتظر به القسمة، يعني لا يجوز لأحد من المقاتلين ولا من غيرهم أن يستولي على شيء من الغنيمة قبل أن تقسم، الأصل التحريم، وهذا هو الغلول، الأخذ من الغنيمة قبل أن تقسم، لكن هناك ما يستثنى كالطعام مثلاً، ينتظر فيه إلى أن تنتهي المعركة ثم يقسم، والناس بحاجة إليه، فمثل هذا جرت العادة بأنهم يتسامحون فيه، ولا يتبعونه أنفسهم.
"قال مالك: لا أرى بأساً أن يأكل المسلمون إذا دخلوا أرض العدو من طعامهم ما وجدوا من ذلك كله" قبل أن يقسم "قبل أن يقع في المقاسم" الطعام يؤكل أولاً لمسيس الحاجة إليه، والأمر الثاني لأنه عرضة لأن يتلف.
"قال مالك: وأنا أرى الإبل والبقر والغنم بمنزلة الطعام" وهي طعام، قد يحتاجون إلى طعام، ولا يوجد طعام غير الإبل الحية والبقر الحية، والغنم الحية، يذبحونها وينحرون الإبل، ويأكلون منها كالطعام، لمسيس الحاجة إليها "يأكل منه المسلمون إذا دخلوا أرض العدو" لأنها لا تقوم حياتهم إلا بهذا، وإذا قلنا: لا يأكلون حتى تقسم يضر بهم هذا، يضر بهم ضرراً بالغاً "كما يأكلون من الطعام، ولو أن ذلك لا يؤكل حتى يحضر الناس المقاسم، ويقسم بينهم أضر ذلك بالجيوش" لأن الحياة لا تقوم إلا بالطعام والشراب "فلا أرى بأساً بما أكل من ذلك كله على وجه المعروف" ما يأتي شخص إلى جمل فينحره بحجة الأكل منه، ثم يأخذه ويدخر نصفه، ويقده، ويشمسه وييبسه، أو يأخذ معه حوافظ يثلجه ثم بعد ذلك يرجع به، لا، إنما هذا بالمعروف، بقدر ما يحتاج إليه للأكل فقط.(91/11)
"على وجه المعروف، ولا أرى أن يدخر أحد من ذلك شيئاً يرجع به إلى أهله" لأن بعض الناس يقول: فرصة، ما دام أبيح لنا أن نذبح هذه البقر والغنم وننحر الإبل ونأكل، إحنا ما حنا بحاجة إلى الأكل، لكن مع ذلك لا تكفي حاجتنا يوم أو يومين، وعندنا ما يكفينا لمدة سنة مثلاً، يذهبون به إلى بلدانهم يشرقونه، فيجعلونه قديداً، أو يثلجونه ويتقوتونه، لا، لا يرجع به إلى أهله، إلا إن كان شيئاً تافهاً لا يأبه له، هذا الأمر فيه سعة، نعم؟
طالب: يا شيخ خاصة في الأكل فقط، لو احتاج لغير الأكل. . . . . . . . .؟
هو الأصل أنه ممنوع، الأخذ ممنوع، فلم يخرج منه إلا الأكل، لو وجد مثلاً حذاء وهو غير منتعل، ولا يمكن مواصلة المشي إلا بحذاء، لو ضاعت نظارته مثلاً، ولا يستطيع مواصلة السير إلا بنظارة ووجد نظارة، يعني هذه أمور ما تنتهي، لا بد أن يقع عليها المقاسم، أو يذهب إلى الإمام فيقول: وجدت كذا فيحسب عليه، ويحسم من نصيبه، المقصود أنه الغلول شأنه عظيم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم يستعمله استعمالاً مؤقتاً حتى يستأذن الإمام، أو ينتظر به قسمة المغانم.
"ولا أرى أن يدخر أحد من ذلك شيئاً يرجع به إلى أهله".
"وسئل مالك عن الرجل يصيب الطعام في أرض العدو فيأكل منه ويتزود فيفضل منه شيء، أيصلح له أن يحبسه فيأكله في أهله أو يبيعه قبل أن يقدم بلاده فينتفع بثمنه؟ قال مالك: إن باعه وهو في الغزو فإني أرى أن يجعل ثمنه في غنائم المسلمين" لأنه لا يملك بهذا، فالاستثناء للأكل، والأكل حاجة، والحاجة تقدر بقدرها، لا يجوز الزيادة عليها، فإني أرى أن يجعل ثمنه في غنائم المسلمين، وإن بلغ به بلده، تقوته إلى أن يصل بلده، وهو شيء تافه، يعني لا تلتفت إليه همم المقاتلين، فالأمر فيه سهلاً.
"قال: وإن بلغ به بلده فلا أرى بأساً أن يأكله وينتفع به إذا كان يسيراً تافهاً" فإذا كانت السرقة لا تقطع اليد فيها بالنسبة للشيء التافه كما قالت عائشة، فالأكل أمره أوسع، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما يرد قبل أن يقع القسم مما أصاب العدو(91/12)
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عبداً لعبد الله بن عمر أبق، وأن فرساً له عار، فأصابهما المشركون، ثم غنمهما المسلمون، فردا على عبد الله بن عمر، وذلك قبل أن تصيبهما المقاسم.
قال يحيى: وسمعت مالكاً يقول فيما يصيب العدو من أموال المسلمين: إنه إن أدرك قبل أن تقع فيه المقاسم فهو رد على أهله، وأما ما وقعت فيه المقاسم فلا يرد على أحد.
قال: وسئل مالك عن رجل حاز المشركون غلامه ثم غنمه المسلمون، قال مالك: صاحبه أولى به بغير ثمن ولا قيمة ولا غرم، ما لم تصبه المقاسم، فإن وقعت فيه المقاسم فإني أرى أن يكون الغلام لسيده بالثمن إن شاء.
قال مالك -رحمه الله- في أم ولد لرجل من المسلمين حازها المشركون، ثم غنمها المسلمون، فقسمت في المقاسم، ثم عرفها سيدها بعد القسم: إنها لا تسترق، وأرى أن يفتديها الإمام لسيدها، فإن لم يفعل فعلى سيدها أن يفتديها ولا يدعها، ولا أرى للذي صارت له أن يسترقها، ولا يستحل فرجها، وإنما هي بمنزلة الحرة؛ لأن سيدها يكلف أن يفتديها إذا جرحت، فهذا بمنزلة ذلك، فليس له أن يسلم أم ولده تسترق ويستحل فرجها.
قال يحيى: وسئل مالك عن الرجل يخرج إلى أرض العدو في المفاداة، أو في التجارة فيشتري الحر أو العبد أو يوهبان له، فقال: أما الحر فإن ما اشتراه به دين عليه ولا يسترق، وإن كان وهب له فهو حر، وليس عليه شيء إلا أن يكون الرجل أعطى فيه شيئاً مكافأة، فهو دين على الحر بمنزلة ما اشترى به.
بمنزلة ما اشتري به.
أحسن الله إليك.
فهو دين على الحر بمنزلة ما اشتري به، وأما العبد فإن سيده الأول مخير فيه، إن شاء أن يأخذه ويدفع إلى الذي اشتراه ثمنه فذلك له، وإن أحب أن يسلمه أسلمه، وإن كان وهب له فسيده الأول أحق به، ولا شيء عليه إلا أن يكون الرجل أعطى فيه شيئاً مكافأة، فيكون ما أعطى فيه غرماً على سيده إن أحب أن يفتديه.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما يرد قبل أن يقع القسم مما أصاب العدو(91/13)
مما أصاب العدو، دابة هربت فاستولى عليها العدو، أو غلام، أو أي شيء من أموال المسلمين يصل إليه العدو فيستولي عليه، ثم يغنم بعد ذلك من قبل المسلمين، وهو معروف أنه لفلان، معروف بعينه أنه لفلان، قبل أن تقع المقاسم هو أحق به، وبعد القسمة هو أولى به إن دفع قيمته.
يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عبداً لعبد الله بن عمر أبق" أبق يعني شرد وهرب "وأن فرساً له عار" كذلك، انطلق هارباً فأصابها المشركون أو "فأصابهما المشركون" العبد والفرس، "ثم غنمهما المسلمون، فردا على عبد الله بن عمر" لأن هذا ماله، أخذ بغير حق كالغصوب والسرقات ترد إلى أربابها "فردا على عبد الله بن عمر، وذلك قبل أن تصيبهما المقاسم" قد يقول قائل: ما الفرق بين ردها قبل المقاسم، وعدم ردها بعد المقاسم؟ قبل المقاسم لم تملك، يعني ما وقعت في يد من يصح ملكه لها، وبعد المقاسم وهي غنيمة مما غنمه المسلمون صح ملك من وقعت في نصيبه، نعم؟
طالب: لكنها معلومة أنها حق لفلان.
إيه.
طالب: وإذا كانت معلومة أنها حق لفلان فلا يقع عليها. . . . . . . . .
هي أولاً انتقلت من المسلمين إلى الكفار، وانتقلت مرة ثانية إلى المسلمين، وقسمت.
طالب: يعني لو قيل: إن بيت فلان قد غصب منه هل يجب رده؟
هو يجب رده، لكن ....
طالب: هذا الشرع، لو قلنا: حتى دخل في الملكية مجازاً ....
لكن ما يصادر بغير حق ويباع بالمزاد، يلزم رده وإلا ما يلزم؟ هذا صودر والتمليك بمنزلة البيع، التمليك بعد قسمة المغانم بمنزلة البيع.
طالب:. . . . . . . . .
صودر من كفار، صودر من جهة، صودر ممن يملك المصادرة، ما هو من أي شخص غاصب، الغاصب لا ما يملك إطلاقاً، المسألة ترى لها فروع عملية كثيرة يعني ما هي ...
"قال: وسمعت مالكاً يقول فيما يصيب العدو من أموال المسلمين: إنه إن أدرك قبل أن تقع فيه المقاسم فهو رد على أهله، وأما ما وقعت فيه المقاسم فلا يرد على أحد".(91/14)
"وسئل مالك عن رجل حاز المشركون غلامه ثم غنمه المسلمون، قال مالك: صاحبه أولى به بغير ثمن ولا قيمة ولا غرم ما لم تصبه المقاسم، فإن وقعت فيه المقاسم فإني أرى أن يكون الغلام لسيده بالثمن إن شاء" يعني إذا طلب منه ثمن يؤثر الغلام عليه، لا شك أنه يقدم شراءه بالثمن، وإن طلب منه ثمن أكثر مما يستحقه فالمسألة ترجع إليه.
"قال مالك في أم ولد من المسلمين حازها المشركون، ثم غنمها المسلمون، فقسمت في المقاسم، ثم عرفها سيدها بعد القسم: إنها لا تسترق" أم ولد، أعتقها ولدها، فهي حرة "أنها لا تسترق، وأرى أن يفتديها الإمام لسيدها" هذا الأصل أن تفدى من بيت المال "فإن لم يفعل فعلى سيدها أن يفتديها ولا يدعها" لا يدعها تسترق أو تباع وتشترى لأن ولدها أعتقها "ولا أرى للذي صارت له أن يسترقها" ما دام ثبت عنده أنها أم ولد "ولا يستحل فرجها" لأن حكمها حكم الحرة "وإنما هي بمنزلة الحرة؛ لأن سيدها يكلف أن يفتديها إذا جرحت" يعني وقع منها جناية جنايتها على سيدها، ولو لم تكن أم ولد وجرحت وجنت أرش الجناية على من؟ نعم؟ على السيد "ما لم تكن أكثر من قيمتها" فيخير المجني عليه إما أن تأخذها أو تأخذ ما يعادل قيمتها، أما إذا كانت الجناية أرش الجناية أكثر من قيمتها فلا يكلف السيد بأن يدفعها ويدفع زيادة عليها "فهذا بمنزلة ذلك، فليس له أن يسلم أم ولده تسترق ويستحل فرجها".
"وسئل مالك عن الرجل يخرج إلى أرض العدو في المفاداة، أو في التجارة فيشتري الحر أو العبد" يعني وجد شخص يباع، يحرج عليه، وجد شخص من المسلمين يباع، يتركه وإلا ما يتركه؟ وهو قادر لا يتركه، يفتديه "أو يوهبان له" يقال: هؤلاء مسلمين وأنت مسلم أنت أولى بهم "فقال: أما الحر فإن ما اشتراه به دين عليه ولا يسترق" الحر إذا كان مسلم ولو غصبه كفار، أو أسره كفار وباعوه لا يملك بهذا العقد، ولا يسترق، لكن لو كان كافراً، وجد في بلاد الكفار شخص يحرج عليه، من يشتري من يسوم في الحراج، ثم اشتراه، يملك وإلا ما يملك؟ يعني لو وجد كافر يبيع ولده في بلاده، في بلاد الكفر، هل يجوز للمسلم أن يشتريه أو لا؟ نعم؟ يبيع ولده؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .(91/15)
وشيخ الإسلام يرى أنه يجوز شراءه على أنه رقيق، وعموم حديث: ((ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، من باع حراً فأكل ثمنه)) نعم؟
طالب: يمنع.
يمنع، لكن شيخ الإسلام له كلام مفصل في هذا، وتوسع في هذه المسألة -رحمه الله-.
قال: "وسئل مالك عن الرجل يخرج إلى أرض العدو في المفاداة أو في التجارة فيشتري الحر أو العبد، أو يوهبان له، فقال: أما الحر فإنما اشتراه به دين عليه" دين على الحر نفسه، يسدده، ولا يسترق "وإن كان وهب له فهو حر، وليس عليه شيء" لأنه أخذه بغير ثمن، فيرسله بغير ثمن "إلا أن يكون الرجل أعطى فيه شيئاً مكافأة" يعني ليست قيمة، وإنما هي مكافأة "فهو دين على الحر" يعني هذه المكافأة دين على الحر، أهداه كافر لمسلم ومن باب المكافأة أعطاه مثلاً سيارة وإلا شيء ينتفع به، فقيمة هذه السيارة دين على هذا الحر، "بمنزلة ما اشتري به، وأما العبد فإن سيده الأول مخير فيه إن شاء أن يأخذه ويدفع إلى الذي اشتراه ثمنه فذلك له، وإن أحب أن يسلمه أسلمه" يعني يتركه، لا سيما إذا طلبت منه قيمة لا يستحقها، أو دفع فيه قيمة أكثر من ثمنه الحقيقي "وإن كان وهب له فسيده الأول أحق به، ولا شيء عليه إلا أن يكون الرجل أعطى فيه شيئاً مكافأة" يعني كالحر "فيكون ما أعطى فيه غرماً على سيده إن أحب أن يفتديه" كما تقدم في الحر، نعم.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في السلب في النفل(91/16)
حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة بن ربعي -رضي الله عنه- أنه قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، قال: فرأيت رجلاً من المشركين قد علا رجلاً من المسلمين، قال: فاستدرت له حتى أتيته من ورائه، فضربته بالسيف على حبل عاتقه، فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، قال: فلقيت عمر بن الخطاب فقلت: ما بال الناس؟ فقال: أمر الله، ثم إن الناس رجعوا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه)) قال: فقمت ثم قلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال: ((من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه)) قال: فقمت ثم قلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال ذلك الثالثة، فقمت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما لك يا أبا قتادة؟ )) قال: فاقتصصت عليه القصة، فقال رجل من القوم: صدق يا رسول الله، وسلبَ ذلك القتيل.
وسلبُ.
أحسن الله إليك.
وسلبُ ذلك القتيل عندي فأرضه عنه يا رسول الله؟ فقال أبو بكر: لا هاء الله، إذاً لا يعمد إلى أسد من أَسد الله ...
أُسد، أُسد.
أحسن الله إليك.
إذاً لا يعمد إلى أسد من أُسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صدق فأعطه إياه)) فأعطانيه، فبعت الدرع فاشتريت به مخرفاً في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام.
وحدثني مالك عن ابن شهاب عن القاسم بن محمد أنه قال: سمعت رجلاً يسأل عبد الله بن عباس عن الأنفال، فقال ابن عباس: الفرس من النفل، والسلب من النفل، قال: ثم عاد الرجل لمسألته، فقال ابن عباس ذلك أيضاً، ثم قال الرجل: الأنفال التي قال الله في كتابه ما هي؟ قال القاسم: فلم يزل يسأله حتى كاد أن يخرجه، ثم قال ابن عباس: أتدرون ما مثْل هذا؟
مثَلها.
أحسن الله إليك.
ثم قال ابن عباس: أتدرون ما مثل هذا؟
مثَل، مثَل.
أحسن الله إليك.
مثَل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب.(91/17)
قال يحيى: وسئل مالك عمن قتل قتيلاً من العدو أيكون له سلبه بغير إذن الإمام؟ قال: لا يكون ذلك لأحد بغير إذن الإمام، ولا يكون ذلك من الإمام إلا على وجه الاجتهاد، ولم يبلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قتل قتيلاً فله سلبه)) إلا يوم حنين.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في السلب في النفل
الإمام إذا رأى تشجيع المجاهدين على القتال يقول مثل هذا: ((من قتل قتيلاً فله سلبه)) ليجتهد الناس، ومن أهل العلم من يرى أنه ليس له أن يقول ذلك في أول الأمر لئلا تسوء النيات، ويكون القتال من أجل الدنيا، يقول هذا في آخر الأمر أو في أثنائه بعد أن يخرج الناس في سبيل الله لا يخرجهم إلا الجهاد، فإذا رأى الإمام أن مثل هذا الإغراء يدفعهم ويزيد في نشاطهم، ففعله النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم حنين.
قال: "ما جاء في السلب في النفل" السلف في النفل يعني في القدر الزائد على الغنيمة، يعني هو الأصل أنه جزء من الغنيمة؛ لأنه لا يدرك إلا بالقتل، وما يدرك بالقتل هو من الغنيمة هذا في الأصل، إذاً ما معنى قوله: باب ما جاء في السلب في النفل؟
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه بقتال، أخذ بقتال، بقتل.
طالب:. . . . . . . . .
لا، بس لا ينطبق عليه النفل.
طالب:. . . . . . . . .
يطلق النفل ويراد به الغنيمة والعكس.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة الحارث بن ربعي أنه قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حنين" عام حنين بعد الفتح سنة ثمان "فلما التقينا كانت للمسلمين جولة" يعني اختلط الأمر في أول الأمر لا شك أن كفة المسلمين راجحة، ثم بعد ذلك حصل ما حصل من اضطراب، ثم انهزم بعض المسلمين، وثبت النبي -عليه الصلاة والسلام- ونفر معه.(91/18)
قال: "فرأيت رجلاً من المشركين قد علا رجلاً من المسلمين" يعني صعد عليه، وجلس فوقه، أو افترشه "علا رجلاً من المسلمين، قال: فاستدرت له" يعني جئته من الخلف "فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه" يعني بين المنكب والعنق "فأقبل علي" ترك المسلم الذي تحته، فأقبل على الذي ضربه بالسيف، قال: "فضمني ضمة" وهو أبو قتادة وهو فارس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت" لأن من كان في هذه الحالة، من أصيب بأمر عظيم يعني يتضاعف نشاطه، يقول: "وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت" لأن الضربة قاتلة "فأرسلني" أطلقني "قال: فلقيت عمر بن الخطاب فقلت: ما بال الناس؟ فقال: أمر الله" أمر الله قدره، أمر الله وسنته أنه إذا حصلت المخالفة حصلت الهزيمة "أمر الله، ثم إن الناس رجعوا" عادوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد ثبت، وهو أشجع الناس -عليه الصلاة والسلام- "ثم إن الناس رجعوا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قتل قتيلاً له عليه بينة)) " ليقطع الطريق على الدعاوى المجردة ((ولو أعطي الناس بدعواهم لادعى أناس أموال آخرين ودماءهم)).
((من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه)) يعني ما عنده، أو ما معه، ما معه مما يستعين به على القتال، أو ما معه مطلقاً يعني من ذهب أو فضة أو نقود أو متاع أو طعام، أو مما يستعين به على القتال من سيف ودرع ونحوه، والعلماء يختلفون في هذا.
طالب:. . . . . . . . .
هو الأصل في العموم سلب مثل غيره.
قال: "فقمت" يعني ما يمكن أن يسلب منه، كل ما يمكن أن يسلب منه يسمى سلب بالمعنى الأعم، ومنهم من يخصه بما يستعان به على القتال.(91/19)
قال: "فقمت ثم قلت: من يشهد لي؟ " يريد بينة لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ربط ذلك بالبينة "ثم قلت: من يشهد لي؟ ثم جلست" ما شهد له أحد، إما لخفاء الأمر على الجميع إلا على من أخذ السلب؛ لأنه يعرف أن السلب له؛ لأنه بعد أن قتله أخذ السلب شخص آخر "قال: ثم قلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: ((من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه)) قال: فقمت، ثم قلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال ذلك الثالثة، فقمت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما لك يا أبا قتادة؟ )) " كأنه لم يسمع قول أبي قتادة: "من يشهد لي؟ " يرى قيامه وجلوسه ((ما لك يا أبا قتادة؟ )) يعني تقوم وتجلس " ((ما لك يا أبا قتادة؟ )) قال: فاقتصصت عليه القصة، فقال رجل من القوم: صدق يا رسول الله، وسلب" يعني هو الذي قتله، صدق يا رسول الله في دعواه أنه قتل "وسلبُ ذلك القتيل عندي" الآن بعد أن اقتص عليه القصة على النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه وجد رجلاً من المشركين علا رجل من المسلمين فابتدره فضربه بين كذا وكذا ... إلى آخره، قص القصة كاملة، لكنه لم يجد بينة، طيب من يشهد لي؟ شهد له هذا الذي استولى على السلب "فقال: صدق يا رسول الله، وسلب ذلك القتيل عندي" يعني هل يكفي شاهد واحد؟ أو هذا الشاهد مع وجود السلب بيده، يعني لو وجد السلب بيد آخر، ثم شهد لأبي قتادة واحد، قلنا: ما يكفي، هذا بينة غير كافية، لكن شهد له من بيده السلب، فهذه قرينة على صدق شهادته، فهذه الشهادة قبولها باعتبار أنها مصلحة للشاهد أو ليست مصلحة له؟، ليست مصلحة له، فتقبل من هذه الحيثية.(91/20)
"صدق يا رسول الله، وسلب ذلك القتيل عندي، فأرضه عني يا رسول الله" يعني اترك السلب لي، وأرضه بما شئت، فقال أبو بكر: "لا هاء الله" يعني لا والله "إذاً لا يعمد إلى أسد من أسد الله" وفي هذا شهادة لأبي قتادة، وأنه أسد، شهد له خير الأمة بعد نبيها، وأقره النبي -صلى الله عليه وسلم-، في بعض الروايات: قال عمر: لا هاء الله، إذاً يعمد إلى أسد من أسد الله ... إلى آخره، يقاتل عن الله ورسوله، فشهادة أبي بكر وعمر، وإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أنه وسام شرف بالنسبة لأبي قتادة، ومنقبة عظيمة له، لكن الذي في الصحيحين الذي شهد له أبو بكر.
"يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه" يعني على أي أساس تأخذ السلب أنت؟ يعني في مقابل هذا أنك مجرد استوليت ... ، فوجدته فأخذته على رجل ميت؟! ما يكفي "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صدق فأعطه إياه)) " أعط أبي قتادة لأنه يستحق بهذا الوعد ((من قتل قتيلاً فله سلبه)) يعني هل قال النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا قبل القتل أو بعده؟ وهل يستحق هذا السلب قبل هذا الوعد أو بعده؟ الأصل بعده، الأصل أنه لا يستحق إلا بعد هذا، والسلب أو القتل حصل قبل هذا الإغراء، فهل يستحق أبو قتادة هذا السلب قبل أن يصدر الحكم؟ نعم؟ هو الآن القتل قبله وإلا بعده؟
طالب:. . . . . . . . .
القتل قبل.
طالب:. . . . . . . . .
هم ما كانوا يعرفون، هل يقال مثلاً: إن الحكم قد استقر عند النبي -عليه الصلاة والسلام- وأخره إلى الحاجة؟ نعم؟ أو نقول: إن التشريع الآن فما كان قبله لا يستحقه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(91/21)
لأنه قال: " ((صدق، فأعطه إياه)) فأعطانيه، فبعت الدرع فاشتريت به مخرفاً" الدرع يشترى به بستان؟! مخرف بستان سمي لأنه يخترف ويجتنى منه الثمر، ومنهم من يقول: هي آلة الاختراف التي يجتنى بها الثمر، قيمة الدرع، ولا شك أن السلع تتفاوت أقيامها من وقت إلى آخر، قد تشتري بيت بثوب، وقد يشترى بالبيت الألوف المؤلفة من الثياب، يعني من الطرائف من المؤرخين المعاصرين قال: في هذه السنة تيسرت الكتب وطبعت ووردت إلينا بكثرة، إلا أنها غالية، أقيامها غالية، فقد بيع جامع العلوم والحكم باثني عشر ريالاً، يعني من الفضة، يعني أضعاف قيمته الآن، باثني عشر ريالاً، ثم بيع مرة أخرى، يعني نفس النسخة باثني عشر ريالاً، ووزنتين من القهوة، وثوب وشماغ، الآن قيمة جامع العلوم والحكم النسخة العادية بعشرة بعشرين ريال ما تزيد، لكن اثني عشر ريال فضة فضة ما هي بالورقية، فلا شك أن الأقيام تتفاوت، والبيوت بيعت بأبخس الأثمان، والأراضي لا قيمة لها البتة قبل؛ لأن ما فيها مشاحة، كل يخط على كيفه، ما فيها مشاحة، الكلام في البيوت الذي يباع البيت بعشرة بعشرين ريال، وقد يباع بأقل، وقد يؤجر البيت بريال واحد، ثم بعد ذلك تغيرت أقيامها؛ لأنه قد يقول قائل: كيف الدرع ببستان؟ قد يصل الأمر في بعض الأوقات إلى أن الدرع يشترى به بأكثر من بستان وقد يكون العكس، ولذلك يختلف الشراح إيش معنى المخرف؟ بعضهم يقول: هو ما يخترف به، الآلة يعني، مخلب مثلاً، شبه المنشار، هذا معروف عند الفلاحين، قيمته زهيدة، وبعضهم يقول: ما اخترف من ثمرة هذا العام مثلاً، وبعضهم يقول: المخرف البستان.
"فاشتريت به مخرفاً في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته" يعني اقتنيته وملكته "في الإسلام".(91/22)
قال: "وحدثني مالك عن ابن شهاب عن القاسم بن محمد أنه قال: سمعت رجلاً يسأل عبد الله بن عباس عن الأنفال، فقال ابن عباس: الفرس من النفل، والسلب من النفل، قال: ثم عاد الرجل لمسألته" سأل مرة ثانية، ما اقتنع بالجواب الأول "ثم عاد الرجل لمسألته، فقال ابن عباس ذلك أيضاً، ثم قال الرجل: الأنفال التي قال الله في كتابه ما هي؟ " وكأن ابن عباس فهم من حال هذا السائل أنه لا يسأل للاستفادة، وإنما يسأل لإظهار التعالم أو لإعنات المسئول "فلم يزل يسأله حتى كاد أن يخرجه، ثم قال ابن عباس: أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب" جاء يسأل عمر بن الخطاب فعرف عمر بن الخطاب أنه ليس قصده الإفادة فضربه ثم نفاه إلى الكوفة، وأمر الناس بهجرانه، لا يجلس إليه؛ لئلا يؤثر عليهم، كتب إلى أبي موسى: انظر إلى فلان صبيغ لا يجلس إلى أحد ولا يجلس إليه أحد، إلى أن حسنت حاله فيما بعد، ثم فك عنه هذا الحصار.
قال: "وسئل مالك عمن قتل قتيلاً من العدو أيكون له سلبه بغير إذن الإمام؟ قال: لا يكون ذلك لأحد بغير إذن الإمام" وهذا يرد أيضاً على سلب أبي قتادة، يعني القتل حصل قبل إذن الإمام، وقبل أن يحصل هذا الإغراء، وعلى كل حال ما دام الذي أعطاه إياه، وصدقه هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا اعتراض لأحد.(91/23)
قال: "لا يكون ذلك بغير إذن الإمام" لأنه لو ترك الناس يتصرفون لأصبحت الأمور فوضى، يعني بعض المكاتب، وبعض أئمة المساجد، وبعض المشرفين على المراكز وغيرها، يقول: من يجمع لنا من الزكاة وله نصيب العامل عليها، هذا ليس لكل أحد، هذا للإمام، أو من يأذن له الإمام، وإلا صارت المسألة فوضى، من يقدر النصيب، ومن يقدر الحاجة ومن ... ؟ لا لا هذا ليس لأحد إلا للإمام أو من ينيبه الإمام "لا يكون ذلك لأحد بغير إذن الإمام، ولا يكون ذلك من الإمام إلا على وجه الاجتهاد" لأن من جعل له أمر لا مصلحة له فيه خاصة، من وكل إليه أمر من الشرع لا مصلحة له فيه خاصة بل مصلحته فيه عامة إنما يكون ذلك حسب الاجتهاد لا التشهي، ولذا قال -عليه الصلاة والسلام- لما غسل النساء ابنته زينب، قال: ((اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر إن رأيتن)) يعني إن رأيتن المصلحة تدعو إلى ذلك، لا مرد ذلك إلى التشهي.
قال: "ولم يبلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قتل قتيلاً فله سلبه)) إلا يوم حنين".
يعني إنما يقال مثل هذا عند الحاجة الماسة إليه، يعني لما رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- أن أمر المسلمين قد اختل واضطرب قال مثل هذا ليحرص المقاتلون على مثل هذا، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(91/24)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب الجهاد (3)
باب: ما جاء في إعطاء النفل من الخمس - باب: القسم للخيل في الغزو - باب: ما جاء في الغلول - باب: الشهداء في سبيل الله.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في إعطاء النفل من الخمس
حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب أنه قال: كان الناس يعطون النفل من الخمس.
قال مالك -رحمه الله-: وذلك أحسن ما سمعت إلي في ذلك.
وسئل مالك عن النفل هل يكون في أول مغنم؟ قال: ذلك على وجه الاجتهاد من الإمام، وليس عندنا في ذلك أمر معروف موقوف إلا اجتهاد السلطان، ولم يبلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نفل في مغازيه كله، وقد بلغني أنه نفل في بعضها يوم حنين، وإنما ذلك على وجه الاجتهاد من الإمام في أول مغنم وفيما بعده.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في إعطاء النفل من الخمس
عرفنا أن النفل هو واحد الأنفال مما يحصل عليه المسلمون من غير قتال بخلاف الغنيمة التي يحصل عليها بعد القتال.
يقول: من الخمس؛ لأن الغنيمة إنما يستحقها الغانمون جميعاً لا يخص بها بعضهم.
النَفَل أو النْفل يضبط كذا وكذا، هذه الزيادة على ما يستحقه الغازي والمجاهد على نصيبه من الغنيمة، إنما يكون لزيادة بلائه وغنائه في الحرب –الجهاد- يزاد على سهمه من الغنيمة التي يستحقها الجميع بالتساوي، هذا من الخمس؛ لأنه إذا أعطي من أصل الغنيمة صار بعضهم أكثر من بعض فيما يجب أن يساووا فيه؛ لأنهم غنموه مجتمعين.(92/1)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب أنه قال: كان الناس يعطون النفل من الخمس" من الخمس، والسبب في هذا أن الغنيمة وهي ما يحصل عليه الجيش والمجاهدون بالقتال وعلى هذا يستوون فيها، ولا يقال: إنه يسبر حال كل واحد من المجاهدين فبقدر غنائه وبلائه في هذه المعركة يعطى، منهم من يعطى ضعف ما يعطى غيره، ومنهم من يعطى أقل، ومنهم من يعطى أكثر؛ لأن هذا لا ينضبط، هذا لا يمكن ضبطه، ثم بعد ذلك تدخل فيه الحظوظ عند القسم، ويتهم من يقسم بأنه مال أو جار، وكذلك لا يبرأ من يقسم حاشا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، من أن لا يوفق للعدل إذا لم يكن بالتساوي، إذا قيل: والله فلان اليوم عن عشرة، وفلان لا يستحق إلا شيئاً يسيراً؛ لأنا ما رأينا منه شيء اليوم، مثل هذه الأمور لا يمكن ضبطها، فيتشوف الناس إلى الزيادة، ويصير في نفس من نقص وأيضاً المراقبة الدقيقة في مثل هذه الظروف غير ممكنة، ولا يمكن ضبطها، وأيضاً الإمام بشر قد يصله من المعلومات غير الدقيقة ما يقتضي زيادة بعضهم على بعض، ولذا يجب التسوية بينهم، بين الغانمين، ولو كان بعضهم أكثر بلاءً من بعض، أما بالنسبة للنفل الذي يعطيه الإمام قدر زائد على الغنيمة فهذا من الخمس الذي جعله الله لنبيه يتصرف فيه.
"قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت إلي في ذلك" ولا شك أن مثل هذا يحقق المصالح ولا يترتب عليه مفاسد.
قال: "وسئل مالك عن النفل هل يكون في أول مغنم؟ " يعني هل يكون في أول مغنم أو في آخره أو في أثنائه؟ قال: "ذلك على وجه الاجتهاد للإمام" يعني إذا رأى الإمام أن يشجع بعض الناس في أول الأمر له ذلك، وإن رأى تشجيع بعضهم في أثنائه له ذلك، وإن رأى أنه في آخر الغزو، في آخر الجهاد خشية أن يمل الناس وتضعف الهمم أراد أن ينفل بعضهم لغنائه وبلائه في المعركة له ذلك.(92/2)
قال: "ذلك على وجه الاجتهاد من الإمام، وليس عندنا في ذلك أمر معروف موقوف" يعني بحيث لا يتعدى، محدد لا يزيد ولا ينقص، ولا يتقدم ولا يتأخر، ليس في هذا ما يدل عليه إلا اجتهاد السلطان "ولم يبلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نفل في مغازيه كلها" يعني زاد "في مغازيه كلها إلا في حنين" ولا شك أن ظرف حنين يشبه أحد بحيث فر المسلمون من وجه العدو، وتركوا النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أراده الله -جل وعلا- من هزيمة في أول الأمر، ثم كانت العاقبة للمتقين.
قال: "وقد بلغني أنه نفل في بعضها يوم حنين، وإنما ذلك على وجه الاجتهاد من الإمام" الإمام موكول إليه هذا الأمر ومنوط به، واجتهاده تحقيقاً للمصلحة، يعني إذا وكل مثل هذا الأمر للإمام فإنه لا يجوز له أن يحكم فيه بالتشهي، بل لا بد من تحري المصلحة العامة، وكثير من الأمور الشرعية مما لا نص فيه يرد في ذلك إلى المصالح، مصالح المسلمين العامة، وبعضهم يخلط في هذا الأمر، ويختلط عليه المصالح الخاصة مع المصالح العامة، لكن في مثل هذه الأبواب على وجه الخصوص التي فيها ما فيها من إزهاق النفوس لا بد أن ينظر فيه إلى مصلحة الإسلام قبل مصلحة أي أحد كائناً من كان.
يقول: "وإنما ذلك على وجه الاجتهاد من الإمام في أول مغنم وفيما بعده" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو أربعة أخماسه للغانمين معروف، وخمسه كما جاء لله ولرسوله ... إلى آخره، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: القسم للخيل في الغزو
حدثني يحيى عن مالك أنه قال: بلغني أن عمر بن عبد العزيز كان يقول: للفرس سهمان، وللرجل سهم. قال مالك -رحمه الله-: ولم أزل أسمع ذلك.
قال يحيى: وسئل مالك عن رجل بأفراس كثيرة ...
يحضر بأفراس كثيرة.
أحسن الله إليك.
قال يحيى: وسئل مالك عن رجل يحضر بأفراس كثيرة فهل يقسم لها كلها؟ فقال: لم أسمع بذلك، ولا أرى أن يقسم إلا لفرس واحد الذي يقاتل عليه.(92/3)
قال مالك: لا أرى البراذين والهجن إلا من الخيل؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال في كتابه: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [(8) سورة النحل] وقال -عز وجل-: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ} [(60) سورة الأنفال] قال مالك: فأنا أرى البراذين والهجن من الخيل إذا أجازها الوالي، وقد قال سعيد بن المسيب: وسئل عن البراذين هل فيها من صدقة؟ فقال: وهل في الخيل من صدقة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: القسم للخيل في الغزو
الغزاة إما ركبان وإما رجال مشاة، والركبان إما أن يكونوا على الخيل أو على الإبل، ولكل حكمه، القسم للخيل .. ، الراجل معروف له سهم، ولا يستحق أكثر من ذلك، أسوة بغيره، والإبل تختلف عن الخيل، والخيل التي فيها النص حيث أعطي صاحب الخيل الذي يغزو على فرس ثلاثة أسهم، والراجل سهم واحد، للفارس سهم، وللفرس سهمان، هذا قول جمهور أهل العلم لما دلت عليه الأحاديث الصحيحة.
أبو حنيفة -رحمه الله- يرى أنه للفرس سهم واحد ولصاحبه سهم، ويقول: لا أفضل حيوان على إنسان مسلم،
هذا ليس من باب تفضيل الحيوان، وإنما تفضيل لصاحبه، معروف أن الجهاد مما يحقق النصر فيما يتعلق في المال والإنفاق في سبيل الله أكثر النصوص تدل عليه، أكثر من جهاد النفس، الجهاد بالمال دلت النصوص عليه أكثر مما دل على الجهاد بالنفس، ما يدل على أن الآلة لها دور كبير، والخيل على وجه الخصوص خير ما يعين على القتال، وفي حكهما المستحدثات من الآلات التي يفاد منها في هذا الباب.
أبو حنيفة يقول: الفارس له سهم، والفرس له سهم، يعني لا يمكن أن يفضل حيوان على إنسان مسلم، لكن لو نظرنا إلى النفع في هذا الباب بلا شك أن الفارس يمكن عن عشرة مشاة، الرجل الذي على فرس يكون عن عشرة مشاة، فلا شك أن هذه القسمة قسمة شرعية، ولا اعتراض لأحد عليها، ولا اجتهاد مع النص، فيقسم للفرس سهمان، وللرجل سهم إن كان معه فرس حوز ثلاثة أسهم، وإن كان بدونه فسهم واحد.(92/4)
قال: "حدثني يحيى عن مالك أنه قال: بلغني أن عمر بن عبد العزيز كان يقول: للفرس سهمان، وللرجل سهم" في الصحيحين مالك عن نافع عن ابن عمر الحديث معروف، لكن هذه طريقة مالك في إيثار المقاطيع والمراسيل على الموصولات، فتجد الحديث مخرج في الصحيحين من طريق مالك، موصول، وتجده في موطئه مرسل؛ لأنه يحتج بهذه المراسيل، يحتج بها.
واحتج مالك كذا النعمانُ ... به وتابعوهما ودانوا
فتجده إذا وصل إلى التابعي انتهى خلاص، ما يضر البقية، يحذف الصحابي أو يذكر ما في إشكال.
على كل الخبر صحيح، ولا إشكال فيه، وهو في الصحيحين.
"وسئل مالك عن رجل يحضر بأفراس كثيرة" شخص سمع هذا الكلام للفرس سهمان، وللفارس يسهم يقول: ما دام الفرس له سهمان، آخذ معي مائة من أجل أن يأخذ مائتي سهم وسهم، مائتي سهم للمائة، وسهم، ولا شك أن مثل هذه إذا أعدها وربطها للجهاد في سبيل الله أن أجره عظيم عليها، لكن هل يقسم له في فرس لم يباشر به القتال؟ يقول: "وسئل مالك عن رجل يحضر بأفراس كثيرة فهل يقسم لها كلها؟ فقال -رحمه الله-: لم أسمع بذلك" يعني ما حصل هذا، ولم يصير فيه حكم، وإنما هو الأصل الاجتهاد، اجتهاد الإمام.
قال: "ولا أرى أن يقسم إلا لفرس واحد" الذي فيه النص، الذي يقاتل عليه الفارس.
"قال مالك: لا أرى البراذين والهجن إلا من الخيل" البراذين واحد البرذون، وهو نوع من الخيل جافي الخلقة يستعمل في السير في الأماكن الوعرة، ولحمل الأثقال، هذا البرذون، وهذا ما ذكره شارح القاموس نقلاً عن شارح العراقية، شارح القاموس نقله عن شارح العراقية، يعني عن السخاوي شارح ألفية العراقي، شارح القاموس الزبيدي نقله عن السخاوي، قال: وقال شارح العراقية كذا؛ لأنه مر في المصطلح في الجرح بغير جارح قول شعبة: "رأيته يركض على برذون" هذا غير جارح، ثم عرف البرذون ولا يوجد له تعريف غير هذا، يعني حسب التتبع ما وجدنا غير هذا، فشارح القاموس استفاده من السخاوي، ومن جاء بعدهم استفاده من شرح القاموس؛ لأنه هو المظنة، في واحد يروح إلى فتح المغيث يبحث معنى البرذون هو مظنة.
"لا أرى البراذين والهجن" الهجين، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(92/5)
لا، لا الهجين الذي أبوه عربي وأمه ليست عربية، الهجين الفرس الذي أبوه عربي وأمه ليست عربية، والمقرف بالعكس، ويكون هذا أيضاً في بني آدم، قد يطلق على بني آدم إذا كانت الأم عربية والأب غير عربي أو العكس قد يطلقون عليه مثل هذا.
طالب:. . . . . . . . .
لا، الآن إدخال البراذين والهجن مع الخيل؛ لأنها لو كانت غيرها لنص عليها.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لكن شوف عطفها عليها في الآية: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [(8) سورة النحل] ما قال: والخيل والبراذين والهجن، لا، العطف هنا يقتضي المغايرة، الخيل ما نص على البراذين دل على أنها تدخل في الخيل، ما نص على الهجن باعتبار أنها تدخل، لكن البغال غير، والحمير غير، هذه وجهة قول مالك: لا أرى البراذين والهجن إلا من الخيل؛ لأنها لو كانت من غيرها لعطفت عليها كما عطفت البغال والحمير.
قال: "لأن الله -تبارك وتعالى- قال في كتابه: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [(8) سورة النحل] " وبهذا يستدل الإمام أبو حنيفة على عدم أكل لحوم الخيل، يقول: إن الله -جل وعلا- امتن بركوبها والتزين بها، ولو كانت مما يؤكل لامتن بأكلها؛ لأن الأكل أعظم وجوه الانتفاع، هذه حجته، لكن بالنسبة للخيل أعظم وجوه الانتفاع الركوب وإلا الأكل؟ الركوب بلا شك، لأن الفائدة منها في الركوب أكثر منها في الأكل، لو كانت أعظم وجوه الانتفاع فيها الأكل ما صار لها ميزة، ((والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)) جمل أفضل من خيل، وتجد الخيل يباع بأضعاف كثيرة عن الجمل، فبهيمة الأنعام أعظم وجوه الانتفاع بها هو الأكل، وأما بالنسبة للخيل والبغال والحمير فالانتفاع بها إنما يكون بالركوب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(92/6)
لا، هذا مذهب أبي حنيفة، لكن ما يلزم أن يكون من رآه من أهل تلك الجهات على مذهب أبي حنيفة، ما يلزم أن يكون أهل البلد كلهم على مذهب واحد، ولما دخل نيسابور وصلى معهم ورأوه لا يقبض يديه اتهموه بالرفض، فأقاموا له وليمة وذبحوا له أرنب، فلما أكل قالوا: تأكل أرنب وأنت شيعي؟! قال: لا، أنا لست بشيعي، قالوا: لماذا لا تقبض؟ قال: أنا مالكي، الله المستعان.
وقال -عز وجل-: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] جاء تفسير القوة في الحديث الصحيح: ((ألا إن القوة الرمي)) ولا شك أن هذا تنصيص على بعض الأفراد، واللفظ أعم، ولا يقتضي تخصيص، إنما ذكره للاهتمام به والعناية بشأنه، {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ} [(60) سورة الأنفال] فالخيل لا شك أن لها أثر كبير في هذه المواطن، {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ} [(60) سورة الأنفال] تخوفونه به، لا شك أن الخيل لها هيبة، لها هيبة في القلوب، يخوف بها العدو، وكذلك القوة، الذي لا قوة له لا يهاب، الذي لا قوة عنده لا يهاب، بل يتسلط عليه أضعف الناس، إذا عرف أنه ما عنده قوة تسلطوا عليه.
قال: "فأنا أرى البراذين والهجن من الخيل إذا أجازها الوالي" يعني رد ذلك إلى اجتهاد الوالي، السلطان، القائد "وقد قال سعيد بن المسيب وسئل عن البراذين هل فيها من صدقة؟ فقال: وهل في الخيل من صدقة؟ " إذا كان الخيل ليس فيها صدقة فالبراذين مثلها؛ لأنها نوع منها، خلافاً لمن يرى الزكاة في الخيل، وهو مذهب من؟ مذهب أبي حنيفة، والجمهور على أنه لا زكاة فيها إلا إذا أعدت للتجارة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
حتى لو باشرت ....
طالب:. . . . . . . . .
لكن النص جاء في الفرس وصاحبه، النص جاء للفرس وصاحبه.
طالب:. . . . . . . . .
أنت افترض أن معه عشرة يعتقبها، ما أعطاها شخص يقاتل عليها.
طالب:. . . . . . . . .
اللي باشر أعطي هذا المقاتل على شان إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(92/7)
لا، لا، أنت خرجت بعشرة أفراس، أو زيد من الناس خرج بعشرة أفراس من أجل أن يقسم لها، لا أكثر ولا أقل؛ لأنه لن يقاتل عليها كلها، إذا كان يتناوب واحد ويتعاقب واحد دون الثاني هذه في حكم الواحد ما في إشكال، لكن إذا خرج بها من أجل أن يقسم لها، فرق بين أن تكون عنده وتطلب من قبل الإمام كما تطلب الآلات وغيرها، فيعطى عليها أجرتها فقط، وأما كونه يخرج بها بنية أن يقسم لها ويقول: اخرج يا فلان تعال هذا فرس، وأنت على ... ، لا ما يصلح.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن أخرجه لله أو للمغنم في الأصل، يعني في الأصل الباعث له ...
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال هذا رأي الإمام، وله وجه.
اقرأ.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في الغلول
وحدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين صدر من حنين، وهو يريد الجعرانة سأله الناس حتى دنت به ناقته من شجرة، فتشبكت بردائه حتى نزعته عن ظهره، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ردوا علي ردائي، أتخافون أن لا أقسم بينكم ما أفاء الله عليكم؟ والذي نفسي بيده لو أفاء الله عليكم مثل سُمُر تهامة)) ...
سَمر، سَمر.
أحسن الله إليك.
((لو أفاء الله عليكم مثل سَمُر تهامة نعماً لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً)) فلما نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام في الناس، فقال: ((أدوا الخياط والمخيِط)) ...
المِخْيَط، المِخْيَط.
أحسن الله إليك.
فقال: ((أدوا الخياط والمخيَط، فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة)) قال: ثم تناول من الأرض وبرة من بعير أو شيئاً، ثم قال: ((والذي نفسي بيده ما لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس، والخمس مردود عليكم)).
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أن زيد بن خالد الجهني قال: توفي رجل من حنين ....
يوم حنين.
أحسن الله إليك.(92/8)
توفي رجل يوم حنين وإنهم ذكروه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فزعم زيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلوا على صاحبكم)) فتغيرت وجوه الناس لذلك، فزعم زيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن صاحبكم قد غل في سبيل الله)) قال: ففتحنا متاعه فوجدنا خرزات من خرز يهود ما تساوين درهمين.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة الكناني أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتى الناس في قبائلهم يدعو لهم، وأنه ترك قبيلة من القبائل، قال: وإن القبيلة وجدوا في بردعة رجل منهم عقد جزع غلولاً، فأتاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكبر عليهم كما يكبر على الميت.
وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام خيبر، فلم نغنم ذهباً ولا ورقاً إلا الأموال الثياب والمتاع، قال: فأهدى رفاعة بن زيد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- غلاماً أسود يقال له: مدْعم، فوجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى وادي القرى، حتى إذا كنا بوادي القرى بينما مدعم يحط رحل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه سهم عائر، فأصابه فقتله، فقال: الناس هنيئاً له الجنة، فقال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذ يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً)) قال: فلما سمع الناس ذلك جاء رجل بشراك أو شراكين إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((شراك أو شراكان من نار)).
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: ما ظهر الغلول في قوم قط إلا ألقي في قلوبهم الرعب، ولا فشا الزنا في قوم قط إلا كثر فيهم الموت، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق، ولا حكم قوم بغير الحق إلا فشا فيهم الدم، ولا ختر قوم بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الغلول
الغلول: الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها.(92/9)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن عبد ربه بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما صدر من حنين" يعني رجع، وفي حكم الغلول الأخذ من الأموال العامة بغير إذن من يملك الإذن، الموظف تجده يأخذ، يأخذ القلم، يأخذ الدفتر، يأخذ الشيء اليسير، قد يستغل إذا كان في مستودع أو في مكان لا يطلع عليه هذا غلول، استعملناه على شيء فليأتنا بقليله وكثيرة، لا يجوز أن يأخذ لنفسه شيئاً إلا بإذن من يملك الإذن، ويتساهل الناس في استعمال الأمور العامة على غير وجهها، وفي غير مصلحة العمل، يتساهلون، الأمور اليسيرة التي لا يستأذن فيها آحاد الناس، وتستعمل بينهم من غير نكير، يعني وقع بقلم، وإلا كتب رقم وإلا شيء، هذا ما يضر، يُسأل كثيراً عن شحن الجوال سواءً كان في مكان الوظيفة، أو في المسجد، أو في غيره، شحن الجوال نجد في المساجد الناس يشحنون جوالاتهم في أيام الاعتكاف وغيرها، هذا كثير، ويرى ذلك في الحرمين بكثرة، فهل يعفى عن مثل هذا الشيء اليسير أو نقول: إن هذا غلول وإن كان قليلاً؟ يعني هل أنت إذا ذهبت إلى فلان من الناس تزوره وأردت أن تشحن جوالك تستأذن وإلا ما تستأذن؟ احتمال يأذن أو ما يأذن؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يتوقع أنه لا يأذن، والغالب أنه لا يحتاج مثل هذا إلى إذن، ولا شك أن الورع في مثل هذه الأمور الترك، لكن إذا احتاج وهو في المسجد يحتاج لذلك، فالأمر أرجو أن يكون فيه سعة، لكن الورع ألا يشحن من المسجد، ولا من محل الدوام إلا بإذن من يملك الإذن، هذا الورع، فالأمر في مثل هذا يسير، لكن ما زاد على
ذلك لا بد من الإذن سواءً كان قليلاً أو كثيراً.(92/10)
بعضهم يستعمل الهاتف ويكلم هناك مكالمات عرف بين الناس التسامح فيها، المكالمات الداخلية تكلم من غير استئذان سهل؛ لأنها لا تكلف، لكن المكالمات الخارجية التي تحتاج إلى صفر، بعض الناس يقول: أنا والله ما أخذت بجيبي شيء، من وزارة التعليم إلى وزارة المواصلات أو وزارة الاتصالات أنا ما أخذت شيء، يعني مجرد من مكان إلى مكان، دراهم انتقلت من مكان إلى مكان، وكلها تبع بيت المال، هل هذا الكلام صحيح؟ لأنا سمعنا مثل هذا، يقول: أنا والله ما أخذت بجيبي شيء، كلام يطير به الهواء، والدراهم إن أخذت من وزارة التعليم إن كان مدرس، أو من وزارة العدل إن كان يعمل في شيء من توابعها إلى وزارة الهاتف سابقاً، أظن ما زالت وزارة الهاتف، الاتصالات ما هي تبع؟
على كل حال دعونا من هذا خلوه على النظام القديم، يعني الآن صارت شركة، يقول: أنا ما صنعت شيء، والله نقلنا ها الدراهم اليسيرة من وزارة العدل إلى وزارة الهاتف، والمصب كله من وزارة المالية، كله من مؤسسة النقد وزارة المالية، يقول: أنا ما أخذت شيء، نقول: لا، أخذت.
طالب:. . . . . . . . .
لكن في الجملة يعني الذي يغذيهم من؟ وزارة المالية تبع مؤسسة النقد، ما راحت بعيد، لكن ما أنا بقرر هذا، أنا أقرر وجهة نظره، أنا أقرر وجهة نظر من سمعت، والإشكال أنه يعني عنده شيء من العلم، لكنه لا يجوز أن يقتدى به في مثل هذا، هذا يبرر لنفسه أن يستعمل الأموال العامة بغير مبرر في مصلحته الخاصة، وهذا ضرب من الغلول، ناهيك عمن يقول: أنا والله هذا نصيبي من بيت المال، وأنا ما وصلني نصيبي ولا كذا ولا كذا، وهذا الكلام يتذرع به كثير من الموظفين، بل غير الموظفين قد يفعل مثل هذا، فنقول: هذا غلول لا بد من إذن من يملك الإذن.
طالب:. . . . . . . . .
رئيسها إن كانت صلاحيته تصل إلى هذا الحد؛ لأن المصالح معروفة، ما من رئيس إلا وفوقه رئيس.
طالب:. . . . . . . . .
هذا ما فيه إشكال، السلطان الأعظم عاد مفروغ منه.
على كل حال الصلاحيات محددة، في كل جهة محددة، يعرفون صلاحياته، يعني الذي يملك إجازة يملك كذا يملك خارج دوام، يملك انتداب، اللي يملك معروف يعني.
طالب:. . . . . . . . .(92/11)
لا، أنت ها الموظف إذا كان يعرف أن هذا ليست من صلاحيات مسئوله المباشر استئذانه مثل عدمه، ما يملك.
طالب:. . . . . . . . .
يعني احتاجها في هذا الظرف، ويضع بدلها ما يساويها من كل وجه، لا شك أن مثل هذا أيضاً تصرف؛ لأنه ما يقدر أن يأخذ من أي واحد من الناس إلا بإذن.
قال: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين صدر من حنين وهو يريد الجعرانة سأله الناس" أن يقسم بينهم ما غنموا، وضيقوا عليه -عليه الصلاة والسلام- من كثرة من يسأل "حتى دنت به ناقته من شجرة، فتشبكت بردائه" وهو ما يستر الجزء الأعلى من البدن، الشجرة هذه فيها شوك، وفيها أشياء يمسك بالرداء "حتى نزعته عن ظهره، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ردوا علي ردائي)) " هاتوا، وبعض الروايات تدل على أنهم هم الذين سحبوا الرداء "فقال: ((ردوا علي ردائي، أتخافون أن لا أقسم بينكم ما أفاء الله عليكم؟ )) " هو -عليه الصلاة والسلام- يعطي عطاء من لا يخشى الفقر في غير هذا الموضع الذي يجب القسمة فيه.(92/12)
" ((والذي نفسي بيده)) " فيه إثبات اليد لله -جل وعلا-، كثيراً ما يحلف النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا، " ((لو أفاء الله عليكم مثل سَمُر تهامة نعماً)) " سمر تهامة فيه كثرة كاثرة، فلو عدد هذه الأشجار من السمر نعماً، إبل وبقر وغنم " ((لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلاً)) " النبي -عليه الصلاة والسلام- أجود الناس، وقد يعطي للتأليف نعماً بين واديين كما فعل -عليه الصلاة والسلام-، وقال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: ((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده دين)) مثل أحد ذهب ((إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا)) فكيف بما أوجب الله قسمته " ((ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً)) " هذه صفات ذميمة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- من أبعد الناس عنها، وهو الصادق المصدوق، وهو أشجع الناس، وأجود الناس -عليه الصلاة والسلام- "فلما نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام في الناس، فقال: " ((أدوا الخياط والمخيط)) " الخياط: هو الخيط، والمخيط الآلة الإبرة التي يخاط بها، ((فإن الغلول عار)) عار في الدنيا ((ونار)) في الآخرة، ((وشنار)) يشمل الأمرين " ((على أهله يوم القيامة)) ثم تناول من الأرض" وفي بعض الروايات: من ناقته "وبرة" واحدة الوبر، وهو ما يغطي جلد الإبل "من بعير أو شيئاً، ثم قال" شيئاً يسير نحو الوبرة أو قريب منها "ثم قال: ((والذي نفسي بيده ما لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه)) " كثير منهم لا يرونها ((ولا مثل هذه)) الوبرة ((إلا الخمس، والخمس مردود عليكم)) الخمس المذكور في سورة الأنفال يرد عليهم أيضاً، والله المستعان.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أن زيد بن خالد الجهني قال: توفي رجل يوم حنين، وإنهم ذكروه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-" في بعض الروايات: يوم خيبر، وقال بعض الشراح: إن حنين مصحفة، والصواب خيبر، بدليل قوله في آخر الخبر: "فوجدنا خرزات من خرز يهود" واليهود إنما هم في خيبر لا في حنين.(92/13)
قال: "وإنهم ذكروه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فزعم زيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلوا على صاحبكم)) " الإمام لا يصلي على غال، ولا على قاتل نفسه، ولا من عليه دين، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- ((صلوا على صاحبكم)) على المدين بثلاثة دراهم، وإن كان فيما بعد قال: ((من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك ديناً فعلي)).
"وإنهم ذكروه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فزعم زيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلوا على صاحبكم)) فتغيرت وجوه الناس لذلك" لأن كل واحد من الحاضرين يظن أنه مثله، يخشى أن يقدم للصلاة، فيقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا على صاحبكم)) ما دامت العلة غير معروفة، فالخوف حاصل.
"فتغيرت وجوه الناس لذلك، فزعم زيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن صاحبكم قد غل في سبيل الله)) " يعني أخذ من الغنيمة قبل قسمتها، قال: "ففتحنا متاعه فوجدنا خرزات من خرز يهود ما تساوين درهمين" الدرهم شيء يسير، أمره يسير الدرهم، إذا نظرنا إلى أن النصاب مائتا درهم، والمائتا درهم تعادل ستة وخمسين بالوزن ريالاً سعودياً من الفضة، والريال من الفضة يعدل الآن بعشرين ريال، إيش تساوي الدرهم؟
طالب:. . . . . . . . .
بهذا الحدود، يعني شيء يسير، ما يسوى مثل هذا الأمر.
طالب:. . . . . . . . .
ويش الدرهم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، النصاب، النصاب نعم، والدرهم الواحد إذا قسمت الألف ومائتين على ... ، على كم؟ على المائتين، الدرهم يعادل خمسة ريال أو خمسة ونصف؛ لأنه ما تصل إلى الألف المائتين.
على كل حال ليس المنظور إليه قدر الجريمة، بقدر ما ينظر إليه لا سيما في هذا الموضع الذي الأصل فيه أن الإنسان يقدم نفسه وماله وجميع ما يملك فداءً لدينه، ثم يكون النتيجة العكس، ولهذا شدد في شأن الغلول.
"فوجدنا خرزات من خرز يهود ما تساوين درهمين".
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا في بعض الروايات، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذه رواية أخرى يعني بعض روايات الموطأ فيها هذا وبعضه هذا؛ لأن الموطأ مروي على روايات كثيرة.(92/14)
قل: "وحدثني عن مالك" على كل حال الخبر موصول في السنن، في السنن عند أبي داود والنسائي وابن ماجه.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة الكناني أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتى الناس في قبائلهم يدعو لهم" يعني جاهدوا معه فيكافئهم -عليه الصلاة والسلام- بالدعاء "يدعو لهم، وأنه ترك قبيلة من القبائل، قال: وإن القبيلة وجدوا" وجدوا في أنفسهم بسبب ترك الدعاء لهم "فبحثوا عن السبب، ووجدوا في بردعة رجل" هي التي تجعل تحت الرحل، قماش يوضع تحت الرحل "منهم عقد جزع" وكثير ما يقال: من جزع ظفار، خرز يؤتى به من عمان "غلولاً، فأتاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكبر عليهم كما يكبر على الميت" هذا الخبر لا يسلم متنه من نكارة، ما أدري مخرج عندكم وإلا؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش قالوا في التخريج؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
نكارة المتن في كونه -عليه الصلاة والسلام- ترك القبيلة بكاملها، مع أن الذي غل واحد، الأمر الثاني أنه كبر عليهم كما يكبر على الميت، كيف يكبر على قبيلة كما يكبر على الميت؟ المتن فيه نكارة بلا شك.
في تخريج غير هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
هين وابن عبد البر يقول: لم أجده مسنداً بوجه من الوجوه.(92/15)
قال: "وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع عن أبي هريرة قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام خيبر، فلم نغنم ذهباً ولا ورقاً إلا الأموال الثياب والمتاع" وبعض الروايات: والثياب والمتاع "إلا الأموال الثياب والمتاع، قال: فأهدى رفاعة بن زيد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- غلاماً أسود يقال له: مدعم" جاء في بعض الروايات أن اسمه: كركرة، ولا يمنع أن تكون قصة أخرى، أو يكون أحدهما اسم والثاني لقب "فوجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى وادي القرى، حتى إذا كنا بوادي القرى" وهو الذي يفصل بين بلاد العرب والشام "حتى إذا كنا بوادي القرى بينما مدعم يحط رحل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه سهم عائر" سهم عائر ما يدرى من أي جهة، "فأصابه فقتله، فقال: الناس هنيئاً له الجنة" لأنه قتل في سبيل الله "فقال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذ يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً)) " وهذا -نسأل الله العافية- يدل على عظم شأن الغلول {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [(161) سورة آل عمران] "قال: فلما سمع الناس ذلك جاء رجل بشراك" السير الذي يوضع على القدم بالنسبة للنعل "أو شراكين إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" قال: خذ، لما سمع الوعيد -نسأل الله العافية- على الغلول، جاء بشراك أو شراكين، لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: ((شراك أو شراكان من نار)) حينما جاء بهما جاء نادماً خائفاً، والندم توبة، فهل معنى هذا أنه مع رده لهما ثبت في حقه الحكم؟ ((شراك أو شراكان من نار)) وأن هذا يثبت في حقه ولو ردهما، وأن الرد لا يقبل في الغلول، يقبل وإلا ما يقبل؟ إذا جاء تائباً نادماً، نعم؟(92/16)
هذا الأصل، القواعد العامة تدل على هذا، وليس بأعظم من أشرك، التوبة تهدم ما قبلها كما في الحديث الصحيح، والندم توبة، أو نقول: إن هذا جاء على جهة الزجر والتشديد في شان الغلول لئلا تسول لأحد نفسه أن يغل، ثم بعد ذلك إن اطلع عليه رد ما غل؟ وقال: إنه تائب، فأريد حسم هذا الباب، ومن أجل ألا تحدث النفس الشخص أن يغل سواءً ردها إن اطلع عليها، أو لم يردها، لكن حسماً لهذا الباب بالكلية.
((شراك أو شراكان من نار)) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني قبل أن يردها يأمره، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مدعم النبي -عليه الصلاة والسلام- ما عرف إلا بعد، نعم؟
شوف يقول: "يقال له: مدعم، فوجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى وادي القرى، حتى إذا كنا بوادي القرى بينما مدعم يحط رحله" هو أخذها بخيبر، وقتل لما قفلوا.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
ما يدري إلا بعد -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، إذا أضمرنا مثل هذا ما سلم لنا شيء.
سم.
طالب:. . . . . . . . .
باعتبار أنه لو لم يردها، يعني لو لم يردها لصارت عليه ناراً مثل الشملة، على كل حال اللفظ محتمل وإرادة المبالغة في التنفير من الغلول ظاهرة.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد".
اتفضل.
طالب: يصرفون له سيارة من العمل ثم يصرفون له حقوق بنزين. . . . . . . . .
لا، لا، يردها على الجهة، يعطيها من أجل أن يستعملها في عمله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ذهابه ورجوعه حكمه سواء، كما في الذهاب إلى الجمعة والرجوع الحكم واحد، إذا كان لا يخرجه إلا الجهاد، ولذلك لما حكموا له بالشهادة ما أنكر عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا من أجل الغلول.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال إذا كان خروجه لا ينهزه إلا الجهاد فإلى أن يرجع إلى بيته فهو مجاهد.
طالب:. . . . . . . . .
باعتبار الظاهر، مع أنه جاء النهي عن الجزم لأحد بالشهادة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هم حكموا عليه باعتبار الظاهر، وجاء ما يدل على إنكار الجزم في نصوص أخرى، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كلا من أجل الشملة لا من أجل الحكم، ويمكن أن البيان سابق.(92/17)
على كل حال نكمل ما عندنا.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عبد الله بن عباس أنه قال: ما ظهر الغلول في قوم قط إلا ألقي في قلوبهم الرعب" ألقي في قلوبهم الخوف والوجل والرعب من العدو بسبب هذه المعصية؛ لأن أخشى ما يخشى على المجاهدين أن تخونهم ذنوبهم، كما كان القواد من الصدر الأول يوصون الجيوش والخليفة والسلطان يوصي القائد أن يحرص على ألا تزاول المعاصي في الغزو؛ لأن هذا خير معين للعدو، فإذا وجد الغلول قذف في قلوبهم الرعب، وإذا وجد الرعب حصلت الهزيمة.
"ولا فشا الزنا في قوم" يعني ظهر "قط إلا كثر فيهم الموت، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق" قطع عنهم القطر من السماء {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [(22) سورة الذاريات] "ولا حكم قوم بغير الحق" يعني بغير ما أنزل الله "إلا فشا فيهم الدم" يعني القتل "ولا ختر قوم" يعني نقضوا عهودهم "ولا ختر قوم بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو" كل هذه محرمات رتبت عليها هذه العقوبات، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: الشهداء في سبيل الله
وحدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده لوددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل، ثم أحيا فأقتل، ثم أحيا فأقتل)).
فكان أبو هريرة يقول ثلاثاً: أشهد بالله.
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد)).
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده لا يُكْلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً، اللون لون دم، والريح ريح المسك)).
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يقول: اللهم لا تجعل قتلي بيد رجل صلى لك سجدة واحدة يحاجني بها عندك يوم القيامة.(92/18)
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن سعيد المقبري عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر أيكفر الله عني خطاياي؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كيف قلت؟ )) فأعاد عليه قوله، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم، إلا الدين، كذلك قال لي جبريل)).
وحدثني عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لشهداء أحد: ((هؤلاء أشهد عليهم)) فقال أبو بكر الصديق: ألسنا يا رسول الله بإخوانهم، أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي)) فبكى أبو بكر، ثم بكى، ثم قال: "أئنا لكائنون بعدك؟! ".
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالساً، وقبر يحفر بالمدينة، فاطلع رجل في القبر، فقال: بئس مضجع المؤمن، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بئس ما قلت)) فقال الرجل: إني لم أرد هذا يا رسول الله، إنما أردت القتل في سبيل الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا مثل للقتل في سبيل الله ما على الأرض بقعة هي أحب إلي أن يكون قبري بها منها)) ثلاث مرات، يعني المدينة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الشهداء في سبيل الله
الشهداء: هم من يقتل في سبيل الله بغزو في الجهاد جهاد الكفار، أو جهاد البغاة، أو المحاربين، أو من يشرع قتالهم، هذا الشهيد الذي هو كما يقول أهل العلم: شهيد الدنيا التي تثبت له أحكام الشهيد بحيث لا يغسل، ويدفن في ثيابه، ولا يصلى عليه، وهناك شهيد آخرة لا شهيد دنيا، وجاء في النصوص ما يدل على أن الغريق أو الحريق وصاحب الهدم والمبطون ومن مات بالطاعون هؤلاء كلهم شهداء، لكنهم شهداء آخرة لا شهداء دنيا، لا تثبت لهم أحكام الشهداء، فيغسلون ويكفنون ويصلى عليهم كغيرهم من أموات المسلمين.(92/19)
قد يكون الإنسان شهيد في الدنيا والآخرة، وهو ما إذا كان مخلصاً لله -جل وعلا- في جهاده، ولم يأت بما يمنع من الشهادة، قد يحكم له بالشهادة في الدنيا، ترتب عليه أحكامها، وهو في الآخرة الله أعلم بنيته، لكن الناس ما لهم إلا الظاهر، فيرتبون عليه أحكام الشهيد، إذا تحققت له هذه الصورة، ويكون شهيد دينا وآخرة إذا تضافر الآمران عنده بأن وافق ظاهره باطنه.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده)) " تكرر هذا القسم، وعرفنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كثيراً ما يقسم به، وفيه إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته " ((والذي نفسي بيده لوددت أني أقاتل في سبيل الله)) " أجاهد في سبيل الله ((فأقتل)) لما عرف -عليه الصلاة والسلام- من فضل الشهادة، وفضل الشهداء ((ثم أحيا فأقتل)) يعني مرة ثانية ليزيد بذلك أجره عند الله -جل وعلا- وثوابه ((ثم أحيا فأقتل)) ثلاثاً، والنبي -عليه الصلاة والسلام- عنده الخبر أنه لن يقتل، لا سيما بعد نزول قوله -جل وعلا-: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [(67) سورة المائدة] عنده خبر أنه لن يقتل،(92/20)
لكن ما يلزم في باب التمني أن يتحقق، لا يلزم أن تتحقق هذه الأمنية، وإنما يؤجر الإنسان على مجرد الأمنية، فالذي يتمنى أن له مال ويفعل به مثلما فعل فلان جاء في الحديث ((فهما في الأجر سواءً)) ولا يلزم من ذلك تحقق الأمنية، ولو عرف الإنسان أنها لن تتحقق، شريطة ألا يكون مما لا يليق به، تتمنى امرأة أن تكون رجل، أو رجل يكون ملك، أو يكون نبي، هذا تعدي في الدعاء لا يمكن، أما إذا سأل الله -جل وعلا- شيئاً ممكناً، أو تمنى على الله -جل وعلا-، لو تمنى الإنسان أن لو كان صحابياً، رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- وجاهد معه وخدمه، وبذل نفسه دونه، هل نقول: إن هذا داخل في آية النساء في النهي عن التمني؟ أو نقول: يؤجر على هذه الأمنية ولو جزم بأنه لا يقع؟ أهل العلم على الثاني، بلا شك أنه يؤجر على هذه الأمنية، مع أنه وما يدريه أن لو كان في زمنه -عليه الصلاة والسلام- لفتن، صار من المنافقين، ما يدريك، ما تدري، فالخير كل الخير أن يرضى الإنسان بما كتب الله له، ويسعى لخلاص نفسه ونجاته.
يقول: "فكان أبو هريرة يقول ثلاثاً: أشهد بالله" يعني أني سمعت هذا الكلام بلا شك ولا مرية من النبي -عليه الصلاة والسلام-.
قال: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يضحك الله إلى رجلين)) " فيه إثبات الضحك لله -جل وعلا-، على ما يليق بجلاله وعظمته ((يقتل أحدهما الآخر)) واحد مسلم وواحد كافر، الكافر يقتل المسلم فيستشهد المسلم يدخل الجنة، ثم يسلم الكافر، فيقاتل في سبيل الله فيقتل فيدخل الجنة ((يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله)) هذا المسلم ((فيقتل)) شهيد ((ثم يتوب الله على القاتل)) والتوبة أعم من أن تكون بإسلام في حالة ما إذا كان القاتل كافر الذي قتل المسلم، أو يكون هذا آثم، قاتل نفس عمد ((ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد)).(92/21)
"وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده لا يكلم)) " يعني لا يجرح ((أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله)) النوايا وما في القلوب لا يطلع عليه إلا علام الغيوب، قد يظهر للناس أنه في سبيل الله، ومع ذلك الله -جل وعلا- يعرف السر وأخفى، أنه ليس في سبيل الله، يعني يظهر للناس أنه في سبيل الله، والله -جل وعلا- هو الذي يعلم حقائق الأمور وخفاياها ((والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً)) يعني يجري دماً ((اللون لون دم)) أحمر ((والريح ريح المسك)).
قال: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب كان يقول: اللهم لا تجعل قتلي بيد رجل صلى لك سجدة واحدة يحاجني بها عندك يوم القيامة" وقد أجاب الله دعاءه فصار قتله على يد رجل مجوسي أو نصراني، كنيته أبو لؤلؤة، واسمه فيروز، غلام للمغيرة بن شعبة، استجاب الله دعاء عمر فصار قتله على يد من لم يسجد لله سجدة، وإن كان بعض الطوائف الضالة عند الرافضة يقولون: إنه من أولياء الله، ووضعوا مشهد عنده، مشهد فيروز الشهيد، ويعبد من دون الله مع الأسف، إنا لله وإنا إليه راجعون، يطاف به كما يطاف بالبيت.(92/22)
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً" يعني إذا توافرت هذه الشروط، قتلت وفي سبيل الله وصابر ومحتسب "مقبلاً غير مدبر أيكفر الله عني خطاياي؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم)) " الشهادة لا شك أنها تكفر الخطايا "فلما أدبر الرجل ناداه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أمر به فنودي" ناداه بنفسه يا فلان يا فلان، أو قال: نادوه "فنودي، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كيف قلت؟ )) فأعاد عليه قوله، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم، إلا الدين)) " فالشهادة تكفر جميع الذنوب كبائرها وصغارها ما عدا الدين، ومن أهل العلم من يقول: جميع حقوق الآدميين التي هي من الديوان الذي لا تغفر تلحق بالدين ((كذلك قال لي جبريل)) -عليه السلام-.
"وحدثني عن مالك عن أبي النضر" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الغريق؟
طالب:. . . . . . . . .
سيأتي الغزو في البحر وما يترتب عليه -إن شاء الله تعالى-.(92/23)
"وحدثني عن مالك عن أبي النظر مولى عمر ... " يفصلون في الدين، منهم من قال: من أخذ الدين من على وجهه، ومحتاجاً له، أو مضطراً له، يختلف عمن أخذه تكثراً، ويختلف عمن أخذه لا يريد سداده في تفاصيل في الشروح ذكروها، لكن عموم اللفظ هنا يقتضي أن شأن الدين عظيم، وكثير من الناس يتساهلون رجالاً ونساءً، الآن فتحت الأبواب على جميع مصاريعها، امرأة تقول: إنها تملك أربعمائة وثمانين ألف وتريد أن تشتري بيت تسكنه، قالت: فذهبت للبنك، وقالوا: أعطينا الأربعمائة وثمانين مقدم، ونقسط عليك الباقي لمدة ستة عشر عاماً، كل شهر سبعة آلاف، امرأة ما عندها أحد، وهي تجد بيت مناسب بها اللي عندها أربعمائة وثمانين، كل هذا من الافتتان بمظاهر الدنيا، وأما بالنسبة للرجال كبار وصغار وشباب، ويتدين سيارة يمكن يفنى عمره ما سدد، فضلاً عن البيوت، فسهلت أمور الديون، وليست بعلامة خير، حيث يكون الناس كلهم أسرى لهذه البنوك أو للتجار أو غيرها، وشأن الدين عظيم، فالشهادة تكفر كل شيء إلا الدين، والإبقاء على عموم اللفظ هو الذي يحقق الهدف من التنفير من الدين.
قال: "وحدثني عن مالك عن أبي النظر مولى عمر بن عبيد الله أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لشهداء أحد: ((هؤلاء أشهد عليهم)) " يعني شهادتهم ثابتة عندي، ما عندي فيها أدنى شك، يعني بخلاف غيرهم، نواياهم وأمورهم إلى الله -جل وعلا-، أما شهداء أحد هؤلاء مضمونون عنه -عليه الصلاة والسلام-.(92/24)
" ((أشهد عليهم)) فقال أبو بكر الصديق: ألسنا يا رسول الله بإخوانهم؟ " يعني إحنا مثلهم ما تشهد علينا؟ هو شهد له بالجنة "أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي)) " وهو بهذا الكلام يخاطب العموم، وفي حديث الحوض يوجد ممن عاش معه -عليه الصلاة والسلام- من ارتد، وأمور الردة معروفة، ويذادون عن الحوض، ويقال له -عليه الصلاة والسلام-: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، وليس في هذا مستمسك لمن يكفر جماهير الصحابة، ويكفر أبا بكر وعمر ويحكم عليهم بالكفر هذا ليس ... ، النبي -عليه الصلاة والسلام- شهد لهؤلاء الجلة بالجنة، فهناك من شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- على وجه الخصوص، وهناك من شهدت لهم النصوص بالعموم.
" ((ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي)) فبكى أبو بكر، ثم بكى، ثم قال: "أئنا لكائنون بعدك؟ " بكى من كونه يخلف بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويود أن يكون مات قبل النبي -عليه الصلاة والسلام-.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالساً وقبر يحفر بالمدينة، فاطلع رجل في القبر" يعني زيارة القبور والنظر فيها والتأمل والاعتبار والادكار هذه من السنن المشروعة، بل جاء الأمر بها، ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها فإنها تذكر الآخرة)) {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [(1 - 2) سورة التكاثر].
قال: "فاطلع رجل" يعني نظر في داخل القبر "فقال: بئس مضجع المؤمن" يعني بدلاً من الفراش الوثير، والغطاء الملائم المريح يأتي إلى هذا! هو من منظور الدنيا، يعني لو أن الإنسان بدلاً من أن ينام على فراش ينام على الأرض بدون فراش، يقال لهذا: نعم المريح، وذاك يقال له: بئس، فهذا نظر إليه من هذه الحيثية، من هذه النظرة، أن هذا منام ليس بمريح "فقال: بئس مضجع المؤمن" وما يدريه أن منهم ممن يدفن في هذه القبور يكون عليه هذا القبر روضة من رياض الجنة، ويمد له مد البصر، ويفتح له باب إلى الجنة، وينعم في قبره، ومنهم العكس من يعذب ويضيق عليه.(92/25)
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بئس ما قلت)) فقال الرجل: إني لم أرد هذا يا رسول الله، إنما أردت القتل في سبيل الله" معنى هذا الذي يظهر من السياق، واعتذاره عما أراد أنه بئس هذا المضجع أن يدفن في الحضر في بلده من غير جهاد، ونعم أن يقتل في سبيل الله في ساحات القتال ويدفن هناك.
"قال: إنما أردت القتل في سبيل الله" يعني ما أردت ببئس الكلام الأول القتل في سبيل الله، هذا ما يمكن يقوله عاقل "إنما أردت القتل في سبيل الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا مثل للقتل في سبيل الله)) " ليس له نظير، الذي يحقق الشهادة ((ما على الأرض بقعة هي أحب إلي أن يكون قبري بها منها)) يعني من المدينة، في مثل هذا القبر، "ثلاث مرات، يعني المدينة" وهذا لا شك أن الحديث من فضائل المدينة، وجاء فيها فضائل كثيرة، وجاء أيضاً في فضائل مكة ما هو أكثر، والجمهور على ترجيح مكة على المدينة، والإمام مالك يرى العكس، ومن أئمة المالكية من يرجح مكة كابن عبد البر وغيره، أبو عمر بن عبد البر يرجح مكة على المدينة خلافاً لإمامه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(92/26)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ – كتاب الجهاد (4)
باب: ما تكون فيه الشهادة - باب: العمل في غسل الشهيد - باب: ما يكره من الشيء يجعل في سبيل الله
باب: الترغيب في الجهاد - باب: ما جاء في الخيل والمسابقة بينها والنفقة في الغزو - باب: إحراز من أسلم من أهل الذمة أرضه.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما تكون فيه الشهادة
حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يقول: اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، ووفاة ببلد رسولك.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يقول: كرم المؤمن تقواه، ودينه حسبه، ومروءته خلقه، والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء، فالجبان يفر عن أبيه وأمه، والجريء يقاتل عما لا يئوب به إلى رحله، والقتل حتف من الحتوف، والشهيد من احتسب نفسه على الله.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما تكون فيه الشهادة
ثم ذكر أثرين عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- ارتباطهما بالترجمة اللهم إلا إذا كان المطلوب الرابط بينهما سؤال الشهادة، الأول فيه سؤال الشهادة، وجاء فيه ما جاء أن من طلب الشهادة صادقاً حصل له ثوابها وأجرها، وإن مات على فراشه، والثاني ما فيه إلا أن الشهيد من احتسب نفسه، أخلص في جهاد لله -جل وعلا-.
"ما تكون فيه" (في) هذه ظرفية وإلا غير ظرفية؟ سببية، "إني أسألك الشهادة في سبيلك" يعني من أسباب أجر الشهادة سؤال الشهادة، ومن أسباب نيل ثواب الشهادة احتساب هذه الشهادة في سبيل الله -جل وعلا-.
في شيء من البعد يعني، لكن إذا حملت على أنها سببية كما يقول بعض الشراح يعني الأسباب منها القريب، ومنها البعيد.(93/1)
قال -رحمه الله-: "حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب كان يقول: اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك" يعني على المسلم أن يطلب الشهادة من الله -جل وعلا- صادقاً في ذلك مخلصاً؛ لأنه ولو لم يقتل في سبيل الله حصل له أجرها، قد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أن من سأل الشهادة صادقاً في سؤاله نال ثوابها وأجرها، ولو مات على فراشه.
"اللهم إني أسالك شهادة في سبيلك" لتكفر بها جميع الذنوب إلا ما تقدم من الدين، فيقاس عليه حقوق الخلق، إن لم يرضهم الله -جل وعلا- عن هذا الشهيد.
"ووفاة ببلد رسولك" -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أن الوفاة في المدينة لها ميزتها، فهي مهاجر النبي -عليه الصلاة والسلام- ومهاجر أصحابه، وهي قاعدة الإسلام، وعاصمته الأولى، وهي أفضل بقاع الأرض بعد مكة عند الجمهور، وقبلها عند مالك -رحمه الله-.
"وفاة ببلد رسولك" -عليه الصلاة والسلام-، وقد حصل له ما تمنى، قتل شهيداً وهو يصلي، ودفن ببلد الرسول -عليه الصلاة والسلام- بل بجواره.
ثم بعد ذلك قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب كان يقول: كرم المؤمن تقواه"
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [(13) سورة الحجرات] "ودينه حسبه" ((من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)) فالدين هو العمل، ومروءته خلقه، الخلق الحسن ومعاشرة الناس، ومعاملتهم بخلق حسن هذه المروءة الحقيقية "والجرأة والجبن غرائز" صفات ثابتة في النفوس، وبعض الناس مجبول على الجرأة، وبعضهم مجبول على الجبن، والخير في الوسط، الجرأة مطلوبة في مواضع، وأيضاً هي مذمومة في مواضع إذا زادت عن حدها.(93/2)
"الجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء، فالجبان يفر عن أبيه وأمه" يتعرض أبوه وأمه للخطر ويفر منهما، ولا يدافع عنهما، يحترق المنزل وأمه وأبوه بأمس الحاجة إليه فيهرب ويتركهم، وبإمكانه أن يسعفهم أو ينقذهم هذا جبان "فالجبان يفر عن أبيه وأمه، والجريء يقاتل عما لا يئوب به إلى رحله" عما لا يستفيد منه، الجريء يقاتل عما لا يئوب يعني لا يرجع به إلى رحله، لا يستفيد منه ألبتة، وإنما قد يستفيد منه غيره، وقد لا يستفيد منه أحد، والجريء يقاتل عما لا يئوب به إلى رحله، ولا شك أن الجرأة ممدوحة، والشجاعة ممدوحة ما لم تتعدَ الحد المشروع، كما أن جميع الخصال لها طرفا نقيض، والخير في الوسط.
"والقتل حتف من الحتوف" يعني سبب من أسباب الموت، نوع ولون من ألوان الموت:
من لم يمت بالسيف مات بغيره ... تنوعت الأسباب والموت واحد
"والقتل حتف من الحتوف" يعني مما يتداوله الناس، قالوا: فلان قتل، قالوا: ما يعرض نفسه للقتل، قالوا: فلان سقط من شاهق، قال: لا يصعد شاهق، تردى في بئر قال: لا يقرب من بئر، وهكذا إلى آخره، ثم قالوا: فلان مات على فراشه، هذا ماذا يصنع؟ نعم؟ لا مفر ولا محيد {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [(49) سورة يونس].
"والشهيد من احتسب نفسه على الله" يعني نذر نفسه لله خدمة لدينه، سواءً كان بسنانه أو بلسانه أو ببدنه أو بماله "مخلصاً في ذلك لله -جل وعلا-"، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو يولد على الفطرة، ويولد على ما تقتضيه الفطرة وهو الوسط، يولد متوسط، فإما أن تكون المؤثرات تزيده من جانب الشجاعة أو تزيده من جانب الجبن، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: العمل في غسل الشهيد
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- غسل وكفن وصلي عليه، وكان شهيداً يرحمه الله.
وحدثني عن مالك أنه بلغه عن أهل العلم أنهم كانوا يقولون: الشهداء في سبيل الله لا يغسلون، ولا يصلى على أحد منهم، وإنهم يدفنون في الثياب التي قتلوا فيها.
قال يحيى: قال مالك -رحمه الله-: وتلك السنة فيمن قتل في المعترك فلم يدرك حتى مات.(93/3)
قال: وأما من حمل منهم فعاش ما شاء الله بعد ذلك فإنه يغسل ويصلى عليه كما عمل بعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: العمل في غسل الشهيد
في غسل الشهيد ذكرنا في درس مضى أن الشهداء منهم من تثبت له الأحكام كلها في الدنيا والآخرة، ومنهم من تثبت له أحكام الدنيا دون الآخرة، ومنهم العكس.
عمر -رضي الله عنه- شهيد، قتل شهيداً، ومع ذلك غسل وكفن وصلي عليه، فأحكام الدنيا لا تثبت لمثل عمر، وإن ثبتت له الشهادة في الآخرة، لماذا؟ لأنه عاش بعد طعنه، عاش فإذا عاش المقتول فإنه حينئذٍ لا يعامل في الدنيا معاملة الشهيد، ومنهم من يقول: إن القتل وإن كان شهادة في مثل الصورة التي قتل فيها عمر إلا أن المراد بالشهيد الذي جاءت به النصوص وأن له أحكام في الدنيا تخصه إنما هو من قتل في سبيل الله، في ساحة القتال، والقتال يبدأ من خروجه من منزله إلى دخوله إليه، فذهابه جهاد، ورجوعه جهاد.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب غسل وكفن وصلي عليه، وكان شهيداً يرحمه الله".
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه عن أهل العلم أنهم كانوا يقولون: الشهداء في سبيل الله لا يغسلون، ولا يصلى على أحد منهم، وإنهم يدفنون في ثيابهم التي قتلوا فيها" هذه أحكام الشهيد في الدنيا، لا يغسلون، كما فعل بشهداء أحد، لا يغسلون ولا يصلى على أحد منهم، قد يقول قائل: حنظلة يقال له: الغسيل، غسلته الملائكة وهو شهيد، لماذا؟ لأنه كان جنباً.
"ولا يصلى على أحد منهم" النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت في الحديث الصحيح أنه في آخر حياته صلى على شهداء أحد بعد ثمان سنين، صلى عليهم كالمودع لهم، فمن يقول بأن الشهيد يصلى عليه، قال: النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على شهداء أحد وهذا ناسخ، ومنهم من يقول: لا يصلى عليه مطلقاً، وعدم الصلاة عليه محكم، يقول: إن الصلاة على شهداء أحد إنما هي صلاة لغوية مرهم ودعا لهم.
"ولا يصلى على أحد منهم، وإنهم يدفنون في ثيابهم التي قتلوا فيها" المحرم إذا مات وهو محرم يكفن في ثوبيه، والشهيد إذا مات وأثر الشهادة على ثيابه يدفن فيها.(93/4)
"قال مالك: وتلك السنة فيمن قتل في المعترك" يعني في المعركة "فلم يدرك حتى مات" أما إذا أدرك ومكث مدة يعالج فيها ولو مات بعد ذلك فإنه لا يأخذ حكم الشهيد في الدنيا، وإن كان عند الله شهيداً، على ما قرره أهل العلم؛ لأنه مات بسبب المعركة.
قال: "وأما من حمل منهم فعاش ما شاء الله بعد ذلك فإنه يغسل ويصلى عليه كما عمل بعمر بن الخطاب" يعني لو أن شخصاً قتل في بيته، أو قتل في مسجد مثلاً وهو يصلي بالناس، كما فعل عمر ومات فوراً، يعني مفهوم كلام الإمام أنه لو مات عمر مات فوراً ما أدرك لما غسل ولا صلى عليه ولا ... ، ودفن في ثيابه؛ لأنه قال: "وأما من حمل منهم فعاش ما شاء الله بعد ذلك فإنه يغسل ويصلى عليه كما عمل بعمر بن الخطاب" لكن لو أن أحداً قتل في المحراب كما صنع بعمر -رضي الله عنه-، نعم عمر حياته كلها جهاد، لكن هناك جهاد تثبت له الأحكام الذي هو قتال العدو، والمسلم في حياته كلها جهاد، نقول: يستحق نصيب في سبيل الله المنصوص عليه في آية الزكاة؟ وإن كانت حياته كلها جهاد بالمعنى العام، لكن المراد به في هذه الأبواب بمعناه الخاص وهو قتال الأعداء؛ لأن مفهوم كلامه: "وأما من حمل منهم فعاش ما شاء الله بعد ذلك فإنه يغسل ويصلى عليه كما عمل بعمر" مفهومه أنه لو أن عمر مات فوراً في محرابه لما غسل ولا صلي عليه، وكفن في ثيابه، لكن من قال بهذا من أهل العلم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كما عمل بعمر بن الخطاب، هنا في أول الباب يقول: إن عمر غسل أو كفن وصلي عليه، وكان شهيداً يرحمه الله، لماذا؟ نعم لأنه عاش بعد ذلك، منصوص عليه في آخر الباب، ومفهومه أنه لو لم يعش لما غسل ولما كفن ولا ما صلي عليه، هذا مفهومه، لكن هل يوافق الإمام على هذا؟ أو أن المقتول مهما بلغ في المنزلة في الإسلام والدفاع عن الإسلام والجهاد في سبيل الله غير قتال العدو، غير قتال المعركة، قد تثبت له ما عند الله، لا يحد، قد يثبت له أكثر مما يثبت للشهداء، لكن مع ذلك أحكامه في الدنيا تختلف عن أحكام الشهداء؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن هذا ليس بمعركة مهما كان.
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه عاش حياة مستقرة.
طالب:. . . . . . . . .(93/5)
عموماً حياته مستقرة وعولج، ونقل عن مكانه.
طالب:. . . . . . . . .
نعم لو أصيب بغيبوبة يغمى متصل إلى أن مات هذا في حكم الميت.
سم.
طالب:. . . . . . . . .
ترون الكلام ما ...
طالب:. . . . . . . . .
يغسل ويكفن ويصلى عليه عاش بعد ذلك، الكلام طويل، باقي في الباب ... ، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ليس بضعيف صلى عليهم كالمودع لهم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، لكن اختلفوا في معنى الصلاة، هذا أنت اللي تبحثه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، مقوى عند أهل العلم، واستدل به من يقول بأن الشهداء يصلى عليهم، وفي بعض رواياته ما يدل على أنه كبر عليهم، وهذا مما يقوي أنه يصلى، لكن هذه من خصائص أهل أحد.
على كل حال غداً -إن شاء الله- موعدك، نعم.
سم.
ودنا نكمل الباب يا الإخوان ما عندنا إلا اليوم وغداً، اليوم تكملة الجهاد، وغداً الأيمان والنذور ما عندنا غيرهم، فاتركونا يا الإخوان خلونا نكمل هذا؛ لأنه طال بنا الموطأ وكثير من الإخوان يريدون إنهاءه على أي وجه.
طالب:. . . . . . . . .
من بعد -إن شاء الله- خليه بعد الدرس، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما يكره من الشيء يجعل في سبيل الله
حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يحمل في العام الواحد على أربعين ألف بعير، يحمل الرجل إلى الشام على بعير، ويحمل الرجلين إلى العراق على بعير، فجاءه رجل من أهل العراق فقال: احملني وسحيماً، فقال له عمر بن الخطاب: نشدتك الله أسحيم زق؟ قال له: نعم.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما يكره من الشيء يجعل في سبيل الله
يعني يستعمل في غير ما جعل له، يعني ما يكره من الشيء يعني في استعماله في غير ما جعل له، أو يتوسع في استعماله من غير ما حدد له.(93/6)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب كان يحمل في العام الواحد على أربعين ألف بعير، يحمل الرجل إلى الشام على بعير، ويحمل الرجلين إلى العراق على بعير" قالوا: لأن الطريق إلى الشام، أو القتال في الشام أشد من القتال في العراق، أشد منه فاحتاج إلى أن يستقل ببعير يحمله ويحمل متاعه بينما القتال في العراق أسهل وأيسر طريق، على كل حال هذا صنيع عمر -رضي الله عنه وأرضاه-.
"فجاءه رجل من أهل العراق" يريد أن يتحايل على عمر -رضي الله عنه- فيستقل ببعير واحد وهو يريد القتال في العراق لا الشام "فقال: احملني وسحيماً" يعني هذه تمشي سحيم اسم رجل، تمشي على كثير من الناس، لكن عمر ما تمشي عليه -رضي الله عنه- "احملني وسحيماً" يعني على بعير "فقال له عمر بن الخطاب: نشدتك الله أسحيم زق؟ " يعني وعاء، مثل ما يوضع فيه الماء أو اللبن أو الخمر، أصله زق وعاء الخمر "أسحيم زق؟ قال له: نعم" نعم شايل معه قربة وبيحسبها حساب شخص، قربة مثلاً وبيحسبه يخلي له مكان شخص، وعمر -رضي الله عنه- ما يمشي عليه مثل هذه الحيل "أسحيم زق؟ قال له: نعم" فأردف معه آخر؛ لأن هذه لا بد من العدل في مثل هذا، لكن قد يقول قائل: إن هذا لا يمكن اطراده، لماذا؟ لأن البعير قد يحتمل ثلاثة لقوته، وبعير لا يحتمل إلا واحد، وأيضاً الراكب بعضهم الدابة لا تطيق إلا واحد، وبعضهم تطيق ثلاثة من جنسه، لكن هذه قاعدة عامة يخرج عنها ما يخرج، لو جاء شخص وزنه يزن ثلاثة مثلاً يبي يردف معه ثاني إلى العراق؟ لا يمكن؛ لأن الدابة قد لا تطيق ذلك، وليست الدابة مثل الآلات قد يقول قائل: التذاكر واحدة مثلاً، التذكرة واحدة سواءً كان وزنه مائتين أو خمسين، يزن أربعة، نقول: لا، الدواب تعامل معاملة يليق بها، ولذلك يجيزون، وقد حصل منه -عليه الصلاة والسلام- أنه أردف ما يقرب من ثلاثين كما جمع ذلك ابن منده، أردف على الدواب ما يقرب من ثلاثين، ويشترطون في ذلك، كلهم يتفقون على أنه لا يجوز الإرداف على الدابة إلا إذا كانت تطيق ذلك، بخلاف المراكب الآن السيارات والطائرات والقاطرات يعني حسابها غير حساب الدواب، نعم.
أحسن الله إليك.(93/7)
باب: الترغيب في الجهاد
حدثني يحيى عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً فأطعمته وجلست تفلي في رأسه، فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ((ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة)) أو ((مثل الملوك على الأسرة)) يشك إسحاق، قالت: فقلت له: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ يضحك، قالت: فقلت له: يا رسول الله ما يضحكك؟ قال: ((ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله ملوكاً على الأسرة)) أو ((مثل الملوك على الأسرة)) كما قال في الأولى، قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: ((أنت من الأولين)) قال: فركبت البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأحببت أن لا أتخلف عن سرية تخرج في سبيل الله، ولكني لا أجد ما أحملهم عليه، ولا يجدون ما يتحملون عليه فيخرجون، ويشق عليهم أن يتخلفوا بعدي، فوددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ثم أَحيا فأقتل)).
أُحيا، أُحيا.
أحسن الله إليك.
((أُحيا فأقتل، ثم أُحيا فأقتل)).
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: لما كان يوم أحد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من يأتيني بخبر سعد بن الربيع الأنصاري؟ )) فقال رجل: أنا يا رسول الله، فذهب الرجل يطوف بين القتلى، فقال له سعد بن الربيع: ما شأنك؟ فقال له الرجل: بعثني إليك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لآتيه بخبرك، قال: فاذهب إليه فاقرأه مني السلام، وأخبره أني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة، وأني قد أنفذْت مقاتلي ...
أُنفِذَت، أُنفِذَت.
أحسن الله إليك.(93/8)
وإني قد أنفِذَت مقاتلي، وأخبر قومك أنه لا عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وواحد منهم حي.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رغب في الجهاد، وذكر الجنة، ورجل من الأنصار يأكل تمرات في يده، فقال: إني لحريص على الدنيا إن جلست حتى أفرغ منهن، فرمى ما في يده، فحمل بسيفه فقاتل حتى قتل.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن معاذ بن جبل أنه قال: الغزو غزوان، فغزو تنفق فيه الكريمة، ويباشر فيه الشريك ...
يياسر.
أحسن الله إليك.
فغزو تنفق فيه الكريمة، ويياسر فيه الشريك، ويطاع فيه ذو الأمر، ويجتنب فيه الفساد، فذلك الغزو خير كله، وغزو لا تنفق فيه الكريمة، ولا يياسر فيه الشريك، ولا يطاع فيه ذو الأمر، ولا يجتنب فيه الفساد، فذلك الغزو لا يرجع صاحبه كفافاً.
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الترغيب في الجهاد
وسبقت هذه الترجمة في أول الكتاب.
هذا يقول: حديث صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- على شهداء أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات متفق عليه رواه الشيخان.
باب: الترغيب في الجهاد
هذه الترجمة سبقت في أول الكتاب كتاب الجهاد بحروفها، والإمام أورد أحاديث تختلف عما أورده هنا، لكن لو ضم هذه الترجمة إلى تلك لكان أولى، وعرفنا أن في ترتيب الموطأ باعتباره من أوائل المنصفات لا بد أن يستدرك عليه ما يستدرك، وهذه طبيعة كل عمل يبدأ به يبدأ في أول الأمر يحتاج إلى شيء من الاستكمال سواءً كان في جمعه أو في ترتيبه، على كل حال يقول الإمام:
باب: الترغيب في الجهاد(93/9)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك" يعني عم إسحاق لأمه "قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت" مقتضى الحال -لأن الواو حالية- أنها في ذلك الوقت تحت عبادة بن الصامت، مع أن الخلاف معروف هل تزوجها في ذلك الوقت أو بعد ذلك؟ أو أنه تزوجها ثم طلقها ثم تزوجها بعد ذلك؟ هذا كلام معروف، لكن الخبر لا يحتاج إلى مثل هذا، يعني الخبر في مفاده، وما أورد من أجله لا يحتاج إلى تحقيق مثل هذا.
"وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً فأطعمته وجلست تفلي في رأسه" يعني تبحث عن الهوام والدواب والقمل هذه طريقة الفلي البحث في الشعر، وهذه لا شك أنه لا يفعلها إلا المحارم، فمنهم من يقول: إنها خالته من الرضاعة، والذي حققه ابن حجر في قضايا كثيرة في مثل هذا الموضع وقبله ابن عبد البر لكن ابن حجر كلامه صريح، وجمعه أكثر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا حجاب عنه، فالذين يستدلون على الاختلاط أو على الخلوة أو ما أشبه ذلك بما حصل منه -عليه الصلاة والسلام-، أولاً: لا أحد مثل الرسول -عليه الصلاة والسلام- فهو معصوم، الأمر الثاني: أن المحرر والمحقق عند أهل العلم أنه لا حجاب عنه، وعلى هذا خلوته بالنساء لا شيء فيه.
اللهم صل وسلم ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . تشريع هذا، تشريع؛ لأنه يحتاج إلى البيعة فيما بعد، فلو صافح صوفح مثله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما يلزم منه هذا، إلا المستقر أن الشيطان حريص على إضلال بني آدم وإغوائهم، وحصل من بعضهم ما هو أعظم من ذلك، وإن لم يكونوا عاد في النهاية ممن وقر القلب في قلبه من خيار الصحابة، إنما من الأعراب أو من المنافقين أو ما أشبه ذلك؛ لأن مثل هذا يحرص عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- لاجتثاث ما قد يعلق في القلوب.(93/10)
"وجلست تفلي في رأسه، فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ((ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر)) " يعني بعده، يكون وضعهم بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-، ((عرضوا علي غزاة في سبيل الله)) وهذا لا شك أنه يسره أن تستمر أمته في تخطي خطاه -عليه الصلاة والسلام- في جهاد الكفار، وفي الالتزام بالدين، ((يركبون ثبج هذا البحر)) يعني وسطه، وسط البحر، ثبج البحر وسطه، ويقال له: قاموس البحر، قاموس البحر وسطه، القاموس المحيط يعني وسط البحر المحيط من كل جانب.
ثبج هذا البحر يقولون: إن ابن دقيق العيد -رحمه الله- ولد على ثبج البحر بساحل ينبع، ولذلك يكتب بخطه في نهاية نسبه الثبجي، بخطه الثبجي، يكتب بخطه الثبجي نسبة إلى ثبج البحر؛ لأنه ولد على ثبج البحر بساحل ينبع، وبعض المترجمين لابن دقيق العيد قال: إنه يكتب بخطه المختلط المشوش الذي مثل ثبج البحر فجعل الوصف للخط.
" ((يركبون ثبج هذا البحر، ملوكاً على الأسرة)) أو ((مثل الملوك على الأسرة)) يشك إسحاق" بن عبد الله بن أبي طلحة راوي الحديث، هل قال هذا أو قال النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ "قالت: فقلت له: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها" ومعلوم أن النساء ليس عليهن جهاد، يعني لم يكتب عليهن، ولا يجب عليهن الجهاد، لكن إذا شاركت قد شارك بعض الصحابيات فيما يناسبهن من أعمال.(93/11)
"ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ يضحك، قالت: فقلت له: يا رسول الله ما يضحكك؟ قال: ((ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله)) " الأوائل في البحر " ((عرضوا علي غزاة في سبيل الله ملوكاً على الأسرة)) أو ((مثل الملوك على الأسرة)) " كما قال في الأولى، وهؤلاء في البر يقاتلون قيصر وكسرى "فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم؟ فقال: ((أنت من الأولين)) قال: فركبت البحر في زمان معاوية" يعني في ولايته وخلافته بعد مقتل علي -رضي الله عنه- بعد الأربعين، ومنهم من يقول: في زمن ولاية معاوية على الجهاد في عصر عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، لكن اللفظ كالصريح أنه في عهده وولايته.
"فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت" وهي في سبيل الله، فهي ملحقة بمن غزا في البحر.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأحببت أن لا أتخلف عن سرية تخرج في سبيل الله)) " وذلك لفضل الجهاد وعظم أجره " ((ولكني لا أجد ما أحملهم عليه، ولا يجدون ما يتحملون عليه فيخرجون، ويشق عليهم أن يتخلفوا بعدي)) " يعني جلوسه -عليه الصلاة والسلام- بالمدينة، وإرساله بالسرايا، وتخلفه عن بعضها لا شك أنه شفقة على أمته، ورحمة بهم؛ لأنه يشق عليهم أن يتخلفوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " ((فوددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل، ثم أحيا فأقتل، ثم أحيا فأقتل)) " وتمني الشهادة تقدم الكلام فيه.(93/12)
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: لما كان يوم أحد" كان هذه تامة "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من يأتيني بخبر سعد بن الربيع الأنصاري؟ )) " وذلك أنه رأى -عليه الصلاة والسلام- أن السهام وعدتها اثنا عشر سهماً متجهة إليه، بعضهم يقول في الرؤيا، وبعضهم يقول في اليقضة "فقال رجل" هو أبي بن كعب على ما جاء في بعض الروايات، وقيل: محمد بن مسلمة كما في بعضها، وقيل: زيد بن ثابت، أبي كعب أو محمد بن مسلمة أو زيد بن ثابت، ولعل النبي -عليه الصلاة والسلام- أرسلهم واحداً بعد الآخر أو أرسلهم دفعة واحدة ما في ما يمنع من هذا "فقال رجل: أنا يا رسول الله، فذهب الرجل" فذهب الرجل النكرة أعيدت معرفة نفسها نعم، النكرة إذا أعيدت معرفة فهي عينها {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [(15 - 16) سورة المزمل] هو واحد، لكن لو أعيدت نكرة صارت غيرها.
"يطوف بين القتلى، فقال له سعد بن الربيع: ما شأنك؟ " انتبه به "فقال له: ما شأنك؟ فقال له الرجل: بعثني إليك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لآتيه بخبرك، قال: فاذهب إليه" فاقرأه، أو فأقرئه؟ الأصل فأقرئه "مني السلام" منهم من يقول: إن قوله: أقرئه لا يكون إلا في السلام المكتوب الذي يقرأ، لكن في حديث إبراهيم -عليه السلام- لما قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أقرأ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة قيعان)) يدل على أنه يطلق على ما هو أعم من المكتوب، اقرأ عليهم سواءً من حفظك أو من المكتوب.
"وأخبره أني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة، وأني قد أنفذت مقاتلي" يعني أصيبت المقاتل، يعني وصلت هذه السهام إلى المقاتل، ونفذت في الجوف.
"وأخبر قومك أنه لا عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وواحد منهم حي" بل على كل واحد منهم أن يفدي النبي -عليه الصلاة والسلام- بنفسه، ولا عذر له أن يعيش بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-.(93/13)
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رغب في الجهاد، وذكر الجنة" يعني الأعمال التي فيها نصوص المسلم يبادر إليها، لا شك أن المسلم عليه أن يبادر إليها، يظهر هذا جلياً في أعمال الخير وأبواب الخير الكثيرة تجد عمل من الأعمال فيه نص الناس يتسابقون إليه، على سبيل المثال عمارة المساجد، عمارة مسجد كل الناس تتابع وتتدافع على الإنفاق عليه، لماذا؟ لأن فيه نص، لكن لو قيل: هنا مشروع جامعة إسلامية تعلم العلم الشرعي على طريقة السلف، وعلى منهاج السلف، وعلى هديهم، تجد بعض الناس ما فيها نص يعني ... ، وقد يكون أثرها أكثر من أثر المسجد الذي لا تدعو الحاجة إليه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يرغب في الجهاد، ويذكر الجنة من يتأخر عن مثل هذا؟ ولذا رجل من الأنصار يقال له: عمير بن الحمام يأكل تمرات في يده، فقال: إني لحريص على الدنيا إن جلست حتى أفرغ منهن، تمرات يعني لا تستغرق يمكن دقيقة واحدة، إن أكملت هذه الدقيقة أنا حريص على الدنيا، إني لحريص على الدنيا إن جلست حتى أفرغ منهن، فرمى ما في يده فحمل بسيفه، يعني على العدو، فقاتل حتى قتل -رضي الله عنه وأرضاه-.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن معاذ بن جبل أنه قال: الغزو غزوان، فغزو تنفق فيه الكريمة" يعني تنفق فيه كرائم الأموال، يبذل الإنسان فيه بطيب نفس أحب ما يحب، يبتغي بذلك وجه الله -جل وعلا-، هذا يدل على إخلاصه، هذا يدل على حرصه على هذا العمل الخير "تنفق فيه الكريمة، ويياسر فيه الشريك" يعني تجد بعض الناس يجتمعون خمسة ستة ثلاثة أربعة يشتركون في أن يخدم بعضهم بعضاً، يعني يجمعون النفقة من الجميع فيما يسمى إيش؟ النهد، يعني المجموعة يسمونها العوام قطة، الكل يدفع مبلغ من المال يياسر فيه الشريك، أنت والله ما معك إلا مائة، معك خمسمائة خمسمائة، يياسر فيه الشريك بدون مشاحة، وبدون حساب دقيق، وأنت أكلت أكثر مني، وأنا أكلت أقل منك، وأنت ما أدري ويش؟ هذه مشاحة، هذا يعاسر فيه الشريك، لكن المطلوب أن يياسر الشريك.(93/14)
"ويطاع فيه ذو الأمر" يعني المسئول عن المجموعة، المسئول عن الجهاد لا بد من طاعته، وإذا حصل اختلاف عليه فالنتيجة لا شك أنها الهزيمة، إذا لم تجتمع الكلمة تحت لواء واحد فالفشل، إذا تنازعوا لا شك أنهم يفشلون {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ} [(46) سورة الأنفال].
"ويطاع فيه ذو الأمر، ويجتنب فيه الفساد" الفساد بجميع صوره وأشكاله "فذلك الغزو خير كله" يعني إذا اشتمل على هذه الخصال فهو خير "من أن يخرج الإنسان من بيته إلى أن يرجع إليه" وغزو لا تنفق فيه الكريمة، طلب نفقة في هذا الغزو فزيد من الناس تبرع بأفضل جمل عنده، وآخر تبرع بناقة قد تكون جرباء، تكون هزيلة، هذا لا تنفق فيه الكريمة، بينما زيد أنفق الكريمة.(93/15)
"ولا يياسر فيه الشريك" يعني يعاسر ويشاحن ويشاد "ولا يطاع فيه ذو الأمر، ولا يجتنب فيه الفساد" عكس الأول "فذلك الغزو لا يرجع صاحبه كفافاً" ولذلك المحاسبة لا بد منها؛ لأن بعض الناس يقصد لعمل الخير ويترك جميع أعماله ويتفرغ لهذا العمل، ثم إذا حاسب نفسه لم يرجع كفافاً، تجد الإنسان يجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويصوم هناك، ويصلي، وعلى الجنائز، والصلاة بمائة ألف صلاة، ويترك أهله وماله وولده هناك ليتفرغ للعبادة، ثم إذا حاسب نفسه، إذا مرت امرأة أتبعها بصره، وإذا مر شخص أطلق عليه لسانه، هذا إذا حاسب نفسه ويش يرجع؟ يرجع كفاف؟ هذا لا يرجع كفاف، ولو ضوعفت الصلاة بمائة ألف، لكن على الإنسان أن يحفظ نفسه، وينظر إلى الميزان الشرعي فيحاسب نفسه، ((حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا)) كمن إنسان أطلق هذه الأمور وارتكب ما ارتكب في مسيرته الخيرة، قد تجده مثلاً طالب علم، يهاجر لطلب العلم، ثم بعد ذلك يقع في أشياء قد تغطي ما قصده، وليس معنى هذا أن يتذرع بمثل هذه الأمور لترك الواجبات، يقال: حج الفريضة؟ يقول: أنا والله ما أستطيع الحج فيه اختلاط وفي نساء، وفي كذا، نقول: لا، أنت مثل الذي يقول: ائذن لي ولا تفتني، الواجبات ما فيها خيرة لأحد، لكن في النفل تقول: والله أروح أعتمر، ويمكن في كذا في تبرج في ما أدري إيش؟ أنت لك أن تحاسب نفسك، ولا يكون هذا من أبواب تلبيس الشيطان عليك؛ لأن بعض الناس يلبس عليه الشيطان في مثل هذه الأمور بظنون أو أوهام لا حقيقة لها، لكن إذا غلب على ظنك أنك لا تملك نفسك عن المحرم في هذه الأماكن لا تروح يا أخي إلا فيما أوجب الله عليك، "فذلك الغزو لا يرجع فيه صاحبه كفافاً".
سم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في الخيل والمسابقة بينها والنفقة في الغزو
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)).(93/16)
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، وأن عبد الله بن عمر كان ممن سابق بها.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: ليس برهان الخيل بأس إذا دخل فيها محلل، فإذا سبق أخذ السبق، وإن سبق لم يكن عليه شيء.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رئي وهو يمسح وجه فرسه بردائه، فسئل عن ذلك فقال: ((إني عوتبت الليلة في الخيل)).
وحدثني عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين خرج إلى خيبر أتاها ليلاً، وكان إذا أتى قوماً بليل لم يغر حتى يصبح، فلما أصبح خرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوه قالوا: محمد والله، محمد والخميس، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين)).
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان)) فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله ما على من يدعى من هذه الأبواب من ضرورة؟ فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها؟ قال: ((نعم، وأرجو أن تكون منهم)).
اقرأ الباب الذي يليه، اقرأ بقية الكتاب.
باب: إحراز من أسلم من أهل الذمة أرضه
قال يحيى: سئل مالك عن إمام قبْل الجزية ...
قبِلَ.
أحسن الله إليك.(93/17)
قال يحيى: سئل مالك عن إمام قبِل الجزية من قوم فكانوا يعطونها أرأيت من أسلم منهم أتكون له أرضه، أو تكون للمسلمين ويكون لهم ماله؟ فقال مالك -رحمه الله-: ذلك يختلف: أما أهل الصلح فإن من أسلم منهم فهو أحق بأرضه وماله، وأما أهل العنوة الذين أخذوا عنوة فمن أسلم منهم فإن أرضه وماله للمسلمين؛ لأن أهل العنوة قد غلبوا على بلادهم، وصارت فيئاً للمسلمين، وأما أهل الصلح فإنهم قد منعوا أموالهم وأنفسهم حتى صالحوا عليها، فليس عليهم إلا ما صالحوا عليه.
باب: الدفن في قبر واحد من ضرورة، وإنفاذ أبي بكر -رضي الله عنه- عدَّة رسول الله ...
عِدَة، عِدَة.
أحسن الله إليك.
وإنفاذ أبي بكر -رضي الله عنه- عدَة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن [بن عبد الله بن عبد الرحمن] بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمر الأنصاريين.
ابن عمرو، ابن عمرو
أحسن الله إليك.
وعبد الله بن عمرو الأنصاريين ثم السلميين كانا قد حفر السيل قبرهما، وكان قبرهما مما يلي السيل، وكانا في قبر واحد، وهما ممن استشهد يوم أحد، فحفر عنهما ليغيِرا من مكانهما ...
ليغيَرا، ليغيَرا.
أحسن الله إليك.
فحفر عنهما ليغيَرا من مكانهما، فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس، وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه، فدفن وهو كذلك فأميطت يده عن جرحه، ثم أرسلت فرجعت كما كانت، وكان بين أحد وبين يوم حُفر عنهما ست وأربعون سنة.
قال يحيى: قال مالك: لا بأس أن يدفن الرجلان والثلاثة في قبر واحد من ضرورة، ويجعل الأكبر مما يلي القبلة.
وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: قدم على أبي بكر الصديق مال من البحرين فقال: من كان له عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأي ...
وأْيٌ وأْيٌ.
أحسن الله إليك.
فقال: من كان له عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأْيٌ أو عدة فليأتني؟ فجاءه جابر بن عبد الله فحفن له ثلاث حفنات.
هذا واحد من الإخوان يقول: بمناسبة قرب الانتهاء من شرح الموطأ الذي دام قرابة خمس سنوات.
خمس وإلا أربع؟ نسأل الله النفع والقبول.(93/18)
يقول: فإنكم وعدتم طلابكم بحلقات كيف يبني طالب العلم مكتبته بوعدين، رأينا الأول، ونحن في انتظار الثاني، أما الأول يقول: فهو إنشاء مكتبة في شرق الرياض وتم ذلك، بفضل الله واستفدنا منها.
يعني المكتبة التي في الجامع.
وأما الثاني فهو إضافة المذهب الحنبلي لشرح الموطأ المسمى المسوى للدهلوي؛ ليكون بذلك فقه مقارن في المذاهب الأربعة، وما زلنا متشوقين لما وعدتم.
انتهى وقته، يعني هذا لو ذكر به في أول الأمر صحيح، لكن في هذا الوقت بعد الفراغ من الموطأ يعني نعود إليه مرة ثانية نقرر المذهب الحنبلي؟ هذا صحيح الكلام الذي ذكره الأخ، وهو في غاية الأهمية؛ لأن طريقة الدهلوي في المسوى الأصل موطأ محمد حنفي، وأصل الأصل مذهب مالك، والدهلوي حنفي، فهو اجتمع فيه المذهب المالكي باعتبار أن الموطأ لمالك، وأيضاً موطأ محمد، والشارح حنفي، وأيضاً أضاف مذهب الشافعي، وما بقي إلا مذهب الحنابلة، وهذا الذي وعدنا به ونسيناه، لكن ليس هذا وقته، انتهى.
طالب:. . . . . . . . .
هو قرئ ما في شك، قرئ المسوى، وأخذنا منه قطعة، وكنا نضيف إليه المذهب الحنبلي، لكن المفترض أننا لو انتبهنا لمثل هذا وأضفنا، لكنه يحتاج إلى عناء وتعب، والمذهب الحنبلي بين يدي الإخوان معروف يعني وتفقهوا عليه، ولا يشكل عليهم -إن شاء الله تعالى-.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الخيل والمسابقة بينها والنفقة في الغزو
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)) " والخير أعم من أن يكون المال، كما في آية الوصية {إِنْ تَرَكَ خَيْراً} [البقرة: 180] المقصود به المال، لكن هنا أعم من أن يكون المال، فهذا خبر من الذي لا ينطق عن الهوى، والحديث متفق عليه.(93/19)
((في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)) قد يقول قائل: والله ويش أستفيد إذا ربط خيل عندي في البيت أو في المزرعة أو في الاستراحة ولا يغزا عليها، ولا يقضى عليها حاجة، والسيارات يعني تقوم مقامها بل أكثر، ولا يمكن أن يحتاج إليها في المستقبل، والعلم عند الله -جل وعلا-؟ لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إلى يوم القيامة)) وليس هذا إلا للخيل، كما جاء في هذا الخبر، لا يشاركها فيه لا إبل ولا سيارات ولا طائرات ولا غيرها، وعلى هذا لو أن إنساناً صاحب جدة ومقدرة ربط خيل وتمرن عليه، وركبه أحياناً، وربطه عنده وأنفق عليه تحقيقاً لهذا الخبر أجر عليه، ورأى من الخير الذي وعد به ما رأى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
لثلاثة، الخيل لثلاثة كما سبق.
المقصود كما تقدم ((الخيل لثلاثة لرجل أجر، ولرجل ستر، ولرجل وزر)) على كل حال الأمور بمقاصدها.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع" أضمرت يعني أشبعت مدة ثم أجيعت، أشبعت ثم أجيعت، ثم حبست في مكان قد يكون فيه شيء من الدفء، وجللت لتعرق فتضمر حينئذٍ، فيجعل لها برنامج تضمير من أجل أن تكون سريعة العدو؛ لتسبق غيرها.
"وكان أمدها ثنية الوداع" من الحفياء إلى ثنية الوداع، يعني ما يقرب من خمسة أميال أو ستة "وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق" أقل؛ لأن كل شيء يعامل بحسبه، وما زال السباق يراعي هذا ويراعي هذا "إلى مسجد بني زريق" قالوا: فيه جواز إضافة المساجد إلى الأشخاص، أو إلى القبائل، أو إلى المحلات، وأما قوله -جل وعلا-: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [(18) سورة الجن] الذي اعترض بعضهم على هذه التسمية بالآية، فالمراد أنها إنما تبنى ليعبد الله -جل وعلا- فيها، ويقصد بها وجه الله، ولا يمنع أن تكون التسمية للتمييز بين هذه المساجد، كالأسماء الأعلام بالنسبة لها.
"إلى مسجد بني زريق، وأن عبد الله بن عمر كان ممن سابق بها" هو حدث عن نفسه أنه سابق، ودخل هذا(93/20)
السباق فدل على مشروعيته، وما يصنع الآن من أنواع الرياضات بالنسبة لهذه الرياضة العريقة الأصيلة الإسلامية، بل العربية قبل الإسلام وبعده، المقصود أنها مما يشرع، وخير ما يصنع، لكن ينبغي أن يكون المتسابق عليها ممن يعد للجهاد، يعني من المسلمين.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: ليس برهان الخيل بأس إذا دخل فيها محلل، فإن سبق أخذ السبق، وإن سبق لم يكن عليه شيء" يعني لا يكون قمار يكون من الطرفين، يكون من الطرفين يصير قمار، إن سبقتك فلك كذا، وإن سبقتني فلك كذا، لا، يكون من طرف واحد بحيث لا يخضع للحظ لئلا يشبه القمار، والسبق عموماً الذي يرتب عليه الأجر خاص بما جاء فيه الحصر، ((لا سبق إلا في خف، أو نصل أو حافر)) الزيادة الموضوعة ((جناح)) هذه معروف خبرها أنها موضوعة، لا تثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما عدا ذلك لا يؤخذ عليه السبق.
شيخ الإسلام ابن تيمية ونصر كلامه ابن القيم في الفروسية وغيرها ألحقوا العلم في الجهاد، فقالوا: فيه سبق، وما عدا ذلك يبقى على المنع؛ لأن الأسلوب أسلوب حصر، ((لا سبق إلا)).
طالب: أحسن الله إليك، لو جعلت جائزة من أصحاب الخيول من يسبق يحصل على الجائزة؟
على كل حال لا يخضع للغنم والغرم، إما أن يغنم بدون غرم أو لا شيء.
طالب: يجعل مبلغ محدد كلهم أربعة خمسة أشخاص تجعل لهم هذه الجائزة لمن سبق.
نفس الشيء صارت غنم وغرم، ما ينفع هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
شوف، وإن سُبق لم يكن عليه شيء، الذين جمعوا صار عليه شيء الذي سبق.
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رئي وهو يمسح وجه فرسه بردائه، فسئل عن ذلك فقال: ((إني عوتبت الليلة في الخيل)) " الخبر مخرج؟ إيش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
كلام ابن عبد البر مرسل، ووصله ابن عبد البر من طريق ... إلى آخره، مخرج، يعني رواه غير مالك؟
طالب:. . . . . . . . .
هو عن يحيى عن أنس، وعند مالك مرسل، وقلنا مراراً: إن مالك قد يميل إلى الإرسال أكثر من الوصل، فيروى الحديث من طريقه في الصحيحين موصول، ويودعه في الموطأ مرسل، وذلكم لأن المرسل حجة عنده.(93/21)
يقول: ((إني عوتبت الليلة في الخيل)) يعني كأنه أهملها -عليه الصلاة والسلام-، أو صار منه شيء من ذلك لانشغاله بما هو أهم عنده في تقديره -عليه الصلاة والسلام-، فأمر بإكرامها.
طالب:. . . . . . . . .
إيش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
عندنا أيضاً يقول: وصله ابن عبد البر، يعني في الشروح: قال: وصله ابن عبد البر من طريق عبيد الله بن عمرو الفهري عن مالك عن يحيى يعني ابن سعيد المذكور هنا عن أنس، وإذا قلنا: إن السند عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أنس صحيح بلا إشكال.
قال: "وحدثني عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين خرج إلى خيبر، في أوائل سنة سبع من الهجرة، أتاها ليلاً، وكان إذا أتى قوماً بليل لم يغر حتى يصبح" أتاها ليلاً فنام دونها، عرس دونها، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه عادته يمهل حتى يصبح، فإن سمع أذاناً كف، وإن لم يسمع الأذان أغار -عليه الصلاة والسلام-.
"وكان إذا أتى قوماً بليل لم يغر حتى يصبح، فخرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم" كان اليهود يترقبون مجيء النبي -عليه الصلاة والسلام- في كل لحظة، فكانوا في كل يوم يخرجون بسلاحهم، في هذا اليوم خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم ليقضي الله أمراً كان مفعولاً "إلى حروثهم ومزارعهم" ما خرجوا بالسلاح "فلما رأوه قالوا: محمد والله، محمد والخميس" الخميس الجيش؛ لأنه يشتمل على خمس فرق، ميمنة وميسرة، ومقدمة ومؤخرة التي هي الساقة والقلب، مقدمة ومؤخرة التي هي الساقة، والميمنة والميسرة والقلب، هذه خمسة في الجهات الأربع مع القلب، لكن في شرح الزرقاني وغيره قال: سمي خميساً للخمسة أقسام ميمنة وميسرة ومقدمة وقلب وجناحان، تصير ستة ما تصير خمسة، وما معنى الجناحين مع وجود الميمنة والميسرة؟ هما جناحان، فكلامه فيه شيء من، يحتاج إلى تأمل.
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الله أكبر)) " التكبير مشروع في مثل هذه الأحوال ((خربت خيبر)) وهذا تفاءل بخراب ديار الأعداء ((إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين)) ومنهم من يقول: إن هذا تفاءل منه -عليه الصلاة والسلام- وتوقع، ومنهم من يقول: إنه بالوحي.(93/22)
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أنفق زوجين في سبيل الله)) " يعني دفع في سبيل الله، وسبيل الله أعم من أن يكون في هذا الجهاد، إلا أن إدخاله في هذا الباب في هذا الكتاب يجعل المرجح الجهاد، مع أنه منصوص على باب الجهاد، يعني فالحديث مطابق يعني لكتاب الجهاد.
((من أنفق زوجين)) يعني اثنين صنفين أو شيئين من صنف واحد، يعني وجدت سائل تعطيه ريالين مثلاً، أو قطعتين من فئة واحدة، اثنتين من فئة خمسة، أو اثنتين من فئة عشرة، أو ما أشبه ذلك، هذان زوجان، ومنهم من يقول: تعطيه صنفان، تعطيه من الدراهم وتعطيه من المتاع أو الطعام مثلاً، على كل حال النفقة في سبيل الله على أي وجه كانت مطلوبة، لكن من أنفق زوجين بدلاً من أن ينفق شيء واحد ينفق اثنين لا شك أن هذا يدل على طيب نفسه.(93/23)
((نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير)) هذا الذي صنعته خير، خير بلا شك، وأفضل من إنفاق زوج واحد، ((فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة)) الأعمال الكبرى في الإسلام كل واحد منها له باب يخصه من الأبواب الثمانية، من كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، يعني الغالب عليه في حياته الصلاة وإن كان يصوم، وإن كان يذكر، وإن كان يجاهد، وإن كان له نصيب من التلاوة، لكن الغالب عليه الصلاة؛ لأن الناس يتفاوتون، وبعض الناس مستعد يصلي في اليوم مائة ركعة، لكنه ليس بمستعد أن ينفق، ليس عنده استعداد أن يجلس فيقرأ، أو يتعلم أو يعلم، هذا من أهل الصلاة، شخص مستعد أن يصوم صوم داود، لكن تشق عليه الصلاة، أو تشق عليه الذكر والتلاوة، أو يشق عليه كذا، هذا من أهل الصيام، شخص مستعد أن يأخذ سيفه ويركب فرسه طول عمره يجاهد في سبيل الله، لكن ما عنده استعداد يصلي أو يقرأ أو يجلس، وبعض الناس طبيعته حركي، الحركة عنده أيسر عليه من الجلوس، وبعض الناس العكس يؤثر البقاء في مكانه، ويزاول من الأعمال ما يناسب الجلوس، وذكرنا مراراً أن بعض الناس عنده استعداد يقرأ ثلاث ساعات متواصلة قرآن، لكن تشق عليه سجدة التلاوة؛ لأن العبادات متنوعة، وهذا من نعم الله -جل وعلا- أن نوع العبادات ليأخذ كل شخص من الأعمال ما يناسبه مثل ما قلنا سابقاً: الواجبات ما عليها مساومة، مطلوبة من الجميع، لكن هذا في النوافل، تجد هذا الغالب عليه الصلاة يدعى من باب الصلاة.
((ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان)) ما قال من باب الصيام، قال: ((من باب الريان)) لمناسبة الصيام الذي يؤثر في النفس العطش.
"فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله ما على من يدعى من هذه الأبواب من ضرورة؟ " يعني هل في أحد يدعى؟ أو يمكن أن يدعى من هذه الأبواب أحد "فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها؟ قال: ((نعم، وأرجو أن تكون منهم)) وهل يمكن أن يدخل شخص واحد من أبواب ثمانية أو يخير؟ يعني هل يدخل مع باب ثم يخرج ثم يدخل مع الثاني ثم يخرج أو يخير يقال: هذه الأبواب الثمانية ادخل من أيها شئت؟ هذا هو الظاهر.(93/24)
طالب:. . . . . . . . .
الفرض ما فيه مساومة، ولا يتميز به أحد، هذا للناس كلهم، لكن الإكثار من النوافل هو الذي يقتضي أن يدعى من هذا الباب.
قال -رحمه الله تعالى- .... هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
هي ثمانية، من الثمانية.
طالب:. . . . . . . . .
هو باب خامس لكن أيضاً كونه أيمن نسبي، فكل واحد منها أيمن بالنسبة للذي هو عن يساره، تكلموا عن هذا أهل العلم، على كل حال هي ثمانية.
باب: إحراز من أسلم من أهل الذمة أرضه
من أهل الذمة أسلم لكن هل قبل الهزيمة؟ يعني أثناء التخيير قبل الغزو يخيرون بين أن يسلموا أو يدفعوا الجزية أو يقاتلوا، من أسلم هذا يحرز ماله قبل القتال، لكن من أسلم بعد الغزو وبعد الهزيمة، هل يحرز ماله؟ قال: "باب إحراز من أسلم" هذا مطلق سواءً كان قبل أو بعد والإمام يفصل "من أهل الذمة أرضه".
"سئل مالك عن إمام قبِل الجزية من قوم فكانوا يعطونها" يعني ما ترددوا فيها "أرأيت من أسلم منهم أتكون له أرضه، أو تكون للمسلمين ويكون لهم ماله؟ فقال مالك: ذلك يختلف: أما أهل الصلح" يعني بدون قتال، صولحوا على أرضهم، وصاروا يدفعون العشر، صولحوا على أرضهم، ويدفعون ما فرض عليهم، ثم أسلم، هذا له حكم، لكن من قوتل، وغنم المسلمون أرضه، وجعلوها بيده يعمل بها بأجرة، كما كان شأن أهل خيبر له حكم.(93/25)
قال: "أما أهل الصلح فإن من أسلم منهم فهو أحق بأرضه وماله، وأما أهل العنوة" الذين أخذوا عنوة بقتال، "فمن أسلم منهم فإن أرضه وماله للمسلمين" قال: "لأن أهل العنوة قد غلبوا على بلادهم" يعني ففاتتهم أخذت من أيديهم، وحينئذٍ لا ترجع عليهم إلا إذا أعادها الإمام نظراً للمصلحة كما فعل بغنائم حنين -عليه الصلاة والسلام- "وصارت فيئاً للمسلمين" في فتح مكة مثلاً من أهل العلم من يرى أنها فتحت عنوة، وعلى هذا لا يجوز بيع دورها ولا تأجيرها، هي للمسلمين كلهم، ولا يجوز أن يوضع عليها أبواب، من جاء من خارج مكة يسكن في أي مكان شاء، ومنهم من يقول: إنها فتحت صلحاً، وكان أهلها أحق بها، ولا يمنع أن تفتح عنوة، والقتال حصل، وأبيحت للنبي -عليه الصلاة والسلام- ساعة من نهار، ولا يمنع مع ذلك أن يمن النبي -عليه الصلاة والسلام- على أهلها بممتلكاتهم وعقارهم كما من عليهم برقابهم.
"وأما أهل الصلح فإنهم قد منعوا أموالهم وأنفسهم" يعني بهذا الصلح وبهذا الاتفاق وبهذا العقد منعوا أموالهم وأنفسهم "حتى صالحوا عليها، فليس عليهم إلا ما صالحوا عليه".
باب: الدفن في قبر واحد من ضرورة
باب الدفن في قبر واحد، يعني أكثر من شخص يدفنون في قبر واحد من ضرورة، وإلا فالأصل أن لكل مسلم يموت له قبره الخاص، ولا يجوز دفن اثنين في قبر واحد إلا لضرورة "وإنفاذ أبي بكر -رضي الله عنه- عدة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني من وعده النبي -عليه الصلاة والسلام- بشيء أنفذه أبو بكر، فالمسألة عدِة وليست عدَّة، ومن ذلكم كتاب (عِدَة الصابرين) أو عُدة؟ بعضهم يقول: عُدة الصابرين وعِدة، يعني ما وعدهم الله -جل وعلا-.
"عدة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته" بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.(93/26)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو" بن حرام، والد جابر بن عبد الله "الأنصاريين ثم السلميين" هما من بني سلمة، وبنو سلمة عند النسب يقال: سلمي؛ لأن كل مكسور الثاني يفتح في النسب، سلِمة سلمي، ما يقال: سلِمي، لا تتوالى كسرات كثيرة ما يصلح، نمِرة نمري، كأبي عمر الذي تكرر عندنا ابن عبد البر النمري، النسبة إلى ملك، ملَكي، ما يقال: ملِكي، مثلها، هذه قاعدة عند أهل العلم.
قال: "ثم السلميين، كانا قد حفر السيل قبرهما" يعني جاء السيل فاجتاح القبور، ومنها القبر الذي فيه هذين الصحابيين "وكان قبرهما مما يلي السيل، وكانا في قبر واحد، وهما ممن استشهد يوم أحد" السنة الثالثة يعني بعد ستة وأربعين سنة حفر قبرهما "وكان قبرهما مما يلي السيل، وكانا في قبر واحد، وهما ممن استشهد يوم أحد، فحفر عنهما ليغيَرا من مكانهما" على شان ما يصيرون في طريق السيل، كل ما جاء سيل اجتاح القبر، نبشا فغير مكانهما "فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس" القريب، وهكذا الأرض لا تأكل أجساد الشهداء، ومن باب أولى الأنبياء "وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه" واضع يده ماسك الدم لا يخرج بيده، فوضع يده على جرحه "فدفن وهو كذلك، فأميطت يده عن جرحه" أزيلت، لما أزيلت خرج الدم، "فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت، وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة" وهذا مما يبين فضل الشهادة والقتل في سبيل الله.
"قال مالك: لا بأس أن يدفن الرجلان والثلاثة في قبر واحد من ضرورة" إما لكثرة الأموات، أو لضيق الأرض مثلاً "ويجعل الأكبر مما يلي القبلة" امتثالاً لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((كبر كبر)) فالسن له دور في مثل هذا.(93/27)
قال: "حدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: قدم على أبي بكر الصديق مال من البحرين، فقال: "من كان له عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأيٌ" وأي ضمان، ضمن له رسول الله -عليه الصلاة والسلام- كذا، أو وعده بشيء، إذا جاءنا مال من الصدقة أو من كذا أعطيناك كذا "وأي أو عدة فليأتني؟ " لأن الخليفة يقوم مقام النبي -عليه الصلاة والسلام-، والخليفة الثاني يقوم مقام الخليفة الذي قبله، فهذه العدات وهذه الضمانات لا تضيع بتغير الخلفاء، بل الضمان قائم إذا كان شرعياً.
"فليأتني، فجاءه جابر بن عبد الله" وكان قد وعده النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يعوضه ويعطيه شيء من المال "فحفن له ثلاث حفنات" تنفيذاً لعدة النبي -عليه الصلاة والسلام-، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(93/28)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب النكاح والطلاق (1)
باب: ما جاء في الخطبة - باب: استئذان البكر والأيم في أنفسهما - باب: ما جاء في الصداق والحباء - باب: إرخاء الستور - باب: المقام عند البكر والأيم.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا حي يا قيوم.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
كتاب النكاح
باب: ما جاء في الخطبة
حدثني يحيى عن مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)).
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)).
قال مالك -رحمه الله-: وتفسير قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما نرى -والله أعلم- لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه، ويتفقان على صداق واحد معلوم وقد تراضيا، فهي تشترط عليه لنفسها، فتلك التي نهى أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه، ولم يعن بذلك إذا خطب الرجل المرأة فلم يوافقها أمره، ولم تركن إليه أن لا يخطبها أحد فهذا باب فساد يدخل على الناس.
وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يقول في قول الله -تبارك وتعالى-: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} [(235) سورة البقرة] أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها: إنك علي لكريمة، وإني فيك لراغب، وإن الله لسائق إليك خيراً ورزقاً ونحو هذا من القول.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:(94/1)
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب النكاح
البسملة موجودة في التراجم الكبرى، الكتب، كتب هذا الكتاب مسبوقة بالبسملة، وهي موجودة أيضاً في كثير من كتب السنة كصحيح البخاري، وهي أحياناً -وهو الغالب- تقدم على الترجمة، وأحياناً تؤخر عنها، تقدم أحياناً على الترجمة كما هنا:
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب النكاح
وأحياناً في صحيح البخاري تؤخر عن الترجمة:
كتاب النكاح
بسم الله الرحمن الرحيم
ولكل وجه، أما تقديمها على الترجمة فهذا هو الأصل أن يبتدئ بها، وأما تأخيرها عن الترجمة فالترجمة بمثابة اسم السورة في المصحف، وهي متقدمة على البسملة، على كل حال الأمر سهل يعني سواءً تقدمت أو تأخرت، المشروع أن يبدأ بها.
قوله: "كتاب النكاح" الكتاب مضى تعريفه مراراً، وهو أنه مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابة وكتباً، والمادة تدور على الجمع، فالكتب هو الجمع، والكتابة جمع واجتماع، يقال: تكتب بنو فلان إذا اجتمعوا، ومنه كما يقول أهل العلم لجماعة الخيل: كتيبة، ومنه أيضاً قول الحريري:
وكاتبين وما خطت أناملهم حرفاً ... ولا قرأوا ما خط في الكتبِ
يقصد بذلك الخرازين الذين يجمعون بين صفائح الجلود بخرازها، ومثل من يجمع بين الخرز مثلاً يكتبها، ينظمها في سلك واحد فيجمعها، والمراد به هنا المكتوب، اسم المصدر يراد به اسم المفعول، كالحمل يراد به المحمول، والمراد المكتوب الجامع لمسائل النكاح.
والنكاح مصدر نكح ينكح نكاحاً، والأصل فيه الضم، يقال: تناكحت الأشجار إذا انضم بعضها إلى بعض، ويقول الشاعر:
أيها المنكح الثريا سهيلاً ... عمرك الله كيف يجتمعان؟
يعني كيف تضم سهيل وهو يماني إلى الثريا وهي شامية؟ كيف يجتمعان؟ فالمراد بالنكاح في أصل اللغة: الضم والتداخل.
وهو في الاصطلاح متردد بين العقد والوطء، فمن أهل العلم من اللغويين وغيرهم يرون أن الأصل فيه العقد، النكاح هو العقد، وإطلاقه على الوطء مجاز، ومنهم من يرى العكس، حقيقته في الوطء، وإطلاقه على العقد مجاز، ووروده في النصوص في العقد أكثر، وفي الوطء {حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [(230) سورة البقرة] يعني لا بد أن توطأ بالعقد الصحيح.(94/2)
وشيخ الإسلام يوفق بين هذه النصوص ويجمع هذه الآراء بقوله: إن النكاح المأمور به لا يصدق على واحد منها، إنما يصدق بهما مجتمعين، المأمور به، ففي قوله: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء} [(3) سورة النساء] هذا لا يتحقق بمجرد العقد، لا يتم الامتثال بمجرد العقد، يعني يعقد ويطلق ويقول: الحمد لله أنا برأت ذمتي من هذا الأمر، لا، لا بد أن يعقد، وأن يطأ، فالنكاح المأمور به لا يتحقق إلا بالأمرين، والنكاح المنهي عنه في سياق النهي يصدق على العقد وحده، وعلى الوطء وحده، {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم} [(22) سورة النساء] لا يجوز أن يعقد عليها فقط، ولا يجوز أن يطأها فقط، ومن باب أولى أن لا يجمع بينهما.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الخطبة
الخطبة: هي طلب نكاح المرأة من وليها، هذه هي الخطبة، أن يتقدم الراغب في النكاح إلى ولي امرأة تناسبه فيطلبها من وليها ليتزوجها على سنة الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)) " الفعل خطب يخطب في البابين، في الخطب الكلامية، وفي طلب النكاح، الفعل واحد، لكن المصدر فرقوا بين الكلام وبين الرغبة في النكاح وطلبه، فقالوا بالكلام: خُطبة، وقالوا في النكاح: خِطبة للتفريق بينهم.
((لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)) هذا نهي، وفي الذي يليه.(94/3)
"عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)) " والحديثان في البخاري، كلاهما مخرج في البخاري، وتفسير الخبرين عند الإمام مالك منصب ومنصرف على ما إذا تم الاتفاق وحدد المهر، تم الاتفاق، وركن إلى الخاطب، وحدد المهر والصداق، فيأتي شخص يتقدم لخطبتها، وعنده من الأوصاف أو الأحوال ما يجعله يقدم على الخاطب الأول، بأن يكون أجمل أو أصغر سناً أو أكثر تجارة، أو حتى أكثر ديانة، كل هذا لا يجوز له أن يتقدم، ولو كان أفضل وأكفأ من الذي تقدم الأول، ما دام الأول لا يجوز رده، ولو كان مفضولاً بالنسبة للخاطب الثاني، فلا يقول: والله أنا أولى بهذه المرأة الدينة الصينة العالمة العابدة من ذاك، يخشى عليها أن تضيع إذا تزوجت به، وأنا سبب لحفظها، ومتابعة علمها وعملها، لا يجوز له ذلك ولو غلب على ظنه ذلك؛ لأن هذا تعدي على حق أخيه المسلم، وهذا مما يورث البغضاء والشحناء بين المسلمين، وأيضاً فيه تزكية للنفس، وما يدريك أنك تكون سبباً لانحرافها ثم تنحرف أنت، والقلوب بيد الله -جل وعلا-، فإذا ركن إلى الشخص ومالوا إليه لا يجوز التقدم على خطبة من خطبها، ومنهم من يقول: إنه بمجرد الخطبة، ولو لم يترجح شيء، ما دام الشخص تقدم لا يجوز أن يتقدم غيره، حتى يرد رداً صريحاً، وهذا هو المناسب للفظ الحديث ولمعناه أيضاً، بمجرد ما يتقدم زيد إلى هذه الأسرة يخطب منها لا يجوز أن يتقدم غيره حتى يرد رداً صريحاً.(94/4)
قد يقول قائل: والله هذا الشخص لا يناسب هذه المرأة، وليس من المصلحة أن تقترن به، وأنا أذهب إليهم من باب المشورة من أجل أن يردوه، ثم بعد ذلك يتقدم لخطبتها إذا ردوه، المسألة مسألة ديانة، انظر إن كنت ناصحاً بالفعل إن كان لا يصلح، لكن من الورع أن لا تتقدم لخطبتها، فالحديث وما جاء في معناه في هذا الباب وفي غيره من الأبواب نهى عن البيع على بيع أخيه، ونهى عن السوم على سوم أخيه، والخطبة على خطبته، كل هذا من أجل الصفاء والود والمحبة بين أفراد المجتمع المسلم، ولا شك أن هذه من أعظم ما يوغر الصدور لا سيما في باب النكاح، يعني سائر السلع تهون عند هذا الباب، فإذا ركن إلى المرأة واقتنع بها ورآها، وتقدم لخطبتها، ووقعت في قلبه؛ لأن المسألة تقع في القلب من كثرة الترداد، ترداد الشيء في النفس، يعني لو أنه بمجرد ما قيل له في مجلس مثلاً: إن فلاناً عنده بنت تناسبك، ثم قال واحد في المجلس: ويش رأيك تتنازل لي عنها؟ أنا أرغب في هذه الأسرة، أمر سهل يعني تتنازل بسرعة، بسهولة يتنازل، لكن لما تذكر له، وتمدح له، وتتردد في خاطره وذهنه، ويتحدث بها في المجالس، ويتحدث بها إليه، خلاص صعب التنازل جداً، إلا من شخص يملك نفسه ملكاً، ويقهرها على الفضيلة.(94/5)
هنا يقول الإمام مالك: "وتفسير قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما نرى" يعني فيما نظن، وفيما يغلب على الظن "والله أعلم لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه" تميل إليه، "ويتفقان على صداق واحد معلوم" معناه أنه أجيب بصريح العبارة، أو بالقرينة القوية القريبة من الصريحة، ما دام حددوا الصداق فالمعنى أنهم وافقوا، جميع الأطراف وافقت على صداق "وقد تراضيا، فهي تشترط عليه لنفسها" الآن حدد الصداق، ركنت إليه، وحدد الصداق، ثم قالت للخاطب هذا الذي اتفقت معه على هذا الصداق قالت: أنا أشترط أن لا تخرجني من بلدي، أو لا تتزوج علي، أو أكمل الدراسة، أو أعمل بعد التخرج، في هذه المدة فيه ركون، وفيه تحديد للصداق، لكن أيضاً العقد الإيجاب والقبول ما تم، ما تم الإيجاب والقبول باعتبار وجود الشرط يوافق أو لا يوافق؟ في هذه المدة لا يجوز عند الإمام مالك، لكن يجوز فيما قبله، يعني لو ركنوا إليه ولا حدد الصداق، يجوز عندهم، لكن لفظ الحديث يشمل جميع ما يخدش في نفسية المتقدم الأول؛ لأن المعنى الذي من أجله منع هو المحافظة على سلامة القلوب بين أفراد المجتمع المسلم، وكونه يتقدم ولا يدرى هل يعطى أو يرد، إذا تقدم أحد بين يديه هذا لا شك أنه يؤثر عليه، قد يقول قائل: إنه يؤثر عليه ولو رد رداً صراحاً؛ لأن بعض الناس إذا خطب امرأة ثم ردوه رداً صريحاً قالوا: لا والله أنت لا تناسبنا ولا نناسبك، فردوه رداً صريحاً، بعضهم هذا المردود قد يكره، ويجد في نفسه شيئاً على من تقدم لخطبتها بعده، هذه الكراهية بدون حق، فلا يلتفت إليها، يعني وجودها مثل عدمها، فإذا رد رداً صريحاً لأي مسلم أن يتقدم لخطبتها.(94/6)
"فتلك التي نهى أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه، ولم يعن بذلك إذا خطب الرجل المرأة فلم يوافقها أمره، ولم تركن إليه" ولم تمل إليه، أن لا يخطبها أحد، لا، ليس معنى هذا أنه إذا رد الخاطب الأول أنه خلاص يمتنع منها غيره من خطبتها، ولو وقع خشية أن يقع في نفس الخاطب الأول شيء، هذا لا التفات إليه، قال: "وليس المراد إذا خطب الرجل المرأة فلم يوافقها أمره، ولم تركن إليه أن لا يخطبها أحد، فهذا باب فساد يدخل على الناس" الخطبة إذا رد الخاطب ما في خطبة أصلاً خلاص انتهت، طلب ورد وانتهى، فلا يدخل في عموم الحديث، لفظ الحديث لا يشمل هذه الصورة؛ لأنها لا تسمى خطبة، ما دام رد فليست بخطبة، الخطبة ما زالت قائمة، والمسألة فيها مداولة، وفيها احتمال، نعم الخطبة قائمة، فلا يجوز أن يخطب على خطبته، أما إذا رد فالخطبة ملغاة، لا وجود لها، ولا قيمة لها، فلا يتردد في خطبتها بعد خطبة الأول المردود، ولو تردد الناس عن خطبتها لأن فلاناً خطبها حصل من هذا ما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- قال: "فهذا باب فساد يدخل على الناس" لأنه قد يسول إليهم أن هذا يؤثر على ذلك الخاطب، لكنه لا يجوز أن تترك هذه المرأة لأن فلاناً تقدم إليها ولم ... ، قد يكون بعض الخطاب ممن يخشى شره، وفي هذا عوائد لبعض القبائل يسمونه تحيير، خلاص فلانة محجوزة لفلان، فلانة لا تريد فلان، أبوها لا يريد فلان، خلاص الآن محيرة ما يمكن يتقدم أحد لخطبتها، وخطر أن يؤذى أو يقتل إذا تقدم إليها، هذا لا يجوز ألبتة، هذا اعتداء محرم، لا يجوز أن تعضل النساء بمثل هذه الطريقة، وقد يكون الأب يركن إلى هذا الرجل؛ لأنه ابن أخيه أو ابن عمه، فتحجز له بالاتفاق مع والدها، لكن البنت لا ترضى بهذا، المرأة أحق بنفسها مهما كان، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن على ما سيأتي.(94/7)
قال: "وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يقول في قول الله -تبارك وتعالى-: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} [(235) سورة البقرة] ".(94/8)
المرأة إذا توفي عنها زوجها، هي ذات زوج، وهي معروفة في بيئتها، في أقارب زوجها، في جيرانها، قد تكون متميزة، فكثير من الأقارب وبعض الجيران تحدثه نفسه أن يتزوجها بعد وفاة زوجها، في مدة الإحداد، في مدة العدة لا يجوز بحال أن يصرح لها بالخطبة {عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} [(235) سورة البقرة] مذكور في النفس يعني، التطلع إليها مذكور في النفوس، لكن التصريح لا يجوز بحال، حرام، أما بالنسبة للتعريض والتلميح فهو جائز {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [(235) سورة البقرة] الإثم معروف {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء} [(235) سورة البقرة] تعريض {أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ} [(235) سورة البقرة] موجود في النفس أنه يريد الزواج بها {عَلِمَ اللهُ} [(235) سورة البقرة] ما خفي منكم في نفوسكم، لا يخفى على الذي يعلم السر، وما هو أخفى من السر {عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [(235) سورة البقرة] ما ترفع سماعة التليفون وتكلم عليها تقول: أنت محجوزة، أو يصرح لها بالخطبة، التصريح لا يجوز لا سراً ولا علناً، وأما بالنسبة ... ، التلميح السري أيضاً يدخل في عموم الآية، والتلميح بمحضر من الناس، أو على ألا يكون سراً هذا لا بأس به، والجناح والإثم مرفوع عنه؛ لأن الاتفاق بالسر إن كان صريحاً فلا إشكال فيه، وإن كان تلميحاً فلا شك أنه يقع في نفسها الاتفاق بينها وبينه، وقد يستدرجها، وقد تستدرجه بالكلام، ويجر إلى ما هو أصرح من ذلك، ثم بعد ذلك يتم الاتفاق، وقد تجحد باقي العدة وباقي الإحداد، فيؤول الأمر إلى المحظور، {وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} [(235) سورة البقرة] هذا بالنسبة لمن توفي زوجها، فما الشأن بالنسبة لمن هي في عصمة زوج، يعني بعض السفهاء قد تعجبه امرأة فلان من الناس فيتصل عليها فيقول: لي فيك رغبة، إذا توفي فلان أو طلقك فلان، هذا لا يجوز بحال، لا تصريح ولا تلميح، ووصل الحد عند بعضهم إلى التخبيب بأنه أفضل من فلان، وأنه يدفع أكثر من فلان، وأنه يقدر ويحترم النساء أكثر(94/9)
من فلان، ثم بعد ذلك تحاول وتنكد على زوجها حتى يطلقها، هذا لا يجوز، بل هذا ملعون ((من خبب زوجة على زوجها)).
" {إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} [(235) سورة البقرة] أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها: إنك علي لكريمة" دل على أن له رغبة فيها، وإني فيك لراغب، وإذا حللت فآذنيني كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لفاطمة بنت قيس لما مات عنها زوجها ((إذا حللت فآذنيني، وإن الله لسائق إليك خيراً ورزقاًً)) ونحو هذا من القول، الذي فيه التعريض وليس فيه التصريح.
لو قال شخص: أنا لا أريدها لنفسي، لكن أطلبها صراحة من نفسها لفلان من الناس، الخطبة الصريحة سواء كانت له أو لغيره لا تجوز، ولا يجوز في هذه الحالة إلا التعريض، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما قال: ((إذا حللت فآذنيني)) لا يريدها لنفسه، وإنما أشار عليها بأسامة بن زيد -رضي الله عنه-، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: استئذان البكر والأيم في أنفسهما
حدثني مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-: "لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها، أو ذي الرأي من أهلها، أو السلطان".
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله كانا ينكحان بناتهما الأبكار ولا يستأمرانهن.
قال مالك: وذلك الأمر عندنا في نكاح الأبكار.
قال مالك: وليس للبكر جواز في مالها حتى تدخل بيتها، ويعرف من حالها.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار كانوا يقولون في البكر يزوجها أبوها بغير إذنها: إن ذلك لازم لها.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: استئذان البكر والأيم في أنفسهما(94/10)
الاستئذان يعني طلب الإذن بالنسبة للبنت المخطوبة، وسواءً كانت بكراً أو أيماً، لا بد أن تستأذن، لا بد أن يستأذن الجميع، لا بد من أخذ الإذن، من طلب الإذن، لكن يتفاوت الجواب، البكر يكفي صماتها، إذا سكتت فهو علامة القبول، وأذنها صامتها، وأما بالنسبة للأيم الثيب فلا بد أن تصرح بالقبول أو الرد، والسبب أن البكر غر، لم تجرب، ولا عاشرت الرجال، بخلاف الثيب فإنها لمخالطتها ومعاشرتها الزوج الأول انكسر عندها شدة الحياء، لا أقول: انكسر الحياء، وإنما شدته، وأما بالنسبة للعذراء البكر فإنها لا تستطيع أن تتكلم بكلمة، وهذا هو الأصل في البنت الباقية على عفتها وصيانتها وفطرتها، وأما الآن تغير الحال، وانكسر الحاجز فصارت البنت هي التي تخطب لنفسها، وتكتب في أشرطة القنوات وهي بنت ما زالت قبل العشرين من عمرها، ما عاشرت رجال إلا أن الخلطة أزالت وكسرت حاجز الحياء، فصار البنات أكثر كلاماً من أمهاتهم في هذا الباب، ويتكلمون في الكلام الصريح والقبيح أيضاً، -نسأل الله السلامة والعافية-، يعني هذه النصوص التي معنا تدل على أن الفطرة تمنع البنت البكر من أن تتكلم، ولا تهز ولا رأسها، ما تقول: لا نعم ولا لا، ولا تحرك رأسها، إنما تسكت، هذا يدل على القبول، وأما الرفض فلا علاقة له بالحياء إلا إذا رفضت رفضاً مقروناً بشيء يخدش الحياء، لو أبدت عذراً مما يتعلق بأمور الجنس مثلاً لرفضه هذا خدش في الحياء، لكن إما أن تسكت أو تقول: لا أريده، هذا الأصل في البكر، والآن انظر ترى، الكلام بدايته ونهايته مع هذه البنت؛ لسهولة الاتصال، ولكثرة الاختلاط بالرجال الذي سهل وكسر الحاجز كسراً، ما فتح باب، كسره كسراً، وتجد البنت تتكلم بملء فيها، وتتشدق فيه، وتنطق بمثل هذا الكلام بأحكام التجويد أيضاً، ما يكفي أنها كلام عادي، تتشدق تشدقاً، يعني يسمع كلام شيء ما يجرؤ عليه ولا الرجال، وعرفنا في جيلنا أن الولد لا يتكلم، الأب يقول: خطبنا لك فلانة والله ما يرد كلمة، لا إيه ولا لا، كله من الحياء، نعم الحياء إلى هذا الحد قد يوقع الإنسان في الدخول على امرأة لا تناسبه، وقد لا تطول معها عشرته، فهذا الحياء إلى هذا الحد فيه ما فيه، لكن يبقى أنه حياء،(94/11)
والحياء خير كله، وكم من إنسان خطب له امرأة لا يريدها، ولم يستطع أن يعترض، وهي لا تناسبه، ومع ذلك مشت أموره على أفضل حال، فإذا كان هذا في الرجال فما شأن النساء؟ وكانت النساء تستعد لليلة الدخول بالملابس القوية الصفيقة، وقد تستعمل أربطة وأحزمة، لا يمكن تجاوزها إلا بسكين وشبهها، وأما الآن فتستقبله عند باب الغرفة بوضع لا يمكن أن يذكر في مثل هذا المجلس، والحوادث والقصص كثيرة، يعني كأنها تزوجته من عشر سنين، والله المستعان.
"حدثني مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم" لا شك أن كثرة الإمساس يقلل الإحساس، وكون المرأة من صغرها من ست سنوات وهي خراجة ولاجة يومياً تذهب إلى الدراسة وترجع في الصباح، وفي المساء في الأسواق، وفي الليل في الاجتماعات، ويمين ويسار، هذا لا يبقي على شيء من الحياء، وخير مال المرأة أن لا ترى الرجال ولا يرونها، وإذا لم ترهم في الشارع رأتهم في البيت في القنوات وغيرها، والله المستعان.
"حدثني مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم".
يعني وإذا تطرقنا لمسألة مشاهدة القنوات فالضرر حاصل بجميع القنوات من غير استثناء بالنسبة للنساء في نظرهن للرجال، وكم من بنت صالحة فتنت بشيخ، بعالم، طالب علم، من خلال شكله مثلاً، أو من خلال طريقته في عرض العلم؛ لأن بعض طالبات العلم يستهويهن هذا، ويغفلن عما عداه، وأما بالنسبة للشكل فحدث ولا حرج، وطلاب العلم الذين يخرجون في القنوات يضايقون؛ لأنه عرفهم كثير من البنات، بما في ذلك طالبات العلم، والمسألة مسألة غريزة وجبلة يشترك فيها الجميع، وحسم الباب بالكلية، وقطع دابر الفساد من جذوره هذا هو الأولى، وهو الأحرى، وهو اللائق بالمسلم المتحري الحريص على عرضه وعلى دينه، وعلى أهله.(94/12)
قال: "حدثني مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الأيم أحق بنفسها من وليها)) " الأيم: هي الثيب، والأصل فيه من لا زوج له من ذكر أو أنثى، بكراً أو ثيباً، هذا الأصل لكنه في الحديث وفي العرف ينصرف إلى الثيب، الثيب ((أحق بنفسها من وليها)) الكلمة الأولى والأخيرة لها، إذا خطبت من وليها، الخطبة لا تكون منها، إنما الخطبة من وليها، فهو الذي يتولى أمرها، لكن القبول والرد بيدها، الأب له أن يشير عليها، وله أن يوضح لها ما في الخاطب من محاسن، أو من مساوئ، ثم بعد ذلك تقرر، فهي أحق بنفسها من وليها، لكن إذا لم يبق إلا الإيجاب والقبول فهو للولي لا لها، كما هو معروف، وهو قول جماهير أهل العلم، ولا نكاح إلا بولي.
((الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها)) أحق: أفعل تفضيل، فهي أولى من وليها، لكن هل هذا ينفي أن للولي حقاً في موليته ولو كانت أيماً؟ نعم؟ أفعل التفضيل ويش يقتضي؟ عندنا أيم، وعندنا ولي، الأيم أحق من الولي، أفعل التفضيل يقتضي أن هناك شيئين اشتركا في وصف فاق أحدهما الآخر في هذا الوصف، فالأيم لها حق والولي له حق، إلا أن حق الأيم أعظم، فهي أحق بنفسها، والولي يبقى له حق، لكنه مفضول، لا يعني أن الولي وجوده مثل عدمه، أو أن الأب والأخ والعم وغيره من الأولياء كسائر الناس، لا، له حق، لكنها هي أحق بهذا الحق.
((الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها)) يعني الأمر للمرأة، سواءً كانت أيماً أو بكراً، والفرق بينهما أن الأيم تملك من الأمر قل: تسعين بالمائة؛ لأنها أحق من وليها، والبكر أيضاً تملك إذا استأذنت الرفض، وإذا قبلت تسكت، ((وإذنها صماتها)) فحقها في هذا الأمر أقل من حق الثيب، وإن كانت الرد والقبول النهائي من المرأة سواءً كانت بكراً أو أيماً، والوالد له أن يبين المحاسن، وله أن يضغط ضغطاً لا يجعله يلغي حرية اختيارها، لكن إذا رأى المصلحة راجحة عليه أن يبين المحاسن، ويكرر القول، ويقنع البنت بالأسلوب المناسب، لكن ليس له أن يلغي حريتها.(94/13)
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب: "لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها، أو ذي الرأي من أهلها، أو السلطان" يعني إذا كان الأمر لها هي التي تقبل، وهي التي ترفض فما فائدة الولي؟ الولي للتفريق بين النكاح والسفاح، يعني لو ولم يوجد ولي ويشترط ولي لكان كل من عثر عليهما في اجتماع محرم قالت: أنكحتك نفسي وانتهى الإشكال، وقال: قبلت، وقالت: هذا زوجي، أنكحته نفسي وقبل هذا الزواج، فلا يكون هناك فرق بين العقد الصحيح، والزنا، ما يكون هناك فرق، والشرع يأتي بحسم كل أمر يؤول إلى فساد، ويترتب على القول بعدم اشتراط الولي مثلما ذكرنا، وهذا كثير في البلدان التي تعتنق المذهب الذي لا يشترط الولي، يعني إذا عثر على بغي مع فاجر، قالت: والله أنكحته نفسي وانتهى الإشكال، نسأل الله العافية، وكم من قالت مثل هذا الكلام، ووافقها الرجل، وهي في ذمة زوج آخر، كل هذا بسبب التساهل، في الخلوات المحرمة، والاختلاط المحرم، والتبرج المحرم، وكون مثل هذا الرأي يسود في مجتمعات المسلمين، أيضاً هو من وسائل تسهيل هذا الأمر.
"قال عمر بن الخطاب: "لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها" والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا نكاح إلا بولي)).
"أو ذي الرأي من أهلها" يعني إذا لم يوجد الولي الأقرب ينتقل إلى ولي أبعد، ويشترط فيه أن يكون من أهل الرأي والحزم، الذي يعرف المصلحة والمفسدة المتعلقة بهذه المولية، أما إذا لم يوجد ولي ألبتة لا من الأقارب ولا من الأباعد فالسلطان ولي من لا ولي له.(94/14)
يوجد في بعض البلدان أناس وفدوا على هذا البلد من غير أهله، ويكون الولي في بلده، وهو بعيد لا يمكن مكاتبته، ولا يمكن الذهاب إليه، ولا يمكن إتيانه، فتجدهم يتساهلون في مثل هذا تساهل كثير، يعني يوجد من الوافدين من يتساهل في هذا الباب، فالأم تقول: أنا الولي، ومعي ولاية، وعندي ولاية من بلدنا، وتجد ... ، المرأة لا تتولى على نفسها فضلاً عن أن تتولى عن غيرها، أو تقول: هذا أخوها أو عمها، ثم يتبين أنه لا تمت له بصلة، أو يتصل على شخص في بلدها فيقول: هذا أبوها، فيقول: أنكحتك، كل هذا تساهل غير مرضي، ولا يجوز ألبتة، فإذا لم يحضر الولي يرسل، ينيب من يعقد عنه، ويرسل وكالة شرعية معتبرة بالشهود الثقات الأثبات، وما عدا ذلك فلا.
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله" من الفقهاء السبعة، فقهاء المدينة، "كانا ينكحان بناتهما الأبكار ولا يستأمرانهن" أما البنت الصغيرة التي لم تكلف، لم تبلغ سن المحيض، لم تحض، هذه لأبيها فقط أن يجبرها، وليس ذلك لغيره من الأولياء، ولا إذن لها، ولا أمر لها، النبي -عليه الصلاة والسلام- عقد على عائشة وعمرها ست سنين، وبنى بها وهي بنت تسع، فهل يتصور عن بنت ست سنين تملك الإذن، وتعرف مصلحتها لتقبل أو ترفض؟ لا، فغير المكلفة يزوجها أبوها فقط؛ لأنه أعرف بمصلحتها، وألطف بها، وأرأف بها من نفسها ومن غيرها، فلا يتصور فيه أن يغشها، أما إذا بلغت سن المحيض فهذه لا سلطان لأحد عليها، أمرها بيدها، عن طريق وليها، وهنا يقول: "بلغه أن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله كانا ينكحان بناتهما الأبكار ولا يستأمرانهن".
"قال مالك: وذلك الأمر عندنا في نكاح الأبكار" يعني عند المالكية البكر لا رأي لها، يجبرها أبوها، وهو المعروف عند الحنابلة أيضاً.
ومنهم من يصححه نكاح الصغيرة، منهم من يصححه موقوفاً، بمعنى أنها إذا بلغت اختارت، ولا شك أن ما يذهب إليه الإمام مالك وهو مذهب الحنابلة من أن البكر تجبر مخالف للنصوص الصحيحة الصريحة، فلا إجبار بعد التكليف، ولا يجبر قبل التكليف إلا الأب.(94/15)
قال مالك: "وليس للبكر جواز في مالها" يعني لا تتصرف، أخذت الصداق، فلا تتصرف فيه، جواز في مالها حتى تدخل بيتها، يعني تنتقل من ولاية أبيها، فتتصرف تحت نظر زوجها، ويعرف من حالها أنها تحسن التصرف، يعني إذا اختبرت وبان أنها تحسن التصرف تتصرف، فلا تتصرف في مالها حتى تفارق وتخرج عن ولاية أبيها إلى زوجها، ويعرف من حالها أنها تحسن التصرف.
والمرأة تملك المال لأنها حرة مكلفة رشيدة، وقد تملك قبل ذلك، قبل الرشد تملك، بالإرث مثلاً، بالبيع والشراء، وإذا ملكت لها أن تتصرف بمقتضى الملك، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما خطب في العيد وعظ النساء وذكرهن، وأمرهن بالصدقة، فصرن يتصدقن من غير إذن أزواجهن.(94/16)
وفي سنن أبي داود حديث حسنه أهل العلم: "أن المرأة ليس لها أن تتصدق ولا تتصرف إلا بإذن زوجها" فإما أن يحمل هذا على أنه من باب الاستحباب والإرشاد، أو يقال: إن الصدقة بالشيء اليسير لا يحتاج إلى إذن، وأما الشيء الكبير فيحتاج إلى إذن، ومعروف أن تصرف المرأة في الغالب نفعه أقل من ضرره، فهي لا تحسن التصرف، ولا يقال: إن الإسلام بخس المرأة حقها، وجعل عليها الولاية للرجل، نعم عليها الولاية للرجل، يعني ولا نستطيع أن نتبرأ من مثل هذا، أو نتنصل عنه، لكن كما قال الله -جل وعلا-: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [(228) سورة البقرة] لكن الرجال مفضلون على النساء من هذا الباب، وهم أولياء الأمور، ولهم الكلمة النافذة على نسائهم، ومع ذلك المرأة كاملة الحرية، ولها من الحقوق مثل الذي عليها، بل جعل الشرع لها من الصيانة والحقوق على الزوج أكثر مما للزوج عليها، يعني من حيث حفظ الحقوق والرعاية؛ لأن جانبها ضعيف، فجاء التشديد في حقها، وأما الزوج فبقوته وسلطانه عليها لا يحتاج إلى مثل هذا التشديد، نظير ذلك ما جاء في النصوص من التشديد في حقوق الوالدين، لم يجيء نظيره من التشديد في حقوق الأولاد؛ لأن الولد ليس عنده من الغريزة ومن العطف والشفقة على والديه مثل ما عند الوالدين للولد، ولذا تجد أمور البر مشدد فيها؛ لأنها بصدد أن تضيع حقوق الوالدين بخلاف حقوق الأولاد، وكذلك حق المرأة واليتيم جاء التشديد فيهما، وظلم النساء جاء النهي عنه، والتحذير منه في خطبة حجة الوداع، ((عوان عندكم)) أسيرات عندكم، فلا يجوز ظلمهن بحال، ومع ذلك لهن من الحقوق وعليهن من الحقوق ما بينته الشريعة، وكفلته للطرفين.(94/17)
"وبلغه أن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار" وكلهم من الفقهاء السبعة "كانوا يقولون في البكر يزوجها أبوها بغير إذنها: إن ذلك لازم لها" لازم لها هذا يتجه إذا رضيت بعد ذلك، يعني أكرهت على الزواج فقبلت ذلك، لكن لو خاصمت لما صار لإكراهه أثر، والمرأة التي جاءت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقالت: إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع خسيسته، فخيرها النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالت: قبلت ما قبل أبي، وإنما أردت أن أبين أن الرجال ليس لهم سلطان على النساء، أو كما جاء في الخبر.
طيب هنا باب استئذان البكر يعني ما حكمه؟ ما جزم بحكمه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو حكم بأن الإجبار جائز من الأب، وهذا يقول: ذلك الأمر عندنا في نكاح الأبكار، ما حكمه؟ استئذان البكر والأيم في أنفسهما ما حكمه؟ تبينه النصوص، هنا ما جزم، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في الصداق والحباء
حدثني يحيى عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك، فقامت قياماً طويلاً، فقام رجل فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل عندك من شيء تصدقها إياه؟ )) فقال: ما عندي إلا إزاري هذا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك، فالتمس شيئاً)) فقال: ما أجد شيئاً، قال: ((التمس ولو خاتماً من حديد)) فالتمس فلم يجد شيئاً، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل معك من القرآن شيء؟ )) فقال: نعم معي سورة كذا وسورة كذا لسور سماها، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قد أنكحتكها بما معك من القرآن))
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-: "أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها كاملاً، وذلك لزوجها غرمٌ على وليها".(94/18)
قال مالك -رحمه الله تعالى-: وإنما يكون ذلك غرماً على وليها لزوجها إذا كان وليها الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها، أو من يرى أنه يعلم ذلك منها، فأما إذا كان وليها الذي أنكحها ابن عم، أو مولى، أو من العشيرة ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها فليس عليه غرم، وترد تلك المرأة ما أخذته من صداقها، ويترك لها قدر ما تستحل به.
وحدثني عن مالك عن نافع أن ابنة عبيد الله بن عمر وأمها بنت زيد بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- كانت تحت ابن لعبد الله بن عمر فمات ولم يدخل بها، ولم يسم لها صداقاً، فابتغت أمها صداقها، فقال عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: "ليس لها صداق، ولو كان لها صداق لم نمسكه ولم نظلمها"، فأبت أمها أن تقبل ذلك، فجعلوا بينهم زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه- فقضى أن لا صداق لها، ولها الميراث.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- كتب في خلافته إلى بعض عماله أن كل ما اشترط المنكح من كان أباً أو غيره من حباءٍ أو كرامة فهو للمرأة إن ابتغته.
قال مالك في المرأة ينكحها أبوها، ويشترط في صداقها الحباء يحبى به: إن ما كان من شرط يقع به النكاح فهو لابنته إن ابتغته، وإن فارقها زوجها قبل أن يدخل بها فلزوجها شطر الحباء الذي وقع به النكاح.
قال مالك في الرجل يزوج ابنه صغيراً لا مال له: إن الصداق على أبيه إذا كان الغلام يوم تزوج لا مال له، وإن كان للغلام مال فالصداق في مال الغلام إلا أن يسمي الأب أن الصداق عليه، وذلك النكاح ثابت على الابن إذا كان صغيراً، وكان في ولاية أبيه.
قال مالك في طلاق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها وهي بكر فيعفو أبوها عن نصف الصداق: إن ذلك جائز لزوجها من أبيها فيما وضع عنه.
قال مالك: وذلك أن الله -تبارك وتعالى- قال في كتابه: {إَلاَّ أَن يَعْفُونَ} [(237) سورة البقرة] فهن النساء اللاتي قد دخل بهن {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [(237) سورة البقرة] فهو الأب في ابنته البكر، والسيد في أمته.
قال مالك: وهذا الذي سمعت في ذلك، والذي عليه الأمر عندنا.(94/19)
قال مالك في اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أو النصراني فتسلم قبل أن يدخل بها: إنه لا صداق لها.
قال مالك: لا أرى أن تنكح المرأة بأقلِ من ربع دينار ...
بأقلَ.
أحسن الله إليك.
لا أرى أن تنكح المرأة بأقلَ من ربع دينار، وذلك أدنى ما يجب فيه القطع.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الصداق والحباء
الصداق والصِداق، والصدُقة هو ما يدفع إلى المرأة في مقابل النكاح والزواج بها، والصداق واجب، لا نكاح إلا بالصداق، والهبة خاصة بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، والمراد بها الهبة الخالية عن الصداق، أما المرأة تهب نفسها لمن ترتضيه زوجاً لها، بالشروط المعتبرة، أو يهبها وليها ويهديها ويقدمها إلى من يرتضيه صهراً له، بالشروط المعتبرة، فهذا لا إشكال فيه، فعرض عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ابنته على عبد الله بن مسعود، {وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [(50) سورة الأحزاب] هذا أمر مفروغ منه ولو بغير صداق، وهذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، {خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [(50) سورة الأحزاب]، المؤمن هل يجوز أن يهدي الرجل ابنته على رجل صالح يرتضيه، أو امرأة تخطب رجلاً صالحاً ترتضيه من نفسها؟ نعم يجوز بالشروط المعتبرة، بالصداق الواجب، لا بد من هذا، وليس في هذا حسم للبحث عن الرجال الصالحين، من قبل النساء أو من قبل الأولياء، ليس فيه حسم للباب، بل هذا مندوب إليه، كما فعل عثمان مع ابن مسعود.
الحباء: هو العطية التي لا يرجى لها عوض.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن أبي حازم بن دينار" يعني سلمة بن دينار "عن سهل بن سعد الساعدي" وهو الذي يروي ... ، سلمة بن دينار هو الذي يروي عن سهل بن سعد؛ لأنه يأتي كذا عن أبي حازم عن سهل، عن أبي حازم عن أبي هريرة، فالذي يروي عن سهل هو ابن دينار، سلمة بن دينار الزاهد المعروف، والذي يروي عن أبي هريرة هو سلمان.(94/20)
"عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك" وهي غير الواهبة المذكورة في القرآن "وهبت نفسي لك، فقامت قياماً طويلاً" سكت النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قبل ولا رد، إنما صعد فيها النظر وصوبه، نظر إلى أعلاها وأسفلها، ولا يقال: إنها كاشفة أو متبرجة، لا ما يلزم، بل هي مستترة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- بمحضر من أصحابه، صعد فيها النظر وصوبه فما رغب فيها "قامت قياماً طويلاً، فقام رجل فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة" والقصة في الصحيحين كما هو معروف "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل عندك من شيء تصدقها إياه؟ )) " أو تصدقه إياها؟ أيهما أفصح؟ تصدقه إياها أو تصدقها إياه؟ كلاهما جائز، هما مفعولان تقدم الأول على الثاني, والثاني على الأول، كلاهما جائز، لكن أيهما أفصح؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، الكلام في المفعولين، تصدقه إياها أو تصدقها إياه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
تصدقه إياها أو تصدقها إياه؟ هما مفعولان، يقولون: الأفصح تقديم الفاعل دون المفعول، إيش معناه؟ يعني هذان المفعول أحدهما آخذ والثاني مأخوذ، فالمرأة آخذة، والصداق مأخوذ، فالمقدم هنا أيهما؟ تصدقها إياه، مع أنه لو قدم المفعول الثاني ما في إشكال؛ لأن المعنى لا التباس فيه وواضح.(94/21)
" ((تصدقها إياه)) فقال: ما عندي إلا إزاري هذا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إزارك ما تصنع به؟ إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك، فالتمس شيئاً)) " إن أعطيتها إياه جلست بدون إزار، وإن قسمته نصفين فاتت فائدته ومنفعته على الطرفين، لم تستفد أنت ولم تستفد هي " ((فالتمس شيئاً)) فقال: ما أجد شيئاً، قال: ((التمس ولو خاتماً من حديد)) " خاتماً خبر كان المحذوف، وهو لو كان الملتمسُ خاتماً من حديث "فالتمس فلم يجد شيئاً" في حديث أخرجه الحاكم وصححه ابن حجر وغيره أن النبي -عليه الصلاة والسلام- زوج امرأة على خاتم من حديد، بهذا اللفظ مراداً به حقيقة الزواج ليس بصحيح؛ لأنه مأخوذ من هذه القصة، والقصة ليس فيها أنه زوجه على خاتم من حديد؛ لأنه ما وجد ولا خاتم من حديد، وإن كان المراد بزوّج أراد فالكلام صحيح، إذا حمل زوج على أراد لأن الفعل يطلق ويراد به إرادة الفعل ((إذا دخل أحدكم الخلاء)) يعني إذا أراد أن يدخل {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [(98) سورة النحل] إذا أردت القراءة وهكذا، فإذا كان المراد بالخبر أراد تزويج رجل على خاتم من حديد فهذا صحيح، ويدل له هذه القصة، أما كونه أن المرأة استلمت الخاتم من الحديد صداقاً لها ومهر هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن القصة كلها تدور ... ، الخبر يرد إلى هذا "فقال: ((التمس ولو خاتماً من حديد)) فالتمس فلم يجد شيئاً، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل معك من القرآن شيء؟ )) فقال: نعم معي سورة كذا وسورة كذا لسور سماها، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قد أنكحتكها بما معك من القرآن)) " فالقرآن يصح أن يكون صداقاً، والتعليم منفعة، والمنفعة يجوز أن تكون صداقاً كما في قصة موسى مع صاحب مدين، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الحديد حلية أهل النار، البخاري ضعف ذاك الحديث بهذا الحديث، البخاري -رحمه الله- ضعف الحديث ذاك بهذا.(94/22)
((أنكحتكها بما معك من القرآن)) أي تعلمها ما معك من القرآن فصار يعلمها، ويستدل بهذا من يرى جواز جعل المنفعة صداقاً، وأيضاً هذه المنفعة غير محددة، وإن كانت محددة السور، يعني هل يجوز أن تأتي بأجير فتقول: حفّظ ولدي سورة البقرة بألف ريال مثلاً يجوز وإلا ما يجوز؟
طالب:. . . . . . . . .
يجوز؟ العمل معلوم وإلا مجهول؟ العمل محدد ومعلوم ما في إشكال، لكن مدته معلومة وإلا مجهولة؟
طالب:. . . . . . . . .
مجهولة جهالة متباينة، يمكن أن يحفظ البقرة بأسبوع، ويمكن يمر عليه سنة ما حفظها، فإذا تطرقت الجهالة إلى مثل هذا العمل تصح الإجارة وإلا ما تصح؟
طالب:. . . . . . . . .
هي ما تعلم المدة، حفظ ولدي سورة البقرة بكذا، طيب، لو جيء بمقاول وقيل: اهدم هذا المسجد بعشرة آلاف، العمل معلوم، لكن المدة؟
طالب: المدة غير معلومة، لكن المدة مستعاضة بالإجارة خلاف هذا ....
لا المباني تتفاوت، يعني كانت البيوت من طين، والطين يتفاوت تفاوتاً شديداً جداً، بعض الجدران من الطين بمجرد ما تدفعها تسقط، وبعضها تعجز عنها الآلات، أشد من الخرسان، فإذا قبل الأجير أن يهدم هذا البيت بألف ريال مثلاً، وفي تقديره أنه ينهيه بيوم، فأخذ عليه شهر، تباين كبير في البيوت ...
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب: حتى في الخرسانات ....
إيه لكنها في الجملة يعني إذا رآها عرف، إذا أدار النظر فيه وعرف سمك الصبات في الغالب متقاربة، الناس يحسنون تقدير مثل هذه الأمور، لكن عمل الطين يتفاوت من ماهر إلى آخر، فهذه المدة ليست معلومة، وجرت عقود في هذا المجال على أساس أن العامل ينقض هذا المنزل لبنة لبنة، في مدة يسيرة، فتبين أنه عجز عن هذا لمدة طويلة، فهل يكفي العلم بالعمل المتعاقد عليه أو لا بد من العلم به وبمدته؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هو يقول: حفظه مدة شهر، حفظ وإلا ما حفظ، فإذا تم الشهر انتهى، إذا كان العقد على المدة، هو إذا عاقده على الأمرين، حفّظ ابني البقرة في شهر، فيكون العقد على الأمرين، يلاحظ فيه الحفظ ويلاحظ فيه أيضاً المدة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ثماني حجج، ثمان سنين، المدة معروفة.
طالب:. . . . . . . . .(94/23)
أما أصل الجهالة، مبدأ الجهالة موجود، لكن لا بد أن تكون الجهالة مغتفرة، الذي يريد أن يهدم هذا المبنى يعرف أن هذا صبة العمود، وفي الغالب أن حديده وسمكه كذا، لكن لو تبين أن حديده عشرة أضعاف يدعي الغبن، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
جعالة، ما يصير إجارة، الجعالة يتجاوز فيها إذا كانت جعالة.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب: "أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها كاملاً" هذه أمثلة للعيوب التي ترد بها المرأة، أمثلة، بها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها كاملاً "وذلك لزوجها غرمٌ على وليها".
لأنه هو الذي غر الزوج، الصداق للمرأة كامل، ويرجع الزوج على وليها، هو الذي غره، هذه الأمثلة التي ذكرت بها جنون أو جذام أو برص، هذه أمور متفق عليها، لكن ماذا عن العمى؟ لو كانت المولية عمياء، وما ذكر له أنها عمياء؟ مثل هذا وإلا لا؟ دخل عليها فإذا هي عمياء.
طالب: مثله ....
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب العمى يرد به وإلا ما يرد به؟ ما يرد به، تزوجها على أنها مبصرة وتبين عمياء؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يتعدى، والجنون؟ لا شك أن العمى عيب يرد به، ولو جحد عن المخطوبة وما ذكر لها أن الخاطب أعمى ثم تبين أعمى تطلب فسخ وإلا ما تطلب؟ تطلب الفسخ، في مختصر خليل عند المالكية يقول: ويجوز كتم العمى عن الخاطب، في أحد منهم، من المالكية له عناية بمختصر خليل، يقول: يجوز كتم العمى عن الخاطب، ولا شك أنه لو علم به ما قبله، فلا يجوز كتمه عليه، وذلك لزوجها غرم على وليها؛ لأنه هو الذي غره، وهو الذي غشه.(94/24)
"قال مالك: وإنما يكون ذلك غرماً على وليها لزوجها إذا كان وليها الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها" يعني علم بعيبها، أو من يرى أنه يعلم ذلك منها، من علم بهذا العيب ولم يبينه للخاطب هو الذي يغرم، فأما إذا كان وليها الذي أنكحها ابن عم، أو مولى، ابن عم لا يعرف هذا مثلاً هذه البقعة من البرص، أو شيء من هذا في بدنها لا يدري، أو من العشيرة ممن هو أبعد من ذلك "ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها فليس عليه غرم" لأنه ما غش، ولا علم بالعيب "وترد تلك المرأة ما أخذته من صداقها" دفع لها خمسين ألف ترد صداقها "إلا قدر ما تستحل به" يعني أرش البكارة، يعني ما استحله من فرجها، فتأخذه وما عدا ذلك ترده.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع أن ابنة عبيد الله بن عمر وأمها بنت زيد بن الخطاب كانت تحت ابن لعبد الله بن عمر -ابن عمها- فمات ولم يدخل بها" مات قبل الدخول، ولم يسم لها صداقاً، يعني لو سمى لها صداقاً تستحقه كاملاً، لو طلقها قبل الدخول وسمى لها صداقاً تستحق منه النصف "ولم يسم لها صداقاً فابتغت أمها صداقها، فقال عبد الله بن عمر: "ليس لها صداق" لأنه لم يسم "ولو كان لها صداق لم نمسكه ولم نظلمها" كيف وهو عمها، وقد عرف بتحريه واتباعه؟! "فأبت أمها أن تقبل ذلك، فجعلوا بينهم" يعني حكماً "زيد بن ثابت فقضى أن لا صداق لها، ولها الميراث" لأنه لو سمي استحقته، لكن ما دام لم يسم فلا تستحقه "ولها الميراث" ترث "وعليها العدة" عليها العدة في حال الموت، أما في حال الطلاق قبل الدخول لا عدة عليها.
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب في خلافته إلى بعض عماله أن كل ما اشترط المنكح من كان أباً أو غيره من حباءٍ أو كرامة فهو للمرأة إن ابتغته" لأنه في مقابل بضعها فهو لها، والولي ليس له علاقة، إذا اشترط ليس له علاقة إلا مجرد الولاية، لكن إذا أخذ من صداقها ما لا يضر بها، وكان الولي هو الأب فلا مانع من ذلك؛ لأن البنت وما تملك لأبيها، شريطة ألا يضر بها، فهو للمرأة إن ابتغته وإن تنازلت عنه أخذه.(94/25)
"قال مالك في المرأة ينكحها أبوها ويشترط في صداقها الحباء يحبى به: إن ما كان من شرط يقع به النكاح فهو لابنته إن ابتغته" يعني على كلام عمر بن عبد العزيز "وإن فارقها زوجها قبل أن يدخل بها فلزوجها شطر الحباء الذي وقع به النكاح" يعني صار من المهر، فهذا الحباء الذي هو العطية صار من جملة المهر يأخذ نصفه كالمهر، وعلى هذا ما يقدم من هدايا للزوجة غير الصداق، وقبل الدخول إذا حصل الطلاق فإنه ينصف كالمهر، حكمه حكم المهر.
يقول: "فلزوجها شطر الحباء الذي وقع به النكاح".
"قال مالك في الرجل يزوج ابنه صغيراً لا مال له: إن الصداق على أبيه إذا كان الغلام يوم تزوج لا مال له" لكن إن كان وارثاً فالصداق من ماله هذا الأصل، وإن كان لا مال له فمن مال أبيه "وإن كان للغلام مال فالصداق في مال الغلام إلا أن يسمي الأب أن الصداق عليه" الولد أراد أبوه أن يحفظه، عنده مال، وارث من أمه أموال، وأراد أبوه أن يحفظه، وأشار عليه بالزواج، فقال: يا بني تزوج والتكاليف كلها علي، إن كنت خفت ينقص مالك التكاليف كلها علي، إذا قال ذلك لزمه أن يدفع الصداق ولو كان للابن مال.
"وذلك النكاح ثابت على الابن إذا كان صغيراً، وكان في ولاية أبيه".
"قال مالك في طلاق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها وهي بكر فيعفو أبوها عن نصف الصداق: إن ذلك جائز لزوجها من أبيها فيما وضع عنه" {إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [(237) سورة البقرة] وهو الأب.
"قال مالك: وذلك أن الله -تبارك وتعالى- قال في كتابه: {إَلاَّ أَن يَعْفُونَ} [(237) سورة البقرة] " يعني النساء، "فهن النساء اللاتي قد دخل بهن، {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [(237) سورة البقرة] فهو الأب في ابنته البكر" الذي بيده عقدة النكاح يحتمل أن يكون الزوج، ويحتمل أن يكون الأب، فللأب أن يعفو عن النصف الذي استحقته بنته، وللزوج أن يعفو عن النصف الذي سلمه للمرأة، فهو الأب في ابنته البكر، والسيد في أمته.(94/26)
"قال مالك: وهذا الذي سمعت في ذلك، والذي عليه الأمر عندنا" لأنه يملك التصرف في مال بنته، أما غيره من الأولياء فإنهم لا يملكون هذا العفو؛ لأنه ليس لهم التصرف في أموال هؤلاء النسوة.
"قال مالك في اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أو النصراني فتسلم قبل أن يدخل بها: إنه لا صداق لها"
لو كانت تحت مسلم وهي مسلمة لها النصف، وكذلك لو كانت يهودية أو نصرانية تحت يهودي أو نصراني وتحاكموا إلينا نحكم عليهم بشرعنا، لها النصف، لكنها أسلمت، فهي التي أبطلت النكاح، يعني تسببت في إبطال النكاح، فلا تستحق شيئاً، فلا صداق لها، قد يقول قائل: إن هذا يصدها عن الإسلام، نعم، لكن هذا هو الحكم، والقول بأن لها نصف الصداق ترغيباً لها بالإسلام، يعني مثلما قالوا: إن المسلم إذا كان له ولد كافر مثلاً فمات الأب، وأسلم الابن قبل قسمة التركة، منهم من يقال: يورث ترغيباً له في الإسلام.
"قال مالك: لا أرى أن تنكح المرأة بأقل من ربع دينار، وذلك أدنى ما يجب فيه القطع" لأنه مال في مقابل عضو، وقياس أعضاء الإنسان بعضها على بعض أولى من قياسها على غيرها، ولذا يقول: عند الحنفية أقل الصداق عشرة دراهم؛ لأنها أقل القطع عندهم.
على كل حال لم يرد فيه تحديد، لا في أعلاه ولا في أدناه، المقصود أنه ما يسمى مال يصح أن يكون صداقاً، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: إرخاء الستور
حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قضى في المرأة إذا تزوجها الرجل أنه إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه- كان يقول: "إذا دخل الرجل بامرأته فأرخيت عليهما الستور فقد وجب الصداق".
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول: "إذا دخل الرجل بالمرأة في بيتها صُدق الرجل عليها، وإذا دخلت عليه في بيته صُدقت عليه".
قال مالك: أرى ذلك في المسيس إذا دخل عليها في بيتها، فقالت: قد مسني، وقال: لم أمسها، صُدق عليها، فإذا دخلت عليه في بيته فقال: لم أمسها، وقالت: قد مسني صُدقت عليه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: في إرخاء الستور(94/27)
والمراد ما يحصل به الدخول، الدخول هل يحصل بالمسيس أو بمجرد إرخاء الستور؟ المراد بالدخول الذي يثبت به المهر كاملاً، وقبله نصف المهر.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة إذا تزوجها الرجل أنه إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق" يعني سلمت إلى زوجها، وتمكن منها بما يتمكن به الرجل من زوجته، ولم يمنعه من ذلك مانع إلا من تلقاء نفسه فإنه حينئذٍ يثبت الدخول، وهذا هو المعروف عند إيش؟ الحنابلة، معروف في المذهب أنه إذا أرخيت الستور، وأقفلت الأبواب خلاص هذا دخول، ويثتب به الصداق كاملاً، ولو لم يحصل مسيس ولا جماع، بمجرد إرخاء الستور، وغيرهم يقول: إنه لا بد من المسيس الذي يثبت الدخول الوطء، من قبل أن تمسوهن، والمسيس هو الوطء، وهذا هو الحد الفاصل.
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن زيد بن ثابت كان يقول: "إذا دخل الرجل بامرأته فأرخيت عليهما الستور فقد وجب الصداق" يعني كاملاً كسابقه.
وقال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول: "إذا دخل الرجل بالمرأة في بيتها صدق الرجل عليها، وإذا دخلت عليه في بيته صدقت عليه" لأنها في بيتها في سلطانها، لها أن تمتنع منه، وليس في مقدوره أن يجبرها وهي في سلطانها، والعكس إذا كان في بيته تصدق عليه؛ لأنه لا يوجد ما يحول بينه وبينها، فهذا تابع لما قبله في إرخاء الستور؛ لأنها في بيت أهلها لا سلطان له عليها مثل سلطانه عليها في بيتها، فالأصل من المصدق في الجملة يعني؟ إذا ادعت أنه مسها وقال: لم يمسها؟ نعم الأصل مع المنكر، ولا بينة فيقبل قوله بيمنه هذا الأصل، وهذا يمكن أن يمشي في الثيب التي لا يبين وضعها قبل وبعد الوطء، أما بالنسبة للبكر فيكشف عليها إن كانت البكارة موجودة فهو الصادق وإلا فهي الصادقة.(94/28)
"قال مالك: أرى ذلك في المسيس إذا دخل عليها في بيتها، فقالت: قد مسني، وقال: لم أمسها، صدق عليها" في بيتها؛ لأنه سلطانها، وتستطيع أن تمتنع منه، أما في بيته فإنها لا تستطيع الامتناع منه، وهو السلطان، إذن تصدق علي، صدقت عليه "فإذا دخلت عليه في بيته فقال: لم أمسها، وقالت: قد مسني صدقت عليه" وهذا كله يتبع التمكين في بيته، وأما في بيت أهلها فلا يتم التمكين، التمكين لا يتم في بيت أهلها، من هذه الحيثية كأنه رجح تصديقه تارة، وتصديقها تارة أخرى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على هذا القول، على الاختيار أنه مجرد إرخاء الستور في أي مكان ولو في البر، دخلها في خيمة وأغلقت أرخيت الستور، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن الإمام مالك -رحمه الله- حينما ساق قول عمر وزيد بن ثابت هل هو ارتضاه قولاً له؟ نعم؟ ما ذكر شيء، لما ذكر قول سعيد أيده "أرى ذلك في المسيس" أيد القول الأخير، يعني ما يرد على الكلام السابق، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: المقام عند البكر والأيم
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين تزوج أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- وأصبحت عنده قال لها: ((ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت عندك، وسبعت عندهن، وإن شئت ثلثت عندك ودرت)) فقالت: ثلث.
وحدثني عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أنه كان يقول: "للبكر سبع وللثيب ثلاث"
قال مالك: وذلك الأمر عندنا.
قال مالك: فإن كانت له امرأة غير التي تزوج فإنه يقسم بينهما بعد أن تمضي أيام التي تزوج بالسواء، ولا يحسب على التي تزوج ما أقام عندها.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: المُقام أو المَقام عند البكر والأيم
المكث عند البكر والثيب إذا تزوجها وكان عنده زوجة قبلها، كم يمكث عند البكر وكم يمكث عند الأيم؟(94/29)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تزوج" هذا مرسل، أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث تابعي من الفقهاء السبعة من التابعين، لكنه مخرج في مسلم "عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين تزوج أم سلمة وأصبحت عنده قال لها" لما بنى بها، قال لها من صباح الغد: " ((ليس بك على أهلك هوان)) " يعني أنت ليست رخيصة عندي، والزوج أهل لأهله، والأهل أهل للزوج ((ليس بك على أهلك هوان)) يعني عندي ليس بك هوان، وكذلك عند أهلك وذويك ليس بك هوان، يعني لست رخيصة عندي ولا عند أهلك، فإن شئت أحفظ كرامتك، وأجلس عندك سبعاً كما أفعل عند الأبكار، أو كما يفعل عند الأبكار " ((إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن، وإن شئت ثلثت عندك ودرت)) فقالت: ثلث" يعني تكتفي بالثلاث؛ لأنه إذا سبع لها وعاملها معاملة الأبكار لا بد أن يسبع لزوجاته، وأما إذا ثلث عندها فهذا حقها باعتبارها غريبة ثم يدور، فالبكر تحتاج إلى مقام أطول لتأنس بالزوج أكثر بخلاف الثيب لا تحتاج إلى طول المقام كما تحتاجه البكر.
((إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن)) مقتضاه أنه يجلس عندها سبع، ثم التي تليها سبع، ثم الثالثة سبع، ثم الرابعة سبع وهكذا، ولا يعتد بالثلاث، وإلا فالأصل أنه إذا سبع عندها يجلس أربع عند الثانية، وأربع عند الثالثة وهكذا؛ لأنها تستحق الثلاث بالزواج، لكنه قال: ((إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن)) ولذا يختلف أهل العلم منهم من يقول: إن الثلاث التي تستحقها باعتبارها زوجة جديدة ما تحاسب عليها، فإذا جلس عندها سبعاً يجلس عند من عداها أربعاً أربعاً، ومقتضى اللفظ -لفظ الخبر-: ((إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن)) أنه إذا جلس عندها سبعاً يجلس عند الثانية سبعاً، وعند الثالثة سبعاً، وعند الرابعة سبعاً، ولا يحتسب لها بالقدر الزائد التي تستحقه بالزواج الجديد، وهذا هو الظاهر من اللفظ، وإن كانت المسألة خلافية.
((وإن شئت ثلثت عندك ودرت)) يعني عليهن بليلة واحدة كما هو معلوم "فقالت: ثلث" لئلا تطول غيبته -عليه الصلاة والسلام- عنها.(94/30)
"قال: وحدثني عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أنه كان يقول: "للبكر سبع، وللثيب ثلاث".
وهذا أمر معروف "وقال مالك: وذلك الأمر عندنا".
"قال مالك: فإن كانت له امرأة غير التي تزوج فإنه يقسم بينها بعد أن تمضي أيام التي تزوج بالسواء، ولا يحسب على التي تزوج ما أقام عندها" يعني أقام عندها سبع لا يلزمه أن يعدل بين نسائه الباقيات فيدور عليهن سبعاً سبعاً؛ لأنها بكر، وإن أقام عند الثيب ثلاثاً لا يلزمه العدل مع بقية نسائه فيقيم عند البقية ثلاثاً ثلاثاً، وإن كان للحنفية قول معروف أنه يلزمه العدل حتى في هذه الصورة، إذا أقام عندها سبعاً يقيم عند البقية سبعاً، إذا أقام عندها ثلاثاً أقام عند البقية ثلاثاًَ، وهذا يلغي مفهوم الأحاديث كلها، أحاديث الباب يلغيها هذا القول، ولا شك أنه قول ضعيف معارض بالنصوص، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(94/31)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ – كتاب النكاح والطلاق (2)
باب: ما لا يجوز من الشروط في النكاح - باب: نكاح المحلل وما أشبهه - باب: ما لا يجمع بينه من النساء - باب: ما لا يجوز من نكاح الرجل أم امرأته - باب: نكاح الرجل أم امرأة قد أصابها على وجه ما يكره - باب: جامع ما لا يجوز من النكاح - باب: نكاح الأمة على الحرة - باب: ما جاء في الرجل يملك امرأته وقد كانت تحته ففارقها.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا حي يا قيوم.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما لا يجوز من الشروط في النكاح
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب سئل عن المرأة تشترط على زوجها أنه لا يخرج بها من بلدها، فقال سعيد بن المسيب: يخرج بها إن شاء.
قال مالك -رحمه الله-: فالأمر عندنا أنه إذا اشترط الرجل للمرأة، وإن كان ذلك عند عقدة النكاح أن لا أنكح عليك، ولا أتسرر إن ذلك ليس بشيء إلا أن يكون في ذلك يمين بطلاق، أو عتاقة فيجب ذلك عليه ويلزمه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما لا يجوز من الشروط في النكاح
هناك شروط النكاح، والشروط في النكاح، شروط النكاح التي لا يصح إلا بها، والشروط في النكاح هي التي ما يشترطه أحد الزوجين على الآخر، فمن هذه الشروط ما هو لازم، ومنها ما هو محرم، ومنها ما هو جائز، يجوز الوفاء به وعدم الوفاء به، وهنا يقول:
باب: ما لا يجوز من الشروط في النكاح
وذكر السفر وعدم التزوج أو التسري عليها، وأن ذلك لا يلزم الزوج أن يعمل به، ولا يفي بهذا الشرط.(95/1)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب سئل عن المرأة تشترط على زوجها أنه لا يخرج بها من بلدها" يعني لا يسافر بها، اشترطت عليه في العقد، شرط وليها أن لا يسافر بها "فقال سعيد بن المسيب: يخرج بها إن شاء" ومعلوم أن هذا السفر المقصود به السفر المباح، خلاف السفر المحرم، فإن هذا لا يجوز ولو لم يشترط، أما السفر المباح من بلد إلى بلد من بلدان المسلمين فرأي سعيد بن المسيب أنه لا يلزم الوفاء به، ويخرج بها متى شاء، ما دام أن السفر مباح، ويجوز له أن يسافر هو، يسافر بزوجته شريطة أمن الطريق.
المذهب عند الحنابلة أنه صحيح ولازم، إذا اشترط عليها أن لا يخرجها من بلدها ولا يسافر بها، أنه يلزمه الوفاء بهذا الشرط وأن حق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج، هذا لازم عند الحنابلة، فإن وفى به وإلا فلها الفسخ، إن وفى به وإلا فيكون لها الفسخ.(95/2)
هذه الشروط التي يشترطها أحد الزوجين على الآخر مما أصله مباح، هذه في الأصل يلزم الوفاء بها؛ لأنها لا تخالف شرطاً شيئاً من كتاب الله -جل وعلا-، والمسلمون على شروطهم، لكن إن تضرر أحد الزوجين أو شق عليه ما اشترط على نفسه فالمسألة كسائر الأمور عرض وطلب، يعني إذا اشترطت أن لا يسافر بها فرأى من المصلحة الملحة أن يسافر، فقالت: لا أسافر معك، لها ذلك، لها أن تبقى بدون سفر، لكن لها أن تفسخ، ولا يلزمه ولا يأثم بعدم الوفاء به، كما أنها لو اشترطت عليه أن تكمل دراستها أو تعمل بعد تخرجها، تعمل في الوظيفة، ثم رأى أن متابعة دراستها فيه تضييع لحقوقه، فقال: أنا لا أرضى بالدراسة، قالت: بيننا وبينك شرط في العقد، قال: والله أنا حر، والخيار حينئذٍ للمرأة، إن أرادت أن تبقى على شرطها وتصر وتذهب إلى أهلها، إذا خيرها بين أمرين: أحدهما يملكه هو يملك الفراق، إذا خيرها بين أمرين يملك أحدهما كان له الخيار، وأيضاً إن أصرت على شرطها وذهبت إلى أهلها لعدم وفائه بهذا الشرط فليس له من مهره شيء، إنما هو بما استحل من فرجها، وإذا قال لها: أنا أتضرر بالدراسة أو بالعمل بعد الدراسة فإن شئت بقيت بدون هذا الشرط، وإن شئت فالحقي بأهلك، فالمسألة مسألة هل يأثم بعدم الوفاء أو لا يأثم؟ لا شك أنه إن بيت هذه النية وقت العقد لا شك أنه آثم؛ لأنها إذا قالت له: أكمل الدراسة، قال: ما يخالف سووا اللي تبون، اشترطوا ما شئتم والحل بيدي؛ لأنها إذا دُخل بها، وأنجبت منه ولد أو ولدين، سوف تتنازل عن هذا الشرط إذا ضغط عليها؛ لأن لا شك أن منزلتها نزلت قليلاً، لا سيما في وضعنا الذي نعيشه الآن، المطلقة وذات الأولاد لا يلتفت إليها إلا من دون هذا الرجل بمراحل، فكانوا في السابق لا يهتمون لهذه الأمور تطلق من فلان ويتزوجها فلان، تنجب من فلان ومن فلان ومن فلان، اثنين ثلاثة أربعة خمسة، ما في إشكال، أسماء بنت عميس كانت تحت جعفر بن أبي طالب الطيار، فلما قتل تزوجها أبو بكر، فلما مات تزوجها علي، وأنجبت من كل منهم، أنجبت أولاد من جعفر، ومن أبي بكر، ومن علي، أنجبت أولاد، ومثلها كثير، عائشة بنت طلحة تزوجت خمسة فخطبها الوليد بن عبد الملك سادس، ورفضته وهو(95/3)
الخليفة، المقصود أنه في ظرفنا الذي نعيشه لا بد أن تتنازل المرأة في مثل هذه الحالة، يعني لو اشترطت أن تدرس بعد التخرج، ثم قال، وكتب في العقد الشرط، ثم قال بعد أن دخل بها، وجاءت بولد: أنا لا أرضى بالتدريس، حينئذٍ هي بين أمرين، أحلاهما مر بالنسبة لها، إما أن تفارق وتذهب إلى أهلها، ولن يتقدم لها إلا دونه بمراحل، وكذلك لو اشترطت أن لا يتزوج عليها على ما عندنا.
يقول الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: "فالأمر عندنا أنه إذا شرط الرجل للمرأة" يعني شرط على نفسه لها، "وإن كان ذلك" يعني الشرط عند عقدة النكاح، عند العقد سجل في الوثيقة "أن لا أنكح عليك، ولا أتسرر" يعني لا أتزوج ثانية ولا ثالثة ولا رابعة "ولا أتسرر" يعني لا أشتري أمة أطأها "إن ذلك ليس بشيء" لماذا؟ لأن هذا شيء أباحه الله -جل وعلا-، فلا يمنع بشرط من اشترط، ما دام الأمر مباحاً ليس لأحد أن يمنعه، هذا وجهة نظر من يقول: إنه ليس لها أن تشترط عليه، وإن اشترطت فلا يلزم الوفاء به "إلا أن يكون في ذلك يمين بطلاق" يعني أكد الشرط بيمين بطلاق، بفراق، إن تزوجت عليك فأنت طالق، أو فهي طالق، أو ما أشبه ذلك "أو عتاقة" فإن هذا يقع، إذا اشترطت عليه أن لا يتزوج، فقال: إن تزوجت عليك فعبيدي أحرار، فإنهم حينئذٍ يعتقون، فيجب ذلك عليه ويلزمه.(95/4)
وعند الحنابلة روايتان في المذهب، قال: وإن اشترطت طلاق ضرتها، فقال أبو الخطاب: صحيح، يعني أرادت أن تتزوج رجل عنده زوجة فقالت: أنا لا أتزوجك حتى تطلق زوجتك، يقول أبو الخطاب: هذا الشرط لها، والمسلمون على شروطهم، قال: ويحتمل أنه باطل؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تسأل المرأة طلاق ضرتها)) هذا إذا كانت الضرة قبلها، أما إذا كانت بعدها أن لا يتزوج عليها، وأن لا يتسرى عليها، فالحنابلة عندهم، نعم إن اشترطت أن لا يتزوج عليها فالشرط لازم عند الحنابلة، ومثلما قلنا: إن هذه الشروط التي هي في الأصل فعل أمور مباحة، هي قابلة للعرض والطلب، يعني إذا تزوجها وجدها فوق ما تصور، فوق ما توقع، وقد اشترط عليها شروط، فأرادت أن تضغط عليه ليلغي هذه الشروط الأمر لا يعدوها؛ لأن المسألة مسألة ... ، كما أن الرجال يعني نظراتهم للنساء، قد يتزوجها وهي دون ما توقع، تشترط عليه يلغي هذه الشروط، إن شاءت وإلا تلحق بأهلها، وإن كانت فوق ما يتوقع، واشترط عليها شروط هي أيضاً ليست بأقل منه، يلغي هذه الشروط وإلا تفسخ، وإلا تخالع، فالمسألة كما أن الرجال عندهم وسائل للضغط أيضاً النساء عندهن وسائل للضغط، وهذا معروف يعني الواقع يحكيه، والذي يضغط هو من ترجح كفته على الآخر، مثلما قلنا: إذا كانت المرأة أقل مما توقع فتخضع ويزيد في شروطه، وإن كانت فوق ما توقع فهي التي تضغط عليه، والله المستعان.
وعلى كل حال المسلمون على شروطهم، وإذا كان الفسخ منه فليس له شيء، وإن كان بسببها فله الخلع، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: نكاح المحلل وما أشبهه
حدثني يحيى عن مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزَبير بن عبد الرحمن بن الزُبير
الزَبير كذلك.
أحسن الله إليك.
عن الزَبير بن عبد الرحمن بن الزَبير أن رفاعة بن سموال طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثاً، فنكحت عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها، فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الأول الذي كان طلقها، فذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنهاه عن تزويجها، وقال: ((لا تحل لك حتى تذوق العسيلة)).(95/5)
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها سئلت عن رجل طلق امرأته ألبتة، فتزوجها بعده رجل آخر، فطلقها قبل أن يمسها هل يصلح لزوجها الأول أن يتزوجها؟ فقالت عائشة: "لا حتى يذوق عسيلتها".
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد سئل عن رجل طلق امرأته ألبتة ثم تزوجها بعده رجل آخر فمات عنها قبل أن يمسها هل يحل لزوجها الأول أن يراجعها؟ فقال القاسم بن محمد: "لا يحل لزوجها الأول أن يراجعها".
قال مالك في المحلل: إنه لا يقيم على نكاحه ذلك حتى يستقبل نكاحاً جديداً، فإن أصابها في ذلك فلها مهرها.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: نكاح المحلل وما أشبهه
المحلل: هو الذي يأتي إلى زوجين وقعت بينهما الفرقة المبتوتة، واطلاق البائن بالثلاث، يأتي إليهما ليحلل هذه الزوجة لزوجها الأول؛ لأنها لا تحل له، حتى تنكح زوجاً غيره، فإذا جاء بهذه النية فالنكاح باطل، وجاء لعن المحلل، وجاء تسميته بالتيس المستعار، وإن كان بعض ممن ينتسب إلى العلم، بعض أهل العلم يقول: إن هذه النية لا أثر لها، والنكاح صحيح، بل زاد بعضهم حتى قال: إنه مأجور؛ لأنه مصلح، وموفق بين طرفين متنازعين متفارقين، لكن هذا الكلام لا قيمة له مع صحة النصوص.(95/6)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزَبير أن رفاعة بن سموال طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثاً" بحيث لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره "فنكحت عبد الرحمن بن الزبير، فاعترض عنها" أو فاعتُرض عنها، يعني حيل بينه وبينها، فلم يستطع أن يمسها، وسبب ذلك الضعف عنده، ولذلك شكت حالها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وشكت هذا الزوج أنه إنما معه مثل هدبة الثوب، يعني لا ينتصب، ولا يستطيع أن يطأ، فأرادت أن ترجع إلى الأول، شوف النساء إذا وجدت محل أو ثغرة ضعف في الرجل ليست دونه، يعني في الدفاع عن نفسها، وأخذ حقوقها، ليست دون الرجل "فلم يستطع أن يمسها، ففارقها فأراد رفاعة أن ينكحها" وهو زوجها الأول، أراد أن يرجع إليها باعتبار أنها نكحت زوجاً غيره، وأن العقد يكفي، وأن العقد كافي، وهو زوجها الأول الذي كان طلقها "فذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنهاه عن تزويجها" وقال: إن مجرد العقد لا يكفي، بل لا بد أن تذوق العسيلة، لا بد أن يقع الوطء، قال: ((لا تحل لك حتى تذوق العسيلة))
يعني لا بد أن يحصل الوطء {فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [(230) سورة البقرة] يعني حتى يطأ، والنكاح هنا المراد به الوطء، بالتعيين.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها سئلت عن رجل طلق امرأته ألبتة" يعني التي لا تحل له بعدها حتى تنكح زوجاً غيره "فتزوجها بعده رجل آخر، فطلقها قبل أن يمسها" هل يصلح لزوجها الأول؟ يعني هل يجوز لزوجها الأول أن يتزوجها؟ وهل يصح لزوجها الأول أن يرجع إليها؟ "فقالت عائشة: "لا حتى يذوق عسيلتها" وهذا هو ما يفيده الحديث السابق المرفوع.(95/7)
ثم بعد ذلك قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد سئل عن رجل طلق امرأته ألبتة ثم تزوجها بعده رجل آخر فمات" يعني يستوي في هذا أن يطلق أو يموت قبل أن يمس لا فرق؛ لأنه قد يقول مثلاً قائل: إنه إذا طلقها قبل أن يمسها لا عدة عليها، لكن إذا مات عنها قبل أن يمسها فعليها العدة، فهل هناك فرق؟ فهل تحل بهذا الفرق؟ هو ما في فرق بينهما من حيث العدة؟ في فرق من حيث العدة، فيخيل لبعض الناس أنه ما دام هناك عدة أنها خلاص انتهت من المنع، وساغ لزوجها الأول أن يرجع إليها، ولا فرق حينئذٍ، والوصف الذي علق عليه الحكم، حكم جواز رجوع الأول إليها، ورجوعها إليه أن تذوق العسيلة، أن توطأ.
قد يقول قائل: إذا كان الأمر كذلك فالوطء المحرم مثلاً نسأل الله العافية، ذاقت عسيلة، هل ترجع إليه؟ لا، النكاح المحرم، الوطء المحرم لا يثبت به حكم شرعي؛ لأنه قال: ((حتى تذوق عسيلتها)) نعم ذاقت العسيلة بوطء محرم، نقول: لا يجوز، ولا تحل له حتى تنكح نكاحاً صحيحاً عن رغبة، لا تحليل، ولا محرم، ولا شبهة، لا بد أن يكون نكاحاًَ صحيحاً عن رغبة، ويحصل الجماع، وتذوق العسيلة.
"ثم تزوجها بعده رجل آخر فمات عنها قبل أن يمسها" هل يحل لزوجها الأول أن يراجعها؟ "فقال القاسم بن محمد: "لا يحل لزوجها الأول أن يراجعها" يعني حتى يحصل الجماع من الثاني.
لو أن شخصاً تزوجها في عدتها من الأول، نكحها في عدتها من زوجها الأول، وذاق عسيلتها، ترجع إلى الأول وإلا ما ترجع؟ ما ترجع؛ لأن النكاح ليس بصحيح، لا بد أن يكون النكاح صحيحاً تترتب عليه أحكامه.
فقال القاسم بن محمد: "لا يحل لزوجها الأول أن يراجعها" والإمام -رحمه الله تعالى- حينما يذكر الحديث المرفوع ثم الموقوف ثم المقطوع؛ لينوع في أنواع الأدلة المعروفة؛ وليبين أن هذا الحكم محفوظ غير منسوخ، محكم غير منسوخ، تتابع على القول به الصحابة، ثم التابعون.(95/8)
قال مالك في المحلل الذي يتفق مع الزوج أو مع الزوجة، أو مع ولي أمرها أن يتزوجها حتى يحللها للزوج الأول ثم يطلقها: "إنه لا يقيم على نكاحه ذلك لفساده" العقد ليس بصحيح، إذا أقدم عليه بهذه النية فالعقد ليس بصحيح "حتى يستقبل نكاحاً جديداً" يعني لو رغب فيها وأراد الاستمرار لا بد أن يجدد العقد؛ لأن عقده الأول ليس بصحيح "فإن أصابها في ذلك" العقد الفاسد "فلها مهرها" تستحق المهر بما استحل من فرجها، ولا يجوز له أن يستمر معها؛ لأن النكاح ليس بصحيح، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
صبي يطأ؟ يطأ؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني لو كان المحلل صبي، جاءوا بصبي يطأ مثله، عشر سنوات، وغير مكلف لا يتجه إليه لعن، وكان الاتفاق مع ولي أمرها أو مع زوجها الأول، يبقى أنه محلل، يعني تترتب الأحكام على غيره، أحكام غيره لازمه، وأحكامه باعتباره غير مكلف لا يتجه إليه اللعن.
طالب:. . . . . . . . .
يعني عاملهم بنقيض قصدهم، جاءوا به وقالوا: تزوج هذه المرأة بمهر يسير جداً على أن تحللها لزوجها، مهر لمجرد ثبوت النكاح بالصداق ظاهراً، وجاء بنية أنه سوف يستمر معها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا نسأله.
لحظة.
اتفق الزوج المطلق ألبتة مع شخص أن يتزوج هذه المرأة، وقال: علي المهر، تزوجها وعلي المهر، واجلس معها ليلة أو ليلتين ثم طلقها لتحل، لترجع إلي، أو جاء ولي أمرها أبوها أو أخوها وقال لفلان من الناس: تزوجها وعلي المهر، أتحمل حق المهر، ما أنت بخسران شيء، ثم عقد له عليها، فقال: خلاص، أنا دخلت بعقد صحيح، النكاح صحيح، فلا لأحد كلام علي، يثبت النكاح وإلا ما يثبت؟ دخل بهذه النية؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب يثبت النكاح أو لا يثبت؟
طالب:. . . . . . . . .(95/9)
ولا يرجع، هو دخل خدعة لهم، هم جاءوا به وقالوا: المهر علينا، وأنت ما أنت بخسران شيء، تكسب ليلة أو ليلتين بعقد إيجاب وقبول، إن دخل بنية التحليل فهو ملعون، والآخر ملعون أيضاً، وإن دخل بينة الثبوت والدوام والاستمرار فالنكاح صحيح، والإثم عليهم، طيب لو ضغطوا عليه وقالوا: لا بد أن تطلق، أو تدفع مهر المثل؟ لا يلزمه الطلاق ولا يلزمه أيضاً مهر؛ لأنه تحمل عنه، وإن كان أفضل من الأول، فلا شك أن المرأة سوف تستمسك به، وحصل من هذا قضايا متقدمة، قديمة جداً، وقضايا معاصرة، جاء شخص بيجينا الظاهر، لا، جاء شخص اسمه إيش؟ ومعه صبية، في زمن عمر، ومعه أخوة له صغار، فجيء به، صاحب شملة، أو ما أدري صاحب ... ، نعم إي هو صاحب شملة أو صاحب ثوب رث، أو شيء من هذا، لكن مفاد القصة أنه جاء فقير، فسأل فلم يعطَ، ومعه أخوة صبية صغار، فقيل له: ألا تتزوج هذه المرأة، من أجل أن يحللها، ولك مبلغ كذا، أعطوه المبلغ، فلما أصبح جاءت فأدخلت الصبية إخوانه، وأكرمتهم، وجاء زوجها القرشي فطردته، لماذا؟ لأنه أفضل من الأول، لكن لو كان دون الأول لا بد أن تنكد عليه حتى يفارق، فمثل ما قلنا السوق عرض طلب، كسائر السلع، والعوام يقولون: جود السوق ولا جود البضاعة، أحياناً المرأة تضغط على الرجل لما عندها من المميزات، وأحياناً الرجل يضغط على المرأة لما عنده من المميزات، وإذا كان كثير من الرجال إذا تزوج الصغيرة على الكبيرة عرض على الكبيرة شيء من التنازلات، أو يفارق، {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [(128) سورة النساء] يتنازل؛ لأن السوق عرض وطلب، وفي المقابل لو رأت من زوجها ضعفاً، وعرضت عليه أمور، وطلبت منه أشياء، تتطلب منه مثلاً أن يؤثث أو يغير البيت كل سنة، ما دام بهذا الضعف لا بد أن يستجيب، والنساء لسن بأقل من الرجال في هذه الضغوط أبداً، وهذه أمور معروفة يعني، أمور محسوسة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، ما يمكن يجبر، إلى الآن ما حلت له، نكاح المحلل لا يحلل.
طالب:. . . . . . . . .(95/10)
لا، لا الكلام على نيتهم هم أيضاً، إيه، هو محلل عندهم.
على كل حال من وجدت منه هذه النية التحريم متجه إلي.
سم.
أحسن الله إليك
باب: ما لا يجمع بينه من النساء
وحدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها)).
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: "ينهى أن تنكح المرأة على عمتها، أو على خالتها، وأن يطأ الرجل وليدة، وفي بطنها جنين لغيره".
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: باب ما لا يجمع بينه من النساء
ما لا، الأصل أن النساء عقلاء، فيعبر بـ (من)، وجاء التعبير بـ (ما) في القرآن {فَانكِحُواْ مَا طَابَ} [(3) سورة النساء] وهنا يقول: "باب: ما لا يجمع بينه من النساء" يعني مما لم يذكر في كتاب الله تعالى، الجمع بين الأختين، الجمع بين البنت وأمها، والأم وأختها، والأم وبنتها، وسيأتي شيء من ذلك، لكن هنا القدر الزائد على ما في كتاب الله -جل وعلا-.(95/11)
قال: "وحدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها)) " والسبب في ذلك ما يورثه الجمع من القطيعة، فلا شك أن الضرة ما سميت ضرة إلا لتضرر الزوجة الأولى بها، فكون المرأة تنكح على خالتها، أو تنكح على عمتها، أو تنكح على بنت أخيها، أو بنت أختها، لا شك أن هذا يورث القطيعة، ويورث النزاع والشقاق بين الأسر الواحدة، وكل ما كان هذا سبيله يأتي الشرع بمنعه، لكن بنت العم عنده امرأة أراد أن يتزوج بنت عمها، أو بنت عمتها، أو بنت خالها، أو بنت خالتها عليها، يجوز وإلا ما يجوز؟ يجوز، ألا يورث مثل هذا قطيعة؟ ألا يورث القطيعة مثل هذا التصرف؟ نعم؟ يورث القطيعة، لكن قطيعة بين من لا تجب صلته، يعني بنت العم، أو بنت العمة، أو بنت الخال، أو بنت الخالة، لا تجب صلتها مثل العمة والخالة أو بنت الأخت، أو بنت الأخ، ففرق بين هذا وهذا، وإلا زواج الأقارب عموماً يورث ما يورث من القطايع، ولذا تجدون يندر أن يوجد من يتزوج بنت ويتزوج بنت عمها أو بنت خالها، أو بنت خالتها، أو بنت عمتها، يندر هذا؛ لأن العم والخال أو الخالة أو العمة إذا خطب منها؛ لأن هؤلاء الأقارب إذا خطب منهم، أو خطب منهم من زوجته الأولى قريبة منهم لا يوافقون؛ لوجود مثل هذه القطيعة، وقد يوجد، لكنه قليل ونادر، أما العمة والخالة فجاء النص بتحريمهما.(95/12)
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: "ينهى أن تنكح المرأة على عمتها" في الحديث: ((لا يجمع بين المرأة وعمتها)) و (لا) هنا نافية، كما هو معلوم، والنفي إذا جاء مراداً به النهي فهو أبلغ من النهي الصريح، ولذلك قال: "ينهى أن تنكح المرأة على عمتها، أو على خالتها" والأسلوب أسلوب نفي يراد به النهي، "وأن يطأ الرجل وليدة" جارية اشتراها "وفي بطنها جنين لغيره" وكذلك إذا تزوج امرأة وفي بطنها جنين قد خفي عليهم، أو اختلفوا في حساب ونحوه، فلا يجوز بحال أن توطأ وفي بطنها جنين لغيره، والسبي، نهى في سبايا أوطاس أن توطأ المسبية حتى تستبرأ، ويعلم براءة رحمها، وجاء في الخبر لعن من سقى ماءه زرع غيره، يعني من وطأ امرأة وفي بطنها جنين لغيره، نعم.
أحسن الله إليك.
طالب:. . . . . . . . .
إيش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، السؤال من عندك ذا؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا هو: لو لم يعلم الزوج الثاني وكان الأمر مدبراً من قبل الزوج الأول والزوجة وأهلها؟
طالب:. . . . . . . . .
والزوج ما يدري؟
طالب:. . . . . . . . .
يدري؟
طالب:. . . . . . . . .
العبرة في وقت العقد، يعني لو اتفقوا على التحليل، جميع الأطراف اتفقوا على التحليل فلما دخل بها رغب فيها ورفض الفراق، النكاح ليس بصحيح، يجبر على فراقها، ولا تحل للأول، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما لا يجوز من نكاح الرجل أم امرأته
حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سئل زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه- عن رجل تزوج امرأة ثم فارقها قبل أن يصيبها هل تحل له أمها؟ فقال زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه-: "لا، الأم مبهمة ليس فيها شرط، وإنما الشرط في الربائب".
وحدثني عن مالك عن غير واحد أن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- استفتي وهو بالكوفة عن نكاح الأم بعد الابنة إذا لم تكن الابنة مست، فأرخص في ذلك، ثم إن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قدم المدينة فسأل عن ذلك، فأخبر أنه ليس كما قال، وإنما الشرط في الربائب، فرجع ابن مسعود إلى الكوفة فلم يصل إلى منزله حتى أتى الرجل الذي أفتاه بذلك، فأمره أن يفارق امرأته.(95/13)
قال مالك -رحمه الله- في الرجل تكون تحته المرأة، ثم ينكح أمها فيصيبها: إنها تحرم عليه امرأته ويفارقهما جميعاً، ويحرمان عليه أبداً إذا كان قد أصاب الأم، فإن لم يصب الأم لم تحرم عليه امرأته، وفارق الأم.
قال مالك: فأما الزنا فإنه لا يحرم شيئاً من ذلك ...
قال مالك.
أحسن الله إليك.
قال مالك: فأما الزنا فإنه لا يحرم شيئاً
ما في: في الرجل يتزوج المرأة.
طالب: عندي سقط.
هاه؟
طالب: عندي سقط.
نعم سطرين، قال مالك.
أحسن الله إليك.
وقال مالك في الرجل يتزوج المرأة ثم ينكح أمها: إنه لا تحل له أمها أبداً.
ثم ينكح أمها فيصيبها.
طالب: الظاهر النسخ يا شيخ.
هاه؟
أحسن الله إليك
وقال مالك في الرجل يتزوج المرأة ثم ينكح أمها فيصيبها: إنه لا تحل له أمها أبداً، ولا تحل لأبيه، ولا لابنه، ولا تحل له ابنتها، وتحرم عليه امرأته.
قال مالك: فأما الزنا فإنه لا يحرم شيئاً من ذلك؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال: {وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ} [(23) سورة النساء] فإنما حرم ما كان تزويجاً، ولم يذكر تحريم الزنا، فكل تزويج كان على وجه الحلال يصيب صاحبه امرأته فهو بمنزلة التزويج الحلال، فهذا الذي سمعت، والذي عليه أمر الناس عندنا.
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما لا يجوز من نكاح الرجل أم امرأته
أم امرأته {وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ} [(23) سورة النساء] يعني من المحرمات تحريماً مؤبداً، المنصوص عليهن في آية النساء، لكن إذا تزوج المرأة، ثم أراد أن يتزوج أمها، عقد على المرأة فأمها من محارمه، فرآها أفضل من بنتها، فأراد أن يفسخ هذا العقد ويتزوج الأم أو العكس، عقد على الأم فصارت البنت من محارمه، فرآه أفضل من أمها، فأراد أن يفسخ ليتزوج البنت، في فرق بين المسألتين؟ وإلا ما في فرق؟ في فرق، وهذا هو موضوع هذا الباب "ما لا يجوز من نكاح الرجل أم امرأته".(95/14)
قال: "وحدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: سئل زيد بن ثابت عن رجل تزوج امرأة ثم فارقها قبل أن يصيبها، هل تحل له أمها؟ " يعني كأنه لمح الأم، أو رأى الأم؛ لأنها صارت من محارمه، يسمونها الناس خالة، فرأى الأم أفضل من البنت، فقال: نفسخ النكاح مع البنت، وما صار شيء، ما بعد حصل جماع، ولا، المسألة كلام، نعم إيجاب وقبول، تزوجت وقبلت، المسألة ما دام كلام نفسخ النكاح من البنت ونتزوج الأم "ثم فارقها قبل أن يصيبها، هل تحل له أمها؟ فقال زيد بن ثابت: "لا، الأم مبهمة" {وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ} [(23) سورة النساء] ما قال: اللاتي دخلتم بهن، الأم مبهمة ليس فيها شرط، شرط الدخول ليس فيها "وإنما الشرط في الربائب".
قال: "وحدثني عن مالك عن غير واحد أن عبد الله بن مسعود استفتي وهو بالكوفة عن نكاح الأم بعد الابنة، إذا لم تكن الابنة مست" يعني هي الذي سئل عنها زيد بن ثابت "فأرخص في ذلك" المسألة إيجاب وقبول، مجرد كلام، افسخ واعقد، وهل لهذا شبهة أو ليس له شبهة؟ أرخص في ذلك، له شبهة وإلا ما له شبهة؟ النص في الربيبة {مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ} [(23) سورة النساء] هذا النص، فهل في الصورة التي قبل أمهات نسائكم فيها شبهة؟ أنه إذا لم يكن وطئ البنت لا تحل له الأم؟ ابن مسعود أرخص في ذلك، ثم يعني هل لهذه الرخصة وجه؟ أو مثل ما سئل الجهم عن رجل طلق امرأته قبل الدخول فقال: تعتد أربعة أشهر وعشراً؟ هذا لا عقل ولا نقل، هذا ما فيه أدنى ... ، يعني هل لترخيص ابن مسعود شبهة وإلا ما له شبهة سواءً كانت راجحة أو مرجوحة؟
طالب: له شبهة.
شبهة إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني هل الوصف المتعقب للجملتين يتناول الجملتين أو يتناول الجملة الأخيرة {اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ} [(23) سورة النساء]؟ هل يتناول الصورتين أو يتناول الصورة الأخيرة فقط؟
طالب: الصورة الأخيرة.
يعني مر بنا مراراً أن الاستثناء والوصف المؤثر وغيره الشرط إذا تعقب جمل هل يشمل الجمل كلها، أو يشمل الجملة الأخيرة فقط؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(95/15)
لا، إذا قلنا: يشمل الجملة الأخيرة نقول: كلام ابن مسعود صحيح، وكلام زيد بن ثابت ليس بصحيح، ابن مسعود رجع عن هذا القول.
قال: "فأرخص في ذلك، ثم إن ابن مسعود قدم المدينة فسأل عن ذلك، فأخبر أنه ليس كما قال، وإنما الشرط في الربائب" يعني فقط، لا يتناول الجملة التي قبلها "فرجع ابن مسعود إلى الكوفة فلم يصل إلى منزله حتى أتى الرجل الذي أفتاه بذلك، فأمره أن يفارق امرأته" وهذا قول جماهير أهل العلم فقط، الجملة الأخيرة فقط بهذا قال جماهير أهل العلم، وبفتوى ابن مسعود الأولى قال أحمد: في رواية، رواية في المذهب توافق فتوى ابن مسعود الأولى، وأنها تحل له الأم ما لم يدخل بالبنت كالربيبة، كمسألة الربيبة إذا لم يدخل بأمها، والشبهة مثلما ذكرنا أن الشرط متعقب لجملتين هل يتناول الجملتين أو الجملة الأخيرة فقط؟ عامة أهل العلم بل القول بأن الشرط يتناول جملتين، قول شاذ لا يلتفت إليه عند أهل العلم، ولذلك ابن مسعود رجع عن فتواه، ورواية عند الحنابلة ذكرها في حاشية المقنع أنها مثل الربيبة، قال في حاشية المقنع: وعنه أمهات النساء كالربائب لا يحرمن إلا بالدخول ببناتهن، كما لا تحرم بناتهن إلا بالدخول بها، وحكي عن علي.
والسبب في ذلك الشبهة التي أورثها تعقب الجملتين بوصف مؤثر، يعني هل هذا باطل من كل وجه أو له وجه؟ لكن عامة أهل العلم وجماهير أهل العلم على أن الاشتراط خاص بمسألة الربيبة، أما مسألة زواج الأم بعد البنت فهذا ليس فيه اشتراط، بمجرد العقد تحرم الأم، لكن البنت لا تحرم بمجرد العقد، وعلى هذا إذا عقد على الأم هل تكشف البنت قبل الدخول أو لا تكشف؟ نعم؟ ما تكشف إلا بالدخول، وإذا عقد على البنت تكشف الأم بمجرد العقد أو لا تكشف؟ تكشف؛ لأنها صارت من محارمه تحرم عليه، قد يقول قائل: لماذا اشترط الدخول في هذا، ولم يشترط الدخول في ذاك؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(95/16)
النص على العين والرأس معروف، لكن ما هناك علة؟ ما في تفريق بين المتماثلات؟ نعم تحريم الربيبة على من عقد على أمها إلا بالدخول؛ لأنه قد يبدو له، قد يلمح هذه البنت قبل الدخول بأمها، ويكون حينئذٍ فيه فرصة لأن يتزوج البنت، لكن انتقاله إلى الأدنى من البنت إلى الأم هذا ليس فيه مصلحة له، فلا يشترط فيه الدخول.
"قال مالك في الرجل تكون تحته المرأة ثم ينكح أمها فيصيبها: إنها تحرم عليه امرأته" في الرجل تكون تحته المرأة، يعني زوجته "ثم ينكح أمها فيصيبها"
ينكح يعني يتزوج، يعقد عليها، كيف يعقد عليها وبنتها تحته؟ هاه؟ "في الرجل تكون تحته المرأة، ثم ينكح أمها فيصيبها أنها تحرم عليه امرأته"
طالب:. . . . . . . . .
تكون تحته المرأة، يعني زوجته، ثم ينكح أمها فيصيبها.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا عندك بيجي، فأما الزنا فإنه لا يحرم شيئاً من ذلك عند مالك، وهو الصحيح، أما نكاح بشبهة، نعم؟
طالب: إما جهل.
أو جهل، نعم؟
طالب: يحرم من الرضاعة.
ما يحرم من النسب.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن رضاعة مجهولة، جاء من يخبر.
طالب:. . . . . . . . .
أخبر فيما بعد.
طالب: إيه لكن هو يتكلم عن أم حقيقية ليست رضاعة.
على كل حال هو يشمل، يشمل الصور كلها، كيف ينكح امرأة وابنتها تحته؟ يعني النكاح من حرم عليه نكاحها إجماعاً تحريماً قطعياً مثل أم الزوجة تحريمها قطعي، ومحل إجماع، لو عقد عليه مع علمه بذلك يكون مرتداً، الذي عقد على زوجة أبيه، نكح زوجة أبيه خمس ماله، قتل وخمس ماله، مرتد، مع علمه بالتحريم القطعي يكفر بهذا، فكيف ... ؟ لأنه استحلال لما حرم إجماعاً.
هنا "في الرجل تكون تحته المرأة ثم ينكح أمها فيصيبها أنها تحرم عليها امرأته" في شرح؟
طالب:. . . . . . . . .
الزرقاني؟ المنتقى؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش يقول؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا الزرقاني فيه إعواز كبير، يعني ما هو ... ، شرح مختصر جداً، المنتقى الباجي ويش يقول؟ شرح؟
يقول: "قال مالك في الرجل يتزوج المرأة ثم ينكح أمها فيصيبها: إنه لا تحل له أمها أبداً ولا تحل لأبيه، ولا لابنه، ولا تحل له ابنتها، وتحرم عليه امرأته" وذلك يحتمل معنيين:(95/17)
أحدهما: أن يكون الضمير في قوله: "أمها" راجعاً إلى البنت فيكون معنى ذلك إن تزوج الأم آخر، وأن إيش؟ وأصابها لا تحل له أبداً، وهذا قد تقدم القول فيه؛ لأن عقده على البنت قد حرم عليه الأم على التأبيد فإصابته إياها بالعقد الذي أحدث بعد ذلك لا يزيل ما تأبد من التحريم.
والوجه الثاني: أن يكون الضمير في قوله: فأصابها راجعاً إلى الأم المتزوجة آخر، ويكون المراد بالأم في قوله: أمها جدة البنت المتزوجة، ويفارقهما جميعاً.
على كل حال الإشكال باق إلا أن يكون عن جهل.
"ويحرمان عليه أبداً إذا كان قد أصاب الأم، فإن لم يصب الأم لم تحرم عليه امرأته وفارق الأم" إن لم يصبها ولو عقد، يعني لا تحرم عليه الأم بمجرد العقد عكس المسألة السابقة؛ لأن العقد في المسألة السابقة متقدم، والعقد هنا المتأخر لا أثر له؛ لأنه ليس بصحيح، عقد باطل.
"وقال مالك في الرجل يتزوج المرأة ثم ينكح أمها فيصيبها: إنه لا تحل له أمها أبداً، ولا تحل لأبيه، ولا لابنه، ولا تحل له ابنتها، وتحرم عليه امرأته" وهذه كسابقتها إن نشأ عن جهل وعقد عليها، أو لظنه أنها لا تحرم عليه الأم إلا بالدخول بالبنت أو ما أشبه ذلك، يعني عقد على البنت ولم يدخل بها، ثم ينكح أمها باعتبار أن البنت لا تحرم عليه، أن الأم لا تحرم عليه إلا بالدخول كفتوى ابن مسعود السابقة، الرجل تكون تحته المرأة ثم يطلقها فيتزوج أمها باعتبار أن الوصف يرجع إلى الجملتين، يعني على فتوى ابن مسعود السابقة وقلنا: إنه رواية في المذهب.(95/18)
"ثم ينكح أمها فيصيبها أنها تحرم عليه امرأته ويفارقهما جميعاً" لأن هذه لها صلة بالمسألة السابقة، ويتجه الكلام حينئذٍ، يعني بناءً على الفتوى السابقة لابن مسعود، وأن الجملة الشرطية تتعقب الجملتين معاً، ومؤثرة في الجملتين، فعقد على البنت ثم طلقها ثم عقد على الأم باعتبار أنها تحل له؛ لأنه لم يدخل ببنتها، وهنا يستقيم الكلام "ثم ينكح أمها فيصيبها أنها تحرم عليه امرأته، ويفارقهما جميعاً" لأنه بمجرد العقد على البنت تحرم الأم "ويحرمان عليه أبداً إن كان قد أصاب الأم، فإن لم يصب الأم لم تحرم عليه امرأته، وفارق الأم" لماذا؟ لأن عقده على الأم باطل، لا يؤثر على العقد على البنت، لا يؤثر على مراجعته للبنت التي طلقها.
"وقال مالك في الرجل يتزوج المرأة ثم ينكح أمها فيصيبها: إنه لا تحل له أمها" الآن ظهر وجه الجملة هذه؟ ظهر، إذا ربطناها بالكلام السابق انتهى الإشكال.(95/19)
"في الرجل يتزوج المرأة ثم ينكح أمها فيصيبها: إنه لا تحل له أمها أبداً ولا تحل لأبيه، ولا لابنه، ولا تحل له ابنتها، وتحرم عليه امرأته" يعني نكاح محرم، هل له أثر؟ نكاح الأم محرم، فهل يؤثر على نكاح البنت؟ الزنا لا يؤثر، يعني سواءً زنا بالأم فلا تحرم عليه البنت أو العكس؛ لأنه قال: فأما الزنا فإنه لا يحرم شيئاً من ذلك، لكن ما يظن ما فيه شبهة، فيه عقد، فإنه يحرم، كالنكاح الصحيح يحرم، وأما الزنا فإنه لا يحرم شيئاً من ذلك؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال: {وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ} [(23) سورة النساء] والموطوءة بزنا ليست بامرأة للرجل، فإنما حرم ما كان تزويجاً، ولم يذكر تحريم الزنا، فكل تزويج كان على وجه الحلال يصيب صاحبه امرأته فهو بمنزلة التزويج الحلال، فكل تزويج كان على وجه الحلال يصيب صاحبه امرأته فهو بمنزلة التزويج الحلال، يعني ولو على حد زعمه، يعني عند من يقول مثلاً بأن مثلاً طلاق الحائض يقع، ثم تزوجت بعد عدتها من هذا الطلاق، ثم تغير اجتهاده، وقال: لا يقع، على الاجتهاد الثاني هي ما زالت في عصمة الأول، فيكون نكاحها من الثاني شبهة، فهذا النكاح يحرم مثل العقد الصحيح، بخلاف الزنا، وعند الشافعية أن الزنا كغيره كالنكاح الصحيح يحرم، يعني إذا وطئ امرأة بزنا حرم عليه أمها وأختها وعمتها وخالتها؛ لأنه لا ينظر بين فرجين لا يجوز الجمع بينهما، وهذا معروف.
"فهذا الذي سمعت والذي عليه أمر الناس" لكن الصحيح أن الحرام لا يترتب عليه حكم، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: نكاح الرجل أم امرأة قد أصابها على وجه ما يكره
قال مالك في الرجل يزني بالمرأة فيقام عليه الحد فيها: إنه ينكح ابنتها وينكحها ابنه إن شاء، وذلك أنه أصابها حراماً، وإنما الذي حرم الله ما أصيب بالحلال، أو على وجه الشبهة بالنكاح، قال الله -تبارك وتعالى-: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء} [(22) سورة النساء].(95/20)
قال مالك: فلو أن رجلاً نكح امرأة في عدتها نكاحاً حلالاً فأصابها حرمت على ابنه أن يتزوجها، وذلك أن أباه نكحها على وجه الحلال لا يقام عليه فيه الحد، ويلحق به الولد الذي يولد فيه بأبيه، وكما حرمت على ابنه أن يتزوجها حين تزوجها أبوه في عدتها، وأصابها فكذلك يحرم على الأب ابنتها إذا هو أصاب أمها.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: نكاح الرجل أم امرأة قد أصابها على وجه ما يكره
يعني على وجه مكروه، ليس بنكاح صحيح، لكنه في شبهة له، امرأة قالت: إنها خرجت من العدة، وهي لم تخرج، إما متعمدة أو غير متعمدة، قاصدة أو غير قاصدة، إما غلط في حسابها، أو أنها قاصدة ومتعمدة، وتهيأت للخطاب فخطبت فنكحت وهي في عدتها، الذي خطبها عليه إثم وإلا ما عليه إثم؟ ما عليه إثم، الإثم عليها إن كانت قاصدة.
على كل حال مثل هذا النكاح إذا علم بأنها ما زالت في العدة النكاح باطل، لكن تترتب عليه آثاره، مثل النكاح الصحيح، الولد ينسب إليه، ولا تحل لابنه، وإلى غير ذلك من الأحكام، ولا تحل له ابنتها من غيره؛ لأنها صارت ربيبة، إلى غير ذلك من الأحكام المرتبة على النكاح الصحيح بخلاف الزنا.
يقول: "قال مالك في الرجل يزني بالمرأة فيقام عليه الحد فيها: إنه ينكح ابنتها" لكن ينكحها وإلا ما ينكحها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ينكحها إذا تابت، إذا تابا، نعم يجوز له أن ينكحها، وانتهت عدة الاستبراء.(95/21)
"إنه ينكح ابنتها" هذا زنا لا تترتب عليه آثاره، ولا يقول: إن هذه البنت ربيبتي، طيب افترضنا أن هذه المرأة المزني بها جاءت ببنت من أثر الزنا، هل له أن يتزوج هذه البنت؟ لأنه يقول: ينكح ابنتها، يعني ابنتها من غيره، وطرداً لقولهم: إن الزنا لا أثر له لأنه وطء محرم لا تترتب عليه آثار يقتضي أنه يجوز أن يتزوج ابنته من الزنا، يعني إطلاق قولهم، طرداً لقولهم يجوز، لكن الشبهة أنها خلقت من مائه، فلا يجوز له أن يتزوجها، لكن ينكح ابنتها من غيره، ويسأل كثيراً عن رجل تزوج امرأة ثم طلقها، تزوجها آخر فجاءت ببنات من الآخر هؤلاء البنات بعد أن طلقها وحرمت عليه، ووجب عليها الحجاب منه، هل هن ربائب أو غير ربائب؟ نعم؟ ألسن بنات لزوجته؟ سواءً كن من أزواج قبل زواجه أو بعد طلاقه؟ هن ربائب، فهن محارم له لا يجوز أن يتزوج بهن، ويكشفن له؛ لأنه وطئ أمهن بنكاح صحيح، فهن ربائب، سواءً كن قبل أو بعد، إلا عند من يقول: بأن الوصف مؤثر {فِي حُجُورِكُم} [(23) سورة النساء] فهذه ما نشأت في حجره، على رأي أهل الظاهر يتزوج، وليست محرم؛ لأنها ليست في حجره.
"وينكحها ابنه إن شاء" هذه المرأة التي وطئت بالزنا من قبل هذا الرجل له أن يتزوجها إذا تابا، ويتزوج ابنتها، ويتزوجها أيضاً ابنه، ولا يقول: هذه موطوءة أبي؛ لأن النكاح الحرام لا يؤثر "وذلك أنه أصابها حراماً، وإنما الذي حرم الله ما أصيب بالحلال، أو على وجه الشبهة بالنكاح" يعني بالقعد، بالإيجاب والقبول، ولو كان العقد في حقيقة الأمر باطل، لكنه إيجاب وقبول "وإنما الذي حرم الله ما أصيب بالحلال، أو على وجه الشبهة بالنكاح، قال الله -تبارك وتعالى-: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء} [(22) سورة النساء] "(95/22)
"قال مالك: فلو أن رجلاً نكح امرأة في عدتها نكاحاً حلالاً" وهو لا يدري، سواءً علمت الزوجة أو لم تعلم، قصدت أو لم تقصد "فأصابها، حرمت على ابنه أن يتزوجها، وذلك أن أباه نكحها على وجه الحلال لا يقام عليه فيه الحد" لا يحد لوجود هذه الشبهة "ويلحق به الولد" لأن ولد الشبهة يلحق بأبيه "الذي يولد فيه بأبيه، وكما حرمت على ابنه أن يتزوجها حين تزوجها أبوه في عدتها وأصابها، فكذلك يحرم على الأب ابنتها إذا هو أصاب أمها" لأنها ربيبة، والنكاح نكاح شبهة، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: جامع ما لا يجوز من النكاح
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الشغار.
والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ليس بينهما صداق.
وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية الأنصاري عن خنساء بنت خدام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرد نكاحه.
وحدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال: "هذا نكاح السر ولا أجيزه، ولو كنت تقدمت فيه لرجمت".
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن سليمان بن يسار أن طليحة الأسدية كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها، فنكحت في عدتها، فضربها عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- وضرب زوجها بالمُخفقة ...
بالمِخْفَقة.
أحسن الله إليك.
بالمِخْفَقة ضربات، وفرق بينهما، ثم قال عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-: "أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، ثم كان الآخر خاطباً من الخطاب، وإن كان دخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من الأول، ثم اعتدت من الآخر، ثم لا يجتمعان أبداً".
قال مالك: وقال سعيد بن المسيب: "ولها مهرها بما استحل منها".(95/23)
قال مالك: الأمر عندنا في المرأة الحرة يتوفى عنها زوجها فتعتد أربعة أشهر وعشراً إنها لا تنكح إن ارتابت من حيضتها حتى تستبرئ نفسها من تلك الريبة إذا خافت الحمل.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع ما لا يجوز من النكاح
"حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الشغار" الراوي عن يحيى بن يحيى الليثي وهو ابنه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم ابن يحيى، يحيى بن يحيى يروي الموطأ عن مالك، إيه؟
طالب:. . . . . . . . .
تكلمنا على هذا في أول الكلام على أول الكتاب، وقلنا: إن هذه طريقة المتقدمين الراوي يدخل اسمه في الكتاب "عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الشغار" ثم فسره الراوي مدرجاً تفسيره في الخبر "والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ليس بينهما صداق" الشغار من شغر المكان إذا خلا، والإعلانات التي تهم الناس اليوم عن الوظائف الشاغرة، يعني الخالية من الموظف، وتحتاج من يشغلها، لخلوه من الصداق سمي شغاراً، ومنهم من يقول: إنه مأخوذ من شغر الكلب إذا رفع رجله، فكأن الولي يقول: لا ترفع رجل بنتي إلا إذا رفعت رجل بنتك، يعني فرج بفرج.(95/24)
"هو أن يزوجه ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ليس بينهما صداق" حقيقة أو حكماً، لو قال: أدفع لك مهراً ترده علي مهراً لابنتي صار ما بينهم صداق، وإنما البضع في مقابل البضع، والبنت في مقابل البنت، وكون المولية تكون بهذه الصفة سلعة كسائر السلع يستبدل بها هذا لا يأتي به الشرع، بل الشرع كرم المرأة، ووضعها في منزلتها اللائقة بها، وعاملها على أنها شقيقة الرجل، صنو الرجل، مثله في كثير من الأحكام، ولا تمتهن بهذه الطريقة، يبدل بها، وكانت العرب في الجاهلية كما ذكر المفسرون يأتي الرجل إلى الآخر ويقول: أبدلني زوجتك بزوجتي وأزيدك أو تزيدني، يعني مثل السلع، مثل صاحب السيارة، يقول: بدلني بسيارتك وأزيدك وتزيدني، هذا موجود في الجاهلية {وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} [(52) سورة الأحزاب] وذكر المفسرون حول هذه الآية مثل هذه الصورة، هذا لا يوجد في الإسلام، في الإسلام المرأة شقيقة الرجل، وإن كان له الولاية عليها لقصور تصرفها في الجملة، لكن هذا كلام إجمالي، وقد يوجد في النساء من هن خير من كثير من الرجال، ومع ذلك لا يجوز أن تكون المرأة سلعة ممتهنة مبتذلة يبدل بها بامرأة أخرى، أو بغيرها من السلع، وهذا الشغار سمي شغاراً لما ذكرنا، إما لخلوه وفراغه من الصداق، أو لتشبيه هذه المرأة بالكلب إذا رفع رجله، أو المشاغر الذي زوج ابنته على أن يزوج صار مثل الكلب يرفع رجل هذه المرأة في مقابل رجل امرأة أخرى كالكلب، وفي هذا التنفير من هذا العمل، في تشبيهه بالكلب، والشغار نكاح فاسد وإلا باطل؟ من مقتضى قوله: ليس بينهما صداق؟ لو زوجه بنته بمقابل بنت ثم بعد ذلك بعد العقد عرفوا هذا الحكم، فقال: خذ هذا صداق، المسألة مسألة صداق، أدفع لك وأنت تدفع لي، يصحح وإلا ما يصحح؟ أو لا بد من تجديد العقد؟
طالب: لا بد من تجديده.
لا بد من تجديده، وهذا القول الصحيح، وإن قال بعضهم: إنه فاسد يمكن تصحيحه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لذاته، لذاته إيه، فالنهي عن الشيء لذاته يقتضي البطلان.
طالب:. . . . . . . . .(95/25)
صورحوا، هذا ليس بينهما مهر حقيقي، يعني حقيقة أو حكماً، هذا لا يوجد مهر حكماً، وإن وجد عينه.
قال: "وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية الأنصاري عن خنساء بنت خدام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب" سبق أن تزوجت قبل ذلك، وطئت بنكاح صحيح "فكرهت ذلك" يعني الزوج الثاني زوجها من غير رضاها، فكرهته "فأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرد نكاحه" لأنه لا بد من أن تستأمر، ولا بد أن تجيب بالموافقة صراحة أو الرفض، ((لا تنكح الأيم حتى تستأمر)) فنكاحها مردود إذا لم تقبل، طيب معنى هذا أنه لو زوجها من غير رضاها، ثم قبلت النكاح صحيح؛ لأن الأمر لا يعدوها، فإذا رضيت به صح نكاحه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا مكنت دليل الرضا، لكن لو مكنت على اعتقاد منها أنه ليس لها خيار، ثم عرفت بعد ذلك أن لها الخيار، ما تعرف أن لها خيار، ثم قيل لها: إن كان ما تبينه ترى الشرع فيه سعة، الرسول -عليه الصلاة والسلام- رد نكاح الخنساء هذه، يعني إذا صاحب الشفعة ما عرف الحكم، وأن له شفعة فرضي وشهد على البيع، ثم علم أن له شفعة يسقط حقه وإلا ما يسقط؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
دعنا من هذا الحديث، الآن انتقلنا إلى مسألة أخرى، نريد أن ننظر بها، أنت شريك في أرض، فباع شريكك نصيبه، وأنت لا تدري أن لك حق شفعة، جاهل ما تدري عن شيء، فقال: أريد أن تذهب معي لتشهد على هذا العقد، ورحت وشهدت، ثم قيل لك: إن كنت تريد هذا الشقص أو هذا النصيب من الأرض فلك أن تشفع، ثم علم الحكم وذهب ليشفع، فقيل له: أنت شاهد الآن، له أن يشفع وإلا لا؟ كان جاهلاً، يعني من علمه يثبت الحكم من علمه، وهنا جاهلة فمكنت من نفسها جاهلة أن لها حق الرفض، وحق النقض، يسمونه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(95/26)
يعني جاهلة لها حق الرفض، ثم علمت، قيل لها: هذا لا يناسبك، وأنت أبوك مستفيد، دفع له مبلغ كبير من المال ووافق، ولا شاورك، وأنت لك النظر، قال: قد حصل ما حصل، هل الحكم من علمها، أو أنها بمجرد تمكينها من نفسها بطل حقها؟ الحكم الشرعي لا يثبت إلا بالعلم، ولذلك لم يؤمر من صلى إلى بيت المقدس بعد النسخ بالإعادة إلا بعد أن علم، فالذي يعمل بالمنسوخ قبل علمه بالناسخ لا يؤمر بالإعادة، فالحكم الشرعي لا يثبت إلا بالعلم.
قال: "وحدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي أن عمر بن الخطاب أتي بنكاح" أولاً: الخبر فيه انقطاع، أبو الزبير أدرك عمر وإلا ما أدرك؟ ما أدرك، فهو يحكي قصة لم يشهدها، وهو معروف بالتدليس، فأسقط الواسطة "أن عمر بن الخطاب أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة" والأصل أن يشهد عليه رجلان، ولا مدخل للنساء في هذا، يعني ليس بمال ولا يؤول للمال، لا مدخل للنساء في شهادة النكاح "فقال: "هذا نكاح سر" يعني ما كملت الشهادة "ولا أجيزه، ولو كنت تقدمت فيه" يعني لو كان لي سلف ممن فعل "لرجمت" أو لو كنت تقدمت فيه لرجمت، يعني هو الأصل أن يكون "تقدمت" يعني سبقت إلى مثل هذا الحكم لرجمت، لكن لا أريد أن أبتدئ حكماً لم أسبق إليه، لكنه شبيه بالزنا؛ لأنه نكاح سر، وهذا لنقص في الشهادة فكيف بما يفعله ويصنعه ويزاوله كثير من الناس؟ بل ممن عندهم شيء من العلم، من طلاب علم يحصل، تجده لا يعطي الاسم الصحيح؛ لأنه مبيت نية الفراق العاجل.
النكاح بنية الطلاق هذا يجيزه عامة أهل العلم لا إشكال فيه بشروطه، لكن شخص ينتقل من بلد إلى بلد بهذه النية، ومن بيت إلى بيت ولا يعطي الاسم الصحيح، ما يعطي اسمه الصحيح؛ لئلا يعرف، هذا نكاح السر، هذا الذي يستحق عليه الجلد والتعزير، والله المستعان.(95/27)
ثم بعد هذا قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن سليمان بن يسار أن طليحة الأسدية كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها، فنكحت في عدتها" قبل أن تنتهي العدة "فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها" رشيد وإلا الثاني؟ نعم الذي تزوجها في العدة وقد علم بذلك، لا شك أنه يحتاج إلى تعزير، "فضربها عمر بن الخطاب" لأنها نكحت في العدة "وضرب زوجها بالمخفقة ضربات" بالدرة التي كان يستعملها في تأديب الناس وتعزيرهم "ضربات وفرق بينهما".
صنيع عمر في عرف النظريات التربوية، وحقوق الإنسان هذا ظلم للناس وافتيات وامتهان لحقوقهم، وتدخل في شئونهم، عند أدنى شيء يرى رجلاً بادياً صدره في الصف يضربه بالدرة، أو يرى رجل يتنفل بعد العصر يضربه بالدرة، إذا لم يكن مثل هذا فأين السلطان؟ كيف يهاب السلطان؟ إذا مُنع ... ، منعت هذه الأمور ... ، وتجدهم يمنعون هذه الأمور وهي بحق، ويشرعون ما هو أعظم منها وأشد بالباطل، والله المستعان.
"ضربها وضرب زوجها بالمخفقة ضربات، وفرق بينهما" النكاح باطل في العدة "ثم قال عمر بن الخطاب: "أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها" الذي تزوجها، الثاني في عدتها "لم يدخل بها فرق بينهما" يعني ما حصل الدخول يفرق بينهما "ثم تعتد بقية عدتها من زوجها الأول" ثم بعد ذلك يتقدم إليها الزوج الثاني خاطب، أسوة الخطاب، يعني ليس له مزية على غيره؛ لأنها الآن صلحت للخطبة "وإن كان دخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من الأول" تكمل، باقي عليها حيضة، أو شهر إن كانت لا تحيض، تكمل الشهر، ثم تعتد من الثاني ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر "ثم اعتدت بقية عدتها من الأول، ثم اعتدت من الآخر، ثم لا يجتمعان أبداً" لكن لو حصل حمل من الثاني يؤمر بالمفارقة، والولد ولد شبهة، فإذا وضعت الحمل تكون خرجت من عدتها من الثاني، ثم أكملت عدتها من الأول، ويكون حينئذٍ كغيره من الخطاب.
"قال مالك: وقال سعيد بن المسيب: "ولها مهرها بما استحل منها".(95/28)
"قال مالك: الأمر عندنا في المرأة الحرة يتوفى عنها زوجها فتعتد أربعة أشهر وعشراً إنها لا تنكح إن ارتابت من حيضتها حتى تستبرئ نفسها من تلك الريبة إذا خافت الحمل" تعتد أربعة أشهر وعشر، طيب في هذه المدة ما جاءها الحيض، كملت المدة وما جاءها حيض، ما نزل عليها حيض، ولا ظهرت عليها أمارات ولا علامات حمل؛ لأنها إن ظهرت عليها أمارات وعلامات حمل حتى تضع ما في بطنها، وإن نزل عليها دم أثناء الأربعة الأشهر والعشر خرجت من عدتها وإحدادها.
"إنها لا تنكح إن ارتابت من حيضتها" يعني ارتفع عنها هذا الحيض "حتى تستبرئ نفسها من تلك الريبة" لا بد أن ينزل عليها حيض، أو يثبت الحمل إذا خافت الحمل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أربعة أشهر وعشراً.
طالب:. . . . . . . . .
تستبرئ حتى ينزل عليها الحيض، أو تتيقن أنها ليست بذات حمل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان دخل بها؟
طالب:. . . . . . . . .
يفرق بينهما.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
حتى بعد العدة.
يقول: لماذا لا يجتمعان أبداً؟ هل هذا يقتضي الفرقة المؤبدة؟
يعني هذا تعزير، هذا مجرد تعزير، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني شغار، نصراني له أخت مسلمة هل له ولاية عليها؟ ليست له ولاية عليها.
طالب:. . . . . . . . .
نصراني ليست له ولاية على مسلمة، فالنكاح ليس بصحيح أصلاً، لو لم يكن فيه شغار ليس بصحيح، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: نكاح الأمة على الحرة
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما- وعبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- سئلا عن رجل كانت تحته امرأة حرة، فأراد أن ينكح عليها أمة، فكرها أن يجمع بينهما.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: "لا تنكح الأمة على الحرة إلا أن تشاء الحرة، فإن طاعت الحرة فلها الثلثان من القسم".(95/29)
قال مالك: ولا ينبغي لحر أن يتزوج أمة وهو يجد طولاً لحرة، ولا يتزوج أمة إذا لم يجد طولاً لحرة إلا أن يخشى العنت، وذلك أن الله -تبارك وتعالى- قال في كتابه: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [(25) سورة النساء] وقال: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [(25) سورة النساء].
قال مالك: والعنت: هو الزنا.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: نكاح الأمة على الحرة
نكاح بعقد بإيجاب وقبول، حر ينكح حرة، رجل تحته امرأة حرة فهل له أن ينكح الأمة على الحرة؟ نكاح الأمة من قبل الحر لا بملك اليمين، ملك اليمين ما فيه إشكال، لكن نكاح زواج، مشروط بعدم وجود طول الحرة، لا يجد مهر حرة، وأن يخشى العنت من أثر العزوبة، يعني ليس عنده ما يدفعه مهراً لحرة، ومع ذلك يخشى أنه إذا بقي يخشى الزنا على نفسه، يجوز له أن يتزوج الأمة بهذين الشرطين، وحينئذٍ الأولاد يكونون لمن؟ للسيد، تبعاً للأم.
هنا يقول: "حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر سئلا عن رجل كانت تحته امرأة حرة فأراد أن ينكح عليها أمة فكرها أن يجمع بينهما" كرها منع من ذلك، وهذا هو ما يفيده الآية اللاحقة -إن شاء الله تعالى-.(95/30)
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: "لا تنكح الأمة على الحرة إلا أن تشاء الحرة" يعني النهي عن نكاح الأمة؛ لأنها تأتي على من هي أكمل منها، فهذه الأكمل لها أن تتنازل، ولها أن ترفض، فالحق للمرأة الحرة، يعني هل المنع من نكاح الأمة من أجل حق الحرة، أو من أجل إرقاق الولد؟ نعم من أجل إرقاق الولد، فليس الأمر للحرة تأذن أو ما تأذن، وكونه تحته امرأة حرة يجوز له أن ينكح أمة؟ لا يجوز له؛ لأن الشرط غير متوافر، اللهم إلا إذا كانت هذه المرأة الحرة لا تكفيه، ويخشى العنت، ولا يجد طول حرة، فوجود هذه المرأة مثل عدمه إذا كانت لا تكفيه، فكأنه عادم حقيقة "إلا أن تشاء الحرة، فإن طاعت الحرة فلها الثلثان من القسم" لأن الأمة ليست كالحرة، لكن مقتضى كونها بنكاح أنه يقسم لها، ليست كالأمة لا قسم لها.
"قال مالك: ولا ينبغي لحر أن يتزوج أمة وهو يجد طولاً لحرة، ولا يتزوج أمة إذا لم يجد طولاً لحرة إلا أن يخشى العنت، وذلك أن الله -تبارك وتعالى- قال في كتابه: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} " يعني الأحرار " {فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [(25) سورة النساء] " يعني من الرقائق "وقال: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [(25) سورة النساء] " يعني خاف على نفسه الزنا، فشريطة أن لا يكون لديه امرأة حرة، أو تكون لديه امرأة حرة لكنها لا تكفيه، ولا يجد طولاً لحرة، ويخشى مع ذلك العنت.
"قال مالك: والعنت هو الزنا" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ورضي بذلك السيد؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في ما يمنع، لكن ما فائدة السيد؟ كيف يستفيد السيد من هذا الزواج؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا باعها صارت ملك يمين، لا فائدة، ولا يحصل مثل هذا ترى.
طالب:. . . . . . . . .
يريد أن يحسن عليه مثلاً، طيب يعطيه بنته ويخفف المهر إذا أراد أن يحسن عليه، حرة، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في الرجل يملك امرأته وقد كانت تحته ففارقها(95/31)
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن أبي عبد الرحمن عن زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه- أنه كان يقول في الرجل يطلق الأمة ثلاثاً ثم يشتريها: "إنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره".
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار سئلا عن رجل زوج عبداً له جارية، فطلقها العبد ألبتة، ثم وهبها سيدها له، هل تحل له بملك اليمين؟ فقالا: لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
وحدثني عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن رجل كانت تحته أمة مملوكة فاشتراها، وقد كان طلقها واحدة فقال: تحل له بملك يمينه ما لم يبت طلاقها، فإن بت طلاقها فلا تحل له بملك يمينه حتى تنكح زوجاً غيره.
قال مالك في الرجل ينكح الأمة فتلد منه ثم يبتاعها: إنها لا تكون أم ولد له بذلك الولد الذي ولدت منه، وهي لغيره حتى تلد منه، وهي في ملكه بعد ابتياعه إياها.
قال مالك: وإن اشتراها وهي حامل منه ثم وضعت عنده كانت أم ولده بذلك الحمل فيما نرى، والله أعلم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الرجل يملك امرأته
يملك امرأته، تزوج هذا الرجل أمة بالشرطين المتقدمين، ثم ملكها "وقد كانت تحته ففارقها"، "باب: ما جاء في الرجل يملك امرأته وكانت تحته ففارقها" فارقها فراقاً رجعياً له حكم، وإن فارقها فراقاً بائناً فله حكم، فإن كان رجعياً يطأها بمجرد الملك، كأنه راجعها، وإن كان قد طلقها أو فراقها فراقاً بائناً فإنها لا تحل له كالحرة، حتى تنكح زوجاً غيره.
"حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن أبي عبد الرحمن عن زيد بن ثابت أنه كان يقول في الرجل يطلق الأمة ثلاثاً ثم يشتريها" يطلقها لأنه تزوجها بالشرطين المتقدمين: ألا يجد طول حرة، وأن يخشى العنت: "إنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره" كالحرة.
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار سئلا عن رجل زوج عبداً له جارية، فطلقها العبد ألبتة، ثم وهبها سيدها له" وهذا على رأي الإمام مالك أن العبد يملك بالتمليك، وأما على رأي غيره فلا "هل تحل له بملك اليمين؟ فقالا: لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره" لأنه طلقها ألبتة، فهي كالحرة حينئذٍ، لا يحل له أن يطأها حتى تنكح زوجاً غيره.(95/32)
قال: "وحدثني عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن رجل كانت تحته أمة مملوكة فاشتراها" رجل تحته أمة مملوكة ... ، نعم تزوجها بالشرطين المتقدمين فاشتراها بعد ذلك "وقد كان طلقها واحدة" رجعية "فقال: تحل له بملك يمينه ما لم يبت طلاقها، فإن بت طلاقها فلا تحل له بملك يمينه حتى تنكح زوجاً غيره" على ما تقدم.
"قال مالك في الرجل ينكح الأمة فتلد منه ثم يبتاعها: إنها لا تكون أم ولد له بذلك الولد الذي ولدت منه، وهي لغيره حتى تلد منه" الرجل ينكح الأمة فتلد منه ثم يبتاعها: إنها لا تكون أم ولد له بذلك الولد الذي ولدت منه وهي ملك لغيره؛ لأن الولد ليس له، الولد لسيدها، ليس له "وهي لغيره حتى تلد منه ولداً له ينسب إليه، وهي في ملكه بعد ابتياعه إياها" لأن الوالد يكون له، وهو الذي يعتقها، هو الذي يعتقها ولدها منه لا لغيره.
"قال مالك: وإن اشتراها وهي حامل منه ثم وضعت عنده كانت أم ولده" لأنه اشتراها قبل الولادة، والولد حينئذٍ له يتبع أمه؛ لأنه نماء متصل، وليس بنماء منفصل؛ لأن النماء المتصل يتبع السلعة في البيع والشراء بخلاف النماء المنفصل، لكن لو ولد قبل البيع ما تبيعه "كانت أم ولده بذلك الحمل فيما نرى، والله أعلم" وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(95/33)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب النكاح والطلاق (3)
باب: ما جاء في كراهية إصابة الأختين بملك اليمين، والمرأة وابنتها - باب: النهي عن أن يصيب الرجل أمة كانت لأبيه - باب: النهي عن نكاح إماء أهل الكتاب - باب: ما جاء في الإحصان - باب: نكاح المتعة - باب: نكاح العبيد - باب: نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله - باب: ما جاء في الوليمة.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للحاضرين والسامعين، يا حي يا قيوم.
قال المصنف -رحمه الله-:
باب: ما جاء في كراهية إصابة الأختين بملك اليمين، والمرأة وابنتها
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- سئل عن المرأة وابنتها من ملك اليمين توطأ إحداهما بعد الأخرى، فقال عمر -رضي الله تعالى عنه-: ما أحب أن أخبرهما جميعاً ...
أَخْبُرُهما.
أحسن الله إليك.
ما أحب أن أخبرهما جميعاً ونهى عن ذلك".
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن رجلاً سأل عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- عن الأختين من ملك اليمين هل يجمع بينهما؟ فقال عثمان -رضي الله تعالى عنه-: أحلتهما آية، وحرمتهما آية، فأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك، قال: فخرج من عنده فلقي رجلاً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن ذلك، فقال: لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحداً فعل ذلك لجعلته نكالا".
قال ابن شهاب -رحمه الله- أراه علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه-.
وحدثني عن مالك أنه بلغه عن الزبير بن العوام -رضي الله تعالى عنه- مثل ذلك.
قال مالك -رحمه الله- في الأمة تكون عند الرجل فيصيبها، ثم يريد أن يصيب أختها: إنها لا تحل له حتى يحرم عليه فرج أختها بنكاح أو عتاقة أو كتابة، أو ما أشبه ذلك، يزوجها عبده أو غير عبده.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:(96/1)
فيقول المؤلف -رحمه الله-:
باب: ما جاء في كراهية إصابة الأختين بملك اليمين، والمرأة وابنتها
معلوم بالدليل القطعي أنه لا يجوز الجمع بين الأختين {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [(23) سورة النساء] وكذلك لا يجوز الجمع بين المرأة وبنتها، يعني الربيبة حرام على زوج الأم، والأم حرام على زوج البنت، هذا أمر معلوم معروف، لا يختلف فيه، وهذا بالنسبة للأحرار، وأما بالنسبة لملك اليمين فمسكوت عنه إلا ما يتناوله عموم قول الله -جل وعلا-: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} [(24) سورة النساء] {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [(24) سورة النساء] فليس فيه تقييد بأختين، ولا ببنت وأمها، أو أم وبنتها، وأم وعمتها، وأم وخالتها، وامرأة وعمتها، وامرأة وخالتها، هذا إذا كان من ملك اليمين فهو يحتمل أن تتناوله النصوص العامة، التي تقدم بعضها أنها أن تتزوج المرأة على عمتها أو على خالتها، أو يقال: إن هذا خاص بالأحرار، وأما بالنسبة للإماء {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [(24) سورة النساء] ولذا يختلف أهل العلم في مثل هذا.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبيه أن عمر بن الخطاب سُئل عن المرأة وابنتها من ملك اليمين توطأ إحداهما" يعني من ملك اليمين توطأ إحداهما بعد الأخرى، يملك الأم ثم يملك البنت، هل تكون البنت ربيبة فلا يجوز له أن يطأها {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم} [(23) سورة النساء] أو تكون داخلة في قوله: {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [(24) سورة النساء] "فقال عمر: "ما أحب أن أخبرهما جميعاً" لا يحب أن يطأ الاثنتين التي جاء المنع منهما في حق الأحرار، وينظر إلى فرجين يحرم الجمع بينهما بالنسبة في الأحرار، والإماء مثله؛ لأن العلة واحدة وأما ما يتناوله عموم {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [(24) سورة النساء] فإن هذا يكون مخصوصاً بما جاء في الجمع بين المرأة وابنتها، وبين البنت وأمها، والبنت وأختها، والمرأة وعمتها وهكذا.(96/2)
"ما أحب أن أخبرهما جميعاً" يعني ما أحب أن أطأهما جميعاً، فالخبرة الباطنة التي لا تحصل لكل أحد، إنما تحصل للزوج فقط، أو السيد فقط، لا يحب أن يجمع بين ما حرم الله عليه الجمع بينهما، والخبرة والمخابرة تطلق على الحرث، والنساء حرث.
"ونهى عن ذلك" ولا شك أن الدليل ليس بقطعي، دلالة النصوص على مثل هذا ليست قطعية، {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [(24) سورة النساء] عمومه يشمل الجميع، لكن يبقى أن الأصل في الفروج المنع والاحتياط، فإذا كان الدليل محتملاً فالمنع هو المتجه.
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن رجلاً سأل عثمان -رضي الله عنه- عن الأختين من ملك اليمين هل يجمع بينهما؟ فقال عثمان: أحلتهما آية" {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [(24) سورة النساء] يعني عموم هذا الاستثناء يتناول الأختين، ويتناول الربيبة مع الأم، والعكس، والبنت والمرأة مع عمتها، وخالتها، يتناول جميع الممنوعات بالنسبة للأحرار.
"أحلتهما آية، وحرمتهما آية" {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [(23) سورة النساء] "فأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك" لورعه لم يفتِ بالتحريم، ولورعه أيضاً لا يرى الجمع ورعاً منه، ولا يفتي بالتحريم، وهذا في باب الاحتياط ظاهر، لكن يبقى أن الفروج الأصل فيها المنع والاحتياط، فلا يقدم إلا على ما أبيح، ما كانت إباحته ظاهرة لا خفاء فيها.
قال: "فخرج من عنده فلقي رجلاً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن ذلك فقال: لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحداً فعل ذلك لجعلته نكالاً" يعني لعزرته تعزيراً بالغاً، يمتنع هو ومن يعلم بخبره عن مثل هذا الفعل، ويكون هذا من باب التعزير؛ لأن الدليل ليس بصريح، فيعزر على هذا.
"قال ابن شهاب أراه علي بن أبي طالب" يعني أظن هذا الصحابي الذي سأله ذلك الرجل هو علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه عن الزبير بن العوام مثل ذلك" يعني مثلما قال علي -رضي الله تعالى عنه-، وأن من فعل ذلك يستحق التعزير.(96/3)
"قال مالك في الأمة تكون عند الرجل فيصيبها" يعني يطأها "ثم يريد أن يصيب أختها: إنها لا تحل له" يعني لا يحل له الجمع بينهما {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [(23) سورة النساء] وهذه الآية تشمل الأحرار والإماء "أنها لا تحل له حتى يحرم عليه فرج أختها بنكاح" إما أن يخرجها من ملكه ببيع، أو يزوجها ينكحها عبداً أو حراً لا يملك طول أمة، ويخشى العنت "إما بنكاح أو عتاقة" يعتقها "أو كتابة أو ما أشبه ذلك" المقصود أنه يحدث فيها ما يمنعه من وطئها، كطلاق الأخت الحرة، يعني الأخت الحرة إذا أراد أن يتزوج أختها فإنه لا يجوز له أن يتزوجها حتى يطلق أختها أو تموت، المقصود أنه لا بد من الفراق "أو ما أشبه ذلك، يزوجها عبده أو عبده غيره" أو يزوجها حراً لا يستطيع طول حرة ويخشى على نفسه العنت، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان الطلاق رجعياً؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني فترة الاستبراء، يعني مثل عدة الحرة، حتى يعلم براءة رحمها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو لو كان طلاق قلنا: رجعي، قلنا: إنها زوجة، ما زالت في عصمته، لكن لو كان طلاقاً بائناً؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال افترض أن هذه الأمة حبلت منه، حامل منه، ثم أراد أن يطأ أختها، وأعتقها وهي حامل منه، وأراد أن يطأ أختها، هل يقال: إنها مثل الحرة كالطلاق الرجعي؟ المرأة الحرة إذا طلقت وهي حامل طلاق سنة، ما في إشكال، لكنها ما زالت في العدة حتى تضع الحمل، هذا إذا كان الطلاق رجعياً، بإمكانه أن يراجعها؛ لأنها زوجة ترث ما دامت في العدة، أما هذه إذا أخرجها من يده وباعها انتهت العلاقة بينهما، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: النهي عن أن يصيب الرجل أمة كانت لأبيه
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- وهب لابنه جارية، فقال: "لا تمسها، فإني قد كشفتها".
وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن المحبر ...
المجبر.
أحسن الله إليك.
عن عبد الرحمن بن المجبر أنه قال: وهب سالم بن عبد الله لابنه جارية فقال: "لا تقربها، فإني قد أردتها فلم أنشط إليها".(96/4)
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا نهشل بن الأسود قال للقاسم بن محمد: إني رأيت جارية لي منكشفاً عنها وهي في القمر، فجلست منها مجلس الرجل من امرأته، فقالت: إني حائض فقمت فلم أقربها بعد أفأهبها لابني يطؤها، فنهاه القاسم عن ذلك".
وحدثني عن مالك عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عبد الملك بن مروان أنه وهب لصاحب له جارية، ثم سأله عنها، فقال: "قد هممت أن أهبها لابني فيفعل بها كذا وكذا"، فقال عبد الملك: لمروان كان أورع منك وهب لابنه جارية، ثم قال: لا تقربها فإني قد رأيت ساقها منكشفة".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: النهي عن أن يصيب الرجل أمة كانت لأبيه
يعني عكس الباب السابق، هناك في الجمع بين الموطوءات، وهنا في الجمع بين الواطئين.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وهب لابنه جارية، فقال: "لا تمسها فإني قد كشفتها" وهبها له تكون بالنسبة له ملك يمين، أمة، ويستفيد منها بكل ما يستفاد من الأمة إلا في الوطء؛ لأن أباه قد وطئها، فيشملها قول الله -جل وعلا-: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء} [(22) سورة النساء] فأبوه قد نكحها، والنكاح يطلق على الوطء كما يطلق على العقد، فلا يجوز له أن يطأها، وقد وطأها أبوه، والعكس، لو كانت الهبة من الولد إلى الأب وقد وطئها الابن قبل ذلك لا يجوز للأب أن يطأ.
وفي حكم الوطء الاطلاع على ما لا يطلع عليه إلا الزوج أو السيد.
قال: "وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن المجبر أنه قال: وهب سالم بن عبد الله لابنه جارية فقال: "لا تقربها فإني قد أردتها فلم أنشط إليها" أردتها يعني أراد أن يجامعها، ففعل المقدمات، وجلس بين شعبها، لكنه لم يستطع، أو لم ينشط أن يجامعها بعد أن كشفها واطلع عليها على ما لا يطلع عليه إلا الزوج أو السيد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
فلم أنشط إليها، وفي بعض النسخ: فلم أنبسط إليها.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(96/5)
المعنى واحد على كل حال، المعنى واحد كأنه فعل مقدمات، ورأى أنه لا يتابع، إما باختياره أو بغير اختياره، إما أن يكون عزف عنها باختياره، أو لم يستطع ذلك، على كل حال أنه اطلع منها على ما لا يطلع عليه إلا الزوج أو السيد.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا نهشل بن الأسود قال للقاسم بن محمد" وكل هذا يؤيد أن الدخول يحصل بإرخاء الستور، ولو لم يحصل هناك مسيس، وهذا قول معروف عند الحنابلة وغيرهم، وإن كان النص على المس.
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا نهشل بن الأسود قال للقاسم بن محمد: إني رأيت جارية لي منكشفا عنها" يعني منكشف عنها ثوبها "وهي في القمر" يعني في ضوء القمر، فأعجبه ما رأى منها "فجلس منها مجلس الرجل من امرأته" فهي ملك يمين، جارية له، يجوز له أن يطأها، يعني ملك يمين "فجلست منها مجلس الرجل من امرأته" فما الذي منعه منها؟ "فقالت: إني حائض، فقمت فلم أقربها بعد" يعني نشط إليها لما رأى منها ما رأى في ضوء القمر، ثم بعد ذلك وجد المانع فعزفت نفسه عنها "فلم يقربها بعد، أفأهبها لابني يطؤها؟ فنهاه القاسم عن ذلك" لأنه رأى منها، واطلع منها على ما لا يطلع عليه إلا الزوج أو السيد، وعلى هذا لا يجوز أن يطلع على ما اطلع عليه أبوه أو ابنه، وهذا بالعقد أو بالملك الصحيح، فيما يسوغ له أن يطأ وطئاً صحيحاً، وعلى هذا لو أن رجلاً زنى بامرأة هل تحرم على ولده أو على أبيه؟ تحرم وإلا ما تحرم؟
طالب:. . . . . . . . .
على ما تقدم أن الزنا لا يحرم، ولا تترتب عليه الآثار، فإذا كان وطئ بالفعل وهنا مجرد محاولة، ولم يوجد وطء يحرم، إذا كان بمبرر صحيح شرعي، إما بعقد، أو بملك يمين، وهذا هو الذي تترتب عليه آثاره الشرعية، أما ما كان بزنا وشبهه فإنه لا يقتضي التحريم، فالمحرم لا تترتب عليه آثار شرعية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لفظ النكاح فيما قرره شيخ الإسلام وذكرناه سابقاً أن النكاح اللفظ إذا سيق مساق التحريم فإنه يتناول العقد فقط، ويتناول الوطء فقط، يتناول كل واحد على انفراده، فيصح على الموطوءة بزنا أنها نكحها الأب {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم} [(22) سورة النساء].(96/6)
على رأي شيخ الإسلام أن النكاح يطلق على الوطء بمفرده كما أنه يطلق على العقد بمفرده، فيدخل الزنا في قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء} [(22) سورة النساء] هذا على مقتضى رأي شيخ الإسلام، أما ما يقرره كثير من أهل العلم أن الزنا لا تثبت به الأحكام الشرعية؛ لأنه ليس بعقد كما أنه لا تثبت به الثيبوبة والإحصان، لا يثبت به مثل هذا، المرأة إذا وطئت بزنا لا تزال بكراً، والرجل إذا زنا فهو بكر حكماً، لا يرتفع عنه الوصف، ولا ينتقل إلى الإحصان بمجرد الوطء بالزنا، هم يريدون أن يطردوا الباب ويجعلونه واحداً، وإن كان عموم لفظ النكاح يشمل الوطء فقط.
قال: "وحدثني عن مالك عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عبد الملك بن مروان أنه وهب لصاحب له جارية، ثم سأله عنها فقال: "قد هممت أن أهبها لابني فيفعل بها كذا وكذا" فقال عبد الملك: لمروان كان أورع منك" يعني أباه "لمروان كان أورع منك، وهب لابنه جارية، ثم قال: لا تقربها، فإني قد رأيت ساقها منكشفة" يعني اطلع منها على ما لم يطلع عليه إلا الزوج، لكن مجرد انكشاف الساق من غير قصد، ومن غير إرادة للنكاح قد ينكشف ساق المحرم، المحرم البنت أو الأخت، أو ما أشبه ذلك، وهذا لا يقتضي أن يكون ... ، هذا يعني لا يختص به الزوج أو السيد، يعني مجرد انكشاف الساق لا يكفي، إلا إذا صاحبه قصد للوطء، كشف ساقها ثم رجع عن ذلك، لكنه هنا: فإني قد رأيت ساقها منكشفة، ولا شك أن مثل هذا ورع، هذا مزيد تحري وورع.
طالب:. . . . . . . . .
يقول: فإني قد رأيت ساقها منكشفة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، كل النصوص التي تقدمت تدل على ما دون الجماع.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال هو قول: لمروان كان أورع منك، هذا من باب الورع.
طالب:. . . . . . . . .
تجوز له رؤيته، لكن مع ذلك أن القدر الذي يشترك فيه هذه الأمة مع المحرم لا يقتضي التحريم، إنما يقتضي التحريم ما فوق ذلك، مما يختص به الزوج أو السيد، لكن تركها، أوصاه من باب الورع، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: النهي عن نكاح إماء أهل الكتاب(96/7)
قال مالك: لا يحل نكاح أمة يهودية ولا نصرانية؛ لأن الله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} [(5) سورة المائدة] فهن الحرائر من اليهوديات والنصرانيات، وقال الله -تبارك وتعالى-: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [(25) سورة النساء] فهن الإماء المؤمنات.
قال مالك: فإنما أحل الله فيما نرى نكاح الإماء المؤمنات ولم يحلل نكاح إماء أهل الكتاب اليهودية والنصرانية؟
قال مالك: والأمة اليهودية والنصرانية تحل لسيدها بملك اليمين، ولا يحل وطء أمة مجوسية بملك اليمين.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: النهي عن نكاح إماء أهل الكتاب
يجوز نكاح المحصنات الأحرار العفيفات من نساء أهل الكتاب، لكن الإماء من أهل الكتاب لا يجوز نكاحهن، يجوز وطئهن بملك اليمين ولا يجوز بالنكاح؛ لأن نكاح الأمة لا يجوز حتى في المسلمة، حتى الأمة المسلمة لا يجوز نكاحها، بمعنى أنه يعقد عليها، وهي ملك لغيره، إلا بشرط أن لا يجد طول الحرة، وأن يخشى على نفسه العنت كما تقدم، وإذا أبيح نساء أهل الكتاب الأحرار وهو مستثنى من تحريم المشركات، ولذا قال في نهاية الباب: ولا يحل وطء أمة مجوسية بملك اليمين، كما أنه لا يجوز نكاح المرأة الحرة المجوسية، ولا عموم المشركات، ولم يستثن منهم -من المخالف في الدين- إلا النساء المحصنات الأحرار من أهل الكتاب.(96/8)
"قال مالك: لا يحل نكاح أمة يهودية ولا نصرانية؛ لأن الله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} [(5) سورة المائدة] " يعني هل هذا مخصص من قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [(221) سورة البقرة] أو نقول: إن أهل الكتاب ليسوا بمشركين، ولو كان فيهم شرك فلا نحتاج إلى مخصص؟ {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [(1) سورة البينة] فالذي يقرره جمع من أهل العلم ومنهم الحافظ ابن رجب -رحمه الله- أن أهل الكتاب ليسوا بمشركين، هم كفار إجماعاً، كفار إجماعاً، قالوا: ومن شك في كفرهم كفر إجماعاً أيضاً، أهل الكتاب اليهود والنصارى، لكن هل يقال لهم: مشركون أو يقال: فيهم شرك؟ وفرق بين أن يكون الشخص مشركاً، أو فيه شرك، فرق بين أن يكون جاهلياً أو فيه جاهلية، فرق بين هذا وهذا، فالذي يقرره الحافظ ابن رجب أنهم ليسوا بمشركين، وإنما فيهم شرك، مثل هذا بعض غلاة المبتدعة الذين يصرفون لبعض المخلوقين بعض حقوق الله -جل وعلا-، هل يقال: إنهم مشركون، أو يقال: فيهم شرك؟ يعني الأصل فيهم التوحيد، ثم دخل عليهم الشرك كما دخل على اليهود والنصارى، ويكون حينئذٍ فرق بين هذا وهذا، والشرك إذا وجد أحبط العمل، هذا ما فيه إشكال ولا خلاف، قد يقول قائل: ما الفائدة ما داموا كفار لماذا لا نقول: مشركين؟ يعني أهل الكتاب؟ الفرق لمجرد أننا هل نحتاج إلى مخصص يخرج نساء أهل الكتاب من قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ} [(221) سورة البقرة] أو لا نحتاج إلى مخصص؛ لأنهم لا يدخلون أصلاً في النص؟ وإذا احتجنا إلى مخصص فالمخصص موجود، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، هذا مخصص موجود، والخلاف يقرب من أن يكون لفظياً، حتى في المسلم الذي أصله الإسلام، ثم يشرك بصرف شيء من حقوق الرب -جل وعلا- لأحد من خلقه الخلاف لفظي {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر] وهذا قيل في حق أفضل الخلق {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر](96/9)
{إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] المشرك خالد مخلد في النار، لكن هل يقال: إنه مشرك، وحكمه حكم المشركين الأوائل الذين ما عرفوا الدين؟ أو يقال: إن أصله الإسلام ودخل في الإسلام بيقين، ونحتاج إلى مزيد تحرٍ في إخراجه منه؟ هذا هو الفرق يعني، وإلا إذا ثبت أنه أشرك وابتدع بدعة مخرجة عن الملة هذا حكمه حكم الكفار، لكن نحتاج إلى مزيد تثبت في إخراجه مما دخل فيه بيقين.
يعني إذا نظرنا إلى الأمم الشرقية مثلاً، في تايلاند مثلا قرروا في دستورهم أن الديانة الأصلية المعتمدة في الدولة البوذية، هؤلاء مشركون بلا شك، وإذا نظرنا في بعض أقطار المسلمين من يقول: لا إله إلا الله ويطوف على قبر، ويطلب من صاحبه الحوائج، هذا شرك أكبر نسأل الله العافية، هل نقول: إن هذا مثل هذا؟ أو نقول: هذا من الأصل ما دخل في الإسلام؟ فهو كافر قطعاً يقيناً، وهذا الأصل فيه الإسلام، ثم بعد ذلك ننظر في توافر الأسباب وانتفاء الموانع لنطبق عليه حكم المشرك الذي يخلد في النار، أو يعذر بجهله، أو لوجود مانع آخر، هل نقول: إن حكمهم واحد؟ هل نقول: إن هذا الأصل فيه الإسلام وفيه شرك؟ يعني مثلما يقال الآن: إن بعض الناس أتى بناقض فحكمه كفر، وخرج من الملة، ولا يعذر بإكراه ولا بضغط ولا بغيره، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما عذر هرقل لما ضغط عليه، نقول: الفرق ظاهر، هرقل الأصل فيه الكفر، ليس بمسلم، فلا يدخل في الإسلام إلا بيقين، ومن قيل: إنه خرج من الإسلام بمكفر أكره عليه هو في الإسلام بيقين لا يخرج منه إلا بيقين، فرق بين هذا وهذا، الإكراه لا يعذر فيه، بدليل أن هرقل أكره، نقول: فرق بين من الأصل فيه الإسلام، دخل فيه بيقين لا يخرج إلا بيقين، تقبل فيه الموانع، ومن كان الأصل فيه الكفر لا يدخل فيه إلا بيقين، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه عندنا النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((كذب، مات على نصرانيته)) هذا النص القاطع عندنا ((كذب الخبيث مات على نصرانيته)) هذا حديث.(96/10)
"قال مالك: لا يحل نكاح أمة يهودية ولا نصرانية؛ لأن الله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} [(5) سورة المائدة] فهن الحرائر من اليهوديات والنصرانيات، وقال الله -تبارك وتعالى-: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [(25) سورة النساء] " لأن نكاح الأمة خلاف الأصل، فيقتصر فيه على مورد النص {مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [(25) سورة النساء] فهن الإماء المؤمنات".
"قال مالك: فإنما أحل الله فيما نرى نكاح الإماء المؤمنات، ولم يحلل نكاح إماء أهل الكتاب اليهودية والنصرانية؟ "
"قال مالك: والأمة اليهودية والنصرانية تحل لسيدها بملك اليمين" كالأمة المسلمة، بخلاف النكاح الذي فيه عقد، فإذا منع من نكاح الأمة المسلمة إلا بالشروط فلئن يمنع من نكاح الأمة اليهودية أو النصرانية من باب أولى، وتحل الأمة بمجرد ملك اليمين سواء كانت مسلمة أو يهودية أو نصرانية.
"ولا يحل وطء أمة مجوسية بملك اليمين" لأنها مشركة، وقد حرم على المسلم أن ينكح المشركة حتى تؤمن.
طالب: حتى لو كانت ....
نعم، إيه؟
طالب:. . . . . . . . .
أو في معناه؟ المقصود أنهم كفار خالدون مخلدون في النار، هذا ما فيه إشكال، هذا أمر مجمع عليه، ثم بعد ذلك هل يقال: إنهم مشركون من أجل أن نطلب مخصص لقوله: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ} [(221) سورة البقرة] أو ليسوا بمشركين فلا نحتاج إلى مخصص كما قال ابن رجب؟ وإذا طلبنا مخصصاً فالمخصص موجود يعني، فالخلاف في نظري يقرب من اللفظي.
طالب:. . . . . . . . .
الأمة يعني في السبي مثلاً غزا المسلمون الكفار المشركين فسبوا منهم، سبايا أوطاس مثلاً.
طالب:. . . . . . . . .(96/11)
سبايا أوطاس، لا توطأ أمة حتى تستبرأ، فهذه الغاية، لكن يعارض ذلك {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ} [(221) سورة البقرة] وهل المقصود النكاح بالعقد أو النكاح الشامل للعقد وملك اليمين الذي هو يساوي الوطء؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، ومالك يقول: "ولا يحل وطء أمة مجوسية بملك اليمين" والحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال في سبايا أوطاس: ((لا توطأ حتى تستبرأ)) يدل على أن المشركة توطأ، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في الإحصان
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال: المحصنات من النساء
هن أولات الأزواج، ويرجع ذلك إلى أن الله حرم الزنا.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب وبلغه عن القاسم بن محمد أنهما كانا يقولان: "إذا نكح الحر الأمة فمسها فقد أحصنته.
قال مالك: وكل من أدركت كان يقول ذلك: تحصن الأمة الحر إذا نكحها فمسها فقد أحصنته.
قال مالك: يحصن العبد الحرة إذا مسها بنكاح ولا تحصن الحرة العبد إلا أن يعتق وهو زوجها فيمسها بعد عتقه، فإن فارقها قبل أن يعتق فليس بمحصن حتى يتزوج بعد عتقه ويمس امرأته.
قال مالك: والأمة إذا كانت تحت الحر، ثم فارقها قبل أن تعتق فإنه لا يحصنها نكاحه إياها، وهي أمة حتى تنكح بعد عتقها، ويصيبها زوجها، فذلك إحصانها، والأمة إذا كانت تحت الحر فتعتق وهي تحته قبل أن يفارقها فإنه يحصنها إذا عتقت وهي عنده إذا هو أصابها بعد أن تعتق.
وقال مالك: والحرة النصرانية واليهودية والأمة المسلمة يحصن الحر المسلم إذا نكح إحداهن فأصابها.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الإحصان
الإحصان يطلق ويراد به الوطء بالنكاح الصحيح، وهو الذي تترتب عليه آثار الحدود، الوطء بنكاح صحيح، تترتب عليه آثار الحدود، من فرق بين الثيب والبكر بهذا فالثيب من وطئ بنكاح صحيح، أو وطئت بنكاح صحيح، والبكر من لم يطأ في نكاح صحيح، ولو حصل منه الوطء لا بنكاح صحيح، وكذلك البكر من النساء، يطلق الإحصان ويراد به العفة {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} [(5) سورة المائدة] العفيفات من أهل الكتاب، وله عدة إطلاقات.
يقول -رحمه الله تعالى-:(96/12)
باب: ما جاء في الإحصان
"حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال: المحصنات من النساء هن أولات الأزواج" يعني ذوات الأزواج، يعني لا يجوز نكاح المحصنات من النساء اللواتي في ذمم الأزواج، ويرجع ذلك إلى أن الله تعالى حرم الزنا، فمن وطئ امرأة وهي تحت رجل تحت زوج هذا هو الزنا الموجب للحد.
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب وبلغه عن القاسم بن محمد أنهما كانا يقولان: إذا نكح الحر الأمة فمسها فقد أحصنته" لماذا؟ لأنه وطئ بنكاح صحيح، فهو محصن.
"قال مالك: وكل من أدركت كان يقول ذلك: تحصن الأمة الحر إذا نكحها فمسها فقد أحصنته" لكن ملك اليمين؟ رجل بكر ما تزوج، فاشترى جارية فوطئها، تحصن وإلا ما تحصن؟ على الضابط الذي ذكروه في الإحصان والثيبوبة أنه لا يندرج تحته هذه الصورة، يعني ما وطئ بنكاح صحيح، إنما وطئ بملك يمين.
"قال مالك: وكل من أدركت كان يقول ذلك: تحصن الأمة الحر إذا نكحها فمسها فقد أحصنته".
قال مالك: يحصن العبد الحرة إذا مسها بنكاح، ولا تحصن الحرة العبد" لماذا؟ الحرة لا تحصن العبد إلا أن يعتق؛ لأنه لا أثر لإحصانه وعدمه، ما دام عبد سواء وطئ بنكاح أو لم يطأ، ما دام عبد حده نصف ما على المحصنين من العذاب.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يقول هنا: ولا تحصن الحرة العبد.
طالب:. . . . . . . . .
ولو نكحها إلا أن يعتق، لماذا؟ لأنه لا أثر لإحصانه، ما دام عبد فليس حده الرجم، إنما الحد فيه مطلقاً الجلد، "إلا أن يعتق وهو زوجها" فإذا عتق وهو زوجها، فقد وطئ بنكاح صحيح، وهو حر حده الرجم كالحر، "فيمسها بعد عتقه، فإن فارقها قبل أن يعتق فليس بمحصن" يعني الحرة تحت العبد بالنكاح يصح وإلا ما يصح؟
طالب:. . . . . . . . .
ليش؟ ويش المانع؟
طالب:. . . . . . . . .
بريرة لما عتقت حرة، اختارت نفسها، لكن لو اختارته، صح وإلا ما صح؟ يصح، ما في إشكال.
طالب: ابتداء.(96/13)
ابتداءً واستمراراً ما في إشكال، إذا رضيت به ورضي به أهلها، ما في ما يمنع، والأولاد يتبعون الأم في الحرية والرق "فإن فارقها قبل أن يعتق فليس بمحصن حتى يتزوج بعد عتقه ويمس امرأته" فليس بمحصن يعني حكماً، بمعنى أنه لا يتجه إليه حكم المحصن إذا زنا.
"قال مالك: والأمة إذا كانت تحت الحر ثم فارقها قبل أن تعتق" الأمة إذا كانت تحت الحر يعني بنكاح "قبل أن تعتق، فإنه لا يحصنها نكاحه إياها وهي أمة" مثلما قلنا في العبد أن حدها -ولو وطئت بنكاح صحيح- نصف ما على المحصنات من العذاب، والرجم لا يتنصف، إذاً تجلد نصف الحد "حتى تنكح بعد عتقها، ويصيبها زوجها فذلك إحصانها"، والأمة إذا كانت تحت الحر فتعتق وهي تحته قبل أن يفارقها فإنه يحصنها إذا عتقت وهي عنده إذا هو أصابها بعد أن تعتق.
"وقال مالك: والحرة النصرانية واليهودية والأمة المسلمة يحصن الحر المسلم" لأن الحد ينطبق عليه أنه نكح أو وطئ بنكاح صحيح "إذا نكح إحداهن فأصابها" نعم.
أحسن الله إليك.
باب: نكاح المتعة
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنهم- عن أبيهما -رضي الله تعالى عنه- عن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- فقالت: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة فحملت منه، فخرج عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- فزعاً يجر رداءه، فقال: "هذه المتعة، ولو كنت تقدمت فيها لرجمت".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: نكاح المتعة(96/14)
وهي النكاح والزواج المؤقت، ينتهي بأمد محدد، يتزوج فلانة إلى يوم كذا من شهر كذا، أو إلى رأس الشهر أو رأس السنة، هذا هو نكاح المتعة، هذا إذا اتفق عليه الطرفان، وكان الأمد معلوماً عند الطرفين، أما إذا تزوج وفي نيته أن يفارق، ولو حدد في نفسه وقتاً وأمداً لهذا النكاح، لكنه لا يتفق عليه في العقد، بحيث لو أعجبته هذه المرأة واستمر معها، أو لم تعجبه فطلقها قبل الوقت المحدد الأمر عند أهل العلم يسمى بالنكاح بنية الطلاق، نكاح بنية الطلاق وعامة أهل العلم على جوازه، وما عرف المخالفة فيه إلا من الأوزاعي، ورواية في المذهب عند الحنابلة، لكن عامة أهل العلم على جوازه شريطة ألا يعلم الطرف الثاني لا تصريحاً ولا تلويحاً، لا بإخبار لفظي ولا عرفي، بمعنى أنه لا يصل الخبر إلى الطرف الثاني بأي وسيلة كانت، ولو كان بواسطة العادة المطردة، يعني بعض الناس عرف بهذا، فإذا ذهب إلى بني فلان، أو إلى البلد الفلاني يعرفون أنه سوف يطلق في مدة كذا، وهذا جرى من عادته، أو عرفوا من هذا السمسار أنه لا يأتي إلا بهذا النوع، أو أهل هذا البلد عرفوا أنهم واستفاض عندهم هذا بحيث يغلب على الظن أن النكاح لا يستمر، بل هو مؤقت، هذا يأخذ حكم المتعة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
من دون الطرف الثاني؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، يحرم عليه هو فقط، عليه هو، إذا ما عرفوا ما لهم علاقة، على كل حال ما لهم علاقة.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي بن أبي طالب" المعروف بابن الحنفية "عن أبيهما" محمد بن الحنفية -رحمه الله- "عن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن متعة النساء يوم خيبر" حرمت المتعة، كانت جائزة ثم حرمت، ثم أبيحت للحاجة، ثم حرمت إلى قيام الساعة، استمر تحريمها المؤبد، فهي حرام عند كل من يعتد بقوله من أهل العلم، وذكر عن بعض الصحابة، ذكر ابن حزم عن ثمانية من الصحابة أنهم أباحوها، لكن الحافظ ابن حجر ذكر عنهم بالأسانيد الصحيحة أنهم رجعوا عن هذه الأقوال، فثبت تحريمها فصار إجماعاً تحريم المتعة، ولم يقل بذلك، ولا يعرف من يقول بذلك إلا الروافض.(96/15)
"نهى عن متعة النساء يوم خيبر" استمر النهي إلى قيام الساعة، حتى قال عمر: إني لا أوتى برجل نكح المتعة إلا جلدته الحد، ولذا يختلف أهل العلم في ناكح المتعة هل يحد أو يعزر؟ هل يحد حد الزنا أو يعزر؟ لأنه نكاح باطل، وجوده مثل عدمه، فقول عمر يدل على أنه يحد، ومن أهل العلم من يدرأ هذا الحد بهذه الشبهة بشبهة العقد.
"وعن أكل لحوم الحمر الإنسية" الحمر الأهلية كانت تؤكل، فلما كان يوم خيبر جاء من جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: أكلت الحمر، ثم جاء من يقول: أفنيت الحمر، فأمر بإهراق القدور وهي تفور بلحوم الحمر، وأرسل من يقول: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الإنسية، فهي حرام، والوصف بالإنسية وصف مؤثر، يدل على أن غير الإنسية لحمها مباح.
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة" يعني نكحها نكاحاً مؤقتاً "استمتع بامرأة فحملت منه، فخرج عمر بن الخطاب فزعاً يجر رداءه، فقال: "هذه المتعة، ولو كنت تقدمت فيها" تقدم بالبيان للناس وتحذير الناس، أو تُقدمت على ما سبق يعني سبقت بالرجم لرجمت، أو تقدمت يعني سبقت بالرجم لرجمت، وعلى هذا فالولد هذا الحمل ينسب إليه، أو ينسب إليه، يقال: الولد للفراش، أو ينسب إليه يقال: هذا ولد شبهة؟ على الخلاف في حد ناكح المتعة، من قال: يحد حد الزنا يقول: هذا ولد زنا، ومن قال: يدرأ عنه الحد بشبهة العقد يقول: الولد ولد شبهة ينسب إلى أبيه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن من سمع أن ابن عباس مثلاً يجيز المتعة، وما عرف أن ابن عباس رجع عن هذا القول، نعم؟ هل له شبهة وإلا ما عنده شبهة؟
ابن حزم ذكر هذا عن جمع من الصحابة، لكن الحافظ ابن حجر قرر بالأسانيد الصحيحة النقل عن هؤلاء أنهم رجعوا عن ذلك فصار إجماعاً، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: نكاح العبيد
حدثني يحيى عن مالك أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول: "ينكح العبد أربع نسوة".
قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك.(96/16)
قال مالك: "والعبد مخالف للمحلل إن أذن له سيده ثبت نكاحه، وإن لم يأذن له سيده فرق بينهما والمحلل يفرق بينهما على كل حال إذا أريد بالنكاح التحليل".
قال مالك في العبد إذا ملكته امرأته أو الزوج يملك امرأته: "إن ملك ...
إنّ مِلْك.
أحسن الله إليك.
إن ملك كل واحد منهما صاحبه يكون فسخاً بغير طلاق، وإن تراجعا بنكاح بعد لم تكن تلك الفرقة طلاقاً.
قال مالك: والعبد إذا أعتقته امرأته إذا ملكته، وهي في عدة منه لم يتراجعا إلا بنكاح جديد.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: نكاح العبيد
نكاح العبيد يعني زواجهم بالعقد، إما أمة كما هو الغالب، أو يكون نكاح العبد لحرة إذا رضيت بذلك.
قال: "حدثني يحيى عن مالك أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول: "ينكح العبد أربع نسوة" يعني كالحر، {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} [(3) سورة النساء] فهو كالحر.
"قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك" أن الأمر "فانكحوا" يتجه إلى العبيد كما يتجه إلى الأحرار.
"قال مالك: والعبد مخالف للمحلل، إن أذن له سيده ثبت نكاحه" يعني يثبت نكاحه موقوفاً على إذن سيده، يعني لو نكح وتزوج بغير إذن سيده هل نقول: النكاح باطل مثل نكاح المحلل؟ أو نقول: موقوف؟ كالتصرف الفضولي؟ نعم؟ يقول: "العبد مخالف للمحلل إن أذن له سيده ثبت نكاحه، وإن لم يأذن له سيده فرق بينهما، والمحلل يفرق بينهما على كل حال" لأنه نكاح باطل على ما تقدم "إذا أريد بالنكاح التحليل".
"قال مالك في العبد إذا ملكته امرأته أو الزوج يملك امرأته" العبد يملك امرأته، يمكن عبد وامرأته أمة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو متزوج من الأصل متزوج بها من الأصل، وعلى رأي مالك أنه يملك بالتمليك إذا ملكها.
"العبد إذا ملك امرأته أو الزوج يملك امرأته" الزوج يعني الحر يملك امرأته التي تزوجها وهي أمة بالشرطين المعروفين، أن لا يجد طول حرة، ويخشى على نفسه العنت ثم يملكها، تجتمع لديه قيمتها ثم يشتريها من سيدها.(96/17)
"إن ملك كل واحد منهما صاحبه يكون فسخاً بغير طلاق" لماذا؟ لأن النكاح على هذه الصفة خلاف الأصل، كان نكاح بالشرطين المعروفين لا يجد طول حرة، ويخشى على نفسه العنت، لكن مثل هذا هل يمنع من ملك اليمين، يمنع من نكاح الأمة، لكن لا يمنع من ملك اليمين، أبيح له نكاح الأمة بالشرطين المعروفين فتيسر له ملك اليمين الذي لا خلاف في جوازه.
يقول: "إن ملك كل واحد منهما صاحبه يكون فسخاً بغير طلاق، وإن تراجعا بنكاح بعد" يعني عقد، جدد العقد من جديد "لم تكن تلك الفرقة طلاقاً" يعني لا تحسب من الطلقات الثلاث، هي مجرد فسخ لا طلاق.
"قال مالك: والعبد إذا أعتقته امرأته" عبد تزوج حرة، فصار عندها من المال ما يساوي قيمة هذا العبد فاشترته وأعتقه "والعبد إذا أعتقته امرأته إذا ملكته وهي في عدة منه لم يتراجعا إلا بنكاح صحيح" كيف في عدة منه؟ نعم؟ طلقها، هو طلقها وهي ما زالت في العدة، لم يتراجعا إلا بنكاح جديد، لكن وإن تراجعا بنكاح بعد، وما حصل طلاق، حصل فسخ، فلم تحسب، وهنا إذا طلقها حسبت، ولم ترجع إليه إلا بنكاح جديد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني فرقة بائنة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مو بيتزوج، هو ما يتزوج إلا أربع، إيه.
يقول: "ينكح العبد أربع نسوة" مثل الحر، أربعة أحرار، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله(96/18)
حدثني مالك عن ابن شهاب أنه بلغه أن نساء كن في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسلمن بأرضهن، وهن غير مهاجرات، وأزواجهن حين أسلمن كفار، منهن بنت الوليد بن المغيرة، وكانت تحت صفوان بن أمية، فأسلمت يوم الفتح، وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام، فبعث إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابن عمه وهب بن عمير برداء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أماناً لصفوان بن أمية، ودعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الإسلام، وأن يقدم عليه، فإن رضي أمراً قبله وإلا سيره شهرين، فلما قدم صفوان على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بردائه ناداه على رؤوس الناس فقال: يا محمد إن هذا وهب بن عمير جاءني بردائك، وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك، فإن رضيت أمراً قبلته وإلا سيرتني شهرين، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((انزل أبا وهب)) فقال: لا والله لا أنزل حتى تبين لي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بل لك تسير أربعة أشهر)) فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل هوازن بحنين، فأرسل إلى صفوان بن أمية يستعيره أداة وسلاحاً عنده، فقال صفوان: أطوعاً أم كرهاً؟ فقال: ((بل طوعاً)) فأعاره الأداة والسلاح الذي عنده، ثم خرج صفوان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو كافر فشهد حنيناً والطائف وهو كافر، وامرأته مسلمة، ولم يفرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين امرأته حتى أسلم صفوان واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه قال: "كان بين إسلام صفوان وبين إسلام امرأته نحو من شهر".
قال ابن شهاب: "ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى الله ورسوله وزوجها كافر مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها، إلا أن يقدم زوجها مهاجراً قبل أن تنقضي عدتها".(96/19)
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام، وكانت تحت عكرمة بن أبي جهل فأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل من الإسلام حتى قدم اليمن فارتحلت أم حكيم حتى قدمت عليه باليمن فدعته إلى الإسلام فأسلم، وقدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح، فلما رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وثب إليه فرحاً، وما عليه رداء حتى بايعه فثبتا على نكاحهما ذلك.
قال مالك: وإذا أسلم الرجل قبل امرأته وقعت الفرقة بينهما إذا عرض عليها الإسلام فلم تسلم؛ لأن الله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [(10) سورة الممتحنة].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله
يعني في الباب أن زينب بنت النبي -عليه الصلاة والسلام- أسلمت قبل زوجها أبي العاص بن الربيع، ولم يفرق بينهما من أول الأمر، ولذا يرى جمع من أهل العلم أنها تنتظر فإن أسلم زوجها وقت العدة استمر النكاح، وإن انتهت العدة قبل إسلامه فرق بينهما.(96/20)
وهنا يقول: "حدثني مالك عن ابن شهاب أنه بلغه أن نساء كن في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسلمن بأرضهن، وهن غير مهاجرات، وأزواجهن حين أسلمن كفار" ثم ذكر منهن، يقول: "منهن بنت الوليد بن المغيرة وكانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح" هذه القصة لا شك أنها مرسلة، وابن شهاب ما حضر، يحكي قصة لم يشهدها، وأصلها في صحيح مسلم "وكانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح، وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام" خشية أن يدرك فيقتل، أو يرغم على الإسلام "فبعث إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابن عمه وهب بن عمير برداء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ليكون أمارة وعلامة على صدقه "أماناً لصفوان بن أمية" وتصديقاً لوهب بن عمير "ودعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الإسلام، وأن يقدم عليه" وهذا الأمر معمول به إلى الآن، يعني إذا أراد أن يصدق الرسول بعث معه شيئاً يعرف به، يعرف أن هذا لفلان، يدل على صدقه، وأنه بالفعل جاء منه "ودعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الإسلام، وأن يقدم عليه، فإن رضي أمراً قبله، وإلا سيره شهرين" ثم بعد ذلك قال: بل لك أن تسير أو تسير أربعة أشهر، يعني على ما جاء في أول سورة براءة {بَرَاءةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [(1 - 2) سورة التوبة] يعطيه هذه المهلة، فقال: "وإلا يسيره شهرين، فلما قدم صفوان على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بردائه" بهذه الأمارة، بهذه العلامة "ناداه على رؤوس الناس فقال: يا محمد" لأنه مشرك، لا يعتقد أنه رسول من الله -جل وعلا-، "قال: يا محمد، إن هذا وهب بن عمير جاءني بردائك، وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك، فإن رضيت أمراً قبلته، وسيرتني شهرين، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((انزل أبا وهب)) " يعني أبا وهب هذه كنيته "فقال: لا والله لا أنزل حتى تبين لي" ويستعمل مثل هذا الأسلوب للضغط على المقابل يعني إذا طرق عليك الباب شخص فقلت له: ادخل، قال: لا والله لا أدخل حتى تجيبني إلى ما أطلب، أو دخل ثم سكبت له الماء أو القهوة أو الشاي قال: والله ما أشرب(96/21)
حتى تجيبني إلى ما أطلب، يعني هذه طريقة معروفة عند العرب، ومتوارثة بينهم.
"فقال: لا والله لا أنزل حتى تبين لي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بل لك تسير أربعة أشهر)) فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل هوازن بحنين" لأنه ذهب ليسير أربعة أشهر، وينظر في أمره ويختار "فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل هوازن بحنين فأرسل إلى صفوان بن أمية يستعيره أداة وسلاحاً عنده" وهذه استعارة واستعانة بمشرك "لكنه قال: أطوعاً أم كرها؟ " يعني هل تأخذها غصب وإلا عارية مضمونة مستردة؟ بل عارية، طوع "فقال: ((بل طوعاً)) فأعاره الأداة والسلاح الذي عنده، ثم خرج صفوان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو كافر" وهو كافر "ثم خرج صفوان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو كافر، فشهد حنيناً والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة، ولم يفرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين امرأته حتى أسلم صفوان، واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح" لعل هذا قبل أن تخرج من العدة؛ لأن المدة قريبة.
يقول ابن عبد البر: لا أعلم يتصل بوجه صحيح، وهو حديث مشهور معلوم عند أهل السير، وابن شهاب إمام أهلها، يعني إمام أهل السير، وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده -إن شاء الله تعالى-، وعلى كل حال الأصل -أصل القصة- في مسلم، واستعارة السلاح صحيحة.
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه قال: "كان بين إسلام صفوان، وبين إسلام امرأته نحو من شهر"
يعني ما خرجت من العدة.
"قال ابن شهاب: "ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى الله ورسوله وزوجها كافر مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها، إلا أن يقدم زوجها مهاجراً قبل أن تنقضي عدتها" وعلى هذا يكون الممنوع في نكاح المشرك المسلمة في ابتدائه لا في استمراره، على أن الاستمرار له أمد وهو انقضاء العدة.(96/22)
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام، وكانت تحت عكرمة بن أبي جهل فأسلمت يوم الفتح، وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل من الإسلام حتى قدم اليمن فارتحلت أم حكيم حتى قدمت عليه باليمن فدعته إلى الإسلام فأسلم" هذا من يمنها وبركتها عليه، فذهبت إليه، وحرصت على إسلامه حتى دخل في الإسلام، ولا شك أن النساء لهن تأثير على الرجال، كما أن الزوج له تأثير على امرأته، فكل منهما يؤثر على الآخر، إما بالخير أو بالشر، فهذه تبعته إلى أن وصلت إلى اليمن ودعته إلى الإسلام فاسلم، وعمران بن حطان كان على الجادة، ثم تزوج خارجية فدعته إلى مذهب الخوارج فصار من رؤوسهم ودعاتهم، فلا يتساهل في شأن النساء؛ لأن بعض الشباب وإن كانوا من طلاب العلم حرصه على الجمال أكثر من الدين، يقول: الدين يأتي بالدعوة، نستغل الدعوة وتهدى -إن شاء الله تعالى-، لكن الجمال ما يأتي لا بدعوة ولا بغيرها، الجمال خلقي، يقول: الديانة تأتي بالدعوة، والسياسة والرفق واللين بالحكمة وبالتي هي أحسن حتى تستقيم، والذي حصل، يعني يحصل أن تهدى المرأة بسبب زوجها، لكن حصل العكس كثير، يعني من ضل بسبب امرأته كثير، ولا أنسى شخصاً من طلاب العلم لحيته إلى سرته، وطالب في دراسة عالية شرعية، ولحيته ملأت صدره، ثم بعد ذلك جاء للدرس حليق بالموسى، يعني مو مسألة يعني تخفيف وإلا تدريج أبداً، يعني من لحية كثة إلى لا شيء، بالموسى، فلما سئل قال: إن المرأة اشترطت إما أنا وإلا اللحية، ومع ذلك استمر في طلب العلم، يقول: ما في تنافر، لكن انظر إلى التأثير إلى أي حد يكون، يعني التأثير في الأمور الخفية كثير، لكن في الأمور الظاهرة فجأة كذا، هذا أمر موحش، لا شك أن هذا أمر موحش، يعني إذا كانت الاستجابة في الأمر الظاهر الذي كثير من يخشى من نظرة الناس إليه، يعني أمر مقلق، فكيف بالأمور الخفية؟ يعني لو دعته إلى أن يقتني قناة من قنوات السوء، هذا قد يستجيب بدون تردد، التردد فيه أقل من أن يحلق لحيته حلقاً تاماً؛ لأن هذا أمر خفي لا يرى أمام الناس، وكثير من الناس يردعه رؤية الخلق، ولا يردعه رؤية الخالق، والله المستعان.(96/23)
هذه ارتحلت إلى اليمن، حتى قدمت عليه فدعته إلى الإسلام فأسلم، هذا يدل على أن المرأة لا شك أن لها تأثير على الزوج.
"وقدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح، فلما رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وثب إليه فرحاً" عكرمة بن أبي جهل أحد الشجعان المعروفين، له أثر وغناء في الحروب، هذا يفرح بإسلامه "وثب إليه فرحاً، وما عليه رداء حتى بايعه فثبتا على نكاحهما ذلك".
"قال مالك: وإذا أسلم الرجل قبل امرأته وقعت الفرقة بينهما" يعني ما ينتظر إلى عدة، إذا أسلمت قبله ينتظر إلى انتهاء العدة، لكن إذا أسلم قبلها وقعت الفرقة فوراً، إذا عرض عليها الإسلام فلم تسلم؛ لأن الله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه العظيم: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [(10) سورة الممتحنة] " لا تمسكوا، لا مدة طويلة ولا قصيرة، يعرض عليها الإسلام فإن أسلمت وإلا لزمت الفرقة.
ابن القيم -رحمه الله تعالى- في إغاثة اللهفان في باب الحيل امرأة حاولت فراق زوجها بشتى الوسائل بالطلاق، بالخلع، بأي وسيلة فعجزت، تمسك بها، فأفتاها من أفتاها بأن ترتد، نسأل الله العافية؛ لأنها إذا ارتدت خلاص انتهت، يجب عليه فراقها؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [(10) سورة الممتحنة] فسئل ابن المبارك قال: من أفتى بهذه الفتوى فقد كفر، وقال بهذا القول جمع من أهل العلم، ولا شك أن فيه تحذير وتنفير من مثل هذه الفتوى، وتشديد في أمرها، والأمر عظيم، خطير أن يفتى المرء بأن يكفر، نسأل الله العافية.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في الوليمة
حدثني يحيى عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله تعالى عنه- جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبه أثر صفرة، فسأله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره أنه تزوج، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كم سقت إليها؟ )) فقال: زنة نواة من ذهب، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أولم ولو بشاة)).(96/24)
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: "لقد بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يولم بالوليمة ما فيها خبز ولا لحم".
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها)).
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه كان يقول: "شر
الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء، ويترك المساكين، ومن لم يأتِ الدعوة فقد عصى الله ورسوله".
وحدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- يقول: إن خياطاً دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لطعام صنعه، قال أنس -رضي الله عنه-: فذهبت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك الطعام، فقرب إليه خبزاً من شعير، ومرقاً فيه دباء، قال أنس -رضي الله تعالى عنه- فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتتبع الدباء من حول القصعة، فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم".
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الوليمة(96/25)
والمقصود بها وليمة العرس، وهي في الأصل على الزوج في اليوم الأول من أيام النكاح، وإجابتها واجبة إذا لم يكن ثم منكر، أما إذا كان ثم منكر، ولا يستطيع الإنكار ولا التغيير فإنه لا يجوز له المجيء، وإذا جهل الأمر ثم حضر ووجد منكر، إن استطاع الإنكار والتغيير وإلا لزمه الانصراف، ومعلوم مستفيض ما في أفراح المسلمين في بلدان المسلمين من المنكرات التي تجعل الإنسان يعيد النظر في إجابة هذه الدعوات، بأن يجيب أهل الاستقامة، وأهل التحري، وأهل فرض الكلمة على غيره، وبعض الناس وإن كانوا من أهل الاستقامة إلا أنه يغلب في هذا الباب، وإذا كان سلمان وأبو الدرداء أجابا دعوة ابن عمر، فلما رأيا الستور على الجدران رجعا ما طعما معه، فأين هذا المنكر من منكرات تحصل اليوم في أعراس المسلمين وفي أفراحهم؟! لا سيما في مجتمع ومحيط النساء، يحصل أشياء مجرد ذكرها أو مجرد تخيل وقوعها بين نساء المسلمين يعتصر له القلب، يعني يحصل أشياء في داخل القصور، وفي حواليها، مما يعرفه أهل الحسبة أكثر من غيرهم، فالمتحري الحريص على عرضه وعلى نفسه يدرس وضع الداعي قبل أن يستجيب هو بنفسه أو يزج بأهله، بزوجته، ببناته إلى هذه المجتمعات التي فيها من المنكرات اللازمة والمتعدية أيضاً؛ لأنه إضافة إلى ما يتصف به بعض النساء من التحلل أيضاً قد يتعدد هذا الضرر وهذا الشر بالتصوير وغيره، حصل كوارث، حصل فواجع من هذا الاختلاط المشين، وإذا كان في بلادنا -ولله الحمد- لا يختلط الرجال بالنساء لكن المنكرات موجودة، وهي كافية في عدم الإجابة، فالذي يمنع منعاً باتاً زوجته أو زوجاته أو يمنع بناته من حضور هذه الأفراح له عذره، ولا يأثم بذلك، بل هو مأجور -إن شاء الله تعالى-، ولو كانت الدعوة من أقرب الناس إليه؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فكيف إذا وجدت هذه الأعراس في بلدان يختلط فيها الرجال بالنساء، ويحصل ما يحصل من منكرات، مما يعرفها أهل تلك البلاد، ومن حضرهم من غيرهم.(96/26)
يقول -رحمه الله تعالى-: "وحدثني يحيى عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبه أثر صفرة" ردع أو ردغ من زعفران، وقد جاء النهي عن لبس الثوب المزعفر، وأجاب أهل العلم عن مثل هذا بأنه لحق ثوبه من ثوب امرأته من غير قصد، أو أنه يتجاوز في وقت في أيام العرس أكثر من غيرها، لكن الجواب المرضي عند أكثر أهل العلم أنه لصق به من ثوب امرأته من غير قصد.
"وبه أثر صفرة، فسأله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره أنه تزوج" يعني ما هذا الأثر؟ "أنه تزوج، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كم سقت إليها؟ )) فقال: زنة نواة من ذهب" منهم من يقول: إن زنة النواة معيار محدد عند أهل الذهب، ومنهم من يقول: إن المراد بالنواة نواة التمر، بقدرها من الذهب "فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أولم ولو بشاة)) " أمر، مما يدل على وجوب الوليمة، ولو بشاة، يعني أقل شيء تكون الشاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أولم بأقل من ذلك، وغيره أولم بأقل من ذلك، لكن مثل هذا الأمر يتجه إلى مثل عبد الرحمن بن عوف؛ لأنه قادر ومستطيع، فالقادر والمستطيع لا تقل الوليمة عنده عن شاة، وغيره كل بقدره وحسبه.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: "لقد بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يولم بالوليمة ما فيها خبز ولا لحم" لأنه لا يتيسر له -عليه الصلاة والسلام- في كل وقت، وفي كل حين الخبز واللحم، ويرى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقد في بيته -عليه الصلاة والسلام- نار.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها)) " هذا يدل على وجوب الإجابة إلى وليمة العرس بالشرط المعروف عند أهل العلم إذا لم يكن ثم منكر.(96/27)
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أنه كان يقول: "شر الطعام طعام الوليمة، يدعى لها الأغنياء، ويترك المساكين" لماذا يدعى الأغنياء ويترك المساكين؟ لأن الظرف ظرف مباهاة، الزوج يريد أن يتجمل عند أصهاره، عند أنسابه، فلا يأتي بمساكين، يأتي بأعيان ووجهاء ليبين أن له قيمة، وأن له مركز اجتماعي ومرموق، لكن لو جمع المساكين والفقراء وذهب بهم وترك هؤلاء الأغنياء يخيل إليه أنه يسقط من عيون أصهاره وأنسابه، وعرفنا من كبار أهل العلم من يكثر المساكين على مائدته، ويجلسون مع الأغنياء ولا فرق، وقد يقدمون عليهم، وما زادهم ذلك عند الله -جل وعلا-، وعند خلقه إلا رفعة، والله المستعان.
"يدعى لها الأغنياء، ويترك المساكين، ومن لم يأتِ الدعوة فقد عصى الله ورسوله" هذا يدل على وجوب إجابة الدعوة، ومع الأسف الأيام التي نعيشها تفاوت تصورات الناس، وفساد تصوراتهم، يوجد في كثير من الناس، يعني ليسوا قلة، تجد من الناس من إذا دعي تضايق تضايقاً شديداً، وعد هذا تكليف بما لا يطاق، وإذا لم يدعَ هذا الذي تضايق لو لم يدعَ لوقع في نفسه أمر عظيم، فكيف إذا دعي تضايق، وإذا لم يدعَ حصل في نفسه هذا الأمر؟ لا شك أن هذا من فساد القلوب، وتغير الفطر، وإلا فالأصل إن كنت صادقاً في أنك لا تستطيع الحضور، أو يشق عليك الحضور، أن تفرح إذا لم تدعَ، ما هو بيقع في نفسك أنك لم تدع، وأنك أهملت، وأنك لا تستحق الدعوة، أو يخيل لك الشيطان ويوسوس لك ما يوسوس، وإن كنت بالفعل تتضايق إذا لم تدعَ، فكيف تتضايق إذا دعيت؟ والله المستعان، والنفوس مشحونة بمثل هذه التصرفات.
قال: "وحدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول: إن خياطاً دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لطعام صنعه، قال أنس: فذهبت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك الطعام" النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يرد الداعي، يجيب الدعوة -عليه الصلاة والسلام- جبراً لخاطر الداعي.(96/28)
فقرب إليه خبزاً من شعير ومرقاً فيه دباء، وأضافه يهودي فأجاب الدعوة من باب التأليف، وقدم له خبز من شعير وإهالة سنخة، يعني متغيرة، أشرف الخلق يقدم له هذا، لكن الواحد منا لو يدعى إلى وليمة، أو إلى طعام، ويقدم له شيء أقل مما توقع صار في نفسه مثل الجبل، وهو لن يأكل ولا عشر معشار ما قدم، لكن هكذا النفوس، يعني عودت على شيء فيصعب فطامها عنه.
"فقرب إليه خبزاً من شعير، ومرقاً فيه دباء" واحد من المشايخ العباد المعروفين توفي -رحمه الله تعالى-، قال له شخص: عندي لك هدية يا أبا فلان، ثم رآه مرة ثانية فقال: عندي لك هدية، ثم رآه ثالثة قال: عندي لك هدية يا فلان، ونسيت أحضرها، أحضرها لك في المسجد في صلاة كذا، فلما صلى في الوقت المحدد وإذا بالهدية معه، وإذا به سواك أعوج، تكرر الأمر ثلاث مرات أو أربع مرات، عندي هدية، وبالنهاية سواك أعوج! ثم رجع إلى نفسه، فقال: هو محسن على كل حال، قل المهدى أو كثر، هذا إحسان منه، دون مقابل، فليس له من الجزاء إلا أن أدعو له، ثم رجع إلى نفسه يعاتبها المنة والفضل أولاً وآخراً لله -جل وعلا-، الذي خلقك من عدم، ورزقك وجعلك مسلماً، وجعلك من أهل طاعته، وذكره وشكره، ومن أهل العلم، ومن أهل الفضل، والله المستعان، وتقدم له من العبادات التي افترضها عليك ما هو من العوج بمثابة هذا السواك، رجع إلى نفسه يؤنبها، لكن لو يؤتى بمثل هذا السواك يمكن يرميه عليه، وقد يتكلم عليه، إيش معنى هدية هدية وفي النهاية سواك أعوج؟! والله المستعان.
الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقرب إليه خبز من شعير ومرق فيه دباء، قرع "قال أنس: فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتتبع الدباء" كان يحبها، يتتبع الدباء من حول القصعة، وهذا إذا كان المقدم له أجزاء ينفصل بعضها عن بعض لا بأس من الاختيار، كالتمر والدباء، وما أشبه ذلك، واللحم أيضاً، لكن إذا كان متساوياً فكل مما يليك "فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم" يقوله أنس؛ لمحبة الرسول -عليه الصلاة والسلام- إياها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(96/29)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب النكاح والطلاق (4)
باب: جامع النكاح - كتاب الطلاق (باب: ما جاء في ألبتة - باب: ما جاء في الخلية والبرية وأشباه ذلك - باب: ما يبين من التمليك - باب: ما يجب فيه تطليقة واحدة من التمليك - باب: ما لا يبين من التمليك).
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا حي يا قيوم.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع النكاح
حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا تزوج أحدكم المرأة، أو اشترى الجارية فليأخذ بناصيتها، وليدع بالبركة، وإذا اشترى البعير فليأخذ بذروة سنامه، وليستعذ))
بكسر الذال بذِروة.
أحسن الله إليك.
((وإذا اشترى البعير فليأخذ بذروة سنامه، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم))
وحدثني عن مالك عن أبي الزبير ...
عندك الرجيم؟ الرجيم موجودة عندك؟
طالب: أنا قلت: الرجيم.
نعم.
أحسن الله إليك.
وحدثني عن مالك عن أبي الزبير أن رجلاً خطب إلى رجل أخته فذكر أنها قد كانت أحدثت فبلغ ذلك عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- فضربه، أو كاد يضربه، ثم قال: "ما لك وللخبر".
وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير كانا يقولان في الرجل يكون عنده أربع نسوة، فيطلق إحداهن: إنه يتزوج إن شاء، ولا ينتظر أن تنقضي عدتها.
وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير أفتيا الوليد بن عبد الملك عام قدم المدينة بذلك، غير أن القاسم بن محمد قال: طلِقها
طلَقها.
قال: طلَقها في مجالس شتى.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: "ثلاث ليس فيهن لِعْب
لَعِب.
أحسن الله إليك.
"ثلاث ليس فيهن لَعِب النكاح والطلاق والعتق".(97/1)
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن رافع بن خديج أنه تزوج بنت محمد بن مسلمة الأنصاري، فكانت عنده حتى كبرت فتزوج عليها فتاة شابة، فآثر الشابة عليها فناشدته الطلاق فطلقها واحدة، ثم أمهلها حتى إذا كادت تحل راجعها، ثم عاد فآثر الشابة، فناشدته الطلاق فطلقها واحدة ثم راجعها، ثم عاد فآثر الشابة فناشدته الطلاق، فقال: "ما شئتِ إنما بقيت واحدة، فإن شئتِ استقررت على ما ترين من الأثرة، وإن شئتِ فارقتك؟ " قالت: بل أستقر على الأثرة، فأمسكها على ذلك، ولم ير رافع عليه إثماً حين قرت عنده على الأثرة".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع النكاح
يعني الأحكام التي لا تجتمع ولا تنطوي تحت الأبواب السابقة، أحاديث متفرقة لا يجمعها باب واحد.
قال -رحمه الله-: "حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" مرسل، والإمام مالك لا يلتفت إلى مسألة الوصل والإرسال؛ لأن المرسل عنده حجة "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا تزوج أحدكم المرأة أو اشترى الجارية فليأخذ بناصيتها، وليدعُ بالبركة، وإذا اشترى البعير فليأخذ بذروة سنامه، وليستعذ بالله من الشيطان)) " إذا اشترى أو تزوج المرأة، اشترى جارية، يأخذ بناصيتها، ويدعو الله -جل وعلا- أن يهيئ له ويرزقه من بركتها، ويسأل الله -جل وعلا- أن تكون مباركة له، ويستعيذ بالله من شرها، إن كانت جبلت على شيء من الشر، يأخذ بناصيتها ويدعو بالبركة، وهذا أمر معروف جاءت به الآثار " ((وإذا اشترى البعير فليأخذ بذروة سنامه)) " يعني أعلى سنامه، الذروة الأعلى، كما أن ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله.(97/2)
((فليأخذ بذروة سنامه؛ وليستعذ بالله من الشيطان)) مناسبة الاستعاذة للإبل ظاهرة باعتبار أن فيها شيء من الشيطنة، ولذلك نهي عن الصلاة في مباركها، يعني جاء في الخبر أنه لما سئل عن الفرق بين مرابض الغنم، ومبارك الإبل، قال: ((صلوا في مرابض الغنم)) ما فيها إشكال، ولا يخشى شرها، بينما الإبل فيها شيء من الشيطنة، جاء في خبر ((أنها جن خلقت من جن)) ولذا يتوضأ من لحمها، بخلاف اللحوم الأخرى، وعلى كل حال يستعيذ بالله من شرها؛ لأنها جبلت على شيء من ذلك، والقصص والحوادث كثيرة في هذا الباب.
قال: "وحدثني عن مالك عن أبي الزبير -المكي- أن رجلاً خطب إلى رجل أخته" عن أبي الزبير أن رجلاً، الزبير محمد بن مسلم بن تدرُس المكي وهو مدلس "أن رجلاً خطب إلى رجل أخته فذكر أنها قد كانت أحدثت" يعني قاربت أو قارفت الفاحشة، يعني زنت "فذكر أنها قد كانت أحدثت، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فضربه، أو كاد يضربه، ثم قال: "ما لك وللخبر" فدل على أن الإنسان يستر على نفسه، إذا فعل شيئاً من المنكرات يستتر بستر الله، وأن المرأة إذا حصل لها شيء من ذلك أنها لا تخبر الخاطب، وكذلك ولي أمرها لا يخبر الخاطب، ولا شك أن هذا يشتمل على شيء من الغش، لا يسلم من الغش؛ لأنه لو علم ولو بعد حين لا بد أن يحصل له ما يحصل من كدر أو فراق، سوف تتكدر عليه حياته، والغالب أن النساء ما تمسك السر، النساء لا بد أن ينفلت من لسانها شيء، ولو كان في هذا الأمر العظيم الذي فيه ضرر بالغ عليها.(97/3)
على كل حال هذه المسألة مسألة واقعة، والسؤال عنها كثير، لا سيما مع كثرة الوقائع والحوادث والفواحش في بلدان المسلمين، وهي أيضاً مسألة محرجة، وهي مترددة بين أمرين أحلاهما مر، فإن كتمت وكتم وليها عن الخاطب، فماذا عنه فيما إذا علم بعد الإنجاب، وعير بها، وعير أولاده بها؟ وإن أخبرت حرمت من الزواج، لن يقدم عليها إلا شخص إما افتتن بها، أو لا يهتم لمثل هذه الأمور، أو شخص عنده شيء من التبصر في أموره، ويقول: من تاب تاب الله عليه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، لكن يبقى أن الأمور المتعلقة بالعرض لا يقدم عليها كثير من الناس، كثير من عقلاء الناس وأسويائهم ولو حصلت التوبة، التوبة تهدم وتجب أثر المعصية، وقد تبدل السيئات حسنات، كما جاء في آية الفرقان، منها الزنا {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} ... {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [(68 - 70) سورة الفرقان] ومنها الفاحشة، لكن عموم الناس لا سيما من بقي على فطرته لا يقبل مثل هذه ولو تابت.(97/4)
المقصود أن المسألة في غاية من الحرج، والتردد في الفتوى بالإخبار وعدم الإخبار لكل منهما آثاره السيئة، وما يترتب عليه، إن أخبرت جلست دون زواج، وقد تعرض لفتنة، وما دام حصل منها هذا، ولن يقدم عليها أحد بزواج شرعي، وأيضاً الفتن كثيرة في هذا الزمان، قد لا تصبر عن مقارفة أخرى وثانية وثالثة، كما هو موجود في بعض من قارف هذا الأمر مرة أو مرتين يستمر عليه، هذا كثير فيمن حصلت منه هذه الفاحشة، فإن أخبرت حصل لها هذا، وإن لم تخبر صار في ذلك غش للزوج، وأيضاً فيه استمراء لهذه الفاحشة، إذا كانت تستر على نفسها، ويستر عليها وليها، ولا كأن شيئاً حصل، لا شك أن هذا يهون من أمر ارتكاب الفاحشة، لكن لو ألزم الناس بالإخبار، وجلس عدد من النسوة بهذه المثابة؛ لأنها قارفت عقوبة لها، وعقوبة لولي أمرها الذي لم يحفظها، صار في هذا شيء من الردع؛ لأنها إذا أرادت أن تقدم على الفاحشة قالت: لن أتزوج خلاص.
لكن هل من حصل منها هذا الشيء، أو من وليها لعظم المصيبة والداهية هل ينتظر فتوى في مثل هذا، حتى لو قيل له: أخبر؟ قد لا ينتظر فتوى، يبي يسكت وتسكت إن مشت الأمور وإلا طلق، وقيل بعد ذلك المرأة ثيب مطلقة، على كل حال هذه المسألة محرجة، ومسألة نازلة وقائمة، ومن المشايخ من يفتي بهذا، ومنهم من يقول: لا بد من الإخبار؛ لأنه غش، وأيضاً يحد من انتشار الفاحشة وشيوعها، فإذا تضافر هذا عدم الإخبار مع سهولة الإجهاض، مع سهولة الترقيع على ما يقولون، ما صار هناك رادع، فبعضهم يحزم في هذا الباب.(97/5)
"لما بلغ ذلك عمر -رضي الله عنه- ضربه أو كاد يضربه، ثم قال: "مالك وللخبر" وفي الحديث الصحيح: ((من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله)) وهذا فيه دليل لمن يقول بالاستتار والستر، وعدم بيان ذلك للخاطب، وقيل: لا بد من الإخبار لما يتضمنه الكتمان من الغش، ويستدل من يقول بهذا، وهذا كلام لبعض المتقدمين، يستدل على ذلك بحديث: ((إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إذا زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها)) ثم قال في الثالثة أو في الرابعة: ((فليبعها ولو بضفير)) لو بحبل، يبعها ولو بحبل، ولن تصل قيمتها إلى هذا الحد إلا إذا أخبر بعيبها، إذا أخبر المشتري بعيبها، لن تصل إلى هذا الحد، فدل على أن من حصل منه هذا الأمر منزلته تضعف عند الناس، ولا يلتفت إليه، لا في الزواج ولا في الشراء بالنسبة للإماء، والأمة مثل الزوجة؛ لأنها موطوءة، وعرضها عرض لسيدها، فبهذا الحديث يستدل من يقول: إنه لا بد من الإخبار، يعني أيهما أسهل على الإنسان أن يتزوج المرأة فيجدها عمياء أو يجدها قارفت الفاحشة؟ عمياء أسهل، قد يصبر عليها ولا يرى في ذلك أدنى غضاضة، لكن لو علم بما حصل منها لا شك أنه الحياة سوف تكون مرة، وعلى كل حال المسألة اجتهادية، يعتريها هذا وهذا، ولكل من القولين مصالحه ومفاسده، فمن ترجحت عنده مصالح الكتمان لا سيما إذا صلحت المرأة، واستقام أمرها، فمثل هذه لو كتمت، أما امرأة ما تغير من وضعها شيء، وسوف تبتلي زوجها بعد ذلك، قد تتزوج بشخص لا يعفها، قد يتنازل ولي أمرها إلى أن يزوجها شخصاً لا يعفها، فيبتلى بها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
بالغش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا شك أنه يرجع بالمهر، مغشوش، هذا أشد من الغش بالعيوب.
قد يقول قائل: هذا بالنسبة للمرأة لكن ماذا عن الرجل؟ إذا حصل منه شيء هل يخبر من يخطب منهم أنه سبق أن قارف شيئاً أو لا يخبر؟ النساء شقائق الرجال، فإذا غش المخطوب منهم بنفسه فنقول: الطرف الثاني له أن يغش، هل هناك من فرق بين الرجل والمرأة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(97/6)
الأصل أنه لا فرق، لكن يبقى أن هناك فروق دقيقة، وهي أن العار اللاحق بالنسبة للمرأة أشد من العار اللاحق بالنسبة للرجل، هذه نظرة عموم الناس وسائر المجتمعات.
الأمر الثاني أن الرجل قد يعيش مع المرأة العقود ولا يتكلم بكلمة، أما بالنسبة للمرأة فإذا استدرجت أخبرت، يعني هي أقل حفظ للسر من الرجل، المقصود أن مثل هذه اجتهادية، وكل مسألة يحكم عليها بما يحتف بها، وهما قولان بالنسبة لي متعادلان.
وكنت أصر على الإخبار؛ لأن شأنه عظيم، يعني إذا علم الزوج وعلم أولاده المسألة خطيرة جداً يعني، هذه أمور لا يحتملها كثير من الناس، كثير من الناس إذا ... ، يعني أقول: بعض الناس إذا حصل لعرضه أدنى خدش اختل عقله، يعني لو وجد ابنته أو ابنه أو زوجته مع أحد يفعل بها الفاحشة، هذه كارثة بالنسبة لكثير من الرجال، فأمرها عظيم.
وعلى كل حال من يستفتى في هذه المسألة يتقي الله -جل وعلا-، وينظر في واقع الحال، وينظر أيضاً المصالح والمفاسد المترتبة على هذا، لا سيما وأن المسألة في كثير من البلدان التي تنتسب إلى الإسلام يعني صارت ظاهرة، يعني ما هي وقائع مثل ما حصل في العهد النبوي خمس وقائع فقط لا تزيد، الآن يقع في الساعة -نسأل الله العافية- والفطر تغيرت، يعني ليلة سبعة وعشرين يوقف على أناس يزاولون الفاحشة من رمضان؟! يعني ما في رادع لا دين ولا ... ، حتى ولا حزم من قبل من ولي الأمر على هذا، المسألة جد خطيرة.
قال: "وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير كانا يقولان في الرجل يكون عنده أربع نسوة فيطلق إحداهن: إنه يتزوج إن شاء" يعني متى شاء، ولا ينتظر أن تنقضي عدتها؛ لأنه في هذه الحالة ليس عنده إلا ثلاث، لكن لو كان الطلاق رجعياً انتظر حتى تنقضي العدة، وبعض الناس يتحايل لتقصير العدة فيخالع واحدة منهن، فتستبرأ بحيضة، ولا تحتاج أن تنتظر ثلاث حيض.
وعلى كل حال إذا كان الخلع بهذا القصد وبهذا الهدف يعني حيلة لإبطال العدة فإنها تعتد بثلاث حيض كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله-.(97/7)
قال: "وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير أفتيا الوليد بن عبد الملك عام قدم المدينة بذلك" يعني أنه لا ينتظر؛ لأنه طلق "غير أن القاسم بن محمد قال: طلَقها في مجالس شتى" طلقها في مجالس شتى، وعروة قال: طلقها، هذا الفرق بينهما، وإذا كانت المرأة مبتوتة أعني بائن بينونة كبرى لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، أو خرجت من عدتها بينونة صغرى، بأن تمت عدتها، له أن يتزوج، وله أن يتزوج قبل تمام عدتها إذا كانت البينونة كبرى، يعني ومثله الوفاة، إذا توفيت الرابعة يتزوج متى شاء، إذا طلقها يتزوج متى شاء، إذا طلقها طلاقاً رجعياً ينتظر حتى تنقضي عدتها؛ لأنها ما زالت زوجة، لها أحكام الزوجة.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: "ثلاث ليس فيهن لَعِب" ليس فيهن هزل، كلهن جد، كما جاء في الخبر المرفوع: ((النكاح والطلاق والعتق)) وبعض الروايات: ((والرجعة)) وجاء في هذا حديث مرفوع، مخرج في السنن، وفيه كلام لأهل العلم، فإذا قال الولي لشخص في مجلس على سبيل الهزل والمزح: زوجتك ابنتي، وقال ذاك: قبلت، خلاص ثبت النكاح؛ لأن العقود مبنية على الظاهر، اللهم إلا إذا حصل أو دلت القرائن القوية أنه لا يقصد، أو أكره على ذلك، هذه مسألة أخرى، لكن إذا قال بطوعه واختياره: زوجتك، وقال: قبلت، ثبت النكاح، يعني يثبت موقوفاً على رضاها، لا بد أن ترضى، وكذلك الطلاق، وإذا قال لعبده: أنت حر أو عتيق، ثم قال: أنا أمزح ولست بجاد كذلك، والحديث المرفوع لا يسلم من كلام لأهل العلم، وعلى كل حال ينبغي للإنسان أن يحفظ لسانه من أن يفوت عليه أمر لا يريده.
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب ... "
وهذه أيضاً من القضايا العملية.
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن رافع بن خديج أنه تزوج بنت محمد بن مسلمة الأنصاري" هذه يحتاجها أهل التعدد، لا سيما إذا تقدم به السن، أو تقدم بزوجته السن، يقول: "فكانت عنده حتى كبرت" ولا شك أن المرأة إذا كبرت قلة الرغبة فيها، وإن لم تقل رغبتها هي، لكن الرغبة فيها تقل.(97/8)
"تقدمت بها السن فتزوج عليها فتاة شابة" ما في مقارنة "تزوج عليها فتاة شابة، فآثر الشابة عليها" هذا أمر عادي جبلي هذا، يعني ما يردع عنه إلا الدين، وإلا النفس لا شك أنها تميل مع الشابة دون الكبيرة، "فناشدته الطلاق فطلقها واحدة" لها أولاد، فتطلب الطلاق في هذه الصورة لا شك أن الغيرة توصلها إلى هذا الحد، ولا تصبر على مثل هذا التصرف "فطلقها واحدة، ثم أمهلها حتى إذا كادت تحل راجعها" لما بقي مدة يسيرة وتنقضي العدة راجعها؛ لأن المصلحة في بقائها، مصلحته هو، ومصلحتها هي في بقائها في عصمته، في بيتها عند أولادها "ثم عاد فآثر الشابة، فناشدته -الأولى- الطلاق فطلقها واحدة، ثم راجعها كذلك" لما قربت العدة، هو يتركها حتى تقرب العدة لكي تراجع بنفسها، وتتنازل بطيب نفس منها، فإذا كادت العدة أن تنتهي راجعها مرتين، بقيت طلقة واحدة "ثم راجعها، ثم عاد فآثر الشابة" للمرة الثالثة "فناشدته الطلاق" فقال، الآن ما في خيار، ترى ما في رجعة "فقال: ما شئت" تريدين الطلاق يكتب الآن، تريدين البقاء مع الأثَرة أو الأثْرة يجوز هذا وهذا "فقال: ما شئت إنما بقيت واحدة، فإن شئت استقررت على ما ترين من الأثرة، وإن شئت فارقتك" اختاري، الآن ما في عاد مجال، انتهت الفرص "قالت: بل أستقر على الأثرة" ولا شك أن هذا من مصلحتها، إن لم تتأثر في دينها؛ لأن بعض النساء تتأثر، الغيرة عندها تصل إلى حد تأثم فيه، تخشى على دينها، فمثل هذه إذا فارقت أنسب لها "فقالت: بل أستقر على الأثرة، فأمسكها على ذلك" الآن خيرها بين أمرين يملك أحدهما "ولم ير رافع عليه إثماً حين أقرت عنده على الأثرة" والتخيير شرعي، النبي -صلى الله عليه وسلم- خير نساءه، فإذا اختارت البقاء على هذه الحالة التي فيها شيء من عدم التعديل بين النساء، الأصل وجوب التعديل فيما يملك مع أن الميل لا يمكن أن ينفك عنه {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ} [(129) سورة النساء] إذا أراد أكثر من هذا، إذا قال: والله ما في قسم، تبي تجلسين في البيت وعند أولادك والنفقة والكسوة والسكن، وكل شيء على ما كان عليه، لكن ما في قسم،(97/9)
تجلسين وإلا الفراق؟ إذا قالت: أجلس خلاص ما عليه إثم، هذا بطوعها واختيارها، وهو يملك الخيار الثاني، ما الذي يلزمه بإبقائها؟ فإذا اختارت أن تبقى لا جناح عليه حينئذٍ، قد يقول قائل: إن هذا ليس من العشرة بالمعروف، وهذا ليس من المروءة، وهذه أمور أخرى، لكن الكلام في الحكم هل يجوز أو لا يجوز؟ يجوز {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [(128) سورة النساء] سودة لما رأت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كاد أن يطلقها، أو أراد أن يطلقها وهبت ليلتها لعائشة لمجرد أن تبقى، فالمرأة الكبيرة التي أخذت من عمر زوجها ومن شبابه ومن فتوته عليها أيضاً أن تقتنع، لكن لها أيضاً أن تطلب الفراق إذا كانت لا تطيق ذلك.
هذا في جانب الرجل قد يقول قائل: إن هذا ليس من المروءة، وهذا الخاتمة ليست بطيبة بين الزوجين بعد عشرة العقود، وامرأة قالت لزوجها بعد أربعين سنة: تصنع هذا؟ قال: والله لا أرى فيك عيب إلا الأربعين، العشرة أربعين سنة هي العيب.
على كل حال قد يحصل من المرأة مثل نظير هذا أو أشد، إذا ضعف الرجل أو افتقر لا شك أنها تضغط عليه، وتشترط عليه من الشروط ما كان بريء منها، فالمسألة من الطرفين، المسألة عرض وطلب، إذا زادت أسهم المرأة اشترطت، وإذا انخفضت اشترط هو، وعلى كل حال هذه مسألة معروفة، والآية كالصريحة في الباب، والخبر صريح.
سم.
أحسن الله إليك.
كتاب الطلاق
باب: ما جاء في ألبتة
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رجلاً قال لعبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: إني طلقت امرأتي مائة تطليقة فماذا ترى علي؟ فقال له ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: "طلقت منك لثلاث، وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزواً".(97/10)
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رجلاً جاء إلى عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- فقال: إني طلقت امرأتي ثماني تطليقات، فقال ابن مسعود: فماذا قيل لك؟ قال: قيل لي: إنها قد بانت مني، فقال ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-: "صدقوا، من طلق كما أمره الله فقد بين الله له، ومن لبس على نفسه لبساً جعلنا لبسه ملصقاً به، لا تلبسوا على أنفسكم ونتحمله عنكم، هو كما يقولون".
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن حزم أن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- قال له: ما يقول الناس فيها؟ قال أبو بكر: فقلت له: كان أبان بن عثمان يجعلها واحدة، فقال عمر بن عبد العزيز: "لو كان الطلاق ألفاً ما أبقت منها شيئاً، من قال: فقد رمى الغاية القصوى".
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم كان يقضي في الذي يطلق امرأته أنها ثلاث تطليقات.
قال مالك: وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الطلاق
والطلاق من الإطلاق والإرسال والتخلية، وهو حل وثاق عقد النكاح؛ لأن أصل العقد الربط، والطلاق من الإطلاق فك، وحل لهذا الربط المعقود.
باب: ما جاء في ألبتة
يعني إذا طلق زوجته، أو بت طلاقها بالعدد.(97/11)
"حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رجلاً قال لعبد الله بن عباس: إني طلقت امرأتي مائة تطليقة" يُصنع هذا بل أكثر "مائة تطليقة فماذا ترى علي؟ " الثلاث تبينها "فقال له ابن عباس: "طلقت منك لثلاث" يعني بانت منك لثلاث "وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزواً" هذا من التلاعب بآيات الله، والذي يظهر أن تطليقه المائة بلفظ واحد، وهو الذي أجراه عمر على الناس لما تساهلوا وتلاعبوا بكتاب الله، وكان الثلاث في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر واحدة رجعية، لكنه لما رأى الناس استعجلوا في أمر جعل الله لهم فيه سعة، وهذا لا شك أنه من التلاعب، والله -جل وعلا- يجعل لك فسحة واختيار وفرصة تتأمل وتراجع نفسك ثم تلغي أنت بنفسك هذه الفسحة، يعني كمن ألغى خيار المجلس، تعاقد اثنان على شراء سلعة وبيعها، واحد يبيع وواحد يشتري، فاتفقا على أن لا خيار للمجلس، اتفقا على أمر جعل الله لهما فيه فسحة، فيجرى عليهما، ومن هذه الحيثية مع أن عمر -رضي الله عنه- أراد أن يعزر من فعل هذا الفعل لأنه بدعة فأوقع الثلاث، وعمل به جماهير أهل العلم، فالأئمة كلهم على أن الثلاث ولو كانت مجموعة بلفظ واحد أو بألفاظ بمجلس أو مجالس، ولو لم يتخللها رجعة، يوقعون الثلاث.
وقال بمقتضى المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أن الثلاث واحدة إذا لم يتخللها رجعة، قال به شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن يرى رأيه، وعليه الفتوى؛ لأن الثلاث طلاق بدعي، و ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).
"فقال ابن عباس: "طلقت منك لثلاث، وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزواً" كم من شخص يستهزئ بآيات الله، يجعل سوطه في بيته، وخارج بيته الطلاق، فإذا اختصم مع زوجته طلق، إذا اختصم مع جاره طلق، إذا اختصم مع شريكه طلق، في كل مجال يطلق، هذا تلاعب بكتاب الله، فمثل هذا لو عزر بوقوع الطلاق، كما فعل عمر لما بعد، والمسألة خلافية، ومن قال بوقوعها عمل بحكم عمر -رضي الله عنه-، وهو خليفة راشد أمرنا بالاقتداء به.(97/12)
وهو أمر جعله الشرع للشخص تنازل عنه بطوعه واختياره، يعني مثلما قلنا في إلغاء خيار المجلس، الشرع جعل لهم هذه الفرصة للاختيار ومراجعة النفس، فإذا تواطأ على إلغائها التغت.
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رجلاً جاء إلى عبد الله بن مسعود فقال: إني طلقت امرأتي ثماني تطليقات" هل يعقل أنه طلقها ثم راجعها، ثم طلقها ثم راجعها، ثم ... ، ثماني مرات؟ ما يعقل، فالظاهر من اللفظ أنها بلفظ واحد، الظاهر من السياق أنها بلفظ واحد.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني طلقها واحدة وقبل أن يراجع أعطاها سبع؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو في الغالب أنه لا يزيد على الثلاث، فإذا قال: ثمان أو مائة هذا لفظ دافعه الغضب، فالذي يغلب على الظن أنها بلفظ واحد، وكذا لو كانت متفرقة عند من يشترط تخلل الرجعة لاحتساب العدد.
"ثماني تطليقات، فقال له ابن مسعود: فماذا قيل لك؟ " يعني سألت أحد؟ "قال: قيل لي: إنها قد بانت مني" هذا سأل وانتهى وعرف الحكم، فأراد أن يخفف عنه ابن مسعود، يتتبع الرخص، وهذا شأن المطلقين إذا ندموا إلى يومنا هذا، تجده يذهب للعالم الفلاني، أو للإفتاء أو إلى المحكمة وشيء من هذا، يحكم عليه بالطلاق، ثم يأتي يستفتي فلان وفلان وفلان عله أن يجد من يعيد له زوجته.
"فقال ابن مسعود: "صدقوا" ولذا ينبغي أن يتثبت من يسأل عن الطلاق "سألت أحد وإلا ما سألت؟ " هل سألت أحداً أو ما سألت؟ إذا قال: ما سألت، ينظر في مسألته، وإلا فينظر فيما حكم عليه به، إن كان ممن يلزم حكمه مثل هذا يلزم بالحكم، سواءً كان من الإفتاء، وإن كان الأصل في الإفتاء أنه ليس بملزم، لكنه الآن وكل إليهم من قبل ولي الأمر فصار ملزماً، أو كان من قاضي، شخص جاء بتقرير طبي أنه مصاب بحالة نفسية، وأنه قد يمر عليه الوقت وهو لا يعي ما يقول، وأنه يستعمل علاج مهدئ وكذا وكذا، وأنه طلق زوجته أثناء هذه الحالة، طلاقه يقع وإلا ما يقع؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(97/13)
لا يقع، فهو استصحب مع هذا التقرير سؤال، يقول: برفقه تقرير مفاده كذا، وكتبنا على التقرير أنه ما دام الأمر كذلك، إن كان الأمر كذلك، وصدق في قوله فالطلاق غير واقع، ثم ذهب إلى والد المرأة فرفض أن يسلمها، لماذا؟ لأن عنده صك شرعي بوقوع الطلاق، مثل هذا لا شك أنه يتتبع الرخص، ويتلقط الزلات والهفوات، وإلا فالحكم ظاهر، لكن ما دام معه حكم شرعي من المحكمة لا أحد يتطاول على مثل هذا، وهذا كثير في الناس، تجده يسأل فلان وفلان وفلان، وفي النهاية يأخذ بالقول الذي يناسبه، لكن كثير من أولياء أمور النساء لا يرضون بمثل هذا التصرفات، وهذا الباب لا بد من التثبت فيه، لا بد من السماع من الطرفين؛ لأنه إن سألت المرأة سألت بصيغة تناسب مرادها، وإن سأل الزوج سأل بصيغة تناسب مراده، وهناك أمور لا يمكن تقريرها بدقة إلا بحضور الطرفين، وتصور الواقعة تصوراً تاماً، يعني طلاق الغضبان، الغضب درجات متفاوتة، يستدل على هذا التفاوت بالظروف المثيرة لهذا الغضب، وأيضاً ما صاحبه من تصرف سواءً كان من الرجل أو من المرأة، شخص يقول لزوجته: أعطيني ماءاً، فتأخرت عليه فطلق، هل هذا يستدعي غضباً لا يقع معه الطلاق؟ لا، وشخصاً آخر لما قال لها: أحضري الماء، قالت، شتمته، وشتمت والديه معه، مثل هذا يغضب، هذا يستدعي غضب لا يقع معه الطلاق، المقصود أن هذه الأمور متفاوتة ومتباينة، ولا بد من السماع من جميع الأطراف.(97/14)
"فقال ابن مسعود: صدقوا" يعني وقع، بانت منك "من طلق كما أمره الله فقد بين الله له"، من طلق كما أمره الله {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [(229) سورة البقرة] "ومن لبس على نفسه لبساً جعلنا لبسه ملصقاً به" هو الذي ألبس نفسه هذه الحادثة وهذه الواقعة "لا تلبسوا على أنفسكم ونتحمله عنكم" صحيح، المفتي عليه أن يسعى لخلاص نفسه قبل أن يسعى لخلاص غيره "لا تلبسوا على أنفسكم ونتحمله عنكم هو كما يقولون" وبعض الناس ييسر على حد زعمه على الناس، ويتحمل ويعسر على نفسه، يحمل ذمته ما لا تطيق من أجل التيسير على الناس، أولى الناس بالخلاص نفسك، فليحرص الإنسان على براءة ذمته قبل أن تبرأ ذمة غيره، ولا عليه أن يقال: فلان متشدد أو متساهل، هذا لا يلتفت إليه مهما قيل.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن حزم أن عمر بن عبد العزيز قال له: " وهمزتها قطع، كما يقرره أهل اللغة "ما يقول الناس فيها؟ قال أبو بكر: فقلت له: كان أبان بن عثمان يجعلها واحدة، فقال عمر بن عبد العزيز: "لو كان الطلاق ألفاً ما أبقت منها شيئاً" أبان بن عثمان يجعلها واحدة، إيش معنى البت؟ القطع، البت: القطع، والمراد به هنا: قطع الصلة بين الزوج وزوجته، وعلى رأي أبان بن عثمان بجعلها واحدة أن الواحدة قد تبينها إذا انتهت عدتها، الواحدة تبينها إذا انتهت عدتها، والثلاث تبينها فوراً، فتصلح أن تكون واحدة، وأن تكون للثلاث، فأبان بن عثمان جعلها واحدة باعتبار أن الواحدة إذا تمت العدة أبانتها، وقطعت العلاقة بينهما، لكنه هل هو قطع نهائي مثل قطع الثلاث؟ لا، ف هي أقرب منها إلى الثلاث منها إلى الواحدة.
"فقال عمر بن عبد العزيز: لو كان الطلاق ألفاً" يعني لو أن الله جعل الطلاق ألف تطليقة "ما أبقت منها شيئاً" لأنها قطعت العلاقة بين الزوج وزوجته، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أو قال:.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(97/15)
لا، المعنى واحد، المعنى ما يختلف، فإن قال:، ويريد به مجرد الإبانة ولو كانت رجعية يريد بها الإبانة التي تحصل عن واحدة إذا انتهت العدة، أو أراد بها من الآن، يدين، يقول: "لو كان الطلاق ألفاً ما أبقت منها شيئاً، من قال: فقد رمى الغاية القصوى" ما في لفظ أبلغ من على هذا الكلام.
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم كان يقضي في الذي يطلق امرأته أنها ثلاث تطليقات" ومروان من أهل العلم، يعني من الفقهاء "كان يقضي في الذي يطلق امرأته أنها ثلاث تطليقات".
"قال مالك: وهذا أحب ما سمعت إلي".
وما دام الأمر محتمل للثلاث التي تبينها إبانة تامة كبرى، وبين الواحدة التي تبينها إذا خرجت من عدتها فيدين، وينظر إلى قصده؛ لأنها إلى الكنايات أقرب منها إلى الصريح كما في الباب الذي يليه، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في الخليّة والبرية
الخلية.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في الخلية والبريّة
والبرية، إذا قال لزوجته: أنت خلية، أو أنت برية، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في الخلية والبرية وأشباه ذلك
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أنه كتَب
كُتب.
أحسن الله إليك.
أنه كُتب إلى عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- من العراق أن رجلاً قال لامرأته: حبلك على غاربك، فكتب عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- إلى عامله: أن مره يوافيني بمكة في الموسم، فبينما عمر -رضي الله تعالى عنه- يطوف بالبيت إذ لقيه الرجل فسلم عليه، فقال عمر: "من أنت؟ " فقال: أنا الذي أمرت أن أجلب عليك، فقال له عمر: "أسألك برب هذه البنية، ما أردت بقولك حبلك على غاربك؟ " فقال له الرجل: لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك، أردت بذلك الفراق، فقال عمر بن الخطاب: "هو ما أردت".
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- كان يقول في الرجل يقول لامرأته: أنت علي حرام: إنها ثلاث تطليقات.
قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت في ذلك.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنه- كان يقول في الخلية والبرية: إنها ثلاث تطليقات كل واحدة منهما.(97/16)
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن رجلاً كانت تحته وليدة لقوم فقال لأهلها: شأنكم بها، فرأى الناس أنها تطليقة واحدة.
وحدثني عن مالك أنه سمع ابن شهاب يقول في الرجل يقول لامرأته: برئت مني وبرئت منك: إنها ثلاث تطليقات بمنزلة.
قال مالك في الرجل يقول لامرأته: أنت خلية وبرية أو بائنة: إنها ثلاث تطليقات للمرأة التي قد دخل بها، ويدين في التي لم يدخل بها، أو واحدة ...
أواحدة.
أحسن الله إليك.
أواحدة أراد أم ثلاثاً؟ فإن قال: واحدة أحلف على ذلك وكان خاطباً من الخطاب؛ لأنه لا يخلي المرأة التي قد دخل بها زوجها ولا يبينها ولا يبريها إلا ثلاث تطليقات، والتي لم يدخل بها تخليها وتبريها وتبينها الواحدة.
قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الخلية والبرية وأشباه ذلك
واللفظان متقاربان، فالخلية الخالية من الزوج، ومن تكاليف الزوج، والبرية أصلها البريئة، مثلها، تبرأ من عهدة الزوج، وهذان اللفظان من كنايات الطلاق، وقوع الطلاق بها يحتاج إلى نية.
قال: "حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أنه كُتب إلى عمر بن الخطاب من العراق -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- أن رجلاً قال لامرأته: حبلك على غاربك" الأصل أن الحبل بيد الزوج، كما أن حبل الدابة بيد قائدها، فإذا ترك حبلها على غاربها وهذا الأصل في الدابة ذهبت حيث تشاء، فشبهت المرأة حينما يستغني عنها زوجها بهذه الدابة التي يستغني عنها صاحبها، يجعل حبلها على غاربها فتذهب حيثما شاءت.
"حبلك على غاربك، فكتب عمر بن الخطاب إلى عامله: أن مره أن يوافيني" يوافيني وإلا يوافيَني؟ نعم؟ أن مره، كتب عليه أن مره يوافيني أو يوافيَني؟ يوافيني جواب الأمر، جواب الطلب، أو جواب شرط مقدر، إن تأمره يوافيني، مستقيم المعنى وإلا غير مستقيم؟ أو للام التعليل، مره ليوافيَني، مثل: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي} [(6) سورة مريم] ما قال: يرثْني؛ ليكون جواب الطلب، وإنما هو للتعليل.(97/17)
فيكون هنا: أن مره يوافيني على كل حال، لكن لو كانت جواباً للطلب قال: مره يوافني، لو كان الجواب للطلب لقال: مره يوافني، لكنها تعليلية، كما في قوله: "يرثني" ولو كانت جواباً للطلب لقال: يرثني.
"بمكة في الموسم، فبينما عمر يطوف بالبيت إذ لقيه الرجل فسلم عليه فقال عمر: "من أنت؟ " فقال: أنا الذي أمرت أن أُجلب عليك" أن أقدم عليك "فقال له عمر: "أسألك برب هذه البنية" فعيلة بمعنى مفعولة مبنية، وهي الكعبة "ما أردت بقولك حبلك على غاربك؟ فقال الرجل: لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك" لماذا؟ لأنه لا يريد وقوع الطلاق، ومع ذلك إذا كذب الإنسان في بيان مراده لا سيما في مثل هذه المواضع التي للنية فيها أثر كبير في وقوع الطلاق وعدمه فإنه حينئذٍ يعاشر المرأة من غير حلها، يعني طلاق واقع فقال: إنه ليس بواقع، أو لبس على المسئول من أجل أن لا يوقعه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا حكم له فإنما يحكم له بقطعة من نار، ((إنما أقضي على نحو ما أسمع)) ليس للمفتي وليس على القاضي أن يحكم بغير ما يسمع، ولا يحكم بعلمه، ما دام أخبره بالخبر؛ لأنه إذا جاء يسأل عن الطلاق مثلاً، وقال: طلقت مرتين وجحد الثالثة، المسئول ما له علاقة يتحمل هو، فقال: رجعية، راجعها، وهي في الحقيقة ثلاث لا رجعة فيها، من الذي يتحمل المسئولية؟ السائل، لماذا يسأل وهو يجحد مثل هذا؟ يجحد ما له أثر في الحكم، ولا تحل له بحكم الحاكم، لا في الأموال ولا في الفروج، وإن كان الحنفية يتساهلون في مثل هذا، حكم الحاكم يبيح ما حكم له به، وإن كان غير مطابق للواقع.
"فقال له الرجل: لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك أردت بذلك الفراق، فقال عمر بن الخطاب: هو ما أردت" يعني الذي أردته ونويته هو الذي يقع؛ لأن الكنايات لا بد أن تقترن بنية الوقوع، بخلاف الصريح، الصريح لو تلفظ فقال: هي طالق، خلاص لو قال: ما أردت الطلاق، لو قال: طالق من وثاق، أو قال: أردت أن أقول طاهر، فقلت: طالق، هذا يقع، ما يحتاج إلى نية، ومعناه أنه يقع في الحكم الظاهر، أما بالنسبة لما بينه وبين ربه يدين.(97/18)
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن علي بن أبي طالب كان يقول في الرجل يقول لامرأته: أنت علي حرام: إنها ثلاث تطليقات" وهذا اللفظ إذا قاله الزوج لزوجته فيه خلاف طويل بين أهل العلم، بلغت الأقوال فيما ذكره القرطبي في سورة التحريم ثمانية عشر قولاً، لكن هي كناية، إن أراد بها الطلاق وقع الطلاق، وإن أراد الظهار وقع الظهار، وإن لم يرد شيئاً من ذلك فهي يمين، كفارتها كفارة اليمين {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [(1) سورة التحريم] ثم قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [(2) سورة التحريم] فهذا حكمه حكم اليمين "إنها ثلاث تطليقات".
"قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت في ذلك".
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول في الخلية والبرية: إنها ثلاث تطليقات" يعني مثل، كل واحدة منهما ثلاث تطليقات مثل، لكنها مع ذلك كناية الحكم فيها موقوف على نية المتكلم، على نية الزوج.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن رجلاً كانت تحته وليدة لقوم فقال لأهلها: شأنكم بها، فرأى الناس أنها تطليقة واحدة" يعني شأنكم بها خذوها، لكن مع ذلك هي كناية تحتاج إلى نية.
يعني شخص زوجته في النفاس فلما طهرت من نفاسها أحضرها أبوها أو أخوها إلى زوجها، فقال -ماناً على الزوج-: أرحناك من التعب، من تعب إحضارها، فقال: أبد، ارجع بها معك، يريد أن يدفع هذه المنة، هل يقع مثل هذا طلاق؟ لا يقع طلاق، لكن إن أراد بها، أرجع بها معك، فلا حاجة لي بها، وينوي بذلك الطلاق، طلاق، مثل شأنكم بها، كناية، تحتاج إلى نية.
قال: "وحدثني عن مالك أنه سمع ابن شهاب يقول في الرجل يقول لامرأته: برئت مني وبرئت منك: إنها ثلاث تطليقات بمنزلة " وهذه أيضاً كناية؛ لأن البراءة من أي متعلق بالنسبة لما بينهما من عقد قد تبرأ منه، برئت مني، في النفقة، وبرئت منك في الخدمة مثلاً، وتبقى علائق النكاح، بقيت لأنها كناية ليست صريحة في الطلاق، فتحتاج إلى نية تحدد المراد.(97/19)
"قال مالك في الرجل يقول لامرأته: أنت خلية أو برية أو بائنة: إنها ثلاث تطليقات للمرأة التي قد دخل بها" لأنها لا تبين إلا بالثلاث، وهذه الألفاظ تعطي البينونة، لا سيما مع النية "ويدين في التي لم يدخل بها" لأنها تكون خلية وبرية وبائنة بواحدة، إذا طلقت قبل الدخول، لا تحتاج إلى ثلاث، واحدة تبينها.
"أواحدة أراد أم ثلاثاً؟ فإن قال: واحدة أحلف على ذلك" هل يحتاج إلى أن يحلف، يعني لو قال: أنت خلية، قال: والله ما أردت إلا أنها خلية من الأمراض مثلاً، هل يقال له: أحلف أنك ما أردت إلى هذا أو يدين؟ يقبل قوله ويدين؟ أو أن الجادة أن من يقبل قوله لا بد أن يكون مع يمينه؟
لو قال الأب لولده: صليت؟ قال: نعم، هل يلزمه أن يقول: احلف؟ لا يلزمه، الإنسان مؤتمن على دينه، الإنسان مؤتمن، لا يلزم أن يحلف، وفي مثل هذه الصورة إذا كان ممن يقبل قوله في مثل هذا ويرجع فيه إلى نيته، هل يستحلف أو لا يستحلف؟ أو يفرق بين من يظن أن عنده شيء من التساهل ومن عنده شيء من التحري؟ لأن بعض الناس يسعى جاهداً، هو يحب زوجته حباً شديداً، ولا يريد وقوع الطلاق، لكنه في هذا الباب أشبه ما يكون بالموسوس، احتياطاً لدينه، فتجده يسأل عن كل شيء يتعلق بما سأله، سواءً كان مؤثر في الحكم أو غير مؤثر، مثل هذا لا يطلب منه يمين، لكن إذا ظهرت علامات التساهل والتراخي والتفريط قد يتجه القول باليمين.
"فإن قال واحدة أحلف على ذلك، وكان خاطباً من الخطاب" لأنها بانت منه "لأنه لا يخلي المرأة التي قد دخل بها زوجها ولا يبينها ولا يبريها إلا ثلاث تطليقات، والتي لم يدخل بها تخليها وتبريها وتبينها الواحدة".
"قال الإمام مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك" نعم.
أحسن الله إليك.
نعم، لحظة، لحظة.
طالب:. . . . . . . . .
واحدة أيوه، طلق ركانة زوجه، طلق زوجته.
طالب:. . . . . . . . .
كيف.؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو إلزام تعزير، يعني كأن الله -جل وعلا- جعل لك الخيرة فأسقطت هذه الخيرة، واجتهاد من عمر، وهو موفق، وله موافقات، ولذا وافقه جمهور أهل العلم، وخالفه من خالف، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما يبين من التمليك(97/20)
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رجلاً جاء إلى عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- فقال: يا أبا عبد الرحمن إني جعلت أمر امرأتي في يدها فطلقت نفسها، فماذا ترى؟ فقال عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: "أراه كما قالت" فقال الرجل: لا تفعل يا أبا عبد الرحمن، فقال ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: "أنا أفعل؟! أنت فعلته".
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: إذا ملّك الرجل امرأته أمرها فالقضاء ما قضت به إلا أن ينكر عليها، ويقول: لم أرد إلا واحدة فيحلف على ذلك، ويكون أملك بها ما كانت في عدتها".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما يبين من التمليك
الأصل أن الطلاق بيد الزوج، لكن لو جعله بيد الزوجة، لو جعله بيد أبيه، أو بيد ابنه، يعني وكل أمره إلى غيره في هذا، يعني فوض أمر الطلاق إلى غيره، وهنا فوض الأمر إلى الزوجة.
قال: "حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رجلاً جاء إلى عبد الله بن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن إني جعلت أمر امرأتي في يدها" ما الذي دعاه إلى ذلك؟ لعلها أقلقته، كل يوم تطلب الطلاق، أو كل يوم بينهم مشاكل، فقال لها: متى ما أردت الخروج اخرجي، ناوياً بذلك الطلاق، أو أمرك بيدك، أو طلقي نفسك إن شئت.(97/21)
"إني جعلت أمر امرأتي في يدها فطلقت نفسها، فماذا ترى؟ فقال عبد الله بن عمر: أراه كما قالت" خلاص، ما الذي أجبرك على أن تتنازل عن حق جعله الله لك "أراه كما قالت، فقال الرجل: لا تفعل يا أبا عبد الرحمن" لا تستعجل، لا تفعل، لا توقع الطلاق، من الذي أوقع الطلاق؟ ابن عمر أو الزوج أو الزوجة؟ الزوج الذي أوقع الطلاق، الزوج هو الذي أوقع الطلاق "قال الرجل: لا تفعل يا أبا عبد الرحمن" لا تستعجل، "فقال ابن عمر: "أنا أفعل؟! " يستنكر، أنا ما سويت شيء، أنا بينت لك الحكم "أنت فعلته" أنت الجاني على نفسك، تتنازل عن حق جعله الله لك، تتنازل لمخلوق ضعيف، لا يتحمل ما يتحمله الرجل في هذه المواقف، فتجد المرأة لأدنى سبب لو كان الأمر بيدها ما بقي –والله أعلم – ولا عقد صحيح، النساء يأتي عليهن أوقات ما في شك أنها سريعة التأثر، سريعة الغضب، العاطفة عندها جياشة، المقصود أنها لا تثبت مثل ثبات الرجل، ولذلك جعل الطلاق في يد الرجل.
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: إذا ملّك الرجل امرأته أمرها" قال: أمرك بيدك، ناوياً بذلك الطلاق "فالقضاء ما قضت به، إلا أن ينكر عليها، ويقول: لم أرد إلا واحدة" يعني إذا قال: أمرك بيدك، فقالت: طلقت نفسي ثلاثاً، الأمر كما جعل، فإن لم ينوِ شيئاً فقد جعل لها الأمر كل الأمر وهو الثلاث، "وإن قال: لم أرد إلا واحدة فيحلف على ذلك ويكون أملك بها ما كانت في عدتها" لأن جعل الطلاق في يد المرأة حكمه حكم الكناية، لو قال: أمرك بيدك، فقالت: طلقت نفسي، قال: أنا ما أردت طلاق، أمرك بيدك يعني إن شئت تذهبي إلى أهلك، إن شئت تذهبين إلى السوق، تذهبين إلى الجيران، تذهبين إلى المسجد، أمرك بيدك، ومثله: حبلك على غاربك، اذهبي إلى من شئت، ولم يرد بذلك طلاقاً، فإنه حينئذٍ لا يقع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . .
لا هم يقولون: ما دام في المجلس يكون الأمر بيده، وإذا فارقوا المجلس سيأتي شيئاً من هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(97/22)
لا هو في معاوضة؟ ما في معاوضة، ما قالت: طلقني أو أطلقك على مبلغ كذا هذا الخلع، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما يجب فيه تطليقة واحدة من التمليك
حدثني يحيى عن مالك عن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه أخبره أنه كان جالساً عند زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه-، فأتاه محمد بن أبي عتيق، وعيناه تدمعان، فقال له زيد: ما شأنك؟ " فقال: ملكت امرأتي أمرها ففارقتني، فقال له زيد: ما حملك على ذلك؟ قال القدر: فقال زيد: ارتجعها إن شئت فإنما هي واحدة، وأنت أملك بها".
وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رجلاً من ثقيف ملك امرأته أمرها فقالت: أنت الطلاق، فسكت، ثم قالت: أنت الطلاق، فقال: بفيك الحجر، ثم قالت: أنت الطلاق، فقال: بفيك الحجر، فاختصما إلى مروان بن الحكم فاستحلفه ما ملكها إلا واحدة، وردها إليه.
قال مالك: قال عبد الرحمن: فكان القاسم يعجبه هذا القضاء، ويراه أحسن ما سمع في ذلك.
قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك، وأحبه إلي.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما يجب فيه تطليقة واحدة من التمليك(97/23)
وهي في حالة ما إذا لم ينو أكثر من واحدة، أما إذا نوى أكثر من واحدة فهو على نيته، ولذا قال: "حدثني يحيى عن مالك عن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت عن خارجة بن زيد بن ثابت" خارجة من الفقهاء السبعة "أنه أخبره أنه كان جالساً عند زيد بن ثابت" عند أبيه "فأتاه محمد بن أبي عتيق، وعيناه تدمعان" يعني بعد الندم من وقوع ما يكرهان تدمع العين بعد ذلك، لكن لات ساعة مندم، الإنسان إذا استعجل في أمر له فيه فسحة لا بد أن يندم "فأتاه محمد بن أبي عتيق وعيناه تدمعان، فقال له زيد: ما شأنك؟ " يعني ما الخبر؟ "فقال: ملكت امرأتي أمرها ففارقتني، فقال له زيد: ما حملك على ذلك؟ قال: القدر" لأنه قد يحصل بين الزوجين من الحال والظرف الذي يقتضي إما كمال انبساط وأنس، ويريد أن يكرمها بمثل هذا، وأنه لا فضل له عليها، الفضل كان في الطلاق والآن تساويا، أو يكون في شقاء وملل لكن لا يريد أن يكون الفراق منه، نظراً لمكانة أهلها عنده، فيقول: أمرك بيدك، وينتظر الفرصة تسنح أن تطلق، المقصود أن هذا قد يقع وقد وقع، لكن ماذا عما لو قال: أمرك بيدك ما طلقت، طلق هو؟ يملك وإلا ما يملك؟ هذا الأمر الذي له ملكها إياه، هل يرجع إليها أو لا يرجع؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني ألغى الوكالة، ولو لم يعلم الموكل، يعني جعل الأمر إليها بالوكالة، يعني ما هو مثل الهبة يثبت بالقبض حكمه حكم الوكالة، فإذا ألغى هذا الذي وكلها فيه التغى ولو لم تعلم، ما يلزم علم الموكل، فإذا قالت: طلقتك، قال: لا، أنا ساحب الوكالة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف.
طالب:. . . . . . . . .
كل من يقبل قوله لا بد أن يكون مع يمينه، عمر -رضي الله عنه- استحلف عند الكعبة.
"فقال له زيد: ما حملك على هذا؟ قال: القدر، فقال: ارتجعها إن شئت فإنما هي واحدة وأنت أملك بها".(97/24)
أولاً: هذا لا بد فيه من نية الزوج حينما ملكها، هل ملكها واحدة أو ملكها البت طلاق البائن؟ وأيضاً ينظر في لفظ المرأة "فارقتني" ما يدرى على كم؟ والأصل بقاء النكاح، فلا تبين منه بمجرد المفارقة، لكن لما قالت: أنت الطلاق، أنت الطلاق، أنت الطلاق، قالت ثلاثاً، هذا أظهر في إرادة الثلاث، لا سيما وأن الطلاق بـ (أل) يطلق على ... ، وقد تكرر ثلاثاً؛ لأنها قالت: أنت الطلاق، أنت الطلاق، أنت الطلاق، الذي يغلب على الظن إرادتها البينونة، ومع ذلك اختصما إلى مروان فاستحلفه ما ملكها إلا واحدة، وردها إليه؛ لأن نيته أقوى من نيتها، وجانبه في هذا الباب أرجح من جانبها، يعني لو قالت: أنا نويت ثلاث، ملكني الطلاق ونويت ثلاث، الطلاق ثلاث، وقال: أنا ملكتها، لكن ما ملكتها إلا واحدة، القول قوله.
قال: "وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رجلاً من ثقيف ملك امرأته أمرها فقالت: أنت الطلاق، فسكت، ثم قالت: أنت الطلاق، فقال: بفيك الحجر، ثم قالت: أنت الطلاق فقال: بفيك الحجر، فاختصما إلى مروان بن الحكم فاستحلفه ما ملكها إلا واحدة، وردها إليه" لأن هنا تعارض أصل مع فرع، فالمقدم في هذا الأصل إلا أن يدعي الفرع دعوى ترجح جانبه، لو قال: ما أردت، ثم أحضرت ما يدل على إرادته، تمكينها من الطلاق البائن.
"قال مالك: قال عبد الرحمن: فكان القاسم يعجبه هذا القضاء، ويراه أحسن ما سمع في ذلك".
"قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك وأحبه إلي" نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما لا يبين من التمليك
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- أنها خطبت على عبد الرحمن بن أبي بكر قريبة بنت أبي أمية فزوجوه، ثم إنهم عتبوا على عبد الرحمن، وقالوا: ما زوجنا إلا عائشة، فأرسلت عائشة -رضي الله تعالى عنها- إلى عبد الرحمن فذكرت ذلك له، فجعل أمر قريبة بيدها، فاختارت زوجها فلم يكن ذلك طلاقاً.
وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورضي الله تعالى عنها- زوجت حفصة بنت عبد الرحمن المنذر بن الزبير، وعبدِ
وعبدُ.
أحسن الله إليك.(97/25)
وعبدُ الرحمن غائب بالشام، فلما قدم عبد الرحمن قال: ومثلي يصنع هذا به، ومثلي يفتات عليه، فكلمت عائشة المنذر بن الزبير فقال المنذر: فإن ذلك بيد عبد الرحمن، فقال عبد الرحمن: ما كنت لأرد أمراً قضيته، فقرت حفصة عند المنذر، ولم يكن ذلك طلاقاً.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- وأبا هريرة -رضي الله تعالى عنه- سئلا عن الرجل يملك امرأته أمرها، فترد ذلك إليه، ولا تقضي فيه شيئاً، فقالا: "ليس ذلك بطلاق".
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: إذا ملك الرجل امرأته أمرها فلم تفارقه، وقرت عنده فليس ذلك بطلاق.
قال مالك في المملكة إذا ملكها زوجها أمرها، ثم افترقا ولم تقبل من ذلك شيئاً، فليس بيدها من ذلك شيء وهو لها ما داما في مجلسهما.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما لا يبين من التمليك
يعني ما يبين الزوجة من زجها من تمليك الزوج لزوجته الطلاق.(97/26)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها خطبت على عبد الرحمن بن أبي بكر" يعني خطبت له، عبد الرحمن بن أبي بكر أخوها الذي أعمرها من التنعيم "خطبت على عبد الرحمن" يعني خطبت لأخيها عبد الرحمن "قريبة بنت أبي أمية فزوجوه" يعني إذا كانت الخاطبة والوسيط عائشة -رضي الله عنها- لا شك أنها تشفع في مثل هذا، ولذلك جاء في الحديث الذي يليه: إنا ما زوجنا إلا عائشة، ما زوجنا المنذر، زوجنا عائشة، وهذه تتردد على ألسنة أولياء الأمور بالنسبة للنساء، إذا خطب منهم من يستحق التقدير قالوا: من أجلك، أو كان والد مثلاً، أو والد الزوج ممن يستحق مثل هذا التقدير، قالوا: زوجنا الوالد، ما زوجنا الولد، أو كانت الأم معروفة بصالحها قالوا: والله ما زوجناه إلا علشان أمه، كل هذا في عصرنا لا يصلح، يعني في عصور مضت الأمور متقاربة، تجد الولد قريب من أبيه، والبنت قريبة من أمها، لكن في عصرنا فيه التباين، كثيراً ما يقال: فلان بن حمولة، يعني ما يبور، ما يختلف عنهم في الغالب، ويزوج على هذا الأساس ولا يسأل عنه، أما في عصرنا هذا ما في تناسب بين الوالد وولده، تجد التباين، إما أن يكون الأب أفضل من ولده بمراحل، أو العكس، فلا يقاس أحد على أحد؛ لأن المؤثرات حالت بين مراد الآباء وأبنائهم.
فالمقصود أن مثل هذا لا يمشي في وقتنا، والله إننا مزوجينها العبد الصالح الوالد، لكن الوالد هو الذي بيعاشر البنت هو اللي بيتعامل مع البنت؟ لا، احتمال أن يأخذها الولد ولا يراها الوالد مرة ثانية، فأنت تزوج الولد هل هو كفؤ وإلا لا؟(97/27)
"فزوجوه، ثم إنهم عتبوا على عبد الرحمن بن أبي بكر، وقالوا: ما زوجنا إلا عائشة" القصد عبد الرحمن ما زوجناه، ما زوجنا إلا عائشة "فأرسلت عائشة إلى أخيها عبد الرحمن فذكرت ذلك له، فجعل أمر قريبة بيدها" هو لما سمع هذا الكلام: ما زوجنا إلا عائشة، يعني أنف من البقاء معها مكرهاً لها، ما دام ما زوج من أجله فتكون المسألة عدم الرغبة موجودة، ما دام ما زوجوه من أجله فالرغبة فيه قليلة، وما دام الأمر ذلك من الطرف الثاني، فليكن الأمر كذلك من الطرف الأول " فجعل أمر قريبة بيدها " قال: قريبة تصنع ما شاءت، إن اختارتني بقيت، وإن اختارت أهلها تذهب " فاختارت زوجها فلم يكن ذلك طلاقاً " اختارت زوجها.
قال: "وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورضي الله عنها- زوجت حفصة بنت عبد الرحمن" عبد الرحمن بن أبي بكر، الخبر السابق، "زوجت حفصة بنت عبد الرحمن المنذر بن الزبير بن العوام" ابن أختها أسماء، فتكون حفصة بنت عبد الرحمن بالنسبة للمنذر بن الزبير ابنة خالها، وهو ابن عمتها.
"وعبدُ الرحمن غائب بالشام" كيف زوجت وعبد الرحمن غائب بالشام؟ أبوها غائب بالشام؟ يعني تولت العقد، أو أنها وفقت بينهما وتولاه الرجال؟ نعم هذا الذي ظهر "وعبد الرحمن غائب بالشام" ويدل عليه النصوص التي تدل على أنه لا بد من الولي "وعبد الرحمن غائب بالشام، فلما قدم عبد الرحمن قال: ومثلي يصنع هذا به؟ " تزوج بنته من غير علمه؟! ومثلي يفتات عليه؟! "فكلمت عائشة المنذر بن الزبير" الخال غير راضي بزواجك من بنته؛ لأنا ما أخذنا رأيه قبل ذلك "فقال المنذر: فإن ذلك بيد عبد الرحمن، إن شاء أخذ ابنته، وإن شاء ردها إلي، فقال عبد الرحمن: ما كنت لأرد أمراً قضيته" يعني تقديراً لأخته أم المؤمنين، فقرت حفصة عند المنذر، ولم يكن ذلك طلاقاً، وقد جعل الأمر بيد أبيها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
عبد الرحمن بن القاسم القاسم بن محمد بن أبي بكر عن أبيه محمد بن أبي بكر عن عائشة، أو أن عائشة، يحتمل الاتصال والانقطاع محتمل، المعاصرة موجودة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
افتيات على الأب؟(97/28)
طالب:. . . . . . . . .
هذا تصرف يعني أشبه ما يكون بالفضولي يرجع فيه إلى رضاه فيما بعد.
وعائشة الذي يغلب على الظن أنها في مثل هذه التصرفات كأنها ضامنة للأمر أنهم لن يخرجوا عن مرادها، ومع ذلك الولي لا يفتأت عليه.
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر وأبا هريرة سئلا عن الرجل يملك امرأته أمرها فترد ذلك إليه" لا تقبل، إذا لم تقبل ما صار شيء، كأن شيئاً لم يكن "ولا تقضي فيه شيئاً فقالا: "ليس ذلك بطلاق".
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: "إذا ملك الرجل امرأته أمرها" يعني وجعل الطلاق بيدها "فلم تفارقه وقرت عنده فليس ذلك بطلاق".
"قال مالك في المملكة إذا ملكها زوجها أمرها، ثم افترقا ولم تقبل من ذلك شيئاً، فليس بيدها من ذلك شيء وهو لها ما داما في مجلسها" يعني التمليك هذا بمجرد المجلس، ولا يقال: إنها بعد سنين تملك أمرها وتطلقه بعد ذلك، والأولى في مثل هذا أن يرد ما ملكها إياه صراحة، قال: ترى ما صار شيء، خلاص الأمر بيدي أنا، رجعت.
في الصورة السابقة أم المؤمنين زوجت بنت أخيها ابن أختها، وأخوها غائب ولي الأمر، فهل يصلح مثل هذا التصرف من غير أم المؤمنين؟ يعني هل للأخت ولو كانت أكبر من أخيها أن تزوج بنت أخيها لولد أختها أو لغيره من سائر الناس؟ لا شك أن هذا افتئات على ولي الأمر ولا يصح، لكن هي تصرفت باعتبار أنها ضامنة، وحصل الأمر كما تصورت، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(97/29)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح الموطأ - كتاب النكاح والطلاق (5)
باب: الإيلاء - باب: إيلاء العبد - باب: ظهار الحر - باب: ظهار العبيد - باب: ما جاء في الخيار.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: إذا خطبت الفتاة وبها مس فهل على وليها أن يخبر خاطبها أم يسكت ولا يخبر بذلك؟
هذا يسأل نفسه إن كان يقبل مثل هذا فليس بعيب، ولا إخاله يقبل، إذن لا بد من الإخبار بذلك، لا بد أن يخبر بأن بها مس.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا أجمعين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الإيلاء
حدثني يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه كان يقول: "إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه طلاق، وإن مضت الأربعة الأشهر حتى يوقف، فإما أن يطلق وإما أن يفيء".
قال مالك: وذلك الأمر عندنا.
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبدَ الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يقول.
عن عبدِ الله.
عن عبدِ الله بن عمر -رض ي الله عنهما- أنه كان يقول: "أيما رجل آلى من امرأته فإنه إذا مضت الأربعة الأشهر وقف حتى يطلق أو يفيء، ولا يقع عليه طلاق إذا مضت الأربعة الأشهر حتى يوقف".
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب ...
أن.
أن سعيد بن المسيب وأبا بكر بن عبد الرحمن كانا يقولان في الرجل يولي من امرأته: إنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة، ولزوجها عليها الرجعة ما كانت في العدة.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن مروان بن الحكم كان يقضي في الرجل إذا آلى من امرأته، أنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة، وله عليها الرجعة ما دامت في عدتها.
قال مالك: وعلى ذلك كان رأي ابن شهاب.
قال مالك في الرجل يولي من امرأته فيوقف فيطلق عند انقضاء الأربعة الأشهر، ثم يراجع امرأته: إنه إن لم يصبها حتى تنقضي عدتِها فلا سبيل له إليها ...
عدتُها.(98/1)
حتى تنقضي عدتُها فلا سبيل له إليها، ولا رجعة له عليها، إلا أن يكون له عذر من مرض، أو سجن، أو ما أشبه ذلك من العذر، فإن ارتجاعه إياها ثابت عليها، فإن مضت عدتها ثم تزوجها بعد ذلك فإنه إن لم يصبها حتى تنقضي الأربعة الأشهر وقف أيضاً، فإن لم يفئ دخل عليه الطلاق بالإيلاء الأول، إذا مضت الأربعة الأشهر، ولم يكن له عليها رجعة؛ لأنه نكحها ثم طلقها قبل أن يمسها، فلا عدة له عليها ولا رجعة.
قال مالك في الرجل يولي من امرأته فيوقف بعد الأربعة الأشهر فيطلق ثم يرتجع ولا يمسها فتنقضي أربعة أشهر قبل أن تنقضي عدتُها إنه يوقف ولا يقع عليه طلاق، وإنه إن أصابها قبل أن تنقضي عدتِها ...
عدتُها
عدتُها كان أحق بها، وإن مضت عدتها قبل أن يصيبها فلا سبيل له إليها، وهذا أحسن ما سمعت في ذلك.
قال مالك في الرجل يولي من امرأته ثم يطلقها فتنقضي الأربعة الأشهر قبل انقضاء عدة الطلاق قال: هما تطليقتان إن هو وقف ولم يفئ، وإن مضت عدة الطلاق قبل الأربعة الأشهر فليس الإيلاء بطلاق، وذلك أن الأربعة الأشهر التي كانت توقف بعدها مضت، وليست له يومئذٍ بامرأة.
قال مالك: ومن حلف أن لا يطأ امرأته يوماً أو شهراً، ثم مكث حتى ينقضي أكثر من الأربعة الأشهر، فلا يكون ذلك إيلاء، وإنما يوقف في الإيلاء من حلف على أكثر من الأربعة الأشهر، فأما من حلف أن لا يطأ امرأته أربعة أشهر أو أدنى من ذلك فلا أرى عليه إيلاء؛ لأنه إذا دخل الأجل الذي يوقف عنده خرج من يمينه، ولم يكن عليه وقف.
قال مالك: من حلف لامرأته أن لا يطأها حتى تفطم ولدها، فإن ذلك لا يكون إيلاء، وقد بلغني أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- سئل عن ذلك فلم يره إيلاء.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الإيلاء(98/2)
وهو الحلف، حلف الزوج أن لا يطأ زوجته مدة تزيد على أربعة أشهر، مدة التربص أربعة أشهر فيوقف، إما أن يفيء ويرجع أو يطلق، وهل تحصل الفرقة بمجرد مضي الأربعة، أو لا بد من أن يحكم بها حاكم بعد طلب المرأة؟ أما ما دون الأربعة أشهر، أربعة أشهر فما دون فليس بإيلاء، وعند جمع من أهل العلم أن المرأة ليس لها أن تطالبه بالاستمتاع فيما دون أربعة أشهر، ويوجبون عليه الاستمتاع هذه المدة، وأما أقل منها فلا يوجب عليه، يعني ما الذي يلزم الزوج تجاه زوجته من المعاشرة من الجماع؟ هل يلزمه كل ليلة؟ هل يلزمه كل أسبوع؟ كل شهر؟ جمع من أهل العلم يحدون ذلك بالأربعة الأشهر التي هي مدة الإيلاء {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [(226) سورة البقرة] هذا الحد الذي جاء التنصيص عليه في كتاب الله، ومنهم من يقول: ليس له حد معين، بل متى احتاجت وتشوفت إلى غيره يلزمه أن يعفها، وإذا عجز عن ذلك فإن لها أن تطالب وتفسخ، والفرق بين ما دون الأربعة أشهر وما فوق الأربعة أشهر أن ما دون الأربعة أشهر إذا طالبت بالفسخ تخالع، ما فوق الأربعة أشهر إذا طالبت بالفسخ فإنه لا يلزمه الفسخ من دون مقابل.
يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثني يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد -الصادق- عن أبيه" محمد بن علي بن الحسين الباقر "عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول: إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه طلاق، وإن مضت الأربعة الأشهر حتى يوقف" يستدعى من قبل الحاكم، فإما أن يفيء، وإما أن يطلق، "حتى يوقف فإما أن يطلق وإما أن يفيء".
"قال مالك: وذلك الأمر عندنا" لو افترضنا أن المرأة ما طالبت، حلف أن لا يطأ خمسة أشهر، ستة أشهر، ولا طالبت المرأة، هو لا يقع شيء لكن يلزمه أن يفيء، يلزمه أن يرجع، يجب عليه أن يرجع، ويفيء، والنبي -عليه الصلاة والسلام- آلى من نسائه شهراً، فما دون الأربعة أشهر لا يلزم به شيء، إلا أن المرأة إذا كانت لا تطيق الصبر مدة معينة لو قلت عن الأربعة أشهر فإنه يلزمه أن يفي بحاجتها بحيث لا يتركها تتطلع وتتشوف إلى الرجال، فهذا ما يراه جمع من أهل التحقيق.
طالب:. . . . . . . . .(98/3)
دون الأربعة أشهر لا بد من خلع، ما يطلقها إلا بخلع دون الأربعة أشهر؛ لأن مدة التربص منصوص عليها بالقرآن أربعة أشهر، لكن أكثر من أربعة أشهر بدون خلع، خلاص إذا لم يفئ تفسخ منه.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لا بد من حلف، إيش معنى الإيلاء؟ الإيلاء هو الحلف، إذا حلف أن لا يطأ زوجته، لكن لو امتنع من وطئها من دون حلف، امتنع من وطئها سنة سنتين ثلاث، هذا لا يسمى إيلاء، ولا يلزمه أن يفيء إلا بطلب، بدعوى عليه من الزوجة إلى الحاكم فإذا ألزمه الحاكم إما أن يطأ أو يفسخ.
"قال مالك: وذلك الأمر عندنا".
"وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: أيما رجل آلى من امرأته فإذا مضت الأربعة الأشهر يوقف حتى يطلق أو يفيء، ولا يقع عليه طلاق" يعني إذا مضت الأربعة الأشهر حتى يوقف
يعني بمجرد مضي الأربعة أشهر لا يحصل طلاق.
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيب وأبا بكر بن عبد الرحمن كانا يقولان في الرجل يولي من امرأته: إنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة، ولزوجها عليها الرجعة" يعني طلقة رجعية "ما كانت في العدة" يعني الطلاق على هذا القول عند سعيد وعند أبي بكر بن عبد الرحمن وهما معروفان من الفقهاء السبعة، الطلاق من الحلف وإلا من تمام الأربعة؟ يقول: إنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة، يعني من مضي الأربعة الأشهر، يعني ولو لم يوقف، ولو لم يطلق، وهذا بخلاف ما تقدم.
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن مروان بن الحكم كان يقضي في الرجل إذا آلى من امرأته أنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة، وله عليها الرجعة ما دامت في عدتها".
"قال مالك: وعلى ذلك كان رأي ابن شهاب" يعني يجتمع في هذا سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن ومروان بن الحكم وابن شهاب الزهري، كلهم يرونه تطليقة بخلاف ما تقدم عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر أنه لا يعد طلاق حتى يوقف، فإن طلق ثبت الطلاق، وإن رجع وفاء فإن ذلك لا يضره -إن شاء الله تعالى-.(98/4)
"قال مالك في الرجل يولي من امرأته فيوقف" يعني على القول الأول، يولي من امرأته أربعة أشهر فما فوق، فوق الأربعة أشهر، فيوقف عند الحاكم، فيطلق عند انقضاء الأربعة الأشهر، ثم يراجع امرأته "أنه إن لم يصبها حتى تنقضي عدتُها" يوقف فيطلق عند انقضاء الأربعة، الآن صار طلاق "ثم يراجع امرأته أنه إن لم يصبها حتى تنقضي عدتُها فلا سبيل له عليها، ولا رجعة له عليها" لماذا لم يطأ حتى انقضت العدة؟ يقول: "في الرجل يولي من امرأته فيوقف، فيطلق عند انقضاء الأربعة الأشهر" هذا ماشي على القول الأول، ثم يراجع امرأته يعني بعد الطلاق طلقة رجعية، أنه إن لم يصبها حتى تنقضي عدتُها، بالعدد المعروفة، إن كانت حامل ففي وضع الحمل، وإن كانت ذات أقراء فبثلاثة أقراء، وإن كانت آيسة أو صغيرة فبثلاثة أشهر ... إلى آخره.(98/5)
"أنه إن لم يصبها حتى تنقضي عدتُها فلا سبيل له عليها" هو راجعها، ثم يراجع امرأته، طلق عند انقضاء الأربعة الأشهر، ثم راجع أنه إن لم يصبها حتى تنقضي عدتُها فلا سبيل له عليها، ولا رجعة له عليها، لماذا؟ لأن اليمين ما زالت منعقدة، يمين الإيلاء ما زالت منعقدة، والفيئة إنما تكون بالوطء، والوطء ما حصل، يمين الإيلاء ما زالت منعقدة، ثم يراجع امرأته "أنه إن لم يصبها حتى تنقضي عدتُها فلا سبيل له إليها، ولا رجعة له عليها، إلا أن يكون له عذر يمنعه من الوطء" يعني "من مرض، أو سجن، أو ما أشبه ذلك، من العذر، فإن ارتجاعه إياها ثابت عليها" يعني إذا وجد مانع، إذا لم يوجد مانع عرفنا أنه ماض على يمينه، إذ لو لم يكن ثابتاً على يمينه -يمين الإيلاء- لوطئ، فاء بالوطء، لكن لما لم يطأ عرفنا أنه ثابت على يمينه بالإيلاء، إلا أن يكون له عذر، يتمنى أن يطأ ولا يحصل له "من مرض، أو سجن، أو ما أشبه ذلك من العذر فإن ارتجاعه إياها ثابت عليها، فإن مضت عدتها ثم تزوجها بعد ذلك" فإن مضت عدتها الآن لا رجعة له عليها، لا رجعة إلا بعقد جديد، يخطبها من جديد، كالمطلقة الرجعية إذا انتهت عدتها تكون بائنة بينونة صغرى، يكون كأسوة الخطاب "فإن مضت عدتها ثم تزوجها بعد ذلك، فإن لم يصبها حتى تنقضي الأربعة الأشهر وقف أيضاً" مضت عدتها، وخطبها من جديد، وتزوجها بعد ذلك "فإن لم يصبها حتى تنقضي الأربعة أشهر" يعني ما زال حكم الإيلاء سار إلى الآن؛ لأنه لم يطأ، الرجعة لا يثبتها إلا الوطء، الفيئة لا يثبتها إلا الوطء، وما زال حكم الإيلاء سار وثابت بعد النكاح الجديد، حتى بعد النكاح الجديد؛ لأنه على يمينه الأول، نفترض أنه آلى أن لا يطأ امرأته سنة كاملة، لما مضت الأربعة أشهر وقف وطلق، وبعد الطلاق راجع، ثم انتهت عدتها قبل أن يطأ، عرفنا أنه ما زال مصراً على يمينه، ثم تزوجها وعقد عليها عقداً جديداً فإذا بقي بعد ذلك أربعة أشهر عرفنا أنه ما زال على إيلائه فيوقف حينئذٍ، فإن لم يفئ دخل عليه الطلاق بالإيلاء الأول، إذا مضت الأربعة الأشهر، ولم يكن له عليها رجعة؛ لأنه نكحها ثم طلقها قبل أن يمسها، الآن نكحها النكاح الثاني بعد انقضاء عدتها نكحها، بعد(98/6)
انقضاء، ثم بعد ذلك أمسك عن وطئها، حتى انقضت الأربعة أشهر، تبينا بذلك أنه مازال على إيلائه السابق؛ لأن الإيلاء لا ينقطع إلا بالوطء، بالفيئة، الآن ثبت الطلاق بعد الأربعة أشهر، بعد العقد الجديد، ولم يدخل بها، إذن لا سلطان له عليها، خلاص معناه أنه طلقها قبل الدخول، وهذا جارٍ على قول أن الطلاق يحصل بمجرد مضي الأربعة الأشهر "ولم يكن له عليها رجعة؛ لأنه نكحها ثم طلقها قبل أن يمسها، فلا عدة له عليها ولا رجعة".
"قال مالك في الرجل يولي من امرأته فيوقف بعد الأربعة الأشهر فيطلق ثم يرتجع ولا يمسها فتنقضي أربعة أشهر قبل أن تنقضي عدتها" نعم فيوقف فيطلق عند انقضاء الأربعة أشهر، يعني هو مشى على القولين، سواءً حصل الطلاق أو لم يحصل؛ لأنه طلاق طلاق، سواءً أوقف وطلق أو لم يوقف ولم يطلق، يعني جمع بين القولين.
طالب:. . . . . . . . .
إي نعم أنا أقول لك: جمع بين القولين، فجرى على القول الأول، على قول علي وابن عمر في قوله: فيوقف فيطلق، يعني لو حصل هذا، وقف عند قاضٍ يرى أنه لا بد من الإيقاف والتطليق وطلق، القول الثاني: مضت عند قاضٍ لا يرى الإيقاف ولا التطليق، أو هو الإمام مالك كأنه يستروح إلى هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما دام وجد الإيلاء في أول الأمر، نستصحب حكمه حتى يفيء.
طالب:. . . . . . . . .
لا، أقل من أربعة أشهر هذا لا يعتبر.
طالب:. . . . . . . . .
إي أنت تريد أن الطلاق والرجعة تلغي الإيلاء الأول، كأنه ...
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما تلغي، طيب.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو ما زال يتمدد تلقائياً، إيه؛ لأنه ما زال على يمينه، ولا ينقض اليمين إلا الفيئة.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لا بد من هذا.
"قال مالك في الرجل يولي من امرأته فيوقف بعد الأربعة الأشهر فيطلق ثم يرتجع ولا يمسها فتنقضي أربعة أشهر قبل أن تنقضي عدتها: إنه لا يوقف ولا يقع عليه طلاق" هذه المسألة تحتاج إلى انتباه.
في الرجل يولي من امرأته فيوقف بعد الأربعة الأشهر فيطلق ثم يرتجع ولا يمسها فتنقضي أربعة أشهر قبل أن تنقضي عدتها، يعني هي ما زالت في العدة تنقضي أربعة أشهر، قبل أن تنقضي عدتها، إنه لا يوقف، نعم؟(98/7)
طالب:. . . . . . . . .
إي بعدة تطول كالحمل مثلاً.
"فتنقضي أربعة أشهر قبل أن تنقضي عدتها: إنه لا يوقف" لأنه ما زالت في العدة "ولا يقع عليه طلاق، وإن أصابها قبل أن تنقضي عدتُها كان أحق بها، وإن مضت عدتها قبل أن يصيبها فلا سبيل له إليها، وهذا أحسن ما سمعت في ذلك".
"قال مالك في الرجل يولي من امرأته ثم يطلقها فتنقضي الأربعة الأشهر قبل انقضاء عدة الطلاق، قال: هما تطليقتان".
"قال مالك في الرجل يولي من امرأته ثم يطلقها" مضي الأربعة أشهر تطليقة ولو لم يطلق بالإيلاء، والطلاق الذي نطق به تطليق ثاني "قال في الرجل يولي من امرأته ثم يطلقها فتنقضي الأربعة الأشهر قبل انقضاء عدة الطلاق قال: هما تطليقتان إن هو وقف ولم يفئ" يعني استمر على يمينه، وإن مضت عدة الطلاق قبل الأربعة الأشهر فليس الإيلاء بطلاق، انقضت عدتها قبل الأربعة أشهر فليس الإيلاء بطلاق، وذلك أن الأربعة الأشهر التي كانت توقف بعدها مضت، وليست له يومئذٍ بامرأة؛ لأن له أن يولي أقل من أربعة أشهر، له أن يولي ثلاثة أشهر فطلق، آلى منها ثم طلقها، فانقضت عدتها قبل مضي الأربعة أشهر فوقع الطلاق قبل ترتب حكم الإيلاء عليه، فانتهت عدتها، فليست له حينئذٍ من امرأة؛ لأنها بانت منه، وحكم الإيلاء لا يثبت إلا بعد الأربعة أشهر.(98/8)
"قال مالك: ومن حلف أن لا يطأ امرأته يوماً أو شهراً، ثم مكث حتى ينقضي أكثر من الأربعة الأشهر فلا يكون ذلك إيلاء" حتى يحلف أكثر من أربعة أشهر، أما إذا حلف شهراً فهذا فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يكن إيلاء، حلف يوماً هذا ليس بإيلاء، وما بعد المدة ولو زادت على الأربعة أشهر لا يتناولها حكم اليمين فليس بإيلاء "وإنما يوقف في الإيلاء من حلف على أكثر من الأربعة الأشهر، فأما من حلف أن لا يطأ امرأته أربعة أشهر أو أدنى من ذلك فلا أرى عليه إيلاء" إنما الإيلاء ما زاد على ثلاثة أشهر، لماذا؟ الآية فيها تربص أربعة أشهر، فإن فاءوا دل على أن الأربعة له الفيئة وله الرجعة، فلا يثبت حكم الإيلاء إلا بما زاد على ذلك "فلا أرى عليه إيلاء؛ لأنه إذا دخل الأجل الذي يوقف عنده خرج من يمينه، ولم يكن عليه وقف" الأربعة أشهر تمت، فانتهى حكم الإيلاء، لكن إن استمر بعدها يشمله حكم الإيلاء أو لا يشمله؟ لا يشمله؛ لأنه لا يوقف بعد الأربعة أشهر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما يحتاج فيئة الشهر، ما يحتاج فيئة، ما وطئها، افترض أنه ما حلف ولا آلى ولا سوى شيء، ومكث سنة ما وطئ امرأته، يعني أقل من أربعة أشهر وجوده مثل عدمه اليمين، فكأنه ما حلف؛ لأن له أن يفعل ذلك.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، انتهى حكمه بمضي مدته، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا من اليمين، من انعقاد اليمين، هو تربص أربعة أشهر، يعني من انعقاد اليمين، من امتناعه.
طالب:. . . . . . . . .(98/9)
لا، تحسب، اليمين ما له ارتباط بالحيض، إلا إذا قلنا: إنها تطلق عليه بمجرد مضي المدة، ثم رجعنا إلى قاعدة: العبرة بالحال أو بالمآل، فإن كانت وقت الإيلاء حائض، أو وقت انقضاء المدة حائض عند من لا يرى طلاق الحائض وقلنا: إنه طلاق بمجرده من غير إيقاف، قلنا: إنه طلق امرأته وهي حائض، فإما باعتبار الحال وقت الحلف أو باعتبار المآل، والأكثر على اعتبار الحال؛ لأن سبب الوجود منعقد، مثال ذلك: لو حلف أقسم يمين منعقدة تلزم الكفارة بالحنث فيها، أقسم قبل التكفير، أقسم على شيء قبل التكليف، وهو صبي، ثم حنث بعد البلوغ تلزمه كفارة وإلا ما تلزمه؟ ما تلزمه؛ لأن العبرة بالحال ليست العبرة بالمآل، ومن مسائل هذه القاعدة: أن من أحرم بعمرة في آخر ساعة من شعبان، وأدى العمرة في رمضان، عمرته شعبانية، ليست في رمضان؛ لأن العبرة بالحال، وقل مثل هذا: لو أحرم بالعمرة في آخر ساعة من رمضان، وقضاها يوم العيد أو بعد يوم العيد عمرته رمضانية لأن العبرة بالحال.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني قبل التكليف، يعني قبل أن يسلم ((أوف بنذرك)) لأن هذا نذر تبرر، ينفع ولا يضر، نذر أن يصوم يصوم.
طالب:. . . . . . . . .
لا يقع بمفرده، لا بد من الإيقاف، ولا بد أن يحكم به حكم حاكم.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا بد أن يطلق، وإن عزموا الطلاق
طالب:. . . . . . . . .
لا ليس بفسخ.
"قال مالك: من حلف لامرأته أن لا يطأها حتى تفطم ولدها" هو يعرف أنها لن تفطم ولدها إلا بعد سنة، فكأنه حلف أن لا يطأها مدة سنة، فهذا إيلاء فأكثر، لكن ننظر إلى العلة.
"قال مالك: من حلف لامرأته أن لا يطأها حتى تفطم ولدها فإن ذلك لا يكون إيلاءً، وقد بلغني أن علي بن أبي طالب سئل عن ذلك فلم يره إيلاء" لماذا؟ لأنه لم يقصد الإضرار بالمرأة، وإنما قصد مصلحة الولد على ما سيأتي في الغيلة.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: إيلاء العبد
حدثني يحيى عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن إيلاء العبد فقال: هو نحو إيلاء الحر، وهو عليه واجب، وإيلاء العبد شهران.(98/10)
ما تقدم هو بالنسبة للحر يتربص أربعة أشهر، إن رجع فلا شيء عليه إلا كفارة اليمين، وإن لم يرجع فيلزم بالطلاق، أما بالنسبة للعبد فمثل إيلاء الحر، والأحكام المترتبة على إيلاء الحر تترتب على إيلاء العبد يعني إذا تزوج إلا أن المدة على النصف، شهران بدل أربعة أشهر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
التنصيف؟
طالب:. . . . . . . . .
التنصيف فيما يتعلق بالمرأة له حكمه، وما يتعلق بالرجل له حكمه، لكن لو قدر أنهما كلاهما من العبيد، التنصيف مطرد، لكن لو قدر أن أحدهما حر، والثاني عبد فيما يتعلق بالزوج، في أحكام الزوج إذا كان عبداً على النصف، والزوجة إن كانت حرة كاملة أحكامها، يعني عدتها كاملة، وتطليقه ناقص، وأيضاً فيما يتعلق، العكس لو كان الزوج هو الحر والزوجة أمة ما يتعلق بها، تعامل معاملة الإماء، وما يتعلق به يعامل معاملة الأحرار، لو كان إيلاؤه ما يتعلق به، لا ما يتعلق بالمرأة، الأحكام المترتبة عليه أحكام العبيد، والأحكام المترتبة عليها يعني عدتها عدة حرة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
إي تطليقتان، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ظهار الحر
حدثني يحيى عن مالك عن سعيد بن عمرو بن سليم الزرقي أنه سأل القاسم بن محمد عن رجل طلق امرأة إن هو تزوجها، فقال القاسم بن محمد: إن رجلاً جعل امرأة عليه كظهر أمه إن هو تزوجها، فأمره عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إن هو تزوجها أن لا يقربها حتى يكفر كفارة المتظاهر.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رجلاً سأل القاسم بن محمد وسليمان بن يسار عن رجل تظاهر من امرأته قبل أن ينكحها فقالا: إن نكحها فلا يمسها حتى يكفر كفارة المتظاهر.
وحدثني عن مالك عن شهاب بن عروة عن أبيه ...
عن إيش؟
عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال في رجل تظاهر من أربعة نسوة له بكلمة واحدة: إنه ليس عليه إلا كفارة واحدة.
وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن مثل ذلك.(98/11)
قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا، قال الله تعالى في كفارة المتظاهر: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} [(3) سورة المجادلة] {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [(4) سورة المجادلة].
قال مالك في الرجل يتظاهر من امرأته في مجالس متفرقة، قال: ليس عليه إلا كفارة واحدة، فإن تظاهر ثم كفر، ثم تظاهر بعد أن يكفر، فعليه الكفارة أيضاً.
قال مالك: من تظاهر من امرأته ثم مسها قبل أن يكفر ليس عليه إلا كفارة واحدة، ويكف عنها حتى يكفر، وليستغفر الله، وذلك أحسن ما سمعت.
قال مالك: والظهار من ذوات المحارم من الرضاعة والنسب سواء.
قال مالك: وليس على النساء ظهار.
قال مالك في قول الله -تبارك وتعالى-: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [(3) سورة المجادلة] قال: سمعت أن تفسير ذلك أن يتظاهر الرجل من امرأته، ثم يجمع على إمساكها، وإصابتها، فإن أجمع على ذلك فقد وجبت عليه الكفارة، وإن طلقها ولم يجمع بعد تظاهره منها على إمساكها وإصابتها فلا كفارة عليه.
قال مالك: فإن تزوجها بعد ذلك لم يمسها حتى يكفر كفارة المتظاهر.
قال مالك في الرجل يتظاهر من أمته: إنه إن أراد أن يصيبها فعليه كفارة الظهار قبل أن يطأها.
قال مالك: لا يدخل على الرجل إيلاء في تظاهره، إلا أن يكون مضاراً لا يريد أن يفيء من تظاهره.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أنه سمع رجلاً يسأل عروة بن الزبير عن رجل قال لامرأته: كل امرأة أنكحها عليك ما عشت فهي علي كظهر أمي، فقال عروة بن الزبير: يجزيه عن ذلك عتق رقبة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ظهار الحر(98/12)
الظهار هو تشبيه الزوجة بظهر أمه، أو بأمه، أو بأي عضو ممن يحرم عليه تحريماً مؤبداً، وهو محرم، وهو منكر من القول وزور، لا يجوز، لكن إذا حصل فالكفارة، كفارة الظهار منصوص عليها في سورة المجادلة من القرآن الكريم، عتق رقبة من قبل أن يتماسا، أو صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، إن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، وفي حكمه من جامع زوجته في نهار رمضان، عليه كفارة ظهار.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن سعيد بن عمرو بن سليم الزرقي أنه سأل القاسم بن محمد عن رجل طلق امرأته إن هو تزوجها" طلق امرأة إن تزوجها، يعني طلق قبل، قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق "فقال القاسم بن محمد: إن رجلاً جعل امرأة عليه كظهر أمه إن هو تزوجها، فأمره عمر إن هو تزوجها أن لا يقربها حتى يكفر كفارة المتظاهر" يعني الظهار أوقعه عمر قبل الزواج، فهل يقع الطلاق قبل الزواج أو لا يقع؟ الآن سعيد بن عمرو بن سليم الزرقي سأل القاسم بن محمد، وهو من الفقهاء السبعة، عن رجل طلق امرأة إن هو تزوجها، يقع الطلاق أو لا يقع؟ فأجاب القاسم بإيقاع عمر الظهار قبل الزواج، فهذا دليل على أنه يقع.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هو الآن جعل القاسم بن محمد دليله على الوقوع إيقاع عمر الظهار وهو أشد، فسأل القاسم بن محمد عن رجل طلق امرأة إن هو تزوجها، فقال القاسم بن محمد: إن رجلاً جعل امرأة عليه كظهر أمه إن هو تزوجها، فأمره عمر بن الخطاب إن هو تزوجها أن لا يقربها حتى يكفر كفارة المتظاهر.
فاستدل بفعل عمر على الإيقاع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش الفرق؟ هو إذا لم نوقع الطلاق وقلنا: إنه أوقعه على غير محل قابل فالظهار مثله، منكر، إما يستغفر ويتوب ويعزر، لكن ما له علاقة بامرأة لا سلطان له عليها، إذا أردنا أن لا نوقع الطلاق فلا نوقع الظهار، وإن أوقعنا الظهار أوقعنا الطلاق، المسألة واحدة، ولذلك القاسم لما سئل عن الطلاق أجاب بإيقاع عمر الظهار، فيرى أنه يقع.(98/13)
الأصل أن المسألتين، سواءً كانت في الطلاق أو في الظهار، وقعتا على محل غير قابل، يعني أنت افترض أن شخصاً طلق امرأته طلقة واحدة، فلما انقضت عدتها طلقها ثانية، يقع وإلا ما يقع؟ ما يقع ليست بزوجة له، وهذا بعد الانفصال، يعني بعد تمام العدة لا يقع، إذن قبل العقد يقع وإلا ما يقع؟ مقتضى ذلك أنه لا يقع؛ لأنه لم يقع على محل قابل، كتطليقه امرأة الجيران، أم الجيران ما يقع، المحل غير قابل، ليس في عصمته ولا في ملكه، لكن القاسم بن محمد يرى أنه يقع، واستدل بإيقاع عمر -رضي الله تعالى عنه- الظهار قبل النكاح.
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رجلاً سأل القاسم بن محمد وسليمان بن يسار عن رجل تظاهر من امرأته قبل أن ينكحها فقالا: إن نكحها فلا يمسها حتى يكفر كفارة المتظاهر" وهذا يدل على إيقاع الظهار قبل الزواج.
قال: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال في رجل تظاهر".
سليمان بن يسار أيضاً من الفقهاء السبعة، عروة بن الزبير أيضاً من الفقهاء السبعة "أنه قال في رجل تظاهر من أربعة نسوة له بكلمة واحدة: إنه ليس عليه إلا كفارة واحدة" باعتبار أن اللفظ واحد، والكفارات تتداخل، لكن لو أوقع الطلاق على الأربع، يقع على واحدة وإلا يقع على الجميع؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لو قال: نساءه الأربع طوالق، أو قال: نساءه الأربع عليه كظهر أمه، الطلاق يقع على الأربع وإلا لا؟ يقع على الأربع، لماذا الظهار ما وقع إلا واحد؟ ليست عليه إلا كفارة واحدة؟ الكفارات تتداخل، لكن الطلاق ما يتداخل.
ثم بعد ذلك قال: "وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن مثل ذلك".
"قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا، قال الله تعالى في كفارة المتظاهر: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} [(3) سورة المجادلة] {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [(4) سورة المجادلة] ".(98/14)
"قال مالك في الرجل يتظاهر من امرأته في مجالس متفرقة، قال: ليس عليه إلا كفارة واحدة" لماذا؟ لأنه لم يكفر عن الأولى، فدخلت الثانية في الأولى "فإن تظاهر ثم كفر، ثم تظاهر بعد أن يكفر، فعليه الكفارة أيضاً" عليه كفارة ثانية لعدم التداخل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
معروف هذا التداخل في ... ، وقاعدة التداخل في غاية الأهمية، وفصلها بتفصيل واضح بالأمثلة ابن رجب في قواعده، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
عاد يقولون: إذا اختلف السبب، إذا اختلف الباعث لا تتداخل، يعني لو ظاهر، ووطئ في نهار رمضان، نقول تتداخل؟ ما تتداخل، كما لو حلف على شيء ثم حلف على غيره، لكن لو حلف عليه بنفسه مرة ثانية تتداخل، حلف على غيره صار المثير والباعث غيره لا تتداخل.
"قال مالك: ومن تظاهر من امرأته ثم مسها قبل أن يكفر ليس عليه إلا كفارة واحدة" اللي هي كفارة الظهار، وكونه مسها قبل أن ... ، أو قبل أن يكفر؛ لأنه مشترط في آية الظهار {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} [(3) سورة المجادلة] لكنه مسها قبل أن يكفر، هل نقول: إن عليه كفارة للظهار الأول، وكفارة للمسيس قبل أن يكفر؟ لا، إنما وطئه إياها قبل الكفارة معصية، يذهب أثرها بالتوبة "ليس عليه إلا كفارة واحدة، ويكف عنها حتى يكفر، وليستغفر الله، وذلك أحسن ما سمعت".
"قال مالك: والظهار من ذوات المحارم من الرضاعة والنسب سواء" الظهار من ذوات المحارم، الأصل أن الظهار من الزوجات، كيف قال: من ذوات المحارم؟ يعني التشبيه بذوات المحارم لا يختلف، إذا كان التحريم مؤبد لا يختلف سواءً كان من رضاعة أو نسب على حد سواء.
"قال مالك: وليس على النساء ظهار" يعني لو قالت المرأة لزوجها: أنت علي كظهر أمي، أو أنت طالق، أو ما أشبه ذلك لغو؛ لأنها تصرفت فيما لا تملك.(98/15)
"قال مالك في قول الله -تبارك وتعالى-: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [(3) سورة المجادلة] يظاهرون ما قال: يظاهرن "قال: سمعت أن تفسير ذلك أن يتظاهر الرجل من امرأته، ثم يجمع على إمساكها وإصابتها، فإن أجمع على ذلك فقد وجبت عليه الكفارة، وإن طلقها ولم يجمع بعد تظاهره منها على إمساكها وإصابتها فلا كفارة عليه" يعني هل الكفارة، لزوم الكفارة بإجماعه على مراجعتها، نعم؟ هذا على كلامه إن أجمع وعزم على مراجعتها تلزمه الكفارة، طيب أجمع ثم رجع، عزم على مراجعتها ثم ما وجد كفارة مثلاً، أو قال: ما تسوى من يكفر، تلزمه الكفارة أو لا تلزمه؟ على كلام مالك تلزم، بمجرد عزمه على ارتجاعها.
"ولم يجمع بعد تظاهره منها على إمساكها وإصابتها فلا كفارة عليه".
"قال مالك: فإن تزوجها بعد ذلك لم يمسها حتى يكفر كفارة المتظاهر" لأن الظهار ما زال منعقداً، لا يحله إلا الكفارة.
"قال مالك في الرجل يتظاهر من أمته: إنه إن أراد أن يصيبها فعليه كفارة الظهار قبل أن يطأها" يعني إذا حرم زوجته كظهر أمه، لكن لو حرمها بمجرد تحريم، قال: وطئها علي حرام، إذا قال: هي كظهر أمي، أو كأمي، أو كأختي، أو ما أشبه ذلك، ظهار، لكن إذا قال: هي عليه حرام "فإن كان قد نوى الظهار فهو ظهار، وإن كان قد نوى الطلاق فهو طلاق، وإن لم ينو شيئاً فيمين" كفارة يمين.
"قال مالك: لا يدخل على الرجل إيلاء في تظاهره، إلا أن يكون مضاراً لا يريد أن يفيء من تظاهره" هذا الرجل ظاهر من زوجته، ثم آلى أن لا يطأها أربعة أشهر، الآن هي في حكم المحرمة، حتى يكفر، فهل يقع هذا الإيلاء أو لا يقع؟ يعني هل هذا الإيلاء أصاب محلاً؟ أو أصاب امرأة تحرم عليه حتى يكفر؟ ولذلك قال: "لا يدخل على الرجل إيلاء في تظاهره إلا أن يكون مضاراً لا يريد أن يفيء من تظاهره" فيعاقب حينئذٍ بنقيض قصده.(98/16)
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أنه سمع رجلاً يسأل عروة بن الزبير عن رجل قال لامرأته: كل امرأة أنكحها عليك ما عشت فهي علي كظهر أمي، فقال عروة بن الزبير: يجزيه عن ذلك عتق رقبة" عتق رقبة، طيب هو كل امرأة، مقتضى اللفظ أنه كل امرأة يريد أن يتزوجها يكفر كفارة ظهار ثم يتزوجها، ثم إن احتاج إلى ثانية يكفر كفارة ظهار ثم يتزوج، ثم احتاج إلى ثالثة هكذا؛ لأنه قال: "كل امرأة أنكحها عليك ما عشت فهي علي كظهر أمي، فقال عروة بن الزبير: يجزيه عن ذلك عتق رقبة" كما لو ظاهر من نسائه الأربع بلفظ واحد، تتداخل هذه الكفارات، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
في أثناء الصيام في النهار وإلا في الليل؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إن كان في النهار انقطع التتابع فيستأنف، إن كان في الليل عليه أن يستغفر كما لو وطئها قبل أن يبدأ بالصيام.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، التوبة لازمة على كل حال؛ لأنه منكر من القول وزور، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ظهار العبيد
حدثني يحيى عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن ظهار العبد فقال: نحو ظهار الحر.
قال مالك: يريد أنه يقع عليه كما يقع على الحر.
قال مالك: وظهار العبد عليه واجب، وصيام العبد في الظهار شهران.
قال مالك في العبد يتظاهر من امرأته: إنه لا يدخل عليه إيلاء، وذلك أنه لو ذهب يصوم صيام كفارة المتظاهر دخل عليه طلاق الإيلاء قبل أن يفرغ من صيامه.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ظهار العبيد
"حدثني يحيى عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن ظهار العبد فقال: نحو ظهار الحر" نحو يعني قريب منه، وإلا لو قال: مثل ظهار الحر طابقه مطابقة تامة.
"قال مالك: يريد أنه يقع عليه كما يقع على الحر" يعني مثله من هذه الحيثية.
"قال مالك: وظهار العبد عليه واجب، وصيام العبد في الظهار شهران"
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
ما نصف، لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
وأيضاً العبادات يتساوى فيها الأحرار والعبيد، بخلاف التبعات المالية والعقوبات، أما العبادات يشترك فيها الأحرار والعبيد، ما في فرق؛ لأن القدرة واحدة.(98/17)
"قال مالك في العبد يتظاهر من امرأته: إنه لا يدخل عليه إيلاء، وذلك أنه لو ذهب يصوم صيام كفارة المتظاهر" شهرين "دخل عليه طلاق الإيلاء" لأن إيلاءه شهران ما هو بأربعة أشهر مثل الحر، إذا ذهب يصوم الشهرين وقع الإيلاء عليه لأن إيلاءه شهران.
"قال مالك في العبد يتظاهر من امرأته: إنه لا يدخل عليه إيلاء، وذلك أنه لو ذهب يصوم صيام كفارة المتظاهر دخل عليه طلاق الإيلاء قبل أن يفرغ من صيامه" نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في الخيار
حدثني يحيى عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت: كان في بريرة ثلاث سنن: فكانت إحدى السنن الثلاث أنها أعتقت فخيرت في زوجها، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الولاء لمن أعتق))، ودخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والبرمة تفور بلحم فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألم أر البرمة فيها لحم؟ )) فقالوا: بلى يا رسول الله، ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة، وأنت لا تأكل الصدقة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هو عليها صدقة، وهو لنا هدية)).
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يقول في الأمة تكون تحت العبد فتعتق: إن الأمة لها الخيار ما لم يمسها.
قال مالك: وإن مسها زوجها فزعمت أنها جهلت أن لها الخيار فإنها تتهم، ولا تصدق بما ادعت من الجهالة، ولا خيار لها بعد أن يمسها.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن مولاة لبني عُدي يقال لها: زبراء أخبرته أنها كانت ...
لبني عَدي.
أحسن الله إليك
أن مولاة لبني عَدي يقال لها: زبراء أخبرته أنها كانت تحت عبد، وهي أمة يومئذٍ فعتقت، قالت: فأرسلت إلي حفصة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فدعتني، فقالت: إني مخبرتك خبراً، ولا أحب أن تصنعي شيئاً، إن أمرك بيدك ما لم يمسسك زوجك، فإن مسك فليس لك من الأمر شيء، قالت: فقلت: هو الطلاق ثم الطلاق ثم الطلاق، ففارقته ثلاثاً.(98/18)
وحدثني عن مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال: "أيما رجل تزوج امرأة وبه جنون أو ضرر فإنها تخير، فإن شاءت قرت، وإن شاءت فارقت".
قال مالك في الأمة تكون تحت العبد ثم تعتق قبل أن يدخل بها أو يمسها: إنها إن اختارت نفسها فلا صداق لها، وهي تطليقة، وذلك الأمر عندنا.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه سمعه يقول: إذا خير الرجل امرأته فاختارته فليس ذلك بطلاق.
قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت.
قال مالك في المخيرة: إذا خيرها زوجها فاختارت نفسها فقد طلقت ثلاثاً، وإن قال زوجها: لم أخيرك إلا واحدة فليس له ذلك، وذلك أحسن ما سمعته.
قال مالك: وإن خيرها فقالت: قد قبلت واحدة، وقال: لم أرد هذا، وإنما خيرتك في الثلاث جميعاً أنها إن لم تقبل إلا واحدة أقامت عنده على نكاحها، ولم يكن ذلك فراقاً -إن شاء الله تعالى-.
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الخيار
الخيار اختيار الاستمرار أو الفسخ من الزوج أو من الزوجة، وذلك عند حصول شيء مؤثر في النكاح، إما اختلاف في الكفاءة، كما لو عتقت الأمة، وهي تحت عبد، أو لوجود عيب مؤثر في الزوج أو في الزوجة.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: كان في بريرة ثلاث سنن" بريرة التي اشترتها عائشة وأعتقتها -رضي الله عنها وأرضاها-، في قصة طويلة مذكورة في الصحاح والسنن وغيرها.(98/19)
"قالت: كان في بريرة ثلاث سنن، فكانت إحدى السنن الثلاث" يعني اقتصر من الحديث وهو طويل على ما يحتاج إليه في الخيار "فكانت إحدى السنن الثلاث أنها أعتقت فخيرت في زوجها" كان زوجها اسمه مغيث، وهو عبد في أكثر الروايات، وفي قول الجمهور، جاء ما يدل على أنه حر، ولذا يختار الحنفية أنه ليس لها الخيار، لكن هي خيرت على كل حال، وزوجها عبد في القول الراجح، واسمه مغيث، وكان يتابعها ويجري وراءها في سكك المدينة يبكي يريدها وهي لا تريده، فشفع النبي -عليه الصلاة والسلام- لديها، فقال لها ... ، طلب منها النبي -عليه الصلاة والسلام- أن تبقى معه، قالت: هو أمر؟ قال: ((لا، أنا شافع)) قالت: لا حاجة لي به، خيرت في زوجها؛ لأن الكفاءة كانت موجودة، ثم بعد ذلك ارتفعت هذه الكفاءة، فالحرة لا ينكحها العبد، وكانا متكافئين، ثم ارتفعت هذه الكفاءة فثبت خيارها.
"وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الولاء لمن أعتق)) " في قصة إرادة أهلها مكاتبتها، أرادوا مكاتبتها ويكون الولاء لهم، ثم قالت عائشة: إن شئت أن أعدها لهم والولاء لي، ذهبت إليهم فرفضوا، والحديث معروف، قال: ((اشتريها واشترطي لهم الولاء، فإن الولاء لمن أعتق)).
"ودخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والبرمة تفور" القدر يفور بلحم فوق النار "فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألم أر برمة فيها لحم؟ )) " النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى البرمة، ورأى فيها لحم، لماذا يعطى خبز وأدم واللحم موجود؟(98/20)
"فقالوا: بلى يا رسول الله، ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة، وأنت لا تأكل الصدقة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هو عليها صدقة، وهو لنا هدية)) " معنى أن الفقير إذا ملك الصدقة يتصرف فيها كيفما شاء، يملكها ملكاً تاماً مستقراً يهدي منها، لماذا لا يقال: إن الفقير لا يجوز له أن يأخذ من الصدقة أكثر من حاجته؟ لأنه إذا أخذ أكثر من حاجته فما يحتاجه حكمه الصدقة، وما زاد على حاجته حكمه حكم الأغنياء، واضح وإلا ما هو بواضح؟ يعني هل للفقير الذي يأخذ الصدقة أن يتصدق؟ ومن باب الاستطراد هل للمدين أن يتصدق؟ يعني ما جرت العادة بالتعافي فيه بين الناس، يعني يأخذ الزكوات ما يكفيه لمدة سنة، يأخذ ألوف، وإذا وجد فقير أعطاه ريال، أو ريالين أو خمسة، هذه ما تضر، ما تؤثر، كما أن المدين له أن يتصدق بهذا الحدود فيما لا يؤثر على الديون، كما قرر ذلك شيخ الإسلام -رحمه الله-.
((هو عليها صدقة، ولنا هدية)) شخص أصهاره فقراء فيعطيهم من زكاته، فإذا ذهب أولاده إلى أهليهم زوجته وأولادها يأكلون أو يمتنعون؟ يأكلون، هو للفقراء صدقة، ولهؤلاء هدية، ما لم يكن ذلك حيلة؛ لأنه ممكن أن يعطيهم مصروف كامل من زكاته، يعطيهم خمسة آلاف شهرياً أصهاره، ثم بعد ذلك يقول: أنا ما علي منكم، يقول لزوجته وأولاده: يا الله اذهبوا إلى أهليكم، كل يوم تغدوا وتعشوا عندهم، بهذا يقي ماله بهذه الصدقة، وإلا كونهم يعطيهم من غير استصحاب لهذا، ومن غير اعتبار له في نفسه، ثم إذا ذهبوا وأكلوا حسب ما اتفق هذا لا يضر، هو عليهم صدقة، وله هدية، وهذا يحصل كثير، يكون الأصهار فقراء، إما أن يدفع لهم من زكاته أو من زكاة غيره، يتسبب لهم، ثم بعد ذلك أولاده يذهبون إلى هؤلاء الذين يأكلون من الصدقات، هل نقول: إن أولاد هذا الغني يأكلون صدقة، أو أن هذا تحايل لإسقاط زكاته، أو إسقاط النفقة عنه؟ الأمور بمقاصدها، فإن قصد ذلك منع، وإن لم يقصد جاز، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(98/21)
الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، والخلاف في الآل الذين تحرم عليهم الزكاة، هل يدخل فيهم أزواجه؟ أو أنه خاص ببني هاشم وبني المطلب؟ هذه مسألة خلافية، وأولى الناس به وآل البيت المنصوص عليهم في القرآن الأزواج.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يقول في الأمة تكون تحت العبد فتعتق: إن الأمة لها الخيار ما لم يمسها" فإذا مسها فقد أبطلت حقها في الخيار، طيب جهلت ما تدري أن لها خيار، فمكنته من نفسها، يسقط حقها أو لا يسقط؟ يعني مثلما قلنا سابقاً في إيش؟ يعني مثل الشفعة، وذكرنا في درسنا قبل أيام في مسألة إذا أجبرها أبوها بالزواج، ومكنت الزوج هل لها خيار أو ليس لها خيار؟ هنا إن مسها زوجها فزعمت أنها جهلت أن لها الخيار فإنها تتهم ولا تصدق بما ادعته من الجهالة، ولا خيار لها بعد أن يمسها، لكن إن كانت جاهلة، وقبل قولها مع يمينها فهذا هو الأظهر -إن شاء الله تعالى-.
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن مولاة لبني عَدي يقال لها: زبراء أخبرته أنها كانت تحت عبد، وهي أمة يومئذٍ فعتقت، قالت: فأرسلت إلي" يعني ما هي السائلة ابتداءً "أرسلت إلي حفصة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فدعتني، فقالت: إني مخبرتك خبراً، ولا أحب أن تصنعي شيئاً، إن أمرك بيدك ما لم يمسسك زوجك" هذا التصرف من حفصة -رضي الله عنها- هل هو إصلاح وإلا إفساد؟ ننظر إلى المسألة أن فيها مصلحة لطرف ومفسدة ومضرة لطرف، يعني هذا الأمر اشتمل على مصلحة ومفسدة، وكثير من الناس في هذه المواقف يعني من أهل التحري يقول: تعبر أموره وما علي منهم؛ لأني إن نفعت المرأة ضررت الرجل.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن مع ذلك يجوز لها البقاء، وهي زوجته من قديم، ولا يلزمها أن تفارق، نعم؟
طالب: ....(98/22)
لا، هو المسألة مسألة بيان حكم شرعي، يعني إذا لحظ فيها البيان، وأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فالشرع مقدم على مصلحة كل أحد، يعني بيان الحكم الشرعي مقدم على مصلحة كل أحد، ولذلك المفتي يفتي، ولو كان على نفسه، أو على ولده ضرر من هذه الفتوى، والقاضي يقضي ولو كان على نفسه أو على ولده ضرر من هذا القضاء، فبيان الحكم الشرعي يقدم على كل أحد، وهي أرادت أن تبين الحكم الشرعي.
"قالت: فأرسلت إلي حفصة زوج النبي -عليه الصلاة والسلام-" ولو قلنا بهذا أنها تسكت، لقلنا: لماذا لم يسكت النبي -عليه الصلاة والسلام- عن بريرة حينما خيرها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أن هذا بيان للحكم الشرعي كما حصل منه -عليه الصلاة والسلام- لبريرة.
"قالت: فأرسلت إلي حفصة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فدعتني، فقالت: إني مخبرتك خبراً، ولا أحب أن تصنعي شيئاً" يعني ما أحب أن تفعلي الأثر المترتب على هذا الخبر "ولا أحب أن تصنعي شيئاً، إن أمرك بيدك" ما هذا الخبر؟ الخبر "إن أمرك بيدك، ما لم يمسسك زوجك، فإن مسك فليس لك من الأمر شيء، قالت: فقلت: هو الطلاق ثم الطلاق ثم الطلاق، ففارقته ثلاثاً" يعني مثل هذه ترغب في البقاء؟ وهل عدم الرغبة في البقاء لأنها متضررة متضايقة من البقاء معه، أو لأنها تريد الكمال؟ حرة تريد حر؛ لأن منافع العبد لسيده مملوكة لسيدة، فكونه زوج، لا شك أن زوجته متضررة، لكن إذا كان حراً يملك منافعه، فالمرأة مستفيدة، فلا تلام إذا طلبت الفراق مثل بريرة، أو مثل زبراء.
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال: "أيما رجل تزوج امرأة وبه جنون أو ضرر فإنها تخير" كما أنه لو بانت بها جنون أو ضرر فإنها تخير، أيضاً هو يخير إذا بان بها شيء، إذا بان بها عيب من جنس هذا فإنه يخير، وهي كذلك تخير "فإن شاءت قرت" يعني إذا قبلت، قالت: لا مانع، أنا أستمر وهو مجنون، لا مانع، أنا أستمر وهو مريض "فإن شاءت قرت، وإن شاءت فارقت" لأن الأمر لا يعدوها؛ والأمر إليها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(98/23)
ما هو بالقصد، ما هو بالخيار لها إذا كانت مجنونة، الخيار لزوجها، وإذا كان هو مجنون الخيار لها وهي عاقلة، ما له علاقة وليها، خيارها متى؟
طالب:. . . . . . . . .
خيارها إذا كانت عاقلة وزوجها المجنون، كما أن الخيار له إذا كان عاقلاً والزوجة مجنونة، يعني المخير الطرف السليم، ما هو بالطرف المعيب، الطرف المعيب هو الحكم بصدده، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان يخاف عليها من ضرر متعدٍ مما تجهله، إذا كانت تجهل أمرها فله أن يتدخل، لكن إذا قالت: أنا أعرفه معرفة بينة وواضحة، وأنا لا أريد إلا هو، قال: شأنك به، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو الذي عقد، لكن أحياناً بعض الناس إذا قيل له: لا تتكلم بكلمة، تحضر العقد وإذا قيل لك قل: قبلت، يلقن هذه الكلمة، ولا يتكلم بغيرها، قد يمضي العقد؛ لأن المدة يسيرة إلا أنه في الغالب لا بد أن يخرج منه شيء، إن كان مجنون في الغالب، لكن لو افترضنا أنه مشت أموره، ولا عرفوه إلا بعد الدخول، يكون له الخيار، على كل حال هناك قصص كثيرة من هذا النوع، وقد يكون به عيب، يكون ظاهر، إن شاء أظهره، وإن شاء أخفاه، يكون العيب في وجهه، فيستطيع إخفاءه على مشقة، يعني فيه مثلاً في أجفانه برص، البرص عيب عندهم، يقول: إنه ما أغمض عينيه مدة البقاء إلى أن خرج، هذا غاش وإلا غير غاش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، يلزمه إخبارهم، فمثل هذا إذا قيل له: لا تتكلم هذا غش، يثبت لهم به الخيار، بخلاف ما لو علموا أنه مجنون من الأصل، وقبلوه لا خيار لأحد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو مبين عند أهل العلم، أما ما يتعلق بما يمنع من العشرة، أو كان مرضاً بيناً مؤثراً، أو خللاً في العقل سواءً كان مطبقاً أو متقطعاً كل هذه عيوب ترد، ويرد بها، وكذلك العيوب المتعلقة بالمرأة، في عيوب مشتركة، وفي عيوب تختص بالرجال، وعيوب تختص بالنساء مفصلة في كتب الفقه.
طالب:. . . . . . . . .
بدين جداً ورأوه، وقبلوه ما في إشكال، المقصود ما رأوه ولا بُين، فإن كان عليها خطر من معاشرته لها الخيار، أما كونه تحتاج رجل رشيق وإلا ما أدري إيش؟ ما يكفي هذا، أو العكس، لكن المقصود أن العيوب المؤثرة.(98/24)
على كل حال المرأة لها نصيب من زوجها، ولها حق الاستمتاع به، فإن وجد ما يمنع أو يقلل من ذلك يمنع، لها الخيار والعكس.
"قال مالك في الأمة تكون تحت العبد ثم تعتق قبل أن يدخل بها أو يمسها: إنها إن اختارت نفسها فلا صداق لها" قبل أن يدخل بها يعني بعد العقد، تعتق بعد العقد وقبل الدخول، قبل أن يدخل بها أو يمسها، إنها إن اختارت نفسها فلا صداق لها؛ لأن الطلاق وقع من قبلها، لكن لو كان من قبله لزم نصف المهر "فلا صداق لها، وهي تطليقة، وذلك الأمر عندنا" وهي تطليقه قبل الدخول تبين بها.
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه سمعه يقول: إذا خير الرجل امرأته فاختارته فليس بطلاق" إذا قال: أنت بالخيار إن شئت أن تبقي على هذا الوضع، وإن شئت أن تذهبي إلى أهلك فالأمر إليك، فاختارت البقاء ما حصل شيء، من أين أتت الشبهة بحيث تبحث هذه المسألة؟ أنه جعل الأمر بيدها، وخفف العقد بالخيار، يعني العقد المبرم بقوة يخف إذا خير الرجل امرأته، لكن لا يثبت حكمه باعتبار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- خير نساءه، ولم يحتسب ذلك طلاق.
"قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت".
"قال مالك في المخيرة إذا خيرها زوجها فاختارت نفسها: فقد طلقت ثلاثاً، وإن قال زوجها: لم أخيرك إلا واحدة فليس له ذلك، وذلك أحسن ما سمعته" لماذا تكون ثلاث؟ ألا يمكن أن تختار نفسها بواحدة؟ لا يمكن لماذا؟ لأنه يملك رجعتها، بالواحدة يملك رجعتها إذا ما تم خيارها.
يقول: "قال مالك في المخيرة إذا خيرها زوجها فاختارت نفسها: فقد طلقت ثلاثاً" لأنها لو حسبت واحدة لما كان لاختيارها أثر؛ لأنه يملك رجعتها، والمسألة مفترضة في أنه يملكها أمرها، بحيث يفلته من نفسه، ولا يتم ذلك إلا إذا كان بالثلاث، قال: "وإن قال زوجها: لم أخيرك إلا واحدة، فليس له ذلك، وذلك أحسن ما سمعته"(98/25)
ثم قال: "قال مالك: وإن خيرها فقالت: قد قبلت واحدة، وقال: لم أرد هذا وإنما خيرتك في الثلاث جميعاً: إنها إن لم تقبل إلا واحدة أقامت عنده على نكاحها ولم يكن ذلك فراقاً -إن شاء الله تعالى-" لم تقبل إلا واحدة فكأنها يعني إذا خيرها ثلاثاً فقالت: ما أبي إلا واحدة، كأنها اختارته، لما اختارت الطلاق الرجعي كأنها اختارت البقاء عنده؛ لأن الرجعية في حكم الزوجة، فلم يقع بذلك طلاق، ما يقع ألبتة، لا واحدة ولا ثلاث، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مثله، لكن هذا ما اختارت نفسها، إذا اختارت واحدة فمعناه أنها اختارت زوجها، ولم تختر نفسها؛ لأن الرجعية حكمها حكم الزوجة.
طالب:. . . . . . . . .
هذه كناية ذي، كناية، تحتاج إلى نية.
يقول: إذا طلق زوجته طلاقاً رجعياً وهي في العدة التي ظاهرها، وانتهت العدة ولم يراجعها؟
إذا انتهت العدة لا ترجع إليه إلا بنكاح جديد بعد أن يكفر عن كفارة الظهار.
يقول: ما العمل إذا قام المتزوج بالدخول على النساء للزفة، وقد تغطى النساء؟
لا، يمنع من دخوله على النساء.
يقول: لم يفرق النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أبي طالب وهو مشرك، وبين زوجته فاطمة بنت أسد -رضي الله عنها- وهي مسلمة، فكيف يجاب عن ذلك؟
هذا قبل تحريم المشركين على المسلمات.
يقول: من شباب المسلمين من يذهب إلى خارج البلاد للسياحة، ثم يتزوج زواج بنية الطلاق، فما حكم هذا الطلاق مع العلم أنه سافر من أجل أن يتزوج زواج؟
صحيح إذا لم يكن الطرف الثاني عنده خبر، ما لم يدخل في المتعة.
طالب:. . . . . . . . .
ما أدري والله.
هذا يقول: أزعجونا النائمين.
أولاً: على لغة البراغيث، ونصب الفاعل، إلا إن كان مراده أزعجونا أعني النائمين، أزعجونا ما فيها إشكال، الآن صحيحة، أعني النائمين تفسير للواو، للفاعل.
نريد كلمة في رفع الهمة والصبر والتحمل على طلب العلم.
أنا الآن ما رأيت أحداً في هذا الدرس ما في أحد، يمكن درس الفجر، نعم.
إذا لم تعلم الأمة إلا بعد الإمساس فهل لها الخيار في طلب الطلاق؟
هذا الذي ذكره الإمام مالك أنها إذا مكنته وادعت الجهل أنه لا يقبل قولها، مع أن الأحكام الشرعية لا تثبت إلا بالعلم.(98/26)
منعت زوجتي من حضور زواج، لكن أمي رفضت هذا المنع، وأمرتني بأن أسمح لزوجتي بالحضور لهذا الزوج، ولا ندري هل هذا الزواج فيه منكرات أم لا؟
على حسب غلبة الظن، إن كان يغلب على ظنك وجود منكرات فلك المنع، بل يلزمك المنع، وإن كان الذي يغلب على ظنك عدم وجودها ثم وجدت فلا يلزمك المنع في هذه الحالة.
يقول: في مناسبات الزواج أهل المتزوج يحضرون إلى قصر الأفراح من العصر لترتيب احتياج الزواج.
أظن أهل المرأة، المرأة ما هو بأهل الزوج، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أهل الزوج هم اللي يحضرون القصر من العصر؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما يقول بهذا أحد أبد، لا العكس، أهل المرأة هم اللي يحضرون وهي معهم، ويستعدون ويعدونها، يعني المرأة هي اللي تزف على الرجل؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما ندري، لكن أنا ما سمعت في هذا.
على كل حال إذا دعت الحالة إلى أن يذهبوا إلى القصر قبل وقت الزفاف، وليس عندهم ما يمكنهم من الاستعداد للزفاف من العصر فلهم أن يغيروا ملابسهم كما لو ذهبوا إلى بلد آخر، أو ذهبوا إلى استراحة لمتعة ونزهة، أو زاروا أقاربهم في مكان آمن، واحتاجوا إلى التغيير، وأما ما جاء من منع المرأة من أن تخلع ثيابها في غير بيتها، فالمراد به بحيث يراها غيرها، أو هو من باب سد الذرائع الموصلة إلى التكشف والفساد.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"قال مالك: وإن مسها زوجها فزعمت أنها جهلت أن لها الخيار فإنها تتهم، ولا تصدق بما ادعت من الجهالة، ولا خيار لها بعد أن يمسها" ....(98/27)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب النكاح والطلاق (6)
باب: ما جاء في الخلع - باب: طلاق المختلعة - باب: ما جاء في اللعان - باب: ميراث ولد الملاعنة - باب: طلاق البكر - باب: طلاق المريض.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: إذا ظاهر الرجل زوجته الأولى، وقال لها: أنت علي كظهر زوجتي الثانية، وصادف أن زوجته الثانية حائض، فما الحكم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش لون؟
طالب:. . . . . . . . .
يقول: إذا ظاهر الرجل زوجته الأولى، وقال لها: أنت علي كظهر زوجتي الثانية، وصادف قوله هذا حيضها، فما الحكم؟
يعني لو قال لزوجته: أنت علي كظهر أختك، ظهار وإلا ما هو بظهار؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
أختها هي.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
أخت زوجته.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش يصير ظهار وإلا ما هو بظهار، ظهار وإلا ما هو ... ؟ كظهر أختها هي، يعني أختها حرمة مؤبدة وإلا مؤقتة؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا ليس بظهار.
يقول: هل الدروس كلها في تفسير الجلالين؟
نعم الدروس المعلن عنها في التفسير من تفسير الجلالين.
يقول: وهل سبق أن فسرتم سورة ق؟
نعم فسرنا سورة ق والحجرات قبلها.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين يا رب العالمين.
باب: ما جاء في الخلع(99/1)
حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصاري أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من هذه؟ )) فقالت: أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله، قال: ((ما شأنك؟ )) قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس، لزوجها، فلما جاء زوجها ثابت بن قيس قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر)) فقالت حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطاني عندي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لثابت بن قيس: ((خذ منها)) فأخذ منها، وجلست في بيت أهلها.
وحدثني عن مالك عن نافع عن مولاة لصفية بنت أبي عبيد أنها اختلعت من زوجها بكل شيء لها، فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-.
قال مالك في المفتدية التي تفتدي من زوجها: إنه إذا علم أن زوجها أضر بها، وضيق عليها، وعلم أنه ظالم لها، مضى الطلاق، ورد عليها مالها.
قال: فهذا الذي كنت أسمع، والذي عليه أمر الناس عندنا.
قال مالك: لا بأس بأن تفتدي المرأة من زوجها بأكثر مما أعطاها.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الخلع
الخُلع والخَلع كلاهما مصدر لخلع إذا نزع، والتفريق بينهما من أجل التفريق بين فراق الزوجة على مال، الذي هو الخُلع بالضم، وبين خلع الثوب ونحوه، ونزعه، التفريق من أجل أن يكون لكل حقيقة لفظ، كما في الغَسل والغُسل، الغُسل: تعميم البدن بالماء، لكنه غَسل أيضاً، وغَسل بعض البدن غُسل له، التفريق من أجل أن يكون لكل حقيقة لفظ مستقل، لتتميز الحقائق بعضها عن بعض.(99/2)
قال -رحمه الله-: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصاري" حبيبة بنت سهل الأنصاري كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس الخطيب المعروف، خطيب النبي -عليه الصلاة والسلام-، شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- بالجنة؛ لأنه لما نزل قول الله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [(2) سورة الحجرات] قال: أنا أرفع صوتي فوق صوت النبي؛ لأنه خطيب، والخطابة تقتضي ذلك، فقال: إنه حبط عمله، وجلس في بيته فقده النبي -عليه الصلاة والسلام- فسأل عنه، فأتي بالخبر أن هذا سبب اعتزاله، قال: ليس الأمر كما قال، بل هو في الجنة، هو مبشر بالجنة.
وزوجته قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس، والسبب في ذلك أن في خلقته دمامة، وقد أقبل في عدة، لما رفعت الخباء، وجدته أقلهم شكلاً، فما أطاقت البقاء معه، وخشيت الكفر بعد الإسلام، خشيت أن تكفر، وتجحد حقه عليها، فاختلعت منه، وهذا يدل على أن صفاء العيش في هذه الدنيا، قد لا يكون دليلاً على السعادة الأبدية، كما أن العكس بالعكس، يعني عدم الصفاء لا يدل على الشقاء الأبدي، فهذه امرأته اختلعت منه، أقرب الناس إليه، والأصل أن الله -جل وعلا- يجعل بين الزوجين مودة ورحمة، وهذا الرجل الفاضل الذي شهد له بالجنة امرأته ما أطاقت البقاء معه.(99/3)
"إنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصاري أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى الصبح" خرج إلى صلاة الصبح "فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس" يعني في الظلام "فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من هذه؟ )) " قال لها: من أنتِ؟ هذا الأصل، أو قال: من هذه لغيرها، المقصود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من هذه؟ )) أو من أنت؟ "فقالت: أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله" ولا يمنع أن يواجهها بالخطاب ويقول: من هذه؟ لماذا؟ لمزيد التحرز من مواجهة النساء بالخطاب غير المحارم، يعني تجد امرأة ليس معها محرم، وفي غلس، إذا قلت لها: من أنت؟ صار بينك وبينها مواجهة في الخطاب، وقد يرتفع شيء من الحياء الذي بين الأجنبي والأجنبية، إذا واجهها بالخطاب وقال: من أنت؟ لكن إذا تكلم بحيث كأنه لا يعنيها من هذه؟ كأنه يخاطب غيرها، ما جرأت على أن ترفع جلباب الحياء، لا ترد عليه باعتباره يكلمها هي، إنما ترد على اعتبار أنه يكلم غيرها، وهذا واضح.(99/4)
"قال: ((من هذه؟ )) فقالت: أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله، قال: ((ما شأنك؟ )) " الآن عرف أن عندها حاجة، وأن عندها مسألة " ((ما شأنك؟ )) قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس" لا يمكن أن نجتمع، لا بد أن نتفرق، تقول ذلك لزوجها، يعني في حق زوجها "فلما جاء زوجها ثابت بن قيس قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر)) " يعني من ككونها لا تطيق البقاء معه، "فقالت حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطاني عندي" هي محتفظة بالمهر كاملاً، وجاء في بعض الروايات: إن المهر كان حديقة، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((خذ الحديقة، وطلقها تطليقة)) "قالت: يا رسول الله، كل ما أعطاني عندي" يعني مستعدة أن تدفع كل ما أخذته "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لثابت بن قيس: ((خذ منها)) فأخذ منها، وجلست في بيت أهلها" يعني إذا أصر الزوج على عدم الفراق بدون مقابل يعرض عليه المقابل، إذا علم من أن المرأة جادة في طلبها ما هو بمجرد اختبار، أو أنها تطيق البقاء لكن تفضل البقاء عند أهلها، لا، لكن إذا كان بقاؤها معه ليس من مصلحتها ولا من مصلحته هو، فإنه حينئذٍ يعدل إلى الخلع، الطلاق في مقابل المال.
طالب:. . . . . . . . .
إذا وصل الأمر بحيث أنها لا تطيقه يلزمه ((خذ منها)) "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لثابت بن قيس: ((خذ منها)) فأخذ منها، وجلست في بيت أهلها".
قال: " وحدثني عن مالك ... "
لكن بعد أن يجزم بأنها لا يمكن أن تبقى معه، وليس من مصلحته ولا من مصلحتها أن تبقى عنده.(99/5)
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع عن مولاة لصفية بنت أبي عبيد" أخت المختار بن أبي عبيد الذي ادعى النبوة، وهي زوجة عبد الله بن عمر، العبد الصالح، زوجته أخت المختار بن أبي عبيد الذي ادعى النبوة، وقد يقول قائل: كيف يختار ابن عمر هذه الزوجة وبيتها محتوٍ على مثل هذا؟ يعني هل الإنسان إذا أراد أن يختار زوجة ينظر إليها مجردة عن أهلها، أو ينظر إليها مع البيئة المحيطة بها؟ لأن هذه البيئة لا شك أن صلتها سوف تكون قوية بالصهر، وأولاد هذا الزوج سوف يذهبون إلى أصهارهم، أو إلى أخوالهم ويتأثرون، يعني ماذا عن أولاد عبد الله بن عمر إذا ذهبوا إلى خالهم هذا الذي ادعى النبوة؟ كان قبل ذلك أيضاً ليس بمستوى ابن عمر -رضي الله عنهما-، صفية من خيار النساء، لكن يبقى أن المصاهرة تقتضي أن يبحث الرجل عن البيت المناسب، بحيث لو ذهب الأولاد إلى هذا البيت ما يكون عليهم خوف.
على كل حال قد تكون الدعوى متأخرة، دعوى النبوة متأخرة عن الزواج، فكون الإنسان يحرص أن تكون الأسرة التي يصاهرها نظيفة ثم بعد ذلك يتغير منهم من يتغير هذا ما هو بيده، ولا يملك أن يلزم الناس، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو له أن يمنعها إذا خشي المفسدة له أن يمنعها، لكن مهما منع، يعني المسألة عشرة، وعمر ما عاد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا مولاة لصفية.(99/6)
"عن مولاة لصفية بنت أبي عبيد أنها اختلعت من زوجها بكل شيء لها" بكل ما تملك "فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر" فجاز الخلع على أكثر من المهر، لكن هذا ليس من فعل الكرام، يدفع خمسين ألف ولا يخالع إلا بمائة ألف كما يفعل بعض الناس، يتخذ سوء الخلق مهنة يتكسب من ورائها، هذا لؤم، ويعرف شخص أبداً يدفع عشرين ويأخذ مائة، شخص في خلقه سوء، وهذا صنيعه، يدفع عشرين ويأخذ مائة، في زواجه الأخير جاءت المرأة تستشير واحد من الأخيار من طلاب العلم، فقال: أعرف عنه كذا، فلا أنصحك؛ لأنه سبق أن صار له مواقف، فلا أنصحك بالموافقة عليه، المقصود أنها تزوجته، والنساء كثير من الأحوال ما عندهن سر، في حال صفاء بينها وبينه في الأيام الأولى، قالت: كاد فلان أن يحرمني منك، استشرته فقال: لا، ما يصلح، وبعد مضي مدة حصل لها مثل ما حصل لغيرها، فجاءت تستشفع بهذا الرجل الذي أشار إليها ألا تقبل، وهو معروف صاحب رأي ومؤثر يعني، فأخذ معه اثنين من الإخوان، قال: ثلاثة نذهب إلى فلان، ونشفع لفلانة لعله يخالعها بما دفعت، لا يصنع ... ؛ لأنه طلب مائة ألف كالعادة، فلما دخل الثلاثة عنده: ما شأنكم؟ قالوا: نتوسط لفلانة، أنت دفعت عشرين خذ عشرين، يا أخي اتق الله فقيرة مسكينة، والعشرين سوف تجمعها من المحسنين، قال: والله ما دام جيتوا وأنتم من الإخوان ولكم حق، فلان با أنزل خمسة على شانه، والثاني خمسة، وبا أزيد على شان هذا اللي أشار عليها عشرة، يعني هي المائة بقيت، يوجد يعني لؤم من بعض الرجال يصل إلى هذا الحد، نسأل الله العافية.
طالب:. . . . . . . . .
معروف إيه.
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
مؤخر؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني كون الصداق منهم مقدم ومنه ...
طالب:. . . . . . . . .
إيه معروف، معروف.
طالب:. . . . . . . . .
هو الصداق منه المقدم ومنه المؤخر، وأجل المؤخر أحد الفراقين إما الطلاق أو الوفاة، هذا معروف في كثير من الأقطار.
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا الأصل أنها تطلب ....(99/7)
نعم إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، هي ما تستطيع، فمن كرم الإنسان أن لا يأخذ، إلا إذا كان ليس منه أدنى سبب، وهو بحاجة إلى ما يأخذه منها ليتزوج به ثانية، هذا ما يلام.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
إي نعم، وبعدين ما في شيء من ثابت، هذا ليس من سوء خلقه أبداً، إنما من خلقته، يعني ما فيه شيء من جمال، قصير القامة كذا، أمور ذكرت.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لأنه يعرف، هي بذلت أولاً، والأمر الثاني أنه يعرف أن ثابت ما حصل منه شيء، وأيضاً ظروفه المادية قد لا تساعده أن يتزوج أخرى من ماله، يمكن كل ما يملك هذه الحديقة.
"عن مولاة لصفية بنت أبي عبيد أنها اختلعت من زوجها بكل شيء لها، فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر". "قال مالك في المفتدية التي تفتدي من زوجها: إنه إذا علم أن زوجها أضر بها" يعني صار سبب الفراق منه لا منها، وضيق عليها وآذاها، ومع ذلك رفض الطلاق، وعلم أنه ظالم لها "مضى الطلاق، ورد عليها مالها" لا يجوز له أن يأخذ من مالها شيء.
ذكرنا في درس سبق ما ذكره ابن القيم في إغاثة اللهفان، ذكر أن امرأة ضاقت بها الدين من صنيع زوجها، آذاها، طلبت الطلاق ما رضي، ما رضي أبداً، خلع ما رضي، حاولت بكل ما تستطيع وبذلت كل ما تملك وما رضي، فأفتاها من أفتاها أن ترتد -نسأل الله السلامة والعافية-، فأفتاها من أفتاها أن ترتد، ولذا قال عبد الله بن المبارك: من أفتاها بهذا فقد كفر.
"ورد عليها مالها، قال: فهذا الذي كنت أسمع، والذي عليه أمر الناس عندنا".
ولا شك أنه لا يحل له مما دفعت شيء إذا كان السبب منه ولو تحايل، وبعضهم يتحايل على الخلع لإسقاط أو لتقليل العدة، تكون هي المرأة الثالثة فيقرر في نفسه الطلاق، وبدلاً من أن ينتظر أن تخرج من عدتها ليتزوج رابعة يخالع، يقول: ادفعي لي شيء يسير وأنا أعوضك إن شاء الله، تدفع له شيء يسير على أساس أنه خلع ثم يعوضها أكثر منه، لتعتد بحيضة، تستبرئ بحيضة واحدة بدلاً من ثلاث حيض على قول وإلا فالقول الآخر أن عدة المختلعة أيضاً ثلاث.(99/8)
المقصود أن شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: إن كان هذا حيلة على إسقاط العدة فلا ينفذ، ليس بخلع هذا، ويجب عليها أن تعتد ثلاث حيض.
"قال: فهذا الذي كنت أسمع، والذي عليه أمر الناس عندنا".
"قال مالك: لا بأس بأن تفتدي المرأة من زوجها بأكثر مما أعطاها" يعني إذا رفض، أو كان الذي أعطاها لا يساوي شيئاً الآن، يعني مفتي لبنان أنا رأيته عند الشيخ ابن باز جاء من أجل المؤخر، كانوا قبل ثلاثين سنة الليرة اللبنانية بريال ونصف، هذا شيء أدركناه، كانت الكتب تحسب علينا بهذا، قيمته عشرة ليرات يعني خمسة عشر ريال، فإذا كان المهر ثلاثة آلاف ليرة مثلاً أو خمسة آلاف ليرة، منها ألفين وخمسمائة مقدم، وألفين وخمسمائة مؤخرة، وأراد أن يخالع فأعطته بقيمة الليرة اليوم، لا شيء، خمسة آلاف يعني خمسة ريال، لا شيء، أو حصل الفراق وأرادت المؤخر لا شيء، وهم يريدون بالتأخير هذا يعني ضغطاً على الزوج أن لا يفارق، فهذا ما يضغط على الزوج، فكان مفتي لبنان يرى أن الليرة تعادل بما تساويه قبل، وكان جواب الشيخ -رحمه الله- أن الليرة هي الليرة خلاص زادت أو نقصت هي الليرة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مثل الذي بالذمم، يعني شخص في ذمته ألف ليرة ما يدفع أكثر منها، مهما بلغت قيمتها أو نزلت، لكن إذا اختلفت عينها ولو لم يختلف اسمها مثلما عندنا، شخص عنده ألف ريال فضة قبل الورق، من خمسين سنة مثلاً، الريالات فضة، بذمة زيد من الناس ألف ريال فضة، ثم جاء قال: خذ ألف ريال، هاه تفضل، هذه ورقتان زرقاوان، قال: لا يا أخي وين أنت؟ نعم تقوم الفضة ويأخذ قيمتها، فبدلاً من ألف يأخذ خمسة عشر ألف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الطلاق يمضي إيه، باعتبار ....
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هو يعاقب بنقيض قصده، فلا رجعة له، طلاق بصورته الخلع وقع، لكن يرد عليه المال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، الكفر معناه جحد حقوق الزوج، كفر العشير، إيه.
طالب:. . . . . . . . .(99/9)
لا، وقد يؤدي بالمرأة قد يؤدي الأمر بالمرأة إذا ضاقت بها الدنيا ذرعاً وعجزت، واستفت فلان وفلان ما رأت حل في الدين، وهي ضعيفة عقل، إيش تسوي؟ تقول: دين ما يحل مشكلتي ما هو بدين هذا، قد يصل الأمر إلى الكفر الأكبر، لكن الأصل أنها تريد كفران العشير.
طالب:. . . . . . . . .
من قبلها، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا يجوز لها، لا يحل لها.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: طلاق المختلعة
حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن ربيع بنت معوذ بن عفراء جاءت هي وعمها إلى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- فأخبرته أنها اختلعت من زوجها في زمان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فبلغ ذلك عثمان بن عفان فلم ينكره، وقال عبد الله بن عمر: عدتها عدة المطلقة.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وابن شهاب كانوا يقولون: عدة المختلعة مثل عدة المطلقة ثلاثة قروء.
قال مالك في المفتدية: إنها لا ترجع إلى زوجها إلا بنكاح جديد، فإن هو نكحها ففارقها قبل أن يمسها لم يكن له عليها عدة من الطلاق الآخر، وتبني على عدتها الأولى.
قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك.
قال مالك: إذا افتدت المرأة من زوجها بشيء على أن يطلقها فطلقها طلاقاً متتابعاً نسقاً، فذلك ثابت عليه، فإن كان بين ذلك صمات فما أتبعه بعد الصمات فليس بشيء.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: عدة المختلعة
يعني هل تعتد عدة طلاق، أو أن الخلع فسخ وليس بطلاق؟ فيكتفى بالاستبراء بحيضة، ما ذكره الإمام -رحمه الله تعالى- على أنه طلاق تلزم فيه عدة الطلاق ثلاثة قروء، وهذا هو المعروف عند الجمهور، هذا قول الجمهور.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن ربيع بنت معوذ بن عفراء جاءت هي وعمها إلى عبد الله بن عمر فأخبرته أنها اختلعت من زوجها في زمان عثمان بن عفان فبلغ ذلك عثمان بن عفان فلم ينكره" يعني ما أنكر الخلع لأنه شرعي "وقال عبد الله بن عمر: عدتها عدة المطلقة" يعني ثلاثة قروء إن كانت ممن تحيض، أو ثلاثة أشهر، أو وضع الحمل، المقصود أن عدتها عدة المطلقة.(99/10)
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وابن شهاب كانوا يقولون: عدة المختلعة مثل عدة المطلقة ثلاثة قروء".
"قال مالك في المفتدية: إنها لا ترجع إلى زوجها ... " المقصود أن عدة المختلعة عدة طلاق؛ لأنه طلاق ((خذ الحديقة، وطلقها تطليقة)) أما مجرد أخذ العوض فهل يترتب عليه حكم؟ لكن إن قالت: خذ المال وطلقني، فكأنه طلقها؛ لأنه إجابة لطلبها، والإجابة ما جاء في السؤال كأنه معاد في الجواب، إذا قيل: ما حكم الشرب قائماً؟ الجواب: خلاف الأولى، فكأنه قال: الشرب قائماً خلاف الأولى، فإذا قالت: طلقني على مبلغ كذا، فقال: أعطيني المبلغ، فقبضه فكأنه قال: أطلقك على مبلغ كذا، فكأن الطلاق مقصود ولو لم يلفظ به، ومنهم من يقول: إنه لا بد من اللفظ به، ولا يكفي المعاطاة في مثل هذا، لا يكفي، ولذا قال لثابت بن قيس: ((خذ الحديقة، وطلقها)) فلا يكفي المعاطاة أو المفاوضة على هذا ودفع المال؛ لأنه قد يأخذ المال من غير نية طلاق، ومجرد أخذ المال ليس من ألفاظ الطلاق، مع أن منهم من يقول: إن الفسخ يحصل بمجرد الخلع، مجرد أخذ المال يثبت الفسخ، وهذا عند من يقول: إنه ليس بطلاق، وأنها تستبرئ بحيضة واحدة، لكن جاء الطلاق، جاء لفظ الطلاق في أكثر من نص من نصوص الخلع، فالأكثر على أنه طلاق، وعلى أن عدة المخالعة عدة المطلقة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
من إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
ما أذكر، ما سمعته، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
{الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [(229) سورة البقرة] نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(99/11)
كمل، شوف، نعم، فيما افتدت به، طيب ثم بعد ذلك ذكر الطلقة الثالثة، ولو كان طلاقاً لكان مبيناً لها ولا تحتاج إلى ثالثة، هذه حجة، حتى شيخ الإسلام يرى مثل هذا أنه ليس بطلاق، وأنه فسخ، وبعد ذلك لا تحتاج إلى عدة المطلقة، لكن أكثر أهل العلم على أنها طلاق، باعتبار أن أكثر النصوص الواردة في الخلع، فيه لفظ الطلاق، ويمكن الإجابة عن هذا عند من يقول بأنه ليس بطلاق أن مؤداه مؤدى الطلاق، ومعناه معنى الطلاق وهو الفراق، فسمي طلاقاً من هذه الحيثية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
في إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لأنه يقول: عدتها عدة المطلقة، هذا كلام ابن عمر، وهو قول الأكثر، قول جمهور أهل العلم، شيخ الإسلام يرى أنه فسخ وليس بطلاق، وعلى هذا لا يلزم فيه عدة المطلقة.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وابن شهاب كانوا يقولون: عدة المختلعة مثل عدة المطلقة ثلاثة قروء".
"قال مالك في المفتدية: إنها لا ترجع إلى زوجها إلا بنكاح جديد" لأنه يترتب عليه البينونة، لكنها بينونة صغرى، كما لو طلقها طلاقاً رجعياً فانتهت عدتها "فإن هو نكحها ففارقها قبل أن يمسها" يعني ما زالت في العدة عدة الخلع، ثم تزوجها بعقد وصداق وشهود وولي، ثم طلقها قبل أن يمسها فهي مطلقة قبل الدخول، لم يكن له عليها عدة من الطلاق الآخر، وتبني على عدتها الأولى.
يعني خالعها لما مضى شهر عقد عليها، ثم طلقها قبل الدخول تكمل عدتها الأولى، الزواج الثاني لا أثر له؛ لأن المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها.
"قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك.(99/12)
قال مالك: إذا افتدت المرأة من زوجها بشيء على أن يطلقها فطلقها طلاقاً متتابعاً نسقاً، فذلك ثابت عليه" قال: ادفعي مبلغ كذا وأطلقك، فطلقها، دفعت المبلغ، دفعت عشرة آلاف عشرين ألف، ثم طلقها، طالق، طالق طالق، هذا متتابع نسق ثابت عليه، لكن إن أخذ المال، وقال: أنت طالق، ثم سكت، خلاص بانت منه، الطلاق الثاني ما يقع عليها؛ لأنها ليست في عصمته بعد الصمات، بعد أن سكت وحصل الفاصل وثبت الخلع بانت منه، فإذا أتبعها بطلاق ثان وثالث هذا لا يلحقها، ولذا قال: "فإن كان بين ذلك صمات فما أتبعه بعد الصمات فليس بشيء" لأنه لم يقع موقعه، ليست له بامرأة، بانت منه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
فطلقها طلاقاً متتابعاً نسقاً يعني طلقة بعد طلقة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما دام متتابع، الكلام المتصل غير الكلام المنفصل، لكن إذا كان متصل حكماً، طلقها قال: هي طالق، ثم أخذ يكح ويسعل أو يعطس يعطس مراراً حصل فاصل، لكن هذا متتابع حكماًً بخلاف لو صمت من غير ما بأس فإن الثاني لا يقع عليها.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في اللعان(99/13)
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن عويمراً العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: يا عاصم أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم عن ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسأل عاصم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسائل وعابها، حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال: يا عاصم ماذا قال لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال عاصم: لم تأتني بخير، قد كره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسألة التي سألته عنها، فقال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها، فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسط الناس، فقال: يا رسول الله أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قد أنزل فيك وفي صاحبتك، فاذهب فأتِ بها)) قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما فرغا من تلاعنهما، قال عويمر: كذبتُ عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال مالك: قال ابن شهاب: فكانت تلك بعد سنة المتلاعنين.
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً لاعن امرأته في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وانتفل من ولدها، ففرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهما، وألحق الولد بالمرأة.
قال مالك: قال الله -تبارك وتعالى-: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ * عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [(6 - 9) سورة النور].(99/14)
قال مالك: السنة عندنا أن المتلاعنين لا يتناكحان أبداً، وإن أكذب نفسه جلد الحد، وألحق به الولد، ولم ترجع إليه أبداً، وعلى هذا السنة عندنا التي لا شك فيها ولا اختلاف.
قال مالك: وإذا فارق الرجل امرأته فراقاً باتاً ليس له عليها فيه رجعة، ثم أنكر حملها لاعنها إذا كانت حاملاً، وكان حملها يشبه أن يكون منه إذا ادعته ما لم يأتِ دون ذلك من الزمان الذي يشك فيه، فلا يعرف أنه منه، قال: فهذا الأمر عندنا، والذي سمعت من أهل العلم.
قال مالك: وإذا قذف الرجل امرأته بعد أن يطلقها ثلاثاً، وهي حامل يقر بحملها، ثم يزعم أنه رآها تزني قبل أن يفارقها جلد الحد ولم يلاعنها، وإن أنكر حملها بعد أن يطلقها ثلاثاً لاعنها قال: وهذا الذي سمعت.
قال مالك: والعبد بمنزلة الحر في قذفه ولعانه، يجري مجرى الحر في ملاعنته، غير أنه ليس على من قذف مملوكة حد ...
مملوكه.
طالب: نعم؟
ليس على من قذف؟
طالب: مملوكه.
غير أنه ليس على من قذف مملوكه حد.
عندكم، لحظة لحظة.
طالب: مملوكة.
يعني هذا خاص بالمملوكة الأمة وإلا يشمل العبد؟ اللفظ سهل يعني كونه توجد نقطتين ما في إشكال، سهل يعني، نعم؟
قال مالك: والأمة المسلمة، والحرة النصرانية واليهودية تلاعن الحر المسلم، إذا تزوج إحداهن فأصابها، وذلك أن الله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [(6) سورة النور] فهن من الأزواج، وعلى هذا الأمر عندنا.
قال مالك: والعبد إذا تزوج المرأة الحرة المسلمة أو الأمة المسلمة أو الحرة النصرانية أو اليهودية لاعنها.
قال مالك في الرجل يلاعن امرأته فينزع ويكذب نفسه بعد يمين أو يمينين ما لم يلتعن في الخامسة: إنه إذا نزع قبل أن يلتعن جلد الحد، ولم يفرِق بينهما.
يفرَق.
ولم يفرَق بينهما.
قال مالك في الرجل يطلق امرأته فإن مضت الثلاثة الأشهر قالت المرأة: أنا حامل قال: إن أنكر زوجها حملها لاعنها.
قال مالك في الأمة المملوكة يلاعنها زوجها ثم يشتريها: إنه لا يطؤها وإن ملكها، وذلك أن السنة مضت أن المتلاعنين لا يتراجعان أبداً.
قال مالك: إذا لاعن الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فليس لها إلا نصف الصداق.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(99/15)
باب: ما جاء في اللعان
اللعان: مصدر لاعن، والأصل فيه المفاعلة الملاعنة، مثل المضاربة والمكاتبة، لكن اللعان لاعن يلاعن لعاناً على غير القياس، وهي أيمان يقولها الرجل يشهد أربعة شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.
انتزع الاسم من هذه الجملة: أن لعنة الله عليه، فإذا رأى الرجل زوجته على حال لا ترضى، على الفاحشة، من أين له أن يأتي بأربعة شهداء؟ قد لا يتسنى له ذلك، لا يتسنى له أن يأتي بأربعة شهداء، فجعل له المخرج؛ لأن فراشه لوث، وقد يلحق به مما ليس له من ولد، فإن قذفها جلد الحد، وإن سكت سكت على أمر عظيم، فجاء الحل باللعان.
وفائدته: درء الحد عن الزوج، وانتفاء الولد، فإذا لاعن شهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، سقط عنه الحد.
إن لاعنت سقط عنها الحد أيضاً، وإن رفضت لزمها الحد، يلزمها الحد إن رفضت أن تلاعن، والله يشهد أن أحدهما كاذب، يعني ما في احتمال ثالث، فإما أن يكون صادقاً أو كاذباً، ولا احتمال بينهم، وهذا مما يؤيد رأي أهل السنة أن الكلام إما صدق أو كذب ولا واسطة بينهما، خلافاً للمعتزلة، والله يشهد إن أحدهما لكاذب، فإذا تمت الملاعنة من قبل الزوج بعد أن يعظه الإمام، ويخبره أن عذاب الدنيا أسهل من عذاب الآخرة، فإذا تم لعانه اتجه إلى الزوجة ووعظها وذكرها، فإن لاعنت درء عنها الحد، فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، نسأل الله العافية، فهذا يلعن نفسه، وهذه تقول: إن غضب الله عليه، من أهل العلم من يقول: إن الغضب أشد من اللعن، وطلب في جانب المرأة؛ لأن أمرها في الموضوع أشد؛ لأنها بين أمرين، إما أن تكون صادقة أو زانية، بينما وضع الزوج بين أمرين إما أن يكون كاذباً أو قاذفاً، والقذف أسهل من الزنا، ولذا قيل في حقه: إن لعنة الله عليه، وقيل في حقها: إن غضب الله عليها.(99/16)
على كل حال الفائدة من اللعان، الحكمة المترتبة على اللعان: انتفاء الحد، وسقوط الحد عن الزوج؛ لأنه قاذف في الأصل، وانتفاء الولد، وفروع هذه المسألة المتفق عليها والمختلف عليها كثيرة، فهل ينتفي الولد بمجرد الملاعنة، أو لا بد من التنصيص على نفيه؟ المسألة خلافية بين أهل العلم.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن عويمراً العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: يا عاصم أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم عن ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" في كثير من الروايات أنه مباشرة، جاء عويمر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه؟ مباشرة، فالاحتمال أنه سأل بواسطة، ثم سأل بغير واسطة كما ذكر عن علي -رضي الله عنه- أنه أمر المقداد ثم سأل بعد ذلك.(99/17)
"سل لي يا عاصم عن ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسأل عاصم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسائل وعابها" يعني هذه المسائل القبيحة الشنيعة مكروهة؛ لأن مجرد الكلام في هذه الموضوعات فيه ما فيه، كره النبي -عليه الصلاة والسلام- المسائل وعابها، وأهل العلم يقولون: إن البلاء موكل بالمنطق، ولذا لما ذكر هذا وقع، يعني أنه ليس بالمطرد لكنه وقع على كل حال "حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" عظم عليه ذلك؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كره، فصار سبباً لكراهة النبي -عليه الصلاة والسلام- لهذا الأمر، والمسلم يود أن يكون سبباً للمودة والحب لا سبباً للكره والنفور "فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال: يا عاصم ماذا قال لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير" يعني الأمور التي تسبب الكره يجتنبها الإنسان، وإذا وقعت منه لا شك أن من أوقعه فيها يلام، يعني هذا الشخص الذي سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن مسألة وهو مجرد وسيط، فصارت سبباً لكراهية النبي -عليه الصلاة والسلام-، والصحابة كلهم دون استثناء، يريدون أو يحبون أن يدخلوا السرور على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهكذا ينبغي أن يدخل السرور على المسلم، لو أن شخصاً قال لك: اذهب بهذه الورقة إلى فلان، وسلمه إياها، وهذه الورقة ورقة طلاق لابنة فلان، وهذا لا يسره، يسوؤه، أنت ترضى وترتاح أن توصل هذه الورقة، أو تقول: والله أنا ما ودي أصير سبب لكراهة هذا الرجل وتكدير خاطره، ابعث بها غيري؟ يعني أنت تذهب وأنت مرتاح؟ لا، لا؛ لأن هذه سبب لكراهة ... ، إدخال الغم على أخيك، وهو حكم شرعي لكن مع ذلك لا ينبغي أن تكون سبباً في ذلك.(99/18)
"لم تأتني بخير، فقال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير، قد كره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسألة التي سألته عنها، فقال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها" مصر عويمر؛ لأن المسألة متوقعة، لكن لا ينبغي للإنسان أن يتوقع الشر، نعم يحذر الشر، ويبذل الأسباب لاتقاء الشر، لكن لا يتوقع الشر، يحسن ظنه بالله تعالى، وكثير من الناس جبل على أسوأ الاحتمالات، ولذلك تجده في جميع أموره يضع في نفسه أسوأ الاحتمالات، ولذلك تجده في كدر وغم شديد في طول حياته، وما الذي أداه إلى هذا الأمر؟ ينتظر حتى يحصل ما يحصل، وإلا لاحق على المصائب والمشاكل، خل، انتظرها إذا وقعت اصنع ما شئت، لكن قبل أن تقع تعذب بها قبل وبعد، هذا لا شك أنه نقص في العقل، وسوء ظن بالله تعالى.
يعني بعض الناس إذا رن التليفون من ولده، أو من زوجته أخذ منه الأمر كل مأخذ، توقع أن فيه بلاء، ترى هذا حال كثير من الناس، يعيشون في شقاء من أجل هذه، إذا رأى أدنى اجتماع قال: هذا ولدي صار عليه حادث، وإلا صار عليه كذا، ويحدثنا بعض الناس من هذا النوع أنه إذا رأى اجتماع جلبة من الناس يتوقعه أحد أولاده وهو في غير بلده، في بلد ثان، يقول: يمكنه مسافر وأنا ما دريت، مثل هذا يعيش في شقاء في تعاسة -نسأل الله السلامة والعافية، انتظر يا أخي القدر لا مفر منه، فإذا حصل مما يكره تصرف التصرف الشرعي، وهذا من شدة الحرص غير الشرعي، ولا يسلم من سوء ظن بالله تعالى.(99/19)
"لم تأتني بخير، قد كره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسألة التي سألته عنها، فقال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها، فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسط الناس فقال: يا رسول الله أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه؟ " فدل على أن من قتل يعني تصرف ونفذ الحد فإنه يقتل به، وهذا افتيات على الأمام وولي الأمر، والحدود لولي الأمر، ولو كان مستحقاً للقتل، يعني هذا الزاني الذي زنى بامرأته محصن مستحق للرجم، فقال: يقتل، لا، يقتل به، ولو كان مستحقاً للقتل؛ لأن هذا افتيات على ولي الأمر، ويفتح باب شر مستطير؛ لأنه إذا كان بينه وبين أحد شيء دعاه إلى بيته مظهراً إكرامه ثم يقتله، ويقول: وجدته على ... ، أنه وجده على امرأته، أو على بنته، أو ما أشبه ذلك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال هذا النص في الصحيحين، قال عويمر: أيقتله فتقتلونه؟ قال: ((نعم)) في بعض الروايات: ((يقتل به)).
"أم كيف يفعل؟ ".
من أهل العلم من يقول: إذا ظهرت علامات ووجدت قرائن تدل على صدقه، وأنه مستحق للقتل أنه يعزر ولا يقتل؛ لأنه مجرد افتيات، وأما المقتول فهو مستحق للقتل، هذا قول لبعض أهل العلم، لكن حديث عويمر ظاهر في أنه يقتل قطعاً لدابر الفساد وإراقة الدماء؛ لأن هذه أمور لا تنتهي.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
"أيقتله فتقتلونه؟ " وفي بعض الروايات: قال: ((نعم)) يعني يقتل.(99/20)
"أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قد أنزل فيك وفي صاحبتك، فاذهب فأت بها)) " أيقتله؟ أم كيف يفعل؟ ثم بعد ذلك وقع ما سأل عنه، وهنا يقول أهل العلم: إن البلاء موكل بالمنطق، ((قد أنزل فيك وفي صاحبتك، فاذهب فأت بها)) وهذا دليل على أن آية الملاعنة نزلت في قصة عويمر، وجاء ما يدل أيضاً على أنها في هلال بن أمية، منهم من يقول: إنه لا يمتنع أن ينزل النازل لأكثر من سبب، يتعدد السبب والنازل واحد، وقد تكون القصتان متقاربتين في الزمن، وأنزل بسببهما هذا، وقد يفهم الصحابي أن الآية نزلت في هذه القصة، ويفهم غيره أنها نزلت في القصة الأخرى، وكلاهما صالح لأن يكون سبباً للنزول، يعني يخفى عليه قصة الثانية، فيتذكر هذه فيكون السبب، الصحابة لما نزل قول الله -جل وعلا-: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [(82) سورة الأنعام] قالوا: وأينا لم يظلم نفسه؟! في بعض الروايات فأنزل الله -جل وعلا-: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان] مع أنه في بعض الروايات لما استشكلوا قال: ((ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: إن الشرك لظلم عظيم؟ )) على كل حال قد يكون اجتهاد من الراوي، تنزيل الآية على الواقعة اجتهاد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو سأل من قبل، يعني بعض الناس تكون عنده النازلة ويريد أن يسأل عنها، ولا يريد أن يضيفها لنفسه، فيقول: ما الحكم لو حصل كذا وكذا؟ أولاً: يسأل بواسطة ثم يسأل بنفسه، الاحتمال قائم، لكن أهل العلم قاطبة على أنها إنما كان السؤال والبلاء موكل بمنطقه هو، على كل حال الحكم واضح، والمقصود من القصة ظاهر، ((قد أنزل فيك وفي صاحبتك)) يعني آيات اللعان.(99/21)
" ((فاذهب فأتِ بها)) قال سهل: فتلاعنا، وأنا مع الناس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما فرغا من تلاعنهما، قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها" إن أمسكتها فهو كاذب "فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" طلقها اجتهاداً منه، وإلا فالأصل أن بمجرد اللعان تثبت الفرقة المؤبدة، ما يحتاج يطلق ولا واحدة، الآن الفراق حصل فرقة مؤبدة، لا تحل له، ولو نكحت ألف زوج، خلاص انتهى.
"قال مالك: قال ابن شهاب: فكانت تلك بعد سنة المتلاعنين".
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رجلاً لاعن امرأته في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وانتفل من ولدها" يعني تبرأ منه، ونفاه عن النسبة إليه "ففرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهما، وألحق الولد بالمرأة" لأن الولد للفراش، وأبوه تبرأ منه، ولاعن من أجله، ومن فائدة اللعان انتفاء الولد فانتفى عنه، وبقي منسوباً لأمه كولد الزنا، والولد للفراش، وللعاهر الحجر، نعم يعني لو حصل الزنا في طهر جامعها فيه، هل يلاعن أو لا يلاعن؟ كونه يقذف ويلاعن ليدرأ عنه الحد هذا شيء؛ لأنه إذا وقع الزنا -نسأل الله العفو العافية والسلامة- من الزوجة قد يكون طلاقه والستر عليها أولى، ما يحتاج إلى أن يقذفها ويلاعن، وهذا إذا تحقق من عدم الحمل، على كل حال هو قاذف، وإنما شرع اللعان لدرء الحد عنه، إذاً لا يدخل في أمر يلزمه بالحد، ولو كان صادقاً، فيستر عليها ويوديها إلى أهلها ويطلقها، وإن أخبرهم بسبب الطلاق، أخبر ولي الأمر من أجل أن يحرص على حفظها فهذا مطلوب.
المقصود أن هذا ما فيه إشكال إذا لم يحصل حمل، لكن إذا حصل حمل والحمل متردد بين الزنا وبين جماعه هو؛ لأن الزنا وقع في طهر جامعها فيه، فلا يدرى هذا الحمل منه أو من الزنا؟ ما دام الاحتمال قائماً هل يجوز له أن ينفيه؟
طالب:. . . . . . . . .
الأصل أن الولد له، ما دامت في عصمته فالولد له، لكن إذا لاعن هل ينتفي الولد مع احتمال أن يكون منه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . . .(99/22)
لا، ما ينتفي ولو لاعن، ما دام الاحتمال قائم أنه منه، يعني ما الذي يدريك أنه من الزوج أو من الزاني، وطئها بالليل وحصل الزنا بالنهار، أو هذا في أول النهار وهذا في آخره.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، إذا زنت وحملت في طهر لم تجامع فيه مقطوع به أنه ليس له، لكن ما دام الاحتمال قائماً، والحكم الشرعي أنها في عصمته، وقد وطئها واحتمال قوي أن يكون الولد منه، هذه مسألة لا بد منه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لكن القول قوله، هنا أقول: إذا حصل إذا لاعن وأراد نفي الولد، وقد جامعها فيه ينظر إلى القرائن، فإن جاءت به كذا فهو كذا، وإن جاءت به كذا فهو كذا، والتحاليل وما التحاليل والجينات.
طالب:. . . . . . . . .
لا، إذا كان فيه احتمال لا يجوز أن يتبرأ منه، ولو استفاد، لكن العبرة فيمن؟ في الواضع الأول، يعني الذي خلق من مائه، نسأل الله العافية.
"قال مالك: قال الله -تبارك وتعالى-: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [(6 - 9) سورة النور] "
"قال مالك: السنة عندنا أن المتلاعنين لا يتناكحان أبداً" يعني فرقة مؤبدة، وهذا قول الجمهور، ومنهم من يرى أنه إذا أكذب نفسه، وقال: كذبت عليها، أنه أسوة الخطاب، يعني مثل غيره من الخطاب "وإن أكذب نفسه جلد الحد، وألحق به الولد، ولم ترجع إليه أبداً، وعلى هذا السنة عندنا التي لا شك فيها ولا اختلاف"(99/23)
"قال مالك: وإذا فارق الرجل امرأته فراقاً باتاً ليس له عليها فيه رجعة، ثم أنكر حملها لاعن إذا كانت حاملاً، وكان حملها يشبه أن يكون منه" يعني إذا كان الاحتمال يشبه أن يكون منه إذا ادعته ما لم يأتِ دون ذلك من الزمان الذي يشك فيه، فلا يعرف أنه منه، طيب، إذا فارق الرجل امرأته فراقاً باتاً ليس له عليها فيه رجعة، يعني وقع منها الزنا فطلقها ثلاثاً، عند من يقول بطلاق الثلاث، والإمام مالك يقول به، ثم أنكر حملها، لاعنها إذا كانت حاملاً.
هل نقول: إنه يلزمه، يتعين في حقه الجلد حد القذف لأنه قذف امرأة أجنبية، واللعان إنما هو في حق الزوجين؟ طلقها طلاق بائن، وهي أجنبية منه، كما لو قذف أجنبية، هل نقول: يلزم الحد ولا أثر للعان هنا، أو نقول: يلاعن؟ لأنه، نعم من أجل الولد، ولذلك قال: "إذا فارق امرأته فراقاً باتاً ليس له عليها فيه رجعة، ثم أنكر حملها لاعنها إذا كانت حاملاً، وكان حملها يشبه أن يكون منه إذا ادعته، ما لم يأتِ دون ذلك من الزمان الذي يشك فيه فلا يعرف أنه منه" يعني إذا أتت به لدون أو لأكثر ستة أشهر، الآن احتمال أن يكون منها؛ لأن الحمل غالبه ستة أشهر، لكن إذا جاءت به لأكثر من ستة أشهر، لا شك أن هذا الزمان يشك فيه، فلا يعرف أنه منه أو من غيره.
"قال: فهذا الأمر عندنا، والذي سمعت من أهل العلم".
"قال مالك: وإذا قذف الرجل امرأته بعد أن يطلقها ثلاثاً وهي حامل يقر بحملها، ثم يزعم أنه رآها تزني قبل أن يفارقها جلد الحد ولم يلاعنها" لماذا؟ لأن الولد ثبت له، أقر به، أقر بالحمل أنه له، والقذف وقع بعد فراقها، في الصورة الأولى بعد فراقها فراقاً باتاً، لكن يستفاد من اللعان انتفاء الولد، في الصورة الثانية: هو يقر بالحمل، يقول: منه، الحمل منه، من الزوج، وإذا قذف الرجل امرأته بعد أن يطلقها ثلاثاً، مثل الصورة السابقة، إلا أنه في الصورة السابقة لا يقر بالولد، وفي الصورة اللاحقة يقر بالولد، ويكون حينئذٍ أوقع القذف على امرأة أجنبية، ما له أي فائدة، فتكون كغيرها، ما في ولد يمكن أن ينفى، الولد أقر به.(99/24)
"يقر بحملها، ثم يزعم أنه رآها تزني قبل أن يفارقها جلد الحد ولم يلاعنها، وإن أنكر حملها بعد أن يطلقها ثلاثاً لاعنها كالصورة الأولى".
"قال: وهذا الذي سمعت".
"قال مالك: والعبد بمنزلة الحر في قذفه ولعانه" يعني إذا قذف زوجته فإنه يلاعن، أو يجلد الحد "يجري مجرى الحر في ملاعنته غير أنه ليس على من قذف مملوكة حد" لأن شرط الحد إقامة حد القذف أن يكون المقذوف حراً.
مملوكةً أو مملوكه، لا يحد في الدنيا، وإنما يحد في الآخرة، نسال الله العافية.
"قال مالك: والأمة المسلمة والحرة النصرانية واليهودية تلاعن الحر المسلم إذا تزوج إحداهن فأصابها؛ لأنها زوجة، والله -سبحانه وتعالى- يقول في كتابه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [(6) سورة النور] فهن من الأزواج، وعلى هذا الأمر عندنا.
"قال مالك: والعبد إذا تزوج المرأة الحرة المسلمة، أو الأمة المسلمة، أو الحرة النصرانية، أو اليهودية لاعنها" لماذا؟ لأنه زوج، وهناك تلاعن لأنها زوجة، وهنا يلاعن لأنه زوج.
"قال مالك في الرجل يلاعن امرأته فينزع ويكذب نفسه بعد يمين أو يمينين" يعني قبل الفراغ من اللعان، في أثناء اللعان، ما لم يلتعن في الخامسة، يعني ما لم يفرغ، إذا فرغ من لعانه، خلاص انتهى، ليس له رجعة، وإذا لم يفرغ من لعانه أمكنه الرجوع، ما لم يلتعن في الخامسة: إنه إذا نزع قبل أن يلتعن جلد الحد، ولم يفرَق بينهما.
"قال مالك في الرجل يطلق امرأته، فإذا مضت الثلاثة الأشهر قالت المرأة: أنا حامل قال: إن أنكر زوجها حملها لاعنها".
"قال مالك في الأمة المملوكة يلاعنها زوجها ثم يشتريها: إنه لا يطؤها وإن ملكها" يعني يستفيد منها على أنها أمة مملوكة، جميع ما يستفاد من المملوكين إلا الوطء، وذلك أن السنة مضت أن المتلاعنين لا يتراجعان أبداً.
يعني نظير ما لو أهدى الرجل الأمة ولده أو بنته وقد جامعها فإنها لا تحل للولد ولا للأب، يستفيد منها في الخدمة، لكن لا يجوز له أن يطأها.
"قال مالك: إذا لاعن الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فليس لها إلا نصف الصداق" لأنه في حكم الطلاق، حكم الطلاق قبل الدخول، فليس لها إلا نصف الصداق، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(99/25)
إيه، إذا طالب ذاك، إذا طالب وقال: قذفني وهو كاذب، وثبت كذبه عند القاضي إذا أكذب نفسه، ثبت كذبه، فإذا طالب المقذوف لأن الحق لا يعدوه، يحد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، هذه حقوق العباد ما تتداخل ...
طالب:. . . . . . . . .
بعد تمام اللعان خلاص ترتبت عليه أحكام، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ميراث ولد الملاعنة
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عروة بن الزبير كان يقول في ولد الملاعنة وولد الزنا: "إنه إذا مات ورثته أمه حقاً في كتاب الله تعالى، وإخوته لأمه حقوقهم، ويرث البقية موالي أمه إن كانت مولاة، وإن كانت عربية ورثت حقها وورث إخوته لأمه حقوقهم، وكان ما بقي للمسلمين".
قال مالك: وبلغني عن سليمان بن يسار مثل ذلك، وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ميراث ولد الملاعنة
ولد الملاعِنة، ويصح أن تكون ملاعَنة، مثل المجادِلة والمجادَلة، فهي ملاعنة لزوجها، وزوجها لاعن منها.
"حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عروة بن الزبير كان يقول في ولد الملاعنة وولد الزنا: إنه إذا مات ورثته أمه حقهاً في كتاب الله تعالى" لأن الأم أم، لا يمكن أن ينفى عنها ولدها بحال؛ لأن العلاقة بينها وبين ولدها أمر محسوس، أما العلاقة بين الولد وأبيه، أمر لا يحس، يعني ولذلك يكتفى فيه بالاستفاضة، هل، أنت تجزم أن فلان ابن فلان وتحلف عليه، لكن هل هو في حقيقة الأمر كذلك أو لا؟ ما تجزم عليه، لكنه في الحكم الشرعي تجزم به، لأنه يكفي فيه الاستفاضة، أما الأم لا يشك أحد أن هذا الولد خرج من بطن هذه المرأة، ولذلك ترثه بخلاف الأب، ترثه أمه "ورثته حقها في كتاب الله تعالى، وإخوته لأمه حقوقهم" طيب أخوته الأشقاء؟ ما في أشقاء، طيب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(99/26)
هو لا أب له، لكن أنت افترض أن هذه المرأة التي لاعنت جاءت بولد من هذا الوطء الذي حصل بسببه الملاعنة، إما أن يكون في حقيقة الأمر ولد لهذا الرجل، أو ولد لغيره من الزنا، وعلى كل حال الحكم الشرعي ثبت أنه ليس للزوج، ليس للملاعن، هذا الزوج له من هذه المرأة أولاد، هذا الزوج له من هذه المرأة أولاد، ولها أولاد آخرون بعدما تزوجت بغيره، كلهم بالنسبة له إخوة لأم، كلهم، أولاد الأول، وأولاد الثاني كلهم إخوة لأم، إلا أن هؤلاء من زوج، وهؤلاء من زوج، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
توأم الملاعنة منهما، هما أخوان لأم فقط، فحكمهما مثل أخوتهما من الزوج الملاعن، ومن الزوج اللاحق، الحكم واحد، علاقتهم الرابطة بالجميع الأم.
"ويرث البقية موالي أمه إن كانت مولاة" يعني بالولاء "وإن كانت عربية" يعني حرة، ليست بأمة "ورثت حقها، وورث إخوته لأمه حقوقهم، وكان ما بقي للمسلمين" لأن البقية من أقاربها من ذوي الأرحام، ما في إلا ذوي الأرحام بعد ذلك.
طالب:. . . . . . . . .
ما في عصب من أين؟ من أين يجي عصبة؟
والذي يقدم ذوي الأرحام ويقول بإرثهم يورثهم.
"قال مالك: وبلغني عن سليمان بن يسار مثل ذلك، وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا" نعم.
أحسن الله إليك.
باب: طلاق البكر
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إياس بن البكير أنه قال: "طلق رجل امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها، ثم بدا له أن ينكحها، فجاء يستفتي فذهبت معه أسأل له، فسأل عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- وأبا هريرة -رضي الله عنهما- عن ذلك فقالا: "لا نرى أن تنكحها حتى تنكح زوجاً غيرك" قال: فإنما طلاقي إياها واحدة، قال ابن عباس: "إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل.(99/27)
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن النعمان بن أبي عياش الأنصاري عن عطاء بن يسار أنه قال: جاء رجل يسأل عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عن رجل طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يمسها قال عطاء: فقلت: إنما طلاق البكر واحدة، فقال لي عبد الله بن عمرو بن العاص: إنما أنت قاص الواحدة تبينها، والثلاثة تحرمها حتى تنكح زوجاً غيره".
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن عبدَ الله بن الأشج ...
بن عبدِ الله.
عن عبد الله بن الأشج أنه أخبره عن معاوية بن أبي عياش الأنصاري أنه كان جالساً مع عبدُ الله بن الزبير ...
مع عبدِ.
مع عبدِ الله بن الزبير وعاصم بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- قال: فجاءهما محمد بن إياس بن البكير فقال: إن رجلاً من أهل البادية طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها، فماذا تريان؟ فقال عبد الله بن الزبير: إن هذا الأمر ما لنا فيه قول، فاذهب إلى عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- وأبي هريرة -رضي الله عنه- فإني تركتهما عند عائشة فسلهما ثم ائتنا فأخبرنا، فذهب فسألهما فقال ابن عباس لأبي هريرة: أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة، فقال أبو هريرة: الواحدة تبينها، والثلاثة تحرمها حتى تنكح زوجاً غيره، وقال ابن عباس مثل ذلك.
قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا.
والثيب إذا ملكها الرجل فلم يدخل بها إنها تجري مجرى البكر الواحدة تبينها، والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: طلاق البكر
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إياس بن البكير أنه قال: طلق رجل امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها، ثم بدا له أن ينكحها" لأن المطلقة قبل الدخول تبين، ولا تحتاج إلى عدة، لكنها بينونة صغرى، له أن يتزوجها بعد ذلك، بعقد جديد، إذا طلقها واحدة.(99/28)
يقول: "ثم بدا له أن ينكحها، فجاء يستفتي فذهبت معه أسأل له، فسأل عبد الله بن عباس وأبا هريرة عن ذلك فقال: "لا نرى أن تنكحها حتى تنكح زوجاً غيرك، قال: فإنما طلاقي إياها واحدة، فقال ابن عباس" يعني في حكم الواحدة؛ لأن الواحدة تبينها، فالزائد لا قيمة له، يعني كما لو زاد عن الثلاث، يعني إذا كانت المدخول بها لا تبين إلا بالثلاث، فغير المدخول بها تبين بالواحدة، ويكون حكم الواحدة حكم الثلاث، وما زاد على الواحدة بالنسبة لغير المدخول بها كما زاد على الثلاث في حكم المدخول بها، هذا ظن السائل "قال: فإنما طلاقي إياها واحدة، قال ابن عباس: "إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل" يعني أطلقت من يدك، كان القياد والزمام بيدك فأرسلته، فلها أن تذهب "إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل".
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن النعمان بن أبي عياش الأنصاري عن عطاء بن يسار أنه قال: "جاء رجل يسأل عبد الله بن عمرو بن العاص عن رجل طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يسألها، قال عطاء بن يسار فقلت: إنما طلاق البكر واحدة" يعني وغير الواحدة لا يعتد به؛ لأنها بانت بالواحدة فلا يقع عليها ما بعد الواحدة، كأنه قال: بانت بالواحدة، والثانية والثالثة لم تقع موقعها؛ لأنها وقعت على امرأة ليست في عصمته، هذا رأي عطاء، فقلت: إنما طلاق البكر واحدة، فقال لي عبد الله بن عمرو بن العاص: إنما أنت قاص، أنت واعظ ما لك علاقة بالأحكام الشرعية، ولذا تجد بعض الخطباء أو بعض الدعاة الذين يحسنون مخاطبة الناس والجمهور والتأثير فيهم، لكنهم ليسوا من أهل الأحكام، ليسوا من أهل فقه الحلال والحرام، يتعرضون لإحراجات كثيرة، ومنهم من يتحرى ويتورع فلا يجيب، إنما أنا مجرد واعظ، لا علاقة لي بالأحكام، ومنهم من يستدرج فيجيب في عضل المسائل، وعلى كل حال هذا أصل في الموضوع.
"فقال لي عبد الله بن عمرو بن العاص: إنما أنت قاص" يعني اكتفي بقصك ووعظك "الواحدة تبينها، والثلاثة تحرمها" الطلقة الواحدة تبينها، والألفاظ الثلاثة تحرمها "حتى تنكح زوجاً غيره" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن هذا بعد زمن عمر، بعد ما اتفقوا على ذلك.(99/29)
المقصود أنهم عملوا بقول عمر، رأوه ووافقوا، ما عارضه أحد من الصحابة ولا التابعين، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، عطاء بن أبي رباح غير عطاء بن يسار.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا عطاء بن أبي رباح يفتي في عصر ابن عباس، وابن عباس يحيل عليه.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج أنه أخبره عن معاوية بن أبي عياش الأنصاري أنه كان جالساً مع عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر بن الخطاب قال: فجاءهما" عن معاوية بن أبي عياش الأنصاري أنه كان جالساً مع عبد الله بن الزبير وعاصم بن عبد الله بن عمر، كم هم؟ ثلاثة، قال: فجاءهما، جاء من؟ نعم جاء الاثنين؛ لأنه جاء ليسأل، ما جاء للثالث وإلا فهم ثلاثة "فجاءهما محمد بن إياس بن البكير فقال: إن رجلاً من أهل البادية طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها فماذا تريان؟ فقال عبد الله بن الزبير: إن هذا الأمر ما لنا فيه قول" القوم يتورعون في مثل هذه المسائل "فاذهب إلى عبد الله بن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة فسلهما ثم ائتنا" يعني رد لنا الخبر، هات الجواب نستفيد "فأخبرنا، فذهب فسألهما فقال ابن عباس لأبي هريرة: أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة" وأيضاً الصحابة يتدافعون، وأبو هريرة من فقهائهم، يعني بعض أهل الأصول يقول: إن رواية الفقيه ترجح على رواية غير الفقيه، ويزعمون أن أبا هريرة مجرد راوية، وليس بفقيه، لا، هو من فقهاء الصحابة، واستدل شيخ الإسلام على فقه أبي هريرة، وهو يقرر هذه المسألة: أن عمر سأله فقال: المطلقة ثلاثاً إذا نكحت زوجاً غيره بما ترجع لزوجها؟ ترجع بدون طلقات، أو بما معها من الطلقات والزوج ألغى الثالثة فقط، كما لو كانت مطلقة طلقتين، ثم بعد ذلك راجعها زوجها، تبقى الطلقتان، ولم يبق لها إلا واحدة، المطلقة ثلاثاً إذا طلقت، ترجع بعقد جديد بدون طلقات وإلا بطلقة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا طلقت ثلاثاً ونكحت زوجاً غيره، ثم رجعت.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(99/30)
نعم تهدم كل الطلقات، تأتي بعقد جديد، كأنه أول مرة يراها، وقال عمر: لو أفتيت بغير هذا لضربتك بالدرة، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كذلك.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هذا هو الراجح عند أهل العلم أنها ترجع جديد، ترجع صفر مصفرة، يعني مرة مرة، ما فيها شيء.
طالب:. . . . . . . . .
كل شيء، بالنسبة لإيش؟ لمن بانت بثلاث؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذا طلقها طلقتين، ورجعت إلى ... ، يعني بعد زواج ثاني؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم هنا يأتي السؤال، لو نكحت المطلقة واحدة أو طلقتين زوج آخر ورجعت للأول، هل تعود صفر مثل المطلقة البائن، أو تبقى الطلقتان؟ تبقى الطلقتان، ما هي مثل ... ؛ لأن نكاحها زوجاً آخر ليس بمشترط عليها، إنما في البائن مشترط عليها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، نعم هذا سؤاله، فقال: تبقى الطلقتين، قال: أرأيت لو طلقت ثلاثاً ثم نكحت زوجاً آخر، هل تبقى الطلقات عليها؟ قال: لا، قال: لماذا لا تكون؟ قال: أبداً، هذا النص؛ لأن طلقتان لا يشترط لهما زوج جديد، لا يشترط لهما زوج آخر، فغير المشترط لا أثر له، ما يمحوه شيء.
قال: فقال أبو هريرة: الواحدة تبينها، والثلاثة تحرمها حتى تنكح زوجاً غيره، وقال ابن عباس مثل ذلك.
قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا.
"والثيب إذا ملكها الرجل فلم يدخل بها إنها تجري مجرى البكر" يعني لا فرق بين طلاق ثيب وبكر، الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجاً غيره، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: طلاق المريض
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: وكان أعلمهم بذلك.
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته ألبتة، وهو مريض فورثها عثمان بن عفان منه بعد انقضاء عدتها.
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج أن عثمان بن عفان ورث نساء ابن مكمِّل منه ...
مكمِل.
أحسن الله إليك.
ورث نساء ابن مكمِل منه، وكان طلقهن وهو مريض.(99/31)
وحدثني عن مالك أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول: بلغني أن امرأة عبد الرحمن بن عوف سألته أن يطلقها، فقال: إذا حضت ثم طهرت فآذنيني، فلم تحض حتى مرض عبد الرحمن بن عوف، فلما طهرت آذنته فطلقها البتة، أو تطليقة لم يكن بقي له عليها من الطلاق غيرها، وعبد الرحمن بن عوف يومئذٍ مريض فورثها عثمان بن عفان منه بعد انقضاء عدتها.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حِبان قال ...
حَبان.
أحسن الله إليك.
ابن حَبان قال: كانت عند جدي حَبان امرأتان هاشمية وأنصارية، فطلق الأنصارية وهي ترضع، فمرت بها سنة، ثم هلك عنها ولم تحض، فقالت: أنا أرثه لم أحض فاختصمتا إلى عثمان بن عفان فقضى لها بالميراث، فلامت الهاشمية عثمان، فقال: هذا عمل ابن عمك هو أشار علينا بهذا، يعني علي بن أبي طالب.
وحدثني عن مالك أنه سمع ابن شهاب يقول: إذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً وهو مريض فإنها ترثه.
قال مالك: وإن طلقها وهو مريض قبل أن يدخل بها فلها نصف الصداق، ولها الميراث، ولا عدة عليها، وإن دخل بها ثم طلقها فلها المهر كله، والميراث البكر والثيب في هذا عندنا سواء.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: طلاق المريض
المريض المرض المخوف الذي يخشى أن يموت منه لا ينفذ طلاقه لأن التهمة قائمة، أنه إنما طلقها ليحرمها من الميراث، فلا ينفذ طلاقه.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: وكان أعلمهم بذلك.
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته ألبتة، وهو مريض فورثها عثمان بن عفان منه بعد انقضاء عدتها".
لأن التهمة قائمة أنه يريد حرمانها، وهو عبد الرحمن بن عوف، يعني من العشرة المبشرين بالجنة، لكن الحكم على ما يظهر، لا على ما خفي، ما يقال: والله عبد الرحمن ما يظن به أنه يريد حرمانها، هذا حكم للجميع، فإذا طلق الرجل امرأته في مرضه المخوف فإنها ترثه، ولو انتهت العدة.(99/32)
قال: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج أن عثمان بن عفان ورث نساء ابن مكمِل منه، وكان طلقهن وهو مريض" ابن مكمل هذا طلق الزوجات كلها، بقرار واحد طلق الزوجات، وهو في مرض موته، فورثهن عثمان بن عفان -رضي الله عنه وأرضاه-.
قال: "وحدثني عن مالك أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول: بلغني أن امرأة عبد الرحمن بن عوف سألته أن يطلقها فقال: إذا حضت ثم طهرت فآذنيه" كأنها طلبت الطلاق في طهر جامعها فيه، فقال: "إذا حضت ثم طهرت فآذنيني، فلم تحض حتى مرض عبد الرحمن بن عوف، فلما طهرت آذنته فطلقها ألبتة، أو تطليقة لم يكن بقي له عليها من الطلاق غيرها، وعبد الرحمن بن عوف يومئذٍ مريض، فورثها عثمان بن عفان منه بعد انقضاء عدتها" وهذا كسابقه؛ لأن المطلقة في مرض الموت المخوف ترث، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ولو كان؛ لأن هذا حكم عام، قد يقال: إن وراء هذا الطلب ضغط، وإلا وراءه شيء ما يدرى، المقصود أن مرض الموت لا تنفذ فيه التصرفات.
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حَبان قال: كانت عند جدي حَبان امرأتان هاشمية وأنصارية، فطلق الأنصارية وهي ترضع، فمرت بها سنة، ثم هلك عنها ولم تحض" يعني ما خرجت من العدة أو خرجت؟ لأنها لم تحض، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لأنها ترضع، ما حاضت، التي ترضع أو ارتفع حيضها لسبب إما معلوم أو مجهول لمدة سنة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لسبب معلوم ارتفع حيضها أو لسبب مجهول، وهي ذات أقراء، كانت تحيض فالمفترض أنها تخرج من العدة بثلاثة أشهر، ما حاضت لمدة سنة، نقول: تنتظر حتى تحيض ثلاث حيض؟ تسعة أشهر للجزم ببراءة رحمها، ثم الثلاثة أشهر عدة الآيسة، طيب فمرت بها سنة، ثم هلك عنها ولم تحض "فقالت: أنا أرثه لم أحض فاختصمتا إلى عثمان بن عفان فقضى لها بالميراث، فلامت الهاشمية عثمان" لماذا تلوم الهاشمية؟ لأنها أخذت نصف الميراث عنه، نعم نصف ما تستحقه من ميراث "فقال: هذا عمل ابن عمك هو أشار علينا بذلك يعني علي بن أبي طالب" وقلد علي بن أبي طالب -رضي الله عن الجميع-.(99/33)
"وحدثني عن مالك أنه سمع ابن شهاب يقول: إذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً وهو مريض فإنها ترثه" على ما تقدم.
"قال مالك: وإن طلقها وهو مريض قبل أن يدخل بها فلها نصف الصداق، ولها الميراث" فلها نصف الصداق لأنها مطلقة قبل الدخول، ولها الميراث لأنه متهم "ولا عدة عليها" لأن المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها "وإن دخل بها ثم طلقها فلها المهر كله، والميراث البكر والثيب في هذا عندنا سواء" والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(99/34)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب النكاح والطلاق (7)
باب: ما جاء في متعة الطلاق - باب: ما جاء في طلاق العبد - باب: ما جاء في نفقة الأمة إذا طلقت وهي حامل - باب: عدة التي تفقد زوجها - باب: ما جاء في الأقراء وعدة الطلاق وطلاق الحائض - باب: ما جاء في عدة المرأة في بيتها إذا طلقت فيه.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذه امرأة تقول: ما حكم العمليات التجميلية التحسينية، أي: لزيادة الحسن لا لإصلاح العيب؟
هذا من تغيير خلق الله فلا يجوز، إلا إذا أذى أو قذر به الإنسان أما ما عدا ذلك فلا.
هذه امرأة تقول: ما أفضل كتاب من الكتب التالية لتدريس فقه العبادات لطالبات المرحلة الجامعية: الروض المربع من حاشية ابن قاسم، منار السبيل، الملخص الفقهي، الشرح الممتع؟
لا أمتن هذه الكتب وأنسبها لطلاب هذه المرحلة الروض المربع؛ لأنه يحتاج إلى فك، ويحتاج إلى معاناة وتعب، وبهذا يرسخ العلم.
كيف يكون قبول الفتاة بالخاطب وهي لا تعرفه، وإنما يعرفه أبوها فهل له أن يرفض إذا رفضت؟
نعم عليه أن يرفض إذا رفضت؛ لأن الأمر لها، إذا رفضت يرفض الولي؛ لأن الأمر لها، وأما كون الفتاة لا تعرفه، هذا الأصل، هذا الأصل أنها لا تعرفه، لكن إذا بينت له، إذا بين لها محاسنه، وكان الأب أميناً صادقاً منصفاً في بيان المحاسن والمآخذ عليه إن وجدت، فتأخذ بقول أبيها، المسألة مسألة مفترضة في الأب الثقة.
هل يجوز حضور الوليمة وصوت النساء يضربن بالدف يصل إلى الرجال؟
لا، صوت النساء في هذه الحالة ليس صوتاً طبيعياً؛ لئلا يقول من يقول: إن صوت المرأة ليس بعورة، لكنه صوت فيه، لا بد أن يصحبه خضوع، وعلى هذا لا يجوز للرجال سماعه.
هذا يقول: يسلم عندنا من النصرانيات ولهن أولاد، فهل يفرق بين الزوج وزوجته؟
يسلم عندنا من النساء النصرانيات، هذه إذا تمت عدتها ولم يسلم زوجها يفرق بينهما.
وإذا كان ...
أخطاء كثيرة هو يقصد الداخل في الإسلام هو الزوج فهل يفرق بينهما؟
نعم يفرق بينهما فوراً حتى تسلم، يفرق بينهما؛ لأنه لا يجوز الإمساك بعصم الكوافر.
هذه أم سلمة تقول: هل أجد لكم شروحاً مطبوعة ومفرغة؟
في التفريغ كثير.(100/1)
يقول: هل وجوب إجابة الدعوة لوليمة العرس فقط؟
نعم، أما غيرها من الدعوات فإجابتها مستحب استحباباً مؤكد.
يقول: ذكرتم أن الملاعن جاء في حقه اللعن، وهو أهون من الغضب الذي في حق الملاعنة؛ لأن حاله لا يخلو من أمرين: إما أن يكون كاذباً أو قاذفاً؟
لا، أو صادقاً، إما أن يكون كاذباً أو صادقاً، وعلى كلا الحالين قاذف، فإن كان صادقاً ولاعن لا شيء عليه، لا إثم، ولا تبعة عليه، إلا أنه يفرق بينه وبين وزوجته، وينتفي الولد إن وجد، صادقاً أو كاذباً، فإن كان صادقاً فالملاعنة في حقه -لا سيما- إذا وجد الولد متعينة، ولا إثم عليه، ولو لعن نفسه لأنه صادق؛ لأنه يلعن نفسه إن كان كاذباً، وإن كان كاذباً فهو قاذف -نسأل الله السلامة والعافية-، والقذف شأنه عظيم.
يقول: نريد أن نشتري سيارة بالتقسيط من معارض بنك دبي الإسلامي، أو من شخص ولكن يشتريها البنك أولاً من الشخص ثم يبيعها لنا بالتقسيط، فهل نفعل ذلك أم لا؟
إذا ملكها البنك ملكاً مستقراً تاماً بحيث إذا تلفت صارت من ضمانه، ثم باعها عليكم، هذا لا بأس به، وتبيعونها على طرف ثالث.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في متعة الطلاق
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأة له فمتع بوليدة.
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: لكل مطلقة متعة إلا التي تطلق، وقد فرض لها صداق ولم تمس، فحسبها نصف ما فرض لها.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه قال: لكل مطلقة متعة.
قال مالك -رحمه الله-: وقد بلغني عن القاسم بن محمد مثل ذلك.
قال مالك -رحمه الله-: ليس للمتعة عندنا حد معروف في قليلها ولا كثيرها.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في متعة الطلاق(100/2)
المتعة المال الذي يدفعه الزوج لزوجته غير المهر عند فراقها، وقد جاء الأمر به في قوله -جل وعلا-: {وَمَتِّعُوهُنَّ} [(236) سورة البقرة] وهذا مقرون قلة وكثرة بحال الزوج، على الموسر قتره وعلى المقتر قدره، يعني على الفقير ما يناسب حاله، وعلى الغني ما يناسب حاله.
وقد طلق الحسن بن علي بن أبي طالب امرأتين فأرسل لكل واحد منهما عشرة آلاف، وقال للذي بعثه: اسمع ما تقول كل واحدة، أما إحداهما فأخذت المال وسكتت، وأما الثانية فأخذت المال وقالت: مال كثير من حبيب مفارق، فيقال: إنه ردها، راجعها.
المقصود أن هذه المتعة جاء الأمر بها، ولذا يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأة له فمتع بوليدة".
عبد الرحمن بن عوف موسر، فكونه يمتع بجارية مناسب له جداً، ولا شك أن هذا من كرم الأخلاق، وإلا بالمقابل بعض الناس يضيق على المرأة حتى تفتدي، تشتري نفسها شراء، ومثل هذا يتصور أو يتوقع منه أن يمتع؟ لا، والله المستعان.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: "لكل مطلقة متعة" إلا التي تطلق قبل الدخول وقد فرض لها المهر، فإنها تستحق النصف ولا متعة لها، لكن إذا طلقت قبل الدخول، ولم يسمّ لها مهر هذه تمتع، ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أنه كان يقول: "لكل مطلقة متعة إلا التي تطلق وقد فرض لها صداق ولم تمس" يعني قبل الدخول "فحسبها" يعني يكفيها "نصف ما فرض لها".
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه قال: لكل مطلقة متعة".
"قال مالك: وقد بلغني عن القاسم بن محمد مثل ذلك" كلهم يقولون: لكل مطلقة متعة، وهذا العموم يشمل البائن والرجعية.(100/3)
"قال مالك: ليس للمتعة عندنا حد معروف في قليلها ولا كثيرها" وإنما هي مربوطة بالعسر واليسر على الموسر قدره وعلى المقتر قدره، يعني على الغني ما يناسب حاله، وعلى الفقير أيضاً أن لا يشق بأكثر مما يطيق، كالنفقة، النفقة تتبع اليسر والعسر، ويختلف أهل العلم في حكم هذه المتعة فمنهم من يوجبها للأمر، والأمر الأصل فيه الوجوب، ومنهم من يقول: إن الأمر للاستحباب، وأنه لا يجب للمرأة إلا الصداق والنفقة فقط، وأما المتعة بعد الفراق فإنها ليست بواجبة، وإنما تستحب، والأمر فيه الاستحباب، والأصل في الأمر الوجوب، نعم.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في طلاق العبد
حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن سليمان بن يسار أن نفيعاً مكاتباً كان لأم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو عبداً لها كانت تحته امرأة حرة، فطلقها اثنتين، ثم أراد أن يراجعها فأمره أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يأتي عثمان بن عفان فيسأله عن ذلك، فلقيه عند الدرج بيد زيد بن ثابت ...
آخذاً.
أحسن الله إليك.
آخذاً بيد زيد بن ثابت، نعم.
فلقيه عند الدرج آخذاً بيد زيد بن ثابت، فسألهما فابتدراه جميعاً فقالا: حرمت عليك، حرمت عليك.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن نفيعاً مكاتباً كان لأم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- طلق امرأة حرة تطليقتين، فاستفتى عثمان بن عفان فقال: "حرمت عليك".
وحدثني عن مالك عن عبد ربه بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن نفيعاً مكاتباً كان لأم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- استفتى زيد بن ثابت فقال: إني طلقت امرأة حرة تطليقتين، فقال زيد بن ثابت: "حرمت عليك".
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: إذا طلق العبد امرأته تطليقتين فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره، حرة كانت أو أمة، وعدة الحرة ثلاث حيض، وعدة الأمة حيضتان.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: من أذن لعبده أن ينكح فالطلاق بيد العبد ليس بيد غيره من طلاقه شيء، فأما أن يأخذ الرجل أمة غلامه، أو أمة وليدته فلا جناح عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(100/4)
باب: ما جاء في طلاق العبد
وأحكام العبيد تختلف عن أحكام الأحرار، فإن كانا عبدين فالطلاق طلقتان والعدة قرءان، وإن كان الزوج حراً والزوجة أمة فالطلاق ثلاث، والعدة قرءان، وإن كان العكس الزوج عبد والزوجة حرة فالطلاق تطليقتان والعدة ثلاث حيض، فلكل منهما منا يناسبه من الأحكام.
يقول: "باب: ما جاء في طلاق العبد"
"حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن سليمان بن يسار أن نفيعاً مكاتباً لأم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو عبداً لها كانت تحته امرأة حرة" قد يقول قائل: كيف تقبل امرأة حرة عبد؟ كيف تقبل عبد؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
تحته امرأة حرة ما فيه ما يدل على هذا، قد تكون من قريش، ويتزوجها عبد، أولاً: الكفاءة في الدين كما هو معلوم، والمقداد مولى وزوجته ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، بنت عم النبي -عليه الصلاة والسلام- بالنفس، فلا شيء في هذا من جهة الحكم الشرعي.(100/5)
الأمر الثاني: من حيث الواقع ما أشبه الليلة بالبارحة، واقعنا مثل واقع من تقدم، تجد الآن البنت وهي تدرس في الجامعة مثلاً لا تريد إلا من يناسبها، لا تريد إلا شاب جامعي متعلم يفهمها وتفهمه، على حد زعمهم، عندهم أن غير المتعلم ما يفهم شيء، لا، لا بد من التكافؤ في التعليم، وهذا مع الأسف أن بعض من يتصدى لحل المشاكل الاجتماعية قد يقول مثل هذا، ثم بعد ذلك تشترط شروط، أن يكون على قدر من الوسامة مع التعليم، وأيضاً يكون له مركز ومنصب اجتماعي، وله مال، هذه أحلام كثير من البنات، ثم بعد ذلك تتخرج البنت، ويتقدم إليها ناس متفاوتون، منهم اللي ما عنده شهادة وعنده مال، ومنهم اللي عنده مال ولا عنده شهادة، ثم تقول: لا والله، هذا ما عنده شهادة، والثاني تقول: لا والله ما عنده مال، والثالث تقول: ما أدري إيش؟ المقصود أن هذه العلل العليلة الواهية تجعل مثل هذه البنت يتقدم بها السن، فإذا ولجت مع بوابة الثلاثين رضيت الخاطب كائناً من كان، وعرفنا من هذا النوع، وسمعنا الشيء الكثير، حتى أن بنت جامعية وسيمة وتطلب الشروط، وبعد ذلك يتزوجها شخص أمي لا يقرأ ولا يكتب، بل بعض من يكتب في الصحف من المثقفات ذوات الشهادات العالية تزوجت عامي لا يقرأ ولا يكتب؛ لأن المسألة مسألة عرض وطلب، إذا فاتها –على ما يقولون العامة- القطار خلاص، ما بقي إلا العنوسة أو لزوم البيت، ما يجيها إلا إنسان ما يقبله الشابات.
على كل حال مثل هذا أيضاً ليس بعيب أن تقدم على الزواج بغير متعلم إذا كان قد توافر فيه الدين والأمانة والخلق، هذا ما يجوز رده أياً كان، الدراسة ليست بشرط، نعم كمال، لكن مع ذلك قد يكون الدارس أجهل من العامي، وقد جبل على خلق سيء يسومها سوء العذاب، والإشكال أن بعض الأفكار وفدت على المجتمعات الإسلامية وكانت في غنية عنها.(100/6)
واحدة تُسأل في وسيلة إعلام عن الزواج المبكر، قالت: أنا لا أؤيد الزواج المبكر، طيب لماذا؟ تقول: لأننا في عصر الإنترنت، طيب ويش دخل الإنترنت بهذا؟ يعني علل عليلة تدل على سخف وفساد في التصور، وامرأة تسأل تقول: إنها في الأربعين من عمرها تقدم لها طبيب ذو خلق ودين إلا أنه يكبرها بخمس سنوات، فهل يمكن التعايش بينهما؟ عمرها أربعين وعمره خمسة وأربعين، تسأل شخص له اهتمام بالمشاكل الاجتماعية هل يمكن التعايش؟ قال: التي عمرها أربعون سنة يناسبها من عمره سبعون سنة، إي نعم، الرجال يختلفون عن النساء، ولذلك تجد الزواج في الغالب يعني الشباب عمره خمسة وعشرين ستة وعشرين يتزوج ثمانية عشر سبعة عشر إلى العشرين، يعني مناسب جداً، يعني الفرق هذا ما هو بكبير، وتجد أيضاً من تأخر زواجه إلى الثلاثين وكذا، ما يرضى أم خمسة وعشرين، وهي تقول: لا، هل يناسب، وهذه التصورات الفاسدة جعلت كثير من البنات تجلس بدون زوج، يعني من الطرائف أن بنت في السابعة عشرة من عمرها اتصلت على واحد عمره يقرب من الستين تخطبه، تعرض نفسها عليه، قال: طيب ما الذي دعاك إلى ذلك؟ قالت: والله اللي دعاني البيت مليان، عندي أخت عمرها أربعين، واحدة ثمانية وثلاثين، وواحدة سبعة وثلاثين، وواحدة خمسة وثلاثين، أنا ما ودي أصير مصير مثلهن، أنا أريد أن أبادر بدون ها المشكلة؛ لأن هذه معاناة في البيوت، يعني إذا كانت البنت تعاني فالأم أشد معاناة، الأب أشد معاناة من البنت في هذه الحالة؛ لأن الخوف من المستقبل يساور الجميع؛ لأنه ما يدرى هل تستمر على هذه الحالة، أو ترزق بزوج؟ على كل حال المسألة تحتاج إلى عقل، وتحتاج إلى تطبيق للشرع، ((إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)) يعني تذكر أرقام مخيفة في العنوسة، وإلا ويش اللي جعل هذه تقبل عبد؟ حرة تحت عبد؟ يعني هذا جعلها يمكن تقدم بها السن، وما لها إلا هو، أو شخص حر لكنه ما يلبي رغبتها، والله المستعان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في أدنى إشكال.
طالب:. . . . . . . . .(100/7)
لا، لا العجمي حر، له كامل الحقوق، يعني في الشرع مثل القرشي، ما فيه إلا الفرق في الولاية العامة، ((الأئمة من قريش)) وأما الباقي ما في فرق، الأكفاء في الدين.
"كانت تحته امرأة حرة فطلقها اثنتين، ثم أراد أن يراجعها" الطلاق يتعلق به، والعدة تتعلق بها "ثم أراد أن يراجعها فأمره أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يأتي عثمان بن عفان فيسأله عن ذلك، فلقيه عند الدرج" الدرج موضع بالمدينة ما هو بالسلم، نحن نسمي السلم درج؛ لأنه يتدرج فيها في الصعود، يتدرج بها في الصعود والنزول.
"آخذاً بيد زيد بن ثابت، فسألهما فابتدراه جميعاً فقالا: حرمت عليك، حرمت عليك" قد يقول قائل: أين التدافع تدافع الفتوى؟ نقول: إن هذه الأمور الواضحة ما تحتاج إلى تدافع، فمادام الجواب موجود بدليله، والمسألة متحررة ومضبوطة لا مانع أن يفتي فيها مع وجود غيره، الإشكال في المسائل العويصة التي هي مظنة خطأ، هذه هي التي يخشى على الإنسان من التسرع فيها.
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن نفيعاً" سمي هنا، وفي الرواية الأخرى، كل الروايات مسمى "أن نفيعاً مكاتباً كان لأم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- طلق امرأة حرة تطليقتين، فاستفتى عثمان بن عفان فقال: حرمت عليك" في الطريق الأول كلاهما عثمان، وزيد بن ثابت قالا: "حرمت عليك" وفي الثاني عثمان قال: "حرمت عليك"، وفي الثالث استفتى زيد فقال: "حرمت عليك" جمعهما ثم فرقهما، جمعا في الرواية، وفرقا فيها، وعلى كل حال إذا كان المفتي أكثر من واحد يذكرون جميعاً، ولو اقتصر على أحدهم لا مانع، يقتصر على هذا مرة وهذا مرة، وأحياناً يجمعون لا إشكال؛ لأنه صح أنه استفتى عثمان فقال: "حرمت عليك"، وصح أنه استفتى زيد بن ثابت فقال: "حرمت عليك"، وصح أنه استفتاهما معاً فقالاً: "حرمت عليك"، فالجمع والتفريق هذا ما فيه إشكال.(100/8)
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: إذا طلق العبد امرأته تطليقتين فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره حرة كانت أو أمة" لأن الطلاق يتعلق به، فأحكامه إنما هي أحكام العبيد "وعدة الحرة ثلاث حيض" لأن العدة متعلقة بالمرأة، والحرة عدتها ثلاث حيض، كما أن الأمة عدتها حيضتان.
قال: "وحدثني عن مالك ... " نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا من أول الكتاب نقول هذا، من أول الكتاب نقول هذا الكلام، كله على هذه الطريقة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه بس ما يمكن أن يكرر بإسناده ومتنه، يعني بلفظه إسناداً ومتناً نقول: هذا تكرار، لكن إذا تغير الإسناد هذا مو بتكرار، أو تغير لفظ المتن ليس بتكرار، التكرار إذا تكرر الحديث مرتين بإسناده ومتنه، وبصيغ أدائه، قد يكون الإسناد واحد، لكن صيغ الأداء متعددة، يستفاد من التكرار هذا.
قال: "وحدثني عن مالك ... "
لكن يأتي من يأتي ويختصر الموطأ في ورقات، يختصر الموطأ يقتصر على المتون، الصحابي والمتن، أو التابعي مع الإرسال، ولا يكرر ولا كذا، ثم يطلع في ربع حجمه.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: من أذن لعبده أن ينكح فالطلاق بيد العبد" لأن الطلاق لمن أخذ بالساق، يعني الزوج هو الذي يطلق، ولا يملك أحد أن يطلق عليه "من أذن لعبده أن ينكح فالطلاق بيد العبد ليس بيد غيره من طلاقه شيء" يعني ولا السيد، ما دام أذن يتحمل التبعة "فأما أن يأخذ الرجل أمة غلامه أو أمة وليدته" أمة عند الغلام، هذا القول بأنه يملك أو الأمة عندها وليدة جارية "فلا جناح عليه" له أن يأخذ؛ لأنه يملك الغلام وما يملكه الغلام، ويملك الأمة وما تملكه الأمة فلا جناح عليه.(100/9)
إذاً ما فائدة قول الإمام مالك أنه يملك بالتمليك؟ إيش مقتضى الملك؟ أنه لا يجوز لأحد أن يأخذ منه شيئاً كالحر، إذا قلنا: يملك بالتمليك خلاص انتقل الملك من غيره إليه كالحر، إذا قلنا: يملك، ولذا يقول الجمهور: لا يملك ولا بالتمليك، كيف يقول: فلا جناح عليه، والإمام مالك ينقل هذا الكلام ولا يعقب عليه؟ ابن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: كان يقول: "من أذن لعبده أن ينكح فالطلاق بيد العبد ليس بيد غيره من طلاقه شيء، فأما أن يأخذ الرجل أمة غلامه أو أمة وليدته" هذا بالنسبة للنكاح، إذا تزوج زواج فليس بيد السيد، لكن إذا ملك، إذا اشترى أمة يأخذها السيد، إذا اشترى وليدة يملكها السيد.
إذاً ما معنى كونه يملك بالتمليك؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو العادة يعقب، يعقب بالتأييد أو بالمخالفة، لكن لعل هذا من باب: ((أنت ومالك لأبيك)) الولد يملك ملك تام، يتصرف يبيع ويشتري، تصرف كامل، لكن لأبيه أن يأخذ من ماله، وإذا كان هذا بحق الحر، ففي حق العبد من باب أولى، من هذه الجهة، حتى على رأي الأمام مالك، وإلا فالجمهور من الأصل هي ملك للسيد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، يراجعها، طلقة واحدة يراجعها، رجعية، لكن إذا طلقها الثانية بانت منه، كالثلاث بالنسبة للحر.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في نفقة الأمة إذا طلقت وهي حامل
قال يحيى قال مالك: ليس على حر ولا عبد طلقا مملوكة ولا على عبد طلق حرة طلاقاً بائناً نفقة، وإن كانت حاملاً إذا لم يكن له عليها رجعة.
قال مالك -رحمه الله-: وليس على حر أن يسترضع لابنه وهو عبد قوم آخرين، ولا على عبد أن ينفق من ماله على ما يملك سيده إلا بإذن سيده.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في نفقة الأمة طُلِقَت وهي حامل
"قال مالك: ليس على حر ولا عبد طلقا مملوكة ولا على عبد طلق حرة طلاقاً بائناً نفقة" طيب ماذا عن الحر إذا طلق حرة طلاقاً بائناً له وإلا ما عليه؟ طلاق بائن، والنفقة كما يقول أهل العلم: والنفقة للحمل نفسه لا لها من أجله.(100/10)
"قال مالك: ليس على حر ولا عبد طلقا مملوكة ولا على عبد طلق حرة طلاقاً بائناً نفقة، وإن كانت حاملاً إذا لم يكن له عليها رجعة" لماذا؟ وإن كانت حامل، إذا لم يكن له عليها رجعة، أما نفقة الرجعية معروفة لأنها زوجة، وهذا بائن وحامل، إي نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يتبع أمه، في الحرية والرق يتبع أمه، نفقته على مالكه.
"قال مالك: وليس على حر أن يسترضع لابنه وهو عبد قوم آخرين" يعني تزوج الأمة فحملت منه فالولد لسيده، ولا يكلف العبد أن يسترضع لهذا الولد وهو ليس له، إنما هو لغيره "وهو عبد قوم آخرين، ولا على عبد أن ينفق من ماله على ما يملك سيده إلا بإذن سيده" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب، والعبد للسيد، يقول: ولا على عبد، يعني لا يلزم العبد أن ينفق من ماله على ما يملك سيده مثل الصورة الأولى، مثل الصورة ليس على حر أن يسترضع لابنه؛ لأن الولد ليس له، وكذا ليس على عبد أن ينفق من ماله على ما يملك سيده؛ لأن الولد للسيد إلا بإذن سيده، وهذا يطرد في هذه الصورة وغيرها من أموال السيد، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: عدة التي تفقد زوجها
حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو؟ فإنها تنتظر أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشراً، ثم تحل.
قال مالك -رحمه الله-: وإن تزوجت بعد انقضاء عدتها فدخل بها زوجها، أو لم يدخل بها فلا سبيل لزوجها الأول إليها.
قال مالك -رحمه الله-: وذلك الأمر عندنا، وإن أدركها زوجها قبل أن تتزوج فهو أحق بها.
قال مالك: وأدركت الناس ينكرون الذي قال بعض الناس على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: يخير زوجها الأول إذا جاء في صداقها أو في امرأته.
قال مالك: وبلغني أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال في المرأة يطلقها زوجها وهو غائب عنها ثم يراجعها فلا يبلغها رجعته، وقد بلغها طلاقه إياها، فتزوجت: أنه إن دخل بها زوجها الآخر أو لم يدخل بها فلا سبيل لزوجها الأول الذي كان طلقها إليها.
قال مالك -رحمه الله-: وهذا أحب ما سمعت إلي في هذا وفي المفقود.
يقول -رحمه الله تعالى-:(100/11)
باب: عدة التي تفقد زوجها
المفقود: الذي يخرج من أهله دون أن يعلمهم بقصده، ولا وجهته، فينتظرونه فلا يرجع هذا مفقود، والمسافر الذي لا يدرى إلى أين ذهب؟ ويفرق أهل العلم بين من كان غالبه الغالب على حاله السلامة وبين من كان الغالب على حاله الهلاك، فقالوا: إذا كان سفره غالبه السلامة فإنه ينتظر تسعين سنة منذ ولد، وإذا كان الغالب الهلاك فإنه ينتظر أربع سنين منذ فقد، وجاء في بعض كتب الزيدية أنه ينتظر مائة وخمسين سنة؛ لأن هذا أكثر ما يعيش إليه الناس، مائة وخمسين سنة، وقال بعضهم: مائتين، لكن كل هذه أقوال، حتى التسعين ترى، إذا كان عمره ستين بينتظر ثلاثين سنة، أو خمسين ينتظر أربعين سنة، أو أربعين ينتظر نصف قرن، هذا كله ما عليها أدلة، وإنما المسألة معلقة بغلبة الظن وضرر المرأة، يعني غلبة الظن مقروناً بتضرر المرأة من البقاء دون زوج.
واجتهاد عمر -رضي الله عنه- بالانتظار أربع سنين حمله أهل العلم على أن الغالب فيه الهلاك.(100/12)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال: أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو؟ فإنها تنتظر أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشراً ثم تحل" يعني أربع سنين أسفار معتادة عند المتقدمين، في الزمن الماضي مع وسائل الانتقال المناسبة لعصرهم يعني مناسبة، بعضهم يجلس ستة أشهر في طريقه ذاهباً، وستة أشهر في طريقه راجعاً، ويجلس يطلب العلم سنين، أو يطلب الرزق، يعني أربع سنين عادية، لكن هذا محمول على ما إذا كان الغالب الهلاك، ركب سفينة في وقت فيه رياح شديدة هذا الغالب أنه خلاص انتهى، وكذلك إذا فقد في دار حرب، والحرب فيها قائمة، أو ما أشبه ذلك، يعني الذي يذهب إلى البلدان التي فيها الاضطرابات، وفيها القتل بكثرة، هذا ينتظر أربع سنين، لكن الذي يذهب إلى بلدان آمنة فإن هذا غالبه السلامة، لكن قد يقول قائل: مع وسائل الاتصال ولو كان غالبه السلامة لا يمكن أن ينتظر أكثر من هذه المدة، ولو كان غالبه السلامة؛ لأن المسألة الاتصال متيسر، وإذا لم يتصل وسافر سفراً يضر بالمرأة، هو الذي أسقط حقه، فللمرأة أن تطلب الفسخ، مثل هذا إذا جلس أربع سنين ولم يدر عن خبره هذا في الغالب لها ذلك.
طالب:. . . . . . . . .
أربع، أربع سنين.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا منذ فقد.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال: أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو؟ فإنها تنتظر أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشراً" على اعتبار أنه مات "ثم تحل" لكن هل تحد عليه أو لا تحد؟ كونها تعتد ظاهر، لكن تحد وإلا ما تحد؟ نعم؟ لأن الإحداد مقرون بالحزن على الزوج، يعني الإحداد ولبس ما يلبس من الثياب، والامتناع عما يمتنع منه، هذا مقرون بالحزن على الزوج، يعني إظهاراً للحزن عليه، لعظيم حقه، وهذا ما تدري هو حي وإلا ذهب يضر بها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(100/13)
هو حزن الفراق باق، لكن ما هو بحزن الوفاة؛ لأنها قد تشم من بعض تصرفاته، ومن خلال عشرتها معه أنه احتمال أن يكون سافر ليضر بها، لكن عمر -رضي الله تعالى عنه- لما حكم بأنها تعتد عدة المتوفى عنها، فبقية الأحكام تابعة لهذه العدة.
"قال مالك: وإن تزوجت بعد انقضاء عدتها" يعني عقد عليها، تزوجت بعد انقضاء عدتها، بعد انقضاء أربع سنين، وأربعة أشهر وعشر "فدخل بها زوجها، أو لم يدخل بها فلا سبيل لزوجها الأول إليها" خلاص هو الذي أبطل حقه بهذه الغيبة، والحاكم يفسخ، فإذا تزوجت بعد ذلك فلا سبيل لزوجها الأول.
"قال مالك: وذلك الأمر عندنا، وإن أدركها زوجها قبل أن تتزوج فهو أحق بها" قبل أن تتزوج، حكم الحاكم بفسخ النكاح، ثم جاء تنتظر الأزواج جاء، هو أحق بها من غيره، تحتاج إلى عقد جديد وإلا ما تحتاج؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
فسخت إيه، هي فسخت من قبل الحاكم.
طالب:. . . . . . . . .
ولو فسخت، هو أحق بها من غيره ولو فسخت، وتحتاج حينئذٍ إلى تجديد العقد؛ لأن الحاكم له أن يطلق على مثل هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لا، يفسخ الحاكم، يفسخ الحاكم بطلبها.
"قال مالك: وأدركت الناس ينكرون الذي قال بعض الناس على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-" يعني تقول بعض الناس على عمر -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: "يخير زوجها الأول إذا جاء في صداقها أو في امرأته" يعني إذا جاء مطلقاً سواءً كان عقد عليها أو لم يعقد، ما دام بعد الفسخ يخير بين صداقها، أو يرجع إليه.
"قال مالك: وبلغني أن عمر بن الخطاب قال في المرأة يطلقها زوجها وهو غائب عنها ثم يراجعها، فلا يبلغها رجعته، وقد بلغها طلاقه إياها، فتزوجت: إنه إن دخل بها زوجها الآخر أو لم يدخل بها فلا سبيل لزوجها الأول الذي كان طلقها إليها".(100/14)
"قال مالك: وهذا أحب ما سمعت إلي في هذا وفي المفقود" يعني بعض الناس يكون عنده كيد، يطلق المرأة ويخبرها ويخبر أقاربها وذويها، ثم إذا قربت العدة من الانتهاء يسر إلى بعض أصحابه أنه راجعها، ولا يخبرها، هي بعد العدة تستعد للخطاب، وقد تخطب ويعقد عليها، ثم من باب الكيد إذا أراد أن يبطل هذا الزواج إضراراً بها مثلاً، قال: أنا والله راجعت بشهادة فلان وفلان، أنا راجعت، وعند من لا يشترط الإشهاد ما يحتاج أن يقول بعد، يقول: بس راجعت من دون شهادة عند من لا يشترط الإشهاد، بمجرد أن يقول: راجعت راجعت، لكنه لا بد من إخبارها لأن الأحكام تتعلق بها، أخبارها وأخبار ولي أمرها؛ لأنه إن جاء أحد يخطبها، وما يدريهم عما في نفسه، أو ما أسره إلى أحد، وقال: لا تخبرهم، أنا راجعت ولا تخبرهم، فلا شك أنه يعرض المرأة للوقوع في مثل هذا العقد، وهي في ذمته بعد أن راجعها، ولذا لوجود مثل هذه الإشكالات قال: إنه لا سبيل لزوجها الأول الذي طلقها، لا سبيل له إليها إلا إذا أخبرها بالرجعة كما أخبرها بالطلاق.
"قال مالك: وهذا أحب ما سمعت إلي في هذا وفي المفقود" يعني أنه إذا تزوجت خلاص لا سبيل إلى الزوج الأول، دخل بها أو لم يدخل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إلا.
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا معلوم، سفره معلوم، وهو مضر بها، لكن المفقود ما يدري ويش عذره؟ ما يعرف، لا يعرف عذره، وقد سافر الصحابة وغيرهم السنين، سافروا السنين، ما أحد طلب الفسخ، لكن عمر من باب الرفق بالرعية رأى أن المرأة تتضرر إذا مكث زوجها ستة أشهر، ولم يذهب بطوعه واختياره، إنما اكتتب في الجيش، في الجند، فإن ولي الأمر يرفق بالرعية، ويرفق بأهليهم وذويهم ويرسل غيرهم، يتناوبون.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكنه قبل العقد على غيرها.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو كأنه يرى أن الأربع حد فاصل، خلاص تطلب الفسخ تفسخ، ثم إذا فسخت ملكت نفسها.
طالب:. . . . . . . . .
حتى لو جاء زوجها لكنه أحق بها من غيره، وهو أسوة الخطاب، لكنه أحق مقدم على غيره.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب: الأسير؟
الأسير، ولا يعرف عن حاله شيء أو يعرف؟ يعرف أنه حي؟
طالب:. . . . . . . . .(100/15)
لا، لا لا، هذا ما هو بمفقود.
يعني في أيام مرت بالجزيرة -الجزيرة العربية- أيام شدة وجوع، تجد الإنسان يتزوج ويجلس عند زوجته أيام، ثم يضطر إلى السفر بحثاً عن المعيشة يسافر السنين، يذكر عن بعضهم في أكثر من قضية أنه لما طرق الباب فتح له شاب، لما طرق الباب وفتح هذا الشاب ما عرفه، فذهب إلى أمه، قال: هذا رجل يريد الدخول، هذه أوصافه، فتقول: هذا أبوك، فلا شك أن مثل هذا له ظروف، هو ذهب ليبحث عن معيشة لها وله، لكنها لو تقدمت تريد الفسخ إذا كانت تتضرر بالبقاء لها ذلك، وإلا فالسفر غالبه السلامة، مع علمها والاتفاق معها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هذا إذا كان عن رضاها ما له حق، ليس لها حق، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
بعد ما تزوجت، ويعرف وعنده شيء يثبت أنها راضية والاتفاق بينهما؟
طالب:. . . . . . . . .
ما عنده إثبات إلا قوله؟
طالب:. . . . . . . . .
والله هذه مسألة قضائية قد يرجح جانبها وقد يرجح جانبه، مسألة اجتهادية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه، هو الأصل أنه لا يصح، لكن إن تقدمت وفسخ العقد، قالت: إنه ذهب ولا ندري أين راح؟ على كل حال إذا فسخ الحاكم الزوج الثاني ما يدريه، للأول إذا أبدى ما يدل على صدقه، وأنها راضية بهذا السفر، وعن اتفاق بينهما، فإنها تفسخ من الثاني وتعتد ترجع إلى الأول، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في الأقراء وعدة الطلاق وطلاق الحائض
حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء)).
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة.(100/16)
قال ابن شهاب: فذكر ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت: صدق عروة، وقد جادلها في ذلك ناس، فقالوا: إن الله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه: {ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [(228) سورة البقرة] فقالت عائشة -رضي الله عنها-: صدقتم تدرون ما الأقراء؟ إنما الأقراء الأطهار.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه قال: سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول: ما أدركت أحداً من فقهائنا إلا وهو يقول هذا، يريد قول عائشة.
وحدثني عن مالك عن نافع وزيد بن أسلم عن سليمان بن يسار أن الأحوص هلك بالشام حين دخلت امرأته في الدم من الحيضة الثالثة، وقد كان طلقها فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى زيد بن ثابت يسأله عن ذلك، فكتب إليه زيد: إنها إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه، وبرئ منها، ولا ترثه ولا يرثها.
وحدثني عن مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وأبي بكر بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وابن شهاب أنهم كانوا يقولون: إذا دخلت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها، ولا ميراث بينهما، ولا رجعة له عليها.
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها.
قال مالك -رحمه الله-: وهو الأمر عندنا.
وحدثني عن مالك عن الفضيل بن أبي عبد الله مولى المُهري
المَهري.
أحسن الله إليك.
مولى المَهري أن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله كانا يقولان: إذا طلقت المرأة فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد بانت منه وحلت.
وحدثني عن مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب وابن شهاب وسليمان بن يسار أنهم كانوا يقولون: إن عدة المختلعة ثلاثة قروء.
وحدثني عن مالك أنه سمع ابن شهاب يقول: عدة المطلقة الأقراء وإن تباعدت.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن رجل من الأنصار أن امرأته سألته الطلاق، فقال لها: إذا حضت فآذنيني، فلما حاضت آذنته، فقال: إذا طهرت فآذنيني، فلما طهرت آذنته فطلقها.
قال مالك -رحمه الله-: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الأقراء وعدة الطلاق وطلاق الحائض(100/17)
الأقراء ماذا يراد بها؟ هل يراد بها الأطهار كما يختاره الإمام مالك وهو مذهب الشافعي أو أن المراد بالأقراء الحيض كما هو قول أبي حنيفة وأحمد؟ مسألة خلافية، طويلة الذيول والاستدلال، ولا شك أن القرء في لغة العرب يطلق على الأمرين، يطلق على الطهر، ويطلق على الحيض، والنصوص التي أوردها المؤلف هنا، عن عائشة وغيرها تدل على أن المراد بالأقراء الأطهار، الأقراء هي الأطهار، وما جاء في الحديث الصحيح: ((دعي الصلاة أيام أقرائك)) لا يشك أن المراد بالأقراء الحيض، والمرجح عند الحنفية والحنابلة أن الأقراء هي الحيض، ويقابلهم الشافعية والمالكية يقولون: الأقراء الأطهار، وعدة الطلاق لذات الأقراء عدتها ثلاث حيض، والآيسة والصغيرة عدتها ثلاثة أشهر، والحامل بوضع الحمل، والوفاة أربعة أشهر وعشر.
على كل حال العدد معروف طلاق الحائض، يعني من طلق زوجته وهي حائض كما صنع ابن عمر، أمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر في طهر لم يجامعها فيه، وهذا معلوم أن طلاق الحائض لا يجوز، بدعة ومحرم، وفي وقوعه خلاف عند أهل العلم، هل يقع أو لا يقع؟ والجمهور على أنه يقع، وجاء في بعض الروايات عن ابن عمر أنها حسبت عليه، وهذا كالنص، والذين يقولون: إنه لا يقع، قالوا: ليس عليه أمرنا، كما في حديث: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) أي مردود عليه، وهو بدعة، والأمور المبتدعة لا تترتب عليها آثارها.
وكنت أميل إلى قول الجمهور؛ لأنه قال عامة أهل العلم، حتى نسب القول بعدم وقوعه إلى أنه قول شاذ، نصره شيخ الإسلام وابن القيم، ثم بعد ذلك اشتهر وصار العمل عليه مدة من الزمن، المقصود أنه من حيث الوقوع وعدمه الصريح من قول ابن عمر أنها حسبت عليه، وهو أعرف بهذا.(100/18)
لكن للقول بعدم وقوعه وجه حتى من النص، النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما قال له: ((مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر)) إذا قلنا: إنه يقع على قول الجمهور، قلنا: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمره بالمراجعة ليطلق ثانية، وهذا ليس بمقصد للشرع ولا يهدف إليه، فلو كانت تقع لأوقعه من وقتها وانتهى الإشكال، لكن ((مره فليراجعها)) الجمهور يستدلون بقوله: ((مره فليراجعها)) وأن المراجعة لا تكون إلا بعد طلاق، ولولا أنه واقع لما صارت مراجعة، فالمراجعة إنما تكون للمطلقة، والاستدلال من اللفظ ظاهر، لكن يبقى أن الأمر الخفي في المسألة أن الشرع لا يتشوف لطلاق، ولا يرغب في إكثاره، ولا يرغب في الإكثار منه، فإذا أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم تحيض، ثم تطهر، ثم يطلقها ثانية، وقد حسبت عليها الأولى كأن الشرع ألزمه بغير لازم، ألزمه بثانية، وهو لا يريد إلا واحدة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هذا أحياناً يعرف أنه ملزم، إذا عرف أن الرجل منتهي، ومطلق مطلق يا الآن، يا بعد شهر، يا بعد سنة، مطلق منتهي أنا، هل يقال له: أمسكها ثم طلقها ثانية على شان ما يبقى لك ... ، يضيق عليك الأمر، ولا يبقى لك من الفرص إلا واحدة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بلا شك، أنا لمحت هذا، أنا ما قرأته لأحد، لكن لمحته، وإن كانت النفس منشرحة إلى قول الجمهور، باعتبار قول ابن عمر أنها حسبت عليه، وعلى كل حال المسألة خلافية، ولن ينحسم الخلاف بفتوى عالم أو ترجيح مرجح.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ما أدري، الآن ما يحضرني.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا حسبت عليه، المنصوص عليها، التي فيها الكلام؛ لأنه هو يقول: حسبت عليه، يتكلم عن التي وقعت، هذك ما بعد جت متأخرة، حسبت يعني الطلقة التي في إي ... ، ومن يقول: إنه لا يقع يقول: إن ابن عمر وإن كان صاحب الشأن فهذا فهمه، يعني فهم من مجموع القصة أنها حسبت عليه، ولم يثبت ذلك من نص النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
قد يكون لعلمه أن هذه أول مرة.
طالب:. . . . . . . . .
إيه يمكن.(100/19)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مره فليراجعها ثم يمسكها)) " فتوى الشيخ ابن باز والتي يفتي بها الآن المفتي أنه لا يقع، وماذا عن رأي الشيخ ابن عثيمين؟ ما أحد يحفظ قول الشيخ؟ أنا أقول هذا الكلام لأني وقفت على كلام له في شرح الأربعين لا يجري على قواعده، على قواعد الشيخ، لا يجري على قواعد الشيخ التي طبقها على كثير من الأحكام في شرح الأربعين، حديث: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) الحديث الثاني، لا أخاله يجري على قواعد الشيخ، الشيخ يقول: يقع، مع أنه أوردها في حديث: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا)) فالمفترض أن إدخالها في تحت الحديث أنه لا يقع، فالشيخ قال: إنه من باب التعزير يمضى، ومثله الثلاث، يمضى عليه من باب التعزير فيقع، الشيخ ما يقول بمثل هذا، يعني الشيخ ما عهدناه يقول بمثل هذا في مقابل التمسك بمثل حديث: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) لأنه يعمله بكثرة، في رد كثير من الأمور التي يقول بها جمهور أهل العلم.
طالب:. . . . . . . . .
فليت يراجع كلامه في أكثر من كتاب.
طالب:. . . . . . . . .
حتى كتاب الأربعين ودنا نراجعه بعد.
"أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مره فليراجعها))، ((مره)) الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به أو لا؟ ((مره فليراجعها)) ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع))، ((ثم يمسكها حتى تطهر)) ((مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر)) يعني بعض المعلقين الآن هؤلاء الذين يتكسبون، ويرتزقون بالكتب، يقول: كان هذا الأمر وقت أن كانت العدة قبل الطلاق، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يقول: العدة قبل الطلاق، تطهر ثم تحيض ثم تطهر هذه العدة قبل الطلاق، يقول: هذا الحكم لما كانت العدة قبل الطلاق، أما بعد أن صارت العدة بعد الطلاق ما نحتاج إلى هذا.(100/20)
" ((ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر)) " لا شك أنه إذا طلقها في طهر لم يجامعها فيه وقع الطلاق، وصار سني، ولو جامعها في الطهر الذي قبله، فلماذا قال: ((يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر)) ما قال يمسكها حتى تطهر؟ نعم؟ نعم القصد من هذا تطويل المدة عله أن يرجع، لكن لو طلقها في الطهر الذي يليه مباشرة صار الطلاق صحيحاً وواقعاً وسنياً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
((ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء)) {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [(1) سورة الطلاق] واللام لام الوقت، وطلقوهن لوقت عدتهن، ووقت عدتهن الطهر، فإلى الطهر الثاني قرء، ثم إلى الطهر الثالث قرء، ثم بعد ذلك إذا شرعت في الحيضة الثالثة خلاص انتهت العدة على رأي الإمام مالك -رحمه الله-، قال ...
طالب:. . . . . . . . .
في شيء؟
طالب:. . . . . . . . .
مدة إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لئلا يكون بطنها مشغولاً؛ ليتأكد من خلو بطنها.
طالب:. . . . . . . . .
في طهر جامعها فيه؟ على مقتضى من يقول بعدم وقوع طلاق الحائض مثله، منهي عنه.
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر" يعني نقلتها من المكان من بيت زوجها إلى بيت آخر، انتهت عدتها "حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة" لأنهم يعتبرون القرء الأول الطهر الذي وقع فيه الطلاق، ثم يليه حيضة، ثم طهر، ثم حيضة، ثم طهر، الحيضة الثالثة إذا بدأت فيها انتهت، والقول الثاني: لا تنتهي العدة إلا بانتهاء الحيضة الثالثة، والقول هذا الذي يرى أن الأقراء هي الأطهار تنتهي بثلاثة أطهار، وحيضتين والشروع في الثالثة.
"قال ابن شهاب: فذكر ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت: صدق عروة، وقد جادلها في ذلك ناس، فقالوا: إن الله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه: {ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [(228) سورة البقرة] فقالت عائشة: "صدقتم أتدرون ما الأقراء؟ إنما الأقراء الأطهار.(100/21)