يقول: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كل مولود يولد على الفطرة)) " كل حديث من أحاديث اليوم يحتاج إلى درس لكن نجمل –إن شاء الله تعالى- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كل مولود)) " يعني من بني آدم، وإلا مقتضاه يشمل غيرهم، وقد أختلف السلف كما قال ابن حجر: في المراد بالفطرة في هذا الحديث على أقول كثيرة، وأشهر الأقوال أن المراد بالفطرة الإسلام، قال ابن عبد البر: وهو المعروف عند عامة السلف، وأجمع أهل التأويل على أن المراد بقوله تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [(30) سورة الروم] الإسلام، قال ابن القيم: ليس المراد بقوله: ((يولد على الفطرة)) أنه خرج من بطن أمه يعلم الدين؛ لأن الله يقول: {وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [(78) سورة النحل] نعم يعني هل الإنسان إذا خرج من بطن أمه يذكر العهد والميثاق {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ} [(172) سورة الأعراف]؟ حتى ولو كبر يتذكر هذا؟ لا يتذكر هذا، ومثله هذه الفطرة لكنها شيء موجود في النفوس، ولكن المراد أن فطرته مقتضية لمعرفة دين الإسلام ومحبته، فالمراد أن كل مولود يولد على الإقرار بالربوبية، فلو خلي وعدم المعارض لم يعدل عن ذلك إلى غيره، وقيل: المراد بالفطرة أصل الخلقة، وهذا رجحه ابن عبد البر، لكن عامة أهل العلم على أن المراد بها الإسلام بدليل المقابل، يولد على الفطرة يعني على الإسلام، ثم بعد ذلك ((فأبواه يهودانه أو ينصرانه)) وفي رواية: ((يمجسانه)) وفي حديث عياض بن حمار: ((خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين)) ((فأبواه يهودانه)) أي يجعلانه يهودياً ((أو ينصرانه)) يجعلانه نصرانياً ((كما تناتج)) تناتج بالألف أي تولد،(48/24)
وفي البخاري: ((كما تنتج البهيمة)) قال ابن حجر: قال أهل اللغة نتجت الناقة على هذا البناء على صيغة ما لم يسم فاعله، تنتج وأنتج الرجل ناقته إنتاجاً، فصيغته صيغة المبني للمجهول ((كما تناتج الإبل من بهيمة جمعاء)) مجتمعة لم يذهب من أجزائها شيء وافية الأطراف ((هل تحس فيها من جدعاء؟ )) مقطوعة الأنف أو الأذن أو شيء من الأطراف، جدع منها شيء؟ ما في، "قالوا: يا رسول الله أريت" يعني أخبرنا عن "الذي يموت وهو صغير" يعني لم يبلغ الحلم "قال: ((الله أعلم بما كانوا عاملين)) " يقول الحافظ ابن حجر: الضمير لأولاد المشركين كما صرح به في السؤال، وأما أطفال المسلمين فنقل النووي الإجماع إجماع من يعتد به من علماء المسلمين أنهم من أهل الجنة، وتقدمت الإشارة إلى ذلك في حديث: ((ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة)) هذا تقدم يعني إذا كان بسببهم دخل الجنة فكيف يدخل بسبب من يدخل النار؟! وهذا تقدم.
"وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه)) " أي ميّتاً، قال ابن بطال: يغبط أهل القبور ويتمنى الموت متى؟ عند ظهور الفتن، يقول: وإنما ذلك لخوف ذهاب الدين، وغلبت الباطل وأهله، وظهور المعاصي والمنكرات، الله المستعان، وهذا الحديث لا يعارض حديث النهي عن تمني الموت، فالنهي من أجل الضر الذي أصابه في بدنه أو من أجل تحسر على أمور الدنيا هذا منهي عنه ((لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به)) أما إذا خيف على الدين فلا، فالفتنة أشد من القتل، والدين أهم من الحياة، يقول النووي: لا كراهة في التمني حينئذٍ، بل فعله خلائق من السلف، منهم عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وغيرهما، فعلوا ذلك حينما خشوا على أنفسهما فكيف بمن أحدقت به الفتن من كل جانب؟!(48/25)
يقول -رحمه الله تعالى-: "وحدثني عن مالك عن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي عن معبد بن كعب بن مالك -هناك عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وهنا معبد بن كعب بن مالك- عن أبي قتادة بن ربعي -وقتادة الأنصاري الحارث بن ربعي- أنه كان يحدث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُرّ عليه" يعني على الرسول -عليه الصلاة والسلام- بالبناء للمجهول، قال ابن حجر: ولم أقف على أسم المار ولا الممرور بجنازته "مُرّ عليه بجنازة فقال: ((مستريح ومستراح منه)) " الواو هذه بمعنى (أو) التي للتقسيم.
خيّر أبح قسم بـ (أو) وأبهمِ ... . . . . . . . . .
ثم قال:
. . . . . . . . . ... وربما عاقبت الواو. . . . . . . . .(48/26)
يعني جاءت مكانها، فهنا الواو بمعنى (أو) ومعناها التقسيم، لكن ألا يمكن أن يكون شخص واحد مستريح ومستراح منه، يؤذي ويؤذى، مؤذي استراح الناس منه، يؤذى استراح هو، لكن استراح إلى إيش؟ لأن الراحة نسبية؛ لأن المستريح من يستريح إلى الجنة، أما من يستريح إلى معاقبته بأذى هذا ليس بمستريح، "قالوا" يعني الصحابة يقول ابن حجر: ولم أقف على اسم السائل منهم بعينه "يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه؟ قال: ((العبد المؤمن يستريح من نصب الدينا)) " يعني تعبها، وفي رواية: ((من أوصاب الدنيا)) والأوصاب: جمع وصب، وهو دوام الوجع، وهو النصب أيضاً، بلفظه ومعناه، يعني بوزنه ومعناه، "العبد المؤمن" يقول ابن التين: يحتمل أن يريد بالمؤمن التقي خاصة، ويحتمل كل مؤمن، والفاجر يحتمل أن يراد به الكافر، ويحتمل أن يدخل فيه العاصي، قال الداوودي: أما استراحة العباد فلما يأتي به من المنكر، واستراحة البلاد فما يأتي به من المعاصي، فإن ذلك مما يحصل به الجدب فيقتضي هلاك الحرث والنسل، ((المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله -جل وعلا-)) وأذاها من عطف العام على الخاص، الأذى أعم من النصب والتعب ((والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب)) بفجوره لا شك أنه ينقطع أو يتأخر القطر من السماء الذي بسببه يجهد الناس، وتجهد الدواب فيستروحون من هذا، العبد المؤمن يستريح بنفسه، لكن الناس بحاجته، بحاجة إلى نفعه فهو مستريح، وأما الثاني الفاجر مستراح منه من أذاه سواءً كان المحسوس أو الذي يؤول إلى الحس.(48/27)
"وحدثني عن مالك عن أبي النضر -سالم بن أبي أمية- مولى عمر بن عبيد الله -القرشي- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما مات عثمان بن مضعون" بن حبيب القرشي الجمحي "ومُر بجنازته عليه -عليه الصلاة والسلام-: ((ذهبت ولم تلبس منها بشيء)) " يعني مت ولم تتلبس من أمور الدنيا أو من أعراضها بشيء؛ لأن من تلبس منها بشيء لا بد أن يقع منه شيء، وفيه مدح الزهد في الدنيا، وذم الاستكثار منها، والثناء على المرء بما فيه، قد يقول قائل: إن بعض الصحابة تلبس بشيء من الدنيا، من ولي الولايات، ابن عباس -رضي الله عنهما- كما في صحيح مسلم لما جاء السائل يسأل ابن عمر وجهه إلى ابن عباس قال: ذلك رجل مالت به الدنيا ومال بها، لكن لا يعني أنها من كل وجه، قد يكون ميلان الدينا به شيء لا يذكر في جانب الحسنات، لا شك أن الزهد هو المطلوب وهو الأولى، لكن {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [(32) سورة الأعراف] من أراد أن يستعمل المباحات له ذلك {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [(29) سورة البقرة] لكن لا يمنع أن يكون الزهد أكمل، لأن الإنسان لا يضمن نفسه.
هذا الحديث كما ترون عن أبي النضر أنه قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد وصله ابن عبد البر عن عائشة من طريق يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة.(48/28)
يقول: "وحدثني مالك عن علقمة بن أبي علقمة" بلال المدني مولى عائشة "عن أمه مرجانة" مولاة عائشة "أنها قالت: سمعت عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- تقول: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة" يعني من عندها من فراشها "فلبس ثيابه ثم خرج، قالت: فأمرت جاريتي بريرة تتبعه" يعني من الشراح من قال: لتستفيد منه علماً، قالت لبريرة: اتبعيه تستفيد منه علماً، هذا قاله بعضهم، وقال آخرون: أرسلت الخادمة مخافة أن يمر ببعض حجر نسائه، يعني غيرة الضرات تقتضي هذا، نعم هو الظاهر، يعني في أثناء الليل تبي توقظ الجارية روحي استفيدي علم، يعني فيه بعد، ما يلزم عائشة -رضي الله عنها- ليست معصومة, وإن ظنت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الظن من غيرتها، ومثل هذا الباب يغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره، إذا كان الباعث عليه الغيرة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لم ينكر هذا؛ لأنه من حقها في نوبتها، وحصل من أزواجه -عليه الصلاة السلام- ما يحصل من الضرات "فأمرت جاريتي بريرة أن تتبعه فتبعته حتى جاء البقيع فوقف في أدناه" الأقرب إلى بيوته -عليه الصلاة والسلام- "ما شاء الله أن يقف، ثم انصرف فسبقته بريرة فأخبرتني -نعم هذا يرجح المعنى الثاني- فلم أذكر له شيئاً حتى أصبح" لأنه ما صار مما تخافه شيء "ثم ذكرت ذلك له، فقال: ((إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم)) " والصلاة كما قال ابن عبد البر: يحتمل أنها بمعنى اللغوي الدعاء والاستغفار، وأن يكون صلاة شرعية كالصلاة على الأموات خصوصية لهم.(48/29)
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن أبا هريرة قال: أسرعوا" بقطع الهمز "بجنائزكم" يعني أسرعوا يحتمل أن يكون المشي بها لدفنها، فيمشى بها فوق المشي المعتاد بحيث لا يشق على المشيعين فهذا احتمال، ويحتمل أيضاً أن يكون الإسراع بها بجميع ما يتعلق بها من الإسراع في تجهيزها، يعني المبادرة بها، وقد جاء الأمر بذلك، تجهيزها والصلاة عليها، والمشي بها والدفن "أسرعوا بجنائزكم فإنما هو خير تقدمونه إليه" يعني تقدمون الميت إليه، أو تقدمونها الجنازة وهذا هو الأقرب والأقيس، لكن الخبر صحيح بهذا، فالمراد تقدمونه يعني الميت "إليه" أي إلى الخير "إن كانت صالحة، أو شر تضعونه عن رقابكم إن تكن سواء ذلك" يعيي غير صالحة، والأمر عند الجمهور يعني للاستحباب عند جماهير أهل العلم، ونقل الاتفاق عليه، وصرح ابن حزم بوجوبه، بوجوب الإسراع، الحديث يقول: إن أبا هريرة قال: أسرعوا، هذا لفظه لفظ الموقوف، وله حكم الرفع، وقد صرح برفعه، مرفوع في الصحيحين، مصرح برفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي الحديث ندب المبادرة بدفن الميت، لكن بعد تحقق موته، لا يجوز الإسراع ولا المبادرة به إذا كان فيه أدنى احتمال لحياته، ويذكر بعض القصص والحوادث أنهم أسرعوا في تجهيز بعض الناس فرأوه يتحرك في كفنه، ومنهم من وجد في الثلاجة يتغير الوضع، فمثل هذا لا يجوز بحال أن يبادر بالحكم عليه بالموت حتى يقع اليقين بموته، يقول ابن حجر: وأما مثل المطعون والمفلوج والمسبوت -يعني المصاب بغشية- فينبغي ألا يسرع بدفنهم حتى يمضي يوم وليلة فيتحقق موتهم، نبه على ذلك بن بزينة، يعني لا شك أن بعض الأموات تكون موتته احتمال يعني يغلب على ظن الطبيب يأتي بالآلات ويقيس النبض، ويقيس ما يطلب قياسه فيحكم بذلك، لكن يتبين أن الأمر على خلاف ذلك، فمثل هذا إذا قام الاحتمال لا يجوز الإسراع بدفنه، الإسراع بتجهيزه، حددوا يوم وليلة لكن الشيخ ابن باز -رحمه الله- في تعليقه على فتح الباري يقول: التحديد باليوم والليلة فيه نظر، والأولى عدم التحديد، بل يرجع إلى العلامات الدالة على الموت، فمتى ما وجد منها ما يدل على يقين الموت اكتفي بذلك وإن لم يمض يوم وليلة، والله أعلم.(48/30)
لا شك إذا وصل الأمر إلى حد اليقين ما الداعي إلى الانتظار؟ وعلى هذا ينبغي أن يوكل تحديد الوفاة والقطع بها إلى لجنة، ما يترك الأمر لواحد؛ لأن بعض الناس من طبعه العجلة، يجزم من غير دليل على الجزم، فإذا كانت لجنة جزموا بأنه مات فقد مات، نعم إذا وجدت العلامات القطعية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
شر تضعونه، شر تضعونه عن رقابكم إيه، وهو منصوص عليه في الحديث، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
القتال، يعني يجهز ويدفن؟ هو الإشكال .... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه تجهيزه؟ على كل حال الدفن في القتال له ظروفه سواء كان من المسلمين أو من الكفار له ظروفه، القتال قد لا يتمكن المسلمون من دفن قتلاهم، وقد لا يتمكن الكفار من دفن قتلاهم، هذه أمور تترك لظروفها، لكن في الظروف العادية الإسراع مطلوب.
يقول: سؤال يتعلق بدرس الموطأ الأخير وتحديداً أخر حديث تم شرحه هل يدل الحديث على مشروعية الزيادة على ما ورد على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينكر عليها في عمل الزيادة؟ وكيف نرد على من يستدل بمثل هذا على ما يسمى بالبدع الحسنة؟
أولاً: ليس في البدع ما يستحسن، والحديث جاء بأن كل بدعة ضلالة، ما الذي جاء في أخر الحديث؟ ما في إلا حديث التهليل.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يقصد هذا، ما يقصد شيء جاء في الروايات، لا هو يقصد في حديث التهليل، لعله يقصد في حديث التهليل وجاء فيه أو زاد، هذا هو موجود أخر شيء، مثل هذا لو لم يرد تقريره من النبي -عليه الصلاة والسلام- لقلنا: إنه غير مشروع في هذا الموطن، وإن كان ذكراً صحيحاً أو حديث صحيحاً، لكن تخصيص الموطن يدل على عدم المشروعية، لكن اكتسب المشروعية من إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، هو له أن يستند إلى حديث أو زاد، يمكن الذي يشكل على قوله: أو زاد.
طالب:. . . . . . . . .(48/31)
من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... إلى أخره، كانتا حرز من الشيطان، ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك، هذا الذي يشكل على الأذكار المحددة، هل معنى هذا من قال: "سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، وإن زاد كان أفضل، يعني مثل ما جاء في معنى لا إله إلا الله؟ أو نقول: هذا خاصة بلا إله إلا الله والأذكار محددة بعدد محدد أو بوقت معين أو في مكان أو في موضع لا يتعدى ما وضع له شرعاً؟ هذا هوا لأصل، لكن في حديث: ((من قال: لا إله إلا الله)) .. وفي أخره: ((إلا أحد عمل أكثر من ذلك)) يدل على أن الزيادة لا شك أنها استكثار من الخير وهي أفضل في مثل هذا الموضع، على ألا يظن الإنسان أن ما عمله أكمل وأفضل مما وجه به النبي -صلى الله عليه وسلم-، لعلنا نكتفي بهذا.
سم.
طالب:. . . . . . . . .
"ولوالديه" ما وردت في هذا الموطن، فينبغي ألا تقال، لكن إن دعا لهم في السجود أو بعد الاستعاذة بالله من أربع تخير من المسألة ما شاء، ودعا لنفسه ولوالديه ما أحب فالأمر فيه سعة، لكن بين السجدتين يقتصر على الوارد؛ لأنه ليس مواطن الدعاء المطلق مثل السجود وقبل السلام.
يقول: هل يصوغ لمسلم الزواج من الكتابية مع أنه يكره الكفار وإن تزوج بكتابية فهو يحبها؟
على كل حال هو مطالب بأن يكرههم وأن يبغضهم بغضاً شرعياً، كونه يحب الزوجة التي أباح الله له نكاحها محبة جبلية هذا لا ينافي المحبة الشرعية، توجد المنافاة لو أمرته بشيء يعوقه عن تحقيق أمر الله -جل وعلا-، أو أمرته بشيء يتضمن معصية أو نهته عن طاعة، فإن قدم رضاها على رضي الله -جل وعلا- يكون قد أحبها حباً محرماً، أما كونه يميل إليها الله الذي جعل بين الزوجين مودة ورحمة.
يقول: عندنا في مصر يكون عقد الزواج في المسجد وجرت العادة على ذلك وسمعنا بعض العلماء يقولون: إنه بدعة؟
على كل حال الفقهاء يستحبون أن يكون عصر الجمعة وفي المسجد؛ لأنه مكان فاضل، وزمان فاضل، لكن لا يلزم أن يكون في المسجد، ولا يعني أنه في المسجد أنه بدعة، الأمر فيه سعة يعني إن عقد في المسجد فلا بأس، وإن عقد خارجه فلا بأس.(48/32)
يقول: هل الضرب على الجدار للمسح على الخفين يجوز؟ وهل يعتبر من الصعيد حتى وإن كان الجدار نظيفاً ليس عليه تراب؟
هو يقصد للتيمم، فالتيمم باب خاص بالوجه والكفين، وأما المسح على الكفين فباب أخر، يمسحان بالماء وليس بالصعيد، والذي يظهر أنه يريد المسح الذي هو التيمم وأما الخفين فوهم، ذكرهما وهم، لا يتصور أن الخفين يمسحان في التيمم، إنما يسأل عن الجدار هل يعتبر من الصعيد، إذا كان عليه غبار يعلق باليد فلا بأس، وأما إذا كان ليس عليه تراب ولا يعلق باليد منه شيء فالذي جاء في التيمم {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ} [(6) سورة المائدة] والذي ليس عليه غبار يعلق باليد ولا يعلق باليد جزء من أجزائه لا يتصور أنه مسح الوجه واليدين والكفين منه شيء، فلا بد أن يكون عليه شيء، تصور مثلاً أن يكون ما على وجه الأرض رخام أو سيراميك مغسول ما عليه شيء مثل هذا ما يعلق باليد منه شيء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الفراش في الغالب يصير منه شيء، أسهل من البلاط المغسول، على كل حال لا بد أن يكون منه شيء، لا بد أن يبقى منه أثر يمسح منه الوجه والكفان.
هذا يقول: الشباب عندنا في مصر لا يقبل في الجيش إلا إذا حلقوا لحاهم، حتى المعافى منهم من الجيش ويترتب على ذلك في كل تفتيش يجب إبراز الموقف التجنيدي له فإذا لم يفعل سجن فتصبح حياته مهددة بالسجن إضافة أنه يمنع من السفر لا أقول: من دولته بل من محافظته، ويترتب عليه التعب في إيجاد عمل للتكسب منه وبعض المضايقات الكثيرة، فهل يجوز في هذه الحالة حلق اللحية؟(48/33)
حلق الحية حرام، بل نقل الإجماع على أنه حرام، بل صرح جمع من أهل العلم أنه كبيرة من كبائر الذنوب لأنه مجاهرة بالمعصية، وإصرار، ومخالفة للأوامر الصريحة من التوفير والإعفاء والإكرام للحية فهو حرام، حلقها حرام، لكن يبقى أن المكره معذور، وإذا كان معذوراً على أن يقول: كلمة الكفر تحت التهديد والإكراه {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [(106) سورة النحل] فمن حلقها تحت التهديد والإكراه فمعذور –إن شاء الله تعالى- ولا شيء عليه، لكن لا يعذر نفسه بظنون أو أوهام غير حقيقية، بل إذا غلب على ظنه أن يتعرض لمثل هذه الأمور، بل إذا تعرض لمثل هذه الأمور يكون مكرهاً، وإن ارتكب العزيمة وصبر وتحمل ما يناله بسبب محافظته على هذه الشعيرة فأجره أعظم –إن شاء الله تعالى-، إذا أمكنه أن يدفع مقابل وهذا لا يشق عليه ما يخالف، {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [(98) سورة النساء] فإذا وجدت الحيلة للتخلص من فعل المحرم جيد.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(48/34)
شرح: الموطأ - كتاب الزكاة (1)
باب ما تجب فيه الزكاة - باب الزكاة في العين من الذهب والورق
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
كتاب الزكاة
باب ما تجب فيه الزكاة:
حدثني يحيى عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال: سمعت أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمس أواق صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)).
وحدثني عن مالك عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري ثم المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، وليس فيما دون خمس أواقي من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله على دمشق في الصدقة: "إنما الصدقة في الحرث والعين والماشية".
قال مالك -رحمه الله-: "ولا تكون الصدقة إلا في ثلاثة أشياء: في الحرث والعين والماشية".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الزكاة
الكتاب: مر التعريف به مراراً، والزكاة في الأصل -في اللغة-: النماء والزيادة والتطهير، فإذا قيل: زكا المال يزكو، نما ينمو وزاد، ويدل له حديث: ((ما نقص مال من صدقة)).(49/1)
والزكاة طهرة للمال، وتطهير للمزكي {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [(103) سورة التوبة] فهي طهرة للمال، بمعنى أنها تنقيه، وتكفر بعض ما يحصل فيه من دخل، وتنقيه من ذلك، وهي أيضاً تطهر صاحبها من وصف البخل والشح، وهي تطهره أيضاً من أدران الذنوب والمعاصي، ويطلق عليها أيضاًَ الصدقة، الصدقة تشمل الواجب والمندوب، وإن خصها بعضهم بالصدقة المندوبة، لكن جاءت في النصوص الصحيحة الصريحة التي منها أحاديث الباب، ومنها حديث معاذ لما بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن قال: ((فإن هم أطاعوا لك بذلك أو أجابوا لك بذلك)) بعد فرض الصلاة ((فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة)) فرض صدقة، والمراد بذلك الزكاة ((تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) وهنا في الحديث الذي معنا ((ليس فيما دون خمس ذود صدقة)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما تجب فيه الزكاة:
يعني من الأموال.(49/2)
"حدثني عن مالك" القائل راوي الرواية التي بأيدينا عبيد الله بن يحيى عن أبيه يحيى بن يحيى الليثي أنه حدثه عن مالك، حدثني عن مالك، وبالمناسبة في ذكر الروايات خرج أخيراً طبعة للموطأ برواياته، برواية يحيى والقعنبي وأبي مصعب سويد الحدثاني وابن بكير، وابن القاسم، وابن زياد، ومحمد بن الحسن بزياداتها وزوائدها، واختلاف ألفاظها، حققه وضبط نصوصه، وخرج أحاديثه وآثاره، وشرح غريبه، ووضع فهارسه أبو أسامة سليم بن عيد الهلالي، طبعة معتنىً بها، طبعة نفيسة، والمحقق معروف يعني بجودة تحقيقاته، واهتمامه وعنايته، لكن مثل هذا العمل والتلفيق بين الروايات مع إبقاء اسم الكتاب الأصلي الموطأ، تصنيف إمام دار الهجرة مالك بن أنس، كما قال المحقق -وفقه الله-، التلفيق بين الروايات في الصلب هذا يأباه أهل الحديث على طريقتهم، بل يوصون بأن تكون قراءة طالب العلم وعنايته برواية واحدة، تكون قراءته على رواية واحدة، إن احتاج إلى ما عداها يشير إليها في الحاشية، أما التلفيق بين الروايات في صلب الكتاب فله آثاره، ولو لم يقل هذا أهل الحديث، لو لم يكن فيه إلا تشتيت القارئ، القارئ في هذه الطبعة مع أنها بذل فيها جهد موفق بلا شك، يعني الطالب يكون على تصور من الروايات كلها، لكن هذه الطريقة التي أخرج فيها هذا الكتاب تعوق القارئ، وتشوه ذهنه، فلو اعتمد رواية من الروايات، وجعل اختلاف الروايات برموزها في الحاشية، كما صنع بصحيح البخاري بعناية اليونيني -رحمه الله تعالى-، الذي قارن بين الروايات، وأشار إلى الروايات في الحاشية، وعن نسخته طبعت الطبعة السلطانية، التي هي أصح نسخ الصحيح، أشير إلى جميع الروايات في الحاشية، هذا عمل طيب جداً، أما أن يقول مثلاً -وفقه الله- في كتاب الزكاة مثلاً: حدثني عن مالك بين قوسين يفتح قوس (ابن أنس) قاف عين، وحاء دال، هذه الرموز ثم سكر القوس "عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال" أحياناً يأتي هذا في المتن، "وحدثني عن مالك عن" في رواية ميم حاء: أخبرنا، لو كانت هذه في الحاشية، واعتمد رواية واحدة كما أوصى بذلك أهل الحديث، ترك هذه الرموز مع هذه الاختلافات في الحاشية لكان عمله جيد إلى الغاية، يعني ما عليه(49/3)
استدراك، لكن مثل هذا شوف الآن ((ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، وليس ... )) وبعدين فتح قوس، في رواية حاء: ((ولا فيما دون خمسة أواق)) وفي رواية ميم صاد وميم حاء وقاف عين، وفي وقاف سين، وحاء دال: ((أواق)) طيب القارئ كيف يتصرف؟
فأهل العلم يوصون بأن تكون عناية طالب العلم برواية واحدة، إن احتاج إلى ما عداها يشير إليها في الحاشية، تكون روايته وعنايته بالكتاب على رواية واحدة، ومعروف أن روايات الصحيح تتفاوت، بعضها يزيد في الأحاديث، وبعضها ينقص، وبعضها الخلاف بينها مجرد حروف، وبعضها كلمات، فما جمعت روايات الصحيح.
لو أراد أن يؤلف هو كتاباً جامعاً بين روايات الموطأ وصاغه بطريقة مناسبة ملتئمة بحيث لا يقطع تسلسل فكر القارئ له ذلك، على أن ينسبه لنفسه، لو سماه الجامع لروايات الموطأ جمع فلان لا بأس، أما الموطأ وينسب إلى الإمام مالك، ويلفق بين الروايات كلها بهذه الرموز، وعلى هذه الطريقة، وليس معنى هذا أننا نتنقص المحقق، المحقق من مشاهير المحققين الآن، بل من أعظمهم عناية ودراية، لكن مع ذلك هذه لفتة يمكن تستدرك في كتب أخرى، أنا أخشى أن يمتد الأمر إلى كل الكتب بهذه الطريقة.
يعني لو نظرنا على الطبعة السلطانية من صحيح البخاري، اعتمدوا رواية واحدة، وأشاروا إلى ما عداها في الحاشية، هذا لا يقطع تسلسل القارئ، ولا يدخل في الكتاب شيء، والشراح كلهم على هذا، يجرون على رواية واحدة، ويشيرون إلى ما عداها، بعضهم يشير إلى كل شيء، وبعضهم يشير إلى ما يحتاج إليه فقط.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"حدثني عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه" يحيى بن عمارة بن أبي حسن "أنه قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس فيما دون خمس ذود صدقة)) " خمسِ ذود، أو خمسٍ ذود، أكثر الروايات على الإضافة، خمس ذودٍ، وقطعها عن الإضافة بعضهم خمسٍ ذودٍ، وتكون ذود بدل خمس، وعلى الإضافة والذود ما بين الثلاث إلى العشر من الإبل، أو بين ثلاث إلى تسع، أو بين اثنتين إلى سبع، أقوال لأهل العلم، ومنهم من يطلق الذود على الواحدة.(49/4)
((ليس فيما دون خمس ذود صدقة)) الآن الخمس إذا أضيفت إلى مثل هذا في المفرد مثلاً، خمسِ ذودٍ، لو أراد الذود بمعناه عند الأكثر، وهو يطلق على ما هو أكثر من واحد، من اثنين إلى عشرة، من ثلاثة على تسعة ... إلى آخره، لاحتجنا إلى أن نقول: خمسة أذواد، إذا قلنا: خمسة أذواد كم يطلع عندنا العدد؟ يعني أقل تقدير عشرة، خمسة في اثنين عشرة، خمسة في ثلاثة خمسة عشر، خمسة في عشرة خمسين، خمسة في تسعة خمسة وأربعين، إذاً ما يطلع حد لنصاب الإبل، والروايات كلها على هذا، إذا قلنا: خمس ذود والمراد خمسة أذواد، لكن كأن الإضافة هنا من إضافة الموصوف إلى صفته، من إضافة الموصوف وهو الخمس إلى صفته الذود، فالخمس المقصود بها عدد خمس فقط، والذود إن شئت فقل: يطلق على الواحد، يعني خمسة أفراد من الإبل، أو قل: إن الخمس هي الذود، الخمس هي الذود من إضافة الشيء إلى وصفه، وإن شئت فقل: من إضافة الشيء إلى نفسه، وهذا وإن كان ممنوعاً عندهم، يمنعون إضافة الشيء إلى نفسه، لكن يوجهونه، المسجد الجامع، قالوا: إن المسجد هو الجامع، والخمس هي الذود، والذود يطلق على الخمس أنها ذود، فيكون من إضافة الشيء إلى نفسه لا سيما وأن الإضافة هي رواية الأكثر، أما إذا قلنا: ليس فيما دون خمسٍ ذودٍ تكون بدل ولا فيه أدنى إشكال، وهذه رواية البعض.
((صدقة)) فالذي عنده أربع من الإبل يجب عليه شيء وإلا ما يجب؟ لا يجب عليه شيء، طيب عنده ثلاث من الإبل قيمتها ثلاثمائة ألف، ويعدها للتجارة، اشتراها بنية التجارة، ثلاث، فيها صدقة وإلا ما فيها؟ نعم؟ ليس فيها زكاة بهيمة الأنعام، فهي جارية على هذا الحديث، لكنها تدخل في باب آخر من أبواب الزكاة، وهو زكاة عروض التجارة، يعني الواحدة فيها زكاة.(49/5)
((ليس فيما دون خمس ذود صدقة)) أما زكاة بهيمة الأنعام فليس فيما دون الخمس، ويشترط فيها أن تكون سائمة، أن تكون سائمة، بمعنى أنها غير معلوفة، ترعى الحول أو غالب الحول، والسوم هو الرعي، يعني راعية، بهذا جاء وصفها، وصح بذلك الخبر بالنسبة للإبل والغنم، وقاس أهل العلم البقر عليها، وما جاء في تقييدها بالسوم عمل به جمهور أهل العلم فاشترطوا السوم لوجوب الزكاة في بهيمة الأنعام، والإمام مالك يوجب الزكاة في بهيمة الأنعام، ولو لم تكن سائمة، الذي جاء من وصفها أو تقييدها بكونها سائمة مما صحت به النصوص، يقول الإمام مالك: إن هذا جرى على الغالب من مواشي العرب أنها سائمة، فجاء بناءً على ما جرت به العادة أن مواشيهم سائمة، وهو وصف كاشف لا مفهوم له، وعند الجمهور له مفهوم، معناه أنه إذا لم تكن سائمة فإنها لا زكاة فيها.
((ليس فيما دون خمس ذود صدقة)) سميت الإبل بذلك بالذود؛ لأن الراعي يذود بعضها إلى بعض، يذودها، بمعنى أنه يدفعها إلى مكان الرعي، وإلى مكان الشرب، ويدفع بعضها عن بعض إذا خشي شيئاً يضرها.
((وليس فيما دون خمس أواق صدقة)) خمس أواق من الفضة كما جاء في الرواية التي تليها من الورق، والأواقي جمع أوقية، والأوقية أربعون درهماً، فعلى هذا يكون النصاب مائتي درهم من الفضة، والمراد بذلك الخالص من الفضة، سواءً كان مضروباً أو غير مضروب، فالخمس الأواقي والأوقية أربعون درهماً، إذن النصاب مائتا درهم، وجاء بذلك النص الصحيح الصريح مائتا درهم، المائتا درهم قدرت بالريال، بالريالات السعودية الفضة الريال العربي السعودي الفضة قدروها بستة وخمسين ريالاً، إذا كان الريال الفضة مثلاً قيمته خمسة عشر ريال، يزيد وينقص تبعاً لزيادة المعدن هذا ونقصه، اثنا عشر ريال، خمسة عشر ريال، عشرين ريال، تضرب في ستة وخمسين، عدد الريالات في ستة وخمسين، وتخرج النتيجة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(49/6)
إلا قدّر بالغرامات، كان في واحد جاء لي بخطاب مفصل فيه .. ، لكن هذا قبل سنتين، ويقول: إنه حسبه، اليوم مع تجار الذهب والفضة، هذا قبل سنتين، في ورقة عندي خطاب موجود، على كل حال هذه طريقتها يذهب الإنسان إذا كان عنده فضة إلى أماكن المجوهرات، ويقول: كم يسوى؟ كم وزنها بالريال مثلاً؟ أو بالجرام؟ وكم يسوى جرام؟ ويزكيها.
((وليس فيما دون خمس أواق صدقة)) أوسق: جمع وسق، بفتح الواو، ويجوز كسرها، ويجمع على أوساق، كحمل وأحمال، والوسق: ستون صاعاً، فيكون النصاب ثلاثمائة صاع، فعلى هذا بداية النصاب بالنسبة للإبل خمس، وبالنسبة للفضة مائتا درهم، وبالنسبة للحبوب والثمار خمسة أوسق، ثلاثمائة صاع، الحديث الذي يليه يقو: "وحدثني" يأتي هذا كله بالتفصيل في زكاة كل مال بعينه -إن شاء الله تعالى-.
يقول: "وحدثني عن مالك عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري ثم المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة)) " هنا تنصيص على التمر باعتباره فرد من أفراد العام الذي سبق ذكره في الحديث السابق، والتنصيص على فرد من أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، فنص على التمر، والتنصيص عليه لا يقتضي إخراج غيره.
((وليس فيما دون خمس أواقٍ من الورق صدقة)) من الورق هذا أيضاً التنصيص هنا، هناك يقول: ((ليس فيما دون خمس أواق صدقة)) قلنا: إن التنصيص على التمر لا يخرج ما يتناوله اللفظ العام من الحبوب والثمار في الحديث السابق، لكن ماذا عن الجملة الأخرى: ((وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة))؟ هل نقول: إن الحديث السابق يشمل الورق وغير الورق، وهذا تنصيص على بعض أفراد العام ... ؟ مثلما قلنا من التمر؟ أو نقول: إن المقصود بالأول الورق وبالثاني الورق نفس الشيء؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(49/7)
الورق هي الفضة، قلنا فيما سبق أن المراد بالأواقي من الفضة، وهذا نصاب الفضة بخصوصها، أما الخمسة الأوسق التي تقدمت نصاب الحبوب والثمار التي تجب فيها الزكاة، فهل نقول في هذه الجملة مثلما قلنا في التي قبلها؟ تنصيص على بعض أفراد العام؟ أو نقول: إنه ليس بعام، الأول ليس بعام، بل لا يتناول إلا فرداً واحداً وهو الفضة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ولا يتناول إلا فرد واحد؛ لأنه ليس بعام، الأصل وإن كان اللفظ صيغته صيغة العموم ((ليس فيما دون خمس أواق صدقة)) لفظه لفظ العموم، لكنه مما أريد به الخصوص، الأول يراد به العموم؛ لأن اللفظ العام يأتي ويراد به العموم، ويكون محفوظاً لا يدخله تخصيص، ويأتي ويراد به العموم، ثم يأتي ما يخصصه، ويأتي مراداً به الخصوص، فهو خاص من الأصل {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [(173) سورة آل عمران] الذين قال لهم الناس، الناس كلهم على من وجه الأرض من الناس جاءوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقالوا له: إن الناس كلهم جمعوا لكم {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [(173) سورة آل عمران] كم هؤلاء الناس؟ كم عددهم؟ كل من على وجه الأرض؟ واحد، شخص واحد، عام أريد به الخصوص، نعيم بن مسعود، إن الناس يعني قد جمعوا لكم، الذين تحزبوا على النبي -عليه الصلاة والسلام- وعلى أصحابه، فهذا عام أريد به الخصوص، ومنه ((وليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة)) المراد به الخصوص وهو الفضة،
((وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة)) من التمر، من الورق، من الإبل، (من) هذه ها؟ تبعيضية وإلا ويش تصير؟
طالب:. . . . . . . . .
بيانية، {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [(30) سورة الحج] فـ (من) هذه بيانية.
((وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة)) وهذا تقدم.
والحديثان خرجهما الإمام البخاري في صحيحه من طريق عبد الله بن يوسف التنيسي، وأكثر روايات البخاري، أكثر ما يرويه البخاري عن مالك من أحاديث الموطأ يكون من طريق عبد الله بن يوسف.
هل هذا ما مضى حديث واحد أو حديثان؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(49/8)
من طريقين، يعني يروى عن أبي سعيد من طريقين.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز" الخليفة الراشد المعروف "كتب إلى عامله على دمشق في الصدقة" يعني الزكاة "إنما الصدقة" يعني قائلاً له "إنما الصدقة في الحرث والعين والماشية" هذا حصر، يعني الزكاة لا تجب إلا في هذه الأمور الثلاثة "قال مالك: "ولا تكون الصدقة إلا في ثلاثة أشياء: في الحرث" وهو كل ما لا ينمو ولا يزكو إلا بالحرث، والمراد به الخارج من الأرض "في الحرث والعين" الذهب والفضة "والماشية" بهيمة الأنعام الإبل والبقر والغنم، فلا زكاة إلا في هذه الأشياء الثلاثة.
طيب الحرث يشمل الحبوب والثمار التي تكال أو تدخل، العين الذهب والفضة، الماشية الإبل والبقر والغنم، وماذا عن بقية الأموال؟ ماذا يبقى عندنا؟ الركاز مثلاً، الركاز فيه ما يخصه، ((في الركاز الخمس)) أقول: له ما يخصه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو ما في إلا عروض التجارة، وهي ملحقة بالأموال التي هي العينية، ولذا تزكى زكاة العين، ربع العشر على ما سيأتي، والحصر في الثلاثة يقول ابن عبد البر: لا خلاف في جملة ذلك، ويختلف في تفصيله، يختلف أهل العلم في تفاصيله، وما يلحق، وما يدخل، وما يخرج من هذه الثلاثة؛ لأن الحرث كل الحرث فيه زكاة؟ خضروات وفواكه فيها زكاة؟ يأتي ما فيها، وأن هذه ليس فيها زكاة، العين الذهب والفضة لا شك أن فيها الزكاة، إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول، والماشية كذلك، نعم؟
أحسن الله إليك.
باب الزكاة في العين من الذهب والورق:
حدثني يحيى عن مالك عن محمد بن عقبة مولى الزبير أنه سأل القاسم بن محمد عن مكاتِب له، قاطعه ...
عن مكاتَب.
أحسن الله إليك.
أنه سأل القاسم بن محمد عن مكاتَب له قاطعه بمال عظيم هل عليه فيه زكاة؟ فقال القاسم: "إن أبا بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- لم يكن يأخذ من مال زكاة حتى يحول عليه الحول".
قال القاسم بن محمد: "وكان أبو بكر إذا أعطى الناس أعطياتهم يسأل الرجل هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة؟ فإذا قال: نعم، أخذ من عطائه زكاة ذلك المال، وإن قال: لا، أسلم إليه عطاءه، ولم يأخذ منه شيئاً.(49/9)
وحدثني عن مالك عن عمر بن حسين عن عائشة بنت قدامة عن أبيها أنه قال: "كنت إذا جئت عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- أقبض عطائي، سألني هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة؟ قال: فإن قلت: نعم، أخذ من عطائي زكاة ذلك المال، وإن قلت: لا، دفع إلي عطائي".
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: "لا تجب في مال زكاة حتى يحول عليه الحول".
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه قال: "أول من أخذ من الأعطية الزكاة معاوية بن أبي سفيان -رضي الله تعالى عنه-".
قال مالك -رحمه الله-: "السنة التي لا اختلاف فيها عندنا أن الزكاة تجب في عشرين ديناراً عيناً، كما تجب في مائتي درهم".
قال مالك: "ليس في عشرين ديناراً ناقصة بينة النقصان زكاة، فإن زادت حتى تبلغ بزيادتها عشرين ديناراً، وازنة ففيها الزكاة، وليس فيما دون عشرين ديناراً عيناً زكاة، وليس في مائتي درهم ناقصة بينة النقصان زكاة، فإن زادت حتى تبلغ بزيادتها مائتي درهم وافية ففيها الزكاة، فإن كانت تجوز بجواز الوازنة رأيت فيها الزكاة دنانير كانت أو دراهم".
قال مالك في رجل كانت عنده ستون ومائة درهم وازنة وصرَف الدراهم ببلده
وصرْف.
أحسن الله إليك.
قال مالك في رجل كانت عنده ستون ومائة درهم وازنة وصرْف الدراهم ببلده ثمانية دراهم بدينار: إنها لا تجب فيها الزكاة، وإنما تجب الزكاة في عشرين ديناراً عيناً أو مائتي درهم".
قال مالك في رجل كانت له خمسة دنانير من فائدة أو غيرها فتجر فيها، فلم يأتِ الحول حتى بلغت ما تجب فيه الزكاة: إنه يزكيها، وإن لم تتم إلا قبل أن يحول عليها الحول بيوم واحد، أو بعد ما يحول عليها الحول بيوم واحد، ثم لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول من يوم زكيت".
وقال مالك في رجل كانت له عشرة دنانير فتجر فيها فحال عليها الحول، وقد بلغت عشرين ديناراً: "إنه يزكيها مكانها ولا ينتظر بها أن يحول عليها الحول من يوم بلغت ما تجب فيه الزكاة؛ لأن الحول قد حال عليها، وهي عنده عشرون، ثم لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول من يوم زكيت".
وقال مالك: "الأمر المجتمِع عليه عندنا في ...
المجتمَع.
أحسن الله إليك.(49/10)
قال مالك -رحمه الله-: "الأمر المجتمَع عليه عندنا في إجارة العبيد، وخراجهم، وكراء المساكين، وكتابة المكاتب أنه لا تجب في شيء من ذلك الزكاة، قل ذلك أو كثر حتى يحول عليه الحول من يوم يقبضه صاحبه".
وقال مالك في الذهب والورق يكون بين الشركاء: إن من بلغت حصته منهم عشرين ديناراً عيناً، أو مائتي درهم، فعليه فيها الزكاة، ومن نقصت حصته عما تجب فيه الزكاة فلا زكاة عليه، وإن بلغت حصصهم جميعاً ما تجب فيه الزكاة، وكان بعضهم في ذلك أفضل نصيباً من بعض، أخذ من كل إنسان منهم بقدر حصته إذا كان في حصة كل إنسان منهم ما تجب فيه الزكاة، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة)).
قال مالك: "وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك".
قال مالك: "وإذا كانت لرجل ذهب أو ورق متفرقة بأيدي أناس شتى فإنه ينبغي له أن يحصيها جميعاً، ثم يخرج ما وجب عليه من زكاتها كلها".
قال مالك -رحمه الله-: "ومن أفاد ذهباً أو ورقاً إنه لا زكاة عليه فيها حتى يحول عليها الحول من يوم أفادها".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب الزكاة في العين من الذهب والورق:
"حدثني يحيى عن مالك عن محمد بن عقبة" أخي موسى بن عقبة، صاحب المغازي المشهور، مولى الزبير "أنه سأل القاسم بن محمد" في بعض الروايات: "سمع القاسم بن محمد" سأل القاسم بن محمد بن أبي بكر أحد الفقهاء السبعة، الذين يجمعهم قول الشاعر:
فخذهم عبيد الله عروة قاسمٌ ... سعيد أبو بكر سليمان خارجه(49/11)
"أنه سأل القاسم بن محمد عن مكاتَب له قاطعه بمال عظيم" قاطعه كيف قاطعه؟ يعني اتفق معه على مال عظيم، وما زالت هذه اللفظة دارجة، قاطعه هذه اتفق معه، نعم؟ لفظة دارجة، قاطعه بمال عظيم، لكن هل الآن هذه المكاتبة ابتداءً بمعنى أنه اتفق معه على مال يدفعه له نجوم، كما هو شأن الكتابة، أو إنما هو تعجيل ما بعض ما اتفقا عليه؟ كأن يكونا اتفقا على ألف مثلاً مؤجلة، كل سنة مائة، فقال: تعطيني خمسمائة حالة، وننتهي، يعني كالدين ضع وتعجل، كأن ابن عبد البر فهم هذا، أنه اتفق معه على بعض ما اتفقا عليه؛ ليكون معجلاً، فهل فيه زكاة؟ كل منهما مستفيد، المكاتب يتعجل المالك الدائن، والمكاتب كالمدين يقل عليه الدين، وفيه رفق بالطرفين، فهل فيه زكاة؟
"قاطعه بمال عظيم هل عليه فيه زكاة؟ فقال القاسم: "إن أبا بكر الصديق لم يكن يأخذ من مال زكاة حتى يحول عليه الحول" واشتراط الحول مجمع عليه في الماشية والنقد والمعشرات، لكن بالنسبة لما يخرج من الأرض فزكاته {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [(141) سورة الأنعام] فالحول ثابت بالنصوص المرفوعة، وهو مجمع عليه بالنسبة لما عدا الخارج من الأرض.
"لم يكن يأخذ من مال زكاة حتى يحول عليه الحول" وهذا الجواب جواب القاسم بن محمد بفعل أبي بكر -رضي الله تعالى عنه-، وفعل صحابي من الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بالاهتداء بهديهم، والاستنان بسنتهم، وجاء فيه الحديث الصحيح المرفوع، حتى يحول عليه الحول، فعلى هذا إذا قبض المال، إذا قبض المال سواءً كان كراء، أجرة، أو قسط، أو تعجيل لدين كما هنا، والدين يختلف وضعه من مليء وغير مليء، فالدين على المليء يزكى في وقته، كلما حال عليه الحول يزكى، والدين على المعسر ينتظر حتى يقبض فيزكيه إذا قبضه، وهنا مال معجل قبل استحقاقه فلا زكاة فيه إذا قبض حتى يحول عليه الحول.
قال -رحمه الله-:(49/12)
"قال القاسم بن محمد: "وكان أبو بكر إذا أعطى الناس أعطياتهم" يعني من بيت المال، جمع عطايا، والعطايا جمع عطية "يسأل الرجل هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة؟ " يعني بأن كان نصاباً وحال عليه الحول "فإذا قال: نعم، أخذ من عطائه زكاة ذلك المال الذي عنده، وإن قال: لا، أسلم إليه عطاءه، ولم يأخذ منه شيئاً" يعني لعدم وجوب شيء عليه، فذمته فارغة، فيسلم له عطاءه كاملاً، وعلى هذا لو كان هناك مستحق على شخص له في بيت المال عطاء مرتب، أو له راتب مقابل عمل يقوم به، سواءً كان عمله بدون ما يعطاه من بيت المال بدون عمل، أو بعمل، له راتب يتقاضاه من بيت المال، ويجب عليه، إما لبيت المال أو لغيره من الفقراء والمساكين، المقصود أن للإمام أن يأخذ من هذا العطاء، ومن هذه الأجرة بقدر ما تبرأ به ذمته، بهذا يكون قد أعين هذا الشخص على نفسه، وفيه تصديق الناس في أموالهم التي فيها الزكاة؛ لأن هذه ديانة، فيقبل قوله، عليك زكاة؟ والله ما علي شيء، مسلم كامل، وإذا قال: علي، أخذ منه بقدرها، فتصدق، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الجباة بالنسبة للسعاة؟ السعاة يبعثهم الإمام لجباية الزكاة، وهذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يبعث، بعث عمر وغير عمر لجباية الزكاة، لكن أنت افترض أن الناس أموالهم تجارات خفية، ومما يعان عليه المرء أن يوجد من ينبه، هل أخرجت الزكاة؟ عليك زكاة؟ ويعان على إخراجها، فتؤخذ منه، وفيه أيضاً هنا مصلحة الزكاة، تأخذ من التجار ...
على كل حال هذا مأثور.(49/13)
"فإذا قال: نعم، أخذ من عطائه زكاة ذلك المال الذي عنده، وإن قال: لا، أسلم إليه عطاءه" ولا يحتاج أن يحضر بينة، ولا يستحلف إلا إذا شك في أمره، يعني ظاهره الثراء قيل: عندك زكاة؟ قال: أنا والله ما أملك شيء، فمثل هذا قد تطلب منه البينة، وقد يستحلف، لا سيما إذا ظهرت عليه أمارات وقرائن تدل على أنه عنده أموال ولا يزكيها، بدليل أن الذي يدعي أنه أصابته فاقة مثلاً، وظاهره على خلاف ما يدعيه أنه لا يقبل قوله حتى يشهد له ثلاثة من ذوي الحجا، وإلا فالأصل أنه لو جاء شخص لم يعرف بغنى، وطلب الزكاة، وظاهره يدل على ذلك يعطى، من غير بينة ولا استحلاف، لكن إذا كان ظاهره على خلاف ما يدعيه، فلا بد من التأكد من حاله ووضعه.
يقول: "وحدثني عن مالك عن عمر بن حسين بن عبد الله الجمحي -مولاهم- عن عائشة بنت قدامة" بن مضعون، وهي صحابية وأبيها صحابي "عن أبيها أنه قال: كنت إذا جئت عثمان بن عفان في خلافته أقبض عطائي، سألني هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة؟ قال: فإن قلت: نعم، أخذ من عطائي زكاة ذلك المال، وإن قلت: لا، دفع إلي عطائي".
يعني كاملاً، وصنيع عثمان مثل صنيع أبي بكر -رضي الله تعالى عنه-، فالإنسان يصدق في ديانته، وعلى هذا لو قيل لفلان: صليت يا فلان؟ قال: نعم، ما يقال له: احلف أنت صليت وإلا ما صليت؟ هذه ديانة بين المرء وربه، ديانة بين العبد وربه، إلا إذا ظهرت عليه أمارات تدل على أنه كاذب حينئذٍ يحتاط في أمره.
الزكاة وإن كان وجوبها في عين المال إلا أن لها تعلقاً بالذمة، وهذا يدل على أن صنيع أبي بكر، وصنيع عثمان يدل على أن الزكاة تؤخذ من غير المال، إذا كان من جنسه فلا إشكال، يعني زكاة فلان عشرة آلاف من ماله الذي في محله التجاري، فطلبت منه عشرة آلاف، قال: والله ما عندي شيء، خلوني أبيع هذه السيارة ومن ثم أعطيكم قيمتها، هل يقال: لا، لا تعطينا إلا من نفس المحل؟ لا ما يلزم، بدليل أن أبا بكر من الأعطية يحسم الزكاة ليست من عين المال، نعم الوجوب الأصلي في عين المال، ولها تعلق بالذمة، والأموال من جنس واحد ينوب بعضها عن بعض.
يقول: ألا يفرق بين الملي الباذل وغير الباذل؟(49/14)
غير الباذل ليس بملي، الشخص الذي لو كانت عنده الأموال لكن لا يستطيع إخراج المال منه ليس بملي.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: "لا تجب -يعني الزكاة- في مال"، "لا تجب في مال زكاة حتى يحول عليه الحول" حتى يحول عليه الحول هكذا رواه مالك موقوفاً على عبد الله بن عمر، ووصله ابن عبد البر في التمهيد من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، قال: قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول)) فيثبت مرفوعاً.
يقول الدارقطني: والصحيح وقفه كما في الموطأ، لكن إذا جاء الخبر مرفوعاً وجاء موقوفاً، والاحتمال أن الراوي رواه مرة هكذا ومرة هكذا، نشط مرة فرفعه، ومرة لم ينشط فوقفه، فالمسألة خلافية بين أهل العلم، وليست هناك قاعدة يعني مطردة يمكن أن يحكم بها، أنه يحكم للرفع مطلقاً، أو للوقف مطلقاً، إنما المقصود أن مثل هذا جاء رفعه بخبر صحيح، وهو مجمع عليه أيضاً، دل الإجماع على ثبوت الخبر فيه.
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه قال: "أول من أخذ من الأعطية الزكاة معاوية بن أبي سفيان" طيب ماذا عن صنيع أبي بكر وعثمان؟ نعم؟ ماذا عن صنيعهم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم قد يكون خفي عليه صنيع أبي بكر وعثمان، أو حمله على وجه من الوجوه، نعم، أو بعد انقراض عصر الخلافة الراشدة، على كل حال تأويله سهل، وإلا فقد ثبت عن أبي بكر وعثمان، وهما قبل معاوية.(49/15)
"قال مالك: السنة التي لا اختلاف فيها عندنا" يعني في المدينة "أن الزكاة تجب في عشرين ديناراً عيناً كما تجب في مائتي درهم" وبهذا قال جمهور العلماء، وبهذا قال الجمهور، وقالت طائفة: لا زكاة في الذهب حتى يبلغ صرفها مائتي درهم، فيكون الأصل في النقود الفضة، يرد إليها الذهب، إذا كان صرف الذهب مثلاً الدينار بعشرة دراهم، استوت الفضة مع الذهب، فإذا ملك عشرين دينار وجبت فيه الزكاة؛ لأنه يبلغ نصاب الفضة مائتي درهم، أما إذا كان صرف الدينار تسعة دراهم مثلاً، فصار العشرون ديناراً مائة وثمانين درهم لا تجب فيها الزكاة، هذا على هذا القول، وإذا قلنا: إن الذهب أصل برأسه، فإذا بلغ عشرين ديناراً وجبت الزكاة سواءً بلغت المائتي درهم أو لم تبلغ، وهذا هو القول المرجح عند الجمهور أن الذهب أصل برأسه، والفضة أصل برأسها، ثم بعد ذلك يختلفون في العروض، هل مردها الذهب أو الفضة؟ كل له رأي، وقل مثل هذا في السرقة ونصابها، المقصود أن مثل هذا محل خلاف بين أهل العلم، والأولى التقدير بالأحض للفقراء، والمساكين، التقدير بالأحض، عندك عروض تجارة، هل نقومها بالذهب أو نقومها بالفضة؟ إذا قومناها بالذهب فنحتاج إلى أن تكون العروض قريبة من ألفين مثلاً، مو قلنا: نصاب الذهب كم؟
طالب:. . . . . . . . .
كلها.
طالب:. . . . . . . . .
لا هذا القدر، نصاب الذهب عشرون مثقال، يعني أحدى عشر جنيه، وأربعة أسباع الجنيه، النصاب، كم إحدى عشر جنيه؟ الجنية بكم؟ بأربعمائة ريال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
قال: ثلاثمائة، باعتبار أن الجنيه ثمانية جرامات، والجرام يسوى أربعين، يعني قل: ثلاثمائة ريال، نحتاج إلى ثلاثة آلاف وكسور، بينما إذا قلنا: نصاب الفضة ستة وخمسين ريال عربي سعودي فضة، وافترض مثلاً أن الريال العربي خمسة عشر ريال، كم؟ ثمانمائة ريال، أكثر من ثمانمائة بقليل، فنقدر بالفضة لأنها أحض للمساكين.(49/16)
طيب افترض أن شخص يملك نصاب فضة، عنده ثمانمائة ريال، وقدرناها بالفضة فإذا هي نصاب، وهذا الشخص الذي عنده ثمانمائة لا يكفيه شهري مع أسرته إلا ألفين ريال، هذه مسألة مهمة جداً، ويختلف فيها أهل العلم، بمعنى أنه هل يمكن أن يوصف الشخص في آن واحد بأنه معطٍ للزكاة وآخذ في آن واحد أو لا؟ لأنه في حديث معاذ قسم الناس إلى قسمين: أغنياء تؤخذ منهم الزكاة، فقراء يعطون الزكاة، فهل نقول: إن هناك من الناس من يأخذ ويعطي في آن واحد؟ تؤخذ من أغنيائهم، فالذي يزكي غني، والغني لا تحل له الزكاة، فإذا أخذنا منه الزكاة وصفناه بأنه غني، والأصل أن الغني لا يأخذ الزكاة، تؤخذ منه ولا يأخذ، فهل نقول: إن هذا الشخص الذي عنده ثمانمائة ريال، ويحتاج إلى ألفين مصروف نأخذ منه عشرين ريال، ونعطيه ألف ومائتين؟ لا، مسألة الوقت وغيره، يعني المسألة هل يمكن أن نصف الشخص بأنه غني فقير في آن واحد؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
خلنا بما نحن فيه، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) فالذي تؤخذ منه الزكاة غني، بالنص غني، فهل نقول: إنه له أن يأخذ وهو غني، أو إذا أخذنا من الزكاة غني في حال دفع الزكاة، ثم ينقلب بعد ساعة إلى فقير؟ إذا أخذنا منه عشرين ريال من الثمانمائة انتقل إلى فقير يأخذ الزكاة؟
طالب:. . . . . . . . .
ما أظنكم، ما فهمتم قصدي من طرح الإشكال، النص يدل على أن الناس أحد اثنين: غني يدفع الزكاة، فقير يأخذ الزكاة، ولا واسطة، فكيف نقول لشخص: إنه يدفع ويأخذ؟ فإما أن نعطيه أو نأخذ منه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(49/17)
الحديث جرى على الغالب، ولا يمنع أن تكون هناك حاجة قائمة مع وجود نصاب حال عليه الحول، لكن قد يقول قائل: وهذا متصور، يمكن تبي تقوله أنت، نعم، كيف تبي تمكث عنده هذه الثمانمائة لمدة سنة فيحول عليها الحول ويحتاج إلى ألفين شهري؟ نعم؟ أو دين في ذمة شخص، ثم سلمه إياها، يعني المسألة متصورة، لكن يعني ما يمكن أن تبقى الثمانمائة لمدة سنة، نعم، ومع ذلك يأخذ، افترض هذا في امرأة عندها حلي تجب فيها الزكاة عند من يقول بوجوب زكاة الحلي، نعم، تزكي الحلي وتأخذ من الزكاة، وهذا لا إشكال فيه، إنما يرد الإشكال من الوصف، الوصف بالغنى والفقر معروف أنه أمر نسبي؛ لأنه الآن اللي عنده ثمانمائة فقير، قد يكون في وقت من الأوقات من أصحاب الأموال، الثروات، من أصحاب الدثور، اللي عنده ثمانمائة، نعم.
"قال مالك: "ليس في عشرين ديناراً ناقصة بينة النقصان زكاة؛ لعدم بلوغ النصاب" قد يقول قائل: كيف تكون عشرين وتكون ناقصة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب، يعني نقص وزنها، أو نقصت بالغش مثلاً، بل هناك دراهم صحاح، ودراهم مكسرة، يعني معروفة عندهم، نعم، شخص عنده عشرين دينار إحدى عشر جنيه، وأربعة أسباع الجنيه عيار ستة عشر، نعم، عيار ستة عشر، عليه زكاة وإلا ما عليه زكاة؟ عيار أربعة وعشرين ناهي، وما دونه ينقص بحسبه، ويأتي في كلام مالك أن هذه الدراهم التي نقصها لا أثر له في السوق، وإن كانت ناقصة، تنفق، يعني في السوق، تمشي مشي التامة، هذا لا أثر له على النقص، لكن إذا كان نقص بين، عيار أقل من ستة عشر، بالعيار اثني عشر مثلاً، الدينار عن نصف دينار، مثل هذا مؤثر في الزكاة.
يقول: "ليس في عشرين ديناراً ناقصة بينة النقصان" يعني نقص عيار واحد مثلاً ما يضر، لكن أكثر من ذلك، بحيث يعتبرها أصحاب الذهب معيبة فمثل هذه النقص مؤثر.(49/18)
"ليس في عشرين ديناراً ناقصة بينة النقصان زكاة؛ لعدم بلوغ النصاب" لأن المسألة مسألة الكلام كله على الصافي، يعني لو وجد كسر ذهب مثلاً، المقصود بمجموعها بوزنها "فإن زادت حتى تبلغ بزيادتها عشرين ديناراً وازنة ففيها الزكاة" يعني اعتبر مثلاً شخص عنده إحدى عشر جنيه، وأربعة أسباع الجنيه من عيار ستة عشر، إذا نسبناها إلى عيار أربعة وعشرين قلنا: ناقصة، لو افترضنا أنها عيار اثنا عشر احتجنا إلى أن نضاعف العدد لنوجب الزكاة.
"وليس فيما دون" يعني أقل "من عشرين ديناراً عيناً الزكاة" النصاب عشرين دينار، وفيها نصف دينار، في العشرين النصف، لكن لو أخرج دينار كامل، فما الواجب عليه؟ ما الواجب عليه؟ شخص عنده عشرين دينار، فقال: هذا الدينار زكاة، هل نقول: إن النصف واجب، والنصف الثاني صدقة مستحبة؟ أو نقول: الكل واجب؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما عنده إلا عشرين، وهذا ترى يا إخوان هذا مثلوا به في الروضة -روضة الناظر- لمسألة من أهم المسائل، الزيادة على القدر الواجب إن كانت متميزة بنفسها أو غير متميزة كمن أدى ديناراً عن عشرين، بالروضة مثال، تصير واجبة وإلا مندوبة؟ يعني فرق بين من يدفع صاع مكيس زكاة فطر، ثم يدفع ثاني مثله مكيس، الثاني ندب اتفاقاً، لكن لو جاء بكيس مثلاً كامل، يسع خمسة عشر صاع، وهو فرد واحد، وقال: هذه زكاة فطر، واجبة عليه وإلا الواجب عليه صاع؟ غير متميز هذا، إذا كان متميز هذا ما في إشكال، لكن هذه غير متميزة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(49/19)
نعم، قاعدة، قاعدة حتى ذكرها ابن رجب وغيره، قاعدة مهمة من قواعد الفقه، ولها فروع، يعني اخرج كيس زكاة فطر، ثم سرق ها الكيس قبل أن يسلمه الفقير بتفريط منه، يلزمه صاع وإلا يلزمه كيس؟ وراه يلزمه صاع؟ ما هو بالواجب عليه ها الكيس؟ يا إخوان لا نحكم بآرائنا، وعندنا قواعد منتظمة ومرتبة عند العلماء، يعني فرط في مال وجب عليه لفقير، هم يفرقون بين الزيادة المتميزة بنفسها، والزيادة غير المتميزة، ولذلك الحنابلة ما يرد عليهم مشكلة في كون الإمام إذا أطال الركوع عن القدر الواجب ثم لحق به آخر، يعني مسبوق، وأدرك الركوع بعد مضي الوقت الواجب عليه، وهم لا يجيزون المتنفل خلف المفترض، يقولون: كله واجب الركوع؛ لأنه زيادة غير متميزة بنفسها، وهذا من فروع هذه القاعدة، لا نذر ولا لفظ، ولا قال: لله علي، ولا شيء، قال: بدل ما أدفع صاع، وأنا الحمد لله الكيس كله بمائة ريال ندفعه كامل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إن كان تبي تراجعونها أعدناها بكرة وإلا، ما ينفع يا الإخوان نجي فارغين، وسم.
طالب:. . . . . . . . .
يعني زيادة غير متميزة واجبة، هل تلزم الصدقة قبل القبض؟ إذا قلنا: ليست بواجبة وإن قلنا: واجبة خلاص يضمن الواجب بواجب، ضمان الجميع واجب عليه إن قلنا: واجبة، تبحثونها يا الإخوان وإلا ما تبحثونها؟ يعني. . . . . . . . .
يا إخوان العلم ترون يحتاج، مترابط ما ينفك بعضه عن بعض، القواعد التي يقعدها أهل العلم ويفرعون عليها ترى ما جاءت من فراغ، أقول: نحتاج إلى أن نأخذ العلم بجميع فروعه، والقواعد التي قعدها أهل العلم هي مأخوذة من النصوص، وهي تضبط لطالب العلم فقهه، أما إذا كان ما يأوي إلى أصل، ولا إلى قاعدة كيف يتفقه؟ خلافاً لمن يقول: نحن نريد نخرج محدثين، ولا نريد أن نخرج متكلمين، يعني جعلوا كل ما يتعلق بالفقه والقواعد الأصولية والفقهية، وأصول الفقه كلها من صنيع المتكلمين، ولقائل أن يقول: أنت تريد أن تخرج ظاهرية ولا تريد أن تخرج فقهاء.(49/20)
على كل حال الأصل والأساس هو الكتاب والسنة، لكن طالب العلم بحاجة ماسة إلى ما يحسن به التعامل مع نصوص الكتاب والسنة، وإلا ما يختلف أحد أن الكتاب والسنة هما المصادر التي لا ثالث لهما إلا ما دل الدليل على اعتباره كالقياس مثلاً، والإجماع، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في باب من أبواب كتاب الزكاة، الزكاة في العين من الذهب والورق، انتهينا من الأحاديث، ثم بعد ذلك يقول الإمام مالك -رحمه الله تعالى-:
"السنة التي لا اختلاف فيها عندنا" يعني بالمدينة "أن الزكاة تجب في عشرين ديناراً عيناً، كما تجب في مائتي درهم" هذا نصاب الذهب، وهذا نصاب الفضة، وجاءت بذلك السنة الصحيحة، وبهذا قال جمهور العلماء، وقال طائفة منهم: لا زكاة في الذهب حتى يبلغ صرفه مائتي درهم، فهؤلاء يجعلون الأصل الفضة، والذهب يرد إليها، لكن جاءت النصوص الصحيحة ما يجعل الذهب أصل قائم بذاته، برأسه، ولا يحتاج إلى رد إلى الفضة، المسألة إذا كان صرف العشرين الدينار مائتي درهم من الفضة، بأن كان الدينار بعشرة دراهم، هذا لا إشكال فيه، يتفقون على أن الذهب فيه الزكاة، لكن إذا كان صرف الدينار ثمانية دراهم مثلاً، فالعشرين الدينار تعادل مائة وستين درهم، عند الجمهور فيها الزكاة؛ لأنها بلغت نصاب الذهب، وعلى هذا القول الذي يرد الذهب إلى الفضة لا زكاة فيها، حتى تبلغ مائتي درهم، وذلك نظير ما اختلفوا فيه من نصاب القطع في السرقة، ثلاثة دراهم أو ربع دينار، إذا بلغت قيمة المسروق ربع دينار قطع، إذا بلغت قيمة المسروق ثلاثة درهم قطعت، منهم من يقول: لا يقطع في الذهب حتى يبلغ الربع ثلاثة دراهم، على كل حال قول الجمهور واضح، والسنة الصحيحة الصريحة واضحة في هذا، فالذهب أصل، ولو قيل: إنه هو الأصل لما بعد.(49/21)
"قال مالك: ليس في عشرين ديناراً ناقصة بينة النقصان زكاة؛ لعدم بلوغ النصاب" كيف تصير عشرين وتصير ناقصة؟ ناقصة يمكن تصير تسعة عشر، ثمانية عشر، سبعة عشر، أما عشرين ناقصة، لو قلت: اقترضت من فلان ألف ريال، واعترفت بهذا، ثم بعد هذا جاء للمطالبة، فقلت: لا، أنا ما عندي له ألف، صحيح أنا اقترضت منه ألف لكنها ناقصة، ويش معنى ناقصة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني هل يتصور في العملات الجديدة النقص؟ نعم؟ لا يتصور، الريال ريال، سواءً كان نظيف جديد، وإلا خلق، وإلا مقطوع من طرفه، وإلا من وسطه، المقصود أنه ما دام معتبر فيه الأرقام المطلوبة هو ريال، بينما الذهب والفضة يعتبر نقصها، بأن تكون مكسرة، أو عيارها ضعيف، يعني إذا بلغت عشرين دينار نعم الوزن كامل، لكن العيار بدل ما هو ثمانية عشر، أو واحد وعشرين، أو أربعة وعشرين، عيار اثنا عشر، فيها زكاة وإلا ما فيها زكاة؟ ما فيها زكاة؛ لأنها ما هي معتبرة، ناقصة، فالعبرة بالدينار الكامل المعتبر ويتصور نقصه في الوزن أيضاً؛ لأنهم يعتبرون في العملات الوزن، الذهب والفضة مردها إلى الوزن، ولذا يقول: "ليس في عشرين ديناراً ناقصة بينة النقصان" يعني الشيء اليسير يتجاوز عنه، لكن إذا كان نقصها بيناً بحيث لا تنفق في الأسواق فإنه ليس فيها زكاة؛ لعدم بلوغها النصاب.(49/22)
"فإن زادت حتى تبلغ بزيادتها عشرين ديناراً" يعني إذا اعتبرنا الذهب المعتبر عيار واحد وعشرين مثلاً، عيار ثمانية عشر يمشي في الأسواق، لكن أقل من ذلك ما يمشي، فإذا تصورنا أن العشرين من عيار اثنا عشر لا بد أن يزاد في القدر حتى تبلغ أربعة وعشرين دينار، خمسة وعشرين دينار؛ لتساوي العشرين من الصحاح "وليس فيما دون عشرين ديناراً عيناً الزكاة" يعني أقل من عشرين ليس فيها زكاة، وهو مفهوم الحديث "وليس في مائتي درهم ناقصة بينة النقصان زكاة" يعني مثلما قيل في الذهب "فإن زادت حتى تبلغ بزيادتها مائتي درهم وافية ففيها الزكاة" يعني افترضنا أنها مائتان وأربعون مثلاً، وهي تعادل العشرين الصحاح يكون فيها الزكاة "فإن كانت تجوز بجواز الوازنة" يعني تنفق في الأسواق وتقبل، يباع بها ويشترى، كما يباع بالكاملة "فإن كانت تجوز بجواز الوازنة رأيت فيها الزكاة" جوازها في الأسواق، وقبول الناس لها يدل على أن النقص يسير مما يتعافاه الناس بينهم "رأيت فيها الزكاة دنانير كانت أو دراهم" أما إذا كان نقصها بيناً بحيث لا يقبلها الناس في أسواقهم فإنها لا بد أن تعادل بالصحاح فيزاد فيها.(49/23)
"قال مالك في رجل كانت عنده ستون ومائة درهم وازنة، وصرف الدراهم ببلده ثمانية دراهم بدينار: إنها لا تجب فيها الزكاة" يعني عنده مائة وستين والدينار ثمانية دراهم، إذاً المائة والستين كم تعادل من دينار؟ عشرين، والعشرين من الذهب فيها زكاة، المائة والستين من الفضة فيها زكاة؟ يعني لو اعتبرنا الأصل الذهب، ورددنا الفضة إليه قلنا: فيها الزكاة، لكن إذا قلنا: إن الذهب أصل قائم برأسه، والفضة أصل قائم برأسه، فإنه ليس فيها زكاة حتى تبلغ مائتي درهم، ولو زادت قيمتها على عشرين ديناراً "وإنما تجب الزكاة في عشرين ديناراً عيناً أو مائتي درهم" بغض النظر عن مقارنة أحدهما بالآخر؛ لأن المال إنما يعتبر بنصاب نفسه لا بمقارنته بغيره؛ لأننا لو نظرنا إلى نصاب الذهب والفضة في الوقت الحاضر مثلاً لرأينا أن الذهب نصابه أضعاف بالعملات الحاضرة، أضعاف نصاب الفضة، يعني في وقت التشريع متقارب، الدينار عشرة، معدل عشرة، يزيد إلى اثنا عشر، ينقص إلى ثمانية، متقارب، لكن الآن الذهب فوق، بكثير، يعني إذا قلنا مثلاً: نصاب الذهب عشرين مثقال، عشرين دينار، إحدى عشر جنيه، وأربعة أسباع الجنيه، الجنيه بكم؟ ثلاثمائة وخمسين، إذاً النصاب كم؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
أكثر من أربعة آلاف، وإذا نظرنا إلى الفضة، الفضة نصابها بالريال العربي، الفضة ستة وخمسين، والستة والخمسين قيمة الواحد الريال العربي الفضة عشرة، اثنا عشرة، خمسة عشر، كم تصل؟ يعني تصل سبعمائة ريال، فرق كبير، فالمنظور إليه بلوغ المزكى نصابه من غير نظر إلى غيره.
طيب زكاة الزروع حتى تبلغ خمسة أوسق، يعني ثلاثمائة صاع، ثلاثمائة صاع من بعض الأنواع الصاع بكم؟ التمر بعضه يصل الكيلو إلى مائة، والصاع من التمر قل: كيلوين ونصف مثلاً، مائتين وخمسين في ثلاثمائة، أرقام لا تقارن بنصاب ذهب ولا فضة، المقصود أن الشرع حدد الأنصبة من الأنواع، وكل نوع أصل قائم برأسه، فلا يرد الذهب إلى الفضة، ولا ترد الفضة إلى الذهب، نعم.(49/24)
"قال مالك في رجل كانت له خمسة دنانير" مثلاً، خمسة دنانير النصاب عشرون، هذا ربع نصاب "من فائدة أو غيرها فتجر فيها فلم يأتِ الحول حتى بلغت ما تجب فيه الزكاة: إنه يزكيها" انتبهوا يا الإخوان، يقول: رجل كانت له خمسة دنانير ليس فيها زكاة، فتجر فيها ما حال عليها الحول إلا وهي عشرون دينار، نصاب، يزكي وإلا ما يزكي؟ أو الحول يحسب من اكتمال النصاب؟ الأصل من كونه خمسة أو من اكتمال النصاب؟ نسمع كلام الإمام مالك.
"في رجل كانت له خمسة دنانير من فائدة أو غيرها فتجر فيها فلم يأت الحول حتى بلغت ما تجب فيه الزكاة" يعني وصلت عند رأس الحول عشرين دينار، يقول: ففيها الزكاة، أنه يزكيها؛ لأن العبرة في بلوغ النصاب عند حلول الحول "إنه يزكيها، وإن لم تتم إلا قبل أن يحول عليها الحول بيوم واحد، أو بعد ما يحول عليها الحول بيوم واحد، ثم لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول من يوم زكيت" يعني زكيت أول مرة خلاص تستقر، تزكى مرة ثانية عند تمام الحول.(49/25)
لا شك أن أهل العلم يقولون: إن ربح التجارة حكمه حكم الأصل، لكن استمر عشرة أشهر ما عنده نصاب، ثم بعد العشرة أشهر اكتمل النصاب، يعني شخص ملك خمسة دنانير في محرم، في شوال خمسة دنانير هي، افترض أنها في صفر صارت ستة، في رجب صارت سبعة، في شعبان صارت ثمانية، في رمضان صارت تسعة، يعني على ماشي الأشهر، نعم، وهكذا في القعدة مثلاً صارت عشرين، الآن الحول من محرم وإلا من القعدة على كلام مالك؟ من محرم، إذا جاء محرم يزكي ما عنده من مال، يعني لو وصلت ثلاثين في محرم يزكي ثلاثين، وعامة أهل العلم على أن ربح التجارة له حكم الأصل، ما يستقبل به حول جديد، لكن متى يبدأ حساب الحول، هل هو من الملك وإن قل المملوك، أو هو من تمام الحول؟ الإمام مالك يرى أنه من بداية الملك، يحسب حول هذا المال من بداية الملك، ثم بعد ذلك ينظر فيه بعد تمام الحول إن كان نصاباً زكي وإلا فلا، والأكثر على أنه لا يعتبر قبل اكتمال النصاب، فإذا اكتمل النصاب حسب له حول من جديد، ثم بعد ذلك هو الآن في محرم ملك خمسة دنانير، في القعدة صارت عشرين دينار، من القعدة يحسب، لكن القعدة الثانية صارت خمسين دينار، يزكي العشرين التي حال عليها الحول أو يزكي الخمسين؟ يزكي الخمسين، يزكي الخمسين؛ لأن ربح التجارة حكمه حكم أصله كنتاج السائمة.
منهم من قال: يستأنف بالربح حول جديد، يعني مثل المكتسبات المتجددة كالرواتب مثلاً، شخص توظف في محرم وفي آخر الشهر صرف له الراتب وفيه الزكاة، صرف نصف الراتب وبقي نصفه، وصفر كذلك صرف نصفه وبقي نصفه، لما انتهى محرم القادم حال الحول على ما بقي من راتب محرم الأول، نفترض أنه بقي من راتب محرم ألفين ريال، ومن راتب صفر ألفين ريال، ومن راتب كل شهر ألفين ريال، حازم الرجل، مقرر أنه يوفر من كل شهر ألفين وبالفعل نفذ، في نهاية محرم من السنة القادمة ينظر في حسابه، فإذا فيه أربعة وعشرين ألف، يزكي الأربعة والعشرين وإلا يزكي الألفين التي حال عليها الحول؟ نعم؟ على كلام من؟
طالب:. . . . . . . . .(49/26)
نعم على رأي مالك، يعني هو مقتضى كلام مالك، لكن كلام مالك منصب على ما إذا كانت الأرباح مبنية على المال الأول، هذه الخمسة الدنانير التي وصلت النصاب مع تمام الحول ما كسبه هو بسبب الخمسة، لكن الدراهم التي يكسبها في كل شهر على حدة مستقلة، كل مبلغ مستقل، فلا يدخل في كلام الإمام مالك، ولذا لا يقول أحد من أهل العلم: إن زكاة ما يكسبه فيما بعد هو زكاة ما حال عليه الحول الأصلي؛ لأنه ليس من نمائه، وإنما هو مال متجدد من غيره، وحينئذٍ في نهاية محرم يزكي الألفين، في نهاية صفر يزكي الألفين، في نهاية ربيع ... إلى آخره، في نهاية كل شهر يزكي ما توفر عنده في نظيره من السنة الماضية، لكن بعض الناس ما يقرر رقم معين، يأخذ من الراتب ويصرف، ويبقى منه شيء، ما يدري كم بقي؟ ثم بقي من صفر يضيفه إليه، في النهاية، في نهاية محرم وجد أنه موفر عشرة آلاف من السنة الجايئة، من رواتبه المجموع عشرة آلاف، كم وفرت من محرم الأول؟ قال: والله ما أدري، من صفر؟ ما أدري، ويش يزكي مثل هذا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو بين أمرين: إن كان يريد أن يحدد أمره، ويزكي كل مال في وقته، مثل هذا لا بد يحاسب نفسه، ولا بد أن يحتاط، ويسجل كل شيء، وأن اتخذ شهر معين في السنة يؤدي فيه زكاة ما حال عليه الحول وما لم يحل عليه الحول، وغالب الناس زكواتهم في رمضان، لكن لا يجوز له أن يؤخر من محرم إلى رمضان، من صفر إلى رمضان، إلى .. ، لا، يجوز له أن يقدم زكاة شوال، وزكاة القعدة، وزكاة ذي الحجة إلى رمضان الذي قبله، فإذا عجل لا شيء عليه، وهذا أسلم له، لا سيما إذا كان ما عنده استعداد أن يضبط أموره، أحياناً أموال طائلة تحصل له فيضطر إلى أن يجعل محاسب من أجل أن يحسب ما دخل عليه وما خرج، مثل هذا الذي لا يتمكن من ضبط الأمور، وتقرير كل شهر بعينه، يتعجل، ويجعل له شهر في السنة يؤدي فيه زكاة ما حال عليه الحول، وما لم يحل عليه الحول.(49/27)
لذا يكثر السؤال عن زكاة الرواتب، عن زكاة الديون التي في ذمم الناس، الأقساط التي تحل تباعاً ما تحل في وقت واحد، وهكذا، فإن كان على استعداد أن يحسب بدقة ما توفر لديه من كل شهر يزكيه إذا حال عليه، إذا كان ما عنده استعداد يحسب بدقة هذا يتعجل.
يقول: "قال مالك في رجل كانت له عشرة دنانير فتجر فيها فحال عليها الحول، وقد بلغت عشرين ديناراً: إنه يزكيها مكانها، ولا ينتظر بها أن يحول عليها الحول" مثل ما تقدم، أنه لا ينتظر أن يحول عليه الحول، وإن كان أصلها لم يبلغ النصاب، ولا ينتظر بها أن يحول عليها الحول من يوم بلغت ما تجب فيه الزكاة، وهو العشرون، وهذا ظاهر من كلامه الأول؛ لأن الحول قد حال عليها، يعني على أصلها، حال عليها وهي عنده عشرون، يعني الأصل مع الربح بلغ العشرين "ثم إنه لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول" يعني الثاني "من يوم زكيت".
قال مالك -رحمه الله تعالى-: "الأمر المجتمع عليه عندنا" يعني بالمدينة "في إجازة العبيد، وخراجهم" إجازة العبيد، أو إجارة؟
طالب:. . . . . . . . .
إجارة العبيد، نعم "إجارة العبيد، وخراجهم، وكراء المساكن" ويش قال عندكم؟
طالب:. . . . . . . . .
مساكين؟
طالب:. . . . . . . . .
مسكن، مثل مسجد، مساجد تجي مساجيد؟ مفتاح مفاتح ومفاتيح، مسند مساند ومسانيد، مرسل مراسل ومراسيل، وهنا مساكن ومساكين، يعني صيغة منتهى الجموع، لكن جمعه على هذا يوقع في لبس، كراء المساكين هل يفهم من السامع أنه كراء المساكن؟ ويجوز جمعه على مفاعل ومفاعيل، صيغة منتهى الجموع، أو يظن السامع أنه جمع مسكين؟ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ} [(60) سورة التوبة] ثم بعد ذلك كيف كراؤهم؟ تجارة العبيد؟
طالب:. . . . . . . . .(49/28)
يعني التجارة هذه عروض باعتبار العبيد عروض تجارة، تأتي زكاة العروض، لكن الكلام على إجارة العبيد وخراجهم، إجارة العبيد شخص له عبيد يؤجرهم، يعملون عند الناس، وخراجهم إذا جعل على كل واحد منهم مبلغ معين، وقال له: اذهب واشتغل وهات لي هذا المبلغ، مثل اللموزينات، لا بس عاد العمالة حكمها يختلف، العمالة حكمها يختلف، يعني الحكم الأصلي هل يجوز وإلا ما يجوز؟ مثل اللموزين، شركة لومزين تعطي سيارات تقول: هات لنا مائة وخمسين ومائتين اليوم، والباقي لك.
طالب:. . . . . . . . .
أيه.
طالب:. . . . . . . . .
يعني الحول الثاني، ما هو بالحول الأول، الحول الأول من أصل المال، ولو لم يبلغ نصاب، ثم إذا زكاه أول مرة يزكيه بنظيره من اليوم، أي يوم نظير هذا من السنة القادمة.(49/29)
هنا يقول: "الأمر المجتمع عليه عندنا" يعني في المدينة "في إجارة العبيد وخراجهم" لأنه لو قلنا: إجازتهم صار مثل خراجهم "وكراء المساكن -أو المساكين- وكتابة المكاتب أنه لا تجب في شيء من ذلك الزكاة، قل ذلك أو كثر حتى يحول عليه الحول من يوم يقبضه صاحبه وهو نصاب" لأنه فوائد متجددة، لا عن مال فيستقبل به حول جديد، يعني إجارة العبيد كونه يأتي كل شهر لسيده بمبلغ معين يزكي هذا المبلغ إذا حال عليه الحول، فالشهر الثاني، مثلما نظرنا سابقاً الموظف، كل هذه مثل الموظف، مثل صنيع الموظف حتى عند مالك، مو قلنا: إن في شخص التزم أن يوفر من كل شهر ألفين، وفي النهاية وبعد حولان الحول بلغ المجموع أربعة وعشرين ألف، وقلنا: إنه حتى عند مالك ما يزكي الأربعة والعشرين، إنما يزكي الألفين التي حال عليها الحول، لماذا؟ لأن الأربعة والعشرين ليس سببها أصل المال، إنما هو مال متجدد لا ارتباط له بالمال الأول، وهنا ما ذكر من هذا النوع، ما ذكر هنا في إجارة العبيد، يعني أجرة الشهر الأول تزكى في وقتها، أجرة الثاني تزكى في وقتها إذا حال عليها الحول وهكذا؛ لأن أجرة الشهر الثاني ليست ناتجة عن أجرة الشهر الأول، هذا هو سبب الفرق بين المسألتين عندهم، حتى من يوم يقبض صاحبه، ويشترط حينئذٍ أن تبلغ النصاب، يعني أجرة الشهر الأول إذا ما بلغت النصاب ما فيها زكاة، إلا من بلوغ النصاب، بحيث تضم إلى أجرة الشهر الثاني، فتزكى مع أجرة الشهر الثاني، عرفنا الفرق؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه احتمال أنه يجوز جمعه، صيغة منتهى الجموع، لكن باعتبارها توقع في لبس ما تجمع على هذا، ما تجمع على هذا لئلا يظن أنها جمع مسكين، نعم، وبعدين كيف كراء المساكين؟ المساكين وإن كانوا أحرار، أولاً إن كانت الأجرة لهم وتبلغ نصاب ما صاروا مساكين، ارتفع عنهم الوصف، نعم، ولا يتصور أن يؤجرهم غيرهم، ما يتصور، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(49/30)
في المقابل، يعني مثل، يعني جيء بعمال مثلاً، مؤسسة جابت مائة عامل، على أن تكون رواتبهم بالاتفاق بينهم، والمسلمون على شروطهم، الراتب ألف ريال مثلاً، فالمؤسسة وزعت هؤلاء العمال على المحلات التجارية، وزادت على المحل، يعني هذا ظاهر في مكاتب الاستقدام للعاملات، الشغالات يجيبونهم على أساس أن الراتب ستمائة وتبقى هذه العاملة على كفالتهم، فإذا جاء ظرف من الظروف في بيت من البيوت قالوا: الشهر بألفين حال ولادة مثلاً، وهذا البيت ما هي بعاملة على طول السنة يبيها لمدة شهر، قالوا: بألفين، القدر الزائد عن الستمائة لمن؟ لصاحب العمل، هذا شرعي وإلا ما هو شرعي؟ يعني صاحب العمل مقابل إيش يأخذ الألف وأربعمائة؟
طالب: استقدامها من بلدها، الطيران، والمدرسة.
أما مجرد كونه يستقدم ويؤتى به هنا، ويدشر في الأسواق مثلما يفعله بعض المؤسسات، هذا لا، هذا لا يجيزه لا شرع ولا نظام، هذه أخذ أجرة بغير مقابل، والمسألة الغنم مع الغرم، هو إذا كان منه عمل مقابل ما يأخذه فلا بأس، لكن ...
طالب:. . . . . . . . .
مثل الذي ذكرنا.
طالب: لا، أنا عندي مؤسسة مقاولات. . . . . . . . .
أنت اتفقت معهم، المسلمون على شروطهم.
طالب: اتفقت معهم بأنه يعمل خادم وين ما كان؟ أو يعمل في أي محل، راتبه مضمون مننا. . . . . . . . . تبي سواق، تبي خادم، تبي .... هذا مبتلى بالسؤال عنه كثيراً.
إيه هذه مسائل واقعية بعضهم يأتي العمال ...
طالب:. . . . . . . . .
هو إذا كان يدفع رواتبهم شيء، وإذا كان لا، دشرهم في الأسواق، وقال: اشتغلوا وادفعوا لي، كل واحد يدفع مقابل الكفالة، ألف، أكثر، أقل، هذا ما يجوز أبداً.
طالب: لكن القصد أنه يكون حتى في غير فترة العمل. . . . . . . . .
ولا يكلفهم من العمل بما لا يطيقون، ولا أكثر من المتفق عليه، وإلا إذا كان الأمر هكذا لا بأس.
طالب: لكن هل يملك الإنسان أن يؤجر بدنه ....
إيه يملك، يملك إيه، يملك، يعني المسكين هو الذي يؤجر نفسه، لكن الكسب له، يعني أنت تريد أنه هل هو من الإضافة إلى الفاعل أو الإضافة إلى المفعول؟ يعني هل المسكين مؤجِر أو مؤجَر؟ نعم؟ مؤجَر، من الذي أجره؟ وأجرته لمن؟
طالب:. . . . . . . . .(49/31)
والله هي أصل المسألة الذي يظهر أنها ... ؛ لأنهم ما عندهم، هم ما كانوا يؤجرون الأحرار، يؤجرون العبيد وهذا تقدمت، مذكورة، والذي يظهر أن المقصود إجارة المساكن، هذه المساكن التي تؤجر في اليوم أو في الشهر لا شك أنها تحتاج إلى ضبط وإتقان للأجرة متى دخلت؟ ومتى يحول عليها الحول؟ وهكذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال الغرر معروف، وحكمه أيضاً الشرعي معروف، وتكليف العامل ما لا يطيق أيضاً ليس بوارد أصلاً، نعم إذا اشترط عليه، وتوقع أن العمل مما يطاق، ثم تبين أنه لا يطاق هذا بلا شك أنه يحتاج إلى إعادة نظر في العقد.
لكن أحياناً العامل يكون هو المتضرر، وفي بعض الأحيان يكون الكفيل هو المتضرر ...(49/32)
شرح: الموطأ – كتاب الزكاة (2)
باب الزكاة في المعادن - باب زكاة الركاز - باب ما لا زكاة فيه من الحلي والتبر والعنبر
الشيخ: عبد الكريم الخضير
لكن أحياناً يكون العامل هو المتضرر، وفي بعض الأحيان يكون الكفيل هو المتضرر، لكن إذا كان مسكين وأجر نفسه، وقبض مال الأجرة، وقلنا: تجب عليك الزكاة، يتسمر وصف المسكنة؟ مثل هذا ما يدخل في هذه الأبواب؛ لأن ما نوجب عليه الزكاة.
طالب:. . . . . . . . .
أصلاً مثل هذا منتفي؛ لعدم وجود المال.
طالب: لعدم وجود المسكنة.
إيه.
يقول: "وقال مالك في الذهب والورق يكون بين الشركاء إن من بلغت حصته منهم عشرين ديناراً عيناً أو مائتي درهم فعليه فيها الزكاة، ومن نقصت حصته عما تجب فيه الزكاة فلا زكاة عليه، وإن بلغت حصصهم جميعاً ما تجب فيه الزكاة، وإن كان بعضهم في ذلك أفضل نصيباً من بعض" الشيخ الإمام -رحمة الله عليه- يريد أن يفرق بين تأثير الخلطة في بهيمة الأنعام، وبين تأثيرها في بقية الأموال، يعني لو شخص عنده عشرين رأس من الغنم، والثاني عنده عشرين وبلغت أربعين من الغنم، فيها زكاة وإلا ما فيها زكاة؟
طالب:. . . . . . . . .
وراه؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن خلطاء، شركاء، هذولا شركاء، شركاء يعني الخلطة ما تؤثر في المواشي؟
طالب:. . . . . . . . .(50/1)
سبحان الله، نقول: خلطة، الخلطة ما تؤثر في المواشي؟ تؤثر، تؤثر في المواشي، تؤثر، ففيها الزكاة، لكن لو قدر، ولذلك لا يجوز للخليطين إذا جاء الساعي أن يفترقا، لا جمع ولا تفريق خشية الصدقة، بينما الأموال إذا كان لهذا مبلغ لا يصل النصاب، وذاك مبلغ لا يصل النصاب فإنه لا زكاة على واحد منهما، ولذا يقول: في الذهب والورق يكون بين الشركاء أن من بلغت حصته منهم عشرين مثقالاً عيناً أو مائتي درهم فعليه فيها الزكاة، ومن نقصت حصته عما تجب فيه الزكاة فلا زكاة عليه، واحد عنده عشرين وواحد عنده خمسة عشر، هذا عليه زكاة وهذا لا زكاة عليه "وإن بلغت حصصهم جميعاً ما تجب فيه الزكاة، وإن كان بعضهم في ذلك أفضل نصيباً من بعض" بأن كان لواحد نصاب وآخر نصابان مثلاً حينئذٍ يؤخذ من كل واحد منهما بقدر حصته، يقول: "أخذ من كل إنسان منهم بقدر حصته" هذا عنده نصاب عشرين، وهذا عنده نصابين أربعين، من الأربعين يؤخذ دينار، ومن العشرين يؤخذ نصف دينار، كل بقدر حصته، إذا كان في حصة كل إنسان منهم ما تجب فيه الزكاة، لكن لو كان واحد حصته تبلغ النصاب، والثاني: لا تبلغ النصاب، هذا عليه الزكاة، وذاك لا زكاة عليه، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة)) فلم يفرق بين الشركاء وغيرهم، فاقتضى أنه إنما يعتبر ملك كل واحد على حده، يعني بخلاف بهيمة الأنعام، فإن الخلطة مؤثرة.
قال مالك: "وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك، وذلك أن عمر والحسن والشعبي قالوا: أن الشركاء في العين والماشية والزرع إذا لم يعلم أحدهم ماله بعينه أنهم يزكون" جاء هذا بعشرة وهذا بعشرة، عشرة دنانير، وهذا عشرة دنانير، إذا نظرنا إلى كل واحد بمفرده لا زكاة عليه، وإذا نظرنا إلى الجميع قلنا: نصاب، فاشتري بهذه العشرين عرض من عروض التجارة، هذا عشرة وهذا عشرة، فلما حال عليها الحول قومت هذه العروض بثلاثين، هل نقول: كل واحد له خمسة عشر فلا زكاة عليه، أو نقول: إن هذه التجارة نصاب فأكثر فتزكى؟ لا سيما وأنها ما يدري كل واحد منهم ماله من مال صاحبه، كالماشية.(50/2)
يقول: ما رآه الإمام مالك -رحمه الله تعالى- في الشركاء: "وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك" هذا يدل على أنه سمع خلاف هذا القول، لكن ما ارتضاه هو أحب إليه من القول الآخر، يذكر عن عمر والحسن والشعبي قالوا: إن الشركاء في العين والماشية والزرع إذا لم يعلم أحدهم ماله بعينه أنهم يزكون زكاة واحدة قياساً على الخلطاء في الماشية، يعني الآن عندنا كل واحد دفع عشرة دنانير، إذا نظرنا على كل واحد بمفرده ما دامت دنانير هذا ما فيه خلطة، الدنانير يمكن تمييزها، لكن اشتروا بهذه الدنانير بضائع، بقالة، بحيث لا يمكن قسمتها، أو اشتروا سيارة معدة التجارة، لا يمكن قسمتها هذه خلطة ظاهرة، اشتروا أرض للتجارة، ثم هذه الأرض لما حال عليها الحول تسوى ثلاثين دينار، إذا لم يمكن تمييز نصيب كل واحد منهما ففيها الزكاة كالخلطة في المواشي، هذا ما يراه بعضهم.
"قال مالك: وإذا كانت لرجل ذهب أو ورق متفرقة بأيدي أناس شتى، فإنه ينبغي له أن يحصيها جميعاً، ثم يخرج ما وجب عليه من زكاتها" يعني هذا إذا كانت مثلاً قروض عند هذا دينار، وذاك دينار، وذاك دينارين، وذاك خمسة، وذاك عشرة، تبلغ النصاب مجموعها، يقول: إذا كانت له ذهب أو ورق متفرقة بأيدي الناس وهؤلاء أملياء، وليست ديناً في ذممهم لم يحل أجلها، فإنه يضم بعضها إلى بعض ويزكيها "فإنه ينبغي له أن يحصيها جميعاً ثم يخرج ما وجب عليه من زكاتها كلها".
"قال مالك: ومن أفاد ذهباً أو ورقاً" يعني بنحو ميراث أو هبة أو صدقة أو غيرها، يعني ما ملكها بطريق الشراء "لا زكاة عليه فيها حتى يحول عليها الحول من يوم أفادها، إذ هي قد تجددت عن غير مال فيستقبل بها حولاً جديداً" شخص ورث مال من متى يبدأ الحول؟ الآن المورث زكاها قبل وفاته بعشرة أشهر، ثم مات، قبضها الوارث وبقي على زكاتها لو كان صاحبها حياً، كم يبقى؟ شهرين، هل نقول: يزكيها بعد شهرين وإلا ينتظر بها حول جديد بعد قبضها؟ ينتظر حول جديد بعد قبضها، ولذا يقول: "من أفاد ذهباً أو ورقاً أنه لا زكاة عليه حتى يحول عليها الحول من يوم أفادها".
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش لون؟
طالب:. . . . . . . . .(50/3)
وأنت إيش ترى؟ أنت ويش ترى؟
طالب:. . . . . . . . .
نقول: تعود هذا الشايب مثلاً صاحب المال أنه يزكي في رمضان من كل سنة، مات برجب، ما حال عليه الحول ولا زكاة عليه، مات في رجب، ثم التركة وزعت في شعبان، وكل شخص قبض نصيبه في شعبان، متى تجب الزكاة؟
طالب:. . . . . . . . .
في شعبان السنة الجايئة، الشايب كان يزكي في رمضان، نقول: هل يزكون بعد شهر في رمضان باعتبار أن هذا المال حال عليه الحول ما زكي؟ لا، لا يزكون إلا من حين ملكهم للمال، انتقال الملك لهم.
طالب: الذي يزكي في رمضان فمرض ودخل في غيبوبة ومات في شوال هل يزكي؟
إيه تخرج، الأصل يزكي، وجبت في عين المال، عندنا المسألة مسألة وجوب الزكاة هل هي في عين المال أو في الذمة؟ هل الزكاة تجب في عين المال أو في الذمة؟ هذه مسألة في قواعد ابن رجب يقول -رحمه الله تعالى-، اتباعاً للسؤال، يعني من باب الاتفاق ما هنا شيء مرتب، لكن هو يسأل عن شخص قبل أن يحول الحول على ماله، ارتفع عنه التكليف بغيبوبة مثلاً، الغيبوبة إذا طالت حكمها حكم؟ المجنون، والمجنون تجب في ماله الزكاة وإلا ما تجب؟ تجب الزكاة في ماله، تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون.
استمر في هذه الغيبوبة ستة أشهر ثم مات، هذه الزكاة باقية في ذمته، والأصل أن تخرج في وقتها، ينوب عنه من ينوب في إخراجها في وقتها، وهذا بناءً على أن الزكاة واجبة في عين المال، وفي الذمة إن كانت صالحة.
هذه المسألة التي يقول فيها ابن رجب -رحمه الله تعالى- في قواعده: الزكاة تجب في عين النصاب أو في ذمة مالكه؟ اختلف الأصحاب في ذلك على طرق -لأن في قول تجب في عين المال- أخرجناها من المال ولو كان صاحبها ذا ذمة غير صالحة، افترض أنه مات مثلاً، يعني بعد حلول الحول مات الرجل، هل نقول: انقطع التكليف بموته؟ والزكاة تجب في ذمته ولا علاقة للمال بها؟ اسمعوا؟ يقول: اختلف الأصحاب في ذلك على طرق:
إحداها: أن الزكاة تجب في العين رواية واحدة، وهي طريقة ابن أبي موسى والقاضي ابن مجرد.
والثانية: أنها تجب في الذمة رواية واحدة، وهي طريقة أبي الخطاب في الانتصار، وصاحب التخليص متابعة للخرقي.(50/4)
والثالثة: أنها تجب في الذمة وتتعلق بالنصاب، وقع ذلك في كلام القاضي وأبي الخطاب وغيرهم، وهي طريق الشيخ تقي الدين.
والرابعة: أن في المسألة روايتين:
إحداهما: تجب في العين، والثانية: في الذمة، وهي طريقة كثير من الأصحاب المتأخرين، وفي كلام أبي بكر بن الشافعي ما يدل على هذه الطريقة.
من فوائد الخلاف في هذه المسألة يقول: لهذا الخلاف فوائد تظهر في عدد من المسائل:
الأولى: إذا ملك نصاباً واحداً ولم يؤدِ زكاته أحوالاً، يعني مر عليك خمس سنوات ما زكى، هل نقول: عليك زكاة سنة واحدة؟
طالب:. . . . . . . . .
لأن المال واحد ما تغير، أو نقول: إنها ثبتت في ذمتك فتزكي خمس سنوات؟ على القولين، الفائدة الثانية: إذا كلف النصاب أو بعضه قبل التمكن من أداء الزكاة وبعد تمام الحول، إذا قلنا: في عين المال، عين المال تلفت، وإذا قلنا: ارتباطها بالذمة قلنا: تجب فيه الزكاة.
الثالثة: من مات إذا مات وعليه زكاة أو دين، أو ضاقت التركة عنهما إذا مات وقلنا: إن الزكاة تجب في عين المال، المال باقي ففيه الزكاة، وإذا قلنا: تجب في الذمة، نقول: الذمة غير صالحة الآن للمطالبة، فلا تجب الزكاة.
الفائدة الرابعة: إذا كان النصاب مرهوناً، ووجبت فيه الزكاة، فهل تؤدى زكاته منه؟ منه، إذا قلنا: في عين المال تجب منه، وإذا قلنا: لها ارتباط في الذمة ما يلزم أن تكون منه.
الفائدة الخامسة: التصرف في النصاب أو بعضه بعد الحول ببيع أو غيره، حال عليه الحول بيت معد للتجارة ثم حال عليه الحول بعد أن حال عليه الحول باعه، إذا قلنا: ارتباطها بالعين، العين ما هي موجودة، ما لم يكن حيلة، وإذا قلنا: ارتباطها بالذمة فقد ثبتت الزكاة فعليه أن يؤديها.
الفائدة السادسة: لو كان النصاب غائباً عن مالكه لا يقدر على الإخراج منه، يخرج على القولين.
الفائدة السابعة: إذا أخرج رب المال زكاة حقه من مال المضاربة منه فهل يحسب ما أخرجه من رأس المال ونصيبه من الربح أم من نصيبه من الربح خاصة؟ إذا أخرج رب المال زكاة حقه من مال المضاربة فهل يحسب ما أخرجه من رأس المال ونصيبه من الربح أم من نصيبه من الربح خاصة؟ إيش الفرق بينهما؟ إذا قلنا هذا أو هذا؟ نعم؟(50/5)
طالب:. . . . . . . . .
مال مضاربة، قال: هذا ألف ريال اشتغل به والربح بيننا، حال عليه الحول فإذا به ألف ومائتين، لماذا؟ ما يكمل الزكاة، ما يبلغ النصاب، إيه، في هذه الصورة يبلغ نصاب وإلا ما يبلغ؟ الآن الألف رأس مال المضاربة هو لزيد، أعطاه عمرو، قال: ضارب به، ولك نصف الربح، بعد أن حال عليه الحول صار ألف ومائتين، فصاحب المال له ألف ومائة، والمضارب؟ مائة، المائة تبلغ النصاب وإلا ما تبلغ؟ ما تبلغ النصاب، إذاً إذا قلنا: إن الزكاة في عين المال، صاحب المال عليه زكاة في الأصل، ونصيبه من الربح، ألف ومائة، أو الألف ومائتين فيها الزكاة؟ باعتبار أن الزكاة متعلقة بعين المال؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن المال بربحه ألف ومائتين، فإذا قلنا: تعلق الزكاة بعين المال قلنا: ألف ومائتين تزكى، وإذا قلنا: في الذمم، ذمة من بلغ ماله النصاب صاحب المال يزكي، لكن الثاني ذمته شافعة، باعتبار أن نصيبه ما بلغ النصاب.
طالب:. . . . . . . . .
والله هو المعمول به على أن لها ارتباط بالذمة، تجب في عين المال ولها ارتباط بالذمة.
طالب:. . . . . . . . .
بلا شك، بلا شك، وجاء ما يدل على أن الذمة .. ، الذمة هي الأصل، نعم، الذمة وارتباطها؛ لأنه لو قلنا: إنها تجب في عين المال، ثم أتلف المال، نعم تلف المال بتفريط منه، يضيع حق المساكين؟ لا يضمن، كسائر الحقوق، وإذا قلنا: إنه لا تعلق ولا ارتباط لها بالذمة قلنا: المال تلف ولا عليه شيء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
خلطة أو مال؟
طالب:. . . . . . . . .
والله هو اللي يظهر، هو اللي يظهر، إذا كان نصيب أحدهما ما يبلغ ما عليه زكاة، مثل المضاربة، مثلما قلنا في المضاربة، هاه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(50/6)
لكن الأموال تمييزها سهل، الأموال في الجملة ما هي مثل المواشي، إذا توالدت ما تعرف نصيبك من نصيب غيرك، بينما الأموال تختلف، الشركات في الجملة فيها الزكوات باعتبار أنها أنصبة ما هو بنصاب، يعني حتى في الشركات، شركة رأس مالها مليون ريال، واحد له مائة ألف، والثاني له تسعمائة ألف، ويش نقول؟ الزكاة المليون على الجميع، اللي هو خمسة وعشرين ألف، هل نقول: كل واحد عليه اثنا عشر ونصف، وإلا كل واحد بقدر ماله؟ كل واحد بقدر ماله، إذاً إذا قلنا: كل واحد بقدر ماله قلنا: ماله معين، إذا كان نصابه من الشركة لا يعادل نصاب، ما عليه زكاة، بينما في المواشي لو ما له إلا واحدة، والثاني تسعة وثلاثين عليهما الزكاة.
يعني شخص له سهم واحد في شركة كبيرة، الشركة لما حال الحول زكت عن جميع المساهمين، وهو ما عليه زكاة إلا بانضمامه إلى غيره، هل يكلف ويحسم من نصيبه زكاة نصيبه وإلا ما عليه زكاة أصلاً؟ الأصل أن ما عليه زكاة، حتى يبلغ النصاب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال إذا التزم بهذا المسلمون على شروطهم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب الزكاة في المعادن:
حدثني يحيى عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية، وهي من ناحية الفرع، فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلى اليوم إلا الزكاة.
قال مالك -رحمه الله-: أرى -والله أعلم- أنه لا يؤخذ من المعادن مما يخرج منها شيء حتى يبلغ ما يخرج، حتى يبلغ ما يخرج منها قدر عشرين ديناراً عيناً، أو مائتي درهم فإذا بلغ ذلك ففيه الزكاة مكانه، وما زاد على ذلك أخذ بحساب ذلك ما دام في المعدن نيل، فإذا انقطع عرقه ثم جاء بعد ذلك نيل فهو مثل الأول، يبتدئ فيه الزكاة كما ابتدأت في الأول.(50/7)
قال مالك -رحمه الله-: والمعدن بمنزلة الزرع يؤخذ منه مثل ما يؤخذ من الزرع، يؤخذ منه إذا خرج من المعدن من يومه ذلك، ولا ينتظر به الحول، كما يؤخذ من الزرع إذا حصد العشر، ولا ينتظر أن يحول عليه الحول.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب الزكاة في المعادن:
والمعادن: جمع معدن بكسر الدال، من عدن بالمكان إذا أقام به، وقيل لها ذلك لأنها تعدن، وتقيم بالمكان الذي تستنبط منه، وتستخرج منه، من ذهب وفضة وغيرهما من صنوف المعادن.(50/8)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن" فروخ المدني، ربيعة أحد الأئمة الأعلام، مشهور "عن غير واحد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قطع لبلال بن الحارث" عن غير واحد إبهام، والإبهام جهالة، ومنهم من يرى أن الجهالة لا تضر في مثل هذا؛ لأن كونهم غير واحد يجبر بعضهم بعضاً، ووصله أبو داود والبزار وغيرهم، فالحديث موصول "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قطع لبلال بن الحارث بن عاصم بن سعيد المزني، من أهل المدينة" كان حامل راية مزينة يوم الفتح، مات سنة ستين، "معادن القبلية" القبيلة منسوبة على قبل، وهي ناحية من ساحل البحر، بينها وبين المدينة خمسة أيام، وقيل: هي من ناحية الفرع، الفرع هذا هو منصوص عليه في الحديث، الفرع بإسكان الراء، كذا ضبطه غير واحد، وجزم السهيلي في شرح السيرة، والقاضي عياض في المشارق بأنه بضم الراء والفاء، الفُرُع، فتلك المعادن، الإقطاع، هي هبة الإمام بعض الناس أو الأفراد شيئاً من الأموال المباحة، وأكثر ما يكون في الأراضي، الموات، وهذه معادن، يعني هل للإمام أن يقول: يا فلان أنت لك الحقل الفلاني من البترول، وأنت لك الجبل الثاني من الذهب، وأنت لك كذا؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية، وهي من ناحية الفرع، يعني الشيء الذي تحتاجه الأمة ليس للإمام أن يتصرف فيه، الذي يحتاجه عامة الناس، لو بئر في بلد يحتاجونه الناس، وكلهم يستعمله، ويستنبطوا منه الماء، ولا يمكن أن يستغنوا عنه، هل للإمام أن يقول: هذا الماء لك يا فلان تصرف فيه، وبع على الناس ما زاد عن حاجتك؟ ما يحتاجه الناس كلهم ليس للإمام أن يتصرف فيه، الإمام نعم عليه أن يتوخى المصلحة ويهب للمصلحة، ويمنع للمصلحة، على كل حال هذه صلاحياته، لكن ما يحتاجه الناس كلهم فلا "وهي من ناحية الفرع، فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلى اليوم إلا الزكاة" فدل على وجوب زكاة المعادن.(50/9)
"قال مالك: أرى -والله أعلم- أنه لا يؤخذ من المعادن مما يخرج منها شيء حتى يبلغ ما يخرج منها قدر عشرين ديناراً عيناً" يعني حتى تبلغ النصاب، يعني بعد التصفية، يعني هناك جبال فيها معادن، تأتي إلى القطعة من هذا الجبل تزن مائة كيلو، لكن هذه المائة كيلو بالتصفية ما يصفي منها نصاب، هذه لا شيء فيها ما لم تصل إلى حد النصاب "حتى يبلغ ما يخرج منها قدر عشرين ديناراً" لو قال: نعم، هي فيها ذهب كثير جداً، لكن أنا ما أنا مستنبط إلا بقدر نفقتي، كم تنفق في السنة؟ قال: تسعة عشر دينار، أو أستنبط منها ما يزيد على نفقتي بمقدار تسعة عشر دينار، بحيث يكون الزائد أقل من النصاب، فهذا لا تلزمه زكاة البتة حتى يجتمع له إنتاج أكثر من سنة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو يحتاج إلى عناء وتعب وتخليص، كيف يزكيه؟ ما يزكى إلا بعد التصفية، ولذا يختلف حكم المعدن عن الركاز، الركاز جاهز، هذا لا، يحتاج إلى معاناة، يحتاج إلى تنقية وتصفية.
يقول: "أرى -والله أعلم- أنه لا يؤخذ من المعادن مما يخرج منها شيء حتى يبلغ ما يخرج منها قدر عشرين ديناراً أو مائتي درهم، فإذا بلغ ذلك ففيه الزكاة" يعني ربع العشر، مكانه، ويقول أبو حنيفة -رحمه الله تعالى-: المعادن كالركاز، وفيها الخمس، لكن لو تأملنا في المعادن هل هي مثل الركاز؟ ما يمكن تأتي مثل الركاز؛ لأن المعادن ما تخرج دفعة واحدة.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، وتحتاج إلى عناء وتعب وتخليص، فليست مثل الركاز.(50/10)
أيضاً ضعف قول الإمام أبي حنيفة والثوري بأن الركاز عطف على المعادن في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((المعدن جبار، وفي الركاز الخمس)) ما قال: وفيه وفي الركاز الخمس، فدل على المغايرة بينهما، ولا شك أن المعادن تحتاج إلى معاناة كالزرع "وما زاد على ذلك أخذ بحساب ذلك" يعني استنبط عشرين وجبت فيه الزكاة، ثم استنبط عشرة يؤخذ بحسابه وهكذا "ما دام في المعدن نيل" يعني ما دام ينتج، "فإذا انقطع عرقه، ثم جاء بعد ذلك نيل آخر" بئر مثلاً من البترول ينزح منه ويباع، وتبلغ قيمته أنصبة، لكنه فجأة وقف ما في شيء، ثم عاد بعد ذلك، يعود كحاله الأولى إذا عاد "ثم جاء بعد ذلك نيل آخر فهو مثل الأول يبتدئ فيه الزكاة كما ابتدأت في الأول" يعني المدة التي انقطعت، انقطع هذا المعدن فيها ما تحسب.
"قال مالك: والمعدن بمنزلة الزرع" لأن الله تعالى ينبته، يعني كما ينبت الزرع "يؤخذ منه ما يؤخذ من الزرع" يعني ربع العشر، وطريقة تزكيته كتزكية الخارج من الأرض {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [(141) سورة الأنعام] فبمجرد ما يستنبط ويستخرج من هذه الأرض يزكى "يؤخذ منه إذا خرج من المعدن من يومه ذلك" يوم حصاده، وهذا يوم استخلاص واستنباط "ولا ينتظر به الحول، كما يؤخذ من الزرع إذا حصد العشر، ولا ينتظر أن يحول عليه الحول".
طالب:. . . . . . . . .
نعم كلها، كلها نعم، هذا مقتضى المعادن، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني مع ما وصله البزار، يشهد أحدهما للآخر، مع هذا؛ لأن بعضهم يرى أنه إذا كان عن عدة من شيوخ المحدث الذين لا يعرف في شيوخه من هو شديد الضعف، يجبر بعضهم بعضاً.
طالب:. . . . . . . . .
حتى يكتمل النصاب، سمعنا يا إخوان.
هذا يخرج، قال: أنا ما أنا بهرب من الزكاة، الزكاة بعشرين دينار، أنا ما أنا مطلع يومياً إلا تسعة عشر.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
يومي؛ لأنه زكاته بيومه، مثل الزرع {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [(141) سورة الأنعام] حكمه حكم الزرع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(50/11)
لا، لا هو يقول زكاة الأكل. . . . . . . . . هذاك عشرين أو ثلاثين وبوفر تسعة عشر، نجزم بأن هذا فرار من الزكاة، فيعامل بنقيض قصده.
طالب:. . . . . . . . .
يعجز، وقلنا: إنه زكاته يوم حصاده، يوم استخراجه، في زكاة وإلا ما في زكاة؟ يعني ما فيه زكاة معادن، لكن إذا حال عليه الحول باعتباره مال مكتسب، حال عليه الحول وقد بلغ أنصبه ما هو بنصاب يزكي الجميع، لكن ما يزكى باعتباره زكاة معادن تؤخذ زكاته في يومه.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب زكاة الركاز:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((في الركاز الخمس)).
قال مالك -رحمه الله-: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا، والذي سمعت أهل العلم يقولونه: إن الركاز إنما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية، ما لم يطلب بمال، ولم يتكلف فيه نفقة، ولا كبير عمل ولا مئونة، فأما ما طلب بمال، وتكلف فيه كبير عمل فأصيب مرة، وأخطئ مرة فليس بركاز.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب زكاة الركاز:
والركاز من الركز وهو الدفن، فالركاز المدفون، وهو المركوز.
في صحيح البخاري يقول: قال مالك وابن إدريس: الركاز دفن الجاهلية، هذا في الصحيح.(50/12)
"حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن" يعني ابن عوف "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((في الركاز الخمس)) " الركاز: هو ما يعثر عليه مدفوناً من ذهب أو فضة على قول، وما يختص بهما، أو هو أعم من ذلك مما يتمول، وعند أهل العراق أن الركاز يشمل كل ما تحتويه الأرض من ثابت فيها، وطارئ عليها، فيدخل في ذلك المعادن التي سبق الحديث عنها، ولذا جعل أبو حنيفة والثوري المعادن حكمها حكم الركاز، فيؤخذ الخمس من المعادن ومن الركاز؛ لأنها يشملها المعنى العام، وهي وجودها في جوف الأرض، لكن الفرق بين المعادن والركاز ظاهر، والتفريق بينهما هو قول الجمهور؛ لأن الركاز شيء مدفون طارئ يدفن جملة، ويؤخذ جملة، مال يوضع في وعاء أو إناء ويدفن، الناس ما كان عندهم أماكن مأمونة يضعون فيها أموالهم، بل كل يضع ماله في بيته، إما في الأرض يحفر له ويدفنه، وهذا موجود إلى وقت قريب، وأحياناً يودعون الأموال في الجدران، إذا بنو الجدار يضعون ما عندهم من مال، ويوضع عليه من الطين ما هو بمنزلة التليس، الظاهر أنكم ما تدرون عن هذا، نعم؟
المقصود أنه في حال الهدم -هدم البيوت القديمة- يوجد من هذا الشيء الكثير، والنقود لا تتأثر؛ لأنها من الذهب والفضة والنحاس وسائر المعادن، لا تتأثر، فتوضع إما بين اللبن، أو بين اللبن واللياسة التي يسمونها لياكة، فالركاز غالباً ما يكون طارئ، لكنه إن كان من دفن المسلمين له حكم، وإن كان من دفن الكفار فله حكمه.
"عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((وفي الركاز الخمس)) " ولا شك أن الفرق بين الركاز والمعادن ظاهر، ويدل له العطف في الحديث: ((والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس)) فدل على أن الركاز غير المعدن كما هو مقتضى قول الجمهور، وما يفيده هذا الحديث.
((في الركاز الخمس)) سواءً كان في دار الإسلام، أو في دار الحرب عند الجمهور، خلافاً للحسن البصري، قال: في دار الحرب ركاز، وفي دار الإسلام لقطة، وإذا كان في دار الإسلام وعليه علامات إسلامية فهو لقطة، وإن كان في دار حرب فهو ركاز، أو كانت عليه آثار مشركين فهو ركاز.(50/13)
إذا اشترى أرضاً فأراد أن يحرثها للزراعة، أو يحفر للقواعد ليشيد عليها بناء، فوجد فيها شيء من ذلك، وجد أموال في وعاء مدفونة، فهل هي لمن وجدها أو لصاحب الأرض الذي باعها؟ إن كانت عليها آثار تدل على أنها حديثة لها حكم، وإن كان عليها آثار تدل على قدمها فلها حكم.
يذكر فيما يذكر من الورع وصوره أن شخصاً اشترى أرضاً فحرثها فوجد فيها أموال طائلة مدفونة، فذهب إلى صاحب الأرض، وقال: أنا وجدت هذه الأموال، وأنا ما اشتريت أموال، أنا اشتريت أرض، فقال البائع: أنا قد بعت الأرض بما فيها، المال ليس لي، مثل هذا الخلاف وهذا النزاع يحتاج إلى خصومة عند قاض؟ نعم؟ كل واحد يقول: المال لك، هذا يقول: أنا ما اشتريت إلا الأرض، وهذا يقول: أنا بعت الأرض بما فيها، احتكما إلى قاضٍ من القضاة فأراد الصلح بينهما، أراد أن يقسمه بينهما، أراد .. ، ما في فائدة، فسأل البائع: هل لك من ولد؟ فقال: نعم، وسأل المشتري: هل لك من بنت؟ قال: نعم، قال: أصدقاهما هذا المال، ويتزوجون من هذا المال.
عموم الناس اليوم يظنون مثل هذا ضرب من الخيال أو المبالغة، والناس إلى عهد قريب على مثل هذه الحال، قبل أن تفتح الدنيا ويتنافسها الناس، إلى عهد قريب على مثل هذا، يعني في الجيل الذي قبلنا، يعني يذكر مثل هذه الأمور، من صنوف الورع مع شدة الحاجة، لكن فتحت الدنيا، وتنافسها الناس، وصاروا يحرصون على القطمير قبل القنطار، الهللة قبل الريال.
فيه الخمس: يعني خمس الكمية، والقاعدة الشرعية في الأموال وإخراج زكاتها أن النسبة المخرجة تكون بقدر التعب وعدمه، فإذا زادت المئونة وكثرت المشقة خفف في الزكاة، وإذا سهل الحصول على المال زادت الزكاة، هذا الأصل، ولذا زكاة الزروع والثمار الذي يسقى بلا مئونة ولا كلفة، يشرب من ماء السماء، أو كان عثري يشرب بجذوره وعروقه هذا فيه العشر، والذي يسقى بالمئونة والكلفة بجلب الماء، أو بالمكائن، أو بالسواني هذا نصف العشر، وما سقي بهما ثلاثة أرباع العشر، المال الذي يحصل مع الكلفة والمشقة الأصل فيه أن زكاته خفيفة، والعكس بالعكس.(50/14)
قد يقول قائل: لماذا لا نطرد مثل هذا؟ ونشوف هؤلاء التجار الذين يكسبون الأموال الطائلة بمكالمة، مكالمة يفتح مساهمة بالتليفون، بإعلان في صحيفة، ويكسب من ورائها الملايين، لماذا لا نكلفه أكثر من العشر؛ لأن الركاز يحتاج إلى حفر، أشد من الإعلان وما في حكمه؟ يقول: زكاتها النصف هذا، يمكن أن نقول هذا؟ لا يمكن؛ لأن مثل هذه الأمور لا تنضبط، أما ما يمكن ضبطه فقد جاء به الشرع، أما ما لا ينضبط ما يمكن أن يعول عليه في حكم مخالف.
"قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا، والذي سمعت أهل العلم يقولونه: إن الركاز إنما هو دفن" دفن يعني مدفون، كذبح بمعنى مذبوح "دفن يوجد من دفن الجاهلية، ما لم يطلب بمال، ينفق على إخراجه" يعني لو قيل له، أو توقع أن في هذه الأرض أو في هذه الغرفة مثلاً كنز، أو جاء بالعمال وقال: احفروا لي إن لقينا شيء وإلا أعطيتكم الأجرة، وصاروا يحفرون وتعبوا على هذا تعباً شديداً، ثم وجدوه.
يقول: "ما لم يطلب بمال ينفق على إخراجه" لأنه يكون فيه كلفة وتعب، فيكون المطلوب منه أقل من الخمس على القاعدة.
"ولم يتكلف فيه نفقة، ولا كبير عمل ولا مئونة" إذا انتفت هذه الأمور ففيه الخمس، كما في الحديث "فأما ما طلب بمال، وتكلف فيه كبير عمل فأصيب مرة" مرة يجد ومرة لا يجد "وأخطئ مرة فليس بركاز".
يقول ابن دقيق العيد: من قال من الفقهاء بأن في الركاز الخمس إما مطلقاً، أو في أكثر الصور فهو أقرب إلى الحديث، وخصه الشافعي بالذهب والفضة، وقال الجمهور: لا يختص، اختلفوا في مصرفه قال مالك وأبو حنيفة والجمهور: مصرفه مصرف خمس الفيء، يعني ليس بزكاة، كأنه من الفيء، والفيء غير الغنيمة الذي يحصل عليه من مال العدو من غير إيجاف، من غير قتال، مصرفه مصرف خمس الفيء.
وقال الشافعي في أصح قوليه: مصرفه مصرف الزكاة، يعني هل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((في الركاز الخمس)) يعني زكاة، وإلا أنه مثل الفيء يخمس {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} [(41) سورة الأنفال] نعم.
وعن أحمد: روايتان، يعني رواية تقول: بأن مصرفه مصرف الزكاة، والرواية الأخرى مثل قول الجمهور.(50/15)
وينبني على ذلك -في كلام ابن دقيق العيد- وينبني على ذلك ما إذا وجده ذمي، فعند الجمهور يخرج منه الخمس، وعند الشافعي لا يؤخذ منه شيء، لماذا يؤخذ الخمس من الذمي على أساس أنه فيء ولا يؤخذ منه إذا كان زكاة؟ الكافر غير مطالب بالزكاة، هو مخاطب، لكن ما يؤمر به حال كفره {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ} [(54) سورة التوبة] فيؤخذ منه باعتباره فيء، هل يتصور أن يقاتل الذمي ويغنم ويؤخذ منه الخمس؟ كيف يقول: ينبني على ذلك ما إذا وجده ذمي فعند الجمهور يؤخذ منه الخمس، وعند الشافعي لا يؤخذ منه شيء، المسألة ما هي بمسالة قتال، ذمي وجد ركاز، فهل يترك يقال: لك المال كله، أو يؤخذ منه الخمس؟ إذا قلنا: زكاة، مصرفه مصرف الزكاة، نعم لا يؤخذ منه شيء، وإذا قلنا: مصرفه مصرف الفيء يؤخذ منه الخمس، يؤخذ وإلا ما يؤخذ؟ يؤخذ على كلامه، لكن ويش وجه التفريق؟ ما وجه التفريق؟ نعم؟
أنا ما أدري لماذا فرقوا بين ما إذا كان مصرفه ... إيه؟
طالب:. . . . . . . . .
والاستعانة بالمشرك في القتال، نعم، الفيء متعلق بالمال، لا بالذمة، والزكاة متعلقة بالذمة، فالذمة هنا غير صالحة حال الكفر.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما هو بال .... ، إذا شارك، إذا شارك ورضخ له، ومثل هذه الأمور التي تختلف فيها المذاهب ينظر في رأي الإمام الشافعي -رحمه الله-، ورأي الأئمة الآخرين في مشاركة الذمي في مثل هذه الصور، في الفيء، الأظهر أنه زكاة، ومصرفه مصرف الزكاة.
اتفقوا على أنه لا يشترط فيه الحول، بل يجب إخراج الخمس في الحال، لماذا؟ لأنه مال اكتسب دفعة واحدة، كالحصاد بالنسبة للزرع {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [(141) سورة الأنعام] نعم، هذا مثله، مثل الزرع، نعم.
أحسن الله إليك.
ودنا نمشي يا إخوان الأحاديث المطلوبة طويلة جداً، كثيرة، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما لا زكاة فيه من الحلي والتبر والعنبر:
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي، فلا تخرج من حليهن الزكاة.(50/16)
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يحلي بناته وجواريه الذهب، ثم لا يخرج من حليهن الزكاة.
قال مالك -رحمه الله-: من كان عنده تبر أو حلي من ذهب أو فضة لا ينتفع به للبس فإن عليه فيه الزكاة في كل عام، يوزن فيؤخذ ربع عشره إلا أن ينقص من وزن عشرين ديناراً عيناً، أو مائتي درهم، فإن نقص من ذلك فليس فيه زكاة، وإنما تكون فيه الزكاة إذا كان إنما يمسكه لغير اللبس، فأما التبر والحلي المكسور الذي يريد أهله إصلاحه ولبسه، فإنما هو بمنزلة المتاع الذي يكون عند أهله، فليس على أهله فيه زكاة.
قال مالك -رحمه الله-: ليس في اللؤلؤ ولا في المسك ولا العنبر زكاة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما لا زكاة فيه من الحلي ...
يعني بالنسبة للنساء، ممن يجوز له استعماله، لكن لو تحلى الرجل، وارتكب المحرم، أو اتخذ الرجل، أو المرأة الأواني من الذهب والفضة ففيها الزكاة مع التحريم، لكن المقصود به الحلي المباح
"والتبر والعنبر" العنبر يقول الشافعي: هو نبات يخلقه الله في جنبات البحر، وقيل: إنه يأكله حوت، يعني النبات يأكله الحوت، فيموت ثم يستخرج من بطنه.
المقصود أنه مما يستخرج من في البحر، وهذا قرر فيه الإمام مالك أنه لا زكاة فيه.
قال: "ليس في اللؤلؤ ولا في المسك ولا العنبر زكاة" كسائر العروض، يعني ليس في أعيانها زكاة، وإنما الزكاة في أقيامها، وليست في أعيانها.
المسألة الكبرى التي هي مسألة عملية يحتاجها الناس جلهم هي مسالة زكاة الحلي، والإمام مالك -رحمه الله تعالى- جرى على أنه لا زكاة فيه، وقوله يوافقه عليه الشافعي وأحمد.
يقول -رحمه الله تعالى-:(50/17)
"حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه" القاسم بن محمد بن أبي بكر، القاسم أحد الفقهاء "أن عائشة -عمته- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تلي بنات أخيها" محمد بن أبي بكر، "تلي بنات أخيها" وسيأتي في الباب الذي يليه: عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: كانت عائشة تليني وأخاً لي يتيمين في حجرها، فهنا قال: بنات أخيها، وهناك قال: تليني وأخاً لي يتيمين في حجرها، تلي البنات ولا تخرج زكاة حليهن، وتلي الأولاد الذكور وتخرج الزكاة من أموالهم، يقول: كانت تلي بنات أخيها محمد بن أبي بكر لما قتل في مصر في القصة المعروفة المشهورة "تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحَلْي" الحلي هذا واحد مفرد، واحد الحلي، جمعه حلي "فلا تخرج من حليهن الزكاة".
فدل على أنه لا زكاة في الحلي، وهذا قول الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد، واحتجوا بأدلة يأتي بيانها في كلام صاحب أضواء البيان مفصلاً، مع أدلة القول الثاني.
قال أبو حنيفة: تجب الزكاة في الحلي، احتجوا بعموم الأدلة {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [(34) سورة التوبة] وغيرها و ((في الرقة ربع العشر)) المقصود أن هذه عموم الأدلة يشمل الحلي وغيرها، وفي الطرفين أحاديث متعارضة، فكل من الطرفين احتج بالنص، وأقوال الصحابة، واللغة، والقياس، كل من الطرفين احتج بهذه الأصول الأربعة، ويأتي بيانها في كلام الشيخ -إن شاء الله تعالى-.
يقول: "وحدثني عن مالك" هذا سنده إلى عائشة، السند السابق إلى عائشة مثل الشمس، ما فيه إشكال أبداً، والثاني إلى ابن عمر كذلك، مالك عن نافع عن ابن عمر، مباشرة، أصح الأسانيد عند الإمام البخاري، مالك "عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يحلي بناته وجواريه الذهب، ثم لا يخرج من حليهن الزكاة" الأصل فيما يقتنى ويستعمل أنه ليس فيه زكاة.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
حتى الذي ورد فيه نعم، من أدلة القول الآخر ما يذكر أنه بلغ النصاب، وطفلة في يديها مسكتان من ذهب نعم هل يقال: إنها بلغت النصاب؟ ((تؤدين زكاته؟ )).
طالب:. . . . . . . . .
إيه، ولو كانت غلت، تبلغ إحدى عشر جنيه؟
طالب:. . . . . . . . .(50/18)
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يقول: "أن عبد الله بن عمر كان يحلي بناته وجواريه الذهب، ثم لا يخرج من حليهن الزكاة".
"قال مالك: من كان عنده تبر أو حلي من ذهب أو فضة لا ينتفع به للبس فإن عليه فيه الزكاة في كل عام، يوزن فيؤخذ ربع عشره" هذا إذا كان لا يستعمل؛ لأنه صار كنزاً "إلا أن ينقص من وزن عشرين ديناراً عيناً، أو مائتي درهم، فإن نقص من ذلك فليس فيه زكاة، وإنما تكون فيه الزكاة إذا كان إنما يمسكه لغير اللبس، فأما التبر والحلي المكسور الذي يريد أهله إصلاحه ولبسه، فإنما هو بمنزلة المتاع الذي يكون عند أهله، فليس على أهله فيه زكاة".
"قال مالك: ليس في اللؤلؤ ولا ... " إلى آخره.
الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- يقول:
باب ما جاء في زكاة الحلي:
وأورد فيه حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قوله: ((يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن)) هذا دليل على وجوب الزكاة في الحلي أو حث على الصدقة؟ حث على الصدقة، ((اتقوا النار ولو بشق تمرة)) نعم، اللي ما عنده إلا تمرة واحدة، وأراد أن يتصدق بنصفها هذا عليه زكاة وإلا ما عليه زكاة؟ المقصود أن هذا فيه حث على الصدقة.
وقال: وقد روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه رأى في الحلي زكاة وفي إسناده مقال.(50/19)
والسبب في ذلك أنه من طريق ابن لهيعة، وابن لهيعة ضعيف، وأورده من طريق أخرى، وفيها المثنى بن الصباح وهو ضعيف أيضاً، ولذا قال الترمذي: لا يصح في الباب شيء، يعني في باب وجوب زكاة الحلي، هذا كلام الترمذي، وهذا ما أورده، لكن فيه أحاديث يعني في الوجوب أحاديث، حديث عمرو بن شعيب الذي يحتجون به أن امرأة أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعها ابنة لها، وفي يديها مسكتان من ذهب أو فضة، فقال: ((أتعطين زكاة هذا؟ )) قالت: لا، قال: ((أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ )) فخلعتهما، وألقتهما إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي الباب ثلاثة أحاديث عند أبي داود والنسائي وغيرهما، لا تسلم، لكن بمجموعها تثبت، يدل على أن الأمر بإخراج زكاة الحلي له أصل، في الاختيارات لشيخ الإسلام يقول: حلي النساء لا زكاة فيها، ولكن عليها أن تعيرها لمن تثق به، ممن يطلبها إن لم يكن في ذلك ضرر عليها، أما إن كانت تكريها ففيها الزكاة، إن كانت تؤجرها ففيها الزكاة، هذا كلام الشيخ -رحمه الله-، ليس فيه زكاة إلا الإعارة، وإعارة الحلي هو زكاته، زكاة كل شيء بحسبه، زكاة الماعون؛ لأنه جاء ذم منع الماعون، زكاته إعارته لمن ينتفع به من غير ضرر على صاحبه، ومن هذا زكاة الحلي، يعني تعيرينه لمن يحتاجه؟ هذا جواب من يقول بعدم وجوب زكاة الحلي، وهم جمهور أهل العلم، عامة أهل العلم على هذا، لكن العبرة والمعول على ما ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
أولاً: عائشة صح الخبر عنها بأنها لا تخرج الزكاة من الحلي، هل يقول قائل: إن الزكاة .. ؛ لأن صواحب الحلي غير مكلفات؟ نعم؟ لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
افترض أن هناك حلي لأيتام ما بلغوا الحنث، تخرج منه الزكاة أو لا تخرج؟ أنا أقول: عائشة الآن ما تخرج، هل نقول: لأن عائشة لا ترى الزكاة في مال الصبي؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، أنا أقول: منهم من يقول: عائشة لا تخرج الزكاة من هذا الحلي لأنه مال يتامى، والأيتام صبيان ما بلغوا الحنث، وإلا فقد ارتفع وصف اليتم.
طالب:. . . . . . . . .(50/20)
نعم، نعم الحديث الذي يليه، يعني في حديث الباب الثاني، الذي أشرنا إليه سابقاً "تليني وأخاً لي يتيمين في حجرها، فكانت تخرج من أموالنا الزكاة" كانت ترى وجوب الزكاة في مال الصبي، لكنها لا ترى وجوبه في الحلي.
أيضاً ابن عمر صح عنه أنه لا يخرج زكاة الحلي، وعائشة أقرب الناس إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وابن عمر من أحرص الناس على الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام-.
المسألة لا شك أن الأدلة تكاد تكون متكافئة.
هنا يقول الشيخ الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى-:
المسألة الثالثة: اختلف العلماء في زكاة الحلي المباح؛ فذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا زكاة فيه؛ وممن قال به مالك، والشافعي وأحمد في أصح قوليهما، وبه قال عبد الله بن عمر بن الخطاب، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعائشة، وأسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهم-، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وقتادة، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، والشعبي، ومحمد بن علي، والقاسم بن محمد، وابن سيرين، والزهري، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد، وابن المنذر، جمع، يعني هو قول الجمهور على كل حال.
وممن قال بأن الحلي المباح تجب فيه الزكاة أبو حنيفة -رحمه الله-، وروي عن عمر بن الخطاب، قال: وروي عن عمر بن الخطاب،؛ لأن فيه انقطاع، وابن عباس، وبه قال ابن مسعود، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وميمون بن مهران، وجابر بن زيد، والحسن بن صالح، وسفيان الثوري، وداود، وحكاه ابن المنذر أيضاً عن ابن المسيب، يعني قول آخر، وابن جبير، وعطاء، ومجاهد، وابن سيرين، وعبد الله بن شداد، والزهري، يعني هؤلاء روي عنهم هذا وهذا.
يقول: وسنذكر -إن شاء الله تعالى- حجج الفريقين، ومناقشة أدلتهما على الطرق المعروفة في الأصول وعلم الحديث؛ ليتبين للناظر الراجح من الخلاف.
يقول: اعلم أن من قال بأن الحلي المباح لا زكاة فيه تنحصر حجته في أربعة أمور:
الأول: حديث جاء بذلك عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم-.
الثاني: آثار صحيحة عن بعض الصحابة يعتضد بها الحديث المذكور.
الثالث: القياس.
الرابع: وضع اللغة.(50/21)
يقول: أما الحديث: فهو ما رواه البيهقي في (معرفة السنن والآثار) من طريق عافية بن أيوب عن الليث عن أبي الزبير عن جابر عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((لا زكاة في الحلي)).
قال البيهقي: وهذا الحديث لا أصل له، إنما روي عن جابر من قوله غير مرفوع، والذي يروى عن عافية بن أيوب عن الليث عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً لا أصل له، وعافية بن أيوب مجهول، فمن احتج به مرفوعاً كان مغرراً بدينه، داخلاً فيما نعيب به المخالفين من الاحتجاج برواية الكذابين، والله يعصمنا من أمثال هذا.
قال مقيده -عفا الله عنه- المؤلف -رحمه الله-: ما قاله الحافظ البيهقي -رحمه الله تعالى- من أن الحكم برواية عافية المذكور لهذا الحديث مرفوعاً من جنس الاحتجاج برواية الكذابين فيه نظر؛ لأن عافية المذكور لم يقل فيه أحد: إنه كذاب، وغاية ما في الباب أن البيهقي ظن أنه مجهول؛ لأنه لم يطلع على كونه ثقة، وقد اطلع غيره على أنه ثقة فوثقه، فقد نقل ابن أبي حاتم توثيقه عن أبي زرعة.
قال ابن حجر في (التلخيص): عافية بن أيوب قيل: ضعيف، وقال ابن الجوزي: ما نعلم فيه جرحاً، وقال البيهقي: مجهول، ونقل ابن أبي حاتم توثيقه عن أبي زرعة.
يقول: ولا يخفى أن من قال: إنه مجهول يقدم عليه قول من قال: إنه ثقة، لماذا؟ لأنه اطلع على ما لم يطلع عليه مدعي أنه مجهول، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، والتجريح لا يقبل مع الإجمال، فعافية هذا وثقه أبو زرعة، والتعديل والتجريح يكفي فيهما واحد على الصحيح في الرواية دون الشهادة.(50/22)
هذه المسألة مسألة الحكم بالجهالة على الراوي مسألة تحتاج إلى مزيد عناية؛ لأنك مجرد ما تقف على راوٍ قيل فيه: إنه مجهول تضعف الخبر بهذا، والجهالة مترددة بين كونه مجروحاً وبين عدم العلم بحاله، فعدم العلم بحال الراوي جهالة، ومنهم من يرى أن الجهالة ضرب من الجرح فيضعف من أجله، جهالة العين، يعني من أطلق جهالة العين غاية ما هنالك أنه ما عرف فيه شيء، خفي عليه من روى عنه، ما عرف إنه ما روى عنه إلا واحد، لكن غيره أثبت غيره، كما في كثير من الرواة، يقول: فلان مجهول العين لم يروِ عنه إلا فلان، ثم يثبت كثير من الأئمة جمع من الرواة رووا عنه، ترتفع عنه جهالة العين، وجهالة الحال ما يعرف فيها جرح ولا تعديل، ويثبت غيره أنه عدل وإلا مجروح، فغاية ما في الجهالة أنها عدم علم بحال الراوي، البيهقي أثبت أن عافية مجهول، وقد وثقه أبو زرعة، هل يمكن أن يقال: مجهول مع التوثيق؟ ما يمكن إطلاقاً، فالجهالة هذه عدم علم بحال الراوي، فلا اعتبار لها مع العلم بحاله من قبل غيره.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذا القول وجوده مثل عدمه، ما دام أثبت أنه ثقة؛ لأن المثبت مقدم على النافي.
طالب:. . . . . . . . .
يقول: مجهول، عدم العلم، حتى على القول بأن الجهالة جرح، الآن في كثير من الرواة يقول أبو حاتم: فلان ابن فلان مجهول، أي: لا أعرفه، تصريح بأن الجهالة عدم علم بحاله، ولذا يقول ابن حجر في النخبة وشرحها: ومن المهم معرفة أحوال الرواة جرحاً أو تعديلاً أو جهالة، فجعل الجهالة قسيم للجرح، وليست بقسم منه، مثل التعديل، لكن أيضاً أهل العلم لا سيما من رتب ألفاظ الجرح والتعديل وجعلها مراتب يجعلون لفظ مجهول في ألفاظ الجرح، لكن إذا تأملنا حقيقة الحال وجدنا أن من يحكم على راوٍ من الرواة بأنه مجهول أنه لم يبلغه فيه توثيق، ولذا يقول: مجهول فلان، ويقول غيره: ثقة، ويقول ثالث: ضعيف، ويقول آخر: لا بأس به ... إلى آخره.
طالب:. . . . . . . . .
لا، الجهالة غاية ما فيها عدم العلم بحاله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ابن حجر وضعها في مراتب الجرح.
طالب:. . . . . . . . .
لا، مقتضى الوضع في مراتب الجرح أنها جرح.
طالب:. . . . . . . . .(50/23)
لا، لا إذا قلنا: جرح قلنا: الحديث ضعيف؛ لأن فيه فلاناً وهو مجهول؛ لأنه وضع .. ، وإذا قلنا: إن عدم علم بحاله توقفنا في الحكم، ما نحكم عليه حتى نعلم حال الراوي، النتيجة تختلف، النتيجة مختلفة، إذا قلنا: إن من صنف في مراتب الجرح والتعديل وضع هذه اللفظة في ألفاظ الجرح، نعم، تحكم على الخبر بأنه ضعيف؛ لأن فيه فلان وهو مجهول، والجهالة من ألفاظ الجرح، لكن الذي يقول: إن الجهالة عدم علم بحال الراوي ما تحكم على الحديث، لا يجوز لك أن تحكم على الحديث.
يعني كونك لا تعلم عن حاله شيء لا يعني أنه ضعيف، فتتوقف في حكمك على الخبر حتى تعرف حاله، وذكرت أن أبا حاتم في مواضع كثيرة يمكن مئات من الرواة يقول: مجهول أي لا أعرفه، إذا كانت الجهالة عدم علم بحاله لا يعول عليها، يبحث عن أقوال أخرى في الراوي.
طالب:. . . . . . . . .
يقول: ما يدري عنه، يتوقف فيه، ما يدري، مجهول يعني لا يعرف عن حاله شيء.
طالب:. . . . . . . . .
نفس الشيء ما يعرف عن حاله شيء، نفس الشيء، لا يعرف، ذكرت لك الآن أنه إذا قال مثلاً، سئل شخص فقال: مجهول، نعم، أو قال أبو حاتم: مجهول أي لا أعرفه، من أكثر من شهر الجهالة أبو حاتم، في الجرح والتعديل ما يزيد على ألف وخمسمائة راوٍ قال أبو حاتم: مجهول، مع أنه يطلق المجهول بإزاء بعض الصحابة، وقال في بعضهم: من السابقين الأولين، مجهول، فالجهالة ليس على إطلاقها أنها حط من قدر الراوي، أبداً، إنما قد يطلقونها بإزاء قلة الرواية وندرتها، وقد تطلق بإزاء قلة من يروي عن هذا الراوي، وعدم اشتهاره بالعلم، فلذا قل الآخذون عنه، وإن كان ثقة.
يقول الشيخ: فلا شك أن قول البيهقي في عافية: إنه مجهول أولى منه بالتقديم قول أبي زرعة: إنه ثقة؛ لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وإذا ثبت الاستدلال بالحديث المذكور فهو نص في محل النزاع.
يقول: لا زكاة في الحلي.
طالب:. . . . . . . . .(50/24)
. . . المقصود أن مثل هذه الألفاظ التي تأتي منسوبة إلى الشارع في محل خلاف طويل بين أهل العلم، ونص على أحد القولين يعني كأنها تركيب، نعم، كأنها تأتي تركيب، فتكون بألفاظ الفقهاء أشبه منها بألفاظ النبوة، نعم، المقصود أننا ننظر ماذا يقول الشيخ والنتيجة فيما بعد.
يقول: ويؤيد ما ذكر من توثيق عافية المذكور أن ابن الجوزي مع سعة اطلاعه، وشدة بحثه عن الرجال؛ قال: إنه لا يعلم فيه جرحاً.
وأما الآثار الدالة على ذلك: فمنها ما رواه الإمام مالك في الموطأ -المرفوع يعني ما فيه إلا هذا الحديث- عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة زوج النَّبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي، فلا تخرج من حليهن الزكاة، وهذا الإسناد عن عائشة في غاية الصحة كما ترى.
ومنها ما رواه مالك في الموطأ أيضاً عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يحلي بناته وجواريه الذَّهب، ثم لا يخرج من حليهن الزكاة؛ وهذا الإسناد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- في غاية الصحة أيضاً كما ترى.
وما قاله بعض أهل العلم من أن المانع من الزكاة في الأول أنه مال يتيمة، وأنه لا تجب الزكاة على صبي، كما لا تجب عليه الصلاة مردود بأن عائشة ترى وجوب الزكاة في أموال اليتامى، يعني كما في الخبر الذي سيأتي، فالمانع من إخراجها الزكاة كونه حلياً مباحاً على التحقيق؛ لا كونه مال يتيمة، وكذلك دعوى أن المانع لابن عمر من زكاة الحلي أنه لجوار مملوكات؛ وأن المملوك لا زكاة عليه مردود أيضاً بأنه كان لا يزكي حلي بناته مع أنه كان يزوج البنت له على ألف دينار يحليها منها بأربعمائة، يعني عشرين نصاب، يحليها منها بأربعمائة، ولا يزكي ذلك الحلي، وتركه لزكاته لكونه حلياً مباحاً على التحقيق.
ومن الآثار الواردة في ذلك ما رواه الشافعي، قال: أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار سمعت رجلاً يسأل جابر بن عبد الله عن الحلي فقال: "زكاته عاريته" يعني ما دام جابر يقول: بأنه لا زكاة فيه، والحديث الذي يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لا زكاة في الحلي، يعني يشم منه رائحة الوقف، وأنه من قوله واجتهاده.(50/25)
ذكره البيهقي في السنن الكبرى، وابن حجر في التلخيص، وزاد البيهقي فقال: وإن كان يبلغ ألف دينار، فقال جابر: كثير.
ومنها ما رواه البيهقي عن علي بن سليم قال: سألت أنس بن مالك عن الحلي، فقال: ليس فيه زكاة.
ومنها ما رواه البيهقي أيضاً عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تحلى بناتها الذهب ولا تزكيه، نحواً من خمسين ألفاً.
وأما القياس فمن وجهين:
الأول: أن الحلي لما كان لمجرد الاستعمال لا للتجارة والتنمية ألحق بغيره من الأحجار النفيسة كاللؤلؤ والمرجان بجامع أن كلاً منها معد للاستعمال لا للتنمية، معد للاستعمال مثل أثاث البيت، مثل الدابة، مثل العبد الذي يحتاجه الإنسان، وليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقة؛ لأنه للقنية.
وقد أشار إلى هذا الإلحاق مالك -رحمه الله- في الموطأ بقوله: فأما التبر والحليّ المكسور الذي يريد أهله إصلاحه ولبسه فإنما هو بمنزلة المتاع الذي يكون عند أهله، فليس على أهله فيه زكاة، قال مالك: ليس في اللؤلؤ ولا في المسك والعنبر زكاة.
الثاني من وجهي القياس: هو النوع المعروف بقياس العكس، ثم أطال على هذا القياس، ومثل له، لكن من أوضح أمثلته: النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قيل له: "أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر؟! قال: ((أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ )) .. الحديث، فإن النَّبي –عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث أثبت في الجماع المباح أجراً، وهو حكم عكس حكم الجماع الحرام؛ لأن فيه الوزر؛ لتعاكسهما في العلة.
يقول: ووجه هذا النوع من القياس في هذه المسألة التي نحن بصددها هو أن العروض لا تجب في عينها الزكاة، فإذا كانت للتجارة والنماء وجبت فيها الزكاة، عكس العين فإن الزكاة واجبة في عينها، فإذا صيغت حلياً مباحاً للاستعمال، وانقطع عنها قصد التنمية بالتجارة صارت لا زكاة فيها، فتعاكست أحكامهما لتعاكسهما في العلة، ومنع هذا النوع من القياس بعض الشافعية ... إلى آخره.
ولا يخفى أن القياس يعتضد به ما سبق من الحديث المرفوع، والآثار الثابتة عن بعض الصحابة، لما تقرر في الأصول من أن موافقة النص للقياس من المرجحات.(50/26)
وأما وضع اللغة: فإن بعض العلماء يقول: الألفاظ الواردة في الصحيح في زكاة العين لا تشمل الحلي في لسان العرب، قال أبو عبيد: الرقة عند العرب الورق المنقوشة ذات السكة السائرة بين الناس، ولا تطلقها العرب على المصوغ، وكذلك قيل في الأوقية.
قال مقيده -عفا الله عنا وعنه-: ما قاله أبو عبيد هو المعروف في كلام العرب، قال الجوهري في صحاحه: الورق الدراهم المضروبة، وكذلك الرقة، والهاء عوض عن الواو، مثل العدة والزنة، وفي القاموس: الورق مثلثة، وككتف الدراهم المضروبة، وجمعها أوراق.
هذا هو حاصل حجة من قال: لا زكاة في الحليّ.
وما ادعاه بعض أهل العلم من الاحتجاج لذلك بعمل أهل المدينة فيه أن بعض أهل المدينة مخالف في ذلك، والحجة بعمل أهل المدينة عند من يقول بذلك كمالك إنما هي في إجماعهم على أمر لا مجال للرأي فيه، لا إن اختلفوا، أو كان من مسائل الاجتهاد.
وأما حجة القائلين بأن الحلي تجب فيه الزكاة فهي منحصرة في أربعة أمور أيضاً:
الأول: أحاديث عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أوجب الزكاة في الحلي.
الثاني: آثار وردت بذلك عن الصحابة.
الثالث: وضع اللغة.
الرابع: القياس.
ثم ذكر الأحاديث: منها ما رواه أبو داود في سننه قال: حدثنا أبو كامل وحميد بن مسعدة ... حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. وقد ذكرناه، وهذا الذي ضعفه الترمذي، لكنه من طريق حسين المعلم؛ لأن الترمذي ذكره من حديث ابن لهيعة، ومن حديث المثنى بن الصباح، وضعفهما, وضعف الحديث بهما، لكن خفي عليه حديث حسين.
وقال النسائي في سننه: أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد عن حسين عن عمرو بن شعيب ... إلى آخره، ثم قال: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ...
يقول: وهذا الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي من طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب أقل درجاته الحسن، وبه تعلم أن قول الترمذي -رحمه الله-: لا يصح في الباب شيء غير صحيح؛ لأنه لم يعلم برواية حسين المعلم له عن عمرو بن شعيب، بل جزم بأنه لم يروِ عن عمرو بن شعيب إلا من طريق ابن لهيعة والمثنى بن الصباح، وقد تابعهما حجاج بن أرطأة، والجميع ضعاف.(50/27)
لكن مع ضعف الجميع الثلاثة، يعني الضعف في الثلاثة غير شديد، صحيح المرجح الضعف، لكن الضعف في الثلاثة يقبل الانجبار وليس بشديد.
ومنها: ما رواه أبو داود أيضاً قال: حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا عتاب -يعني ابن بشير- عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة قالت: كنت ألبس أوضاحاً من ذهب، فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال: ((ما بلغ أن تؤدي زكاته)) يعني بلغ إيش؟ النصاب، ((فزكي فليس بكنز)) وأخرج نحوه الحاكم والدارقطني والبيهقي.
ومنها: ما رواه أبو داود أيضاً قال: حدثنا محمد بن إدريس الرازي، قال: حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق قال: حدثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر أن محمد بن عمرو بن عطاء أخبره أن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال: دخلنا على عائشة زوج النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "دخل عليَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأى في يديَّ فتخات من ورق، فقال: ((ما هذا يا عائشة؟! )) فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله، قال: ((أتؤدِّين زكاتهن؟ )) قلت: لا، أو ما شاء الله، قال: ((هو حسبك من النار)).
قال: حدثنا صفوان بن صالح، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا سفيان عن عمر بن يعلى ... فذكر الحديث نحو حديث الخاتم، قيل لسفيان: كيف تزكيه؟ قال: تضمه إلى غيره.
وحديث عائشة هذا أخرج نحوه أيضاً الحاكم والدارقطني والبيهقي.
وأخرج الدارقطني ... قال: لا بأس بلبس الحلي إذا أعطي زكاته، قال البيهقي: وقد انضم إلى حديث عمرو بن شعيب حديث أم سلمة وحديث عائشة، وساقهما.
ومنها: ما رواه الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد بلفظ، قالت: "دخلت أنا وخالتي على النَّبي -صلى الله عليه وسلم- وعلينا أساور من ذهب، فقال لنا: ((أتعطيان زكاته؟ )) أقول: هذه المسألة من عضل المسائل، وأنتم تسمعون فتاوى أهل العلم المضطربة في هذه المسألة، تسمعون الفتاوى المضطربة، يمكن تسمعونها كل يوم، ولذا لا بد من العناية بها.
طالب:. . . . . . . . .
يعني تطلب الزكاة قبل أن تفرض؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا قالوا غير هذا، بيجي، قبل أن يباح الحلي؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.(50/28)
قال البيهقي -رحمه الله-: وقد انضم إلى حديث عمرو بن شعيب حديث أم سلمة وحديث عائشة، وساقهما.
ومنها: ما رواه الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد بلفظ، قالت: "دخلت أنا وخالتي على النَّبي -صلى الله عليه وسلم- وعلينا أساور من ذهب، فقال لنا: ((أتعطيان زكاته؟ )) فقلنا: لا، قال: ((أما تخافان أن يسوركما الله بسوار من نار، أديا زكاته)).
وروى الدارقطني نحوه من حديث فاطمة بنت قيس، وفي سنده أبو بكر الهذلي وهو متروك، قاله ابن حجر في التلخيص.
الآن عندنا من الأحاديث ثلاثة، وكلها صالحة للاحتجاج، الضعيف منها قابل للانجبار.
وأما الآثار: فمنها ما رواه ابن أبي شيبة والبيهقي من طريق شعيب بن يسار قال: كتب عمر إلى أبي موسى: أن مُرْ مَنْ قِبَلَكَ من نساء المسلمين أن يصدقن من حليهنَّ، يعني هذا الموافق لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((تصدقن ولو من حليكن)) يعني امتثال لأمره -عليه الصلاة والسلام-.
قال البيهقي: هذا مرسل شعيب لم يدرك عمر.
وقال ابن حجر في التلخيص: وهو مرسل، قاله البخاري، وقد أنكر الحسن ذلك فيما رواه ابن أبي شيبة قال: لا نعلم أحداً من الخلفاء قال: "في الحليّ زكاة" أنكر ذلك الحسن البصري فيما رواه ابن أبي شيبة قال: لا نعلم أحداً من الخلفاء قال: "في الحليّ زكاة".
ومنها: ما رواه الطبراني والبيهقي عن ابن مسعود أن امرأته سألته عن حلي لها، فقال: إذا بلغ مائتي درهم ففيه الزكاة، قالت: أضعها في بني أخ لي في حجري؟ قال: نعم.
قال البيهقي: وقد روي هذا مرفوعاً إلى النَّبي -عليه الصلاة والسلام-، وليس بشيء، قال البخاري: مرسل، ورواه الدارقطني من حديث ابن مسعود مرفوعاً، قال: وهذا وهم، والصواب موقوف.
ومنها: ما رواه البيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه كان يكتب إلى خازنه سالم -جد عبد الله بن عمرو- إلى خازنه أن يخرج زكاة حلي بناته كل سنة، وما روي من ذلك عن ابن عباس قال الشافعي: لا أدري أيثبت عنه أم لا؟ وحكاه ابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما، قاله في التلخيص أيضاً، لكن الثابت عن ابن عمر ما سمعناه في الموطأ.(50/29)
وأما القياس: فإنهم قاسوا الحلي على المسكوك والمسبوك بجامع أن الجميع نقد؛ لأن الصياغة للذهب والفضة هل تخرجهما عن كونهما ذهب وفضة؟ بدليل أن الربا يجري فيهما ولو بعد الصياغة.
أما القياس: فإنهم قاسوا الحلي على المسكوك والمسبوك بجامع أن الجميع نقد.
وأما وضع اللغة: فزعموا أن لفظ الرقة، ولفظ الأوقية الثابت في الصحيح يشمل المصوغ كما يشمل المسكوك، وقد قدمنا أن التحقيق خلافه.
فإذا علمت حجج الفريقين، فسنذكر لك ما يمكن أن يرجع به كل واحد منهما.
أما القول بوجوب زكاة الحلي فله مرجحات:
منها: أن من رواه من الصحابة عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر، كما قدمنا روايته عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعائشة وأم سلمة وأسماء بنت يزيد -رضي الله عنهم-.
أما القول بعدم وجوب الزكاة فيه فلم يرو مرفوعاً إلا من حديث جابر كما تقدم، وكثرة الرواة من المرجحات على التحقيق.
ومنها: أن أحاديثه كحديث عمرو بن شعيب ومن ذكر معه أقوى سنداً من حديث سقوط الزكاة الذي رواه عافية بن أيوب، حتى على القول بأنه ثقة.
ومنها: أن ما دل على الوجوب مقدم على ما دل على الإباحة؛ لأن الإباحة جارية على الأصل، والقول بالوجوب ناقل عن الأصل، ولا شك أن الناقل مقدم، والمؤسس مقدم على المؤكد؛ لأن الذي لا ينقل على الأصل، وباقي على أصل الإباحة هذا لو جاء فيه نص فهو مؤكد لما قبله، وأما بالنسبة لما يأتي بحكم جديد ينقل عن البراءة الأصلية يكون مؤسساً، والتأسيس عند أهل العلم مقدم على التأكيد.
ومنها: أن ما دل على الوجوب مقدم على ما دل على الإباحة؛ للاحتياط في الخروج من عهدة الطلب كما تقرر في الأصول.
ومنها: دلالة النصوص الصريحة على وجوب الزكاة في أصل الفضة والذهب، وهي دليل على أن الحلي من نوع ما وجب الزكاة في عينه، هذا حاصل ما يمكن أن يرجح به هذا القول.
وأما القول بعدم وجوب الزكاة في الحليّ المباح فيرجح بأن الأحاديث الواردة في التحريم إنما كانت في الزمن الذي كان فيه التحلي بالذهب محرماً على النساء، والحلي المحرم تجب فيه الزكاة اتفاقاً، يعني لو لبس الرجل حلي وجبت فيه الزكاة، لو اتخذت المرأة آنية من الذهب والفضة وجبت فيها الزكاة، وأما أدلة عدم الزكاة فيه فبعد أن صار التحلي بالذهب ...(50/30)
شرح: الموطأ – كتاب الزكاة (3)
باب زكاة أموال اليتامى والتجارة لهم فيها - باب زكاة الميراث - باب الزكاة في الدين
الشيخ: عبد الكريم الخضير
وأما أدلة عدم الزكاة فيه، فبعد أن صار التحلي بالذهب مباحاً.
يقول الشيخ: والتحقيق أن التحلي بالذهب كان في أول الأمر محرماً على النساء ثم أبيح، كما يدل له ما ساقه البيهقي من أدلة تحريمه أولاً، وتحليله ثانياً، وبهذا يحصل الجمع بين الأدلة، والجمع واجب إن أمكن كما تقرر في الأصول وعلوم الحديث، ... إلى آخره.
ووجهه ظاهر؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما، ومعلوم، إيش؟ ومعلوم أن الجمع إذا أمكن أولى من جميع الترجيحات، فإن قيل: هذا الجمع يقدح فيه حديث عائشة المتقدم، فإن فيه "فرأى في يدي فتخات من ورق" ... إلى آخره، والورق: الفضة، والفضة لم يسبق لها تحريم، فالتحلي بها لم يمتنع يوماً ما.
فالجواب ما قاله الحافظ البيهقي -رحمه الله تعالى- قال: من قال: لا زكاة في الحلي زعم أن الأحاديث والآثار الواردة في وجوب زكاته كانت حين كان التحلي بالذهب حراماً على النساء، فلما أبيح لهن سقطت الزكاة.
قال: وكيف يصح هذا القول مع حديث عائشة إن كان ذكر الورق فيه محفوظاً، غير أن رواية القاسم وابن أبي مليكة عن عائشة في تركها إخراج زكاة الحلي، مع ما ثبت من مذهبها من إخراج زكاة أموال اليتامى يوقع ريبة في هذه الرواية المرفوعة، فهي لا تخالف النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فيما روته عنه، إلا فيما علمته منسوخاً.
يقول: وبالجملة فلا يخفى أنه يبعد أن تعلم عائشة أن عدم زكاة الحلي فيه الوعيد من النَّبي -صلى الله عليه وسلم- بأن حسبها النار، أو بأنه حسبها من النار، ثم تترك إخراجها بعد ذلك عمن في حجرها، مع أنها معروف عنها القول: بوجوب الزكاة في أموال اليتامى.
ومن أجوبة أهل هذا القول: إن المراد بزكاة الحلي عاريته، ورواه البيهقي عن ابن عمر وسعيد بن المسيب والشعبي في إحدى الروايتين عنه، وهذا حاصل الكلام في هذه المسألة، وأقوى الوجوه بحسب المقرر في الأصول وعلم الحديث، الجمع إذا أمكن، وقد أمكن هنا.(51/1)
قال مقيده -عفا الله عنه-: وإخراج زكاة الحلي أحوط؛ لأن ((من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)) ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) والعلم عند الله تعالى.
الآن ويش فهمنا من كلام الشيخ؟ ويش رجح؟
طالب:. . . . . . . . .
عدم الوجوب، بعد أن استقصى أدلة الفريقين من الأصول الأربعة، من الأحاديث المرفوعة والآثار والقياس، واللغة، رجح الشيخ عدم الوجوب، وإما أن تحمل الزكاة الواردة فيه على الإعارة كما قال شيخ الإسلام، أو يقال: وجوب الزكاة إنما كان قبل إباحة الحلي للنساء، على كل حال يبقى أن القول الثاني له وجه فيه قوة، وقال به أئمة، يعني لو نظرنا إلى الأئمة قال به الإمام أبو حنيفة، وقال به من أئمة الأثر من المتقدمين والمتأخرين، نعم القول الثاني وعدم وجوب الزكاة فيه هو قول الجماهير، هو قول جماهير أهل العلم، وعرفنا ما في المسألة، فمن زكى فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن ترك فله سلف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
إن المحرم تجب فيه الزكاة، ولو كان ..
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .(51/2)
جرت عليها قواعد، خلاص، مثل غيره من المباحات، لما أبيح جرت عليه القواعد الشرعية أن ما يقتنى للاستعمال ما فيه زكاة، كل ما يقتنى للاستعمال ما فيه زكاة، هذا عموم الأدلة الشرعية كثير من المسائل تأتي على هذا المنحى، وإلا كان الناس كلهم علماء، وكلهم فقهاء، لولا وجود مثل هذه الإشكالات، صار الناس كلهم علماء، صارت هذه المنازل التي يرفع الله بها العلماء في الدنيا والآخرة متاحة لجميع الناس؛ لعظم هذا العلم صار مسلك وعر، ما يدركه كل أحد، وجود هذه الإشكالات في كثير من المسائل، في كثير من القضايا، وهذا مقصود للشرع، المسألة مسألة جهاد، لكن الواحد على أريكته يسمع خبر ما له معارض كل الناس يحفظوه، لو وجد خبر ما له معارض، هذا من الناحية العملية، ومن الناحية العلمية التي هي تتعلق بالإيمان والرضا بالله -جل وعلا- رباً، يعني بعض الناس إذا سمع مثل هذه الإشكالات، يعني قد يقع في قلبه شيء من الزيغ، وينسب هذا الاختلاف إلى أصل الدين، وأنه دين متعارض ومتناقض، لذا جاء في القرآن ما هو متشابه، يمكن ما يعرفه أحد، قد يقول قائل: ما الفائدة من الإتيان به هذا المتشابه؟ ليتميز الناس، وأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه، وأما الراسخون في العلم يقولون: آمنا به.
قل مثل هذا في كثير من المسائل التي هي مسائل معضلة، يرد فيها من النصوص ما يقتضي السلب والإيجاب، ولكن من رسخ في العلم، وتعب في تحصيله، وحرص على تحرير المسائل مخلصاً لله -جل وعلا- في ذلك، يوفق مثل هذا، يوفق ويسدد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(51/3)
إذا ما زكوا ما عليهم شيء، لا سيما وهم أئمة، تبي تجد أورع من مالك والشافعي وأحمد، وعامة أهل العلم على هذا، في مقابل أبي حنيفة، يعني لو المسألة ثانية يعني ما رجحت من قبل من هو ثقة، وله ثقل عند عامة الناس اليوم، وتجد الإمام أبو حنيفة في كفة، وغيره في كفة، يمكن ما ينظر إلى الإمام مع عظمته، الألسنة كلها متفقة على أنه الإمام الأعظم، أبو حنيفة، يعني ما هو الإنسان يتطاول على مثل هؤلاء الجبال، لكن ما دام يفتي به من عرف بالتحري واتباع الدليل وكذا، صار له وزن، وإلا لو تأتي بمسألة ثانية، الأئمة الثلاثة في كفة، وأبو حنيفة في كفة، ثم بعد ذلك ما تجد من يرى قول أبي حنيفة من المعروفين عند الناس ممن جعل الله لهم القبول، ما التفت الناس إلى قوله، إلا عند من يقلده، وعلى كل حال القولان مثلما ذكرنا في بعض القضايا التي فيها الأدلة تكاد تكون متكافئة.
طالب:. . . . . . . . .
والله اعلم الاحتياط هو ظاهر، من قديم وأنا أقول بالاحتياط.
طالب:. . . . . . . . .
من جمع العملات والتحف، ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
فيه زكاة وإلا ما فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
العملات، تقصد العملات الملغاة التي لا يتم التداول بها، وقيمتها أضعاف أضعاف قيمتها وقت التداول، هذه عروض، عروض تجارة هذه، يعني الريال مثلاً ريال اللي يسمونه الفرنسي، كان متداول في هذه البلاد قبل ضرب الريال السعودي، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، إيه، الآن لو يوجد يستحق مبلغ كبير ما هو ... ، وهناك عملات قبله أكثر قيمة منه، المقصود أن هذه العملات قيمتها أكثر من قيمتها وقت التداول، هذه عروض تجارة، والتشاغل بها وبذل الأموال فيها لا شك أنه من باب الإسراف؛ لأنها لا قيمة لها حقيقة، إنما هي من باب الإسراف.(51/4)
بعض السفهاء الذين يتندرون بفتاوى أهل العلم ويتلقطون مثل هذه المسائل، يقول: أنت لو تستمع إلى فتاوى المشايخ وجدت أن الذهب يوم السبت فيه زكاة، ويوم الأحد ما فيه زكاة، ويوم الاثنين الأحوط، ويوم الثلاثاء كذا، يعني مثل هؤلاء يخفى عليهم خلاف أهل العلم القديم والحديث، وأن الخلاف موجود من عصر الصحابة، لا شك أن مثل هذا لتعظم الأجور، يعني من تعب على تحرير مسألة وجمع ما فيها، هذا التعب عبث؟ هذا أفضل من جميع نوافل العبادة.
طالب:. . . . . . . . .
ما في شك، الذي يحتاج إلى ضبط، يحتاج إلى خطام وزمام إذا تولى الأمر من ليس بكفؤ، مثل هذا لا بد من كفه، أما الأكفاء فالخلاف موجود من عهد الصحابة.
يقول -رحمه الله-:
"قال مالك: من كان عنده تبر أو حلي من ذهب أو فضة" عرفنا حَلي، هذه المفرد، وجمعه حلي "لا ينتفع فيه للبس فإن عليه فيه الزكاة في كل عام" لأنه حينئذٍ يكون حكمه حكم الكنز، وليس حكمه حكم ما يقتنى للاستعمال "يوزن فيؤخذ ربع عشره، إلا أن ينقص من وزن عشرين ديناراً عيناً أو مائتي درهم، فإن نقص من ذلك فليس فيه زكاة، وإنما تكون فيه الزكاة إذا كان إنما يمسكه لغير اللبس" يعني إذا كان يمسكه للبس كان كسائر ما يستعمله، طيب كتب طالب العلم فيها زكاة وإلا ما فيها زكاة؟ ولو كثرت، يعني قد تقوم حاجته بألف مجلد، يقول: لا، يمكن أحتاج في يوم من الأيام هذا الكتاب، وهذا الكتاب إلى أن تبلغ عشرة آلاف مجلد، نعم، هي مستعملة، كلها مستعملة حقيقة أو حكماً.
يقول: "وإنما تكون الزكاة إذا كان إنما يمسكه لغير اللبس، فأما التبر والحلي المكسور الذي يريد أهله إصلاحه ولبسه فإنما هو بمنزلة المتاع الذي يكون عند أهله، فليس على أهله فيه زكاة".
"قال مالك: ليس في اللؤلؤ ولا في المسك" الطيب المعروف "ولا العنبر زكاة" كسائر العروض، لا زكاة في أعيانها، يعني لا يطلب الزكاة من أعيانها، ليست هي من الزكويات، وإنما تطلب الزكاة في أقيامها، فهي تزكى باعتبار أنها عروض تجارة، وسيأتي ما في العروض من وجوب الزكاة في قول عامة أهل العلم ومخالفة أهل الظاهر في هذا، في باب مستقل -إن شاء الله-.(51/5)
في دراهم مسكوكة في وقت الحرب العالمية الأولى، وهي جايئة من طريقها في محل الصناعة والصياغة لتكون دراهم، غرقت السفينة، ضربت في وقت الحرب العالمية فغرقت السفينة والأموال غاصت في البحر، ثم قبل سنوات يسيرة، ما أدري سنتين أو ثلاث بحث عن هذه الأموال، وأخرج قدر كبير منها، بعد كم ستين سبعين سنة، أخرج منها، وبيعت في مزادات، المقصود أن مثل هذه إذا عثر عليها هل حكمها حكم الكنز أو لقطة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وعليها ضرب إسلامي، واسم مسلمين، ودولة مسلمة.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن هل هي تكون ركاز يملكها واجدها، أو هي لقطة وجدها فيعيدها إلى صاحبها، صاحبها معروف، أربابه معروفون.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب زكاة أموال اليتامى والتجارة لهم فيها:
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة".
وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه قال: "كانت عائشة تليني وأخاً لي يتيمين في حجرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة".
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تعطي أموال اليتامى الذين في حجرها من يتجر لهم فيها.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه اشترى لبني أخيه يتامى في حجره مالاً، فبيع ذلك المال بعد بمال كثير.
قال مالك -رحمه الله-: لا بأس بالتجارة في أموال اليتامى لهم إذا كان الولي مأذوناً، ولا أرى عليه ضماناً.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب زكاة أموال اليتامى والتجارة لهم فيها:
اليتامى: جمع يتيم، وهو بالنسبة لنبي آدم من مات أبوه قبل البلوغ، فإذا بلغ الحنث ارتفع عنه الوصف، بحيث إذا كلف ارتفع عنه وصف اليتم.(51/6)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال: اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة".
فدل على أن أمير المؤمنين عمر -رضي الله تعالى عنه- يرى أن الزكاة تجب في مال الصبي ولو لم يبلغ، ولو لم يكلف، ومثله ما جاء عن عائشة.
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه -القاسم بن محمد أحد الفقهاء السبعة- عن أبيه -القاسم بن محمد- أنه قال: كانت عائشة تليني" وهو ابن أخيها، محمد بن أبي بكر الصديق، تليه وتلي أخاً له يتيمين في حجرها، وكانت تلي أخواتهما على ما تقدم، ولا تخرج زكاة حليهما، حلي هؤلاء البنات، وتخرج زكاة أموال هؤلاء الصبية؛ لأنها كانت هي الولي عليهم بعد مقتل أبيهم بمصر في القصة المعروفة.
يقول: "فكانت تخرج من أموالنا الزكاة" فلولا وجوب الزكاة في مال الصبي لما ساغ لها هذا التصرف.
ثم قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تعطي أموال اليتامى الذين في حجرها من يتجر لهم فيها" هذه المسألة الأخرى، المسألة الأولى وهي وجوب الزكاة في مال الصبي، ومثله المجنون، جمهور أهل العلم على وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون، والحنفية لا يرون فيها الزكاة؛ لأنه غير مكلف، فكما أنه غير مطالب بالصلاة ولا بالصيام ولا بالحج قبل التكليف؛ لأنه قد رفع القلم عنه، كونه يؤمر بها من أجل التمرين هذا شيء، لكن الكلام على كتابة الحسنات والسيئات، القلم مرفوع عنه، فلا يطالب بالصلاة على سبيل الوجوب والإلزام، ولا الصيام ولا الحج، أبو حنيفة يقول: والزكاة كذلك، الجمهور يرون أن الزكاة واجبة في مال الصبي والمجنون؛ لعموم الأدلة، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [(103) سورة التوبة] هذا يشمل الكبير والصغير؛ لأن المسألة تعلقها في المال، وفي حديث بعث معاذ إلى اليمن ((فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) والذي يملك المال غني، كبيراً كان أو صغيراً، عاقلاً كان أو مجنوناً، فعموم الأدلة يدل على وجوب الزكاة في أموال غير المكلفين.(51/7)
طيب رفع القلم عن مثل هؤلاء ألا يعفيهم من دفع الزكاة؟ ويش معنى رفع القلم؟ أنه لا يكتب عليهم شيء، لكن قالوا: إن أخذ الزكاة من أموالهم ليس مرده الحكم التكليفي، ليس مرده الحكم التكليفي، وإنما هو من باب ربط الأسباب بمسبباتها، وجد المال فتجب الزكاة، وجد السبب يوجد المسبب، فمرده إلى الحكم الوضعي، وليس الحكم التكليفي، وخبر عمر -رضي الله تعالى عنه- لا تأكلها الزكاة، دل على أن اليتامى في أموالهم الزكاة، وإخراج عائشة -رضي الله تعالى عنها- لزكاة اليتامى هؤلاء دليل على أنها ترى أن فيها الزكاة مع عموم الأدلة، ولذا قال بمقتضى هذا جمهور أهل العلم خلافاً لأبي حنيفة.
المسألة الثانية: الاتجار في أموال اليتامى، يقول عمر -رضي الله تعالى عنه-: "اتجروا في أموال اليتامى".
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تعطي أموال اليتامى الذين في حجرها من يتجر لهم فيها" لئلا تأكلها الزكاة، المال الذي ينقص ينتهي، الذي ينقص ولا ينمو هذا ينتهي، ولا بد من تحريكه والاتجار به؛ لئلا تأكله الزكاة، وتأكله النفقات أيضاً.
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه اشترى لبني أخيه عبد ربه بن سعيد يتامى في حجره مالاً، فبيع ذلك المال بعد بمال كثير" يعني حرك المال، اشترى به سلعة فكسبت مكاسب كثيرة.
قال مالك: "لا بأس بالتجارة في أموال اليتامى لهم" ليس معنى هذا أن الولي يضارب ويتاجر بأموال اليتامى والربح له، لا، إنما يقول: في أموال اليتامى لهم، الربح لهم، ولا للولي "إذا كان الولي مأذوناً له" يعني من قبل من عينه في الولاية، سواءً كان الأب أو القاضي الذي هو الحاكم، إذا كان مأذوناً له يتجر ويتصرف مراعياً في ذلك المصلحة، مصلحة هؤلاء اليتامى، يقول: فلا أرى عليه ضماناً؛ لأنه أمين، مؤتمن، ما لم يفرط، أما إذا فرط أو تَصرف تصرُف غير مرضي فحينئذٍ يضمن.(51/8)
إن اتجر بهذه الأموال لنفسه يقول: أنا عندي أيتام لهم مليون ريال جالس، وبدل ما يجلس اتجر بهذا المليون لنفسي، ومتى ما بغوه موجود يعني، وهذه مسألة يحتاجها كثير من الناس، لا لهذه القضية بعينها، أحياناً تعطى أموال لتوزيعها على الفقراء، ثم تحتاج أنت، بحثت عن فقير أو عن أسرة بعينها من ذوي الحاجات، وقالوا: إنهم سافروا، بعد شهر بيجون، تقول: أنا أتصرف بها خلال هذا الشهر، أقترضها وأتصرف بها، وهذا يتسامح فيه كثير من الإخوان، يتصرفون على نية الضمان، وحينئذٍ ينتقل المال من كونه وديعة وأمانة غير مضمونة إلى كونه قرض مضمون بحيث لو تلف يضمنه لأصحابه، فمسألة الاقتراض إذا كان يغلب على الظن الرد في وقته، إذا كان يجزم برده في وقته؛ ولعدم احتياج صاحبه إليه وقل مثل هذا في الودائع والأمانات، أراد شخص أن يسافر ووضع عندك وديعة، أمانة، مبلغ من المال، قال: لئلا يسرق، لئلا يضيع، لئلا ينهب، أضعه عندك، فقلت: ما دام جالس، وأنا أعرف أن صاحبه ما هو بجاي إلا مع بداية الدراسة، بعد ثلاثة أشهر أتصرف به، وإذا جاء دفعته إليه.
وقل مثل هذا في الودائع التي تودع من قبل الناس في البنوك، الناس يودعونها على أساس أنها أمانات في البنوك وإلا قروض؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لو كانت أمانات ما تصرف فيها البنك، البنك الآن إذا أعطيتها المبلغ يربطه بحبل، ويكتب عليه اسمك، ويودعه في خزينته، فإذا جئت سلمت نفس المبلغ؟ وإلا يتصرف فيه، ويدخله مع أمواله، ويبيع ويشتري، وإذا جئت أعطاك غيره؟ هذا اقتراض، ما هو بأمانة، ولذا لو تلف يضمن، بخلاف الصورة الأولى، لو جعله أمانة، بمعنى أنه كتب عليه اسمك، وقال: هذا المبلغ لفلان، ومتى ما جاء يسلم، وبالفعل لما جئت وجدته ما حرك هذه أمانة، بمعنى أنه لو تلف لا يضمن البنك، ولا يضمن المؤتمَن.(51/9)
أقول: الاقتراض لا شك أن الورع عدمه، ولو غلب على الظن رده في وقته، ولو غلب على الظن أن صاحبه لا يحتاجه قبل وقت الرد؛ لأنه عرضة لئن يطلب في وقته فلا يتيسر، بعض الناس يأخذ أموال من طلاب العلم، أموال من التجار، ويقولون لهم: هذه زكوات أو صدقات، ووزعوها على نظركم، ثم يدخلها في حسابه ويتصرف كيفما شاء، يشتري لنفسه ولأهله ولبيته ما يريد، يشتري سيارة، يجدد أثاث، يسوي يفعل يترك من هذه الأموال، وهو ماشي في توزيع الصدقات؛ لأن بين أول واحد وآخر واحد مدة قد تكون طويلة إذا كان المبلغ كبير، فبعضهم يتسامح في مثل هذا إذا غلب على الظن الرد في وقت الحاجة، ولا شك أن الأحوط والورع عدم التعرض لمثل هذه الأشياء؛ لئلا يحصل ما لم يخطر على البال، أحياناً أنت تقدر أنك في آخر الشهر، أو في نهاية المدة عند الحاجة إلى هذا المبلغ تقدر أنه سهل الرد، لكن وما يدريك عن المستقبل، يمكن ما تستطيع، وكم من شخص تعرض لإحراجات، بل تعرض لاتهامات، وأنزل نفسه مواضع التهم لهذا السبب، اقترض هذا المال وتصرف فيه، ثم عند وقت الحاجة ما استطاع الرد.
طالب:. . . . . . . . .
هو ضامن على كل حال.
طالب: يضمن في نفس الوقت.
هو إذا كان .. ، ما في شك، إذا كان .. ، إلى وقت الحاجة، أنت الآن تصور أعظم من ذلك البيان والتبليغ عن الله -جل وعلا- من قبل الرسل في الدين، يعني قبل وقت الحاجة يلزم البيان؟ ما يلزم، لكن في وقت الحاجة ما يجوز تأخيره.(51/10)
هنا المسألة في أموال الناس المبنية على المشاحة، وهي من هذه الحيثية ينبغي أن يحتاط لها، منهم من يتسمح، يقول: ما دام أعطاك المال، وقال: أنا والله مسافر لإجازة ثلاثة أشهر، وإذا رجعت أريده، أنت تتصرف، ما أذن لك بالتصرف، ولا استأذنته، ويغلب على ظنك أنك لو استأذنت بيأذن لك، بعضهم يقول: إذا كان الأمر كذلك فلا مانع من أن تتصرف على أن تجزم بأنك عند مجيئه توفرها له، لكن أنت لك ديون في ذمم الناس، تقول: أنا وعدني فلان، لي عليه دين أن يسلمه بعد شهر، ما هو بثلاثة أشهر، لكن تبين أن هذا الشخص مماطل، صرفت هذه الأموال على هذا الأساس، فتبين أنه مماطل، جاء صاحب المال، تقول: والله أنا متحري مال يبي يجي، أقول: يحصل في الواقع شيء ما حسب له حساب، فيتحاشاه الإنسان بقدر الإمكان إن اضطر إليه، ففي القول الثاني سعة، لكن بحيث لا يعرض أموال الناس للضياع.
طالب:. . . . . . . . .
بس لا بد أن يستأذن، إذا أذن له لا بأس، إذا قال: أنا أتصرف.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو إذا استأذن وقال: أتصرف بها، وإذا جاء وقت الحاجة أنا ضامن، بحيث متى ما طلبت إذا أذنوا له الأمر سهل يعني واضح هذا.
طالب: لو ما استأذن؟
لو ما استأذن أقول: إذا احتيج إليها، يعني احتاجها الإنسان ويغلب على ظنه أنه يجدها في وقت الطلب، فالقول الثاني فيه سعة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن هي تأخذ لأناس معينين، هي نائبة عن الأغنياء أو عن الفقراء؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا الكلام في هذه الصورة إذا ذهبت الجمعية إلى الأغنياء وطلبت باسم الفقراء، نائبة عن الفقراء، لكن إذا كان الغني ابتداءً جاء إلى هذه الجمعية، وقال: وزعوا عني هذه الأموال صارت نائبة عن الغني.
طالب:. . . . . . . . .
لا، الصورة منفكة.
طالب: لكن أقصد الجمعيات هي مسجل عندها الفقير، وتعطي في الغالب من يسجل عندها، فهي نائبة عنه في الاستلام والتسليم، والبعض إما أن تذهب إلى الغني ....(51/11)
أنا أقول: في حالة ذهابهم إلى الأغنياء والطلب باسم الفقراء هي نائبة عن الفقراء، إذا جاء الغني إلى الجمعية ودفع لها المال لتوزعه على الفقراء هي نائبة عن الغني، والفرق بين الصورتين أنها إذا كانت نائبة عن الفقراء جاز لها أن تتصرف، الأمر الثاني يجوز لها إيش؟ أنها توزعه على طول السنة، الفقير ما يحتاج إلى مبلغ كبير يسلم إليه؛ لأن من طبيعة الفقير أنه لا يحسن التصرف، يعطى حاجة سنة، فيصرفها في أسبوع، هذا واضح عندهم، عند كثير منهم مطرد، لكن إذا قلنا: هي نائبة عن الأغنياء، والأغنياء لا يجوز لهم التأخير إذاً الجمعية لا يجوز لها التأخير، تصرفها في الحال، فرقنا بينما إذا جاء الغني إلى الجمعية وقال: ادفعوها إلى الفقراء، الآن نائبة عن الغني، إذا ذهبت الجمعية إلى الأغنياء وطلبت منهم باسم الفقراء، هي في هذه الصورة نائبة عن الفقراء، والفرق بين التصرفين واضح.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هي لا بد أن تفرق، بحيث إذا كانت نائبة عن الأغنياء تشوف الحاجات العاجلة، تنظر في الحاجات العاجلة، ولتصرف هذه الأموال التي نابت فيها عن الأغنياء للشهر الأول للفقراء، يترك ما بعده من الأشهر إذا طلبت الجمعية من الأغنياء، فيما إذا كانت نائبة عن الفقراء.
طالب:. . . . . . . . .
لا بد من التفريق؛ لأن الغني لا يجوز له التأخير فنائبه في حكمه، لا يجوز له التأخير.
طالب:. . . . . . . . .
بالنسبة ... ، يسأل عنها كثيراً العامل على الصدقة، وهذه يفعلها ويتصرف فيها كثير من الشباب، يجمع باسم الفقراء، ويأخذ نسبة عشرة خمسة بالمائة باسم عامل على الصدقة، العامل لا يكون عاملاً إلا إذا ولاه الإمام، أما أن يترك الناس يتصرفون يجمعون بأسماء الفقراء، ثم يتبين أنهم بعد سنة وسنتين أغنياء من خلال هذا الجمع على حساب الفقراء، ما هو بصحيح، هذه لا بد لها من حل، لا يستطيع أحد أن يتصرف، يقول: ما من مسجد يجمع مجموعة من صغار السن عند أبواب المسجد، ثم بعد ذلك يوزع عليه من هذه الزكوات أبداً، هو ما يملك، فالعامل إذا ولاه الإمام وفرض له نسبة نعم، منصوص عليه، من المصارف، ولو تركت لتصرفات الناس واجتهاداتهم ضاعت، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(51/12)
بلا شك، يعني لأنك أنت لا يجوز لك التأخير فنائبك مثلك.
طالب:. . . . . . . . .
سهل، النفل ما له حد محدد، النفل ما له حد، لكن الزكاة الواجبة إذا حال عليها الحول لا يجوز تأخيرها، يتسامح أهل العلم باليوم واليومين والثلاثة، لكن إذا تصرفت الجمعية على مقتضى برنامجها المعد عندها على مدى سنة تنفق على هؤلاء الفقراء، معناه أن الزكاة بتتأخر سنة، هذا الكلام كله على الكلام على الزكاة التي لا يجوز تأخيرها، أما الصدقات فأمرها واسع، يعني ليس لها وقت محدد.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو معروف. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
نعم، إيه.
طالب:. . . . . . . . .
وإلا له طرق، أكثر من طريق، إيه ثابت، معروف عنه، وتصرف عائشة ما فيه إشكال، تصرف عائشة مثل الشمس.
طالب:. . . . . . . . .
النقص الحسي لا ينكره عاقل، يعني ألف ريال راح منه خمسة وعشرين، صار تسعمائة وخمسة وسبعين، هذا ما ينكره أحد، السنة الثانية مثل، الثالثة مثل، هذا واضح، لكن كونها بركة وينمو وطهرة للمزكي وللمال، وحفظاً له من أن يسرق، هذا أمور معنوية وثابتة شرعاً من اسم الزكاة، لكنه أمر معنوي، أما الأمر الحسي لا ينكره أحد.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا أبوه، في بني آدم من فقد أباه، في غير الحيوانات من فقد الأم، من الذي أنابه؟ أنابه ولي الأمر، لا، مثل هذا.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما هي بمسألة أناب، الآن أئمة مساجد يكلفون شباب عند أبواب المسجد يجمعون ويعطونه.
طالب:. . . . . . . . .
يعني مرخص لها، هذا إذا حددت النسبة من قبل ولي الأمر، يعني صار فيه نوع من التحديد، أما أن يترك لهم أناس يعطون عشرة بالمائة، وناس خمسة بالمائة، وواحد بدون، ناس بدون قيد ولا شرط، ما يصلح هذا أبداً، هذا ضياع هذا.
طالب:. . . . . . . . .
إيه حددت لها موظفين، لكن ما نسبة ما يؤخذ؟ هل يمكن أن يأخذ العامة خمسين بالمائة من الزكاة؟
طالب:. . . . . . . . .
ما خول بنسبة معينة، لا، ما ترك له مثل هذا أبداً، هذا غلط، لا بد من ضبطه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هذا لا بد من ضبطه.
سم.
أحسن الله إليك.(51/13)
باب زكاة الميراث:
حدثني يحيى عن مالك أنه قال: إن الرجل إذا هلك ولم يؤدِ زكاة ماله إني أرى أن يؤخذ ذلك من ثلث ماله، ولا يجاوز بها الثلث، وتبدّى على الوصايا، وأراها بمنزلة الدين عليه، فلذلك رأيت أن تبدى على الوصايا قال: وذلك إذا أوصى بها الميت، قال: فإن لم يوصِ بذلك الميت ففعل ذلك أهله فذلك حسن، وإن لم يفعل ذلك أهله لم يلزمهم ذلك.
قال: والسنة عندنا التي لا اختلاف فيها أنه لا يجب على وارث زكاة في مال ورثه في دين، ولا عرض، ولا دار، ولا عبد، ولا وليدة حتى يحول على ثمن ما باع من ذلك، أو اقتضى الحول من يوم باعه وقبضه.
وقال مالك -رحمه الله-: السنة عندنا أنه لا تجب على وارث في مال ورثه الزكاة حتى يحول عليه الحول.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب زكاة الميراث:(51/14)
"حدثني يحيى عن مالك أنه قال: إن الرجل إذا هلك" وهلك في الأصل تعني مات من غير زيادة {حَتَّى إِذَا هَلَكَ} [(34) سورة غافر] هذا قيل بإزاء نبي، نعم، لكن العرف، العرف عند أهل العلم لا يطلقون هلك في غير المواريث، يعني في مسائل الميراث كلها هلك هالك، لكن في غير المواريث إذا ترجموا لأحد أو أعلنوا خبر إنما يقولون: هلك في حق من لا ترضى سيرته، هذا عُرف، وإن كان أصل الكلمة بإزاء من مات من غير زيادة "إذا هلك ولم يؤدِ زكاة ماله، إني أرى أن يؤخذ ذلك من ثلث ماله، ولا يجاوز بها الثلث" والسبب في ذلك يقولون: لأنه متهم أن يقر على نفسه بالزكاة؛ ليحرم وارثه، فلا يشاء أحد أن يمنع وارثه إلا منعه، لكن متى يتهم؟ يتهم إذا ادعى زكاة تجحف بماله، إذا قال صاحب المال: أنا والله من عشرين سنة ما زكيت، تحسب هذه السنين، فلا يبقى للوارث شيء يذكر، أما زكاة سنة واحدة، يعني زكاته تجب أو تحل في رجب، ثم توفي في رمضان مثلاً، وعند وفاته قال: ترى يا أولادي أنا ما طلعت الزكاة، والزكاة اثنين ونصف بالمائة، لا شك أنها دين في ذمته، ودين الله أحق بالوفاء، فتخرج من رأس المال، لكن لو قال: إنها من عشرين سنة ما زكيت، والآن أنا تائب، هنا يتهم أنه يريد حرمان الورثة، وإلا ويش اللي ترك المدة متطاولة وهو ما زكى؟ فإذا قبضه الوارث قبل أن تخلى الزكاة ما عليه شيء، حتى يستقبل به حولاً جديداً.
وفرق بين أن يقر بنسبة لا تؤثر بالمال، زكاة سنة واحدة، هذا يقبل إقراره، وتخرج من أصل المال، لكن إن أقر بشيء يجحف في المال، ويضر بالورثة، من زكاة سنين متتابعة هنا يقال: لا يلزم؛ لأنه حينئذٍ يتهم.
مالك يرى أنه مطلقاً الزكاة تؤخذ من الثلث كالوصية.(51/15)
يقول: "تبدّى على الوصايا" يعني تقدم على الوصايا "وأراها بمنزلة الدين عليه" لكن الدين من رأس المال، لماذا فرق بين الدين؟ على رأي مالك حتى عند مالك الدين من رأس المال وليس من الثلث؛ لأن للدين من يثبته، البينات، أما الزكاة فهي بمجرد إقرار الميت، بمجرد إقراره، ففرق بينهما من هذه الحيثية، ما دام الدين له من يثبته بالبينات، فإذا ثبت فهو من أصل، لا يتصور فيه حرمان وارث، افترض أن الميت أقر على نفسه بأنه مدين لفلان، وفلان ما عنده بينات، يكون حينئذٍ بمنزلة الإرث الذي ذكره مالك، يكون من الثلث فقط، بمنزلة الزكاة التي أشار إليها.
يقول: "وأراها بمنزلة الدين عليه" هي دين، ولذا في الحقوق المتعلقة بالتركة خمسة: مؤونة التجهيز، وهذا لا يقدم عليها شيء؛ لأنه يترتب عليها دفن الميت، الثاني: الديون المتعلقة بعين التركة كالديون التي فيها رهن، هذه مقدمة، الثالثة: الديون المطلقة، والخلاف بين أهل العلم في تقديم ديون الله لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((دين الله أحق)) أو تقديم ديون الآدميين باعتبار أن حقوقهم مبنية على المشاحة، هذه المسألة معروفة الخلاف فيها بين أهل العلم، الرابع: الوصايا، والخامس: الإرث.
فالزكاة إذا أقر بها، وأنه لم يزكِ زكاة سنة واحدة، وهذه النسبة لا يمكن أن يتصور أنه يريد أن يضر الورثة بهذه النسبة، ولن يتضرر الورثة بمثل هذا، فيخرج من أصل المال، إذا أقر بزكاة تضر بالورثة سنين متطاولة متتابعة، تأتي على المال أو على أكثره، فحينئذٍ لا يعتبر إقراره، لا سيما إذا كان إقراره في مرض الموت.
قال مالك: "وذلك إذا أوصى بها الميت، فإن لم يوص بذلك الميت ففعل ذلك أهله فذلك حسن" يعني تبرعوا من أنفسهم إبراء لذمة أبيهم هذا حسن "وإن لم يفعل ذلك أهله لم يلزمهم ذلك" انتقل المال إلى الورثة، لهم الغنم وعليه الغرم، يعني لو الإنسان مخلط في كسب الأموال، يجمع الأموال بكل شراهة، من حل ومن غير حل، من حلال ومن حرام، ثم انتقل إلى الورثة حلال بالنسبة للوارث، لكن الحساب على من جمعه.
طالب:. . . . . . . . .(51/16)
نعم التسديد عنه، ومحاولة إبراء ذمته بقدر الإمكان، وتعديل وصيته، كل هذا من باب البر به، لكن ما يلزم، ليس بلازم، فينتبه الإنسان لنفسه، لا يصير تحت راحة ولد، ولا زوجة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما حال عليه الحول.
قال -رحمه الله-: "والسنة عندنا التي لا اختلاف فيها" يعني في بلدهم بالمدينة "أنه لا يجب على وارث زكاة" زكاة المال عند صاحبه الأصلي في رمضان، توفي في شعبان، ما يلزمه زكاة؛ لأنه ما حال عليه الحول، استلمها الوارث بعد وفاة مورثه، هل نقول للوارث: زكِ في رمضان؟ لا، لا، يستقبل بها حولاً جديداً؛ لأنه مال مكتسب جديد، يحتاج إلى حول جديد.
"أنه لا يجب على وارث زكاة في مال ورثه في دين ولا عرض ولا دار" كل مال ورثه لا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول "ولا عبد، ولا وليدة" أمة "حتى يحول على ثمن ما باع من ذلك أو اقتضى -قبض- الحول" يعني سواءً كان باع بعض ما ورثه أو بقي عيناً ورثها، فإذا حال عليها الحول يزكيها، سواءً كانت دار وإلا عبد وإلا أمة، وإلا أي عرض من عروض التجارة إذا حال عليها الحول فإنه يزكيها.
قال مالك: "السنة عندنا أنه لا تجب على وارث في مال ورثه الزكاة حتى يحول عليه الحول" لأنه مال حادث، يستقبل به الحول من يوم الملك والقبض، وهذا محل إجماع، نعم.
باب الزكاة في الدين:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- كان يقول: "هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤدِ دينه حتى تحصل أموالكم فتؤدون منه الزكاة".
وحدثني عن مالك عن أيوب بن أبي تميمة السختياني أن عمر بن عبد العزيز كتب في مال قبضه بعض الولاة ظلماً يأمر برده إلى أهله، ويؤخذ زكاته لما مضى من السنين، ثم عقب بعد ذلك بكتاب أن لا يؤخذ منه إلا زكاة واحدة فإنه كان ضماراً".
وحدثني عن مالك عن يزيد بن خصيفة أنه سأل سليمان بن يسار عن رجل له مال وعليه دين مثله أعليه زكاة؟ فقال: لا.(51/17)
قال مالك -رحمه الله-: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا في الدين أن صاحبه لا يزكيه حتى يقبضه، وإن أقام عند الذي هو عليه سنين ذوات عدد، ثم قبضه صاحبه لم تجب عليه إلا زكاة واحدة، فإن قبض منه شيئاً لا تجب فيه الزكاة، فإنه إن كان له مال سوى الذي قبض تجب فيه الزكاة فإنه يزكى مع ما قبض من دينه ذلك.
قال: وإن لم يكن له ناض ...
ناض.
أحسن الله إليك.
قال: وإن لم يكن له ناض غير الذي اقتضى من دينه، وكان الذي اقتضى من دينه لا تجب فيه الزكاة فلا زكاة عليه فيه، ولكن ليحفظ عدد ما اقتضى، فإن اقتضى بعد ذلك عدد ما تتم به الزكاة مع ما قبض قبل ذلك فعليه فيه الزكاة.
قال: فإن كان قد استهلك ما اقتضى أولاً، أو لم يستهلكه، قال: فالزكاة واجبة عليه مع ما اقتضى من دينه، فإذا بلغ ما اقتضى عشرين ديناراً عيناً، أو مائتي درهم فعليه فيه الزكاة، ثم ما اقتضى بعد ذلك من قليل أو كثير فعليه الزكاة بحساب ذلك.
قال مالك -رحمه الله-: والدليل على الدين يغيب أعواماً ثم يقتضى فلا يكون فيه إلا زكاة واحدة أن العروض تكون للتجارة عند الرجل أعواماً، ثم يبيعها فليس عليه في أثمانها إلا زكاة واحدة، وذلك أنه ليس على صاحب الدين أو العروض أن يخرج زكاة ذلك الدين، أو العروض من مال سواه، وإنما يخرج زكاة كل شيء منه، ولا يخرج الزكاة من شيء عن شيء غيره.
قال مالك -رحمه الله-: الأمر عندنا في الرجل يكون عليه دين، وعنده من العروض ما فيه وفاء لما عليه من الدين، ويكون عنده من الناض سوى ذلك ما تجب فيه الزكاة فإنه يزكي ما بيده من ناض تجب فيه الزكاة، وإن لم يكن عنده من العروض والنقد إلا وفاء دينه، فلا زكاة عليه حتى يكون عنده من الناض فضل عن دينه ما تجب فيه الزكاة فعليه أن يزكيه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب الزكاة في الدين:
والدين لا يخلو إما أن يكون للإنسان على غيره، أو عليه لغيره.(51/18)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد الكندي" صحابي "أن عثمان بن عفان" في رواية البيهقي يقول: سمعت عثمان خطيباً "يقول: "هذا شهر زكاتكم" بعض الشراح يقول: إن الإشارة هذه إلى رجب، وأنهم كانوا يزكون في رجب، ولا دليل عليه؛ لأن الأصل أن زكاة كل صاحب مال بحسب حلول الحول عليه، بغض النظر عن غيره، ولذا لا يكون للزكاة شهر واحد، هذا الأصل، هذا يحول على أمواله الحول في محرم، وهذا في صفر، وهذا في رجب، وهذا في القعدة وهكذا كلٌ شهر زكاته إذا حال على ماله الحول، لكن عموم المسلمين يعني من القدم وهم يتوخون الأوقات التي يكون فيها مضاعفة، تكون فاضلة، فيحرصون على أن تكون الزكاة فيه، وهذا تتابع الناس على أن تكون زكواتهم في رمضان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يتوخون أن تكون الزكاة في رمضان، أنت زكاتك في رجب، تقول: أنا با أزكي في رمضان، نقول: لا، لا يجوز، زكاتك في القعدة تبي تزكي في رمضان نقول: نعم، طيب أريد أن أزكي في رمضان، نقول: قدم، قدم في رمضان الذي قبله، ولو لم يحل عليه الحول؛ لأن تعجيل الزكاة جائز خلاف التأجيل.
"هذا شهر زكاتكم" ...
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما دام زكيت في رمضان زكِ في رمضان، خلاص يستقر شهرك في رمضان.
طالب:. . . . . . . . .
الزيادة من رمضان صارت، من رمضان ما هي من رجب.
"فمن كان عليه دين فليؤد دينه حتى تحصل أموالكم فتؤدون منه الزكاة".
الآن الدين هل يمنع الزكاة أو لا يمنع الزكاة؟
في كلام الإمام مالك ما يشير إلى أنها، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(51/19)
يمنع الزكاة، والحنابلة معروف رأيهم، ولا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب، لكن هل عهد من النبي -عليه الصلاة والسلام- أو من خلفائه إذا بعث السعاة أن يسألوا أرباب الأموال هل عليهم دين أو لا دين عليهم؟ لم يعهد هذا ولم يحفظ، فدل على أن الزكاة لا سيما في الأموال الظاهرة التي تتعلق بها نفوس الفقراء، ويشرئبون إليها لا تمنع الزكاة، تريد أن لا تزكي سدد الدين، أما أن تحبس أموال الناس، وتحبس زكاة مالك أيضاً ما يصح هذا، هذه وجهة نظر من يقول: إن الدين لا يمنع الزكاة، إذا أردت أن لا تزكي على أن لا يكون ذلك فراراً من الزكاة سدد الأموال اللي بذمتك، احرص على براءة ذمتك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هذه ما صارت زكاة، هذا تشديد هذا، لا ما هو بزكاة هذا، لا ما يصح.
طالب: لا هو اللي أقترح -أحسن الله إليك- السؤال عنه أنه يقول: أنا أطلب إنسان خمسين ألف، وأنا عندي زكاة، أبا أطرحها منها، هذا طبعاً اللي يصير تسديد ....
الزكاة تمليك، إذا كانت لفقير لا بد من تمليكه.
طالب: ولا يشترط. . . . . . . . .
لا، الزكاة لا بد فيها من التمليك.
"فمن كان عليه دين فليؤد دينه حتى تحصل أموالكم فتؤدون منه الزكاة" يعني إذا كان عليك دين سدده؛ لتكون حراً في بقية مالك، فإن كان يبلغ النصاب زكيت، وإن كان لا يبلغ النصاب ما زكيت.(51/20)
يقول: "وحدثني عن مالك عن أيوب بن أبي تميمة -كيسان- السختياني أن عمر بن عبد العزيز" الخليفة الراشد "كتب في مال قبضه بعض الولاة ظلماً يأمر برده إلى أهله" لأن عمر بن عبد العزيز لما تولى -رحمة الله عليه- صحح كثير من الأوضاع، وأعاد كثير من الأموال إلى بيت المال، حتى ما كان بيد أولاد الخلفاء السابقين وزوجاتهم وأقاربهم ومعارفهم، كلها أدخلها في بيت المال؛ لأنها قبضت بغير حقها، يعني من الطرائف عبد الملك أقطع شخصاً أرضاً، فجاء عمر بن عبد العزيز فأخذها منه فأدخلها في بيت المال، ثم جاء الذي بعده سليمان، فجاء صاحب الأرض يشتكي عند سليمان، قال: إن أباك أقطعني أرضاً فجاء عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- فأخذها، وأدخلها في بيت المال، قال: الذي أعطاك الأرض ما تقول -رحمه الله-، والذي أخذها منك تقول: -رحمه الله-؟ قال: ويش أسوي كل الناس يقولون هذا، يعني الذي يأخذ الأرض تقول -رحمه الله-، واللي أعطاك ما تقول -رحمه الله-؟
على كل حال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- أخذ الأموال التي أخذت من غير وجهها، ورد المظالم، وكتب إلى ولاته بأن يتتبعوا مثل هذه الأمور.
"كتب في مال قبضه بعض الولاة ظلماً فأمر برده إلى أهله" وجوباً، لا بد أن يرد "ويؤخذ زكاته لما مضى من السنين" قبض المال ظلماً عشر سنين تؤخذ منه الزكاة عشر سنين؛ لأنه لو بقي في يد صاحبه زكاه عشر سنين، وبهذا قال بعض العلماء، لكنه عقب بعد ذلك بكتاب آخر: أن لا يؤخذ إلا زكاة واحدة، سنة واحدة، هو ممنوع من التصرف فيه، والأصل في الزكاة أنها في الأموال النامية، وما دام ممنوع من التصرف فيه، ما ضيع ماله، ولا ضيع نفسه ولا فرط، إنما منع من التصرف في هذا المال فلا يوجب عليه أكثر من زكاة سنة واحدة.
"ثم عقب بعد ذلك بكتاب أن لا يؤخذ منه إلا زكاة واحدة لماضي السنين" وقال به جمع من أهل العلم، ولعل هذا هو الأولى والأرفق به؛ لأنه لا يجمع عليه بين ظلم وزكاة، وقال بعض أهل العلم: أنه يستقبل به حولاً جديداً من قبضه، ما يزكيه حالاً، إذا قبضه يستأنف به حول جديد، ثم يزكيه بعد ذلك، وهذا له وجه، القول الأخير له وجه؛ لأنه ممنوع من التصرف فيه، كيف يزكي وهو ممنوع؟(51/21)
والقول الثاني: يشبه بالدين على المعسر والمفلس الذي لا يرجى، فإذا قبض يزكى، ولا شك أن تزكيته في وقته هذا من شكر النعمة على رده فله وجه.
طالب:. . . . . . . . .
زكاة سنة ما تضرهم، يعني إذا قبض، ومحجوز عشر سنين ويزكي سنة لا شك أن هذا ما يضرهم، لكن لو استقبل به حولاً جديد، القول الثالث له وجه، له وجه وجيه.
"فإنه كان ضماراً" يعني غائباً عن ربه لا يستطيع التصرف فيه بحيث لا ينمو، فإنه كان ضماراً يعني هذا العلة.
يقول: "وحدثني عن مالك عن يزيد بن خصيفة الكندي أنه سأل سليمان بن يسار" سليمان بن يسار هذا أحد الفقهاء السبعة:
فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سليمان. . . . . . . . .
إيش؟ أبو بكر سليمان، لا.
فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد أبو بكر سليمان خارجه
سبعة "أنه سأل سليمان بن يسار عن رجل له مال وعليه دين مثله أعليه زكاة؟ فقال: لا" وهذا يؤيد ويدعم قول مالك وقول الحنابلة أنه لا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب، فقال: لا، أي لا زكاة عليه، وهذا قول جمع غفير من أهل العلم، وهناك قول للشافعي -رحمه الله- أن الدين لا يمنع الزكاة، وكأنه من حيث الاستدلال أظهر.
هذا يقول: ذكرت أن أهل العلم يذكرون قول: هلك هالك في باب المواريث، وقد أشكل علي كيف يهلك الهالك، أرجو الإيضاح؟
يموت الميت، هلك هالك، يعني مات ميت، ميت بغض النظر عن كونه رجل، ما يقولون: مات رجل؛ لأن الموت ليس خاص بالرجال، ما يقولون: مات رجل، هلك هالك، يعني مات ميت.
قال مالك: "الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا في الدين أن صاحبه لا يزكيه حتى يقبضه" هذا الدين له أو عليه؟ له، الدين له، الصورة الثانية، الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا في الدين أن صاحبه لا يزكيه حتى يقبضه؛ لأنه لا يقدر على تنميته.(51/22)
"وإن أقام عند الذي هو عليه الدين سنين ذوات عدد، ثم قبضه صاحبه لم تجب عليه إلا زكاة واحدة" والعلماء يفرقون بين الدين إذا كان على ملي بحيث متى طلبه صاحبه يدفع إليه هذا كأنه عنده، يزكيه عدد السنين، كلما حال عليه الحول يزكيه، أما إذا كان عند معسر مفلس، إذا طلبه صاحبه لا يؤدى إليه مثل هذا يزكى عند أهل العلم سنة واحدة، وفي كلام مالك ما في تفريق بين الدين على المليء وعلى المفلس.
"فإن قبض منه شيئاً لا تجب فيه الزكاة، لنقصه عن النصاب، فإنه إن كان له مال سوى الذي قبض تجب فيه الزكاة" يعني قبض دون النصاب هذا لا تجب فيه الزكاة، لكن إذا كان عنده مال يكمل به هذا المال الذي قبضه حتى يبلغ النصاب فإنه تجب فيه الزكاة "فإنه يزكي مع ما قبض من دينه ذلك لتمامه النصاب".
شخص اقترض مبلغ وهو ملي، اقترض زيد من عمرو مليون ريال، حال عليه الحول وهو بيد زيد، ما تصرف فيه، موجود، وهو بالمقابل مدين للمقرض بنفس المبلغ، فإذا قلنا: إن الدين لا يمنع الزكاة، وهذا زيد ملي، فعلى الوجهين الزكاة على من؟ نعم؟ عليهما، المقترض لا يريد أن يدفع الزكاة يسلمها لصاحبه، لكن عنده مال ولم يثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول للسعاة: اسألوه هو عليه دين وإلا ما عليه؟ إذاً يزكي، وذاك دينه في ذمة ملي يزكي، هذا ظاهر قول من يقول بوجوب الزكاة على من عليه الدين، أما على القول الثاني، وهو أنه لا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب مثل هذا ظاهر أنه لا يزكيه إلا صاحبه بخلاف المدين.
طالب: لكن يا شيخ هل ورد أن المال يقع عليه زكاتين ....
إحنا ما نخاطب المال، إحنا نخاطب المكلفين، أنت غض النظر عن المال، أنت الآن تتعامل مع مكلف، مخاطب بركن من أركان الإسلام، أما صاحب الدين فلا إشكال بكونه عليه زكاة؛ لأن الزكاة بذمة ملي، متى ما بغاه أخذه، وإلا لتحايل على إسقاط الزكاة كل الناس، يعطيه واحد ملي، يقول: خذه وتصرف به وقرض وما أدري إيش؟ وإلى أن يروح وقت الزكاة.
طالب:. . . . . . . . .(51/23)
لا هو يسترجع منه بقدر حاجته، نعم يقرضك مثلاً مائة ألف وأنت ملي، وكل شهر يأخذ منك عشرة، أو خمسة، على شان أنت تأخذ منه مصروف، ثم تتحايل على إسقاط الزكاة، هذه الصورة واضحة، لكن المدين؟
المدين أهل العلم بعضهم يفرق بين الأموال الظاهرة والباطنة، يقول: المال الباطن هذا ما هو له في الحقيقة، هو للدائن، والسعاة إنما هم للأموال الظاهرة، للمواشي والزروع، مثل أصحاب المواشي، وأرباب الزروع، ما يسألون؛ لأن أنظار الفقراء اتجهت إلى هذه الأموال، فلهم نصيب منها، سواءً كانت مواشي أو زروع، مثل هؤلاء ولو كانوا مديونين يزكون، لكن الأموال الخفية التي لا تشرأب إليها أنفس الفقراء هذه تمنع الزكاة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا ماطل ما صار ملي، أقول: إذا ماطل لم يكن ملياً، صار معسراً حكماً، نعم، فالمليء الذي متى ما طلب منه المال يدفع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، المؤجل غير مستحق، فلا يؤمر صاحبه بدفع زكاته، فهو غير مستحق، كأنه ليس له، لا يطالب به إلا إذا قبضه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
المال إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لكنها تجب على مكلفين.
طالب: أن الزكاة تتعلق بالمال ... وتجب في مال المجنون، فقلنا هذا المال واحد، والزكاة تتعلق بالمال. . . . . . . . .
ولها تعلق بالذمة، هذا القول المرجح.
طالب:. . . . . . . . .
من؟
طالب:. . . . . . . . .
انتهينا من المليء، وتعلقت بالمال.
طالب:. . . . . . . . .
أنت تبي كل صورة من صور الزكاة تتعلق بالذمة وإلا بالمال؟ لا، هم إذا قالوا: تتعلق بالمال، نعم علاقتها الأصلية بالمال، ولها ارتباط بالذمة انتهى الإشكال، الذمة الصالحة للتعلق تتعلق بها، والتي غير صالحة ترجع إلى المال، إلى الأصل، أنت حاضر الدرس السابق؟
طالب:. . . . . . . . .(51/24)
أقول: الذمة الصالحة للخطاب تتعلق بها، وغير الصالحة للخطاب تتعلق بالمال، من باب ربط الأسباب، كما لو الصبي كسر لك حاجة، جيت وإلا هو كاسر زجاج السيارة، يضمن وإلا ما يضمن؟ ما عليه شيء؛ لأن هذا من باب ربط الأسباب بالمسببات، هو غني، سواءً كان كبير وإلا صغير، غني وإلا فقير؟ تؤخذ من أغنيائهم، سواء كان صغير وإلا مجنون وإلا غيره.
طالب:. . . . . . . . .
عليهما تنصرف لهما، هذا القول المحرر.
طالب:. . . . . . . . .
له مال، له مال تتجه إليه الزكاة، المدين له ذمة تتجه إليه الزكاة، لكن أنت تصور استدين لمجنون، أخذت أموال لمجنون وحال عليها الحول، هذا المثال الذي يمكن تخرق به القاعدة، أنت معي وإلا لا؟ هذا الذي يمكن تخرق به القاعدة، أما صبي غير مدين وله أموال المسألة اتجهت إلى المال، ما هي بثلاثة أقوال؟ في متعلق الزكاة ثلاثة أقوال؟ إما إلى المال بغض النظر عن الذمة، أو إلى الذمة بغض النظر عن المال، أو على الاثنين معاً، فإذا أفلت التكليف من هذا لحق هذا نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
يعني يعفيه مما كلف به شرعاً.
طالب:. . . . . . . . .
الآن أنت بإزاء اثنين من المكلفين، يعني على قول مالك وقول الحنابلة، ومعروف عند جمع من أهل العلم، حتى قال بعضهم: هو رأي الجمهور، أن الزكاة لا تتعلق بمن عليه دين، من عليه دين ينقص النصاب لا زكاة عليه، هؤلاء ما عندهم إشكال من الأصل، لكن إذا قلنا: السعاة ما في واحد قيل له: اسأل هل عليه دين أو ما عليه دين؟ مجرد ما تصل إلى فلان عنده مال اسحب زكاته، والغالب أن أهل الزروع والثمار ما يسلمون من دين، لا في القديم ولا في الحديث، لكن ما يسألون، ما يقال: والله أنت آخذ قرض من البنك الزراعي، وإلا ما أخذت، بعضهم عنده من القروض أضعاف أضعاف ما عندهم من الزروع، ومع ذلك تؤخذ منه الزكاة، لكن من يفرق بين الأموال الباطنة والظاهرة بعدين هذا وجه.(51/25)
على كل حال القول المشتبه أن الدين لا يمنع من الزكاة، فإذا قلنا: بأن الدين ما يمنع من الزكاة، بغض النظر عن المال، إحنا عندنا أشخاص مكلفون، هذا عنده مال، عنده مائة ألف في البنك رصيد، هات ألفين ونصف، الثاني له دين عند مليء مائة ألف هات ألفين ونصف.
قال: "وإن لم يكن له ناض" الضاد المشددة مثل عاض، والناض: هو المال الصامت، قال: فلان ليس له ناض ولا عاض، ما عليه أموال صامتة ولا بهائم ولا شيء، ولا رقيق، الناض هي الدراهم الصامتة، والناض من المتاع ما تحول ورقاً أو عيناً، قال الأصمعي: اسم الدراهم والدنانير عند أهل الحجاز الناض، وإنما يسمونه ناض يعني إذا تحول عيناً بعد أن كان متاعاً، على كل حال المراد به الدراهم.
قال: "وإن لم يكن له ناض غير الذي اقتضى من دينه، وكان الذي اقتضى من دينه لا تجب فيه الزكاة؛ لكونه أقل من النصاب فلا زكاة عليه فيه، ولكن ليحفظ عدد ما اقتضى" هذا اقتضى مائة درهم، ما فيها زكاة؛ لأنها أقل من النصاب، لكن سجل هذه المائة "فإن اقتضى بعد ذلك عدد ما تتم به الزكاة مع ما قبض" قبض مرة ثانية مائة أخرى، إيش؟ "فإن اقتضى بعد ذلك عدد ما تتم به الزكاة مع ما قبض قبل ذلك فعليه فيه الزكاة" لأنه مال واحد حال عليه الحول، فإذا بلغ النصاب يزكي.(51/26)
قال: "فإن كان قد استهلك ما اقتضى أولاً" المائة الأولى أكلها، صرفها "فإن كان قد استهلك ما اقتضى أولاً أو لم يستهلكه فالزكاة واجبة عليه مع ما اقتضى من دينه" قبض مائة فأكلها، قبض مائة من الدين وقلنا: إنه يزكيه إذا قبضه، قبض في نهاية الشهر مائة، وفي نهاية الشهر الثاني مائة، درهم، المائة لا تجب فيها الزكاة، يقول: "تضم المائة الثانية إلى الأولى، باعتبار أنه وجب عليه زكاة هذه المائة" باعتبار أن الدين كله أكثر من نصاب، فتضم هذه المائة إلى المائة الأولى، يقول: "فإن كان قد استهلك ما اقتضى أولاً أو لم يستهلكه" مال من دين مقبوض يزكيه إذا قبضه؛ لأن العبرة ما هي بأصل ما يحل، العبرة بأصل المال، يعني أنت لك عشرة آلاف عند شخص، أعطاك هذا الشهر مائة ريال، ما فيها زكاة، الثاني أعطاك ما يتم به النصاب، لكنه بمفرده لا يصل النصاب، إلا إذا ضم مع الأول، كأنك قبضت الجميع في هذا الشهر، هذا مقتضى قوله؛ لأنك لا تنظر إلى أنك ما عندك نصاب، أنت عندك نصاب بما .. ، نعم بما عند المدين، أنت مالك الذي في ذمة المدين زائد على النصاب، فأنت في حكم الأغنياء.
قال: "فإن كان قد استهلك ما اقتضى أولاً أو لم يستهلكه، فالزكاة واجبة عليه مع ما اقتضى من دينه، فإذا بلغ ما اقتضى عشرين ديناراً عيناً، أو مائتي درهم فعليه فيه الزكاة، ثم ما اقتضى بعد ذلك من قليل أو كثير فعليه الزكاة بحسب ذلك، فيزكي ما قبض من ذلك ولو ديناراً أو درهماً" لأنه لا ينظر إلى أنه .. ، ما هو مال جديد هذا الذي يقبض، هو مال جديد يطلب فيه النصاب؟ هو جزء من مال كبير تجب فيه الزكاة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، أما إذا كان على مفلس فهو مانع قطعاً عند عامة أهل العلم، إن كان على مفلس، فيزكيه إلا إذا قبضه، لكن إذا كان على مليء فليس بمانع أصلاً.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا لا، هو يزكيه إذا قبضه، لكن هل يزكيه لجميع ما مضى من السنين أو لسنة واحدة؟ منهم من يقول: يزكيه جميع ما مضى من السنين، نعم، ومنهم من يقول: إنه يكفيه أن يزكيه سنة واحدة؛ لأنه غير نامي في الحقيقة، لا سيما إذا كان على غير مليء.(51/27)
قال مالك: "والدليل على الدين يغيب أعواماً، ثم يقتضى فلا يكون فيه إلا زكاة واحدة أن العروض تكون عند الرجل للتجارة أعواماً، ثم يبيعها فليس عليه في أثمانها إلا زكاة واحدة" هذا بناءً على رأيه في المال، في العروض، لا، ما هو بكل العروض بعد؛ لأن العروض عنده كما سيأتي في زكاة العروض، إما أن تكون مما تدور، ويسرع بيعها، نعم، يعني تدور بأيدي التجار، فتباع وتستبدل بسرعة، وإما أن تكون مما يحبس الأموال، ولا تنصرف بسرعة، ما في بضائع تعرض سنين ما تباع؟ نعم؟ عند مالك ما تزكى إلا سنة واحدة على ما سيأتي، ومثل هذا قل في المحتكر الذي ينتظر ارتفاع الأسعار، عندك أرض اشتريتها في وقت الغلاء بمليون، احتجت وعرضتها للبيع ما جابت إلا مائة ألف، قلت: والله أنا ما أنا ببائع الحين، الخسارة ما هي بالربع أو الخمس، أو .. ، الخسارة تسعة أعشار، ما أنا ببائع، تنتظر سنة سنتين ثلاث وأنت عارضها للتجارة، للبيع، عند مالك مثل هذه الأرض متى تزكى؟ تزكى إذا بيعت لسنة واحدة، الجمهور يقولون: تزكى كل سنة، تقوم ويش قيمتها تزكى إذا حال عليها الحول.
ولذلك يقول هنا: "والدليل على الدين يغيب أعواماً ثم يقتضى فلا يكون فيه إلا زكاة واحدة أن العروض تكون عند الرجل للتجارة أعواماً" مثل الأرض الكاسدة، ثم يبيعها فليس عليه في أثمانها إلا زكاة واحدة، وذلك أنه ليس على صاحب الدين أو العروض أن يخرج زكاة ذلك الدين، أو العروض من مال سواه، هو يرى أن الدين الزكاة ما دام تعلقت بذات المال فالزكاة منه، أو من قيمته إذا بيع، والله الأرض باقية، وأخرج زكاتها من أموالي الثانية، أو أستدين من أجل أن أخرج زكاتها كما هو عند غيره؟ الإمام مالك ما يرى هذا أن الزكاة فيه، من نفس المال، أو من قيمتها إذا بيعت.
طالب: الآن صار عند بعض التجار يكون عنده مائة ألف بالبنك، وعنده مواد غذائية، فيخرج مواد غذائية بما يزكي مائة الألف. . . . . . . . . ويقول: هذه زكاة والمال الذي في البنك، أو هو معه لا يخرج منه زكاة إنما يخرج. . . . . . . . .؟(51/28)
لا، لا هو ما هو وارد في الأموال، الأموال لا بد أن تزكى أموال، الأموال لا بد ... ، الدراهم لا بد تزكى دراهم، لكن الإشكال فيما إذا كانت جميع البضاعة مواد غذائية، يعني هذا المحل فيه ألف كيس من الرز، وألف كيس من السكر، وألف كيس .. ، فيه أموال، معروض للتجارة، قوم فيه ربع العشر، الألف خمس وعشرين كيس، الألف الثاني خمسة وعشرين وهكذا، ألف كرتون فيه خمسة وعشرين كرتون، وهكذا، هل يخرج من نفسه، من عينه، أو من قيمته؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني ويش يبي يطلع دراهم وإلا بيطلع غذاء؟
طالب: على شان يهرب من إخراج الدراهم يخرج كغذاء.
لكن الغذاء ما هو بدراهم؟ إذا كان الملحوظ فيه حاجة الفقير، أنه لو يعطي دراهم ضاعت عليه، هذا فيه مثال، وعادة عاد شيء مطرد أن الفقير يسهل عليه إخراج الدراهم بخلاف الغني، فإذا ملك الأموال، تبي تعطيه نفقة سنة، تبي تعطيه مثلاً في مثل هذه السنين تعطيه مثلاً ثلاثين ألف نفقة سنة، يبي ينفقها بشهر أو أقل، ويبقى بقية السنة يعود إلى فقره، وأنت تقول: هذه الثلاثين ألف أنا با أعطيه مواد غذائية تكفيه لمدة سنة، ويش بيسوي بمواد غذائية؟ يعطى خمسة أكياس رز، وخمسة ... إلى آخره، يؤمن له غذاء سنة، فهل يجوز لك ذلك؟
أما إذا كانت أموالك نقود لا يجوز بحال، أما إذا كانت أموالك عروض مثل هذه من هذه الأغذية أموالك، هل تخرج من نفس المال أو تخرج من أقيامها؟ الجمهور عليك أن تخرج من الأقيام، إلا إذا كان إخراج العروض أنفع للفقير كما في حديث معاذ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان إخراجها أنفع للفقير فأنت تخرج عروض.
يقول: "وذلك أنه ليس على صاحب الدين أو العروض أن يخرج زكاة ذلك الدين أو العروض من مال سواه، وإنما يخرج زكاة كل شيء منه، ولا يخرج الزكاة من شيء عن شيء غيره".
قال مالك -رحمه الله-: "الأمر عندنا في الرجل يكون عليه دين، وعنده من العروض ما فيه وفاء لما عليه من الدين، ويكون عنده من الناض -الذهب والفضة- سوى ذلك قدر ما تجب فيه الزكاة، فإنه يزكي ما بيده من ناض تجب فيه الزكاة" يعني وتجعل العروض في مقابلة الدين؛ لأنها تحسم العروض، عنده عروض وعليه دين بقدر قيمة هذه العروض، شخص مدين بمائة ألف، وعنده محل بقالة فيها ما قيمته مائة ألف، وعنده في البنك رصيد مائة ألف، رأي مالك أن الدين يؤثر في الزكاة، فالمحل التجاري ما يزكى، لماذا؟ لأنه مدين في مقابله مائة ألف، يزكى ...(51/29)
شرح: الموطأ – كتاب الزكاة (4)
باب ما جاء في الكنز - باب صدقة الماشية - باب ما جاء في صدقة البقر
الشيخ: عبد الكريم الخضير
ولا تفسد، حين يمر عليها حول أو أكثر من حول وهي ما بيعت "مما يديرون من التجارات من كل أربعين ديناراً دينار" النصاب كم؟ عشرين، وهنا يقول: خذ من كل أربعين دينار دينار واحد، دينار تمييز، والثاني مفعول خذ، لماذا نص على الأربعين؟ نعم؟ هو نصاب الأربعين؟ الأربعين نصابين، لكن من أجل أن يكون المأخوذ كامل، يعني بدل من أن يقول: إذا بلغ عشرين خذ نصف دينار، قال: كل أربعين، نعم، مثلما تقول: من كل ألف خمسة وعشرين، هل يعني هذا أن الخمسمائة ما فيها شيء؟ بدل ما تقول: كل خمسمائة اثنا عشر ونصف، تقول: الألف فيه خمسة وعشرين، ولا يعني أن ما دون الأربعين ليس فيه زكاة، فما نقص فبحساب ذلك، أربعين دينار، هذا ما عنده إلا ثلاثين، يأخذ دينار وإلا نصف دينار؟ يأخذ ثلاثة أرباع الدينار، كل شيء بحسابه، حتى يبلغ عشرين ديناراً، فيأخذ نصف دينار، لكن إن نقص عن ذلك صارت تسعة عشر دينار، ليس فيه زكاة، حتى يبلغ عشرين ديناراً، فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئاً، ثلث دينار، طيب عشرين إلا ربع، يأخذ وإلا ما يأخذ؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مفهومه، يأخذ؛ لأن النقص دون الثلث لا يسمى كثير، إنما الثلث الذي يقال له: كثير، الثلث والثلث كثير.
طالب:. . . . . . . . .
والله هذا كلامه، يعني ما افترينا عليه يا أخي، هذا كلامه، والإنسان محاسب على كلامه، الأصل له منطوق وله مفهوم، مع أنه سبق لنا الكلام في قول مالك: إذا كانت ناقصة تجوز وتنفق مثل الكاملة فهي حكمها حكمها، وأما نصاب عشرين، عشرين من أي عيار؟ عيار أربعة وعشرين وإلا واحد وعشرين وإلا ثمانية عشر، وإلا اثنا عشر، كلها تسمى عشرين، لكن أربعة وعشرين هذا الكمال، واحد وعشرين تنفق في الأسواق مثل الأربعة والعشرين، ماشية هذه، دينار دينار، ما أحد ينتقد، ثمانية عشر أيضاً تمشي، فتؤخذ من الزكاة، لكن أقل من ذلك ما ينفق في الأسواق.(52/1)
الآن الثلث يريد أن يقرن بقوله: والثلث كثير، يعني نقص كثير، أما أقل من الثلث لا يسمى كثير، فهو في حكم النقص اليسير الذي لا يلتفت إليه، عشرين إلا حبة، ويش يصير كثير وإلا قليل؟ هم يتجاوزون عن الحبة والحبتين، طيب إلى أي حد نتجاوز؟ عندنا نص: الثلث والثلث كثير، لكن هل هذا الكلام يوافق عليه أو لا يوافق؟ هل الإمام مالك يقصد هذا وإلا ما يقصده؟ هذه مسألة أخرى.
فنحن نحاسب الكلام أولاً، ثم بعد ذلك نعود إلى الكلام الصريح، مفهومه أنه إن كان النقص أقل فخذ الزكاة، وقال ابن القاسم: لم يأخذ مالك بهذا.(52/2)
وقال: لا زكاة في الناقصة، ولو قل، إلا مثل الحبة والحبتين، طيب اللي يتسامح بالحبة والحبتين ما يتسامح بربع؟ يعني هل مالك طبق النص، نص النصاب بدقة؟ يعني تجاوز عن حبة وحبتين، تجاوز عن النقص الذي تنفق معه السلعة في الأسواق، تجاوز عنه مالك فيما تقدم، نعم، إذن التي نقصها ليس ببين تعامل معاملة الكاملة؛ لأن البيان مؤثر، العوراء البين عورها، والعرجاء البين ضلعها، أما الشيء الذي .. ، ما في شيء يسلم من نقص، لا شيء يسلم من نقص، عندهم الدراهم والدنانير يمكن تمر على شخص محترف يأخذ منها قطع يسيرة بحيث يجتمع عنده ألف دينار، يجتمع منه ألف دينار كامل، ولو بالمبرد، ولو أدنى شيء من .. ، مثل هذا النقص اليسير بحيث تروج بين الناس، لكن هات دراهم مزيفة مثلاً، واحد بث في الأسواق فئة خمسمائة مزورة، ونفقت عند الجهال، نقول: هذه أموال؟ هذه ليست بأموال، لكن عندهم في السابق، لكن عندنا إحنا إما مال أو ليس بمال، ما عندنا شيء اسمه ناقص، ريال ناقص، يمكن يباع بتسعين هللة، ما يمكن، لكن عندهم هم عندهم الميزان، الذهب والفضة توزن، الدينار وزنه كذا، هذا نقص، يحسب بحسابه، فيتصور النقص فيها، لكن الريال المقطوع من طرفه سانتي واحد، والأرقام موجودة، هذا ما ينقص في عرف أرباب العملات اليوم، إذا نقص حبة أو حبتين هذا نقص يسير يتجاوزون عنه، يعني هذا شيء معروف عند أهل العلم في المقدرات الشرعية، يعني الحد المحدد بين القليل والكثير في الماء خمس قرب، الخمس القرب خمسمائة رطل عراقي، طيب نقص رطل، أو زاد رطل، هل يتأثر الحكم؟ لا، عندهم أمورهم كلها مبنية على التقدير، اللهم إلا في باب الربا الذي يحتاط له، ولذلك جاء في زكاة الزروع والثمار أن الخارص يترك لأرباب الأموال شيء منها، نسبة على ما سيأتي يتسامح فيها.
هنا إذا كان النقص ثلث، الثلث كثير بالنص الشرعي، مفهومه أن ما دون الثلث قليل، لكن هل مالك يتسامح عن الربع؟ لا ما يتسامح عن الربع، يقول ابن القاسم: أنه يتسامح بمثل حبة أو حبتين، ويش حبة؟ حبة من الدنانير؟ الدينار يقال له: حبة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(52/3)
لا، الدينار دينار وليس بحبة، الآن يستعمل الحبة على أنه جزء كامل من المعدود، نعم، تعطيه عشر حبات، يعني الآن خلاص جزء كامل من المعدود، وتجاوز بعض الناس، يعني مدير يطلب ثلاث حبات موظفين، ثلاث حبات فراشين، ثلاث كذا، الحبة والحبتين يعني في التقدير الشرعي عندهم، يعني الدينار وزنه كذا، يعني كذا حبات، العبرة بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ليس فيما دون خمس أواق صدقة)) فإذا وزناها فنقصت عن الخمس فليس فيها صدقة.
والشرع كما يلاحظ مصلحة الفقير (الآخذ) أيضاً لا يهدر مصلحة الغني (الباذل) فالشرع جاء بالتوازن.
يقول: "ومن مر بك من أهل الذمة فخذ مما يديرون" يعني الأموال التي تتصرف، أما الأموال التي تكدس ولا تباع هذه انتظر حتى تباع، وهذا رأي من؟ رأي الإمام مالك، التفريق بين المال التي يدار وبين الأموال التي لا تنفق في الأسواق، هذا رأي الإمام مالك "ومن مر بك من أهل الذمة فخذ مما يديرون من التجارات من كل عشرين ديناراً ديناراً" يعني ضعف ما يؤخذ على المسلم من زكاة "فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرة دنانير، فإن نقصت ثلث دينار فدعها، ولا تأخذ منها شيئاً، واكتب لهم بما تأخذ منهم كتاباً إلى مثله من الحول" لماذا؟ إذا كتبت أنت، زريق هذا إذا أخذ من المسلم أو من الذمي يكتب له كتاب؛ لأنه يتجاوزه إلى آخر يمكن يأخذ منه، يقول: والله أنا دفعت لزريق، يقول: هات أثبت أنك دفعت لزريق، فلا بد أن يكتب زريق أنه استلم كذا، والقسائم الآن الموجودة تقوم مقام الكتابات.
"واكتب لهم بما تأخذ منهم كتاباً إلى مثله من الحول" وعمر بن عبد العزيز -رحمه الله- سلك مسلك عمر ابن الخطاب، فقد كتب بنحو هذا إلا في الكتابة للذمة، فإن عمر بن الخطاب لم يكتب بذلك، بل يؤخذ منه كلما تجر من بلد إلى بلد، بالنسبة للذمي.(52/4)
"قال مالك: الأمر عندنا فيما يدار من العروض للتجارات أن الرجل إذا صدق ماله" يعني دفع صدقته "ثم اشترى به عرضاً بزاً -يعني ثياب- أو رقيقاً أو ما أشبه ذلك ثم باعه قبل أن يحول عليه الحول فإنه لا يؤدي من ذلك المال زكاة حتى يحول عليه الحول من يوم صدقه" أي أدى زكاته "وأنه إن لم يبع ذلك العرض سنين" يعني الأموال الكاسدة "وإنه إن لم يبع ذلك الأرض سنين لم يجب عليه في شيء من ذلك العرض زكاة، وإن طال زمانه، فإن باعه فليس فيه إلا زكاة واحدة" يعني كالدين على المفلس، يعني الدين على المفلس يزكيه إذا قبضه سنة واحدة، أرض كاسدة عشر سنين صكها عند المكتب العقاري ما بيعت، ما يزكي إلا سنة واحدة إذا باعها مثل الدين على المفلس سواء.
طيب محتكر، يقول: أنا والله جابت قيمة، ومكسب طيب، لكن ولو بانتظر، حتى تزداد الحاجة إليها، يزكي كم؟ كل سنة؟ أو إذا باع يزكي لجميع ما مضى؟ أو يزكي سنة واحدة كالأموال الكاسدة؟ هاه؟
أولاً: المحتكر خاطئ وآثم، رأي الإمام مالك ما يفرق بين محتكر، وبين من كسد السلعة، ما دام ما باع ما عليه شيء حتى يبيع، لكن إذا تجاوزنا عن أصحاب الأموال الكاسدة الذين يتضررون بالبيع، إذا تجاوزنا عن هذا ورأينا وجاهة مالك، وأن قياسه على الدين على المعسر له وجه، لكن المحتكر لولي الأمر أن يعامله بنقيض قصده، ويزيد عليه في الزكاة؛ لأنه آثم، يتربص بالمسلمين الحاجة والفاقة.
"وإنه إن لم يبع ذلك الأرض سنين لم يجب عليه شيء من ذلك العرض زكاة وإن طال زمانه، فإن باعه فليس فيه إلا زكاة واحدة" وهذا مذهب مالك في تقسيم التجارات إلى ضربين، يعني التي تنفق وتتصرف، والنوع الثاني الذي يكسد، لكن رأي الجمهور في عروض التجارة أنها تقوم، كلما حال عليها الحول، يعني عندك أموال أنت صاحب مكتبة تبيع كتب، إذا حال عليها الحول، تأتي بأهل الخبرة وتسألهم، جميع ما في هذا المحل كم يسوى؟ يسوى مائة ألف، تزكي مائة ألف، السنة الجايئة بعت منه خلال السنة بعشرة آلاف وأكلتها، تزكي تسعين، ارتفعت الكتب، صارت تسوى مائة وخمسين، تزكي مائة وخمسين بما تستحق، طيب لماذا لا نقيس مثلما قال المالكية على الدين في ذمة المعسر؟(52/5)
الفرق بين الدين في ذمة المعسر والتجارة الكاسدة فرق ظاهر، بمعنى الدين على المعسر ما هو بمضمون يمكن ما يجي أصلاً، نعم احتمال ما يجي أصلاً، بينما المال الكاسد بيدك، وصكك عندك، وزبونك حاضر، صحيح أنك تنتظر مصلحة نفسك في تأخير البيع، فهناك فرق، فالجمهور يرون أن المال الكاسد يزكى كغيره، يعني العقارات التي في طلوع تزكى كل سنة، واللي في نزول أيضاً تزكى كل سنة، يعني لو ترك المجال للتجار يقدرون هذه الأموال كاسدة وإلا نافقة وإلا شيء، لا شك أنه يحصل خلل في التطبيق.
قال مالك: الأمر عندنا في الرجل يشتري بالذهب أو الورق حنطة أو تمراً أو غيرهما للتجارة ثم يمسكها حتى يحول عليها الحول، ثم يبيعها أن عليه فيها الزكاة حين يبيعها إذا بلغ ثمنها ما تجب فيه الزكاة، لا فيما دونه، وليس ذلك مثل الحصاد يحصده الرجل من أرضه ولا مثل الجداد، ويش وجه التفريق؟ قال مالك: الأمر عندنا في الرجل يشتري بالذهب أو الورق حنطة أو تمراً أو غيرهما للتجارة ثم يمسكها حتى يحول عليها الحول، ثم يبيعها أن عليه فيها الزكاة حين يبيعها؛ لأنه حال عليها الحول سابقاً، قبل البيع، إذا بلغ ثمنها ما تجب فيه الزكاة، يقول: "وليس ذلك مثل الحصاد يحصده الرجل من أرضه ولا مثل الجداد" الذي هو قطع الثمار إجمالاً، نعم، هذا {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [(141) سورة الأنعام].
"قال مالك: وما كان من مال عند رجل يديره للتجارة ولا ينض، يحصل لصاحبه منه شيء تجب عليه فيه الزكاة" لأنه مال يدور بخلاف المال الكاسد "وما كان من مال عند رجل يديره للتجارة، ولا ينض لصاحبه منه شيء تجب فيه الزكاة -يعني دون النصاب- فإنه يجعل له شهراً من السنة يقوم فيه ما كان عنده من عرض للتجارة، ويحصي فيه ما كان عنده من نقد أو عين، فإذا بلغ ذلك كله ما تجب فيه الزكاة فإنه يزكيه" يعني سواءً كان من ذهب أو فضة أو عروض، يعني صاحب محل يبيع في اليوم بألف ريال، يبيع كل يوم بألف ريال، يأكل خمسمائة ويوفر خمسمائة، الخمسمائة أقل من النصاب، ثم في الشهر الثاني مثله، وهكذا إلى آخره.(52/6)
يقول: "يجعل له شهر في السنة" وهذا أريح، وقل مثل هذا في رواتب الموظفين، وفي أقساط الدائنين؛ لأنه يصعب على كثير من الناس يجعل محاسب، الموظف لا بد أن يجعل محاسب إذا أراد أن يخرج الزكاة بدقة، والله الشهر هذا وفر سبعمائة، الشهر الثاني وفر ألف وثلاثمائة، الشهر الثالث وفر ألف ومائتين، الشهر الرابع ما وفر شيء، وهو في كل شهر يحتاج إيش؟ إلى أن يقيد ما وفر، ثم بعد ذلك في مثل هذا اليوم من السنة القادمة يزكي ما وفره في هذا الشهر، بعد شهر يزكي الشهر الذي يليه، بعد شهر يزكي الشهر الذي يليه، وهكذا، لكن أريح أن يجعل له شهر رمضان مثلاً، فيزكي فيه ما حال عليه الحول وما لم يحل عليه الحول.
يقول: "فإنه يجعل له شهراً من السنة يقوم فيها ما كان عنده من عرض للتجارة، ويحصي فيه ما كان عنده من نقد أو عين" هذا الموظف الذي وفر من كل شهر مبالغ متفاوتة من شهر إلى آخر، ثم في النهاية بعد سنة وجد أن الذي في الرصيد عشرة آلاف، يزكي العشرة آلاف جميعاً؛ لأن زكاة التفريد وضبط ما يوفر من كل شهر والنظر فيه بعد حولان الحول الباقي منه شيء، هذا أمر متعب وصعب، وبعض الناس الزكاة ترى شاقة على النفوس؛ لأن الجنة حفت بالمكاره، مستعد يدفع عشرة بالمائة سعي إذا باع واشترى، والسعي العادة اثنين ونصف، مستعد يدفع عشرة بالمائة سعي، لكن ما يدفع اثنين ونصف بالمائة زكاة، صعب، ومستعد يجعل محاسب بثلاثة آلاف مثلاً، وهو لو جمع الفرق الذي يزيد عليه من اتخاذ شهر بعينه ما وصل ألفين، لا شك أن أمور الآخرة فيها مشقة على النفوس، لكن بعض الناس من وفقه الله للخير وفعل الخير، هذا يسهل عليه كل شيء "فإذا بلغ ذلك كله ما تجب فيه الزكاة فإنه يزكيه" وهذا في المدير يعني في المال الذي يدار، بخلاف الأموال الكاسدة.(52/7)
وقال مالك: "ومن تجر من المسلمين في مال ومن لم يتجر سواء، ليس عليهم إلا صدقة واحدة في كل عام تجروا فيه أو لم يتجروا" ورثت مائة ألف أودعتها في البنك، إن اتجرت بها وحركتها وأحلت عليها بالشيكات، وأضفت إليها، المهم أنك حركتها، صارت بعد سنة مائة وعشرين، تزكي المائة والعشرين، إن تركتها لم تتجر فيها، وصارت بعد حول سبعين، تزكي السبعين، نعم، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فالمال هو مال، وهو بين أمرين، إن أديت زكاته فليس بكنز، إن لم تؤد زكاته فهو كنز، ولو نشر في السطوح على ما سيأتي، وما أديت زكاته فهو ليس بكنز ولو دفن تحت الأرض.
نأخذ الباب وإلا نتركه؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مسألة زكاة عروض التجارة التي ذكرها الإمام مالك -رحمه الله- فيما قرأناه بالأمس، المسألة القول بوجوب الزكاة في عروض التجارة هو قول عامة أهل العلم، ما خالف في هذا من يذكر إلا ما كان من أهل الظاهر، والإمام مالك له رأي في التفريق بينما يدور من العروض، وبين ما لا يدور بسبب الكساد أو الاحتكار، وهذا سبقت الإشارة إليه، وهنا في كلام الشيخ الشنقيطي -رحمه الله تعالى- الذي وعدنا بقراءته ذكر المسألة الرابعة يقول: اعلم أن جماهير علماء المسلمين من الصحابة ومن بعدهم على وجوب الزكاة في عروض التجارة، فتقوم عند الحول، ويخرج ربع عشرها كزكاة العين، قال ابن المنذر: أجمع عامة أهل العلم على وجوب زكاة التجارة، قال: رويناه عن عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وابن عباس، والفقهاء السبعة، والحسن البصري، وطاوس، وجابر بن زيد، وميمون بن مهران، والنخعي، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، والنعمان، يعني أبا حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأبي عبيد، هؤلاء الأئمة كلهم.
يقول: ولمالك -رحمه الله تعالى- تفصيل في عروض التجارة؛ لأن عروض التجارة عنده تنقسم إلى عرض تاجر مدير، وعرض تاجر محتكر، فالمدير هو الذي يبيع ويشتري دائماً، والمحتكر هو الذي يشتري السلع ويتربص بها حتى يرتفع سعرها فيبيعها، وإن لم يرتفع سعرها لم يبعها ولو مكثت سنين.(52/8)
هذا المحتكر يعني من باب أولى إذا كسدت السلعة، ومكثت سنين ما بيعت، يعني هي أولى من المحتكر؛ لأن المحتكر خاطئ وآثم، هذا على رأي الإمام مالك، أما على رأي الجمهور فلا فرق بين التاجر المدير، وبين المحتكر، هذه الأموال إذا حال عليها الحول تقوم وتزكى، وضربنا لذلك أمثلة بالأمس.
يقول: فعروض المدير عنده وديونه التي يطالب بها الناس إن كانت مرجوة يزكيها عند كل حول، والدين الحال يزكيه بالعدد، والمؤجل بالقيمة، أما عرض المحتكر فلا يقوم عنده ولا زكاة فيه، حتى يباع بعين فيزكي العين على حول أصل العرض، وإلى هذا أشار ... إلى آخره.
يقول -رحمه الله تعالى-: زاد مالك في مشهور مذهبه شرطاً، وهو أنه يشترط في وجوب تقويم عروض المدير أن يصل يده شيء خاص من ذات الذهب أو الفضة، ولو كان ربع درهم أو أقل، وخالفه ابن حبيب من أهل مذهبه، فوافق الجمهور في عدم اشتراط ذلك.
ولا يخفى أن مذهب الجمهور هو الظاهر، ولا نعلم أحد من أهل العلم خالف في وجوب زكاة عروض التجارة، إلا ما يروى عن داود الظاهري، وبعض أتباعه، ودليل الجمهور آية، في أحد من المعاصرين يقول بقول أهل الظاهر؟ نعم هو المعروف عن الشيخ الألباني -رحمه الله-، المقصود أنه قول مهجور، عامة أهل العلم على خلافة.
طالب: هل لهم سلف؟
نعم، أهل الظاهر.
طالب: غير داود؟
ما في، ما يعرف إلا عن داود الظاهري.
يقول الشيخ: ولا نعلم أحد من أهل العلم خالف في وجوب زكاة عروض التجارة، إلا ما يروى عن داود الظاهري، وبعض أتباعه، ودليل الجمهور آية، وأحاديث، وآثار، وردت بذلك عن بعض الصحابة -رضي الله عنهم-؛ ولم يعلم أن أحداً منهم خالف في ذلك، فهو إجماع سكوتي.
يقول: فمن الأحاديث الدالة على ذلك: ما رواه أبو ذر -رضي الله عنه- عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البز صدقته)) الحديث أخرجه الحاكم والدارقطني والبيهقي.
قال النووي في شرح المهذب: هذا الحديث رواه الدارقطني في سننه، والحاكم أبو عبد الله في المستدرك، والبيهقي بأسانيدهم، ذكره الحاكم بإسنادين، ثم قال: هذان الإسنادان صحيحان على شرط البخاري ومسلم.(52/9)
ثم قال: قوله: ((وفي البز صدقته)) هو بفتح الباء وبالزاي؛ هكذا رواه جميع الرواة، وصرح بالزاي الدارقطني والبيهقي.
المقصود في كلام طويل جداً حول ...
يقول ابن حجر: هذا إسناد لا بأس به، والحاكم يقول: صحيح على شرط الشيخين.
يقول: فإن قيل: قال ابن دقيق العيد: الذي رأيته في نسخة من المستدرك في هذا الحديث: البر، بضم الموحدة وبالراء المهملة، ورواية الدارقطني التي صرح فيها بالزاي في لفظة البز في الحديث ضعيفة، وإذن فلا دليل في الحديث على تقدير صحته على وجوب زكاة عروض التجارة.
فالجواب هو ما قدمنا عن النووي من أن جميع رواته رووه بالزاي، وصرح بأنه بالزاي البيهقي والدارقطني كما تقدم.
يعني كون اللفظة يوقف عليها بدون نقطة، يعني مهملة غير كونه يوقف عليها مضبوطة بالنقط وبالحرف، يعني كونه يقف على نسخة المستدرك البر، لكن هل قال بالراء؟ ما قال، بينما من ضبطه بالزاي قال .. ، النقطة موجودة، وضبطه بالزاي المنقوطة.
يقول: ومن الأحاديث الدالة على وجوب الزكاة في عروض التجارة ما أخرجه أبو داود في سننه عن سمرة بن جندب الفزاري -رضي الله تعالى عنه- قال: "أما بعد: فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمرنا أن نخرج الصدقة مما نعد للبيع" وهذا الحديث سكت عليه أبو داود -رحمه الله-، ومعلوم أن من عادته أنه لا يسكت إلا عن حديث صالح للاحتجاج عنده؛ وقد قال ابن حجر في التلخيص في هذا الحديث: رواه أبو داود والدارقطني والبزار من حديث سليمان بن سمرة عن أبيه، وفي إسناده جهالة.
قال مقيده -عفا الله عنه-: في إسناد هذا الحديث عند أبي داود حبيب بن سليمان بن سمرة بن جندب؛ وهو مجهول، وفيه جعفر بن سعد بن سمرة، وهو ليس بالقوي، وفيه سليمان بن موسى الزهري وفيه لين، ولكنه يعتضد بما قدمنا من حديث أبي ذر، ويعتضد أيضاً بما ثبت عن أبي عمرو بن حماس أن أباه حماساً قال: مررت على عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-، وعلى عنقي أدم أحملها، جلود، فقال: ألا تؤدي زكاتك يا حماس؟ فقال: ما لي غير هذا، وأهب في القرظ قال: ذلك مال فضع، فوضعها بين يديه، فحسبها فوجدت قد وجبت فيها الزكاة، يعني تبلغ قيمتها النصاب، فأخذ منها الزكاة.(52/10)
قال ابن حجر في التلخيص في هذا الأثر: رواه الشافعي عن سفيان، قال: حدثنا يحيى عن عبد الله بن أبي سلمة عن أبي عمرو بن حماس أن أباه، قال: مررت بعمر بن الخطاب فذكره، ورواه أحمد وابن أبي شيبة وعبد الرزاق وسعيد بن منصور عن يحيى بن سعيد به، ورواه الدارقطني ... إلى آخر ما قال -رحمه الله-.
فقد رأيت ثبوت أخذ الزكاة من عروض التجارة عن عمر، ولم يعلم له مخالف من الصحابة، وهذا النوع يسمى إجماعاً سكوتياً، وهو حجة عند أكثر العلماء، ويؤيده أيضاً ما رواه البيهقي عن ابن عمر: أخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة ... إلى أن قال: عن ابن عمر قال: "ليس في العروض زكاة إلا ما كان للتجارة".
قال: وهذا قول عامة أهل العلم، فالذي روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: لا زكاة في العرض، قال فيه الشافعي في كتابه القديم: إسناد الحديث عن ابن عباس ضعيف، فكان اتباع حديث ابن عمر لصحته والاحتياط في الزكاة أحب إليّ.
هذا كلام -آخر من نقل عنه- البيهقي.
قال: وقد حكى ابن المنذر عن عائشة ...
حتى ولا البيهقي؛ لأن كله قال قال، سياقها واحد، لعله ابن حجر.
قال ابن حجر في التلخيص في هذا الأثر: رواه الشافعي ... إلى أن قال: وهذا ما يسمى إجماع، وهو حجة عند أكثر العلماء، قال: وهذا قول عامة أهل العلم، قال: وقد حكى ابن المنذر، كلها مساقها واحد.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، هذا نقل، داخل النقل هذا.
قال: وهذا قول عامة أهل العلم، فالذي روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: لا زكاة في العرض، قال فيه الشافعي، فهو داخل النقل.
قال: وقد حكى ابن المنذر عن عائشة ... ، والله اللي يظهر تداخلت النقول، هو نقل في الأول، قال ابن حجر في التلخيص في هذا الأثر: رواه الشافعي، ثم قال: ويؤيده أيضاً ما رواه البيهقي عن ابن عمر.
طالب:. . . . . . . . .
البيهقي ينقل عن ابن المنذر؟
طالب:. . . . . . . . .
قال: وقد حكى ابن المنذر؟ معك الكتاب؟ إيه لأنه يقول: انتهى من سنن البيهقي، ويؤيده ما رواه مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن زريق، الذي قرأناه بالأمس، وكان زريق على جوازِ مصر في زمان الوليد بن عبد الملك.(52/11)
وأما الآية، بدأ بالأحاديث والآثار ثم ذكر الآية؛ لأن الأحاديث والآثار نص في المسألة، وأما الآية فهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [(267) سورة البقرة] على ما فسرها به مجاهد -رحمه الله تعالى- قال: البيهقي في سننه: باب زكاة التجارة، قال الله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} الآية، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ... إلى أن قال: عن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} قال: التجارة، {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} قال: النخل، وقال الإمام البخاري في صحيحه في باب صدقة الكسب والتجارة؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [(267) سورة البقرة] إلى قوله: {أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} قال ابن حجر في الفتح: هكذا أورد هذه الترجمة مقتصراً على الآية بغير حديث.
إلى أن قال -رحمه الله-: ولا شك أن ما ذكره مجاهد داخل في عموم الآية، فتحصل أن جميع ما ذكرناه من طرق ... حديث أبي ذر وحديث سمرة المرفوعين، وما صح من أخذ عمر زكاة الجلود من حماس، وما روي عن ابن عمر، وعمر بن عبد العزيز، وظاهر عموم الآية الكريمة، وما فسرها به مجاهد، وإجماع عامة أهل العلم إلا من شذ عن السواد الأعظم يكفي في الدلالة على وجوب الزكاة في عروض التجارة، والعلم عند الله تعالى.
مما يرجح به هذا القول من جهة النظر أنه لو لم تجب الزكاة في عروض التجارة لتحايل الناس على إسقاطها، إذا حال الحول وعنده ألوف الدراهم والدنانير قبل أن يحول الحول يشتري بها بيتاً مثلاً، لا يحتاجه لسكنى، إنما يريد بيعه، إذا انقطع الحول، الآن صارت تجارة خلاص، صارت عروض لا تجب فيها الزكاة، ثم إذا انقطع الحول باعه واستقبل بقيمته حولاً جديداً وهكذا، فلا شك أن حكم العروض حكم أقيامها، فالمرجح هو قول عامة أهل العلم.
سم.
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيها؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لا ما في رد، الله يهديك، عامة أهل العلم على هذا، كلهم مخطئون، كلهم إلى أن جاء داود، وقال: ما في زكاة؟(52/12)
طالب:. . . . . . . . .
ما يعتبر، مع عمر بن الخطاب وغيره من أئمة الإسلام، مع الأئمة الأربعة كلهم بأتباعهم.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في الكنز:
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن دينار أنه قال: سمعت عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- وهو يسأل عن الكنز ما هو؟ فقال: "هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة".
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه كان يقول: "من كان عنده مال لم يؤدِ زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان، يطلبه حتى يمكنه، يقول: "أنا كنزك".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في الكنز:
يقول ابن جرير: الكنز: كل شيء جمع بعضه إلى بعض في بطن الأرض أو ظهرها، والحقيقة العرفية للكنز أنه ما كان في بطن الأرض، لكن حقيقته الشرعية أنه المال الذي لم تؤدَ زكاته، المال الذي لا تؤدى زكاته كنز، ولو أودع في السطوح، وما أديت زكاته فليس بكنز ولو دفن في جوف الأرض.(52/13)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن دينار مولى ابن عمر أنه قال: سمعت عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو يسأل عن الكنز، في قول الله -جل وعلا-: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [(34) سورة التوبة] ما هو؟ فقال: "هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة" فما أديت زكاته على هذا ليس بكنز، ويختلف أهل العلم في المال هل فيه حق سوى الزكاة، أو ليس فيه حق سوى الزكاة؟ فيروى من حديث عائشة مرفوعاً: ((ليس في المال حق سوى الزكاة)) ويروى عنها أيضاً: ((إن في المال حقاً سوى الزكاة)) بعض أهل العلم يثبت اللفظين، ويقول: لفظ الإثبات ((إن في المال حقاً سوى الزكاة)) حق على سبيل الندب، لا على سبيل الإيجاب، والنفي ليس فيه حق سوى الزكاة هذا على سبيل الوجوب، فالمثبت المندوب والمنفي الواجب.
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح -ذكوان السمان- عن أبي هريرة أنه كان يقول: "من كان عنده مال" واللفظ يشمل جميع ما يتمول من نقود وزروع وثمار ومواشي وعروض وغيرها، " من كان عنده مال لم يؤدِ زكاته" في البخاري: "من آتاه الله مالاً فلم يؤدِ زكاته مثل له، صور له يوم القيامة شجاعاً أقرع، حية ذكر، أقرع برأسه بياض، وكلما كثر سمه أو سَمه أبيض رأسه من الحيات، قال ابن حجر: الأقرع الذي تمعط رأسه لكثرة سمه، مع أن القزاز وهو من أئمة اللغة وله كتاب شهير في الباب اسمه: (الجامع) ينازع في هذا، يقول: الحية ما لها شعر أصلاً، ليس لها شعر، إذاً ما معنى أقرع؟ معروف أن الأقرع الذي سقط شعر رأسه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم البياض، أو يذهب شيء من جلدة رأسه، من شدة السم الذي فيه.
"له زبيبتان" يقولون: نكتتان سوداوان فوق عينيه، وهي علامة الذكر، وقيل: نابان يخرجان من فيه "له زبيبتان يطلبه حتى يمكنه" حتى يدركه، يطلب صاحب المال، يقول: "أنا كنزك".
يعني الذي بخلت به فلم تخرج ما أوجب الله فيه، وهذا زيادة في حسرته وعذابه، حيث لا ينفعه الندم.
ولمسلم من حديث جابر: هذا الشجاع الأقرع يتبع صاحبه، وهو يفر منه، فإذا رأى أنه لا بد منه، أدخل يده في فيه، فجعل يقضمها كما يقضم الفحم -نسأل الله العافية والسلامة-.(52/14)
الزكاة الواجبة في الأموال التي بلغت أنصبتها، والتي فيها من الحكم والمصالح من نفع الفقير، ونفع الغني أيضاً؛ لأنها طهرة له ولماله، ونمو له ولماله، وهي أيضاً تنفع الفقير.
من الصحابة من يرى أنه لا يجب في المال غير ما أوجبه الله -جل وعلا- مما ذكر، هذا في الظروف العادية، في أوقات الشدائد والمجاعات لا يجوز للمسلم أن يبيت شبعان وجاره جائع، هذا في أوقات المجاعات، في الظروف العادية لا يجب سوى الزكاة عند جماهير أهل العلم، وهو القول المعتبر في المسألة، لكن الصحابي الجليل أبو ذر له رأي، وهو أنه لا يجوز للمسلم أن يدخر ما زاد على قوته وحاجته، إنما يدفعه إلى غيره؛ لأن المال مال الله {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النور] ما دام المال ليس ملكاً للإنسان، بل هو مال الله، جاره محتاج، دعونا من الضرورات، الضرورات لا يجيز أحد من أهل العلم أن يضطر المسلم وأخوه عنده مال، ضرورة يعني تفضي بحياته إلى الوفاة، لكن الحاجة عند أبي ذر القدر الزائد على الكفاية يدفع، ولذا كثرت الكتابات حول رأي أبي ذر، وتبناه كثير من المفتونين، ممن أعجب بالمذاهب الباطلة والهدامة من الشيوعية والاشتراكية، وما أشبه ذلك، وكتبوا مؤلفات عن اشتراكية الإسلام، وعن أبي ذر الاشتراكي الزاهد، هؤلاء الذين يتتبعون مثل هذه الزلات، ولا شك أن رأي أبي ذر معارض بالنصوص، ومعارض بقول الأكابر من الصحابة، ولذا نفي -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، اجتهاد منه، هو اجتهاد، نفي، ومات وحيداً بالربذة، ولما نفاه عثمان إلى الشام، ثم نفاه معاوية ورجع إلى المدينة، واجتمع الناس حوله، نفي إلى الربذة حتى مات فيها.
المقصود أن هذا القول وإن كان القائل صحابياً جليلاً إلا أنه معارض بالنصوص، وأقوال من هو أكثر منه صحبة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وأعلم منه، فلا يلتفت إليه، أما باب التنفل والبذل في سبيل الله في جميع وجوه البر هذا مفتوح، وجاء الحث عليه بالنصوص الكثيرة، المسألة في إلزام الناس بغير لازم، نعم.
أحسن الله إليك.
باب صدقة الماشية:
حدثني يحيى عن مالك أنه قرأ كتاب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في الصدقة قال: فوجدت فيه:(52/15)
بسم الله الرحمن الرحيم.
كتاب الصدقة:
في أربع وعشرين من الإبل فدونها الغنم في كل خمس شاة، وفيما فوق ذلك إلى خمس وثلاثين ابنة مخاض، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر، وفيما فوق ذلك إلى خمس وأربعين بنت لبون، وفيما فوق ذلك إلى ستين حقة طروقة الفحل، وفيما فوق ذلك إلى خمس وسبعين جذعة، وفيما فوق ذلك إلى تسعين ابنتا لبون، وفيما فوق ذلك إلى عشرين ومائة حقتان طروقتا الفحل، فما زاد على ذلك من الإبل ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، وفي سائمة الغنم إذا بلغت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، وفيما فوق ذلك إلى مائتين شاتان، وفيما فوق ذلك إلى ثلاثمائة ثلاث شياه، فما زاد على ذلك ففي كل مائة شاة، ولا يخرج في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عوار، إلا ما شاء المصدق، ولا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، وفي الرقة إذا بلغت خمس أواق ربع العشر".
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب صدقة الماشية:
المراد بها بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم، والمراد بيان أنصبتها، وما يجب فيها، والشرط فيها السوم، أن تكون سائمة، فإن لم تكن سائمة فليس فيها زكاة، ما لم تعد للتجارة، لأنه قال: وفي سائمتها.
الإمام مالك -رحمه الله تعالى- لا يشترط السوم، ويقول: إن هذا القيد جاء .... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، جاء مقرر لما كان عليه الحال أن أموال العرب سائمة، فجاء لحكاية الحال، وليس بقيد مؤثر، فهذه الزكاة تجب في بهيمة الأنعام سائمة كانت أو معلوفة، والجمهور على أنها إن كانت سائمة وجبت فيها الزكاة وإلا فلا، ما لم تكن معروضة للتجارة.
طيب إذا كانت سائمة أو معلوفة، سائمة فيها ما سيأتي، معلوفة ومعدة للتجارة، فيها ما في عروض التجارة، اثنين ونصف بالمائة، أيهما أكثر وأيهما أشد على صاحب بهيمة الأنعام أن يزكي زكاة بهيمة أنعام أو يزكي زكاة عروض تجارة؟ نعم، يزكي زكاة بهيمة أنعام أخف عليه.(52/16)
قد يقول قائل: إذا كانت سائمة لماذا نخفف عليه، وإذا كانت معلوفة نشدد عليه؟ والقاعدة في الصدقات على ما تقدم والزكوات أن ما كان فيه كلفة ومئونة يخفف عنه، شخص عنده مائة من الغنم سائمة كم فيها؟ شاه واحدة، وإذا كانت معلوفة عرض من عروض التجارة؟ نعم، ثنتين ونصف، معدل اثنتين ونصف، اثنين ونصف بالمائة من قيمتها، هل هذا يجري على القاعدة أم ماذا؟
لأن هذا قد يشكل على بعض، عرض من عروض التجارة، اثنين ونصف بالمائة، لكن ماذا عن لو كانت سائمة ومعدة للتجارة؟ يعني هذا الكلام زكاة صدقة الماشية التي جاء فيها هذه الأنصبة، وفيها ما يجب إخراجه إذا كانت سائمة ومعدة للتجارة أو غير معدة للتجارة؟ إيه نعم، ولو كانت للقنية، أما إذا أعدت للتجارة فزكاتها زكاة عروض التجارة، سائمة كانت أو معلوفة؛ لأنه قد يرد إشكال مثلما أوردنا الآن وشخص عنده مائة من الغنم، أقول: إذا كانت سائمة ندفع واحدة، وإذا كانت معلوفة ندفع اثنين ونصف بالمائة من قيمتها؟ لا، يفعل الأحظ للمساكين، لو كان عنده مائة معلوفة ويعدها للقنية، للبنها، لنسلها، لشعرها، ما عليه شيء، إذا كانت معلوفة، هذه ما فيها زكاة، فالسوم قيد معتبر.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك أنه قرأ كتاب عمر بن الخطاب في الصدقة قال: فوجدت فيه" في البخاري يقول: حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنى قال: حدثني أبي قال: حدثني ثمامة بن عبد الله بن أنس أن أنساً حدثه أن أبا بكر -رضي الله تعالى عنه- كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سؤلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط، هذا حديث أنس في كتاب أبي بكر، والإمام مالك خرج كتاب عمر، وهما متطابقان، كتاب أبي بكر مطابق لكتاب عمر.
فوجدت فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب عمر الذي خرجه الإمام مالك كونه موقوف ظاهر، لكن المقدرات الشرعية لا مجال للاجتهاد فيها، فله حكم الرفع.
أما كتاب أبي بكر الذي كتبه لأنس لما وجهه إلى البحرين يقول أنس .. ، هذا الكتاب فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم(52/17)
هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذا تصريح بالرفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه بداءة للكتب بالبسملة، يقول ابن حجر: ولم تجر العادة الشرعية ولا العرفية في ابتداء المراسلات بالحمد، يعني تبي تبعث خطاب لشخص ما تقول: الحمد لله رب العالمين، من كلام الخطب، إنما تقول: بسم الله الرحمن الرحيم، يعني في كتاب النبي -عليه الصلاة والسلام- وفي سائر كتبه كتابه إلى هرقل عظيم الروم: بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم، ليس فيه حمدلة، فجميع كتبه -عليه الصلاة والسلام- إلى الملوك وغيرهم لم يقع في واحد منها البداءة بالحمد بل بالبسملة.
كتاب الصدقة
يعني هذا كتاب الصدقة، فكتاب خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذا، والمراد بالصدقة هنا: الزكاة المفروضة.
في أربع وعشرين من الإبل فدونها الغنم في كل خمس شاة، يعني في الأربع والعشرين أربع شياه؛ لأن الأربع يسمونها إيش؟ الآن عندنا أربع شياه في الأربع والعشرين، ومن كان عنده عشرين فقط عليه كم؟ أربع شياه، واحد وعشرين اثنين وعشرين، ثلاث وعشرين، أربع وعشرين، هذه أوقاص، لا شيء فيها، فدونها الغنم في كل خمس شاة.
وفيما فوق ذلك خمسة وعشرين إلى خمس وثلاثين، بدأت الزكاة من الجنس، ابنة مخاض، في حديث أنس الذي أشرنا إليه: ابنة مخاض أنثى، وهذا كما يقال في ابن لبون ذكر، تصريح بما هو مجرد توضيح، وإلا فمعلوم أن بنت المخاض لا تكون إلا أنثى، وابن اللبون لا يكون إلا ذكر، خمس وعشرين فيها بنت مخاض، أو ابن لبون، إن لم تكن، إن لم توجد يؤخذ ابن لبون، في خمسة وعشرين إلى خمسة وثلاثين، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش الجملة التي بعدها؟ فإن لم تكن، إن لم توجد، فليس في هذا تخيير.
بنت المخاض هي التي أتى عليها حول، أكملت السنة ودخلت في الثانية، والمخاض والماخض هي الحامل؛ لأن من بلغ نتاجها الحول الكامل، ودخل في الثاني في الغالب أنها تعرض للحمل، فيقال لها: ماخض، فإذا بلغت سنة، والأصل في أمها أن تعرض للحمل وتحمل، تتركها بحيث يطرقها جمل فتحبل، سميت باسم الغالب، وإلا تسمى بنت مخاض وإن لم تحمل أمها.(52/18)
وفيما فوق ذلك، يعني من خمسة وعشرين إلى خمسة وثلاثين ابنة مخاض، إن لم تكن فابن لبون، طيب الثلاثين؟ الخمسة والعشرين فيها بنت مخاض، والخمس الزائدة؟ في كل خمس شاة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني لو كان عند شخص خمسة وعشرين، وعند ثاني ثلاثين، زكاتهما واحدة، لماذا لا يقال: الخمسة والعشرين فيها إيش؟ الخمسة والعشرين بنت مخاض، أو ابن لبون، والخمس الزائدة ليتميز هذا عن هذا يكون فيها شاة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم هي وقص لا شيء فيه، وإن قال بعضهم بأن هذه الأوقاص تعامل معاملة ما دون الخمسة والعشرين.
يقول: فإن لم تكن ابنة مخاض -إن لم توجد- فابن لبون ذكر، ابن لبون الذي دخل في السنة الثالثة، أكمل السنتين، فصارت أمه لبوناً بوضع حملها الذي ذكرناه في بنت المخاض.
وفيما فوق ذلك، يعني من ستة وثلاثين إلى خمس وأربعين بنت لبون أنثى، وفيما فوق ذلك من ستة وأربعين إلى ستين حقة طروقة الفحل، الحقة التي أكملت ثلاث سنين، ودخلت في الرابعة على التدريج، بنات المخاض أكملت سنة، وابن اللبون وبنت اللبون أكمل سنتين، الحقة أكملت ثلاث، قال: وحقة طرقة الفحل، والطروقة هي المطروقة، فيعني أنها بلغت أن يطرقها الفحل، بلغت السن الذي تتحمل فيه طرق الفحل.
وفيما فوق ذلك من إحدى وستين إلى خمس وسبعين جذعة، وهي التي أكملت الأربع ودخلت في الخامسة، جذعة، أكملت الأربع سنين ودخلت في الخامسة، وفيما فوق ذلك -يعني من ستة وسبعين إلى تسعين- بنتا لبون، وفيما فوق ذلك إلى عشرين ومائة حقتان طروقتا الفحل، ثم بعد ذلك يستقر الأمر، إذا زادت على مائة وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، مائة وعشرين كم فيها؟ حقتان، مائة وثلاثين؟ عندك القاعدة.
طالب: حقة وبنت لبون.
كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، حقة واحدة وبنتا ... ، حقة واحدة خمسين، وبنت اللبون ثمانين، مائة وثلاثين، مائة وأربعين، وبنت لبون واحدة، ومائة وخمسين ثلاث حقاق، ومائة وستين أربع بنات لبون، ومائة وسبعين وهكذا، استقر هذا في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.
طالب:. . . . . . . . .(52/19)
الخمس وقص، إلا على قول عند الحنفية أن الخمس فيها شاة، في رواية البخاري لحديث أنس التي أشرنا إليها آنفاً: ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، ما عنده إلا أربع، الواجب في الخمس شاة، في العشر شاتان، في الخمسة عشرة ثلاث شياه، في العشرين أربع شياه، في الأربع والعشرين أربع شياه، في الأربع لا شيء، طيب هذا الذي وجبت عليه أربع شياه، قال: لو كانت .. ، وعنده عشرين، وجب عليه أربع شياه، قال: لو كانت خمسة وعشرين ويش الواجب؟ بنت مخاض، أنا ما عندي إلا عشرين وما بطلع بنت مخاض، يجزئ وإلا ما يجزئ؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما يلزم، ما يلزم ... هو ما عدل إلا لمصلحته، أقول: ما يلزم أن يكون أغلى؛ لأن الأزمان متفاوتة، والشرع حدد، بنت اللبون تجزئ عن سبع؟ بنت المخاض تجزئ عن سبع؟
طالب:. . . . . . . . .
خمس سنين، المقصود أنه لو قال: أنا وجب علي أربع شياه وباطلع بنت مخاض.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذا في الجبران، هذا في الجبران، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أحياناً تكون الأربع الشياه بثمن بنتي مخاض، الذي أتى عليها سنة واحدة بثمن ثنتين، يقبل وإلا ما يقبل؟ هاه؟ يقبل؟
طالب:. . . . . . . . .
تجاوزنا الحد المحدد شرعاً؛ لأن أحياناً بعض الأحكام الشرعية تدرك عللها ومصالحها، وبعضها ما يدرك، فنقف عند ما حد لنا، وما عدل هذا إلا لمراعاة مصلحته، إذا لم يجد، يقول: والله ما عندي أربع شياه، تكلفوني أذهب إلى بلد آخر أشتري لكم شياه، هذا ما هو بالأصل، الأصل أن تؤخذ الزكوات على مواردها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني يقول: وما ذنبي أن نقصت إبلي عن النصاب، هذا وقفنا على النص، ما عندنا إشكال في هذا، إحنا ما عندنا إشكال في هذا.
طالب:. . . . . . . . .
له عقد، لكن على كل حال على المصدق وقد رد إليه في الحديث نفسه قبول ما لا يقبل، ولا يقبل تيس ولا هرمة ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق، رد إليه إلى مشيئته بعد النظر في مصلحة الفقراء، فإذا كانت مصلحة الفقراء تقتضي هذا فلا بأس، وإلا فليقف على النص.(52/20)
يقول في رواية البخاري في حديث أنس التي أشرنا إليها آنفاً: ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها الصدقة إلا أن يشاء ربها، فإذا بلغت خمساً من الإبل ففيها شاه، وفي سائمة الغنم سائمة، وجاء أيضاً في البقر تقييدها بالسوم، لا يلزم بعد أن يكون في هذا الحديث، المقصود أنه وارد التقييد بالسوم في الإبل والبقر والغنم، فدل على أن هذا القيد مؤثر، وأشرنا إليه في البداية.
وفي سائمة الغنم إذا بلغت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، أربعين فيها شاة، خمسين فيها شاة، تسعين، مائة وعشرين شاة، وفيما فوق ذلك، مائة وواحد وعشرين إلى مائتين، مائتين وواحدة ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، ثلاثمائة وواحدة، هاه؟ فما زاد على ذلك مائة وواحدة، مائة واثنين، مائة وعشرة، مائة وخمسين، مائة وسبعين، كم؟ ثلاثمائة، ثلاثمائة وما ذكر ثلاث شياه، إلى أن تبلغ أربعمائة فيكون فيها أربع شياه، خمسمائة فيها خمس وهكذا، يقول: وفيما فوق ذلك إلى ثلاثمائة ثلاث شياه، فما زاد على ذلك ففي كل مائة شاة.
في رواية البخاري المشار إليها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا كريم، كل من نوخ عنده ذبح له واحدة اثنتين، سهل، كم تبلغ قيمتها؟ يعني مائتين ألف من خمسمائة، خل المعدل خمسمائة الآن، نقول: تصور أنها من مائتين ألف من خمسمائة، تدري كم يبلغ صرف بعض الناس؟ هذه لا شيء بالنسبة لصرف بعض الناس، يعني للدر، ما استعمله لا للتجارة ولا لغيره، عنده من الإبل يطلع لمه ويشرب من حليبهن ولا يبيع، جالسات، أموال طائلة، ويقولون: وبعدين؟ مائة أو ألف من الإبل ويش عنده؟ نعم مفتونين، قل: مفتونين؛ لأن بعض الناس هذه مهنته، وجميع الأبواب هذه ما تسلم من فتنة، المفتون بسيارات، تجد عند بابه عشر سيارات، والمفتون بأثاث، والمفتون بتحف والمفتون بكذا موجود، ولا يعدها للتجارة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا للوناسة بس، يطلع عليهن آخر الأسبوع، ويجلس عندهن ويكفيه، هذا موجود ترى.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا موجود هذا، إيه.
طالب:. . . . . . . . .
فإذا كانت معلوفة ما فيها شيء، إن كانت سائمة فيها ما ذُكر.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(52/21)
يوجد من فتن بالمصاحف ويجمع جميع طبعات المصاحف، وأنا أعرف شخص عنده مصحف مطبوع سنة ألف وسبعمائة وشوي، اشتراه بثلاثين ألف، ما يقرأ فيه.
طالب:. . . . . . . . .
كل هذه الأمور وبمجرد الافتتان عنده تيس بخمسمائة ألف، عنده فحل إبل بكذا، عنده جوز حمام بمائتين، كل هذه تدخل في الإسراف.
طالب:. . . . . . . . .
حتى المصاحف، القدر الزائد على الحاجة.
في رواية البخاري: "فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة على أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها".
"ولا يخرج في الصدقة تيس -ذكر الغنم- ولا هرمة" الهرمة الكبيرة، التي سقطت أسنانها " ولا ذات عوار" بفتح العين، أي المعيبة، وبالضم العوراء "إلا ما شاء المصدق" هل هو المصَّدِق أو المصَدق؟ المصَّدق من هو؟ المصَّدق؟
طالب:. . . . . . . . .
الصاد هذه المشددة أدغمت فيها التاء، أصله المتصدق، فهو الدافع، وإذا قلنا: إلا ما شاء المصَدق الذي يأخذ الصدقة، وهل يمكن أن ترد المشيئة إلى صاحب المال؟ إن بغى دفع وإن ما بغى؟ لا، المقصود به هنا الساعي وجابي الزكاة، وهل مرد مشيئته هنا إلا أن يشاء مردها التشهي؟ يعني هل المسألة تبع شهوته ورأيه؟ أو أن مشيئته لا بد أن تكون تابعة لمصلحة الفقير؟ نعم هذا ما يقوله أهل العلم.
"ولا يجمع بين مفترق" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا قلنا: المصدق بالتخفيف الذي هو الساعي.
"ولا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" الخلطة في المواشي تصير المالين كالمال الواحد، يعني لو كان واحد عنده عشرين من الغنم، والثاني عنده عشرين، وجب عليهما شاة، لكن لو فرق؟ ولذا قال: "ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" يجمع بين مفترق هذا عنده أربعين، وهذا عنده أربعين، لما سمعوا خبر الساعي قالوا: نجمعهن، على شان ما يأخذ منا إلا واحدة، لا يجوز أن يفعلا ذلك، ولذا قال: "ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" هذا عنده عشرين وهذا عشرين إذا ضم البعض إلى البعض أخذ منه شاة واحدة، وإذا فرقا ما وجب عليهم شيء.(52/22)
"وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية" واحد عنده عشر، وواحد عنده ثلاثين، جاء الساعي وأخذ واحدة، ويش مقتضى؟ ما مقتضى السوية؟ يعني بقدر الحصص، بقدر المال كثرة وقلة، فهذا عليه الربع، وهذا عليه ثلاثة أرباع.
"وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، وفي الرقة إذا بلغت خمس أواق ربع العشر" والأوقية أربعين درهماً، والخمس الأواق مائتا درهم، فإذا بلغت هذا المبلغ، بلغت مائتي درهم ففيها ربع العشر، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في صدقة البقر:
حدثني يحيى عن مالك عن حميد بن قيس المكي عن طاوس اليماني أن معاذ بن جبل الأنصاري -رضي الله عنه- أخذ من ثلاثين بقرة تبيعاً، ومن أربعين بقرة مسنة، وأتي بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئاً، وقال: لم أسمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه شيئاً حتى ألقاه فأسأله، فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يقدم معاذ بن جبل.
قال يحيى: قال مالك -رحمه الله-: أحسن ما سمعت فيمن كانت له غنم على راعيين مفترقين أو على رعاء مفترقين في بلدان شتى، أن ذلك يجمع على صاحبه
يجمع كله.
سم.
يجمع كله.
عندنا بلا "كله".
اكتبها.
أحسن الله إليك.
أن ذلك يجمع كله على صاحبه فيؤدي منه صدقته، ومثل ذلك الرجل يكون له الذهب أو الورق متفرقة في أيدي ناس شتى، أنه ينبغي له أن يجمعها فيخرج ما وجب عليه في ذلك من زكاتها.
وقال يحيى: قال مالك -رحمه الله- في الرجل يكون له الضأن والمعز: إنها تجمع عليه في الصدقة، فإن كان فيها ما تجب فيه الصدقة صدقت، وقال: إنما هي غنم كلها، وفي كتاب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: وفي سائمة الغنم إذا بلغت أربعين شاة شاة.
قال مالك -رحمه الله-: فإن كانت الضأن هي أكثر من المعز ولم يجب على ربها إلا شاة واحدة أخذ المصدق تلك الشاة التي وجبت على رب المال من الضأن، وإن كانت المعز أكثر من الضأن أخذ منها، فإن استوت الضأن والمعز أخذ الشاة من أيتهما شاء.(52/23)
قال يحيى: قال مالك: وكذلك الإبل العراب والبخت، يجمعان على ربهما في الصدقة، وقال: إنما هي إبل كلها، فإن كانت العراب هي أكثر من البخت، ولم يجب على ربها إلا بعير واحد، فليأخذ من العراب صدقتها، فإن كانت البخت أكثر فليأخذ منها، فإن استوت فليأخذ من أيتهما شاء.
قال مالك -رحمه الله-: وكذلك البقر والجواميس تجمع في الصدقة على ربها، وقال: إنما هي بقر كلها، فإن كانت البقر هي أكثر من الجواميس ولا تجب على ربها إلا بقرة واحدة فليأخذ من البقر صدقتهما، فإن كانت الجواميس أكثر فليأخذ منها فإن استوت فليأخذ من أيتهما شاء، فإذا وجبت في ذلك الصدقة صدق الصنفان جميعاً.
قال يحيى: قال مالك -رحمه الله-: من أفاد ماشية من إبل أو بقر أو غنم فلا صدقة عليه فيها حتى يحول عليها الحول من يوم أفادها، إلا أن يكون له قبلها نصاب ماشية، والنصاب ما تجب فيه الصدقة، إما خمس ذود من الإبل، وإما ثلاثون بقرة، وإما أربعون شاة، فإذا كان للرجل خمس ذود من الإبل أو ثلاثون بقرة أو أربعون شاة، ثم أفاد إليها إبلاً أو بقراً أو غنماً باشتراء أو هبة أو ميراث، فإنه يصدقها مع ماشيته حين يصدقها، وإن لم يحل على الفائدة الحول، وإن كان ما أفاد من الماشية إلى ماشيته قد صدقت قبل أن يشتريها بيوم واحد، أو قبل أن يرثها بيوم واحد، فإنه يصدقها مع ماشيته حين يصدق ماشيته.
قال يحيى: قال مالك -رحمه الله-: وإنما مثل ذلك مثل الورق يزكيها الرجل ثم يشتري بها من رجل آخر عرضاً، وقد وجبت عليه في عرضه ذلك إذا باعه الصدقة، فيخرج الرجل الآخر صدقتها هذا اليوم، ويكون الآخر قد صدقها من الغد.
قال مالك -رحمه الله-: في الرجل إذا كانت له غنم لا تجب فيها الصدقة، فاشترى إليها غنماً كثيرة تجب في دونها الصدقة، أو ورثها: إنه لا تجب عليه في الغنم كلها الصدقة حتى يحول عليها الحول من يوم أفادها باشتراء أو ميراث، وذلك أن كل ما كان عند الرجل من ماشية لا تجب فيها الصدقة من إبل أو بقر أو غنم، فليس يعد ذلك نصاب مال حتى يكون في كل صنف منها ما تجب فيه الصدقة، فذلك النصاب الذي يصدق معه ما أفاد إليه صاحبه من قليل أو كثير من الماشية.(52/24)
قال مالك -رحمه الله-: ولو كانت لرجل إبل أو بقر أو غنم تجب في كل صنف منها الصدقة، ثم أفاد إليها بعيراً أو بقرة أو شاة صدقها مع ماشيته حين يصدقها.
قال يحيى: قال مالك -رحمه الله-: وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك.
قال مالك -رحمه الله-: في الفريضة تجب على الرجل فلا توجد عنده: إنها إن كانت ابنة مخاض فلم توجد، أخذ مكانها ابن لبون ذكر، وإن كانت بنت لبون أو حقة أو جذعة ولم تكن عنده، كان على رب المال أن يبتاعها له حتى يأتيه بها، ولا أحب أن يعطيه قيمتها.
وقال مالك -رحمه الله- في الإبل النواضح والبقر السواني وبقر الحرث: إني أرى أن يؤخذ من ذلك كله إذا وجبت فيه الصدقة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في صدقة البقر:
البقر: اسم جنس يشمل المذكر والمؤنث، اشتقت من بقرت الشيء إذا شققته؛ لأنها تبقر الأرض لتشقها بالحراثة، ومن هذا سمي الباقر محمد بن علي بن الحسين قالوا: لأنه بقر العلم، وأوغل فيه.
"حدثني يحيى عن مالك عن حميد بن قيس المكي -الأعرج- عن طاوس -بن كيسان- اليماني أن معاذ بن جبل الأنصاري" الصحابي الجليل العالم بالحلال والحرام "أخذ من ثلاثين بقرة تبيعاً" التبيع ما أكمل سنة، ودخل في الثانية "أخذ من ثلاثين بقرة تبيعاً، ومن أربعين بقرة مسنة" المسنة أكملت السنتين ودخلت الثالثة،
"وأتي بما دون ذلك" أي بما دون الثلاثين "فأبى أن يأخذ منه شيئاً" يعني الحد الأدنى لنصاب البقر الثلاثين، ونقل عليه الاتفاق، لكن وجد من السلف من يرى أن في العشر من البقر الزكاة، على كل حال معاذ لما أتي بما دون ذلك أبى أن يأخذ منه شيئاً، وقال: "لم أسمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه شيئاً" نفيه السماع فيما دون الثلاثين دليل على أنه سمع الثلاثين والأربعين من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا ظاهر "لم اسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه شيئاً" فما جزم به من أخذه التبيع بالثلاثين، والمسنة في الأربعين، دليل على أنه سمع فيه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.(52/25)
يقول: "لم أسم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه شيئاً حتى ألقاه فأسأله" لأن المقدرات والتقديرات والواجبات هذه لا تخضع للاجتهاد "فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يقدم معاذ بن جبل من اليمن" لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- بعثه إلى اليمن داعياً ومعلماً، ورسم له المنهج الذي يسير عليه، ونبهه على أن أهل اليمن أهل كتاب، ليهتم بشأنهم، ويحتاط لحججهم، وأخبرهم بشرائع الإسلام على الترتيب، أراد أن يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما دون الثلاثين، لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- توفي قبل أن يقدم معاذ بن جبل من اليمن.
فجاء في خلافة أبي بكر على قول، والأكثر على أنه جاء في خلافة عمر؛ لأن أبا بكر ما طالت مدته، ثم توفي في طاعون عمواس سنة ثمانية عشرة، عن أربع وثلاثين سنة، متى تكون ولادته؟ أربعة وثلاثين إذا حذفنا منها ثمانية عشر؟
طالب: ستة عشر قبل الهجرة.
ستة عشر قبل الهجرة، نعم، توفي سنة إيش؟
طالب: بعد البعثة.
ثمانية عشرة بعد البعثة، كم مكث -عليه الصلاة والسلام- في مكة؟
طالب:. . . . . . . . .
ثلاثة عشرة، الجميع ثلاثة وعشرين، ثلاث سنين، المقصود أنه شهد بدر، ومات صغير أربعة وثلاثين سنة، -رضي الله عنه وأرضاه-.
والخبر فيه كلام لأهل العلم، يقول ابن حجر: هذا منقطع، لماذا؟ لأن طاوس لم يلق معاذ، والحديث في السنن من طريق مسروق عن معاذ، وأيضاً مسروق في سماعه من معاذ كلام، والترمذي حسن الخبر؛ لأن الطريقين يعضد بعضهما بعضاً، وعلى كل حال هو عمدة أهل العلم في تحديد نصاب البقر.
"قال يحيى: قال مالك: أحسن ما سمعت فيمن كانت له غنم على راعيين مفترقين أو على رعاء مفترقين في بلدان شتى أن ذلك يجمع كله على صاحبه فيؤدي منه صدقته" شخص عنده مائة وعشرين رأس من الغنم أربعين في بلد، أربعين في الخرج، وأربعين في الصمان، وأربعين في الثمامة، يعني يؤخذ منه ثلاث؟ أو تجمع الأموال، يضم بعضها إلى بعض؟ هي لشخص واحد.(52/26)
يقول: "أحسن ما سمعت فيمن كانت له غنم على راعيين مفترقين أو على رعاء مفترقين في بلدان شتى، أن ذلك كله يجمع على صاحبه فيؤدي منه صدقته، ومثل ذلك الرجل يكون له الذهب أو الورق متفرقة" بعض الناس من زود الذكاء ما يجعل المال كله في بنك واحد، بل يفرق أمواله على جميع البنوك، من أجل إيش؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما هو بالصدقة، الصدقة سهلة، الصدقة بألف ريال تجب الصدقة، لكن هؤلاء عندهم ملايين، كل بنك يضع فيه كذا مليون، الزكاة واجبة واجبة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هم يخشون البنك يعتريه ما يعتريه فتذهب أموالهم؛ لأنه إن حصل لهذا ما حصل للبقية، فبعض الناس، كل زمن تجارته بحسبه، نعم، تجار ما قبل خمسين سنة، يعني اللي عنده مائة ريال تاجر، اللي عنده ألف ريال هذا عاد مبحر هذا.
على كل حال إذا كانت هناك أموال عنده .. ، أنت افترض أن التجارات مناسبة لما قبل مائة سنة مثلاً، عنده خمسين بها البنك، وخمسين بها البنك، وستين بها البنك، ومائتين بها البنك، تضم كلها؛ لأنه احتمال ما تبلغ النصاب، فإذا ضمت نفس الشيء يقول.
"ومثل ذلك الرجل يكون له الذهب أو الورق متفرقة، في أيدي ناس شتى" إما أمانات، وإلا ديون عند أملياء، وإلا عند بنوك، وما أشبه ذلك "أنه ينبغي له أن يجمعها فيخرج منها مت وجب عليه في ذلك من زكاتها".
"وقال يحيى: قال مالك في الرجل يكون له الضأن والمعز: إنها تجمع عليه في الصدقة" لأنها جنس واحد، كلها يشملها الغنم، الضأن والماعز يشملها اسم الغنم، وزكاتها واحدة، ولذلك قال: "شاة ولا يؤخذ تيس" يحتاج أن يقال: ولا يؤخذ تيس إلا أنهما شيء واحد؟ نعم؟ فالضأن والماعز شيء واحد، جنس واحد، نعم، يجمع الذهب والفضة، تجمع العروض مع الذهب والفضة، يجمع كل ما يأخذ منه زكاة، لكن ما يجمع غنم مع ذهب، ما يجمع إلا إذا كانت الغنم للتجارة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذه يجمع بعضها إلى بعض، لكن الإشكال فيما لو كان يجمعها النقد، والغنم تجمع إلى الضأن، والجواميس تضم إلى البقر، والبخاتي تضم إلى الإبل وهكذا.(52/27)
"وقال يحيى: قال مالك في الرجل يكون له الضأن والمعز: إنها تجمع عليه في الصدقة، فإن كان فيها ما تجب فيه الصدقة صدقت، وقال: إنما هي غنم كلها" وفي كتاب عمر بن الخطاب: وفي سائمة الغنم إذا بلغت أربعين شاة شاة.
شاةً تمييز منصوب، وشاةٌ مبتدأ مؤخر.
"قال مالك: فإن كانت الضأن هي أكثر من المعز ولم يجب على ربها إلا شاة واحدة" سبعين من الضأن، وخمسين من الماعز، يؤخذ من الضأن، والعكس بالعكس "ولم يجب على ربها إلا شاة واحدة، أخذ المصدق تلك الشاة التي وجبت على رب المال من الضأن، وإن كانت المعز أكثر من الضأن أخذ منها، فإذا استوى الضأن والمعز أخذ الشاة من أيتهما شاء".
يعني ستين وستين ينظر الساعي إلى الأصلح للفقراء.
"قال يحيى: قال مالك: وكذلك الإبل العراب والبخت" الإبل العراب: ذات السنام الواحد، والبخاتي: ذات السنامين "يجمعان على ربهما في الصدقة" يعني كما يجمع الضأن مع المعز "وقال: إنما هي إبل كلها، فإن كانت العراب هي أكثر من البخت، ولم يجب على ربها إلا بعير واحد، فليأخذ من العراب صدقتها" يعني عنده خمسة وعشرين فيها بنت مخاض، خمسة عشر عراب وعشر بخاتي يؤخذ من العراب وهكذا "فليأخذ من العراب صدقتها، فإن كانت البخت أكثر فليأخذ منها، فإن استوت فليأخذ من أيتهما شاء".
"قال مالك: وكذلك البقر والجواميس، تجمع في الصدقة على ربها، وتؤخذ الزكاة من الأكثر" لأن الحكم للغالب، وقال: إنما هي بقر كلها، فإن كانت البقر هي أكثر من الجواميس، ولا تجب على ربها إلا بقرة واحدة، أربعين، ثلاثية بقرة، وعشر جواميس يأخذ من البقر، العكس يأخذ من الجواميس، فليأخذ من البقر صدقتهما، وإن كانت الجواميس أكثر فليأخذ منها، نظير ما تقدم في الإبل والغنم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ممكن ويش المانع؟ السوم سهل، ترسل في البراري تأكل من العشب تصير سائمة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أبد إلا إذا كانت عروض تجارة.
"فإن استوت فليأخذ من أيتهما شاء، فإذا وجبت في ذلك الصدقة صدق الصنفان جميعاً" هذا إذا استوت.(52/28)
"قال يحيى: قال مالك: من أفاد ماشية من إبل أو بقر أو غنم فلا صدقة عليه فيها حتى يحول عليها الحول من يوم أفادها" ورثها يحتسب بها حولاً جديداً، وهبت له أعطيت له، المقصود أنه يستقبل بها حولاً جديداً "إلا أن يكون له قبلها نصاب ماشية" فتضم هذه إلى هذه، لا سيما إذا كانت من أرباحها ومن نتاجها.
"والنصاب ما تجب فيه الصدقة، إما خمس ذود من الإبل، وإما ثلاثون بقرة، وإما أربعون شاة" وهذه هي أقل الأنصبة "فإذا كان للرجل خمس ذود من الإبل، أو ثلاثون بقرة، أو أربعون شاة، ثم أفاد إليها إبلاً، أو بقراً، أو غنماً باشتراء، أو هبة، أو ميراث فإنه يصدقها مع ماشيته حين يصدقها" كأن مالك ما يرى فرق بين أن تكون من نتاج النصاب الأول أو منفكة عنه ...(52/29)
شرح: الموطأ – كتاب الزكاة (5)
باب صدقة الخلطاء - باب ما جاء فيما يعتد به من السخل في الصدقة - باب العمل في صدقة عامين إذا اجتمعا
الشيخ: عبد الكريم الخضير
كأن مالك ما يرى فرق بين أن تكون من نتاج النصاب الأول أو منفكة عنه.
"وإن لم يحل على الفائدة الحول" عنده ثلاثين بقرة ثم بعد ستة أشهر الثلاثين هذه ملكها في محرم، في رجب ورث ثلاثين أخرى، في محرم القادم يزكي الجميع على كلامه، على كلام مالك يزكي الجميع، وإن لم تكن من نتاجها، أما لو كانت من نتاجها فلا إشكال؛ لأن ربح التجارة ونتاج السائمة حكمه حكم أصله، لكن هذه ملكها، ثم بعد ستة أشهر ورث غيرها، على كلام مالك يزكي الجميع، ومقتضى قول الأكثر أنه لا يزكي مالاً إلا إذا حال عليه الحول، يعني مقتضى كلام مالك والقياس عليه أن أصحاب الرواتب اللي كل شهر يوفرون قسط من رواتبهم أنهم إذا حال الحول على أول راتب يزكي الجميع، بغض النظر عن كون هذا المال الزائد المتجدد من ربح المال الأول أو لا.
ولذا يقول: "قال يحيى: قال مالك: من أفاد ماشية من إبل أو بقر أو غنم فلا صدقة عليه فيها حتى يحول عليها الحول من يوم أفادها، إلا أن يكون له قبلها نصاب ماشية، والنصاب ما تجب به الصدقة، إما خمس ذود من الإبل، أو ثلاثون بقرة، أو أربعون شاة، وإما أربعون شاة، فإذا كان للرجل خمس ذود من الإبل، أو ثلاثون بقرة، أو أربعون شاة، ثم أفاد إليها إبلاً، أو بقراً، أو غنماً، باشتراء، أو هبة، أو ميراث، فإنه يصدقها مع ماشيته حين يصدقها" يعني تضم هذه إلى تلك "وإن لم يحل على الفائدة الحول، وإن كان ما أفاد من الماشية إلى ماشيته قد صدقت قبل أن يشتريها، قد، وإن كان ما أفاد من الماشية إلى ماشيته قد صدقت قبل أن يشتريها، بيوم واحد، أو قبل أن يرثها بيوم واحد فإنه يصدقها مع ماشيته حين يصدق ماشيته".
المورث زكى ثم مات من الغد، ورث الوارث يزكي، ولو لم يكن بينهما إلا يوم واحد، مع أن القول المعتبر عند أهل العلم أنه ما يستقبل به حول جديد.(53/1)
"قال يحيى: قال مالك: وإنما مثل ذلك مثل الورق يزكيها الرجل ثم يشتري بها من رجل آخر عرضاً، وقد وجبت عليه في عرضه ذلك إذا باعه الصدقة" لأنه مال دائر عنده "فيخرج الرجل الآخر صدقتها هذا اليوم، ويكون الآخر قد صدقها من الغد".
"قال مالك في رجل كانت له غنم لا تجب فيها الصدقة، فاشترى إليها غنماً كثيرة تجب في دونها الصدقة، أو ورثها: إنه لا تجب عليه في الغنم كلها الصدقة" عنده ثلاثين من الغنم، مكث ستة أشهر ما عنده إلا ثلاثين، ثم اشترى بعدها ألف وضمها إليها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بعد الحول، يعني من ملكه الألف ما تجب فيه الصدقة.
"أو ورثها: إنه لا تجب عليه في الغنم كلها الصدقة، حتى يحول عليها الحول من يوم أفادها باشتراء أو ميراث، وذلك أن كل ما كان عند الرجل من ماشية لا تجب فيها الصدقة من إبل أو بقر أو غنم فليس يعد ذلك نصاب مال حتى يكون في كل صنف ما تجب فيه الصدقة، فذلك النصاب الذي يصدق معه ما أفاد إليه صاحبه من قليل أو كثير من الماشية" يعني لو كان عنده الألف وضم إليها مجموعة يزكي المجموعة إليها، لكن العكس لا.
"قال مالك: ولو كانت لرجل إبل أو بقر أو غنم تجب في كل صنف منها الصدقة، ثم أفاد إليها بعيراً أو بقرة أو شاة صدقها مع ماشيته التي يصدقها" نعم.
"قال يحيى: قال مالك: وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك".
"قال مالك في الفريضة تجب على الرجل فلا توجد عنده: إنها إن كانت ابنة مخاض فلم توجد أخذ مكانها ابن لبون ذكر" رأس ما برأس، ما يحتاج جبران ولا شيء؛ لأنه منصوص عليه في الحديث "وإن كانت بنت لبون أو حقة أو جذعة ولم تكن عنده كان على رب الإبل أن يبتاعها له حتى يأتيه بها" ما عندي، والله دبر، نعم عليك حقة هات حقة "ولا أحب أن يعطيه قيمتها" عليه حقة، قال: يا أخي كم تسوى الحقة في السوق؟ قال: تسوى ألفين، قال: هذه الألفين، أبتكلف أروح أشتري لك حقة، لا، ويقول الإمام مالك: "كان على رب الإبل أن يبتاعها له حتى يأتيه بها، ولا أحب أن يعطيه قيمتها" لأن الزكاة تجب في عين المال.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
نفس الشيء، نفس الكلام، زكاة الفطر عند الجمهور لا تجوز إلا مما عين.(53/2)
"وقال مالك في الإبل النواضح، والبقر السواني، وبقر الحرث: إني أرى أن يؤخذ من ذلك كله إذا وجبت فيه الصدقة" النواضح والبقر السواني التي يستقى عليها هذه كلها فيها زكاة إذا وجبت فيها الصدقة، ولو كانت غير سائمة؟ ولو كانت غير سائمة عنده -رحمه الله تعالى-.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: الزروع إذا كانت تسقى من غير مشقة كذلك مقداره إذا كانت تسقى من دون مشقة مثل المطر أما إذا كانت تسقى نصف الحول بمشقة ونصفه بدون مشقة ما مقدار الزكاة؟
على كل حال هذا إذا كان يسقى بماء السماء كان عثرياً بدون مشقة ولا تعب ولا عناء، هذا فيه العشر، وإذا كان يسقى بمئونة وكلفة ومشقة نصف العشر، وإذا كان بعضه كذا أو بعضه كذا، أو نصف مدة كذا وكذا، يقولون: ثلاثة أرباع العشر.
هذا يقول: في سؤال على الهاتف في حلقة ماضية: عن حديث ما معناه؟ وهل هو صحيح أو لا؟ وشرحتم الحديث ولم تبينوا صحته من عدمها.
السؤال: هل أنتم جارون على القاعدة المتقررة، وهي أن تفسير الحديث فرع عن تصحيحه ما لم يبين ضعفه أم لا؟
على كل حال الحديث معروف ضعفه مرفوع، لكنه عن عمر مقبول، وبينا أن المقصود به التشديد في شأن الحج، والتهويل من أمره، وأما المرفوع فلا يثبت، وكأني نسيت أن أجيب على درجته، نسيت الجواب على الدرجة، وانشغلت بمعناه، لكن ما يمنع أن يبين لاحقاً -إن شاء الله تعالى-.
كأني أذكر أني اتصلت على الأخ الذي يتولى البرنامج وقلت لهم: تأكدوا، كأني ما ذكرت الدرجة فلا يذاع، ما دام يقول الأخ: إنه أذيع أمس وإلا متى؟
طالب:. . . . . . . . .
يمكن أمس، إيه هذا سهو، هذا غفلة.
يقول: اشتريت أرض لغرض تقديمها في صندوق التنمية العقاري، وفي نيتي عند الشراء إذا نزل القرض أبيعها وأشري غيرها فهل تجب علي زكاة، وإذا كانت تجب فيها الزكاة فهل تجب فيها الزكاة من وقت شرائها، أو من وقت نزول القرض؟
أقول: هذه الأرض ما دام اشتريت وفي النية بيعها فتجب فيها الزكاة إذا حال عليها الحول.
يقول هذا أيضاً عاد لكن ما أحسن السؤال.(53/3)
نسمعك تدندن كثيراً حول المعاملة بنقيض القصد، فإلى ماذا تحيلنا من المراجع للبحث في هذه القاعدة؟
المعاملة بنقيض القصد يذكرها أهل العلم فيمن أراد حرمان الوارث، ويجرون عليها أمثلة كثيرة جداً، والقاتل لا يرث، يعني معاملةً له بنقيض قصده، والزوج إذا طلق زوجته لقصد حرمانها من الإرث لا يقع الطلاق معاملة له بنقيض قصده، المقصود أن فروعها كثيرة جداً.
يقول: في الدرس الماضي يوم الثلاثاء ذكر أحد الطلبة أن عطاء بن أبي رباح لا يرى الزكاة في العروض، مع أن عبد الرزاق في مصنفه تحت باب الزكاة في العروض ذكر عن ابن جريج قال: قال عطاء في البز إن كان يدار كهيئة الرقيق: زكي ثمنه، وقال عبد الرزاق أيضاً عن ابن جريج: كان عطاء يقول: لا زكاة في عرض لا يدار إلا الذهب والفضة، فإنه إذا كان تبراً موضوعاً -وقد يكون صوابها مصوغاً- وإن كان لا يدار زكي؟
كيف؟
المقصود أن عروض التجارة حكمها حكم الأموال، وهي داخلة في عموم النصوص التي توجب الزكاة في الأموال.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى وآله وصحبه أجمعين.
باب صدقة الخلطاء:
قال يحيى: قال مالك في الخليطين إذا كان الراعي واحداً، والفحل واحداً، والمراح واحداً، والدلو واحداً فالرجلان خليطان، وإن عرف كل واحد منهما ماله من مال صاحبه، قال: والذي لا يعرف ماله من مال صاحبه ليس بخليط، إنما هو شريك.
قال مالك -رحمه الله-: ولا تجب الصدقة على الخليطين حتى يكون لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة، وتفسير ذلك أنه إذا كان لأحد الخليطين أربعون شاة فصاعداً، وللآخر أقل من أربعين شاة، كانت الصدقة على الذي له الأربعون شاة، ولم تكن على الذي له أقل من ذلك صدقة، فإن كان لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة جمعا في الصدقة، ووجبت الصدقة عليهما جميعاً، فإن كان لأحدهما ألف شاة، أو أقل من ذلك مما تجب فيه الصدقة، وللآخر أربعون شاة أو أكثر فهما خليطان يترادان الفضل بينهما بالسوية على قدر عدد أموالهما على الألف بحصتها، وعلى الأربعين بحصتها.(53/4)
قال مالك -رحمه الله-: الخليطان في الإبل بمنزلة الخليطين في الغنم يجتمعان في الصدقة جميعاً إذا كان لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة)) وقال عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-: "في سائمة الغنم إذا بلغت أربعين شاة شاة".
وقال يحيى: قال مالك -رحمه الله-: وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك.
قال مالك -رحمه الله-: وقال عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-: "لا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" أنه إنما يعني بذلك أصحاب المواشي.
قال مالك -رحمه الله تعالى-: وتفسير قوله: "لا يجمع بين مفترق" أن يكون النفر الثلاثة الذين يكون لكل واحد منهم أربعون شاة، قد وجبت على كل واحد منهم في غنمه الصدقة، فإذا أظلهم المصدق جمعوها؛ لئلا يكون عليهم فيها إلا شاة واحدة، فنهي عن ذلك.
وتفسير قوله: "ولا يفرق بين مجتمع" أن الخليطين يكون لكل واحد منهما مائة شاة وشاة، فيكون عليهما فيها ثلاث شياه، فإذا أظلهما المصدق فرقا غنمهما، فلم يكن على كل واحد منهما إلا شاة واحدة، فنهي عن ذلك، فقيل: لا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة.
قال مالك -رحمه الله تعالى-: فهذا الذي سمعت في ذلك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب صدقة الخلطاء:
تقدم في شرح كتاب عمر -رضي الله تعالى عنه-، وجاء مثله في كتاب أبي بكر لأنس بن مالك في شرح الصدقة، والأنصباء وما يجب فيها، وكتاب أبي بكر مرفوع صرح برفعه، التي فرضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهو مرفوع، مثله كتاب عمر في بعض طرقه ما يدل على رفعه.(53/5)
والخلطة والاختلاط: الامتزاج، والخلطاء جمع خليط، لا شك أن للخلطة أثر في الصدقة، في تشديدها وتخفيفها، وبهذا يقول جمهور أهل العلم، وجاء التصريح بعدم الجمع والتفريق خشية الصدقة في الكتابين المشار إليهما، فيمنع الجمع والتفريق خشية أن تزيد الصدقة، يمنع صاحب المال ألا يجمع ولا يفرق خشية أن تزيد عليه الصدقة، كما أنه يمنع الساعي وجابي الزكاة أن يفرق، أو يجمع خشية أن تقل الصدقة.
يقول الإمام -رحمه الله تعالى- ... ، وقبل ذلك أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- لا يرى أثر للخلطة، إنما الأثر للشركة.
"قال يحيى: قال مالك في الخليطين" متى تكون الخلطة؟ إذا اشتركا المالان فيما يأتي، في الراعي، راعيهما واحد، ما يكون راعي زيد خاص، وراعي مواشي عمرو خاص؛ لأنه إذا كان الراعي مختلف تميزت الأموال، ولم تحصل الخلطة، والفحل واحداً، بمعنى أن الفحل الذي يطرق هذه المواشي لا بد أن يكون واحداً، أما إذا تميزت هذه المواشي كل قسم منها بفحل خاص، فليست بخلطة، والمراح واحد، وهو الذي تأوي إليه للمبيت، سواءً كان بالليل أو في القائلة، والدلو واحد، بمعنى أنها تسقى من ماء واحد، بدلو واحد، فإذا اشتركت في هذه الأمور صارت خلطة معتبرة مؤثرة، وإذا اختلفت في أي من هذه الأمور فتنتفي الخلطة؛ لأنه إذا كان الراعي مختلف فلا خلطة، هذا يرعى وهذا يرعى، كل في فاله، وإذا كان الفحل مختلف هذا الفحل يطرق مال فلان، والفحل الثاني خاص بأموال فلان فلا خلطة.
ومثله إذا كان مراحها ومأواها للمبيت تسرح جميع، ولكن إذا رجعت، مواشي زيد لها مأوى، ومواشي عمرو لها مأوى فلا خلطة، وكذلك الدلو، وهو آلة الاستقاء، إذا اشتركت في هذه الأمور فالرجلان خليطان، ويصير المالان حينئذٍ كالمال الواحد، فتؤثر فيها هذه الخلطة في تخفيف الزكاة وتشديدها، على ما سيأتي تفصيله.(53/6)
وإن عرف كل واحد منهما ماله من مال صاحبه، زيد يعرف ماله، وعمرو يعرف ماله، هذا له عدد معين، وقد تكون من جنس خاص، والثاني له عدد معين، وقد تكون من جنس خاص، هذا له ضأن، وهذا له معز، واشتركا في الأمور الأربعة، أو هذا له برابر وهذا له نجد مثلاً، أو نعيمي أو غيره، كل واحد يعرف ما له، لكنها اشتركت في الأمور الأربعة المذكورة، فإنها خلطة مؤثرة، ولو عرف كل واحد منهما ماله من مال صاحبه، قد يقول قائل: إذا عرف كل واحد منهما ماله من مال صاحبه، فلماذا لا يزكي كل واحد ماله على جهة الاستقلال، ويحمل الخبر على ما إذا لم يعرف كل واحد منهما ماله؟ نعم، الإمام مالك -رحمه الله تعالى- قال: "والذي لا يعرف ماله من مال صاحبه ليس بخليط، وإنما هو شريك" والخليط غير الشريك، في الشركة المال واحد، وليست بأموال لها حكم المال الواحد {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} [(23) سورة ص] إلى أن قال: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص: 24] ويعرف نعجته من نعاج أخيه، لكنها ترعى معهم، ومأواها واحد، وراعيها واحد ... إلى آخره، فالخلطة غير الشركة، المسألة مفترضة في أكثر من مال يضم بعضها إلى بعض لا على سبيل المزج التام بحيث تكون الشركة في أفرادها، إنما يعرف أن هذه تبع فلان، وهذا لفلان، ما يقال: هذه لفلان ولفلان؛ لأنه إذا قيل: هذه لفلان وفلان صارت شركة وليست خلطة.
أبو حنيفة -رحمه الله- لا يرى أثر للشركة إذا عرف كل منهما ماله، وإنما المؤثر لا يرى أثر للخلطة مع معرفة وتمييز كل مال عن مال الآخر، وإنما الأثر للشركة، لكن الشركة ما تحتاج إلى تنصيص، هو مال واحد تعلقت به الزكاة، ولا يخاطب الشركاء بأن لا يجمعوا أو لا يفرقوا، هي مجتمعة سواءً جمعت في مكان واحد أو فرقت، هي مال واحد، وهو مجتمع.
"قال مالك: ولا تجب الصدقة على الخليطين حتى يكون لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة" يعني إذا كان للخليطين سبعون من الغنم، لكل واحد خمسة وثلاثين فيها زكاة وإلا ما فيها زكاة؟ على كلام الإمام؟
طالب:. . . . . . . . .(53/7)
"ولا تجب الصدقة على الخليطين حتى يكون لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة" لو كانت سبعين واحد له أربعون والثاني له ثلاثون وجبت الزكاة في مال من؟ من بلغ ماله النصاب دون الثاني، ويأتي الكلام في هذا.
وتفسير ذلك أنه إذا كان لأحد الخليطين أربعون شاة فصاعداً، وللآخر أقل من أربعين شاة كانت الصدقة على الذي له الأربعون شاة، لملكه النصاب، ولم تكن على الذي له أقل من ذلك صدقة؛ لأن ماله لا يبلغ النصاب، والواجب هو فيما يبلغ النصاب.
يقول: "فإن كان لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة جمعا في الصدقة" يعني الخلطة فيما إذا كان كل مال على انفراده، يقول: "فإن كان لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة جمعا في الصدقة" يعني الخلطة فيما إذا كان كل مال على انفراده، يقول: "فإن كان لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة جمعا في الصدقة، ووجبت الصدقة عليهما جميعاً بقدر ماليهما" يعني واحد عنده ثمانون، والآخر عنده خمسون، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
فيه الزكاة، كل واحد على انفراده عليه واحدة، وبمجموعهما عليهما اثنتان، على صاحب الثمانين مثلما على صاحب الخمسين بقدر ماليهما، كيف نأخذ من صاحب الثمانين أكثر من واحدة، واحدة وجزء من الثانية، ونأخذ من صاحب الخمسين أقل من واحدة، نعم هذا أثر الخلطة.
قوله: "فإنهما يتراجعا بينهما بالسوية" هل معنى هذا أن السوية أنهما يستويان في المدفوع أو أن السوية المقصود بها النسبة؟ يعني نأخذ من صاحب الثمانين كم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني يقرب، يعني واحد وربع أو أكثر قليلاً، والثانية واحدة إلا ربع أو إلا ثلث.(53/8)
"فإن كان لأحدهما ألف شاة، أو أقل من ذلك" قلنا: فوق ثلاثمائة في كل مائة شاة، والألف فيها عشر "فإن كان لأحدهما ألف شاة أو أقل من ذلك مما تجب فيه الصدقة، وللآخر أربعون شاة أو أكثر، فهذان خليطان يترادان الفضل الزائد بينهما بالسوية على قدر عدد أموالهما، على الألف بحصتها، وعلى الأربعين بحصتها" الألف وأربعين كم فيها؟ عشر، هل نقول: إن صاحب الألف عليه عشر، وصاحب الأربعين ما عليه شيء؟ أو نقول: على صاحب الأربعين واحدة وعلى صاحب الألف تسع؟ أو بالنسبة؟ نعم إذا مشينا على النسبة تكون بالنسبة؛ لأنه يقول: على قدر عدد أموالهما على الألف بحصتها -يعني من العشر- وعلى الأربعين بحصتها، هذا مقتضى قوله -رحمه الله تعالى-: ترادان بينهما بالسوية، وهو منطوق الخبر: "فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية" والعدل يقتضي ذلك.
"قال مالك: الخليطان في الإبل بمنزلة الخليطين في الغنم -ولا فرق- يجتمعان في الصدقة جميعاً" ومثلهما الخلطة في البقر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف إذا ولدت؟
طالب:. . . . . . . . .
بالقيمة، اللي ما يمكن دفعه من العين يقوم، ما لا يمكن دفعه من العين يقوم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يتبرع بها ما في شيء، ورضي الآخر، إذا رضي لا بأس، مثل لو كان عليه كفارة أو شيء يدفعها، ومثل ما يكون عليه حج ويحج به، لكن إذا كان لا يقبل المنة ما يلزم، أما إذا تبرع عنه غيره وقبل من غير منة هذا لا بأس.(53/9)
"قال مالك: الخليطان في الإبل بمنزلة الخليطين في الغنم، يجتمعان في الصدقة جميعاً" يقول: "ومثلهما الخلطة في البقر، إذا كان لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة" مثلما قلنا: مقتضى ذلك أنه إذا كان عندهما سبعون تفصيلها: لأحدهما أربعون وللآخر ثلاثون، فالشاة في مال من كمل نصابه، والثاني لا شيء عليه، وعلى القول الآخر قلنا: بتأثير الخلطة في المال سواءً بلغ النصاب أو لم يبلغ، إذا كان المجموع فيه الزكاة، نقول: على صاحب الأربعين أربعة الأسباع، وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة الأسباع من الشاة، ودليل ذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني دليل اشتراط النصاب "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة)) " يعني لو كان لواحد أربع، وللثاني واحد وعشرين أخذنا بنت مخاض، من مال من نأخذ؟ يؤخذ منهما بنت مخاض، ثم بعد ذلك يتحاسبون.
طالب: بالسوية.
بالسوية، يترادان بالسوية.
"وقال عمر بن الخطاب -في كتابه السابق-: "في سائمة الغنم إذا بلغت أربعين شاة شاة".
فمن لم يبلغ ماله هذا العدد فلا زكاة عليه، وإن كان مخالطاً لغيره، هذا رأي الإمام مالك -رحمه الله تعالى-، وغيره لا أثر للخلطة إلا إذا بلغ كل من المالين النصاب بحيث تلزم الزكاة كل واحد منهما.
طالب:. . . . . . . . .
ما صارت خلطة، الأظهر أنها ما دام الغنم تتعلق به نفوس الفقراء، وقد بلغ الزكاة تؤخذ منه.
طالب:. . . . . . . . .(53/10)
لا، أنت افترض مثلاً شخص له عشرين، وشخص له مائة وواحدة أو قل: شخص له مائة، وشخص له ثلاثين، فيها شاتين، إذا قلنا: برأي الإمام مالك ألزمنا صاحب المائة بالاثنتين، وهو في الأصل لا يلزمه، كيف أثرت الخلطة في مال هذا ولم تؤثر في مال الآخر؟ يعني إذا قلنا: إنه في الأصل صاحب العشرين ما عليه شيء، فصاحب المائة ما عليه إلا واحدة، صاحب الثلاثين ما عليه شيء؛ لأنه ما بلغ النصاب، وصاحب المائة من الذي يلزمه باثنتين وهو ما يلزمه إلا واحدة؟ الخلطة، الخلطة التي أثرت في مال هذا ليش ما تؤثر في مال ذاك؟ هذا ما بلغ نصاب شاتين أجل، بلغ نصاب شاة واحدة، ما بلغ نصاب شاتين، كيف أثرت الخلطة في الزيادة على هذا وإلزامه بأكثر مما يجب عليه، ولم تؤثر على الثاني؟
طالب:. . . . . . . . .
تقتضي أن يلزم الجميع، تلزم الجميع، هذا قول الأكثر، ما أثرت على الثاني.
طالب:. . . . . . . . .
ويش لون؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا أنا أقول: على رأي مالك صاحب الثلاثين ما عليه شيء أصلاً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على نصيب الأكثر، اللي بلغ نصابه، لكن ما بلغ نصاب الثنتين، هل يقول مالك: إنه ما عليهم إلا واحدة؟ ما يمكن يقول مالك، إذن ما فائدة الخلطة؟ ما يمكن أن يقول مالك: ما يجب عليهم إلا شاة واحدة في هذه الصورة، فإذا قلنا: إن صاحب المائة يدفع شاتين تضرر، فليدفع الثاني لتأثير الخلطة، يخرج صاحب المائة، يخرج اثنتين وهو ما يلزمه في الأصل إلا واحدة، الإمام مالك يريد أن يدفع هذا الشخص الذي لم يبلغ ماله النصاب، ولم يطالب بالزكاة أصلاً، فلو طولب وماله ما بلغ النصاب ظلم، طيب هذا الذي ما بلغ نصابه اثنتين، كيف نلزمه باثنتين؟ يظلم أيضاً، بشاتين، ويش فائدة الخلطة؟ ما فائدة الخلطة؟ ما صارت خلطة أصلاً الآن، أبو حنيفة اللي يقول: ما يلزمهم شيء، إلا واحدة تجب على صاحب المائة؛ لأنها ما هي بشركة، خلطة هذه، ومقتضى رأي الحنابلة والشافعية هذا أنه يلزم الاثنين بالسوية "وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية".
طالب:. . . . . . . . .
إيه يلزمه، إذاً ويش الفائدة من الخلطة الآن؟ ويش فائدة التراجع بالسوية؟
طالب:. . . . . . . . .(53/11)
لا، لا متوفرة، المائة والثلاثين فيها شاتان، على كل حال ويوافقه الثوري، وقال الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث: إذا بلغت ماشيتهما النصاب وجبت، وإن لم يكن لكل منهما نصاب، مثلما قلنا في السبعين خمسة وثلاثين وخمسة وثلاثين، على رأي مالك ما عليهم شيء.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
يتراجعان فيما إذا بلغ كل مال واحد منهما نصاب.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، إيه لو كان لواحد أربعين وواحد تسعين، وأخذ منهم اثنتين يتراجعان بالسوية.
"قال مالك: وقال عمر بن الخطاب" في كتابه السابق المشار إليه، وهو مرفوع، وفي كتاب أبي بكر التصريح برفعه: " ((لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة)) إنما يعني بذلك أصحاب المواشي" يعني النهي هنا المفهوم من النهي متجه إلى أرباب المواشي، يعني اشترك زيد وعمرو في مواشي بشركة خلطة اختلطا، الشركة أمرها آخر، اختلطا اختلط مالهما فيستفيدون من التفريق، وذلك ما إذا كان لكل واحد منهما ...
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نصاب واحد أربعين وأربعين؟ لا، يستفيدون من الجمع هذولا، لا أنا أريد يستفيدون من التفريق، كل واحد له مائة وعشر، في الأصل ما يجب على كل واحد إلا واحدة، ثم إذا اجتمعا فيها ثلاث، مائتين وأربعين، يصير فيها ثلاث، فإذا أظلهم الساعي فرقوا على شان ما يجب على كل واحد إلا واحدة، وعكس هذا ما لو كان لكل واحد منهما أربعون، إذا أظلهم الساعي يجمعون بين المتفرق ليلزمهما واحدة، والصورة الأولى يفرقون من أجل أن يلزم كل واحد منهما واحدة.
" ((لا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة)) إنما يعني بذلك أصحاب المواشي".(53/12)
والخطاب محتمل لأن يكون لأرباب المواشي، كما أنه محتمل أيضاً أن يكون متجهاً إلى الساعي، وحينئذٍ يكون التقدير لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق إذا قلنا: المراد أصحاب المواشي، خشية أن تزيد الصدقة، وإذا قلنا: الخطاب متجه إلى الساعي قلنا: لا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع، خشية أن تنقص الصدقة، فتترك الأمور على ما هي عليه، وعلى هذا يكون الخطاب متجه إلى الاثنين، فإذا كانت الخشية من زيادة الصدقة فالمخاطب أصحاب المال، وإذا كانت الخشية من نقص الصدقة فالمخاطب بذلك الساعي الذي هو نائب عن الفقراء.
"قال مالك: وتفسير قوله: ((لا يجمع بين مفترق)) أن يكون النفر الثلاثة الذين يكون لكل واحد منهم أربعون شاة قد وجبت على كل واحد منهم في غنمه الصدقة" كل واحد عليه شاة، يجب فيها ثلاث "فإذا أظلهم المصدق –الساعي- جمعوها؛ لئلا يكون عليهم فيها إلا شاة واحدة" المائة والعشرين فيها واحدة، من أربعين إلى مائة وعشرين فيها واحدة "لئلا يكون عليهم فيها إلا شاة واحدة فنهو عن ذلك" لأن هذه حيلة، والحيلة التي يتوصل بها إلى إسقاط واجب، أو ارتكاب محرم حرام، إلى إسقاط واجب أو ارتكاب محرم فهي محرمة، وهي التي نهي عنها ((لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)) هذه الحيل التي يستباح بها المحظور، ويترك بها الواجب، لكن إذا كانت الحيلة يدرك بها الواجب، أو يترك بها المحظور صارت مطلوبة {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [(98) سورة النساء] فالهجرة واجبة، فالتحايل على الواجب مطلوب، والتحايل على ترك المحرم مطلوب.(53/13)
"وتفسير قوله: ((ولا يفرق بين مجتمع)) أن الخليطين يكون لكل واحد منهما مائة شاة وشاة" مائة وواحدة، إذا جمعت صارت مائتين واثنين، وحينئذٍ فيها ثلاث شياه، لكن لو فرقت صار على كل واحد منهما واحدة، "وتفسير قوله: ((ولا يفرق بين مجتمع)) أن الخليطين يكون لكل واحد منهما مائة شاة وشاة، فيكون عليهما فيها ثلاث شياه" نعم؛ لأنها، يعني الخليطين يكون لكل واحد منهما مائة شاة وشاة، فيكون عليهما فيها ثلاث شياه؛ لأنها زادت على المائتين، إذا زادت على المائتين إلى ثلاثمائة فيها ثلاث شياه، وهذه زادت على المائتين ففيها ثلاث "فإذا أظلهما المصدق فرقا غنمهما" ليكون على كل واحد واحدة "فلم يكن على كل واحد منهما إلا شاة واحدة، فنهي عن ذلك، فقيل: لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" مخافة الصدقة.
"فقال مالك: فهذا الذي سمعت في ذلك"، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الأخير؟
طالب:. . . . . . . . .
على إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني في مال واحد وإلا أكثر من مال؟
طالب:. . . . . . . . .
مال شخص واحد؟
طالب:. . . . . . . . .
مال شخص واحد ولو تفرق، نصفه بالهند، والنصف الثاني بالمغرب مال شخص واحد، ماله.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
أو افترض أن عنده ربع نصاب ذهب، وربع نصاب فضة، ونصف نصاب عروض، الحكم الواحد، نعم.
أحسن الله إليك.
هذه تجمع، نعم.
باب ما جاء فيما يعتد به من السخل في الصدقة:
حدثني يحيى عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن ابن لعبد الله بن سفيان الثقفي عن جده سفيان بن عبد الله أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعثه مصدقاً، فكان يعد على الناس بالسخل، فقالوا: أتعد علينا بالسخل ولا تأخذ منها شيئاً؟ فلما قدم على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ذكر له ذلك، فقال عمر -رضي الله عنه-: نعم تعد عليهم بالسخلة يحملها الراعي، ولا تأخذها، ولا تأخذ الأكولة، ولا الربْى.
الربّى، الرُبّى
أحسن الله إليك.
ولا الربّى، ولا المخاض، ولا فحل.
الماخض، الماخض.
أحسن الله إليك.(53/14)
ولا تأخذ الأكولة ولا الربى، ولا الماخض، ولا فحل الغنم، وتأخذ الجذعة والثنية، وذلك عدل بين غذاء الغنم وخياره.
قال مالك -رحمه الله-: والسخلة الصغيرة حين تنتج، والربى التي قد وضعت فهي تربي ولدها، والماخض: هي الحامل، والأكولة: هي شاة اللحم التي تسمن لتؤكل.
وقال مالك -رحمه الله- في الرجل تكون له الغنم لا تجب فيها الصدقة فتتوالد قبل أن يأتيها المصدق بيوم واحد، فتبلغ ما تجب فيه الصدقة بولادتها، قال مالك -رحمه الله-: إذا بلغت الغنم بأولادها ما تجب فيه الصدقة فعليه فيها الصدقة، وذلك أن ولادة الغنم منها، وذلك مخالف لما أفيد منها باشتراء أو هبة أو ميراث، ومثل ذلك العرض لا يبلغ ثمنه ما تجب فيه الصدقة، ثم يبيعه صاحبه، فيبلغ بربحه ما تجب فيه الصدقة، فيصدق ربحه مع رأس المال، ولو كان ربحه فائدة أو ميراثاً لم تجب فيه الصدقة، حتى يحول عليه الحول من يوم أفاده أو ورثه.
قال مالك -رحمه الله-: فغذاء الغنم منها كما ربح المال منه، غير أن ذلك يختلف في وجه آخر أنه إذا كان للرجل من الذهب أو الورق ما تجب فيه الزكاة، ثم أفاد إليه مالاً ترك ماله الذي أفاد فلم يزكه مع ماله الأول حين يزكيه، حتى يحول على الفائدة الحول من يوم أفادها، ولو كانت لرجل غنم أو بقر أو إبل تجب في كل صنف منها الصدقة، ثم أفاد إليها بعيراً أو بقرة أو شاة صدقها مع صنف ما أفاد من ذلك حين يصدقه إذا كان عنده من ذلك الصنف الذي أفاد نصاب ماشية.
قال مالك -رحمه الله-: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء فيما يعتد به من السخل في الصدقة:
السخل: جمع سخلة، مثل تمر وتمرة، وسدر وسدرة، يجمع السخل على سخال.(53/15)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ثور بن زيد الديلي" المدني "عن ابن لعبد الله بن سفيان الثقفي عن جده سفيان بن عبد الله" بن ربيعة "أن عمر بن الخطاب بعثه مصدقاً" يعني ساعياً "فكان يعد على الناس بالسخل" النبي -عليه الصلاة والسلام- بعث عمر على الصدقة -ساعي جابي-، وعمر -رضي الله تعالى عنه- بعث سفيان بن عبد الله، يقول: "فكان يعد على الناس بالسخل" يدرجها في العدد "فقالوا: أتعد علينا بالسخل ولا تأخذ منها شيئاً؟ " هذا عنده ألف، ثمانمائة كبار، ومائتين صغار، سخال، يجب عليه عشر، هل يأخذ ثمان واثنتين، وإلا يأخذ كلها كبار؟ كلها كبار، يأخذها كلها كبار.(53/16)
"فقالوا: أتعد علينا بالسخل ولا تأخذ منها شيئاً؟ " يعني للزكاة، كأنه أوجد عنده هذا وقفة، فاحتاج إلى أن يسأل، هو كلام يعني في الجملة منطقي، هذا وجب عليه عشر، ثمانمائة كبار، ومائتين صغار، يعني الأصل أن يأخذ من الثمانمائة الكبار كبار، ومن الصغار صغار، يعني من باب العدل، وملاحظة مصلحة المتصدق، الغني، والشرع لا يهدر مصلحة الغني، مع حرصه على مصلحة الفقير "فلما قدم على عمر بن الخطاب ذكر له ذلك" الذي فعله، وذكر إنكارهم عليه "فقال عمر: نعم تعد عليهم بالسخلة" نعد عليهم مواشيهم بما فيها السخلة "يحملها الراعي" يعني لعدم قدرتها على متابعة المشي "يحملها الراعي، ولا تأخذها" أو تعد ولا تأخذها، السخلة يمكن تموت في الطريق، ما يستفيد منها الفقير، بينما بقاؤها عند صاحبها بين السخال بقاؤها بين أماتها عند صاحبها يستفاد منها، لكن إذا فصلت عن أماتها، وهلكت في الطريق، هي لا تثبت مثل ثبات الكبير، المقصود أن هذا هو الثابت، وأنه لا يأخذ إلا قدر مجزئ، هل فيه ظلم على الغني؟ لا ظلم فيه؛ لأنه بيترك له أنواع جاء التحذير من أخذها، في حديث معاذ لما بعثه النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى اليمن قال: ((وإياك وكرائم أموالهم)) النفائس، النفائس لا تأخذ منها شيء، ((إياك وكرائم أموالهم)) لكن في المقابل أيضاً في الطرف الثاني الخبيث {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] والمراد به الرديء، فالزكاة تؤخذ من أوساط المال، لا تؤخذ الكرائم، ولا تؤخذ الأرذال، إنما يؤخذ من الوسط، وهذا هو العدل، يعني لو شخص عنده ألف رأس، تسعمائة وتسعة وتسعين سعر الواحدة ثلاثمائة ريال، فيكون ثمنها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ألف إلا واحدة، كل واحدة ثلاثمائة ريال، ثلاثمائة ألف إلا ثلاثمائة ريال، وعنده مكمل المائة تيس بثلاثمائة ألف، ويش نقول؟ بيأخذ عن الألف عشرة، يدرج ها الواحد من العشر وإلا يأخذ من غيره؟ من هذا الألف مائة سخال مثلاً.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا إلا أن يشاء المصدق، يأخذ، إذا بغاه أخذه، نعم، لكن هذا الذي بهذا المبلغ الطائل هو ماشية وإلا عرض؟
طالب:. . . . . . . . .(53/17)
يعني إذا كان سائمة مع هذه الأغنام ولم يعد للتجارة فهو سائمة، زكاته زكاة المواشي، لكن إذا كان ينتظر به ارتفاع السعر.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المقصود ((إياك وكرائم أموالهم)) لكن يبقى أنه ...
طالب:. . . . . . . . .
بلى، لكن يبقى .. ، أنا أقول: هل يظلم الفقير إذا أخذنا اعتبرنا نصف المال كلا شيء، نصف المال ثلاثمائة ألف بهذا التيس ما في زكاة، إلا واحد من ...
طالب:. . . . . . . . .
نعم عموم ((إياك وكرائم أموالهم)) لكن إن كان للتجارة.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، إذا كان للزكاة هو يزكي، يزكى زكاة عروض تجارة.
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه بمفرده لا يؤخذ إذا كان من زكاة المواشي، ولا يؤخذ أرذال الأموال، إنما يؤخذ من أوساطها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه بس لا تصير معيبة، جاء: "ولا يؤخذ هرمة ولا ذات عوار، ولا تيس" ما لم تصل إلى الهرم ما في شيء.
"ولا تأخذ الأكولة" الأكولة؛ لأن من لازم الأكل أن تكون سمينة، والسمينة كريمة عند أهلها، لكن إذا كانت أكولة، وليست بسمينة، تصير من الخيار وإلا من الأرذال؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
هو إنما ترك أخذ الأكولة لأنها تسمن، ويستفاد من لحمها وشحمها، لكن إذا كانت تأكل أكل عشر، وتنقص، ما نحتاج ...
طالب:. . . . . . . . .
أنت تبي تعطيها فقير، هذه تبي مصروف لحالها، نعم؛ لأن الأكل يضرها لا ينفعها، فقوله: "ولا تؤخذ الأكولة" إذا كان الأكل تترتب عليه آثاره، إذا كان أكلها يترتب عليه آثاره من السمن، فتكون من الخيار.
"ولا الربّى" التي تربي ولدها "ولا المخاض" التي هي الحامل "ولا فحل الغنم" قال: "ولا تأخذ الأكولة، ولا الربى، ولا الماخض، ولا فحل الغنم" لأن هذه كلها كرائم، وقد جاء التحذير من أخذ الكرائم.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا في كتابه السابق، في كتاب أبي بكر: إلا أن يشاء المصدق.(53/18)
"وتأخذ الجذعة والثنية، وذلك عدل" يعني وسط، يعني إذا تركت الخيار، وتركت الأرذال، لاحظت مصلحة الغني ومصلحة الفقير، وأخذت من الوسط، يعني متوسط المال "وذلك عدل بين غذاء الغنم وخياره" الغذاء الصغار، السخال، وخياره يعني كما .. ، يقول: كما أنه يترك لهم الخيار الذي يضر بهم أخذها يترك أيضاً السخال والصغار التي يضر بالفقير أخذها، لكن لو كانت كلها كرام، كلها من كرائم الأموال، يأخذ منها، وإذا كانت كلها أرذال يأخذ منها، فزكاة المال منه.
"قال مالك: والسخلة الصغيرة حين تنتج" يعني الصغيرة جداً، وقت نتاجها، ولذا قال: "يحملها الراعي" والربى التي قد وضعت فهي تربي ولدها بلبنها ما تؤخذ؛ لأن ولدها بيموت، بيؤخذ معها وإلا بيترك؟ بيترك، إذاً يتضرر الولد، ويتضرر صاحبه به، والماخض: وهي الحامل، والأكولة: هي شاة اللحم التي تسمن لتؤكل.
فهذه كرائم الأموال التي جاء التحذير من أخذها.(53/19)
"وقال مالك في الرجل تكون له الغنم لا تجب فيها الصدقة" انتبهوا يا إخوان "وقال مالك في الرجل تكون له الغنم لا تجب فيها الصدقة" عنده ثلاثين رأس لا تجب فيها الصدقة "فتتوالد قبل أن يأتيها المصدق بيوم واحد، فتبلغ ما تجب فيه الصدقة بولادتها" الآن الشخص هذا عنده ثلاثين رأس في محرم، في محرم عنده ثلاثين رأس، ما عليه زكاة، في صفر صارت واحد وثلاثين، ولد له سخلة، وفي ربيع صارت ثلاثة وثلاثين، وفي رمضان صارت خمسة وثلاثين، في محرم اللاحق صارت أربعين، تجب الزكاة وإلا ما تجب؟ يقول: ولو بيوم واحد على رأيه هو، لكن عند الجمهور حولها إنما يحسب من كمالها النصاب، هذه ما أكملت أربعين إلا في محرم الثاني، من الآن اجمع، احسب، وصلت الأربعين، أو وصلت خمسين، في ذي الحجة ما وصلت، ناقصة، ولد له في هذه المدة عشرين من المجموع صارت خمسين، لما حال عليها الحول صارت الآن بداية الحول الثاني صارت نصاب، فعلى رأي مالك يؤخذ من الزكاة عن الحول الماضي، ولو اكتملت قبل أن يأتيها المصدق بيوم واحد، فالعبرة بوقت الحول، نهايته عند مالك، وغيره يقول: العبرة ببدايته، ولا بد من توافر الشروط في بداية الحول حيث تحسب المدة، لكن بلغت النصاب الآن مائة وثلاثين، خمسين أو ستين، ثم بعد وعلى رأس الحول الثاني بلغت مائة وثلاثين، كل واحدة منها جاءت بتوأم، ماذا يزكي؟ عند من؟
طالب:. . . . . . . . .
فقط؟
طالب:. . . . . . . . .
عند الجميع؛ لأنه حينئذٍ الآن الحول بدأ من بلوغها النصاب عند الجمهور، مالك بدأ قبل ذلك، ما يختلفون بعد ذلك أن نتائج السائمة له حكم الأصل، ومثله ربح التجارة.
"وقال مالك في الرجل تكون له الغنم لا تجب فيها الصدقة فتتوالد قبل أن يأتيها المصدق بيوم واحد، فتبلغ ما تجب فيه الصدقة بولادتها".(53/20)
"قال مالك: إذا بلغت الغنم بأولادها ما تجب فيه الصدقة فعليه فيها الصدقة، وذلك أن ولادة الغنم منها" يعني كربح التجارة، فالنتاج -نتاج السائمة- محسوب تبعاً لأصوله "وذلك مخالف لما أفيد منها باشتراء أو هبة أو ميراث" لماذا؟ لأن الأصل ما بلغ النصاب، وليس هذا ناتجاً عن هذا، يعني شخص عنده ثلاثون من الغنم على رأس الحول بعد سنة صار عنده ثلاثمائة، الثلاثين الأولات، وخلال المدة يشتري ويقبل الهبات، وجاءه إرث من والده مائة رأس تكاملت، على رأس الحول الثاني ويش يزكي؟ ما يزكي، لكن لو كانت أربعين الآن عندنا انتهينا من النتاج، الآن صارت أربعين نصاب، مع بداية الحول أربعين، ثم لما حال الحول الثاني إذا هي مائتين أو ثلاثمائة، زادت، نعم زادت بهبة وشراء وإرث، يفرق الإمام مالك في هذا بين ما كان قد بلغ النصاب قبل حساب الحول، فهذا يضاف إليه ما يكسبه، ولو كان بطريق الإرث أو الشراء أو الهبة، ما لم يحل عليه الحول، ما لم يبلغ النصاب لا يضاف إليه شيء، إلا نتاجه يضاف إليه.
الفرق ظاهر بين المسألتين؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الذي لم يبلغ النصاب عند الجمهور يبدأ حوله من متى؟ من بلوغه النصاب، عند مالك يبدأ حوله؟
طالب:. . . . . . . . .(53/21)
لا، من بدايته، من بداية الحول الأول، ولو لم يبلغ النصاب، شريطة أن يبلغ عند حولان الحول من نتاجه، أما إذا كان أضيف إليه بشراء أو هبة فلا يحسب معه، بخلاف ما إذا كان قد بلغ النصاب من الأصل، ثم أضيف إليه بشراء أو هبة أو .. ، فيحسبه مالك، إذا بلغت الغنم بأولادها ما تجب فيه الصدقة فعليه فيها الصدقة، إذا بلغت الغنم بأولادها، يعني مع أولادها ما تجب فيه الصدقة، الآن عنده عشرين حال عليها الحول، وإذا هي أربعين يطلع واحدة، عند الجمهور ما يطلع واحدة حتى يحول عليها الحول من بلوغها النصاب، وذلك أن ولادة الغنم منها، النتاج من الأصل، يضاف إلى الأصل، وذلك مخالف لما أفيد منها من الزيادة باشتراء أو هبة أو ميراث، فهذا لا يضاف لما لم يبلغ النصاب، لكن يضاف لما بلغ النصاب، ومثل ذلك العرض لا يبلغ ثمنه ما تجب فيه الصدقة، يعني عندك عروض تجارة، قومت هذه العروض فإذا هي ما تبلغ الصدقة، ومثل ذلك العرض لا يبلغ ثمنه ما تجب فيه الصدقة، ثم يبيعه صاحبه، فيبلغ بربحه ما تجب فيه الصدقة، فيصدق ربحه مع رأس ماله، ولو قبل الحول بيوم.
هنا يقول: "ومثل ذلك العرض لا يبلغ ثمنه ما تجب فيه الصدقة ثم يبيعه صاحبه، فيبلغ ... " إلى آخره.
الجمهور ما يبدأ حساب الحول بدايته إلا من بلوغ النصاب، والإمام مالك كأنه يرى أن العبرة بتمام الحول، وبلوغه النصاب، ولو لم يبلغ في بدايته النصاب، وهذا في نتاج السائمة، وربح التجارة عند مالك، بخلاف ما أضيف إليه من الأموال فإنه إنما يبدأ الحساب من بلوغه النصاب، ويجعل ما يضاف إلى المال بشراء أو هبة أو إرث مثل النتاج، لكن يفترقان في بداية الحول هل يعتد .. ؟ لا بد أن يبلغ النصاب مع بداية الحول أو لا؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .(53/22)
لا، كل شيء بحسابه، الآن الماشية بنتاجها حولها مستقل؛ لأن النتاج حكمه حكم الأصل، لكن ما يشترى، عنده في محرم أربعين من الغنم، في صفر اشترى أربعين، في رمضان اشترى أربعين ... إلى آخره، مثل الرواتب، مثل الأموال المكتسبة، كل شيء له نصابه، ما يضاف هذا إلى هذا إلا لو كان نتاجاً له، أو كانت للتجارة وهذا من ربحها، لو كانت الماشية للتجارة وهذا من ربحها ربح التجارة تابع لأصله.
"ولو كان ربحه فائدة -يعني هبة أو ميراثاً- لم تجب فيه الصدقة حتى يحول عليه الحول من يوم أفاده" من يومَ وإلا من يومِ؟ من يومِ وإلا من يومَ؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
من يومِ، ما يجي، ويش السبب؟
طالب:. . . . . . . . .
لا مضاف، من.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا (من) جاره بلا شك، (من) جاره، ((رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه)) لكن لو قلنا: من يوم يفيد المال بدل أفاده، هذا الظرف إذا أضيف على جملة صدرها مبني بني على الفتح، إذا أضيف على جملة صدرها معرب أعرب، وجر في مثل هذا.
لو كان الحديث: "رجع الحديث كيوم تلده أمه" قلنا: كيومِ، لكن الجملة صدرها مبني، فعل ماض، فيبنى الظرف، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ ونقول: حينئذٍ من يومَ أفاده؛ لأنه أضيف إلى جملة صدرها مبني، "أو ورثه".
"قال مالك: فغذاء الغنم منها" سخالها، منها كما ربح المال منه، نعم ربح التجارة، ونتاج السائمة منه عند مالك وغير مالك، لكن يختلفون في بعض التفاصيل.
يقول: "غير أن ذلك يختلف في وجه آخر -هو- أنه إذا كان للرجل -مثلاً- من الذهب أو الورق ما تجب فيه الزكاة -عشرون ديناراً من الذهب، أو مائتا درهم من الورق من الفضة- ثم أفاد إليه مالاً ترك ماله الذي أفاد فلم يزكه مع ماله الأول حين يزكيه، حتى يحول على الفائدة الحول من يوم أفادها" الآن: ثم أفاد إليه مالاً، يعني ربح في هذا المال، أو اكتسب مال جديد من جهة أخرى؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، يقول: "غذاء الغنم كما ربح المال" منه، هذا يوجب فيه الزكاة، نتاج السائمة، وربح التجارة.
طالب:. . . . . . . . .(53/23)
وين؟ غير أن ذلك يختلف من وجه آخر أنه إذا كان -المال الذهب والفضة- أنه إذا كان للرجل مثلاً من الذهب أو الورق ما تجب فيه الزكاة، ثم أفاد إليه مالاً ترك ماله الذي أفاد فلم يزكه مع ماله الأول حين يزكيه حتى يحول على الفائدة الحول، لأنه قال: أفاده، ولو كان ربحه فائدة، يعني هبة أو ميراث، ما هو بربح تجارة.
طالب:. . . . . . . . .
الربح، الربح مثل النتاج سواءً بسواء، لكن كلامه الذي قال: إنه إذا كان للرجل مثلاً من الذهب أو الورق ما تجب فيه الزكاة، ثم أفاد إليه مالاً، ما هو منه، ما هو من ربحه هو، أفاده بهبة أو ميراث، أو تجدد رواتب مثلاً.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، القياس عنده كما ربح المال منه، أنت عندك ألف ريال، أدخلته في مساهمة على رأس الحول صار ألفين، تزكي ويش تزكي؟ تزكي ألفين، لكن أنت عندك ألف، فلما حال عليك الحول إذا والله ورصيدك ألفين، من أين؟ كل شهر توفر لك مائة مائتين خمسين كذا، يصير تبع المال الأول؟ لا ما هو منه، هذا كلام الإمام مالك -رحمه الله-.
"كما ربح المال منه، غير أن ذلك يختلف من وجه آخر" وهو "أنه إذا كان للرجل مثلاً من الذهب أو الورق ما تجب فيه الزكاة، ثم أفاد إليه مالاً"، يعني انضم إليه مال ليس من ربحه، وإنما بسبب آخر من إرث أو هبة أو نحوهما "ثم أفاد إليه مالاً ترك ماله الذي أفاد فلم يزكه مع ماله الأول حين يزكيه حتى يحول على الفائدة الحول من يوم أفادها" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(53/24)
أنت افترض أن عنده غنم، وأهدي إليه مجموعة من الأغنام، سخال، كلها سخال، يعني التنظير لما نحن فيه مال ربح أدخلته في مساهمات وزاد دراهم، وغنم نتجت، هذا الفائدة هذه كلها تابعة للأصل، حولها من حول الأصل، نظر هذا بمال جالس عندك في نهاية العام زاد من إرث مثلاً، أو هبة، وقل مثل هذا فيما لو كانت غنم ثم أضيف إليها مثلها، بهبة أو إرث، هذا ليس ناتجاً عن هذا، لكن الإمام مالك يرى أن الزائد فيه زكاة وإلا ما فيه زكاة ولو لم يكن من ربحه؟ إذا كان بالغ للنصاب من الأصل ضم إليه، وإذا كان ناقص عن النصاب ما يضم إليه إلا ربحه أو نتاجه، والجمهور ما يبدأ حساب النصاب إلا من بلوغ النصاب.
"ولو كانت لرجل غنم أو بقر أو إبل تجب في كل صنف منها الصدقة" له غنم عنده أربعين، وثلاثين من البقر، وخمس من الإبل "ولو كانت لرجل غنم أو بقر أو إبل تجب في كل صنف منها الصدقة، ثم أفاد إليها بعيراً أو بقرة أو شاة صدقها" زكاها "مع صنف ما أفاد من ذلك حين يصدقه" ثم أفاد إليها بعيراً، يعني من غيرها بإرث أو شراء يزكيها معها، ومقتضى قول الأكثر، يعني أنه لو كان عنده مثلاً أربعين رأس، ثم بعد ستة أشهر اشترى أربعين رأس، عند مالك يضيف هذا إلى هذا، بينما الجمهور لا، كل مال له حوله المستقل، يعني مثل الرواتب؛ لأن أظهر ما يوجد الآن الرواتب؛ لأنها ثابتة، ويمكن ضبطها.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني على رأي مالك؟
طالب:. . . . . . . . .
رأي مالك فيه إشكال، فيه إشكالات يعني.
"ولو كانت لرجل غنم أو بقر أو إبل تجب في كل صنف منها الصدقة، ثم أفاد إليها بعيراً أو بقرة أو شاة صدقها" زكاها، يعني بشرط أن يكون أصلها قد بلغ النصاب، هو لا يشترط النصاب في ربح التجارة ولا نتاج السائمة في بداية الحول، العبرة بنهاية الحول، لكن إضافة مال إلى مال لا ارتباط له به لا بد أن يكون الأصل قد بلغ النصاب.(53/25)
يقول: "صدقها مع صنف ما أفاد من ذلك حين يصدقه" يعني في وقته "إذا كان عنده من ذلك الصنف الذي أفاد نصاب ماشية" وحاصل ما ذكر -رحمه الله- أن نتاج السائمة كربح التجارة، إن تم به النصاب قبل مجيء الساعي ولو بيوم، زكيت بخلاف ما أفاد بشراء وهبة أو ميراث فإنه .. هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم لا يكمل النصاب بذلك، واضح وإلا مو بواضح؟
الخلاصة: أن الإمام مالك يرى التفريق بينما كان من ربح ونتاج فيكمل به، وما كان من فائدة غير الربح والنتاج فائدة أخرى بإرث، يعني لا ارتباط له بالمال الأول، مال جديد، بالنسبة للنتاج والربح يبدأ الحول من ملك الأصل، ولو لم يبلغ النصاب، شريطة أن يتم النصاب قبل مجيء الساعي ولو بيوم، الجمهور من متى؟ من بلوغ النصاب، هذا في نتاج السائمة، وربح التجارة، ويتفقون على أن النتاج والربح له حكم الأصل، لكن يختلفون في حساب الحول متى يبدأ؟ إضافة أموال جديدة عنده أموال يشتغل في محرم عنده عشرة آلاف من تجارته، في محرم الثاني نظر في الرصيد وإذا فيه عشرين ألف، طيب العشرة من نتاج هذه العشرة الأولى؟ إذا كانت من ربحها يتفقون على أنها تزكى معها، لكن إذا كانت بسبب آخر كإرث أو هبة مالك يزكيها مع الأصل؛ لأن الأصل قد بلغ النصاب، وغير مالك يقول: لا، كل مال له حسابه، هذا حوله مستقل، وهذا يستقبل به حول جديد.
قال مالك: "وهذا أحسن ما سمعت في ذلك" يعني من الخلاف.
وقال الشافعي: لا يضم شيء من الفوائد إلى غيره إلا نتاج السائمة إذا كانت نصاباً، يعني إذا كسبه أو حصل إليه بأي سبب آخر غير الإنتاج، وغير الفوائد فإنه يستقبل به حولاً جديداً؛ لأنه مال مستقل، يعني مثلما لو اشترى أرض، وبعد ستة أشهر اشترى أرض ثانية، بنية التجارة، يزكي هذه إذا حال عليها الحول، ويزكي هذه إذا حال عليها الحول.
اللهم صل على محمد ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(53/26)
هذا بحث في المسألة التي طرحت في أول كتاب الزكاة، وإخراج أكثر من المطلوب، ويبحثه أهل العلم في كتب الأصول في القدر الزائد على الواجب هل يلحق به، أو يكون الواجب واجب وما زاد عليه مسنون؟ ويفرقون بين الزيادة المتميزة المنفصلة عن الواجب، وبين الزيادة المختلطة به، غير المتميزة.
هذا يقول:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذا بحث في القدر الزائد على الواجب.
إلى أن قال: من وجبت عليه عبادة فأتى بما لو اقتصر على دونه لأجزأه، هل يوصف الكل بالوجوب أو قدر الإجزاء منه؟
إن كانت الزيادة متميزة منفصلة فلا إشكال أنها نفل بانفرادها، كإخراج صاعين منفردين في الفطرة ونحوه، يعني كال صاعاً الواجب عليه في الفطرة، وجعله في كيس، ثم كال صاعاً آخر فجعله في كيس منفصل عن الأول، هذه متميزة، ولا أحد يقول بوجوب الثاني، بمعنى أنه لو فرط في إخراجها، ثم سرق قبل أن يسلم الفقير الصاعان معاً، فإنه لا يلزمه إلا الواجب، لكن لو جعلهما في كيس واحدة، ولم يميز الواجب من غيره مثل ذلك لو أخرج ديناراً عن عشرين، هذا محل الخلاف.
يقول: إن كانت الزيادة متميزة منفصلة فلا إشكال أنها نفل بانفرادها، كإخراج صاعين منفردين في الفطرة ونحوه، وأما إن لم تكن متميزة، ففيه وجهان مذكوران في أصول الفقه، وينبني عليه مسائل:(53/27)
منها: إذا أدرك الإمام في الركوع بعد فوات قدر الإجزاء منه، هل يكون مدركاً له في الفريضة، يعني قدر الإجزاء مع الإمام ينحني الإمام ويطمئن، ويأتي بالذكر مرة واحدة، قائلاً: سبحان ربي العظيم، ثم بعد ذلك إذا زاد ثانية وثالثة وسابعة هذا كله مسنون، لكن هذه الزيادة غير متميزة، فهل يكون الجميع واجب؟ الركوع من أوله إلى الرفع منه كله واجب؟ وإلا يكون القدر الواجب أوله والزيادة عليه سنة؟ هذه الزيادة غير متميزة وهي محل الخلاف، لكن على مذهب الحنابلة هل يقولون: إن هذه الزيادة مستحبة وعلى هذا لا يجوز اقتداء المفترض بالإمام؛ لأنه متنفل حينئذٍ في القدر الزائد، ولا يرون صلاة المفترض خلف المتنفل، يقولون بهذا؟ يقول هنا: ظاهر كلام القاضي وابن عقيل تخريجها على الوجهين، إذا قلنا: لا يصح اقتداء المفترض بالمتنفل قال ابن عقيل: ويحتمل أن تجرى الزيادة مجرى الواجب في باب الاتباع خاصة، إذ الاتباع قد يسقط الواجب، كما في المسبوق، ومصلي الجمعة من امرأة وعبد ومسافر.
ومنها: إذا وجب عليه شاة فذبح بدنة، فهل كلها واجبة أو سبعها؟ على وجهين.
ومنها: إذا أدى عن خمس من الإبل بعيراً، وقلنا: يجزئه؛ لأن من أهل العلم من يقول: لا يجزئه البعير عن الشاه.
فهل الواجب كله أو خمسه؟ الواجب حكى القاضي أبو يعلى الصغير فيه وجهان، فعلى القول بأن خمس الواجب يجزئ عن عشرين بعير أيضاً، وعن الآخر لا يجزئ عن العشرين إلا أربعة أبعرة.
ومنها: إذا مسح رأسه كله دفعة واحدة، وقلنا: الفرض منه قدر الناصية، فهل الكل فرض أو قدر الناصية منه؟
ومنها: إذا أخرج في الزكاة سناً أعلى من الواجب، فهل كله فرض أو بعضه تتطوع؟
قال أبو الخطاب: كله فرض، قال القاضي: بعضه تتطوع، وهو الصواب؛ لأن الشارع أعطاه جبراناً عن الزيادة، فأما ما كان الأصل فرضيته ووجوبه ثم سقط بعضه تخفيفاً إذا فعل الأصل غصب الكل بالوجوب على الصحيح.
فمن ذلك: إذا صلى المسافر أربعاً فإن الكل فرض في حقه، وعن أبي بكر أن الركعتين الأخيرتين نفل لا يصح اقتداء المفترض به فيهما، وهو متمشٍ على أصله، وهو عدم اعتبار نية القصر والمذهب الأول.(53/28)
ومنها: إذا كفر الواطئ في الحيض بدينار فإن الكل واجب، وإن كان له الاقتصار على نصفه، ذكره في المغني؛ لأنه مخير، الكفارة دينار أو نصفه كما جاء بها الخبر على خلاف في ثبوته.
ومنهم من يجعل (أو) ليست للتخيير، وإنما هي للتنويع والتقسيم، ففي وقت إقبال الحيضة أو فورتها دينار، وفي وقت إدبارها وضعفها نصفه.
ويتخرج فيه وجه من قول أبي بكر: فأما إن غسل رأسه بدلاً عن مسحه، وقلنا بالإجزاء ففي السائل منه وجهان: أحدهما أنه مستعمل.
طيب عندنا المرأة ليس عليها حلق، وإنما عليها التقصير، لو جاءت بأكثر من الواجب، حلقت، يجزئ وإلا ما يجزئ؟ مثلما عندنا هنا يقول: ومنها إذا غسل رأسه بدلاً عن مسحه، الواجب المسح، والغسل قدر واجب على ما جاء به الشارع، فهل يمكن أن يوصف هذا بوجوب، وهو خلاف مراد الشارع، فهل يجزئ عن الواجب؟ لأنه هو الواجب وزيادة، فيه زيادة على الواجب المطلوب، وقل مثل هذا فيما لو حلقت المرأة شعرها في النسك، وقل مثل هذا فيما لو غسل العضو عشر مرات مثلاً، جاء بالواجب وما يزيد عليه.
يقول: ففي السائل منه وجهان: أحدهما أنه مستعمل في رفع حدث؛ لأن الأصل هو الغسل وإنما سقط تخفيفاً، والثاني: وهو الصحيح أنه طهور؛ لأن الغسل مكروه، فلا يكون واجباً، وقد يقال: الإتمام في السفر أيضاً مكروه.
والواجب الذي لا يتقيد بعدد محدود كالطمأنينة في الركوع والسجود، ومدة القيام والقعود إذا زاد على أقل الواجب فالزيادة ندب، واختاره أبو الخطاب، وقال القاضي: الجميع واجب؛ لأن نسبة الكل إلى الأمر واحد، والأمر في نفسه أمر واحد {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] فالركوع واجب، فالذي يتم به امتثال الواجب كله واجب، على كلامه، والأمر في نفسه أمر وحد، وهو أمر إيجاب، ولا يتميز البعض عن البعض فالكل امتثال.
يقول: ولنا أن الزيادة يجوز تركها مطلقاً من غير شرط ولا بدل وهذا هو الندب؛ لأن الأمر أن مقتضى إيجاد ما تناوله الاسم فيكون هو الواجب, والزيادة ندب، وإن كان لا يتميز بعضه عن بعض فيعقل كون بعضه واجباً، وبعضه ندباً، كما لو أدى ديناراً عن عشرين.(53/29)
أصل العشرين فيها كم زكاة؟ نصف دينار، ربع العشر، فلو أدى ديناراً عن عشرين هل الكل واجب أو بعضه؟ على الخلاف؛ لأن الزيادة غير متميزة، ويلتحق بهذا مسائل كثيرة، يحتاجها طالب العلم، أحياناً يحتار في تخريجها على أصل، فإذا ضبط القاعدة، نعم هم في كتب القواعد يتركون الطالب يكون محتاجاً إلى الشيخ باستمرار، يتركونه أحياناً في حيرة، يطلقون الوجهين والروايتين والقولين ولا يرجحون، لكن بصدد تقرير قاعدة، وتوضيح قاعدة، وليسوا بصدد تقرير أحكام.
أما فروع هذه القاعدة التي يحتاج فيها الطالب إلى ترجيح الراجح فمحله كتب الفروع، ولذلك لا تجدهم يرجحون، يطلقون الروايتين والوجهين والقولين، ثم بعد ذلك الطالب إذا رجع إلى كتب الفروع عرف الراجح من المرجوح.
هذه أسئلة.
هذا من السويد يقول: هل يجوز للمرأة أن تعطي أخيها من الزكاة؟ أخاها من الزكاة وهل العرض المرهون عليه زكاة؟
الأخ إذا لم يكن شريك في المال فإنه يعطى من الزكاة، يستثني بعضهم، أو يشترط أن لا يكون وارثاً، فإن كان وارثاً بأن تكون هذه المرأة ليس لها أولاد من الذكور، فإن كان لها أولاد يحجبونه من الإرث فإنه تدفع له الزكاة، وعلى كل حال ليس من الأصل ولا من الفرع، ليس أصلاً لها ولا فرعاً لها، فالأمر فيه سعة -إن شاء الله تعالى-.
وهل العرض المرهون عليه زكاة؟
نعم عليه زكاة، عند من يقول بأن من عليه دين يزكي، أما من كان ... ، الذي عليه دين على القول بأنه لا يزكي، ولا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب، فإن الرهن فرع عن الدين.
السائل يقول من السعودية: شخص أقرض آخر مبلغ من المال فهل يزكي على هذا المال؟
نعم إذا كان ملياً يزكيه كأنه عنده، أما إذا كان المقترض معسراً فإنه يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة.
وهذا يقول: شخص اشترى من البنك سيارات بالأقساط لمدة عشر سنوات، فهل عليه زكاة في مثل هذا المال الذي ملكه بهذه الأقساط وعليه دين؟ وهل الزكاة على المقترض أو المقرض؟(53/30)
على كل حال الزكاة كل يخاطب بما يخصه، المقرض يعني الدائن، هنا ما في قرض، هذا دين؛ لأن القرض لا يشترط فيه .. ، أولاً: ليست له مدة محددة على قول الأكثر، وإن رأى مالك أنه يمكن تأجيله لمدة معينة، والمسلمون على شروطهم، وهو اختيار شيخ الإسلام.
الأمر الثاني: أن القرض ليس فيه زيادة، هو مال عين بمال مساو له، القصد منه الإنفاق، وليس القصد منه الفائدة، فإذا اشترى أو استدان من البنك أو من أي جهة سيارات وقسطها لمدة عشر سنوات، البائع يزكي ما حل منها، الدين الحال من هذه الأقساط يزكيها، وأما بالنسبة للمدين فعلى الخلاف، إن كان ممن يرى أو من مذهبه مثلاً الذي يقلد فيه إمامه أنه يرى الزكاة بالنسبة لمن عليه دين فيزكي، وإذا كان لا يراها تبعاً لإمام تبرأ الذمة بتقليده، فلا زكاة عليه.
يقول: هل عروض التجارة تقوم بسعرها جملة أم قطاعي، فإنا نشتريها بثمانية ريالات، وأبيعها بعشرة، فأي قيمة تعتبر، هل هو بسعر المشتري أم بسعر البيع؟
لا بسعر المشترى ولا بسعر البيع، إنما بسعر ما تستحقه في يومك، في يوم التقدير، والمسألة مفترضة فيما إذا قيل: كم يقوم ما في هذا المحل من بضاعة؟ بحيث لو أراد بيعه في الحال جاءت له بهذه القيمة.
السائل من الإمارات يقول: هل يرجح الشيخ أن المال الموجود في البنك وحال عليه الحول، لكن هو دين للبنك سيقوم بسحبه بعد انتهاء الحول فلا زكاة عليها؟
على كل حال ما دام الدين باسمه، وتحت تصرفه، إذا كان المال باسمه، وتحت تصرفه فإن عليه زكاة، إذا أراد ألا يزكي يسدد الدين عليه.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب العمل في صدقة عامين إذا اجتمعا:
قال يحيى: قال مالك -رحمه الله-: الأمر عندنا في الرجل تجب عليه الصدقة وإبله مائة بعير، فلا يأتيه الساعي حتى تجب عليه صدقة أخرى، فيأتيه المصدق وقد هلكت إبله إلا خمس ذود.
قال مالك -رحمه الله تعالى-: يأخذ المصدق من الخمس ذود الصدقتين اللتين وجبتا على رب المال ...(53/31)
شرح: الموطأ – كتاب الزكاة (6)
باب العمل في صدقة عامين إذا اجتمعا - باب النهي عن التضييق على الناس في الصدقة - باب أخذ الصدقة ومن يجوز له أخذها - باب ما جاء في أخذ الصدقات والتشديد فيها.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
قال مالك -رحمه الله تعالى-:
يأخذ المصدق من الخمس ذود الصدقتين اللتين وجبتا على رب المال شاتين في كل عام شاة؛ لأن الصدقة إنما تجب على رب المال يوم يصدق ماله، فإن هلكت ماشيته، أو نمت فإنما يصدق المصدق زكاة ما يجد يوم يصدق، وإن تظاهرت على رب المال صدقات غير واحدة، فليس عليه أن يصدق إلا ما وجد المصدق عنده، فإن هلكت ماشيته أو وجبت عليه فيها صدقات، فلم يؤخذ منه شيء حتى هلكت ماشيته كلها، أو صارت إلى ما لا تجب فيه الصدقة، فإنه لا صدقة عليه، ولا ضمان فيما هلك، أو مضى من السنين.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب العمل في صدقة عامين إذا اجتمعا:
الزكاة في الأموال الظاهرة كانت تؤدى عن طريق الساعي، فالساعي هو الذي يقبض زكاة المواشي، من قبل ولي الأمر يكلفه بهذا، ويجمعها من الناس، والخارص من قبل ولي الأمر يخرص الزروع والثمار، التمر والعنب وغيرهما والحبوب، على ما سيأتي، ويأخذ الزكاة نيابة عن ولي الأمر، فإذا لم يأتِ الساعي، شخص عنده عدد كبير من المواشي يجب فيها الزكاة، ما جاء الساعي، هل نقول: يلزمك أن تذهب بصدقتك وتسلمها الفقراء أنت، أو تسلمها الإمام؟(54/1)
الأصل أن الزكوات تؤخذ من أصحاب المواشي على مياههم، لكن ما جاء الساعي، من السنة الجايئة جاء، وقال: أنا والله ما جئتكم العام الماضي، لكن أنا بأخذ زكاة سنتين، خلال هاتين السنتين الإبل تغير وضعها، إما أن تكون زادت زيادة واضحة، أو تكون أيضاً نقصت نقصاً بيناً، فكيف يزكي؟ هل يزكي على حسب الموجود الآن وقت مجيء الساعي، مائة صارت خمس، يأخذ خلال العامين النقص تدريجي، لما حال عليها الحول فإذا هي ستين، الحول الأول، لما حال الحول الثاني صارت خمس، هل نقول: يأخذ عن العام الماضي زكاة الستين، وعن العام الذي يليه يأخذ زكاة الخمس، أو يأخذ ما استقر عليه الأمر عند مجيء الساعي؟ خمس فيأخذ شاة عن هذه السنة وشاة عن السنة التي قبلها، هذا موضع بحث الإمام -رحمه الله تعالى- في هذا الباب.
يقول: "قال يحيى قال مالك: الأمر عندنا في الرجل تجب عليه الصدقة وإبله مائة" إبله مائة بعير "فلا يأتيه الساعي حتى تجب عليه صدقة أخرى" يتأخر الساعي، ما يأتي، فيأتيه المصدق، يعني الساعي "وقد هلكت إبله إلا خمس ذود".
الآن هذا في تأخير الزكاة، من المعلوم عند أهل العلم أنه لا يجوز تأخير الزكاة إذا حان وقتها، ويتجاوزون عن الشيء اليسير يوم أو يومين أو ثلاثة، أما بالنسبة للتعجيل فلا بأس به، إذا كانت مصلحة الفقير تقتضيه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال بالنسبة لزكاة العباس: ((هي علي ومثلها)).
في كلام الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: "الأمر عندنا في الرجل تجب عليه الصدقة وإبله مائة، فلا يأتيه الساعي حتى تجب عليه صدقة أخرى، فيأتيه المصدق وقد هلكت إبله إلا خمس ذود" افترض أن الساعي ما جاء خمس سنوات، والإبل كانت مائة، بعد سنة صارت مائتين، بعد سنة صارت ثلاثمائة، في السنة الرابعة صارت مائة، في السنة الخامسة صارت خمس، ثم جاء المصدق ليأخذ زكاة خمس سنوات، إيش يأخذ؟ خمس عنده الآن، يأخذ خمس شياه؟ نعم؟ خمس شياه؟(54/2)
يقول -رحمه الله تعالى-: "قال مالك: يأخذ المصدق من الخمس ذود الصدقتين اللتين وجبتا على رب المال شاتين في كل عام شاة" افترض هذا في شخص عنده دراهم، في رصيده مائة ألف، لما حال عليه الحول صارت مائة وخمسين، الحول الثاني صارت مائتين ألف، الثالث صارت رجعت إلى مائتين، الرابع صارت مائة، الخامس انتهت ما في شيء، لما جاءه الساعي قال: والله ما عندنا شيء، أو نقول: زكاة النقود تختلف، الأموال الخفية يختلف وضعها عن الأموال الظاهرة؟ لأن هذه لا تحتاج إلى ساعي، بل يأثم بتأخيرها، ولو كلف رب المال بإخراج الزكاة بالنسبة للمواشي في وقتها، وهو بعيد عن الإمام، والإمام ما كلف أحد يقبض منه الزكاة، وبينه وبين المدن مفاوز، ويحتاج إلى عناء ومشقة لجلب هذه الزكاة إلى الإمام، ويفترض أنه ليس عنده فقير يدفع إليه مباشرة، وإلا لو وجد الفقير فهو مصرفها يعطى.
يقول: "يأخذ المصدق من الخمس ذود الصدقتين اللتين وجبتا على رب المال" أما بالنسبة للأموال الخفية فيخرج جميع ما وجب عليه، لكن بعض الناس يقول: يحول علي الحول وعندي بضاعة، لكن ما عندي سيولة أخرج الزكاة، ينتظر وإلا يقترض؟ يقول: أنا والله عندي أموال -ولله الحمد- باقية موجودة، محتويات هذا المحل ملايين، افترض خمسة مليون مثلاً، زكاتها مائة وخمسة وعشرين ألف، يقول: والله ما عندي مائة وخمسة وعشرين، لا استطيع أن أدبر مائة وخمسة وعشرين، هل نقول: يقترض أو يبيع شيئاً من المحل، ولو اضطر أن يبيعه برخص؟ نعم؟ هذا دين حل، دين الله أحق بالقضاء، فيلزمه أن يخرج الزكاة.
يقول مالك: "يأخذ المصدق من الخمس ذود الصدقتين اللتين وجبتا عليه" على رب المال، شاتين في كل عام، في كل عام شاة؛ لأنه ما بقي عنده إلا خمس، والخمس زكاتها شاة، لكنه قبل عام يعني في حلول العام الأول كانت خمسين مثلاً، نعم، فعلى كلام الإمام -رحمه الله تعالى- المصدق ما له إلا اللي هو يرى، ليس له إلا ما أمامه.(54/3)
لأن الصدقة يقول الإمام -رحمه الله-: لأن الصدقة إنما تجب على رب المال يوم يصدق ماله، أي يزكيه، وعندهم شرط الوجوب مجيء الساعي، افترض أن شخص عنده أموال طائلة مواشي كثيرة، لكن ما جاءه ساعي أبداً، هل الزكاة مرتبطة بالساعي، مجيء الساعي شرط عندهم، يزكي الموجود، عدد السنوات الماضية، يعني عن السنتين يزكي شاتين، ولو كانت قبل سنة مائة، هذا نص كلامه، فيزكي على مقتضى الوضع الراهن، وقت مجيء المصدق، وشرط الوجوب عندهم مجيء الساعي إن كان فلا ضمان عليه فيما تلف، يعني لو تلف، المسألة التي تصورناها فيها تلف، مات كمية كبيرة، فيما تلف لانعدام شرط الوجوب، سواءً تلف بأمر سماوي، أو بأمر عادي، يعني فرط في حفظها، غنم وفرط في حفظها فماتت من البرد، لكن شريطة ألا يقصد الفرار من الزكاة، لا يفرط هذا عند مالك وأصحابه.
قال أبو حنيفة: إن أتلفها هو ضمن، يعني فإن تلفت بآفة سماوية لا ضمان عليه، لكن أتلفها هو ضمن، لا سيما إذا فرط في حفظها، طيب، إن لم يكن هناك ساعي تعطل الزكاة؟ يعني على مقتضى كلام الإمام مالك أن الزكاة تعطل حتى يأتي الساعي، ومجيء الساعي شرط لوجوبها، فالذي لا يأتيه الساعي نعم لا زكاة عليه، افترض أن شخصاً انزوى في زاوية بحيث لا يمكن الوصول إليه، يعني هذا ما عليه زكاة؟ نعم؟ أنت لا تستصحب أن قصده في هذا الفرار من الزكاة، جاء شخص إلى أحد المشايخ وقال: إن الساعي أعفاني من الزكاة، فقال: الحق به عله أن يعفيك من الصلاة، قال: لا، أبد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(54/4)
هذه فريضة، فريضة من الله -جل وعلا-، لا يملك الإعفاء منها ولا ولي الأمر، ما يملك، هذه فريضة مفروضة، ركن من أركان الإسلام، لا يملك أحد أن يعفي منها، لكن على رأي الإمام مالك أن الساعي لو خان الأمانة ولا طلع، أو طلع مثلما يطلع بعض المتساهلين يقول: والله ما لقينا أحد يزكي، نأخذ منه الزكاة، أو رب المال صاحب المال انزوى في زاوية بحيث لا يطلع عليه ولا الطيور، مقتضى قول مالك أنه ما عليه شيء؛ لأن مجيء الساعي شرط، لكن عند الأكثر عليه الزكاة، عليه الزكاة، قد يقول قائل: كيف نكلف هذا صاحب المال أن يحمل هذه الزكاة إلى حيث الإمام؟ كلفناه فوق ما كلف به شرعاً، لكن على كل حال إذا حصل التفريط في الأمور الواجبة من جهة -أو من طرف- فإنه لا يجوز التساهل من الطرف الآخر، فشعائر الله لا بد من القيام بها، وعلى هذا لو هذا يكون لو فرط الإمام مثلاً، ولا وضع سعاة، وطالب الناس بالزكوات فعليهم دفعها، كونهم يوفر لهم من يستلم منهم على مياههم بحيث لا يكلفون تبعة النقل، وتكاليف أداء الزكاة هذا من حقوقهم على الإمام، ودفعهم الزكاة من حق الله عليهم، فكل إنسان مطالب بما يخصه، فهم مطالبون بما افترض عليهم، والإمام مطالب ببعث السعاة لجباية الزكاة، فيؤدون الذي عليهم، ويسألون الله -جل وعلا- الذي لهم، فإذا كلفهم مبلغ عندهم حقة وجذعة وبنت لبون، يجمعوها في سيارة مثلاً أجرتها إلى محل الإمام خمسمائة ريال، على الإمام أن يدفع لهم هذه الأجرة، فإن دفعها وإلا فيسألون الله -جل وعلا- الذي لهم، يؤدون الذي عليهم، ويسألون الله -جل وعلا- الذي لهم.
وقل مثل هذا لو كان عنده زكاة مال، عليه أن يؤديها إلى مصرفها ولو كلفت ما كلفت؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، لا يتم توزيع هذه الزكاة وإيصالها إلى أربابها إلا بمؤونتها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(54/5)
صاحب الزكاة؟ الأصل المتصدق، المتصدق الأصل أن تؤخذ زكاته على مائه، والإمام يبعث السعاة إلى هؤلاء أرباب الأموال ولا يكلفهم بنقلها إلى الإمام، هذا الأصل، فإذا قصر الإمام مثلاً أو قصر الساعي خان، كلف براتب وإلا بجزء من الزكاة فما راح؛ لأن بعض الناس يتساهل في أداء ما وجب عليه، بعض الناس يطلب خارج دوام ولا يروح، أو يطلب انتداب ولا يسافر، وقل مثل هذا في الساعي، الساعي وكله الإمام بأن يقبض زكاة الجهة الفلانية وما راح، قال: رحنا ولا لقينا أحد، فإثمه عليه، لكن يبقى أن هذا مطالب بدفع الزكاة، والإمام مطالب ببعث السعاة، كون الإمام بعث ساعي ورأى أن الذمة تبرأ ببعث مثله، اجتهد؛ لأنه على الإمام أن يجتهد في انتقاء من يوليه على أي عمل من الأعمال، ولا يجوز تولية إلا القوي الأمين الذي يليق بالولاية، المقصود أن الإمام توسم في هذا الشخص أنه يصلح لهذا العمل، ثم بعد ذلك هذا قصر، وذاك يقول: لا أنا والله ما أنا بدافع زكاة، هذا المفروض أن الساعي يجيء يأخذها، الحاجة لهم، الحاجة لك أنت يا أخي ما هي لهم، هذا حق الله -جل وعلا-، زكاة نماء تطهير، لكن ولمالك، فأنت يجب عليك أداء الزكاة، وهم يجب عليهم أن يأخذوها منك على مائك، فإذا قصروا بما أوجب الله عليهم وجب عليك أن تؤدي ما افترض الله عليك.
هو إذا لم يبعث له الإمام، ورأى أن التقصير من الإمام فإنه يتصرف، وسيأتي في خطاب عمر بن عبد العزيز.(54/6)
يقول: "فإن هلكت ماشيته أو نمت" يعني زادت، يعني هذه المائة سواءً وصلت خمسمائة، أو وصلت خمس، "فإن هلكت ماشيته أو نمت فإنما يصدق المصدق" يعني يأخذ الساعي "زكاة ما يجد يوم يصدق" يعني تأخر سنتين، ثم وجد المال ألف رأس من الغنم، قال: بأخذ عليك زكاة ألف في اثنين سنتين، يا أخي العام الماضي خمسمائة هي، قال: لا، لا بد نأخذ، ما الدليل على ذلك أنها خمسين؟ يمكن ألفين الآن، والإمام مالك يقول: "فإنما يصدق المصدق زكاة ما يجد يوم يصدق، وإن تظاهرت على رب المال صدقات غير واحدة" يعني لسنوات متعددة "فيصدق ما يجد" ويعمل حسابه على ما وجد، لماذا؟ لاحتمال أن رب المال لا يقر ولا يعرف بالحقيقة، فالذي يجده الأصل أنه موجود من قبل، لا سيما إذا كانت الأسنان تحتمل ذلك، لكن هل رب المال يصدق فيما يقول؟ ويُديّن بينه وبين ربه في العدد؟ افترض أن المصدق وجد مائة رأس من الإبل، وقال له صاحب المال: كانت على رأس الحول الأول مائتين، هل نقول: إنه ليس بصادق؟ لأن هذا أقر بما يضره لا بما ينفعه، المسألة مسألة ضرر ظاهر يعني ما هو بضرر حقيقي؛ لأن الزكاة ليس فيها ضرر، فإذا أقر بما يلزم به يصدق، لكنه قال: كانت العام الماضي خمسين، على كلامه ما يصدق، بل يؤخذ منه زكاة الموجود مضروبة في عدد السنوات، هذا رأي الإمام مالك -رحمه الله تعالى-.(54/7)
"فإن هلكت ماشيته، أو وجبت عليه فيها صدقات متعددة، فلم يؤخذ منه شيء حتى هلكت ماشيته كلها، أو صارت إلى ما لا تجب به الصدقة لنقصها عن النصاب فإنه لا صدقة عليه، ولا ضمان فيما هلك أو مضى من السنين" يعني الإمام مالك يطرد قوله، يطرده، العبرة متى؟ بوقت مجيء الساعي، طيب الساعي تأخر خمس سنوات، وجد مائة رأس يزكي مائة رأس في خمسة، كانت مائة وصارت خمس يزكي خمس في خمسة، .... اللي قدامه، بحيث لا يكلف بإلزام، بإحضار بينات، ولا دعاوى، ولا شهود، ولا أيمان، سواءً كانت أقل أو أكثر، هذا فيه نوع من ضبط، فيه نوع ضبط، لكن الزكاة وهي ركن من أركان الإسلام فعلى أصحاب الأموال الذين لا تنضبط أموالهم ولا تطرد عليهم أن يحاسبوا أنفسهم، كما يقول أهل العلم: محاسبة الشريك الشحيح، "ولا ضمان فيما هلك، أو مضى من السنين" يعني هل يتهم الإنسان بالتفريط في حفظ ماله فراراً من الزكاة؟ عنده مائة من الإبل، أو ألف رأس من الغنم، ماتت كلها، هل يمكن أن يقول له الساعي: أنت فرط في حفظها فعليك الزكاة، يمكن أن يقال له هذا؟ نعم؟ هل يمكن أن يفرط الإنسان بألف؛ لئلا يخرج عشر؟ نعم؟ ما يمكن، لا يمكن أن يفرط، ولذا في درس مضى قلنا: إنه لو كان شخص عنده عمارة قيمتها خمسة ملايين، يحول عليها الحول في رمضان، أوقفها في شعبان لجهة خيرية، هل نتهمه بأنه أوقفها فراراً من الزكاة؟ ما يمكن يتهم مثل هذا، نعم؟
المقصود أن مثل هذا لا يمكن أن يتهم، المقصود بالوقف النافذ.
طالب:. . . . . . . . .
بلا شك.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا بد من البينة، إذا دلت القرائن على عدم صدقه ببينة، وإن دلت القرائن على صدقه فيدين.
طالب:. . . . . . . . .
هو ثقة؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان ثقة يقبل وإلا .. ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هي دين في ذمته، هي دين، و. . . . . . . . . ولذلك يؤمر بالعمل في الأموال لئلا تأكلها الصدقة، وهذا فرط في إخراج الزكاة.
طالب:. . . . . . . . .
ولو أتت على المال.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .(54/8)
مثلما ذكرت الرأي المعتبر أن الزكاة المطالب بها بالدرجة الأولى صاحب المال، الإمام مطالب ببعث السعاة، هذا له خطاب، وهذا له خطاب، توفير الساعي، وتوفير من يوصل هذه الأموال إلى مصارفها لا شك أنه من حق صاحب المال، فهذا من حقه الذي يجب في بيت المال، والقدر المخرج من هذه الزكاة من حق الله -جل وعلا- على صاحب المال، فإذا لم يؤدَ إليه حقه بتوفير ما ينقل هذه الأموال إلى الإمام، فيؤدي الذي عليه، ويسأل الله -جل وعلا- الذي له كسائر المستحقات.
طالب:. . . . . . . . .
نعم .... ، الأصل أن يخرجها فوراً، طيب هل ارتباط هذه المسألة يعني كون المصدق ينظر إلى الموجود، ولا يأخذ من الهالك؟ نعم؟ يعني المصدق كانت الإبل .. اشترى خمسين، على رأس الحول الأول صارت مائة، على رأس الحول الثاني صارت خمس، قول مالك -رحمه الله تعالى- يتخرج على القول بأن الزكاة متعلقة بنفس المال، أو في الذمة؟ بنفس المال، واضح، لكن على القول أن الزكاة تثبت في الذمة، يقال له: كم بلغت على رأس الحول الأول؟ فتؤخذ منه، كم بلغت في الحول الثاني؟ تؤخذ منه بقدرها، هذا إذا قلنا: إنها بالذمة، ومعروف أنها الأصل في عين المال، ولها تعلق بالذمة، والمسألة التي ذكرناها في درس مضى فيها القاعدة.
طالب:. . . . . . . . .
بنهاية الحول نعم، لكن هذا حول ثاني، نهاية الحول الأول مائة، ونهاية الحول الثاني خمس، نعتبر وجوب الزكاة في الحول الأول باعتبار أعيان هذه المائة، وباعتبار انشغال ذمة المزكي يزكي مائة، على قول مالك ما يزكي إلا الخمس؛ لأنه ما في ارتباط ذمة خلاص، المسألة مرتبطة بالمال، وهذه المسألة التي قرأناها قبل، هل الزكاة تجب في عين النصاب أو في ذمة مالكه؟ اختلف الأصحاب، وفيها طرق قرأناها قبل، لكن واضح أن رأي الإمام مالك متجه إلى عين المال، وأن الذمة لا علاقة لها، ولا ارتباط بالمال، نعم.
أحسن الله إليك.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
والله هو اللي يظهر، والقواعد العامة تقتضي هذا، نعم، وإلا كل إنسان بيفرط ويسوف ويشوف ويش يصير عليه؟ إلى أن تتلف الأموال ثم بعد ذلك لا يطالب بها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(54/9)
الوقف الذري، الوقف اللي يسمونه .. ، هذا على الخلاف في ثبوته، وهل يثبت أو لا يثبت؟ شيخ الإسلام له رأي في المسألة من أحسن ما يكون، يقول: إذا كان الوقف لا يحقق الهدف الشرعي من الوقف فلا يثبت وقفه، ما يثبت وقفه، يعني افترض وقف، ومصارفه في أعمال البر، ويؤجر على جهات تزاول المحرمات مثلاً، هل هذا الوقف يحقق الهدف الشرعي، أو مثلاً وقف عمارة تبنى، والعمال يبنون والناس يصلون، عندنا اضطراب في كثير من المسائل، نعم قد يخفى على الموقف بعض التصرفات، لكن عليه أن يتابع؛ لأنه يقصد بهذا الوقف وجه الله -جل وعلا-، فإذا كان لا يحقق الهدف، افترض وقف مثلاً في أسفلها بنوك، وفي أعلاها أمور محرمات، أو ناس لا يجوز تأجيرهم أصلاً، هذا يحقق الهدف الشرعي من الوقف؟ لا، نعم.
أحسن الله إليك.
باب النهي عن التضييق على الناس في الصدقة:
حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "مر على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بغنم من الصدقة فرأى فيها شاة حافلاً ذات ضرع عظيم، فقال عمر: ما هذه الشاة؟ فقالوا: شاة من الصدقة، فقال عمر: ما أعطى هذه أهلها وهم طائعون، لا تفتنوا الناس، لا تأخذوا حزرات المسلمين، نكبوا عن الطعام".
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أنه قال: أخبرني رجلان من أشجع أن محمد بن مسلمة الأنصاري كان يأتيهم مصدقاً فيقول لرب المال: أخرج إلي صدقة مالك، فلا يقود إليه شاة فيها وفاء من حقه إلا قبلها.
قال مالك -رحمه الله-: "السنة عندنا والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أنه لا يضيق على المسلمين في زكاتهم، وأن يقبل منهم ما دفعوا من أموالهم".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب النهي عن التضييق على الناس في الصدقة:(54/10)
الأصل في الصدقة ما كان وسطاً بين قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إياك وكرائم أموالهم)) وبين قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] فعلى هذا الزكاة من الأوساط، فإذا كان فيها الرأس من الغنم الذي يستحق ألف، وفيها العدد الذي يستحق ثلاثمائة ومائتين، وفيها ما بين ذلك، فيؤخذ المتوسط، هذا الأصل، لا من كرائم الأموال، ولا من أرذالها، وهذا هو العدل؛ لأن الأخذ من الكرائم مضر بالأغنياء، والأخذ من الأرذال مضر بالفقراء، فتلاحظ مصلحة الأغنياء، وتلاحظ أيضاً مصلحة الفقراء، فلا يضار الناس بأموالهم.
قد يقول قائل: لماذا لا يؤخذ زكاة كل صنف منه؟ عنده ألف رأس منها مائة من الكرائم، نأخذ كريمة واحدة، وعنده ثلاثمائة من الأوساط نأخذ ثلاث من الأوساط، وعنده البقية من الرديء، يؤخذ من الرديء، لكن مثل هذا ما ينضبط؛ لأنه قد يعتبر الساعي هذه كريمة، ويقول صاحب المال: أبداً، ليست .. ، أو العكس، فيحصل فيه المشاحة، ولذا دائماً الشرع ينظر إلى أمر تندرج فيه جميع الصور، ولا يذكر تفصيلات تكون مثار خلاف وجدل بين الآخذ والمعطي.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن يحيى بن حبان عن القاسم بن محمد" الفقيه من الفقهاء السبعة "عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "مر على عمر بن الخطاب بغنم من الصدقة" مر فعل إيش؟ أمر وإلا ماضي؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما زال الإشكال؛ لأن الصيغة تحتمل الماضي، وتحتمل الأمر، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(54/11)
هل عائشة قالت للقاسم بن محمد: مر على عمر، أو هي تخبر القاسم بن محمد أن عمر مر عليه في زمن مضى ما هو بالآن؟ تخبر "مر على عمر بن الخطاب بغنم من الصدقة فرأى فيها شاة حافلاً" يعني مجتمع لبنها في ضرعها، ذات ضرع عظيم، ثديها ملآن من الحليب "فقال عمر: ما هذه الشاة؟ فقالوا: شاة من الصدقة، فقال عمر -رضي الله تعالى عنه-: ما أعطى هذه أهلها وهم طائعون" يعني افترض -رضي الله تعالى عنه- أسوأ الاحتمالات، ما يقول: الأصل في المسلم أنه تجود نفسه بما يطلب منه، لا، يقول: ما أعطى هذه أهلها وهم طائعون، فتوقع عمر -رضي الله تعالى عنه- أن صاحبها مظلوم بأخذ هذه، وهي من الكرائم، ولذا جاء في حديث بعث معاذ: ((إياك وكرائم أموالهم، واتقِ دعوة المظلوم)) لأن من يؤخذ منه أكثر مما أوجب الله عليه يكون مظلوم، طيب ما دام عمر توقع أنه مظلوم هل أمر بردها؟ ما أمر بردها؛ لاحتمال أن يكون عمر -رضي الله تعالى عنه- توقع أن جميع المال بهذه الصفة، والزكاة تؤخذ منه.
"ما أعطى هذه أهلها وهم طائعون، لا تفتنوا الناس" مثل هذا التضييق على الناس لا شك أنه يجعلهم يكرهون ما أوجب الله عليهم، بل يحمل بعضهم على البخل بما أوجب الله عليهم، جاء الساعي وأخذ الكرائم، في السنة القادمة يضطر صاحب المال أن يخفي هذه الكرائم، أو إذا قيل له -ثقة به-: كم عدد ماشيتك؟ قال: مائة وهي ألف؛ لأنه في العام الماضي دافعاً أكثر مما أوجب الله عليه، فيحاول يسدد ما دفعه في العام الماضي من هذه السنة، هذه فتنة، الأصل في المسلم أنه يقبل على ما أمر به شرعاً بنفس مطمئنة مرتاحة منساقة، مشتاقة، ويدفع ما أوجب الله عليه دون تردد، لكن إذا حصل أنه يظلم لا شك أن هذا يحمله على بعض التصرفات التي لا تحمد.(54/12)
"لا تفتنوا الناس، لا تأخذوا حزرات المسلمين" في بعض الروايات: "حرزات" بالزاي ثم الراء أو العكس، والحزرات هي خيار الأموال جمع حزرة، والحرزات كذلك، هي ما يحرزه الإنسان ويدخره لنفسه "لا تأخذوا حزرات المسلمين، نكبوا عن الطعام" هو رأى شاة حافل، ثديها مليء باللبن، يقال: نكبوا عن الطعام، يعني اتركوا الطعام؛ لأن مطعم أهل المواشي ومشربهم من مواشيهم، فأطلق الطعام وأراد منشأه، وهو إيش؟ اللي هو نفس الشاة أو البقرة أو الناقة؛ لأنها محتوية على هذا الطعام فهي ظرفه، وكان الناس إلى وقت قريب، قبل أن تفتح الدنيا الشخص الذي .. ، أو الأسرة التي عندها التمر بقدر ما يكفي، يعني أسرة متوسطة عندها مائة صاع من التمر مثلاً، وعندهم بقرة يشربون من لبنها، هؤلاء إيش؟ ملوك، عندهم ما يكفيهم، فطعامهم من هذه البقرة ومن هذا التمر، ونفس الشيء هذه طعام أهلها، فالمراد طعام ذوات الدر، اللبون من المواشي.
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أنه قال: أخبرني رجلان من أشجع أن محمد بن مسلمة الأنصاري كان يأتيهم مصدقاً فيقول لرب المال: "أخرج إلي صدقة مالك" فلا يقود إليه شاة فيها وفاء من حقه إلا قبلها" يعني تصلح لأن تؤدى في مثل هذا الدين، توفي هذا الدين، يعني من أوساطها.(54/13)
قال: "أخبرني رجلان من أشجع أن محمد بن مسلمة" رجلان إيش معنى رجلان؟ مجهولان، قال: "أخبرني رجلان من أشجع أن محمد بن مسلمة الأنصاري" صحابي جليل "كان يأتيهم مصدقاً" رجلان من أشجع، يعني لو أردنا أن نحكم على هذا الخبر من خلال هذا السياق ماذا نقول؟ هل نقول: فيه راوٍ أو رواة مجهولين؟ الإبهام أضعف أنواع الجهالة؛ لأنها جهالة ذات، وجهالة الذات أشد من جهالة العين والحال، لكن هما رجلان، ليسو بواحد، وتوافر على إخباره، وهل يتوقع أن هذين الرجلين ضعفهما شديد؟ هم من التابعين، هل يتوقع أن ضعفهما شديد؟ الجهالة بالنسبة لكبار التابعين يتجاوز كثير من أهل العلم فيها، ويقبلونها، وصرح ابن الصلاح أن هناك نفر من المجهولين تقادم العهد بهم، يعني من كبار التابعين، مثل هؤلاء يتسامح فيهم، المقصود أنهما اثنان وليسوا بواحد، وضعفهما المتوقع أنه ليس بشديد لقدمهما، لكن هل نقول: إن أحدهما يشهد للآخر فينجبر الخبر؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن واحد يجبر الثاني، يعني من أهل العلم من يصحح بها، لو جاء من رواية رجل واحد قلنا: نحتاج إلى ما يشهد له؛ لأن المجهول ينجبر خبره، المجهول ينجبر خبره، فإذا اجتمع عندنا اثنين مجهولين، لو جاءنا من طريق رجل مجهول، ومن طريق ثاني رجل مجهول قلنا: إن المجهول هو هو ما تغير، في الطريقين واحد، لكن صرح بأنهما اثنان، فيجبر أحدهما الآخر، وهذه طريقة بعض العلماء، يقول: إذا توافر مثلاً، حدثني أشياخ من جهينة مثلاً، مثل قول ابن عدي: حدثنا شيوخنا مثلاً، شيوخ إمام من الأئمة مثلاً اجتمعوا يجبر بعضهم بعضاً، ويصحح بمثل هذا عند بعضهم، وإلا بعضهم يرى أن مثل هذا الجهالة مثل هذا الرجلان احتمال أن يكونا من الوضاعين، أو من المتهمين، فلا يجبر بعضهم بعضاً، لكن هناك قرائن مثلاً هؤلاء من التابعين، والجهالة في مثلهم لا سيما إذا كانوا أكثر من واحد يستروح بعض أهل العلم إلى أنه يجبر بعضهم بعضاً، على كل حال المسألة خلافية، والأمر فيها سهل؛ لأنها ليست مرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، موقوف.
طالب:. . . . . . . . .
وله ما يشهد له، معناه صحيح.(54/14)
قال مالك: "السنة عندنا والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أنه لا يضيق على المسلمين في زكاتهم، وأن يقبل منهم ما دفعوا من أموالهم".
وعلى من ولاه الله أمر هذه الأمور، جباية الزكوات والصدقات، أن يتعامل مع المسلمين بالمسامحة؛ لتطيب أنفسهم بهذا، أما مشاحتهم والتضييق عليهم، لا شك أن هذا له آثاره، يؤدي على فتنة الناس عن هذه الشعيرة.
طالب:. . . . . . . . .
هو وقت خروج السعاة مضبوط، وقت خروجهم إلى هذه الجهة معروف، خرجوا هذه السنة، وخرجوا من السنة التي تليها في مثل الوقت؛ لأنك تتصور أن كل شخص يبعث له ساعي مستقل؟ لا، والمسألة ديانة يعني إذا ظهرت أمارات صدقة، الأصل صدقه، نعم، الأصل صدقه.
"سئل مالك: أيقسم المصدق الماشية ويقول لصاحبها: آخذ من أيها شئت؟ فقال: لا" العادة أن من اشترك أو اشتركوا في عين قابلة للقسمة أن أحد الشريكين يقسم والثاني يتخير، الثاني يتخير، فهل يأتي المصدق ويقول لصاحبه: نقسم الماشية ونأخذ من أيهما؟ يقول الإمام مالك: لا؛ لأن هذا فيه نوع تضييق، فيه نوع مشاحة، وقد أمر الخارص أن يترك الربع لأهل الثمار، كل هذا من باب حسن التعامل مع أرباب الأموال، لتطيب أنفسهم، وإذا طابت نفسه تصدق بما فتح الله عليه به، وقد يتصدق بأكثر من الواجب، وقد يتصدق بأضعاف الواجب، لا شك أن حسن التعامل مع أرباب الأموال يجعلهم تطيب أنفسهم بزكواتهم، نعم.
أحسن الله إليك.
باب أخذ الصدقة ومن يجوز له أخذها:
حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل له جار مسكين، فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغني)).
قال مالك -رحمه الله-: "الأمر عندنا في قسم الصدقات أن ذلك لا يكون إلا على وجه الاجتهاد من الوالي، فأي الأصناف كانت فيه الحاجة والعدد أوثر ذلك الصنف بقدر ما يرى الوالي، وعسى أن ينتقل ذلك إلى الصنف الآخر بعد عام أو عامين أو أعوام فيؤثر أهل الحاجة والعدد حيثما كان ذلك، وعلى هذا أدركت من أرضى من أهل العلم".(54/15)
قال مالك -رحمه الله-: "وليس للعامل على الصدقات فريضة مسماة إلا على قدر ما يرى الإمام".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب أخذ الصدقة ومن يجوز له أخذها:
الله -جل وعلا- تولى قسمة الصدقات وخصها بالثمانية: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [(60) سورة التوبة] المصارف الثمانية، وإن اختلف أهل العلم في بعض التفاصيل في هذه الأصناف.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تحل الصدقة لغني)) " لأن الله -جل وعلا- يقول: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} والغني يطلق ويراد به الغني فعلاً أو حكماً، يعني بالقوة القريبة من الفعل.(54/16)
شخص عنده الأموال هذا غني بالفعل، وشخص ليست عنده أموال لكنه قادر على تحصيل الأموال، القوي المكتسب الذي يستطيع أن يكتسب، تدفع له الزكاة؟ نعم؟ لا تدفع له الزكاة، طيب هذا قادر شاب في الثلاثين من عمره، وليست لديه آفة، ولا عنده أدنى إشكال في أن يكتسب، حقيقةً، لكنه حكماً في حكم العاجز، كحال كثير من الذين يقدمون إلى هذه البلاد بلاد الخير، وبلاد الفرص، لكن قدومهم غير نظامي، تجد بعض الناس ما شاء الله في الثلاثين من عمره لو تقول له: تشيل أي حمل تريده شاله، حمله، لكن بقاؤه غير نظامي، يعني ما عنده إقامة، نقول: هل هذا عجز حكمي له حكم العجز الحقيقي؟ هو ممنوع من العمل إلا بإقامة؟ صح وإلا لا؟ ممنوع من العمل إلا بإقامة، فهل نقول: إن هذا العجز ينزل منزلة العجز الحقيقي؟ أو نقول: إن مثل هذا يخالف الأنظمة ولا يعان على بقائه إلا بالنظام؟ والنظام ما دام أوجد من أجل المصلحة، ودفع مفاسد، لا سيما وأنه وجد من بعض هذه النوعيات بعض الأمور التي اضطرهم إليها عدم تمكينهم من العمل، فتجد منهم من يكسب بعض الأموال من غير وجهها، إما باعتداء أو سرقة وإلا بحيل وإلا .. ،، يوجد هذا، أو بمزاولة محرمات، هذه المسألة عمت بها البلوى، الآن يوجد عدد كبير بدون إقامات، وإذا قيل له، قال: أنا والله ما أقدر أشتغل، نقول: هل هذا عجز؟ هو عجز حكمي، وليس عجزاً حقيقي، عجز حكمي كعجز الرقيق، الرقيق من أنشط الناس ومن أقواهم، لكنه عاجز حكماً، ولذا يقال: الرق عجز حكمي، وهذا عجز حكمي، وليس بعجز حقيقي، فهل نقول: والله ما عندنا لك شيء، اذهب واحتطب وبع واشتغل، هو إرجاعه هذا سبيل، لكن يقول: ما أنا برايح، يقول: أنا ببلدي ميت ميت، ما له شيء، المسألة تابعة لمسألة كبرى، وهي أن هذه الأنظمة التي سنت وشرعت من أجل تقرير مصلحة، ودفع مفاسد، على حسب أو من وجهة نظر من قررها، وإلا فالأصل أن البلاد للمسلمين عموماً، هذا قبل وجود الحدود السياسية التي أوجدت مثل هذه الأمور، المقصود أن وجود مثل هؤلاء بهذه الصفة، ويوجد منهم عدد، يعني لو جاءوا مثلاً إليك، وقال: أنا والله ممنوع، وأنت عندك زكاة أريدها، تعطيه وإلا ما تعطيه؟ وهل تبرأ ذمتك بدفعها إليه أو لا تبرأ؟(54/17)
هذه مسألة يحتاجها الناس كلهم، الحاجة ليست قائمة أو داعية إليها؟ يعني تركت مسكين ويش بيسوي؟ أنت إن منعته من الزكاة التي أوجبها الله -جل وعلا- عليك وأن تدفعها لمثل هذا، الممنوع حكماً عن العمل، وهو بحكم العاجز، وإلا اضطررته إلى أن يزاول المحرمات، فتكون ساهمت في إيجاد مثل هذه المحرمات، أو تقول: والله النظام شرع لمصلحة، ولو ترك الناس بدون تحديد، وبدون حدود، وبدون جوازات، وبدون إقامات، تكالبت الناس على بلد واحد، وتركت المصالح في البلدان الأخرى، فلا شك أن المسألة يعتريها الأمران، لكن ما المرجح؟ هل نرجح حاجة هذا المسكين الذي قدم من أجل أن ينقذ نفسه من الهلكة من الجوع في بلده، وقد يكون له أهل يرسل لهم، أو نقول: لا، إحنا نضطره إلى أن يصحح وضعه، يلزمه أن يصحح وضعه.
لكن يقول: أولاً: الإقامة تحتاج إلى كم ألف، وأنا من أين؟ لازم أشتغل على شان أوفر قيمة الإقامة، فيلزم على هذا إيش؟ الدور، لا بد أن تعطيه من أجل أن يصحح وضعه، وإلا تقول له: اذهب إلى بلدك، الطريق التي جئت بها تسافر بها، جئت تهريب ترجع تهريب، فالمسألة لا بد من بحثها بعناية؛ لأنهم موجودون، والسبب يعتريه الأمران، فلا بد من بحثها بعناية، فهل نقول: يعطون؟ أو نقول: لا بد من تصحيح وضعهم؟
ومثل ما قلت: إن الحكم يدور مع شرعية منعهم من العمل إلا بإقامة.
طالب:. . . . . . . . .
هو من المصالح بلا شك، يعني تحديد الأمور، وتنظيم الأنظمة التي لا تتعارض مع الشرع، التي لا تتعارض مع نص شرعي، لا شك أنه من باب المصالح، والشرع جاء بجلب المصالح، ودفع المفاسد، جاء بهذا كله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هو محتاج، هو محتاج يسمونه محتاج، ما عنده شيء أبداً.
طالب:. . . . . . . . .
ما عنده شيء، لكنه قوي مكتسب في حكم العاجز.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا أنا أفترض المسألة في شخص ما فيه شك، ما عنده شيء، ما عليه إلا ثوبه اللي فوق ظهره.
طالب:. . . . . . . . .
هو قوي مكتسب حقيقة، لكن حكمه عاجز، ما يقدر يكتسب.
طالب:. . . . . . . . .(54/18)
لا، هذه المسألة، يعني لا شك أن إعطاءه من الزكاة يعينه على البقاء، وعدم إعطائه من الزكاة يلجئه إلى الرجوع إلى بلده، أو مزاولة محرمات، وقد يكون مزاولة المحرمات اضطرار، أنا أقول: كل هذه المسألة فرع عن مشروعية هذه الأنظمة، والأنظمة إذا كان الهدف منها النظر في المصالح العامة سواءً كانت لأهل البلد أو الوافدين إليها، وهي لا تتعارض مع نص خاص في هذه المسألة فهي شرعية؛ لأنها من طاعة ولي الأمر، يعني أنت مثلاً تبحث عن دليل لمنع الموظف عن العمل، ما وجدت دليل، لكن الإمام رأى أن في هذا مصلحة، أولاً: من محصلة العمل أن يتفرغ له هذا الأجير، الأمر الثاني: أن غيره من المسلمين الذين ليست لديهم وظائف تتاح لهم الفرص، وإلا فالأصل أن العمل مباح، فأقول: هذه المصالح التي قدرها الإمام وفرضها على الناس، وهي لا تتعارض مع نصوص يجب العمل بها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
حاله، والله لا بد يصحح وضعه، والله ما في شك أن مسألة الإعفاف، يعني الأمور بمقاصدها، وحسب ما يترتب عليها من مصالح، لكن لو أعطي بنية إرجاعه إلى بلده، أو أعين على تصحيح وضعه بالمال، هذا شرعي ما في إشكال، لكن لا بد أن يصحح وضعه.(54/19)
((لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة)) يعني فتحل لهم وهم أغنياء، لوجود أوصاف أخرى، ((لغاز في سبيل الله)) وهو منصوص عليه في آية المصارف في سبيل الله نعم، ((لغاز في سبيل الله)) هذا يفسر الآية: {وَفِي سَبِيلِ اللهِ} [(60) سورة التوبة] فدل على أن قوله: {وَفِي سَبِيلِ اللهِ} [(60) سورة التوبة] المراد بهم الغزاة، وإن كان اللفظ أعم، الحج في سبيل الله، طلب العلم في سبيل الله، النفع العام والخاص أيضاً كله في سبيل الله، ((من صام يوماً في سبيل الله)) يعني إذا فهمنا سبيل الله الجهاد فقط، قلنا: الصيام في الجهاد، هو الذي يترتب عليه الثواب، ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) هل نقول: إن المراد به في الجهاد أو المقصود به وجه الله -جل وعلا-؟ قيل بهذا وهذا، لكن البخاري أدخل الحديث في كتاب الجهاد، هذا رأي البخاري، وإن كان الأكثر على أنه أعم، يعني من صام يوم ليس بواجب عليه، ويبتغي بذلك وجه الله والتقرب إليه ما الذي يمنع منه.
((إلا لغاز في سبيل الله، أو لعامل عليها)) وعرفنا أن العامل لا بد أن يكون من قبل ولي الأمر، وإلا صارت المسألة فوضى، كل إنسان يبي يجمع للفقراء، يمر للتجارة ولا هو بخسران، إن أعطي شيء أخذ عليه نسبة، وإن ما أعطي شيء ما عليه خسارة، وقلنا: إن بعض الأئمة يتصرف، ويجعل بعض صغار السن يجمعون، ويعطيهم نسب، ويغريهم بهذا، والأمر ليس إليه، وإنما هو لولي الأمر، ولذا لما أرادوا العمالة على الصدقة، جاءوا يطلبوا من النبي -عليه الصلاة والسلام- لكنه منعهم؛ لأنهم من مبني هاشم.
((أو لعامل عليها، أو لغارم)) مدين ((أو لرجل اشتراها بماله)).
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
قد يكون غارم لمصلحة غيره، للإصلاح، هو ما يكون غني.
طالب:. . . . . . . . .(54/20)
لا ما يكون غني، وقد يكون غني باعتبار، وهذا يجرنا إلى مسألة أخرى وأخشى أن تأخذ الوقت، هل يمكن أن يأخذ الزكاة ويدفع الزكاة في آن واحد؟ في حديث معاذ جعل الناس صنفين: آخذ ومعطي فقط، ((تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)) فدل على أن من يأخذ الزكاة فقير، ودل على أن من يدفع الزكاة غني، ولا ثالث، يعني ما يمكن أن يوصف الشخص بأنه غني فقير، إذا افترضنا أن زيد من الناس عنده بقدر النصاب عشر مرات، ولكن ما عنده لا يكفيه لقوت سنته، نصف القوت مثلاً، هل نقول: إن هذا غني بمعنى أنه مطالب بالزكاة؟ أو نقول: إنه باعتباره يجوز له الأخذ ليس بغني؟ أو نقول: يمكن أن يوصف بالوصفين؟ يدفع الزكاة، ويؤخذ الزكاة؟ هذه وجدت، صورها العلماء بهذه الصور، لكن هل يتصور؟
طالب:. . . . . . . . .
واقع يعني، إحنا نفترض في هذا المال الذي هو عشرة أضعاف النصاب، متى يزكيه؟ إذا حال عليه الحول، هو بيبقى منه شيء إلى أن يحال الحول؟ نعم؟ وهو يحتاج أضعاف هذا المبلغ؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
قلنا: إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، طيب، يدفع العشرين ويأخذ ألف ومائتين، لكن بيدفع العشرين الآن وإلا إذا حال عليه الحول؟
طالب:. . . . . . . . .
وتبي تقعد عنده الثمانمائة إلى أن يحول الحول؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني ويش يصرف؟ يعني أنت .. ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن إحنا افترضنا المسألة في شخص يحتاج على زيادة على ما عنده، هذه الثمانمائة متى بيزكيها؟ يبي يأكلها قبلما يحول الحول، هو الآن يبي زود، الفقهاء صوروا هذه المسألة.
لكن أنت افترض أنها امرأة عندها حلي، تجب فيه الزكاة عند من يوجبها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على القول بوجوبها، وهو المفتى به الآن، لكن على القول بوجوبها عندها حلي، واحتاجت إلى نفقة، هل تلزم ببيع هذا الحلي لتنفق على نفسها، أو نقول: الحلي حاجة كمتاع البيت، وتزكي هذا الحلي وتأخذ من الزكاة؟ الدراهم ما هي بجالسة لمدة سنة، والشخص بيأخذ زكاة، وإن ذكرها أهل العلم.(54/21)
هذا عنده زروع، الزروع يأتي فيها لماذا؟ لأن أخذ الزكاة فيها يوم حصادها، وإلا لو كانت تؤجل سنة مثل غيرها انتهت بيأكلها وخلاص، يبي يبيع ويقتات، لكن الزروع باعتبارها تؤخذ زكاتها يوم حصادها، أو قل: شخص عنده دين على معسر، جيد، هذا الدين دفعه اليوم، يزكيه لمدة سنة على القول المرجح، ويأخذ تكملة نفقته، يعني لها صور، لكن في الجملة تصور وجود غني فقير، وتجب عليه الزكاة بعض أهل العلم يقول: لا يمكن تصوره؛ لأن الشرع جعل الناس قسمين: أغنياء وفقراء، تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، ولا يمكن أن يتصف بأنه غني فقير؛ لأن القسمة ثنائية في الحديث.
طالب:. . . . . . . . .
وهي عنده؟
طالب:. . . . . . . . .
هو إذا أراد أن يتخلص من الزكاة الحل أنه يرجع ها الراية، بس، سددوا ديونكم وخلاص ما تلزمكم زكاة، جاء عن عثمان نحو هذا.
((أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله)) من الفقير، يعني دفعت هذه الزكاة، دفعت بنت اللبون إلى الفقير، واستلمها واستقرت عنده ثم باعها ((أو لرجل)) اشتراها بماله من الفقير، ((أو لرجل له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغني)) هي عليه صدقة ولجاره هدية، كما جاء في قصة بريرة، هذا اللحم تصدق به على بريرة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا تحل له الصدقة، قال: ((هو لها صدقة، ولنا هدية)).
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
حديث الباب ذا؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في إشكال، لأن له شاهد من حديث أبي سعيد، وهو موصول أيضاً عند أبي داود، وعند أحمد والحاكم وابن خزيمة، موصول.
طالب:. . . . . . . . .
صرفت للفقير، وملكها ملك تام مستقر وباعها.
طالب:. . . . . . . . .
إيه يبي هذا الغني الذي اشترى هذه الزكاة بماله تحل له، هي هذه العين صدقة، اشتراها بماله، الفقير يبقى فقير، لكن هذا الغني اشتراها بماله هل يرتفع عنها وصف الصدقة وإلا يستمر؟ يرتفع، تصير اشتراها بماله، أو أهديت له.(54/22)
يقول الإمام مالك: "الأمر عندنا في قسم الصدقات أن ذلك لا يكون إلا على وجه الاجتهاد من الوالي" الإمام أو نائبة، يكون على وجه الاجتهاد، بحيث لا تكون من باب المحاباة في بعض الناس دون بعض؛ لأن بعض التجار يضر بعض الناس، ويقطع من هو أشد منه حاجة، وبعضهم يسجل أسماء يتابع عطاءهم عشرات السنين، وإن كان بعضهم قد استغنى، وبعضهم حاجته ليست شديدة، ويوجد من هو أحوج منهم، لكن عليه أن يجتهد، ولا شك أنه كلما كانت الحاجة أشد كان الأجر أعظم.
"فأي الأصناف كانت فيه الحاجة والعدد أوثر ذلك الصنف" يعني مجاعة، يؤثر الفقراء، بحاجة إلى غزو وإلى جهاد يؤثر الغزاة، وهكذا، فينظر إلى الحاجة القائمة فترفع، "أوثر ذلك الصنف بقدر ما يرى الوالي باجتهاده، وعسى أن ينتقل ذلك إلى الصنف الآخر بعد عام أو عامين أو أعوام" هذا الذي أخذه وهو عامل بوصف العمالة قد يأخذها في العام القادم بوصف الفقر أو العكس "فيؤثر أهل الحاجة والعدد حيثما كان ذلك" وجد "وعلى هذا أدركت من أرضى من أهل العلم" وعلى هذا يجوز، الأصل أن تصرف الزكاة لمن ذكروا في آية المصارف الثمانية، ويجوز أن تصرف لصنف واحد؛ لأن حاجتهم أشد، إلى صنفين؛ لأن حاجتهما أشد، وهكذا.
قال مالك: "وليس للعامل على الصدقات فريضة مسماة إلا على قدر ما يرى الإمام" ما يقال: والله باستمرار للعامل عشرة بالمائة، يصدر نظام عام عشرة بالمائة، خمسة بالمائة، اثنين ونصف بالمائة، هذه على قدر العرض والطلب، لو قال الإمام: نريد عمال للزكاة، وما تقدم أحد، وحدد نسبة خمسة بالمائة، ما تقدم أحد له أن يزيد لتحقيق المصلحة، إذا كثر عليه الطلب ينقص، يريد عشرة عمال تقدم ألف، والنسبة عشرة بالمائة، يقول: اثنين بالمائة، ويصفي العدد المطلوب وهكذا، ثم نقصت معروف وضعها، ومنها هذا.
طالب:. . . . . . . . .
يبي تفصيل؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، بس المسائل اليوم ما تحتاج إلى .. ، عملية.
نقف على هذا.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.(54/23)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، يا ذا الجلال والإكرام، واغفر للسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في أخذ الصدقات والتشديد فيها:
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن أبا بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- قال: "لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه".
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أنه قال: شرب عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- لبناً، فأعجبه فسأل الذي سقاه من أين هذا اللبن؟ فأخبره أنه ورد على ماء قد سماه، فإذا نعم من نعم الصدقة، وهم يسقون فحلبوا لي من ألبانها فجعلته في سقائي فهو هذا، فأدخل عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- يده فاستقاءه.
قال مالك -رحمه الله-: الأمر عندنا أن كل من منع فريضة من فرائض الله -عز وجل- فلم يستطع المسلمون أخذها كان حقاً عليهم جهاده حتى يأخذوها منه.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عاملاً لعمر بن عبد العزيز -رحمه الله- كتب إليه يذكر أن رجلاً منع زكاة ماله، فكتب إليه عمر: أن دعه، ولا تأخذ منه زكاة مع المسلمين، قال: فبلغ ذلك الرجل فاشتد عليه، وأدى بعد ذلك زكاة ماله، فكتب عامل عمر إليه يذكر له ذلك، فكتب إليه عمر: أن خذها منه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في أخذ الصدقات والتشديد فيها:
جاء الأمر بذلك في قوله -جل وعلا-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [(103) سورة التوبة] فجاء الأمر بأخذ الصدقات من أرباب الأموال إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول.(54/24)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن أبا بكر الصديق قال: "لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه" وهذا في القصة المشهورة حينما توفي النبي -عليه الصلاة والسلام- منع بعض العرب الزكاة، امتنعوا من دفعها، وثبتوا على القتال دونها، بعضهم متأول أنها متعلقة بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، والأمر متجه إليه، فلا يقاس عليه غيره، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [(103) سورة التوبة] وبعضهم لا يتأول، وإنما منعها شحاً، وبعضهم أنكر وجوبها، المقصود أن من امتنع من دفع الزكاة مع جحد وجوبها هذا يكفر إجماعاً، هذا مرتد، -نسأل الله العافية والسلامة-، أما إن اعترف بوجوبها لكنه بخل بها وشح بها فلا يكفر، لكن إن قاتل دونها قوتل، وإن كانوا مجموعة، أهل بلد، أو أهل جهة، أو أهل إقليم امتنعوا من دفع الزكاة يقاتلون، كما قال الإمام مالك -رحمه الله تعالى-، كما لو تركوا أي شعيرة من الشعائر، لو تركوا الأذان، اتفق أهل بلد على ألا يؤذنوا، هؤلاء يقاتلهم الإمام ويلزمهم بالأذان، ولذا قال الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: "الأمر عندنا أن كل من منع فريضة من فرائض الله -عز وجل- فلم يستطع المسلمون أخذها منه كان حقاً عليهم -يعني واجباً عليهم- جهاده حتى يأخذوها منه" بقتاله، وأصل ذلك قتال الصديق -رضي الله تعالى عنه- مانعي الزكاة، فهو إن كان مقراً بها فهو عاصٍ، وإن كان جاحداً لوجوبها كفر وخرج من الدين بالكلية، فالذي يمنع شعيرة من الشعائر، ولا يظهرها يعني اتفق أهل البلد عليه يقاتلون، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ينتظر حتى يسمع الأذان، فإن سمع أذاناًَ كف، وإن لم يسمع الأذان قاتلهم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لأنه يقول: فلم يستطع المسلمون أخذها، يعني افترض أنه واحد لكن عنده قوة، وعنده منعة يمتنع بها، مثل هذا كيف تؤخذ منه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا مع الاستطاعة، والإمام يقول: فلم يستطع المسلمون أخذها، كان حقاً عليهم جهاده حتى يأخذوها منه.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
فرائض؟
طالب:. . . . . . . . .
أصلها واجبات، الفرائض المقصود بها الواجبات.
طالب: لو اتفقوا على ترك الحجاب؟
على إيش؟(54/25)
طالب: على ترك الحجاب؟
الحجاب وهم ممن يعتقد وجوبه، أو هم عوام يقلدون إماماً يرى وجوبه؟
طالب:. . . . . . . . .
المتفق عليه؟ هؤلاء امتنعوا ورفضوا يلزمون به إلزام، ولو وصل إلى حد القتال، هذه فريضة من فرائض الله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إن كان من الشعائر الظاهرة التي تعاقب عليها المسلمون وتعارفوا عليها، تركوها معاندة مثل هؤلاء يتجه إلزامهم بها.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن أبا بكر الصديق قال: "لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه" في القصة -قصة حرب المرتدين المعروفة- في محاورة أبي بكر مع عمر، عمر يرى أنهم ما دام يقولون: لا إله إلا الله فلا يقاتلون، فاقسم الصديق أنهم لو منعوه عقالاً لجاهدهم عليه، وهو واحد العُقل، والعقال ما تعقل به الناقة، تعقل به الإبل، تشد به لئلا تشرد.
في البخاري: "عناقاً" الذي في البخاري: "عناقاً، كانوا يؤدونها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها" والعناق الصغار من أولاد الغنم.
الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم على هذا بقوله: باب أخذ العناق، وهل تؤخذ العناق في الصدقة؟ أو نقول: إن هذه مبالغة من أبي بكر، وعزم وتصميم على أنه يقاتلهم لو منعوه أدنى شيء، سواءً كان عقال أو عناق؟ البخاري يقول: باب أخذ العناق.
قال ابن حجر -رحمه الله-: كأن البخاري أشار بهذه الترجمة إلى جواز أخذ الصغيرة من الغنم في الصدقة؛ لأنه لا عيب فيها سوى صغر السن، فهي أولى أن تؤخذ من الهرمة إذا رأى الساعي ذلك، يعني فرق بين الأخذ وبين الدفع، والإعطاء، البخاري يقول: باب أخذ العناق، ما قال: باب دفع العناق، أو إعطاء العناق، كما أنها لا تؤخذ هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس، إلا أن يشاء المصدق، يعني الساعي، إذا رأى أن هذه أنفع للفقراء أخذها، وما المانع أن يكون العناق من هذا الباب، ولا عيب فيها سوى صغر السن؟ بخلاف الهرمة وما عطف عليها.(54/26)
يقول: وهذا هو السر في اختيار لفظ الأخذ في الترجمة دون الإعطاء، وقيل: المراد بالعناق في هذا الحديث الجذعة من الغنم، لكنه خلاف الظاهر، ولو قيل: إن المراد بهذا المبالغة من أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- والتصميم والعزم على قتالهم على منعهم أدنى شيء من الزكاة، من الواجب عليهم.
يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، أولاً: الحديث مخرج في الصحيحين موصول ما في إشكال، والإمام مالك عنده الانقطاع لا سيما الإرسال هو يدرج الانقطاع مثل هذا في الإرسال، والإرسال عنده مقبول، مقبول عند مالك يحتج به، وكذلك أبو حنيفة:
واحتج مالك كذا النعمانُ ... به وتابعوهما ودانوا
نعم إلى رأس المائتين ومثل هذه الأمور مقبولة، التابعون بأسرهم يقبلون المراسيل، ولم يعرف رده إلى رأس المائتين، كما يقول ابن عبد البر، إلى أن جاء الشافعي فقبله بالشروط التي وضعها في رسالته، ثم جاء من بعده وشددوا أكثر؛ لأنه كلما تقدم العهد، وازدادت المدة يحتاط العلماء أكثر؛ لأنه يكثر الضعف في الرواة، ويكثر أيضاً التجاوز منهم.
طالب:. . . . . . . . .
الإمام مالك ما يفرق بين التابعين، يفرق بين كبارهم وصغارهم الشافعي -رحمه الله-، ثم يقول:
ورده جماهر النقادِ ... للجهل في الساقط في الإسنادِ
وصاحب التمهيد عنهم نقله ... ومسلم صدر الصحيح أصله
المقصود أن الإمام مالك يتساهل في هذا، ومع القدم يعني هم ما رأوا من الرواة، يعني إلى حد الإمام مالك ما رأوا من الرواة ما رآه من جاء بعضهم، عاصروا الرواة، يسهل عليهم أنهم يسقطون الضعيف، ويدلسون ويسوون، بل بعضهم يتجاوز إلى أن يصل إلى حد الكذب والوضع، لكن في العصور الأولى ما يوجد مثل هذا، فأمورهم مبنية على أن الرواة في تلك العصور ممن تقادم العهد بهم، ولو لم يعرفوا بعدالة بالتنصيص.
طالب: يثبت عناقاً وعقالاً؟
نعم كلاهما ثابت.
يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أنه قال: شرب عمر" ....
طالب:. . . . . . . . .(54/27)
ثابت من حيث الصناعة، لكن هل نقول: إن أبا بكر قال اللفظين أو قال أحدهما؟ يعني هل قال أبو بكر مرة: عقال، ومرة قال: عناق؟ أو أن اللفظ واحد والتعدد من تصرف الرواة؟ أما من حيث الصناعة فالكل صحيح يعني ما في إشكال، أما من أراد أن يرجح فالعناق أرجح، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
العناق الصغيرة من ولد الغنم، مستعمل عندكم عناق وإلا ما هي مستعمل؟
طالب:. . . . . . . . .
العناق تعرفونها يعني مستعملة عندكم؟ الصغيرة من ولد الغنم ويش تسمونه؟
طالب:. . . . . . . . .
عناق، طيب العقال الحبل الذي يربط به البعير لئلا يشرد، هذا عقال، يسمى بهذا لأنه يعقل، يعني يمنع البعير من الشرود والهرب، كما أن العقل يمنع صاحبه من أن يتصرف تصرف غير العقلاء.
يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أنه قال: شرب عمر بن الخطاب لبناً، فأعجبه فسأل الذي سقاه من أين هذا اللبن؟ " هذا السؤال مشروع وإلا غير مشروع؟ نعم؟ يعني سؤال ما يشك فيه، السؤال عما يشك فيه، مثل صاحب الميزاب، من الذي نهاه؟ عمر -رضي الله تعالى عنه-، هذا احتمال أن يكون أعجبه فأراد أن يسأل منه ليستكثر، احتمال هذا، وأيضاً قد يفرق بينما يدخل الجوف، وما يكون في الخارج، بينما يبنى عليه الجسد وبين غيره، قد يفرق بين هذا وهذا، والورع فيما يدخل في الجسد ينبغي أن يكون أكثر، ولذا سأل عمر -رضي الله تعالى عنه- مع أنه نهى من سأل صاحب الميزاب.
طالب:. . . . . . . . .
وهو يسأل عن نوعه لا عن حله، قد يسأل عن نوعه، ما هذا؟ أنت تسأل ويش هذا؟ ما تعرفه تسأل عنه، من أجل أن تقدم عليه، أما عن جهة الحل والحرمة وأنت في ضيافة مسلم الأصل فيه أنه يتحرى ويتوقى، وتتشكك في كل أحد كونك تسأله من أين لك هذا؟ ومن .. ؟ لا، اللهم إلا إذا ظهرت أمارات وعلامات على الشخص أنه ممن يتساهل، مثل هذا الورع سؤاله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(54/28)
هذا وجه، لكن أنا عندي الوجه الأوضح أن ما يدخل في الجسد في البطن، ويبنى عليه الجسد هذا ينبغي أن يحتاط له أكثر، ولذا جاء في الحديث: ((أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)) يعني إحساس، يوجد من بعض الناس إحساس، لكن متى ينقل مثل هذا؟ لأن كثير من الناس يحس بالشيء، ثم إذا تأكد منه إذا هذا الإحساس لا أصل له، ينقل مثل هذا الإحساس إذا كان له أصل، فينقلون، يعني بعض الناس يقول: أنا والله أحس في نفسي شيء، طيب دائماً يحس في نفسه مما يصير له أثر، يعني مثال ذلك، نظير ذلك شخص قال: أريد أسافر الآن، قيل له: لا تسافر يا ابن الحلال، انتظر إلى الصباح أفضل، سافر ووصل الغرض الذي يريد، خلاص انتهى الإشكال ما نُقل، لكن لو صار عليه شيء، قالوا: نعم إحنا ناهين، وإحنا مسوين، ودائماً -سبحان الله العظيم- اللي يعاند ويروح وبعدين؟ ما هو بصحيح، كثير من الناس يقال له: لا تسافر الآن، ويروح ولا يصير عليه شيء، لكن يصير حوادث قليلة تنقل فيبنى عليها أن كل شخص يروح بعد أخذ ورد يصير عليه، وهذا الإحساس الذي يحسه بعض الناس يحس باستمرار هو، لكن مع ذلك كثير من الأمور تمشي، فإذا وجد مرة واحدة أو مرات يقول: والله هو محس بهذا.
طالب:. . . . . . . . .
أبو بكر؟
طالب:. . . . . . . . .
هو من هذا النوع، أن الذي يدخل في الجوف ينبغي أن يحتاط له.
طالب:. . . . . . . . .
وأبو بكر بعد الأكل، وأبو بكر كذلك، لكن مع ذلك المؤمن عنده فراسة، قد يكون لديه إحساس، وقد يقر في قلبه شيء يجعله يسأل، وأحياناً تكون القرائن تدله على شيء من هذا.
"من أين هذا اللبن؟ فأخبره أنه ورد على ماء قد سماه" لكن نسيه عمر، أو لم يتعلق به غرضه "فإذا نعم من نعم الصدقة وهم يسقون" النعم من ذلك الماء "فحلبوا لي من ألبانها فجعلته في سقائي فهو هذا".
الآن المحظور كونه يمر على إبل الصدقة ويشرب منها بفيه فقط، أو يأخذ في سقائه، أو الكل؟ لو مر بإبل مملوكة لشخص بعينه، أو بحائط لشخص بعينه، وأكل بفمه فقط، لوم يتخذ خبنة، عليه إشكال؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا إشكال في هذا، الإشكال في كونه أخذ وجعل في سقائه، صار اتخذ خبنة، ومثل هذا لا يجوز(54/29)
"فجعلته في سقائي" يعني الوعاء الذي معه "فهو هذا، فأدخل عمر -رضي الله تعالى عنه- يده فاستقاءه"
وهل يلزم مثل هذا لكل من أكل أو شرب ما فيه شبهة، أو أكل شيء محرم؟ يلزم أن يستقيء؟ فعله الصديق، وفعله عمر، لكن هل يلزم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، الآن الطعام استقر في مكانه، والأكل وحصل، والتجاوز وحصل، أو هذا من باب الورع؟ يعني على هذا من أكل ثم تبين له أن المال مسروق، جاء الولد بتفاحة مثلاً، فأعجبتك وأكلتها، ثم لما انتهيت، أنت تخشى أن تسأل قبل الأكل {لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة] لكن بعد الأكل تسأل، فإذا سألت فقال: والله مريت محل وسرقتها هل يلزمه أن يخرجها بالاستقاء، أو هذا من باب الورع؟ الورع شيء، لكن هل نقول: يلزمه أن يدخل يده ويخرجها؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني يفرق بينما إذا كان أصل المادة طاهر ومأكول، وبينما كان نجس وغير مأكول؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ اللي بيقدم على المتميز هذا لا يطلع شيء هذا.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، عرف فيما بعد أن هذا خنزير أو ميتة.
طالب:. . . . . . . . .
أنت افترض أن ما في البطن غيره، المقصود أن هذا من باب الورع؛ لأن هذا الاستقاء لا يغير من الواقع شيء، لكن لو كان قبل أن يشربه سأل عنه، فإذا به من وجه غير مشروع، ويعاد إلى صاحبه ليستفيد منه، هذا واجب، لما سأل الولد عن التفاحة وقال: سرقتها، قال: أعدها إلى مكانها، تلزمه إعادتها، لكن إذا أحيلت بالأكل ثم بعد ذلك استخرجت، استقاءها فصارت قيء، هذه لا يستفيد صاحبها شيء، وعلى هذا يكون إخراجها من باب الورع، بل هذا نهاية الورع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هم الذين حلبوا له، لكن هذا ممن لا تحل له الصدقة، وإلا لو كان ممن تحل له الصدقة لصارت عليه صدقة، ولعمر هدية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال هذا نهاية الورع.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، أما قصة أبي بكر فهي ثابتة بلا إشكال، وهذه لها ما يشهد لها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه لا بد من إخراجها؛ لأن إدخال الجوف شيء نجس ما يجوز.(54/30)
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عاملاً" ما ذكر اسمه، لم يسم "لعمر بن عبد العزيز كتب إليه يذكر أن رجلاً منع زكاة ماله" عمر بن الخطاب بعثه النبي -عليه الصلاة والسلام- ساعياً، ثم رجع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: منع ابن جميل، وخالد، والعباس، منعوا زكواتهم، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله، وأما خالد فأنتم تظلمون خالداً فقد احتسب أدراعه وعتاده في سبيل الله)) سلاحه كله في سبيل الله، فمثل هذا يتهم بمنع الجزء اليسير من ماله؟ ما يتهم، وكذلك العباس فهي علي ومثلها، فإذا منع ...
هذا يقول: بالأمس كنت أستمع لدرس عن طريق الإنترنت فكنت أسمع الجواب على بعض مداخلات الشباب ولا أسمع السؤال وكذلك الآن، فهل من حل لتتم الفائدة للجميع؟
يعني يريد إعادة السؤال يعني المداخلات لا بد أن تكون .. ، وهذه لا بد أن يكون هناك لواقط كثيرة تكون بأيدي الإخوان، أو واحد يدار به عليهم، وهذا فيه صعوبة، وليكن هذا مما يتميز به من تحمل المشقة وحضر للدرس، وإذا أمكن الإعادة من غير مشقة ولا تكرار كثير لا باس.
المقصود أن هذا العامل ذكر لعمر بن العزيز الخليفة الراشد أن رجلاً منع زكاة ماله، فكتب إليه عمر أن دعه، اتركه ولا تأخذوا منه زكاة من المسلمين، قال: "فبلغ ذلك الرجل فاشتد عليه ذلك الأمر، وأدى بعد ذلك زكاة ماله، فكتب عامل عمر إليه يذكر له ذلك، فكتب إليه عمر: أن خذها منه".
ابن عبد البر -رحمه الله- قال: يحتمل أن الرجل منع من دفعها إلى العامل، وتولى دفعها بنفسه إلى الفقراء ...(54/31)
شرح: الموطأ – كتاب الزكاة (7)
باب زكاة ما يخرص من ثمار النخيل والأعناب- باب زكاة الحبوب والزيتون-باب ما لا زكاة فيه من الثمار
الشيخ: عبد الكريم الخضير
ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- قال: يحتمل أن الرجل منع من دفعها إلى العامل، وتولى دفعها بنفسه إلى الفقراء، فقال: دعه، يعني يفرقها على نظره، هذا احتمال أورده ابن عبد البر، أن الرجل منعها من العامل دون منعها من أهلها، ولم يكن ممن يمنع الزكاة، يعني عرف من حاله أنه صاحب ديانة، ولا يتصور منه أن يمنع الزكاة، مع أنه صاحب تحري، فتفرس فيه أنه لا يخالف جماعة المسلمين الدافعين لها، فكان الأمر كما كان، كما ظن، وكما توقع، يعني كان يدفعها بنفسه، ثم دفعها إلى العامل؛ لأنه شق عليه أن يقال: اتركوه، وأن ينفرد بهذا عن المسلمين، لكن الاحتمال الثاني هو ما ذكروه، لكن كأنه أظهر، أنه قال: دعوه، تعزيراً له، تعزيراً له اتركوه، إذا مريتم بأمواله اتركوه، مروا على المسلمين واتركوه، وتوقع عمر بن عبد العزيز أن مثل هذا التعزير يكفيه؛ لأن بعض الناس يكفيه أدنى تعزير فينزجر، يعني سهل على النفس أنه يأتي إليه العامل ويعتذر منه، والله أموالنا إلى الآن ما بعد حال عليها الحول، أو ما بلغت النصاب، انصرفوا المقصود، نعم، أو يكذب عليه سهل، يقول: إني والله دفعت الزكاة، يوجد هذا في المسلمين، لكن يصعب على نفس المسلم أن يمر العامل والساعي على جميع الناس، وهو يراه يتركه ولا يكلمه، هذا صعب جداً؛ لأنه يتوقع أنه ما ترك إلا لأمر أعظم من مسألة منع الزكاة، وبذلك لما اشتد عليه أدى بعد ذلك الزكاة.
أقول: يحتمل أنه قال ذلك تعزيراً له؛ لظنه أن ذلك يردعه فكان كما ظن، ولذلك أسلوب الخبر، فكتب إليه عمر أن دعه ولا تأخذ منه زكاة مع المسلمين، العبارة: "دعه ولا تأخذ منه زكاة مع المسلمين" يعني كأنه عمله مخالف لعمل المسلمين فاتركه، فبلغ ذلك الرجل، فاشتد عليه ذلك الأمر كونه يخرج من الوصف مع المسلمين، فشق عليه هذا فبادر إلى دفعها، فكتب إليه عمر أن خذها منه، ما دام دفعها خذها منه.(55/1)
بعض الناس يكفيه أدنى شيء من التعزير، حصل في مجلس درس من الدروس، درس من الدروس طلاب يحضرون، الأول، الثاني، الثالث، كل واحد معه كتاب ويقرأ، عشرون طالب معهم عشرون كتاباً، يقرأ الأول ثم الثاني ثم الثالث ... إلى آخره، تأخر طالب صار هو الأخير، قرأ مع الناس، ثم قام الشيخ، في اليوم الثاني كذلك، في اليوم الثالث لما وقف عليه الدور قام الشيخ وتركه، تأخر ثلاث مرات متوالية ويصير هو الأخير، قام الشيخ وتركه، في اليوم الذي يليه جاء الأول، وهكذا ما ترك الدرس، صار هو أول من يحضر، فتركه للقراءة تعزير، ما قال: والله ما دام ما يبيني أقرأ ما يلزم أحضر، فبعض الناس يردعه أدنى شيء، نعم.
أحسن الله إليك.
باب زكاة ما يخرص من ثمار النخيل والأعناب:
حدثني يحيى عن مالك عن الثقة عنده عن سليمان بن يسار وعن بسر بن سعيد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر)).
وحدثني عن مالك عن زياد بن سعد عن ابن شهاب أنه قال: "لا يؤخذ في صدقة النخل الجعرور، ولا المصران الفارة، ولا عذق ابن حبيق، قال: وهو يعد على صاحب المال، ولا يؤخذ منه في الصدقة".
قال مالك -رحمه الله تعالى-: "وإنما مثل ذلك الغنم تعد على صاحبها بسخالها، والسخل لا يؤخذ منه في الصدقة، وقد يكون في الأموال ثمار لا تؤخذ الصدقة منها، من ذلك البردي وما أشبهه، لا يؤخذ من أدناه كما لا يؤخذ من خياره".
قال: "وإنما تؤخذ الصدقة من أوساط المال".
قال مالك -عفا الله عنه-: "الأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا يخرص من الثمار إلا النخيل والأعناب، فإن ذلك يخرص حين يبدو صلاحه ويحل بيعه، وذلك أن ثمر النخيل والأعناب يؤكل رطباً وعنباً، فيخرص على أهله للتوسعة على الناس؛ ولئلا يكون على أحد في ذلك ضيق، فيخرص ذلك عليهم، ثم يخلى بينهم وبينه يأكلونه كيف شاءوا، ثم يؤدون منه الزكاة على ما خرص عليهم".(55/2)
قال مالك -رحمه الله-: "فأما ما لا يؤكل رطباً، وإنما يؤكل بعد حصاده من الحبوب كلها، فإنه لا يخرص، وإنما على أهلها فيها إذا حصدوها ودقوها وطيبوها وخلصت حباً، فإنما على أهلها فيها الأمانة، يؤدون زكاتها إذا بلغ ذلك ما تجب فيه الزكاة، وهذا الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا".
قال مالك -رحمه الله-: "الأمر المجتمع عليه عندنا أن النخل يخرص على أهلها وثمرها في رؤوسها إذا طاب وحل بيعه، ويؤخذ منه صدقته تمراً عند الجذاذ، فإن أصابت الثمرة جائحة بعد أن تخرص على أهلها وقبل أن تجذ فأحاطت الجائحة بالثمر كله فليس عليهم صدقة، فإن بقي من الثمر شيء يبلغ خمسة أوسق فصاعداً بصاع النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ منهم زكاته، وليس عليهم فيما أصابت الجائحة زكاة، وكذلك العمل في الكرم أيضاً، وإذا كان لرجل قطع أموال متفرقة أو اشتراك في أموال متفرقة لا يبلغ مال كل شريك أو قطعه ما تجب فيه الزكاة، وكانت إذا جمع بعض ذلك إلى بعض يبلغ ما تجب فيه الزكاة، فإنه يجمعها ويؤدي زكاتها".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب زكاة ما يخرص من ثمار النخيل والأعناب:(55/3)
الخرص: التقدير، والحزر، وهو معمول به عند الجمهور خلافاً لأبي حنيفة الذي يقول: إنه ظن ورجماً بالغيب وتوقع، ولا يبنى عليه حكم، بل لا بد من الكيل أو الوزن، الكيل فيما يكال، والوزن في ما يوزن، والخرص لا يجدي، لكن الجمهور عليه، وجاءت به الأخبار، ولا شك أن الخرص ظن، لكن الظن متفاوت، فمن الظن ما لا يغني من الحق شيئًا، ومنه ما هو أكذب الحديث، ومنه ما يصل إلى درجة اليقين {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} [(46) سورة البقرة] وكذلك الخرص، هو حزر وظن وتقدير، لكن يبقى أن الخرص له أهله، بحيث يوجد من يخرص البستان الكامل الذي فيه آلاف النخيل، بحيث لا يزيد ولا ينقص عن الكيل والوزن، كل بضاعة لها أهلها، وكل صنف له رجاله، وكل فن له أربابه، يعني هل يؤتى بخارص يسأل عن سلعة كم تسوى هذه؟ هذا حصل، قال: تسوى أربعمائة، ألف وست، يؤتى بمثل هذا يخرص؟ نعم؟ هذا ما هو الخرص، لكن وجد من يخرص حقيقة حتى في العصور المتأخرة، يعني في العصور الحاضرة، من يخرص البستان من أكبر البساتين فيه آلاف النخيل ولا تزيد إطلاقاً عن الخرص، فالخرص له أصل، وإن كان ظن وتقدير، يعني ما يبنى على مقاييس ومقادير ومكاييل وموازين، لكن له أهله، وكل فن له أهله، يعني تأتي بصاحب العقار ينظر إلى الأرض نظرة عابرة ويقول: قيمتها كذا، وحينئذٍ لا تزيد ولا تنقص، تأتي إلى أصحاب الكتب ينظر المكتبة عشر غرف عشرين غرفة ويقدرها بحيث لا تزيد ولا تنقص، تأتي إلى أصحاب المواشي، تأتي إلى أصحاب النخيل، نفس الشيء، فالخرص شرعي، وفائدته أن الزكوات إنما تؤخذ بعد تمام النضج، بعد تمامه، يعني إذا صار تمر، ما يؤخذ منه وهو رطب، فهل يقال لأرباب الأموال: لا تتصرفون، لا تأكلون منه، لا تبيعوا، لا تفعلوا حتى يكال؟ هو ما يكال وهو رطب، لا يكال حتى يصير تمر، يؤتى بخارص فيقدر أنه يبلغ كذا من التمر، الآن تصرف، عرف حق المساكين، من خلال تقدير الخارص، الآن تصرف، كيله أو بيع أو اللي تبي، هذه فائدة الخرص، وإلا لو كان ينتظرون إلى أن يصير تمر ويكال، ويخرج حق المساكين بدقة، هذا أمر معروف، ومثله العنب.(55/4)
الحبوب الجمهور على أنها لا تخرص، لماذا؟ لأنها مكتنة في سنابلها، يعني يصعب تقديرها بدقة، فثمر أو تمر النخل بارز، وكذلك العنب بارز، أما غيرها فإنه يصعب تقديره؛ لأن الحبوب متوارية بقشورها، وحينئذٍ .. ، ولا يستفاد منها، ولا تباع وهي متوارية، يباع منها، اللهم إلا إذا بيع وعرفت قيمته يقدر حينئذٍ، إذا بدا صلاحه، إذا اشتد الحب، لكن الأصل أنه ينتظر فيه حتى يصفى من سنبله، ويكال، فيعرف حق المساكن.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن الثقة عنده" من الثقة عند مالك؟
طالب:. . . . . . . . .
ابن أبي المخارق؟ لا، هو روى عنه لكن لا يعني أنه يطلق عليه الثقة، هو اغتر به، وروى عنه، والأصل ألا يروي إلا عن ثقة، لكن إذا أطلق قال: الثقة عنده، حدثني الثقة، الشافعي يقول: حدثني الثقة، حدثني من لا أتهم، يعني على الحديث، وإن كان متهماً في دينه، شيخه إبراهيم بن أبي يحيى، لكن مالك؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما هو بنافع، تعرفه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هو صرح به في كتاب المناسك صرح به.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما هو.
الحافظ في تعجيل المنفعة بين الثقة المبهم عند مالك وعند الشافعي وعند فلان، وعند علان، لكن لا بد من إحضاره غداً -إن شاء الله-.
"عن الثقة عنده عن سليمان بن يسار" الهلالي المدني أحد الفقهاء السبعة "وعن بسر بن سعيد" المدني العابد "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال" الآن فيه راوٍ مبهم، وُثق، يعني لو قال مالك: حدثني الثقة عن سليمان بن يسار يكفي وإلا ما يكفي؟ التعديل مع الإبهام يكفي وإلا ما يكفي؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في انقطاع الآن.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لقيه، افترض أنه لقيه، التعديل مع الإبهام هذه مس ألة معروفة عند أهل العلم، التعديل مع الإبهام.
طالب:. . . . . . . . .(55/5)
غير ثقة عند غيره، ولهذا المعتمد عند أهل العلم أنه لا بد أن يسميه؛ لئلا يكون ثقة عنده وعند غيره غير ثقة، منهم من يقول: إذا كان من الأئمة المتبوعين مثل مالك والشافعي وأحمد يلزم مقلده أن يقلده في حكمه على الراوي، ولا يلزم أن يبحث عن اسمه، ما دام يقلده في الأحكام يقلده في الرواة، ما دام وثقه الإمام يكتفي المقلد بتوثيق إمامه.
ومبهم التعديل ليس يكتفي ... به الخطيب والفقيه الصيرفي
أما التعديل مع الإبهام لا يكفي، لو ونص على توثيقه، ولو كان ممن لا يروي إلا عن ثقة، ولو قال: جميع أشياخي ثقات، لا بد أن يسمى الراوي، فتنظر أقوال أهل العلم فيه.
على كل حال الحديث موصول عن ابن عمر في صحيح البخاري، وهو عند مسلم بنحوه عن جابر بن عبد الله، فهل نقول: متفق عليه؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
افترض أنه في مسلم بلفظه عن جابر، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، يكونا حديثان، هما حديثان، لا حديث وحد متفق عليه، حديث مخرج عند البخاري، وحديث آخر عند مسلم، لا بد من اتحاد الصحابي، هذا عند الأكثر، وهو الذي استقر عليه الاصطلاح.
أما لو خرج عن صحابي في كتاب في البخاري مثلاً، وعن صحابي آخر ولو كان بنفس اللفظ عند مسلم لا يصير من المتفق عليه.
البغوي أحياناً يقول: الحديث متفق عليه خرجه محمد من حديث أبي هريرة، ومسلم من حديث ابن عمر، هذا اصطلاح له.
"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فيما سقت السماء العشر)) " هذا مرسل عند مالك، وهو موصول عند البخاري ومسلم.
قال: ((فيما سقت السماء)) المطر، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا متابع، هو ما يروي عنه.
((فيما سقت السماء)) يعني المطر ((والعيون)) الجارية التي لا تحتاج إلى آلات ((والبعل)) وهو شرب الأشجار والزروع بعروقها ((العشر)) وهذا مبتدأ مؤخر، خبره الجار والمجرور المتقدم.(55/6)
((وفيما سقي بالنضح)) بالسانية، والناضح والنواضح: الإبل التي يستقى عليها ((نصف العشر)) وهذه هي القاعدة في الزكاة أن المال الذي فيه كلفة ومشقة على أربابه تخفف زكاته، بخلاف ما لا كلفة فيه ولا مشقة، فالذي فيه مشقة نصف العشر، والذي لا مشقة فيه العشر كامل، والذي فيه هذا وهذا ثلاثة أرباعه، ثلاثة أرباع العشر.
وعموماً الزروع والثمار زكاتها أكثر من الأموال الأخرى، أكثر من عروض التجارة، وأكثر من النقدين؛ لأن فيها من التعب والمشقة أشد، أما الزراعة فأمرها أخف من غيرها من التجارات؛ لأن كل مبلغ يحتاج إلى معاناة بالنسبة للتجارة، لا ننظر إلى تجارة اليوم أن الإنسان قد يكسب الأموال الطائلة وهو جالس، بتليفون أو شبهه، لا، الأصل أن أصحاب التجارات يتعبون من ورائها.
"وحدثني عن مالك عن زياد بن سعد" يعني ابن عبد الرحمن الخرساني "عن ابن شهاب أنه قال: "لا يؤخذ في صدقة النخل الجعرور" وهو بزنة عصفور، نوع رديء من التمر، إذا جف صار حشف، إيش معنى حشف؟ ييبس بحيث لا يصلح للأكل، "ولا المصران الفارة" المصران: جمع مصير، وهو أيضاً نوع رديء من التمر، كأنه صغير جداً، ولصغره شبه بالمصران، صغير يعني دقيق رفيع جداً مع شيء من الطول، هو الشيص؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟ شيص؟
طالب:. . . . . . . . .
في كل مكان حتى نحن نقول: شيص، لكن ما يلزم أن يكون هذا.
طالب:. . . . . . . . .
حتى الشيص يتمر.
طالب:. . . . . . . . .
الشيص يؤكل، لكنه نوع رديء.
طالب:. . . . . . . . .
ويش المانع؟
طالب:. . . . . . . . .
يأكلونه يا عبد الله -الله المستعان-، لا تنظر إلى ظرفنا الذي نعيشه، وحياتنا التي نعيشها.
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه يؤكل، سواءً كان أكله الناس أو دوابهم.
طالب:. . . . . . . . .
هو يأتي أنواع التمر، المدينة فقط ذكر ابن الجوزي فيها ستمائة نوع، ذكر ابن الجوزي في المدينة وحدها ستمائة نوع من التمر، وكل يوم نسمع نوع جديد.(55/7)
"ولا عذق ابن حبيق" وهو أيضاً نوع رديء من التمر، والحديث مقطوع عن ابن شهاب، ورواه أبو داود من طريق سفيان بن الحسين، وسيلمان بن كثير، والنسائي من طريق عبد الجليل ثلاثتهم عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الجعرور ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة، زاد النسائي في روايته: وفيه نزلت: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] فعلى كل حال الرديء لا يؤخذ، والكرائم لا تؤخذ، وإنما يؤخذ في الزكاة أوساط المال، مراعاةً للطرفين المعطي والآخذ، فلا ينظر إلى مصلحة المساكين على حساب الأغنياء ولا العكس.
طيب إذا كان النخل كله جعرور، يؤخذ منه وإلا يكلف يشتريه؟ يقول: قال -يعني ابن شهاب-: "وهو يعد على صاحب المال ولا يؤخذ منه في الصدقة" إذا كان كله خيار، المال كله خيار، كله جيد، كله من السكري الملكي، يسمونه ملكي، الكيلو بمائة وعشرين، يؤخذ منه؟ كرائم هذه، يؤخذ وإلا ما يؤخذ؟ يؤخذ إذا كان المال كله كذا، وكذا لو كان كله رديء هل يكلف صاحب المال أن يشتري متوسط؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا أقل، أقل بكثير.
طالب:. . . . . . . . .
إيه إحنا وجدنا بثمانين وبمائة.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال إذا وصلنا إلى حد الإسراف إلى هذا مشكلة، وهل يكلف الغني أن يشتريه؟ المقصود أن هذا نوع من التمر تجب فيه الصدقة يتصدق منه ولو لم يأكله الفقير، المقصود أن فريضة الله لا بد أن تمضي.
طالب:. . . . . . . . .
لا بد أن تمضي فريضة الله، يبيعه، يتصرف فيه، المقصود أنه كما نلاحظ حال الفقير، نلاحظ أيضاً مصلحة الغني المتصدق.
قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ} [(267) سورة البقرة] يعني كون المال كله من هذا النوع من غير تيمم، ما تيمم ولا قصد، يعني ما قصد الخبيث، أخذ من ماله الذي عنده.(55/8)
قال مالك: "وإنما مثل ذلك الغنم تعد على صاحبها بسخالها، والسخل لا يؤخذ منه في الصدقة، وقد يكون في الأموال ثمار لا تؤخذ الصدقة منها، من ذلك البردي وما أشبهه" نوع من أجود التمر، ومثله البرني "وما أشبهه" في الجودة "لا يؤخذ من أدناه كما لا يؤخذ من خياره" وإنما يؤخذ من أوساطه، قال: "وإنما تؤخذ الصدقة من أوساط المال رفقاً بالطرفين" لكن لو قال صاحب المال: أنا عندي الثلاثة أنواع، جيد ومتوسط ورديء، أنا بأخذ نصف أو ثلث صدقة من الجيد، والثلث الثاني من المتوسط، والثالث من الرديء، يعني الآن أصحاب المزارع، صاحب مزرعة عنده عشرة أنواع من التمر، هل نقول: أخرج صدقة كل نوع منه؟ أو نقول: انظر إلى المتوسط وأخرج الصدقة منه؟ هذا الأصل من المتوسط، لكن إذا كان المتوسط كله ما يفي بصدقة البستان، يعني ينظر ما قرب منه؟ من أعلى وأدنى؟ إذا افترضنا أن عنده عشرة أنواع، في رقم واحد ورقم اثنين إلى عشرة من حيث الجودة، المفترض أن يأخذ خمسة وستة، ما وفت خمسة وستة، يطلع إلى أربعة وينزل إلى سبعة، لكن ما يتعدى بحيث يطلع إلى الغالي النفيس، ولا إلى الرديء.
إذا كان نصف البستان البستان فيه خمسمائة صاع، ثلاثمائة صاع من النوع الناهي الجيد، ومائتين صاع مائة متوسط، ومائة رديء، هل نقول: نأخذ الصدقة من هذه المائة المتوسطة؟ نكون بهذا ظلمنا الفقراء.
طالب:. . . . . . . . .
وش هي؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، قريبة منها، أقول: هذا عنده ثلاثمائة صاع من النوع الفاخر، ومائة من المتوسط، ومائة من الرديء، هل نقول: إن الزكاة كلها من المتوسط، أو نتناول شيء من الجيد لنعدل في هذا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني بالنسبة، نأخذ نصف الصدقة، صنف الزكاة من المتوسط، ونصفها من الجيد، فنكون بذلك عدلنا بين الأغنياء والفقراء.(55/9)
قال مالك: "الأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا يخرص من الثمار إلا النخيل والأعناب" النخيل والأعناب هي التي ثمرتها ظاهرة، وهي التي تؤكل رطبة وتؤكل جافة، لكنها لا تؤدى إلا جافة، ولذلك الرطب ما يكال لماذا؟ يعني هل تستطيع أن تبيع مائة صاع رطب بمائة صاع جاف؟ ما يمكن، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((أينقص الرطب إذا جف؟ )) قيل: نعم، قال: ((فلا إذاً)) ما دام ينقص ما يباع بالجاف، إنما يخرص، لينظر ماذا يساوي بعد الجفاف، وحينئذٍ تقدر زكاته.
"فإن ذلك يخرص حين يبدو صلاحه، ويحل بيعه، وذلك أن ثمر النخيل والأعناب يؤكل رطباً وعنباً، فيخرص على أهله للتوسعة على الناس" يعني للأغنياء والفقراء، يخرص على الأغنياء ليتصرفوا في مالهم؛ لأنهم يجوز لهم بيعه، ويجوز لهم الأكل منه، لكن لو لم يخرص ولا تخرج زكاته، ولا يكال حتى يجف، صار عليهم ضيق، لا يستطيعون يأكلون، ولا يبيعوا ولا يتصرفوا "ولئلا يكون على أحد منها في ذلك ضيق، فيخرص ذلك عليهم، ثم يخلى بينهم وبينه يأكلونه كيف شاءوا" وينتفعوا به كيف شاءوا، يأكلون، يبيعون، يتصدقون، الأمر إليهم؛ لأن حق المساكين عرف "ثم يؤدون منه الزكاة على ما خرص عليهم".
"قال مالك: "فأما ما لا يؤكل رطباً وإنما يؤكل بعد حصاده من الحبوب كلها، فإنه لا يخرص" لأن الخرص إنما هو لحاجة الانتفاع به قبل أن يجف، وهذا إذا وجد في العنب التمر، فإنه لا يوجد في الحبوب، ما في أحد بيخرص سنبل أخضر ثم يأكله، قد يؤكل منه شيء، لكن الأصل فيه، الأصل في استعماله إذا تم نضجه، يعني أخذ سنابل يسيرة بحيث تؤكل، أو عندنا مزارعين وإلا ما .. ؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا الآن عندنا الزروع، زروع الحب، القمح، الأصل أنه إذا تم حصاده ونقي وتم نضجه يؤكل، لكن ما يمنع أنه يؤخذ منه سنابل وتعرض على النار يسيراً، وتؤخذ منها بالمنقاش، شيء مجرب يأكلونه الناس، لكنه ما هو بالأكل المعتاد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن ليس هذا هو الأصل فيه، ليس هذا هو الأصل، ما دام بدا صلاحه، بدو الصلاح في اشتداد الحب، إذا اشتد الحب يعني بدا صلاحه، فيجوز بيعه، لكن قبل ذلك ما يجوز بيعه؟
طالب:. . . . . . . . .(55/10)
لا ما يؤمن، ما تأمن عليه العاهة، ما دام ما اشتد ما تؤمن عليه العاهة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما نضج هذا، الأخضر ما نضج، يعني ما اشتد، يعني كونه يؤخذ منه سنابل، يعرض مثل .. ، يمكن تستعملونه أنتم، وغيركم في أحد ... ؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه يستعمل، فمثل هذا شيء يسير لا يلتفت إليه، وليس بالأكل الحقيقي، يعني يمكن أن يخبز وإلا ... ؟
طالب:. . . . . . . . .
وهو أخضر ما اشتد؟
طالب:. . . . . . . . .
بشرط القطع منتهي ما في إشكال، إذا كان بشرط القطع ما في إشكال، لكن ما يأمن العاهة إذا لم يشتد، ولذا لا يجوز بيعه، إذا اشتد الحب يصير يقولون إيش؟ اصطلاحات مزارعين، نبي واحد كبير السن شوي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بعته شرط القطع تزكي قيمته، صار عرض من عروض التجارة، تزكي قيمته لكن بزكاة المعشر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
ما أنت تبي تحضره لنا غداً -إن شاء الله-؟
طالب:. . . . . . . . .
من قاله هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
صحيح.
طالب:. . . . . . . . .
السيوطي هذا، قبله الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة، نص على الثقة عند مالك، الثقة عند الشافعي، كل من يطلق هذا التعديل مع الإبهام، وغداً -إن شاء الله- يُحضر.
يقول مالك -رحمه الله-: "فأما ما لا يؤكل رطباً وإنما يؤكل بعد حصاده من الحبوب كلها، فإنه لا يخرص" لأن الخرص إنما هو لحاجة الانتفاع، والانتفاع في الحبوب ما يأتي إلا بعد أن تشتد.
طالب:. . . . . . . . .
بشرط القطع.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن هل هذا فيه زكاة؟
طالب:. . . . . . . . .
الخضروات والفواكه فيها زكاة وإلا ما فيها زكاة؟
طالب:. . . . . . . . .
إحنا نناقش كلام الإمام -رحمه الله تعالى-.
طالب:. . . . . . . . .
بيجي بيجي، كل ما يؤخذ من الأموال في أبواب لاحقة، زكاة الحبوب والزيتون وما لا زكاة فيه من الثمار، كلها تبي تجي -إن شاء الله-، لا نتعجل.(55/11)
يقول: "وإنما على أهلها فيها إذا حصدوها ودقوها وطيبوها وخلصت حباً، فإنما على أهلها فيها الأمانة" يعني الخرص يضمن حق المساكين، يأتي الخارص الخبير والمال ما تصرف فيه، وهو في مكانه، بحيث لو رأى نخلة مجذوذة، قال: وين الثمرة؟ يناقشه، لكن لو ترك الأمر حتى ييبس، بعد الجذاذ وبعد التنقية والتصفية ما يدرى كم عدد النخل؟ ولا كم عدد المنتج؟ ولذا قال: "فإنما على أهلها فيها الأمانة" لأنه الآن المزرعة ما دامت قائمة، والثمر على رؤوس الشجر يعرف النقص، لكن إذا حيزت إلى مكان آخر ما يعرف النقص، يعني لو جاب صبرة تمر هل تستطيع أن تقول: إن هذه الصبرة هي ثمرة هذا البستان؟ ما تستطيع.
"فإنما على أهلها فيها الأمانة، يؤدون زكاتها إذا بلغ ذلك ما تجب فيه الزكاة -النصاب- وهذا الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا" طيب استفاض بين الناس أن زيداً من الناس عنده من القمح ما مقداره عشرة أطنان، فلما جاء الساعي قال: أين قمحك؟ قال: هذا هو، فإذا به طن واحد، أو اثنين أو ثلاثة أو خمسة، والمستفيض عند الناس أن ماله أكثر، هل يكفي أن يوكل إلى أمانته؟ قالوا: إن اتهم بكتمان شيء نصب السلطان أميناً يحاسبه، وين راح هذا؟ كيف تصرفت بهذا؟ ويسأل ويتثبت؛ لئلا تضيع حقوق المساكين، وكثير من الناس يتصرف في أموال التجارة، الآن شخص مثلاً رأس ماله عشرة ملايين، ومسجل عند الدولة في مصلحة الزكاة، ... رأس ماله خمسمائة ألف، هذا موجود بين التجار، لا يبيحون بجميع ما عندهم.
وبعضهم يتذرع بشيء يقول: أنا أريد أن أخرج زكاتي على نظري، لي أقارب، ولي معارف، ولي جيران، وهناك حوائج أعرفها لا يعرفها غيري، والناس يعرفون عندي أموال ولا يعذرونني، ولو قلت: إني دفعت جميع زكاتي للدولة ما عذروني، فهو بهذا يتذرع ويكتم بعض ماله، هذا يحصل كثيراً عند الناس.
وبعضهم يرتكب مثل هذا من أجل التبعات التي تفرض على الأموال من قبل الدول، هذا شخص عنده أموال طائلة لا بد يفرض عليه كذا، والله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .(55/12)
لا هو الناس لا شك أنهم يتحايلون على الأنظمة، يتحايلون إن احتاجوا إلى الرفع رفعوا، وإن احتاجوا إلى الخفض خفضوا، ويقل فيهم الصدوق الأمين، قد يكون لهم تأويلات، قد يكون لهم أعذار، قد تكون لهم حاجات، لكن مع ذلك الأصل في التجارة الأمانة، التاجر الصدوق الأمين له وضعه، هذا الأصل، لكن إن ترتب على ذلك ظلم، إن ترتب إن وجد في بعض الأنظمة ظلم لا يجيزه الشرع، وأمكن التحايل عليها هذا شيء آخر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال هذه أمانة إذا سلمها لولي الأمر برئت ذمته منها، إذا أخذها ولي الأمر سلمت ...
طالب:. . . . . . . . .
ما عليه، هو إذا سلمها، هو مأمور بأن يسلمها إلى من أسند إليه الأمر، لكن بعض الناس يقول: أنا أدفع لهم جزء من الزكاة، وجزء أصرفه على نفسي، يعني أدفعه إلى من يستحقه، أما من أعرفه من معارفه وأقاربه نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني مع المكوس والجمارك؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال من سلم المال طائعاً مختاراً لولي الأمر برئت ذمته، وإن كانت تؤخذ منه ظلماً، واستطاع أن يتحايل هذه مسألة أخرى.
على كل حال المحرم لا يقره أحد، وما دام ولي الأمر مسلم، ويغلب على الظن أنه يصرفها من مصارفها تسلم له، وتبرأ الذمة -إن شاء الله تعالى-.
"قال مالك: "الأمر المجتمع عليه عندنا أن النخل يخرص على أهلها وثمرها في رؤوسها إذا طاب وحل بيعه" تخرص إذا طابت، يعني إذا أزهت، إذا احمرت واصفرت، لا قبل ذلك، يعني إذا أمكن بيعها؛ لأنه قبل ذلك لا يؤكل منها شيء، ولا يباع منها شيء، والخرص فائدته ضمان حق المساكين لئلا يؤكل منها، أو تباع قبل أن يحرز حق المساكين.(55/13)
"ويؤخذ منه صدقته تمراً عند الجذاذ لا قبله" لأن الصدقة تؤخذ إذا استقر الوضع، وضع التمر، لا تؤخذ وهو بلح، ولا تؤخذ وهو رطب، إنما تؤخذ الزكاة إذا استقر وصار تمراً "فإن أصابت الثمرة جائحة بعد أن تخرص على أهلها وقبل أن تجذ -تقطع- فأحاطت الجائحة بالثمر كله فليس عليهم صدقة" لأن الصدقة والزكاة عنده متعلقة بعين المال "فإن بقي من الثمر شيء يبلغ خمسة أوسق فصاعداً" يعني بحيث تجب فيه الزكاة "بصاع النبي -صلى الله عليه وسلم-، أخذ منهم زكاته، وليس عليهم فيما أصابت الجائحة زكاة، وكذلك العمل في الكرم أيضاً" مثل النخل، العنب "وإذا كان لرجل قطع أموال متفرقة" له فروع في بلدان متعددة، لا شك أنه يجمع هذه الأموال المتفرقة ويزكيها دفعة واحدة "أو اشتراك في أموال متفرقة" شريك مع زيد، وشريك مع عمرو، وشريك مع بكر، وله مساهمة في بلد كذا، ومساهمة في أرض كذا، يجمع هذه الأموال "أو اشتراك في أموال متفرقة لا يبلغ مال كل شريك أو قطعه ما تجب فيه الزكاة، وكانت إذا جمع بعض ذلك إلى بعض يبلغ ما تجب فيه الزكاة فإنه يجمعها ويؤدي زكاتها" فيزكي ذو القطع المجتمع منها النصاب كالماشية المتفرقة، له عشر من الغنم في كذا مع الراعي فلان، وعشر مع الراعي فلان، وعشرين مع علان، وكذا يجمعها فيؤدي زكاتها.
وكذلك الاشتراك فكل يراعي ماله دون مال شريكه، كل يزكي ماله دون مال شريكه، لكن إذا كان الشريك ثقة، ووكله في إخراج زكاته والمسألة مفترضة في ثقة، تبرأ ذمته بتوكيل الثقة، ما لم يتبين له خلاف الواقع؛ لأن بعض الناس يعتمد على شخص، والثاني إما ينسى، أو ما فهم الوكالة، فلا تخرج الزكاة، فلا تبرأ ذمته بهذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا انظر إلى التفريط وعدمه، إذا استقرت، استقر نصيب المساكين، وفرط في إيصاله إليهم فأصابته جائحة يضمنه، يعني قبل أن تستقر.
طالب:. . . . . . . . .(55/14)
ما عليه، يؤخذ منه زكاته، لكن لو كان مفرطاً، وجبت عليه الزكاة اليوم وتركها، ما أوصلها إلى أربابها، ثم أصابه ما أصابه، افترض مثلاً طن من التمور أو أكثر أو خمسمائة صاع تمر وضعها في غرفة، وجب فيها حق المساكين، ثم بعد ذلك تبين أن هذه الغرفة ينزل عليها ماء وإلا شيء ففسد التمر، وأخرها عن إيصالها إلى أربابها يضمن.
طالب:. . . . . . . . .
يترك، إيه، يترك لهم توسعة.
طالب:. . . . . . . . .
صحيح نعم -إن شاء الله-، توسعة.
هذا اقتراح.
يقول: أقترح أن السائل إذا سأل سؤال شفهي أن تعيد السؤال حتى يسمع من يتابع عن طريق الشبكة، وكذلك إذا خرج الدرس في أشرطة، وكذلك من حضر الدرس فكثيراً ما نعاني من هذه المشكلة، والسائل يكون في المقدمة، والذي في نهاية الحلقة لا يسمع شيئاً.
المقصود أن هذا سؤال ملح، وطلب من قبل الجميع، لكن من الممل أنه كلما سأل شخص يعاد سؤاله ثم يجاب عنه، وأحياناً الإجابة تكون فورية مع ... ، ما يلقى لها بال، تخرج يعني بمجرد سماع السؤال، وتكلف خلاف الطبع وخلاف العادة قد يشق، لكن بقدر الإمكان إذا كان السؤال مهم، وجوابه مما يحتاجه الإخوان يعاد -إن شاء الله تعالى-.
يقول: أين أجد طبعة دار الكتب المصرية لتفسير القرطبي حيث أني بحثت عنها ولم أجدها، ولكن وجدت طبعة دار الحديث في القاهرة فهل هذه. . . . . . . . .؟
لا، ليست هي، دار الكتب المصرية مطبوعة في عشرين مجلداً قديماً، يعني الطبعة الأولى للكتاب سنة (1353هـ) ثم (54 13هـ) (55 13هـ) ثم أعيد طبعه ثانية بدار الكتب أيضاً، سنة (1368هـ) إلى (78 13هـ) في عشرين مجلداً، الطبعة هذه صورت مراراً، وميزتها الإحالات على السابق واللاحق، إذا قال: تقدم، قال: انظر جزء كذا صفحة كذا، إذا قال: تأخر، قال: انظر جزء صفحة كذا، وهي طبعة -لا سيما الثانية- فيها الإحالات، وفيها المقابلة على النسخ الكبيرة، بعض الأجزاء قوبل على ثلاثة عشر نسخة، فهي مهمة لطالب العلم، نعم ينقصها تخريج الأحاديث، تحتاج إلى تخريج.
الطبعات الجديدة هذه وإن كانت يعني ما هي مثل تلك الطبعات بالضبط والإتقان إلا أن فيها عزو لبعض الأحاديث، هذا يستفاد منه.(55/15)
يقول: هل الزكاة متعلقة بعين المال أو بذمة صاحبه ما الراجح في المسألة؟
يأتي أن الإمام مالك -رحمه الله- يختار -وعلى هذا دار كلامه في هذا الباب- أنها متعلقة بعين المال بحيث لو تلف ما يلزمه زكاة، وعند الأكثر أنها ترتبط بالذمة مع تعلقها بالمال، السبب الموجب وجود المال، لكن إذا استقرت في الذمة ثبتت، بعد أن تستقر في الذمة يملك النصاب، ويحول عليه الحول، ثم يتلف المال، يطالب به.
يقول: إذا كان النخيل متوسط ورديء وأردأ فهل نأخذ من أوساط هذا المال وهو الرديء الذي هو وسط هذا المال؟
يعني ما في شيء من النوع الجيد، كله متوسط ورديء، المقصود أنه يؤخذ من متوسطه الجودة والتوسط والرداءة أمور نسبية، فيكون المتوسط جيد بالنسبة لـ ... ، يصير هو الكرائم.
يقول: إذا احتيج أكثر من راعي، وأكثر من فحل، فهل يكون بمعنى الخلطة؟ هل الأفضل القول بالسوية أو بالقسط؟ لأن السوية تقتضي نفس الكم والكيف من كل وجه؟
إذا احتيج إلى أكثر من راعي، خلطة أموال فيها أعداد كبيرة تحتاج إلى أكثر من راعي، لكنها مع ذلك حتى الرعاة لا يميزون بين مال هذا من مال هذا، الرعاة يسوقونها ويتابعونها ويذودونها ويسرحونها ويردونها بمعنى إيش؟ ويش يسمون رد الغنم والإبل؟
طالب:. . . . . . . . .
السرح، التسريح معروف، لكن الرد، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا اصطلاحكم، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
الرد هذا اصطلاح، غيره؟
طالب:. . . . . . . . .
تضل، من اللي قاله هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
صحيح، على كل حال المسائل يعني تختلف من الاصطلاحية.
اللهم صل على محمد ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في درس أمس:
"حدثني يحيى عن مالك عن الثقة عنده عن سيلمان بن يسار" ابن حجر في تعجيل المنفعة يقول: مالك عن الثقة عن سليمان بن يسار هو نافع، وعن الثقة عن ابن عمر كذلك، جاء في أكثر من ورقة؛ لأنه طلب بالأمس، مالك عن الثقة عنده عن سليمان بن يسار، ذكر ابن حجر في التعجيل ما نصه: وعن الثقة عنده عن سليمان بن يسار وعن الثقة عن بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- هو نافع كما في موطأ ابن القاسم.(55/16)
هذا يسأل من الإمارات يقول: ورد النهي عن كتم العلم الديني، فهل يندرج العلم الدنيوي في النهي؟ ((من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار)).
المقصود به العلم الذي يجب بيانه للناس، أما علوم الدنيا فالإخبار بها من باب الإيثار.
هذا يسأل يقول: العمل في البنوك بكافة أصنافها سواءً كانت إسلامية أو غير إسلامية، هل هو مباح كما أقر به بعض الشيوخ مع أن وجود فرص العمل في غزة كما هو معروف صعب؟
البنوك التي تتعامل بالربا أو أي مؤسسة أو شركة في مالها شبهة أو حرام صريح، بالنسبة للحرام الصريح لا يجوز الإقدام عليه بحال، لا يجوز، والمال المكتسب من طريقه سحت -نسأل الله العافية والسلامة-، أما بالنسبة للشبهات فاتقاؤها مطلوب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا والله ما أعرف، الكلام في أسلمة البنوك، هذا بنك إسلامي وهذا، كلام طويل، ويحتاج إلى تدقيق، وكثير من البنوك يجعل لجان علمية تشرف على أصول العقود، يعني يكتبون عقد وتشرف عليه اللجنة، وتصححه لكنهم عند التطبيق وعند التنظير يحتاجون إلى متابعة، أيضاً التفريع على هذا العقد قد يختل فيه شيء، أو شرط، ويتساهلون تطبيقه، أمور تعتري هذه البنوك كثيرة جداً.
يقول: مسألة فيما لو كان المال كله جيداً أو كله رديء فهل يؤخذ منهما أو يشترى؟(55/17)
الأصل أن يؤخذ من أوساط المال لا من كرائمه ولا من رديئه، لكن إذا كان المال كله جيد فلا باس، لا إشكال في أنه يجزئ أخذ الزكاة من الجيد، والزكاة الأصل أن تكون من عين المال، لكن الإشكال فيما إذا لو كان كله رديء، هذا محل الإشكال، هل يكلف بشراء المتوسط، أو يقال: لا يكلف أكثر مما عنده؟ وتكليفه لا شك أن فيه ضرر عليه؛ لأنه لو كان ماله عشرة أوسق مثلاً، وكله رديء، وأوجبنا عليه العشر، من هذا الرديء، كم نحتاج؟ إلى ستين صاع زكاة، جيد، قلنا: لا، الرديء ما يخرج، تشتري لنا ستين صاع من المتوسط، إذا نسبنا قيمة الستين الصاع من المتوسط إلى ما عنده من مال يمكن يبلغ الخمس أو أكثر، أكثر من الخمس، الربع أو الثلث، فهل يكلف بدفع الثلث؟ لا يكلف بدفع الثلث، أو نقول: قدر هذه الستين واشترِ بقيمتها متوسط، بدل الستين يكون ثلاثين؟ لا، هو الإشكال في كون الرديء جاء النهي عنه {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ} [(267) سورة البقرة] فإذا كان المال كله رديء ما تيممه ولا قصده، التيمم والقصد فيما إذا لو كان المال منوع، والذي يظهر أنه إذا كان المال كله جيد يخرج جيد منه، وإذا كان المال كله رديء يخرج منه، ولا يكلف فوق طوقه.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا حي يا قيوم.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب زكاة الحبوب والزيتون:
حدثني يحيى عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن الزيتون فقال: "فيه العشر".
قال مالك -رحمه الله-: "وإنما يؤخذ من الزيتون العشر بعد أن يعصر، ويبلغ زيتونه خمسة أوسق، فما لم يبلغ زيتونه خمسة أوسق فلا زكاة فيه، والزيتون بمنزلة النخيل ما كان منه سقته السماء والعيون، أو كان بعلاً ففيه العشر، وما كان يسقى بالنضح ففيه نصف العشر، ولا يخرص شيء من الزيتون في شجره".(55/18)
والسنة عندنا في الحبوب التي يدخرها الناس ويأكلونها أنه يؤخذ مما سقته السماء من ذلك، وما سقته العيون، وما كان بعلاً العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر إذا بلغ ذلك خمسة أوسق بالصاع الأول صاع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما زاد على خمسة أوسق ففيه الزكاة بحساب ذلك.
قال مالك -رحمه الله-: والحبوب التي فيها الزكاة الحنطة والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والعدس والجلبان واللوبيا والجلجان، وما أشبه ذلك من الحبوب التي تصير طعاماً، فالزكاة تؤخذ منها بعد أن تحصد وتصير حباً، قال: والناس مصدقون في ذلك ويقبل منهم في ذلك ما دفعوا.
وسئل مالك -رحمه الله- متى يخرج من الزيتون العشر أو نصفه أقبل النفقة أم بعدها؟ فقال: لا ينظر إلى النفقة، ولكن يسأل عنه أهله كما يسأل أهل الطعام عن الطعام، ويصدقون بما قالوا، فمن رفع من زيتونه خمسة أوسق فصاعداً أخذ من زيته العشر بعد أن يعصر، ومن لم يرفع من زيتونه خمسة أوسق لم تجب عليه في زيته الزكاة.
قال مالك -رحمه الله-: ومن باع زرعه وقد صلح ويبس في أكمامه فعليه زكاته، وليس على الذي اشتراه زكاة، ولا يصلح بيع الزرع حتى ييبس في أكمامه، ويستغني عن الماء.
قال مالك -رحمه الله- في قول الله تعالى: {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [(141) سورة الأنعام] إن ذلك الزكاة، وقد سمعت من يقول ذلك.
قال مالك -عفا الله عنه-: ومن باع أصل حائطه أو أرضه وفي ذلك زرع أو ثمر لم يبد صلاحه فزكاة ذلك على المبتاع، وإن كان قد طاب وحل بيعه فزكاة ذلك على البائع إلا أن يشترطها على المبتاع.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب زكاة الحبوب والزيتون:
الحبوب تجب فيها الزكاة كلها، ولو لم تكن قوتاً، أما الثمار فتجب الزكاة في كل ما يكال ويدخر، أما ما لا يكال ولا يدخر فلا تجب فيه الزكاة عند جمع من أهل العلم.
الحبوب كالحنطة والشعير والسلت، والدخن، وما أشبه ذلك يأتي بيانها في كلام الإمام -رحمه الله تعالى-.(55/19)
الزيتون هل الزكاة فيه أو في زيته؟ ويقول: باب زكاة الحبوب والزيتون، مقتضى الكلام أن تكون الزكاة في الزيتون نفسه، لكن يأتي في كلامه أن الزكاة في زيته، وأن الزيتون بمنزلة الرطب، وبمنزلة العنب، وزيته بمنزلة التمر والزبيب.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن الزيتون فقال: "فيه العشر" لأنه يكال، الزيتون نفسه يكال وإلا زيته؟ ما دام يكال دخل في حديث الأوسق، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه، يعني كقول مالك، والقول الثاني: أنه لا زكاة فيه، لأنه ليس بقوت وإنما إدام، وليس بقوت.
قال مالك: "وإنما يؤخذ من الزيتون العشر بعد أن يعصر" إذاً يؤخذ من نفس الزيتون وإلا من زيته؟ بعد أن يعصر من زيته، وقلنا: إن الزيتون بمثابة الرطب، وبمنزلة العنب، لا يؤخذ من الرطب ولا يؤخذ من العنب، وإنما يؤخذ من التمر إذا جف، ومن الزبيب، وكذلك الزيتون يؤخذ منه إذا عصر، طيب إذا كان استعمال الناس له حب بدون عصير، بدون زيت، يؤكل هكذا من غير عصر، يفعل به ما يفعل بالنخل والعنب يخرص، الآن فائدة الخرص في التمر وفي العنب من أجل ألا يحبس حتى يصير تمراً، فيتضرر المالك؛ لأنه لو باعه رطب كان أكسب له، وإذا أكل منه كيف يتصرف مع نصيب المساكين؟ يخرص عليه هذا البستان كم فيه من صاع تمر، يعني فيما يؤول إليه الحال؟ فيه خمسمائة، ستمائة، ألف، ألفين، ثلاثة ... إلى آخره، يقدر فيعرف نصيب الفقراء ويقال: تصرف، المقصود أن هذا نصيب الفقراء من هذا البستان، وكذلك العنب، وقل مثل هذا في الزيتون، إذا دخل مزرعة زيتون وقال: هذه يصفو منها كذا من الزيت، ونصيب الفقراء منها كذا تصرف، وفائدة الخرص إنما هو ضمان حق المساكين.(55/20)
"قال مالك: "وإنما يؤخذ من الزيتون العشر بعد أن يعصر، ويبلغ زيتونه خمسة أوسق" زيتونه وإلا زيته؟ الآن المطلوب للكيل هو الزيتون نفسه وإلا زيت الزيتون؟ مفاد كلام الإمام -رحمه الله تعالى- أن الكلام كله منصب على الزيت، وأنه بمثابة التمر الجاف، وبمثابة الزبيب، يعني خلاصة الزيتون، ويبلغ زيتونه خمسة أوسق، فما لم يبلغ زيتونه خمسة أوسق فلا زكاة فيه، عملاً بعموم: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)) والزيتون بمنزلة النخيل ما كان منه سقته ماء السماء، يعني بالمطر، أو العيون الجارية،، أو كان بعلاً يشرب بعروقه، ففيه العشر، يعني دون مئونة ففيه العشر، وما كان يسقى بالنضح، سواءً كان بالدواب أو بالآلات، المقصود أنه يكون فيه مئونة وكلفة، ففيه نصف العشر "ولا يخرص شيء من الزيتون في شجره" لأنه لم يرد الخرص إلا في النخل والعنب، هذا كلامه، أنه لا يخرص الزيتون في شجره، طيب كيف نعرف أن هذا الزيتون زيته يبلغ كذا من دون خرص؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن هو أكل، أكل الآن من الحب الزيتون، وباع من حب الزيتون، بيع الحب أصرف من بيع الزيت، وعلب وبيعت المزرعة كلها قبل أن تعصر، كيف نعرف نصيب المساكين من هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو لو عرفنا، لو كانت العادة مطردة، وعرف أهل خبرة، كما وجد في التمر في الزبيب، الزبيب الآن الحبة ربع حبة العنب أو أقل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه تخرص الثمرة، وما تؤول إليه، الآن نصيب المساكين ما هو متعلق بالرطب ولا بالعنب، متعلق بالتمر الجاف وبالزبيب.
طالب:. . . . . . . . .
الآن حينما أوجب الزكاة في الزيتون يقول: تخرج حب؟ تخرج زيت، الآن يقول: ما أنا بصابر إلى مرحلة كونه زيت، أنا با أعلبه بعلب زيتون وأبيعه، ويش نقول؟ ويش نصيب المساكين؟ ما في شك أن ما في شيء ما يخرص، لا يوجد شيء ما يخرص، كل أهل صنف يعرفون بضاعتهم.
طالب:. . . . . . . . .(55/21)
الكلام أن كل أهل صنف يعرفون، أنا قلت لك: الشخص الخبير بالكتب يدخل مكتبة عشر غرف يقول: فيها كذا مجلد في كذا لن تزيد قيمتها عن كذا، في كل ... ، أهل السيارات يعطيك السعر بدقة، فيدخل الخرص مثل غيره؟ وهذا الأصل، يعني إذا أوجبنا الزكاة في نفس الزيت، لكن لقائل أن يقول: دعه يتصرف ويبيع زيتونه، ويعلب ويستفيد، ويكون عروض تجارة، ونلزمه بربع العشر، لكن يتضرر المساكين، إذا قلنا: إن الزكاة زكاة الخارج من الأرض، وزكاة الخارج من الأرض أقل أحواله أنها ضعف ما يجب في زكاة عروض التجارة.
قد يقول قائل: ما دام عرفنا أنه ضعف، أو أربعة أضعاف، يعني دبل مرة أو أكثر، إذا قلنا: نصف العشر فهو ضعف، إذا قلنا: العشر كامل، ويعرف كم دخل هذا؟ كم باعه؟ يعامله معاملة الخارج من الأرض، يصير هذا وإلا ما يصير؟ إذا أوجبنا الزكاة في الزيتون، ويش يرد على هذا؟ أنه ما يضيع، مو قلنا: إنه عروض تجارة؟ باع الزيتون بمائة ألف، زكاته ألفين وخمسمائة، نسأله هل هو مئونة وإلا بدون مئونة؟ المئونة العشر عشرة آلاف، بدون مئونة، بمئونة نصف العشر خمسة آلاف، ما نعامله معاملة عروض التجارة نقول: ألفين وخمس.
طالب:. . . . . . . . .
أنت افترض مثلاً صاحب مزرعة على القول بإخراج القيمة، المسألة مختلف فيها، صاحب مزرعة جاء بشخص ....
طالب: إذا أخرج القيمة انتهينا.
يعني هل نقول له: افرز حق الفقراء من الزيتون قبل أن يعصر؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن إذاً كلام الإمام -رحمه الله تعالى- ما ينصب على الزيت.
طالب: على الزيتون.
على الزيتون نفسه، لا هو كلامه: "بعد أن يعصر" هذا كلامه، صريح عبارته.
طالب:. . . . . . . . .
أنت افترض أنه خلل ....
طالب:. . . . . . . . .
الزيت قبل التخليل؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني يترك في شجره حتى ...
طالب:. . . . . . . . .
طيب، الآن انحلت المشكلة وإلا ما انحلت؟ ما انحلت، يبقى أن الكمية التي تقطف قبل أوانها لتباع حب، تخلل وتباع حب، كيف تعامل في الزكاة؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو يقول –ناظر-: "ولا يخرص شيء من الزيتون في شجره"؛ لأن الخرص ما ورد إلا في التمر والعنب.
طالب:. . . . . . . . .(55/22)
عروض التجارة تضر المسكين.
طالب: تضر المسكين.
ولو تضره، هذه زكاة الخارج من الأرض.
طالب:. . . . . . . . .
إيش لون؟
طالب:. . . . . . . . .
عندهم؟
طالب:. . . . . . . . .
إحنا نقول: القياس يجري في هذا، ويش المانع؟ ما دام نرى أصل القياس يجري في مثل هذا، استوت في العلة لماذا لا يجري القياس؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني هم ما يدرون؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يدرون عن القصة؟
طالب:. . . . . . . . .
لا بس لا تتصور، إمام دارا لهجرة بيتكلم كلام عن شيء لا يفهمه.
طالب: لا، لا. . . . . . . . .
لا، هو حصل جدال بين شامي وعراقي في المفاضلة بين التمر والزيتون، فكل أدلى بحجته، لكن في النهاية قال العراقي: إننا نشتري الزيتون بنوى التمر، فماذا تشترون بنواكم؟
على كل حال أنا لا أرى ما يمنع من القياس في الخرص، هذا إذا أوجبنا الزكاة في الزيتون.
طالب:. . . . . . . . .
والله الأصل أنه مثل الفواكه عروض وخلاص وينتهي الإشكال.
طالب: عروض تجارة؟
مثل الفواكه، إيه.
طالب:. . . . . . . . .
عروض تجارة، يعني إذا بلغ من قيمته ما يزكى يزكى خلاص، كالفواكه.
طالب:. . . . . . . . .
ما يزكونه، لكن يزكون قيمته، من اجتمع عنده مال يزكي المال هذا.
طالب:. . . . . . . . .
من الإدام لا زكاة فيه باعتبار عينه، لكن قيمته؟ ما هو بمال معد للتجارة مباح النفع؟ إذاً يزكى على أي حال باعتباره عرض من عروض التجارة.
"والسنة عندنا في الحبوب التي يدخرها الناس ويأكلونها أنه يؤخذ مما سقته السماء من ذلك، وما سقته العيون، وما كان بعلاً العشر، وما سقي بالنضح -بالسانية بالدابة بالآلة مثلاً- نصف العشر، فإذا بلغ ذلك خمسة أوسق بالصاع الأول، صاع النبي -صلى الله عليه وسلم-" وقوله: في الصاع الأول يفهم منه أن الصاع تغير في عهد الإمام مالك، قوله: بالصاع الأول يدل على أنه في صاع ثاني، وأنه يختلف في الكيل عن صاع النبي -عليه الصلاة والسلام- "وما زاد على خمسة أوسق ففيه الزكاة بحساب ذلك".(55/23)
خمسة أوسق، الوسق ستون صاعاً، ثلاثمائة صاع النصاب، ثلاثمائة وخمسين، الثلاثمائة زكاتها ثلاثون صاعاً، أو خمسة عشر، ثلاثمائة وخمسون صاع زكاتها خمسة وثلاثين، ما نقول: الخمسون هذه وقص، لا، "وما زاد على خمسة أوسق ففيه الزكاة بحساب ذلك" ولو قل، فلا وقص في الحبوب.
"قال مالك: والحبوب التي فيها الزكاة الحنطة" التي القمح "والشعير والسلت" نوع من الشعير، يقولون: لا قشر له "والذرة والدخن" كلها معروفة "والأرز" معروف أيضاً "والعدس" العدس هذا ويش يصير؟ حبوب؟
طالب: العدس؟
إيه.
طالب: حبوب.
وإلا قطاني؟ على ما سيأتي.
طالب:. . . . . . . . .
حبوب باعتباركم .. ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
متى يصير حب؟
طالب:. . . . . . . . .
في البداية؟
طالب:. . . . . . . . .
كل حبة مستقلة مثل الشعير.
طالب: مثل الشعير والقمح.
سيأتي قريب من هذا الكلام في القطاني.
طالب: القمح.
قال: "والعدس، والجلبان" لكن الجلبان قطعاً من القطاني التي سيأتي الكلام عنها "واللوبيا" هاه؟ حب؟ متى يصير حب؟
طالب:. . . . . . . . .
في البداية؟ ما هو بعبارة عن شيء مستطيل في جوفه عشرة حبات مثلاً؟
طالب:. . . . . . . . .
إذاً ما صار حب، يعني هل يعامل معاملة الشعير والقمح؟ يعني يباع هكذا كيل مثلما يباع .. ؟
طالب:. . . . . . . . .
كلام الإمام -رحمه الله تعالى- في زكاة الحبوب، طيب قضينا "الجلجلان" اللي هو السمسم في قشره قبل أن يحصد؟
طالب:. . . . . . . . .
معروفة، بيجي بالقطاني.
"وما أشبه ذلك من الحبوب التي تصير طعاماً، فالزكاة تؤخذ منها بعد أن تحصد وتصير حباً" يعني إذا نزع القشر من الحب يصير حب، لكن في الأصل؟ ليس بحب، يؤكل هكذا جميعاً يعني، ما يلزم قشره أيضاً مأكول.
طالب: مثل الفاصوليا.
ما أنا أقول لك: اللوبيا والفاصوليا أيضاً بقشرها تؤكل.
طالب: اللوبيا.
هو القشر هو الأصل، كلاهما يؤكل جملة، يؤكل جميعاً.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال الإمام يقول: فالزكاة تؤخذ منها بعد أن تحصد وتصير حباً.(55/24)
طيب إذا أراد صاحبها أن يبيعها على هيئتها نعود إلى قضية الزيتون، فتحتاج إلى خرص، كم يبي يصفو منها تصير حب؟ وسيأتي في القطاني، يأتي في القطاني هذه أنواع منه، صحيح؛ لأن هذه أيضاً اللوبيا والفاصوليا أحياناً تشوف الحبة اللي هو العلب الكامل كبير جداً، والحبوب اللي فيه صغيرة جداً، فلا يمكن خرصها البتة، لا يمكن خرصها.
طالب:. . . . . . . . .
لا عاد، لا تنازع، اللوبي أنا أعرفه يا أخي، لا أنا أعرفه، هذا بتاعنا، هذا ببلدنا هذا.
طالب:. . . . . . . . .
وزرعتوه، وتأكلونه بالعافية -إن شاء الله-، لكن ما هو عاد كل شيء تلقنونا إياه، لكن كيفية ...
طالب:. . . . . . . . .
نفس اللوبيا؟
طالب: نفس الشيء.
إذن كلها قطاني على ما سيأتي، كلها قطاني، بيجي كلام الإمام عنها.
طالب:. . . . . . . . .
بتجي، كلها قطاني، بتجي.
يقول: "والناس مصدقون في ذلك" يعني مؤتمنون "ويقبل منهم في ذلك ما دفعوا" يعني ما تحتاج إلى خرص، وحق المساكين معلق بذمم هؤلاء المزارعين اللي يدفعونه مقبول؛ لأنه لا يمكن الوصول إلى حقيقتها بالخرص.
طالب:. . . . . . . . .
أنت مؤتمن، عندك مزرعة طلع اللي تجود به نفسك، بعد أن يبين أن الواجب عليك العشر أو نصفه، وهذا بينك وبين ربك.
طالب:. . . . . . . . .
يقول: "والناس مصدقون في ذلك، ويقبل منهم في ذلك ما دفعوا" الأمانة يعني، أنت مؤتمن عليها، ديانة هذه، هذه بينك وبين ربك، ما دام ما تخرص ولا تكال في وقتها إذاً هذا راجع إليك على كلام الإمام، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
معروف إيه إذا اشتد.
طالب:. . . . . . . . .
يعني بعد بدو صلاحه، وبعد أمن العاهة؟
طالب:. . . . . . . . .
حتى لو تبي تبيعه وحده قبل بدو الصلاح بشرط القطع الأمر ما فيه إشكال، لكن حق المساكين لا بد من حفظه، ولا بد من الاهتمام له والاحتياط.
يقول: "سئل مالك متى يخرج من الزيتون العشر أو نصفه أقبل النفقة أم بعدها؟ فقال: لا ينظر إلى النفقة، ولكن يسأل عنه أهله كما يسأل أهل الطعام عن الطعام" يعني كما يسأل أهل الحنطة والشعير "ويصدقون بما قالوا فيه، فمن رفع من زيتونه خمسة أوسق فصاعداً أخذ من زيته العشر بعد أن يعصر".(55/25)
طالب:. . . . . . . . .
ما يلزم، الكلام في الزيتون هو الذي يكال، ويعلق به النصاب، والزكاة من زيته، ويرد عليه ما تقدم أنه قد يستعمل ويؤكل قبل أن يصل إلى مرحلة العصر "ومن لم يرفع من زيتونه خمسة أوسق لم تجب عليه في زيته الزكاة" لنقصه عن النصاب؛ لأنه هل يتصور أن الزيت يمكن أن يكون أكثر من الأصل؟ ما يتصور، فإذا نقص الأصل نقص الفرع من باب أولى.
"قال مالك: ومن باع زرعه وقد صلح ويبس في أكمامه فعليه زكاته، وليس على الذي اشتراه زكاة" لأن الوجوب إنما كان بطيب الثمرة، ومن باعه بعد ذلك فقد باع نصيب المساكين، عليه الزكاة، لكن لو باعه قبل طيبه، وقبل اكتمال نموه فزكاته على المشتري "ولا يصلح بيع الزرع حتى ييبس في أكمامه" الآن التمر إذا احمر أو اصفر وأمن العاهة وبدا صلاحه يجوز بيعه، يجوز بيعه، فإذا باعه زكاته على من؟ طيب عندنا عنب تموه حلواً، أو تمر بدا صلاحه، بلح يعني، لوّن صار أصفر وإلا أحمر، الآن حق المساكين فيه بعد أن يصير تمراً، هو باعه قبل أن يصير تمراً، هل نقول: اترك العشر من هذا لا تبع حتى يصير تمراً فتدفعه إلى المساكين؟
طالب: يخرص.
يخرص لكن وبعدين؟
طالب:. . . . . . . . .
ويترك؟ نصيب المساكين يترك حتى يصير تمراً؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو يقول: ما أنا بجاذه، أنا با أبيعه الآن، فرصة با أبيع البستان كله.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هو، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
وقت البيع؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن الزكاة متعلقة الآن بذمة المشتري وإلا بذمة البائع؟ الآن هو لو باعه، شوف الإمام مالك إشارته دقيقة -رحمه الله-، يقول: "ومن باع زرعه وقد صلح ويبس في أكمامه فعليه زكاته" طيب مفهوم قوله: "وقد صلح ويبس في أكمامه" أنه لو باعه قبل ذلك زكاته على من؟ كلام الإمام جملة جملة، قال مالك: "ومن باع زرعه وقد صلح ويبس في أكمامه فعليه زكاته، وليس على الذي اشتراه زكاة" لأنه باع بعد أن صلح وانتهى ويبس وصلح لأن يجذ، ويعطى المساكين في وقته، الآن لو باعه جملة قلنا: باع نصيب المساكين، لكن باعه قبل أن ييبس في أكمامه، فنقول: زكاته على المشتري وإلا على البائع؟
طالب:. . . . . . . . .(55/26)
مفهوم كلامه ترى، دعونا مع كلام الإمام؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب الزرع قبل أن يشتد، يعني بدا اشتداده، وقبل أن يكتمل اشتداد، يعني بدا صلاحه، وأهل العلم يقولون: إذا صلح جزء من الثمرة جاز بيعها، يعني لو نخلها في البستان بدا صلاحها انتهى الإشكال، أمنا العاهة، ففي هذه الحالة من باع زرعه وقد صلح ويبس في أكمامه فعليه زكاته، وليس على الذي اشتراه زكاة.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
صلح، خلاص، وين؟
طالب:. . . . . . . . .
"ولا يصلح بيع الزرع حتى ييبس في أكمامه" الإمام كأنه يمنع أن يباع حتى ييبس، يعني ما يكفي أن يبدو صلاحه، فلا يباع لئلا يضيع حق .. ، هذا فيه ضمان لحق المساكين.
طالب:. . . . . . . . .
لكن الكلام على الحكم الشرعي إذا ...
طالب:. . . . . . . . .
"ويستغني عن الماء".
"قال مالك في قول الله تعالى: {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [(141) سورة الأنعام] إن ذلك الزكاة، وقد سمعت من يقول ذلك".
طالب: اللي بعده يا شيخ.
لاحظ خلنا ما زلنا في هذا.
طالب: اللي بعده هو.
إذا لم يبدُ لا يجوز بيعه، إذا لم يبدُ صلاحه.
طالب: لم يبدُ فزكاة ذلك على المبتاع.
لكن الآن هو لا يجوز بيعه قبل بدو صلاحه إلا تبعاً للأرض، أو تبع للشجر، أو بشرط القطع.
خلونا نرجع إلى الكلام الأول: "ولا يصلح بيع الزرع حتى ييبس في أكمامه، ويستغني عن الماء" وحينئذٍ يجوز بيعه على ما أفاده، لماذا لا يصلح بيعه قبل أن ييبس؟ ليضمن حق المساكين.
"قال مالك في قول الله تعالى: {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [(141) سورة الأنعام] إن ذلك الزكاة، وقد سمعت من يقول ذلك" وبهذا قال ابن عباس وجماعة.
نعود.(55/27)
"قال مالك: ومن باع أصل حائطه" باع أصل الحائط، إما الأشجار بأرضها، أو الأشجار فقط بثمرتها "باع أصل الحائط أو أرضه" أرض الحائط "وفي ذلك زرع أو ثمر لم يبد صلاحه فزكاة ذلك على المبتاع" الذي هو إيش؟ المشتري "وإن كان قد طاب وحل بيعه فزكاة ذلك على البائع إلا أن يشترطها على المبتاع" يقول: "ومن باع أصل حائطه" أصل الشجر بثمرتها، أو باع الأرض التي فيها الشجر "وفي ذلك زرع أو ثمر لم يبد صلاحه فزكاة ذلك على المبتاع" لأنه إذا بدا صلاحه فالزكاة على البائع، وإن كان قد طاب وحل بيعه فزكاة ذلك على البائع إلا أن يشترطها على المبتاع، واضح وإلا ما هو بواضح؟
طيب النماء نماء المبيع، أو إذا باع عبداً له مال، فماله ... ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
"إلا أن يشترطها المبتاع" كما عندنا.
"وإن كان قد طاب وحل بيعه فزكاة ذلك على البائع إلا أن يشترطها على المبتاع" ويش صارت المسألة فيما ذكره الإمام؟ نحن نريد ضمان حق المساكين بما لا يضر بأرباب الأموال، باعه قبل أن يصلح للأكل، باعه تمر، يجوز بيعه اتفاقاً، باعه عنب يجوز بيعه اتفاقاً، لكن الآن لا يصلح تسليمه للمسكين، باعتبار أن حق المساكين متعلق به تمر جاف، أو متعلق به زبيب جاف، هل نقول: ينتظر نصيب المساكين حتى يجذ؟ يعني افترضنا أن المشتري يقول: أنا ما أنا بمنتظر الجذاذ، أنا با أبيعه رطب، أو أبيع عنب، ماذا عن حق المساكين؟ معروف الإمام لا يصحح، لكن الدليل على أنه يصح إذا بدا صلاحه جاز بيعه.
طالب:. . . . . . . . .
طيب غيره، على رأي غيره الذي يجيز البيع، ماذا يصنع البائع؟
طالب:. . . . . . . . .
حتى ييبس في أكمامه ما يجوز "ولا يصلح بيع الزرع حتى ييبس في أكمامه" طيب والزرع الحبوب ويش اللي يضره؟
طالب:. . . . . . . . .
مع كلامه في الزرع نعم، لكن حتى ييبس، يعني ما يجوز بيعه حتى ييبس؟
طالب:. . . . . . . . .
وعند غيره؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا كلامنا يا أخي.
طالب:. . . . . . . . .(55/28)
ما يلزم، خلنا في الزروع الآن، الآن الفرق بين رأي الإمام مالك ورأي غيره، خلونا على رأي غير مالك الزكاة متى تطلع قبل أن ييبس؟ إحنا عرفنا الإمام مالك لا يجوز بيعه حتى ييبس ضماناً لحق المساكين، طيب عند غيره الذي يجوز بيعه قبل أن ييبس في أكمامه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني هل يجوز للبائع أن يشترط على المبتاع أن يدفع الزكاة من نفسه؟ من نصيبه؟ يقول: أنا بعت عليك، وعليك زكاته، حتى المشتري يبي يبيع قبل أن يتم، وكل شيء يخرص؟ ما في شيء يخرص إلا التمر والعنب، الزروع ما تخرص، لماذا؟ لأنها غير ظاهرة للعيان، لا تظهر للعيان فخرصها ظن، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا شك أنه لا ضرر ولا ضرار، فإذا مثل التمر بيع قبل وقت إحراز حق المساكين بالجذاذ، أو العنب قبل أن يصير زبيباً لا بد أن يضمن حق المساكين، يعني نظير ما قالوا في الأضحية، يجب أن يخرج منها ما يطلق عليه لحم للمساكين {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [(36) سورة الحج].
يقول: "فإن أكلها كلها ضمنها" ضمن حق المساكين، فإذا تصرف في هذا المال لا بد أن يضمن حق المسكين.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
هو الأصل أن المال يزكى من عينه، المال ارتباط الزكاة بنفس المال، لكن إذا رأى أن مصلحة المسكين في قيمته فمعاذ -رضي الله تعالى عنه- أخذ القيمة وأخذ أيضاً ائتوني بإيش؟ "بعرض ثياب ونحوه" يقول: "فإنه أنفع لأصحاب محمد -عليه الصلاة والسلام-".
سم.
أحسن الله إليك.
باب ما لا زكاة فيه من الثمار:
قال مالك -رحمه الله تعالى-: إن الرجل إذا كان له ما يجد منه أربعة أوسق من التمر.
يجدُّ.(55/29)
قال مالك -رحمه الله تعالى-: إن الرجل إذا كان له ما يجدُّ منه أربعة أوسق من التمر، وما يقطف منه أربعة أوسق من الزبيب، وما يحصد منه أربعة أوسق من الحنطة، وما يحصد منه أربعة أوسق من القطنية إنه لا يجمع عليه بعض ذلك إلى بعض، وإنه ليس عليه في شيء من ذلك زكاة حتى يكون في الصنف الواحد من التمر أو في الزبيب أو في الحنطة أو في القطنية ما يبلغ الصنف الواحد منه خمسة أوسق بصاع النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة)).
وإن كان في الصنف الواحد من تلك الأصناف ما يبلغ خمسة أوسق ففيه الزكاة، فإن لم يبلغ خمسة أوسق فلا زكاة فيه.
وتفسير ذلك: أن يجذ الرجل من التمر خمسة أوسق، وإن اختلفت أسماؤه وألوانه، فإنه يجمع بعضه إلى بعض ثم يؤخذ من ذلك الزكاة، فإن لم يبلغ ذلك فلا زكاة فيه، وكذلك الحنطة كلها السمراء والبيضاء والشعير والسلت كل ذلك صنف واحد، فإذا حصد الرجل من ذلك خمسة أوسق جمع ...
من ذلك كله.
أحسن الله إليك.
فإذا حصد الرجل من ذلك كله خمسة أوسق جمع عليه بعض ذلك إلى بعض، ووجبت فيه الزكاة، فإن لم يبلغ ذلك فلا زكاة فيه، وكذلك الزبيب كله أسوده وأحمره فإذا قطف الرجل منه خمسة أوسق وجبت فيه الزكاة، فإن لم يبلغ ذلك فلا زكاة فيه.
وكذلك القطنية: هي صنف واحد مثل الحنطة والتمر والزبيب، وإن اختلفت أسماؤها وألوانها، والقطنية الحمص والعدس واللوبيا والجلبان، وكل ما ثبت عند الناس أنه قطنية، فإذا حصد الرجل من ذلك خمسة أوسق بالصاع الأول صاع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإن كان من أصناف القطنية كلها، ليس من صنف واحد من القطنية فإنه يجمع ذلك بعضه إلى بعض، وعليه فيه الزكاة.
قال مالك -رحمه الله تعالى-: "وقد فرق عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- بين القطنية والحنطة فيما أخذ من النبط، ورأى أن القطنية كلها صنف واحد، فأخذ منها العشر، وأخذ من الحنطة والزبيب نصف العشر.(55/30)
قال مالك -رحمه الله تعالى-: فإن قال قائل: كيف يجمع القطنية بعضها إلى بعض في الزكاة حتى تكون صدقتها واحدة، والرجل يأخذ منها اثنين بواحد يداً بيد، ولا يؤخذ من الحنطة اثنان بواحد يداً بيد؟ قيل له: فإن الذهب والورق يجمعان في الصدقة، وقد يؤخذ بالدينار أضعافه في العدد من الورق يداً بيد.
قال مالك -رحمه الله تعالى- في النخيل يكون بين الرجلين فيجذان منها ثمانية أوسق من التمر: إنه لا صدقة عليهما فيها، وإنه إن كان لأحدهما منها ما يجذ منه خمسة أوسق، وللآخر ...(55/31)
شرح: الموطأ – كتاب الزكاة (8)
باب ما لا زكاة فيه من الثمار - باب ما لا زكاة فيه من الفواكه والقضب والبقول - باب ما جاء في صدقة الرقيق والخيل والعسل - باب جزية أهل الكتاب والمجوس
الشيخ: عبد الكريم الخضير
وإنه إن كان لأحدهما منها ما يجذ منه خمسة أوسق، وللآخر ما يجذ أربعة أوسق أو أقل من ذلك في أرض واحدة كانت الصدقة على صاحب الخمسة الأوسق، وليس على الذي جذ أربعة أوسق أو أقل منها صدقة.
وكذلك العمل في الشركاء كلهم في كل زرع من الحبوب كلها يحصد، أو النخل يجد، أو الكرم يقطف، فإنه إذا كان كل رجل منهم يجد من التمر، أو يقطف من الزبيب خمسة أوسق أو يحصد من الحنطة خمسة أوسق فعليه فيه الزكاة، ومن كان حقه أقل من خمسة أوسق فلا صدقة عليه، وإنما تجب الصدقة على من بلغ جداده أو قطافه أو حصاده خمسة أوسق.
قال مالك –رحمه الله تعالى-: السنة عندنا أن كل ما أخرجت زكاته من هذه الأصناف كلها الحنطة والتمر والزبيب والحبوب كلها، ثم أمسكه صاحبه بعد أن أدى صدقته سنين، ثم باعه أنه ليس عليه في ثمنه زكاة حتى يحول على ثمنه الحول من يوم باعه إذا كان أصل تلك الأصناف من فائدة أو غيرها، وأنه لم يكن للتجارة، وإنما ذلك بمنزلة الطعام والحبوب والعروض يفيدها الرجل ثم يمسكها سنين، ثم يبيعها بذهب أو ورق، فلا يكون عليه في ثمنها زكاة حتى يحول عليها الحول من يوم باعها، فإن كان أصل تلك العروض للتجارة فعلى صاحبها فيها الزكاة حين يبيعها إذا كان قد حبسها سنة من يوم زكى المال الذي ابتاعها به.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما لا زكاة فيه من الثمار:
"قال مالك: إن الرجل إذا كان له ما يجد منه أربعة أوسق من التمر، وما يقطف" يجذ بالذال والدال بالإعجام والإهمال، يقطع ويصرم كما في القاموس.(56/1)
"وما يقطف منه أربعة أوسق" يقطف يقطع "أربعة أوسق من الزبيب، وما يحصد منه أربعة أوسق من الحنطة، وما يحصد منه أربعة أوسق من القَطنية -أو القُطنية- إنه لا يجمع عليه بعض ذلك إلى بعض" يعني لا يجمع التمر إلى الزبيب، ولا تجمع الحبوب إلى القطاني؛ لأن هذه أصناف متباينة، والانتفاع بها مختلف، ليست متقاربة يجمع بعضها إلى بعض، فإذا كان عنده أربعة أوسق من كل نوع من الأنواع الأربعة فإنه لا زكاة عليه، ولا زكاة في شيء من هذه الأصناف حتى يتم النصاب، وهو خمسة أوسق.
القطنية: اسم جامع للحبوب التي إيش؟ يقول: تطبخ مثل العدس والباقلا واللوبيا والحمص والأرز والسمسم، وليس القمح والشعير من القطاني، هو لما ذكر الأنواع العدس والباقلا في ما سبق واللوبيا على أساس أنها حبوب.
"قال مالك: والحبوب التي فيها الزكاة الحنطة والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والعدس والجلبان واللوبيا والجلجلان" يعني حبوب اسم عام يشمل ما اختص باسم الحبوب، وما اختص باسم غير الحبوب اللي
هو القطنيات، ولذلك أدخلها في الحبوب وأفردها هنا في القطنية، وإن كان من أصناف القطنية، وقال: والقطنية الحمص والعدس واللوبيا والجلبان، فذكرها في البابين، والجامع لهذه الأمور كونها مما تجب فيه الزكاة، وإلا حصل فيه مزج وخلط في الباب الأول وفي الباب الثاني عند الإمام -رحمه الله تعالى-، فسماها حبوب في الباب الأول، وسماها قطنيات في الباب الثاني، صح وإلا لا؟ سماها حبوب، عطفها على الأرز والحنطة والشعير والسلت والدخن عطفها عليها باعتبارها حبوب، وأفردها هنا باسم خاص، قال: "ما لا زكاة فيه من الثمار" ويقصد بذلك ما لا يبلغ النصاب، هو لا يقصد الجنس، نعم؟
في المصباح يقول: القطنية اسم جامع للحبوب التي تطبخ مثل العدس والباقلا واللوبيا والحمص والأرز والسمسم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا الأرز ليس بقطني، هذا كلام صاحب المصباح.
ثم قال: "وليس القمح والشعير من القطاني" وراه ما يطبخ؟
طالب:. . . . . . . . .
إجماعاً تطبخ، تقرض قرض أجل، والله ما أدري، هو الأصل لو لم يستثنها لقلنا: داخلة؛ لأنها حبوب وتطبخ، لكن استثنى، وليس القمح والشعير من القطاني، استثنوا هذا.(56/2)
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو يقول: الأرز يطبخ كما هو، ما يطحن ويعجن ويخبز.
طالب:. . . . . . . . .
والحنطة؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال المسألة كلها اصطلاحية، ها يا محمد؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، إذا يبست صارت أصعب من غيرها.
على كل حال المسألة سهلة يعني، المقصود في قوله: "باب ما لا زكاة فيه من الثمار" لا يقصد بذلك الأجناس، وإنما يقصد بذلك ما لا يبلغ النصاب.
قال: "إن الرجل إذا كان له ما يجذ منه أربعة أوسق من التمر، وما يقطف منه أربعة أوسق من الزبيب، وما يحصد منه أربعة أوسق من الحنطة، وما يحصد منه أربعة أوسق من القطنية إنه لا يجمع بعض ذلك إلى بعض" لاختلاف الأجناس، السبب في هذا اختلاف الأجناس "وإنه ليس عليه في شيء من ذلك زكاة" يعني لو كان عنده ستة عشر وسق من هذه الأمور مجتمعة، كل واحد أربع، ما عليه زكاة "حتى يكون في الصنف الواحد من التمر أو في الزبيب أو في الحنطة أو في القطنية ما يبلغ الصنف الواحد منه خمسة أوسق" ستين صاعاً "بصاع النبي -صلى الله عليه وسلم-" لأنها أصناف مختلفة المنافع، متباينة الأغراض فلا يضاف بعضها إلى بعض "كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة)) ".(56/3)
"وإن كان في الصنف الواحد من تلك الأصناف على اختلاف أنواعها -في الصنف الواحد- على اختلاف أنواعها، ما يبلغ خمسة أوسق ففيه الزكاة، فإن لم يبلغ خمسة أوسق فلا زكاة فيه، وتفسير ذلك: أن يجذ الرجل -يقطع الرجل- من التمر خمسة أوسق، وإن اختلفت أسماؤه وألوانه فإنه يجمع بعضه إلى بعض" عنده خمسة أوسق من التمر، وسق من الجيد باسم خاص، والثاني مما دونه باسم خاص، هذا برني، هذا صيحاني، هذا سكري، هذا برحي، المقصود أنها من المجموع، إذا اجتمع عنده من مجموع الألوان والأصناف، إذا اجتمع عنده خمسة أوسق وجبت الزكاة، ما نقول: ينظر إلى هذا الصنف بمفرده مثل ما قال قبل؛ لأن تلك أجناس وهذه أصناف من جنس واحد، الجنس واحد، التمر جنس واحد، لكنه أنواع وأصناف، وإن اختلفت أسماؤه وألوانه فإنه يجمع بعضه إلى بعض؛ لأن مسماه واحد "ثم يؤخذ من ذلك الزكاة، فإن لم يبلغ ذلك فلا زكاة فيه" لنقصه عن النصاب "وكذلك الحنطة كلها السمراء والبيضاء والشعير والسلت كل ذلك صنف واحد" يعني جعل الحنطة والشعير صنف واحد، يعني لتقارب منافعها كما قال، صنف واحد، فيجمع البر إلى الشعير، الآن يجري الربا بين البر والشعير، الآن لو أردنا أن نظيف تمر إلى بر ممكن؟ لا، لماذا؟ اختلف، اختلف الجنس وإلا الصنف؟ الجنس، طيب أراد أن يجمع بين البر والشعير يجمع لماذا؟ لأن الجنس واحد وان اختلف الصنف، بيورد إشكال، بعدين يقول: فإن قال قائل: كيف يجمع بين كذا وكذا وهو لا يجوز أخذ الصاع بصاعين وهكذا؟ أو يجوز، على الإيرادين.(56/4)
"فإذا حصد الرجل من ذلك خمسة أوسق جمع عليه بعض ذلك إلى بعض، ووجبت فيه الزكاة، فإن لم يبلغ ذلك فلا زكاة فيه" عنده خمسون صاعاً من الشعير، وخمسون صاعاً من الذرة، وخمسون صاعاً من .. ، أو مائة أو مائتين من القمح، المقصود أن المجموع يكمل نصاب، يضم بعضه إلى بعض، يعني نظير ما يقال في الذهب والفضة، يكمل بعضها بعضاً؛ لأن أغراضها واحدة، من هذه الحيثية نضرب، يورد إشكال ويجيب عنه "فإن لم يبلغ ذلك فلا زكاة فيه" القول بأن هذه الأصناف الداخلة تحت جنس واحد؛ لأن هناك الجنس والصنف والنوع والضرب في ألفاظ متقاربة، لكن بينها عموم وخصوص، الأعم الجنس، ثم الصنف، ثم النوع، ثم الضرب على خلاف بينهم في ترتيبها، المقصود أن الجنس هو الأعم، بما قاله الإمام في ضم هذه الأنواع الداخلة تحت جنس واحد، قال الحسن وطاوس والزهري وعكرمة، وقال الأئمة الثلاثة أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأبو ثور: لا تضم كل حبة عرفت باسم منفرد دون صاحبها، وهي خلافه في الخلطة والطعم، يعني ما تستطيع أن تأتي بكيس ذرة، وكيس شعير، وكيس حنطة وتخلطهما معاً، تخلط الثلاثة معاً وتخرج طعام واحد كل حبة عرفت باسم منفرد لا تضاف إلى غيرها، الشعير يحتاج إلى نصاب، الحنطة تحتاج إلى نصاب، الذرة تحتاج إلى نصاب .. إلى آخره، هذه لا يضاف بعضها إلى بعض عند الأئمة الثلاثة.
الشافعي وأحمد قد يتصور الخلاف بينهما مع الإمام مالك؛ لأننا إذا قلنا: مائة صاع شعير، ومائة صاع حنطة، ومائة صاع ذرة، عند مالك تجب فيها الزكاة وإلا ما تجب؟ تجب؛ لأنا بنضيف بعضها إلى بعض، وهي نصاب، لكن عند الشافعي وأحمد لا تجب، عند أبي حنيفة تجب وإلا ما تجب؟ تجب، لماذا؟ لأنه يضيف بعضها إلى بعض كمالك؟ لا، لماذا؟ لا يشترط النصاب ((فيما سقت السماء العشر)) يعمل بعموم هذا، فكونه لا يرى النصاب في هذا، فيتفق مع مالك، لكن لا من حيث المأخذ إنما في المآل يتفق معه، ولذا قال الباجي: ولا يتجه بيننا وبين أبي حنيفة اختلاف في الحكم؛ لأنه لا يراعي النصاب في الحبوب كلها، فيزكي القليل والكثير منها.(56/5)
قال: ورأي مالك ومن وافقه أنها متقاربة المنافع مثل الذهب الجيد والرديء والضأن والماعز والبخت والعراب، فمنافع القمح والعشير والسلت متقاربة، ولا ينفك بعضها من بعض في المنبت والمحصد، يعني جعل العشير مع الذرة مع القمح أنواع تحت جنس واحد، فيضم بعضها إلى بعض كما يضم الماعز إلى الضأن، وكما تضم البخاتي إلى العراب، وكما تضم الجواميس إلى البقر وهكذا، وعرفنا كيف يتفق أبو حنيفة مع مالك من جهة، ومع الشافعي وأحمد من جهة.
"وكذلك الزبيب كله أسوده وأحمره" يعني يضم بعضه إلى بعض "فإذا قطف الرجل منه خمسة أوسق وجبت فيه الزكاة، فإن لم يبلغ ذلك فلا زكاة فيه" يعني لنقصه عن النصاب "وكذلك القطنية هي صنف واحد" يعني بإمكانك أن تضم العدس إلى اللوبيا، الحمص إلى السمسم، نعم.
"وكذلك القطنية وهي صنف واحد يضم بعضها إلى بعض" مثل الحنطة كلها والتمر والزبيب، كل واحد منها صنف، وإن اختلفت أسماؤها وألوانها؛ لأنه سبق أن أشار إلى أن التمر جنس واحد، وإن اختلفت أسماؤه وألوانه.
"والقطنية الحمص والعدس واللوبيا والجلبان، وكل ما ثبت معرفته عند الناس أنه قطنية فإذا حصد الرجل من ذلك خمسة أوسق بالصاع الأول صاع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإن كان المحصود من أصناف القطنية كلها، ليس من صنف واحد من القطنية فإنه يجمع بعض ذلك إلى بعض، وعليه فيه الزكاة؛ لتقارب منافعها" يعني كما قال في الحبوب، في القمح والشعير والذرة والدخن وغيرها.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني إذا قلنا: ثلاثمائة صاع، والصاع متوسط ما قيل فيه: كيلوين ونصف، سبعمائة وخمسين كيلو.
"قال مالك: وقد فرق عمر بن الخطاب بين القطنية والحنطة فيما أخذ من النبط" التجار الذين يريدون ببضائعهم إلى المدينة، فرق بينها "ورأى أن القطنية كلها صنف واحد، فأخذ منها العشر، وأخذ من الحنطة والزبيب نصف العشر" لماذا أخذ من القطنيات العشر، وأخذ من الحنطة والزبيب نصف العشر؟ سياسة.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو ما نظر -رضي الله عنه- إلى مشقتهم عليه، هو يجب عليهم مثل هذا، والأصل أن يؤخذ العشر في الجميع، لكن لماذا أخذ من القطنيات العشر، ومن الحنطة والزبيب نصف العشر؟(56/6)
طالب: لوجوده يعني.
وجود إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا له سياسة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يلزم منها زكاة، المقصود أنه، لا، هي ليست زكاة، لكن المقصود من هذا التفريق بين هذا وهذا، لكن أنا أنظر إلى أبعد من ذلك، أقول: ما وجه تفريق عمر بين هذا وهذا؟
طالب:. . . . . . . . .
أيهم؟
طالب:. . . . . . . . .
تشجيع لإيش؟ للقطنيات وإلا .. ؟ هي المسألة مسألة جلب للمدينة، فهو أخذ من القطنيات نسبة أعلى، وأخذ من الحبوب التي يحتاج إليها نسبة أنزل؛ ليشجع، يعني القطنيات كماليات، وهذه ضروريات، فأراد أن يشجع جلب الضروريات التي يحتاج إليها الناس، فخفف في المأخوذ، وأما بالنسبة للكماليات الذي بيشتري كماليات قادر، ولو ارتفعت أقيامها؛ لأنه تبعاً لما يؤخذ منها ترتفع أقيامها، أنت انظر إلى الجمرك مثلاً لما تكون الحوائج الضرورية -الأمور الضرورية- يخفف عنها الجمرك ترخص على الناس تبعاً لذلك، لما يزاد في الجمرك ترتفع على الناس، فعمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- خفف من أجل أن يطمعون في جلب المزيد من هذا النوع، وأما بالنسبة للكماليات ما يلزم أن يتوسع الناس في الكماليات، والذي يريد كماليات يتحمل، لكن هل نقول: إن مثل هذا الذي أخذه عمر مثل الجمارك؟ نعم؟ لا، يختلف، يختلف عن الجمارك، المقصود أن هذه وجهة نظره -رضي الله تعالى عنه- لما كانت الحنطة والزبيب الناس بحاجته، ضرورة، فأخذ منه نصف العشر تشجيعاً وترغيباً لهم في جلب هذه الأمور الضرورية إلى المدينة، أما القطنيات باعتبارها كماليات الله يعينهم.
"قال مالك: فإن قال قائل: كيف يجمع" وقد فرق عمر ...
طالب:. . . . . . . . .
مالك، وقد فرق عمر، مالك صاحب التحري والتثبت.
طالب:. . . . . . . . .
عند مالك ثابت؛ لأنه جزم به.
طالب:. . . . . . . . .
كلها، كلها يجب فيها العشر، لكن أليس للإمام أن يجتهد فيما يصلح أمر الناس؟
طالب:. . . . . . . . .(56/7)
إيه غير غير، عمر خليفة راشد، وعلينا بسنته، وما دام .. ، لأن هذه الأمور التي تقبل الزيادة والنقص تبعاً للظروف أحياناً هناك ضرورات، وأحياناً هناك حاجيات، وأحياناً ظروف الوقت يختلف من زمن إلى زمن، حتى الحد، حد السرقة إذا كان هناك مجاعة وإلا ضرورة يخفف فيه، فعمر -رضي الله تعالى عنه- اجتهد في أن يكثر الناس من جلب هذه الضروريات فرغب فيه، مثلما اجتهد معاوية وغيره، لكن اجتهاد عمر ملزم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أقول: هذا رأي الإمام مالك، أما رأي غيره من الأئمة الثلاثة لا يضم هذا إلى هذا.
ترى باق طويل على الفصل والساعة قدامنا الآن.
"قال مالك: فإن قال قائل: كيف يجمع القطنية بعضها إلى بعض في الزكاة حتى تكون صدقتها واحدة والرجل يأخذ منها اثنين بواحد يداً بيد" وما دام يأخذ منها اثنين بواحد دل على أن أجناسها مختلفة، يعني يشتري اثنين، يعني بإمكانه أن يأخذ كيلوين من العدس بكيلو واحد من الباقلا.
يقول: "فإن قال قائل: كيف يجمع القطنية بعضها إلى بعض في الزكاة حتى تكون صدقتها واحدة والرجل يأخذ" يعني يشتري منها، من هذه القطاني "اثنين بواحد يداً بيد" نعم يشتري عشرة كيلو من اللوبيا بخمسة من العدس مثلاً، يعني هل هناك تلازم بين جريان الربا بينها، وبين ضمها إلى بعضها إلى بعض؟
هو الإشكال وجهه أنها ما دام ما يجري فيها ربا الفضل فهي أجناس، الآن تأخذ كيلوين تمر بكيلو بر، هذا جنس وهذا جنس، فهل يضم هذا إلى هذا كما نضم اللوبيا إلى العدس؟ الإشكال أجاب عنه، يعني تنظير القطنيات بالذهب والفضة، يعني ضم هذا إلى هذا، وإن كنت تأخذ دينار بعشرة دراهم، يعني ضعف الوزن، أو أضعاف وزن هذا بهذا، لكن على أن تكون يداً بيد.
"ولا يؤخذ من الحنطة اثنان بواحد يداً بيد؟ قيل له في الجواب" يعني لا تلازم بين البابين، "فإن الذهب والورق يجمعان في الصدقة، وقد يؤخذ بالدينار أضعافه في العدد من الورق يداً بيد" فليست المسألة مبنية على تحريم التفاضل كالذهب والفضة مثلاً يجوز التفاضل ويضم بعضه إلى بعض.
طالب:. . . . . . . . .(56/8)
لا، هو الآن، شوف ((إذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد)) فلما جاز ربا الفضل عرفنا أن الجنس مختلف، اختلف الجنس، وما دام الجنس مختلف فلتكن اللوبيا النسبة للعدس مثل التمر مع الزبيب، أو مثل التمر مع الحنطة، يضم هذا إلى هذا؟ اختلف الجنس، لا يضم، إذاً لا يضم هذا لأنه اختلف الجنس بدليل جريان ربا الفضل.
الإمام مالك من جهة أخرى يقول: لا تلازم بين البابين باعتبار أن النقدين يضم بعضهما إلى بعض، ولا يجري فيهما ربا الفضل، يعني تأخذ دينار بعشرة دراهم بالوزن؛ لأن هذه موزونات، تزن دينار وعشرة دراهم يكون هذا خمسة أضعاف مثلاً، ولا يضر.
"قال مالك في النخيل يكون بين الرجلين فيجذان منها ثمانية أوسق من التمر: إنه لا صدقة عليهما فيها" لنقص النصاب؛ لأن كل واحد له أربعة، وليس عند كل واحد منهما نصاب "وإنه إن كان لأحدهما منها ما يجذ منه خمسة أوسق، وللآخر ما يجذ منه أربعة أوسق أو أقل من ذلك في أرض واحدة كانت الصدقة على صاحب الخمسة الأوسق؛ لبلوغ النصاب، وليس على الذي جذ أربعة أوسق أو أقل منها صدقة؛ لأنه لم يملك نصاباً" يعني من شرط الوجوب ملك النصاب "وكذلك العمل في الشركاء كلهم، في كل زرع من الحبوب كلها يحصد" يعني الآن شركة بالنسبة، المواشي تؤثر فيها الخلطة التي هي أقل من الشركة، صح وإلا لا؟ تؤثر فيها الخلطة هذا الباب لا تؤثر فيه الشركة، فضلاً عن الخلطة.
"أو النخل يجذ أو الكرم يقطف زبيبه، فإنه إذا كان كل رجل منهم يجد من التمر أو يقطف من الزبيب خمسة أوسق أو يحصد من الحنطة ونحوه خمسة أوسق فعليه فيه الزكاة، ومن كان حقه أقل من خمسة أوسق فلا صدقة عليه، وإنما تجب الصدقة على من بلغ جداده أو قطافه أو حصاده خمسة أوسق" فالمعتبر هنا ملك كل رجل على جهة الاستقلال، كل ملك مستقل، وبهذا قال الكوفيون وأحمد وأبو ثور، وحجتهم: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)) لكن الكوفيون يمثلهم أهل الرأي عموماً، الحنفية وغيرهم، فهل يقولون بهذا أو يقولون بالإطلاق؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لكن ما يلزم من الكوفيون أن يدخل فيهم أبو حنيفة، ما يلزم؛ لأن الوصف عام.(56/9)
وحجتهم: ((ليس فيما دون خمسة ... )) وقال الشافعي: الزكاة في الزروع والذهب والورق والماشية يزكون زكاة واحدة، حجته أن السلف كانوا يأخذون الزكاة من الحوائط المشتركة، يعني لو قدرنا بستان فيه أكثر من نصاب، وهو لجمع من الإخوة، هل السلف يسألون هل هو لشخص أو لأشخاص؟ الشافعي يقول: ما أثر هذا، دل على أن الشركاء إذا بلغ مالهم مجموعه النصاب فإن الزكاة تؤخذ منه.
"قال مالك: السنة عندنا أن كل ما أخرجت زكاته من هذه الأصناف كلها الحنطة والتمر والزبيب والحبوب كلها، ثم أمسكه صاحبه بعد أن أدى صدقته يوم حصاده سنين" أمسكه سنين، أدى زكاته يوم حصاده، ثم ادخره، احتكره عنده سنين، نعود إلى زكاة التجارة عنده، وأنه يفرق بين المال المدور والمال المحتكر، إذا أمسكه سنين ويش يصير؟ زكاة واحدة، محتكر؛ لأنه لا يلزم أن تكرر الزكاة إلا إذا كان مدور عندهم "ثم باعه أنه ليس عليه في ثمنه زكاة حتى يحول على ثمنه الحول من يوم باعه" من يومَ باعه وإلا من يومِ؟
طالب:. . . . . . . . .
صدرها مبني، إذا أضيف الظرف إلى جملة صدرها مبني بنيت كيومَ ولدته أمه، ولو كان صدرها معرب لأعرب وجر بالكسرة.
"إذا كان أصل تلك الأصناف من فائدة أو غيرها، وأنه لم يكن للتجارة، وإنما ذلك بمنزلة الطعام والحبوب والعروض يفيدها الرجل، ثم يمسكها سنين، ثم يبيعها بذهب أو ورق، فلا يكون عليه في ثمنها زكاة، حتى يحول عليها الحول من يوم باعها" وهذا إذا كانت للقنية "فإن كان أصل تلك العروض للتجارة فعلى صاحبها فيها الزكاة حين يبيعها إذا كان قد حبسها سنة من يوم زكى المال الذي ابتاعها به" إذا كان محتكراً سنة واحدة، وإذا كان مديراً قومه كل بعد كل حول، ثم زكاه كما في المدونة، وهو المعروف من مذهب مالك.
لكن إذا كان ينتظر بها ارتفاع السعر، وقد أرصدها للتجارة، أليس المحتكر أولى بأن يعاقب من المدور؟ ... والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(56/10)
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال الإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما لا زكاة فيه من الفواكه والقضب والبقول:
قال مالك -رحمه الله-: "السنة التي لا اختلاف فيها عندنا والذي سمعت من أهل العلم أنه ليس في شيء من الفواكه كلها صدقة: الرمان، والفرسك، والتين، وما أشبه ذلك وما لم يشبهه إذا كان من الفواكه".
قال: ولا في القضب، ولا في البقول كلها صدقة، ولا في أثمانها إذا بيعت صدقة حتى يحول على أثمانها الحول من يوم بيعها، ويقبض صاحبها ثمنها.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما لا زكاة فيه من الفواكه والقضب والبقول:
الفواكه ما يتفكه به، بحيث لا يمكن ادخاره، يتفكه به في آنه، ولا يقول قائل: إنه يمكن الآن الادخار بواسطة الثلاجات التي تحفظه على مدى العام، يمكن ادخاره، الفاكهة يمكن ادخارها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بالثلاجات؟ الأصل عدمها، فليست مما يدخر، الفواكه ليست مما يدخر، والقضب في البارع ...
طالب:. . . . . . . . .
مهما كان، المقصود أن الأصل فيه ليس مما يدخر، ولا نعتبر هذه الآلات الطارئة يضمن استمرارها والأحكام الشرعية مبنية على الثبوت بحيث لا تتعرض في يوم من الأيام للنقض.
القبض كل نبت اقتضب فأكل طرياً، يشبه البرسيم، مثل الخس أيضاً، وما شابهه.
البقول: يقول ابن فارس: كل نبات اخضرت به الأرض، وأبقلت الأرض أنبتت البقل فهي مبقلة.
فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها
{مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} [(61) سورة البقرة] يعني العطف للمغايرة، فالبقل غير ما ذكر، {مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} [(61) سورة البقرة] يعني هذه ليست من البقول؛ لأنها عطفت عليها، الأصل في العطف أنه يقتضي المغايرة، لكن قد يعطف الخاص على العام فيكون منه، وقد يكون العكس يعطف العام على الخاص.(56/11)
"قال مالك: السنة التي لا اختلاف فيها عندنا، والذي سمعت من أهل العلم أنه ليس في شيء من الفواكه كلها صدقة" ليس في شيء من الفواكه كلها صدقة، قد يقول قائل: التمر والعنب فواكه يتفكه بها بالمعنى الأعم، فالعلماء ابن القيم وغيره يقررون أن التمر غذاء وفاكهة في الوقت نفسه، والزبيب –العنب- ظاهر في كونه من الفاكهة، لكن باعتباره يمكن ادخاره واقتياته، والفرسك قالوا: هو الخوخ، الفرسك هو الخوخ، أو هو نوع منه أحمر، والتين، هذه كلها فواكه، قد يقول قائل: التين لا فرق بينه وبين التمر والزبيب في الادخار، لماذا لا تؤخذ منه الزكاة؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كلها مما يدخر؛ لأن التين واضح، مثل التمر سواءً بسواء، ما يختلف، مثله، والإمام مالك يقول: "السنة التي لا اختلاف فيها عندنا، والذي سمعت من أهل العلم أنه ليس في شيء من الفواكه كلها صدقة" وتقدم كلامه في التمر والزبيب ثم مثل للفواكه: الرمان، والفرسك، والتين "وما أشبه ذلك، وما لم يشبهه من أنواع الفواكه" تفاح والبرتقال الموز، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مشابه، مطابق للتمر؛ لأنه يكبس ويدخر، التمر عاد النص ظاهر فيه، لكن هل بالقياس يلحق التين وإلا ما يلحق؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا شك أن التين مشبه من وجوه، مشبه للتمر يدخر سنين، ما هو بسنة واحدة، حتى لو قال قائل: إنه أصبر من التمر ما هو بعيد.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو عاد التين الخلاف فيه قوي، بعض أهل العلم ذهب إلى أن فيه الزكاة كالتمر سواءً بسواء.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن يمكن أنه في ذلك الوقت ما هم بيجففوه.
المقصود أن التين من قاسه على التمر فله وجه؛ لأنه مشبه له، وكلام الإمام مالك في هذا واضح أنه ليس فيه زكاة، كغيره من أنواع الفواكه "وما أشبه ذلك وما لم يشبهه" كالتفاح والبرتقال والموز والقثاء والبطيخ وغيرها.(56/12)
قال: "ولا في القضب" القضب قيل: إنه كل نبات مقتضب فيؤكل طري، وكون الآلات الحافظة التي وجدت تحتفظ بطراوتها لا يعني أنها تنقل الحكم؛ لأن التجفيف والكبس ما يتأثر بتعطل الآلات، يعني الآن التمر والعنب والتين إذا كبست وجففت تتأثر إذا طفئت الكهرب؟ نعم؟ ما تتأثر، فحكمها ثابت، بينما هذه الأمور التي تحفظ بالحوافظ التي يعتريها ما يعتريها هذا لا يتعلق بها حكم، باعتبار أن غير الثوابت لا يرتبط بها الحكم الشرعي؛ لئلا يكون عرضة للأخذ والرد.
"ولا في البقول كلها صدقة، ولا في أثمانها إذا بيعت صدقة حتى يحول على أثمانها الحول من يوم بيعها، ويقبض صاحبها ثمنها" لكن هل تعامل معاملة الخارج من الأرض، أو تعامل معاملة عروض التجارة؟ ولا شك أن الزكاة في عروض التجارة أخف منها في الخارج من الأرض، يعني أقل شيء الضعف، يعني في عروض التجارة، في الخارج من الأرض إذا سقي بكلفة ومئونة نصف العشر، وبدونها بدون كلفة ولا مئونة العشر كامل، وعروض التجارة كالنقدين ربع العشر.
"ولا في أثمانها إذا بيعت" فدل على أنها تعامل معاملة عروض التجارة "حتى يحول على أثمانها الحول من يوم بيعها" لأنه لا زكاة في أعيانها، إنما الزكاة في أقيامها إذا بيعت، فيستقر ملك الثمن بعد البيع، وحينئذٍ يحسب حوله من البيع، ويقبض صاحبها ثمنها.(56/13)
الآن هل هذا قيد معتبر؟ بمعنى أنه لو باعها بنسيئة، ولم يقبض الثمن إلا بعد سنة متى يزكي؟ مباشرة وإلا .. ؟ يعني إذا قبض؟ أو نقول: يحسب حول من بعد القبض؟ هذا مقتضى كلامه -رحمه الله-، لو أراد أن يتحايل وقال: بدلاً من أبيع الثمرة نقداً بمائة ألف أبيعها لمدة عشر سنوات، ولا اقبض إلا على رأس عشر سنوات بخمسمائة ألف، كيف نتعامل معه هذا؟ الدين الغير الحال ترى ما هو .. ، ما ينطبق عليه الدين، الدين غير الحال المؤجل بأجل معلوم ما يعامل معاملة أنه في ذمة مليء أو معسر، الكلام كله في الدين الحال، الذي يمكن أخذه، فيكون في حكم المقبوض، لكن هذا دين مؤجل لمدة عشر سنوات، هل نقول: إنه ما دام تحايل على إسقاط حقوق الفقراء يعامل معاملة نقيض قصده؟ أو نقول: كلام الإمام معتبر وهو القبض، إذا قبض يزكي، وينتظر به حتى يحول عليه الحول، بدلاً من أن يزكيه كل سنة خلال العشر السنوات، ينتظر يزكيه مرة واحدة على رأس السنة الحادية عشرة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
معروف الفرار من الزكاة يعامل بنقيض قصده، لكن قال: أنا أكسب، بدل ما هي مائة ألف أقبضها بعد حال الآن، وأنا ما لي حاجة بدراهم، المعروف أن كلما زاد الأجل يزيد الثمن، الآن الذين يدعون أنهم يتعاملون مع الناس برفق ولين، وينظرون إلى مصالح الناس، والنسبة خمسة بالمائة، خمسة بالمائة خلال عشر سنوات خمسين بالمائة، أو ثمانية بالمائة ثمانين بالمائة، عشرة بالمائة مائة بالمائة، الضعف، هذا خلال عشر سنوات، فالذي يريد أن يتحايل على الزكاة بهذه الطريقة لا شك أنه يعامل بنقيض قصده، وإذا كان ليس من قصده التحايل، وإنما قال: أنا لست بحاجة إلى هذه الدراهم، بل كونها عند المدين أحفظ لها، يعني لو استلمت مائة ألف ما جاء رأس الحول وفيها ريال، أنا عندي ما يكفي، عنده راتب يمشيه خلال ها السنوات، ويجي مبلغ طيب بعد عشر سنوات، على رأي الإمام مالك ما يزكي إلا على رأس السنة الحادية عشرة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(56/14)
لكن هل عملية التعليب خاضعة .. ، يطرأ عليها مثلما يطرأ على الثلاجات؟ الثلاجة أمرها سهل، يعني عندك ضابط لأمورك، وعندك الفريزر مليان، ولو جيت مسافر لك أسبوع، إذا جيت يمكن ترميه هو وثلاجته، هذا حاصل، هذا ما يرتب عليه حكم، أما بالنسبة للتعليب فيه نوع ثبات، لكن من يضمن الآلات التي تعلب؟ نعم؟ هذه الآلات ما تضمن.
المقصود أن كلام أهل العلم واضح في هذه المسألة، لكن ...
طالب:. . . . . . . . .
أنه إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو بس من أجل القول في التين، وإلحاقه بالتمر؛ لأنه يمكن ادخاره.
طالب:. . . . . . . . .
لا؛ لأن العلة ليست منصوصة، العلة في التمر ليست منصوصة أنها هي الادخار، من أجل أن ندير عليها الأحكام، لكن العلة مستنبطة، ولها وجه عند أهل العلم، لكن الإلحاق لا يكفي بالعلة، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في صدقة الرقيق والخيل والعسل:
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عراك بن مالك عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة)).
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه-: خذ من خيلنا ورقيقنا صدقة، فأبى، ثم كتب إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فأبى عمر ثم كلموه أيضاً، فكتب إلى عمر فكتب إليه عمر: إن أحبوا فخذها منهم، وارددها عليهم، وارزق رقيقهم.
قال مالك -رحمه الله تعالى-: معنى قوله -رحمه الله-: "وارددها عليهم" يقول: على فقرائهم.
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أنه قال: جاء كتاب من عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- إلى أبي وهو بمنى أن لا يأخذ من العسل ولا من الخيل صدقة.
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار أنه قال: سألت سعيد بن المسيب عن صدقة البراذين، فقال: وهل في الخيل من صدقة!
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في صدقة الرقيق والخيل والعسل:(56/15)
"حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عراك بن مالك الغفاري عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة)) " لأن هذه الأمور مجراها مجرى ما يقتنى ويفاد منه، كالبيوت وأثاثها والثياب، وما يستعمل للقنية، هذه إذا كانت لمجرد الإفادة منها، بخلاف ما إذا كانت معدة للتجارة، عبد يبيع ويتجر فيه، فرس يبيع ويتجر فيه، إن كانت معدة للتجارة وجبت فيها زكاة عروض التجارة، خلافاً لأهل الظاهر، الذين استدلوا بهذا الحديث على عدم زكاة العروض على ما تقدم، وتقدم القول في زكاة العروض، وقد نقل عليها الإجماع، مع أنه وجد مخالف، المقصود أن القول بزكاة العروض قول عامة أهل العلم، فإذا أعد الفرس للبيع، أو أعد العبد للتجارة وجبت فيه الزكاة من هذه الحيثية كغيرها من عروض التجارة، أما إذا كان لمجرد الاقتناء والإفادة من ظهره أو من خدمة العبد مثل هذا لا زكاة فيه، ومثله ما يحتاج إليه من الآلات، وطالب العلم عنده كتب لا زكاة عليه فيها، مجراها مجرى ما يقتنى ويستفاد منه، ولم يعد للتجارة، لكن بعض طلاب العلم يكون عنده من الكتاب نسخ كثيرة، هو يحتاج واحدة، ويكون عنده من كل كتاب نسختين ثلاث خمس، هل تجب عليه الزكاة؟ أو نقول: ولو كثرت، وإذا كانت حاجته تندفع بنسخة قيمتها مائة، فاشترى نسخة أو أكثر من نسخة بآلاف، هل نقول: إن الحاجة تندفع إنما تركت الزكاة من أجل الحاجة؟ أو نقول: كما لو كان عنده بيت بمائة مليون مثلاً، هذا مما يحتاجه؟ هذه قنية لا زكاة فيها، لكن بعض الناس عندهم الأمور من هذه التي أصلها يقتنى، ثم إذا وجد شيئاً أحسن من الذي عنده قال: نشتري هذا الأجود، ونبيع الثاني، الآن ما هو في المكتبات كل يوم ينزل كتاب جديد، وتحقيق جديد، ونشر جديد، وكتب مقابلة على نسخ جديدة اكتشفت ثم يضطر طالب العلم يشتري هذه، يقول: نتصرف بتلك، هل نقول: إنها انتقلت من كونها قنية إلى أنها معدة للتجارة؟ عرض من عروض التجارة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(56/16)
يعني كون هذه العين ما اشتريت بنية التجارة لا يجعلها النية الطارئة للتجارة، مثل شخص اشترى أرض ليشيد عليها سكن، ثم وجد أفضل منها فاشتراها وبنى عليها سكن، وعدل عن كونه يعمر هذه للسكن يجعلها للتجارة، يقولون: ما تصير للتجارة حتى يبيعها؛ لأن هذه نية طارئة، وقل مثل هذا لو وهبت له، أو ورثها إنما ملكها لا بنية التجارة، لا تصير للتجارة ولو نوى التجارة، ومنهم من يقول: بمجرد نية التجارة تتحول إلى عرض من عروض التجارة، من وقت النية، لكن المفتى به أنها لا تصير إلا إذا باعها؛ لأنها لم تكن للتجارة من الأصل.
مسائل العقار وزكاته، وكون الشيء يشترى، والظاهر من الشراء أنه للاستعمال، وفي نية صاحبه أنه لا يريد استعماله، ولا البناء عليه، مثل الآن كثير من الناس يشتري أرض، ويقدم على صندوق التنمية، زاعماً أنه يريد أن يبني عليها مسكن، وهو ما يريد السكن هنا، لكن يقول: تمسك سره، وإذا طلع الاسم حولناها إلى مكان أفضل، لكن الآن ما عندنا إلا ثمن زهيد، يجد أرض مثلاً بعشرين ألف، وهي لا تناسبه للسكن، لكن يقول: من أجل أن تحجز الاسم، وفي نيته بيعها، وعدم عمارتها للسكنى، فهل هذه فيها زكاة وإلا ما فيها زكاة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو يريد أن يبيعها، لكن لا يريد أن يبيعها هذه السنة أو التي تليها، أو بعد خمس سنين، إذا طلع الاسم، وحول الأرض من هذا المكان إلى مكان آخر، هو الآن لا يستطيع بيعها لأنها باعتبارها مرهونة، هي مرهونة للصندوق، هم يرهنون من البداية أو يرهنون إذا طلع الاسم؟
طالب:. . . . . . . . .(56/17)
أقول: هذه النية التي ليست ظاهرة خفية عندهم، وإنما اشتراها من أجل أن يحجز بها رقم، ولا ينوي السكن، هل نقول: إنها تجب زكاتها كل سنة؛ لأنه لم يشترها للقنية، وإنما اشتراها للتجارة، وبعض الناس يقول: أنا أشتري أرض ولا أريد بيعها، ولا أريد سكناها، ولا أريد اقتناءها، إنما أريد أن تحفظ الدراهم، تحفظ الفلوس؛ لأنه لو كانت فلوس طارت، انتهت، ولا يشتريها للبيع، ولا يريد أن يشيد عليها سكن، ولا عمارة للإيجار، ولا شيء، إنما لتحفظ الدراهم فقط، هل نقول: حفظ هذه الأرض للدراهم مثل حفظ الدراهم بالبنك؟ كنز تجب زكاته؟ أو نقول: ما دامت ليست للتجارة لا زكاة فيها؟ أو نقول: هي للتجارة شاء أم أبى؟ يعني إذا لم تكن للقنية ويش تصير؟ ما هي إلا للتجارة، الذي يظهر أن مثل هذه الذي يمسك بها الدراهم هذه فيها زكاة، هذا الظاهر، لكن الذي ينوي أن يحجز بها اسم في الصندوق لا يريد عمارتها ولا يريد بيعها في الحال، في الوقت الحاضر، أو هي في مقام ما يقتنى؟
طالب:. . . . . . . . .
هو أصل الاقتناء موجود، يعني ما هو .. ، لكن لهذه الأرض بعينها لا يريد سكناها، وإذا لم تكن لا للقنية فتكون إذاً .. ، لأنه ما في بديل، ما في طرف ثالث، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال الأمور بمقاصدها، هو ما قصد السكن، ويش نقول؟ عليه زكاة وإلا ما عليه زكاة؟ وهذه الأرض تبي تجلس إلى أن يطلع الاسم، الله أعلم خمس سنين، ست سنين، عشر سنين، الله أعلم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، اكتسبها بفعل مباح، هو اشتراها، الآن هذا الكلام يؤثر على مسألتنا؟ ما يؤثر، لا أثر له على مسألتنا، هذا الشخص ما اشتراها للقنية، يعني في شيء ثالث غير القنية أو التجارة؟
الاستثمار، الاستثمار معروف، لكن هو لا يريد الاستثمار، لا يريد أن يعمرها، يريد أن يبيعها، بايع بايع.
طالب:. . . . . . . . .
من الأصل ناوي يبيع، ما نوى يسكن أصلاً، إنما أراد أن تمسك الاسم، ولا هو بايع إلا بعد عشر سنين، يعني على رأي مالك ما في إشكال بين المدير والمحتكر، ينتهي الإشكال، هذه محتكرة ولا زكاة فيها عند مالك، لكن غيره؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
أي أمانة؟(56/18)
طالب:. . . . . . . . .
لا هم ما داموا ما يرهنون عين الأرض، يستطيع أن يتصرف بها، ليس بممنوع من بيعها، لا يمنع من بيعها؛ لأنه لو منع من بيعها ما عليه زكاة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يسقط، خلاص مسكت الاسم، ولا رهنت بعينها.
طالب:. . . . . . . . .
لا هم ما يمنعون أن يتخير الأرض أبد، ما يمنعون.
طالب:. . . . . . . . .
هو بيدبر أرض قبل ما يطلع الاسم.
طالب:. . . . . . . . .
على الأرض نفسها، باعتبار أنه لا يقدم اسمين على أرض واحدة.
يقول هذا: هل تزكى مكتبة طالب العلم في بيته إذا كان يستخدم بعض الكتب منها؟
لا، هذه قنية، إيه.
طالب:. . . . . . . . .
أما مسألة ما يضمره الإنسان في نفسه أنه لو جاءه مبلغ طيب باع وإلا لا؟ هذا لا أثر له، يعني كل ما يملك بهذه النية، أنت بيتك عمرته وسكنته أنت وأولادك، لو يجي واحد يبي يطمعك تبي تطلع وتخليه تدور أحسن منه، هذه النية غير كافية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني على كلامك أن اللي عرض للتجارة وخسر ما عليه شيء، النية اشترى هذه الأرض بمليون ريال، يقول: أنا بمسك ها المليون، الراتب يكفين مصروف، لكن ها المليون ما أبيه يطير، ما أنا ببائع، لكن أبي تمسك، ويش الفرق بين هذه الأرض وكونه يدع ها المليون في البنك؟ في فرق؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني فعلاً ما في شك أنها تحفظ الدراهم وتزيد وقد تنقص، قد تكسد.
طالب:. . . . . . . . .
صحيح، يعني إذا كان الاسم يبي له عشر سنوات مثلاً، وقلنا: هذه الأرض تبي تقعد لها عشر سنوات وتزكى كل سنة.
طالب: لا مش عشر.
لا أنت خليك بالمتوسط، لو قلنا: تزكى هذه الأرض مدة عشر سنوات كل سنة عشر مرات تبي تزكى، أكلتها الزكاة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما تعدى؛ لأنه لا بد أن يبقى الأصل، اثنين ونصف في المائة هذه السنة، ثم اثنين ونصف في المائة من .. ، نعم؟
طالب: من سعر يومها.
نعم سواءً ارتفعت أو نزلت.
طالب:. . . . . . . . .(56/19)
بس يا الإخوان ترى أحياناً معاناة الخاصة؛ لأن بعضهم ما تؤثر على الحكم، كمان أيضاً أن بعد المصادفات والأمور التي تيسر لبعض الناس ما تؤثر على حكم ثابت، إحنا ننظر إليها أنها إما أن تكون للقنية أو للتجارة، أو نقول: الأصل براءة الذمة، وإيجاب الزكاة في العروض مسألة معروفة يعني الخلاف فيها، والأصل براءة ذمة هذا المالك، فلا تجب إلا بيقين يعني، وما دام تردد فيها هل فيها زكاة أو لا زكاة فيها؟ فالأصل براءة الذمة، يعني هو متردد بين الاقتناء وبين البيع فالأصل براءة الذمة وهذا له وجه، إخراج الزكاة أحوط.
زكاة الخيل عرفنا أنها إن كانت للتجارة فهي عروض، وإن كانت للقنية فلا زكاة فيها، أبو حنيفة -رحمه الله- يذهب إلى وجوب الزكاة في الخيل، إذا كانت مخلوطة ذكور وإناث، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما نواها للتجارة، وليست من بهيمة الأنعام، ولا من الخامة ما عليه شيء.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذا ما نوى أنها كنز، هذا كل يوم يركب له واحد وينبسط مثل الذي عنده ضياع كبيرة صغيرة للنزهة ولغيرها ويش المانع؟ بعض الناس يعد بيت لـ .. ، شخص اشترى بيت بعشرة ملايين، وهو يكفيه بيت بأقل من عشر القيمة، يكفيه بمليون.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما دام أصلها قنية ما فيها شيء، ذهب أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- إلى وجوب الزكاة في الخيل إذا كانت ذكوراً وإناثاً، فإن انفردت زكي إناثها لا ذكورها، يعني إن كانت إناث تزكى وإلا فلا زكاة في ذكورها إذا انفردت، ثم بعد ذلك يخير أن يخرج عن كل فرس دينار، أو بين أن يقومها ويخرج ربع العشر لكن هذا تفريق .. ، أقول: تفريق لا دليل عليه، وهذا الحديث صريح في كونها لا زكاة فيها إذا كانت مما يقتنى، ولذا خالفه صاحباه.(56/20)
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة بن الجراح" أحد العشرة المبشرين بالجنة، أمين هذه الأمة "قالوا له: خذ من خيلنا ورقيقنا صدقة؟ " النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)) وهم يقولون: خذ، جادت أنفسهم بهذا، من غير إلزام "فأبى" لأنه لا صدقة فيها "ثم كتب إلى عمر بن الخطاب" لئلا يفتأت على ولي الأمر، ويأخذ رأيه في المسألة "فأبى عمر" امتنع؛ لأنه لا زكاة فيها؛ لئلا يقع في ظلمهم؛ لأنه إذا قبلها منهم يأتي من يأتي فيما بعد، ويستدل بفعل عمر وأخذه الزكاة من الخيل والرقيق، فيقول: إن عمر أخذ الزكاة، لكن بين لهم الوجه "ثم كلموه أيضاً، فكتب إلى عمر فكتب إليه عمر: إن أحبوا" يعني إن أرادوا أن يدفعوا بطوعهم واختيارهم من غير إيجاب ولا إلزام "إن أحبوا فخذها منهم تطوعاً، وارددها عليهم" وفسر الإمام مالك -رحمه الله تعالى- وارددها عليهم، يقول: على فقرائهم، لا عليهم أنفسهم؛ لأنهم أخرجوها بطوعهم لله تعالى تطوعاً، فلا ترد عليهم، لكن ويش المانع أن ترد عليهم بطريق غير مباشر في مصالحهم العامة؟ ما في ما يمنع أبداً.
"وارزق رقيقهم" أي المحتاج منهم، وإلا فالأصل أن نفقة الرقيق على سيده، المقصود أنها ترد على فقرائهم، وتستغل في مصالحهم العامة.
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أنه قال: جاء كتاب من عمر بن عبد العزيز إلى أبي" أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم "وهو بمنى أن لا يأخذ من العسل ولا من الخيل صدقة" وهو بمنى حاج، والحج مظنة أن يباع فيه هذه الأمور، وتجلب إلى مكة وإلى منى والمشاعر، قد يحتاج الإنسان للأكل ومعه بضاعة يبيعها، وقد يحتاج إلى بيع فرسه مضطراً إلى ذلك، لكن لا يؤخذ من هذه الأمور صدقة، والأئمة عامتهم على أنه لا زكاة في العسل، وأما ما ورد فيه، وأنه يؤخذ منه العشر، فقد ضعفه الإمام أحمد.
قال أبو عمر بن عبد البر: هو حديث حسن يرويه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن بكل عشر قرب قربة، وبه قال أبو حنيفة، في زكاة العسل.(56/21)
وروى الترمذي من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العسل: ((في كل عشرة أزق زق)) قال: وفي الباب عن أبي هريرة وأبي سيارة وعبد الله بن عمرو، وحديث ابن عمر في إسناده مقال.
يقول: ولا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الباب كبير شيء، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، وبه يقول أحمد وإسحاق -يعني أنه لا زكاة فيها- وقال بعض أهل العلم: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم -يعني مقتضى حديث عمرو بن شعيب- وبه يقول أحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم: ليس في العسل شيء وهو قول الجمهور.
الإمام أحمد ضعف الحديث، والترمذي يقول: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، وبه يقول أحمد وإسحاق، وقول الجمهور أنه لا زكاة فيه، كيف يكون أكثر أهل العلم وقال بعض أهل العلم: ليس فيه شيء؟ يعني نقل الترمذي عن أكثر أهل العلم أن فيه زكاة، وبه يقول أحمد وإسحاق، والمعروف في المذاهب مذاهب أهل العلم أن أكثر أهل العلم أنه لا زكاة فيه، وأنه لم يقل به إلا الحنفية، ورواية عند الحنابلة.
في زاد المستقنع يقول: وإذا أخذ من ملكه أو موات من العسل مائة وستين رطلاً عراقياً ففيه عشره، فعلى هذا فيه العشر، فتكون نسبة القول بزكاة العسل وأنه العشر التي ذكرها الإمام الترمذي موافقة لما في الزاد، ورواية عن الإمام أحمد معروفة، وهو قول عن أبي حنيفة، لكن من عداهم من الأئمة أنه إيش؟ لا زكاة فيه إلا على اعتبار أنه عرض من عروض التجارة، وإذا كان عرض من عروض التجارة فيه ربع العشر لا العشر, نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
قد يضعف الحديث -حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده- لكن هناك أحاديث أخرى في الباب عن أبي هريرة وأبي سيارة وعبد الله بن عمرو، يعني بمجموعها، والإمام أحمد قد ينظر إلى الحديث بمفرده، وقد ينظر إليه مع غيره، ثم يفتي بمقتضى النظر الأول، ويكون له رواية على مقتضى النظر الثاني وهكذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، أقول: ينظر إليه بمفرده فيضعفه، وينظر إليه مع غيره فيقويه.(56/22)
"وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار أنه قال: سألت سعيد بن المسيب عن صدقة البراذين، فقال: وهل في الخيل من صدقة؟! " قد صح فيما سبق أنه ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة، والبراذين جمع برذون، يقولون: التركي من الخيل، وعرفوه بأنه نوع من الخيل، جافي الخلقة، يستعمل في حمل الأثقال، وفي سلوك الطرق الوعرة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن هل تراعي حظ الفقراء أو تراعي حظ الأغنياء؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يجب عليه، الأصل براءة الذمة، لكن لو قلنا: هذا للتجار، وأن هذه الأمور المترددة بين هذا وهذا الأصل براءة الذمة، ولا عليهم شيء، صاروا يتحايلون، ويسقطون حقوق الفقراء، فيجعلون أموالهم في هذه الأمور المختلف فيها.
على كل حال الصدقة لن تنقص من المال إنما تزيده كما هو معروف، وهي طهرة للمال ولصاحبه.
سم.
أحسن الله إليك.
باب جزية أهل الكتاب والمجوس:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب قال: بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ الجزية من مجوس البحرين، وأن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أخذها من مجوس فارس، وأن عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- أخذها من البربر.
وحدثني عن مالك عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- ذكر المجوس فقال: "ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟ فقال عبد الرحمن بن عوف -رضي الله تعالى عنه-: أشهد لسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب)).
وحدثني عن مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن عمر بن الخطاب ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الورق أربعين درهماً مع ذلك أرزاق المسلمين، وضيافة ثلاثة أيام.(56/23)
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال لعمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-: إن في الظهر ناقة عمياء، فقال عمر: ادفعها إلى أهل بيت ينتفعون بها، قال: فقلت: وهي عمياء؟ فقال عمر: يقطرونها بالإبل، قال: فقلت: كيف تأكل من الأرض؟ قال: فقال عمر: أمن نعم الجزية هي أم من نعم الصدقة؟ فقلت: بل من نعم الجزية، فقال عمر: أردتم والله أكلها، فقلت: إن عليها وسم الجزية، فأمر بها عمر فنحرت، وكان عنده صحاف تسع، فلا تكون فاكهة ولا طريفة ...
طُريفة.
ولا طُريفة إلا جعل منها في تلك الصحاف، فبعث بها إلى أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويكون الذي يبعث به إلى حفصة ابنته من آخر ذلك، فإن كان فيه نقصان كان في حظ حفصة، قال: فجعل في تلك الصحاف من لحم تلك الجزور فبعث به إلى أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأمر بما بقي من لحم تلك الجزور، فصنع فدعا عليه المهاجرين والأنصار.
قال مالك -رحمه الله-: لا أرى أن تؤخذ النعم من أهل الجزية إلا في جزيتهم.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- كتب إلى عماله أن يضعوا الجزية عمن أسلم من أهل الجزية حين يسلمون.
قال مالك -رحمه الله-: مضت السنة أن لا جزية على نساء أهل الكتاب، ولا على صبيانهم، وأن الجزية لا تؤخذ إلا من الرجال الذين قد بلغوا الحلم.(56/24)
وليس على أهل الذمة، ولا على المجوس في نخيلهم ولا كرومهم ولا زروعهم ولا مواشيهم صدقة؛ لأن الصدقة إنما وضعت على المسلمين تطهيراً لهم، ورداً على فقرائهم، ووضعت الجزية على أهل الكتاب صغاراً لهم، فهم ما كانوا ببلدهم الذين صالحوا عليه ليس عليهم شيء سوى الجزية في شيء من أموالهم، إلا أن يتجروا في بلاد المسلمين، ويختلفوا فيها فيؤخذ منهم العشر فيما يديرون من التجارات، وذلك أنهم إنما وضعت عليهم الجزية، وصالحوا عليها على أن يقروا ببلادهم، ويقاتل عنهم عدوهم، فمن خرج منهم من بلاده إلى غيرها يتجر بها فعليه العشر، من تجر منهم من أهل مصر إلى الشام، ومن أهل الشام إلى العراق، ومن أهل العراق إلى المدينة أو اليمن أو ما أشبه هذا من البلاد فعليه العشر، ولا صدقة على أهل الكتاب ولا المجوس في شيء من أموالهم، ولا من مواشيهم ولا ثمارهم ولا زروعهم، ومضت بذلك السنة، ويقرون على دينهم ويكونون على ما كانوا عليه، وإن اختلفوا في العام الواحد مراراً في بلاد المسلمين فعليهم كلما اختلفوا العشر؛ لأن ذلك ليس مما صالحوا عليه، ولا مما شرط لهم، وهذا الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب جزية أهل الكتاب والمجوس:
أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، وأما المجوس فهم أمة من الناس أصل الكلمة فارسية، يعبدون النار، وقد جاء الأمر بإلحاقهم بأهل الكتاب ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب)) حتى قال بعض أهل العلم أنهم كان عندهم كتاب أو شبهة كتاب.
من قال: إن عندهم كتاب ثم رفع هذا الكتاب بسبب معصية حصلت من رأسهم ورئيسهم، حينما وقع على محرمه، ثم تتابعوا على هذا في نكاح المحارم -نسأل الله السلامة والعافية-.(56/25)
والجزية مأخوذة من التجزئة كما قال ابن احجر، وهي التقسيم، وقيل: من الجزاء؛ لأنها تؤخذ من هؤلاء جزاءً لتركهم في بلاد المسلمين، وحكمتها ظاهرة، وهي أن الذل الذي يلحقهم بسببها والصغار يحملهم على الدخول في الإسلام، وأيضاً تركهم وإبقاؤهم في بلاد المسلمين في مقابل بذلها من أجل أن يتم لهم النظر في الدين، من خلال معاشرة أهله، والاطلاع على الدين المطبق عملياً، ولذا من يخالف ويرتكب ما حرمه الله -جل وعلا- سواءً كان مما يتعلق بالمعاملة مع الله -جل وعلا-، أو معاملة مع خلقه، مثل هذا يصد عن الدين بفعله، ولذا كان انتشار الإسلام بعد عصر الخلفاء الراشدين في البلدان القاصية إنما كان عن طريق التجار، حيث دعوا الناس بأفعالهم قبل أقوالهم، لما رأوا الناس حسن التعامل من هؤلاء أعجبهم ما هم عليه من أخلاق، ومن التزام واستمساك بدينهم، فدخلوا في الدين، مع الأسف الشديد أن حال كثير من المسلمين في العصور المتأخرة ساهم في الصد عن دين الله، حتى قال القائل –وإن كان عاد بالغ في هذا-: إنه في بلاد المسلمين إسلام بلا مسلمين، وفي بلاد الكفار مسلمين بلا إسلام، لكن هذا الكلام ما هو بصحيح، وإن كان تعاملهم في الظاهر.
طالب:. . . . . . . . .
إن كان تعاملهم في الظاهر، يعني عندهم التزام بمواعيدهم، صدق في المعاملة هذه دعوة لأديانهم.
طالب:. . . . . . . . .(56/26)
هذا ما ينقل عنهم، وإلا عاد إحنا ما رحنا لهم، ولا نروح -إن شاء الله-، المقصود أن هذا ما يقال عنهم أنهم .. ، وهذه دعوات مغلفة لأديانهم، هذا هو الأصل، الأصل فيهم أنهم هذا وضعهم، لكن قد يتعامل الإنسان من باب الدعوة، يمكن هذا الذي أطلق هذا الكلام عاشر لا سيما وأنه من أهل العلم يعني عاشر من الدعاة إلى اليهودية أو إلى النصرانية، فهم يقصدون مثل هذا للتأثير على غيرهم، المقصود أن الذي لا يدين بهذا الدين الحق مفلس من كل شيء من خير الدنيا والآخرة، مهما بذل، ومهما عمل، يعني من الأمور التي هي في ظاهرها أعمال خير، لكنها هباء، أعمالهم مثل الريح {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ} [(18) سورة إبراهيم] لا شيء {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر] هذا يقال لمن؟ لأفضل الخلق -عليه الصلاة والسلام-، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يقدح في الإسلام، لكن الكلام، هل الكلام واقع أو أنهم وحوش كغيرهم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لأنه دين، لا لأنه إسلام، يعني لأنه باق على فطرته، وهل يتصور أن كافر موجود في هذه العصور المتأخرة باقٍ على فطرته السليمة ما اجتالته الشياطين؟ ما أظن يبقى أحد إلى هذا الوقت، المقصود ألا نجاة إلا بالإسلام، هذا الأصل.
طالب:. . . . . . . . .
أنا أقول: ما هو بالأصل فيهم، هذا من أجل الدعوة إلى أديانهم، وفي المعاملات المالية من أجل كسب المال بأي طريقة كان، من أجل أن يثق بهم المعامل ويقدمهم على غيرهم، ومن أجل تغرير الناس بهم، كما حصل ممن ذهب وعاشرهم، ورأى منهم ما رأى، مع الأسف أنه يوجد ممن يستقدم غير المسلمين إلى هذه البلاد وغيرها من بلاد المسلمين ويعجب بهم؛ لأنهم يوفرون له ما لا يوفره غيرهم، لا يصومون ولا يصلون ولا .. ، يقولون: إنهم لا يعطلون العمل، كله هذا كلام، نسأل الله العافية من إيثار الفانية على الباقية -نسأل الله السلامة والعافية-.
طالب:. . . . . . . . .
ومع ذلك ليس هو الأصل فيهم، إنما هو خلاف الأصل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(56/27)
ما أرى ما يمنع، وإن كان فيهم مخالفات وفيهم شرك، وفيهم تحليل المحرمات؛ لأن هذه الأمور موجودة وقت التنزيل، يعني موجودة، الشرك الأكبر فيهم وقت التنزيل ومع ذلك هم أهل كتاب، فما دونه من باب أولى.
"حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب قال: بلغني" هذا وصله الدارقطني وابن عبد البر من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن السائب بن يزيد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ الجزية من مجوس البحرين" والبحرين بلفظ التثنية مع لزوم الياء مطلقاً؛ لأن التثنية غير مقصودة، فلا تتغير حروفه تبعاً للعوامل، هو لازم للياء مطلقاً، واقتصر عليها الأزهري؛ لأنه صار علم على تلك الجهة، يعني مثل أبو ضبي مثلاً، خلاص ما تقول: جئت من أبي ظبي، ذهبت إلى أبي ظبي، رأيت أبا .. ، ما تجي، خلاص يلزم حالة واحدة مطلقاً؛ لأنه صار علم على هذه الجهة، والبحرين تقول، تقول بهذا، بالتثنية مع لزوم الياء، وهذا ما اقتصر عليه الأزهري، بعضهم يعامله معاملة المثنى، فيرفعه بالألف، وينصبه ويجره بالياء، عند النسبة والانتساب إلى البحرين ماذا تقول؟ تقول: بحريني أو بحراني؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني نسبة إلى اللفظ، إيه أقول: مرد التفريق هذا البحريني وبحراني يعني له أصل، ونسبة إلى جهة واحدة، نعم، لا أنا أقول: النسبة إلى هذه الجهة نقول: بحريني وإلا بحراني؟ يعني إذا لحظنا المثنى التثنية، إذا لحظنا أن هذا الاسم بهذا اللفظ بلزوم الياء علم على هذه الجهة نسبنا إليها من غير تغيير، وإذا لحظنا التثنية فالتثنية ترد إلى أصلها قبل دخول العوامل، والأصل في المثنى الرفع قبل دخول العوامل والمؤثرات، وترى فيها كتب بحوث في النسبة إلى البحرين، الشيخ إسماعيل الأنصاري له بحث في بعض المجلات، بحث مطول وموسع، وحقق أن النسبة إلى هذه الجهة لجميع من ينتسب إليها من أهل السنة وغيرهم أنه يرد إلى حالة الرفع ويقال: بحراني، لكن إذا عرف هذا اللفظ، وصار عرف بين الناس أن هذا اللفظ إنما يطلق على غير أهل السنة، فلا يجوز إطلاقه على أهل السنة.(56/28)
يقول: "وأن عمر بن الخطاب أخذها -أخذ الجزية- من مجوس فارس" فارس لقب لقوم لا يجمعهم نسب، وإنما هم أخلاط اجتمعوا في هذا المكان، فصاروا فارس "وأن عثمان بن عفان أخذها من البربر، قوم من أهل المغرب كالأعراب" في البخاري لم يكن عمر -رضي الله تعالى عنه- أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخذها من مجوس هجر، هذا في البخاري، لم يكن عمر -رضي الله تعالى عنه- أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخذها من مجوس هجر.
ولذا يقول الإمام مالك ... ، يقول: "وحدثني عن مالك عن جعفر بن محمد" بن علي، الصادق، وهو ثقة مخرج له في الصحيح، ولا يضيره ما افتري عليه "عن أبيه" الباقر محمد بن علي "أن عمر بن الخطاب" هذا منقطع؛ لأن محمداً لم يلق عمر ولا عبد الرحمن، وهو مروي عند الدارقطني وابن المنذر بسند محتمل للاتصال والانقطاع، والإسناد إنما يحتمل إذا كان فيه ضمائر مثل عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهذا منه.
"أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس فقال: "ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟ " في البخاري: لم يكن يأخذ الجزية منهم "فقال عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب)) " يعني في الجزية، وإبقائهم على أديانهم بعد أخذ الجزية منهم كأهل الكتاب، لا في نكاح نسائهم، وأكل ذبائحهم، فهذا عام أريد به الخصوص.
وأخذ الجزية من أهل الكتاب إجماع؛ للنص في القرآن {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [(29) سورة التوبة] وحكا ابن عبد البر الاتفاق على قبولها من المجوس، لكن حكا ابن التين عن عبد الملك بن حبيب من أئمة المالكية أنها لا تقبل إلا من اليهود والنصارى فقط، ولا تقبل من المجوس لأنهم مشركون، والتخفيف عن اليهود والنصارى معروف أنه لأنهم على بقايا من دين وإن كان محرفاً، ولذا خفف في نسائهم وذبائحهم، وصار لهم معاملة خاصة، وفرق الحنفية فقالوا: تؤخذ من مجوس العجم دون مجوس العرب.(56/29)
وحكا الطحاوي عنهم -يعني عن الحنفية- أن الجزية تقبل من أهل الكتاب، ومن جميع كفار العجم، ولا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف، لكن من كان من أهل الكتاب وإن كان عربياً، يعني كان يهودي أو نصراني من العرب تؤخذ منه الجزية، أما المشركون من العرب فإنه لا يقبل إلا الإسلام أو السيف.
وعن مالك: تقبل من جميع الكفار، الجزية تقبل من جميع الكفار إلا من ارتد، وبه قال الأوزاعي، وإيش؟ يقول الأوزاعي -رحمه الله- .. ، هذا الطحاوي -رحمه الله- حكا عن الحنفية تقبل من أهل الكتاب، ومن جميع كفار العجم، يعني سواءً كانوا كتابيين أو مشركين، ولا تقبل من مشركي العرب، تقبل من العرب إذا كان من أهل الكتاب، ولا تقبل من مشركي العرب إنما يخيرون بين الإسلام أو السيف، ولا خيار ثالث لهم.
وعن مالك: تقبل من جميع الكفار إلا من ارتد، وبه قال الأوزاعي، يعني تقبل من كل كافر أصلي كتابي أو غير كتابي، أما المرتد فليس له إلا أن يعود إلى دينه أو السيف ((من بدل دينه فاقتلوه)).
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير" على أهل الذهب، يعني كانوا الأكثر وجودهم في مصر والشام "أربعة دنانير" في كل سنة "وعلى أهل الورق" في أي بلد كانوا إلا أن وجودهم -كما قالوا- في العراق أكثر "أربعين درهماً" في كل سنة، وهذا جار على أن الصرف في وقته الدينار عشرة دراهم، وبهذا التحديد أخذ الإمام مالك، فلا يزاد عليه ولا ينقص إلا في حق من يضعف عن ذلك، فيخفف عنه بقدر ما يراه الإمام، من ضعف عن حمل هذا القدر فإنه يخفف عنه، وهذا راجع إلى اجتهاد الإمام.
وقال الإمام الشافعي: أقلها دينار ولا حد لأكثرها، وقال أبو حنيفة وأحمد: أقلها على الفقراء دينار، وعلى الأوساط اثنين، وعلى الأغنياء أربعة، دينار أو اثني عشر درهم، وعلى المتوسطين ديناران أو أربعة وعشرون درهماً، وعلى الأغنياء منهم أربعة دنانير أو ثمانية وأربعون درهماً.
الأربعة الدنانير التي ضربها عمر -رضي الله عنه- محمولة على أهل القدرة، حملوها على أهل القدرة.(56/30)
في صحيح البخاري قال ابن عيينة: عن ابن أبي نجيح قلت لمجاهد: ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير، وأهل اليمن عليهم دينار؟ قال: جعل ذلك من قبل اليسار، إيش من قبل اليسار؟ يعني أهل اليمن يمين الكعبة، وأهل الشام يسار الكعبة وإلا .. ؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم الغنى والفقر، باعتبار أن غالب أهل الشام فيهم غنى، وأهل اليمن العكس، ومعلوم أن هذه الأمور دول، نعم دول، قد يكون أهل قطر من الأقطار أغنى الناس في يوم من الأيام، ثم بعد ذلك بزمن وقبله بزمن يكونون أفقر الناس، وهي على كل حال ابتلاء من الله -جل وعلا- بالخير والشر، يبتلي الناس، إن ابتلاهم بالخير فشكروا ازدادت عليهم النعم وقرت، وإن ابتلاهم بالضراء وصبروا لهم الأجر من الله -جل وعلا-، وعلى كل حال كثير من الناس قد يصبر على البلوى بالشر وقلة ذات اليد والمصائب، لكنه لا يصبر على السراء، فالامتحان بالسراء أعظم من الامتحان بالضراء، ولذلك لو سبرنا تأريخ الناس وجدنا أنهم يتمسكون بالدين حينما تصيبهم الضراء، وابتلي الناس بها، ولا تنازلوا لا عن دين ولا عرض ولا غيره، وفتحت عليهم الدنيا، وابتلوا بالسراء، فتنازلوا عن .. -إلا من عصم الله- تنازلوا عن كل شيء، شواهد الأحوال ظاهرة، والله المستعان.
"مع ذلك أرزاق المسلمين" يعني إعانة أبناء السبيل ممن يمر بهم، قاله ابن عبد البر، وقال الباجي: أقوات من عندهم من أجناد المسلمين "وضيافة ثلاثة أيام" للمجتازين بهم.
يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال لعمر بن الخطاب: إن في الظهر ناقة عمياء" ناقة عمياء يعني أخذت وهي عمياء وإلا عمياء طرأ عليها العمى بعد ذلك؟ طرأ عليها العمى بعد ذلك، لأنها لا تؤخذ.
طالب:. . . . . . . . .
لكن هل يؤخذ في الجزية مثل هذه أو لا يؤخذ إلا الدينار؟ المسألة خلافية.
طالب:. . . . . . . . .
هذه بتجي عاد بيانها بيأتي، المقصود أن مثل المعيبة ما تؤخذ "فقال عمر -ظاناً أنها من الصدقة-: ادفعها إلى أهل بيت ينتفعون بها" ...(56/31)
شرح: الموطأ – كتاب الزكاة (9)
باب عشور أهل الذمة - باب اشتراء الصدقة والعود فيها - باب من تجب عليه زكاة الفطر - باب مكيلة زكاة الفطر - باب وقت إرسال زكاة الفطر - باب من لا تجب عليه زكاة الفطر.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
"فقال عمر -ظاناً أنها من الصدقة-: ادفعها إلى أهل بيت ينتفعون بها" "قال أسلم: فقلت له: هي عمياء؟ فقال عمر: يقطرونها بالإبل" القطار معروف عند العرب، وهو ربط الإبل بعضها ببعض، وجعلها تمشي كهيئة القطار.
"يقطرونها بالإبل" يعني وعماها لا يمنع من الانتفاع بها، يحمل عليها وتركب "قال: فقلت: كيف تأكل من الأرض وهي لا ترى؟ " نعم الحمل ممكن يحمل عليها، وإذا قطرت مع الإبل سهل، لكن بالنسبة للأكل والرعي كيف يمكن ذلك وهي عمياء؟ "قال: فقال عمر: أمن نعم الجزية هي أم من نعم الصدقة؟ " نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
إيه ما تقبل أصلاً؛ لأنها .. ، إلا على أساس أنها لحم.
"فقلت: كيف تأكل من الأرض؟ " يعني وهي لا ترى "قال: فقال عمر: أمن نعم الجزية هي أم من نعم الصدقة؟ " أحياناً الكبير مثل عمر -رضي الله تعالى عنه- من باب الحرص على ما أؤتمن عليه لا يبادر بأدنى شيء إلا أن يساوم عليه في الأعلى، ثم يتنازل بعد ذلك، وقد يخفى على الكبير ما يتفطن له الصغير، هذا أسلم مولى ابن عمر -رضي الله تعالى عنهم- "قال عمر: أمن نعم الجزية هي أم من نعم الصدقة؟ فقلت: بل من نعم الجزية، فقال عمر: أردتم والله أكلها" يعني أنت قلت هذا على شان تأكلونها، من أجل أن تأكلوها؟ وإلا ويش الدليل؟ ويش دليلك على أنها من نعم الجزية؛ لأنها الجزية يأكلها الغني والفقير دون الصدقة "فقلت: إن عليها وسم الجزية" هذا الدليل يعني ما تؤخذ الدعوى بدون برهان "فقلت: إن عليها وسم الجزية، فأمر بها عمر فنحرت، وكان عنده صحاف تسع" جمع صحفة، وهي القصعة المستطيلة، كيف قصعة مستطيلة؟ مثل إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
مثل. . . . . . . . . نعم.(57/1)
"وعنده صحاف تسع، فلا تكون فاكهة ولا طريفة" يعني ما يرد مما يستطرف ويستملح "إلا جعل منها في تلك الصحاف" تسع، عدد أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام- تسع "فبعث بها إلى أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام-" حفظاً له في أهله بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- "ويكون الذي يبعث به إلى حفصة ابنته من آخر ذلك" يعني آخر ما يبعث إلى حفصة "فإن كان فيه نقصان كان بحظ حفصة" لأنها بنته، فلا يتهم، لكن لو قدم حفصة على غيرها اتهم، قال: "فجعل في تلك الصحاف من لحم تلك الجزور فبعث به إلى أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام-" بلا طبخ، يعني نيئ، كي يتصرفن به حسب إرادتهن "وأمر بما بقي من لحم تلك الجزور فصنع" يعني طبخ "فدعا عليه المهاجرين والأنصار" براً بهم، واعترافاً بفضلهم، واستئلافاً لهم.
"فقال مالك: لا أرى أن تؤخذ النعم من أهل الجزية إلا في جزيتهم" أي أهل النعم تؤخذ منهم النعم، وأما أهل الدراهم والدنانير تؤخذ منهم الدراهم والدنانير، أي أن أهل النعم يؤخذ منهم ما اتفقوا فيه مع الإمام، مع الإمام يتفقون وإلا فالأصل أن النعم لا تؤخذ، إنما تؤخذ الدراهم والدنانير.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله أن يضعوا الجزية عمن أسلم من أهل الجزية حين يسلمون" يضع عنهم الجزية المستقبلة وإلا الماضية؟ المستقبلة، ما في أحد يقول: إن في جزية مستقبلة على مسلم، الحالّة التي ما استلمت، أو استلم بعضها دون بعض.
على كل حال الجزية بعد إسلامهم لا تلزمهم اتفاقاً، لكن ما بقي من جزية لزمتهم قبل الإسلام، فقال الجمهور: توضع عنهم ترغيباً لهم في الإسلام، وقال الشافعي: يلزمون بدفعها، استقرت في ذممهم، ووجبت عليهم، فيلزمهم دفعها، وعلى كل حال رأي عمر بن عبد العزيز الذي قال به الجمهور هو الأولى؛ لأن الجزية مقرونة بالصغار، ولا صغار على مسلم، وأيضاً من باب الترغيب، كي يرغب في الإسلام غيرهم.(57/2)
"قال مالك: مضت السنة أن لا جزية على نساء أهل الكتاب ولا على صبيانهم" لأن الله -جل وعلا- يقول: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [(29) سورة التوبة] ... إلى أن قال: {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} فدل على أن الجزية إنما تؤخذ ممن يقاتل، والنساء والذرية لا يقاتلون والصبيان "وأن الجزية لا تؤخذ إلا من الرجال الأحرار الذين قد بلغوا الحلم، وليس على أهل الذمة، ولا على المجوس ولا غيرهم في نخيلهم ولا كرومهم ولا زروعهم ولا مواشيهم صدقة" ليس عليهم زكاة حال كفرهم، وإن كانوا مخاطبين بها؛ لأن المرجح من أقوال أهل العلم أنهم مخاطبون بالفروع، والزكاة منها، لكنهم حال كفرهم لا تقبل منهم "لأن الصدقة إنما وضعت على المسلمين تطهيراً لهم، ورداً على فقرائهم" والكفار ليسوا من أهل التطهير؛ ولقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((تؤخذ من أغنيائهم)) ما قال: تؤخذ من الأغنياء، إنما قال: ((تؤخذ من أغنيائهم)) يعني أغنياء المسلمين "ووضعت الجزية على أهل الكتاب صغاراً لهم" أي إذلالاً لهم، "فهم ما كانوا ببلدهم الذين صالحوا عليه ليس عليهم شيء سوى الجزية" يعني أخذت منهم الجزية في الشام، ومكثوا في الشام، وتجارتهم بالشام، ما عليهم إلا الجزية، لكن لو خرجوا إلى العراق، أو خرجوا إلى مصر –على ما سيأتي- يؤخذ منهم العشر إضافة إلى الجزية، أما ما بقوا في بلدانهم التي صولحوا عليها، وأخذت منهم الجزية فيها ليس عليهم إلا الجزية "فهم ما كانوا ببلدهم الذين صالحوا عليه ليس عليهم شيء سوى الجزية في شيء من أموالهم إلا أن يتجروا في بلاد المسلمين، ويختلفوا فيها فيؤخذ منهم العشر فيما يديرون من التجارات" وأصله فعل عمر الذي فعله أنه كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت على ما تقدم وسيأتي، بحضرة الصحابة وسكوتهم عن ذلك "وذلك أنهم إنما وضعت عليهم الجزية، وصالحوا عليها على أن يقروا ببلادهم، ويقاتل عنهم عدوهم" وأحرزوا بالجزية دمائهم وأموالهم "فمن خرج منهم من بلاده إلى غيرها يتجر فيها فعليه العشر، من تجر منهم من أهل مصر إلى الشام" أو العكس "من أهل الشام إلى مصر، ومن أهل الشام إلى(57/3)
العراق" أو العكس من العراق إلى الشام "ومن أهل العراق إلى المدينة أو اليمن" أو عكسهما "أو ما أشبه هذا من البلاد فعليه العشر" أما من بقي في بلده فإنه لا يؤخذ منه عشر "فعليه العشر، ولا صدقة على أهل الكتاب" لا زكاة عليهم؛ لأنها لا تقبل منهم لو دفعوها في حال الكفر، ولا يطالبون بها إذا أسلموا، لكن يزاد في عذابهم من أجلها -نسأل الله العافية-.
"ولا صدقة على أهل الكتاب ولا المجوس في شيء من أموالهم ولا من مواشيهم ولا ثمارهم ولا زروعهم، ومضت بذلك السنة، ويقرون على دينهم ويكونون على ما كانوا عليه" بالشروط المعروفة المدونة عند أهل العلم "وإن اختلفوا في العام الواحد مراراً في بلاد المسلمين فعليهم كلما اختلفوا" يعني كلما دخلوا للتجارة في بلد من بلدان المسلمين "فعليهم كلما اختلفوا العشر؛ لأن ذلك ليس مما صالحوا عليه" صالحوا على أن يبقوا في بلادهم على الجزية "ولا مما شرط لهم، وهذا الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا" وقاله جماعة، وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يؤخذ في العام الواحد إلا مرة واحدة، يعني لا تعشر عليهم الأموال إلا مرة واحدة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إن كانت هي العشر، وبنية العشر لا بنية المكوس، لكن يلزم من هذا ألا تؤخذ من غيرهم، صار الحكم واحد، المسلم والكافر واحد ما يجي.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال المسألة طويلة، يعني هل للإمام أن يفرض على المسلمين عند الحاجة أو ليس له أن يفرض؟ إنما يحثهم على الصدقة وليس عليه؟ المسألة معروفة عند أهل العلم.
يقول: إنك تتعرض أحياناً إلى مسائل خلافية، ولا نراك ترجح قول في كثير من الأحيان، وهذا الترجيح يهمنا كثيراً حتى نخرج بحصيلة من الدرس، يقول: نحسبه تورع.
لا، أحياناً يكون التوقف لأن إما أن يكون القول الثاني له وجه، والترجيح قد يلغيه، أو يكون الرجحان ما بان من كل وجه، فيتورع في الترجيح، وأمر هو أهم عندي من هذا كله، وهو أن الطالب يعرف كيف يأخذ المسألة من أصلها من دليلها، وكيف يتعامل مع أقوال أهل العلم، ثم بعد ذلك الترجيح مرحلة سهلة يعني، بالنسبة لكيفية التعامل مع النصوص، ومع أقوال أهل العلم.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم(57/4)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب عشور أهل الذمة:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر، يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة، ويأخذ من القطنية العشر.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه قال: كنت غلاماً عاملاً مع عبد الله بن عتبة بن مسعود على سوق المدينة في زمان عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- فكنا نأخذ من النبط العشر.
وحدثني عن مالك أنه سأل ابن شهاب على أي وجه كان يأخذ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من النبط العشر؟ فقال ابن شهاب -رحمه الله تعالى-: كان ذلك يؤخذ منهم في الجاهلية فألزمهم ذلك عمر.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أولاً: نريد الفرق بين المؤلف والمصنف؛ لأن القارئ تردد، فإن كان هناك فرق بين التأليف والتصنيف؟ في فرق؟ على كل حال الكتاب مصنف، المسألة على كل حال اصطلاحية، هم يفرقون بين المصنف الذي هو الأصل والشرح، والأصل والزيادة عليه، وإلا فالأصل أن التصنيف والتأليف الجمع جمع ما بينهم مع غيره مع الألفة، وضم الأصناف إلى بعضها، والأصناف تكون متآلفة، فلا يظهر فرق بين التصنيف والتأليف، وإن كان بعضهم يلحظ أن التصنيف ما يكون أكثره من استنباط المؤلف، والتأليف الجمع من كلام غيره، والمسألة اصطلاحية ما تفرق، نعم؟
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب عشور أهل الذمة:
عرفنا أن أهل الذمة يلزمون بدفع الجزية، ويقرون في بلاد المسلمين على ما تقدم، وأما العشور فهي تؤخذ منهم إذا اتجروا في بلاد المسلمين، وانتقلوا من بلد إلى بلد، ولذلك قاله في الدرس الماضي.(57/5)
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "من تجر منهم من أهل مصر إلى الشام" يعني أو العكس من أهل الشام إلى مصر، ومن أهل الشام إلى العراق، أو من العراق إلى الشام، العكس وهكذا، أما من اتجر في بلده الذي أقر فيه على الجزية هذا لا يؤخذ منه شيء، يعني هو في الأصل في مصر، تؤخذ منه الجزية، ويقر على ذلك في مصر، ويتجر فيها، ما يأخذ عليه شيء، قدر زائد على الجزية، أما إذا انتقل من بلده إلى بلد آخر فإنه يؤخذ منه العشر.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر، يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة، ويأخذ من القطنية العشر" كونه يخفف المأخوذ في الحنطة والزيت؛ لأنها من الطعام الضروري، ويريد أن يكثر الجلب إلى بلاد المسلمين من الأطعمة الضرورية، أما بالنسبة للكماليات فتزاد عليها، يزاد عليها المأخوذ؛ لأنها لا تتوقف عليها حاجة الناس، هذه كماليات، الآن بالنسبة للرسوم التي تأخذها الحكومات على الأمور العامة تجدهم مثلاً الماء هو أرخص شيء، مع أنه يكلف أموال طائلة، والسبب في ذلك أن الناس مضطرون إليه، وأما غيره فبالتدريج، كلما زادت الحاجة إلى شيء خفت مؤنته، وهذا ملاحظ حتى في الأصل من غير إعانات، ما تقوم به حاجة الأبدان من الأصل من الله -جل وعلا- يصير أرخص شيء، سواءً كان في المأكول أو غيره، لو نظرنا إلى الأطعمة وجدنا أن من الأطعمة ما يفي بحاجة البدن ومن أرخص ما يوجد، ثم بالتدريج ترتفع الأقيام، إلى أن يصل إلى الأمور التي الإنسان ليس بحاجة إليها.(57/6)
ولو نظرنا في زادنا زاد طلاب العلم من الكتب مثلاً، تجد أرخص ما يباع في الأسواق القرآن، الناس كلهم مضطرون إليه، ثم بعد ذلك الأهم فالأهم، ثم إذا طلعنا إلى الترف، يعني كتب الأدب أغلى من كتب التفسير، كتب التاريخ أغلى من كتب الحديث، وهكذا إلى أن تطلع إلى إيش؟ الأمور التي يمكن أن يستغني طالب العلم عنها، الرحلات، هذه أغلى ما يوجد في الأسواق، الذكريات، مواد غالية جداً في الأسواق، ومع ذلك طالب العلم ليس بحاجة إليها، يعني هي كمال من باب المتعة فقط، أما الفائدة في الكتاب والسنة -والحمد لله- هذا من نعم الله -جل وعلا- أن يسر للناس ما يضطرون إليه.
ولذا ملحظ عمر -رضي الله تعالى عنه- التخفيف في الحنطة والزيت؛ لأن الناس كلهم يحتاجونها، بينما القطنيات والكماليات والأمور التي تخف الحاجة إليها يزاد في تعشيرها، وهذا تقدم قبل ورقتين أو ثلاث، نعم تقدم يقول -نعم قبل ثلاث ورقات-، وفرق هناك بينها، يقول: "قال مالك: وقد فرق عمر بن الخطاب بين القطنية والحنطة" فيما أخذ من النبط، تجار من النصارى لما قدموا المدينة، ورأى أن القطنية كلها صنف واحد، فأخذ منها العشر، وأخذ من الحنطة والزبيب، وهناك قال: الزيت، نصف العشر ترغيباً لهم للجلب إلى المدينة، وعرفنا مأخذ هذا.
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه قال: كنت غلاماً" يعني شاباً "عاملاً مع عبد الله بن عتبة بن مسعود" أخي عبد الله بن مسعود، أو ابن أخي عبد الله بن مسعود "على سوق المدينة في زمان عمر بن الخطاب فكنا نأخذ من النبط العشر" وظاهره العموم، في كل ما يباع من القطنيات والضروريات، لكن يخصص بما سبق، أو أنه يفعل هذا تارة وهذا تارة، يعني قد تكون الحنطة كثيرة في المدينة مثلاً، ثم يجلبها النبط، ولا داعي للتخفيف فيها، لوجودها ووفرتها يأخذ عليها العشر كامل، بهذا الأثر.(57/7)
يقول: "وحدثني عن مالك أنه سأل ابن شهاب على أي وجه كان يأخذ عمر بن الخطاب من النبط العشر؟ فقال ابن شهاب: كان ذلك يؤخذ منهم في الجاهلية قبل البعثة، فألزمهم ذلك عمر" باجتهاده، بمحضر الصحابة، ولم ينكر عليه أحد منهم، وبمثل هذا يستقر الحكم، الحكم اجتهاد من خليفة راشد، أمرنا بالاقتداء به، وباتباع سنته، ولم يخالفه أحداً من الصحابة -رضوان الله عليهم-، فيكون سنة، ولا يستدل بهذا أو يتمسك به على تجويز المكوس التي جاء تحريمها، وقد جاء في الزانية التي رجمت لو تابت ((لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس)) دليل على عظم الأمر في المكوس وشأنها، نعم.
باب اشتراء الصدقة والعود فيها:
حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال سمعت: عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يقول: "حملت على فرس عتيق في سبيل الله، وكان الرجل الذي هو عنده قد أضاعه، فأردت أن أشتريه منه، وظننت أنه بائعه برخص، فسألت عن ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لا تشتره، وإن أعطاكه بدرهم واحد، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه)).
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حمل على فرس في سبيل الله، فأراد أن يبتاعه فسأل عن ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لا تبتعه ولا تعد في صدقتك)).
قال يحيى: سئل مالك –رحمه الله- عن رجل تصدق بصدقة فوجدها مع غير الذي تصدق بها عليه تباع أيشتريها؟ فقال: "تركها أحب إلي".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب اشتراء الصدقة والعود فيها:
يعني ممن تُصدق بها عليه؛ لأنها مظنة أن يترك شيئاً من قيمتها لمن تصدق بها عليه؛ لأن النفوس جبلت على مثل هذا، على حب من أحسن إليها، وهذا قد أحسن إليه، فلا بد أن يترك له شيئاً من قيمتها، فيكون عائداً في هذا القدر الذي ترك له، ولذا قال: ((كالكلب يعود في قيئه))، ((العائد في صدقته كالكلب)) يقول: أنا ما عدت اشتريت، نقول: هذا القدر الذي ترك من أجلك عود في جزء منها، قد يقول قائل: خرج بها المتصدق عليه بالسوق، وسيمت في السوق، ووقفت على سعر معين وزدت عليه، هل يتصور أنه ترك لي شيئاً؟ نقول أيضاً: لا تشترِ،(57/8)
ولو دفع بثمنها، حسماً للمادة، وسداً للباب، يعني اليوم تشتري بزيادة، لكن غداً؟ وبعد غد؟ يعني إذا فتح الباب لا شك أنه يلج فيه من يتساهل في هذا الأمر؛ لأن النفس قد تتورع في أول الأمر وتحتاط، لكن بعد ذلك تتساهل، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يحسم المادة، ويقطع الطريق على من أراد التحايل في الرجوع على صدقته، طيب تصدق على طالب علم بكتاب، هذا الكتاب عنده مثله، نعم في وقت البذل ما يعرف هذا أنه عنده، وإلا في وقته يقول: هذا الكتاب لا أريده عندي مثله أعطني غيره، لكن أخذه على أساس أنه يستفيد منه، ثم بعد ذلك لما علم المتصدق أن عنده نسخة ثانية من قبل أراد أن يأخذه منه، ويعطيه غيرها ليستفيد منها، له ذلك وإلا ليس له ذلك؟ إنما يقال: بع هذا الكتاب واشترِ بقيمته كتاباً آخر، قد يتضرر ببيعه؛ لأن الجلب ما هو مثل الطلب، يعني كتاب افترض أنه بمائة ريال، إذا ذهب به إلى الكتاب المستعمل قالوا: خمسين، وهو بإمكان المتصدق الذي أعطاه إياه يأخذ ويعطيه كتاب آخر بقيمته بمائة ريال، يعني التهمة مندفعة، لكن سد الباب هو الذي جاء به الخبر.
يقول: "حدثني ... " نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
العائدُ نعم في هبته، هنا ((العائد في صدقته كالكلب)) وأيضاً النص الأعم ((العائد في هبته)) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنها جاء بها النص، النص في الصحيحين: ((العائد في هبته كالكلب)) نعم.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال سمعت: عمر بن الخطاب يقول: "حملت على فرس عتيق في سبيل الله" حملت على فرس، بعض الروايات: تصدقت بفرس، وهو بمعنى الحمل، حمل يعني أراد أن يجاهد عليه في سبيل الله ممن يحتاج إليه، فتصدق به عليه، في طبقات ابن سعد جاء تسمية الفرس بالورد، وكان هذا الفرس لتميم الداري، فأهداه للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فأعطاه النبي -عليه الصلاة والسلام- لعمر بن الخطاب، وهذا يرد قول من يقول وإن كان مستفيض عند العامة أن الهدية لا تهدى، لا يتصرف فيها الهدية، هذا الكلام ليس بصحيح، الهدية تمليك يصنع بها من ملكها ما شاء.(57/9)
"حملت على فرس عتيق في سبيل الله" والمراد في سبيل الله هنا الجهاد، لكن لو وجد طالب علم يتردد على الدروس، وقت في شمال الرياض، ووقت في جنوبه، والثالث في غربه، والرابع في شرقه، وجاء شخص تصدق بسيارة من النوع الرخيص، وقال: تحملك هذه، توديك من درس لدرس، نقول: هذا في سبيل الله؟ نعم، الاسم العام في سبيل الله، شيخ الإسلام قاس طلب العلم على الجهاد من وجوه.
المقصود أن مثل هذا في سبيل الله في مصارف الزكاة، الأكثر على أنه خاص بالجهاد، ولا يلحق به غيره، وإن رأى بعضهم أن أبواب الخير كلها في سبيل الله، لكن في أبواب .. ، مصرف من مصارف الزكاة الثمانية المراد به الجهاد في سبيل الله، في حديث: ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) هل المقصود به في سبيل الله، يعني في الجهاد؟ هكذا فهم البخاري -رحمه الله تعالى- وأدخل الحديث في كتاب الجهاد، بينما غيره يفهم أن المراد في سبيل الله يعني خالص لوجه الله؛ لأن الصيام نفعه متعدٍ، يعني الناس ويش يستفيدون من كون فلان المجاهد صائم؟ بل عدم الصيام ليتقوى على العدو أفضل من الصيام في الجهاد، النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرهم بالفطر، المقصود أن كلمة في سبيل الله تأتي بإزاء أكثر من معنى.(57/10)
"وكان الرجل" يقول ابن حجر: لم أقف على اسمه "الذي هو عنده قد أضاعه" يعني أهمله، أهمل الفرس ما قام بحقه، قد أضاعه، فحصل فيه هزال وضعف "فأراد أن يبيعه" هذا نتيجة الضياع والتضييع، يدل على أنه ليس بحاجة إليه، وإلا الإنسان إذا أحس بالحاجة إلى الشيء اهتم به، وفي النهاية أراد البيع، يقول: "فأردت أن أشتريه منه، وظننت أنه بائعه برخص" لأنه هزيل "فسألت عن ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد)) " يعني هل التنزل هنا في القيمة له مفهوم؟ يعني لو أعطاه بأقل من درهم يشتري وإلا ما يشتري؟ لو أعطاه بضعف قيمته إنما هذا مبالغة في المنع من اشترائه، وأنه لا يحل لك بحال، ((فإن العائد)) هذه العلة ((فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه)) وذكرنا وجه تسمية من اشترى الصدقة عائد؛ لأنه إذا نزلت قيمته ولو بجزء يسير صار عائداً به مقابل هذا النازل، ولا يرد على هذا أنه إذا اشتراه بقيمته يحل، قلنا: إن هذا من باب حسم المادة، وإلا فالأصل أنه إذا كان بقيمته، أو بأكثر من قيمته فإن العلة ترتفع، لكن أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يحسم المادة، واستدل به –بالحديث- على تحريم ذلك؛ لأن القيء حرام، والمشبه كالمشبه به، وهذا وجه الشبه في التحريم.
يقول القرطبي: وهذا هو الظاهر من سياق الحديث، من شراء الصدقة والعود في الهبة كله حرام؛ لأنه شبه بالحرام.
قالوا: ويحتمل أن يكون التشبيه للتنفير خاصة، لكون القيء مما يستقذر، وهو قول الأكثر، أنه لا يصل إلى درجة التحريم، وإنما للكراهة، وحينئذٍ يكون التشبيه من وجه دون وجه؛ لأن العود في القيء حرام بلا شك، لكنه مما يستقذر، فيكون شراء الصدقة مما يستقذر، وإن لم يكن حراماً، فيكون مشبهاً له من وجه دون وجه، ومر بنا مراراً أن التشبيه لا يقتضي المشابهة من كل وجه، فقد جاء تشبيه المحبوب بالمذموم في مواطن، يعني جاء تشبيه الوحي بصلصلة الجرس، هذا محمود ومحبوب، وهذا مذموم جاءت النصوص بمنعه، لكن المشابهة من وجه دون وجه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم الذي يظهر التحريم واضح، واضح إيه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(57/11)
وين اشتراها؟ بينهم اتفاق أنه يشتريها له؟ يعني قال له: اذهب فاشتر لي الكتاب الفلاني، ووجد هذه النسخة تباع، وكان هذا أهداها وكيله يعني، وكيله يقوم مقامه، وإن كانت العلة أنه ما في أدنى ارتباط بين العلة والمعلول هنا، قد يكون صاحب الكتاب الذي تصدق به عليه وضعه في الكتاب المستعمل ولا يدري من أراد الشراء، فيستوي المتصدق وغيره، ومع ذلك يقال: لا تشتره، وإن تيسر لا تشتره أنت ولا وكيلك، فهو أفضل حسماً للمادة، وسداً لهذا الباب.
إذا ورثه تصدق به على أخيه، على عمه، على ابن أخيه، المقصود أنه آل إليه بالإرث حينئذٍ لا يكره، وبعضهم قال: إذا ورثه يتصدق به؛ لأنه أخرجه لله فلا يعود إليه بأي حال من الأحوال، فيتصدق به، لكن إذا ورثه انتفت العلة، والإرث لا يشابه البيع والشراء، يعني انتقل إلى شخص ثاني، ثم انتهى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، يعني هل يتصور أن هؤلاء يتنازلون عن شيء من قيمتها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو أصل بيت المال التعامل معه يختلف عن التعامل مع الجهات الأخرى، طرداً وعكساً.
الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم على هذا الحديث بقوله: باب هل يشتري صدقته؟ ولا بأس أن يشتري صدقة غيره؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما نهى المتصدق خاصة عن الشراء، ولم ينهَ غيره، يعني هل المنع منها لأنها صدقة أو لأنها صدقة منه؟ لأن صدقة منه، فإذا تصدق على زيد من الناس وملك هذه الصدقة يتصرف بها كيفما شاء، فيبيعها على غيره.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب حمل على فرس" الأول من مسند عمر، يقول أسلم: سمعت عمر، وهو يقول: حملت، سمعت عمر بن الخطاب وهو يقول: حملت، فالخبر من مسند عمر، والثاني عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب حمل، عبد الله بن عمر هو الذي يسوق قصة، فهي من مسنده.(57/12)
"أن عمر بن الخطاب حمل على فرس في سبيل الله، فأراد أن يبتاعه -يعني يشتريه- فسأل عن ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لا تبتعه ولا تعد في صدقتك)) " في رواية البخاري، وفي ذلك كان ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- لا يترك أن يبتاع شيئاً تصدق به إلا جعله صدقة، لا يترك ابن عمر، هذا في البخاري، لا يترك أن يبتاع شيئاً تصدق به إلا جعله صدقة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا من هو؟
طالب:. . . . . . . . .
يشتريه ويتصدق به ثانية، نعم.
يقول ابن حجر: كأنه فهم أن النهي عن شراء الصدقة إنما هو لمن أراد أن يتملكها، لا لمن أراد أن يتصدق بها، يعني هو لا يحوز شيئاً لحظ نفسه بهذا التصرف، إنما تصدق بها في المرة الأولى ونال أجرها، فأراد أن يتصدق بها ثانية لينال أجرها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو العموم يدخل في مثل هذه الصورة، لكن إذا أراد أن يتصدق بها بالكلية، ما هي بنظير ما قلنا فيمن قربت عليه زكاة عرض من عروض التجارة فتصدق به بالكلية، كامل، وعموم الحديث -خبر عمر- يشمل هذا وهذا، يشمل من أراد أن يتصدق، من أراد أن يهب، من أراد أن يبيع، من أراد أن يتملك يشمل الجميع؛ لأنه يصدق عليه أنه اشترى صدقته، فعموم الحديث يشمل مثل هذا.
ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- فهم أنه إذا أراد أن يشتريها ليتملكها بخلاف ما إذا أراد أن يتصدق بها ثانية، فإذا أحسن على الأول بهذه الصدقة، ثم أحسن عليه بقيمتها، ثم أحسن على شخص ثالث بالصدقة بها مرة ثانية، هذا فهمه -رضي الله تعالى عنه-، ومن حيث المعنى معقول، لكن عموم الحديث يشمل مثل هذه الصورة.
"قال يحيى: سئل مالك عن رجل تصدق بصدقة فوجدها مع غير الذي تصدق بها عليه تباع أيشتريها؟ فقال: "تركها أحب إلي" وهذا من الورع، تركها أحب إلي؛ لأنه لا فرق بين اشترائها من نفس من تصدق بها عليه، أو من غيره في المعنى، وكل هذا حسماً للتحايل على الرجوع في الصدقة، وسداً لباب ذلك التصرف.
المقصود أن مثل هذا الباب ينبغي حسمه، ومن يتصدق بشيء أو يبيع سلعة مثلاً قد يجد في نفسه الرغبة فيها بعد ذلك، فيتمنى أن يجدها تباع فيشتريها محتاجاً لها، وقد ترتفع العلة، لكن كل هذا من باب حسم المادة.(57/13)
الكبار الأئمة مثل الإمام أحمد، ومثل مالك قد يطلقون: "أحب إلي" وهو للوجوب، ولا يعجبني قد يطلقونه على التحريم، نعم وإن كانت المسألة في استعمال أفعل التفضيل أن كلاهما محبوب، أخذها وتركها كلاهما محبوب، لكن الترك أحب، هذا في أصل الاستعمال اللغوي، لكن عندهم في اصطلاح المتقدمين لورعهم وشدة تحريهم من إطلاق لفظ الحلال والحرام نعم فيما ينتابه النظر والاجتهاد يتورعون، فيقولون: أكره كذا، لا يعجبني كذا، هذا يستعمله الإمام أحمد كثير، وأصحابه يفهمون مثل هذه الاصطلاحات، وينزلونها منازلها، نعم.
باب من تجب عليه زكاة الفطر:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يخرج زكاة الفطر عن غلمانه الذين بوادي القرى وبخيبر.
وحدثني عن مالك: أن أحسن ما سمعت فيما يجب على الرجل من زكاة الفطر أن الرجل يؤدي ذلك عن كل من يضمن نفقته، ولا بد له من أن ينفق عليه، والرجل يؤدي عن مكاتِبه ومدبره.
مكاتَبه.
أحسن الله إليك.
والرجل يؤدي عن مكاتَبه ومدبره ورقيقه، كلهم غائبهم وشاهدهم، من كان منهم مسلماً، ومن كان منهم لتجارة أو لغير تجارة، ومن لم يكن منهم مسلماً فلا زكاة عليه فيه.
قال مالك -رحمه الله تعالى- في العبد الآبق إن سيده: إن علم مكانه أو لم يعلم وكانت غيبته قريبة وهو يرجو حياته ورجعته، فإني أرى أن يزكي عنه، وإن كان إباقه قد طال ويئس منه فلا أرى أن يزكي عنه.
قال مالك -رحمه الله تعالى-: تجب زكاة الفطر على أهل البادية كما تجب على أهل القرى، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس، على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بابٌ -أو بابُ- من تجب عليه زكاة الفطر:(57/14)
وأضيفت الزكاة هذه للفطر لوجوبها به، فهي من إضافة إيش؟ المسبب لسببه، فهذه الزكاة سببها الفطر من رمضان، وهو وقت الوجوب، والفطر من رمضان يكون بغروب الشمس ليلة العيد، وبهذا قال جمع من أهل العلم، وإن كان بعضهم يرى أنها إنما تجب بطلوع الفجر من يوم العيد؛ لأن الليل ليس وقتاً للصيام، فلا تنسب إليه هذه الزكاة، أضيفت هذه الزكاة للفطر لوجوبها به، يعني أن سبب الوجوب الفطر من رمضان.
وقال ابن قتيبة: المراد بزكاة الفطر زكاة النفوس، مأخوذة من الفطرة التي هي أصل الخلقة، وهذا يقويه قول من يقول: إنها زكاة البدن، وعلى هذا أنها تجب في المكان الذي فيه البدن بخلاف زكاة المال فإن وجوبها في المكان الذي فيه المال.
كون الوجوب مرتبط بالفطر من رمضان لا بالفطرة التي هي أصل الخلقة أظهر؛ لأنه جاء في آخر الباب فرض زكاة الفطر من رمضان، وزكاة الفطر واجبة بالإجماع، فيما حكاه ابن المنذر وابن عبد البر مضعفاً قول من قال بالسنية؛ لأن الحديث: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" والفرض هو الإلزام والإيجاب، وبعضهم يرى أن الفرض التقدير، فرض يعني قدر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن هذا الاحتمال وإن كان في الأصل مقبول، يعني لأن فرض يأتي بمعنى أوجب وألزم وقدر، لكن قوله: "على الناس أو على المسلمين" هذه الصيغة صيغة وجوب، إذا قيل: عليك أن تفعل كذا، يعني يجب عليك أن تفعل كذا، فهذا يرفع الاحتمال الثاني.
في حديث عائشة: أول ما فرضت الصلاة ركعتين، الحنفية يرون أن فرضت أوجبت، فهم يرون وجوب القصر، والجمهور يقولون: فرضت يعني قدرت، والفرق بين حديث عائشة وهذا الحديث: أن هذا الحديث فيه: "على الناس" كما في قوله -جل وعلا-: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ} [(97) سورة آل عمران] فهذا لفظ وجوب، وهذا يؤيد الاحتمال الثاني.
بعضهم قال بالسنية، وقال ابن علية والأصم أن وجوبها نسخ، هي منسوخة نسخت بالزكاة، وفي هذا حديث عند النسائي عن قيس بن سعد بن عبادة قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا، ونحن نفعله.(57/15)
كونه -عليه الصلاة والسلام- بعد أن فرضت الزكاة لم يأمرهم ولم ينههم هل يدل على نسخ؟ أو يكتفى بالأمر الأول، ويبقى ساري مفعوله؟ نعم؟ هذا ليس بصريح في النسخ، هذا لو صح مع أنه ضعيف؛ لأن في إسناده رجلاً مجهولاً، ولو قدرت صحته لما دل على النسخ اكتفاءً بالأمر الأول.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يخرج زكاة الفطر عن غلمانه" أرقائه "الذين بوادي القرى" وهو موضع قريب من المدينة "وبخيبر" وخيبر بزنة جعفر، مدينة مشهورة على نحو أربعة أيام من المدينة إلى جهة الشام، كم كيلو تبعد عن المدينة؟ كم؟
طالب:. . . . . . . . .
بعض الإخوان يقدرها بأنها ضعف مسافة القصر؛ لأن مسافة القصر يومين، وهذه أربعة أيام، فيجعلها مائة وستين، لكن الواقع ما في أحد يعرف خيبر؟ معروفة، لكن ...
طالب:. . . . . . . . .
كم ميل؟
طالب:. . . . . . . . .
مائة ميل، يعني مائة وستين مائة وسبعين، الآن هم هؤلاء الأرقاء بخيبر هم بعيدون عنه، ويخرج عنهم زكاة الفطر بالمدينة، فدل على أن إخراج زكاة الفطر لا يلزم أن تكون في البلد الذي يوجد فيه الشخص، لا يوجد ما يمنع من أن تخرج في غير البلد الذي فيه الشخص، وإن كان من أهل العلم من يرى أنها ما دام زكاة بدن تتبع البدن، يخرجها في البلد الذي تغرب فيه الشمس من آخر يوم من رمضان وهو فيه.
الخلاف في وجوبها وهل هو بغروب الشمس أو بطلوع الفجر؟ ويش اللي يترتب عليه؟ لو مات قبل غروب الشمس ما تلزم، لكن لو مات بعد غروب الشمس تلزم على أي قول؟ على القول الذي يربطها بغروب الشمس، أما على من ربط وجوبها بطلوع الفجر لا تلزم حتى يطلع الفجر؛ لأنه ارتفع تكليفه، وكذا لو ولد بعد غروب الشمس تلزمه على القولين، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
تلزمه على القولين بعد الغروب.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(57/16)
أو على القول الثاني؟ إيه على القول الثاني، لكن لو ولد قبل الغروب على القولين، وزكاة الفطر إنما شرعت طهرة للصائم، وطعمة للمساكين، فكونها طهرة للصائم أخذ منها بعضهم أنها لا تلزم غير المكلف؛ لأنهم لا يصومون، لكن عموم ما سيأتي من نصوص يشمل الصغير والكبير، الذكر والأنثى، الحر والرقيق.
يقول: "وحدثني عن مالك: أن أحسن ما سمعت فيما يجب على الرجل من زكاة الفطر أن الرجل يؤدي ذلك عن كل من يضمن نفقته" ضمان وجوب؛ لأنه قال: "ولا بد له من أن ينفق عليه" يعني الذي يلزمه نفقته، لكن لو أنفق على شخص مدة شهر رمضان استحب له أن يخرج صدقة الفطر عنه، أما إذا كانت تلزمه نفقته على سبيل الوجوب لزمه أن يخرج عنه زكاة الفطر على سبيل الوجوب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الأصل أنها زكاة للبلد، وأنهم يغنوا بها عن السؤال في ذلك اليوم، في بلد البدن، هذا الأصل، لكن إذا كانت حاجتهم مرتفعة ووجد من يحتاجها أكثر من حاجتهم خارج البلد كما يقال في الزكاة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الأجير؟ بيذكرهم.
"ولا بد له من أن ينفق عليه، والرجل يؤدي عن مكاتَبه" لأنه رقيق ما بقي عليه درهم "ومدبره" أيضاً هو رقيق ما دام المدبر حياً "ورقيقه كلهم غائبهم وشاهدهم" الغائب والحاضر كما كان ابن عمر يؤدي عمن كان بخيبر "من كان منهم مسلماً" فقط؛ لأنه قال: من المسلمين "من كان منهم مسلماً، ومن كان منهم لتجارة أو لغير تجارة" ولو كان الرقيق للتجارة، وبهذا قال الجمهور، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بهذا قال الجمهور أن الرقيق يزكى عنه، سواءً كان للقنية أو للتجارة، للخدمة أو لغيرها، يزكى عنه لعموم هذه الأخبار.
وقال أبو حنيفة: لا زكاة على رقيق التجارة؛ لأن عليه فيهم الزكاة، زكاة عروض التجارة، ولا تجب في مال واحد زكاتان، هذا رأي الإمام أبي حنيفة -رحمه الله-، لكن قول الجمهور يستدل له بعموم الأحاديث.
"ومن لم يكن منهم مسلماً فلا زكاة عليه فيه" لقوله كما سيأتي: "من المسلمين".(57/17)
"قال مالك في العبد الآبق" الهارب الشارد عن سيده "إن سيده إن علم مكانه أو لم يعلم وكانت غيبته قريبة وهو يرجو حياته ورجعته فإني أرى أن يزكي عنه" وأصحابه يقولون: وجوباً؛ لأنه في حكم الموجود، ما زال ملكه عليه قائم "وإن كان إباقه قد طال ويئس منه فلا أرى أن يزكي عنه" وقال أبو حنيفة: لا زكاة على سيده فيهما، ما دام آبق كما تسقط النفقة تسقط صدقة الفطر.
يقول الشافعي: إن علم حياته زكاه وإن لم يرجُ رجعته، ما دام حي فهو في ذمته يزكيه.
وقال أحمد: إن علم مكانه -إذا عرف مكانه- إذا علم مكانه يذهب ويستلمه، يعني الغالب أن العبد الآبق الغالب أنه لا يعلم مكانه، لكن إذا علم مكانه زكاه.
"قال مالك: تجب زكاة الفطر على أهل البادية" يعني هل زكاة الفطر حق للخالق أو للمخلوق؟ النفقة حق للمخلوق، لكن هل زكاة الفطر حق للخالق أو للمخلوق؟ إذا قلنا: إنها حق للمخلوق سقطت بالإباق كالنفقة، وإذا قلنا: إنها حق للخالق لا تسقط بالإباق.
"قال مالك: تجب زكاة الفطر على أهل البادية" يعني كالحاضرة "كما تجب على أهل القرى، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرض زكاة الفطر" وعرفنا الاحتمال في فرض "فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين" فعمومه شامل لأهل البادية.
وقال الليث والزهري وربيعة: ليس على أهل البادية زكاة، إنما هي على أهل القرى، إيش وجهه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن الآن ما قلنا: إنها شرعت طهرة للصائم، وهؤلاء صاموا، طعمة للمساكين، عندهم أنه ما دام في البادية يتصور أنه في بعض الأحوال أنه ما عنده أحد، فمن يتصدق بها عليه ليغنيه في هذا اليوم؟ ويلزم على ذلك تكليفه بنقلها إلى بلد ولو بعد، لو أوجبناها عليه وألزمناه بها لكلفناه أن يوصلها إلى مستحقها، ليستغني بها عن الناس في ذلك اليوم الذي هو يوم العيد، ولكن عموم الحديث شامل للحاضرة والبادية، نعم؟
باب مكيلة زكاة الفطر:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين.(57/18)
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري أنه سمع أبا سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- يقول: "كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب، وذلك بصاع النبي -صلى الله عليه وسلم-".
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان لا يخرج في زكاة الفطر إلا التمر، إلا مرة واحدة فإنه أخرج شعيراً.
قال مالك –رحمه الله-: والكفارات كلها، وزكاة الفطر، وزكاة العشور كل ذلك بالمد الأصغر، مد النبي -صلى الله عليه وسلم-، إلا الظهار فإن الكفارة فيه بمد هشام، وهو المد الأعظم.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب مكيلة زكاة الفطر:
يعني ما تكال به زكاة الفطر، النبي -عليه الصلاة والسلام- فرضها صاعاً، والناس في العصور المتأخرة بعد إلغاء المكاييل يخرجونها بالوزن، وبعضهم يخرجها بالجزاف، ولا شك أن كيلها أمام النساء والذرية وإحياء هذه السنة لا شك أنه أفضل، وإن كان يجزم بأنه أخرج القدر الواجب عليه، أو أكثر بالكيل أو بالجزاف بالكيس يعد مثلاً من في البيت يقول: اثنا عشر ثلاثة عشر كم يلزمهم؟ يلزمهم كذا، إذاً نطلع كيس وننتهي، بدل ما نجيب صاع وندي صاع، وبعضهم يعيش أولاده يكلفون وهم ما رأوا زكاة الفطر، ولا رأوا أضحية، ولا رأوا شعيرة من الشعائر، هذا خلاف الأصل، كما أن النافلة شرعت في البيوت، وصلاة النافلة في البيت أفضل من أجل أن ينشأ الناشئة على رؤية الأعمال الصالحة، والشعائر الظاهرة، مثل هذا لو الإنسان يتخذ له صاع في بيته، وأطلع عليه النساء والذرية، لا شك أن هذا يربط هؤلاء الناس بدينهم، مظهر من المظاهر الشرعية، كثير من بيوت المسلمين ما يعرف أن هناك زكاة فطر، ما رأى شيء، مجرد ما تجي ليلة العيد يوكل أحد يشتري له كيس ويطلعه، خلاف الأصل، فكيلها بالصاع النبوي هو الأصل، وإطلاع النساء والذراري عليها أيضاً من باب ربط الناس بشعائرهم.(57/19)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعاً من تمر" صاعاً من تمر، تمييز أو مفعول ثاني لفرض "أو صاعاً من شعير على كل حر أو عبد، صغيراً كان أو كبيراً، ذكراًَ كان أو أنثى من المسلمين" "فرض" عند الجمهور زكاة الفطر واجبة أو فرض؛ لأنه لا فرق عندهم بين الفرض والواجب، والحنفية يقولون: هي واجبة وليست بفرض؛ لأنهم يفرقون بين الفرض والواجب، ومع ذلكم الصحابي قال: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فاصطلاحهم مخالف لما جاء عن الصحابي، يعني الصحابي يقول: فرض، والحنفية يقولون: ليست بفرض إنها واجبة؛ لأنها ثبتت بدليل ظني عندهم، وهذا مجرد اصطلاح لكن لو كان الاصطلاح موافق لما جاء في النصوص لا شك أنه أولى.
"فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على كل حر أو عبد" الفرض على الحر كما أن الفرض على العبد، الفرض على الكبير، الفرض على الصغير، الفرض على الذكر، الفرض على الأنثى، وظاهر هذا وجوبها على من ذكر، يعني أنها تجب على العبد، تجب على المرأة، تجب على الصغير، هذا الأصل في قوله: "فرضها على كل حر أو عبد، ذكراً كان أو أنثى" فيجب على المرأة، سواءً كانت ذات زوج أو ليست بذات زوج، فالوجوب متجه إليها، وبهذا قال أبو حنيفة، وقال مالك والشافعي وأحمد: إنها تجب على الزوج؛ لأنها كما تقدم أنها مرتبطة بإيش؟ بالنفقة.
"أو عبد" وظاهر ذلك أن العبد يخرجها عن نفسه، وبه قال داود، والجمهور أنها على سيده كالمرأة.
"من المسلمين" لم تختلف الرواة عن مالك في هذه الزيادة، تكلم فيها بعض الحفاظ، لكنها زيادة ثابتة، كل الرواة عن مالك أثبتوها، إلا قتيبة بن سعيد فرواها عن مالك بدونها.(57/20)
قال: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: "كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب وذلك بصاع النبي -صلى الله عليه وسلم-" وظاهر الحديث أن ما ذكر على جهة التفصيل لا يدخل في الإجمال، يعني صاع من شعير الشعير غير الطعام، صاع من تمر التمر غير الطعام، صاعاً من أقط الأقط غير الطعام، والزبيب غير الطعام، إذاً الطعام ما هو؟ محمول عندهم في المدينة على أنه الحنطة، وليكن في أيامنا الرز مثلاً، فهذا يدل على أن ما ذكر مغاير للطعام، وهي تخرج من غالب قوت البلد، والفقهاء لهم تفاصيل، وبعضهم يقف عند النص فلا يجيزها من غير ما ذكر، والمسألة قابلة للاجتهاد ما دام النص العام المطلق موجود "صاعاً من طعام" فكونه يطعم، وهو من طعام البلد، ومن قوت البلد يدخل في قوله: "صاعاً من طعام" وقد يكون غير المذكورات أنفع للناس من هذه المذكورات، والمقصود اغنائهم في ذلك اليوم، بيت فيه مجموعة من الفقراء تعطيهم شعير، الناس لا يعطون الشعير هذه الأيام، تغنيهم عن الناس في هذا اليوم؟ لا شك أن غيره مما يؤكل أكمل، وإن أجزأ الشعير.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يخرج في زكاة الفطر إلا التمر، إلا مرة واحدة فإنه أخرج شعيراً" لا شك أن التمر أفضل.(57/21)
في البخاري: "كان ابن عمر يعطي التمر، فأعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيراً" يعني إنما عدل عن التمر إلى الشعير للعوز والحاجة، ففيه دليل على أن التمر أفضل من الشعير، فقال بعضهم: إنه أفضل ما يخرج في صدقة الفطر؛ لأنه هو الذي كان يعطيه على زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والخلاف بين العلماء في التمر أو البر أيهما أفضل؟ لكن المرجح عند كثير من أهل العلم البر، ولذلك لما جاءت سمراء الشام عدلوا نصف الصاع منها بصاع من غيرها مما نص عليه في الحديث، وهذا تقدير معاوية -رضي الله عنه- بينما أبو سعيد ومن معه من الصحابة استمروا على إخراج الصاع الكامل، وليس في النصوص ما يدل على نصف الصاع إلا القياس، ورأوا أن نصف صاع من هذه السمراء يعادل صاع من غيرها.
"قال مالك: والكفارات كلها" كفارة يمين، كفارة تأخير الصيام، كفارات أخرى "كلها، ومثلها زكاة الفطر، وزكاة العشور" التي تقدم ذكرها "كل ذلك بالمد الأصغر" المد يقدر بملأ يد -كف- الإنسان المعتدل، ملأ الكفين بالنسبة للإنسان المعتدل، والصاع أربعة أمداد، ويقرب الصاع في الوزن من كيلوين ونصف "مد النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا الظهار" فإنه بالمد الأعظم الأكبر، وهذا من باب التغليظ؛ لأن الظهار منكر من القول وزور، فينبغي أن يغلظ على صحابه.
"قال مالك: والكفارات كلها، وزكاة الفطر، وزكاة العشور كل ذلك بالمد الأصغر، مد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا الظهار" وعرفنا أن هذا تغليظ بالنسبة للظهار؛ لأنه منكر من القول وزور، قال: "فإن الكفارة فيه بمد هشام" بن إسماعيل بن الوليد بن المغيرة عامل المدينة لعبد الملك بن مروان "وهو المد الأعظم" يعني يعادل مد وثلث من مد النبي -عليه الصلاة والسلام-، على كل حال المسألة قريبة، لكن إذا أرجعنا المسألة إلى كف الإنسان المعتدل قد تصل إلى كيلوين ونصف، فلا نصل إلى الثلاثة كما هو المعمول به، الثلاثة كثيرة، ومن أخرج ثلاثة لا شك أنه خير -إن شاء الله-، لكن الإلزام! ما يلزم بثلاثة، الثلاثة كثيرة، نعم.
باب وقت إرسال زكاة الفطر:(57/22)
حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تُجمع عنده قبل الفطر بيوم أو ثلاثة.
بيومين.
بيومين أو ثلاثة.
وحدثني عن مالك أنه رأى أهل العلم يستحبون أن يخرجوا زكاة الفطر إذا طلع الفجر من يوم الفطر، قبل أن يغدوا إلى المصلى.
قال مالك -رحمه الله-: وذلك واسع -إن شاء الله- أن تؤدى قبل الغدو من يوم الفطر وبعده.
نعم يقول: المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب وقت إرسال زكاة الفطر:
يعني وقت الإخراج، إخراج زكاة الفطر، عرفنا أنها إنما تجب وتلزم بغروب الشمس ليلة الفطر، وفي قول أحمد وإسحاق والشافعي في الجديد، ومالك في رواية، ومنهم من يقول: إنها تجب بطلوع الفجر على ما تقدم ذكره من يوم العيد، وهو قول أبي حنيفة والشافعي في القديم، والرواية الثانية عن مالك.
تجب في هذا أو هذا، هذا وقت الوجوب، وسبب الوجوب الصيام، في وقت وجوب، وفي سبب وجوب، والقاعدة: أنه إذا كان للعبادة وقت وجوب وسبب وجوب أنه لا يجوز فعلها قبلهما اتفاقاً، يعني ما يجوز في شعبان تخرج صدقة الفطر، ولو كنت ممن يقول بجواز تعجيل الزكاة؛ لأنها قبل الوقت والسبب، كما أنه لا يجوز لك أن تقدم الكفارة، كفارة اليمين على انعقاد اليمين، أنا والله عندي عيش كثير أبا أكيله، عشرة مساكين، وعشرة مساكين، وعشرة مساكين، إلى أن يبلغ عشر كفارات؛ لأن الشيء متوفر اليوم، ما أدري ويش تجي لنا الدنيا به، خلينا كلما حلفت مطلع الكفارة، هذا قبل سبب الوجوب، سبب الوجوب انعقاد اليمين، ووقت الوجوب الحنث، لكن بعد الوقت يجوز اتفاقاً، وبينهما محل الخلاف، يعني انعقدت اليمين تكفر قبل أن تحنث وإلا ما تكفر؟ جاء في الحديث الصحيح: ((لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني ثم أتيت الذي هو خير)) وهذا يدل على الجواز، الرواية الأخرى: ((إلا كفرت عن يميني، ثم أتيت الذي هو خير)) والمسألة معروفة، من راجع قواعد ابن رجب لهذه القاعدة وجد لها فروع كثيرة، ومنها ما معنا، فهل يجوز إخراج الزكاة قبل وقت الوجوب، قبل غروب الشمس؟ الصحابة يخرجونها قبل ليلة العيد، قبل العيد بيوم أو يومين، وهنا قال: ثلاثة أيضاً.(57/23)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده" وهو من نصبه الإمام لقبضها، كانت الزكاة مجموعة، وكان الموكل بحفظها من؟ أبو هريرة، وقصته مع الشيطان معروفة، المقصود أنها تخرج قبل العيد بيوم أو يومين أو ثلاثة؛ ليتسنى توزيعها، فإذا سلمت لشخص يتولى قبضها وتوزيعها، هذا إذا عجز الإنسان عن إيصالها بنفسه إلى المحتاج، بيومين أو ثلاثة، لجواز تقديمها قبل وقت الوجوب بهذا القدر، وقد كانوا يفعلونه، الصحابة -رضوان الله عليهم- يفعلون هذا.
طالب:. . . . . . . . .
وكلاء عن من؟
طالب:. . . . . . . . .
وكلاء عن الدافع وإلا عن الآخذ؟ على كل حال إذا كانوا نواب عن الفقراء وقبضوها في وقتها برئت ذمة الدافع، أما إذا كانوا نواب عن الأغنياء فلا بد أن تؤدى في وقتها للفقير.
"وحدثني عن مالك أنه رأى أهل العلم يستحبون أن يخرجوا زكاة الفطر إذا طلع الفجر من يوم الفطر، قبل أن يغدوا إلى المصلى" هذا أفضل ما تدفع فيه الزكاة، الوقت الذي، هذا أفضل شيء، وهو خارج إلى الصلاة يدفعها، وبهذا قال مالك والأئمة، لقوله جل وعلا: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [(14 - 15) سورة الأعلى] تزكى يعني دفع زكاة الفطر {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} وهذا في صلاة العيد، عيد الفطر، وأما بالنسبة لعيد النحر ففيه {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر].
"قال مالك: وذلك واسع" يعني جائز "إن شاء الله تعالى أن تؤدى قبل الغدو من يوم الفطر وبعده" وبعد الغدو إلى الصلاة، يعني في يوم العيد، قبل الصلاة وبعدها، يعني إذا غدا إلى المصلى، وإذا رجع من المصلى، فيوم العيد كله وقت للأداء، هذا على كلام الإمام "وذلك واسع -إن شاء الله تعالى- أن تؤدى قبل الغدو من يوم الفطر وبعده" أي بعده وهو غدوه إلى صلاة العيد، والعود منها، فيجوز تأخيرها إلى غروب شمس ذلك اليوم -يوم العيد-، وحرم بعد ذلك، ويجب قضاؤها فلا تسقط.(57/24)
هذا توضيح لكلام الإمام -رحمه الله تعالى-، في المقنع لابن قدامة يقول: الأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة، وتجوز في سائر اليوم، فإن أخرجها عنه، يعني أخرها عنه، فإن أخرها عنه أثم، وعليه القضاء، وفي حاشية الشيخ سليمان بن عبد الله قوله: قبل الصلاة؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام- في حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: ((فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)) يعني الأسلوب النبوي هذا يدل على التوسعة وإلا على التضييق؟ على التضييق، وأنه يختلف الحكم، حكم ما قبل الصلاة عن حكم ما بعد الصلاة، ولو قيل: بأنها بعد الصلاة قضاء وليست أداء كان له وجه، نعم.
أحسن الله إليك.
باب من لا تجب عليه زكاة الفطر:
حدثني يحيى عن مالك: ليس على الرجل في عبيد عبيده، ولا في أجيره، ولا في رقيق امرأته زكاة إلا من كان منهم يخدمه، ولا بد له منه فتجب عليه، وليس عليه زكاة في أحد من رقيقه الكافر ما لم يسلم لتجارة كانوا أو لغير تجارة.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب من لا تجب عليه زكاة الفطر:
"حدثني يحيى عن مالك: ليس على الرجل في عبيد عبيده زكاة" لأنه لا يمونهم إذ نفقتهم على سيدهم، يتصور هذا الكلام؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أقول: هل الكلام متصور وإلا لا؟ عند الجمهور لا يتصور، لكن عند مالك يتصور؛ لأنه عند مالك العبد يملك بالتمليك، فإذا ملك بالتمليك يشتري عبد، لكن عند الجمهور لا يملك بالتمليك، فعبيد عبيده عبيد له، فعند مالك يتصور هذا الكلام؛ لأن العبد يملك بالتمليك، فإذا ملك يشترى عبيد فليس على السيد الأول -سيد السيد- ليس عليه زكاة الفطر، إنما هي على السيد المباشر الذي هو من وجه سيد، ومن وجه عبد، وعرفنا أنه عند الجمهور مثل هذا الكلام لا يتصور.(57/25)
"ولا في أجيره" عندك عامل يشتغل، سواق وإلا خادم، وإلا .. ، "ولا في رقيق امرأته" يعني تجب عليه زكاة الفطر بالنسبة لامرأته لكن في رقيقها؟ زكاة الفطر بالنسبة له على سيدته، فتؤدي هي عنه "إلا من كان منهم يخدمه" يعني الغنم مع الغرم، كيف نوجب عليه الزكاة وهو يخدم غيره؟! فإذا كان يخدمه يخدم هذا السيد -هذا الزوج- لوجبت عليه زكاة الفطر بالنسبة له.
قال: "ولا بد له منه، فتجب عليه زكاة الفطر" في مقابل الخدمة "وليس عليه زكاة في أحد من رقيقه الكافر" لأنه تقدم أنها مفروضة على المسلمين "ما لم يسلم" أي حال كفره لا تجب بالنسبة له صدقة الفطر وسواءً كان "لتجارة أو لغير تجارة" لقوله -عليه الصلاة والسلام- في الحديث السابق: ((من المسلمين)) والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(57/26)
الموطأ - كتاب الصيام (1)
باب رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين، يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله-:
كتاب الصيام: باب ما جاء في رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر رمضان فقال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)).
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)).
وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر رمضان، فقال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن الهلال رؤي في زمان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بعشي، فلم يفطر عثمان، حتى أمسى، وغابت الشمس، قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: "في الذي يرى هلال رمضان وحده أنه يصوم، لا ينبغي له أن يفطر، وهو يعلم أن ذلك اليوم من رمضان" قال: "ومن رأى هلال شوال وحده فإنه لا يفطر؛ لأن الناس يتهمون على أن يفطر منهم من ليس مأموناً، ويقول أولئك إذا ظهر عليهم: قد رأينا الهلال، ومن رأى هلال شوال نهاراً فلا يفطر ويتم صيام يومه ذلك، فإنما هو هلال الليلة التي تأتي.
قال يحيى: وسمعت مالكاً يقول: "إذا صام الناس يوم الفطر، وهم يظنون أنه من رمضان، فجاءهم ثبت أن هلال رمضان قد رؤي قبل أن يصوموا بيوم، وأن يومهم ذلك أحد وثلاثون، فإنهم يفطرون في ذلك اليوم أية ساعة جاءهم الخبر، غير أنهم لا يصلون صلاة العيد، إن كان ذلك جاءهم بعد زوال الشمس".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(58/1)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الصيام:
البسملة هذه يثبتها كثير من رواة الموطأ، وهي موجودة في غيره من كتب السنة، بجميع كتب صحيح البخاري عند جل الرواة تثبت البسملة أحياناً قبل الترجمة، قبل كتاب الصيام، وأحياناً بعدها، وأحياناً يقول: كتاب كذا بسم الله الرحمن الرحيم باب كذا، وأحياناً يقول: بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الصيام مثلاً، ولكل منهما وجه، أما البداءة بها فعلاً قبل الكتاب فهذا هو الأصل، هذا هو الأصل من أن التسمية قبل الكلام، ومن جعل التسمية بعد الترجمة قال: إن الترجمة كتاب الصيام مثلاً بمنزلة اسم السورة في القرآن، واسم السورة مقدم على البسملة، وعلى كل حال هذه أمور غير مؤثرة، يعني تذكر مقدمة أو مؤخرة، هذا غير مؤثر، وكتاب الصيام، الكتاب مضى التعريف به في مواضع متعددة؛ لأن كتاب الصيام الكتاب الثامن عشر من كتب الموطأ، وهو ماشي على ترتيب حديث ابن عمر: ((بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج)) هو ماش على هذا الترتيب، كما هو مخرج في صحيح مسلم، بتقديم الصيام على الحج، قال رجل لابن عمر كما في الصحيح: "الحج وصوم رمضان" قال: "لا صيام رمضان والحج"، أنكر على هذا المستدرك، مع أنه مخرج عن ابن عمر في الصحيحين بتقديم الحج على الصيام، وعلى هذا بنى البخاري ترتيب كتابه، وقدم المناسك على الصيام، والجمهور على تقديم الصيام على الحج، وهناك ترتيب غريب في سنن أبي داود، غريب جداً بدأ بالطهارة، ثم الصلاة، ثم الزكاة، ثم الرابع اللقطة، والخامس: المناسك، السادس: النكاح، السابع: الطلاق، الثامن: الصيام، لا اعتمد رواية ابن عمر لا هذه ولا هذه، وعلى كل حال يوجد في بعض روايات سنن أبي داود تقديم بعض الكتب على بعض؛ لكن الآن المتداول على هذا الترتيب.
حقيقة الذي يهمنا تقديم الصيام على الحج أو الحج على الصيام البخاري بنى ترتيب كتابه على الرواية المتفق عليها من حديث ابن عمر بتقديم الحج على الصوم.(58/2)
ولا شك أن جاء في شأن الحج من تعظيم أمره ما لا يوجد نظيره في الصيام مثلاً في قوله -جل وعلا-: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} بعد ذلك قال: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [(97) سورة آل عمران] ترك الحج أمره عظيم، وشأنه خطير، ولذا كتب عمر -رضي الله عنه- كتب إلى عماله: أن انظروا من كان ذا جده فلم يحج فاضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين، فشأن الحج عظيم، ولهذا قدمه الإمام البخاري على الصوم معتمداً على الرواية التي خرجها من حديث ابن عمر.
أما مسلم وغيره من الأئمة قدموا الصيام على الحج، وهذا عليه عمل الجمهور، عليه عمل الأكثر، والمسألة مسألة اجتهاد، وكل منهم اعتمد على رواية في الصحيح؛ لكن ماذا عن إنكار ابن عمر على من استدرك عليه، لما روى الحديث في صحيح مسلم بتقديم الصيام على الحج، قال رجل: "الحج وصوم رمضان؟ " قال: "صوم رمضان والحج"، كيف يرد ابن عمر -رضي الله عنهما- على هذه الرجل مع أنه ثابت عنه بتقديم الحج على الصوم؟ ولو قيل: بأن رواية تقديم الحج على الصيام أرجح من رواية تقديم الصيام على الحج ما بعد، لماذا؟ لأنها في الصحيحين، أما تقديم الصيام على الحج فهي من مفردات مسلم.(58/3)
على كل حال رد ابن عمر على هذا الذي استدرك عليه، العلماء، بينوا السبب، لماذا رد؟ فممن تكلم في هذه المسألة النووي، وقال: "الذي يظهر أن ابن عمر يروي الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على الوجهين، وهذه الجمل معطوفة بالواو، والواو لا تقتضي الترتيب، فسواء قدم الصوم أو قدم الحج هو رواه مرة كذا ومرة كذا، عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلما رواه على الوجه الثاني واستدرك عليه من استدرك أراد أن يؤدبه، فقال له: لا، لا تنكر ما لا علم لك به، وهذا قد يحتاج إليه المعلم بتربية من يجرؤ على الرد من الطلاب، لا سيما في مقابل الكبار من الشيوخ؛ لأن تجد من بعض طلاب العلم من السهل عليه جداً أن يسمع الشيخ يتكلم في مسألة -ولو كان من الكبار- فيقول: لا يا شيخ، لا يا شيخ فلان يقول: كذا، هذا أدب؟ أحياناً يأتي يسأل يستفتي هذا الشيخ، فإذا أجابه قال: لا يا شيخ الشيخ فلان يقول: كذا، هل هذا من الأدب؟ مثل هذا يحتاج إلى من يؤدبه، مثل هذا لا يرد ما لا علم له به، وإن كان ما ذكره له وجه يصح؛ لكن هذا في باب التربية، تربية الطلاب على الأسلوب المناسب للتعامل مع الكبار، فطالب العلم عليه أن يسلك الأسلوب المقبول، سواءً كان مع زملائه وأقرانه فضلاً عن شيوخه وعلمائه، هذا الاحتمال الذي أبداه النووي.(58/4)
الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- يرى أن سبب الإنكار أن هذا هو الثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بتقديم الصيام على الحج، طيب الرواية التي في الصحيحين من حديث ابن عمر بتقديم الصيام على الحج، ماذا يقول عنها ابن حجر؟ يقول: "رواه الراوي بالمعنى" الراوي روى هذه بالمعنى، من أجوبة النووي وهذا يلحق بكلامه السابق، النووي يقول: "يحتمل أن ابن عمر يروي الحديث على الوجهين، فلما رواه في هذا المجلس على تقديم الصوم على الحج، واستدرك عليه المستدرك نسي ابن عمر الوجه الثاني، وقال له: لا" نسي، ولذا يقول ابن حجر: "إسقاط النسيان والوهم بالتابعي الذي هو حنظلة الذي يروي عن ابن عمر أولى من إسقاط الوهم والنسيان بالصحابي" بدليل أن البخاري خرج الحديث أيضاً بتقديم الحج على الزكاة، هل يستطيع أن يقول النووي -رحمه الله-: أن ابن عمر رواه على ثلاثة أوجه؟ لا، هذا فيه بعد، وعلى كل حال ما ذكره النووي له وجه، لا سيما وأن الرواية بتقديم الحج على الصوم من المتفق عليه، وكون الخبر مخرج في الصحيحين من وجوه الترجيح على ما تفرد به أحدهما، وعلى كل حال الخطب سهل، يعني إذا قدمنا الصيام أو قدمنا الحج الأمر سهل ولكل وجه.
والصيام أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، ركن بالاتفاق من جحد وجوبه كفر اتفاقاً، ومن اعترف بوجوبه وتركه من غير جحد لوجوبه جماهير أهل العلم على أنه لا يكفر، وفي رواية عن الإمام أحمد نصرها جمع من المالكية أن تارك أحد الأركان يكفر بما في ذلك الأركان العملية الصلاة والصيام والزكاة والحج، يكفر، لأنه إيش معنى كون الشيء ركن؟ كون الشيء ركن إيش معناه؟ إن هدم ركن خلاص هدم البناء، نعم ينهدم البناء، لكن عامة أهل العلم على أنه لا يكفر، أما لم يأت بالشهادتين فهذا لم يدخل في الدين أصلاً، وتارك الصلاة حكمه معروف، كفره جمع من أهل العلم، وهذا الذي تدل عليه النصوص، ونقل اتفاق الصحابة عليه، أما بقية الأركان فعامة أهل العلم على عدم كفر من ترك واحد منها.
الصيام وجوبه بالكتاب والسنة والإجماع:(58/5)
أما الكتاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] في الآية إشارة إلى أعظم حكم الصيام، أعظم حكم الصيام وهو أنه يورث التقوى، والمراد بالصيام المورث للتقوى: الصيام الذي يؤدى على الوجه المشروع، وهو الصيام المكفر، في الحديث: ((رمضان إلى رمضان)) هذا المراد به هذا الصيام الذي يؤتى به على الوجه المشروع، الذي لا يخالطه مخالفة ((من لم يدع قول الزور، والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) يعني شخص يصوم بالنهار، وينام عن الصلوات، هذا إيش الفائدة من صيامه؟ أو يقوم ليؤدي الصلوات في وقت، ثم يرجع ويتفرغ بالليل لأذية المسلمين، مثل هذا أورثه التقوى؟ هذا ما ترتبت آثاره عليه؛ لكن في الجملة صحيح ومسقط للطلب، لا يؤمر بقضائه ولا إعادته، يبقى أننا نظر مع الصحة والإجزاء الآثار الشرعية المرتبة على العبادة، نأتي بصيام يورث لنا التقوى، ونأتي بصلاة تنهانا عن الفحشاء والمنكر، ولا يمكن أن نأتي بعمل تترتب عليه آثاره إلا إذا جئنا به على الوجه المشروع.
الصيام فرض في السنة الثانية من الهجرة، وصام النبي -عليه الصلاة والسلام- تسعة رمضانات، فيه فوائد متعلقة بالدين، وتربية للنفس، وتزكية لها، فيه أيضاً: مظهر من مظاهر عدل الله -جل وعلا- بين عباده ليتذكره الخلق فيعدلوا بين من ولاهم الله أمره، فوجه العدل في الصيام أنه يجب على الغني والفقير، يجب على الأمير والحقير، على الملوك وعلى السوقة، ما أحد يعفى من الصيام، وهو قادر عليه، فهذا من عدل الله -جل وعلا-.(58/6)
فيه أيضاً فوائد صحية: خلو المعدة من الأطعمة المتراكمة والدهون والشحوم، لا شك أنه مفيد صحياً، ولذا ينصح كثير من المرضى بأنواع من المرض بالحمية، وهذا نوع منها، فإذا صام الإنسان تخلص من كثير من الفضلات، والمراد بذلك مثل ما ذكرنا، الصيام الذي تترتب عليه آثاره، قد لا تترتب الآثار ولا الصحية الدنيوية، على بعض أنواع الصيام، الشخص إذا ملأ بطنه في السحور من أنواع الأطعمة، ثم نام إلى الظهر هذا كم يحرق من طعامه ما نسبته كم؟ ما يحرق شيء، ثم بعد ذلك الظهر يمكن ينام بعد، أو يواصل، كما في صيام كثير من أهل التفريط والغفلة، مثل هذا لا تترتب عليه آثار لا الدينية ولا الدنيوية، صيام كما يعبر الناس بأسلوبهم اليوم أجوف، والله المستعان.
يقول: باب ما جاء في رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر رمضان فقال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)).
نعم هذه الوسيلة الشرعية لإثبات دخول الشرع وخروجه، الأمر بالصيام معلق برؤية الهلال، والأمر بالفطر كذلك ((لا تصوموا حتى تروا الهلال)) والخطاب يتجه إلى الأمة جميعها أو مجموعها؟ يقال: يتجه إلى المجموع أو للجميع؟ إيش الفرق بينهما؟
طالب:. . . . . . . . .(58/7)
لكن الآن يتجه الخطاب إلى الأمة بمجموعها أو بجميعها؟ يتجه إلى الجميع أو يتجه إلى مجموع الأمة، إذا قلنا: يتجه إلى الجميع، هو يتجه إلى المجموع، لو قلنا: يتجه إلى الجميع، لقلنا: لا يصوم أحد حتى يرى الهلال، في شخص بعينه، وإذا قلنا: الخطاب متجه إلى المجموع، قلنا: تصوم الأمة بمجموعها إذا ثبت رؤيته من قبل من يثبت الهلال برؤيته على الخلاف بين أهل العلم هل يثبت بواحد أو باثنين؟ على ما سيأتي، فهو خطاب لمجموع الأمة، وهل هو خطاب لمجموعها الشامل بمعنى أنه يلزم الأمة من مشرقها إلى مغربها، إذا رآه من يثبت دخول الشهر برؤيته، أو أنه بالنسبة لمن تشمله هذه الرؤية؟ وهي مسألة اختلاف المطالع أو اتفاق المطالع، يعني هل المطالع متفقة أو مختلفة؟ يعني الآن عرفنا أنه لا يمكن أن يتجه إلى كل فرد فرد من جميع الأمة؛ لكن هل يتجه إلى مجموع الأمة بجميع أقطارها وأقاليمها، أو أن أهل كل قطر يمكن أن يتجه لهم الخطاب على حده، باعتبار أن الهلال قد يخرج في بلد، ويطلع ويرى، ولا يرى في بلد آخر، وهل معنى عدم رؤيته في البلد الآخر أو الإقليم الآخر أنه لم يطلع فعلاً أو لم ير وإن كان طالعاً؟ لأنه رؤي في بلد آخر، هذه المسألة الآن هي مسألة اتفاق المطالع أو اختلاف المطالع، فإذا رؤي في الشام هل يلزم أهل هذه البلاد الصيام؟ أو لا يلزم؟ أو إذا رؤي في المشرق هل يلزم أهل المغرب أو العكس؟
طالب:. . . . . . . . .
على الخلاف المعروف المشهور، يعني الأكثر على أنه إذا رؤي الهلال في بلد من بلدان المسلمين لزم الناس كلهم الصوم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا الكلام الذي قلناه، المسألة مشقة، العميان يتجه إليهم؟ ضعيف البصير يتجه إليه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، هو متجه لمجموع الأمة، هو متجه إلى مجموع الأمة، يستحيل أن يتجه إلى الجميع، يستحيل استحالة عقلية وشرعية أن يتجه إلى الجميع.
طالب:. . . . . . . . .
بلا شك، معروف.(58/8)
أقول: مسألة الاتحاد والاختلاف في المطالع مثل هذا النص لا شك أنه يحتمل ما دام ليس متجه إلى الجميع، بل إلى من يثبت الحكم بشهادته، فالمأمورون بصيام رمضان إذا رؤي من قبل من يثبت الشهر بشهادته، فالمسألة التي أشرنا إليها مسألة المطالع واختلافها، فيها مثل هذا الحديث الشامل الذي يتناول الأمة بكاملها، وفيها حديث ابن عباس في صحيح مسلم لما جاء كريب من الشام، وقد صام الناس في الشام قبل أهل المدينة بيوم، فقال كريب لمعاوية: الناس صاموا فأكملنا الثلاثين فلنفطر، فقال ابن عباس: "لا، لا نفطر حتى نراه، هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فهل معنى هذا أن ابن عباس يرى أن مطلع الشام غير مطلع المدينة؟ هذا هو الظاهر من النص، أن ابن عباس يرى أن مطلع الشام غير مطلع المدينة، هذا هو المتبادر من النص، وبه يستدل أهل العلم على اختلاف المطالع، حتى رأى بعضهم أنه نص في المسألة، وهو مقدم على هذه العمومات؛ لكن الذي يقول باتحاد المطالع ماذا يقول؟ يقول: أن ابن عباس -رضي الله عنهما- بقوله: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذاً من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) يعني ما في نص خاص مرفوع يدل على اتحاد المطالع، إلا كلام ابن عباس، وكلام ابن عباس يحتمل أنه سمع من النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر خاص يدل على اختلاف المطالع، والاحتمال الثاني: أنه استند إلى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) فعلى هذا تتحد النصوص.(58/9)
ولذا يتسامح كثير من أهل العلم ويرون أنه لا مانع من أن يفتى ويلزم الناس بالصيام على اتحاد المطالع، على أنه يلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب والعكس؛ لأن النصوص محتملة، يعني عندنا في مسألة اختلاف المطالع حديث ابن عباس، وهو في صحيح مسلم، ويقول: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بعضهم يرى أن هذا الحديث نص في اختلاف المطالع، وأن أهل الشام لهم رؤيتهم، وأهل المدينة لهم رؤيتهم، وهكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيرى هذا نص في اختلال المطالع، ومنهم من يقول: أن ابن عباس وإن كان يفهم من كلامه هو القول باختلاف المطالع؛ لكن قوله: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، استناداً إلى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) الذي يستدل به غيره على اتحاد المطالع ((صوموا لرؤيته)) ويكون حينئذ هذا اجتهاد منه.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو لما أنكر على كريب رؤية معاوية والناس، وأن هذه تخصهم، وأننا لن نفطر مع معاوية ولا مع الناس، لن لنا رؤية خاصة، يعني تصرف ابن عباس واضح في أنه يدل على اختلاف المطالع ..
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ لأن معاوية لا بد أن يفطر هذا اليوم؛ لأنه ما أكمل ثلاثين يوماً، ابن عباس يقول: ما نفطر.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، هو الاحتمال أن ابن عباس سمع نص خاص يدل على اختلاف المطالع، احتمال؛ لأنه لم يفطر برؤية معاوية من أجل رؤية معاوية؛ لأنه على ضوء رؤية معاوية يكون أهل المدينة كملوا ثلاثين يوم، كملوا ثلاثين يوم، ما افطروا، فتصرفه هذا قطعاً يدل على اختلاف المطالع؛ لكن قوله: "هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هل سمع نصاً خاصاً من النبي -عليه الصلاة والسلام- يدل على اختلاف المطالع؟ نقول: هذا هو المظنون به، وهو الظاهر؛ لكن من أهل العلم من يرى لكي تتحد النصوص أنه استند لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) واحنا ما رأيناه.(58/10)
على كل حال من الشيوخ الذي ما هم من المقلدة، من أهل الأثر والنظر أيضاً من يرى أن المسألة فيها سعة، أن الإمام إذا رأى إلزام الناس كلهم برؤية شخص واحد سواءً كان في المشرق أو في المغرب فإن له ذلك وعموم هذه النصوص تشمله، والأمة بتاريخها السابق ما وجد عندها مشكلة على مر العصور بين الأقاليم والأقطار الإسلامية، لا على القول بالاتحاد، ولا على القول بالاختلاف؛ لكن إشكالنا الآن في هذه الحدود السياسية، يعني مع هذه الحدود السياسية هي التي أوجدت إشكالات، فمثلاً أقصى هذه البلاد مثلاً التي تبعد عن موطن الرؤية ألف كيلو مثلاً، وتقرب من البلد الثاني الذي يختلف معه في المطلع من الشام مثلاً بعشرات كيلوات مثلاً، يقول: يصومون تبع الشام، تبوك مثلاً وعرعر، والجهات الشمالية يصومون تبع الشام أو تبع نجد، أو تبع نجران.
طالب:. . . . . . . . .
الحدود السياسية أوجدت إشكالات، والذي يجعل الأمة تتفاوت في مثل هذا حقيقةً بعض البلدان لا نتكلم عن بلد بعينه، وسائلهم لإثبات دخول الأشهر قد لا يقتنع بها الآخرون، يعني أدخلوا وسائل حديثة، وبعضهم اعتمد على حساب، وبعضهم تنكب عن الوسائل الشرعية، فكيف مثلاً يلزم الناس برؤيتهم؟ حتى على القول باتحاد المطالع؟
طالب:. . . . . . . . .
رؤي الهلال في صعدة –مثلاً- أهل الطوال يصومون مع صعدة وإلا مع الرياض؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، هناك بعض البلدان متحدة؛ لكن يبقى أن عموم المسألة مشكلة في الحدود؛ لأنه أحياناً تقرب من البلد الثاني الذي يختلف معه في المطلع.
وعلى كل حال إذا صام الناس على رؤية شرعية مبنية على رؤية ثقة أو ثقات، وأمرهم الإمام، وألزمهم به، واجتمعت كلمتهم على ذلك فهم على خير قطعاً، ولا نشك في هذا، ولنا وسائلنا الشرعية المعتبرة، ولا زلنا -والحمد لله- بخير، ويترقب الهلال، ويؤمر بترقبه، سواءً حصل فعلاً وجد، أو لم ير وقد وجد، يعني عندنا وسائلنا التي كلفنا بها شرعاً، يعني سلكنا الوسائل الشرعية، فنتائجنا -بإذن الله- شرعية.(58/11)
أفترض أن الناس تراؤا الهلال، ما رأوا الهلال، وهو بالفعل موجود طالع الهلال؛ لكن بوسائلهم الله -جل وعلا- لا يكلف نفساً إلا ما آتاها، ما رأوا الهلال، ثم بعد ذلك ليلة تسعة وعشرين رؤي الهلال، إحنا أخطأنا؟ ما أخطأنا، سلكنا الوسائل الشرعية التي أمرنا بها شرعاً، كوننا أصبنا أو أخطأنا أبداً لا إشكال في هذا، وليس في هذا أدنى إشكال، ولله الحمد.
يعني أفترض مثل ما قوله في الحديث الصحيح: ((إنما أنا بشر)) وهو مؤيد بالوحي ((إنما أحكم على نحو ما أسمع)) يحكم بوسائل شرعية، أخطأت هذه الوسائل الشرعية النتيجة صحيحة، من حيث الحكم صحيحة؛ لكن يبقى أنه لو عرف المحكوم له أن وسيلته التي أثبت بها الحق ليست شرعية، عرف ما يخفى على القاضي مثلاً، جاء بشهادة زور، ووثق الشهود عند القاضي، ليس له أكثر من هذا، النتيجة صارت غير صحيحة؛ لأن الوسيلة غير صحيحة؛ لكن يبقى أن الحكم صحيح؛ لأن الوسائل شرعية، فيتناوله الوعيد ((فإنما أحكم له بقطعة من نار، فليأخذها أو ليدعها)) يبقى أن القاضي لا إشكال عنده، ولا إثم عليه إلا إذا فرط، ويبقى أن الثاني -المحكوم عليه- عليه أن يرضى ويسلم، وأن المحكوم له بشهادة غير صحيحة، يتفق الله، عليه أن يتقي الله -جل وعلا-، وخوطب بنصوص خاصة، ويبقى أن الوسائل صحيحة، والنتائج تخرج صحيحة ظاهراً، أما الباطن هو الذي يتولاه الله -جل وعلا-، فنحن مأمورون بما ركب فينا.
والمراد بالرؤية رؤية العين المجردة، لسنا بمطالبين أن نوجد مراصد ولا درابيل ولا غيرها؛ لكن لو وجدت هذه الأمور، ورؤي من خلالها ما نقول: أن هذه ما هي برؤية، هي رؤية، رؤية عين لكنها عين بواسطة، لا يمكن أن توجد هذه المراصد والهلال ما هو موجود، إنما هي زيادة احتياط، وإلا فالأصل أننا لا نكلف غير العين المجردة، كوننا نحتاط ونزداد من الاحتياط في هذا الباب وندعو المراصد والدرابيل هذا لا بأس به، لكن مع عدمها لا يترتب حكم العدم، فالمسألة مفترضة مع عدم هذه الوسائل.
طالب:. . . . . . . . .(58/12)
لا، حتى الرؤية بالآلة، بالجهاز إيش المانع؛ لكنها لو عدم ما نقول: أن هناك رؤية ندور معها حيثما دارت وجدت ما وجدت ما علينا منها، يعني مثل الآن بإمكانك مع الابتعاد تقرأ في الكتاب تتعب قليلاً، شيئاً لا تشوفوه لست مكلفاً بقراءته؛. . . . . . . . . ولا يجب عليك أن تشتري نظارة، لكن إذا اشتريت وقرأت تريد الخير تؤجر على هذا -إن شاء الله-.
طالب:. . . . . . . . .
هذا الأصل، والآن لو كانت الأمة يحكمها حاكم واحد، ويلزم الناس جميعاً له ذلك؛ لكن باعتبار وجود هذه الحدود، وهذه الدول المختلفة في وسائلها وفي طرائقها، وفي أيضاً الناس أيضاً يتفاوتون العدل في البلاد الفلاني ليس بعدل في هذه البلاد، والعدل في هذه البلاد قد لا يروى في تلك البلاد؛ لأن العدالة مبناها على ملازمة التقوى والمروءة، المروءة تختلف من بلد إلى بلد، أنا لا أقبله في البلد الفلاني؛ لأنه لم يلاحظ المروءة عندي أنا مثلاً، دعنا من مسألة العدالة، العدالة شيء متفق عليه؛ لكن يبقى أن هناك أمور ما تخفى على الناس، أمور في وسائلها، ما تحتاج إلى مزيد بسطها.
طالب:. . . . . . . . .
ما أحد يلزمك، ما في أحد يلزم، لا سلطان له عليك كيف يلزمك؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن افترض أنت في بلد ما، والبلد الثاني الذين رأوا الهلال بوسائلهم التي تختلف عن وسائلك.
طالب:. . . . . . . . .
أنا أقول: أن وجود الحدود، هذه الحدود التي فصلت بين بلاد المسلمين ترى أوجدت مشكلة في هذه المسألة وفي كثير من المسائل، أنت افترض هذه البلدة في آخر هذا البلد، وقريبة من البلد الآخر، صام البلد الآخر تصوم هذه تبعهم أو ما تصوم، الذي ما بينها وبينهم إلا عشرة كيلو أو تصوم تبع بلد بينهم ألفين كيلو؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني أنا قلت: لك أن الحدود أوجدت مشكلة، وعلى كل حال إذا صام أهل بلد تبعاً لولي أمرهم الشرعي وألزمهم بذلك، وقد التزم بذلك بناءً على رؤية من يثبت دخول الشهر برؤيته انتهى الإشكال.
طالب:. . . . . . . . .
ما يمكن وفي ولي أمر يلزمهم إلزام، المسألة مفترضة في بلد مسلم في ولي أمر مسلم، يعني ممكن أنا تقول مثل هذا في الأقليات، في الجاليات في بلاد الكفر.(58/13)
طالب:. . . . . . . . .
يختلف معهم المطلع أو ما يختلف؟ إذا اختلف لا تصوم إلا مع بلدك.
طالب:. . . . . . . . .
((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه)) فالصيام والإفطار مرتبط بالرؤية ((فإن غم عليكم فاقدروا له)) غم عليكم يعني ليلة الثلاثين من شعبان في غيم أو غبار أو قتر، ولم يتمكن من تصدى للرؤية من الرؤية، لوجود ما يحول دون رؤيته، يصوم الناس أو ما يصومون؟ ((فإن غم عليكم فاقدروا له)) الراوي ابن عمر يفسر قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((فاقدروا له)) أي ضيقوا عليه، ضيقوا على إيش؟ على شعبان وإلا على رمضان؟ على شعبان، يعني اجعلوه تسعة وعشرين وصوموا، وهو راوي الحديث، وهو المعتمد عند الحنابلة أن مثل هذا اليوم يصام، "فإن حال دونه غيم أو قتر فظاهر المذهب يجب صومه" وفي رواية أخرى في المذهب: "يجوز صومه" والرواية الثالثة وهي الصحيحة أنه هو يوم الشك، الذي من صامه فقد عصى أبا القاسم.
هذا التفسير ((فاقدروا له)) يعني ضيقوا عليه، هذا قول، ومنهم من قال: تفسر هذه الرواية بما جاء بدلها في الصحيح ((فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) وفي رواية: ((فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)) نص، وإذا أنضاف إلى هذا النص قول عمار: "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-"، فلا يجوز صيام يوم الشك.
هناك تأويل ثالث ذهب إليه بعضهم وهو قول مهجور، قالوا: معناه: فاقدروا له بحساب المنازل، قاله أبو العباس بن سريج من الشافعية، ويروى عن مطرف بن عبد الله من سادات التابعين معروف، وابن قتيبة قال ابن عبد البر: لا يصح عن مطرف، وأما ابن قتيبة فليس ممن يعول عليه في مثل هذا، يبقى ابن سريج من الشافعية، ويكون قول له.(58/14)
على كل حال هذا قول مهجور، التعويل على الحساب قول مهجور، بل نقل بعضهم الإجماع، شيخ الإسلام حكى الإجماع على عدم التعويل على الحساب، وأنه لا قيمة له، بل الصوم والفطر معلق بالرؤيا بالنصوص الصحيحة الصريحة القطعية ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) ((لا تصوموا حتى تروا الهلال)) ولا دعوى لنا بحساب ولا غيره، بعضهم يلبس ويقول: أننا نعتمد الحساب في أوقات الصلوات، وهي أهم ولا نعتمد الحساب في الصوم، يقول: التقويم الآن نعتمده وهو حساب، بينما الصيام ما نعتمده وهو دون الصلاة؟ هذه شبهة يوردها بعضهم؛ لكن في الأمور المطردة، الأمور المنضبطة في الحساب يعتمد عليها، الأسبوع سبعة أيام وإيش المانع من أن نقول: اليوم السبت، وغداً الأحد؟ اليوم والليلة أربعة وعشرين ساعة، وكل ساعة ستين دقيقة منضبطة، وثبت بالاطراد والحساب، حساب دخول الأوقات مبني على رصد للشمس، الشمس منازلها لا تختلف، بينما منازل القمر تختلف لماذا؟ لأنه شهر تسعة وعشرين، وشهر ثلاثين، يعني لو كانت الأشهر كلها ثلاثين، أو كلها تسعة وعشرين قلنا: لا مانع من الحساب؛ لأنه ما يختلف، لن تختلف الرؤية عن الحساب؛ لأن هذه أمور مطردة أما شهر تسعة وعشرين، وشهر ثلاثين، وشهر تسعة وعشرين وهكذا، لا بد من التفاوت بين الحساب وبين ظهور الهلال وعدم ظهوره، بخلاف ما يقسم إليه اليوم والليلة وبخلاف ما يقسم عليه الأسبوع؛ لأن هذا مطرد.
يقول: وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الشهر تسع وعشرون)) هذا بناءً على الغالب، الغالب أن الأشهر تسعة وعشرون يوم ((الشهر تسعة وعشرون، فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)) في البخاري: ((فأكملوا العدة ثلاثين)) وستأتي.(58/15)
وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر رمضان فقال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) هذه نصوص بأنه إذا لم يتمكن من رؤية الهلال لما يحول دون رؤيته أن شعبان يكمل ثلاثين، افترض أن الناس كملوا شعبان ثلاثين ثم ليلة تسعة وعشرين من رمضان رؤي الهلال، تبين أن يوم الشك -يوم الغيم- من رمضان؛ لكن يأثمون الناس لماذا لم يصوموا ونقص شهرهم؟ لا ما يأثموا، وسائلهم شرعية، وداروا حيثما وجهوا، ولا إشكال.
هذا الحديث منقطع؛ لأن فيه واسطة بين ثور بن زيد الديلي وعبد الله بن عباس يريه أبو داود والترمذي والنسائي من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس، فالراوي عن ابن عباس عكرمة، يرويه أيضاً روح ابن عبادة عن مالك، يعني بهذا الإسناد عن مالك عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس، فالواسطة بين ثور بن زيد الديلي وعبد الله بن عباس هو عكرمة.
زعم بعضهم أن مالكاً أسقط عكرمة عمداً، لما فيه من الكلام، سعيد بن المسيب وغيره تكلموا في عكرمة، وقال بعضهم: أنه يرى رأي الخوارج، وإن لم يثبت عنه؛ لكن الكلام في عكرمة معروف عند أهل العلم، والإمام مالك -رحمه الله- من أشد الناس احتياطاً في هذا الباب، فزعم بعضهم أن مالكاً أسقط عكرمة عمداً للكلام المذكور فيه، ولا يصح ذلك لماذا؟ لأن مالك خرج لعكرمة باسمه بالتنصيص، يعني لو شفنا في كتاب المناسك هنا يقول: باب من أصاب أهله قبل أن يفيض: وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة مولى ابن عباس قال: لا أظنه إلا عن عبد الله بن عباس، يعني صرح باسمه، والبخاري احتج بعكرمة، الإمام البخاري احتج بعكرمة، فحذفه على طريقة الإمام مالك في مسألة القطع والبلاغات والمراسيل، هذه الإمام مالك -رحمه الله- لا يرى فيها إشكال، وكثير مر بنا من مثل هذا، تجده مرسل عن مالك وموصول في الصحيحين، فعلى كل حال مالك روى عن عكرمة وخرج له وصرح باسمه، فلا وجه لمن قال أن الإمام مالك أسقطه عمداً.
وفي البخاري احتجاجاً عكرمة ... مع ابن مرزوق وغير ترجمة
فمثل هؤلاء يخرج لهم في الصحيح، وخرج لهم الإمام مالك.(58/16)
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يمكن.
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . إذا شهد من يثبت الحكم بشهادته ولد الهلال، ولو قال الحساب: أنه ما ولد، ما علينا منهم؛ لأنه عندنا وسائل شرعية نبني عليها سواءً طابقت الواقع أو لم تتطابق، عندنا وسائلنا الشرعية.
طالب:. . . . . . . . .
الرائي قد يتوهم؛ لكن ما عندك إلا أن تحكم بالوسائل التي أمرت بها، يعني كونها طابقت الواقع أو لم تتطابق فهذا ليس لديك، إذا جاءك من ترضى دينه، وهو ثقة عدل في نفسه إيش المانع؟ وسيأتي مثلاً قبول شهادة ...
طالب:. . . . . . . . .
من الذي قال: ما ولد؟ الحاسب، لا تلتفت إلى حسابه يا أخي، عندنا وسائل شرعية، نثبت من خلالها الدخول والخروج، وليس لنا أدنى التفات إلى غير وسائلنا الشرعية، الآن تفترض شهد اثنين، وهم كلهم عدول ثقات وجاءوا بمزكين، وانتهى الإشكال في قضية ما، وعندك أنت قرائن، وعندك مثلاً أدلة جنائية، وعندك وسائل جاءتنا من غيرنا، مثلاً كلاب أثبتت أن هذا عنده كذا، وشهد الشهود الثقات أنه ما عنده كذا، نقول: أن هذه وسائل ما تخلف، الكلاب مجربة وممرنة، لا، لا، يا أخي.
طالب:. . . . . . . . .
وإيش هو الذي ينقضه؟ حساب، وإيش يدريك أنه ما ولد، عندك نص أنه ما ولد، أو قال الحساب: أنه ما ولد، يا أخي أنت أحلت على الحُسّاب وإلا أحلت على الشاهد شرعاً؟ أحلت على أيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا نطعن في الشاهد، نطعن به في دينه نعم، عندنا وسائل الإثبات، إثبات العدالة، ونفي العدالة شرعية عندنا، وكل أمورنا مبنية على هذا، كون الشهادة خالفت الواقع ما خالفت، عندنا وسائل شرعية.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
رأى شهره، والحمد لله ثقة عدل، وتحمل المسئولية، الله يقويه.
طالب:. . . . . . . . .
لأنه مظنة للرد يا أخي، لا لأن الأصل الرد، مظنة للرد عمره مائة وثلاث سنين، ردوا شهادته ليش ما يردونه؟ يا أخي ما يشوف الحائط كيف بالهلال؟ ليس طعناً به، كل شيء موجود ما هو بشيء حدث.
طالب:. . . . . . . . .(58/17)
لا، لا، عندنا ((نحن أمة أمية، لا نقرأ ولا نحسب، الشهر هكذا)) هذه وسائلنا الشرعية، ليش نتعداها؟ لماذا نتعداها؟
طالب:. . . . . . . . .
والله يا أخي الأمية لو بقيت كان خيراً كبير من تعلم العلوم التي يدرسها كثير من المسلمين، وما تغيرت الفطر إلا بسبب دخول كثير من العلوم على المسلمين، الأمية ما هي بصيغة ذم مطلقاً، يعني العيش خلف أذناب البقر كما يقول الإمام الذهبي خير من كثير من العلوم التي ترى، نبينا أشرف الخلق أمي، أشرف مخلوق على الإطلاق بدون استثناء أمي ..
طالب:. . . . . . . . .
لو قلنا: باتحاد المطالع الآن مشكلة، الآن باعتبار اختلاف البلدان في كثير من الأمور بلدان المسلمين لا يحكمها حاكم واحد يستطيع أن يلزم الأمة من شرقها إلى غربها، يعني إلزامه بحدود ولايته، وما عدى ذلك لا يستطيع أن يلزم، فيبقى أنه إذا ثبت عنده دخول الهلال يستطيع أن يلزم من تحت ولايته.
طالب:. . . . . . . . .
رؤي الهلال في هذه البلاء، وفي مصر ما رؤي الهلال هل لمصري أن يقول: أنا أتبع الحرمين ولا أتبع بلدي؟ الصوم متى؟ والفطر متى؟ والحج متى؟ خلي الاتحاد واجتماع الكلمة رحمة، وهدف ومقصد من مقاصد الشرع، يأتي في كلام مالك شيء يدل على هذا -رحمه الله-، يقول: وحدثني عن مالك أنه بلغه أن الهلال رؤي في زمن عثمان بن عفان بعشي، يعني بعد الزوال، فلم يفطر عثمان حتى أمسى وغابت الشمس
يعني هلال إيش؟ هلال الدخول وإلا هلال الخروج؟ هلال الخروج، فلم يفطر عثمان حتى أمسى وغابت الشمس، يعني إذا رؤي الهلال بعد الزوال فهو لليلة القادمة عند الجميع؛ لكن إذا رؤي قبل الزوال فالأكثر على أنه لليلة القادمة أيضاً، يعني إذا رؤي بعد طلوع الشمس انتهت الليلة الماضية بأحكامها، الكلام على الليلة القادمة.
يقول الثوري وأبو يوسف: "هو لليلة الماضية إذا رؤي قبل الزوال".(58/18)
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: في الذي يرى هلال رمضان وحده، رأى هلال رمضان متأكد ما عنده أدنى شك؛ لكن ردت شهادته، رأى هلال رمضان وحده فرأى الناس الهلال رآه شخص ذهب ليدلي بشهادته ما قبل ردت شهادته، وهو ما عنده شك أن رمضان دخل، يصوم أو يفطر؟ هل يصوم باعتبار أنه ((صوموا لرؤيته)) وقد رآه؟ {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة] وقد شهد، أو نقول: مادام ردت شهادته والناس ما صاموا، والصوم يوم يصوم الناس؟ يقول الإمام مالك: يصوم وجوباً، ولا ينبغي أي لا يجوز له أن يفطر، وهو يعلم أن ذلك اليوم من رمضان، ما في مبرر للصيام، يعني هو رأى الهلال قامت عليه، خلاص دخل الشهر، إن أفطره صار مفطراً في يوم من رمضان من غير عذر، وهذا قول الأكثر، للأدلة السابقة ((صوموا لرؤيته)) ((لا تصوموا حتى تروه)) الغاية وجدت إذاً يوجد المغيا؛ لأنه يصدق عليه أنه رأى، فاتجه الخطاب إليه بالصيام، وقال عطاء والحسن وشريك وإسحاق: لا يصوم حتى يحكم الإمام بأنه من رمضان، يعني حتى يقبل شهادته الإمام، ويحكم بأنه من رمضان، ويلزم الناس بالصيام لماذا؟ لأنه إذا ردت شهادته، ولم يقم به غيره لماذا لا يتهم نفسه أنه لم ير الهلال فعلاً؟ هذه وجهة نظر من يقول: أنه لا يصوم، والصوم مع الناس.
قال: ومن رأى هلال شوال وحده، الآن إذا رأى هلال رمضان وحده يصوم، إذا رأى هلال شوال وحده يقول: فإنه لا يفطر لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
يقول: لا يفطر، لماذا؟ حفظاً لعرضه، أو لا يتهم، أو نقول: أن المسألة مسألة حكم شرعي، والدخول يثبت بشهادة واحد، والخروج لا بد من اثنين، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال سيأتي هذا كله.(58/19)
يقول: فإنه لا يفطر؛ لأن الناس يتهمون على أن يفطر منهم من ليس مأموناً، يعني من أهل الفسق، ويقول: أولئك إذا ظهر عليهم: قد رأينا الهلال، لئلا يكون ذريعة إلى غيره، والغالب أن الذي ترد شهادته؛ لكن المسألة في خروج الشهر، في رؤية هلال شوال، ثقة من ثقات الناس رأى الهلال، وقال: رأيته، وقالوا: والله من معك ثاني، ما جاء أحد ترد شهادته، وتصوم الناس، إذاً لا بد أن تصوم لئلا تتهم، وتفتح باب لغيرك، بحيث كل من أراد أن يفطر في آخر الشهر يقول: والله أنا رأيت الهلال.
ويقول: أولئك إذا ظهر عليهم: قد رأينا الهلال، فمنع سداً للذريعة، وبه قال أبو حنيفة وأحمد وغيرهما، وقال الشافعي: يفطر وإن خالف، وإن خاف التهمة لم يفطر.
مالك ألزمه بالصيام لئلا يتهم، طيب، إذا ارتفعت منزلته عن التهمة، يشهد بعدالته وتحريه وحرصه الجميع، وممن يصوم يوماً ويفطر يوم، مثل هذا يتهم بأن يفرط في يوم من رمضان، ارتفعت حاله عن التهمة، ما عاد سيتهمه يفطر وإلا ما يفطر؟ على كلام الإمام الشافعي يفطر؛ لكن على كلام غيره لا يفطر، يفطر مع الناس.
طالب:. . . . . . . . .
الإمام الشافعي يقول: إذا خاف التهمة يفطر اعتقاداً، يعني يعتقد أنه مفطر؛ لكن لا يأكل لئلا يتهم.
ومن رأى هلال شوال نهاراً في الضحى، قبل الزوال، ومن رأى هلال شوال نهاراً فلا يفطر، ويتم صوم يومه ذلك، فإنما هو هلال الليلة التي تأتي اتفاقاً فيما بعد الزوال، وعند الأكثر فيما قبل الزوال، على ما تقدم.
قال يحيى: وسمعت مالكاً يقول: "إذا صام الناس يوم الفطر وهم يظنون أنه من رمضان فجاءهم ثبت -يعني ثقة- أن هلال رمضان قد رؤي قبل أن يصوموا بيوم، وأن يومهم ذلك أحد وثلاثون فإنهم يفطرون في ذلك اليوم".
سمعت مالكاً يقول: "إذا صام الناس يوم الفطر -يعني يوم العيد- وهم يظنون أنه من رمضان"، ما رؤي الهلال ليلة العيد، "وهم يظنون أنه من رمضان فجاءهم ثبت -يعني ثقة- أن هلال رمضان قد رؤي قبل أن يصوموا بيوم وأن يومهم ذلك أحد وثلاثون فإنهم يفطرون في ذلك اليوم أية ساعة جاءهم الخبر" الآن هذا الثبت يشهد بدخول الشهر أو بخروجه؟
طالب:. . . . . . . . .(58/20)
لا ما يقبل بخروجه، هو يشهد بدخوله، وانبنى على قبول شهادته بدخوله خروجه؛ لكن لو شهد بالخروج مباشرة ما قبل، يقول: أنا أشهد أن رمضان دخل ليلة الخميس، ترى إحنا ما صمنا يوم الخميس، يعني لو جاءنا في وقتها وشهد نقبل شهادته، جاء وتأخر، هذا رأى الهلال يوم الأربعاء ليلة الخميس، والمسافة بينه وبين البلد الذي فيه الإمام شهر، الإمام ما تتصور مسألة بدون هذه الوسائل التي بلحظة يبلغ الآفاق الخبر، قد يقول قائل: لماذا ينتظر إلى ليلة العيد؟ نقول: ما وصل إلى المكان الذي فيه الإمام إلا بعد شهر، تعب، يمشي شهر كامل متصورة يعني قبل هذه الأزمان، فجاء يشهد بدخول الشهر، وعلى ضوء قبول شهادته بدخول الشهر أخرجنا نحن ما خرج بشهادته، أنما نحن أخرجنا الشهر؛ لأنه الشهر ما يمكن أن يكون واحد وثلاثين، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ لأنه لو جاء يشهد أن الشهر طلع ما قبلنا شهادته وحده؛ لكن هو يشهد في ظرف تقبل فيه شهادة الواحد.
طالب:. . . . . . . . .
افترض شخص جاء من نجران إلى مكة بدون وسيلة ..
طالب:. . . . . . . . .
أين؟ وكلام ابن عباس هل هو مبني على نص خاص أو على ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته))؟ نأتي إلى المسألة السابقة.
طالب:. . . . . . . . .
لكن نفترض أننا على الترجيح السابق، الآن ما يمكن أن يمشي الشخص شهر؟ هذا الشخص ما عنده وسيلة وبطيء في المشي ثقيل بنصف المسافة التي يقطعها من الشام. . . . . . . . . الشام، أخذ شهر يمشي.
طالب:. . . . . . . . .
ما في مرأة قطعت ثلاثمائة كيلو بسبعة أشهر، فالناس يتفاوتون في السرعة بعض الناس، يقطع في اليوم ما لا يقطعه غيره في أسبوع، وبعض الناس يحتاج إلى مدة، أنت افترض هذا الشخص بطيء، ومع اتحاد المطلع، دعنا من اختلاف المطالع، ما وصل إلا ليلة العيد، وقال: أنا رأيت الهلال ليلة الخميس، وأنتم ما صمتم إلا يوم الجمعة، إيش يقول مالك؟(58/21)
وسمعت مالكاً يقول: "إذا صام الناس يوم الفطر، وهم يظنون أنه من رمضان فجاءهم ثبت أن هلال رمضان قد رؤي قبل أن يصوموا بيوم" هو رآه يوم الخميس، وإحنا ما صمنا إلا يوم الجمعة، وأن يومهم ذلك أحد وثلاثون، فإنهم يفطرون في ذلك اليوم؛ لأنه يوم العيد قطعاً، ما يمكن يصير الشهر واحد وثلاثين، لا بد أن يكون هذا يوم العيد، إحنا ما قبلنا شهادته في خروج الشهر، إنما قبلنا شهادته في دخوله، وبناءً على هذا الدخول الذي قبلناه، وسيلة شرعية ما في إشكال، بناء على هذه أخرجنا الشهر؛ لأنه لا يمكن أن يكون واحد وثلاثين، لكن هل نقضي ذلك اليوم أو ما نقضيه؟
هل نقول: والله ما شفناه وخلاص، والرسول يقول: ((صوموا لرؤيته)) وما رأيناه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، المطلع متفق مع هذا الشخص الذي جاء.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه؛ لكنهم فرطوا في يوم داخل من الشهر.
طالب:. . . . . . . . .
جاءنا من يشهد بأن يوم الخميس من رمضان، والأصل أن شهادته مقبولة، نصوم وإلا ما نصوم؟ نقضي هذا اليوم وإلا ما نقضيه؟ يقول: فإنهم يفطرون في ذلك اليوم أية ساعة جاءهم الخبر، غير أنهم لا يصلون صلاة العيد، إن كان ذلك جاءهم بعد زوال الشمس"، لأنه بزوال الشمس ينتهي وقت صلاة العيد، وهل تقضى من الغد وإلا ما تقضى؟ يعني يصلون العيد من الغد أو لا يصلون؟ المالكية: لا تقضى، عند المالكية لا تقضى لئلا تشبه بالفرائض، وعند الحنابلة: تقضى، يصلون من الغد في وقتها، وعند أبي حنيفة والشافعي قولان كالمذهبين.
على كل حال المسألة التي ذكرناها هل نقضي صيام ذلك اليوم الذي ثبت أنه من رمضان بشهادة الثبت الثقة أنه من رمضان؟ يعني لو جاءنا ليلة ثلاثين مثلاً وإحنا ما صمنا إلا ثمان وعشرين، وجاء ليلة واحد وثلاثين وقد صمنا تسعة وعشرين، فرطنا في اليوم الأول، يعني لو جاءنا ليلة تسعة وعشرين وما صمنا إلا ثمان وعشرين قضينا قطعاًَ؛ لكن لو جاءنا ليلة واحد وثلاثين وإحنا مفرطين من اليوم الأول على ضوء شهادته فالذي يظهر القضاء، ما دام قبلنا شهادته نرتب عليها الأثر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(58/22)
الموطأ - كتاب الصيام (2)
باب ما جاء في الصيام في السفر
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين، يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في الصيام في السفر:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان، فصام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر فأفطر الناس، وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر، وقال: ((تقووا لعدوكم)) وصام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال أبو بكر: قال الذي حدثني: "لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعرج يصب الماء على رأسه من العطش، أو من الحر، ثم قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله إن طائفة من الناس قد صاموا حين صمت، قال: فلما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالكديد دعا بقدح فشرب، فأفطر الناس".
وحدثني عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: "سافرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم".
وحدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن حمزة بن عمرو الأسلمي -رضي الله عنه- قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله إني رجل أصوم أفأصوم في السفر؟ فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن شئت فصم وإن شئت فأفطر)).
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان لا يصوم في السفر.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه "أنه كان يسافر في رمضان، ونسافر معه فيصوم عروة، ونفطر نحن، فلا يأمرنا بالصيام".(59/1)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في الصيام في السفر:
يعني في حكمه، ودلت أحاديث الباب على جواز الصيام في السفر، وجاءت أحاديث أخرى تدل على كراهته والأمر بالفطر، وجاء ما هو أشد من ذلك من وصف من تابع الصيام بالعصيان، حيث قال -عليه الصلاة والسلام- في حق بعضهم: ((أولئك العصاة)).
فصام النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصام أصحابه معه، وثبت عنه أنه أفطر في السفر، صام وأفطر، وكان الصحابة يسافرون معه -عليه الصلاة والسلام- فمنهم الصائم، ومنهم المفطر، لا يعيب هذا على هذا ولا هذا على هذا، وبهذا أخذ جمهور أهل العلم على أن الصوم في السفر صحيح ومجزئ ومسقط للطلب، وأنه إذا كان لا يشق على المسافر فهو أفضل من الفطر؛ لأنه ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، ويشمله قوله -جل وعلا-: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} [(184) سورة البقرة] أما من شق عليه الصيام فالفطر في حقه أفضل، وإن زادت المشقة عصى بصيامه، فالمسألة تتبع المشقة.
من أهل العلم من يرى أن الصيام في السفر لا يصح، وليس من البر، والصائم في السفر ((أولئك العصاة)) يعني نظروا إلى بعض النصوص دون بعض {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة] هذا يقول بعض أهل الظاهر أن الصيام في السفر لا يجزئ؛ لأن الواجب عليه عدة، صام أو لم يصم، عليه القضاء، فدل على أنه لا يجزئ الصيام في السفر، وعامة أهل العلم يقدرون: من كان منكم مريضاً أو على سفر فأفطر فالواجب عدة، يقدرون (فأفطر) لكي تلتئم النصوص وتجتمع.
يقول -رحمه الله تعالى-: حدثني يحيى عن مالك عن الإمام الجليل محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء المشهورين عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-، وهذا من مراسيل الصحابة؛ لأن ابن عباس لم يشهد القصة؛ لأنه كان مقيماً مع أبويه في مكة، ولم يكن معهم حال السفر، ومراسيل الصحابة معروفة أنها على حكم الاتصال، ونقل عليه الاتفاق، وإن خالف من خالف كأبي إسحاق الإسفرائيني.(59/2)
أما الذي أرسله الصحابي ... فحكمه الوصل على الصوابِ
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج لعشر خلون من رمضان، سنة ثمان عام الفتح خرج إلى مكة في رمضان لعشر خلون منه فصام حتى بلغ الكديد، قال البخاري بعد رواية الحديث: قال أبو عبد الله: الكديد ماء بين عُسْفان وقديد، جاء في رواية صحيحة: حتى إذا بلغ عسفان، وفي مسلم فلما بلغ كراع الغميم، وهي قصة واحدة، فالذي عندنا الكديد، وجاء في رواية صحيحة عسفان، وجاء في أخرى وهي صحيحة أيضاً كراع الغميم.
يقول القاضي عياض: "اختلفت الروايات في الموضع الذي أفطر فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-، والكل في قصة واحدة، وكلها متقاربة، المواضع الثلاثة: الكديد، كراع الغميم، وعسفان، كلها متقاربة، والجميع من عمل عسفان، يعني كلها تابعة لعسفان، فمن قال: أفطر بعسفان نظر إلى المعنى الأعم الأشمل، الموضع الأعم الأشمل، ومن ذكر الكديد، أو كراع الغميم فلتقاربهما، ولعل بعضهم أفطر في الكديد، وبعضهم أفطر في كراع الغميم، وبعضهم استمر إلى أن وصل الثاني، المقصود أنها متقاربة فلا اختلاف.
فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر، أفطر النبي -عليه الصلاة والسلام- لأنه بلغه أن بعض الناس شق عليه الصيام، فأفطر -عليه الصلاة والسلام- دفعاً للحرج والمشقة على أصحابه؛ لأنه لو لم يفطر لن يفطر من معه، ولو شق عليهم الصيام؛ لأنهم لا يسهل عليهم مخالفة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو مع المشقة، لما عرف من حرصهم على الخير، وعدم تساهلهم في أمور دينهم.
فأفطر فأفطر الناس، منهم من استمر على صيامه مع وجود المشقة، ومع رؤيته للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو يفطر وهو يشرب، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أخبر عنهم قال: ((أولئك العصاة)) لأن الدين دين رحمة {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحج]، وهذه رخصة من الله -جل وعلا-، فعلى المسلم أن يقبل هذه الرخصة، لا سيما إذا شقت عليه العزيمة.(59/3)
يقول الزهري: وكانوا -يعني الصحابة- يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ظاهر السياق يدل على أن الزهري يرى أن الصيام في السفر منسوخ؛ لكنه لم يوافق على ذلك، والقاعدة صحيحة يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند التعارض، وعدم إمكان الجمع، فيأخذون بالأحدث فيعدونه ناسخاً لما قبله عند التعارض وعدم إمكان الجمع، أما إذا أمكن الجمع بالقول الذي أسلفناه فإنه لا يلجئ إلى النسخ؛ لأنه إبطال كلي للحكم، رفع كلي للحكم، نعم قد يحمل على حالة خاصة، فالتخصيص رفع جزئي، وهو أخف من القول بالنسخ.
يقول القاضي عياض: "إنما يكون ناسخاً إذا لم يمكن الجمع، والجمع ممكن، بأن يحمل الفطر على من يشق عليه الصيام، والصيام على من لم يشق عليه" يعني كما قدمنا، وفي الحديث رد على من يرى أنه من استهل عليه الشهر في الحضر ثم سافر بعد ذلك رد على من يقول أن من استهل عليه الشهر وشهد أول الشهر في الحضر أنه ليس له أن يفطر لقوله -جل وعلا-: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة]، وهذا شهد الشهر، شهد أول الشهر فيلزمه أن يصوم بقية الشهر؛ لكن الحديث نص في الموضع، وهو مبين لما أجمل في الآية.
يقول: وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن مولاه أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مبهم، وإبهام الصحابي لا يضر؛ لأن الصحابة كلهم عدول، فلا يضر إبهام الصحابي، البيهقي في مواضع وصف ما جاء على هذا النحو مما أبهم فيه الصحابي وصفه بالإرسال، قال: "هذا حديث مرسل" على كل حال هو ليس بمرسل متصل، فيه راو لم يسم، ما سمي هذا الراوي وجهالته لا تضر؛ لأنه صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- عن بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر الناس في سفره عام الفتح، وكانت العدة عشرة آلاف، النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج بعشرة آلاف من المدينة إلى مكة للفتح، وقيل: هم اثني عشر ألفاً، وجُمع بين القولين بأن الذين خرجوا معه من المدينة عشرة، ثم لحق به من خارج المدينة تكملة العدة.(59/4)
أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر، وقال: ((تقووا لعدوكم)) هذا تعليل للأمر بالفطر؛ لأن فيه التقوي على العدو، لا سيما مع السفر؛ هذه العلة المنصوصة لا شك أنها معتبرة وجوداً وعدماً، فإذا كان عدم فطرهم أنشط لهم وأقوى لهم على سرعة الجري والكر والفر هذه مسألة أخرى، ولا تطرد هذه العلة في غير هذا الموضع ((تقووا لعدوكم)) لوجود عدو؛ لكن قد يقول قائل: إذا كان الفطر يتقوى به الطالب مثلاً في دراسته أو يتقوى به العامل في عمله، كما أفتى بعض الناس بمن يشق عليه الصوم أثناء العمل أو أثناء الدراسة يفطر ليتقوى بعمله؛ لأن العمل متعدي النفع، وهذا قاصر إلى غير ذلك من التعليلات؛ لكن هذه الأقاويل لا عبرة بها؛ لأن صوم رمضان فريضة، وركن من أركان الإسلام، لا تنتهك هذه الفريضة بمثل هذه الأعذار، فالتقوي إنما هو على العدو، وهنا في السفر أيضاً؛ لكن لو دهم العدو بلداً من بلدان المسلمين، وأرادوا الدفاع عن بلدهم، وهم صيام فشق عليهم ذلك قلنا: التقوي بالفطر على العدو منصوص عليه؛ لكن لا بد أن يكون لهذا الفطر أثر في صد العدو بأن يكون الصيام يضعف المسلمين عن صد عدوهم، ويمكن العدو من الاستيلاء عليهم، يتقووا على عدوهم؛ لأن العلة منصوصة، نعم الوصف مؤثر وهو السفر؛ لكن السفر وصف مؤثر مبيح للفطر، ولو لم يوجد عدو، فدل على أن التقوي بالإفطار على العدو قدر زائد على مجرد السفر، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ الآن عندنا وصفان في الحديث، وكلاهما مؤثر، وصف السفر هم مسافرون، الوصف الثاني: ((تقووا لعدوكم)) وهذه علة تستقل بالحكم إذا وجد العدو، فعلى هذا يفطر المسلم ولو كان بالحضر إذا كان بمواجهة عدو، يريد أن يستولي على بلده، أو ما أشبه ذلك، فإنه حينئذ يفطر ليتقوى عليه، وأما السفر لا شك أنه وصف معتبر ومؤثر؛ لكنه مؤثر وحده، بدليل النصوص الأخرى ليس فيها عدو ومع ذلك أفطروا.
وصام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأخذ منه الصوم في السفر، وأنه أفضل من الفطر؛ لأنه فعله -عليه الصلاة والسلام- أمرهم بالفطر وصام، ويشمله عموم قوله -جل وعلا-: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} [(184) سورة البقرة].(59/5)
قال أبو بكر بن عبد الرحمن: قال الذي حدثني، هذا أيضاً مبهم لكنه موصوف بأنه صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي حدثه في مطلع الكلام، قال الذي حدثني: لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعرج، العرج بإسكان الراء قرية على نحو ثلاث مراحل من المدينة، يصب الماء على رأسه من العطش أو من الحر، يصب على رأسه من العطش أو من الحر، (أو) هذه للشك هل كان الصب من أجل الحر للتبريد؟ أو هو من أجل العطش؟ ولا شك أن البرودة تكسر شدة العطش، وإن كانت خارجية، ثم قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يا رسول الله: إن طائفة من الناس قد صاموا حين صمت؛ لأنهم فهموا أن أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالفطر أمر إرشاد لا أمر وجوب، بدليل أنه استمر صائم -عليه الصلاة والسلام- قال: فلما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقديد دعا بقدح من ماء فشرب، فأفطر الناس، ولذا ينبغي أن يقرن القول بالعم من أجل الاقتداء، فالذي يصدر الأوامر، ويصدر الأنظمة، ثم يخالف هذه الأوامر، وهذه الأنظمة لا شك أن غيره سوف يخالف.
النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أمرهم بحلق رؤوسهم زمن الحديبية ترددوا، ودخل على أم سلمة وشكا إليها ما حصل من عدم امتثالهم لأمره -عليه الصلاة والسلام-، فقالت: "احلق رأسك" فحلق النبي -عليه الصلاة والسلام- رأسه، فكادوا أن يقتتلوا، بادروا إلى الحلق، وهنا لما أفطر -عليه الصلاة والسلام- أفطر الناس، يؤخذ من هذا أن مبادرة الآمر لا شك أن لها أثراً في تمام الإتساء والاقتداء، ومثل هذا لا يظن بهم أنهم خالفوا أمره معاندة، إنما خالفوا أمره رغبة في الخير؛ لأن الصيام من أفضل الأعمال، وظنوا أن هذا الأمر الذي وجهه إليهم -عليه الصلاة والسلام- إنما هو من أجل الرأفة بهم، وإن كان الأفضل الاستمرار على الصيام، فرأوا الأخذ بالعزيمة؛ لكن لما أفطر تظافر القول والفعل منه -عليه الصلاة والسلام-، فلم يكن لهم مندوحة حينئذ من الفطر، فأفطر الناس.
طالب:. . . . . . . . .(59/6)
الرسول -عليه الصلاة والسلام- يأخذ بالعزيمة، ولذا قام -عليه الصلاة والسلام- حتى تفطرت قدماه، ونهى عن ذلك عن طول القيام الذي يشق على المصلي بحيث يحمله على الترك ((مه، أكلفوا من العمل ما تطيقون)) لكنه -عليه الصلاة والسلام- غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فأحب أن يكون -عليه الصلاة والسلام- عبداً شكوراً، اللهم صلي على محمد.
وحدثني عن مالك عن حميد الطويل عن أنس في وراية مسلم أخبرني أنس بن مالك، وقد سئل عن صوم رمضان في السفر أنه قال: "سافرنا" في البخاري: "كنا نسافر" سافرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر" مجزوم بـ (لم) وحرك لالتقاء الساكنين، ولا المفطر على الصائم في مسلم يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ومن وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن، يقول الحافظ ابن حجر في فتح الباري: "وهذا التفصيل هو المعتمد، وهو نص رافع للنزاع" يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ومن وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك أيضاً حسن، هذا فيه توفيق بين النصوص التي في الباب.
طالب:. . . . . . . . .
لا، الأصل في السفر وجود المشقة، الأصل أن السفر من لازمه المشقة؛ لكن ارتفعت المشقة، وارتفع الخوف الذي فيه الترخص، وثبت أن السفر علة مستقلة، ولذا الذي لم يجد مشقة في سفره فأفطر عليه شيء؟ ما عليه شيء، لا يلزمه شيء، ولو كان في سفره أكثر راحة واطمئناناً منه في بلده، هذه رخصة، صدقة من الله -جل وعلا- تصدق بها على عباده، فالسفر وصف مؤثر، ومستقل بالحكم؛ لكن من صام مع عدم المشقة فهو أفضل، ومن أفطر مع وجود المشقة فهو أفضل، وبهذا تلتئم النصوص.
طالب:. . . . . . . . .
يعني إذا كان أميراً عليهم، يعني اتفقوا بأن يجعلوه أميراً عليهم، ورأى أن الصيام يشق عليهم أو لا يشق عليهم، فرأى أن من مصلحتهم أن يستمروا في صيامهم أو يأمرهم بالفطر له ذلك؛ لكن القدوة والأسوة هو النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
((ليس من البر الصيام في السفر)) هذا بالنسبة لمن يشق عليه، يحمل على هذا.(59/7)
وحدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه كذا في رواية يحيى وجميع أصحاب مالك يروونه كما في البخاري عن أبيه عن عائشة أن حمزة بن عمر الأسلمي، أما السياق الذي معنا عن أبيه عن حمزة مرسل؛ لأن عروة يحكي قصة لم يشهدها، عروة تابعي، فهو يحكي ويروي قصة لم يشهدها، هذا إرسال، لكن إذا رواها عن خالته عائشة اتصلت القصة، وفي بعض طرق الحديث روايته عن صاحبها عن حمزة بن عمرو الأسلمي، قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا رسول الله إني رجل أصوم" في رواية للبخاري: "إني أسرد الصوم" وفي رواية: "وكان كثير الصيام" "إني رجل أصوم أفأصوم في السفر؟ " فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن شئت فصم وإن شئت فأفطر)) والمشيئة هذه لا شك أنها بناءً على الأصل في الحكم، وأن المسافر يجوز له أن يصوم، ويجوز له أن يفطر؛ لكن إن اعترى هذا الأصل ما يرجح الصيام، فالأفضل الصيام، وإن اعتراه ما يرجح الفطر ترجح الفطر، وإن زادت المشقة تعين الفطر على التفصيل السابق.
يقول: وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يصوم في السفر؛ لأنه يرى أن الفطر عزيمة، وجاء وصف من استمر في صيامه بالعصيان، وجاء أيضاً قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ليس من البر الصيام في السفر)) كل هذه جعلت ابن عمر لا يصوم في السفر، مع حرصه على الخير، وتحريه للاقتداء والإتساء، ومع ذلك كان لا يصوم في السفر.
يروى هذا عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان لا يصوم في السفر، يروى أيضاً عن أبي هريرة، وعبد الرحمن بن عوف، ومعروف عن أهل الظاهر أو عن بعضهم أن الصوم في السفر لا يجزئ ولا يصح، بل يتعين الفطر، وأسلفنا أنهم استدلوا بقوله -جل وعلا-: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة] يعني فالواجب عدة، صام أو أفطر، والجمهور يقدرون قبل ذلك فأفطر فعدة، يعني فيلزمه عدة.
طالب:. . . . . . . . .(59/8)
كيف؟ أيه؟ على حسب ما تقدم تفصيله، إن كان لا يشق بحال من الأحوال هذا الأفضل أن يستمر في صومه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صام في السفر، ولعموم قوله -جل وعلا-: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} [(184) سورة البقرة] لكن الذي يشق عليه الفطر في حقه أفضل.
طالب:. . . . . . . . .
هذا الأصل العصيان يترتب عليه، وإذا فعل الإنسان ما يضر به أثم، بعض الناس مريض، وينصحه الأطباء ألا يصوم، ومع ذلك يصوم، ويتضرر، يزيد مرضه، ويتأخر برؤه، ومع ذلك يصوم، نقول: "أولئك العصاة" لهذا الأمر؛ لأن من يرتكب ما يضر به آثم.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يسافر في رمضان -عروة ابن الزبير فقيه أحد الفقهاء، والإمام مالك -رحمه الله- يعنى بأقوال الفقهاء السبعة الذين هم فقهاء المدينة من التابعين.
(فخذهم عبيد الله) تكرر مراراً عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود (فخذهم عبيد الله عروة) الذي معنا، و (قاسم) القاسم بن محمد (سعيد أبو بكر سليمان خارجة).
عن أبيه أنه كان يسافر في رمضان ونسافر معه فيصوم عروة، عروة يصوم؛ لأنه يرى أن الصيام أفضل، وثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه صام في السفر، وثبت أن من الصحابة من كان يصوم في السفر، وكان المفطر لا يعيب على الصائم، والصائم لا يعيب على المفطر، فيأخذ بالعزيمة فيصوم عروة ونفطر نحن، فلا يأمرنا بالصيام؛ لأن فعلهم جائز أيضاً، فالذي يترخص لا يعاب عليه ولا يؤمر بالفطر.(59/9)
وعلى هذا لو سافر مجموعة لرحلة أو نزهة، وصام بعضهم وأفطر بعضهم، لا يعيب بعضهم على بعض، لكن لو كانوا اثنين قال واحد: نبي نجمع، وقال الثاني: ما إحنا بجامعين، اثنين قال واحد: نبي نجمع الصلاة، وقال الثاني: والله ما إحنا بجامعين التوقيت أفضل، مادمنا جالسين التوقيت أفضل، قال الثاني: خلينا نجمع لا تضيعوا علينا؛ لأنه هنا يفوت شيء، في الصيام ما يفوت شيء، لو أفطر واحد وصام واحد ما يفوت شيء، لكن هنا يفوت شيء وهو إيش؟ الجماعة، فهل نقول: يرتكب الأدنى الذي يريد التوقيت يجمع من أجل تحصيل الجماعة، أو نقول: يصر ويصلي كل صلاة في وقتها ولو فاتته الجماعة؟ المسألة افترضت في الثاني رفض قال: لا بد أن نجمع، يقول: أنا جامع جامع، تبي تجمع وإلا بكيفك، هل نقول لهذا: يفوت الجماعة ويصر، ويصلي كل صلاة في وقتها لأنه أفضل؟ أما بالنسبة لمن يقول: أنه لا يصح الجمع إلا لمن جد به السير هذه مسألة أخرى، لا يوافق صاحبه إذا كان يرى هذا الرأي، ولو أدى إلى أن يصلي منفرداً؛ لكن إذا كان يرى أن له جمع، وهو جالس، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل في تبوك، يجمع وهو جالس، ما جد به السير، وهذا معروف، والجمع رخصة -ولله الحمد- وفيه سعة، فمثل هذا يحرص على الجماعة ولو فاته الأفضل في التوقيت، ويستمر في صيامه.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال الأصل الجواز؛ لكن إذا كان يشق عليه مشقة يتضرر بها يأثم وصيامه صحيح، صيامه صحيح.
طالب:. . . . . . . . .(59/10)
سفر المعصية، سفر المعصية الجمهور على أنه من سافر سفراً يعصي فيه الله -جل وعلا- فإنه لا يترخص خلافاً لأبي حنيفة، وشيخ الإسلام يميل إلى قول أبي حنيفة، النصوص العامة تشمل من سافر سفر طاعة كالحج والعمرة والجهاد وصلة الأرحام، ومن سافر سفراً مباحاً كالنزهة، أو سافر سفر معصية، النصوص ما فرقت؛ لكن منزع الجمهور ومأخذهم من كون العاصي ينبغي أن يعاق عن متابعة سفره، فلا ييسر عليه السفر، ويسهل عليه ارتكاب الرخص، يعني بدلاً من أن يقال له: صلي الصلاتين، واجمع وتابع سفرك، ويوفر له الوقت، وهو عاصٍ في سفره، سافر ليقطع الطريق، أو لينتهك حرمات، أو ما أشبه ذلك يوفر له وقت، الجمهور ما يرون هذا، ويؤيد قولهم في أكل المضطر من الميتة {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} [(173) سورة البقرة] فقيد تناول الأكل من الميتة وهو رخصة بعدم عصيانه في ذلك، وهو منزع حسن.
باب ما يفعل من قدم من سفر أو أراده في رمضان:
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان إذا كان في سفر في رمضان فعلم أنه داخل المدينة من أول يومه دخل وهو صائم، قال يحيى: قال مالك -رحمه الله تعالى-: "من كان في سفر فعلم أنه داخل على أهله من أول يومه، وطلع له الفجر قبل أن يدخل دخل وهو صائم".
قال مالك: "وإذا أراد أن يخرج في رمضان فطلع له الفجر، وهو بأرضه قبل أن يخرج فإنه يصوم ذلك اليوم".
قال مالك: "في الرجل يقدم من سفره وهو مفطر، وامرأته مفطرة حين طهرت من حيضها في رمضان أن لزوجها أن يصيبها إن شاء".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما يفعل من قدم من سفر أو أراده في رمضان:(59/11)
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان إذا كان في سفر في رمضان فعلم أنه داخل المدينة من أول يومه، يعني في أول النهار وبعد طلوع الفجر، كان في سفر وطلع عليه الفجر وهو يعلم أنه يدخل المدينة من أول النهار بعد طلوع الفجر دخل وهو صائم، وإن دخل قبل الفجر يصوم وإلا ما يصوم؟ يلزمه الصيام، هذا شده الشهر، لا يجوز له بحال أن يفطر، وإذا تصور الخلاف فيمن دخل بعد طلوع الفجر فإنه لا يتصور أو يذكر مثل هذا في من دخل قبل طلوع الفجر.
دخل وهو صائم، قال يحيى: قال مالك -رحمه الله تعالى-: "من كان في سفر فعلم أنه داخل على أهله من أول يومه، وطلع له الفجر قبل أن يدخل دخل وهو صائم" يعني على سبيل الاستحباب؛ لأنه في أول النهار مخير، يعني بعد طلوع الفجر مخير، متلبس بالوصف المبيح للفطر، وهو مخير بين أن يصوم ويفطر، ثم إذا دخل من أول النهار هل يمسك أو لا يمسك؟ دخل وهو صائم يعني استحباباً.
قال مالك: "وإذا أراد أن يخرج للسفر في رمضان فطلع عليه الفجر وهو بأرضه قبل أن يخرج فإنه يصوم ذلك اليوم وجوباً" يصوم ذلك اليوم وجوباً، يعني يلزمه الإمساك، مادام طلع عليه الفجر وهو في البلد، يصوم وجوباً، وبذلك قال أبو حنيفة والشافعي، وقال أحمد وإسحاق يجوز له الفطر، يعني في رواية عند أحمد، يعني يجوز له الفطر؛ لأنه وإن طلع عليه الفجر إلا أنه عازم على السفر، واللفظ يحتمل أيضاً أن الإمام مالك يرى أنه إذا دخل عليه الفجر ولزمه الصيام أنه يلزمه الاستمرار فيه، ولا يجوز له أن يفطر، ولو باشر السفر، يعني يلزمه صيام ذلك اليوم، يعني اللفظ هذا يقول: "وإذا أراد أن يخرج للسفر في رمضان فطلع له الفجر وهو بأرضه قبل أن يخرج فإنه يصوم ذلك اليوم" يعني هل يصوم ذلك اليوم إلى أن يباشر السبب وهو السفر أو أنه يصوم ذلك اليوم بكامله إلى غروب الشمس باعتبار أنه شرع في واجب فلا يجوز له أن يخرج منه؟
طالب:. . . . . . . . .(59/12)
إيه لكن الأحاديث السابقة النبي -عليه الصلاة والسلام- سافر وأفطر في السفر؛ لكن هل شرع في صيام اليوم الذي أفطر فيه في الحضر وإلا في السفر؟ يعني شرع في الصيام بالحضر وإلا في السفر؟ في السفر؛ لأن المكان الذي أفطر فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- عن المدينة مراحل.
الآن عندنا مسألتان واللفظ يحتملهما: إذا أراد أن يخرج في رمضان فطلع الفجر وهو بأرضه، يعني في بلده قبل أن يخرج فإنه يصوم ذلك اليوم وجوباً، يعني يلزمه الإمساك، مع طلوع الفجر، كأنه مقيم، ثم إذا غادر البلد فارق العمران، وباشر السبب المبيح للفطر، وهو السفر هل له أن يفطر أو ليس له أن يفطر؟ على كلام مالك ليس له أن يفطر.
طالب:. . . . . . . . .
هذا احتمال، ليس له أن يفطر، طيب تجيب له النصوص التي فيها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أفطر في السفر، يقول لك: ما طلع عليه الفجر وهو بأرضه، طلع عليه الفجر وهو في السفر؛ لأن المكان الذي أفطر فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- عن مكة على مراحل، فلا يرد عليه مثل هذا، وهذا يقول به أبو حنيفة والشافعي وأيضاً مالك، مادام شرع في هذا الواجب لا يجوز له أن يخرج منه، وقال أحمد وإسحاق يجوز له أن يفطر؛ لأنه باشر السبب الذي من أجله -الذي هو السفر- الذي يبيح الفطر بالنص، والنبي -عليه الصلاة والسلام- صام ثم أفطر، والصوم صوم في رمضان أيضاً، يعني شرع في صيام الواجب ثم قطعه للسبب المبيح، ولا فرق بين أن يشرع فيه في بلده أو في السفر، نقول: هذا الاحتمال ظاهر من اللفظ، احتمال ثاني: وهو أنه إذا أراد أن يخرج في رمضان فطلع له الفجر وهو بأرضه قبل أن يخرج فإنه يصوم ذلك اليوم يلزمه الإمساك، إلى أن يخرج، هذا الاحتمال الثاني.(59/13)
والقول الثاني في المسألة: أنه يجوز له أن يفطر قبل أن يخرج، على كل حال مسألة ابتداء الترخص هل هو من العزم على السفر؟ أو هو من مفارقة البلد ومباشرة السبب؟ الجمهور على مباشرة السبب، وجاء عن أنس -رضي الله عنه- أنه أفطر قبل أن يخرج، أفطر وهو في بيته ثم خرج، وقال رفع ذلك إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن الحديث لا يخلو من ضعف، وعلى كل حال الوصف المؤثر والمبيح للفطر هو السفر، ولا يسمى مسافر حتى يخرج من البلد، ما دام في بلده لا يقال له: مسافر، فعلى هذا لا يترخص إلا إذا باشر الوصف المبيح للفطر وهو السفر.
هذه مسألة أخرى، قال مالك: في الرجل يقدم من سفره وهو مفطر ...
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ كذلك ما يجمع ولا يقصر حتى يباشر السبب.
طالب:. . . . . . . . .
مسألة تغليب جانب الحضر المقصود أنه باشر السبب المبيح للترخص.
طالب:. . . . . . . . .
دخل الوقت وهو في الحضر؟ الجمهور يغلبون جانب الحضر وإن باشر السبب، على كل حال نشوف المسألة الثانية، وهي تحتاج إلى تأمل.
قال مالك: "في الرجل يقدم من سفره وهو مفطر، وامرأته مفطرة" الذي يقدم من السفر في أثناء النهار يلزمه الإمساك أو ما يلزمه؟ خلاف، طيب المرأة إذا طهرت في الظهر مثلاً يلزمها الإمساك وإلا ما يلزمها؟ مثله خلاف، نشوف رأي مالك قال مالك: "في الرجل يقدم من سفره وهو مفطر وامرأته مفطرة حين طهرت من حيضها -يعني أو نفاسها- في رمضان أن لزوجها أن يصيبها –يجامعها- إن شاء".
على هذا الكلام يلزمه الإمساك؟ ما يلزمه الإمساك، يلزمها هي الإمساك؟ لا يلزمها الإمساك على رأي مالك، يعني أصل المسألة: أن من أفطر لسبب مبيح للفطر، سبب شرعي مبيح للفطر، هل يستديم الفطر بقية يومه إذا زال السبب، أو يلزمه الإمساك؛ لأن الفطر معلق بسبب وارتفع السبب؟ هذه أصل المسألة، يعني إن زالت العلة، وزال السبب المبيح للفطر هل يستمر؟ كما يقول أحمد والشافعي: هل يمسك باعتبار أنه زال السبب، هل يمسك كما يقول أحمد والشافعي، أو يستمر في فطره لأن الصوم لا يتجزأ، أفطر في أوله نصف النهار هل هو صوم شرعي؟ نعم، وبهذا يقول مالك وأبو حنيفة.(59/14)
في المغني لابن قدامة يقول: "فصل: فأما من يباح له الفطر في أول النهار ظاهراً وباطناً" يعني يخرج من يباح له الفطر باطناً فقط، يعني كمن رأى الهلال وردت شهادته، وما أشبه ذلك.
فأما من يباح له الفطر في أول النهار ظاهراً وباطناً كالحائض والنفساء والمسافر والصبي والمجنون والكافر والمريض إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار ففيهم روايتان:
إحداهما: يلزمهما الإمساك بقية اليوم وهو قول أبي حنيفة.
والثاني: لا يلزمهما الإمساك وهو قول مالك والشافعي، وروي عن ابن مسعود أنه قال: "من أكل في أول النهار فليأكل في آخره" ووجهه أنه وجد السبب المبيح للفطر في أول النهار، وآخر النهار ما هو محل للصيام لأن الصيام لا بد أن يستوعب طرفي الوقت، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإذا مضى عليه وقت وهو مفطر لا يسمى بقية اليوم صيام شرعي، فكيف يلزم بغير ذلك، هذه وجهة نظر مالك وأبي حنيفة، وأما بالنسبة للرواية الأولى وهي قول الشافعي أنه شهد الشهر، وارتفع العذر المبيح، فكيف يأكل وهو غير معذور {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة] ولا شك أن مثل هذا القول أحوط، والأدلة محتملة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، أبو حنيفة مع مالك، والشافعي مع أحمد، عندنا هنا في المسألة افترض المسألة في مسافر وصل البيت الساعة تسعة، وكان مفطر مفطراً في مثلاً في جدة، وفي الطائف جاء على الطائرة وصل البلد الساعة تسعة، من تسع إلى خمس ونصف يلزمه الإمساك أم لا؟ أو امرأة حائض طهرت بعد صلاة الصبح وقبل طلوع الشمس هي في أول النهار مفطرة وجوباً، فهل يلزمها الإمساك في بقية النهار؟ أفطرت لعذر مبيح يبيح لها الفطر ظاهراً وباطناً، والمسافر أفطر لعذر مبيح يبيح له الفطر ظاهراً وباطناً، في أول النهار لهم عذر مبيح، في أثنائه وفي آخره، نعم ليس هناك عذر، ارتفع العذر، أفطروا لعذر وارتفع العذر، شهدوا الشهر يلزمهم أن يصوموا على قول أحمد والشافعي، والرواية الأخرى عن أحمد توافق قول مالك وأبي حنيفة، وهي أنه من ساغ له أن يأكل في أول النهار ما الفرق بينه وبين آخره؟ صوم لا يعتد به، يلزمه قضاؤه، فكيف يلزم بالإمساك؟(59/15)
هذا يقول: وقال أبو حنيفة: متى زالت علة الفطر وجب إمساك بقية اليوم.
يعني مثل قول أحمد، والذي قاله في المغني يلزمهم الإمساك بقية اليوم وهو قول أبي حنيفة، يعني أنا خلطت يعني جعلت الشافعي مع أحمد وأبو حنيفة مع مالك، لا العكس أبو حنيفة مع أحمد والشافعي مع مالك.
إيش تقول؟
طالب:. . . . . . . . .
يلزمه الإمساك؟ على كل حال تعرفون أنتم المذاهب فيها أكثر من قول، فنقول: أن أخذ المذاهب لا بد أن يكون من كتب أربابها، هذا الأصل؛ لأن الذي ينقل عن المذاهب، وهو من غير المذهب، قد يعتمد رواية غير المعروفة في المذهب، وقد يعتمد على قول غير معتبر في المذهب؛ لأن بعض المذاهب فيها روايات، روايتين، ثلاث، أربع، أكثر، والشافعية عندهم القول القديم والجديد، وأبو حنيفة عندهم الرواية، وظاهر الرواية وعندهم الأصحاب، هل يقدم قول أبي حنيفة ويعتبر قول الصاحبين؟ يعني مسائل معروفة عندهم، فلا شك أن مثل الشراح، شراح الحديث إذا كان ما هو من نفس المذهب، يعني تعتمد على النووي وعلى ابن حجر في نقل إمام الشافعية؛ لأنهم أئمة في هذا الباب، تعتمد على ابن عبد البر في نقل أقوال مالك؛ لأنه إمام من أئمة المالكية، تعتمد على العيني في نقل أقوال أبي حنيفة؛ لأنه فقيه من فقهاء الحنفية؛ لكن تجد في كثير من الأحيان في الشروح ينقلون عن الإمام أحمد رواية ليست هي المذهب، وقل مثل هذا إذا نقل ابن قدامة عن الشافعية أو نقل الزرقاني عن الحنفية، كله موجود، والتحري أن تنقل المذاهب من كتب أصحابها، وهذا كلام صاحب المغني، يقول: "والثاني لا يلزمهم الإمساك، وهو قول مالك والشافعي" ولا يعني أن الشافعية كلهم على هذا القول، يعني قد يكون هذا القول الجديد أو القديم، وعندهم أيضاً المفتى به هو إيش عند الشافعية؟ القول الجديد إلا في بضع عشرة مسألة، ذكرت في مقدمة المجموع، وفي الأشباه النظائر، وغيرها يرجع إليها، فالفتوى فيها على القديم، فاحتمال أن ابن قدامة وقف على القول الجديد، والمفتى به على القديم أو العكس، فيتحرى في نقل المذاهب من كتب أصحابها.
داخل المدينة من أول يومه، يعني بعد طلوع الفجر، خارج المدينة ....
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟(59/16)
طالب:. . . . . . . . .
هو في الأصل مباح له الفطر في أول النهار، ما دام مالك -رحمه الله-، يعني لو أفطر في السفر ودخل المدينة ولو في أول النهار ما يلزمه الإمساك، بدليل أن له أن يطأ زوجته المفطرة، فالذي يظهر أنه دخل وهو صائم، كأنه يقول: أن الصيام أفضل، يمسك وهو في سفره، يعني مثل ما نقول أن الإنسان إذا كان يغلب على ظنه أنه يدخل البلد في أول وقت صلاة العصر، فالأفضل له ألا يجمع العصر مع الظهر، وإن كان السبب المبيح قائماً، وهنا مثله ..
طالب:. . . . . . . . .
يعني إذا أراد أن يخرج؟ وهو صائم استحباباً؛ لأنه في أول النهار العذر قائم.
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لأنه يسوغ له أن يفطر، الآن ما بعد وصل، ما بعد دخل باقي مائة كيلو على البلد وطلع الفجر، السبب قائم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه ليش؟ لأن السبب قائم ما في أحد يقول: ما يجوز له يفطر، السبب قائم مسافر باقي مائة كيلو ما هو بواصل إلا بعد ساعة من طلوع الفجر.
طالب:. . . . . . . . .
إذا أراد أن يخرج غير كونه مسافر بالفعل، الآن ما بعد باشر السبب؛ لكن هو السبب قائم قبل أن يدخل البلد باقي ساعة على وصول البلد، السبب قائم والأصل السفر ما هو بالأصل الحضر، لاحظ الأصل الأصل في المسألة الأولى السفر، افترض أنه يقول: والله أنا ما أنا بداخل اليوم، احتمال، حصل عليه حادث ولا دخل ما دام السبب قائم فله أن يفطر، فيستحب له ما دام يصل أول النهار ومدة المشقة المصاحبة للسفر مدة يسيرة وإيش المانع أنه يمسك استحباباً؟ نعم، وصومه صحيح؛ لأن الحكم من حيث الأفضل وعدمه الحكم للغالب، الغالب هو السفر أو الغالب الحضر؟ أيضاً المسألة الأولى: الأصل فيها السفر، والمسألة الثانية: الأصل فيها الحضر؛ لأن الأصل يتبع طلوع الفجر، طلع عليه الفجر وهو مسافر في المسألة الثانية طلع عليه الفجر، وهو مقيم.
باب كفارة من أفطر في رمضان:(59/17)
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً أفطر في رمضان فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكفر بعتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً، فقال: لا أجد، فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرق تمر فقال: ((خذ هذا فتصدق به)) فقال: يا رسول الله ما أجد أحوج مني، فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه، ثم قال: ((كله)).
وحدثني عن مالك عن عطاء بن عبد الله الخراساني عن سعيد بن المسيب أنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضرب نحره، وينتف شعره، ويقول: هلك الأبعد، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وما ذاك؟ )) فقال: أصبت أهلي وأنا صائم في رمضان، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل تستطيع أن تعتق رقبة؟ )) فقال: لا، فقال: ((هل تستطيع أن تهدي بدنة؟ )) قال: لا، قال: ((فاجلس)) فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرق تمر، فقال: ((خذ هذا فتصدق به)) فقال: ما أجد أحوج مني، فقال: ((كله، وصم يوماً مكان ما أصبت)).
قال مالك -رحمه الله-: قال عطاء: فسألت سعيد بن المسيب كم في ذلك العرق من التمر؟ فقال: "ما بين خمسة عشر صاعاً إلى عشرين".
قال مالك -رحمه الله-: سمعت أهل العلم يقولون: "ليس على من أفطر يوماً في قضاء رمضان بإصابة أهله نهاراً أو غير ذلك الكفارة التي تذكر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيمن أصاب أهله نهاراً في رمضان، وإنما عليه قضاء ذلك اليوم، قال مالك: "وهذا أحب ما سمعت فيه إلي".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب كفارة من أفطر في رمضان:
وأطلق الفطر ولم يقيده بالجماع؛ لأنه لا فرق عنده -رحمه الله- بين المفطرات من أكل وشرب وجماع، فمن أكل في رمضان متعمداً أو شرب في نهار رمضان متعمداً، أو جامع في نهار رمضان متعمدا ًعليه الكفارة، هذا رأيه -رحمه الله-، ولذا أطلق في الترجمة، واختار من ألفاظ الرواة اللفظ المجمل.(59/18)
قال: حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رجلاً أفطر في رمضان، والذي في البخاري عن أبي هريرة: بينما نحن جلوس عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: ((ما لك؟ )) قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، جاء باللفظ المجمل ليشمل جميع المفطرات -رحمه الله-، قال: ((ما لك؟ )) قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، قال: ((هل تجد رقبة تعتقها؟ )) تمسك بهذا الحنابلة والشافعية أن الكفارة خاصة بمن جامع في نهار رمضان، واللفظ المجمل قال به الإمام مالك وأبو حنيفة: من أكل متعمداً، أو شرب متعمداً، أو جامع عن عمد فإنه تلزمه الكفارة وإلا فلا، طيب، إيش الفرق بين المتعمد والناسي بالنسبة للأكل والشرب؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا عند الحنابلة والشافعية؛ لكن مالك يلزمه القضاء، ولا كفارة عليه، ستأتي المسألة؛ لكن من شرب متعمداً أو أكل متعمداً، أو جامع عن عمد هذه تلزمه الكفارة عند مالك، بينما عند أحمد والشافعي لا تلزمه الكفارة إلا بالجماع، ولذا اختار الإمام مالك أن رجلاً أفطر في رمضان، أفطر بأي شيء يشمل كل المفطرات.
والرجل هذا جاء وصفه بأنه أعرابي، سماه بعض الشراح بأنه سلمان أو سلمة بن صخر البياضي، والأكثر على عدم تسميته، وقيل: أن سلمان هذا هو الذي ظاهر، وليس هو الذي جامع، المقصود أن اسمه لا يهمنا، كثير من الشراح قال: لم يسم.
أن رجلاً أفطر في رمضان فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكفر بعتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً.
(أو) هذه أخذ منها مالك أن الكفارة على التخيير، وقال الجمهور: هي على الترتيب ((هل تجد رقبة؟ )) قال: لا، ((هل تستطيع صيام شهرين؟ )) قال: لا، قال: ((تطعم ستين مسكيناً؟ )) فهي مرتبة على الترتيب، لا يجزئ الصيام مع القدرة على العتق، ولا يجزئ الإطعام مع القدرة على الصيام، ولذا يقول أهل العلم: أن من جامع في نهار رمضان فعليه كفارة ظهار، كفارة الظهار الترتيب ظاهر مقيد الخصلة الثانية مقيدة بعدم الاستطاعة على الأولى، وهكذا فالترتيب ظاهر.(59/19)
يقول أهل العلم: "من جامع في نهار رمضان فعليه كفارة ظهار" ما يقولون: عليه كفارة مجامع في نهار رمضان لماذا؟ هي مضبوطة كفارة الجماع في نهار رمضان مضبوطة بالأحاديث الصحيحة؛ لكن يقولون: "من جامع في نهار رمضان فعليه كفارة ظهار" لماذا؟ لأن كفارة الظهار مضبوطة بالقرآن المعروف عند الخاص والعام، فيحال عليه، أما مثل هذا الحديث أو مثل هذه الأحاديث قد تخفى على كثير من الناس، لو قيل: عليك كفارة مجامع في نهار رمضان، تخفى على كثير من الناس، بخلاف القرآن الذي يعنى به كل مسلم عالم وجاهل، كلهم يعنون بكتاب الله، بينما السنة لا يعتني بها إلا أهل العلم، فيحال على المعروف لدى الخاص والعام.
ولذا جاء في حديث عبادة: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بيعة النساء، وبيعة النساء متأخرة عن بيعة الرجال، فكيف يحال بالمتقدم على المتأخر؟ لأن بيعة النساء مضبوطة بالقرآن، بيعة الرجال ما أشير لها وما ذكرت في القرآن، لكن يحال على ما في القرآن؛ لأنه معروف لدى الخاص والعام، وعلى هذا فالكفارة على الترتيب يعتق رقبة، لم يجد، يصوم شهرين متتابعين، لم يجد، يطعم ستين مسكيناً.
لكن لماذا لا يقال: أن من جامع في نهار رمضان عليه كفارة قتل؟ يقال: عليه كفارة ظهار، لماذا لا يقال: عليه كفارة قتل؟ لأن كفارة القتل لا إطعام فيها عند جمع من أهل العلم، يعني لم ينص عليها، من قال بالإطعام في كفارة القتل فعلى سبيل الإلحاق، في كفارة القتل بكفارة الظهار.(59/20)
فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكفر بعتق رقبة، وهذه الرقبة جاءت مطلقة هنا، ومطلقة أيضاً في كفارة الظهار من غير تقييد بوصف، وجاء تقييدها بالإيمان في كفارة القتل، فهل نحمل المطلق على المقيد أو لا؟ يحمل المطلق على المقيد لماذا؟ للاتحاد في الحكم، وإن اختلف السبب، معروف أنه إذا اتحد الحكم والسبب حمل المطلق على المقيد بالإجماع، إذا اتحد الحكم والسبب؛ لكن إذا اتحد الحكم دون السبب فالجمهور على حمل المطلق على المقيد كما هنا، والعكس لا يحمل المطلق على المقيد كما في اليد مقيدة في آية الوضوء، ومطلقة في آية التيمم، وإذا اختلف الحكم والسبب لا يحمل المطلق على المقيد إجماعاً، كاليد في آية الوضوء واليد في آية السرقة.
أو صيام شهرين متتابعين: التتابع لازم، فإن أفطر يوماً استأنف، إلا لعذر يبيح له الفطر في رمضان.
أو إطعام ستين مسكيناً قال: لا أجد، فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرق فيه تمر، والعرق بفتح العين والراء.
طالب:. . . . . . . . .
أو صيام شهرين متتابعين رواية مين؟ على كل حال إحنا اعتمدنا من الأول رواية يحيى، رواية يحيى المعتمدة في الشرح.
بعرق تمر: العرق بفتح العين والراء، ويروى بإسكان الراء، قال عياض: والصواب بفتح الراء، وهو المكتل زنبيل فيه تمر، قال: ((خذ هذا فتصد به)) أي بالتمر الذي فيه، فقال: يا رسول الله ما أحد أحوج مني، ما أحد أحوج، هذه (ما) عاملة أو غير عاملة؟ عاملة، حجازية وإلا تميمية؟ حجازية.
"ما أحد أحوج مني" وفي رواية: "فو الله ما بين لابتيها" يريد الحرتين حرتي المدينة "أهل بيت أفقر من أهل بيتي"، وأخذ منه جمع من أهل العلم جواز القسم على غلبة الظن.(59/21)
فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه، جمع ناب، وهي الأسنان الملاصقة للرباعيات وهي أربعة، والضحك فوق التبسم، ثم قال: ((كله)) وفي رواية: ((أطعمه أهلك)) وفي رواية: ((عيالك)) الآن هذا العرق الذي فيه التمر هو المطلوب أن يتصدق به، وعلى هذا ما دام تحمله غيره، وتصدق على أهله به سقطت عنه الكفارة أو مازالت الكفارة لازمة له؟ يعني الأقعد الماشي على القواعد أن الكفارة تلزمه، وتبقى دين في ذمته كديون الآدميين، متى ما أيسر يكفر، وأن هذا التمر الذي جيء به وتصدق به عليه لا علاقة له بالكفارة، رجل أفقر ما في المدينة يستحق صدقة، بل يستحق إسعاف، يعني جاء هذا التمر فرصة أن يدفع إليه، ما يوجد في البلد أفقر منه، هو أحق الناس به، وحينئذ تبقى الكفارة دين في ذمته، ومنهم من يرى أنه إذا كان معسراً تسقط عنه الكفارة، واستدلوا بظاهر هذا الحديث.
طالب:. . . . . . . . .
ولم يجد؟ على كل حال الأقعد والماشي على القواعد وهو اختيار كثير من أهل العلم أن الكفارة تبقى كديون الآدميين، دين في ذمته متى أيسر يدفعها.(59/22)
يقول: وحدثني عن مالك عن عطاء بن عبد الله الخرساني، وفيه مقال لأهل العلم، صدوق يهم كثيراً، عن سعيد بن المسيب أنه قال: جاء أعرابي، لم يسم، وهو الأعرابي السابق، إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضرب نحره، وينتف شعره، وزاد الدارقطني: "ويحثو على رأسه التراب" ويقول: هلك الأبعد، يعني نفسه، وفي بعض طرقه: "هلكت وأهلكت" على ما تقدم، هلك الأبعد، يعني هلك بنفسه، وأهلك زوجته التي واقعها، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وما ذاك؟ )) أي الذي أهلك، فقال: "أصبت أهلي" أي جامعت زوجتي وأنا صائم في رمضان، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل تستطيع أن تعتق رقبة؟ )) والرقبة مقيدة بالإيمان عند الجمهور، فقال: "لا" قال: ((هل تستطيع ... )) يعني تقدر أن تهدي بدنة؟ وهذه الجملة نص الحفاظ على أنها غير محفوظة، قال البخاري: لا يتابع عطاء عليها ((هل تستطيع أن تهدي بدنة؟ )) قال: "لا" يعني لا أستطيع، قال: ((فاجلس)) انتظاراً للحل، إما يأتي أحداً بشيء، أو ينزل وحي يعفيك، المقصود اجلس، قال: ((فاجلس)) فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرق تمر أي فيه تمر، فقال: ((خذه هذا فتصدق به)) فقال: "ما أحد أحوج مني" فقال: ((كله)) ظاهره أنه صدقة عليه، كله ما دام ما في أحد أحوج منك إليه كله، ظاهر اللفظ أنه صدقة عليه لا أنه هو الكفارة، فعلى هذا تبقى الكفارة دين في ذمته، فقال: ((كله وصم يوماً مكان ما أصبت)) وعلى هذا يلزمه قضاء ذلك اليوم.
قال مالك –رحمه الله-: قال عطاء: فسألت سعيد بن المسيب كم في ذلك العرق من التمر؟ فقال: "ما بين خمسة عشر صاعاً إلى عشرين" في حديث أبي هريرة عند أحمد: خمسة عشر بدون تردد، وفي حديث عائشة عند ابن خزيمة: عشرون صاعاً.(59/23)
قال مالك: "سمعت أهل العلم يقولون: "ليس على من أفطر يوماً في قضاء رمضان بإصابة أهله نهاراً عمداً أو غير ذلك سواءً كان عن عمد أو غير عمد، يعني لقضاء رمضان عليه يوم أو أيام من رمضان صامها في شوال في القعدة من غيرهما من الشهور ثم جامع أهله يقول مالك: سمعت أهل العلم يقولون: "ليس على من أفطر يوماً في قضاء رمضان، يعني في غير شهر رمضان بإصابة أهل نهارً سواءً كان عمداً أو غير ذلك الكفارة التي تذكر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيمن أصاب أهله نهاراً في رمضان، لحرمة رمضان، لحرمة الزمن، وإنما عليه قضاء ذلك اليوم فقط، قال مالك: "وهذا أحب ما سمعت فيه إلي" وعليه عامة أهل العلم إلا ما يروى عن قتادة وحده، فقال: عليه الكفارة، وقيل: عليه قضاء يومين، كمن أفسد الحج يكمل الحج، وأيضاً يمضي في فاسده، ويحج حجة مكانها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(59/24)
الموطأ - كتاب الصيام (3)
أبواب: الحجامة، صيام عاشوراء، الوصال
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للحاضرين والسامعين، يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- باب ما جاء في حجامة الصائم:
حدثني يحي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يحتجم وهو صائم، قال: ثم ترك ذلك بعد، فكان إذا صام لم يحتجم، حتى يفطر.
وحدثني عن مالك عن بن شهاب أن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم- كانا يحتجمان وهما صائمان.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يحتجم وهو صائم، ثم لا يفطر، قال: وما رأيته احتجم قط إلا وهو صائم.
قال مالك -رحمه الله-: "لا تكره الحجامة للصائم إلا خشية من أن يضعف، ولولا ذلك لم تكره، ولو أن رجلاً احتجم في رمضان، ثم سلم من أن يفطر لم أر عليه شيئاً، ولم آمره بالقضاء لذلك اليوم الذي احتجم فيه؛ لأن الحجامة إنما تكره للصائم لموضع التغرير بالصيام، فمن احتجم وسلم من أن يفطر حتى يمسي فلا أرى عليه شيئاً، وليس عليه قضاء ذلك اليوم".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب ما جاء في حجامة الصائم:
أي ما حكمها؟ وجاء فيها حديث ابن عباس في البخاري أن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم، والحديث في البخاري، وفيها أيضاً حديث شداد بن أوس في المسند والسنن أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) احتجم النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو صائم، وحديث شداد بن أوس: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) وعليهما المعول عند أهل العلم فيمن قال: بأن الحجامة تفطر، ومن قال: بأن الحجامة لا تفطر.(60/1)
فالجمهور على العمل بحديث ابن عباس، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو صائم، وأما حديث شداد بن أوس: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) فأجابوا عنه بأجوبة منها: أنه منسوخ، وذلك أن حديث شداد كان عام الفتح، وحديث ابن عباس في حجة الوداع، ولا يقول أحد: بأن حديث ابن عباس متقدم على حديث شداد، كلهم متفقون على أن حديث شداد متقدم على حديث ابن عباس، ولذا قال الشافعي: حديث شداد منسوخ بحديث ابن عباس؛ لأن حديث شداد كان عام الفتح، وحديث ابن عباس في حجة الوداع وهو متأخر، وإنما كانوا يعملون بالآخر من فعله -عليه الصلاة والسلام-، والجمهور على هذا، ومنهم من يقول: أن معنى ((أفطر الحاجم والمحجوم)) أن أمرهما يؤول إلى الفطر؛ فالحاجم لا يؤمن أن يتسرب شيء من الدم إلى جوفه، فيفطر بهذا، والمحجوم لا يؤمن أن يضعف عن الصوم، فيضطر إلى الفطر، فيكون المقصود مآل أمرهما إلى الفطر، يقول ابن خزيمة: "جاء بعضهم بأعجوبة، وهي أن المراد بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) لأنهما كانا يغتابان الناس، مر النبي -عليه الصلاة والسلام- بحاجم ومحجوم كانا يغتابان الناس، فقال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) بالغيبة، يقول: ولو سألت هذا القائل وقلت له: هل الغيبة تفطر الصائم؟ لقال: لا، إذاً كيف يعول على أن السبب في فطرهما الغيبة والغيبة لا تفطر حتى عند هذا القائل؟ ولذا تعجب ابن خزيمة من هذا القول.
قد يقول قائل: إذا كان مآل الحاجم إلى الفطر؛ لأنه قد يتسرب إلى جوفه شيء من الدم؛ لأنه كان العمل على الآلات القديمة التي تعمل بالمص، والآن أدوات كهربائية أو آلية تشتغل تلقائياً من غير أن يمصها الحاجم، فهل نقول: أنه يفطر أو لا يفطر؟ والصوم إنما ثبت بيقين، وكونه ينساب إلى جوفه شيء مشكوك فيه، حتى على أداء الآلات القديمة، قد يتحرز ولا ينساب إلى جوفه شيء، فكيف يفطر؟ على كل حال هذا على القول بتصحيح حديث شداد، والمعتمد تصحيحه، لكنه متقدم على حديث ابن عباس.
طالب: ألا يمكن أن يقال: الحكمة في الإفطار تعبدية؟(60/2)
لا، لأصحاب القول الآخر أجوبة، يقول الإمام أحمد وإسحاق: يفطر الحاجم والمحجوم، المظنة هنا نزلت منزلة المئنة، كما أن النوم ينقض الوضوء وهو في الأصل ليس بناقض، والوضوء ثبت بيقين، والنقض بالناقض الحقيقي مشكوك فيه؛ لأن الناقض ما يحصل أثناء النوم، لا النوم نفسه، بدليل أن النوم إذا لم يكن مستغرقاً لم ينتقض الوضوء، وجاء ما يدل على أنهم كانوا ينتظرون العشاء فتخفق رؤوسهم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يضطجع ويسمع له خطيط.
المقصود أن هذه مظنة بفطر، وليست بفطر، يجيبون على حديث ابن عباس بجواب جيد، يقولون: احتجم النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو صائم، وفي حديث شداد بن أوس: "احتجم الرجل وهو صائم" لكن النتيجة؟ النتيجة: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) لكن ليس في حديث ابن عباس أنه أفطر أو ما أفطر؛ لكن فيه أنه احتجم، لكن هل فيه أنه استمر على صيامه؟
طالب:. . . . . . . . .
احتجم وهو صائم؛ لكن يمكن على احتمال أن يكون سياق مثل هذا الحديث للاستدلال به على أن الحجامة لا تفطر، هذا احتمال، الاحتمال الثاني يساق على جواز الحجامة لمن احتاج إليها وإن كان صائماً ولو اضطره الأمر إلى الفطر، يعني ما هي مسألة ناسخ ومنسوخ وانتهى الإشكال، لا شك أن حديث ابن عباس أقوى من حديث شداد؛ لأنه في البخاري؛ لكن ما موقف الأئمة من هذه الأحاديث؟(60/3)
الجمهور يقولون: حديث شداد منسوخ؛ لأنه متقدم، وهذا لا شك أنه مخرج، عند ضيق المخارج، وآخر شيء القول بالنسخ، آخر ما يلجأ إليه، إذا لم يمكن الجمع بين النصوص، ولا الترجيح يلجأ إلى النسخ، فإن قلنا: بالترجيح فحديث ابن عباس أرجح، وإن قلنا: بالتقدم والتأخر فحديث شداد متقدم، وهذا مما يؤيد قول الجمهور وإن قلنا: بجواب الحنابلة ومن يقول: بفطر الحاجم والمحجوم، قلنا: أن ليس فيه أكثر مما ذكر ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو صائم؛ ولكن ماذا عن النتيجة؟ ماذا عن النتيجة؟ ما ذكرت في حديث ابن عباس؛ لكن ظاهر اللفظ، ليس بنص في المسألة، ظاهر النص؛ لأن عندنا نص وظاهر، والاحتمال الأرجح والأظهر في الدلالة من النص، واحتمال مرجوح يسمونه المؤول، الذي يقابل الظاهر، فالنص الذي لا يحتمل غير الدلالة التي هي منطوق الخبر، والظاهر هو الاحتمال الراجح، والاحتمال الراجح من حديث ابن عباس أنه سيق لبيان أن الحجامة لا تفطر الصائم، هذا الذي يظهر من النص، يعني إذا قيل: زيد أسد، النص في هذا أنه حيوان مفترس، والظاهر أن زيد شجاع كالأسد، والاحتمال الأضعف أن زيد فيه وصف من أوصاف الأسد غير ظاهر؛ لكنه يحتاج إليه أحياناً، لو قلت: زيد أسد –مثلاً- وهو معروف ومشاع بين الناس أن زيد جبان تبحث عن وصف آخر يتفق فيه مع الأسد، وهو أيش –مثلاً- البخر، إذا كان زيد أبخر قيل: زيد أسد؛ لأنه يشارك الأسد في صفة غير ظاهرة، فالنص في هذا أن زيد حيوان مفترس؛ لكن ما هو مراد قطعاً، الظاهر منه أن زيد رجل شجاع كالأسد، المؤول وهو الاحتمال المرجوح أن زيد أبخر، تنبعث منه روائح كريهة من فمه كالأسد، وهذا يحتاج إليه إذا لم نجزم بالاحتمال الأظهر.
وهنا الاحتمال الظاهر أن ابن عباس ساق الخبر لبيان أن الحجامة لا تفطر الصائم، والاحتمال الثاني أنه ساق الخبر لبيان أن الحجامة تجوز للصائم إذا احتاج إليها كغيرها من المفطرات؛ لكنه لا يظهر، ليس بنص، ولا ظاهر، إنما هو احتمال مرجوح.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، هو لوجود بعض الروايات التي تشير إلى أنه يحتج به على الفطر قلنا: أنه ظاهر، والاحتمال الثاني قائم.(60/4)
يقول: حدثني يحي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يحتجم وهو صائم، قال: ثم ترك ذلك بعد لما بلغه فيها ما بلغه من حديث شداد، فكان إذا صام لم يحتجم حتى يفطر؛ لأنه -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- من الورع بمكان، كما قال بن عبد البر، وقال الباجي: "لما كبر وضعف صار لا يحتجم وهو صائم" لما كان في وقت الشباب والنشاط والقوة يحتجم وهو صائم لماذا؟ لأنه يحتمل الحجامة مع الصيام يحتمل الحجامة، ويستطيع أن يحتجم ويواصل الصيام؛ لكن لما ضعف وكبر صار ما يتحمل، فإذا احتجم اضطر إلى الفطر، فصار لا يحتجم وهو صائم، هذا ما قاله الباجي.
وحدثني عن مالك عن بن شهاب أن سعد بن أبي وقاص -هذا منقطع لكن ثبت من رواية عامر بن سعد عن أبيه وبهذا يكون متصلاً- أن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر كانا يحتجمان وهما صائمان، فدل على أن بعض الصحابة يرون أن الحجامة لا تفطر.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يحتجم وهو صائم، ثم لا يفطر، فالمؤلف -رحمه الله تعالى- يريد أن يقرر أن الحجامة لا تفطر، وأن ذلك معروف عند الصحابة والتابعين أيضاً، قال: "وما رأيته احتجم قط إلا وهو صائم" لأنه كان يواصل الصوم، قاله بن عبد البر، وهو محمول على غالب الأحوال محمول على الغالب من أحواله أنه كان لا يحتجم إلا وهو صائم؛ لكن إن احتاج إلى الحجامة وهو مفطر لا يحتجم ينتظر حتى يصوم؟! لا يظن به هذا.
قال مالك: "لا تكره الحجامة للصائم إلا خشية من أن يضعف" كما قال أنس بن مالك عند البخاري، ولولا ذلك لم تكره؛ لأن الضعف يلجأه إلى الفطر، "ولو أن رجلاً احتجم في رمضان ثم سلم من أن يفطر -يعني واصل الصيام ما احتاج إلى أن يفطر لضعفه- لم أر عليه شيئاً" لأنه فعل هذا الفعل الذي لا يفطر، "ولم آمره بالقضاء لذلك اليوم الذي احتجم فيه؛ لأن الحجامة إنما تكره للصائم لموضع التغرير بالصيام" يعني من أجل تعريض الصيام للإفطار، من أجل تعريض الصيام للإفساد والإبطال، "فمن احتجم وسلم من أن يفطر حتى يمسي فلا أرى عليه شيئاً، وليس عليه قضاء ذلك اليوم" وهذا هو قول الجمهور، ويرى الإمام أحمد وإسحاق أن الحجامة تفطر الصائم لحديث شداد.(60/5)
استدل الجمهور بقول ابن عباس وغيره، كما في البخاري "الفطر مما دخل لا مما خرج، ونقض الوضوء مما خرج لا مما دخل" يعني الفطر بسبب ما يدخل في البدن، ونقض الوضوء بسبب ما يخرج منه؛ لكن مثل هذا الكلام وهو غير مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يسلم طرداً ولا عكساً، الآن الفطر بالإجماع بالنسبة لمن جامع زوجته بسبب ما دخل من بدنه أو مما خرج منه؟ خرج، وليكن مثل ذلك: القيء والحجامة فلا يسلم طرداً كما أنه لا يسلم عكساً، فنقض الوضوء من أكل لحم الجزور مما دخل لا مما خرج، نعم قد ينازعون -من يقول مثل هذا- ينازع فيما نوزع فيه؛ لكن القاعدة ليست مطردة.
الحجامة مثل ما سمعنا من أقوال أهل العلم وحججهم، وعلى هذا يقال: الأحوط أن لا يحتجم الصائم؛ لكن إن احتاج إلى الحجامة، ورأى أنه يحتمل الحجامة من غير أن يعرض صومه للبطلان فالعمل على حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- ولا شك أن حديث شداد متقدم، والمتأخر يقضي على المتقدم.
فالمقصود أن الاحتياط أن لا يحتجم الصائم؛ لكن إن احتاج إلى الحجامة في هذا الوقت، وفي هذا الظرف، ولم يستطع تأخيرها إلى الليل اضطر إليها ومثلها الفصد، وقل مثل هذا في التبرع بالدم.
طالب:. . . . . . . . .
التحليل قالوا: إنه شيء يسير لا يؤثر؛ لكن التبرع بالدم الذي يحتاج إلى قدر كبير أكثر من الحجامة، فمن يفطر بالحجامة يفطر بالتبرع، والذي لا يفطر بالحجامة لا يفطر بالتبرع، أما بالنسبة لما يحتاج إليه من التحليل فمثل هذا يسير، لا يؤثر عند أهل العلم.
الغسيل بالنسبة لمريض الكلى، يحتاج المريض ولا يستطيع التأخير عن الوقت المحدد إلى إخراج الدم من بدنه، ثم تنقية هذا الدم، وإضافة بعض المواد إليه، ثم إعادته إلى البدن، وهذا لا إشكال في كونه يفطر، يعني إن قلنا: أن الحجامة تفطر هذا أفطر من مجرد إخراج الدم من بدنه، وإذا قلنا: إن الحجامة لا تفطر قلنا: أنه أفطر بإدخاله في بدنه وإضافة بعض المواد إليه، فالغسيل مفطر.
طالب:. . . . . . . . .
هذا خرج ودخل على القولين مفطر، هو مفطر على القولين.
طالب:. . . . . . . . .
نعم كيف؟ والله هو ما حل لكنه الراجح تصفيحه الراجح تصفيحه.
طالب:. . . . . . . . .(60/6)
ماذا؟ الحجامة حاجة من احتاج إليها لا بأس، الذي لا يحتاج إليها مثل العلاج، هي علاج إن احتيج إليها فلا بأس.
باب صيام يوم عاشوراء:
حدثني يحي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصومه في الجاهلية، فلما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة، وترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه.
وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- يوم عاشوراء، عام حج، وهو على المنبر، يقول: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لهذا اليوم: ((هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أرسل إلى الحارث بن هشام: أن غداً يوم عاشوراء فصم، وأمر أهلك أن يصوموا.(60/7)
أهل العلم يقررون أن من نوى الإفطار أفطر، لنفترض شخصاً -وهذا أيضاً يأتي في مسألة الاستقاء- من نوى الإفطار أفطر، شخص احتاج قريبه أو صديقه، أو مسلم احتاج إلى إنقاذ للتبرع بالدم، وهذا الشخص يرى أن الحجامة تبطل الصوم، والاستقاء يعني استدعاء القيء يبطل الصوم، فذهب إلى المستشفى ليتبرع لصديقه، واستلقى على السرير، ومد يده ليسحب منه الدم، ثم قالوا له: لسنا بحاجة إلى دم، الآن اكتفينا، يفطر ولا ما يفطر؟ مسألة مفترضة من شخص يرى أن الحجامة تفطر، وأهل العلم يقولون: من نوى الإفطار أفطر أو شخص استدعى القيء فلم يخرج منه شيء يفطر ولا ما يفطر؟ وإن كان متردداً هو ذهب إلى المستشفى فقال: إن احتيج إليّ تبرعت، وإن لم يحتج إليّ لم أتبرع، يختلف الحكم ولا ما يختلف؟ يختلف، مثل هذا متردد ليس بجازم بالفطر، وأما الأول جازم بأن يفطر، يعني جائع وعزم على أن يأكل، ثم نظر في الساعة قال: ما باقي إلا ساعة واحدة أتحمل، أهل العلم يقولون: من نوى الإفطار أفطر؛ لأن المطلوب استصحاب الحكم، وهو أن لا ينوي قطع العبادة قبل تمامها، هو ما زال في أثناء العبادة، الحنابلة يقولون: أو استقاء فقاء؛ لأن الاستقاء مجرد طلب القيء واستدعائه، ولا يلزم أن يخرج منه شيء، أو لا يخرج، هو استقاء؛ لكن ما خرج شيء يفطر ولا ما يفطر؟ استمنى فأمنى، يقولون: إذا لم يمن أيش يصير عليه؟ هو طلب ذلك، وهو بهذا الطلب -طلب الاستقاء وطلب القيء وغيره- نوى الإفطار، أو هذا الحكم يختلف ممن يعرف الحكم ومن لا يعرف؟ الذي لا يعرف أن الاستقاء يفطر مثلاً هذا لا أثر له لأنه لم يحصل منه القيء ولا نوى الإفطار لكن شخص يعرف أن الاستقاء يفطر فأدخل أصابعه في أقصى الحلق يستدعي القيء فلم يخرج شيء، ونظيره الذي استلقى على السرير، ومد يده، وربطت يده بالسيور، من أجل أن يسحب منه الدم، وقالوا: لسنا بحاجة إلى دمك، يحصل ولا ما يحصل؟ يحصل، هل نقول: استمر على صيامك، ولا تقضي هذا اليوم، أو نقول: مقتضى قولهم من نوى الإفطار أفطر، وأنت نويت الإفطار، يعني عبارة الحنابلة في كتبهم يقولون: أو استقاء فقاء، يعني ما علقوه على مجرد الاستقاء، حتى يخرج منه القيء، وهم يقررون أيضاً أن من نوى(60/8)
الإفطار أفطر، فعلى هذا نقول: يختلف الحكم، فمن يعرف أن الاستقاء يفطر نقول: نوى الإفطار، والذي لا يعرف أن الاستقاء مفطر هذا ما نوى الإفطار؛ لكن لو خرج منه القيء بالاستدعاء أفطر، ومثله صاحب التبرع.
باب صيام يوم عاشوراء:
يعني ما حكمه؟ وعاشوراء: بالمد على المشهور، وحكي فيه القصر، وزعم ابن دريد أنه اسم إسلامي، يعني ما يعرف في الجاهلية، اسم إسلامي، ورد عليه بن دحية بأن ابن الأعرابي حكى أنه سمع في كلامهم خابوراء، يعني الصيغة موجودة في كلامهم، وما دامت الصيغة موجودة، والوزن موجود، ما فيه ما يمنع أن يكون من ألفاظهم عاشوراء، كما أنه رد أيضاً بقول عائشة أن يوم عاشوراء يوم تصومه قريش في الجاهلية لكن هل يلزم من صيامهم لهذا اليوم أن يكون اللفظ معروفاً عندهم؟ نعم لا يلزم، ما يلزم.
وعاشوراء معدول عن عاشرة، أي الليلة العاشرة، والعدل للمبالغة والتعظيم، والأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر، من شهر الله المحرم، وهو مقتضى الاشتقاق، يعني كيف تقول: عاشوراء مأخوذ من التاسع أو من العاشر أيهما أقرب؟
طالب:. . . . . . . . .
من العاشر، تأخذ من التاسع تاسوعاء، لكن ما تأخذ عاشوراء من التاسع، هذا هو مقتضى الاشتقاق، وقيل: عاشوراء هو اليوم التاسع؛ فعلى هذا على القول الأول اليوم مضاف إلى لليلة الماضية السابقة على القول الأول؛ لأن عندنا ليلة العاشر قبلها التاسع، وبعدها العاشر، فإذا قلنا: عاشوراء وعاشوراء معدول عن العاشرة قلنا أن هذا اليوم مضاف لليلة التي قبله، وإذا قلنا بالقول الثاني وأنه التاسع قلنا أن اليوم مضاف لليلة التي بعده روي عن ابن عباس هذا القول، وأن عاشوراء هو اليوم التاسع هذا مروي عن ابن عباس له وجه ولا ما له وجه؟
طالب:. . . . . . . . .
دعنا من الليلة لكن التاسع نقول له عاشوراء ولا ما نقول له؟ هو يستدل بحديث: ((لأن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)) مع حثه على صوم يوم عاشوراء إذاً يوم عاشوراء هو التاسع الذي أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يصومه هو ما بقي إلى قابل لينظر هل يصوم التاسع فقط ليكون هو يوم عاشوراء أو يضيف إليه العاشر ليكون عاشوراء هو العاشر وصيام التاسع من باب المخالفة؟(60/9)
وعلى كل حال الحديث الذي يقول: ((لأن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)) يعني مع العاشر، فعاشوراء هو العاشر، ويصوم معه التاسع، ويدل عليه الأمر بالمخالفة، مخالفة اليهود، صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده، فصيام التاسع لا يكفي وحده، ولا تحصل به السنة، وليس هو بعاشوراء، وإنما عاشوراء هو اليوم العاشر. يقول: حدثني يحي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "كان يوم عاشوراء يوم تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصومه"، صامه وأمر بصيامه قبل فرض رمضان، وكان صيامه واجباً، ثم نسخ ذلك في رمضان، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصومه في الجاهلية، فلما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة صامه، وأمر بصيامه، أمر بصيامه على سبيل الإيجاب قبل فرض رمضان، كم سنة؟
طالب: سنة واحدة.
واحدة، سنة واحدة؛ لأن قدومه في السنة الأولى كان في ربيع، ذهب عاشوراء السنة الثانية صام عاشوراء، ثم فرض رمضان في السنة الثانية فما بقي المفروض إلا سنة واحدة، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة، عند رمضان صار هو الفريضة، وترك يوم عاشوراء، ترك فرضه، ترك؟ يني ترك فرضه، وبقي الاستحباب، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه، ونقل بن عبد البر الإجماع على أنه الآن ليس بفرض، وعلى أنه مستحب؛ لأن ظاهر الخبر، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه، يدل على التخيير والإباحة، ومثل هذا لا يدل على الاستحباب؛ لكن استحباب صيامه إجماع بدليل أنه يكفر السنة الماضية.(60/10)
وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان يوم عاشوراء عام حج، يعني قبل حجه، أو بعد حجه، بعد أن قفل من مكة، عام حاج، أول حجة حجها بعد خلافته سنة أربع وأربعين، هي أول حجة بعد أن استخلف، وآخر حجة حج سنة سبع وخمسين، يقول ابن حجر: "والذي يظهر أن المراد بها في هذا الحديث الحجة الأخيرة، لا الأولى عام حج" وهو على المنبر، منبر المدينة، يقول: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ كأنه لم ير اهتماماً بصيام هذا اليوم، كأنه لم ير اهتمام من أهل المدينة بصيام هذا اليوم، وأهل المدينة يُتعجب من بعض ما صار عندهم، كما سيأتي عند الإمام مالك -رحمه الله- بالنسبة لصيام الست من شوال، أنه ما رأى أحداً من أهل العلم والفضل يصومه، ومعاوية -رضي الله تعالى عنه- يقول: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لهذا اليوم: ((هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه)) ولم يكتب (لم) هذا حرف أيش؟ نفي وجزم وأيش؟ وقلب أيش؟ معنى لم يكتب، يعني قلبت الفعل المضارع من المستقبل إلى الماضي، يعني لم يكتب في الماضي عليكم صيامه، ويستدل بهذا من يقول: أنه لم يفرض أصلاً ما فرض، ولا قبل رمضان، بدليل قوله: لم يكتب عليكم صيامه؛ لأن لم قلبت الفعل، يعني ما كتب أبداً، حتى في الماضي ما كتب، فيستدل بهذا من يقول: أنه لم يكن فرض قط، ولا دلالة فيه لاحتمال أن يكون المراد أنه لم يكتب يعني بعد النسخ، بعد النسخ بفرض صيام رمضان، قال: لم يكتب قلبته إلى الماضي من كلام معاوية -رضي الله تعالى عنه-، لم يكتب قبل يوم هذا، وإن كتب قبل فرض رمضان.
((ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر)) وعرفنا أن صيام يوم عاشوراء سنة مؤكدة، كانوا يأمرون الصبيان ممن يستطيع الصيام أن يصوم هذا اليوم، ولا يفرط في صيام مثل هذا اليوم الذي يكفر سنة إلا محروم، على أنه من أراد أن يصومه فليصم يوماً قبله، وليكن التاسع، أو يوماً بعده وليكن الحادي عشر، مخالفة لأهل الكتاب.(60/11)
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب أرسل إلى الحارث بن هشام بن المغيرة، وهو من مسلمة الفتح، هو الذي سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الوحي، في أوائل الصحيح، أرسل إلى الحارث بن هشام أن غداً يوم عاشوراء، غداً يوم عاشوراء، أرسل إليه في اليوم التاسع من المحرم، وقال له: غداً يوم عاشوراء، فصم وأمر أهلك أن يصوموا، وهذا ساقه الإمام مالك -رحمه الله تعالى- لبيان أن التخيير في الحديثين السابقين ((من شاء صامه ومن شاء تركه)) ((من شاء فليصم ومن شاء فليفطر)) هذا التخيير لم يكن للإباحة، وإنما هو للاستحباب، فعمر أرسل إلى الحارث بن هشام: أن غداً يوم عاشوراء، فصم، وأمر أهلك أن يصوموا، أن ذلك للاستحباب، لا على سبيل الوجوب، وأن ذلك مستمر بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأنه لم يطرأ عليه ما ينسخه، وإن نسخ وجوبه.
باب صيام يوم الفطر والأضحى والدهر:
حدثني يحي عن مالك عن محمد بن يحي بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صيام يومين، يوم الفطر ويوم الأضحى.
وحدثني عن مالك أنه سمع أهل العلم يقولون: لا بأس بصيام الدهر إذا أفطر الأيام التي نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صيامها، وهي أيام منى، ويوم الأضحى، ويوم الفطر، فيما بلغنا، قال: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك.
يقول -رحمه الله تعالى- باب صيام يوم الفطر والأضحى والدهر:
حدثني يحي عن مالك عن محمد بن يحي بن حبان عن الأعرج -عبد الرحمن بن هرمز- عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى، والأصل في النهي التحريم، وقال بتحريم صيام يومي العيدين عامة أهل العلم، وأن صيامهما حرام، ولا يصح، باطل، ولا يجزئ، ولا ينعقد فيما لو نذره، لا ينعقد، ولا يصح، خلافاً للإمام أبي حنيفة أنه يحرم صومهما؛ لكن لو نذر صيامهما انعقد الصيام، ويصوم يومين مكانهما، نهى عن صيام يومين، يوم الفطر، ويوم الأضحى، والعلماء كافة على تحريم الصيام في هذين اليومين، نقل الإجماع؛ لكن يبقى أنه لو صامه فالصوم باطل؛ لأن النهي يعود إلى ذات المنهي عنه؛ فمع التحريم البطلان، فلا ينعقد لو نذره أو صامه قضاء ما أجزأ، بل يحرم صيامهما.(60/12)
يقول: حدثني عن مالك أنه سمع أهل العلم يقولون: لا بأس بصيام الدهر، وهذا معروف عند أكثر العلماء أنه لا بأس به، بل يستحبونه إذا أفطر الأيام المنهي عن صيامها كالعيدين وأيام التشريق، وما عدا ذلك يجوز صيامه عند الأكثر، لا بأس بصيام الدهر إذا أفطر الأيام التي نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صيامها، كيومي العيدين، على ما سمعنا وأيام التشريق التي جاء فيها أنها أيام أكل وشرب وذكر لله -عز وجل-، وأنه لم يرخص في صيام أيام التشريق إلا لمن لم يجد الهدي، فدل على المنع من صيامها التي نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صيامها، وهي أيام منى، ويوم الأضحى ويوم الفطر فيما بلغنا البخاري عن عائشة وابن عمر -رضي الله عنهما- قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي، فدل على أن صيام أيام التشريق محرم، فإذا أفطر هذه الأيام الخمسة فالباقي على خلاف بعضها كتخصيص الجمعة، وتخصيص السبت، وتقدم رمضان بيوم أو يومين، وإذا انتصف شعبان، يعني أيام جاء النهي عنها كل على مذهبه في الحكم، منهم من يرى تحريم صيام هذه الأيام، ومنهم من يرى الكراهة، ومنهم على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
"وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك" أحمد وإسحاق قالوا: بالكراهة، كراهة صيام الدهر، حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه يسرد الصوم، فهل عليه من جناح أن يصوم في السفر؟ وهذا تقدم، فأخبره أنه لا جناح عليه بذلك، يسرد الصوم، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصوم حتى يقال: أنه لا يفطر، ويفطر حتى يقال: أنه لا يصوم.(60/13)
المقصود أن تتابع الأيام بالصيام لا شيء فيه، ما لم يكن الدهر كامل، في الحديث الصحيح ((لا صام من صام الأبد)) يعني صام الدهر، وهذا يحتمل أمرين: يحتمل أن يكون دعاء عليه، بمعنى أنه يدعى عليه بأن لا يدرك الصيام بعد ذلك، وقد خاب من دعا عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويحتمل أن يكون خبراً، وهو وإن كان خبراً إلا أنه حكم شرعي، أنه وإن صام بالامتناع من الأكل والشرب إلا أنه لم يصم صياماً شرعياً، وقد خاب من أخبر عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه لم يصم، كما يقول ابن العربي، على الوجهين سواء كان دعاء أو خبر.
وعلى كل حال أفضل الصيام، يعني مع الحث على الصيام صيام ثلاثة أيام، كمن صام الدهر، من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر، وأفضل الصيام الذي لا أفضل منه صيام أيش؟ داود يصوم يوماً ويفطر يوماً.
طالب: صيام الدهر يا شيخ؟
صيام الدهر قلنا: أن الجمهور يقولون: لا بأس به، إذا أفطر الأيام المنهي عن صيامها، ما في شيء، ((لا صام من صام الأبد)).
طالب:. . . . . . . . .
المشقة مثل ما قال: ((أولئك العصاة)) الذين نشق عليهم، على كل حال هذا قولهم، هم رأوا من العمومات من الترغيب في الصيام، وأن من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجه عن النار سبعين خريفاً، ورأوا أن الصيام من أفضل الأعمال، وأنه نهي عن أيام بعينها تترك هذه الأيام، لكن قول مرجوح، يعني أفضل منه صيام داود لا أفضل من صيام داود -عليه السلام-، هو أفضل الصيام كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح (( ... صيام داود، يصوم يوماً ويفطر يوماً)).
طالب:. . . . . . . . .
مفضول، يصير مفضول، إيه مفضول.
طالب: كيف مفضول وقد قال به أكثر العلماء؟(60/14)
ما هو معنى أنه قال به أكثر العلماء أنه هو الراجح، ما يلزم، نحن ندور مع الدليل، نجزم بأن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا صام من صام الأبد)) أن فعله مرجوح على أي احتمال، حتى ولو كان نفي، وليس بدعاء، هم يقولون: أنما ينهى عنه، ويمنع منه من باب الشفقة على المكلف، لا يمنع منه، لا يكون حكمه المنع، ولذلك ابن عمر، وابن عمرو لما منعه النبي -عليه الصلاة والسلام- من الصيام، ومنعه من كثرة تلاوة القرآن، قالوا: منعه شفقة عليه، ولذلك ابن عمر ما امتثل، ولكنه ندم عبد الله بن عمرو بن العاص؛ لكنه ندم أن لم يقبل إشارة النبي -عليه الصلاة والسلام- له بالرفق على نفسه، فيكون إذا كان الداعي للأمر أو للنهي بالكف الشفقة على المكلف، يعني أمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يفطر ما أفطر فهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام-، إنما أمره شفقة عليه، ويقول: أنا أتحمل وأريد الأجر التي ثبت في النصوص الأخرى عند بعض أهل العلم أن هذا لا يؤثر؛ لأنه إنما منع من باب الشفقة عليه، يعني أمر بالفطر، أو منع من الصوم شفقة عليه، منع من قيام الليل كله شفقة عليه، منع من قراءة القرآن كل يوم شفقة عليه، وهكذا، يقولون: إذا فهم من النص هذا فإنه لا يدل على المنع؛ لكن إذا لم نلتزم بشفقة النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي بعث رحمة للعالمين، معناه ما ائتسينا به، ولا اقتدينا به، هذا من أخص أوصافه -عليه الصلاة والسلام-.
باب النهي عن الوصال في الصيام:
حدثني يحي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الوصال، فقالوا: يا رسول الله فإنك تواصل! فقال: ((إني لست كهيئتكم، إني أطعم وأسقى)).
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إياكم والوصال، إياكم والوصال)) قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله، قال: ((إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- باب النهي عن الوصال في الصيام:(60/15)
والمراد بالوصال أن يصوم أياماً متتابعة من غير أن يتخللها فطر في الليل، فيمسك عن الأكل والشرب والجماع في الليل والنهار أكثر من يوم، يومين أو ثلاثة أو أربعة، والوصال يعارض سنن منها: الأمر بتعجيل الفطر، والتأكيد على السحور، وأنه مندوب، وأنه فرق بيننا وبين صيام أهل الكتاب أكلة السحر، ومنها: أنه يعين على الطاعة، ويترتب عليه مخالفات كثيرة عن الوصال، ولذا نهى عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-.
والنهي عند الجمهور للكراهة، وحمله الشافعي على التحريم، وهو الأصل، الأصل في النهي التحريم؛ لكن يستدل من حمله على الكراهة بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- واصل بهم، لما قالوا له: إنك تواصل، واصل بهم اليوم الأول والثاني، ثم بعد ذلك رؤي الهلال، ولو لم ير الهلال لاستمر، كالمنكل بهم، ولو كان الوصال محرماً لما نكل بهم بالمحرم، لو كان الوصال محرم ما نكل بهم بالمحرم؛ لأن الإنسان إذا فعل شيئاً يستحق عليه العقاب ما يعاقب بمحرم، هذه حجة الجمهور في صرفهم النهي من التحريم إلى الكراهة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
حدثني يحي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الوصال فقالوا: يا رسول الله فإنك تواصل، (فقالوا) لم ترد التسمية في شيء من طرق الحديث لهؤلاء القائلين؛ لكن هل من الأدب أن يقال: يا رسول الله إنك تواصل؟ بعد أن نهى عن الوصال؟ يعني قال: ((لا تواصلوا)) قالوا: أنت تواصل، أو أن هذا من باب الحرص على الخير، والاقتداء به -عليه الصلاة والسلام-، قالوا: يا رسول الله فإنك تواصل، قال: ((إني لست كهيئتكم)) يعني ليس حالي كحالكم، ولست مثلكم، إني أطعم وأسقى.(60/16)
الحديث الذي يليه يقول: وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إياكم والوصال، إياكم والوصال)) وعند البخاري: ((إياكم والوصال)) مرتين، وعند مسلم ثلاث مرات، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله، قال: ((إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)) ((أطعم وأسقى)) الطعام والشراب من خلال الحقائق الثلاث، هل ينطبق عليه الحقيقة اللغوية؟ الطعام المذكور هنا هل نقول: طعام لغوي؟ وهل تختلف الحقائق الثلاث اللغوية والعرفية والشرعية في الطعام والشراب؟ يعني مثل هذا ماذا نسميه؟ إناء، صح وإلا لا؟ وهو أيضاً وعاء لغة وعرفاً وشرعاً، يعني ما تختلف فيه الحقائق الثلاث، هل يقال له: غير الإناء في اللغة، نعم، ولذا يقولون في باب الآنية: هي الأوعية لغة وعرفاً وشرعاً، صح وإلا لا؟ يعني تجتمع فيها الحقائق الثلاث، الطعام والشراب تختلف فيها الحقائق الثلاث؟ ما تختلف، يعني الأكل والشرب، هذا شرب، يعني إذا شرب الإنسان شرب لغة، يعني الشرب: إدخال الماء إلى الجوف بواسطة الفم، هذه حقيقته في اللغة، وفي العرف، وفي الشرع، ومثله الطعام، إذاً هذا الطعام هل هو طعام لغوي؟ هل هو طعام عرفي؟ هل هو طعام شرعي؟ لو كان طعام لغوي قلنا: أفطر، لو قلنا: طعام عرفي، قلنا: أفطر، ما واصل، لو قلنا: طعام شرعي، قلنا: أفطر ما واصل، إذاً ما حقيقة هذا الطعام وهذا الشراب؟ الذي يقول بالمجاز ما عنده مشكلة، يقول: استعمال للفظ في غير ما وضع له، ولا عنده إشكال في مثل هذا، ما عنده مشكلة؛ لكن الذي ينفي المجاز كيف يقول عن هذا: أنه طعام؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ لا، لا، لا بد أن نتعامل مع النصوص على ضوء الحقائق الثلاث، ما دمنا ننفي المجاز، لا بد أن نقول: هذا الكلام حقيقي كيف حقيقي؟.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، لا، لا، نريد أن يكون كلامنا ما فيه مداخل لآخرين؛ لأن صاحب المجاز يريد يلزمنا بهذا، يقول: طبق عليها الحقائق الثلاث وناقشني.
طالب:. . . . . . . . .
حقيقة شرعية غير الحقيقة الشرعية المعروفة؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني تستطيع تنظر لنا بحيث يكون كلامك صحيح.
طالب:. . . . . . . . .(60/17)
وشو الحديث؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، إيه، نريد نظير هذا، أن الحقيقة الشرعية تأتي لأكثر من شيء، هذا مثال رددناه مراراً، يعني الطعام المعنوي حقيقة شرعية كما هنا، الطعام الحقيقي المأكول والمشروب حقيقة شرعية، يعني مثل ما قال كلامه صحيح، هذه حقيقة شرعية، وتلك حقيقة شرعية، ومثله المفلس صحيح، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قال: ((أتدرون من المفلس؟ )) قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، يأتي بأعمال من صلاة وصيام وغيرها من الأعمال الصالحة، وفي رواية: ((أمثال الجبال)) يأتي وشتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، وظلم هذا، وأخذ مال هذا، إلى آخر الحديث، فهو مفلس حقيقة شرعية، كما أن له حقيقة شرعية أخرى في باب الحجر والتفليس، ((من وجد ماله عند رجل قد أفلس فهو أحق به)) هل نقول: هذا المال الذي وجدته عند رجل جاء بأعمال أمثال الجبال، وضرب هذا، وسفك هذا، هذه حقيقة هنا؟ لا، ليست هذه حقيقة، حقيقته: من لا درهم له ولا متاع، هذا المفلس، فهذه حقيقة شرعية، وتلك حقيقة شرعية، والطعام الحقيقي المأكول والمشروب حقيقة شرعية، والطعام المعنوي الذي عندنا حقيقة شرعية، فلا يشكل -إن شاء الله-.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، كيف؟ هذا من خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لكن نحتاج إلى أن نوجه هذا الكلام ((يطعمني ويسقيني)) كيف يطعمني؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه، حقيقي يعني أكل وشرب؟ ويصير مواصل؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني من غير مرور بالحلق، يعني لو فتح البطن ويدخل فيه طعام ما أثر على الصائم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا خليه مو مباشر بالمشرط ما يفطر؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا نحتاج إلى كلام علمي لئلا يرد علينا أصحاب المجاز يقولون ها يا لله صرفوا هذا الكلام على الحقائق الثلاث التي تدعونها لا بد أن نقول بأنه مجاز أو نوجد له مخرج نعم.
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه اللي يطلق على الطعام المعنوي طعام حقيقة شرعية، وعلى الطعام الحقيقي حقيقة شرعية، مثل ما نظرنا بالمفلس سواء.
طالب:. . . . . . . . .
هذاك فلس معنوي، وهذا فلس حقيقي وهذا طعام معنوي حقيقة شرعية، وهذا. . . . . . . . .(60/18)
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، إذا قلنا: بأنها حقيقة شرعية ما احتجنا أن نقول: مجاز أبداً؛ لأن الحقيقة غير المجاز.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟؟
طالب:. . . . . . . . .
قد تكلم فيه ابن القيم، يقول: ما يلقى إليه من المعارف والأذواق وكذا، من غذاء الروح، غذاء القلب، هذا معلوم، يعني الإنسان أحياناً هاه ...
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، ما نحتاج، الفلس هذا مجاز؟ لا، ليس مجاز، أنت الآن لو بيدك كتاب وأنت طالب علم منهوم، طالب علم بالفعل، وبيدك كتاب، ويقدم لك الغداء أو العشاء، تحس أنك لست بحاجة إليه أصلاً، وأنت تستفيد من هذا الكتاب، فابن القيم يقول: من له أدنى ذوق وتجربة يعلم استغناء الجسم بذلك عن الغذاء الحسي، حتى قال الشاعر:
لها أحاديث من ذكراك تشغلها ... عن الشراب وتلهيها عن الزادِ
طالب:. . . . . . . . .
نعم، بال الشيطان في أذنيه، اشفيه؟
طالب:. . . . . . . . .
نحن نقول: يبول الشيطان بول حقيقي، وش المانع؟ والله أعلم بكيفيته، يعني أنت تقول: أنا ما آنست شيء في أذني ولا في خيشومي، ولا شيء، ولا ...
طالب:. . . . . . . . .
لأنه لو صار حقيقي ما واصل، فكيف يواصل وهو يأكل ويشرب؟ أيش معنى الوصال؟ عدم الأكل وعدم الشرب، لو أكل وشرب ما صار مواصل.
طالب:. . . . . . . . .
لا، عندك أحاديث تدل على الأكل والشرب، حقيقته فيما يؤكل ويشرب.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، هو امتنع من الأكل والشرب الحقيقي الشرعي الحسي، فحصل له الأكل والشرب الحقيقي الشرعي المعنوي، ولو قلنا بالأول لقلنا: ما واصل، ومنهم من يقول: أن طعام الجنة ما يفطر، ولا يقطع الوصال، وهذا خاص، كما أن هناك أمور محرمة في الدنيا وهي مباحة في الجنة، على كل حال الكلام طويل حول هذا، لكن يكفينا من هذا ما سمعنا.
باب صيام الذي يقتل خطأ أو يتظاهر:(60/19)
حدثني يحي وسمعت مالكاً يقول: أحسن ما سمعت فيمن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في قتل خطأ أو تظاهر فعرض له مرض يغلبه، ويقطع عليه صيامه، أنه إن صح من مرضه، وقوي على الصيام فليس له أن يؤخر ذلك، وهو يبني على ما قد مضى من صيامه، وكذلك المرأة التي يجب عليها الصيام في قتل النفس خطأ إذا حاضت بين ظهري صيامها أنها إذا طهرت لا تؤخر الصيام، وهي تبني على ما قد صامت، وليس لأحد وجب عليه صيام شهرين متتابعين في كتاب الله أن يفطر إلا من علة مرض، أو حيضة، وليس له أن يسافر فيفطر. قال مالك -رحمه الله-: "وهذا أحسن ما سمعت في ذلك".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب صيام الذي يقتل خطأ:
الذي يقتل مؤمناً خطأ فعليه مع الدية الكفارة، والكفارة عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، أو يظاهر من امرأته بأن يجعلها كظهر أمه، على ما جاء في سورة المجادلة، ومثل هذا الذي يطأ امرأته في نهار رمضان على ما تقدم، فيلزم بصيام شهرين متتابعين إذا عجز عن العتق في الكفارات الثلاث، صيام شهرين متتابعين بأن لا يقطع هذا التتابع بفطر يوم أو أكثر بلا عذر.(60/20)
حدثني يحيى وسمعت مالكاً يقول: "أحسن ما سمعت فيمن وجب عليه صيام شهرين متتابعين إذا لم يجد رقبة ليعتقها في قتل خطأ أو تظاهر" يعني من زوجته "فعرض له مرض يغلبه" يعني حصل له عذر شرعي يبيح له الفطر كالمرض والحيض والنفاس، "بحيث لا يستطيع معه الصيام" عيد مثلاً، وأيام تشريق، يعني عليه صيام شهرين متتابعين فبدأ بها من واحد ذي الحجة، يقول: أريد أن أصوم شهر ذي الحجة لفضل العشر وأصوم من شهر الله المحرم، أو أصوم جميع شهر الله المحرم، فيصوم من واحد ذي الحجة إلى آخر محرم، ثم يأتيه يوم العيد وأيام التشريق يجب عليه أن يفطر هذا عذر شرعي، "بحيث لا يستطيع الصيام ويقطع عليه صيامه، بعد أن شرع فيه أنه إن صح من مرضه" اضطر إلى ما يمنعه من متابعة الصيام بسبب المرض "وقوي على الصيام بعد أن يصح مباشرة" لا يتأخر، يقول: أنا الآن مرضت، وانقطع التتابع، وأفطرت بعذر وأحتاج إلى شهر نقاهة لأستعيد صحتي، نقول له: خلاص مجرد ما تستطيع الصيام تعود إلى الصيام، يرتفع عنك الوصف المبيح، "إن صح من مرضه وقوي على الصيام فليس له أن يؤخر ذلك" عليه أن يبادر بالصيام إذا ارتفع الوصف الذي يبيح له الفطر، "وهو يبني على ما قد مضى من صيامه فإن أخر ذلك لم يبن" إن أخر ذلك بعد أن عوفي من مرضه لم يبن بل عليه أن يستأنف صيام الشهرين، وكذلك المرأة التي يجب عليها الصيام في قتل النفس خطأ، أو بالجماع في نهار رمضان؛ لكن هل المرأة تظاهر من زوجها إذا قالت: هو عليها كظهر أبيها؟ يلزمها كفارة ولا ما يلزمها؟ لا يلزمها، كفارة ظهار ما يلزمها؛ لكن هي حرمت ما أحل الله عليها يلزمها كفارة يمين.
طالب:. . . . . . . . .(60/21)
على كل حال إذا كانت مطاوعة ومختارة، قد تكون هي السبب، يقول: "وكذلك المرأة التي يجب عليها الصيام في قتل النفس خطأ إذا لم تجد رقبة تعتقها إذا حاضت بين ظهري" تثنية ظهر، وقد تضاف الألف والنون يقال: بين ظهراني، وهذا كثير "بين ظهري صيامها" يعني في أثنائه "أنها إذا طهرت لا تؤخر الصيام" تقول: ما دام أنا عذرت في الإفطار أسبوع أرتاح أسبوع ثاني، ما دام انقطع التتابع انقطع نرتاح، نقول: لا، "لا تؤخروا الصيام" لأنه ليس هناك عذر "وهي تبني على ما قد صامت فإن لم تتابع الصيام بعد ارتفاع السبب فإنها تستأنف صيام الشهرين المتتابعين" يقول: "وليس لأحد وجب عليه صيام شهرين متتابعين في كتاب الله أن يفطر إلا من علة" مرض على ما تقدم أو حيضة على ما سبق، يقول: "وليس له أن يسافر فيفطر، بل يصوم، فإن أفطر في سفره عليه أن يستأنف من جديد" لأنه يمكن يمكنه الصوم مع السفر، وإن لحقته المشقة بخلاف المرض والحيض لا يمكنه الصيام.
قال مالك: "وهذا أحسن ما سمعت في ذلك" أنه ليس له ألفطر إذا سافر، من أهل العلم من يرى أن العذر الذي يبيح الفطر في رمضان، وهو آكد، يبيح له الفطر في صوم الشهرين، ولا يقطع عليه التتابع، ومنه السفر فيجوز له أن يفطر في أثناء الشهرين المتتابعين؛ لأن الأصل في صيام رمضان أنه على التتابع، هذا الأصل فيه، لكن إذا وجد عذر يبيح من مرض وحيض ومثله السفر، على أن لا يسافر من أجل الفطر؛ لأنه إذا سافر ليفطر حرم عليه ذلك، ولم يصح له الفطر؛ لكن سفر وجد السفر، وهو عذر مبيح، يبيح له الفطر في رمضان، ومن باب أولى أن يفطر في الشهرين المتتابعين، وقال بهذا جمع من أهل العلم، ولا شك أن الاحتياط على ما يرى مالك، أن الإنسان ما دام نُص على التتابع في الكتاب والسنة، ينتهي من هذه الأيام، ويخرج من عهدة الواجب بيقين، ويستبريء لدينه وعرضه، وإذا انتهى من صيامه يسافر كيفما شاء؛ لكن لو سافر، وأخذ بقول من يقول: بأن السفر لا يقطع التتابع كالسفر في رمضان له وجه -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(60/22)
الموطأ - كتاب الصيام (4)
(القبلة للصائم)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: في سماع حميد من عبد الرحمن من عمر وعثمان في الخبر السابق المروي من طريقه أن عمر وعثمان -رضي الله عنهما- كانا يصليان ثم يفطران.
يقول: سماع حميد من عبد الرحمن بن عوف من عمر وعثمان -رضي الله عنهما- يقول: روى مالك عن ابن شهاب عن ابن حميد أن عمر وعثمان، ورواه يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن حميد قال: رأيت، قال: أبو زرعة لم يسمع حميد من أبي بكر ولا علي -رضي الله عنهما-، يقول: فعدمه من عمر وعثمان من باب أولى، وأرخ ابن سعد وفاته عام خمسة وتسعين، وذكر أن عمراً ثلاثة وسبعين، وخالفه الإمام أحمد والفلاس ويعقوب بن سفيان وخليفة بن خياط والحربي، قالوا: توفي سنة خمس ومائة، قال ابن سعد: هذا خطأ.
في طبقات ابن سعد هنا الجزء الخامس (صفحة 145) قال: "حدثنا محمد بن سعد، قال: وأخبرني معن بن عيسى عن مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن أن عمر وعثمان كانا يصليان المغرب في رمضان، ولم يقل: رأيت.
مثل الرواية التي عندنا، عن حميد بن عبد الرحمن أن عمر وعثمان كانا يصليان المغرب في رمضان، ولم يقل: رأيت.
قال محمد بن عمر: من هو؟ الواقدي، وأثبتهما عندنا حديث مالك، وإن حميداً لم ير عمر، ولم يسمع منه شيئاً، وسنة موته يدل على ذلك، ولعله قد سمع من عثمان؛ لأنه كان خاله، وكان يدخل عليه كما يدخل عليه ولده صغيراً وكبيراً.
أما بالنسبة لعمر لم ير عمر -رضي الله تعالى عنه-، وقال: أن عمر وعثمان، ولم يقل: رأيت.
وحينئذ الذي يغلب على الظن وجود واسطة، فهو يحكي قصة لم يشهدها قطعاً بالنسبة لعمر، واحتمالاً بالنسبة لعثمان.
وإذا كان كما قال أبو زرعة لم يسمع حميد من أبي بكر ولا علي، فمن باب أولى بالنسبة لعمر وعثمان، فالذي يغلب على الظن عدم ثبوت هذا الخبر، وهو مصادم للنص الصحيح الصريح.
يقول: سلعة معدة للبيع هل أحسب زكاة المال بثمن شرائها أم بالثمن الذي تساويه في السوق؟
يحسب قيمتها بالثمن الذي تستحقه وقت حلول الحول، ووقت وجوب الزكاة.
يقول: كيف نسلم على الكفار؟(61/1)
لا يجوز بداءة الكافر بالسلام؛ لكن إذا سلم هو يرد عليه بقوله: وعليكم، وإن رأى من مصلحة التأليف والدعوة داعية إلى الملاطفة، يلاطفه بعبارة غير تحية المسلمين.
يقول: أنا شاب فلسطيني من غزة نعاني بعض الماديات لأن أبي عاطل عن العمل منذ بدأ الانتفاضة المباركة، وأنا أعمل في الإنترنت يقول: لكن عندي مشروع صغير، وأريد أن أسحب قرض حتى أنشئ المشروع، وأعيش أنا وعائلتي التي تتكون من إحدى عشر فرداً؟
القرض الذي يريد أن يقترضه كما وضحه فيما بعد ..
يقول: للمعلومية يقصد قرض ربوي، يقترض خمسة آلاف نقد، ويدفعه ستة آلاف أقساط؟
هذا هو عين الربا، لا يجوز بحال من الأحوال كونه محتاج الحاجة لا تبرر ارتكابه ما حرم بالنصوص القطعية؛ لكن يبحث عن وسيلة أخرى.
هذا يذكر عن بعض الشيوخ أن التقويم متقدم، نعم التقويم متقدم قرابة سبعة عشر دقيقة، وهو خرج مع لجنة، ويجزم بذلك بالنسبة للرياض، أما خارج الرياض يقول: لا زال البحث جارياً.
هذا يقول: شخص قال لشخص: أنت أبو هريرة والسواك في فمك ولحية وثوب قصير، فما الحكم في هذا القول؟
إذا كان يستخف بهذه السنن، وينبز المتصف بها، فعلى خطر، نسأل الله السلامة والعافية.
يقول: رجل يسأل ويقول: هل يجوز أن أسعى لفقير عند أمير غني حتى يعطيه مالاً وأشترط عليه نسبة معينة إذا خرج له مال، مع أن الذي يسعى لا يعمل عند الأمير إنما بمجرد معارف؟
أخذ الأجرة على الجاه، يمنعه جمع من أهل العلم، وهذه أجرة على الجاه ينبغي أن تسود بين المسلمين بالتعاون على البر والتقوى ونفع الآخرين دون مقابل.
طالب: إذا كان فقيراً؟
من الفقير؟ على كل حال يغنيه الله من فضله، يسعى لأخيه، ثم يُسعى له، الجزاء من جنس العمل.
أسئلة لا علاقة لها بالدرس، تترك إلى وقت أوسع.(61/2)
هذا مؤلف كتاب يقول: ما رأيكم في هذا الكلام الآتي في اعتبار اختلاف المطالع في الرؤيا، قال مؤلف كتاب (الزلال): أعلم يقيناً أن القول الصحيح الذي انفصل عليه المحققون من علماء الأثر، وأهل النظر، وعلماء الهيئة هو أن ينظر بين بلد الرؤية وغيرها، فإن كان بينهما ألفين ومائتين وستة وعشرين كيلاً فأقل صار الحكم واحداً في الصوم والفطر لاتحاد المطالع، وإن كان أكثر من ذلك فلا يصح، وصار لكل بلد حكمه لاختلاف مطالعها، سواءً كان البعد شرقاً أو غرباً أو شمالاً أو جنوباً تحت ولاية واحدة أم لا في إقليم واحد أو لا، وهذا هو المطابق للنصوص الشرعية والفلكية، وبهذا تنتفي جميع الإشكالات، ألفين ومائتين وستة وعشرين؟
يعني ما بين تبوك ونجران كم؟
طالب:. . . . . . . . .
أكثر، يعني كم بين تبوك والرياض بوسط الجزيرة؟
يعني كم بينها وبين نجران أكثر.
فعلى هذا لا يصوم أهل نجران برؤية أهل تبوك، ولا العكس، يقول: هذا هو المطابق للنصوص الشرعية.
ما أدري كيف طابق النصوص الشرعية، النصوص الشرعية فيها أكثر من ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) وخبر ابن عباس في رؤية معاوية والناس مع اختلافه عن رؤية أهل المدينة ما في أكثر من هذا، كأن يقصد أن بين الشام وبين المدينة هذه المسافة، وبنى هذا الحكم على هذا.
طالب:. . . . . . . . .
ألفين ومائتين؟ يعني ألف، على كل حال ما أدري إيش بنى عليه، هل هذا هو مطابق للنصوص الشرعية؟ تحتاج إلى ....
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
(باب ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم):(61/3)
حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رجلاً قبل امرأته وهو صائم في رمضان فوجد من ذلك وجداً شديداً، فأرسل امرأته تسأل له عن ذلك، فدخلت على أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك لها فأخبرتها أم سلمة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل وهو صائم، فرجعت فأخبرت زوجها بذلك فزاده ذلك شراً، وقال: لسنا مثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الله يحل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما شاء، ثم رجعت امرأته إلى أم سلمة -رضي الله عنها- فوجدت عندها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ما لهذه المرأة؟ )) فأخبرته أم سلمة -رضي الله عنها- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك)) فقالت: "قد أخبرتها" فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شراً، وقال: لسنا مثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الله يحل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما شاء، فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: ((والله إني لأتقاكم لله، وأعلمكم بحدوده)).
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت: "إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليقبل بعض أزواجه وهو صائم، ثم ضحكت".
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل امرأة عمر بن الخطاب كانت تقبل رأس عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو صائم فلا ينهاها.
وحدثني عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أن عائشة بنت طلحة أخبرته أنها كانت عند عائشة-رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فدخل عليها زوجها هنالك، وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وهو صائم، فقالت له عائشة: "ما منعك أن تدنو من أهلك فتقبلها وتلاعبها؟ " فقال: "أقبلها وأنا صائم؟ قالت: "نعم".
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن أبا هريرة وسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهما- كانا يرخصان في القبلة للصائم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(61/4)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: (باب ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم) حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رجلاً قبل امرأته وهو صائم في رمضان، هذا الخبر عطاء بن يسار يحكي قصة شهدها أو لم يشهدها؟ لم يشهدها، فالخبر إيش؟ مرسل عند جميع الرواة، كما يقول ابن عبد البر، لكنه هو موصول عند عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عطاء عن رجل من الأنصار، هذا في المصنف في الجزء الرابع (صفحة 184) الخبر صحيح على هذا، رجل من الأنصار صحابي، يحكي عطاء القصة عن صاحبها، أن رجلاً قبل امرأته وهو من الأنصار، ففرق بين أن يحكي التابعي قصة لم يشهدها، كما في سياق مالك عن عطاء بن يسار أن رجل قبل امرأته وهو صائم، عطاء يحكي قصة لم يشهدها.
وعند عبد الرزاق في المصنف عن عطاء بن يسار عن رجل من الأنصار، يحكي القصة عن من؟ عن صاحب القصة، فسياق مالك مرسل عند جميع رواة الموطأ، وسياق عبد الرزاق في مصنفه متصل أو مرسل؟ متصل، يروي القصة عن صاحبها، وهل مرد الاختلاف في الحكم على الخبرين اختلاف الصيغة لأن هذه مأنن، وذاك معنعن، هل هذا هو السبب؟ ذكرنا مراراً الخبر الذي حكم عليه الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة باختلاف الحكم لاختلاف الصيغة، فيما يراه ابن الصلاح عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر به النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: منقطع، لماذا؟ لأن محمد بن الحنفية يحكي القصة التي لم يشهدها، حصلت في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه لو شهدها كان صحابياً، والسياق الآخر عن محمد بن الحنفية عن عمار أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر به، متصل، ابن الصلاح جعل اختلاف الحكم على السياقين مرده اختلاف الصيغة، قال: لأن هذا معنعن وهذا مأنن، والسند المأنن منقطع والمعنعن متصل؛ لكن كما قال الحافظ العراقي لما ذكر هذا الكلام قال:
. . . . . . . . . ... كذا له ولم يصوب صوبه
كذا له (يعني لابن الصلاح) يعني ما أدرك السبب الحقيقي في الحكم بالاتصال والانقطاع، حكم على القصة بالانقطاع لأن التابعي يحكي قصة لم يشهدها.(61/5)
وفي السياق الآخر الذي حكم عليه بالاتصال حكى القصة، حكى التابعي القصة عن صاحبها، فهي متصلة، ونضيره ما عندنا، عن عطاء بن يسار أن رجلاً قبل امرأته وهو صائم، هل حضر؟ شهد القصة؟ ما شهد القصة، إذاً الخبر منقطع.
لكن في سياق عبد الرزاق حينما قال: عن عطاء عن رجل من الأنصار أنه قبل، حكى القصة عن صاحبها فهي متصلة، يعني لو حصل مثلاً قصة قبل ولادة أحدكم لشخص معمر وموجود لما تحكي هذه القصة أن فلاناً حصل له قبل خمسين سنة مثلاً كذا، متصلة وإلا منقطعة؟ أنت تحكي قصة لا تسندها إلى صاحبها، ولم تحضرها، إذاً هي منقطعة؛ لكن لما تقول: عن فلان الموجود الآن المعاصر لك، عن فلان أنه حصل له كذا قبل خمسين سنة متصلة وإلا منقطعة؟ متصلة، إذاً الخبر عند عبد الرزاق متصل بإسناد صحيح.
"عن عطاء بن يسار أن رجلاً قبل امرأته وهو صائم في رمضان، فوجد من ذلك وجداً شديداً" يعني غضب غضباً شديداً، يقول الباجي: " لعله قبل غافلاً -يعني أو ناسياً صيامه- ثم تذكر" نعم فأشفق على نفسه فغضب، أو لعله غلبته شهوته، فهش إلى امرأته فقبلها، ثم بعد ذلك ندم، وهذا يحصل من الناس كلهم، مثل هذا، تغلبه نفسه وشهوته فيقع منه ما يقع، قد يقع في أمر عظيم، وقد يقع في أمر دونه، وقد يقع في أمر يسير.
"فوجد من ذلك وجداً شديداً -خوفاً من الإثم- فأرسل امرأته تسأل عن ذلك، فدخلت على أم سلمة" أرسل امرأته لأن المرأة في هذا الباب أدخل من الرجال، يعني بإمكانه هو أن يسأل صحابياً آخر، أو يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن هو يخجل من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقابله بمثل هذا السؤال، والمرأة طرف في الموضوع في موضوع التقبيل، سواءً كان بالنسبة له أو بالنسبة لأزواج النبي -عليه الصلاة والسلام-، فأرسلها إلى أم سلمة زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- لتقول له: ما رأيك هذا الحاصل؟
فدخلت على أم سلمة هند بنت أمية زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت لها ذلك، فأخبرتها أم سلمة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل وهو صائم، وقد ثبت ذلك بالنسبة لها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قبلها، وثبت أنه قبل عائشة، كما سيأتي، وثبت أنه قبل حفصة.(61/6)
فالمقصود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قبل وهو صائم فرجعت المرأة إلى زوجها فأخبرت زوجها بذلك فزاده ذلك شراً، ازداد غضباً؛ لأنها لم تأت له بما يقنعه؛ لأنه تصور أن هذا من خصائص النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الله -جل وعلا- يبيح لنبيه -عليه الصلاة والسلام- ما لا يبيح لغيره، كالزواج من أكثر من أربع، فظن أن هذا من خصائصه، وهذا مثل ما تقدم كونه يجاب به السائل، كونه يجاب السائل بمثله فهل هذا يعني أنه من خصائصه أو يتطرق الاحتمال إلى أنه من الخصائص؟ لو كان من الخصائص ما أجيب به السائل، وقال: لسنا مثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الله يحل، يعني يبيح لرسوله -صلى الله عليه وسلم- ما شاء، فاعتقد أن ذلك من الخصائص.
ثم رجعت امرأته إلى أم سلمة فوجدت عندها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما لهذه المرأة؟ )) ماذا تريد هذه المرأة؟ فأخبرته أم سلمة بأنها تسأل عن القبلة للصائم، أخبرته -عليه الصلاة والسلام- بمرادها، وأنها تسأل عن القبلة للصائم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك)) يعني مثل هذه الأمور التي تجري بين الزوج وزوجته، وقد جاء النهي عن أن يبوح أحد الزوجين بما يحصل بينهما، وهذا مما يحصل بين الزوجين، فهل يتناوله النهي؟ أو أن نقول: هذا يقدر بقدر الحاجة، عند الحاجة إليه يباح، وإلا لو جاء شخص في مجلس بدون حاجة داعية، وقال: إنه يقبل زوجته، أو المرأة بمجالس النساء تقول: أن زوجها يقبلها، هل هذا مما يستحسن ويستساغ من غير حاجة؟ الآن الحاجة داعية أو نقول: هذا لا يشمله النهي، ويحمل النهي على ما هو أشد من ذلك؟
فهذا الجواب فيه جواز مثل ذلك لبيان الحكم، وأنه لا يدخل في المنهي عنه، لا سيما عند الحاجة إليه.(61/7)
فقالت: قد أخبرتها، فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شراً، وقال: لسنا مثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الله يحل لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، يعني يبيح لنبيه -عليه الصلاة والسلام- ما شاء، فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لاعتقاد هذا الرجل التخصيص بدون مخصص بدون علم، وقال عياض: "غضبه لذلك ظاهر؛ لأن السائل جوز وقوع المنهي عنه من النبي -عليه الصلاة والسلام-" يعني صيانة العبادة أكمل عن مثل هذا، صيانة العبادة أكمل من عدمها، فإذا نهي عنه الناس فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به؛ لأن هذا أكمل، وإذا أبيح للنبي -عليه الصلاة والسلام- فغيره من باب أولى، اللهم إلا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- له ما يخصه؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- يملك نفسه، بينما غيره إذا بدأ بالمقدمات لا يأمن مع وجود هذه المقدمات أن يحوم حول الحمى، ثم بد ذلك يقع في المحظور، فهو من هذه الحيثية عليه أن يحتاط أكثر.
فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: ((إني والله لأتقاكم لله)) وهناك قال: ((إني لأرجو)) والرجاء هناك محقق، وهنا مجزوم به ((والله إني لأتقاكم لله)) قسم وتأكيد بإن واللام، اجتمعت فيه مؤكدات ((إني والله لأتقاكم لله، وأعلمكم بحدوده)) ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف.
فلا يمكن أن يرتكب ما نهي عنه -عليه الصلاة والسلام-، وهو أعلم وأخشى وأتقى وأعرف بالله -جل وعلا-، يعني فكيف يجوز وقوع ما نهي عنه منه -عليه الصلاة والسلام-، وعلى كل حال هذا الخبر، وما يأتي بعده فيه جواز القبلة للصائم، سواءً كان شاباً أو شيخاً؛ لأنه لم يقل للمرأة هل زوجك شيخ أم شاب؟ ما استفصل، فلو كان بينهما فرق لسألها؛ لأنه مبين عن الله -جل وعلا-، وهذا محل ووقت البيان، وعدم الاستفصال في مثل هذا المجال لا شك أنه يقتضي العموم.
وأجمعوا على أن من قبل وسلم من ما تقتضيه القبلة، يعني لم يخرج منه شيء، أجمعوا أنه لا شيء عليه، فإن أمذى بسبب القبلة فكذلك عند الحنفية والشافعية، لا شيء عليه إن أمذى، مالك يرى عليه القضاء احتياطاً، وعند أحمد يفطر جزماً، هذا إذا أمذى.
طالب: على المذهب؟(61/8)
المذهب يفطر، فإن أمذى بأن كرر النظر أو أمنى أو أمذى هذا معتبرة، هذه هي المذهب.
طالب: لكن هل في رواية ثانية؟
معروف الروايات؛ لكن هذا هو المذهب.
طالب: في رواية ثانية؟
فيه رواية؛ لكن هذه هي المذهب المعتمد عندهم، لا يفرقون بين أن يمني أو يمذي، أما إذا أمنى فقد أفسد صومه اتفاقاً، إذا أمنى وفرق بينهما لأن المذي لا شهوة معه ولا لذة، بينما المني يحصل معه اللذة، المذي ما يؤثر، لكنه وسيلة إلى ما فوقه.
طالب:. . . . . . . . .
لكن كونه يجاب به سائل، كون الفعل يجاب به سائل، كون أننا نعرف أن هذا عمل النبي -عليه الصلاة والسلام- وذاك قوله، القول أبلغ؛ لأن الفعل يحتمل الخصوصية، الفعل لا عموم له عند أهل العلم، بينما القول لا شك يتناوله العموم؛ لكن إذا أجيب السائل بفعل هل يحتمل الخصوصية انتفى المُضعّف، فتوافرت دلالة القول والفعل، فيكون أقوى من هذه الحيثية؛ لكن لو عرفنا أنه يفعل -عليه الصلاة والسلام- ولم يجب به سائل، قلنا احتمالاً أن يكون من خوصه، لكن إذا أجيب به السائل توافرت عليه دلالة القول والفعل، فرق بين هذا وهذا.
يقول: وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت: "إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إن) مخففة من الثقيلة- ليقبل بعض أزواجه" وهي عائشة التي روت الخبر، كما أنه في الخبر الأول أم سلمة، ما الداعي إلى هذا؟ لماذا لا نقول: أنه في الخبر الأول عائشة وفي الخبر الثاني أم سلمة؟ لأنه يبعد أن يقبل النبي -عليه الصلاة والسلام- واحدة بحضرة الأخرى، وكل واحدة منهما تحكي ما حصل لها.
"وهو صائم ثم ضحكت" الآن ضحكت تنبيهاً على أنها هي صاحبة القصة، فالفعل حصل معها، كما أنه حصل لأم سلمة، وحصل لحفصة، وفيه ما فيه فيما تقدم من الأحكام أن القبلة للصائم لا شيء فيها؛ لكن يبقى أنه من خشي أن يخرج منه شيء لا شك أنه يحتاط لصيامه.
وإذا غلب على ظنه بالعادة المطردة من حاله إذا غلب على ظنه أنه يفسد صيامه يخرج منه مني بسبب التقبيل حرم عليه التقبيل، لماذا؟ لذاته أو لما يفضي إليه؟ من باب سد الذريعة، وحفظ الصيام واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.(61/9)
يقول: وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل القرشية العدوية صحابية من المهاجرات أخت سعيد بن زيد، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، امرأة عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، كانت تقبل رأس عمر بن الخطاب، وهو صائم، فلا ينهاها، يعني هي تقبل رأسه، تقبيل الزوج لزوجته تقدم ما فيه، فماذا عن تقبيل المرأة لزوجها؟
الآن إذا قبلت رأسه تباشر جسده بالتقبيل أو تباشر الشعر؟ الشعر، والشعر في حكم المتصل أو المنفصل عند أهل العلم؟ الشعر والظفر في حكم المتصل أو المنفصل؟ يعني عند من يقول: بأن لمس المرأة ينقض الوضوء، إذا مس شعرها ينتقض وضوؤه وإلا ما ينتقض؟ هذا على القول بأنه حكمه حكم المنفصل، أما على القول بأنه متصل حقيقة وحكماً ينقض الوضوء عند من يقول بذلك.
الإمام مالك لما ساق ما يحصل من الرجل لزوجته أراد أن يثبت أن العكس أيضاً صحيح، وإذا جاز هذا من الرجل لزوجته فمن باب أولى أن يجوز من المرأة لزوجها، والنساء شقائق الرجال، فلا مانع من أن تقبل زوجها، كما أن له أن يقبلها ما لم يفضِ ذلك إلى إفساد الصوم من الطرفين.
طالب:. . . . . . . . .
إي معروف؛ لكن قد مع الإفضاء قد يحصل شيء من هذا بين الزوجين، يحصل.
يقول: أين نجد الكلام على اختلاف المطالع في كلام شيخ الإسلام؟
له رسالة خاصة بالهلال، شيخ الإسلام له رسالة خاصة بالهلال.
يقول: وحدثني عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أن عائشة بنت طلحة بن عبيد الله أخبرته أنها كانت عند عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فدخل عليها زوجها هنالك، وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ابن أخي عائشة عبد الرحمن بن أبي بكر، وهو صائم، فقالت له عمته عائشة: "ما يمنعك أن تدنو من أهلك زوجتك فتقبلها وتلاعبها؟ " فقال: "أقبلها وأنا صائم؟ قالت: "نعم".(61/10)
نقول: لعلها أرادت بيان الحكم، لا أن ذلك الطلب تريد أن يحققه بحضورها، هل يجدر بعائشة أن تقول: تعال قبل زوجتك ولاعبها عندي؟ هي أرادت أن تبين الحكم، وعائشة بنت طلحة هذه مشهورة شهرة الشمس في رابعة النهار، يعني الكلام عليها في الكتب كثير جداً، من أجمل النساء، مضرب المثل، يعني عندهم، وتتابع عليها الأزواج، كما هو الغالب في مثلها حتى كانت عند مصعب بن الزبير الذي أصدقها ألف ألف، وهو الخامس، وقتل عنها، ثم خطبها الوليد بن عبد الملك فرفضت.
مثل هذه تطلب عائشة أم المؤمنين من ابن أخيها أن يقبلها ويلاعبها بحضرتها؟ لا يظن بها ذلك، بل هي أرادت أن تبين له الحكم الشرعي، فقال: أقبلها وأنا صائم؟ قالت: نعم، الآن عرف الحكم، في هذا دليل على جواز ذلك، وأنه لا فرق بين شيخ ولا شاب؛ لأن عبد الله بن عبد الرحمن كان شاباً وقتئذ.
يقول: وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن أبا هريرة وسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهما- كانا يرخصان في القبلة للصائم.
المؤلف -رحمه الله تعالى- يحشد النصوص والأدلة على المسألة من الأخبار المرفوعة والموقوفة والمقطوعة، فهو يحشد الأدلة المتنوعة، وكذلك عائشة كما مر، وعمر وغيرهم؛ لكن قال ابن عبد البر: "لا أعلم أحداً رخص فيها إلا وهو يشترط السلامة مما يتولد منها".
يعني إذا كان يغلب على ظنه أنه لا يحصل منه ما يفسد صومه جاز، وإذا غلب على ظنه أنه يحصل منه ما يفسد صومه لم يجز التقبيل، في هذه المسألة ما جاء عن عمر بن الخطاب عند أبي داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم جاء عن عمر -رضي الله تعالى عنه- قال: "هششت فقبلت وأنا صائم، فقلت: يا رسول الله، صنعت اليوم أمراً عظيماً، قبلت وأنا صائم" قال: ((أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم؟ )) قلت: "فلا بأس به"، قال: ((فمه؟! )) الحكم واحد.(61/11)
هذه مقدمة للمفطر والمضمضة أيضاً مقدمة للمفطر؛ لأن المضمضة مقدمة للشرب، والقبلة مقدمة للجماع، المقدمات لا تضر إذا لم يترتب عليها المحظور، وهو الفطر، ولذا جاء بالنسبة للاستنشاق ((بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) فدل على أن أصل الفعل لا يمنع منه لا المضمضة ولا الاستنشاق؛ لكن يمنع من المبالغة التي يغلب على الظن حصول الفطر بسببها، كما أنه أيضاً يمنع من المبالغة في التقبيل، وما هو أعظم من التقبيل مما يغلب على الظن معه أنه يحصل منه شيء يخدش الصيام فضلاً عن المفطر.
سياق الخبر منكر، خبر عمر هذا؛ لكن صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وهو لا بأس به، يعني من قبيل الحسن -إن شاء الله تعالى-، وفيه استعمال القياس، قياس القبلة على المضمضة بجامع أن كلاً منهما مقدمة للمفطر، وليس بمفطر لذاته، أحياناً المقدمات تمنع.
يقول: هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبل إحدى نسائه بحضرة بناته حيث سمعت ممن ينتسب إلى العلم يقول ذلك، ويدعو إلى أن الأب يقبل زوجته أمام أولاده، ويقول: إن ذلك من أساليب التربية والنبوية؟
نقول: مثل هذا التصرف ينبغي أن لا يكون بمحضر من تثور شهوته بسببه، فهذا مما يخفى عن مثل هؤلاء.(61/12)
استعمال القياس لأنه استعمل مقدمة ليقيس عليها مقدمة أخرى، يعني كما استعمل القياس في النتائج يستعمل القياس في المقدمات كما هنا، أحياناً تمنع بعض المقدمات المفضية إلى الحرام؛ ولأن الوسائل لها أحكام المقاصد؛ لكن لماذا لا نقول: أن القبلة وسيلة للجماع، والمضمضة وسيلة إلى الشرب، والوسائل لها أحكام المقاصد؟ نقول: الوسائل لها أحكام المقاصد إذا غلب على الظن أن تفضي هذه الوسيلة إلى المقصد، أما إذا غلب على الظن أن هذه الوسيلة لا تفضي إلى المقصد، الآن النظر، نظر الرجل للمرأة والعكس ممنوع؛ لأنه وسيلة إلى المحرم؛ لكن يقول: أنا أبي أنظر وأجزم أنه ما حصل شيء، ولن تفضي هذه إلى المحرم، نقول: هذه الوسيلة جاء النص بمنعها {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [(30) سورة النور] {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [(31) سورة النور] فالمنع عن الوسيلة لذاتها، وإن كانت في الأصل إنما منع منها لأنها مفضية على المحرم، فإذا غلب على الظن أن هذه الوسيلة تجر إلى المحرم منعت، ولو لم ينص على منعها.
(باب ما جاء في التشديد في القبلة للصائم):
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت إذا ذكرت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل وهو صائم تقول: "وأيكم أملك لنفسه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
قال يحيى: قال مالك: قال هشام بن عروة: قال عروة بن الزبير -رحمه الله تعالى-: "لم أر القبلة للصائم تدعو إلى خير".
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- سئل عن القبلة للصائم فأرخص فيها للشيخ، وكرهها للشاب".
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان ينهى عن القبلة والمباشرة للصائم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب ما جاء في التشديد في القبلة للصائم:(61/13)
الباب السابق في الرخصة، والأخبار التي سردها المرفوعة والموقوفة كلها تدل على جواز ذلك، وإذا ثبت الحكم بدليل شرعي، وثبت الفعل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فهل من الورع أن يترك هذا الفعل لما يخشى من الآثار المترتبة عليه؟ يخشى من الآثار المترتبة عليه، يعني هل مثل هذا الورع مطلوب وإلا هو مجرد وسواس؟ لأن هناك ورع يدعيه بعض الناس، بل يفعله ويضيق على نفسه بسببه، وصل الأمر إلى حد أن بعض الناس ما يأكل الخبر، لماذا؟ هذا ذكر في الكتب، ما يأكل الخبر، لماذا؟ يقول: الخبز إيش أصله؟ أصله بر –عيش- والعيش كان إيش؟ كان في سنبلة، فتدوسه الدواب لكي يتخلص من القشور، وهذه الدواب لا يؤمن أن تبول عليه، هذا وجد، وذكر من أمثلة الوسواس، الاحتمال قائم؛ لكن إيش نسبة هذا الاحتمال؟ لأن المسألة اتقاء الشبهات تتبع النسبة، ما من أمر إلا ويدخله شبهة؛ لكن إذا كانت النسبة واحد بالمائة، يلتفت إليها أو اثنين بالمائة أو عشرة بالمائة ما يلتفت إليها؛ لكن إذا زادت هذه النسبة يأتي الورع.
الآن لو شفت شخص مثلاً بالنسبة للنساء تعطلت منافعه، في وقت الفطر لا يحصل منه شيء، فكيف في وقت الصيام، الورع عن مثل في القبلة، يعني كيف شخص كبير السن تعطلت، مثل هذا، لكنه من باب إدخال السرور على زوجته التي فقدت شيئاً مما تطلبه النساء؛ لكن مثل هذا النسبة ضعيفة جداً، ولذا فرق ابن عباس بين الشيخ والشاب.
لكن إذا زادت النسبة وقوي الاحتمال مثل هذا يمنع، ولو ثبت فعله عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بدليل قول عائشة: "وأيكم أملك لنفسه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"
يقول: حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت إذا ذكرت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل بعض أزواجه، وثبت هذا بالنسبة لعائشة وحفصة وأم سلمة، وهو صائم، تقول: "وأيكم أملك لنفسه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ".(61/14)
يعني أحياناً يرد بعض النصوص من فعله -عليه الصلاة والسلام-، أو من فعل بعض صحابته مما لا يجوز، أو مما لا يحسن أن يلقى في أوساط مجتمع متساهل مثلاً، لما تقول مثل هذا الكلام لشاب تزوج في آخر شعبان، تقول: كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقبل وهو صائم، مثل هذا في الغالب أنه سوف يحصل منه ما هو أشد من ذلك، ولذا أهل العلم يقررون في الشخص الذي يحج مع زوجته، ثم يفسد حجه بالجماع أنه يقضي من قابل، يمضي في فاسده، ويقضي من قابل، ويفرق بينهما؛ لئلا يقع منهما مثل ما وقع في العام الماضي، وهذا منه؛ لأنك إذا خشيت والمسألة تدور على المفطر، إذا كان يغلب على الظن حصول ما يفطر يمنع؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، إذا غلب على الظن أنه لا يحصل المفطر ولا يوجد لا يمنع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقبل، ولذا تقول: "وأيكم أملك لنفسه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " يعني افترض شاب تزوج حديثاً، ونام بجوار زوجته، ثم قبلها، وقرب منها في الفراش، مثل هذا يخشى عليه؛ لأن هذا في الغالب لا يملك كما يملك الشيخ الكبير، أو كما هو الظاهر من حاله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن المسألة مسألة إيش؟ الذي يمنع من وقوع المحظور، الدين بالدرجة الأولى، الأمر الثاني: الشهوة الغالبة، قد يكون عنده دين لكن تغلبه شهوته في وقت لا يستطيع أن يكفها، وقد يحصل منه شيء لا يستطيع مدافعته، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه قبل وصلى ولم يتوضأ، قبل وصلى ولم يتوضأ، بعض الشباب يقبل ويخرج، ثم إذا شرع في الصلاة خرج منه شيء، وهذا مطرد عندهم، مثل هذا يمنع من القبلة، وقل مثل هذا في الصيام.
قال يحيى: قال مالك: قال هشام بن عروة: قال عروة بن الزبير: "لم أر القبلة للصائم تدعو إلى خير".(61/15)
يعني حسماً للمادة، واتقاءً للشبهة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يملك أربه، ومن عداه لا يملك، مثل هذا الكلام يلقى على عامة الناس الذين فيهم المتساهل وفيهم ... ، يعني أنت تتصور مثلاً حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى وهو حامل أمامة، يعني مثل هذا حكمه الواضح بالجواز، والحركة التي مثل حمل الصبي ووضعه؛ لكن عندك ناس متساهلين يسمعون مثل هذا الكلام فيزيدون عليه أضعاف، مثل هذا ما يلقى على مثل هؤلاء، يلقى عليهم مثل قوله -جل وعلا-: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] فالنصوص الشرعية علاج للأدواء، بعض الناس يعالج بمثل هذا، بمثل النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى وهو حامل أمامة، لماذا للذي عنده شيء من التشدد، فيعالج بمثل هذا النص، وبعض الناس هو من الأصل متساهل، يعني كثير العبث، تقول له النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى وهو حامل أمامة، يعني رأيت شخص يعبث وهو يصلي، تأتي له بالحديث المتفق عليه أن النبي صلى وهو حامل أمامة، أنت تزيده في تساهله، وإن كان النص صحيح، وثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن مثل هذا النص يعالج حالة المتشدد، بينما مثل قوله -جل وعلا-: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] يعالج به حال مثل هذا المتساهل.
يقول عروة ابن الزبير: "لم أرى القبلة للصائم تدعو إلى خير" والاحتياط مطلوب، لا سيما إذا شك هل يحصل ... ، استوى عنده الأمران هل يحصل عنده شيء يخدش صومه أو لا يحصل؟ حينئذ القبلة لا تدعو إلى خير؛ لكن إذا غلب على ظنه أنه لا يحصل منه شيء، نقول: النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقبل، وإذا غلب على الظن أنه يحصل منه ما يخدش الصوم قلنا: لا يا أخي "أيكم أملك لنفسه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
طالب:. . . . . . . . .
مسألة الخروج من الخلاف، وأن من أهل العلم من قال: أنه يفطر، اتقاءً لهذه الشبهة يترك، لكن لو فعل ما يلام.
يقول: هل الكلام السابق في جواز الخروج للصائم يسيري على القبلة في الفم لما فيه من اختلاط اللعاب بين الزوجين، وما قد يصل إلى الجوف؟(61/16)
القبلة في الفم لا يحصل فيها لعاب؛ لكن جاء في السنن أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقبل عائشة وهو صائم، وأيضاً وكان إيش؟ كان يقبل عائشة ويمص لسانها؛ لكنه حديث ضعيف، لا يثبت، الحديث ضعيف، هذا الذي يحصل معه الفطر، وهو انتقال السائل من شخص إلى شخص، هذا الذي يحصل معه الفطر، أما مجرد التقبيل فلا.
يقول: وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن عبد الله بن عباس سئل عن القبلة للصائم فأرخص فيها للشيخ، وكرهها للشاب.
يعني عن ابن عباس يَثبُت؛ لكن بعضهم يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، يثبت المرفوع، المرفوع لا يثبت في التفريق بين الشيخ والشاب؛ لكن هو ثابت عن ابن عباس وله وجه، لماذا؟ لأنه بالنسبة للشيخ الغالب أن شهوته قد انكسرت مع الوقت، ولذا جاء الأمر بالنكاح للشباب ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) أما الشيوخ الذين انكسرت شوكتهم لا يطالبون بمثل هذا إلا بقدر ما يحتاجون.
وكرهها للشاب؛ لأن الغالب عنده قوة الشهوة، بالفرق بين الشاب والشيخ قال مالك في رواية، والشافعي وأبو حنيفة، وعن مالك كراهتها في الفرض دون النفل، تكره القبلة في الفرض دون النفل؛ لأن النفل أمره موسع، ويتساهل فيه ما لا يتساهل في الفرض، والمتطوع أمير نفسه، حتى لو حصل منه ما حصل، المتطوع أمير نفسه.
والمشهور عن مالك كراهتها مطلقاً، كراهة القبلة للصائم مطلقاً، على كل حال المسألة والحكم يدور مع ما يؤول إليه الأمر، فإن كان غلبة الظن على إيش؟ على أنه لا يخرج منه شيء يخدش صيامه، فلا بأس، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قبل، وإن كان يغلب على ظنه أنه يخرج منه ما يخرج، إن كان يخرج منه ما يخدش صيامه منع، ولا شك أن سد الذرائع والاحتياط للعبادات مطلوب، واتقاء الشبهات لا شك أنه أبرأ وأسلم للدين والعرض.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان ينهى عن القبلة والمباشرة للصائم
لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، إذا قبل وكرر ونظر وباشر، يعني إيش بقي؟ ما بقي إلا المفطر.
هذا يقول: هل ينعقد الإجماع بعد وجود الخلاف؟(61/17)
في المسألة التي مرت بالأمس، وهو أن أبا هريرة كان يرى أن من أصبح جنباً وأدركه الفجر قبل أن يغتسل فإنه لا يصوم ذلك اليوم، ثم بعد ذلك لما بلغه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يحصل منه ذلك رجع، ثم انعقد الإجماع على صحة صيام من أصبح جنباً، فهل ينعقد مثل هذا الإجماع مع الخلاف السابق؟ نفترض مثلاً أن أبا هريرة مات وهو على رأيه، لم يرجع عن رأيه، ثم انعقد الإجماع بعده على جواز ذلك، هل العبرة بالقول أو بالقائل؟ أما إذا رجع المجتهد عن قوله فالقول الأول لا عبرة به، وجوده مثل عدمه، فيكون حينئذ انعقد الإجماع، أما إذا مات وهو معتقد لمخالفة الأكثر، ومعه دليله، وهو من أهل الاجتهاد، المسألة مفترضة في مجتهدي الأمة إذا خالف واحد منهم ومات وهو مخالف، ثم انعقد الإجماع بعده وحصل الاتفاق على حكم المسألة، هذه هي المسألة التي تبحث، فمنهم من يرى النظر إلى مجتهدي العصر، بغض النظر عمن سبقهم، وعمن يأتي بعدهم.
فالإجماع: هو اتفاق مجتهدي العصر، هذا هو الإجماع، ولو مات من خالف وانقرض خلافه، ومنهم من يقول: الأقوال لا تموت بموت أصحابها، فهي معتبرة، وإن ماتوا.
يقول هذا: إذا كان الابن متزوج وهو فقير لا دخل له، وعليه تكاليف مادية لا أستطيع تحملها عنه، فهل أطلب له زكاة من أحد التجار دون أن أبين له أنه ابني؟
مادام يستحق الزكاة، وهو من أهلها فلا مانع من أن تبحث له عن الزكاة شريطة ألا تكون قادراً على الإنفاق عليه؛ لأنك بهذا تقي مالك.
يقول: في الحديث ((يدع شهوته)) هل إذا شخص ترك القبلة امتثالاً من أنها شهوة، وتركها تقرباً لله تعالى، هل هذا الورع فيه نظر، علماً بأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يقبل؟ أنه يأمن من الوقع في الفطر؟
المسألة على ما فصلنا، فإن كان يغلب على ظنه أنه لا يحصل منه شيء فورعه هذا فيه نظر.
يقول: سؤالي عن رجل جامع زوجته في الليل، ولم يخرج المني إلا في صلاة الفجر، هل يفسد صومه أم يغتسل ويكمل صومه؟
جامع، العبرة بالحكم الذي هو التقاء الختانين، فإذا حصل الالتقاء واغتسلا منه، ثم خرج منه الماء من غير لذة من غير دفق فإنه لا عبرة به؛ لكن عليه أن يتوضأ ويصلي، ولا يعيد الغسل.(61/18)
كيف نجمع بين قول عائشة: "وأيكم أملك لنفسه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وبين قولها لعبد الله بن عبد الرحمن: "ما منعك أن تدنوا من أهلك" وعائشة بنت طلحة هي من هي في جمالها فمظنة الوقوع في الجماع واضحة لشباب عبد الله وجمال عائشة؟
على كل حال قولها لابن أخيها مبني على جواز ذلك بفعله -عليه الصلاة والسلام-، وقولها: "وأيكم أملك" هذا من باب الاحتياط، أما الحكم الشرعي فالأصل فيه الجواز.
يقول: بالأمس غفوت، وأنا متكئ على الجدار بمقدار قراءة باب كامل من الموطأ، ثم صليت العشاء، ولم أتوضأ فما الحكم والحالة هذه؟
الباب يمكن صفحة صفحتين، يمكن سطر سطرين، هذا متفاوت، وعلى كل حال المدار على الاستغراق في النوم، فإن كنت تعلم ما يدور حولك فلا شيء عليك، ولا يلزمك تجديد الوضوء، وإن كنت لا تعلم، استغرقت في نومك، بحيث لا تدري ما يدور حولك مثل هذا تجدد الوضوء، تعيد الوضوء.
هذا يقول: لا حياء في الدين.
من قال: لا حياء في الدين؟ الحياء شعبة من شعب الإيمان، والحياء خير كله، والحياء لا يأتي إلا بخير، أما لا حياء في الدين، إن كان قصده الحياء العرفي، الخجل الذي يمنع من طلب العلم، ويمنع من السؤال عما يلزم ويهم، هذا ليس بحياء شرعي، وليس من الدين أيضاً، الذي يمنع من السؤال عما يلزم السؤال عنه، ويمنع من الأمر والنهي مثل هذا ليس بحياء.
يقول: لقد رأيتك في الصلاة وأنت لا تنظر إلى موضع السجود، يقول: هل ذلك مناف للخشوع؟
الأولى أن ينظر الإنسان إلى موضع سجوده، هذا لا شك فيه، وأما بالنسبة للنظر يميناً وشمالاً هذا لا ينافي الخشوع، حتى ما ذكروه ولا من مكروهات الصلاة، ذكروا من مكروهات الصلاة الالتفات، وهو اختلاس، أما بالنسبة للنظر يميناً وشمالاً بما لا يقتضي الالتفات، لا يميناً ولا شمالاً لا شيء فيه، ولم يذكروه ولا في مكروهات الصلاة، وعلى كل حال الأكمل أن ينظر إلى موضع سجوده، وأن يرمي بطرفه إلى سبابته في التشهد.
يقول: حصل خلاف بين رجل وزوجته وتدخل أناس للصلح يقول: وانتهى الأمر إلى أن يطلق زوجته شريطة ألا تتزوج من الأسرة الفلانية، وأقام الشهود على ذلك، فهل له هذا، وما حكم الشهادة على شرطه؟
لا عبرة بهذا الشرط؛ لأنه إذا حصل الطلاق لا سلطان له عليها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(61/19)
الموطأ - كتاب الصيام (5)
أبواب: المريض، والنذر، والقضاء، والكفارة في الصيام
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين، يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما يفعل المريض في صيامه:
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: الأمر الذي سمعت من أهل العلم أن المريض إذا أصابه المرض الذي يشق عليه الصيام معه، ويتعبه، ويبلغ ذلك منه، فإن له أن يفطر، وكذلك المريض الذي اشتد عليه القيام في الصلاة، وبلغ منه، وما الله أعلم بعذر ذلك من العبد، ومن ذلك ما لا تبلغ صفته فإذا بلغ ذلك صلى وهو جالس، ودين الله يسر، وقد أرخص الله للمسافر في الفطر في السفر، وهو أقوى على الصيام من المريض قال الله تعالى في كتابه: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة].
فأرخص الله للمسافر في الفطر في السفر، وهو أقوى على الصوم من المريض، فهذا أحب ما سمعت إلي وهو الأمر المجتمع عليه".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب ما يفعل المريض في صيامه:
المرض يتفاوت، فمنه ما يطاق معه الصوم، ومنه ما يمنع من القدرة على الصوم، ومنه ما يطاق معه الصوم إلا أنه يؤخر البرء، أو يزيد في المرض.
من أهل العلم من يرى أن الفطر لكل من حصل له هذا الوصف، وهو المرض، سواءً كان المرض خفيفاً يطاق معه الصوم، أو شديداً لا يطاق معه، وسواءً تسبب في تأخر البرء أو الزيادة في المرض أو لا، وذكر عن بعض السلف ولعله محمد بن سيرين أنه أفطر يوماً من رمضان، فقيل له: فأشار إلى أصبعه، وأن فيه جرح، هذا مرض.(62/1)
وآية الصيام التي فيها العذر {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا} [(184) سورة البقرة] هذا مرض، (مريض) نكرة في سياق الشرط تعم المرض الشديد والمرض الخفيف، كما أن السفر عذر مبيح للفطر، وقد يكون المسافر أثناء سفره أكثر راحة منه في بلد أقامته، فإذا وجد الوصف المؤثر جاز له الترخص؛ لكن لا شك أن الاحتياط والاهتمام للعبادة والبراءة منها، والخروج من عهدة الواجب بيقين واستبراء الدين والعرض، هذا هو المطلوب من المسلم، فلا يترخص بأدنى سبب، تلاحظون أثناء الأيام الشتاء التي توجد فيها الأمطار، بعض الناس يجمع بين الصلاتين لأدنى سبب، وبعض الناس لو صارت المسألة طوفان ما جمع، ودين الله بين الغالي والجافي، بعض العامة يبلغ به المرض ما يبلغ بحيث يتضرر ضرر بالغاً، وينصحه الثقات من الأطباء أن يفطر فلا يفطر، كما أن بعض الناس، وهو مسافر يلحقه من المشقة ما يقرب معها من الهلاك ولا يفطر، وهذا ليس من شرع الله في شيء، الدين يسر، ولله الحمد.
الإمام مالك -رحمه الله تعالى- فيما ذكر هنا، قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: "الأمر الذي سمعته من أهل العلم" ماذا تشمون من هذا الأسلوب؟ (الأمر الذي سمعته من أهل العلم) والإمام مالك من الأئمة الحفاظ، نجم السنن، إمام دار الهجرة، إمام باتفاق المسلمين، يقول: "الذي سمعته من أهل العلم" ويأنف بعض طلاب العلم أن ينسب القول إلى قائله، ولو كان ممن اختص به صاحبه، فيأنف أن ينسب القول، وينقل عن غيره من الأحياء والأموات مضيفاً ذلك إلى نفسه أنفة؛ لأنه لو كان مجرد نقال فماذا صنع؟ والإمام مالك -رحمه الله تعالى- يقول: "الأمر الذي سمعته من أهل العلم"، يعني كأنه طويلب علم بالنسبة لأهل العلم، فنحتاج إلى مثل هذا.
إن المريض إذا أصابه المرض الذي يشق عليه الصيام معه ويتعبه، ويبلغ ذلك مبلغ من المشقة والتعب، يبلغ ذلك منه، يكون له أثر عليه، وليس أدنى مرض، فإن له أن يفطر.(62/2)
والضابط للمرض المبيح للفطر عند أهل العلم الذي يزيد في مرضه، أو يتسبب في تأخر البرء، والصوم لا شك أنه مما يؤتمن عليه المسلم؛ لأن مقدار المرض لا يستطيع أحد يقدره غير المريض نفسه، والأطباء لهم أمارات وعلامات يستدلون بها، وإلا فالأصل أن المريض هو الذي يقدر ذلك، وهو مما يؤتمن عليه المسلم. "فإن له أن يفطر، وكذلك المريض إذا اشتد عليه القيام في الصلاة، وبلغ منه، وما الله أعلم بعذر ذلك من العبد" (الواو) هذه زائدة، بلغ منه ما الله أعلم بعذر ذلك من العبد، ومن ذلك ما لا تبلغ صفته، فإذا بلغ ذلك يعني ذلك المبلغ الذي يؤثر فيه، ويشق معه القيام على المصلي، صلى وهو جالس للعذر، حديث عمران بن حصين: ((صلي قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً)) فهذه الاستطاعة ليس معناه أن يكون بمثابة المقعد هذه الذي لا يستطيع الوقوف، لا، إذا شق عليه ذلك مع أنه إذا تحامل على نفسه، وصلى من قيام مع وجود هذه المشقة التي لا تخل بصلاته، ولا يترتب عليها تأخر برء، ولا زيادة في المرض، له ذلك، صلاته صحيحة.
"صلى وهو جالس لعذر، ودين الله يسر" كما يقول الله -جل وعلا-: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [(185) سورة البقرة] ((إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) ((أكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا)) المقصود أن النصوص في هذا كثيرة جداً؛ لكن ليس فيها مستمسك لأهل التساهل والتراخي والتنصل عن الواجبات، لا، بقدر ما هو بدين يسر إلا أنه دين تكاليف، والجنة حفت بالمكاره، والدين عبودية، ليس معنى هذا أن الإنسان يترخص بأدنى رخصة، أو يرتكب المحظورات، أو يترك المأمورات لأن الدين يسر، لا.
طالب:. . . . . . . . .
والله على كل حال المسألة تتفاوت، يعني إذا كان تحامله على نفسه لا يضر، لا يخل بصلاته، والقيام ركن من أركان الصلاة، وتقديره أيضاً ترى فيه يعني ما فيه، فالمسألة تحتاج إلى دقة نظر، إذا كان يشق عليه وتحامل على نفسه، واستطاع لأنه أثر عن بعض الصحابة ذلك، أنهم يعتمدون على العصي، وأن الرجل يهادى بين الرجلين.
المقصود أن الإنسان عليه أن يخرج من عهدة الواجب بيقين.
في شيء، كأنك أردت؟(62/3)
طالب:. . . . . . . . .
ما دام ما يشق عليه الصيام ...
طالب:. . . . . . . . .
والله إذا قال: أنا مريض، فهذا مما يؤتمن عليه المسلم، ما دام ثبت أنه مريض، فالمرض عذر، "وقد أرخص الله للمسافر في الفطر في السفر، وهو أقوى على الصيام من المريض"، المسافر يستطيع الصيام أقوى على الصيام من المريض، قال الله تعالى في كتابه: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [(184) سورة البقرة] يعني فأفطر، فالواجب عليه عدة من أيام أخر، ولا بد من هذا التقدير، إذا أفطر عليه عدة، وإذا صام ليس عليه شيء، كما تقدم في صيام المسافر، بعدد ما أفطر، فيصومها بدلاً مما أفطره، فأرخص الله للمسافر في الفطر في السفر، وهو أقوى على الصوم من المريض.
هذا يقول: كما يقول الباجي: احتجاج الإمام -رحمة الله عليه- على من أنكر الفطر للمريض إلا لخوف الهلاك، دون المشقة الزائدة، يقول الباجي: "وما أعلم أحداً قاله؛ ولكنه خاف من اعتراض المعترض، فبادر بالحجة" انتهى.
وقد حكى ابن عبد البر أنه قيل: لا يفطر لخشية زيادة المرض؛ لأنه ظن، وخشية زيادة المرض ظن، وظن لا يقين، والصيام واجب بيقين، فلا يخرج من عهدة الواجب اليقيني إلا بيقين مثله؛ لكن الأحكام جلها مبني على غلبة الظن، جل الأحكام مبني على غلبة الظن.
يقول الإمام -رحمة الله عليه-: "فهذا أحب ما سمعت إلي، وهو الأمر المجتمع عليه" عندهم بالمدينة، وعلى كل حال المرض عذر، وينبغي أن يتقي الله المسلم ما استطاع.
باب النذر في الصيام والصيام عن الميت:(62/4)
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن رجل نذر صيام شهر، هل له أن يتطوع؟ فقال: سعيد -رحمه الله-: ليبدأ بالنذر قبل أن يتطوع، قال مالك: وبلغني عن سليمان بن يسار مثل ذلك، قال مالك: من مات وعليه نذر من رقبة يعتقها، أو صيام أو صدقة أو بدنة، فأوصى بأن يوفى ذلك عنه من ماله فإن الصدقة والبدنة في ثلثه، وهو يبدّى على ما سواه من الوصايا إلا ما كان مثله، وذلك أنه ليس الواجب عليه من النذور وغيرها كهيئة ما يتطوع به، مما ليس بواجب، وإنما يجعل ذلك في ثلثه خاصة، دون رأس ماله؛ لأنه لو جاز له ذلك في رأس ماله لأخر المتوفى مثل ذلك من الأمور الواجبة عليه حتى إذا حضرته الوفاة، وصار المال لورثته سمى مثل هذه الأشياء التي لم يكن يتقاضاها منه متقاض، فلو كان ذلك جائزاً له أخر هذه الأشياء حتى إذا كان عند موته سماها، وعسى أن يحيط بجميع ماله فليس ذلك له.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يسأل هل يصوم أحد عن أحد؟ أو يصلي أحد عن أحد؟ فيقول: لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب النذر في الصيام والصيام عن الميت:
يعني هل الصيام تدخله النيابة كالحج أو لا تدخله النيابة كالصلاة؟ مسألة ذكرها المؤلف -رحمه الله تعالى-، قال: حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن رجل نذر صيام شهر هل له أن يتطوع؟ يعني قبل صوم نذره، والنذر واجب يجب الوفاء به؛ لأنه نذر طاعة، هل له أن يتطوع قبل صيام الواجب؟ وقل مثل هذا فيمن عليه قضاء، هل له أن يتطوع قبل أن يقضي؟ عليه كفارة واجبة هل له أن يتطوع قبلها؟
فقال سعيد: ليبدأ بالنذر قبل أن يتطوع، ليبدأ بالنذر؛ لأنه واجب قبل أن يتطوع، مبادرة إلى إبراء الذمة من الواجب، قال مالك: "وبلغني عن سليمان بن يسار مثل ذلك، فإن قدم التطوع أساء، وصح صومه، وبقي النذر في ذمته".(62/5)
مسألة مختلف فيها بين أهل العلم: من عليه قضاء من رمضان، وأراد أن يتطوع، افترض المسألة في شخص عليه أيام من رمضان ستة أيام، فلما كان في أواخر شوال بقي منه ستة أيام، هل يصوم القضاء أو يصوم الست؟ يصوم القضاء؛ لأنه واجب، أو يصوم الست؛ لأنه مضيق؛ لأن وقته مضيق، وإذا بقي عليه شيء من صيام الواجب هل يتطوع بصوم يوم عرفة وصوم يوم عاشوراء؟
عائشة -رضي الله عنها- كانت تؤخر القضاء إلى شعبان لمكان النبي -عليه الصلاة والسلام- منها، فهل يقول قائل: إن عائشة لا تتطوع بشيء من التطوعات؟ لا تصوم يوم عرفة، ولا ست من شوال، ولا يوم عاشوراء، يعني هل يتصور هذا من عائشة يكون عليها القضاء من رمضان فما تستطيع أن تقضيه إلا في شعبان لمكان النبي -عليه الصلاة والسلام- منها؟ وهنا يقول: يبدأ بالنذر قبل أن يتطوع.
وجاء في خبر أنه لا يقبل نافلة ما لم تؤد فريضة، وهذا ظاهر فيمن عزم على ترك الفريضة، يعني الذي لا يصلي الفرائض ويتنفل، أو لا يصوم رمضان ويتنفل، هذا معروف أن صيامه وصلاته مردودة عليه؛ لكن المسألة في الواجب الموسع، مع النفل المضيق، أيهما الذي يقدم؟
مسألة مختلف فيها، وابن رجب في قواعده ذكر هذه المسألة، وذكر لها نظائر، وكأنه مال إلى جواز ذلك، جواز أن يتنفل في الوقت الموسع قبل أن يقضي الفرض، مادام وقته موسع.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، صاحب الست الذي لم يبق له من شوال إلا ستة أيام على كل حال المتجه والمرجح أنه لا يتطوع ما دام في ذمته فرض، نعم هذا الذي يظهر، وعندنا مسألة الست التي أشرنا إليها وافترضناها في شخص بقي من شوال ستة أيام هل ينطبق عليه أنه صام رمضان ثم أتبعه ست من شوال، إذا قدم الست على رمضان، على القضاء؟ ما ينطبق عليها، ولا يتحقق فيه الوعد، قد يقول قائل: أن رمضان إذا كمل عن عشرة أشهر، ولو بعد الست؛ لأن الحساب معروف لماذا صام من رمضان وأتبعه ستة من شوال كان كمن صام الدهر كله؟ لأن رمضان بعشرة أشهر، والست من شوال بشهرين، هذا كمن صام الدهر.
يقول قائل مثلاً: أنا صمت أربعة وعشرين من رمضان، وبقيت ستة أصومها في القعدة مثلاً، هذا شهر كامل، عن عشرة أشهر والست تبقى في وقتها عن شهرين، وإيش الفرق؟(62/6)
طالب:. . . . . . . . .
يعني الإتباع، ثم أتبعه، ويبقى أن الست لا بد أن تكون في شوال، وإلا قد يقول قائل: أنا أصوم رمضان وأتبعه ست من محرم، الست الحسنة بعشر أمثالها، والست بشهرين، وإيش الفرق بين شوال والمحرم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ وذلك أن الحسنة بعشر أمثالها، وإيش المانع؟ يعني في واحد يقول: بأن الحسنة لا تبلغ عشرة أمثالها؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، يعني كون رمضان بعشرة أشهر، هل نستطيع أن نقول: لو صام المحرم كامل بعشرة أشهر؟ نعم عشرة أشهر؛ لكن ليست مثل أشهر رمضان، يعني عشرة أشهر من مثل رمضان، والست من شوال بهذا النص إلحاقاً برمضان فتكون مثله، فلا تكون الست من القعدة أو من ذي الحجة أو من المحرم مثل الست من شوال.
طالب:. . . . . . . . .
لا أنا أقول: أن هذه الست ملحقة برمضان.
طالب: التي أفطرت رمضان بعذر، هل يكتب لها الأجر مثل المريض والمسافر.
لا، لا ما يكتب، هم اختلفوا فيمن أفطر بعذر كالحائض والنفساء، منهم من يقول كما قال الله -جل وعلا-: {هُوَ أَذًى} [(222) سورة البقرة] فهو كالمرض، والمانع لها خارج عن إرادتها فيكتب لها مثل المسافر والمريض، ومنهم من يقول: أنه لا يكتب لها ما كانت تعمله؛ لأنه لو كتب لها ما كانت تعمله ما صار نقص في دينها، ما سمي نقص في دينها، نقص في دينها أنها تبقى الليالي والأيام ما تصوم ولا تصلي، هذا أثبت الشرع أنه نقص، ولو كانت تعطى مثل ما تعطاه في مكان الطاهرة ما صار نقص، مثل المسافر، المسافر ما هو بناقص، المريض ما هو بناقص، بينما الحائض ناقصة، هذه حجة من يقول: أنه لا يكتب لها ما كانت تعمله حال طهرها.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، تقضي، لا بد أن تقضي، لا بد من الإتباع، ما تصوم الست.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، فات محلها، إذا انتهى شوال لا تقضى الست.
طالب:. . . . . . . . .
ما هو ببعيد؛ لأنه قرن به في النص، وإلا لو لم نقل هذا قلنا: صيام ست من القعدة، وإيش اللي يصير؟ لا تصوم من شوال، صوم من القعدة، والحسنة بعشرة أمثالها عن شهرين، إذاً كمن صام الدهر.
طالب:. . . . . . . . .
كمن صام الدهر.
طالب:. . . . . . . . .
صام ثلاثة أيام وين؟(62/7)
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا؛ لأنها نفل، كلامه عام، أي نفل لا يقدم على الفرض ((وما تقرب إلي عبد بشيء أحب إلي مما افترضته عليه)) لأن الكلام طويل، ولا عندنا إلا ثلاثة أيام.
قال مالك: "من مات وعليه نذر من رقبة يعتقها، أو صيام أو صدقة أو بدنة" بعير ذكراً كان أو أنثى "يهديه فأوصى بأن يوفى ذلك عنه من ماله فإن الصدقة والبدنة في ثلثه، لا من رأس ماله"، لنفهم كلام الإمام مالك -رحمه الله-، والسبب الذي من أجله قال هذا الكلام.
"فمن مات وعليه نذر" يعني يتطلب مال، عليه نذر رقبة يعتقها، نذر أن يعتق رقبة، أو نذر أن يصوم صيام، أو صدقة يتصدق بها، أو بدنة يهديها، فأوصى بأن يوفى ذلك عنه من ماله فإن الصدقة والبدنة في ثلثه، "لا من رأس ماله، وهو يبدّى على ما سواه"، يقدم على ما سواه من الوصايا، إلا ما كان مثله أو مساوياً له، وذلك التقديم لأنه ليس الواجب عليه من النذور وغيرها كهيئة ما يتطوع به مما ليس بواجب بل دونه"، بل ما ليس بواجب دونه، يعني الذي يبدّى ويقدم الواجب؛ لكنه لا يكون من رأس المال، وإنما يكون من الثلث.
يقول: "وإنما يجعل ذلك في ثلثه خاصة دون رأس ماله"، يقول: "لأنه لو جاز له ذلك برأس ماله لأخر المتوفى الميت مثل ذلك من الأمور الواجبة عليه حتى إذا حضرته الوفاة" أي علامات الموت، "وصار المال لورثته حكماً" انتقل إليهم المال حكماً "سمى مثل هذه الأشياء التي لم يكن يتقاضها منه متقاض، بل يؤمر بها، فلو كان ذلك جائزاً له أخر هذه الأشياء حتى كان عند موته سماها، وعسى أن يحيط بجميع ماله فليس له ذلك لإضراره بالورثة واتهامه بحرمانهم".
الإمام مالك -رحمه الله- يقول: هذه الأمور التي لزمته، نذرها ولزمته، أو عليه كفارات واجبة، تكون كلها من الثلث، لماذا؟ لئلا يحمله ذلك على حرمان الورثة، فإذا أراد أن يحرم الورثة نذر أن يطعم ألف مسكين، نذر أن يهدي عشر بدنات، نذر أن يعتق رقبة، وقد تأتي هذه على جميع ماله، والمال المفترض أنه للورثة لا سيما إذا حضرته الوفاة.(62/8)
غير الإمام مالك ماذا يقول؟ يقول: لا أبداً هذه الأمور كالديون، ديون الآدميين ((دين الله أحق بالقضاء)) ويقول: أن هذه الأمور لا تخلو إما أن تكون في حال الصحة وحينئذ تكون من رأس ماله، إن كانت في مرض موته المخوف فهي من الثلث؛ لأن الاتهام ظاهر، أما إذا كان في حال الصحة ما فيه اتهام، ما يتهم بأن يحرم الورثة، نعم، هم يتفقون مع مالك أنه في مرض موته المخوف بحيث يغلب على الظن أنه يريد حرمان الورثة يكون من الثلث؛ لكن إذا كان في حال الصحة وتوفي، هذا دين من الديون، والمعروف أن الحقوق المتعلقة بالتركة خمسة: الأول: مؤن التجهيز، الثاني: الحقوق المتعلقة بعين التركة كالديون التي تكون برهن، هذه مقدمة، الثالث: الحقوق المطلقة كديون الآدميين، وديون الله تعالى كالكفارات والنذور، هذه من أصل التركة، الرابع: الوصايا، وهذه من الثلث، والخامس: الإرث.
فالمسألة تدور على قصد هذه الموصي أو الناذر فإن كان قصده الحرمان، ولا يتصور الحرمان في حال الصحة، إنما يتصور الحرمان في حال المرض، مرض الموت المخوف، في حال مرض الموت المخوف، وفي حال مرض الموت المخوف يتجه القول بأنها من الثلث، أما في حال الصحة فلو تبرع بجميع ماله ولديه قدرة على الاكتساب، وعنده أيضاً صبر واحتساب، فعل ذلك أبو بكر -رضي الله عنه-، فخرج من جميع ماله، وهذا لا إشكال فيه.
يقول: وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يسأل هل يصوم أحد عن أحد؟ أو يصلي أحد عن أحد؟ فيقول: "لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد".(62/9)
لماذا؟ لأنها عبادات بدنية لا تدخلها النيابة، أما الصلاة فإجماع، ما في أحد يصلي عن أحد، لا تدخلها النيابة بحال، وأما الصيام فخلاف، فمنهم من قال بهذا القول، لا يصوم أحد عن أحد، كالصلاة وهو رأي مالك وبعض العلماء، وقيل: ((من مات وعليه صوم فإنه يصوم عنه وليه)) وهذا الحديث مخرج في الصحيح ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) ومن أهل العلم من حمله على الصوم الواجب، سواءً كان مما وجب بأصل الشرع، أو أوجبه الإنسان على نفسه بالنذر، وعند الإمام أحمد أنه لا يصام إلا ما أوجبه الإنسان على نفسه، وأما ما وجب بأصل الشرع فكالصلاة، يقول شيخ الإسلام وابن القيم: "أن هذا هو الأقيس".
وجاء في بعض روايات الحديث: ((من مات وعليه صوم نذر صام عنه وليه)) فالمتجه أن الذي يقبل النيابة صيام النذر، وأما ما أوجبه الشارع، ما وجب بأصل الشرع فإنه لا يقبل النيابة كالصلاة وهذا القول وسط، وعليه يدل الحديث برواياته.
طالب:. . . . . . . . .
هو الواجب، الكلام على الواجب، هل يشمل؟ عليه صوم من رمضان، يصوم عنه وليه وإلا ما يصوم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، لا ما يصوم وجوباً، صام عنه وليه إذا تبرع، بدليل أنه لو امتنع وحمله من يليه أو الذي يليه أو تحمله البعيد، لكن الأولى المفترض أن يصوم الولي.
طالب:. . . . . . . . .
عن ابن عمر؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم الكلام في الصيام؛ لأنه لا يقبل النيابة، فيرجع فيه إلى البدل، وهو الإطعام فيكون مالي، نعم نذر أن يصوم، والصيام لا يقبل النيابة، فيخرج عنه إطعام، من رأس ماله، لا من ثلثه.
هل يقال: هذا مذهب الإمام مالك؟
هذا مذهب مالك، نعم، هذا هو النص في موطئه.
باب ما جاء في قضاء رمضان والكفارات:
حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن أخيه خالد بن أسلم أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أفطر ذات يوم في رمضان في يوم ذي غيم، ورأى أنه قد أمسى، وغابت الشمس، فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين طلعت الشمس، فقال عمر: "الخطب يسير، وقد اجتهدنا".
قال مالك -رحمه الله-: "يريد بقوله الخطب يسير، القضاء فيما نرى، والله أعلم، وخفة مؤونته، ويسارته يقول: "نصوم يوما مكانه".(62/10)
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: "يصوم قضاء رمضان متتابعاً من أفطره من مرض أو في سفر".
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- وأبا هريرة -رضي الله عنه- اختلفا في قضاء رمضان، فقال أحدهما: "يفرق بينه"، وقال: "الآخر لا يفرق بينه"، لا أدري أيهما قال: يفرق بينه؟ ".
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: "من استقاء وهو صائم فعليه القضاء، ومن ذرعه القيء فليس عليه القضاء".
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب -رحمه الله- يُسأل عن قضاء رمضان فقال: "سعيد أحب إلي أن لا يفرق قضاء رمضان، وأن يُواتَر".
قال يحيى سمعت مالكاً يقول: فيمن فرق قضاء رمضان فليس عليه إعادة، وذلك مجزئ عنه، وأحب ذلك إلي أن يتابعه.
قال مالك -رحمه الله-: "من أكل أو شرب في رمضان ساهياً أو ناسياً، أو ما كان من صيام واجب عليه أن عليه قضاء يوم مكانه".
وحدثني عن مالك عن حميد بن قيس المكي أنه أخبره قال: "كنت مع مجاهد، وهو يطوف بالبيت، فجاءه إنسان فسأله عن صيام أيام الكفارة أمتتابعات أم يقطعها؟ قال حميد: فقلت له: نعم يقطعها إن شاء، قال مجاهد: "لا يقطعها، فإنها في قراءة أبي بن كعب: "ثلاثة أيام متتابعات".
قال مالك -رحمه الله-: "وأحب إلي أن يكون ما سمى الله في القرآن يصام متتابعاً" وسئل مالك -رحمه الله- عن المرأة تصبح صائمة في رمضان، فتدفع دفعة من دم عبيط في غير أوان حيضها، ثم تنتظر حتى تمسي أن ترى مثل ذلك فلا ترى شيئاً، ثم تصبح يوماً أخرى، فتدفع دفعة أخرى، وهي دون الأولى، ثم ينقطع ذلك عنها قبل حيضتها بأيام، فسئل مالك كيف تصنع في صيامها وصلاتها؟ قال مالك -رحمه الله-: "ذلك الدم من الحيضة فإذا رأته فلتفطر ولتقض ما أفطرت، فإذا ذهب عنها الدم فلتغتسل وتصوم".
وسئل عمن أسلم في آخر يوم من رمضان هل عليه قضاء رمضان كله أو يجب عليه قضاء اليوم الذي أسلم فيه، فقال: "ليس عليه قضاء ما مضى، وإنما يستأنف الصيام فيما يستقبل، وأحب إلي أن يقضي اليوم الذي أسلم فيه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب ما جاء في قضاء رمضان والكفارات:(62/11)
حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن أخيه خالد بن أسلم أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أفطر ذات يوم في رمضان، في يوم ذي غيم (سحاب) جزم أو غلب على ظنه أنه قد أمسى، يعني غابت الشمس، لا أنه دخل في المساء؛ لأن المساء يدخل قبل ذلك، أنه قد أمسى، وغابت الشمس، فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين طلعت الشمس، يعني ظهرت، انجلى الغيم والسحاب فظهرت الشمس، فقال عمر: "الخطب يسير" الأمر سهل؛ لأن هذا الفطر كان عن اجتهاد لا عن تفريط، فلا إثم، وقضاء يوم مكان يوم ما يؤثر، "الخطب يسير، وقد اجتهدنا" يعني في الوقت، حتى غلب على الظن أن الشمس قد غابت، قال مالك: "يريد بقوله: الخطب يسير، القضاء فيما نرى" يعني نظن، والله أعلم، وخفت مؤونته ويسارته" نعم كان الصيام ما يشق على الناس لعدم إخلادهم إلى الدنيا وزخرفها؛ لكن الذي يركن إلى الدنيا الصيام من أشق الأمور عليه، ولذلك تجده يصوم مع الناس مهما بلغت به المشقة، لئلا يقضي يوماً يصوم والناس يأكلون ويشربون، هذا قاتل بالنسبة لبعض الناس، والإمام مالك يقول: "القضاء فيما نرى -والله أعلم- وخفت مؤونته ويسارته" يقول: نصوم يوماً مكانه.
روى الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- عن هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء بنتي أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: "أفطرنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم غيم، ثم طلعت الشمس"، قيل لهشام: فأمروا بالقضاء؟ قال: بد من القضاء، وقال معمر: سمعت هشاماً يقول: لا أدري أقضوا أم لا؟
والجمهور على أنه لا بد من القضاء لماذا؟ لأن الأصل بقاء النهار، فلا يخرج من هذا الأصل إلا بيقين، ولا يكفي فيه غلبة ظن، لا بد من يقين.
ونقل ابن عبد البر الإجماع على أنه لو غم هلال رمضان فأفطروا، ثم ثبت الهلال أن عليهم القضاء، ويستدل بالإجماع على أنه إذا لم يُر الهلال ليلة الأول من رمضان، وغم عليهم، وأصبحوا مفطرين؛ لأنه يوم الشك، ثم تبين أنه من رمضان بأن رؤي الهلال ليلة تسعة وعشرين من رمضان يلزمهم قضاء اليوم الأول الذي أفطروه، وهذا أمر متفق عليه، ما قالوا: اجتهدنا وأفطرنا يكفينا هذا الاجتهاد.(62/12)
نقول: الإمام مالك يستدل بالإجماع على هذه المسألة، وذهبت طائفة إلى عدم القضاء بمنزلة من أفطر ناسياً، ونسب الحافظ ابن حجر في فتح الباري عدم القضاء لمجاهد والحسن يقول: وبه قال إسحاق وأحمد في رواية واختاره ابن خزيمة أنه لا قضاء.
على كل حال الخبر الذي في البخاري، الكلام ليس بصريح على وجوب القضاء، ولا بعدم وجوبه، قيل لهشام: فأمروا بالقضاء؟ فقال: بد من قضاء، اللفظ يحتمل أنه لا بد من القضاء، ويحتمل أنه ينكر، هل يلزم القضاء؟ وقال معمر: سمعت هشاماً يقول: لا أدري أقضوا أم لا؟ فالنص محتمل، وعلى كل حال الأصل بقاء النهار، فلا يخرج منه إلا بيقين، ولا يكفي فيه غلبة الظن، وحصل لبعض الناس أنهم في مكان داخل بيت وعندهم ضيوف ما يسمعون الأذان لكثرة الكلام وجلبة الأصوات، فقالوا لطفل اخرج فاستمع الأذان، مميز هو لكنه غير مكلف، صبي، قالوا: اخرج استمع الأذان فإذا أذن أخبرنا، خرج الولد مجرد ما خرج من الباب أذن هو نفسه الصبي هذا، أذن فأفطروا، ثم بعد ربع ساعة سمعوا الأذان، وهل بد من قضاء؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو عند الباب والباب مفتوح، والمجلس يعني يسمعون الأذان.
طالب:. . . . . . . . .
النفس تستروح لمثل هذا، المقصود أن مثل هذا لا بد من قضائه، وهو قول الجمهور.
يقول: وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: "يصوم قضاء رمضان متتابعاً من أفطره من مرض أو في سفر"، يصوم متتابعاً، مذهب ابن عمر وجوب التتابع لماذا؟ لأن القضاء يحكي الأداء، والأداء متتابع؛ فليكن القضاء كذلك، وبه قال بعض أهل الظاهر، وذهب الجمهور إلى استحبابه فقط، استحباب التتابع، وأما وجوبه فلا، لأن النص {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة] (عدة) ليس فيها ذكر للتتابع.(62/13)
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن عبد الله بن عباس، ابن شهاب يحكي قصة لم يشهدها فهي منقطعة أن عبد الله بن عباس وأبا هريرة اختلفا في قضاء رمضان، فقال أحدهما: "يفرق بينه" يعني جوازاً، يعني يجوز أن يفرق بينه، وقال الآخر: "لا يفرق بينه" متتابع، لا أدري أيهما قال يفرق بينهم؟ أحدهما قال ابن عباس أو أبو هريرة، أحدهما اختار هذا، والثاني اختار هذا؛ لكن لا يدري هل ابن عباس اختار التفريق أو أبو هريرة؟
يقول ابن عبد البر: "لا أدري عمن أخذ ابن شهاب هذا، وقد صح عن ابن عباس وأبي هريرة أنهما أجازا التفريق في قضاء رمضان، وقالا: لا بأس بتفريقه، لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة].
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: "من استقاء (السين والتاء) للطلب يعني طلب القيء، وتكلفه وطلبه، يعني بذل الأسباب لاستخراج القيء "من استقاء وهو صائم فعليه القضاء" هذا كلام ابن عمر، ومن ذرعه القيء أي سبقه وغلبه فليس عليه القضاء" إلا أن يتيقن أنه خرج من جوفه شيء، ثم عاد إليه، أنه رجع إلى جوفه شيء مما خرج بعد أن صار في فمه، بطوعه واختياره لا قهراً عنه, وإلا لو خرج شيء، ثم عاد بعد أن بذل الوسع واستفرغ الجهد في أن يخرجه فلم يستطع، فهذا كمن طار إلى حلقه ذباب أو غبار، هذا لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
في المسند والسنن من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء)) صححه جمع، وقواه الدارقطني، وقال: "رواته كلهم ثقات" وأعله أحمد، وعلى كل حال قال بهذا جمع من أهل العلم أن من استقاء فعليه القضاء، ومن يقول: أن الفطر مما يدخل لا مما يخرج، لا يرى أن في القيء نقضاً للصيام، ولا إبطالاً له كالحجامة.
وعلى كل حال فالحديث قوي، يعني من حاول استخراج القيء فالحديث فيه قوي، عليه القضاء.
وتقدم الكلام فيمن تعرض للحجامة هل بتعرضه لها يكون نوى الإفطار؟ وكذلك من استدعى القيء وطلبه هل يكون نوى بذلك الإفطار؟ أو يفرق بين من يعرف الحكم ومن لا يعرف الحكم؟ وهو الظاهر.(62/14)
الحنابلة يعلقونه على القيء، لا على مجرد الاستقاء، مع أنهم يقولون: من نوى الإفطار أفطر، ولذلك يقولون: من استقاء فقاء يفطر، فعلى هذا من استقاء فلم يقء لا يفطر، مع أنه من نوى الإفطار يفطر عندهم، هذا عندهم؛ لكن يفرق بين من يعرف أن الاستقاء مفطر يكون نوى الإفطار بهذا، والذي لا يعرف أن استدعاء القيء مفطر، بحيث إذا سئل أو سأل عن هذا الحكم أجيب بأنه أفطر، مثل هذا ما نوى الإفطار، وإن استدعى القيء، فهنا ملحظ ينبغي أن يلاحظ؛ لأن المسألة دقيقة يا إخوان، المسألة دقيقة.
طالب:. . . . . . . . .
في إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال العبرة بالنص، النص المرفوع.
طالب:. . . . . . . . .
تعرف رأي ابن عباس الذي ذكره البخاري؟ الفطر مما دخل لا مما خرج، يشمل القيء والحجامة؛ لكنه لا يشمل الإنزال يرد عليه.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه سمع سعيد بن المسيب -رحمه الله- يُسأل عن قضاء رمضان، يعني هل يجب تتابعه أم لا؟ هل يجب تتابعه أم لا؟ فقال: "سعيد أحب إلي أن لا يفرق قضاء رمضان"، يعني مثل ما ذكرنا أنه يحكي الأداء، "وأن يواتر" يعني يتابع، والتواتر هو التتابع، يقال: تواترت الإبل إذا جاءت بعضها إثر بعض، ولم تأتِ دفعة واحدة.
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول فيمن فرق قضاء رمضان فليس عليه إعادة، وذلك مجزئ عنه، وأحب ذلك إلي أن يتابعه، يعني إلحاقاً بأصله؛ لأن القضاء كما ذكرنا يحكي الأداء.
قال مالك: "من أكل أو شرب في رمضان ساهياً أو ناسياً أو ما كان من صيام واجب عليه أن عليه قضاء يوماً مكانه"، من أكل أو شرب في رمضان ساهياً أو ناسياً عليه القضاء عند مالك؛ لكن ليس عليه كفارة، أما من أكل أو شرب متعمداً عليه القضاء والكفارة عند مالك، والجمهور على أنه إذا أكل وشرب ناسياً فإنما أطعمه الله وسقاه، هذا بالنسبة للناسي، أما بالنسبة للمتعمد فهو يفطر؛ لكن لا كفارة عليه إلا بالجماع.(62/15)
في الحديث في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه))، وللحاكم: ((من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة)) وهو حديث صحيح.
طيب إيش الفرق بين رواية الصحيحين ورواية الحاكم؟ رواية الصحيحين فيها الأكل والشرب، بينما رواية الحاكم فيها ما هو أعم من ذلك من أفطر ناسياً، بل فيها ما يشير إلى أنه لو أفطر ناسياً بالجماع بدليل قوله: ((فلا قضاء عليه ولا كفارة)) فمن نسي فأفطر بأكل أو شرب أو جماع لا قضاء عليه ولا كفارة، ومن أهل العلم من أخذ بالنص المتفق عليه وخص ذلك بالأكل والشرب دون الجماع، وقال: إن المسألة مشت على الغالب، الغالب أن الذي ينسى هو الأكل والشرب، أما الجماع فلا يتصور من مسلم أن ينسى ويجامع في رمضان، وهو يعرف أن الجماع يبطل الصوم.
القاعدة في النسيان يعني مالك يرى أن ركن الصيام الأعظم هو الإمساك، وتُرك هذا الركن، فيبطل الصيام بترك هذا الركن، كما لو ترك المصلي ركعة أو سجدة، ترك ركوع أو سجود تصح صلاته وإلا ما تصح؟ ولو كان ناسياً، لو ترك سجدة تصح صلاته أو ما تصح؟ وهو ناسي، ما تصح صلاته؛ لأن السجود والركوع من أركان الصلاة، وهذا ركن الصيام الذي هو الإمساك، فإذا تركه وأكل فسد صومه، ولو كان ناسياً، هذه وجهة نظر الإمام مالك؛ لكن الجمهور يرون أن الأكل والشرب إيجاد وإلا إعدام؟ إيجاد، وترك الركوع والسجود إعدام، والنسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود، يعني شخص صلى الظهر ثلاث ركعات ناسياً، نقول: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ما عليك شيء؟ لا بد بأن يأتي برابعة، وشخص صلى الظهر خمس ركعات يعيد الصلاة ناسياً؟ لا؛ لأن النسيان ينزل الموجود هذه الركعة الخامسة منزلة المعدوم كأنها غير موجودة، بينما المعدوم الركعة الرابعة لا بد من الإتيان بها.
اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك ..(62/16)
شرح: الموطأ - كتاب الاعتكاف
باب: ذكر الاعتكاف - باب ما لا يجوز الاعتكاف إلا به - باب خروج المعتكف للعيد - باب قضاء الاعتكاف - باب النكاح في الاعتكاف - باب ما جاء في ليلة القدر
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نعم.
أحسن الله إليك.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب: الاعتكاف
باب: ذكر الاعتكاف
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان".
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة -رضي الله عنها- كانت إذا اعتكفت لا تسأل عن المريض إلا وهي تمشي لا تقف.
قال مالك -رحمه الله-: "لا يأتي المعتكف حاجته، ولا يخرج لها، ولا يعين أحداً، إلا أن يخرج لحاجة الإنسان، ولو كان خارجاً لحاجة أحد لكان أحق ما يخرج إليه عيادة المريض، والصلاة على الجنائز وإتباعها".
قال مالك: لا يكون المعتكف معتكفاً حتى يجتنب ما يجتنب المعتكف من عيادة المريض، والصلاة على الجنائز ودخول البيت إلا لحاجة الإنسان.
وحدثني عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن الرجل يعتكف هل يدخل لحاجته تحت سقف؟ فقال: نعم لا بأس بذلك.
قال مالك: الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه لا يكره الاعتكاف في كل مسجد يجمع فيه، ولا أراه كره الاعتكاف في المساجد التي لا يجمع فيها، إلا كراهية أن يخرج المعتكف من مسجده الذي اعتكف فيه إلى الجمعة، أو يدعها، فإن كان مسجداً لا يجمع فيه الجمعة، ولا يجب على صاحبه إتيان الجمعة في مسجد سواه، فإني لا أرى بأساً بالاعتكاف فيه؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال: {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة] فعم الله المساجد كلها، ولم يخص شيئاً منها.(63/1)
قال مالك: فمن هنالك جاز له أن يعتكف في المساجد التي لا يجمع فيها الجمعة إذا كان لا يجب عليه أن يخرج منه إلى المسجد الذي تجمع فيه الجمعة.
قال مالك: ولا يبيت المعتكف إلا في المسجد الذي اعتكف فيه إلا أن يكون خباؤه في رحبة من رحاب المسجد، ولم أسمع أن المعتكف يضرب بناء يبيت فيه إلا في المسجد أو في رحبة من رحاب المسجد، ومما يدل على أنه لا يبيت إلا في المسجد قول عائشة -رضي الله عنها-: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اعتكف لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان، ولا يعتكف فوق ظهر المسجد، ولا في المنار -يعني الصومعة-.
وقال مالك: يدخل المعتكف المكان الذي يريد أن يعتكف فيه قبل غروب الشمس من الليلة التي يريد أن يعتكف فيها حتى يستقبل باعتكافه أول الليلة التي يريد أن يعتكف فيها، والمعتكف مشتغل باعتكافه لا يعرض لغيره مما يشتغل به من التجارات أو غيرها، ولا بأس بأن يأمر المعتكف ببعض حاجته بضيعته ومصلحة أهله، وأن يأمر ببيع ماله أو بشيء لا يشغله في نفسه، فلا بأس بذلك إذا كان خفيفاً أن يأمر بذلك من يكفيه إياه.
قال مالك: لم أسمع أحداً من أهل العلم يذكر في الاعتكاف شرطاً، وإنما الاعتكاف عمل من الأعمال مثل الصلاة والصيام والحج، وما أشبه ذلك من الأعمال، ما كان من ذلك فريضة أو نافلة، فمن دخل في شيء من ذلك فإنما يعمل بما مضى من السنة، وليس له أن يحدث في ذلك غير ما مضى عليه المسلمون، لا من شرط يشترطه ولا يبتدعه، وقد اعتكف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعرف المسلمون سنة الاعتكاف.
قال مالك -رحمه الله-: والاعتكاف والجوار سواء، والاعتكاف للقروي والبدوي سواء.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الاعتكاف:
وقد مضى نظائره من ذكر البسملة قبل الترجمة، والأصل أن يبدأ بها، وذكرنا مراراً أنها قد تقدم الترجمة على البسملة أحياناً، وهذا يوجد في البخاري، تقدم الترجمة على البسملة، ويكون ذكر الترجمة بمثابة ذكر اسم السورة في القرآن قبل البسملة، ولكل وجه.
كتاب الاعتكاف:(63/2)
الكتاب: مضى تعريفه مراراً.
والاعتكاف: اللزوم، لزوم الشيء وحبس النفس عليه، خيراً كان أو شراً، فمن لزم شيئاً وحبس نفسه عليه اعتكف، كما قال -جل وعلا-: {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة] وقال -جل وعلا-: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ} [(138) سورة الأعراف] هذا اعتكاف، فلزوم الشيء وحبس النفس عليه اعتكاف، يعني طول المكث والبقاء في مكان لأمر من الأمور اعتكاف، ولذا الذين يمضون الساعات أمام القنوات والآلات هم يعتكفون عليها، يعكفون عليها، ويتداول الطلاب أيام الامتحانات هذه اللفظة، إذا أداموا النظر ولزموا الأماكن لمطالعة دروسهم يقال: فلان عاكف على دروسه؛ لأنه يطيل المكث والملازمة ملازمة المكان للإفادة من دروسه.
فرق بين {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة] السنة النبوية، وبين {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ} [(138) سورة الأعراف] وبينهما أمور، يعني هذا من أفضل الأعمال، وهذا -نسأل الله السلامة والعافية- الشرك والكفر، فعلى الإنسان أن يلزم طاعة الله -جل وعلا-، ولا يصرف هذا المسمى -وإن كان لغوياً- لكن حقيقته الشرعية لزوم المسجد، والمسجد كما جاء في بعض الأخبار بيت كل تقي.
وخير مقام قمت فيه وحلية ... تحليتها ذكر الإله بمسجدِ
والرباط: انتظار الصلاة بعد الصلاة، والملائكة تصلي على المصلي ما دام في مصلاه: "اللهم اغفر له، اللهم ارحمه" هكذا ينبغي أن تنفق الأوقات، أما أن تنفق على القيل والقال، أو على الآلات المحرمة، أو على ما يقرب منها من استعمال بعض الأمور من ورقة وغيرها، يمضون عليها الساعات الطوال، ويحدث معها من الألفاظ البذيئة، وتأثر القلوب، وقد يحصل معها الجعل المحرم كالقمار، المقصود أن الإنسان عليه أن يحفظ وقته.(63/3)
وعرف الاعتكاف شرعاً: بأنه لزوم المسجد لطاعة الله -جل وعلا-، يعني للعبادات الخاصة اللازمة من صلاة وتلاوة وذكر، حتى ما كان نفعه عاماً يعطل أثناء الاعتكاف، وأما ما يستروح إليه بعض أهل العلم أن الاعتكاف يصح بأدنى شيء، وأن كل من دخل المسجد ينوي سنة الاعتكاف، هذا ليس بشيء، ليس باعتكاف لا لغوي ولا شرعي، ولذا يوجد في بعض المساجد في الاسطوانة التي تقابل الداخل إلى المساجد تذكير بنية الاعتكاف، نويت سنة الاعتكاف، مكتوب عليه هكذا لكل داخل، ينوي سنة الاعتكاف، يعني أقل ما قيل في الاعتكاف، قال بعضهم: ولو لحظة، لكن هذا لعب بالنصوص، الحنفية عندهم أن أقل ما ينطبق عليه الاعتكاف ساعة، مكث ساعة.
قولهم: نويت سنة الاعتكاف، على أنها لفظ مخالف لحقيقة الاعتكاف أيضاً هي تذكير بأمر مبتدع، وهو النطق بالنية، استحضار النية، ولو لم ينطق بها الإنسان على هذه الكيفية بأن يقول: نويت سنة الاعتكاف ولو في نفسه هذا لم يرد به دليل، إنما يعمل به بعض متأخري الفقهاء، ولا يوجد في خبر صحيح ولا ضعيف عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا عن صحابته أن المتعبد يقول: نويت كذا، نويت أن أعتكف، نويت أن أصلي صلاة كذا، ولو في نفسه، إنما مجرد قصده لهذا الأمر هو النية، مجرد ما يذهب إلى المسجد، ويمثل في الصف بين يدي الله -جل وعلا- هذه هي النية.
يقول المؤلف:
باب ذكر الاعتكاف:
"حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عمرة بنت عبد الرحمن" الذي في البخاري عن عروة وعمرة عن عائشة؛ لأن عروة يرويه عن عائشة بدون واسطة، يقول الحافظ ابن حجر: ذكر عمرة في رواية مالك من المزيد في متصل الأسانيد، نعم الإمام مالك يروي الخبر من طريقين، من طريق عروة ومن طريق عمرة كلاهما عن عائشة -رضي الله عنها-، وليس على هذه الصورة التي جاءت في رواية يحيى.(63/4)
"عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله"، "يدني" يقرب إلي رأسه "فأرجله" يعني أمشط شعره وأسرحه وأنظفه "وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان" دل على أن إخراج جزء من البدن من المسجد لا يخل بالاعتكاف، إذا أخرج رأسه أو يده أو رجله دون بقية بدنه هذا لا يخل بالاعتكاف، وليس معنى هذا أن المعتكف يفرش فراش عند باب المسجد ويخرج رأسه لينظر إلى الغادي والرائح هذا لحاجة هذا، من أجل التسريح والترجيل، بعض الناس عنده محبة للاستطلاع، يحب الاستطلاع ومع ذلك يجعل الفراش عند باب المسجد، ويخرج رأسه، ويقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يخرج رأسه، وإلا ليس هذا هو المقصود، هذا ينافي مقتضى الاعتكاف، وبعض الناس يتوسع في أمر الاعتكاف حتى لا يوجد فرق بين كونه معتكفاً أو كونه في بيته، أو في محل مع زملائه من استراحة أو غيرها، يتوسع في أموره، تجد عنده الأجهزة التي كان يستعملها في بيته، عنده التليفون الثابت، وعنده الجوال، وعنده إن كان آلات إنترنت أو غيره، ويزاول جميع ما كان يعمله قبل الاعتكاف، بل مع الأسف أنه وجد من تنقل إليه الصحف والمجلات هل هذا اعتكاف؟ أو يخل ببعض العبادات، تجده ينام حتى يفوته بعض الصلوات، هذا ينافي مقتضى الاعتكاف، الاعتكاف للازدياد من القرب من الله -جل وعلا-، والخلوة به، ومعالجة القلب من آثار الران الذي يكسبه طول العام.
فعلى الإنسان أن يتخفف من أمور الدنيا كلها إلا ما لا بد منه، ولذا كان -عليه الصلاة والسلام- لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان، فسرها الزهري بالبول والغائط، واتفق العلماء على استثنائهما، واختلفوا في غيرهما من الحاجات كالأكل والشرب، أما إذا أمكن إدخال الأكل والشرب إلى المسجد فلا يجوز له أن يخرج من أجلهما، وأما إذا منع من إدخال الأكل والشرب في المسجد صار حكمه -حكم الأكل والشرب- حكم الحاجة، يلحق أيضاً بما ذكر الزهري ما هو في معناهما كالقيء مثلاً، احتاج إلى أن يقيء يخرج من المسجد وهكذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الرباط؟
طالب:. . . . . . . . .(63/5)
على كل حال الرباط لزوم المسجد، لكن أحكامه قد تختلف عن أحكام الاعتكاف؛ لأن أحكام الاعتكاف أو الاعتكاف ينبغي أن يخصص للعبادات الخاصة، والرباط قد يكون للتعلم والتعليم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
سيأتي الكلام عن المجاورة.
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة كانت إذا اعتكفت لا تسأل عن المريض إلا وهي تمشي" مع أن عيادة المريض سنة، إتباع الجنازة من حق المسلم على المسلم، ومع ذلك تعطل هذه الأمور، ونص المالكية أنه لو كان المريض أو الميت أحد الأبوين ما يعرج عليه، إلا يسأل عنه وأنت ماشي، مثلما تفعل عائشة، لا تقف؛ لأن الوقوف بمعنى العيادة ولا تجوز العيادة كحضور الجنازة، يعني ومن باب أولى طلب دين واستيفاؤه وما أشبه ذلك، والمالكية يشددون في أمر الاعتكاف جداً.
"قال مالك: لا يأتي المعتكف حاجته، ولا يخرج لها من المسجد" حاجته غير حاجة الإنسان التي لا بد منها، أموره الحاجية الأخرى "لا يأتي المعتكف حاجته، ولا يخرج لها من المسجد، ولا يعين أحداً" شخص عند باب المسجد يريد من يرفع معه متاعه إلى دابته أو سيارته يقول: لا يعينه "لا يخرج من المسجد، ولا يعين أحداً إلا أن يخرج لحاجة الإنسان" التي تقدمت "ولو كان خارجاً لحاجة أحد لكان أحق ما يخرج إليه عيادة المريض" وأحق وعيادة بالوجهين، بالنصب والرفع، أحدهما اسم كان، والثاني الخبر، إما مقدم أو مؤخر، يعني نظير ما جاء: ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمٌ)) والرواية الأخرى: ((يوشك أن يكونَ خير مالِ المسلم غنماً)) يجوز هذا وهذا.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يخرج إليه، يعني عموم المعتكفين، أو ما يخرج إليه المعتكف، المعنى ما يختلف.
"عيادة المريض، والصلاة على الجنائز وإتباعها" لأن هذه الأمور من حقوق المسلم على أخيه، واتباعها مع أنه لا يخرج لذلك، فمن باب أولى أن لا يخرج لغيرهما، بعض الناس يستثني، وسيأتي ما في الاستثناء في الاعتكاف، بعضهم يستثني الدوام، يخرج للدوام، ويرجع بعد الدوام يكمل اعتكافه.(63/6)
"قال مالك: لا يكون المعتكف معتكفاً حتى يجتنب ما يجتنب المعتكف من عيادة المريض ولو أبويه، والصلاة على الجنائز، ودخول البيت إلا لحاجة الإنسان" يعني ما استثني إلا هذا، فدل على أن المعتكف يلزم المسجد.
"وحدثني عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن الرجل يعتكف هل يدخل لحاجته تحت سقف؟ فقال: نعم لا بأس بذلك" وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة، وقال جماعة: إن دخل تحته –تحت السقف- بطل، ويش السبب؟ هو في الأصل في المسجد تحت سقف، هل يدخل لحاجته تحت سقف؟ يعني يأوي إلى بيت أو إلى مسكن، أو يخرج يتبرز مثلما كانت العرب تفعله ويرجع؛ لأن دخوله تحت سقف في الغالب أن يكون في هذا المكان أناس ينشغل بهم، وأما إذا خرج لمكان قضاء الحاجة الذي لا يظله سقف ليس فيه أحد ينشغل به، لكن لا بأس بذلك، وهو قول جماهير أهل العلم.
"قال مالك: الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه لا يكره الاعتكاف في كل مسجد يجمع فيه" يعني تصلى فيه الجمعة "ولا أراه كره الاعتكاف في المساجد التي لا يجمع فيها إلا كراهية أن يخرج المعتكف من مسجده الذي اعتكف فيه" لأنه بيضطر أن يخرج إلى صلاة الجمعة، أو يضطر إلى تركها، وكلاهما لا يجوز، لا يجوز الخروج إلى صلاة الجمعة، ولا يجوز أن يترك الجمعة، هذا عند الإمام مالك -رحمه الله-.
"ولا أراه كره الاعتكاف في المساجد التي لا يجمع فيها إلا كراهية أن يخرج المعتكف من مسجده الذي اعتكف فيه إلى الجمعة وجوباً أو يدعها" فيحرم عليه ترك الجمعة "فإن كان مسجداً لا يجمع فيه الجمعة، ولا يجب على صاحبه إتيان الجمعة في مسجد سواه" لا يجب عليه إتيان الجمعة لكونه مسافر مثلاً، مسافر لا جمعة عليه، أو امرأة لا جمعة عليها، أو كانت مدة الاعتكاف بحيث لا يتخللها جمعة، بيعتكف خمسة أيام من السبت إلى أو من الأحد إلى الخميس، مثل هذا لا بأس أن يعتكف في مسجد غير جامع.(63/7)
"ولا يجب على صاحبه إتيان الجمعة في مسجد سواه، فإني لا أرى بأساً من اعتكافه فيه؛ لأن الله -جل وعلا- قال: {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة] فعمم الله المساجد كلها" فيدخل في ذلك مساجد الفروض، ويدخل فيها الجوامع، يدخل فيها المساجد الثلاثة، ويدخل فيها ما سواها؛ لأن الله -جل وعلا- عم المساجد كلها "ولم يخص شيئاً منها" لعدم الاحتياج إلى الخروج.
اشتراط المسجد قول عامة أهل العلم أنه لا يصح الاعتكاف إلا في المسجد، لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد، قيل عن محمد بن عمر بن لبابة أنه أجازه في كل مكان، وأجازه الحنفية للمرأة في مسجد بيتها دون الرجل، وعلى كل حال لا اعتكاف إلا في مسجد.
"قال مالك: فمن هنالك جاز له أن يعتكف في المساجد" لكن لو قدر أن شخصاً لو اعتكف في المسجد تأذى الناس بوجوده، نعم وأفتي من باب المصلحة أن يعتكف في جهة من الجهات التي لا يتأذى الناس بوجودهم فيها، ولو كانت خارج المسجد قريباً منه، هذا ليس عليه ما يدل عليه من النصوص، والمصالح والمفاسد مقدرة باعتبار أن هذه سنة وليست بواجب، ويترتب عليها مفسدة كبيرة، وقد حصل بعض الشيء بعض العلماء أفتى من يتأذى الناس بوجوده إما لكثرة الاحتياط عليه، أو كثرة الأتباع.
"قال مالك: فمن هنالك جاز له أن يعتكف" هذا من النظر في المصالح، لكن عموماً المصالح إذا خالفت الأدلة لا ينظر إليها، وحينئذٍ تكون الفتوى باطلة، لكن من ناحية أخرى هذه سنة، إن حصل له أجرها فبها ونعمت، وإلا حصل له أجر القصد، بخلاف من أفتى من وجبت عليه الكفارة، أفتاه بالصيام قبل العتق، يقول ... -على ما مضى شرحه- من علماء الأندلس من أفتى في كفارة الوطء في نهار رمضان، قال: تصوم شهرين متتابعين، يعني يجب عليه أن يعتق، فإن لم يجد يصوم شهرين متتابعين، قال: لو قلنا له: يعتق، كان يطأ كل يوم، العتق سهل بالنسبة له، لكن كيف يصوم شهرين متتابعين وهو أمير؟ فالنظر في المصالح إذا لم تعارض النصوص، نعم؟
طالب: إذا كان مسجد؟
هو مسجد على كل حال، لكن المسجد الذي تعطلت منافعه بحيث لا يصلى فيه البتة ليس بمسجد هذا.(63/8)
"قال مالك: فمن هنالك جاز له أن يعتكف في المساجد التي لا يجمع فيها الجمعة" يعني لعدم احتياجه إلى الخروج، إما لعدم وجوبها، أو لعدم مرور يوم الجمعة أثناء مدة إقامته في معتكفه "إذا كان لا يجب عليه أن يخرج منه إلى المسجد الذي تجمع فيه الجمعة" لانقضاء ما نواه من اعتكاف قبل مجيئها، فعند مالك كون المسجد جامع إذا احتاج إلى الخروج الجمعة شرط؛ لأنه مجرد الخروج لغير حاجة الإنسان يبطل الاعتكاف عنده، فيشترط أن يكون المسجد جامع، وأما غيره فيستحب أن يكون جامع لئلا يخرج، لكن إن خرج إلى الجمعة اعتكف في مسجد لا يجمع فيه وخرج لصلاة الجمعة فهذا مستثنى، مستثنى شرعاً، كما استثني حاجة الإنسان وهذه الحاجة، يعني الحاجة الشرعية لا تقل عن الحاجة العادية، وخصه حذيفة -رضي الله تعالى عنه- خص الاعتكاف في المساجد الثلاثة، لكن رد عليه ابن مسعود، فالجمهور على أن الاعتكاف يصح في جميع المساجد؛ لعموم قوله: {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة].
"قال مالك: ولا يبيت المعتكف إلا في المسجد الذي اعتكف فيه إلا أن يكون خباؤه" يعني خيمته التي ضربها للاعتكاف في رحبة من رحاب المسجد، أي في صحن المسجد، يعني المسجد يقسم في الغالب إلى قسمين، قسم مسقوف، وقسم مكشوف، المكشوف يسمونه رحبة المسجد، هذه يصح الاعتكاف فيها؛ لأنها داخلة في سور المسجد.
طالب:. . . . . . . . .
الساحات، أي ساحات؟
طالب:. . . . . . . . .
ساحات المسجد النبوي ليست تبع المسجد، اللي خارجة عن السور ليست تبع المسجد، الشبك اللي داخله الدورات وما الدورات؟
طالب:. . . . . . . . .
ولا سحاته، اللي خارج الأسوار ليس من المسجد.
"ولم أسمع أن المعتكف يضرب بناء يبيت فيه إلا في المسجد، أو في رحبة من رحاب المسجد، ومما يدل على أنه -يعني المعتكف- لا يبيت إلا في المسجد قول عائشة -رضي الله عنها-: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اعتكف لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان" يعني لا يدخل البيت لا للأكل ولا للشرب، ولا للنوم، لا يدخل بيته إلا لهذا، فحصر الدخول بالحاجة الضرورية التي سبق ذكرها.(63/9)
"ولا يعتكف فوق ظهر المسجد" لأنه ليس منه، هذا على رأي الإمام مالك "ولا في المنارة" المنار يعني التي وضعت علامة على المسجد كالصومعة هذه لا يعتكف فيها، غيره يقول: ظهر المسجد وسطح المسجد حكمه حكم المسجد؛ لأن الهواء له حكم القرار، والمنارة يقولون: إن كانت تفتح إلى المسجد فهي منه، وإن كانت تفتح إلى خارج المسجد فليست منه، والإمام مالك يشدد في هذا.
"وقال مالك: يدخل المعتكف المكان الذي يريد أن يعتكف فيه قبل غروب الشمس من الليلة التي يريد أن يعتكف فيها؛ لأجل أن يستقبل باعتكافه أول الليلة التي يريد أن يعتكف فيها" متى يدخل المعتكف؟ من أراد أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان؟ على قول مالك وهو قول الجمهور أنه يدخل المعتكف قبل غروب الشمس من يوم عشرين، يعني يوم عشرين ليس من العشر، العشر تبدأ من ليلة واحد وعشرين، وليلة واحد وعشرين إنما تبدأ بغروب الشمس، فيدخل المعتكف من غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين، ويخرج منه بعد غروب الشمس من آخر يوم من رمضان، وهذا سيأتي.
في الحديث الصحيح في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا صلى الصبح دخل معتكفه، صلى الصبح دخل المعتكف، وهنا يقول أهل العلم: النبي -عليه الصلاة والسلام- يعتكف العشر الأواخر، هذا الذي استقر عليه أمره -عليه الصلاة والسلام-، صلى الصبح ثم دخل المعتكف، يعني صبح عشرين وإلا صبح واحد وعشرين؟ إن كان واحد وعشرين يكون ما اعتكف ليلة إحدى وعشرين، وليلة إحدى وعشرين في سنة من السنوات هي ليلة القدر كما سيأتي، أنه يرى أنه يسجد صبيحتها في ماء وطين، فهل يدخل صبيحة عشرين أو صبيحة واحد وعشرين؟ عشرين ليست من العشر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم هذا ما قاله الشراح، يقولون: دخل المسجد للاعتكاف في العشر قبل غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين، ثم لما صلى الصبح دخل المكان المخصص للاعتكاف الخباء، أو الحجيرة التي تحجرها النبي -عليه الصلاة والسلام- في المسجد.
طالب:. . . . . . . . .
معتكف، معتكف في المسجد؛ لأن مكان الاعتكاف في المسجد، لكنه خلا بعد ذلك بعد صلاة الصبح.(63/10)
"والمعتكف مشتغل باعتكافه، لا يعرض لغيره مما يشتغل به من التجارات أو غيرها" يعني من أمور الدنيا، ولا بأس .. ، إذا كان السلف يعطلون العلم وتعليمه، ويتفرغون للعبادات الخاصة من صلاة وتلاوة وذكر فكيف بأمور الدنيا؟! "ولا بأس أن يأمر المعتكف ببعض حاجته بضيعته" احتيج في المزرعة إلى أمر تلف، ويتوقف أمر المزرعة عليه لا مانع من أن يأمر يقول: اذهب إلى فلان، واشتر منه كذا وإلا قل لفلان: يصنع كذا شيء خفيف جداً "ولا بأس بأن يأمر المعتكف ببعض حاجته بضيعته ومصلحة أهله" لا مانع أن يقول: يا فلان -من أولاده-: وصل أهلك، أو وصل إخوانك أو كذا، شيء يسير.
"وأن يأمر ببيع ماله" عنده سيارة زائدة، وإلا يبي يشتري غيرها، وإلا يبدلها استعداداً للسفر بعد الاعتكاف يقول له: بعها، بع السيارة، ما نحتاجها، واشتر مكانها كذا، يأمر ببعض ما يحتاج إليه، بقدر الحاجة "أو بشيء لا يشغله في نفسه" لا يشغل باله بهذه الأمور "فلا بأس بذلك إذا كان خفيفاً" طيب هذا معتكف، ويحتاج إلى زكاة الفطر، لا مانع أن يقول: يا فلان هذه عشرة اشترِ لنا صاع زكاة الفطر، نعم، هذا شيء خفيف "فلا بأس بذلك إذا كان خفيفاً يأمر بذلك من يكفيه إياه" إذ المدار على عدم اشتغاله عما هو فيه، والأمر بما خف لا يشغله.(63/11)
"قال مالك: لم أسمع أحداً من أهل العلم يذكر في الاعتكاف شرطاً" يعني لا يشترط في اعتكافه، يعني إذا أراد أن يدخل المعتكف أو نوى الاعتكاف يقول ... ، يشترط إن احتاج إلى الخروج، أو اشترط الخروج للصلاة على الأموات، أو يشترط الخروج إلى الدوام، أو يشترط إيصال الأولاد إلى المدارس ويرجع، كل هذا يقول الإمام مالك -رحمه الله-: "لم أسمع أحداً من أهل العلم يذكر في الاعتكاف شرطاً" يخرجه عن هذه السنة، كمن شرط الخروج متى أراد مثلاً "وإنما الاعتكاف عمل من الأعمال" المتصلة، يتصل أولها بآخرها "مثل الصلاة والصيام والحج" لأنه عند مالك -رحمه الله- إذا شرع في الشيء المندوب وجب ولزم من ذلك الاعتكاف، من ذلك الصلاة، من ذلك الصيام، من ذلك النسك، يجب "مثل الصلاة والصيام والحج وما أشبه ذلك من الأعمال كالعمرة والطواف، ما كان من ذلك فريضة أو نافلة" لا فرق بينهما "فمن دخل في شيء من ذلك فإنما يعمل بما مضى من السنة، وليس له أن يحدث في ذلك غير ما مضى عليه المسلمون" ليس له أن يحدث، المسلمون ما اشترطوا إذاً أنت لا تشترط "لا من شرط يشترطه ولا يبتدعه".
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
الاشتراط يشترط في الحج، يشترط، لا سيما عند الحاجة، إذا رأى علامات ما يحتاج إليه في الاشتراط يشترط ((حجي واشترطي)) حديث ضباعة بنت الزبير "لا من شرط يشترطه ولا يبتدعه" يحدثه بعد الدخول، "وقد اعتكف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعرف المسلمون سنة الاعتكاف" عنه ولم ينقل أحد الاشتراط في الاعتكاف.
وقال الشافعي -رحمه الله تعالى-: إن شرط في ابتداء اعتكافه إن عرض له أمر خرج جاز، وهو رواية عن الإمام أحمد، وفرق بعضهم بين الواجب والتطوع، يعني في الواجب لا يشترط، وفي التطوع يشترط.(63/12)
"قال مالك: والاعتكاف والجوار سواء، والاعتكاف للقروي والبدوي سواء" يعني لا يفرق، لا فرق سواء العاكف فيه والباد، البادي الأعرابي الذي يأتي لمدة يسيرة مثله العاكف المقيم الملازم للمسجد، والجوار يطلق ويراد به الاعتكاف فيلزم فيه ما يلزم في الاعتكاف، ويطلق على ما يفعله من يقصد مكة في آخر عمره، وهذا معروف كثير في تراجم أهل العلم أنه جاور، أو في أثناء عمره يجاور، بمعنى أنه يلزم المسجد الحرام بالنهار، وينقلب بالليل إلى مكان إقامته، هذا معروف كثير من أهل العلم يوجد في ترجمته أنه جاور، ويذكر في ترجمة الزمخشري أنه سمي جار الله لأنه جاور، وغيره من العلماء، لكن الجوار من أجل أي شيء؟ لكسب الحسنات، والبعد عن السيئات، واستصلاح القلب في هذا المكان المعظم.
ذكروا عن الفارابي أنه جاور في آخر عمره، ولزم المسجد الحرام، ولزم الصيام، كان يصوم الدهر، الصيام والقيام، لكن هل هذا على الجادة؟ معروف الرجل بانحرافه، ومع ذلكم في مجاورته ذكروا أنه كان يفطر على إيش؟ الخمر المعتق، وأفئدة الحملان، -نسأل الله السلامة والعافية-.
على كل حال هو معروف الرجل وضعه، ما هو محمود السيرة، المقصود أن الإنسان لا يتعبد إلا بما شرعه الله -جل وعلا-.
أحمد أمين يقول: إنه افتقد شيخاً من شيوخه الذين درس عليهم في مدرسة القضاء الشرعي، وكان يثني عليه، ويمدحه بالعلم والخلق والعبادة، يقول: افتقده عشر سنوات، يبحث عنه ما وجده، فقدر أن رآه في .. ، حصل له سفرة إلى تركيا، قال: فوجدته فيها، قد انقطع عن الناس، ولزم الصيام والقيام، لكن هل هو على الجادة؟ مثل الأول -نسأل الله السلامة والعافية-، يصوم من بعد طلوع الشمس يعني بساعة أو كذا، قريب منها، إلى غروب الشمس، صوم ليس بشرعي، ويعلل ذلك أنه في الشقة التي تحته عائلة، والله ما أدري عاد قال: نصرانية أو يهودية، إذا أراد أن يقوم يستيقظ من أجل السحور يمكن يشوش عليهم وإلا .. ، -نسأل الله السلامة والعافية-.(63/13)
أمور ما تدري ويش لون الأمور يجر بعضها بعضاً، وإلا في بداية الأمر شخص يسمع هذا الكلام يقول: يستحيل، يستحيل أن يصنع مثل هذا، لكن هي أمور تراكمات يجر بعضها بعضاً، والحسنة تقول: أختي، أختي، والسيئة كذلك، فإذا تراكمت هذه الأمور، والضلال ما له نهاية، الضلال لا نهاية له، يعني ... ، إذا وجد من يقول:
ألا بذكر الله تزداد الذنوبُ ... وتنطمس البصائر والقلوبُ
مشكلة؛ لأن الضلال ما له نهاية، لكن على الإنسان أن يعتصم بالكتاب والسنة، والله المستعان.
سم.
أحسن الله إليك.
باب ما لا يجوز الاعتكاف إلا به:
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد ونافعاً مولى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قالا: "لا اعتكاف إلا بصيام، بقول الله -تبارك وتعالى- في كتابه: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة] فإنما ذكر الله الاعتكاف مع الصيام.
قال مالك -رحمه الله-: وعلى ذلك الأمر عندنا أنه لا اعتكاف إلا بصيام.
اشتراط الصيام لصحة الاعتكاف مسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يشترط، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يثبت عنه أنه اعتكف إلا وهو صائم، وجاء في خبر عائشة: ((ولا اعتكاف إلا بصيام)) لكنه مضعف، واستدلال مالك وانتزاعه الدليل من الآية يقول: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة].(63/14)
أولاً: الخبر يرويه الإمام قال: "حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد" بن أبي بكر أحد الفقهاء، "ونافعاً مولى ابن عمر" وهو من شيوخ مالك، كأنه لم يسمعه منه فرواه بلاغاً "ونافعاً مولى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قالا: "لا اعتكاف إلا بصيام" هذا رأيهم، بسبب قول الله تبارك وتعالى (الباء) هذه سببية، "في كتابه: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة] فإنما ذكر الله الاعتكاف مع الصيام".
فيشترط لصحة الاعتكاف الصيام.
"قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا أنه لا اعتكاف إلا بصيام" وقال غيره: أن الاعتكاف يصح من غير صيام، يصح بدون الصيام، عمر -رضي الله تعالى عنه- نذر أن يعتكف ليلة، وقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أوفِ بنذرك)) على أنه جاء في بعض الروايات: يوماً، ورواية: الليلة وجهت أنها بيومها، لكن استدلال الإمام مالك بالآية يُسلم وإلا ما يسلم؟ نعم؟ ما يسلم، أولاً: المسألة عطف، ولا تباشروهن، المسألة مستقلة، الواو يحتمل أن تكون استئنافية.
الأمر الثاني: أنه لو اشترطنا الصيام لصحة الاعتكاف لا بد أن نشترط الاعتكاف لصحة الصيام، ولا قائل به، إذا قلنا بالتلازم كيف نقول: إنه يلزم الصيام للاعتكاف ولا يلزم الاعتكاف للصيام؟ يصح الصيام بدون اعتكاف وإلا ما يصح؟ إجماعاً، إجماعاً يصح، إذن يصح العكس، وهذا يضعف استدلال الإمام بالآية، وعلى كل حال لا شك أن الاعتكاف مع الصيام أكمل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أصل دلالة الاقتران عند أهل العلم ضعيفة، دلالة الاقتران عند جماهير أهل العلم في غاية الضعف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
شوال يوم العيد لا يتصور، نعم، لا يتصور أنه اعتكفه، لماذا؟ لأنه مشغول بالصلاة وغيرها من أعمال يوم العيد، اعتكف بعد يوم العيد يصوم ويش المانع؟ ما في ما يمنع، يعني على قول مالك ما ينخرم، نعم.
أحسن الله إليك.
باب خروج المعتكف للعيد:(63/15)
حدثني يحيى عن زياد بن عبد الرحمن قال: حدثنا مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن أن أبا بكر بن عبد الرحمن اعتكف فكان يذهب لحاجته تحت سقيفة في حجرة مغلقة في دار خالد بن الوليد، ثم لا يرجع حتى يشهد العيد مع المسلمين.
حدثني زياد عن مالك أنه رأى بعض أهل العلم إذا اعتكفوا العشر الأواخر من رمضان لا يرجعون إلى أهاليهم حتى يشهدوا الفطر مع الناس.
قال زياد: قال مالك -رحمه الله-: وبلغني ذلك عن أهل الفضل الذين مضوا وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك.
هذا الباب من أبواب الاعتكاف إلى آخر باب الاعتكاف مما فات يحيى سماعه من الإمام مالك فرواه عنه بواسطة.
في المقدمة إذا كان معكم طبعة فؤاد عبد الباقي، يقول: ارتحل يحيى إلى المدينة فسمع الموطأ من مالك بلا واسطة إلا ثلاثة أبواب من كتاب الاعتكاف، باب: خروج المعتكف إلى العيد، وباب: قضاء الاعتكاف، وباب: النكاح في الاعتكاف، يعني من هذا الباب إلى آخر كتاب الاعتكاف، من هنا إلى آخر كتاب الاعتكاف لم يسمعه يحيى من مالك أو شك في سماعه كما قال بعضهم، فرواه عن زياد بن عبد الرحمن الأندلسي القرطبي المعروف بشبطون، وهو ثقة، وهو أول من أدخل الموطأ –على ما يقول أهل العلم – الأندلس.
باب خروج المعتكف للعيد:
"حدثني يحيى عن زياد بن عبد الرحمن قال: حدثنا مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن أن أبا بكر بن عبد الرحمن" بن الحارث أحد الفقهاء "اعتكف فكان يذهب لحاجته تحت سقيفة في حجرة مغلقة" أي مقفلة، وفي رواية: معلقة، أي: عالية مرتفعة "في دار خالد بن الوليد، ثم لا يرجع حتى يشهد العيد مع المسلمين" عملاً بالمستحب.(63/16)
"حدثني زياد عن مالك: أنه رأى بعض أهل العلم إذا اعتكفوا العشر الأواخر من رمضان لا يرجعون إلى أهاليهم حتى يشهدوا الفطر مع الناس، قال زياد: قال مالك: وبلغني ذلك عن أهل الفضل الذين مضوا وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك" نعم، يقول: "حدثني زياد عن مالك: أنه رأى بعض أهل العلم إذا اعتكفوا العشر الأواخر من رمضان لا يرجعون إلى أهاليهم حتى يشهدوا الفطر مع الناس" تحصيلاً للمستحب، ليصل اعتكاف بصلاة العيد، هذا على جهة الاستحباب وإلا فمن أراد أن يعتكف العشر، العشر تنتهي بغروب الشمس ليلة العيد، بغروب الشمس ليلة العيد، لكن إذا أراد أن يصل عملاً مستحباً بعمل آخر يستحبها أيضاً الحنابلة وغيرهم، يستحبون أن لا يخرج إلا إلى صلاة العيد بثياب الاعتكاف أيضاً، وكأنهم يستروحون إلى أن يبقى ليلة العيد في المسجد، ويحي تلك الليلة عملاً بالحديث الضعيف ((من أحيا ليليتي العيدين لم يمت قلبه يوم تموت القلوب)) لكنه ضعيف لا يعمل به، وعلى هذا الاعتكاف ينتهي بغروب الشمس.
"قال زياد: قال مالك: وبلغني ذلك عن أهل الفضل الذين مضوا" وقال النخعي: وكانوا يستحبون ذلك، يقول: "وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك" يدل على أنه سمع غير هذا القول، وقال الشافعي وأبو حنيفة: يخرج إذا غربت الشمس من آخر أيامه، واستحب الحنابلة البقاء إلى صلاة العيد، نعم.
أحسن الله إليك.
باب قضاء الاعتكاف:
حدثني زياد عن مالك عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يعتكف، فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه وجد أخبية، خباء عائشة، وخباء حفصة، وخباء زينب، فلما رآها سأل عنها، فقيل له: هذا خباء عائشة وحفصة وزينب فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((آلبر تقولون بهن؟ )) ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشراً من شوال.(63/17)
وسئل مالك عن رجل دخل المسجد لعكوف في العشر الأواخر من رمضان، فأقام يوماً أو يومين، ثم مرض فخرج من المسجد، أيجب عليه أن يعتكف ما بقي من العشر إذا صح أم لا يجب ذلك عليه؟ وفي أي شهر يعتكف إن وجب عليه ذلك؟ فقال مالك -رحمه الله-: يقضي ما وجب عليه من عكوف إذا صح في رمضان أو غيره، وقد بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أراد العكوف في رمضان ثم رجع فلم يعتكف، حتى إذا ذهب رمضان اعتكف عشراً من شوال، والمتطوع في الاعتكاف في رمضان، والذي عليه الاعتكاف أمرهما واحد فيما يحل لهما ويحرم عليهما، ولم يبلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان اعتكافه إلا تطوعاً.
قال مالك -رحمه الله- في المرأة: إنها إذا اعتكفت ثم حاضت في اعتكافها إنها ترجع إلى بيتها، فإذا طهرت رجعت إلى المسجد أية ساعة طهرت، ثم تبني على ما مضى من اعتكافها، ومثل ذلك المرأة يجب عليها صيام شهرين متتابعين، فتحيض ثم تطهر فتبني على ما مضى من صيامها، ولا تؤخر ذلك.
وحدثني زياد عن مالك عن ابن شهاب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يذهب لحاجة الإنسان في البيوت.
قال مالك -رحمه الله-: لا يخرج المعتكف مع جنازة أبويه ولا مع غيرها.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب قضاء الاعتكاف:
الإمام مالك -رحمه الله- يرى أنه إذا شرع في العبادة لزمه إتمامها، وحرم عليه قطعها، والخروج منها إلا لعذر من مرض أو حيض أو نحوهما، فالعبادة تلزم عنده في الشروع، ويستوي في ذلك الصلاة والصيام والنسك والاعتكاف وغيرها.
"حدثني زياد عن مالك عن ابن شهاب" يقول ابن عبد البر: هذا خطأ، ولا يعرف الحديث عن ابن شهاب، وإنما هو عن يحيى بن سعيد كما في البخاري وغيره، وتردد ابن عبد البر في منشأ الخطأ، هل هو من يحيى أو من زياد؟ لأن مالك يرويه على الصواب في البخاري، مالك عن يحيى بن سعيد.(63/18)
"عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أراد أن يعتكف، فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه" المكان الذي خصص لاعتكافه "وجد أخبية" الخباء مثل الخيمة، "خباء عائشة، وخباء حفصة" عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر "وخباء زينب بنت جحش" أمهات المؤمنين "فلما رآها سأل عنها فقيل له: هذا خباء عائشة وحفصة وزينب فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((آلبر تقولون بهن؟ )) " بهمزة ممدودة، تقولون، تظنون، والقول يطلق على الظن ((آلبر تظنون بهن)) يعني بهؤلاء النسوة اللاتي اتخذن أخبية من أجل الاعتكاف، مفهومه أن المفسدة راجحة، فلا بر في مثل هذا؛ لظرف معين؛ لأنهن تتابعن على ضرب الأخبية اقتداءً من بعضهن ببعض، وبعض الشراح يقول: هذا من باب الغيرة بين النساء، اتخذت عائشة خباء، فتبتعها حفصة، ثم تبعتها زينب، هذا من باب الغيرة، والغيرة في مثل هذا مذمومة، ولا يطلب بواسطتها البر، ولذا قال -عليه الصلاة والسلام-: ((آلبر تقولون بهن؟ )) ثم انصرف فلم يعتكف، حتى اعتكف عشراً من شوال.
يعني يظن به إذا انصرف عن الاعتكاف يبقى هؤلاء النسوة؟ ينصرفن معه، فاعتكف عشر من شوال، ففيه قضاء الاعتكاف الذي ترجم به المؤلف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
قطعاً. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن هو يستدل بالقضاء، حتى اعتكف عشراً من شوال.
طالب:. . . . . . . . .
لا يجب إتمامه عند مالك، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- قطعه لمصلحة راجحة، وأولئك لم يردن البر؛ لأن ضرب الأقبية تنافس.
طالب:. . . . . . . . .
عمل يتطوع به، ويتبرر به، ويقصد ثوابه، وحكم النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه لا بر فيه إيش يصير له؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو نزع منزع آخر، أن هذا ما هو باعتكاف شرعي، ما دام الغيرة ليس باعتكاف شرعي، نعم، واستدل بقضاء النبي -عليه الصلاة والسلام- على أنه يلزمه القضاء.(63/19)
وفيه صحة اعتكاف النساء، وكرهه الشافعي لهن في المسجد التي تصلى فيه الجماعة، واشترط الحنفية لصحة اعتكافها أن تكون في مسجد بيتها، في رواية لهم أن لها الاعتكاف في المسجد مع زوجها، يعني ليحفظها ويحوطها، نعم على كل حال إذا أمنت الفتنة فللمرأة أن تعتكف في المسجد، وفعله أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام- بعده، أما ما حصل في هذا الحديث فلما سمعنا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما قضين الاعتكاف؛ لأن هذا ليس باعتكاف شرعي، حملهن على ذلك الغيرة، قد يقول قائل مثلاً: الذي حمل الثانية والثالثة، لكن ما الذي حمل الأولى؟ المقصود أن في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((آلبر تقولون بهن؟ )) يعني تظنون بهن البر، وهو أعرف بحالهن لأنهن بشر.
"وسئل مالك عن رجل دخل المسجد لعكوف في العشر الأواخر من رمضان، فأقام يوماً أو يومين ثم مرض مرضاً يشق عليه معه البقاء في المسجد، فخرج من المسجد أيجب عليه أن يعتكف ما بقي من العشر إذا صح أم لا يجب عليه ذلك؟ وفي أي شهر يعتكف إن وجب عليه ذلك؟ "
مالك يرى أنه يجب عليه، فقال: "يقضي ما وجب عليه من عكوف" سواءً كان بنذر أو بمجرد الدخول فيه، إذا صح في رمضان أو غيره "وقد بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أراد العكوف في رمضان ثم رجع فلم يعتكف، حتى إذا ذهب رمضان اعتكف عشراً من شوال" يعني كما في الحديث السابق المسند، "والمتطوع في الاعتكاف في رمضان، والذي عليه الاعتكاف أمرهما واحد" المتطوع في الاعتكاف المتبرر به، المقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ولو لم يجب عليه، ومن وجب عليه الاعتكاف بنذر أو شروع أمرهما واحد "فيما يحل لهما ويحرم عليهما" ما يقول: والله هذا اعتكاف نذر، أبا أتوسع، وأزاول ما كنت .. ، وبركة يجلس في المسجد، يعني ما يلزمه إلا إذا كان واجب، والواجب على العين والرأس، نبي يجتنب ما يجتنبه المعتكف، لكن المتطوع أمير نفسه، ليش أمنع مما كنت أزاوله من الوناسة مع الإخوان، والسمر مع الأحباب؟ لكن يكفيه أنه في المسجد.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما دام هذه العبادة شرعت لحكمة لا بد من تحقق الهدف منها.(63/20)
"ولم يبلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان اعتكافه إلا تطوعاً" يعني ما عرف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان ينذر بحيث نذر الاعتكاف فلزمه الوفاء به، إنما جميع اعتكافاته -عليه الصلاة والسلام- إنما هي تطوع "وقد قضاه لما قطعه لعذر" فيفد وجوب قضاء الاعتكاف في التطوع، لكن الذي يقول بعدم وجوب القضاء يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا عمل عملاً أثبته فقضاؤه لهذا الاعتكاف لم يكن من باب الوجوب ولا اللزوم، وإنما هو من باب إثبات العمل.
"قال مالك في المرأة إذا اعتكفت ثم حاضت في اعتكافها: إنها ترجع إلى بيتها" وجوباً؛ لأنه لا يجوز لها أن تمكث في المسجد، في حديث أم عطية: "وليعتزل الحيض المصلى" فلا يجوز لها أن تمكث في المسجد كالجنب "ترجع إلى بيتها فإذا طهرت رجعت إلى المسجد أية ساعة طهرت، ثم تبني على ما مضى من اعتكافها" تحسب المدة التي قبل الحيض "ومثل ذلك المرأة يجب عليها صيام شهرين متتابعين، لكفارة، فتحيض ثم تطهر فتبني على ما مضى من صيامها ولا تؤخر ذلك" يعني لو أخرت استأنفت، يعني تفطر بقدر ما يطلبه العذر، جاءتها العادة سبعة أيام لا يجوز أن تزيد ثامن، يعني لو تأخرت ثامن وتاسع استأنفت من جديد.
"وحدثني زياد عن مالك عن ابن شهاب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يذهب لحاجة الإنسان في البيوت" كما أسنده في أول الاعتكاف، وأنه كان يخرج لحاجة الإنسان.
"قال مالك: لا يخرج المعتكف مع جنازة أبويه -إذا ماتا- ولا مع غيرها من باب أولى فإن خرج بطل اعتكافه" عند مالك -رحمه الله-، نعم.
أحسن الله إليك.
باب النكاح في الاعتكاف:
قال مالك: لا بأس بنكاح المعتكف نكاح الملك ما لم يكن المسيس، والمرأة المعتكفة أيضاً تنكح نكاح الخطبة ما لم يكن المسيس، ويحرم على المعتكف من أهله بالليل ما يحرم عليه منهن بالنهار.(63/21)
قال يحيى: قال زياد: قال مالك: ولا يحل لرجل أن يمس امرأته وهو معتكف لا يتلذذ منها بقبلة ولا غيرها، ولم أسمع أحداً يكره للمعتكف ولا للمعتكفة أن ينكحا في اعتكافها ما لم يكن المسيس فيكره، ولا يكره للصائم أن ينكح في صيامه، وفرق بين نكاح المعتكف ونكاح المحرم أن المحرم يأكل ويشرب، ويعود المريض، ويشهد الجنائز، ولا يتطيب، والمعتكف والمعتكفة يدهنان ويتطيبان، ويأخذ كل واحد منهما من شعره، ولا يشهدان الجنائز، ولا يصليان عليها، ولا يعودان المريض، فأمرهما في النكاح مختلف، وذلك الماضي من السنة في نكاح المحرم والمعتكف والصائم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب النكاح في الاعتكاف:
النكاح في الاعتكاف، النكاح يطلق ويراد به الوطء، كما أنه يطلق ويراد به العقد، وهو حقيقة فيهما، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يرى أن النكاح المأمور به لا يتحقق إلا باجتماعهما، النكاح المأمور به لا يطلق على العقد وحده، ولا على الوطء وحده حتى يجتمعا، ففي مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) لو قال شاب: أنا امتثلت الأمر عقدت وطلقت، نقول: لا، ما امتثلت الأمر حتى تعقد وتطأ، ومن باب أولى أن يطأ من غير عقد، هذا النكاح المأمور به لا يتحقق إلا باجتماع الأمرين، وأما النكاح المنهي عنه فيتحقق بأحدهما، يثبت النهي على أحدهما {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم} [(22) سورة النساء] يعني هل لشخص أن يقول: أنا بعقد مجرد عقد ولا أطأ؟ فضلاً عن أن يقول: أريد أن أطأ ولا أعقد، لا، يتجه إلى كل واحد منها، هذا ما حققه شيخ الإسلام، وهو في غاية التحقيق.(63/22)
"قال مالك: لا بأس بنكاح المعتكف نكاح الملك" يعني مجرد عقد لا وطأ؛ لقوله -جل وعلا-: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة] "ما لم يكن المسيس" الذي هو الوطء فيحرم "والمرأة المعتكفة ... ، بل يبطل الاعتكاف بالوطء "والمرأة المعتكفة أيضاً تنكح نكاح الخطبة" تخطب، تقدم الخاطب إلى وليها ويعقد له عليها وهي معتكفة؛ لكن لا يطأها مدة اعتكافها "ما لم يكن المسيس، ويحرم على المعتكف من أهله بالليل ما يحرم عليه منهن بالنهار" يعني ما هو مثل الصيام {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ} [(187) سورة البقرة] فيحرم عليه بالنهار ولا يحرم بالليل، في الاعتكاف يحرم عليه بالليل والنهار؛ لأن الوطء مبطل للاعتكاف.
"قال يحيى: قال زياد: قال مالك: ولا يحل لرجل أن يمس امرأته وهو معتكف" مس التذاذ لا لغيره، كترجيل الشعر ونحوه، مثل هذا لا يضر "لا يتلذذ منها بقبلة ولا غيرها، فإن فعل بطل الاعتكاف" وعند الشافعي لا يبطل إلا بالجماع "ولم أسمع أحداً يكره للمعتكف الذكر ولا للمعتكفة الأنثى أن ينكحا –يعقدا- في اعتكافهما ما لم يكن المسيس" الذي هو الجماع "فيكره" والمراد بالكراهة هنا التحريم؛ لأنه يبطل الاعتكاف "ولا يكره للصائم أن ينكح" يعقد لا في الليل ولا في النهار، وهو صائم، في صيامه، وإن لم يكن معتكفاً "وفرق بين نكاح .. " قد يقول قائل: المحرم لا يجوز له أن يعقد فضلاً عن أن يطأ، ولا يخطب ((لا ينكح المحرم ولا ينكح)) نعم وهو ممنوع من النكاح، والمعتكف ممنوع من النكاح، إذاً لماذا لا يمنع المعتكف من العقد كالمحرم؟ أراد الإمام -رحمة الله تعالى عليه- أن يبين أن هناك فروق كثيرة بين الاعتكاف وبين الإحرام بالحج أو العمرة.(63/23)
"وفرق بين نكاح المعتكف ونكاح المحرم بحج أو عمرة أن المحرم يأكل ويشرب، ويعود المريض، ويشهد الجنائز" هذا مما يفرق به بين الاعتكاف والإحرام "ولا يتطيب" المحرم يأكل ويشرب، أيضاً المعتكف يأكل ويشرب في غير النهار لأنه يشترط الصيام له، ويعود المريض والمعتكف لا يعيد المريض، ويشهد الجنائز والمعتكف لا يشهد الجنائز، ولا يتطيب المحرم لا يتطيب والمعتكف يتطيب "والمعتكف والمعتكفة يدهنان ويتطيبان، ويأخذ كل واحد منهما من شعره حلقاً أو تقصيراً" هذا المعتكف لكن يحرم على المحرم "ولا يشهدان الجنائز، ولا يصليان عليها، ولا يعودان المريض، فأمرهما في النكاح مختلف" يعني كما اختلفا في بقية الأحكام يختلفان في أمر النكاح، فيجوز نكاح المعتكف دون المحرم؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا ينكح المحرم ولا يُنكِح)) "وذلك الماضي من السنة في نكاح المحرم والمعتكف والصائم بلا اعتكاف"، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في ليلة القدر:
حدثني زياد عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الوسط من رمضان، فاعتكف عاماً حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج فيها من صبحها من اعتكافه قال: ((من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، وقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد من صبحها في ماء وطين، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر)) قال أبو سعيد: فأمطرت السماء تلك الليلة، وكان المسجد على عريش فوكف المسجد، قال أبو سعيد: فأبصرت عيناي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انصرف وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبح ليلة إحدى وعشرين".
وحدثني زياد عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان)).
وحدثني زياد عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر)).(63/24)
وحدثني زياد عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أن عبد الله بن أنيس الجهني -رضي الله عنه- قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله إني رجل شاسع الدار، فمرني ليلة أنزل لها؟ فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((انزل ليلة ثلاث وعشرين من رمضان)).
وحدثني زياد عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: "خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان فقال: ((إني أريت هذه الليلة في رمضان حتى تلاحى رجلان فرفعت، فالتمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة)).
وحدثني زياد عن مالك عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجالاً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إني أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر)).
وحدثني زياد عن مالك أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أري أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر.
وحدثني زياد عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول: من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في ليلة القدر:(63/25)
ليلة القدر، والقدر: المقدار العظيم، فهي ذات قدر عظيم؛ لنزول القرآن فيها، ولكونها خيراً من ألف شهر؛ ولتنزل الملائكة فيها، أو لعظم قدر من أحياها، أو لما يقدر فيها من أحكام السنة، كما في قوله -جل وعلا-: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [(4) سورة الدخان] هذه الليلة ليلة عظيمة، جاءت فيها السورة الشهيرة: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [(1 - 2) سورة القدر] هذا تعظيم، تعظيم من شأنها، وجاء فيها الحديث الصحيح: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ومن حرم فضل هذه الليلة فقد حرم، حرم الثواب المرتب على قيامها فهو المحروم، ليلة واحدة تعادل في ثوابها وأجرها أكثر من ثمانين سنة، ليس فيها ليلة من ليالي القدر، المقصود أنه جاء الحث عليها بالنصوص القطعية، وبعض الناس لا يرفع بها رأساً، هذا هو المحروم حقيقة.(63/26)
هذه الليلة جاءت في النصوص الكثيرة التي قد يقول قائل: إنها بالنسبة للتحديد فيها اضطراب كبير، نصوص صحيحة لكنها ليست صريحة التحديد، فجاء نص صحيح يدل على أنها ليلة إحدى وعشرين، وجاءت نصوص تدل على أنها في العشر، وجاء ما يدل على أنها في الأوتار، وجاء ما يدل على أنها في السبع الأواخر، ولذا يختلف أهل العلم في تحديدها على ما يقرب من خمسين قولاً، وأرجح هذه الأقوال أنها تنتقل في العشر الأواخر، وإن كانت الأوتار آكد، لكن الأشفاع لها نصيبها من النصوص الصحيحة ((التمسوها في سابعة تبقى)) سابعة تبقى هذه على اعتبار أن الشهر ناقص هي ليلة ثلاث وعشرين، وعلى اعتبار أن الشهر كامل هي ليلة أربعة وعشرين، ولذا يختار بعض أهل البلدان ليلة بعينها، فأهل البصرة عندهم ليلة القدر ليلة أربعة وعشرين، هذا معروف أنس بن مالك والحسن البصري وجمع من عباد البصرة وعلمائها، وعند أهل مكة ليلة، وعند غيرهم ليلة، وعند أهل المدينة ليلة ثلاثة وعشرين، المقصود أنها على ضوء ما يفهم من مجموع ما ورد في الباب أنها تنتقل، وتحديدها بدقة في ليلة معينة ليس هدفاً شرعياً، وإنما الهدف إخفاؤها ليكثر الناس من التعبد، والقرب من الله -جل وعلا-، إذ لو حددت بليلة معينة كما أن ساعة الجمعة جاءت كذلك، لو حددت بساعة دعا الناس في هذه الساعة، ولو حددت هذه لقام الناس في هذه الليلة ولم يقوموا غيرها؛ لأن كثير من الناس مجبول على الكسل، ولذا تجدون الفرق واضح في المساجد بين ليالي الأوتار، وليالي الأشفاع، مع أنها تسع ليال ما هن شيء، ما فائت من أمر الدين ولا الدنيا شيء، إذا اعتني بهذه الليلة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا دخلت العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله، فلا أقل من أن يجتهد الإنسان في هذه العشر، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يخلط العشرين الأولى من رمضان بقيام ونوم، لكنه في العشر الأواخر لا ينام، يحيي ليله.(63/27)
"حدثني زياد عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سعيد الخدري أنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الوُسُط" أو الوسْط جمع وسطى "من رمضان، فاعتكف عاماً حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج فيها من صبحها" يعني الصبح الذي قبلها؛ لأن ليلة إحدى وعشرين ليست من العشر الوسط، وإنما هي من العشر الأواخر "من اعتكافه، قال: ((من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر)) " يعني بدءاً من ليلة إحدى وعشرين، فدل على أنه يخرج من صبيحة يوم واحد وعشرين، انتهت العشر الوسط، ((من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، وقد رأيت هذه الليلة)) وفي رواية: ((أريت هذه الليلة)) هذه الليلة ليلة القدر ((ثم أنسيتها)) بعد أن علمتها ((وقد رأيتني)) يعني رأى ما يدل عليها ((رأيتني أسجد)) يعني رأيت نفس أسجد ((من صبحها في ماء وطين)) جعلت له علامة يستدل بها ((فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر)) العشر الأواخر من رمضان، وفي كل وتر منه، وأولها ليلة الحادي والعشرين، وآخرها ليلة التاسع والعشرين.
"قال أبو سعيد: فأمطرت السماء تلك الليلة" ليلة إحدى وعشرين "وكان المسجد على عريش" من جريد النخل، "فوكف المسجد" يعني سال منه الماء، وتنازلت منه قطرات "قال أبو سعيد: فأبصرت عيناي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انصرف وعلى جبهته، وفي وراية: جبينه، وأنفه أثر الماء والطين، من صبح ليلة إحدى وعشرين".
فليلة القدر في تلك السنة هي ليلة إحدى وعشرين، ولا يمنع أن تكون غير هذه الليلة في غيرها من السنوات كما دل على ذلك النصوص؛ لأنه جاء: ((التمسوها في السبع الأواخر)) وليس منها ليلة إحدى وعشرين التي دل عليها هذا الحديث الصحيح الصريح.
"وحدثني زياد عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه" مرسلاً ووصله البخاري عن عائشة "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تحروا)) " اجتهدوا، اطلبوا ((ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان)).(63/28)
((في العشر الأواخر)) وأحياناً يقول: ((في السبع الأواخر)) أحياناً يقول: ((سابعة تبقى، خامسة تبقى)) وأحياناً .. ، ودل الدليل على أنها ليلة إحدى وعشرين، كل هذا من باب التعمية، في هذا الزمن المحدود في العشر، وليس تحديدها بليلة بعينها من المقاصد الشرعية، ولذا يخطئ في حق الأمة من يحددها بليلة معينة، وينشر ذلك في وسائل الاتصال من الجوالات وغيرها، هذا يحرم الناس من خير عظيم، ولو كان من مقاصد الشرع أن تحدد بليلة معينة لحددها من لا ينطق عن الهوى، المؤيد بالوحي، لكن الهدف الشرعي أن تكثر العبادات من قبل المسلم، وأن يري المسلمون من أنفسهم يروا الله -جل وعلا- من أنفسهم خيراً.
"وحدثني زياد عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تحروا)) " يعني اجتهدوا في طلب ((ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان)).
"وحدثني زياد عن مالك عن أبي النضر" سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله القرشي التيمي "أن عبد الله بن أنيس" الجهني أبا يحيى المدني "قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله إني رجل شاسع الدار" بعيد الدار "فمرني ليلة أنزل لها؟ فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((انزل ليلة ثلاث وعشرين من رمضان)) " هذا الخبر منقطع؛ لأن أبا النضر لم يلق عبد الله بن أنيس، ولا رآه.
قال أبو عمر: يقال: ليلة الجهني -عبد الله بن أنيس- معروفة بالمدينة ليلة ثلاث وعشرين، وحديثه هذا مشهور عند عامتهم وخاصتهم، والحديث وصله الإمام مسلم في صحيحه.
ليلة ثلاثة وعشرين، وهو يدل على أن ليلة القدر ثلاثة وعشرين، وكثير من أهل العلم يرون أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين، ومنهم من استنبط يعني من الصحابة ومن غيرهم؛ لكن أهل العلم من استنبط التحديد بسبع وعشرين أنها هي بالنسبة لكلمات السورة تأتي رقم سبع وعشرين، سلام هي، هذه الكلمة (هي) رقم سبع وعشرين، يقول ابن عطية في تفسيره: هذا من ملح العلم لا من متينه، ولا تثبت الليلة بمثل هذا، لكن عندنا نصوص صحيحة في هذا الباب، وعرفنا أن السبب في إخفائها وتعميتها بهذه النصوص التي يحتار الإنسان في التوفيق بينها؛ ليجتهد جميع هذه الليالي.(63/29)
قال: "وحدثني زياد عن مالك عن حميد الطويل -الخزاعي- عن أنس بن مالك أنه قال: "خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان ليخبرنا بليلة القدر فقال: ((إني أريت هذه الليلة في رمضان)) " أريت، أو رأيت علمية أو بصرية؟ ((حتى تلاحى)) تنازع وتخاصم ((رجلان)) لم يذكرا، وإن زعم بعضهم أنهما ابن أبي حدرد وكعب بن مالك لما تقاضيا الدين، لكن ما في طرق الحديث ما يدل على هذا ((تلاحى رجلان)) يعني تخاصما وتنازعا ((فرفعت)) رفعت يعني رفع تحديدها، لا رفع وجودها كما زعم بعضهم، إنما رفع تحديدها، للتلاحي والتنازع، وفيه خير -ولله الحمد- للأمة ((رفعت فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة)) السابعة من البقايا أو من المواضي، يحتمل هذا وهذا، أنها سابعة تبقى، تاسعة تبقى، خامسة تبقى، أو تمضي.
"وحدثني زياد عن مالك عن نافع عن ابن عمر -أن جلاً لم يسم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أو أن رجالاً، أن رجالاً لم يسم أحد منهم من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر" قال ابن حجر: يعني رأوا من يقول لهم: إنها في السبع الأواخر، ويحتمل أنهم رأوا ما يدل عليها "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إني أرى)) " أو أُرى، أجزم أو أظن ظناً جازماً، والظن يأتي بمعنى العلم ((أرى رؤياكم قد تواطأت)) يعني توافقت ((في السبع الأواخر، فمن كان متحريها)) أي: طالبها ((فليتحرها في السبع الأواخر)) من رمضان.(63/30)
"وحدثني زياد عن مالك أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أري أعمار الناس قبله" أراه الله -جل وعلا- أعمار الناس من الأمم السابقة "أو ما شاء الله من ذلك" رأى بعضهم، من يعيش خمسمائة سنة، ستمائة سنة، سبعمائة سنة، ألف سنة، أكثر، أقل "فكأنه -عليه الصلاة والسلام- تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الصالح" لأن طول المدة يمكن الإنسان من كثرة العمل، لكنه ليس بخير على كل حال؛ لأن الإنسان قد يعيش عشرين ثلاثين سنة، ويعمل فيها من الأعمال الصالحة ما لا يبلغه من عاش مائة سنة، وقد يعيش الإنسان مائة سنة ويؤخر لمعاصي وفتن وغير ذلك، فلا يكون من مصلحته أن يؤخر، فالعمر لا شك أنه مع استغلاله بالأعمال الصالحة إذا طال فهو أفضل وأحسن، ((خيركم من طال عمره وحسن عمله)) بخلاف من طال عمره وساء عمله "فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل -يعني الصالح- مثلما بلغ غيرهم من طول العمر لقصر أعمارهم، إذا أعمار هذه الأمة من الستين إلى السبعين، وقليل من يجاوز ذلك، فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر" خير من ألف شهر يعني ثلاثة وثمانين سنة وأربعة أشهر، أو ستة أشهر، في ليلة واحدة فضل الله -جل وعلا- لا يحد.
قال ابن عبد البر: هذا أحد الأحاديث الأربعة التي لا توجد في غير الموطأ لا مسندة ولا مرسلة، وابن عبد البر وصل جميع المقطوعات في الموطأ إلا هذه الأحاديث الأربعة، هذا الحديث: أري أعمار الناس قبله، وحديث: ((إني لأنسى، أو أنسى لأسن)) والثالث: ((إذا أنشأت بحرية)) تقدم هذا، والرابع قوله لمعاذ: ((حسن خلقك للناس)) قال: وليس منها حديث منكر، ولا ما يدفعه أصل.
"وحدثني زياد عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول: من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها" أخذ بنصيبه من ليلة القدر، إذا صلى العشاء مع الجماعة، يعني إذا حضرها مع الجماعة أخذ بنصيبه من ليلة القدر؛ لأنه صح أنه صلى في ليلة القدر، ((ومن صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل)) فأخذ نصيبه منها، منها يعني من ثوابها المنوه به في القرآن والسنة.(63/31)
قال ابن عبد البر: قول ابن المسيب هذا لا يكون رأياً، يعني لا يمكن أن يقوله ابن المسيب من رأيه، اللهم إلا إذا كان استند إلى حديث: ((من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل)) ومراسيله أصح المراسيل عند أهل العلم، يعني إذا كان لا يقال من جهة الرأي فهو له حكم الرفع، لكن سعيد تابعي، نقول: هذا مرسل إذا قلنا: إنه لا يقال من جهة الرأي، هو مرسل كما لو صرح بنسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، مراسيل سعيد من أصح المراسيل.
يقول الباجي: وهو بمعنى الحديث: ((من شهد العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل)) وأما الصبح فلا يدخل، لماذا؟ ((من صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله)) لأن الصبح ليست من ليلة القدر، إذا طلع الصبح انتهت ليلة القدر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(63/32)
الموطأ - كتاب الحج (1)
شرح: باب: الغسل للإهلال، وباب: غسل المحرم.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحسن الله إليك.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب: الحج
باب: الغسل للإهلال
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن أسماء بنت عميس -رضي الله عنها- أنها ولدت محمد بن أبي بكر بالبيداء فذكر ذلك أبو بكر -رضي الله عنه- لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((مرها فلتغتسل ثم لتهل)).
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن أسماء بنت عميس -رضي الله عنها- ولدت محمد بن أبي بكر -رضي الله عنه- بذي الحليفة فأمرها أبو بكر -رضي الله عنه- أن تغتسل ثم تهل.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم، ولدخوله مكة، ولوقوفه عشية عرفة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحج
الكتاب سبق الكلام عنه مراراً في الكتب السابقة في هذا الكتاب وغيره.
والحج بفتح الحاء وكسرها لغتان، الكسر لأهل نجد، والفتح لغيرهم، والكسر المصدر حج يحج حِجاً، والفتح اسمه، اسم المصدر، وقيل: عكسه، المصدر حج يحج حَجاً، والحِج اسم المصدر.(64/1)
والحج: ركن من أركان الإسلام بإجماع أهل العلم، وجاء ذكره والتشديد في أمره والتهويل من شأنه، وتهويل أمره في النصوص، ولو لم يكن في ذلك إلا قوله -جل وعلا-: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [(97) سورة آل عمران] بالآية استدل علي -رضي الله عنه- بحديثه لما ذكر أن من كان ذا جدة ومقدرة ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً، وقال تعالى وذكر الآية، والحديث مخرج عند الترمذي وغيره، وفيه ضعف؛ لأنه من رواية الحارث الأعور عن علي، وفي الباب عن أبي هريرة وأبي أمامة وجمع من الصحابة يرتفع بها الحديث عن كونه موضوعاً، كما ادعى ابن الجوزي إلى أن يكون له أصل كما قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-.
فالحج ركن الإسلام الخامس عند جمهور أهل العلم، والرابع عند الإمام البخاري قبل الصيام، وذكرنا وأشرنا إلى هذا في شرح كتاب الصيام؛ لأن حديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما قال: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً، وصوم رمضان)) هذا الذي في الصحيحين، وذكرنا أن في مسلم تقديم الصيام على الحج، رواية بتقديم الصيام على الحج، فلما قدم ابن عمر الصيام على الحج قال رجل: الحج وصوم رمضان، قال: لا، صوم رمضان والحج، وذكرنا ما قاله أهل العلم في هذه المسألة.(64/2)
المقصود أن الحج شأنه عظيم، فمن بلغ وكلف واستطاع أن يحج فعليه أن يبادر، ولا يتعذر بأعذار واهية مع القدرة على ذلك، ومع الأسف أن بعض الطلاب وهم طلاب علم في كليات شرعية، لماذا لا تحج يا فلان؟ فيكون عذره والله تسليم البحث في الأسبوع الأول بعد الحج ما أستطيع، نعم، ما أستطيع، العام الماضي من الطلاب من اعتذر بإيش؟ قال: والله ربيع ما نقدر السنة الجائية -إن شاء الله-، ربيع، يقول: ربيع ما نقدر والله ها السنة، يبي يكفت ويروح ويجي نعم، فهذا خذلان هذا، هذا -نعوذ بالله- خذلان، يعني لو قالها شخص حج مراراً، مرار كثير حج عشر مرات، تقول له: اغنم الفرصة أنت قوي ونشيط وقادر والفرصة متاحة بإمكانك أن تحج، يقول: ربيع، والله يعني ما تحمل. . . . . . . . .، فضلاً عن كونه فريضة الله.
تارك الحج أو الصيام أو الزكاة عند جمهور العلماء لا يكفر، وإن قال بكفره بعض العلماء، رواية عن أحمد وقول معروف عند أصحاب مالك فيما ذكره شيخ الإسلام في كتاب الإيمان -رحمه الله- أن تارك أحد الأركان يكفر، ولو اعترف بوجوبه، لكن القول المقرر عند أهل العلم أنه لا يكفر، أما من ترك الركن الأول فلا حظ له في الإسلام ولم يدخل في الإسلام بالكلية، هذا لم يدخل الذي ترك الركن الأول، وأما بالنسبة للصلاة فالنصوص فيها صحيحة صريحة بأن من تركها كفر، ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))، ((بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة))، ولذا المفتى به أن تارك الصلاة كافر، أما من ترك بقية الأركان فالقول بكفره قول معروف في مذهب أحمد وعند أصحاب مالك، لكن المعتمد عند أهل العلم أنه لا يكفر، لكنه على خطر عظيم؛ لأن من ترك ركناً لا شك أن البناء ينهدم، إذا ترك ركنه الأعظم وأساسه فإنه ينهدم.
والحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة، الواجب في أصل الشرع، ويجب بالنذر إذا نذره ألزم به نفسه وجب عليه، إذا تلبس به وأحرم به لزمه إتمامه، وإن لم يكن واجباً بأصل الشرع.
باب: الغسل للإهلال(64/3)
أي التلبية، والأصل رفع الصوت بها، التلبية إنما تكون بعد الدخول في النسك، والمقصود الغسل للإحرام، والإهلال رفع الصوت بالتلبية للدلالة على الدخول في النسك، هي الأمر الظاهر التي تدل على أنه دخل في النسك.(64/4)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن أسماء بنت عميس" عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن أبيه القاسم بن محمد أحد الفقهاء عن أسماء بنت عميس جدته، وهي تحت أبي بكر في هذه القصة، هي تحت أبي بكر؛ لأنها ولدت محمد بن أبي بكر، أبو بكر سأل الرسول -عليه الصلاة والسلام- عن أمرها، وكانت قبله تحت جعفر بن أبي طالب، وبعد أبي بكر تحت علي بن أبي طالب، "أنها ولدت محمد بن أبي بكر بالبيداء" وفي رواية: "بذي الحليفة" المقصود أن المكان واحد، والبيداء بطرف ذي الحليفة، فهي جزء منها، ولذا جاء في إحرامه أنه أهل بالبيداء، وأهل من المسجد، وأهل من الشجرة، المقصود أنها كلها يشملها مكان واحد، هذا المكان يبعد عن المدينة ستة أميال يعني حوالي عشرة كيلو، أسماء بنت عميس خرجت حاجة وهي في الطلق، يعني بدأ بها الطلق وهي في بيتها، نعم حرصاً منها على أداء هذه الشعيرة مع النبي -عليه الصلاة والسلام- والاقتداء به، وعندنا من أعظم الأعذار الحمل، مجرد ما تخرج نتيجة التحليل خلاص، ما في أي أمل، فالتساهل واضح، بينما سلف هذه الأمة هذا صنيعهم، الدين رأس المال، الدين رأس المال وما عداه أمر سهل ما يفوت، نعم ديننا يسر، لكن كون الإنسان، إحنا نعتقد أن الدين يسر، والدين يعذر مع المشقة، والدين إذا خشيت الضرر على نفسها أو على حملها تعذر بهذا شرعاً، لكن فرق بين كون الإنسان يترخص ويأخذ بأيسر الأمور مع وجود المشقة، وبين كونه يرتكب العزيمة ليبرهن أنه يأخذ الكتاب بقوة، هذه تطلق في بيتها، الطلق من البيت بدأ، وعشرة كيلو وتلد في المحرم، طيب متى تبي تطهر؟ الآن يحسبون ألف حساب للدورة الشهرية، للحيض، تأتي الأسئلة بكثرة عمن يخشى أن تأتيها الدورة وهي ما طافت بالبيت فتحبس الرفقة وكذا، وقد أفتاها من أفتاها أن تطوف وهي حائض، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أحابستنا هي؟ )) يعني يدل على أن الحائض تحبس الرفقة، وهذه نفاس، احتمال يصل إلى الأربعين، ومع ذلك حرصت على أداء هذا الركن والاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وما فرطت.(64/5)
"فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني ماذا تصنع؟ الآن المرأة ولدت، يعني بالإمكان أن يقال: ترجع إلى بيتها؛ لأنها إلى الآن ما بعد دخلت في النسك، وما أسهل الرجوع عند الناس اليوم، كان يحرم أو يصل إلى المحرم ما يتلبس بالإحرام، يصل إلى المحرم ثم يبلغه خبر ألا شيء، ثم يقول: وسعها الله الجايئة -إن شاء الله-، وهذه عذرها قوي، يعني في احتمال يصير أربعين يوم، متى تطهر؟ متى تقضي حجها؟ متى؟ النفاس له آلامه، وله أوجاعه، وله تبعاته، ومع ذلك من اعتمد على الله كفاه، الآن استرخى الناس، وهولت الأمور في نفوسهم، وتنصح المرأة إذا حملت أن تلزم الفراش، ولا تصعد درج، ولا تحمل كذا، ثم ابتلوا بأدنى شيء يحصل الإسقاط، أدنى عثرة، وإلى وقت قريب والمرأة في التاسع تجذ النخل العيادين الطوال، يعني ما هو بكلام نظري هذا حقيقي، لكن الناس استرخوا فزيدوا من هذه الأمور، والله المستعان.
"فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هي ولدت ....
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن اتصلت واحدة قبل أيام قالت: أنا هذه آخر فرصة لي في البلد، ويصعب علي الحج مرة ثانية، وعندي ولد عمره سنة هل أستطيع الحج أو أنا معذورة؟ الولد عمره سنة يمكن يعيش عند أمها عند خالتها، قلت: هل هناك من يكفله؟ قالت: إيه أهلنا كلهم موجودين، عمره سنة يعني ماشي بدونها.
"فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((مرها فلتغتسل ثم لتهل)) " يعني تحرم مع الناس، والنفساء حكمها حكم الحائض، تصنع جميع ما يصنعه الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت، جميع ما يصنعه الحاج، يعني من أمور الحج، ولا يبعد بنا الذهن حتى نصل إلى أمور هي من متطلبات الدين، لا من متطلبات الحج، حتى قال قائلهم: إن الحائض تقرأ القرآن بدليل أن الحاج يقرأ القرآن، وقال: ((تصنع ما يصنعه الحاج غير ألا تطوف بالبيت)) وما استثني إلا الطواف إذاً تقرأ القرآن، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(64/6)
يعني ما استثني إلا الطواف لأنه من متطلبات الحج، نعم إذا لم تجد هدي قارنة ولم تجد هدي تصوم ثلاثة أيام؟ لأنه ما استثني إلا الطواف، والحاج الذي لا يجد يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، المقصود أن الذهاب إلى مثل هذه العمومات التي ليست من مقاصد الشرع، الشارع حينما تكلم بهذا الكلام يبعد أن يكون مما أراد هذه الأمور، إنما يريد ما يتطلبه الحج.
((مرها فلتغتسل)) الآن النبي -عليه الصلاة والسلام- يأمر أسماء وإلا يأمر زوجها؟ يأمر أبا بكر بأن يأمرها، وهناك مسألة عند أهل العلم: الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به أو لا؟ الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به أو لا؟ نعم، أمر به، يعني لو نزلنا هذه القاعدة على أمورنا العادية لتقرب لنا المسألة الشرعية، لو قال الأب لولده الأكبر: قل لفلان -ابنه الأصغر-: لا يدخن، يعني هل هذا الأمر متجه إلى الأصغر فقط أو للجميع؟ يعني الأمور التي تتناول الجميع، قل لفلان: لا يخرج بالليل، قال الأب لولده الأكبر: قل لأخيك: لا يخرج بالليل هل هو أمر للجميع أو للواحد؟ للجميع، العلة معقولة في هذا، لكن لو قال له: قل لفلان يحضر لنا خبز، هل هو أمر للجميع وإلا للمأمور؟
طالب: للمأمور.
للمأمور فقط، فهذه الأوامر تختلف، إذا كان المأمور ممن يشمله هذه الأمر، الآن يقول: ((مرها فلتغتسل)) يعني هل أبو بكر ما يغتسل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أن يغتسل؟ هذا أمر لكنه كلمة وجوب هو أمر على كل حال، والجمهور على أنه سنة، الاغتسال سنة.
طالب: لكنها بالنسبة لها هي.
ويش تستفيد هي من هذا الغسل؟ أليس الغسل من أجل الإحرام؟ تبي تحرم وأبو بكر بيحرم وغيره، والرسول -عليه الصلاة والسلام- تجرد لإهلاله واغتسل.
طالب: لا بس هي معها مما يصحب من آثار.
لا، الآن أبو بكر أولى منها بالاغتسال؛ لأنه يؤثر فيه الاغتسال وهي لا يؤثر فيها الاغتسال، حدثها دائم لا يؤثر فيها، على كل حال جمهور أهل العلم على أن هذا الاغتسال سنة، وقال بوجوبه أهل الظاهر، والأمر الأصل فيه الوجوب، لكن عامة أهل العلم على أنه مستحب وليس بواجب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(64/7)
لا، لا الجميع، الاغتسال للإحرام سنة في حق الجميع، ثم لتهل، تحرم وتلبي مع الناس، وتصنع جميع ما يصنعونه، ففي هذا دليل على .... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا النفساء والحائض مثل غيرها، يعني كما يسن لمن لا حدث عليه يسن لها، هذا غسل الإحرام يسن للجميع، ففي هذا صحة إحرام النفساء ومثلها الحائض، وقل مثل هذا في الجنب أيضاً يصح إحرامه، وهو جنب، يعني لو جاء وهو جنب وقال: والله الجو بارد ما أنا بمغتسل إلا إذا دخلت مكة أنوي الدخول في النسك وأنا جنب وأذهب وإذا دخلت مكة اغتسلت، إحرامه صحيح وإلا غير صحيح؟ صحيح، هو أولى من الجنب والحائض، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أما قلنا: إنه سنة؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا لا، عامة أهل العلم على أنه سنة لكل أحد، لكن الكلام هل الحائض والنفساء أولى بالغسل أو الطاهر أولى؟
طالب: الطاهر.
الطاهر لأنه يرتفع حدثه، النفساء هذه ما يؤثر فيها غسل، لكن الدخول في هذا النسك العظيم يحتاج إلى أن يكون على أكمل طهارة أو ما قرب منها عند من لا يمكنه الكمال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
للنسك، للنسك هو للنسك للدخول في النسك فيستوي فيه الجميع، للدخول في النسك، ولذلك يبحثون مسألة إذا لم يجد ماء للغسل يتيمم وإلا ما يتيمم؟ يتيمم للدخول في النسك وإلا ما يتيمم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو معروف خلاف معروف.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن هل العلة التنظيف هنا وإلا العلة أنه تعبد مثل غسل الجمعة وغيره، بحيث يشرع لو كان مغتسل من قبل، يعني ... هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم للدخول في هذا النسك العظيم يشرع الغسل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- اغتسل، وصحابته اغتسلوا، واغتسلوا لدخول مكة، واغتسلوا للوقوف بعرفة من دون موجب.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .(64/8)
هو ما يرفع حدث، الحدث لا يرتفع، لكن هذا العمل الذي هو نية الدخول في النسك له غسل، يشرع له غسل، وهي تنوي الدخول في النسك فهي كغيرها، دعنا من شخص يبي يصلي قبل الإحرام، ويبي .. ، هذه مسألة ثانية، يرفع الحدث من أجل الصلاة، لذلك الدخول في النسك يصح من الجنب، يصح من حائض، من نفساء من غيرهما، لكن من أجل الدخول في النسك يغتسل، سواءً ارتفع الحدث أو لم يرتفع.
في اغتسال للإحرام مطلقاً؛ لأنها إذا أمرت الحائض والنفساء مع عدم ارتفاع الحدث فغيرهما أولى؛ لأنه يؤثر فيه الغسل، لا سيما إذا لاحظنا أن النسك يقع بعد صلاة على الخلاف الذي سيأتي.
طالب:. . . . . . . . .
للطهارة نعم يطهر، الطهارة الصغرى لا بأس، بعد ... إذا لم يستطع؛ لأنه على كل حال يشبه الغسل من وجه في رفع الحدث.
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن أسماء بنت عميس ولدت محمد بن أبي بكر بذي الحليفة" محمد بن أبي بكر الذي ولد في آخر القعدة، وأدرك من حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- ثلاثة أشهر هل يثبت له صحبة؟ وهل هو من التابعين بإحسان؟ المقصود أن سيرة الرجل معروفة ولا داعي للكلام فيه، أما الصحبة فالنزاع طويل في إثباتها له بمجرد ولادته في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وعدم إدراكه إلا ثلاثة أشهر، لا سيما وأن سيرته فيها ما فيها.
بذي الحليفة، وفي الرواية السابقة: بالبيداء، ولا تنافي بينهما كما تقدم؛ لأن البيداء بطرف ذي الحليفة، بعض الروايات: في الشجرة، كما جاء الخلاف في موضع إهلاله -عليه الصلاة والسلام-، وهي كلها يجمعها مسمىً واحد.
"فأمرها أبو بكر أن تغتسل" أمرها أبو بكر امتثالاً لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم تهل، فهذا الغسل للدخول في النسك مشروع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- تجرد لإهلاله واغتسل، وأمر بذلك فأقل الأحوال أن يكون سنة، الاغتسال للإهلال.(64/9)
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم، ولدخوله مكة" ولدخوله مكة يعني بعد أن يحرم؛ لأنه ثبت عنه كما في الصحيح أنه كان يبيت بذي طوى، ثم إذا أصبح اغتسل ودخل مكة، أصبح وصلى الصبح اغتسل ثم دخل مكة، ويذكر ذلك عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يفعله، فهذا أيضاً الغسل لدخول مكة فعله ابن عمر الصحابي المؤتسي، ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
يقول ابن المنذر: الاغتسال لدخول مكة مستحب عند جميع العلماء، وليس في تركه عندهم ليس في تركه شيء عندهم، ويجزئ عنه الوضوء؛ لأنه يراد منه الاغتسال لدخول مكة والطواف، فيكفي إذا ارتفع الحدث، ولا يلزم الغسل إلا لجنب.
هنا نقول: الحائض والنفساء لدخول مكة تغتسل وإلا ما تغتسل؟ الآن اغتسلت للإحرام فهل هذا الغسل الذي يذكره ابن عمر ويرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لمجرد دخول مكة أو للطواف؟ إذا قلنا لمجرد دخول مكة قلنا: تغتسل الحائض والنفساء، وإذا قلنا: إنه للطواف قلنا: لا تغتسل الحائض ولا النفساء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(64/10)
مرها فلتغتسل؟ هذه المسألة ذكرناها مراراً أنه يرد الأمر الصريح الذي لا نقف على صارف له، ومع ذلك الأئمة الأربعة وأتباعهم يحملونه على الاستحباب، ومثله النهي الصريح الصحيح الذي الأصل فيه التحريم، ولا يوقف له على صارف، ومع ذلك عامة أهل العلم على الاستحباب، ولا يقول بالوجوب إلا أهل الظاهر، فهل نقول بمقتضى الدليل، وإن خالفنا عامة أهل العلم، أو نقول: إن عامة أهل العلم ما عدلوا عن الوجوب إلى الاستحباب أو من التحريم إلى الكراهة إلا لصارف لعلنا قصرنا في البحث عنه، أو قصرت همتنا عنه، يعني ما فهمناه، لأمر لم نفهمه أو لم نقف عليه؟ وعلى كل حال هيبة عامة أهل العلم لا بد أن تكون في ذهن طالب العلم، وأنه لا يقدم إلا بأمر لا يستطيع دفعه، وإن كان الأصل والعمدة عند العامة والخاصة الدليل فهل نقول: إنهم وقفوا على صارف قصرنا في البحث عنه، أو لم نقف عليه، أو لم يصلنا؟ أو نقول: الأصل الوجوب ولا صارف ولا علينا من عامة ولا خاصة؟ بالنسبة للصارف هنا: ((مرها فلتغتسل)) هل نقول: إن هذا مثلاً غسل تعبدي لا يعقل له علة، وأن الحدث باق لن يرفع حدث هذا الغسل، فوجوده شبه العدم، وأثره ضعيف، ولولا الأمر الشرعي به كان ما له أثر، نعم، لولا الأمر الشرعي ((مرها فلتغتسل)) ما له أثر، فمثل هذا قد يعتبرونه صارف عندهم، لكن افترض أن المسألة لا صارف لها بوجه من الوجوه، ولم نقف بعد طول البحث، هل الإنسان -لا سيما طالب العلم المتأهل للنظر في الأدلة المطلع- هل له أن يتخطى عامة أهل العلم، ويفتي بمقتضى الدليل؟ أو نقول: ما حمله وصرفه أهل العلم ومن يعتد بقوله من أهل العلم إلا لوجود صارف ولو لم يطلع عليه؟ وهذه مسألة لا بد من اعتبارها، أقول: هذه مسألة يحتاجها طلاب العلم، كثير من المسائل من مثل هذا، تجد أمر صريح صحيح ما فيه أدنى إشكال، وتبحث عن صارف لا تجد، لكن تفاجئ أن عامة أهل العلم على أنه استحباب، ولا شك أن الأمر كما يرد للوجوب يرد للاستحباب، لكن الأصل فيه للوجوب.
طالب:. . . . . . . . .
أما عدم الذكر لا يدل على العدم.
طالب:. . . . . . . . .(64/11)
إيه لكن عدم الذكر لا يدل على العدم، يعني يجئنا في مسائل كثيرة أن مثلاً فسلم عليه ما نقول: رد السلام، نقول: هذا صارف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو إذا وجد نص صحيح صريح يعني ما خالفه من العدم إما أن نقول: لعلمهم بهذا الأمر واستفاضته عندهم ما نقل كرد السلام، سهل الجواب عن هذا، لكن أقول: هذه مسألة تواجه طلاب العلم كثيراً، ويحتارون فيها، ولا شك أنها محيرة، يعني طالب العلم عليه أن يهاب أهل العلم، ولا يجرؤ حتى يجزم أنه لا يوجد صارف وأن يسبقه أحد من أهل العلم، لا يبتدع قول ما سبق إليه، والكل يعني سواءً الجمهور وغير الجمهور عمدتهم الدليل والأصل فيه الوجوب، وبناءً على قاعدتهم أنه يجب، لكن ما قالوا به، لماذا؟ لذا نجد من يرجح قول الظاهرية باستمرار مثل الشوكاني والصنعاني وغيرهم، ولا ينظرون إلى الجمهور أدنى نظر مع صراحة الدليل، وهذا هو الأصل، لكن طالب العلم ينبغي أن يجبن عن الإقدام بمثل هذا حتى يستوي، حتى يتأهل التأهل التام ويكون لديه من الإطلاع مثل ما عندهم، ماذا نقول؟ ويش نرجح؟ نقول: علينا بالدليل ولا علينا من أحد ولو خالفنا عامة أهل العلم الأربعة كلهم وأتباعهم إلى قيام الساعة، ترى مسألة مشكلة يا الإخوان، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ويقلد العامة وإلا يجرؤ؟ يعني من سبر حال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- يجد هذا المنحى، لكن الشيخ من مثل الشيخ نعم في الفهم والاطلاع، حتى أنا سألت الشيخ ابن باز عن هذه المسألة قال: العمدة الدليل، ولو خالفه عامة أهل العلم، لكن يبقى لمثل هؤلاء أن يقولوا مثل هذا الكلام، لكن طالب علم مبتدئ أو متوسط عليه أن يهاب أهل العلم، ويهاب أقوالهم، ويتهم نفسه بالتقصير، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ولم يسبقه إلا الظاهرية؟ يعني على الخلاف في اعتبار أقوالهم والاعتداد بها، لكن من أهل العلم من يرى أنه لا يعتد بهم في الخلاف ولا في الإجماع، وجودهم كعدمهم، فينقلون الإجماع مع وجود خلافهم.
طالب:. . . . . . . . .(64/12)
شوف يا أخي كون الظاهرية والحنفية قالوا به، يعني واحد من الأئمة الأربعة يجعلك ما تردد؛ لأن هؤلاء مذاهبهم لها أصولها وقواعدها وعمدتها الدليل، وأيضاً لهم أتباع حرروها ونقحوها وتتابعوا عليها، يعني الإنسان ما يتردد في كونه يقلد واحد من الأئمة الأربعة، ويتبع الدليل في الأصل، لكن يتشجع لما يرى أن واحد من الأئمة قال بهذا، يعني عمدة الجميع الدليل، ينبغي أن يكون العمدة الدليل، لكن أيضاً ما هي بمسألة اتهام للدليل أو تقليل من شأن الدليل، المسألة اتهام للنفس هل أنت أحطت بالسنة بحيث لا تجد صارف، يعني هل تجزم إذا بحثت مسألة أنك ما وجدت صارف، أنه لا يوجد صارف بالفعل، أما قالوا في نظير هذا أنه لو وجد دليل صحيح صريح يدل على مسألة بعينها وعامة أهل العلم على خلافه ما يقولون: نجزم بأنه منسوخ ولو لم نقف على الناسخ؟ ما قالوا بهذا؟ قالوا بهذا أهل العلم، فليكن هذا من جنسه، يعني إحنا ما أبطلنا الدليل بالكلية نعم إنما صرفه وهذا جزء مما يقال بوجود ناسخ لم نقف عليه، لأن مثل هذا نسخ جزئي، يعني كوننا نحمل الدليل من الوجوب إلى الاستحباب عملنا بالدليل؛ لأن من معاني الأمر الاستحباب فعملنا به، نعم عديناه مرحلة، فخففنا من أمره لوجود صارف ولو لم نقف عليه بناءً على أن أهل العلم كلهم قالوا بمقتضاه.
فمثل هذه الأمور ينبغي أن يعتني بها طالب العلم ولا أقول: إن الإنسان يهون من شأن الدليل، أهل العلم قاطبة عمدتهم الدليل، ما في أحد يبي ينطلق من غير دليل، لكن كون هذا الدليل بلغ فلان أو لم يبلغ فلان، هذه مسألة، كونه بلغه وفهمه على وجه غير ما فهمه عليه فلان مسألة أخرى، وكلهم مجتهدون، وكلهم مأجورون، المصيب له أجران، والمخطئ له أجر، ولكن على طالب العلم أن يعنى بالمسائل، ويبحث عن أدلتها، ويبحث عن كيف استنبط أهل العلم هذا الحكم من هذا الدليل.
طالب:. . . . . . . . .(64/13)
على كل حال هو فعل -عليه الصلاة والسلام-، وأمر النفساء أن تغتسل، فأهل العلم الذين يستحبونه مطلقاً يقولون: أمرت النفساء بالاغتسال مع كون هذا الاغتسال لا يفيدها، ولا يرفع حدثها، ولن تستعمل به طهارة، أقول: لا تستعمل بهذا الغسل عبادة، لا تزاول إلا برفع الحدث، لا تستعمل به شيء، فغيرها من باب أولى، يعني هذا مأخذهم، يعني يكون من باب قياس الأولى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نقلوه، لكن إحنا ما اطلعنا عليه، هل اطلعنا على جميع ما كتبه أهل العلم؟ نعم، سؤال؟ فما هو بالاتهام لأهل العلم أو للدليل، الاتهام لطالب العلم الذي قصر في البحث عن الصارف، أو قصر في فهمه، أحياناً يكون نفس النص يدل على صارف، في الدليل الأمر نفسه فيه ما يدل على صرفه، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: غسل المحرم:
حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- والمسور بن مخرمة -رضي الله عنه- اختلفا بالأبواء فقال عبد الله: يغسل المحرم رأسه، وقال المسور بن مخرمة: لا يغسل المحرم رأسه، قال: فأرسلني عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- إلى أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- فوجدته يغتسل بالقرنين ....
بين.
أحسن الله إليك.
فوجدته يغتسل بين القرنين، وهو مستتر بثوب، فسلمت عليه، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغسل رأسه وهو محرم؟ قال: فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه، ثم قال لإنسان يصب عليه: اصبب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل.
وحدثني مالك عن حميد بن قيس عن عطاء بن أبي رباح أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال ليعلى بن مُنَيَّة ....
مُنْية، مُنْية.
أحسن الله إليك.
قال ليعلى بن مُنْية وهو يصب على عمر بن الخطاب ماءاً وهو يغتسل: اصبب على رأسي، فقال يعلى: أتريد أن تجعلها بي إن أمرتني صببت؟ فقال له عمر بن الخطاب: اصبب فلن يزيده الماء إلا شعثاً.(64/14)
وحدثني مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا دنا من مكة بات بذي طوى بين الثنيتين حتى يصبح ثم يصلي الصبح، ثم يدخل من الثنية التي بأعلى مكة ولا يدخل إذا خرج حاجاً أو معتمراً حتى يغتسل قبل أن يدخل مكة إذا دنا من مكة بذي طوى، ويأمر من معه فيغتسلون قبل أن يدخلوا.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من الاحتلام.
قال مالك -رحمه الله-: سمعت أهل العلم يقولون: لا بأس أن يغسل الرجل المحرم رأسه بالغسول بعد أن يرمي جمرة العقبة وقبل أن يحلق رأسه، وذلك أنه إذا رمى جمرة العقبة فقد حل له قتل القمل، وحلق الشعر، وإلقاء التفث، ولبس الثياب.
نعم وعشية عرفة إيه، ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
يغتسل منه.
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟ هنا؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني في حديث أن عبد الله بن عمر كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم، هذا معروف للدخول في النسك يغتسل، ولدخول مكة يغتسل، وللوقوف عشية عرفة يغتسل، للوقوف يعني ليوم تسعة، من أجل الوقوف، للإحرام الثاني يدخل فيه الإحرام الأول، الإحرام الثاني بالنسبة للمتمتع ينسحب حكم الإحرام الأول، نعم كأن يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم سواءً كان بالحج أو بالعمرة هذا اليوم الثامن، أما الوقوف لعرفة ليقف على طهارة، ومعروف أن هذا اليوم يوم عظيم فيحسن الاغتسال فيه؛ لأنه من مظنة الإجابة أن يكون الإنسان على طهارة، وأن يستقبل القبلة كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويلح في الدعاء، المهم أن هذا منها، يكون على أكمل حال، يعني لو كان عشية عرفة جنب مثلاً، هل يناسب هذه الحال لمثل هذا اليوم العظيم؟ نعم، صلى الظهر والعصر ثم اضطجع فاحتلم، متى يلزمه الغسل؟ للصلاة، قال: أنا ما أنا مصلي إذا وصلت مزدلفة باغتسل بمزدلفة ويش معجلنا؟ هل يناسب أن يقف ويدعو في هذا المكان العظيم التي تتنزل فيه الرحمات، نعم، أن يقف جنب؟ نعم؟ لا يحسن، يقف على غير طهارة مثلاً، كل ما كان أكمل كان أفضل، ولذا كان ابن عمر يغتسل للوقوف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(64/15)
الآن في اجتماع كبير للمسلمين، وفيه عبادات مجتمعة في هذا اليوم وهو يوم عظيم، ويوم لا شك أنه هو الحج، والحج عرفة، ويشرع الغسل في نظائره في الجمعة وفي العيد وكذا، فهذا منها، من هذه الحيثية وليقف على أكمل حال.
يقول: "باب: غسل المحرم" يقول ابن المنذر: أجمعوا على أن المحرم يغتسل من الجنابة، واختلفوا فيما عدا ذلك، اختلفوا فيما عدا ذلك، والمحاورة التي حصلت بين ابن عباس والمسور تدل على أن هناك خلاف، ويش المحذور من الاغتسال بالنسبة للمحرم؟ يعني كون الماء يغطي الرأس من جهة، الأمر الثاني: تحريك الشعر، وهذا قد يتسبب في سقوطه أو في قتل ما فيه من دواب وهوام، ولذلك تردد المسور أنه ما يغتسل، ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- مع كونه يغتسل لدخول مكة ولعشية عرفة إلا أنه لا يغسل رأسه على ما سيأتي، ما يغسل رأسه، يغسل جميع البدن دون الرأس، والسبب أن فيه الأمور التي ذكرناها: تغطية الرأس بالماء، والمحرم ممنوع من تغطية الرأس، هذه شبه بالنسبة لمن يرى المنع، شبه بالنسبة لمن يرى المنع، وإلا كيف تغطي رأسك بالماء؟ الأمر سهل، هذه ما هي بتغطية لا حقيقة ولا عرفاً، كونك تحرك رأسك بهدوء ورفق بحيث لا يترتب عليه سقوط شعر ويش المانع؟ إذا احتجت إلى حك الرأس تحك رأسك، كونه يسقط شعر غير مقصود أو يموت هوام ودواب غير مقصود قتلها ويش المانع؟ أقول: هذه شبه من يرى أن المحرم لا يغتسل إلا للجنابة.
"حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه -عبد الله بن حنين مولى بن عباس- أن عبد الله بن عباس والمسور بن مخرمة -رضي الله عنه- اختلفا بالأبواء -مكان قرب مكة- فقال عبد الله بن عباس: يغسل المحرم رأسه، وقال المسور بن مخرمة: لا يغسل المحرم رأسه" لأنه يلزم عليه ما ذكرنا، تحريكه قد يكون سبباً في تساقط الشعر، وفي قتل الهوام، والماء يغطيه، هذه شبه لمن يخالف في غسل المحرم رأسه.(64/16)
"قال عبد الله بن حنين: فأرسلني عبد الله بن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري" خالد بن زيد الأنصاري "فوجدته يغتسل بين القرنين" فوجدته يغتسل بين القرنين هذا جواب عملي، وهما الخشبتان القائمتان على رأس البئر، تعلق بالخشبة البكرة التي يستقى بها، التي يوضع فيها الدلو، ويرفع بواسطتها، هما القرنان "وهو يستر بثوب" التستر لا بد منه لا سيما إذا كان بحضرة أحد "فسلمت عليه" وفي هذا جواز السلم على المتطهر حال تطهره، وأم هانئ سلمت على النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يغتسل، لكن هل رد السلام أو لم يرد؟ هنا لم يذكر فيه رد سلام، وفي حديث أم هانئ قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من؟ )) قالت: أم هانئ، قال: ((مرحباً بأم هانئ)) ولم ينقل أنه رد السلام، منهم من يقول: إنه لم ينقل وإن كان قد وقع، ورد السلام واجب، والأدلة متظاهرة عليه لا تحتاج إلى تكرار، ومنهم من يقول: إنه في هذه الحالة لا يرد حتى يفرغ، النبي -عليه الصلاة والسلام- سلمت عليه أم هانئ فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) وسلمت عليه فاطمة قال: ((مرحباً بابنتي)) وما نقل أنه رد السلام -عليه الصلاة والسلام-، فالذي يقول: إنه لا يحتاج إلى نقل في كل قضية يقول: حصل النقل في بعض القضايا ويكفي ولا يلزم، هذا عرف واستفاض عند المسلمين ولا يلزم نقله، ومنهم من يقول: إن مرحباً تكفي عن رد السلام.
المقصود أن هذا مما استفاض بين الناس أنه لا بد منه {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [(86) سورة النساء] يعني أقل الأحوال أن ترد بلفظها.
"فقال: من هذا؟ فقلت: أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغسل رأسه وهو محرم؟ " الآن ما سأل عن غسل الرأس، يعني هل كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يغسل رأسه أو لا يغسل؟ لأن هذا كالأمر المتقرر عندهم، والنزاع في كيفية الغسل، أو أنه رآه يغسل رأسه ويغسل بدنه إلا أنه لم يرَ الكيفية، المقصود أن السؤال عن الكيفية لا عن أصل المشروعية؛ لأن ابن عباس يرى المشروعية.(64/17)
"قال: فوضع أبو أيوب يده على الثوب" الثوب الذي يستره، وضعه عليه من أجل أن ينزله كي يبدو رأسه، لكي يراه السائل، الثوب ساتر، الثوب إذا وضع عليه شيء ثقيل كاليد نزل، ومع هذا النزول يبدو الرأس.
"فطأطأه -خفضه- حتى بدا لي رأسه" ظهر "ثم قال لإنسان" وهذا لم يسم "يصب عليه: اصبب" لكي يرى هذا السائل "فصب على رأسه ثم حرك أبو أيوب رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر" يعني كما يغسل في الأغسال الشرعية سواءً كانت الواجبة أو المستحبة، فدل على جواز ذلك، وأنه لا أثر له، وأن تغطية الرأس بالماء لا يضر، وأن تحريك الشعر لا يؤثر "ثم قال: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل".
زاد سفيان: قال عبد الله بن حنين: فرجعت إليهما، إلى المسور وابن عباس، فأخبرتهما فقال المسور لابن عباس: لا أماريك أبداً، وفي هذا الاعتماد على خبر الواحد الثقة والرجوع إلى النص؛ لأنه لما فعل ذلك رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، "هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل" والاستعانة في الطهارة فيباح، تباح الاستعانة بأن يصب عليه الماء، يستعين بمن يصب عليه الماء، فتباح معونته، والأولى في هذا الأمر الاعتماد على النفس إذا أمكن، لكن إذا اقتضى الحال الاستعانة لا بأس بها.
يقول: "وحدثني مالك عن حميد بن قيس المكي عن عطاء بن أبي رباح أن عمر بن الخطاب قال ليعلى بن منْية" بالتخفيف وهي أمه، المنية إيش؟ واحدة المنى، وهي اسم أمه، منية أمه، وأما أبوه فاسمه: أمية، متقاربان في اللفظ "وهو يصب على عمر بن الخطاب ماءً وهو يغتسل -وهو محرم-: اصبب على رأسي" يقول: "اصبب على رأسي، فقال يعلى: أتريد أن تجعلها بي" يعني كأن يعلى متردد في غسل المحرم لرأسه، نعم تريد أن تجعلها بي "إن أمرتني صببت؟ " استجابةً لأمرك وإلا ما أتولى هذا الأمر الذي أنا شاك فيه متردد فيه، فلا اجتهاد لي في ذلك بل أفعل استجابة لأمرك، ولولا أمرك لما فعلت؛ لأنه متردد في هذا الأمر.(64/18)
"فقال له عمر بن الخطاب: اصبب فلن يزيده الماء إلا شعثاً" لأن الماء يلبد الشعر ويدخله يدخل فيه يجعل الغبار يستمسك به، فلن يزيده الماء إلا شعثاً، قد يقول قائل: إن الماء يرطب الشعر ويلينه ويلبده وتلبيده وتليينه نعم خلاف الشعث هذا، يعني هل قوله: اصبب فلن يزيده الماء إلا شعثاً ظاهر المعنى؟ أو أنه إذا أريد تسريح الشعر يبل بالماء ثم يلين ويرطب ولين، وهذا عكس الشعث، نعم؟ يمكن هذا في آخر عمره، مع أنه عمره الآن هل هذا في وقت خلافته أو قبل ذلك؟
طالب:. . . . . . . . .
أن عمر، يقول: أن عمر بن الخطاب، هو يحكي قصة هل شهدها أو لم يشهدها؟ أن عمر بن الخطاب قال ليعلى بن منية، هو لم يشهد القصة، فمثل هذه القصة منقطعة، لكن قوله: اصبب فلن يزيده الماء إلا شعثاً، الآن الشعث ما هو بيزال بالماء؟ نعم إذا كان الشعر متشعث متفرق إذا أريد جمعه وتسريحه وترجيله يبل بالماء، فماذا عن قوله: اصبب فلن يزيده الماء إلا شعثاً؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، إلا شعثاً؛ لأن الماء ... قالوا: لأن الماء يلبد الشعر، ويدخله مع ذلك في الغبار وما أشبه، الماء إذا جاءه الغبار وفيه ماء يلصق فيه الغبار بخلاف ما لو كان يابساً، هو من هذه الحيثية وإلا المعنى مشكل.
طالب: هو مجرب يا شيخ.
وين؟
طالب: مجرب.
في إيش؟ الآن إذا أرادوا تجعيد الشعر ويش يسوون به؟ على كل حال الماء يصلح لهذا وهذا، هو طريق للترجيل والتسريح والتليين، وهو أيضاً طريق إلى ... ، فإن تبعه المشط وتبعه الدهن ترجل، وإن ترك بعد الماء لا شك أنه يشعث، مع أن الخبر فيه ما فيه.
طالب:. . . . . . . . .
أما الغبار يلازمهم ويش عندهم؟ لا عندهم قزاز يقفلونه ولا .. ، الله المستعان.
طالب: الاستثناء؟
كيف؟ فلن يزيده الماء إلا شعثاً؟ الاستثناء من وين؟ ترى المستثنى مفرغ الاستثناء، لن يزيده الماء شيئاً إلا شعثاً هذا الأصل لأن المستثنى منه غير موجود.
على كل حال إذا كان ماء مجرد ما في ما يعين على تسريحه من دهن ومشط وما أشبه ذلك فهو كما قال -رضي الله عنه وأرضاه-.(64/19)
يقول: "وحدثني مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا دنا من مكة -قرب منها- بات بذي طوى" وذو طوى الآن يعرف بإيش؟ بالزاهر "بين الثنيتين حتى يصبح" يدخل في الصباح "ثم يصلي الصبح، ثم يدخل من الثنية التي بأعلى مكة" يقال لها: كداء بالفتح والمد "ولا يدخل إذا خرج حاجاً أو معتمراً حتى يغتسل قبل أن يدخل مكة إذا دنا من مكة بذي طوى، ويأمر من معه فيغتسلون قبل أن يدخلوا" تحصيلاً للسنة؛ لأنه يفعل ذلك ويرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من الاحتلام".
وكونه لا يغسل رأسه ذكر أنه يغتسل لإحرامه ولدخول مكة، وللوقوف بعرفة، وإذا ... ، أما اغتساله للإحرام فلا إشكال في كونه يغسل رأسه؛ لأنه لم يدخل في النسك بعد، أما بعد ذلك لدخول مكة أو للوقوف كان لا يغسل رأسه إلا من احتلام؛ لئلا يلزم عليه تغطية الرأس، كان ابن عمر يحتاط كثيراً لمثل هذه الأمور، وعنده تشدد في بعض المسائل.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
بقية بدنه.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا يستثنى الرأس بدليل هذا الكلام، مالك عن نافع أن ابن عمر، ويش أصح من هذا شيء؟ ما في أصح منه، فيكون الرأس مستثنى، فيكون الغسل لجميع البدن ما عدا الرأس.
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .(64/20)
الدخول والخروج؟ الدخول لمكة من أعلاها من ثنية كَداء، والخروج من أسفلها من كُدى، هناك أيضاً بالتصغير كُدي، الدخول من الأعلى والخروج من الأٍسفل، فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، فمنهم من يرى استحباب ذلك، والحنابلة يقولون: يسن دخول مكة من أعلاها، والخروج من أسفلها، ودخول المسجد من باب بني شيبة، إلى آخره، يعني من المواضع التي دخلها النبي -عليه الصلاة والسلام- منها، ومنهم من يقول: إن هذا طريقه، ما تكلف -عليه الصلاة والسلام- غير طريقه، لا شك أن الدخول من الأعلى أسهل، أسهل، وهو طريقه -عليه الصلاة والسلام-، لكن الخروج من الأسفل ولو لم طريقه -عليه الصلاة والسلام- الخروج من الأعلى صعب وإلا سهل؟ صعب، يعني كونه من أعلاها وينزل سهل، لكن كونه بيرجع إلى الأعلى مرة ثانية فيه صعوبة، ولا مانع من أن ينزل مع الأسفل ثم يدور دورة كاملة حتى يصل إلى طريقه، فلا شك أن هذا أرفق بالداخل، ولذا إذا كان الأعلى ليس على طريقه مثل الذي يحرم من السيل طريقه في الدخول من الأسفل لا من الأعلى، نعم، فلا يقال: إن الأفضل أنك تستدير فتأتي من أعلاها إلا من قال: إن هذا أصل وأن هذا داخل فيما يقتدى به النبي -عليه الصلاة والسلام- كما يصنع ابن عمر وغيره.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو بس إذا ما حرفت المسارات مسارات السيارات أحياناً تريد الدخول من موضع معين ثم يصرفونك عنه، نعم وإلا ممكن يعني، الذي يجئ من المدينة وإلا من جدة يدخل من أعلاها، واللي يجئ من جهة الشمال يكون من أعلاها، واللي من جهة الجنوب أو الشرق يكون من أسفلها.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من احتلام".(64/21)
وعرفنا أنه يغسل جميع بدنه في المواضع لدخول مكة وللوقوف ما عدا الرأس "قال مالك: سمعت أهل العلم يقولون: لا بأس أن يغسل الرجل المحرم رأسه بالغسول" الغسول ما يغسل به الرأس، يعني مما لا طيب فيه، من سدر وخطمي ونحوهما أو أشنان وصابون غير معطر لا بأس، هذا في الجملة، لكن كلامه يقول: "بعد أن يرمي جمرة العقبة" الغسول الذي فيه الطيب مثلاً كالسدر رائحته طيبة، المنظف المعطر معروف أن المحرم ممنوع منه، الطيب المعطر والمناديل المعطرة كلها ممنوع منها المحرم؛ لأنها تشتمل على الطيب الذي يعلق بالبدن وباليد وبالرأس، لكن بعد التحلل الأول يستعمل الطيب بدليل حديث عائشة -رضي الله عنها- كنت أطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت.
كلام الإمام مالك -رحمه الله تعالى- هنا: "سمعت أهل العلم يقولون: لا بأس أن يغسل الرجل المحرم رأسه بالغسول" ويش ترون كثرة الإحالة على أهل العلم من قبل الإمام مالك، سمعت أهل العلم، أهل العلم ببلدنا، وهذه لها دلالة قوية وإلا هو إمام بإمكانه أن يقول هذا الكلام ولا يتردد من غير نسبة إلى أحد، إمام دار الهجرة، نجم السنن، ما أحد بيطعن في إمامته، لكن حينما يقول: سمعت أهل العلم لا شك أن هذا فيه تواضع من هذا الإمام الكبير، والواحد منا يأنف أن ينقل قول لشخص هو في منزلته ومقامه فضلاً عن أن ينقل عن من هو دونه، الإمام مالك احتمال أن بعض أهل العلم الذين ينقل عنهم أنه أقل منه منزلة.
يقولون: "لا بأس أن يغسل الرجل المحرم رأسه بالغسول بعد أن يرمي جمرة العقبة وقبل أن يحلق رأسه" هذا هو التحلل الأول عنده، نعم، "وذلك أنه إذا رمى جمرة العقبة فقد حل له قتل القمل، وحلق الشعر، وإلقاء التفث، ولبس الثياب" لكن هل يحل له الطيب؟ الطيب يحل؟ تقليم الأظافر يحل؟ بقية المحظورات تحل؟ كونه يحل حلق الشعر لبس الثياب تحل؟
طالب:. . . . . . . . .
ولبس الثياب.
طالب: وإلقاء التفث.
إيه لكن كونه يحل حلق الشعر فيه إشكال؟ في أحد من أهل العلم يمنع حلق الشعر بعد رمي الجمرة؟ ما في أحد، لماذا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .(64/22)
وحلق الشعر، وإلقاء ... ، حتى لما قرن به لبس الثياب لكنه ما ذكر قص الأظافر وهو في حكم حلق الشعر ولبس الثياب، الحكم واحد، فهل نقول: إن الإمام مالك يرى -رحمه الله- أن التحلل الأول يحصل بواحد؟
طالب: الذي يظهر من كلامه نعم.
وذلك أنه إذا رمى جمرة العقبة فقد حل له قتل القمل، وحلق الشعر، وإلقاء التفث، ولبس الثياب، يقول الشراح: ولا يبقى سوى النساء والصيد، وكره الطيب قبل الطواف، يعني ولو فعل، ولو رمى جمرة العقبة، وكره الطيب قبل الطواف، لكن كيف يكره الطيب قبل الطواف وعائشة تقول: ولحله قبل أن يطوف؟ نعم؟ يعني إذا لم يفعل إلا واحد يكره الطيب، أي الطيب ولبس الثياب؟
طالب: لبس الثياب.
لا، هو اللي يظهر أن الإمام مالك -رحمه الله- يرى أن التحلل يكون برمي الجمرة بواحد فقط، هذا الذي يظهر، وإن كان يفرق بين بعض المحظورات بين بعضها فهو نص على حلق الشعر، وإلقاء التفث، ولبس الثياب، وما عدا ذلك يختلفون فيه، ورأيه فيما يظهر أو فيما نقل عنه أنه يكره الطيب قبل الطواف ولو فعل اثنين، وأن الطيب لا يحل إلا بعد الثلاثة كالنساء، نعم، كره الطيب قبل الطواف، لكن هذه الكراهة مع حديث عائشة الصحيح الصريح "ولحله قبل أن يطوف" لا اعتبار لها.
مسألة التحلل الأول بما يحصل تأتي -إن شاء الله تعالى-، لكن ((إذا رميتم جمرة العقبة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء)) هذا معروف، وفي رواية: ((إذا رميتم وحلقتم)) وهذا منشأ الخلاف من اختلاف الروايتين، لكن المرجح بواسطة حديث عائشة -رضي الله عنها- لأنها علقت الحل بما قبل الطواف "ولحله قبل أن يطوف" فدل على أنه حل بعد أن فعل الحلق والرمي النحر ولم يبق إلا الطواف هذا الوصف معتبر عند جمع من أهل العلم، ويأتي -إن شاء الله- ذكر المسألة.
طالب: جزاك الله خير.
اللهم صلِّ على محمد ...(64/23)
الموطأ - كتاب الحج (2)
شرح: باب: ما ينهى عنه من لبس الثياب في الإحرام، وباب: لبس الثياب المصبغة في الإحرام، وباب: لبس المحرم المنطقة، وباب: تخمير المحرم وجهه.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وعافه واعف عنه واجزه عنا خير الجزاء يا ذا الجلال والإكرام، واغفر للسامعين يا حي يا قيوم.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما ينهى عنه من لبس الثياب في الإحرام
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تلبسوا القميص ولا العمائم))
القمص، القمص.
أحسن الله إليك.
((لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس)).
قال يحيى: سئل مالك -رحمه الله تعالى- عما ذكر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل)) فقال: لم أسمع بهذا، ولا أرى أن يلبس المحرم سراويل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لبس السراويلات فيما نهى عنه من لبس الثياب التي لا ينبغي للمحرم أن يلبسها، ولم يستثنِ فيها كما استثنى في الخفين.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما ينهى عنه من لبس الثياب في الإحرام.(65/1)
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رجلاً" يقول الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه بشيء من الطرق، أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يلبس المحرم من الثياب؟ والمراد به الرجل، المراد بالمحرم هنا الرجل، بدليل الجواب، ولا يلتحق به المرأة، يقول ابن المنذر: أجمعوا على أن للمرأة أن تلبس جميع ما ذكر من القمص والعمائم والسراويل، العمائم هذه خاصة بالرجال، لكن الخمر على الرؤوس، تلبس الخفاف، وتلبس ما يمنع من الرجل إلا ما يشتركان فيه من شيء مسه الزعفران والورس لا تلبسه المرأة.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تلبسوا القمص)) يقول العلماء: هذا من باب أسلوب الحكيم، أن يسأل السائل عن شيء ويجاب بغيره؛ لأن غيره أولى منه بالجواب، ما يلبس المحرم؟ فقال: ((لا يلبس)) لأن الذي يلبسه غير محدود، والذي لا يلبسه محدود، فالمحدود هو الذي يعتنى به، بحيث يبقى البقية على الأصل، ولذا لا تجدون الأئمة في الجرح والتعديل يذكرون أسباب التعديل، ما يقولون: فلان يصلي ويصوم ويزكي ويحج ويبر والديه ويجاهد ويفعل ويترك، ما يقولون هذه الأمور، ما يذكرون أسباب التعديل؛ لأنها هي الأصل في المسلم، لكن يذكرون ما يجرح به لأنه محصور، ضعيف لكذا فقط، أما أسباب التعديل لا يذكرونها لأنها هي الأصل في المسلم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما هو صحيح.
لكن يبقى أن الرواية يطلب لها العدل، والعدالة أمر وجودي، فلا بد أن يعدل، لا بد أن ينص على تعديله، لكن ما ينص على تعديله لكذا، إذا قال الإمام: ثقة وإلا عدل خلاص يكفي، لكن ما يقول: ثقة، يعني يطلبون تفسير الجرح، أهل العلم يطلبون تفسير الجرح، ولا يطلبون تفسير التعديل لأنه هو الأصل، يعني إذا قال أحمد: ثقة، وقال أبو حاتم: ضعيف، طيب تقول: أحمد ثقة لماذا؟ لماذا ثقة؟ لأنه مسلم يصلي ويصوم ويحج ولا يرتكب محرمات هذا الأصل، لكن ضعيف لماذا؟ لا بد من تفسيره؛ لأنه قد يرى سبباً يؤثر في الرواية ويضعف الراوي وهو في الحقيقة ليس سبب، ابن حزم ضعف حديثاً فيه المنهال بن عمرو، وسبب تضعيفه؟ من يذكر سبب تضعيفه؟
طالب:. . . . . . . . .(65/2)
لا، لا ما هو اللي يركب برذون، لا، سمع من بيته صوت الطنبور، طيب يا ابن حزم ويش تقول بالطنبور؟ أنت أصلك ويش تقول؟ نعم؟ نعم يرى الغناء من جميع أبوابه وآلاته كله حلال، ويرى أن كل ما ورد فيه من الأحاديث موضوع، الآن تبي تضعف وتوثق الرجل وإلا تضعفه؟ اللي ضعفه معه وجه؛ لأنه يرى تحريم الطنبور، لكن أنت؟ ولهذا أهل العلم يعتنون بتفسير الجرح، لا بد منه، قد يقول بجرح وليس بجارح، حينما يناقش ابن حزم في مثل هذا يناقش من وجه، لا، إحنا نرى تحريم الطنبور مثلاً ونوافق ابن حزم على تضعيفه، لكن ينظر أيضاً في سبب التضعيف؛ لأنه إذا جرح هذا بالطنبور كيف يقال فيك أنت؟ توثق وإلا تجرح؟ يجرح ليش ما يجرح؟ فالذي جر الكلام الحيد عن السؤال بالمطابقة إلى الأهم، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- سئل ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله: ((لا تلبسوا القمص)) الآن ارتفع شأن ابن حزم؛ لأنك تسمع الجوال على الموسيقى تكلم صاحبك يقول: والله ابن حزم إمام ما يرى شيء في الموسيقى، نقول: طيب ابن حزم قال: خل ولدك يضربك كف ولا في شيء، لكن ما يقول لك: أف، ترضى؟ خل الولد يتغوط في الإناء لكن ما يبول فيه، نعم يعني كيف نرتضي بمثل هذه الأمور؟ يعني صار المسألة هوى، يعني الذي يوافق هوانا نأخذ به، والذي لا يوافق ما نأخذه، صار الدين هوى، والإشكال أنه يقول مثل هذا الكلام عوام، ما هم من أهل النظر، يعني لو كان من أهل النظر وأداه اجتهاده إلى حل هذا الأمر الأمر سهل، إذا كان أهل للاجتهاد، لكن عامي يقول لك: والله ابن حزم إمام وما يرى شيء في الموسيقى، أنت تقتدي بابن حزم في كل شيء أو فيما يوافق هواك؟ لا على الإنسان أن يكون هواه تبعاً لما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا الشيء الذي .. ، لأن أنت سمعت فلان، جاءني واحد قال: الشيخ فلان ... ، امرأة تقول: ويش رأيك تقول: الشيخ فلان ما يرى زكاة الحلي، قلت: وأنتِ السنين اللي فاتت ويش تقولون؟ قالت: والله كل عمرنا نزكي، مو بهذا الإشكال، قلت: أنا أيضاً ما أرى زكاة الحلي على سبيل الإلزام، لكن حطيني أنا وفلان اللي تقولين بكفة، وحطي ابن باز وابن عثيمين بكفة؛ لأن المسألة مسألة دين ما هي بهوى، ما هو(65/3)
بالإنسان يتبع هواه إذا أجاز له فلان قال: إمام، وإذا ما جاز له قال: لا شيء، والعامي يلزمه اتباع الأوثق، ولا يكلف أن ينظر في الموازين الشرعية الدقيقة أن هذا أرجح في باب كذا، أرجح، لا لا، يعني استفاض بين الناس أن هذا إمام تبرأ الذمة بتقليده الحمد لله، أما كونه ينتقل من فلان إلى علان لأن هذا وافق هواه وهذا ما وافق هذا الذي لا ينبغي.
فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تلبسوا القمص)) يقول النووي: قال العلماء: هذا الجواب من بديع الكلام وجزله؛ لأن ما لا يلبس منحصر فحصل التصريح به، وأما الملبوس الجائز فغير منحصر، فقال: لا يلبس كذا أي ويلبس ما سواه؛ لأنه لو بين مما يلبس عشرين نوع مثلاً، خمسين نوع مما يلبس ثم ظهر بعد مائة سنة مائتين سنة ألف سنة أمور هل تلبس وإلا ما تلبس؟ لأنها ما نص عليها، في ضمن الملبوس، يعني لو كان الجواب بالمطابقة تقيدنا بما ذكره النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم قد تكون هذه أمور عارضة تنقرض فيما بعد ويجئ غيرها ثم يحصل الإشكال، يحصل إشكال كبير إذا انقرضت هذه الأمور المنصوص عليها، لكن نص على ما لا يجوز لبسه والباقي تتركه ((لا تلبسوا القمص)) وهو ما يخاط على قدر البدن، ((ولا العمائم)) ما يغطى به الرأس ((ولا السراويلات)) السراويلات: جمع سراويل، يعني المفرد سراويل، وجمعه سراويلات، فلا تلبس، لا يلبسها الرجل، والمقصود بالسراويلات ما يغطي النصف الأسفل من البدن، وله كمان تدخل فيهما الأرجل، السراويلات أنواع حتى ذكروا منها ما يسمى بالنقبة، وهو سروال ليس فيه أكمام مفتوح ولا كرسي، يسمونه النقبة، ذكره الأزهرية وغيره، أنه على هيئة؟ الوزرة نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، التبان سروال قصير، التبان سروال قصير أفتت به عائشة -رضي الله عنها- للذين يرحلون هودجها أفتت لهم، المقصود أن هذه الوزرة التي تشبه تنورة النساء داخلة في السراويل؛ لأنها نوع من السراويل كما نص عليه أهل اللغة.(65/4)
((ولا البرانس)) مما يلبس فوق الرأس مما هو مخيط متصل بالثوب، هذا موجود عند المغاربة كثير هذا، ((ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس)).(65/5)
((إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين)) اللام هذه؟ اللام لام الأمر (فليلبس) يعني يلزمه أن يلبس خفين؛ لأن الأصل في الأمر الوجوب، أو نقول: هو أمر بعد حظر يكون حكمه؟ نعم الأكثر على أنه للإباحة، لكن الأصح أنه يعود إلى ما كان عليه قبل الحظر، ((وليقطعهما)) أيضاً اللام هذه لام الأمر ((أسفل من الكعبين)) هذا في حديث ابن عمر، عندنا حديث ابن عمر فيه الأمر بالقطع، وحديث ابن عباس وغيره فيه الإطلاق بدون أمر بالقطع، حديث ابن عمر قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحج، وحديث ابن عباس قاله بعرفة، ننتبه لمثل هذا الاختلاف، عندنا حمل المطلق على المقيد، حديث ابن عمر مقيد بالقطع، حديث ابن عباس مطلق، اتفقا في الحكم والسبب على القاعدة أنه يجب حمل المطلق على المقيد فيلزم القطع، وبهذا قال الأئمة الثلاثة، يعني الجمهور على هذا لزوم القطع، وهو الجاري على قاعدة حمل المطلق على المقيد، طيب الإمام أحمد -رحمه الله- ما يرى القطع، يلبس من غير قطع، طيب الإمام أحمد يرى حمل المطلق على المقيد في مثل هذه الصورة، لكن اعترى هذا النص ما يرجح عنده القول بالنسخ، كيف؟ يقول: هذا قيل بالمدينة وهذا بعرفة، وقد حضر بعرفة أعداد هائلة لم تحضر ما قيل بالمدينة، وعرفة هي وقت البيان، وقت الحاجة إلى البيان؛ لأنه لو قدر أنه حضر نسبة عشرة بالمائة المدينة وتسعين بالمائة يحتاجون إلى بيان، أهل العلم إذا حصل البيان في موطن يكفي؛ لأنه حصل مقيد وأطلق في بقية النصوص، يحمل المطلق على المقيد ولا يلزم التكرار، وإلا لما وجد مطلق أصلاً، ولا وجد عام أصلاً، لكن يوجد عام ويوجد خاص، يوجد مطلق ويوجد مقيد، فإذا حصل التقييد ولو في مناسبة واحدة يكفي عند أهل العلم في حمل المطلق عليه، لكن هذا ما بين هذين النصين من تعارض الأصل يحمل المطلق على المقيد وينتهي الإشكال، لكن اعترى -هذه من وجهة نظر الإمام أحمد -رحمه الله- اعترى هذا المسلك عنده ما يرجح القول بالنسخ، يقول: حضر أعداد هائلة في عرفة ولا بين لهم، وهذا وقت حاجة، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فاستروح -رحمه الله تعالى- إلى القول بالنسخ، وأنه لا يلزم القطع، وأضاف إلى ذلك(65/6)
نصوص النهي عن إتلاف المال، قطع الخف إتلاف، إذا أضيف إلى ذلك كونه يلزم عليه تأخير البيان عن وقت الحاجة ترجح عنده عدم القطع، وأن الأمر بالقطع منسوخ، نعم المتأخر ينسخ المتقدم، هذا يتفقون عليه حتى بقية الأئمة، يتفقون عليه، لكنهم يرون أنه لا يلجأ إلى النسخ إلا إذا لم يمكن الجمع، والجمع ممكن بحمل المطلق على المقيد؛ لأن حمل المطلق على المقيد نسخ جزئي، التقييد نسخ جزئي، والقول بالنسخ نسخ رفع كلي للحكم، والجمع لا شك أنه أولى من القول بالنسخ، لولا ما أبداه الإمام أحمد من تأخير البيان عن وقت الحاجة ما يلزم أن الناس كلهم بلغهم القطع الذي قيل بالمدينة، فأحياناً يعتري بعض القواعد المتفق عليها ما يعتريها في قضايا يعني قد تكون مثل هذه فيها ما يرجح عدم إجراء القواعد، فمثلاً إذا وجد عام وخاص، الأصل أن الخاص مقدم على العام، لكن إذا كان الخاص مفهوم والعام منطوق كيف نرجح؟ لأن الآن هنا تعارض أكثر من قاعدة، في نصنا تعارض أكثر من قاعدة، فهذا هو السبب الذي جعلهم يختلفون، الإمام أحمد يوافق على حمل المطلق على المقيد، في مثل هذه الصورة قد يكون إجماع للاتحاد في الحكم والسبب، إجماع هذا حمل المطلق على المقيد، لكن اعتراه إيش؟ تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهذا لا يجوز عنده ولا عند غيره من الأئمة الذين قالوا بحمل المطلق على المقيد، إذا كان الخاص مفهوم والعام منطوق نقدم خاص وإلا عام؟ المنطوق يقدم على المفهوم لكن يقولون: الخاص مقدم على العام، فيختلفون في مثل هذا أيضاً، مثلاً حديث أبي سعيد: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) عام، وحديث ابن عمر في القلتين خاص، فإذا كان عندنا ماء كثير وقعت فيه نجاسة لم تغير شيئاً من أوصافه، ماء قليل دون القلتين نعم وما غيرت شيء من أوصافه، هل نقول: إن الماء طهور لا ينجسه شيء أو نقول: إنه دون القلتين؟ عملاً بالخاص أو نعمل بالمنطوق؟ لأن دلالة حديث ابن عمر على هذا إيش؟ مفهوم، بالمفهوم، دلالته على هذا بالمفهوم، فهل نقول: نقدم العام لأنه منطوق أو نقدم الخاص وإن كان مفهوماً، نقدم المفهوم وإن كان خاصاً لأنه خاص، هذا على القول بتصحيح حديث القلتين؛ لأن شيخ الإسلام -رحمه الله- يصححه ويعمل(65/7)
بمنطوقه دون مفهومه، يلغي المفهوم، فإذا عمل بمنطوقه وألغى مفهومه وافق منطوق حديث أبي سعيد، وهو قول الإمام مالك -رحمه الله-، خلافاً للأئمة الثلاثة، وتجدون في المذاهب في مثل هذه المسائل أشياء يعني كثيرة، كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار، نعم، يعارضه التنصيص على لحم الإبل، عندنا متقدم ومتأخر، آخر الأمرين ترك الوضوء، فعلى هذا نقول: الوضوء من لحم الإبل إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما هو آخر الأمرين، منسوخ؛ لأن آخر الأمرين ترك الوضوء، لكننا نقول: إن آخر الأمرين عام، ولحم الإبل خاص، فهل نقدم المتأخر أو نقدم الخاص؟ نظير ما عندنا هنا، فهذه المسائل ترون من مضايق الأنظار ما هي بمسائل سهلة يعني ممكن يقول بها طالب علم بأدنى بساطة، لا، هذه تحتاج إلى مزيد عناية، ولذلك الأئمة الكبار اختلفوا فيها، يعني ما يختلفون في أن المنطوق مقدم على المفهوم، ولا يختلفون في أن المتأخر ينسخ المتقدم، ولا يختلفون في أن المطلق يحمل على المقيد وهكذا، لكن يستروحون أحياناً إلى الترجيح بأدنى شيء لوجود التعارض الذي يجعل القولين على مستوى واحد، فكل يرجح ما يشاء بأدنى شيء، ولذلك مثل هذه المسائل لا تجزم بأن قول الجمهور هو الراجح أو قول أحمد هو الراجح، نعم؛ لأنها مسائل من مضايق الأنظار، وعرفنا ما فيها، يعني من قال بالنسخ له وجه، يعني هؤلاء الألوف المؤلفة الذين حضروا ما سمعوا الكلام؟ ويش قال لهم ذول؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بدون قطع.
طالب: والموقف مظنة أحكام.
نعم؟
طالب: والموقف مظنة أحكام.
بلا شك، هو البيان هذا وقته، ألوف مؤلفة حضروا ما سمعوا الأول، لكن بالمقابل الأئمة الآخرون يقولون: ما يلزم أن يكون القيد يذكر في كل مناسبة، خلاص علم واستقر يكفي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش لون ضاق الوقت؟
طالب: يعني بعرفة ما يمدي. . . . . . . . .
كيف ما يمدي؟
طالب: هم يقولون: السعة في المال هذا الذي أعرف، ما هو السعة في الوقت.
سعة الوقت؟ أنت نظرت إلى كثرة الناس بعرفة.
طالب:. . . . . . . . .(65/8)
إذن ما تحتاج قطع، نرجع إلى رأي أحمد -رحمه الله-، لو قلنا بهذا ما قلنا إن المسألة ضيق وإلا سعة، نرجع إلى قول الإمام أحمد، الإمام أحمد مدعوم بتأخير البيان والنهي عن إضاعة المال هذا الذي يرجحه.
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
أنت تبي يلبسون الكنادر مع وجود النعال؟ لا ما يمكن، لا لا، مع وجودها؟ ما قال أحد تلبس، ما قال أحد تلبس مع وجودها، الكلام فيمن لم يجد النعلين.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب: يلزم بالشراء؟
يلزم بالشراء، بقيمة المثل يلزم، كما يلزم بشراء الماء للوضوء يلزم بالواجبات، بقيمته المعتادة، بما لا يشق عليه، يعني ما هو من متطلبات الإحرام، هذا جبلي يحتاجونه الناس، لكن مع ذلك -الحمد لله- أن شريعتنا جاءت باليسير.
يقول: إذا كان سروال النقبة ممنوعاً للمحرم فماذا يقال عن الإحرام الذي خيطت أطرافه ووضع له مغاط في الآلة وجيوب للمفاتيح والجوال؟
هذا هو النقبة هو نفسه.
((ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران)) الزعفران معروف ((ولا الورس)) نبت أصفر طيب الرائحة يصبغ به، وهل المنع من أجل الرائحة فيدخل في منع المحرم من الطيب أو للون؟ أو للونه؟ يأتي مزيد ذكر له -إن شاء الله تعالى-.
قال يحيى: "سئل مالك عما ذكر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل)) فقال -رحمه الله-: لم أسمع بهذا" في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من لم يجد إزاراً فليلبس سراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين)) مخرج في الصحيحين وغيرهما، هذا يدل على أن الإمام مهما بلغت منزلته فإنه لا يحيط بالدين، لا يمكن الإحاطة، يعني هؤلاء الأئمة الكبار الجبال يعني قد يخفى عليه ما يوجد عند صغار طلاب العلم، هذا ليعرف الإنسان قدر نفسه، ومجموع ما أوتيت الأمة بل البشرية من آدم إلى قيام الساعة لن يخرج عن قول الله -جل وعلا-: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء] بعض الناس إذا حفظ له مسائل أو بضع مسائل انتفش، وصار إمام الدنيا، لا على الإنسان أن يعرف قدر نفسه.(65/9)
هذا الإمام، هذا الحديث في الصحيحين وغيرهما، ومعروف أن الصحيحين وغيرهما جاءت بعد مالك، نعم، جاءت بعد مالك، يقول: لم أسمع بهذا، ولا ضير أن يقول الإنسان: الله أعلم، أو ما سمعت، أو لم أسمع، وإن استدرك عليه، الشيخ ابن باز -رحمه الله- في آخر حلقة من الحلقات يعني ما هي في آخر حياته لا، سئل عن معن بن زائدة هل هو صحابي وإلا تابعي وإلا ويش هو؟ قال: ما أدري، نبحثه -إن شاء الله-، في آخر الحلقة قال المذيع: نمسح السؤال، قال: لا، لا تمسحه، قال: لا، لا تمسحه أبداً، خليه يجلس ويش المانع؟ يعني تتصور بشخص أنه محيط بالدنيا كلها؟ أبداً، وتجد آحاد طلاب العلم يعرفون أن معن ابن زائدة متأخر جداً، الإمام مالك يقول: لم أسمع بهذا، يقول: ولا أرى أن يلبس المحرم سراويل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن السراويلات، يعني في حديث ابن عمر، فيما نهى عنه من لبس الثياب التي لا ينبغي للمحرم يعني لا يجوز للمحرم أن يلبسها، ولم يستثنِ فيها كما استثنى في الخفين ((إلا أحد لم يجد نعلين فليلبس خفين)) يقول: إنه ما استثنى في السراويل مثل ما استثنى في النعلين، وعرفنا أنه استثنى مما خفي على الإمام مالك -رحمه الله تعالى-.
نعم.
أحسن الله إليك.
طالب: لكن يا شيخ -أخشى أن يفوتنا شيء- قضية الآن الذين يمنعون من شرب الزعفران يمكن يأتي متأخر لكن هل ....
الشرب؟ المحرم ممنوع من الطيب، لكن هل المنع من الطيب في استعماله طيب أو حتى لو استعمال علاج مثلاً لا على هيئته أو استعمل في طعام ولا يقصد به الطيب ولا معنى الطيب؟ لكن لا شك أنه إذا قصد به تطييب الرائحة والنفس وكذا فهو طيب مهما كان.
طالب:. . . . . . . . .
ولا يظهر أثره؟ رائحته؟
طالب: كيف يعني؟
يطبخ، على كل حال إذا قصد به الرائحة فهو طيب، إذا لم تقصد قصد مثلاً تطييب الطعم في القهوة مثلاً من أجل أن يطيب طعم القهوة لا بأس، هذا ما هو بطيب، ولا في معنى الطيب.
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
ماء الورد مثلاً، ماء الورد طيب يحطونه في القهوة ويش المانع؟ لكن لا يقصد به الطيب، يقصد به الطعم، أما لو قصد به الطيب من أجل أن يظهر النفس ....(65/10)
طالب: مثل المحادة يعني الآن تأتي كثيراً المعتدة. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
المهم لا يطيب بدنه ولا ثوبه المحرم، يشم الريحان، الشم ما في إشكال، لكن الكلام على كونه يتطيب، في البخاري يشم الريحان ....
طالب: مثل المعتدة أحسن الله إليك يأتي السؤال كثيراً هل تشرب قهوة بها زعفران؟
إذا لا تقصد به الطيب تقصد تطييب الرائحة ما هو بالرائحة الطعم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا مقصود الصابون وما الصابون لا مقصود الطيب، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: لبس الثياب المصبغة في الإحرام
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يلبس المحرم ثوباً مصبوغاً بزعفران أو ورس، وقال: ((من لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين)).
وحدثني عن مالك عن نافع أنه سمع أسلم مولى عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عن عمر- يحدث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رأى على طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- ثوباً مصبوغاً وهو محرم، فقال عمر: ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة؟ فقال طلحة: يا أمير المؤمنين إنما هو مدر، فقال عمر: إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس، فلو أن رجلاً جاهلاً رأى هذا الثوب لقال: إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام، فلا تلبسوا أيها الرهط شيئاً من هذه الثياب المصبغة".
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن أمه أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- أنها كانت تلبس الثياب المعصفرات المشبعات وهي محرمة ليس فيها زعفران.
قال يحيى -رحمه الله-: سئل مالك -رحمه الله- عن ثوب مسه طيب ثم ذهب منه ريح الطيب هل يحرم فيه؟ فقال: نعم ما لم يكن فيه صباغ من زعفران أو ورس.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: لبس الثياب المصبغة في الإحرام.(65/11)
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يلبس المحرم -رجلاً كان أو امرأة- ثوباً مصبوغاً بزعفران أو ورس" الزعفران معروف، والورس نبت أصفر طيب الرائحة يصبغ به.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟ الصبغ؟
طالب:. . . . . . . . .
الصبغ؟
طالب:. . . . . . . . .
الصبغ يوضع هذا النبت في ماء ويغطس فيه الثوب أو يخطط أو يقلم المقصود أنه صبغة، عبد الرحمن بن عوف تزوج -رضي الله عنه- وجاء وعليه ردع، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ما هذا؟ )) فما أنكر عليه، لكن العلماء قالوا: لعله لم يقصد هذا الصبغ، وإنما علق به من المرأة، الرجل لا يلبس الثوب المزعفر ولا المعصفر، فقالوا: لعله لحقه من ثوب المرأة ما قصد.
طالب: دليل أن عليه أثر.
أثر، أثر نعم، أثر، فالأصل المنع، وكل ما زادت الصفرة والحمرة اشتد المنع.
وقال: ((من لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين)) وهذا الحديث مخرج في الصحيحين
"وحدثني عن مالك عن نافع أنه سمع أسلم مولى عمر بن الخطاب يحدث عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رأى على طلحة بن عبيد الله" أحد العشرة المبشرين.
سعيد وسعد وابن عوف وطلحة ... وعامر فهر. . . . . . . . .
إيش؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . والزبير الممدح(65/12)
المقصود أن طلحة أحد العشرة المبشرين بالجنة مظنة أن يقتدي به من رآه "ثوباً مصبوغاً وهو محرم، فقال عمر: ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة؟ فقال طلحة: يا أمير المؤمنين إنما هو مدر" كيف مدر؟ نعم المدر هو الطين، نعم إذا قيل: حجر وإلا مدر صار الطين، لكن هنا يقولون إيش؟ إيش المدر هنا؟ هو الطين الأحمر، لكن يقولون الشراح: هنا مغرة، ويش معنى المغرة؟ هاه؟ حمرة، المغرة حمرة، لكن تخالط بياض، الأصل أنها تكون في اللبن الذي يخالطه شيء من الدم، هذه المغرة فكأن هذا الثوب مصبوغ بهذا اللون، البياض الذي يخالطه الأحمر "فقال عمر: إنكم أيها الرهط" يعني صحابة النبي -عليه الصلاة والسلام- لا سيما الكبار منهم "أئمة يقتدى بهم" أئمة يقتدي بكم الناس، يأتم بكم الناس، ويقلدونكم، ولذا على طالب العلم الذي ترتفع منزلته إلى أن يكون ممن يقتدى به عليه أن لا يزاول شيئاًً يخشى من أثره على الناس، وأن تكون دعوته بفعله قبل قوله "إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس فلو أن رجلاً جاهلاً رأى هذا الثوب فقال: إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام، فلا تلبسوا أيها الرهط شيئاً من هذه الثياب المصبغة" لو جاء شخص .. ، الكلام هل عمر منع طلحة من أن يلبس هذا الثوب المصبغ أو لئلا يقتدى به؟ يعني منعه لذاته أو خشية تعدي الأمر إلى غيره؟ نعم خشية تعدي الأمر، إذاً هذا اللون ممنوع وإلا غير ممنوع، غير ممنوع من خلال كلام عمر -رضي الله تعالى عنه-، طيب يأتي شخص يصبغ بمدر يقتدي بطلحة ويش المانع؟ إذا كان ما هو ممنوع لذاته، لكن عمر -رضي الله تعالى عنه- من شدة احتياطه أن يأتي شخص يقول: إن طلحة لبس ثوب مصبوغ، وما دام لبس طلحة ثوب مصبوغ بأي صبغ كان هذا مغر، هذا مدر، هذا إيش؟ هذا صفرة، إلى أن يقع الناس في المحظور، فأراد عمر -رضي الله تعالى عنه- أن يحسم المادة، أن يحسم هذه المادة "فلا تلبسوا أيها الرهط شيئاً من هذه الثياب المصبغة" فإنما كره ذلك لئلا يقتدي به جاهل، ويسترسل في الصبغ حتى يقع في المحظور.(65/13)
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تلبس الثياب المعصفرات المشبعات وهي محرمة" قالوا: إن المرأة والرجل يستوون في المنع من الثياب المصبوغة بزعفران أو ورس، نعم، في النص الأول: ((ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران ولا الورس)) وقالوا: إن هذا يستوي فيه الرجل والمرأة، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يلبس المحرم رجلاً كان أو امرأة ثوباً مصبوغاً بزعفران أو ورس، لكن الصبغ بغيرهما هنا أسماء بنت أبي بكر وهو أيضاً ذكره البخاري، هذا القول ذكره البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- معلقاً أنها لا ترى بأساً بالثياب المصبغة المشبعة وهي محرمة ليس فيها زعفران، فعلى هذا يستثنى بالنسبة للنساء من الأصباغ الزعفران والورس وما عدا ذلك تختلف عن الرجل فيه.
"قال يحيى: سئل مالك عن ثوب مسه طيب ثم ذهب منه ريح الطيب هل يحرم فيه؟ قال: نعم، ما لم يكن فيه صباغ زعفران أو ورس" يعني فيحرم ولو ذهب ريحه على ظاهر قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ولا تلبسوا شيئاً مسه الزعفران ولا الورس)) وأجازه الشافعية إذا ذهبت ريحه؛ لأن الخلاف في هل المنع من الزعفران والورس للون أو للريح نعم أو لهما معاً؟ بحيث إذا وجد لونه أو ريحه يسمى زعفران، نعم، يعني في الثياب، يبقى زعفران، ويبقى ورس، ولو ذهبت رائحته، وهذا وجه المنع المطلق منه، أما من يقول: إن المقصود به الرائحة كالشافعية يقولون: إذا ذهبت رائحته بحيث لو بُل بالماء ما فاحت رائحته فإنه يجوز عندهم، والحديث يتناول الأمرين، يتناول اللون ويتناول الرائحة لا سيما بالنسبة لهذين الذين جاء النص عنهما.
لبس المعصفر المصبوغ باللون الأصفر من غير الزعفران والورس وليس فيه طيب، يعني مجرد لون غير الزعفران والورس هذا أجازه الجمهور كما قالوا، مع أن الحنابلة يكرهون للمحرم وغيره بالنسبة للرجال لبس المعصفر.(65/14)
قال: "وعن أبي حنيفة العصفر طيب" يعني مثل الورس والزعفران، طيب وفيه الفدية، واستدلوا بإنكار عمر -رضي الله عنه- على طلحة بن عبيد الله في الكلام السابق، تعقبهم ابن المنذر بأن عمر كره ذلك لئلا يقتدي به الجاهل فيظن جواز لبس المورس والمزعفر، وهذا قاله ابن حجر، يقول ابن المنذر: تعقب الحنفية، الحنفية قالوا: العصفر طيب، وفيه الفدية، النص على الورس والزعفران الحنفية استدلوا بإنكار عمر على طلحة قالوا: أنكر عليه المدر، لكن وجه الإنكار لئلا يقتدي به جاهل، لا لأنه ممنوع لذاته على ما تقدم، فيظن الجاهل أنه ما دام جاز هذا اللون يجوز غيره من الألوان، فيلبس المورس والمزعفر، فيتعدى أمره إلى الممنوع، وفي البخاري معلقاً عن جابر: لا أرى المعصفر طيباً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كثير من الأطياب لها لون مثل الأطياب الموجودة في الأسواق لها ألوان، لها ألوان بعضها إذا بخيتها مثل العصفر ومثل .. ، الكلام هل المقصود اللون أو المقصود الرائحة؟ هذا محل الخلاف، قلنا: إنه .. ، قالوا: يحرم ولو ذهب ريحه على ظاهر النهي المعصفر والمزعفر ولو ذهب ريحه خلافاً لمن؟ للشافعية.
أحسن الله إليك.
باب: لبس المحرم المنطقة:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يكره لبس المنطقة للمحرم.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول في المنطقة يلبسها المحرم تحت ثيابه: "إنه لا بأس بذلك إذا جعل طرفيها جميعاً سيوراً يعقد بعضها إلى بعض".
قال مالك -رحمه الله تعالى-: وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"باب: لبس المحرم المنطقة" وهي مما يشد به الوسط، إما لحاجته إليه ليتقوى بها على متاعب الحج، فيشد ظهره بشيء، أو لكونه يحتاجها لإحراز نفقته كالعميان.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يكره لبس المنطقة للمحرم" وروي عنه الجواز -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، فكأنه يرى أن لبسها من باب خلاف الأولى.(65/15)
في البخاري معلقاً: ولم ترَ عائشة -رضي الله عنها- بأساً بالحلي والثوب الأسود والمورد والخف للمرأة، الحلي الذي يلبس على اليد وبقية البدن مثل الخلخال، الخلخال على الرجل، هذا شبيه بالمنطقة إلا أنها المنطقة على وسط البدن، والخلخال على الرجل، وأيضاً ما يلبس في اليد لا ترى به بأساً -رضي الله تعالى عنها-، لكنها تحتاط بالنسبة للرجال الأجانب؛ لأن هذا زينة لا يجوز إبدائها.
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول في المنطقة يلبسها المحرم تحت ثيابه: "إنه لا بأس بذلك" يعني تحت ثيابه، يعني هل هذا له مفهوم وإلا لا مفهوم له؟ يعني لو صارت فوق الثياب؟ نعم؟ افترض أنها هميان ومنطقة بنفس الوقت يشد بها الظهر، ويربط به الإزار، ويضع فيه النفقة، وعلى هذا يكون فوق الثياب في ما يمنع؟ الآن تحت الثياب يعني هل هذا اللفظ مقصود أن يكون تحت الثياب؟ بمعنى أن ما يلبس تحت الثياب لا أثر له؟ إذا كان مقصود نقول: هل للرجل أن يلبس سراويل تحت الإزار وإلا لا؟ هذا تحت ما يبين، هل للمرأة أن تلبس نقاب تحت الغطاء؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن تحت الثياب هل نقول: هل هذا له أثر كونه تحت الثياب مستخفي بحيث لا يرى؟ هل له أثر؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، الغالب أن اللي يبي يشد شيء بيشده فوق الثياب على شان الظهر، ويجمع أكثر من مصلحة.
طالب: لكن لعل سعيد عنده طرف من حديث ابن عباس في لبس السراويل إذا احتاج إليها فعده من الحاجة.
لا هو الآن نظر إلى مصلحة واحدة وهي شد الظهر، لكن لو اجتمعت مصالح في هذه المنطقة، اجتمع في شد الظهر وشد الإزار، وإيداع النفقة فيه؛ لأن التنصيص على كونه تحت الثياب يعني هل لرؤية الناس أثر في الحكم أو لا؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني حتى لا يقلده الناس؟ اسمع الكلام يقول: إنه سمع سعيد بن المسيب يقول في المنطقة يلبسها المحرم تحت ثيابه: "إنه لا بأس بذلك" يجوز، لكن افترض أنه جاء بمنطقة ولبسه فوق ثيابه، إذا عاملنا لفظه معاملة(65/16)
نصوص له مفهوم ومنطوق وإنه ... نعم، لكن إذا اجتمع فيه أكثر من مصلحة، وإذا نظرنا إلى أن هذا مقصود يعني له مفهوم، مسألة دليل هذا رأيه على كل حال، وابن عمر ما يرى بها بأس، يعني في قوله الثاني، وإن كرهها هنا، لكن نحتاج إلى إيش؟ إلى أن نفرق ما بين تحت الثياب وما فوق الثياب، ونجري على هذا السروال تحت الثوب، النقاب تحت الغطاء؛ لأنه يوجد من يفتي الآن بالنقاب تحت الغطاء، تقول امرأة: أنا والله ما أشوف بألبس نقاب وأحط الغطاء فوقه، نقول: أيضاً لزيد من الناس يلبس سراويل وفوقه الإزار، إذا كان لهذا الكلام أثر؛ لأنه وجد من يقول: بأن النقاب تحت الغطاء ما فيه شيء، العبرة بالغطاء، المقصود أن العينين ما تشاف، نقول: أيضاً الإزار ما يشاف، فهذا الذي جعلنا نتكلم على قوله: تحت ثيابه، هو إذا كان النظر إلى أن المنطقة يشد بها الظهر من أجل الاستعانة بها على متاعب الحج تكون تحت الثياب، ثم بعد ذلك نحتاج إلى رباط للإزار، فلماذا نحتاج إلى رباط وهذه تكفي؟ "إذا جعل طرفيها جميعاً سيوراً يعقد بعضها إلى بعض" يعني يدخل بعضها في بعض، جمع سير يعني من الجلود، يكون لها سيور بهذه الطريقة، يربط بعضها في بعض هكذا، لكن لو ما كانت السيور، كانت شمع مثلاً يطبق واحد على الثاني تصلح وإلا ما تصلح؟
طالب:. . . . . . . . .
أنت الآن أنت تعرف تبي تقتدي بسعيد تقول: والله يقول: سيور، الشمع ما يجوز؟ تبي تقول كذا أنت؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لأن هذا الكلام، الكلام هل له مفهوم كل كلامه ذا؟
طالب:. . . . . . . . .
يقول: إذا جعل لأن هذا شرط، إذا جعل طرفيها جميعاً سيوراً يعقد بعضها إلى بعض.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هي عبارة عن مشد، لو صار مشد كبير ورخو وعقدت طرفه بطرفه الثاني ويش صار؟ بدون سيور، أنت بالشماغ مثلاً أردت حزم ظهرك بشماغك نقول: طرفه لازم تسير سيور؟
طالب:. . . . . . . . .(65/17)
لا هذا أرتبط الآن، إذا جعل طرفها سيوراً يعقد بعضها بعضاً هذا الرباط، بعضها بعضاً، وأربطة ما هو برباط، تبي تسير أربطة، لا هي ما تشابه السراويل حقيقة، ما له علاقة بالنصف الثاني، هي تعقد على نصف البدن يستعان بها يعني العمال يستعملونها بكثرة، المزارع وغيرها يستعملون المنطقة، هذا الكلام على الحاجة إذا احتيج إليها، آلمه ظهره فحط مشد يلزمه شيء وإلا لا؟ آلمته ركبته فحط عليها رباط صحي، موجود في الصيدليات.
يقول: "في المنطقة يلبسها المحرم تحت ثيابه أنه لا بأس بذلك إذا جعل طرفيها سيوراً يعقد بعضها إلى بعض" يعني يدخل بعضها في بعض، "قال مالك: وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك" يقول ابن عبد البر: "فلا تكره عنده وعند فقهاء الأمصار، وأجازوا عقده إذا لم يمكن إدخال بعضه في بعض، ولمن ينقل كراهته إلا عن ابن عمر فيما تقدم، وعنه جوازه، ومنع إسحاق عقده، وكذا سعيد بن المسيب عند ابن أبي شيبة، سعيد عند ... منع العقد، يعني يربط بعضها في بعض، الآن في حكم العقد المشابك اللي تجعل في الإحرامات وفي غيرها، بعضهم يمسك الإحرام سواءً الأعلى أو الأسفل فيجعله كالمخيط، ومعروف المشابك الدبابيس الكلاليب يمسك به من أعلاه إلى أسفله، والأعلى أيضاً الرداء كذلك.
طالب:. . . . . . . . .
وإلا طقطق، نعم، موجود، وهذا كله تحايل على لبس المخيط، يكرهون العقد، عقد لكن ما تدعو إليه الحاجة ولا يثبت الإزار إلا به لا بد منه، ما لا يثبت الإزار إلا به هذا أمر لا بد منه، خشية أن يبدو أمر محرم العورة، لكن هذا بقدر الحاجة، فلا يزاد على قدر الحاجة، الربط عنده السيور عنده يتحاشى الرباط، يتحاشى الربط، لكن إدخال بعضها في بعض إيش معناه؟ هو يتحاشى الربط، العقد يتحاشاه، وجاء عنه منعه عند ابن أبي شيبة، فهو مجرد يدخل هذا في هذا من دون عقد.
عبد الله ويش عندك؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
انتقبت، وهذا اللي يلبس.
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنها لبست النقاب وهي ممنوعة من لبس النقاب.
طالب:. . . . . . . . .(65/18)
لا، لا لا تنتقب، ولا تلبس قفازين، لكن لو غطت يديها بغير القفازين لا بأس، وبيجي الكلام على النقاب، وعلى ... ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والله إني ما أشوف له أثر؛ لأنه حتى لو لبس ... ، يلزم عليه لو لبس سروال حتى الثياب أو نقاب تحت الغطاء، لو عاملناه معاملة النصوص قلنا بهذا.
أحسن الله إليك.
باب: تخمير المحرم وجهه.
حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه قال: أخبرني الفرافصة بن عمير الحنفي أنه رأى عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بالعرج يغطي وجهه وهو محرم.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: "ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم".
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كفن ابنه واقد بن عبد الله ومات بالجحفة محرماً، وخمر رأسه ووجهه، وقال: "لولا أنا حرم لطيبناه".
قال مالك: وإنما يعمل الرجل ما دام حياً فإذا مات فقد انقضى العمل.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: "لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين".
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: "كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: تخمير المحرم وجهه" التخمير: التغطية، فهل يغطي المحرم وجهه كسائر بدنه أو لا كرأسه؟ فالعلماء يختلفون في تغطية الوجه، فالنص عن عثمان وأيضاً جاء عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف وابن الزبير وجابر أنه لا بأس به، وبهذا يقول الشافعي وابن عمر كما جاء هنا كان يقول: ما فوق الذقن فيدخل فيه الوجه يحرم تغطيته، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة، وعن الإمام أحمد روايتان: إحداهما: يجوز، واختارها الأكثر من أصحابه، والثانية: لا يجوز، أما تغطية الرأس فلا تجوز اتفاقاً.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه قال: أخبرني الفرافصة بن عمير الحنفي أنه رأى عثمان بن عفان بالعرج" قرية على ثلاث مراحل من المدينة "يغطي وجهه وهو محرم" لأنه يرى جواز ذلك.(65/19)
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: "ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم" لا يغطيه، هذا رأي عثمان الجواز، وهذا رأي ابن عمر المنع، أما تغطية الرأس فلا خلاف فيها، ولذا جاء المنع من لبس العمائم والبرانس، تغطية الوجه ليس فيها أقوى من حديث المحرم الذي وقصته دابته، سقط عنها فمات، وجاء في صحيح مسلم: ((كفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ولا وجهه)) فجاء المنع من تغطية الوجه، فإذا منع من تغطية وجه الميت فلئن يمنع من تغطية وجه الحي من باب أولى.
وهذه الرواية في صحيح مسلم لا أحد ... ، في الصحيح، وإن تكلم بعضهم فيها، وقال: إن أكثر الرواة لم يذكرها، على كل حال هي في الصحيح، وهي عمدة من يقول: إن الوجه كالرأس لا يغطى، وما دامت الراوية في صحيح مسلم لا كلام لأحد.
يقول هنا: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كفن ابنه واقد -بن عبد الله- ومات بالجحفة محرماً" والحال أنه قد مات بالجحفة محرماً "وخمر رأسه ووجهه" غطى رأسه ووجه "وقال: لولا أنا حرم لطيبناه" لأنه لو طيبوه بالحنوط لباشروا هذا الحنوط وهم محرمون، أما بالنسبة له فقد رفع عنه قلم التكليف بالموت، ما في شيء يمنع بالنسبة له، خلاص ما دام مات، ولذا يقول الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: "وإنما يعمل الرجل -يعني بالتكاليف- ما دام حياً فإذا مات فقد انقطع العمل" يعني رأى أنه ما دام مات ورفع عنه قلم التكليف لا مانع أن يفعل به ما يفعل بغيره هو ما هو مكلف، وكأنهم يرون أن قصة ذلك الشخص الذي وقصته دابته ومنع من تغطية رأسه ووجهه أنها قضية عين خاصة به، وأنه يبعث يوم القيامة ملبياً، طيب غيره ما يلبون يوم القيامة؟ قالوا: لا، هذه قضية عين، ما يقاس عليه غيره.
يقول: "فإذا مات فقد انقضى العمل" فلا يمتنع تطييب المحرم ولا تغطية وجهه، وبهذا قال أبو حنيفة -رحمه الله-، يعني مع من؟ مع مالك، قال: وإنما يعمل الرجل ما دام ... ، أقر فعل ابن عمر، الإمام مالك -رحمه الله-، قال مالك: "وإنما يعمل الرجل يعني بالتكاليف ما دام حياً فإذا مات انقضى العمل".(65/20)
وقال غيرهما: لا يجوز تغطية رأس المحرم إذا مات لحديث المحرم الذي وقصته دابته، وأجابوا عن هذا بأنه قضية عين، يعني العلة أنه يبعث يوم القيامة ملبياً، ويرون أن غيره ليس مثله، شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأما من عداه فيبقى على الأصل، والأصل أن الميت يدرج في الأكفان من هامه إلى إبهامه، ولا يبرز منه شيء، لكن على كل حال النص صحيح وصريح وواضح في أنه لا يخمر رأسه، وهذا أمر متفق عليه ولا وجهه.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: "لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين" لا تنتقب المحرمة، لا تلبس النقاب وهو ما يغطى به الوجه مما فيه نقب يبرز العين، وجاء هذا الحديث مرفوع عند البخاري وأبي داود والترمذي والنسائي، وإن كان أبو داود أشار إلى لمز الرواية رواية النقاب.
طالب:. . . . . . . . .(65/21)
لمزها يعني ما كأنها .. ، يعني كأنه يستشم شذوذها، يستروح إلى شذوذها، وبعضهم يعني مع الإساءة البالغة في استعمال النقاب من قبل النساء كأنه يميل إلى قول أبي داود فيرى أن هذه اللفظة غير ثابتة، ولا تنتقب المرأة، من أجل إيش؟ أنه الدلالة على أنها إذا المحرمة ما تنتقب إذاً الحلال تنتقب، مفهومه أنه إذا كانت المحرمة لا تنتقب فالحلال تنتقب، هو يرى النقاب نعم الموجود الآن، يعني سوء الاستعمال جعله يحكم على هذه الرواية بأنها فيها ما فيها، لكن متى كان واقع الناس يؤثر في النصوص؟ واقع الناس لا أثر له في النصوص، تبقى النصوص نصوص، وأن المحرمة لا تنتقب والحلال تنتقب، لكن ما معنى النقاب؟ النقاب نقب يكون بقدر العين، في غطاء الوجه بحيث لو خرج ولو جزء يسير من البشرة مما يحتف بالعين صار سفور، ما صار نقاب، وإذا ضبطناه ما عندنا إشكال، لو ظهر ملي واحد من البشرة صار سفور، ولا نحتاج إلى تضعيف مثل هذه الرواية الثابتة في الصحيح، النقاب نقاب، نحرر النقاب ولا عندنا إشكال، يعني هل نحن مطالبون بأن نزيد على النصوص؟ نحن نحقق هذه العبودية باتباع النصوص، فإذا جاء النص. . . . . . . . . نصدر فتوى بتحريم النقاب، أنت حرر النقاب يا أخي قبل، والواقع لا يحكم على النصوص أبداً، السفور الذي يزاوله النساء لا يمكن أن يحكم على النصوص، ورأينا النقاب بمعناه الشرعي واللغوي موحش، صحيح موحش والله، فلا نحتاج إلى أن نمنع النقاب، أو نضعف الرواية لسوء الاستعمال، يبقى أن سوء الاستعمال سيء وسفور ولا يدخل في النقاب الشرعي، وأما النقاب الشرعي الذي جاءت الشريعة به، وأقروا ما كان عليه العرب قبل الإسلام يبقى نقاب، وأنه لا يفتن ولا يثير ولا شيء.
"ولا تلبس القفازين" يعني ما يخاط بقدر اليد مع أنه يجوز، بل يلزم ستر الوجه والكفين بحضور الرجال الأجانب على ما سيأتي.(65/22)
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن زوجته فاطمة بنت المنذر بن الزبير -بنت عمه- أنها قالت: "كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق" وهي جدتها وجدة زوجها، زاد في رواية: "فلا تنكر علينا" لماذا؟ لأن على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال الأجانب، رواه أبو داود عن عائشة قالت: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محرمات فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه، فالمرأة المحرمة تغطي وجهها بحضرة الأجانب، وتغطي كفيها كما تغطي سائر بدنها.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد ...(65/23)
الموطأ - كتاب الحج (3)
شرح: باب: ما جاء في الطيب في الحج.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: حججت هذا العام أو حججت العام الماضي ولكني جعلت طواف الإفاضة مع طواف الوداع، لكن المشكلة التي وقعت أنني سعيت سعي الحج بعد الطواف، ولم يكن آخر عهدي بالبيت فما هو الواجب علي في هذه الحالة؟
الواجب عليك أن تطوف للوداع بعد السعي، لكن إن رأيت أن في إعادة الطواف مشقة عظيمة لا تحتملها حيث يبلغ منك المبلغ والجهد في إعادة الطواف وخرجت بعد السعي مباشرة أرجو أن ذلك كافٍ -إن شاء الله تعالى-.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الطيب في الحج:
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "كنت أطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت".
وحدثني عن مالك عن حميد بن قيس عن عطاء بن أبي رباح أن أعرابياً جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بحنين وعلى الأعرابي قميص وبه أثر صفرة، فقال: يا رسول الله إني أهللت بعمرة فكيف تأمرني أن أصنع؟ فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((انزع قميصك، واغسل هذه الصفرة عنك، وافعل في عمرتك ما تفعل في حجك)).
وحدثني عن مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وجد ريح طيب وهو بالشجرة، فقال: "ممن ريح هذا الطيب؟ " فقال معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما-: مني يا أمير المؤمنين، فقال: منك لعمر الله؟ فقال معاوية: إن أم حبيبة طيبتني يا أمير المؤمنين، فقال عمر: عزمت عليك لترجعن فلتغسلنه".(66/1)
وحدثني عن مالك عن الصلت بن زييد عن غير واحد من أهله أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وجد ريح طيب وهو بالشجرة وإلى جنبه كثير بن الصلت، فقال عمر: "ممن ريح هذا الطيب؟ فقال كثير: مني يا أمير المؤمنين لبدت رأسي وأردت أن لا أحلق، فقال عمر: فاذهب إلى شربة فأدلك رأسك حتى تنقيه ففعل كثير بن الصلت".
قال مالك: الشربة حفير تكون عند أصل النخلة.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد وعبد الله بن أبي بكر وربيعة بن أبي عبد الرحمن أن الوليد بن عبد الملك سأل سالم بن عبد الله وخارجة بن زيد بن ثابت بعد أن رمى الجمرة، وحلق رأسه، وقبل أن يفيض عن الطيب، فنهاه سالم، وأرخص له خارجة بن زيد بن ثابت.
قال مالك -رحمه الله-: لا بأس أن يدهن الرجل بدهن ليس فيه طيب قبل أن يحرم، وقبل أن يفيض من منى بعد رمي الجمرة.
قال يحيى: سئل مالك عن طعام فيه زعفران هل يأكله المحرم؟ فقال: أما ما تمسه النار من ذلك فلا بأس به أن يأكله المحرم، وأما ما لم تمسه النار من ذلك فلا يأكله المحرم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في الطيب في الحج" وقوله: "في الحج" الظرفية تقتضي ما بين الدخول فيه إلى الانتهاء والفراغ من جميع أعماله، الطيب في الحج، يعني قبل أن يحرم الإنسان هل يقال له: إنه في الحج؟ وبعد أن يفرغ ويوادع هل يقال: إنه في الحج؟ لا، فالطيب في الحج بعد الإحرام وقبل التحلل منه محظور من محظورات الإحرام، لكن ماذا عن الطيب قبل الدخول في النسك وبعد التحلل منه؟ والمراد بذلك التحلل الأول على ما سيأتي.
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-:(66/2)
"حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه -القاسم بن محمد- عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: كنت أطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإحرامه قبل أن يحرم" تطيب رأسه لا ثيابه "وكان يرى وبيص الطيب" ووبيص المسك لمعانه وبريقه "في رأس النبي -عليه الصلاة والسلام- ولحيته وهو محرم" هذا في البدن لا بأس به، والحديث نص فيه، وهو متفق عليه "كنت أطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإحرامه قبل أن يحرم" وبهذا قال جمهور العلماء أن الطيب لا بأس به في البدن قبل الإحرام، ولا مانع من استدامته بعد الإحرام، أما في الثياب فلا، فيجب غسل ما مسها من طيب على ما يدل عليه الحديث الآتي.
"قبل أن يحرم" يعني قبل أن يدخل في الإحرام "ولحله قبل أن يطوف بالبيت" يعني قبل طواف الإفاضة، قبل أن يطوف بالبيت هل يتصور أن الطواف هذا المراد به طواف القدوم؟ لا؛ لأنها علقت ذلك على وصف مؤثر وهو الحل، فدل على أنه حل من إحرامه، وهل يتصور أن المراد بالطواف هنا طواف الوادع؟ لا، لماذا؟ لأنه قد فرغ من جميع أعمال الحج، والوداع ليس من أعمال الحج إنما هو للمغادرة، ليس من أعمال الحج الداخلة فيه، بدليل أن أهل مكة ليس عليهم وداع، نعم، فلا يدخل في هذا.(66/3)
المقصود أن المراد بالطواف هنا الذي علق به الوصف المؤثر وهو الحل هو طواف الإفاضة؛ لأن طواف القدوم قبل الحل، وطواف الوداع بعد الفراغ من أعمال الحج، وهذا الحديث من أقوى الأدلة على أن التحلل لا يحصل إلا بالأفعال التي تسبق طواف الإفاضة؛ لأنه قبل الطواف، قبل الإفاضة قبل أن يطوف بالبيت حصل له الحل، ولو حصل له قبل ذلك لبين، ولكان الحل يحصل بواحد لكان الحل المذكور في الحديث قبل الذي يليه وطواف الإفاضة بالنسبة لفعله -عليه الصلاة والسلام- وقع بعد الحلق والرمي، بالنسبة للنحر هل هو من الأعمال التي علق بها الحل؟ علق بها التحلل؟ نعم؟ لا، الأعمال التي علق بها التحلل ثلاثة: الرمي والحلق والطواف ومعه السعي، هذه هي الأعمال التي رتب عليها الحل، مع أن النحر وهذه من الغرائب يعني جاء فيه مثل قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [(196) سورة البقرة] يعني لو أن إنساناً بدأ بحلق الرأس قبل أن يبلغ الهدي محله، يعني نزل من مزدلفة منتصف الليل ورمى وحلق يلزمه شيء وإلا لا؟ نعم، ولولا قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((افعل ولا حرج)) لمن سأل عن من قدم الحلق قبل الرمي لقلنا: إنه محظور حتى يبلغ الهدي محله، على أن الخلاف في محله هل هو وقت حلوله أو مكان حلوله أو فعله؟ المقصود أن الخلاف معروف، وعامة أهل العلم لم يجعلوا النحر من أسباب التحلل، إنما جعلوا أسباب التحلل ثلاثة، واختلفوا بما يحصل به التحلل الأول، فمنهم من يرى أنه لا يحصل إلا باثنين، ومنهم من يرى أنه يحصل بالرمي فقط، وجاء في ذلك أحاديث لا تسلم من مقال، سواءً كان الأحاديث التي اقتصر فيها على الرمي، أو ما ضم إليه من حلق، وهذا الحديث أصح ما في الباب، "كنت أطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت" ولو حل قبل ذلك لقالت: قبل أن يحلق، لو اكتفى بالرمي لقالت: ولحله قبل أن يحلق.
نعم؟ ويش فيها؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان معه هدي معروف أنه يتحلل إذا جاء بأفعالها، إذا جاء بأفعالها يتحلل، إذا طاف وسعى وقصر أو حلق يتحلل.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .(66/4)
أصل الهدي بالنسبة للهدي في العمرة سنة، نعم سنة، وإنما وجوبه بالنسبة للمتمتع والقارن، أما بالنسبة للمفرد والمعتمر فقط سنة، هدي تطوع، فإذا جاء بأفعالها فحله رتب على الإتيان بأفعالها، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو الأصح جاء في الحديث إذا رميتم فقد حللتم، في رواية: إذا رميتم وحلقتم، وكلها لا تسلم من مقال، وأصح ما في الباب هذا الحديث.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟ يعني من طرق هذا الحديث؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن "ولحله قبل أن يطوف بالبيت" إيش معنى القبلية هذه؟ نعم، ولو كان قبل ما قبل الطواف لنبه عليه، لقالت: قبل الحلق، قبل الرمي، وأما قولها: "ولحله قبل أن يطوف بالبيت" كما أن الذكر ذكر الصباح والمساء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، نعم لو كان قبل صلاة الفجر يعلق بما قبل طلوع الشمس؟ لا، ولو كان قبل صلاة العصر ما علق بغروب الشمس، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ في الحديث استحباب الطيب عند إرادة الإحرام، استحباب الطيب عند إرادة الإحرام، وجواز استدامته، وأنه لا يضر بقاء لونه، وأيضاً الرائحة لا يضر بقاؤها، وإنما يحرم ابتداؤه، ابتداؤه من محظورات الإحرام، وفرق بين الاستدامة والابتداء، بدليل أن عقد النكاح يحرم حال الإحرام، استدامة النكاح نعم جائز وإلا؟ إجماعاً جائز، إجماعاً، هذا رأي الجمهور وقال مالك والزهري وجماعة: "يحرم التطيب عند الإحرام بطيب يبقى له رائحة بعد الإحرام"
قال مالك والزهري وجماعة: "يحرم التطيب عند الإحرام وإن كان قبله بطيب تبقى رائحته بعد الإحرام" أجابوا عن هذا الحديث بأنه ذهبت رائحته، لكن حديث: "كنت أرى وبيص المسك في مفرق النبي -عليه الصلاة والسلام-" هذا نص في الباب.
هم يقولون أيضاً من أجوبتهم: أن هذا الطيب الذي تطيبه النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل الإحرام كان قبل الاغتسال للإحرام، فأذهبه الاغتسال، لكن الحديث: "كنت أرى وبيص المسك" هذا نص في الباب وهو مفسر لما عندنا، بعضهم ذهب ....
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(66/5)
يعني الغسل؟ ويش الفرق؟ كيف توفق بين الاغتسال مثلاً وكون الإنسان أشعث أغبر؟ يعني الاغتسال يزيل الشعر صح وإلا لا؟ كيف توفق بينها؟ يعني كون الإنسان يغتسل بعد مدة يسيرة يشعث، كونه يتطيب ويزول أثر الطيب بعد مدة، لا ينافي كونهم أتوه وخرجوا إلى الموقف وتعرض. . . . . . . . . على هذه الصفة أبداً، فمثل هذا لا يعارض هذا.
بعضهم ذهب إلى أن الحديث من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، وأنه حبب إليه ما حبب من النساء والطيب، وليس في حكمه غيره، ولكن المعروف أن الخصائص لا تثبت بمثل هذا، وأما كونه -عليه الصلاة والسلام- نهى عن الطيب وتطيب فيحمل فعله على أنه خاص به، ونهيه للأمة نعم هذا لو حصل التعارض من كل وجه، الآن ممكن الجمع، النهي عن الطيب إنما هو بعد التلبس بالإحرام، والطيب المذكور إنما هو قبل التلبس بالإحرام، فلا وجه للتخصيص، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا كلام مالك منع الطيب بمعنى منع بقاء أثر الطيب بعد الدخول في النسك، نعم، فهو يريد أن يقول -رحمة الله عليه- أنه تطيب ثم اغتسل للإحرام فذهب أثره، بهذا يتم جوابه، أما لو قلنا: إنه تطيب قبيل الإحرام واستدامه وبقي أثره إلى أن دخل مكة ثم اغتسل بذي طوى هذا الإشكال قائم، قد يقول مثل هذا الجمهور، بقي أثره إلى أن اغتسل بعد ذلك، يعني لو قال الإمام بهذا الإمام مالك بهذا ما صار في خلاف بينه وبين الجمهور، ليس معنى قول الجمهور أنه بقي أثره إلى أن انتهى من أعمال الحج، إنما بقي أثره بعد الدخول في النسك ولا ينافي، ولا ينافي كون الإنسان يسرح شعره، كون الإنسان يدهن ويتطيب، كون الإنسان يغتسل، لا ينافي أن يكون شعثاً أغبر تفلاً؛ لأن هذا لن يستمر هذا، هذا لن يستمر هذا وقت الإحرام، ويذهب بعد مدة يسيرة، لكنهم هم مع ذلك يحرصون على تلبيد الشعر، نعم يلبدونه بصمغ ونحوه أو بعسل أحياناً من أجل أن لا يشعث ولا يؤذيهم؛ لأنه مع شعوثته يؤذيهم بالحكة، ويجتمع فيه القمل، نعم، فهذا الأذى ليس بمطلوب لذاته، ليس بمطلوب إذا ترتب على مثل هذا أذى للحاج يعالج هذا الأذى، ولذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر كعب بن عجرة أن يحلق رأسه؛ لأنه تأذى به.
طالب:. . . . . . . . .(66/6)
إذا كانت رائحة طيبة، إذا خلط معه شيء من الطيب، إذا كانت رائحته طيبة هو منه.
الإمام مالك أيضاً كره الطيب بعد الرمي والحلق وقبل الإفاضة، والجمهور على استحبابه لهذا الحديث، والسبب في هذا أنه ما زال في أعمال الحج والطواف والسعي من أعظم أعمال الحج ومن أركانه، وما زال في أعمال الحج، فالنهي متجه إليه.
يقول: "وحدثني عن مالك عن حميد بن قيس عن عطاء بن أبي رباح أن أعرابياً" يقول الحافظ ابن حجر أنه لم يقف على اسمه "جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بحنين " يعني بعد أن انتهى من غزوتها، غزوة حنين التي كانت بعد فتح مكة، الموضع الذي وقعت فيه غزوة حنين يسمى الآن، يسمونه الشرائع، وهذا المكان الذي لقيه فيه يعني بعد منصرفه من حنين هو الجعرانة بالتخفيف والتشديد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر من الجعرانة، منصرفه من حنين، فعمره -عليه الصلاة والسلام- أربع كما جاء في الصحيح من حديث عائشة وغيرها، عمرة الحديبية وعمرة القضاء وعمرة الجعرانة، والعمرة التي مع حجه -عليه الصلاة والسلام- فهي أربع.
يقول: "وعلى الأعرابي قميص" هذا الحديث عن عطاء بن أبي رباح أن أعرابياً جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحديث متصل وإلا منقطع؟ نعم، مرسل؛ لأن التابعي يحكي قصة لم يشهدها، فهو مرسل، لكن وصله الإمام البخاري ومسلم أيضاً، وهو موصول في الكتب كلها، في المصادر المعتمدة عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه، فيكون حينئذٍ مرسل فقط وإلا الذي عندنا؟ معضل، والإعضال أشد من الإرسال، وعلى كل حال هو موصول في الصحيح، ولا إشكال في صحته.(66/7)
"وعلى الأعرابي قميص" وفي رواية: جبة، وهي أيضاً في الصحيح "وبه أثر صفرة من زعفران، فقال: يا رسول الله إني أهللت بعمرة فكيف تأمرني أن أصنع؟ " يعني في هذه العمرة، وقميصه به أثر صفرة، عرفنا أن الطيب لا مانع منه قبل الدخول في النسك في البدن في الرأس واللحية، ويتقي المواضع التي ينتقل منها الطيب من البدن إلى الثوب؛ لأنه لو انتقل لزم غسله، به أثر صفرة من الزعفران "فقال: يا رسول الله إني أهللت بعمرة فكيف تأمرني أن أصنع؟ " في عمرته، كيف يصنع في هذه العمرة؟ "فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" بعد أن سكت، سكت النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم قال: ((أين السائل؟ )) وهو في هذا يوحى إليه -عليه الصلاة والسلام-، فلما نزل الوحي نادى أين السائل؟ والسكوت من المفتي بعد إلقاء السؤال؛ لأن السكوت منه -عليه الصلاة والسلام- تكرر بعد أن يسأل، وفي بعض الأحاديث ما يدل على أنه ينتظر الوحي صراحة، وفي بعضها ليس فيه ما يدل على أنه ينتظر الوحي وإن احتمل ذلك، لكنه يسكت -عليه الصلاة والسلام-، وعلى هذا فالمفتي عليه أن يسكت ليتأمل السؤال، وليتم السائل سؤاله، وبعض الناس يجيب عن السؤال قبل أن يكمل، ويكثر الخطأ بسبب ذلك، فعلى الإنسان أن يسمع السؤال كاملاً، ويستفصل من السائل فيما ينبغي الاستفصال فيه، ليكون الجواب مطابقاً، وليسدد ويوفق في جوابه "فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((انزع قميصك)) " اخلع قميصك، خلع، والخلع إنما يكون من جهة الرأس، بمعنى أنه من جيبه، إن كانت الأزرار مغلقة فتفتح هذه الأزرار، ويخرج القميص من الرأس، هذا هو مقتضى النزع، انزع قميصك، وعلى هذا لا يلزم شق القميص، وإن قال به الشعبي، يقول: أحرم بقميص يشق هذا القميص، لماذا؟ لئلا يلزم منه تغطية الرأس، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((انزع قميصك)) مثل هذه الأمور التي تفعل للتخلص ولو ترتب عليها محظور أخف من المحظور الأصلي، يعني شخص اغتصب أرض وهو الآن في آخرها، وتاب إلى الله -جل وعلا- من هذا الغصب، مشيه في هذه الأرض معصية بلا شك، لكن كيف نقول: اخرج منها، طر وإلا ويش تسوي؟ نعم؟ لا يقول أحد بمثل هذا، إنما عليه أن يخرج منها ومشيه فيها لا(66/8)
يؤثر، وكذا نزعه للقميص؛ لأن تغطية الرأس غير مقصودة، لكن هذا الأعرابي الذي أمر بنزع القميص هل هو أحرم بهذا القميص؟ ((انزع عنك القميص، واغسل هذه الصفرة)) وفي الصحيحين ثلاث مرات، الآن هل الرجل أحرم بقميص؟ وهل يتم الامتثال بمجرد الغسل ويعيده إليه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، يحرم بهذا القميص؟ القميص له أزرار وأكمام، ثوب يعني ...
طالب:. . . . . . . . .
فعل محظور طيب كيف يتخلص من هذا المحظور؟ لأن الجواب: ((انزع قميصك)) والتقدير: البس بعده بعد نزعه إزاراً ورداءاً، اغسل هذه الصورة عن بدنك التي لصقت بك، ويش المانع؟ ((واغسل هذه الصفرة عنك)) "وعلى الأعرابي قميص وبه أثر صفرة" الصفرة هل هي في القميص أو بلابسه؟ خلونا على شوية شوية؛ لأن هذه مسألة تحتاج إلى عناية؛ لأنه إذا قلنا: إن الصفرة بالقميص، وقال: انزع عنك القميص واغسل هذه الصفرة وأعد القميص لتلبسه؟ البدن الآن حينما يقول أهل العلم ويختلفون في نزعه وشقه هل يختلفون في أنه لا يعود إليه؟ يقولون: نزعه من جهة الرأس خلاف هل يشق شق وإلا ينزع؟ يعود إليه ثانية بعد؟
طالب: دليل أنه محرم.
هو محرم.
طالب: محرم به، حتى التبويب باب: غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب، تبويب البخاري.
لا هو الآن ما عليه إلا هذا القميص الذي قال: وعلى الأعرابي قميص، شوفوا يا إخوان، وعلى الأعرابي قميص وبه أثر صفرة، ثم قيل له: انزع قميصك، واغسل هذه الصفرة عنك، والعلماء يختلفون هل ينزع نزع كما هو قول الجمهور من قبل الرأس، دل على أنه مخيط، ولو أنه ليس بمخيط ما احتاج إلى أن يقال: إن يوجد مثل هذا الخلاف، ((واغسل هذه الصفرة عنك)) بيان.
طالب:. . . . . . . . .
لا، يكفيه أن يقول: انزع قميصك، شوف العبارة؟ انزع قميصك، واغسل هذه الصفرة عنك.
طالب:. . . . . . . . .
ما قيل: اغسله، اغسله عنك، ما قال: اغسله عن قميصك، ما قال: واغسل هذه الصفرة عنه.
طالب:. . . . . . . . .
إيه واغسل هذه الصفرة عنك.
طالب:. . . . . . . . .
ويش يدريك أن ما عليه، يمكن رآه النبي -عليه الصلاة والسلام- وتأثر.
طالب:. . . . . . . . .(66/9)
إيه لكن ما يدريك أنها انتقلت هذه الصفرة بعد الدخول في الإحرام إلى البدن؟ وكأنه تطيب في الدخول إلى الإحرام، مو بالإشكال هنا، الإشكال هل عاد هذا الرجل إلى قميصه بعد أن غسله؟ أو نقول: هما جملتان: انزع قميصك، ولا يلزم العود إليه، يحرم بإزار ورداء، لا يلبس القميص ولا السراويل، نعم، قميص، قال: ((انزع قميصك، واغسل هذه الصفرة عنك)) ما قال عنه.
طالب:. . . . . . . . .
معروفاً من بعده لكن ويش اللي يمنع أن يكون هذا الحكم مقرر سابقاً، يعني بيجينا بعد من ... ، ((وافعل في عمرتك ما تفعله في حجك)) حجه إيش؟ يعني الحج الذي بينه -عليه الصلاة والسلام- بفعله وقوله بعد حنين، يقول: ((وافعل في عمرتك ما تفعله في حجك)) أحاله على ما يعرف، إنما جاء بعدها، وقال: انزع قميصك، وعلى الأعرابي قميص، وفي رواية: عليه جبة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا نقرر أنه سابق إلا إذا قررنا التعارض، هو سابق سابق، لكن هل في تعارض أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقره على لبس القميص، وهو يقول: ((انزع قميصك، واغسل هذه الصفرة عنك، وافعل في عمرتك ما تفعله في حجك)) والمعروف أن الحج إنما كان بعد هذه العمرة، فكيف يحال على لاحق؟ الخبر فيه ما يدل على أنه كان يعرف أعمال الحج قبل ذلك، والحج معروف عند العرب، وحج النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل الهجرة مرة أو مرتين، فيحال على معروف، نعم.(66/10)
يقول ابن العربي: كأنهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثياب، ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا، ويتساهلون في العمرة؛ لأنها شأنها أقل من شأن الحج، فأخبره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن مجراهما واحد، واضح كلام ابن العربي؟ نعم؟ يقول: كأنهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثياب، يعني في الحج، والعمرة يحرمون بقميص مثل هذا، ويجتنبون الطيب وهذا تطيب، فكانوا يحتاطون بالحج ويتساهلون في العمرة، فبين النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث أن مجراهما واحد، إذا دخلت في الإحرام فمحظورات الإحرام هي محظورات العمرة، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ كلامه في العارضة، فالذي يظهر أنه قيل له: انزع قميصك، وخلع الثياب كان معروف عندهم، حتى أن منهم في الجاهلية من يطوف عارٍ، وليس بنص، لا يمنع أن يكون القميص إلى هذا الوقت يحرم به، ما في ما يمنع، ثم نسخ بعد ذلك لما سئل عما يلبس المحرم، لكن ليس فيه ما يدل على أن القميص يجوز الإحرام فيه حتى في هذا الوقت؛ لأنه قال: ((انزع قميصك، واغسل هذه الصفرة عنك)) اترك في عمرتك ما تترك في حجك؟ هو الترك، الترك عمل، الترك عمل،
لئن قعدنا والنبي يعمل ... فذاك منا العمل المضلل
لكن منهم من يفرق بين العمل والفعل؛ لأنه قال: ((واعمل في عمرتك)) دخل فيه الترك، لكن الفعل فعل إيجاد على كلامهم هم، على كل حال تطييب القميص ولو قبل الإحرام لا تجوز استدامته بل يجب غسله، ومثله الإزار والرداء.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة" الشجرة هذه بذي الحليفة، في نفس مكان الإحرام، وجد ريح طيب وهو بالشجرة، والشجرة سمرة "فقال: ممن هذا الطيب؟ " نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟ ويش فيها؟
طالب:. . . . . . . . .
الذي يظهر أنها في القميص والبدن، والقميص ينزع والبدن يغسل.
طالب:. . . . . . . . .
انتقل، إيه، ثم يعيده عليه؟
طالب:. . . . . . . . .(66/11)
عندنا نصوص محكمة في أنه لا يلبس القميص، يعني كون هذا متقدم ومتأخر متى نلجأ إلى النسخ؟ نلجأ إلى النسخ لو كان هذا نص صريح في إعادة القميص، واغسل الطيب عنك، يعني عن بدنك، نعم ما قال: عنه.
"وحدثني عن مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة -وهي سمرة بذي الحليفة- قال: ممن ريح هذا الطيب؟ " لا يتركون المنكر يمر بدون سؤال، خلاف حال الناس اليوم التساهل موجود، تجد بعض المحرمات تزاول في أماكن العبادة، وكل شخص يقول: ما هو بمسئول عن مثل هذا، الأمر والنهي له ناس، ومعلوم أن الأمر والنهي منوط بكل مكلف ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) ... إلى آخره، والصحابة -رضوان الله عليهم- لا يصبرون على مثل هذا، سمعوا المنكر ينكرونه.(66/12)
"ممن ريح هذا الطيب؟ فقال معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما-: مني يا أمير المؤمنين" وفي بعض الروايات: فتغيض عليه عمر -رضي الله عن الجميع-، "فقال: منك لعمر الله" يعني لأنك تحب الرفاهية، فما يستبعد أن يكون منك، ويغلب على ظن عمر أنه من معاوية ولو لم يجبه؛ لأنه يحب الرفاهية، لكنه لا يواجه أحداً، وهذه سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني لو كان بجنبك، الآن بجانبك وفي غيره، وتشم الريح بنسبة تسع وتسعين بالمائة أنه من هذا الرجل أو تجزم أنه منه، أو يرن جواله موسيقى وهو بجنبك وعندك ناس، تسأل يا إخوان من معه هذا الجوال؟ وأنت تعرف أنه من بجنبك، لا شك أن هذا أبلغ في الإنكار، وأدعى إلى القبول "فقال: منك لعمر الله، فقال معاوية -معتذراً-: إن أم حبيبة" رملة بنت أبي سفيان أم المؤمنين أخت معاوية "طيبتني يا أمير المؤمنين" يريد أن يخفف من تغيض عمر -رضي الله عنه-، ما دام هذا صنيع أم المؤمنين، وأم المؤمنين على صلة بالنبي -عليه الصلاة والسلام- فلعل عندها من العلم ما لم يبلغك يا عمر، وإن هذا ليس من تصرفي "إن أم حبيبة طيبتني يا أمير المؤمنين، فقال عمر: "عزمت عليك لترجعن فلتغسلنه" وفي رواية: "أقسمت عليك لترجعن إلى أم حبيبة فلتغسلنه عنك لما طيبتك" يعني لو كان الأمر لمعاوية أن يغسله بنفسه نعم استمر فعل أم المؤمنين من غير تغيير، لكن لما يعاد من يلاحظ عليه إلى الأصل وإلى المصدر فيكون التغيير لمعاوية ولأم المؤمنين معاً، ولذا لو حصل من موظف يعني على سبيل المثال جيء للمدير جاء الوكيل للمدير بخطاب يقرأه ليوقع عليه، لما قرأه المدير وجد فيه خطأ، نعم، وقال للوكيل: غيره، هل الأفضل أن يقول: غيره أو يقول: اذهب إلى الناسخ ليغيره؟ ولو كان نقطة واحدة، بالإمكان المدير نفسه يخرج القلم ويضع هذه النقطة، أو يقول للوكيل: ضعها أنت، فكونه يعيده إلى الطابع يكون التغيير مر على جميع المراحل التي مر عليها الخطأ، مثل هذا.(66/13)
يقول: "فقال عمر: عزمت عليك لترجعن فلتغسلنه" وفي رواية: "أقسمت عليك لترجعن إلى أم حبيبة فلتغسلنه عنك كما طيبتك" وعرفنا أنه في مثل هذا في إعادة الخطأ إلى مصدره أنه يتم التغيير على الجميع، على جميع من اشترك في هذا الخطأ، بخلاف ما لو أمر المخاطب بالتغيير متى ينتبه الذي وقع في الخطأ الأول؟ مثل ما ذكرنا، يأتي الخطاب إلى المدير ويحتاج إلى نقطة الخاء كتبت حاء أو الجيم كتبت حاء، بالإمكان أن يأخذ المدير القلم ويضع هذه النقطة بنفس اللون الذي طبع به الخطاب، فيقال له: أعد الخطاب إلى الناسخ فليصحح، مثل هذا يجعل الناسخ يحتاط، ويجعل الوكيل يراجع وهكذا، ولذا أمره أن يرجع إلى أم حبيب لتغسله.
الآن هذا الطيب الذي في معاوية، ويأتي ما يوضحه هل هو في البدن أو في الثوب؟ وهل هو وجد قبل الإحرام أو بعد الإحرام؟ ينظر، تكشفه الأخبار اللاحقة.
يقول: "وحدثني عن مالك عن الصلت بن زييد" تصغير زيد الكندي "عن غير واحد من أهله" أي من أهل الصلت "أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة" بذي الحليفة، يعني مثل ما وجد ريح الطيب من معاوية "وإلى جنبه كثير بن الصلت فقال عمر: ممن ريح هذا الطيب؟ فقال كثير: مني يا أمير المؤمنين، لبدت رأسي" أي جعلت فيه شيئاً نحو الصمغ ليجتمع الشعر فلا يتطرق إليه الشعث "لبدت رأسي وأردت أن لا أحلق" يعني لئلا أضطر إلى حلقه، للأذى المترتب عليه، أو للقمل مثل ما حصل لكعب بن عجرة "فقال عمر: فاذهب إلى شربة فأدلك رأسك حتى تنقيه" اغسل رأسك يعني من الطيب "ففعل كثير بن الصلت" ما أمره به.
"قال مالك: الشربة حفير تكون عند أصل النخلة" في التمهيد: الشربة مستنقع الماء عند أصول الشجر، وحوض يكون بمقدار ريها، حوض دائري يكون عند أصل النخلة، هذه شربة، وهذا الحوض يجتمع فيه الماء.
طالب:. . . . . . . . .
زبيد، لكن قالوا: تصغير زيد، يقول: الصلت بن زبيد بالباء لا بالياء، ولو كان المرجع موجود الآن، من اللي كتب هذا، ما أحد من الشروح يقول بالباء؟ مالك عن الصلت شوف الطبعات، ابن زبيد، كاتبها بالمفردة، بضم الزاي وتحتيتين تصغير زيد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(66/14)
نحذر الإخوان من مثل هذه الطبعة، نحذر الإخوان من مثل هذه الطبعات، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا موجود صور مراراً، أنا أعرف لهذا الكتاب خمس طبعات غير هذه كلها قديمة، وصور كثير منها، على طالب العلم أن يعنى بكتابه؛ لأنه إذا أخذ العلم من هذا الكتاب الذي فيه شيء من التصحيف والتحريف يستمر عنده.
طالب:. . . . . . . . .
إي نعم، إيه، وعداً كثير، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بينهن تعارض أو هذه تشهد لهذه؟ أو الثانية تشهد للأولى؟ ويش اللي يجعل الأصل القوي وإلا الضعيف؟ وهل الشاهد ما يذكر أولاً؟ الأصل الأول والثاني شاهد أو العكس؟ على كل حال كل واحدة تشهد للثانية، والثانية عن غير واحد من أهله أن عمر، ومجموعة هؤلاء وإن كانوا مجاهيل إلا أنه في عصر تقادم العهد بهم، يعني في عصر التابعين، نعم، ومثل هذا هم إلى التوثيق أقرب، وإذا انضم رواية بعضهم إلى بعض قويت روايتهم، وبعضهم يوثق بمثل هذا، يقبل الخبر بمثل هذا، يقول: وإنهم وإن كانوا مجاهيل إلا أن خبر المجهول ينجبر وهؤلاء أكثر من واحد فيحكم به، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان على البدن ما يؤثر، على البدن ما يؤثر، لكن انتقل إلى الثوب يغسل، هذا إذا كان وضعه قبل الدخول في الإحرام، الرأس ما في إشكال، يستمر، نعم لبدت رأسي.
طالب:. . . . . . . . .
انتظر، انتظر خلينا نكمل الباب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
حفير؟ على كل حال كله واحد، المعنى ما يختلف.
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري وعبد الله بن أبي بكر -بن محمد بن عمرو بن حزم- وربيعة بن أبي عبد الرحمن" المعروف بربيعة الرأي، عن مالك عن يحيى بن سعيد وعبد الله بن أبي بكر وربيعة وكلهم من شيوخ مالك "أن الوليد بن عبد الملك" بن مروان الخليفة ابن الخليفة "سأل سالم بن عبد الله" سالم بن عبد الله بن عمر أحد الفقهاء السبعة، وخارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري وهو أيضاً أحد الفقهاء السبعة:
فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد أبو بكر سليمان خارجة
سالم منهم وإلا ما هو منهم؟ نعم؟ البيت لا، لكن السابع مختلف فيه على ثلاثة أقوال.(66/15)
"بعد أن رمى الجمرة، وحلق رأسه، وقبل أن يفيض" يطوف طواف الإفاضة "عن الطيب فنهاه سالم"؛ لأنه يكره الطيب قبل الإفاضة "وأرخص له خارجة بن زيد بن ثابت" سالم من يشابه أباه فما ظلم، ويشابه جده أيضاً، وكلهم سالم وعمر وابنه الجد وابنه وحفيده كلهم يمنعون من الطيب إلا بعد الفراغ التام من النسك، يعني من الدخول فيه إلى الفراغ منه، فكما يمنعونه قبل طواف الإفاضة يمنعونه أيضاً قبل الإحرام، فكونه أنكر على معاوية وأنكر على كثير بن الصلت لأنه يرى هذا، يرى أن المحرم لا يمس طيب، ولا يستديم الطيب.
طالب:. . . . . . . . .
يخفى، يخفى صحيح، خفي عليه ما هو أضح من ذلك، وخفي على غيره، ولا يتصور ولا يتوقع من شخص أنه يجمع العلم كله.
"قال مالك: لا بأس أن يدهن الرجل بدهن ليس فيه طيب" وعرفنا أن رأي مالك هو رأي عمر وابن عمر وسالم بن عبد الله بن عمر "قال مالك: لا بأس أن يدهن الرجل بدهن ليس فيه طيب كالزيت" فيه إشكال هذا؟ لا بأس أن يدهن الرجل بدهن ليس فيه طيب كالزيت، إذا كان المحظور الطيب فهل لمثل هذا الكلام وجه؟ نعم؟ لكن التنصيص على مثل هذا لئلا يظن بمالك -رحمه الله تعالى- أنه لحسم مادة الطيب يمنع كل ما يستعمل في الرأس "قبل أن يحرم، وقبل أن يفيض من منىً بعد رمي جمرة العقبة" فهذا مطابق لحديث عائشة وإلا مخالف؟ ليس فيه طيب، مفهومه أنه لو كان فيه طيب لمنعه قبل أن يحرم وقبل أن يفيض، وحديث عائشة في الصحيحين وغيرهما أنها تطيبه لإحرامه قبل أن يحرم، وقبل أن يطوف بالبيت.
"قال يحيى: سئل مالك عن طعام فيه زعفران" وهذه مسألة يكثر السؤال عنها، استعمال الطيب في غير ما وضع له، لو وضع زعفران في القهوة أو وضعه في الطعام فالمحظور الطيب، وإذا شربه في القهوة يقال: تطيب؟ أو يقول أحد: هذا طيب؟ وإذا وضع في الأكل يقال: تطيب أو فيه طيب؟ لكن هل يقال مثل هذا في الصابون مثلاً الذي فيه طيب؟ نعم، تطيب؛ لأنه مقصود رائحته مقصودة، نعم رائحته مقصودة.(66/16)
"سئل مالك عن طعام فيه زعفران هل يأكله المحرم؟ فقال: أما ما تمسه النار من ذلك" بحيث تميته طبخاً فلا تبقى رائحته وإن بقي لونه؛ لأن اللون لا يذهب بالطبخ، اللون يؤثر بالمطبوخ، وينتقل من الزعفران إلى غيره مما طبخ معه "أما ما تمسه النار من ذلك فلا بأس به أن يأكله المحرم، وأما ما لم تمسه النار من ذلك فلا يأكله المحرم".
يعني هذا وضع زعفران بالقهوة، بالطعام المطبوخ، على رأي مالك جائز، لكن وضع الزعفران في السلطة يجوز وإلا ما يجوز؟ على رأيه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا يجوز؛ لأنه ما مسته النار، طيب، "وأما ما لم تمسه النار من ذلك فلا يأكله المحرم" لأنه نوع من الطيب، وأكله العدول إلى أكله دليل على أن رائحته مقصودة، وهذه وجهة نظر مالك، ومنهم من يقول: إذا لم يكن طيب ولا في معنى الطيب ولا استعمل استعمال الطيب فلا بأس به، واللي يظهر أنه ما في بأس -إن شاء الله-، لكن لو يتقى من باب الشبهة كان أولى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المقصود إذا كان ليس بطيب ومن شمه قال: هذا ليس بطيب فلا يؤثر.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما دام برائحة ما يجوز استعماله فلا بأس به، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(66/17)
الموطأ - كتاب الحج (4)
شرح: باب: مواقيت الإهلال.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: مسألة ابتداء الطيب واستدامته أرجو توضيحها، لم أفهمها.
هل الهيل والقهوة يعد من الطيب؟
لا ليس من الطيب.
أما ابتداء الطيب فالمقصود به استعماله بعد الإحرام ابتداءً، يبتدئ الطيب بعد الإحرام، وأما استدامته فالطيب يكون قبل الإحرام، ويبقى لونه ورائحته بعد الإحرام، وفرق بين هذا وهذا.
يقول: رجل حج متمتعاً فلما انتهى من العمرة لبس الثياب ولم يحلق إلا بعد رمي جمرة العقبة فماذا عليه علماً أنه فقير لا يستطيع الدم؟
لا شك أنه ترك نسك، ما دام متمتعاً هو ترك نسك، فالحلق أو التقصير نسك، يلزم بتركه دم عند الجمهور، وإذا عجز عنه فإنه يصوم، يصوم مثل دم المتعة والقران، ما هو بفدية أذى، يصوم عشرة أيام.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: مواقيت الإهلال:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن)) قال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: وبلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ويهل أهل اليمن من يلملم)).
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهل المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن، قال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أما هؤلاء الثلاث فسمعتهن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأخبرت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ويهل أهل اليمن من يلملم)).
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أهل من الفرع.(67/1)
وحدثني عن مالك عن الثقة عنده أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أهل من إيلياء.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهل من الجعرانة بعمرة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: مواقيت الإهلال" المواقيت: جمع الميقات، كالمواعيد جمع ميعاد، ويطلق الميقات ويراد به الزماني، كما يطلق ويراد به المكاني، والمواقيت الزمانية في الحج عند الجمهور شوال والقعدة وعشر من ذي الحجة، وعند مالك ثلاثة أشهر بتكميل ذي الحجة، والخلاف معروفة، ولا يجوز أن يتقدم الميقات الزماني فيحرم بحج قبل هلال شوال، وأما بالنسبة للعمرة فالسنة كلها ميقات للعمرة، يستثنى من ذلك الأيام التي يتلبس فيها المرء بنسك، وأما الميقات المكاني فالمراد به ما ذكر في هذه الأحاديث، من التوقيت لأهل مكة، ولأهل نجد، ولأهل اليمن، ولأهل الشام، ولأهل العراق.
وترجم الإمام البخاري على هذا الحديث وغيره من الأحاديث مبتدئاً بالتراجم على هذا الحديث وما جاء في معناه بقوله: باب: فرض المواقيت.
وظاهر كلامه أنه لا يجيز الإحرام بالحج والعمرة قبل الميقات، هذا ما فهمه الشراح، لا يجوز الإحرام بالحج والعمرة من قبل الميقات، يعني المكاني كالزماني.(67/2)
والنبي -عليه الصلاة والسلام- حدد هذه الأماكن لأهل تلك الجهات، وكلامه ظاهر في هذا، ما دام حدد شرعاً هذا المكان لهذا العمل فكما أنه لا يجوز أن يتجاوز لا يجوز أن يتجاوز بدون إحرام فلا يجوز أن يتقدم، هذا في الأصل، لكن ابن المنذر نقل الإجماع على جوازه، على جواز الإحرام قبل الميقات، وابن عمر -على ما سيأتي- أهل من إيلياء من بيت المقدس، وغيره أيضاً أهل بالبصرة، وثالث أهل من كرمان من الصحابة، وجاء في تفسير قوله -جل وعلا-: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] نقل عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: "إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك"، النبي -عليه الصلاة والسلام- حدد هذه الأماكن، وفرض المواقيت، وأحرم من الميقات، ولولا ما جاء عن الصحابة في هذا لقلنا بقول الإمام البخاري؛ لأن الزيادة على العبادة مما لم يرد به نص بدعة، والزيادة على ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- قد يأخذ منه بعض الجهال أن هذا أكمل من عمله -عليه الصلاة والسلام-، وبعض الصحابة أحرم قبل الميقات كما سيأتي أن ابن عمر أحرم من إيلياء، وأحرم عمران بن حصين من الشام، وأحرم بعضهم من البصرة، وبعضهم من كرمان، وكره عثمان -رضي الله عنه- الإحرام بالحج من كرمان؛ لأنه وجد في وقته من أحرم منه، لولا هذه النصوص لاتجه القول بعدم الجواز، كما أنه لا يجوز أن تتأخر عنها لا يجوز أن يتقدم عليها، ولو زعم من فعل ذلك أنه فعله احتياطاً، كيف يحتاط في مسألة شرعية عمل القدوة والأسوة على خلاف الاحتياط، ولا شك أن الاحتياط في ترك هذا الاحتياط.(67/3)
ابن المنذر نقل الاتفاق على جواز الإحرام قبل الميقات، وجاء في الحديث أن عمرة من بيت المقدس تعدل حجة، ويمكن تأويله وتأويل ما جاء عن علي في تفسير قوله -جل وعلا-: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] أن تنشأ العمرة من بيت المقدس، وأن ينشئ المرء العمرة من دويرة أهله، لكن لا يتم الدخول فيها إلا من الميقات، يعني كون الإنسان ينشئ عمرة من دويرة أهلة لا شك أنه أفضل من أن ينشئها من دون الميقات فضلاً عن كونه يخرج لها من مكة، أفضل كونه يأتي بها بسفرة مستقلة أفضل، وله طرق هو، حسن، حسن نعم، نعم هذا نقل عن مالك وغيره، نعم.
الدافع لهذا الاحتياط أنه يتصور أن الطائرة ما هي بمثل ما كان على الجمال أو على الأقدام، أو حتى على السيارات بإمكانه أن إذا وصل الميقات أن يقف ويحرم، أما بالنسبة للطائرة لمحة بصر يفوته الميقات وهو لا يشعر، وقد يغفل عن ذلك فالاحتياط هنا له وجه؛ لأن الطائرة ما هي بمثل غيرها، الطائرة لو ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم هم يحتاطون، لكن بعض الناس عندهم مزيد من الاحتياط، مثل الطائرة له وجه الاحتياط فيها؛ لأن سرعتها يعني قد يفوت الإنسان عن الميقات وهو لا يشعر، المقصود أن من احتاط بالنسبة للطائرة له وجه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما له كثير.
طالب: إذا أعلنوا. . . . . . . . .؟
المقصود أنه يحرم قبل؛ لأنهم إذا أعلنوا قالوا: بقي كذا على الميقات، ليس معنى هذا أنه مجرد ما ينتهي المدة التي حددوها أنه الآن على الميقات، إما قبله أو بعده بيسير؛ لأن الطائرة معروف سرتها تزيد وتنقص، نعم، المقصود أن الاحتياط في مثل هذا لا بأس به، نعم، أما إذا أمكن أن يقف عند الميقات ويحرم منه بيقين، فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط، اقتداءً به -عليه الصلاة والسلام-، ولولا ما نقل من الإجماع وأفعال بعض الصحابة لكان القول بقول الإمام البخاري متجهاً.(67/4)
والإهلال: هو رفع الصوت بالتلبية، ثم أطلق على نفس الإحرام، الأصل فيه الإهلال، رفع الصوت بالتلبية، وهو منقول من رفع الصوت عند رؤية الهلال، الإهلال والاستهلال رفع الصوت، والأصل فيه رفع أصوات الناس عند رؤية الهلال، إذا رأوه، ثم نقل إلى رفع الصوت بالتلبية، ثم أطلق على الإحرام توسعاً، والمهل والإهلال بمعنىً.
يقول -رحمه الله-: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يهل أهل المدينة)) " والمدينة إذا أطلقت فالمراد بها مدينته -عليه الصلاة والسلام-، وأل العهدية معروفة عند أهل العربية، كما أنهم إذا أطلقوا الإمام في كل مذهب معروف، إذا قيل: الإمام في مذهب الشافعية، إذا قيل: الإمام في مذهب الحنابلة، إذا قيل: كذا، فهذه (أل) عهدية، يعني تعاهدوها وعرفوها بينهم، وإذا أطلق الكتاب فهو معروف، المقصود أن بعض الناس قد يدلس، فيحرج على النعناع ويقول: نعناع المدينة، نعناع المدينة، وأهل الخبرة يعرفون نعناع المدينة من نعناع غيرها، إذا شم تبين الفرق فإذا استثبت قال: الرياض مدينة، الخرج مدينة، نعم، هذا تدليس.
((يهل أهل المدينة)) ....
هذا يقول: هل المقصود بعدم جواز الإحرام قبل الميقات ولبس الإحرام أو نية الدخول في النسك؟(67/5)
المقصود نية الدخول في النسك، أما مجرد لبس الإحرام فلا بأس أن يلبسه قبل صعوده الطائرة؛ لأنه في الطائرة يصعب عليه أن يغير ملابسه ويخلع ملابسه، ويلبس ثياب الإحرام، لكن هنا شيء ينبغي أن ينتبه له، شيء، في المدينة مثلاً يلاحظ الجالس في المسجد النبوي يلاحظ أن من الناس من يدخل المسجد وعليه الإحرام، ويصلي فيه ركعتين، ويذهب ليصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- وصاحبيه، باعتبار أنهم أحرموا في مكان سكنهم في المدينة، ولا يريدون الوقوف في الميقات، أو يتصورون أن أماكن الاغتسال فيها زحام، أو شيء من هذا في المواسم، مع أنه وجد هذا بكثرة في الإجازات، ولا يوجد زحام ولا شيء، أقول: مثل هؤلاء ينبغي أن يمنعوا، ولو على الأقل من دخول المسجد؛ لئلا يظن جاهل أن المسجد يحتاج إلى إحرام، المسجد النبوي، أو السلام على النبي -عليه الصلاة والسلام- يحتاج إلى إحرام، فمثل هذا يمنع سداً للذريعة، وكان يوجد يعني في اليوم الواحد أو أشبه الآن زادوا، والمظنون بهم أنهم تجهزوا للعمرة في بيوتهم، وفي سكنهم، ولم يدخلوا في النسك، وإنما أرادوا أن يتأهبوا لها من بيوتهم، وهذا أسهل عليهم، لكن ينبغي أنه إذا لبس إحرامه من سكنه أن لا ينوي الدخول بالنسك من جهة، الأمر الثاني: أن لا يزور المسجد ويسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن يلبس؛ لئلا يظن الرائي أن دخول المسجد النبوي يحتاج إلى إحرام، أو أن السلام على النبي -عليه الصلاة والسلام- وعلى صاحبيه يحتاج إلى إحرام، فيدخل في حيز الابتداع.(67/6)
((يهل أهل المدينة من ذي الحليفة)) ذي الحليفة ويقال له: أبيار علي، وهو أبعد المواقيت عن مكة، على عشر مراحل، وبينه وبين المدينة ستة أميال، يعني عشرة كيلو أو إحدى عشرة كيلو، عشرة كيلو تقريباً، قريب، وهو أبعد المواقيت من مكة، والسبب في ذلك على ما قاله أهل العلم: لتعظم أجور أهل المدينة؛ لأنه كلما كثر التلبس بالإحرام -طالت مدته- زاد الأجر، لتعظم أجور أهل المدينة، وقيل: رفقاً بأهل الآفاق الذين يأتون من بعيد، يعني أهل نجد أبعد من المدينة، اليمن أبعد من المدينة، الشام أبعد من المدينة، العراق أبعد من المدينة، وكلهم مواقيتهم أقرب إلى مكة، والميقات البعيد هو ميقات المدينة، وهي أقرب هذه الآفاق إلى مكة، فأولئك لما طالت عليهم المدة في سفر قبل التلبس بالإحرام لوحظوا في قصر المدة في الإحرام، هذا قول بعض أهل العلم، هذا ما قاله بعض أهل العلم معللاً ذلك، والعبرة والمعول على النص، سواءً كان بعُد أو قرب، ويهل ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا قالوا: لتعظم أجورهم، يدخل في هذا الكلام.(67/7)
((يهل)) يعني يحرم ويدخل في النسك، أهل المدينة من الميقات، من ذي الحليفة ((ويهل أهل الشام من الجحفة)) من الجحفة، وهي قرية قديمة خربة، كانت سكناً لليهود، فلما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا أن تنقل حمى المدينة إلى الجحفة، فانتقلت إلى الجحفة حتى قيل: إنه لو مر طائر بهوائها لمرض، كل من دخلها يوعك بالحمى، ولو مر طائر بهوائها بجوها لمرض، استجاب الله دعوة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وقد يقول قائل: إذا كانت بهذه المثابة بلد ممرض، وجو موبوء كيف يجعل ميقاتاً يلزم أهل الشام أن يحرموا منه؟ يعني معناه أن أهل الشام لا بد أن يمروا بهذا المكان ويحرمون منه، بغض النظر عن كونهم يمرضون أو لا يمرضون، نعم الدعاء بنقل الحمى من المدينة إلى الجحفة لما كانت سكناً لليهود، وعند توقيت هذه المواقيت ليس فيها أحد من اليهود، نقل الحمى من المدينة إلى الجحفة هل معناه أن المدينة لا يحم فيها أحد، يعني انتقلت بالكلية أو الحمى التي كانت موجودة بكثرة في المدينة أكثر من غيرها من البلدان، نقلت وصارت المدينة مثل غيرها من البلدان العادية، فيها حمى لكنها نسبتها مثل نسبتها في البلدان الأخرى، هل يحم أهل المدينة أو لا يحمون؟ يصابون بالحمى أو لا يصابون؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في شيء خارج عن إرادة الله -جل وعلا-، لكن المقصود هل بقي شيء من أثر الحمى في المدينة أو لم يبق؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم حمى النبي -عليه الصلاة والسلام- وغيره، فبقي فيها ما بقي مما هو في سائر البلدان، والدعاء في أول الهجرة لما انتقل النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة دعا أن تنقل حماها، وكانت سكانها من اليهود، نعم، المقصود أن هذا بلد اختاره الله -جل وعلا- لنبيه، ولانطلاق الدعوة منه، فطلب النبي -عليه الصلاة والسلام- من الله -جل وعلا- أن تكون بلداً مناخها طيب لهذه الدعوة وللقائمين بها.
الجحفة قرية خربت، ومن قديم والناس يحرمون من رابغ، وهي قرية قريبة منها.(67/8)
((ويهل أهل نجد من قرن)) من قرن المنازل بإسكان الراء، وضبطه الجوهري بفتحها، وغُلّط في ذلك، قال: قرَن فغلط في ذلك، ونقل النووي الاتفاق على أنه بإسكان الراء، مع أن منهم من حركها، لكن عامة أهل العلم على أنها بالسكون، وغلط الجوهري مرة أخرى فنسب إليه أويس القرَني وهذا غلط، فغلط في هذه المادة في موضعين، في ضبطها وفي نسبة أويس القرَني إليها، وقرن قبيلة وإلا موضع؟ قبيلة، في من ينسب إلى قرْن فيقال: القرْني هل هو إلى هذا المكان أو هناك بلاد يقال لها بلقرن؟ نعم، نعم ينسب إلى بلقرن.
"قال عبد الله بن عمر: وبلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ويهل أهل اليمن من يلملم)) " وجاء الجزم بذلك من حديث ابن عباس وغيره في الصحيحين وغيرهما بإهلال أهل اليمن من يلملم، ويقال: ألملم، بالهمز على مرحلتين من مكة، كقرن المنازل، قريبة من رابغ، قريبة من جدة من رابغ.
طالب:. . . . . . . . .
إي خربة هذه، من قديم، الجحفة خربة من قديم، ويحرم الناس من رابغ، الآن عندنا أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن، وأهل اليمن من يلملم، وبقي أهل العراق ويحرمون من ذات عرق، والخلاف في من حدد ذات عرق لأهل العراق معروف بين أهل العلم، وجاء في سنن أبي داود وغيره أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وقت لأهل العراق ذات عرق، وهو حديث حسن، والذي في الصحيح أن عمر -رضي الله عنه- وقت لأهل العراق ذات عرق، ولا يبعد أن يخفى الخبر المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- على عمر ويجتهد عمر ويوافق المرفوع، فموافقات عمر وتوفيقه وإلهامه للصواب معروف، هناك موافقات عمر تزيد على العشرين، وقد جمعت في كتاب، من أوضحها أمره بالحجاب، وباتخاذ مقام إبراهيم مصلى، وعدم الصلاة على المنافقين، مسائل كثيرة، والأسرى أيضاً في بدر، ومسائل أوصلها بعضهم إلى عشرين، أو زادت على ذلك، هي من موافقات عمر -رضي الله عنه-، فلا يبعد أن يكون خفي عليه الخبر المرفوع فاجتهد فوافق اجتهاده ما قاله النبي -عليه الصلاة والسلام-.(67/9)
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال: أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهل المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن" فكونه أمر هذا هو الذي جعل البخاري يقول: باب فرض المواقيت، فرض المواقيت، والفرض كما يطلق على الإيجاب يطلق أيضاً على التقدير، يطلق أيضاًِ على التقدير، أول ما فرضت الصلاة ركعتين يعني قدرت.
"قال عبد الله بن عمر: أما هؤلاء الثلاث فسمعتهن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأخبرت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ويهل أهل اليمن من يلملم)) " يعني يرويه بواسطة، وهو ثابت في الصحيحين وغيرهما عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من غير شك ولا تردد.
هذه المواقيت لا يجوز تجاوزها من غير إحرام، فمن جاوزها من غير إحرام القول الوسط في حكمه أنه يلزمه دم، وهذا قول الجمهور، وفي المسألة قولان متقابلان: قول سعيد بن المسيب: "من تجاوز الميقات فلا شيء عليه"، وقول سعيد بن جبير: "من تجاوز الميقات فلا حج له"، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم معروف، فلا حج له، والقول الوسط في هذه المسألة هو قول الجمهور.
((لمن أراد الحج والعمر)) لأنه جاء في الحديث نفسه: ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة)) أما الذي يريد الدخول إلى مكة ولا يريد النسك فإن هذا لا يلزمه الإحرام من هذه الأماكن، وهناك قول معروف عند أهل العلم وهو المشهور عند الحنابلة والحنفية أنه يلزمه الإحرام، ولو لم يرد الحج والعمرة، والحديث صريح في الدلالة للقول الأول ((ممن أراد الحج والعمرة)) مفهومه أن الذي لا يريد الحج والعمرة أنه لا يحرم من هذه المواقيت ((هن لهن)) أي هذه الأماكن لأهل تلك الجهات، ولمن مر عليهن، أو لمن أتى عليهن من غير أهلهن.(67/10)
((هن لهن)) يعني المدني يحرم من ذي الحليفة، ولا يجوز له أن يؤخر إحرامه إلى الجحفة أو إلى قرن، أو إلى يلملم، وما أشبه ذلك ((هن لهن)) وهذا ما يدل عليه هذه الجملة، لكن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) يعني مدني مر على الجحفة، المسألة متصورة في شامي أو نجدي ذهب إلى الحج والعمرة عن طريق المدينة، مر الشامي بالمدينة، أو مر النجدي بالمدينة، هل يحرم من ذي الحليفة أو ينتظر إلى أن يصل ميقاته، الشامي من الجحفة، والنجدي من قرن، أو يحرم من ذي الحليفة؛ لأنه أتى عليهن، وإن كان من غير أهلها، أتى على الميقات وإن كان من غير أهله، جمهور أهل العلم على أنه إذا تجاوز الميقات الذي مر به أولاً أنه يلزمه دم، ولو أحرم من ميقاته الذي حدد له شرعاً، والإمام مالك -رحمه الله- يرى أنه لا شيء عليه إذا أحرم من ميقاته، فهو وإن خالف الجملة الثانية فقد وافق الجملة الأولى ((هن لهن)) هذه المواقيت لأهل تلك الجهة، يعني كأن المسألة مسألة استحقاق، أهل المدينة لهم هذا الميقات فقط، وأهل اليمن لهم ذلك الميقات وهكذا، بغض النظر عن مرورهم بغيره من المواقيت، فالجمهور يلزمونه بدم، إذا مر الشامي على المدينة فلم يحرم، مر بذي الحليفة فلم يحرم، مر بالجحفة فأحرم منها، فمر بميقاته الأصلي، وعمل بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((هن لهن)) مالك لا يلزمه بشيء لأنه وافق هذه الجملة، والجمهور يلزمونه بالدم لأنه تجاوز الميقات من غير إحرام، وهو داخل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) ورأي مالك -رحمه الله- له وجه، وجه قوي؛ لأنه وإن خالف الجملة الثانية فقد عمل بالجملة الأولى، وما دام الميقات ميقات محدد شرعاً، نعم ميقات محدد شرعاً، ومعتبر لأهل هذه الجهة فإلزامه بالدم فيه ما فيه، لكن الإشكال فيما إذا مر النجدي مثلاً بالمدينة، وتجاوز ذا الحليفة وأحرم من الجحفة، ولم يحرم من الميقات الذي مر به، ولم يحرم من الميقات الذي حدد له شرعاً، وقل مثل هذا في الشامي يمر بالمدينة ويتجاوز الحليفة ويحرم من قرن المنازل، فما أحرم من الميقات الذي مر به، وما أحرم من الميقات الذي حدد له شرعاً، نعم، وأحرم من(67/11)
غيره، هنا هل نقول: إن المواقيت كلها حكمها واحد ((هن لهن ولم أتى عليهن من غير أهلهن)).
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو أحياناً تنزل الطائرة من غير إحرام بجدة مثلاً، وقد مر بذي الحليفة، نعم، هل يقال له: ارجع إلى رابغ أرفق بك وإلا ارجع إلى ذي الحليفة؟ أو ارجع لقرن إذا كنت جاي من نجد مثلاً؟ لا شك أن الإحرام من أقرب المواقيت إليه أيسر له، أيسر للحاج.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن التيسير لا بد أن يكون مضبوط بضوابط، وعاد هناك أمور أيسر من هذا، يحرم من مكانه، ولا يروح شيء.
طالب:. . . . . . . . .
إذا اتجهوا إلى المدينة ورجعوا منها وأحرموا من ذي الحليفة ما في إشكال.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو لو يحرم من قرن المنازل صار له وجه ما دام ... ، اللي يبي يسأل وهو بالمدينة نقول له: لا تتجاوز ذي الحليفة إلا بإحرام.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، لكن إذا تجاوز، المسألة مفترضة فيمن وصل جدة من غير إحرام، إن كان شامي نقول له: أنت مريت بذي الحليفة ترجع إلى ذي الحليفة.
طالب: وما نقره. . . . . . . . .
قبل مجاوزته ما يرخص له، لكن إذا تجاوز الآن في الأمر الواقع الآن وصل إلى جدة.
طالب:. . . . . . . . .
وهو محرمهم الأصلي أقول: هو ميقاتهم الأصلي؟
طالب:. . . . . . . . .
ما انتهينا، الجمهور .... ما دام مار بغيره يلزمونه بدم، لكن على رأي مالك فيه سعة.
المقصود أن مثل هذا إذا أحرم من ميقات محدد شرعاً ومعتبر جاء النص عليه، الأمر فيه سعة -إن شاء الله تعالى-، مع أن الأحوط أن يحرم من أول ميقات يمر به.
طالب:. . . . . . . . .
هو ما في شك أن الطريق أيسر لهم من المدينة، ولا عندهم استعداد أن يلبسوا الإحرام أربع ساعات، أربع ساعات الناس ما يتحملونه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لبسه عشرة أيام.
طالب:. . . . . . . . .
والله لا قيض ولا شتاء كل شيء متيسر ولله الحمد، ولا تبي شيء أبد.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أهل من الفرع" وهو موضع بناحية المدينة، وهو قبل الميقات أو بعده أو محاذي للميقات؟ وين أهل المدينة؟ قبل الميقات، يعني بعد ما يتجاوز الميقات؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(67/12)
محاذي للجحفة، يعني ابن عمر تجاوز ذا الحليفة؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، تجاوز الحليفة، وراح للفرع وهو على الطريق، وهو محاذي للجحفة، الذي نعرف أن الفرع بعد الميقات، بعد الميقات إلى مكة، إن كان المكان هو هو، إذا لم يكن هناك موضع آخر بهذا الاسم.
الشرح ويش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
بس؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يكفي هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
من جهة؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني بعد، بعد الميقات، ابن عمر في المدينة، معناه أنه تجاوز الميقات من غير إحرام حتى وصل هذا المكان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه ما في إشكال، لكن الإشكال في كونه تجاوز الميقات من غير إحرام، أو على ما أبدى الشيخ.
يقول: احتمال أن يكون له محل في هذا المكان فأحرم منه؛ لأن مَن دون الميقات يحرم من مكانه من حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة.
ما ذكره الإمام -رحمه الله تعالى- عن ابن عمر أنه أهل من الفرع، فإن كان تجاوز الميقات خرج من المدينة، ولما وصل إلى الفرع رأى أنه حاذى الجحفة وأحرم منها، وما يظن به هذا، ما يظن بابن عمر أنه يتجاوز الميقات، وله أقوال شديدة في مثل هذا، وهو صاحب التحري والتثبت، فالاحتمال القائم أنه له مكاناً ومحلاً بالفرع وأحرم منه؛ لأنه أنشأ من دون الميقات، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
رخص، من قاله هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
مخرج؟ عن الباقر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
معضل، ما يصح، ما يصح أبداً، نعم، أقول: مثل هذا لا يظن بابن عمر أنه يتجاوز ذا الحليفة، وقد روى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه وقت لأهل المدينة ذو الحليفة، وشدد على من قال أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أهل من البيداء، قال: بيداؤكم التي تكذبون فيها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أهل إلا من عند المسجد، فابن عمر يتتبع الآثار بدقة، ثم يحرم من الفرع؛ لأنه يحاذي الجحفة! فالمظنون أن ابن عمر له مكان في الفرع، فليكن مزرعة أو شيء من هذا، فأنشأ منه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أهل من إيلياء، يعني أهل من إيلياء وأهل من الفرع؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(67/13)
إحنا حملنا العمرة من بيت المقدس أن المراد إنشاؤها من بيت المقدس لا الدخول فيها من بيت المقدس، فابن عمر حينما أهل من إيلياء هل معناه أنه أنشأ أو أنه دخل في النسك من إيلياء؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الإشكال أن لفظة أهل والإهلال رفع الصوت بالتلبية يبعد هذا، فإما أن يقال: إن ابن عمر هذا رأيه، وأنه يتجاوز الميقات الأول إلى الثاني أو ما يحاذيه، وهذا بعيد، يعني لو كان غير ابن عمر قبل، لكن ابن عمر وصاحب التحري في هذا الباب، في تتبع الآثار، وشدد على من قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أهل بالبيداء، مع أنه ثبت ذلك، أنه أهل بالمواطن كلها المذكورة، وصح الخبر بها في حديث ابن عباس، ثم بعد ذلك يتجاوز الميقات، ويهل من الفرع، هذا فيه بعد، والسند كالشمس، مالك عن نافع عن ابن عمر، أصح الأسانيد، لا مطعن فيه، لكن يحمل على أن ابن عمر كان له محل بالفرع، والغالب أن يكون بستان، فأنشأ منه، نعم، وهذا حكم من له أكثر من منزل، احتمال نعم، احتمال ويش اللي يمنع؟ من له أكثر من منزل هل يحرم من الأبعد أو يحرم من الأدنى أو يحرم من المكان الذي أنشأ فيه النسك؟ يعني عزم فيه على النسك.
وقل مثل هذا في الميقات نفسه هل يحرم من أبعد طرفيه أو من أدنى طرفيه أو من وسطه؟ يستحبون الإحرام من أبعد الطرفين، نعم.
يقول: "وحدثني عن مالك عن الثقة عنده"
طالب:. . . . . . . . .
من أين أنشأوا؟ من أين أنشأوا بالعمرة؟
طالب:. . . . . . . . .
من أين أنشأوا؟
طالب:. . . . . . . . .
نيتهم، المهم أنه في نيته أن يعتمر قبل أن يصل إلى الميقات، عليه أن يحرم من الميقات، إذا مر به.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكنه مر به، صدق عليه أنه مر بهذا الميقات، وإن لم يكن من أهله وهو مريد للنسك إذاً يلزمه أن يحرم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو يدرس في مكة وأهله في الرياض، يصدق عليه أنه مر بالميقات، وهو مريد للنسك يلزمه أن يحرم.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهل من الجعرانة بعمرة" وهذا الحديث موصول في السنن.
طالب:. . . . . . . . .
إيلياء؟(67/14)
نعم، يقول: "وحدثني عن مالك عن الثقة عنده أن عبد الله بن عمر أهل من إيلياء" وإيلياء هي بيت المقدس، وبهذا يستدل على جواز الإحرام قبل الوصول إلى الميقات، وقلنا في الأثر السابق: إنه لا يظن بابن عمر أنه يتجاوز الميقات فكيف يظن به أنه يحرم قبل الميقات؟ نعم، وهو يتتبع آثار النبي -عليه الصلاة والسلام-.
أقول: من استروح إلى هذا الأمر وأوغل فيه وتتبع هذه الآثار بدقة لا يبعد أن يحرم قبل الميقات، من باب الاحتياط، أنت تعرف الشخص أولاً يضرب المثل بابن عمر لشدة التحري والتثبت، نعم، بخلاف ابن عباس، ابن عباس فقيه، نعم، فقيه يهمه ما يفهم من النص، وابن عمر ميله إلى العبادة وإلى الاقتداء والائتساء أكثر، نعم، ولذا لما جاء رجل كما في صحيح مسلم إلى ابن عمر يسأله من مسائل الحج، فقال له: سل ابن عباس، فقال له: ذاك رجل مالت به الدنيا ومال بها، هو فهم من حال ابن عباس أنه توسع، وأنه ليس عنده من التحري والتثبت ما عند ابن عمر.
وأنتم تعرفون وضع العالم الفقيه الذي يعمل بما يدل عليه النص؛ لأن الزيادة على النص إن لم تكن أشد من النقص منه فليست دونه، نعم والإيغال في مثل هذه الأمور في العبادة وغيرها قد يحمل صاحبه على الزيادة، وقصة الثلاثة الذين أتوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وسألوه عن عبادته، وعبد الله بن عمرو في قيامه وقراءته وصيامه أمر معروف، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول له: كذا، ويزيد عليه، وذلك من حرصه على العبادة، فالحريص على العبادة لا يبعد منه أن ... ، ولا يستبعد أن يزيد فيها، لا خروجاً إلى الابتداع، وإنما من باب الحرص والاحتياط للعبادة، بينما الفقيه الذي يفهم من النص ما يفهم، وأن دلالة النص على كذا من غير زيادة ولا نقصان يعمل بالنص فلا يزيد عليه ولا ينقص، وهذا لا شك أن الفقه في مثل هذا أن لا يزاد عليه ولا ينقص.
فحرص ابن عمر على تتبع الآثار يجعله يستروح ويميل إلى أن يحرم من بيت المقدس، لا سيما إذا كان قد ثبت عنده أن عمرة بيت المقدس لها مزيد فضل.
طالب:. . . . . . . . .(67/15)
هو يتحمل المشاق، الآن شواهد الأحوال، نعم، من استروح إلى شيء ومال إليه، وأشرب ذلك الشيء قلبه، لا شك أنه يرجحه على غيره، وإن كان غيره في الأصل أرجح منه.
أضرب مثال مثلاً النووي -رحمه الله تعالى- صاحب عبادة وزهد ونسك، بينما ابن حجر صاحب علم، هل تجد النووي يترجم للثقات من الرواة مثل ما يترجم به ابن حجر؟ لا سيما إذا كان هذا الثقة الضابط العدل ليس معروفاً بمزيد عبادة، لكن لو كان معروف بعبادة مثلاً، وإن كانت الثقة أقل تجد النووي يشيد به، وكتبه مملوءة بهذا، نعم، لا شك أن الناس لهم ميل إلى جهة أو باب من أبواب الدين، نعم، تجدهم هذا الباب ديدنهم، ومن يهتم ويعنى بهذا الباب هو المقدم عندهم، لو ترجم مثلاً النووي ليزيد الرقاشي مثلاً، هل تكون ترجمة النووي لهذا الرجل مثل ترجمة ابن حجر؟ ابن حجر يهمه ثبوت الخبر، بغض النظر عن كونه عابد أو ليس بعابد، عدل ثقة يكفي ابن حجر، لكن النووي تهمه العبادة، ولذلك إذا ترجم لشخص معروف بكثرة تلاوة القرآن والعناية به أشاد به، إذا وجد عابد أشاد به، إذا وجد زاهد أشاد به، بينما منحى ابن حجر، وقل مثله في الذهبي وغيره الذين يهمهم ثبوت الخبر يختلفون عن هذا.
ونظّر مثل هذا بابن عباس وابن عمر، نعم أو بعبد الله بن عمرو مثلاً، هؤلاء يهمهم العمل، تهمهم العبادة، ولكلٍ نصيبه من العبادة، يعني ما يقال مثلاً: إن ابن حجر ليس بعابد، لا، لكن ما هو مثل النووي، ولا يقال: إن ابن عباس ما تهمه العبادة وليس ... إلا عابد، لكن ما هو بمثل ابن عمر، ابن عمر لا ينام من الليل إلا قليلاً، ومعروف الموازنة بين العلم والعبادة، نعم، ((فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب)) ولا يقال مثلاً: إن ابن عباس ليس بعابد، ولا يقال: إن ابن عمر ليس بعالم إنما عنده من العلم، لكن عرف بهذا، وذاك عنده من العبادة لكنه عرف بهذا الشيء.(67/16)
أنت لو تأملت العلماء في هذا الوقت وجدتهم على هذا، كل له باب أو طريق، وكل هذه الطرق موصلة إلى الله -جل وعلا-، بعض الناس يهتم بالقران، وما يتعلق به من تفاسير وقراءات وكذا، وهذا على خير، وبعض الناس فتح له باب الحديث وبعض الناس فتح له باب الاستنباط والفقه، وبعض الناس إلى آخره، وبعض الناس فتح له أبواب من أبواب الدين أخرى، عبادة، تلاوة، جهاد، إنفاق في سبيل الله، بذل للمال والجاه، المقصود أن هذه أبواب ولكل باب منها باب من أبواب الجنة، لكن من هذه الأمة من يدعى من الأبواب الثمانية لاهتمامه بجميع هذه الأبواب، وأبو بكر الصديق منهم بالنص، فليحرص الإنسان أن يضرب من كل باب من هذه الأبواب بسهم.
فابن عمر أهل من إيلياء يعني أحرم منها ودخل في النسك.
"وحدثني عن مالك ... " نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يوثق، ما يوثقه، لكن يشيد به، بينما يذكره ابن حجر بنصف سطر، يكتب عنه النووي صفحة، يشيد به، لكن ما يوثقه، نعم ما يوثق الضعيف أبداً النووي، لكنه يشيد به ويرفع من شأنه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه إحرامه من الفرع؟ يدل على هذا.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهل من الجعرانة بعمرة" عمرة الجعرانة هذه بعد فراغه -عليه الصلاة والسلام- من؟ من حنين، بعد فراغه -عليه الصلاة والسلام- من حنين بعد فتح مكة، وكان إحرامه لهذه العمرة من الجعرانة في شهر القعدة، وعائشة لما ردت على ابن عمر في زعمه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر في رجب قالت: "رحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- في رجب، ولا اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا وهو معه" فذكرت أن عمره -عليه الصلاة والسلام- كلها في القعدة، ومنها هذه عمرة الحديبية التي صد فيها عن البيت، وعمرة القضاء، نعم، وعمرة الجعرانة بعد حنين، والعمرة التي مع حجته -عليه الصلاة والسلام-.
إذا تعدى الميقات وأراد الرجوع إليه؟(67/17)
هذا لا يخلو من حالين: الحالة الأولى: أن يحرم بعد مجاوزة الميقات ثم يرجع إلى الميقات، هذا لا يسقط عنه الدم، ورجوعه لا ينفعه، أما الذي يرجع إلى الميقات قبل أن يحرم إذا رجع إلى الميقات قبل أن يحرم وأحرم من الميقات هذا يسقط عنه الدم، ما عليه شيء.
مجاوزة الميقات من غير إحرام يلزمه دم، لكن لو أحرم من الميقات مجاوزة الميقات من يحتاجها في هذا الوقت؟ الذي يريد الحج من غير ترخيص، يتجاوز الميقات، ثم يحرم بعد أن يتعدى التفتيش، يخلع ملابسه ويلبس ثياب الإحرام، ويدخل في النسك، هذا عليه دم، يلزمه دم.
شخص أحرم من الميقات ولم يتجرد وأحرم في ثيابه، ولما تجاوز التفتيش خلع ثيابه ولبس ثياب الإحرام هذا يلزمه فدية، فدية أذى.
إن كان غطى رأسه مع لبسه القميص عليه فديتان، وهو مخير بين أن يذبح وبين أن يصوم ثلاثة أيام وبين أن يطعم ستة مساكين على التخيير.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
والله ارتكاب المحظور، تعمد ارتكاب المحظور لا شك أن فيه إثم، تعمد ارتكاب المحظور، أما إذا احتاج إليه ولو تعمده فإنه لا إثم عليه، مثل كعب بن عجرة وإن كانت عليه الفدية.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(67/18)
الموطأ - كتاب الحج (5)
شرح: باب: العمل في الإهلال، وباب: رفع الصوت بالإهلال.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: شخص اعتمر وفي أثناء دخوله الحرم انتقض وضوؤه فطاف على غير وضوء جهلاً منه بالحكم فهل عليه شيء؟
عليه أن يعيد الطواف؛ لأن الطهارة شرط لصحة الطواف عند الجمهور.
يقول: ما حكم الحج من دون ترخيص علماً من أن المسئولين يمنعون من ذلك؟
الحج من دون ترخيص إن كانت الفريضة فلا يحتاج إلى ترخيص، وإذا لم يستطع المستطيع إليها إلا بالحيلة فليحتل على ذلك هذا بالنسبة لحج الفريضة، أما حج النافلة فالأمر فيه سعة، فإن تيسر له الحج من غير كذب ولا تحايل فجاء الندب إليه والمتابعة بين الحج والعمرة، وإن لم يستطع إلا بحيلة أو ارتكاب محظور فلا.
يقول: أهل السودان جواً وبحراً يهلون من جدة هل يجوز ذلك أرجو الإفادة؟
أما بالنسبة لأهل سواكن فنص أهل العلم أن جدة بالنسبة لهم محاذية للميقات، أما غيرهم من جهات السودان، والسودان بلد كبير مسافات كبيرة شاسعة تختلف أقاليمها، أهل سواكن نص العلماء على أن جدة محاذية لميقاتهم.
يقول: نود إيضاح كيف أن أئمة كبار كأحمد ومالك وغيرهما رووا أحاديث ضعيفة في كتبهم مع تحريهم وجلالة قدرهم؟
هؤلاء الأئمة يرون الأحاديث بالأسانيد وعصرهم عصر رواية فمن سمع الإسناد في عصرهم عرف أن درجة الحديث فتبرأ الذمة بمجرد ذكر الإسناد هذا بالنسبة لعصور الرواية، كعصر الإمام مالك والشافعي وأحمد، هذه عصور الرواية، تبرأ الذمة بمجرد ذكر الإسناد، أما من بعدهم لا بد من التنصيص، لا بد من التنصيص على درجة الحديث، لا بد أن يقال: هذا ضعيف هذا صحيح بعبارة يفهمها السامع، وفي العصور المتأخرة لا يكفي أن يقال: هذا صحيح وهذا ضعيف، بل لا بد من الإيضاح للسامع؛ لأن بعض السامعين وإن كانوا عرباً ينطقون بالعربية ويتكلمون بالعربية ويفهمون العربية لكن فهمهم للمصطلحات العلمية ليس على وجهه.
يقول: حديث بعث النبي -عليه الصلاة والسلام- أناساً عند حجه يسيرون من طريق الساحل وجعل عليهم أبا قتادة عندما صاد الحمار الوحشي أليس فيه دليل على جواز تجاوز الميقات إلى ما بعده؟(68/1)
هو ما مر من الميقات، وأيضاً هو لم يرد الحج في ذهابه إلى الساحل، لكن من رجوعه إلى الساحل إلى مكة مريداً للحج.
يقول: مسألة إهلال ابن عمر من الفرع قال البيهقي في السنن الكبرى: قال الشافعي: وهذا عندنا -والله أعلم- أنه مر بميقاته لم يرد حجاً ولا عمرة ثم بدا له من الفرع فأهل منها، وهو روى الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في المواقيت، وكذلك ذكر هذا الكلام في كتاب الإمام -أي الإمام الشافعي-، وكذلك ذكر المزني مختصراً هذا الكلام.
لا يظن بابن عمر أنه يتجاوز الميقات ذي الحليفة من دون إحرام وهو يريد النسك، أقول: لعله تجاوزه إلى منزل له بالفرع ثم تراءى له بعد ذلك أن يحج ويعتمر.
لو أن شخصاً ذهب إلى جدة للنزهة أو العمل وكان ناوياً العمرة من الرياض ولكن قال: أجلس بجدة يومين ثم أعتمر، من أين يعتمر؟
يحرم من ميقاته الذي مر به.
لو أن شخصاً ذهب إلى الطائف وقال: سوف أنزل لمكة بدون إحرام، وأصلي اليوم وأستأجر ثم أرجع إلى الطائف وأحرم من السيل أو أرجع إلى مكة للعمرة، علماً أنه كان ناوياً للعمرة من حين سفره من الرياض.
إذا مر بالميقات عليه أن يحرم منه، فإن لم يحرم كما في السؤال ورجع إليه أجزأه وكفاه.
طالب:. . . . . . . . .
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: العمل في الإهلال:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن تلبية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)).
قال: وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يزيد فيها: لبيك وسعديك والخير بيديك، لبيك والرغباء إليك والعمل.
طالب:. . . . . . . . .
لبيك لبيك.
طالب:. . . . . . . . .
لحظة لحظة، هكذا تقال: لبيك لبيك، لبيك وسعديك، نعم.
أحسن الله إليك.(68/2)
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي بمسجد ذي الحليفة ركعتين فإذا استوت به راحلته أهل.
وحدثني عن مالك عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله أنه سمع أباه -رضي الله عنه- يقول: بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها ما أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة.
وحدثني عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: يا أبا عبد الرحمن رأيتك تصنع أربعاً لم أرَ أحداً من أصحابك يصنعها، قال: وما هن يا ابن جريج؟ قال: رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين، ورأيتك تلبس النعال السبتية، ورأيتك تصبغ بالصفرة، ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولم تهلل أنت حتى يكون يوم التروية، فقال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أما الأركان فإني لم أرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمس منها إلا الركنين اليمانيين، وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها، وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها، وأما الإهلال فإني لم أرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهل حتى تنبعث به راحلته".
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ثم يخرج فيركب، فإذا استوت به راحلته أحرم.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الملكَ بن مروان ....
أحسن الله إليك.
أن عبد الملكِ بن مروان أهل من عند مسجد ذي الحليفة حين استوت به راحلته، وأن أبان بن عثمان أشار عليه بذلك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: العمل في الإهلال" يعني كيف يعمل من أراد النسك إذا أراد الدخول فيه؟(68/3)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر" مالك عن نافع عن ابن عمر أصح الأسانيد عند الإمام البخاري "أن تلبية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك)) " وفي حديث جابر في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: "فأهل النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتوحيد" ما المراد بالتوحيد؟ إفراد الله -جل وعلا- بالوحدانية ونفي الشريك عنه، وهنا يقول: ((لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك)) نفي للشريك، وفي ضمنه إثبات للتفرد والوحدانية لله -جل وعلا-، لبيك لا شريك لك، بخلاف ما كان عليه المشركون من التلبية يقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك، يثبتون الشرك -نسأل الله العافية-، وهذا هو الشرك الأكبر، النبي -عليه الصلاة والسلام- أهل بالتوحيد، والمشركون على النقيض يهلون بالشرك الأكبر، الذي لا يغفر، وقد يسمع من بعض المنتسبين إلى الإسلام من ينطق بالشرك الأكبر في هذه العبادة العظيمة، يا محمد، يا علي، يا حسين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يهل بالتوحيد، وقد سمع من يقول: يا فلان، أو يا أبا فلان، جئنا بيتك وقصدنا حرمك، نرجو مغفرتك، سمع هذا، الشرك الأكبر، يعني إن لم يكن هذا هو الشرك فلا معنى للشرك.
النبي -عليه الصلاة والسلام- يهل بالتوحيد، لبيك اللهم لا لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، والمشركون يستثنون من ذلك الشرك الأكبر إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك.
وهذه لفظ إجابة، إجابة لك بعد إجابة، ويقولون: إنه مأخوذ من لب بالمكان إذا أقام به، يعني أنا مقيم على إجابة دعوتك، وأنا مقيم على طاعتك، إقامة بعد إقامة.
((إن الحمد والنعمة لك والملك)) (إن) بكسر الهمزة تأسيس واستئناف جملة جديدة، ويروى بفتحها: ((أن الملك)) ويكون هذا علة للجملة السابقة، لبينا وأجبنا؛ لأن الحمد والنعمة لك والملك؛ لأنك مستحق لهذا فتكون جملة تعليلية، والأكثر على الكسر.(68/4)
((إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)) لأنه كونه يؤتى بالجملة ابتداءً تكون مقصودة لذاتها أقوى من كونها مقصودة لغيرها، فإذا كسرنا الهمزة قلنا: إنها جملة مستقلة مستأنفة، وإذا قلنا: "أن الحمد والنعمة لك والملك" قلنا: هذا تعليل لما تقدم، فيكون المجيء بها لا لذاتها وإنما جعلت علة لغيرها، وهذه تلبية النبي -عليه الصلاة والسلام- ولزمها، ولم يزد عليها.
وكان الصحابة من حوله يزيدون على ما سمعوه منه -عليه الصلاة والسلام-، فكان عبد الله بن عمر يزيد فيها: "لبيك لبيك، لبيك وسعديك، والخير بيديك، لبيك والرغباء إليك والعمل" يزيد هذه التلبية، ومنهم من يزيد: "لبيك حقاً حقاً، تعبداً ورقاً" ... إلى آخره، يزيدون والنبي -عليه الصلاة والسلام- يسمع، فلم ينكر عليهم، وهذه التلبيات التي جاءوا بها هذه اكتسبت الشرعية من تقريره -عليه الصلاة والسلام-، أقرهم عليها ولم ينكر عليهم، فاكتسبت الشرعية من هذه الحيثية من تقريره -عليه الصلاة والسلام-، وإقراره شرع كقوله وفعله، لكن فرق بين ما يختاره الله لنبيه -عليه الصلاة والسلام-، ويلزمه وبين اللفظ الذي لا محظور فيه، لكن لم يقله النبي -عليه الصلاة والسلام- وإن أقره.
طالب:. . . . . . . . .
هذا؟ في حديث جابر، صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكانوا يزيدون، وذكر بعض الزيادات والنبي -عليه الصلاة والسلام- لم ينكر عليهم، في حديث جابر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا من أجل اللي وراءهم، ما له ... ، يعني وقوفهم ليست .. ، أقول: ليست مناسبة في كثيرة من الأحيان؛ لأنهم عوام وأشباه عوام، ويهمهم أن يلقنوا من خلفهم "إن الصفا والمروة من شعا" يقف، سمعناهم مراراً، يقول اللي وراءه: إن الصفا المروة من شعا، ثم يبدأ: "ائر الله" ويرددون وراءه، ومثل هذا كثير، وتسمع في المطاف والمسعى الشيء العجيب.
طالب:. . . . . . . . .
هذه زينه ذي، في دعاء السفر: ((واطوِ عنا بعده)) كثير منهم يقول: "طوعنا بعده" زينه، هو تصحيف، لكنه دعوة طيبة.
طالب:. . . . . . . . .(68/5)
إيه نراهم ما عندهم، بدون عقل يرددون، قد يوجد دعاء فيه اعتداء، سمعت عجوز في المطاف تقول: "ربِ هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي" ورجل يقول: إني إيش؟ نذرت لك ما في بطني محرراً، إيه يوجد، يوجد من العوام شيء من الغرائب، توجد الغرائب.
طالب:. . . . . . . . .
مثل سليمان، يعني على أنه لفظ مطلق، لا يتعبد بلفظه، أما الأدعية فالإطلاق فيها ظاهر، أما الأذكار لا سيما الأذكار المقيدة بمكان أو زمان لا بد فيها من التوقيف، ولذلك لما قال البراء في حديث النوم: "ورسولك الذي أرسلت" قال: لا، نبيك الذي أرسلت.
طالب:. . . . . . . . .
والله التوسع فيه ما هو بمرضي، ويقتصر على المرفوع؛ لأن المرفوع مضمون، مضمون شرعيته، وأنه ليس فيه مخالفة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
في إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو إذا أتي به على أساس أنه ذكر لا يزاد فيه، وباعتبار أنه في هذا الذكر الذي انتهى عند هذا الحد، نعم، واستصحبنا حديث: ((البخيل من ذكرت عنده فلم يصلِ علي)) اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك، فإذا فصلت لا بأس، لا تلحقه به افصل.
طالب:. . . . . . . . .
هو إذا أنت، إذا أتيت بالذكر المشروع، وأتممته لك أن تقول من عندك ما ترى شرعيته مما وردت به نصوص أخرى على ألا تقرنه به، يعني لا تتعبد به بين جمله، افصل.(68/6)
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين، فإذا استوت به راحلته أهل" كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين، النبي -عليه الصلاة والسلام- أحرم من ذي الحليفة كم مرة؟ وجاء للنسك من المدينة في الحديبية، والقضاء وحجة الوداع، جاء ثلاث مرات، فإن ثبت أنه صلى في المرات الثلاث صح أن يقال: كان يصلي بذي الحليفة ركعتين؛ لأن (كان) الأصل فيها الاستمرار، وكونه صلى ركعتين في حجة الوادع هذا لا يختلف فيه أحد، هذا ثابت بالنصوص المتظافرة، وهاتان الركعتان صلاهما النبي -عليه الصلاة والسلام- فريضة؛ لأنه صلى الظهر بالمدينة أربعاً، ثم صلى العصر بذي الحليفة ركعتين، ثم صلى المغرب والعشاء ركعتين، والفجر ركعتين، ثم صلى الظهر ركعتين ثم أهل، فصلاته هذه فريضة، لكن صح الحديث بالأمر بالصلاة ((صلِ في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة وحجة)) ولذا يختلف أهل العلم في ركعتي الإحرام هل يقال: للإحرام ركعتين؟ يعني إذا لم يكن وقت فريضة نصلي ركعتين ركعتي الإحرام، إذا كان وقت فريضة لا إشكال، نصلي الفريضة ونهل بعدها، وإذا لم يكن وقت فريضة نصلي ركعتين للإحرام ونهل بعدهما؛ لأنه يقول: كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين، وجاء الأمر بهما ((صلِ في هذا الوادي المبارك)) والذي حصل منه في حجة الوداع أنه أحرم بعد صلاة الظهر ركعتين.(68/7)
فالذي يقول: إن الإحرام ليس له صلاة، وإنما وقع بعد الفريضة فلا تشرع الصلاة للإحرام، للإحرام، أما من صلى فريضة أو ركعتين تحية المسجد مثلاً، أو الضحى أو الوتر، أو صلى للوضوء وغير ذلك من الصلوات، هذه ليست للإحرام، لكن إذا قلنا: تصلي ركعتين للوضوء وأنت ليس من عادتك أنك تصلي ركعتي الوضوء؛ لأن بعض الناس يريد أن يوفق بين قول جماهير أهل العلم حتى أن النووي قال: إن صلاة ركعتين للإحرام هو قول العلماء كافة إلا ما يذكر عن الحسن البصري أنه ليس للإحرام صلاة، ثم جاء شيخ الإسلام ونصر هذا القول ثم جاء من يقول بقوله ونصروا هذا القول، وصار كأن الذي يصلي ركعتين للإحرام كأنه مرتكب كبيرة ينكر عليه أشد الإنكار، وهو قول العلماء كافة، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي بذي الحليفة ركعتين، نعم جاء من النصوص ما يدل على أن هذا الأسلوب جاء فيما لم يفعل إلا مرة واحدة، يعني ما ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- فعله إلا مرة واحدة، لكن الأصل فيها التكرار، وجاء الأمر بها وهو قول عامة أهل العلم، فإنكاره ليس بوجيه، والناس إذا قال شيء ... ، قبل أن يعرف شيخ الإسلام، وقبل أن يشهر شيخ الإسلام، ويتبناه من هو محل ثقة من قبل الجميع، الناس ماشيين على هذا، لكن لما عرف رأي شيخ الإسلام
وإذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام
خلاص قال شيخ الإسلام يعني غيره ما لهم عبرة، شيخ الإسلام إمام من أئمة المسلمين، إمام لا يشك في إمامته، وتبرأ الذمة بتقليده، لكن ليس هو كل الأئمة، أو أنه هو المعصوم دون غيره، لا، الغالب أن الإصابة معه، لكن ليس معنى هذا أنه معصوم، فمن صلى ركعتين للإحرام لا يلام، ولا ينكر عليه.
طالب:. . . . . . . . .
أنا بالنسبة لي قول عامة أهل العلم مرجح عندي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بوصفه لأنه مبارك، بوصفه لكونه مبارك، نعم، وغيره ليس بمبارك، نعم، وغيره ليس بمبارك فلا يستحق الركعتين، أهل العلم قاطبة فهموا أن هاتين الركعتين للإحرام.
طالب:. . . . . . . . .(68/8)
وين؟ يعني لو صلى واحدة، صلى واحدة أكثر من ثنتين سهل، بحثوا هذا في حديث تحية المسجد ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) هل المقصود الصلاة أو أن العدد مقصود بمعنى أن هذا الأمر لا يتأدى إلا بركعتين فأكثر، فلو دخل شخص المسجد بعد صلاة العشاء، وقال: أنا أريد أن أوتر بركعة واحدة وتكفيني عن تحية المسجد، الأكثر على أنها لا تكفيه، بل لا بد من ركعتين، أما إذا صلى ثلاث صح أنه صلى ركعتين فأكثر، وغيره؟
طالب:. . . . . . . . .
ما سمعنا كلام الأخ.
طالب:. . . . . . . . .
هذا كلامه؛ لأنه جاء في وصف أنه واد مبارك ((صلِ في هذا الوادي المبارك)) لكن هل مفهومه أنك لا تصلي في غيره أو لا مفهوم له؟ عامة أهل العلم لم يفهموا هذا.
"يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين، فإذا استوت به راحلته أهل" يعني لبى بالنسك، إذا استوت به راحلته.
يقول: "وحدثني عن مالك عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله أنه سمع أباه يقول: بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها" لأنه وجد من يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أهل بالبيداء، فلما علا على البيداء أهل، فأنكر ابن عمر هذا الكلام، وأثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أهل إلا من عند المسجد، يعني مسجد ذي الحليفة، ففي الخبر الأول حينما استوت به راحلته، في الخبر الثاني من عند المسجد، وأيضاً ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه على ظهر البيداء أهل، وثبت عنه أنه أهل بعد الركعتين، كله ثابت عنه -عليه الصلاة والسلام-، وجواب هذا في حديث ابن عباس في المسند وسنن أبي داود، جواب هذا الإشكال، حديث ابن عباس يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- أهل لما صلى الركعتين في المسجد فسمعه أناس فنقلوه، ثم لما خرج من المسجد من عند الشجرة أهل فسمعه أناس لم يسمعوا إهلاله الأول فذكروه، فلما علا على دابته -استوى على دابته- أهل، فسمعه ناس لم يسمعوه قبل ذلك فنقلوا، ثم لما علا على ظهر البيداء أهل فسمعه أناس لم يسمعوا ما قبله فنقلوه، وهذا فيه جمع بين هذه الروايات الثابتة المختلفة، فيجمع على أنه أهل في جميع هذه المواضع، وكل منهم سمع ما لم يسمعه الآخر فنقله.(68/9)
"بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها، ما أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من عند المسجد، يعني مسجد ذي الحليفة".
فكل يذكر ما سمع، وكونه لم يسمع ليس بحجة على من سمع، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.
يقول: "وحدثني عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر: يا أبا عبد الرحمن" كنية عبد الله بن عمر، وهي كنية ابن مسعود "يا أبا عبد الرحمن رأيتك تصنع أربعاً لم أرَ أحداً من أصحابك يصنعها" ابن عمر لا يفرط بشيء رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعله، ولا كلام سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- بل يحرص عليه ليقتدي به، ونوزع في بعضه مما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- لا على جهة التعبد، نوزع.
"رأيتك تصنع أربعاً -من الخصال- لم أرَ أحداً من أصحابك يصنعها، قال: وما هن يا ابن جريج؟ قال: رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين" بتخفيف الياء، وهي ياء النسب، وياء النسب كياء الكرسي مشددة، لكن عوض عن إحدى الياءين الألف الأصل اليمنيين، فلما أتي بالألف اليمانيين صارت وحلت محل إحدى الياءين فخففت، وإلا فالأصل أن ياء النسب مشددة.
ياء كيا الكرسي زيدت للنسب ... . . . . . . . . .
تقول: هذا تيمي وهذه تيمية بالتشديد، هذا الأصل في ياء النسب، لكن إذا عوض عنها إذا قلت: تيماوية، يمانية ما يخالف، أما الأصل أن الياء ياء النسب مشددة.
"ورأيتك تلبس النعال السبتية" وهي التي ليس فيها شعر، كما فسرت في الحديث، والسبت والتسبيت الحلق، وجاء في سيماء الخارج سيماهم إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم اللي هو حلق الشعر، هذه النعال ليس فيها شعر، وكان النبي ....
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يُنهى عن لبس السبتيتين؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يلبس النعال التي ليس فيها شعر.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لمروره بين القبور بالنعال، سواءً كان سبتيتين أو غير سبتيتين، النهي للمرور بين القبور بالنعال، هذا هو السبب.(68/10)
"ورأيتك تلبس النعال السبتية، ورأيتك تصبغ" ثم جاء الجواب عن ذلك على ما سيأتي "ورأيتك تصبغ بالصفرة -تصبغ الشيب بالصفرة- ورأيتك إذا كنت بمكة أهلَّ الناس إذا رأوا الهلال" لأن الإهلال الاستهلال كله مأخوذ من رؤية الهلال، فالناس استصحبوا هذا، وجعلوا الإهلال بالحج عند رؤية هلاله، فرأوا أنهما متلازمان "ولم تهلل أنت حتى يكون يوم التروية" اللي هو اليوم الثامن من ذي الحجة، سمي بذلك لأنهم يتروون ويتزودون فيه من الماء؛ لأن منىً فيها ماء في ذلك الوقت، في الثامن يهلون بالحج، ثم يذهبون إلى منىً فيصلون بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم إذا طلعت الشمس يدفعون إلى عرفة، والمبيت بمنى يوم التروية ليلة عرفة والإقامة بها إلى صلاة الفجر هذه كلها سنن، لا شيء على من تركها.
"ولم تهلل أنت حتى يكون يوم التروية، فقال عبد الله بن عمر: أما الأركان" يعني لا يمس من الأركان إلا الركنيين اليمانيين الذين في جهة الجنوب، وأما الذين في جهة الشمال فلا يمسهما ولا يستلمان، يقول: "أما الأركان فإني لم أرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح إلا اليمانيين" وذلك أن الركنين اليمانيين باقيان على قواعد إبراهيم، والركن الذي فيه الحجر فيه خصلتان: كونه على قواعد إبراهيم، وكونه فيه الحجر الأسود ولذا اختص بأحكام أكثر من أحكام الركن الثاني الذي قبله، نعم هو باقٍ على قواعد إبراهيم، ولذا يستلم، لكن لا يمس مثل الركن الذي ... ، أقول: لا يشار إليه ويستلم، لكن لا يشار إليه مثل الركن الذي فيه الحجر، وأما الركنان الشاميان فلا يستلمان؛ لأنهما ليس على قواعد إبراهيم، وذلكم أن قريشاً قصرت بهم النفقة فأخرجوا جزءاً من الكعبة الذي فيه الحجر، هذا من الكعبة، فلما قصرت بهم النفقة قصروا دون قواعد إبراهيم في هذا الموضع، ومن الصحابة من يستلم جميع الأركان، ويرى أنه ليس في البيت شيء مهجور، لكن العبرة بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإني لم أرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمس إلا اليمانيين، نعم، المقصود أنه ما ثبتت الإشارة إليه بخلاف الحجر الأسود.
طالب:. . . . . . . . .(68/11)
ولا استطاع يستلم الحجر الأسود، استطاع أن يستلم هذا ولم يستطع أن يستلم هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
والله عندهم ما دام ثبتت الإشارة إلى الركن الذي فيه الحجر ولم تثبت الإشارة إلى الآخر يكتفى بما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، إن تيسر له استلامه وإلا فلا.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا أكثر المذاهب على أنه حكم واحد، حتى عند الحنابلة يشير ويكبر، نعم، لكن ما ثبت فيه شيء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فلنقف على هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مقتضى هذا نعم، وقد فعله ابن الزبير، نقض الكعبة فبنى البيت على قواعد إبراهيم، وأدخل الحجر، ثم لما تهدمت على يد الحجاج ومن معه، لما رميت بالمنجنيق أعيدت على ما كانت عليه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، أعيدت ثم بقيت فلما تولى المنصور قال للإمام مالك -رحمه الله-: ألا نعيدها على قواعد إبراهيم؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لولا أن قومكِ حديث عهد بجاهلية)) لصنعت وصنعت وصنعت، لماذا لا يحقق هذا الأمر، لماذا لا تحقق هذه الأمنية؟ حققها ابن الزبير، ثم أعيدت على ما كان عليه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم استشير مالك، فقال: لا؛ لئلا تكون ملعبة للملوك؛ لأن خدمة هذا البيت شرف، ويتسابق الناس لخدمته بما فيهم الملوك، كل يريد أن يقدم خدمة لهذا البيت فيصير ملعبة، هذا يفتل وهذا ينقض، وبهذا تذهب هيبته من القلوب، من نفوس الناس إذا كان عرضة لأن يتعرض لمثل هذه الأمور يوم يهدم ويوم يبنى، لا شك أنه تذهب هيبته من القلوب.(68/12)
"فإني لم أرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمس إلا اليمانيين، وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلبس النعال التي ليس فيها شعر" النبي -عليه الصلاة والسلام- يلبس النعال السبتية التي ليس فيها شعر، ويتوضأ فيها، كيف يتوضأ فيها؟ لسعتها بحيث يصل الماء إلى جميع المفروض، ويتردد فيه، ولا تتأثر هذه النعال، يمكن غسل الرجل وهي داخل النعال، يمكن وإلا ما يمكن؟ يمكن، إذا كان النعل واسعة ولا تغطي المفروض، فكان يتوضأ فيها "فأنا أحب أن ألبسها" اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام- "فأنا أحب أن ألبسها، وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصبغ بها" تغيير الشيب أقل أحواله الاستحباب إن لم يصل إلى حد الوجوب، فقد جاء الأمر به: ((غيروه)) لما رأى رأس أبي قحافة أبيض كالثغامة قال: ((غيروه)) أمر بتغييره، قال: ((وجنبوه السواد)) فيغير بأي لون سوى السواد، سواءً كان بالصفرة أو بالحمرة، بالحناء الصرف كما كان يفعل عمر -رضي الله عنه- أو بالحناء مع الكتم كما كان يفعل أبو بكر -رضي الله عنه-.
"وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصبغ بها" وجاء في شعره -عليه الصلاة والسلام- إثبات الشيب ونفيه، جاء عن أنس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يشب، وجاء إثبات الشيب، وللجمع والتوفيق بين هذه النصوص المثبتة والنافية أن شيبه كان يسيراً جداً، بضع عشرة شعرة، هذه من بُعد لا ترى، فمن يراه من بعيد قال: لم يشب، ومن حدد النظر قال: شاب، وهل صبغ أو لم يصبغ؟ محل خلاف بين أهل العلم، ومنهم من يقول: إن الحمرة التي في شعره -عليه الصلاة والسلام- كانت من الطيب لا من الصبغ، وليس في شعره ما يحتاج إلى الصبغ؛ لأنه وإن وجد الشيب إلا أنه يسير جداً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كله يغير، ما يبدو يغير، وما طلب إزالته يزال.
طالب:. . . . . . . . .
السواد محرم بلا شك، السواد محرم، وهو من أصل الخبر، وليس بمدرج ((وجنبوه السواد)) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ضعيف، ضعيف.(68/13)
الجمهور يطلقون الكراهة؛ لأنه يتسبب إلى أن توطأ ال .... ، وإن كانت من رواء حائل، نعم، تهان جثث المسلمين، وإن كان هناك حائل، لكن لو قال: أنا لن أطأ على جثة مسلم، متى يتسنى له ذلك؟ إذا مشى بين القبور أو على القبور أنفسها؟ يعني إذا مشى على القبور ما وطئ الجنازة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو الدفن نفترض لحد، يعني إذا مشى بين القبور نقول: إنه وطئ على الجثث.
طالب:. . . . . . . . .
يعني يسير.
طالب:. . . . . . . . .
وراه؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن الميت كله يدخل.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
نصفه نعم، على كل حال، كل هذا مما يتقى؛ لأن فيه إهانة، إهانة للأموات، وحرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً، لو تبي تتخطى لك إنسان ماداً رجليه وعليك نعالك ما رضي، ما يرضى بهذا، فيه إهانة له، وكذلك الميت، ومن هذه الحيثية جاء النهي، بين القبور بحيث يترك قبور على يمينه وقبور على يساره، لا بأس يمشي.
طالب:. . . . . . . . .
حافياً إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يجوز أن يطأ القبر، ما يجوز، لا يجوز ذلك، لكن قد يحتاج إلى اللبس بأن يكون حر شديد أو شوك أو ما أشبه ذلك، والحكم عند الجمهور الكراهة، والكراهة تزول بالحاجة.
وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصبغ بها، فأنا أحب أن أصبغ بها، وأما الإهلال فإني لم أرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهل حتى تنبعث به راحلته".
السؤال نعم، السؤال: "ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولم تهلل أنت حتى يكون يوم التروية" والجواب: "فإني لم أرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهل حتى تنبعث به راحلته" يعني هل من كان بمكة تنبعث به راحلته إلى الحج من أول الشهر أو من يوم التروية؟ من يوم التروية، تنبعث به راحلته من مكة إلى منىً التي هي أول المشاعر، فما يهل بالحج ويبقى بمكة، إنما يهل بالحج حين تنبعث به راحلته إلى أول المشاعر وهو منى.
يقول: "وحدثني .... " نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(68/14)
قارن وما زال محرماً، وما زال محرماً، لكن هو قاس الإهلال بالحج لمن أراد أن ينشئ الحج من جديد بعد العمرة كالمتمتع مثلاً، قاسه على الإهلال بالعمرة، ما دام انبعثت به راحلته إلى أداء النسك نعم حينما تنبعث به راحلته من المحرم، هذا بالنسبة لمن مر على محرم، سواءً كان في حج أو عمرة، من المحرم، لكن إذا كان مقيماً بمكة فحينما تنبعث به راحلته إلى أول المشاعر.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا حينما انبعثت به راحلته في المحرم، كما دلت على ذلك الأحاديث السابقة، لكن هو يرى أن انبعاث الراحلة إنما هو للنسك، والمقيم بمكة بيقيم أسبوع قبل ذلك هذا ما انبعثت به راحلته.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي في مسجد ذي الحليفة، ثم يخرج فيركب" يصلي في مسجد ذي الحليفة، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بذي الحليفة، ثم يخرج فيركب، يخرج من المسجد فيركب "فإذا استوت به راحلته أحرم" وعرفنا ما في هذا تفصيلاً من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الملك بن مروان أهل من عند مسجد ذي الحليفة" موافق لما قبله "حينما استوت به راحلته" الحديث الأول: فإذا استوت به راحلته أهل، وفي الثالث يقول: وأما الإهلال فإني لم أرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهل حتى تنبعث به راحلته، وهنا يقول: أن عبد الملك بن مروان أهل من عند مسجد ذي الحليفة حين استوت به راحلته "وأن أبان بن عثمان أشار عليه بذلك" أبان بن عثمان بن عفان من الفقهاء، وأن أبان بن عثمان مصروف وإلا غير مصروف؟ عندنا؟
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . الآن اللي عندنا مصروف وإلا غير مصروف؟
طالب:. . . . . . . . .
هو منصوب على كل حال، ما هو بمجرور، نعم، يبين عليه أنه غير مصروف.
طالب: ...
لا، لا ما هو بأعجمي، ما هي العلة العجمة، عثمان ممنوع من الصرف لزيادة الألف والنون، وأبان؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في عجمة من الإبانة أو من الإباء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، أبان على وزن فعل، أفعل، من الإبانة، نعم يعني ممنوع للعلمية ووزن الفعل، صح مثل يزيد.(68/15)
الآن المقصود عندنا هنا، هل يختلف وضعه عن كونه مصروف أو غير مصروف؟ النصب واحد للمصروف وغير المصروف، نعم، الاختلاف في المجرور.
الآن من خلال هذا السياق نعرف أنه مصروف وإلا غير مصروف؟ ويش معنى الصرف؟ التنوين، الصرف التنوين، الصرف التنوين، الصرف هو التنوين، وهنا منون وإلا غير منون؟ لأنه مصروف وإلا ممنوع؟ نعم؟ هو مصروف، أبان مصروف في قول الأكثر، وابن مالك صاحب الألفية يرى أنه ممنوع من الصرف، والسبب في ذلك الاختلاف، مثل حسان هل هو من الحس أو من الحسن؟ وهنا هل هو من الإباء أو من الإبانة؟ وكل على مذهبه، ويقولون في هذا: "من منع أبان فهو أتان" هنا ما يبين الفرق بين المصروف وعدمه في حال النصب إلا بترك التنوين، وهل ترك التنوين في مثل هذا قطعي في كونه غير مصروف؟ يعني هل يلزم أن نقول: وأن أباناً ابن عثمان؟ يلزم وإلا ما يلزم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما هو مضاف، ما في إضافة، اجتهاد ذا وإلا؟ جرياً على القاعدة، تمشي على ما مشينا عليه، عن أنسَ بن مالك، أن أنسَ بن مالك، وأنس مصروف، أن محمداً بن عبد الله، وإذا قلت: أن محمداً رسول الله، تنون؟ الأصل التنوين، الأصل أنه منون، فتقول: أن أنساً بن مالك، هذا الأصل، أن أباناً بن عثمان، هذا هو الأصل، لكن لغة ربيعة حذف التنوين مطلقاً في مثل هذا السياق، نعم، حذف التنوين يسمونه اللغة الربعية، هي لغة ربيعة، وهي أخف على اللسان، ولما كثر عند المحدثين مثل هذا الاستعمال تركوا التنوين تخفيفاً وإلا فالأصل أن يقال: وأن أباناً بن عثمان، وأن أنساً بن مالك ... إلى آخره.
"أشار عليه بذلك" أشار عليه أن يهل إذا استوت به راحلته، استناداً على الأحاديث السابقة، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
عند المسجد؛ لأنه جاء الإحرام من بعد الصلاة، وجاء من عند المسجد، وجاء من عند الشجرة، وجاء أيضاً حينما استوت به دابته، نعم، وجاء عند ركوبه، وجاء أيضاً لما علا على ظهر البيداء، كل هذه جاءت وجوابها في حديث ابن عباس.
وهذا يقول لنا من بعد الصلاة، أنا خرجت من عند المسجد والدابة مربوطة عند المسجد وركبت وأهللت عندها، من عند المسجد لما علوت على الدابة في آن واحد، يسير جداً.(68/16)
طالب:. . . . . . . . .
ما علينا منه، يثبت أو ما يثبت، العبرة بما تقدم، وهو موصول عند ابن عبد البر، نعم الخبر موصول.
على كل حال يهمنا نحن ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- وفيه ما يكفي، نعم.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: رفع الصوت بالإهلال:
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن الحارث بن هشام عن خلاد بن السائب الأنصاري عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال)) يريد أحدهما.
وحدثني عن مالك أنه سمع أهل العلم يقولون: ليس على النساء رفع الصوت بالتلبية لتسمع المرأة نفسها.
قال مالك -رحمه الله-: لا يرفع المحرم صوته بالإهلال في مساجد الجماعات ليسمع نفسه ومن يليه إلا في المسجد الحرام ومسجد منى فإنه يرفع صوته فيهما.
قال مالك -رحمه الله-: سمعت بعض أهل العلم يستحب التلبية دبر كل صلاة، وعلى كل شرف من الأرض.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: رفع الصوت بالإهلال" عرفنا فيما تقدم أن الإهلال رفع الصوت، الإهلال نفسه هو رفع الصوت، ثم استعمل في الإحرام الذي هو نية الدخول في النسك، فإذا استعمل بالإحرام ساغ التعبير بقوله: باب: رفع الصوت بالإهلال، وإلا فالأصل أن الإهلال رفع الصوت، فهل نقول: باب رفع الصوت برفع الصوت؟ نعم؟ نعم، فإذا لبى بما يريد من الأنساك ورفع صوته بذلك وتابع التلبية برفع الصوت ما صار فيه وهم في الفهم، بخلاف ما لو قلنا: باب رفع الصوت برفع الصوت كما هو الأصل؛ لأن الإهلال هو رفع الصوت، لكن لما استعمل الإهلال بالإحرام نفسه ساغ رفع الصوت بالإحرام، وبالإهلال الذي هو معنى دخول، الدخول في النسك والتلبية به.
ورفع الصوت جاء في هذا الحديث، وجاء أيضاً في الحديث: ((أفضل الحج العج والثج)) العج: رفع الصوت بالتلبية، والثج: إراقة دماء الهدي.(68/17)
"حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن الحارث بن هشام عن خلاد بن السائب الأنصاري عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أتاني جبريل)) " يعني من قبل الله -جل وعلا-، ((فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية)) ((أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي)) يعني الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به أم لا؟ أو ليس بأمر به؟ ((مره فليراجعها)) أن يأمر ابنه أن يراجع ابنته ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع)) هنا ((أمرني أن آمر أصحابي)) هل للنبي -عليه الصلاة والسلام- أن يلبي سراً؟ لأنه مأمور أن يأمر وأمر، عليه أن يجهر مثلهم؟ أو نقول: هو مأمور بالأمر وخلاص وأمر وانتهى، وامتثل الأمر، فلا يرفع صوته بالتلبية؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن مثل هذا الأمر هل يتناول النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ يعني هل مطلوب من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يرفع صوته بالتلبية من خلال هذا النص الذي معنا؛ لأنها قاعدة عند أهل العلم، وهي مسألة خلافية، ومنشأ الخلاف أن من الأوامر المأمور بالأمر بها لا يمكن أن يتجه إلى المأمور، ومن الأوامر المأمور بالأمر بها يمكن اتجاهه إلى المأمور كغيره، صح وإلا لا؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
دعنا من الآمر، الآن أمرنا أن نأمر أولادنا بالصلاة لسبع، فهل هذا الأمر يتجه إلينا أو يتجه إلينا أن نأمر أولادنا بهذا الأمر؟ بمعنى أن المأمور هل هو داخل في ضمن هذا الأمر؟(68/18)
المسألة خلافية والسبب فيه ما سمعتم، أن من المأمورات ما يصلح أن يوجه للجميع ((مره فليراجعها)) عمر ويش علاقته بالمرأة؟ يصلح وإلا ما يصلح؟ ما يصلح، إذاً الأمر بمثل هذا الأمر لا يتجه إلى المأمور، نعم، لكن مثل الذي أمر ((فأمرني أن آمر أصحابي)) يتجه إليه؛ لأن الأمر يصح أن يواجه به -عليه الصلاة والسلام-، يعني لو قال زيد من الناس لولده الأكبر: قل لمحمد يشتري خبز، هل يتجه الأمر إلى الجميع كلهم يروحون يشترون خبز وإلا الأمر متجه إلى الأصغر في هذه الصورة؟ أو قل لزيد: لا يدخن، الكبير هذا المأمور بتبليغ هذا الأمر ما يدخن، قال: قل لأخيك زيد: لا يدخن، هذا ما يصلح أن يتجه إليه الأمر، فليس بمأمور به، إنما مأمور بتبليغ الأمر لمن يصح منه، وقل مثل هذا في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((مره فليراجعها)) أما إذا صح اتجاه الأمر إلى جميع الأطراف بأن كان التكليف به على الجميع على حد سواء ما يقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر أصحابه ولم يلبي، أمر أن يأمر أصحابه برفع الصوت بالتلبية وهو يلبي سراً، ما يمكن أن يقال مثل هذا، وقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يرفع صوته بها، بل كانوا يصرخون بها، ((أن آمر أصحابي أو من معي)) شك من الراوي ((أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية)) أو إيش؟ ((أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال)) أيضاً شك من الراوي هل قال هذا أو هذا، يريد أحدهما.(68/19)
يقول: "وحدثني عن مالك أنه سمع أهل العلم يقولون: ليس على النساء رفع الصوت بالتلبية لتسمع المرأة نفسها" المرأة لا يطلب منها رفع الصوت، ولذا لم تكلف بأذان؛ لأنه يتطلب رفع الصوت، فالمرأة ليس عليها رفع الصوت، وبهذا وبأمثاله من النصوص من يحتج على أن صوت المرأة عورة، لا يجوز أن يسمعه الرجال، صوت المرأة عورة لا يجوز أن يسمعه الرجال، ومنهم من يقول: هو ليس بعورة، وإنما المحظور الخضوع بالقول {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} [(53) سورة الأحزاب] يعني تسمعون كلامهن {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [(32) سورة الأحزاب] فالمحظور الخضوع بالقول لا أصل الصوت، وينبغي أن يكون صوت المرأة وسماعه بقدر الحاجة، إذا احتاجت إلى ذلك يسمع صوتها واحتيج إليها، أما ما عدا ذلك فيبقى أن الأصل المرأة تقر في بيتها، ولا تخالط الرجال، ولا تكلم الرجال؛ لأنها مثار فتنة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو لا بد من الاستدلال على كل قول، فالذي يقول: إن صوتها عورة، صوتها عورة يحرم أن يسمع صوتها، ويستدل على ذلك بأنها ليس في حقها أذان، ولا ... ، ليس عليها رفع صوت في التلبية، إنما تسمع المرأة نفسها، ووضع بالنسبة للمرأة من التشريع والاحتياط في حقها ما لم يوضع لغيرها، فدل على أن حكمها يختلف فعن حكم الرجال، ويبقى أن مثل قوله -جل وعلا-: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} [(53) سورة الأحزاب] يعني مثل هذا يمكن أن يتم بغير صوت؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يمكن، إذا سألتموهن متاعاً، أعطينا كذا، فتدفعه إليه من غير صوت، يتم وإلا ما يتم بالمعاطاة؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال هذا مما يستدل به على أن صوتها ليس بعورة.(68/20)
{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [(32) سورة الأحزاب] دل على أن أصل القول لا بأس به، وإنما الممنوع الخضوع فيه، وعلى كل حال مثل هذا لا سيما مع وجود من في قلبه مرض وما أكثرهم لا كثرهم الله، كثيرون جداً ممن يتربصون بالنساء الدوائر، وفي قلوبهم من أمراض الشهوات والشبهات ما يجعلهم يكثرون الطرق على هذا الباب، دعونا من عالم مخلص ناصح يبحث المسألة من أدلتها ليتوصل إلى الحق هذا مجتهد، إن أصاب له أجران، وإن أخطأ له أجر واحد، لكن من أراد أن يخرج المرأة من خدرها لمرض في قلبه، أو أراد أن يسمع صوتها، أو أراد أن تغشى أماكن الرجال لمرض في نفسه، ليخشى من قوله -عليه الصلاة والسلام- بعد أن أمر بالحجاب {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} [(59) سورة الأحزاب] قال: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} [(60) سورة الأحزاب] فإتباع هذه الآية بالآية الأولى ليس من طريق البعث، أما العالم المخلص الناصح التي توفرت عنده أدوات الاجتهاد ويجتهد في النصوص ويتوصل إلى رأي سواءً كان راجح أو مرجوح هذا لا يلام، مع أن على من يبحث مثل هذه المسائل أن يحذر أشد الحذر أن يؤخذ على غرة، ويحتاط لهذا الأمر؛ لأن أطراف متعددة تريد أن تبحث مثل هذه المسائل والذي عندها الله أعلم به، لكن الذي يغلب على الظن أنهم ليسوا بأهل أن يبحثوا مثل هذه المسائل؛ لأنه ولغ في مثل هذا أناس لا خلاق لهم، ولا مدخل لهم في مثل هذا، ولا مجال لهم في مثل هذه المسائل والبحوث، إنما هم لهم مآرب ولهم مقاصد، والله المطلع على السرائر.
يعني لماذا ما بحثوا غير هذه المسألة؟ يعني الذي يبحث في الصحف ووسائل الإعلام مسألة عورة المرأة، ووجه المرأة، وصوت المرأة هل يمكن أن يبحث شروط الصلاة وإلا أصناف من تصرف لهم الزكاة يبحث مثل هذه المسائل؟ ما يبحث مثل هذه المسائل، ولو طلب منه مثل هذا قال: أنا لست من أهل العلم، نعم، ثم إذا جاء الحجاب انبرى له وصار إمام يفتي ويعدل ويجرح ويصنع، فمثل هذا يتقون، ومثل هذه الظروف تبرز بعض من كان يختفي ويندس بين الناس، فالظروف الصعبة ينجم فيها النفاق، والله المستعان.(68/21)
فليحذر من يبحث هذه المسائل لمرض في قلبه وشيء في نفسه، لا طلباً للحق، أما من يطلب الحق هذا لا يلام، يعني قال بكشف الوجه أئمة ولا يلامون وهم مجتهدون ومأجورون على هذا، لكنهم يتفقون أنه في وقت الفتن أنه يجب ستر كل شيء، فنهتم لهذا الأمر، والله المستعان.
"لتسمع المرأة نفسها" يعني من غير صوت "قال مالك: لا يرفع المحرم صوته بالإهلال في مساجد الجماعات" يعني لئلا يشوش عليهم "ليسمع نفسه ومن يليه إلا في المسجد الحرام ومسجد منى" لأنه يكثر فيهما من يلبي فلا تشويش "فإنه يرفع صوته فيهما".
"قال مالك: سمعت بعض أهل العلم يستحبون التلبية دبر كل صلاة، وعلى كل شرف من الأرض" يعني إذا لم يباشروا أسباب التحلل فإنهم يلبون، ولذا قالوا في التكبير المقيد: إنه يبدأ من فجر يوم عرفة إلا الحاج، فإنه يبدأ من ظهر النحر، لماذا؟ لأنه قبل ذلك مشغول بالتلبية، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(68/22)
الموطأ - كتاب الحج (6)
شرح: باب: إفراد الحج، وباب: القران في الحج.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: من أحرم قبل المواقيت الزمانية للحج فهل ينعقد إحرامه مع الكراهة أم لا؟
لا ينعقد إحرامه، أحرم بالحج في رمضان لم ينعقد إحرامه.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: إفراد الحج:
حدثني يحيى عن مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن عن عروة بن الزبير عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحجة وعمرة، ومنا من أهل بالحج وحده، وأهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج، فأما من أهل بعمرة فحل، وأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر".
وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفرد الحج.
وحدثني عن مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفرد الحج.
وحدثني عن مالك أنه سمع أهل العلم يقولون: من أهل بحج مفرد ثم بدا له أن يهل بعده بعمرة فليس له ذلك.
قال مالك -رحمه الله تعالى-: وذلك الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: إفراد الحج" والباب الذي يليه القران، الأنساك ثلاثة، منها الإفراد، موضوع الباب الأول، والقران موضوع الباب الثاني، والثالث التمتع.(69/1)
إفراد الحج: أن يأتي بالحج وحده مفرداً ولا يضيف إليه ولا يجمع معه عمره، سواءً كانت معه في أفعاله كالقران، أو تقدمت عليه في أشهر الحج من غير سفر كالتمتع، والقران: أن يجمع النسكين في سفرة واحدة وبأعمال واحدة، والتمتع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم يفرغ من جميع أعمالها ثم بعد ذلك يحرم بالحج من غير أن يقطع بينهما بسفر، هذا هو التمتع، والإفراد رجحه جمع من أهل العلم، يرون ترجيح الإفراد؛ لأنه يخصص الحج بسفر مفرد، بخلاف القران الذي يأتي بالحج والعمرة بسفرة واحدة، وكذلك التمتع، فالإفراد أفضل من هذه الحيثية، شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- يرى أن من أفرد الحج بسفرة مستقلة أفضل اتفاقاً، وكلامه محمول على من أراد أن يؤدي ما أوجب الله عليه دون زيادة، يعني شخص يقول: لن أتطوع لا بحج ولا بعمرة، أريد أن أؤدي ما أوجب الله عليه حج، حجة الإسلام فقط، وعمرة الإسلام فقط، نقول في مثل هذه الصورة: الإفراد أفضل وهي التي عليها الاتفاق الذي ذكره شيخ الإسلام، أما من أراد أن يتابع بين الحج والعمرة فكونه يأتي. . . . . . . . . نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
اتفاقاً نعم، لكن هذا الاتفاق محمول على هذه الصورة التي ذكرت لوجود الخلاف؛ لأن من أهل العلم من يفضل القران، ومنهم من يفضل التمتع، فكيف يقال: إن الإفراد اتفاقاً إلا إذا حمل على هذه الصورة، يعني المسألة مفترضة في شخص يقول: لن أزيد على ما أوجب الله علي فهل أفرد أو أتمتع أو أقرن؟ نقول: افرد، من أجل أن تنشئ سفر للحج، وتنشئ شفر للعمرة، أما إذا كان يريد أن يكرر الحج والعمرة، ويتقرب إلى الله -جل وعلا- بهذه الأعمال الفاضلة التي جاء الحث على متابعتها وتكريرها ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) نقول: تمتع؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر أصحابه به، نعم، أمر أصحابه أن يجعلوا إحرامهم عمرة، فيتمتعون ويوحلون الحل كله بعد أداء العمرة، ثم يحرمون بالحج؛ لأن هذه العمرة قدر زائد على ما يريد أن يأتي به، نعم.(69/2)
ومنهم من يفضل القران، أولاً: تفضيل الإفراد من هذه الحيثية عند شيخ الإسلام لا خلاف فيه، وحملناه على الصورة التي سمعنا، وبعض العلماء يفضل الإفراد مطلقاً، هذا نقل من كلام شيخ الإسلام للحاج أحوال، وعلى كل حال يكون الأفضل فيها نوع من أنواع النسك، هذا انتهينا من التقرير، نقرأ هذا.
ومن أهل العلم من يفضل التمتع؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر به، وأسف على سوق الهدي ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي وجعلتها عمرة)) فهذا مع أمره -عليه الصلاة والسلام- لأصحابه بأن يجعلوها عمرة صريح في تفضيل التمتع، ومنهم من يفضل القران لأنه هو حج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل.
إحرام النبي -عليه الصلاة والسلام- وحج النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء ما يدل على أنه حج مفرداً، وأهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه حج قارناً، وهذا هو المرجح عند أهل العلم، وجاء من قول الصحابي: "تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتمتعنا معه" فالأنساك الثلاثة نسبت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.(69/3)
حديث عائشة الذي معنا: "حدثني يحيى عن مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن" بن نوفل بن خويلد، كان يتيماً في حجر عروة "عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع -لخمس بقين من ذي القعدة- فمنا من أهل بعمرة" يعني فقط "ومنا من أهل بحجة وعمرة" الذي أهل بالعمرة فقط هذا المتمتع "ومنا من أهل بحجة وعمرة" هذا القارن "ومنا من أهل بالحج" يعني وحده وهذا المفرد "وأهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج" منا من أهل بعمرة، جاء في حديثها وهو قبل هذا الحديث في صحيح البخاري مباشرة، قالت: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا نرى إلا أنه الحج، لا نعرف العمرة كما جاء في بعض الروايات: لا نرى إلا أنه الحج، فلما قدمنا –قدمنا مكة- تطوفنا بالبيت، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- من لم يكن ساق الهدي أن يحل، يعني حديثها الثاني يدل على أن منهم من أهل بعمرة؟ لا، كلهم على كلامها أهلوا بالحج، ولا نرى إلا أنه الحج، وحديثها الذي معنا: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحجة وعمرة، ومنا من أهل بالحج، فيه تعارض وإلا ما فيه تعارض؟ الظاهر التعارض، وهذا الحديث بعد الحديث الذي سقناه في الصحيح في البخاري.
يقول ابن حجر: يحمل هذا على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج، يعني خرجنا لا نرى إلا أنه الحج، ولا نعرف العمرة، يعني في السابق كانوا لا يرون إلا أنه الحج، ولا يعرفون العمرة في أشهر الحج إلى أن وصلوا المحرم فأعلمهم النبي وأخبرهم -عليه الصلاة والسلام- بأنواع النسك، وقال: ((من أراد أن يهل بعمرة)) ((من أراد أن يهل بحج)) ((من أراد أن يهل بحج وعمرة)) فعرفهم المناسك إلى أن وصلوا الميقات لا يرون إلا أنه الحج، ولا يعرفون العمرة في أشهر الحج، لما وصلوا الميقات أعلمهم الأنساك الثلاثة.(69/4)
تقول: "فلما قدمنا تطوفنا بالبيت" يعني أخبرهم الأنساك الثلاثة على التخيير في المحرم، لما قدموا مكة وطافوا بالبيت أمر يعني أكد على التمتع نعم، كأنه صار في بعض في نفوس بعضهم شيء من العمرة في هذا الوقت؛ لأنهم في الجاهلية كانوا يرونها من أفجر الفجور، فأراد -عليه الصلاة والسلام- أن يجتث هذا الإشكال من قلوبهم، فأمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة، أمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة، وأخبرهم بجواز الأنساك الثلاثة في المحرم، ومنهم من أهل، وخرجوا من المدينة لا يعرفون إلا الحج، كما تقول عائشة، لما وصلوا المحرم خيرهم بين الأنساك الثلاثة، لما طافوا بالبيت أمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة، والسبب في هذا ما سمعتم؛ لأن الإشكال ما زال، يعني بعضهم أحرم بعمرة وفي نفسه شيء كما كان في أنفسهم من السعي بين الصفا والمروة، نعم كان في أنفسهم شيء من السعي بين الصفا والمروة لأنهم كانوا يسعون بينهما بين صنمين لإساف ونائلة، نعم فبقي في أنفسهم شيء، وهم يرون النبي -عليه الصلاة والسلام- يسعى بينهما، وبعض الشبه يصعب اجتثاثها، ومثل هذا المكان الذي يطاف فيه بين صنمين لا شك أنه يشق على النفس أن تؤدى عبادة نعم يتقرب بها إلى الله -جل وعلا- وكان هذا المكان مما يتقرب فيه لغيره -جل وعلا-، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يجتث هذه الشبهة من أعماق قلوبهم فأمرهم أمر وألزمهم إلزام بأن يجعلوها عمرة، ولوحظ مثل هذا، لوحظ مثل هذا الظرف الذي جاء الأمر فيه فقال جمع من أهل العلم أو عامة أهل العلم على أن التمتع ليس بواجب، لولا وجود مثل هذا الذي احتف بهذا الأمر لكان وجوبه متجهاً فقد قيل به، قال بعض العلماء بوجوب التمتع لهذا الأمر، لكن إذا عرفنا السبب الذي من أجله أمر بالتمتع قلنا: إنه بالنسبة لهم واجب لتزول هذه الشبهة لمن لم يسق الهدي، أما بالنسبة لغيرهم فالأدلة الصحيحة الصريحة دلت على جواز الأنساك الثلاثة.(69/5)
وبعضهم استنبط من هذا الظرف الذي جاء فيه هذا الأمر أن هذا الأمر خاص بالصحابة، وأن من أهل بشيء لزمه إتمامه، ولا تغير النية بعد ذلك، فمن أهل بالحج لا يجوز له أن يقلبه إلى عمرة، من كان قارناً ولم يسق الهدي لم يجز له أن يحوله إلى عمرة، نعم؛ لأنه لحظ الظرف الذي جاء فيه هذا الأمر، واضح وإلا ما هو بواضح، يعني هذا الظرف لا شك أنه احتف بهذا الأمر، فمن أهل العلم من قال، يعني أوغل في إدخال الظرف في الحكم، فقال: إن قلب الإحرام من حج إلى عمرة خاص بالصحابة تلك السنة لتزول الشبهة فقط، وإلا من أحرم بنسك لزمه إتمامه، ومنهم من قال: هذا الأمر بغض النظر عما احتف به يدل على وجوب التمتع، والقول الوسط في هذه المسألة أن هذا الظرف معتبر، لكن لا يختص بهم، فيرجح التمتع على غيره للأمر به، ويكون الظرف الذي احتف بهذه القصة صارف لهذا الأمر من الوجوب إلى الاستحباب.
يقول: يحمل هذا على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج فخرجوا لا يعرفون إلا الحج، فبين لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وجوه الإحرام في الميقات، وجوز لهم الاعتمار في أشهر الحج، لكن هذه الشبه ما زالت تراود بعضهم حتى أمرهم بقلب الإحرام إلى عمرة، وهذا متى؟ بعد أن طافوا بالبيت، وبهذا الأسلوب تزول الشبهة.
لما توقفوا أو صار في أنفسهم شيء من السعي بين الصفا والمروة؛ لأنهم كانوا يعظمون فيه غير الله -جل وعلا-، سعى النبي -عليه الصلاة والسلام- ونزل قوله -جل وعلا-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(158) سورة البقرة] يعني الإثم الذي يجدونه في نفوسهم مرتفع، نعم، "فمنا من أهل بعمرة" يعني فقط، وهذا هو المتمتع بأن يهل بعمرة، وهذا إذا لم يسق الهدي ترجح في حقه أن يهل بعمرة، ثم يفرغ من أعمالها بالطواف والسعي والتقصير، ثم يحل له كل شيء، فإذا جاء يوم التروية أهل بالحج، وأكمل أعماله.(69/6)
يقول: "ومنا من أهل بحجة وعمرة" يعني جمع بينهما فصار قارناً "ومنا من أهل بالحج وحده" فصار مفرداً، "وأهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج" وذكرنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جاء في نسكه -عليه الصلاة والسلام- أنه أهل حج مفرداً، وجاء عنه أنه حج قارناً، وجاء عنه أنه حج متمتعاً، وهنا يقول: "أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج" مفاده أنه حج مفرداً، فإما أن يقال في مثل هذا: إنه أهل أول الأمر بالحج إلى أن جاءه الجائي فقال له: ((صل في هذا الوادي المبارك، وقل: لبيك حجة وعمرة)) يعني اجمع بينهما، فصار قارناً، ومنهم من يقول: إن هذا تعبير من عائشة ومن غيرها من الصحابة ممن نقل عنه أنه حج مفرداً أنه رأى أو نظر إلى صورة فعله -عليه الصلاة والسلام-، وصورة ما يفعله القارن وما يلزم القارن من أعمال لا تختلف عن صورة من حج مفرداً، الصورة ما تختلف، حج القارن مثل حج المفرد، ودخلت العمرة في الحج، ومن قال: إنه حج قارناً فنظر إلى آخر الأمرين من إهلاله -عليه الصلاة والسلام- وأنه لما قيل له: ((صل في هذا الوادي المبارك)) وقيل: جمع بينهما، وهذا هو المرجح عند أهل العلم أنه حج قارناً، ومن قال إنه -عليه الصلاة والسلام- حج متمتعاً نظر إلى المعنى العام للتمتع، وأصل التمتع الترفه بترك أحد السفرين، فالمعنى العام للتمتع يشمل القران والتمتع الاصطلاحي، ومن نظر إلى المعنى الخاص للتمتع وهو الحل بين النسكين، الحل التام والاستمتاع بما يمنع منه المحرم حتى النساء حمله على المعنى الخاص، فما نقل عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه تمتع معناه أنه جمع بينهما في سفرة واحدة كالمتمتع، ومنهم من نسب التمتع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لأمره به؛ لأنه أمر أصحابه بالتمتع، فلكونه أمر به ينسب إليه، وهذا في الاستعمال اللغوي كثير كما يقال: فعل الأمير كذا، إذا أمر بفعله، لا يلزم أن يباشره بنفسه، وعلى كل حال المرجح أنه -عليه الصلاة والسلام- حج قارناً.(69/7)
"فأما من أهل بعمرة فحل" الحل كله، وله أن يباشر امرأته إذا أدى جميع أعمال العمرة، أهل بها، ثم طاف وسعى وقصر، خلاص انتهى، لكن هل له أن يعود إلى بلده وقد جاء بنية التمتع من بلده؟ له ذلك أو ليس له ذلك؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، الإنصاف اللي يقوله، الإنصاف الذي يقول: ليس له ذلك بلا نزاع، لكن المراد بلا نزاع عنده في المذهب، أما إذا حل الحل كله ولم يدخل في نسك الحج ما الذي يلزمه بالحج؟ نعم، يعني أدى العمرة وحل من الحل كله فرأى الزحام شديد، أو استدعي من قبل أهله، يلزم حضورك عندهم مشكلة، وقد أدى حجة الإسلام قبل ذلك، ما الذي يلزمه بالدخول في النسك؟ نعم؟ هو حل الحل كله، الجهة منفكة، جاء بالنسك كامل، وقال: والله أنا الحج نفل ولا دخلت فيه ما الذي يلزمني فيه؟ ولا يلزم إلا بالشروع وأنا ما شرعت، لا يوجد ما يمنع، لكن إذا أهل مفرداً أو أهل قارناً ثم لما طاف طواف القدوم أو طواف العمرة إيش؟ طواف القدوم، لما طاف للقدوم، قال: أريد أن أجلها عمرة كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، ثم لما تم من أعمال العمرة، قال: ما الذي يلزمني بالحج وأنا ما شرعت فيه؟ لا، نقول: لا، يلزمك، يلزمك؛ لأنك لك أن تقلب النسك إلى أعلى وليس لك أن تنزل في النسك، أنت جئت مفرد وأهللت بالحج أو قارن لك أن تقلب إلى أعلى التمتع، لكن ليس لك أن تقلب إلى عمرة مفردة، وقد يتحايل بعض الناس على الرجوع إلى بلده بمثل هذا، فلا يجوز في مثل هذه الصورة، أما إذا جاء، نعم في ذهنه أن يحج، نعم بعد أن يؤدي العمرة، لكنه إلى الآن ما دخل في النسك، وما شرع فيه ليلزم به، كمثل شخص وصل المحرم فقيل له: ارجع، وهو ما بعد تلبس بالنسك له أن يرجع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
ينقطع التمتع، ينقطع التمتع.
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . مفردين، يحرمون من الميقات.
طالب:. . . . . . . . .
من الميقات إيه، إذا رجعوا إليه يحرمون منه.(69/8)
"فأما من أهل بعمرة فحل" يعني بعد أن أداها طاف وسعى وقصر "وأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر" لا بد أن يتموا الحج لا يحلون حتى يوم النحر، فمن أهل بحج أو جمع بينهما والصورة واحدة لا تختلف إذا وصل قدم البيت طاف للقدوم، وسعى بعده سعي الحج، ثم بعد ذلك يبقى على إحرامه حتى ينزل من عرفة إلى مزدلفة، ثم إلى منى يرمي وينحر ويحلق ثم يطوف بالبيت طواف الإفاضة، والسعي ما عليه سعي؛ لأنه سعى بعد طواف القدوم بخلاف المتمتع، العمرة منفكة بطوافها وسعيها، والحج منفك بطوافه وسعيه.
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفرد الحج" وذكرنا أن هذا محمول على أول الأمر أنه أحرم مفرداً، ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك وأدخلها على الحج، يعني أحرم بهما معاً.
أنا قلت: الظرف الذي قيل فيه هذا الكلام نعم واختلفت أفهام أهل العلم في فهم هذا الظرف وتأثيره على الأمر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . .
أمرهم، كل هذا ذكرناه، ومر علينا، وقلت: إن الظرف الذي احتف به هذا الأمر ... ، أنت تعرف أن من الأوامر ما هو للإباحة فقط إذا كان بعد حظر، تعرف؟ هناك أوامر للإباحة، وهناك أوامر للاستحباب، وهناك أوامر للوجوب نعم، الظرف الذي قيل فيه هذا الأمر لا شك أن له أثر، والعلماء نظروا إلى هذا الأثر، فمن قال: إن أمره -عليه الصلاة والسلام- إنما هو لمجرد اجتثاث الشبه من قلوبهم، وإلا فالأصل أن من أحرم بشيء لزمه إتمامه، قال: هذا خاص بالصحابة، ولا يتجه الأمر لغيرهم، ولا يجوز لأحد أن يحرم بحج مفرد ثم يدخل عليه عمرة أو العكس يبقى على إحرامه، وذلك الأمر خاص بالصحابة للظرف الذي ذكرناه، نعم، ومنهم من أعرض عن ذكر الظرف ونظر إلى الأمر مجرداً، وقال: يجب أن يحول الحج إلى عمرة، وأوجبوا التمتع، وهذا قول معروف، نعم والبقية توسطوا، الجمهور توسطوا، فقالوا: ليس بخاص بالصحابة ولا يلزم قلب الإحرام إلى عمرة، إنما لا شك أن الظرف له أثره فيكون صارف لهذا الأمر من الوجوب إلى الاستحباب.(69/9)
عاد المحقق في الأمر بعد الحظر أن الأمر يعود إلى ما كان عليه قبل الحظر، فإن كان للاستحباب فهو للاستحباب، إن كان للوجوب فللوجوب، إن كان للإباحة فهو للإباحة، يعني مثله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} [(2) سورة المائدة] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا} [(10) سورة الجمعة] {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا} [(53) سورة الأحزاب] هذه الأوامر ... ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، مثل ما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد طواف القدوم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن ماذا عن الأمر النبوي؟ لا شك أن فهم السلف لا سيما كبارهم مقدم على غيرهم، لكن يبقى أن الحكم النص، فمن وافق قوله النص فهو المقدم، ولذلك يقول ابن عباس: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله وتقولون: قال أبو بكر وعمر" هذا كلامه -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
لا، الجمهور رأوه صارف من الوجوب إلى الاستحباب، رأوه صارف وإلا فالوجوب ظاهر، الوجوب، الأصل في الأمر الوجوب، نعم، لكن مع ذلك عامة أهل العلم على أنه للاستحباب.
يقول: "وحدثني عن مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن" بن نوفل بن خويلد، الذي كان يتيماً في حجر عروة "عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفرد الحج" كسابقه.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه سمع أهل العلم يقولون: من أهل -يعني أحرم- بحج مفرد ثم بدا له أن يهل بعده بعمرة فليس له ذلك" ثم بدا له أن يهل بعده يعني معه يدخلها عليه أهل بحج مفرد، ثم أراد أن يدخل العمرة على الحج؟ أو يهل بحج مفرد فإذا تمت أعماله جاء بعده بعمرة كما صنعت عائشة -رضي الله عنها-؟(69/10)
يقول: "ثم بدا له أن يهل بعده بعمرة فليس له ذلك" أي الصورتين؟ هل المراد أنه يدخل العمرة على الحج المفرد فيصير قارناً أو أنه إذا أتى بالحج المفرد كاملاً أهل بعمرة مستقلة؟ فليس له ذلك؟ الآن عندنا من أهل قارناً معروف، نعم، من أهلت بعمرة ثم حاضت ولم تتمكن من أدائها إلا بعد عرفة، تدخل الحج على العمرة فتصير قارنة، هات عكس هذه المسألة من أهل بحج فقيل له: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- حج قارناً قال: أدخل العمرة على الحج فأصير قارناً؟ يجوز وإلا ما يجوز؟
طالب:. . . . . . . . .
من كلام مالك لا يجوز، وكأن هذا هو المراد، نعم، على هذا يتنزل كلام مالك، قال مالك ... ، نعم؟
طالب: يعني يقلب من إفراد إلى قران.
نعم، "قال مالك: وذلك الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا" والمراد المدينة؛ لأن أعمال العمرة داخلة في أعمال الحج فلا فائدة في إردافها عليه بخلاف عكسه، يعني إرداف الحج بالعمرة، يعني إدخال الحج على العمرة فيه فائدة، أما إدخال العمرة على الحج ما في فائدة يقول، فيستفيد به الوقوف والرمي والمبيت وغير ذلك من أعمال الحج.
وعلى كل حال إدخال العمرة على الحج محل خلاف بين أهل العلم، وقول مالك يدل على أنه لا يجيزها.
طالب: الأظهر أحسن الله إليك؟
والله ما دام ما ساق الهدي يبقى مفرداً.
طالب: إلا أن يتمتع؟
نعم؟
طالب: إلا أن يتمتع؟
إلا أن يتمتع، هذا كلام ملخص من كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- في أفضل الأنساك، يقول: أفضل أنواع الأنساك ... ، كأن هذا من موسوعة فقه ابن تيمية -رحمه الله-، يقول: للحاج أحوال، وفي كل حال يكون الأفضل فيها نوع من الأنساك، الحالة الأولى: أن يسافر للحج سفرة وللعمرة سفرة أخرى في غير أشهر الحج وهذا أفضل من مجرد التمتع أو القران، وهذا الذي فعله أبو بكر وعمر وعلي -رضي الله عنهم-، وإن تمتع في السفرة الثانية فهو أفضل، فإن كثيراً من الصحابة الذين حجوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا قد اعتمروا قبل ذلك، ومع ذلك فقد أمرهم بالتمتع ولم يأمرهم بالإفراد؛ لأنه يجمع بين عمرتين وحجة وهدي وهو أفضل من عمرة وحجة.(69/11)
الكلام الذي ذكرناه ظاهر في هذه المسألة، يعني تنزيل الاتفاق الذي ذكره شيخ الإسلام على الصورة التي صورناها الظاهر أن كلام الشيخ ما يحتمل غيرها؛ لأنه يقول: وإن تمتع في السفرة الثانية فهو أفضل، يعني مفترض سافر للعمرة فقط، ثم سافر ثانية، يقول: أتمتع وإلا أفرد؟ هل نقول: الأفضل في حقك الإفراد لأنك خصصت العمرة بسفر وهو ما عنده مانع يتمتع؟ نقول: تمتع، لكن الذي يقول: أنا لا أزيد على ما أوجب الله علي، أجمعهن بسفرة واحدة وإلا بسفرتين؟ نقول: سفرتين أفضل، وعلى هذا ينزل كلام شيخ الإسلام -رحمه الله-.
يقول: فإن كثيراً من الصحابة الذين حجوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذه اللفظة نقل الاتفاق عليها أشكل على كثير من طلاب العلم، كانوا قد اعتمروا قبل ذلك، ومع ذلك فقد أمرهم بالتمتع ولم يأمرهم بالإفراد؛ لأنه يجمع بين عمرتين وحجة وهدي وهو أفضل من عمرة وحجة.
الحالة الثانية: إن أفرد العمرة بسفرة في أشهر الحج ثم قدم للحج والتمتع في حق هذا أفضل، أظن هو الكلام نفسه الذي قبله، نعم؟
الحالة الثالثة: أن يسافر إلى مكة قبل أشهر الحج ويعتمر ويقيم في مكة حتى أيام الحج فالإفراد في حق هذا أفضل باتفاق الأئمة، أن يسافر إلى مكة قبل أشهر الحج ويعتمر ويقيم في مكة حتى أيام الحج فالإفراد في حق هذا أفضل باتفاق باعتبار أن عمرة المكي مختلف فيها وهو في حكم المكي، وفي عمرة المكي خلاف، وفي تمتع المكي خلاف، وإذا تمتع لم يلزمه هدي على القول الصحيح {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(196) سورة البقرة] فهو في حكمهم، نعم.
الحالة الرابعة: أن يجمع بين الحج والعمرة في سفرة واحدة في أشهر الحج، وفي هذه الحالة ينظر فإن كان ساق الهدي معه من الحل فالقران في حقه أفضل، وإن لم يسق الهدي فالتمتع في حقه أفضل.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: القران في الحج:(69/12)
حدثني يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن المقداد بن الأسود دخل على علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- بالسقيا وهو ينجع بكرات له دقيقاً وخبطاً، فقال: هذا عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- ينهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة فخرج علي بن أبي طالب وعلى يديه أثر الدقيق والخبط، فما أنسى أثر الدقيق والخبط على ذراعيه حتى دخل على عثمان بن عفان، فقال: أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة؟ فقال عثمان: ذلك رأيي فخرج علي مغضباً، وهو يقول: لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معاً".
قال مالك -رحمه الله-: الأمر عندنا أن من قرن الحج والعمرة لم يأخذ من شعره شيئاً ولم يحلل من شيء حتى ينحر هدياً إن كان معه ويحل بمنى يوم النحر.
وحدثني عن مالك عن محمد بن عبد الرحمن عن سليمان بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع خرج إلى الحج، فمن أصحابه من أهل بحج، ومنهم من جمع الحج والعمرة، ومنهم من أهل بعمرة فقط، فأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلل، وأما من كان أهل بعمرة فحلوا.
وحدثني عن مالك أنه سمع بعض أهل العلم يقولون: من أهل بعمرة ثم بدا له أن يهل بالحج معها فذلك له ما لم يطف بالبيت وبين الصفا والمروة، وقد صنع ذلك ابن عمر -رضي الله عنهما- حين قال: إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم التفت إلى أصحابه فقال: ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أني أوجبت الحج مع العمرة.
قال مالك -رحمه الله-: وقد أهل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع بالعمرة، ثم قال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: القران في الحج" المراد بالقران الجمع بين النسكين في أفعالهما كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-،(69/13)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد" بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالصادق "عن أبيه" محمد بن علي بن الحسين المعروف بالباقر، وكلاهما من أئمة الهدى، ولا يضيرهما ما نسب إليهما زوراً وبهتاناً، وأهل السنة أهل عدل وإنصاف يروون عن مثل هذين لإمامتهما، ولا يؤثر فيهما ما نسب إليهما، وما نقل عنهما من الكذب والبهتان "أن المقداد بن الأسود دخل على علي بن أبي طالب بالسقيا" قرية بطريق مكة "وهو ينجع -يسقي- بكرات له" والبكرات جمع بكرة، وهي ولد الناقة، وتطلق الآن على الأنثى فقط "وهو ينجع بكرات له دقيقاً وخبطاً" الخبط ورق الشجر الذي يُنفض بالمخابط، عُصي تضرب بها الشجر حتى ينزل ورقها "فقال: هذا عثمان بن عفان" دخل فقال، يعني المقداد دخل على علي بن أبي طالب فقال له: "هذا عثمان بن عفان ينهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة" وإنما يأمر بالإفراد فلا يجمع بين النسكين بسفرة واحدة "ينهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة، فخرج علي بن أبي طالب وعلى يديه أثر الدقيق والخبط، فما أنسى أثر الدقيق" ومثل هذا يستدل به على أن الراوي ضبط القصة، وحفظها وحفظ ما يحتف بها "فما أنسى أثر الدقيق والخبط على ذراعيه، حتى دخل على عثمان بن عفان فقال: أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة؟ " والمسألة في خلافة عثمان "أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة؟ " يعني واجهه -رضي الله عنهما- بالإنكار، واجهه بذلك لأمن المفسدة، وكلاهما من الراشدين الذين يقولون بالحق ويؤثرونه على آرائهم، والمفسدة منتفية.(69/14)
"أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة؟ " وإلا فالأسلوب قوي، فمثل هذا الأسلوب إذا أمنت الفتنة .. ، أولاً: التغيير والإنكار أمر لا بد منه مع أي شخص كان مرتكبه كائناً من كان، لكن يتحرى الأسلوب المناسب الذي يضمن التغيير ولا يترتب عليه مفسدة، أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة؟ يعني قد يقول قائل: لماذا لا يكون التغيير بطريقة على طريقة السؤال، ما رأيك -رضي الله تعالى عنك وأرضاك- فيمن يقرن بين الحج والعمرة بسفرة واحدة؟ يعني هذه الأسلوب لا شك أنه بالنسبة لبعض الناس الذين يخشى منهم أو ليس عندهم من الإيمان واليقين ما ينصاعون إلى الحق بسببه بمثل هذا الأسلوب، النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى الداخل، الداخل من باب المسجد يراه النبي -عليه الصلاة والسلام- وجلس، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((هل صليت ركعتين؟ )) أسلوب مناسب جداً، لكن لو قال له: قم فصل، قد يثقل على نفسه مثل هذا الأمر، مع أنه استعمله -عليه الصلاة والسلام- في بعض الأحيان حين أمن من هذه المفسدة، وعلى كل حال لكل مقام مقال، ولكل شخص ما يناسبه من الأساليب؛ لأن الهدف تغيير المنكر، هذا القصد وهذا الهدف، فإذا تغير المنكر بأي أسلوب يناسبه هذا هو الهدف، ولذا بعض الناس يغير ما يرتكبونه من المنكرات باليد؛ لأنه لا يترتب على ذلك مفسدة، وهو الأصل، إن لم يستطع هذا أو هذه المرتبة لا يستطيعها المغير ينتقل إلى المرتبة التي تليها وهكذا، فلا يغير المنكر بما يترتب عليه من مفاسد هي قد تكون أعظم منه، أيضاً إقرار المنكر والتواطؤ على إقراره والسكوت عنه لا يجوز، بل إنكار المنكر فرض على الأمة، وهو سبب خيريتها {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [(110) سورة آل عمران] وما وصل الأمر إلى الحد الذي يعيشه المسلمون في سائر البقاع إلا بترك هذه الشعيرة، حتى إذا كثر الأمر، وكثر الخبث التفت بعض الناس إلى الإنكار بعد أن عمت البلوى بكثير من المنكرات مما لا يستطاع تغييرها الآن، ومع ذلك لا يأس، كل يغير حسب استطاعته، وحسب قدرته على أن يسلك الأسلوب المناسب؛ لأن الهدف تغيير المنكر، أما إذا(69/15)
ترتب على التغيير منكر أعظم منه فلا.
"أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة؟ " يعني أبو سعيد -رضي الله عنه- ينكر على مروان وهو على المنبر، الفتنة مأمونة؛ لأن العصر عصر صحابة؛ لأنه في عصر الصحابة، الصحابة متوافرون، والحق ظاهر، والتعصب للرأي قد لا يوجد إلا على أمن على شيء يسير، وإلا قل أن يسلم منه، على كل حال إذا أمكن التغيير فالأصل التغيير باليد ثم اللسان ثم القلب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال إذا كان يتأذى المنكر يتضرر المنكر بنفسه أو ماله أو ولده يجعلونه صارف، إذا ترتب على ذلك مفسدة تتعدى المنكِر نعم إذا كان هناك مفسدة تتعدى المنكِر فمثل هذا لا يقدم على الإنكار إلا بأسلوب يناسب، وإذا كان المنكر لا يستطيع إنكار مثل هذا المنكر ويعرف من يستطيع تغييره عليه أن يتصل، من إنكاره لهذا المنكر أن يتصل بمن يستطيع تغييره، والتعاون بين الأمة صغارها وكبارها، شيوخها وطلابها، عوامها وعلمائها الأمر لا بد منه.
"فقال: أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة؟ فقال عثمان: ذلك رأيي" ذلك رأيي لماذا؟ لأنه فهم أن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة بقلب الإحرام من حج إلى عمرة أنه فهم أنه خاص بهم، وقد صرح به بعض الصحابة، فقال: ذلك رأيي، يعني فهمي، وأوردنا الاحتمالات الثلاثة والأقوال الثلاثة التي قيلت من أجل ما احتف بذلك الأمر من ظرف.
"ذلك رأيي، فخرج علي مغضباً وهو يقول" ولا بد من الغضب إذا انتهكت محارم الله، نعم هذه وجهة نظر لعثمان وهو أمير المؤمنين وهو الخليفة لكن مثل هذه الوجهة لا يعارض بها النص المرفوع، نعم ينظر ما عنده من شبهة فإن أمكن كشفها بها فنعمت، وإن أصر يبين الحق على أي حال.(69/16)
"فخرج علي مغضباً وهو يقول: لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معاً" غير -رضي الله تعالى عنه- وأنكر بلسانه، ثم فعل ما يدل على إنكاره ما سمع وما رأى، فأنكر بالفعل والقول، فتظافر عليه قوله وفعله -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، قال مالك: الأمر عندنا أن من قرن الحج والعمرة أو قرن الحج والعمرة، لم يأخذ من شعره شيئاً، ولم يحلل من شيء حتى ينحر هدياً {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [(196) سورة البقرة] حتى ينحر هدياً إن كان معه ويحل بمنى يوم النحر، متى؟ إذا فعل أمرين، نعم، إذا رمى الجمرة وحلق لكن ولم يحلل من شيء حتى ينحر هدياً، هل نحر الهدي من أسباب التحلل عند أهل العلم؟ مع أنه جاء النص الصحيح، نص القرآن، النهي عن حلق الرأس حتى يبلغ الهدي محله، لكن هل بلوغ الهدي محله وقت حلوله، أو مكان حلوله؟ نعم؟ مكان حلوله، يعني لو أرسل الهدي إلى منىً قبل عرفة، بلغ المكان، يحلق؟ إيه إذاً الوقت نعم، ولذا قال: حتى ينحر هدياً إن كان معه، ويحل بمنىً يوم النحر، مكان الحلول، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(69/17)
يعني الإلزام، يعني ليس بإلزام، على كل حال على أي حال كان إذا نهى عن أمر فيه نص نعم ينكر عليه، وهذه المسألة فيها نص، نقول: الخلاف في الفهم، أنا أوردت هذا ورددته أكثر من مرة، الخلاف في الفهم، الظرف الذي احتف بهذا الأمر ما هو؟ ما وقع في نفوسهم مما ورثوه من الجاهلية، وأن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، لما وصل إلى الميقات خيرهم بين الأنساك الثلاثة، ومنهم من أهل بعمرة، منهم من أهل بحج، ومنهم من أهل بحج وعمرة، نعم، وبقي في أنفسهم شيء إلى أن دخلوا مكة، وفي أنفسهم شيء، يعني مثل ما نظرنا السعي بين الصفا والمروة بقي بأنفسهم شيء لأنه كان يسعى بين صنمين، نعم؟ وتأنف النفس عموماً يعني ... ، مسألة الحكم هو النص، يعني سعى النبي -عليه الصلاة والسلام- بين الصفا والمروة، نعم، ونزل قوله -جل وعلا-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(158) سورة البقرة] فلا بد أن يرتفع ما في النفوس، لكن قد يبقى في النفس شيء، أنت الآن لو معك مصحف، مصحف كلام الله -جل وعلا-، وعندك كرتون جديد من المصنع، لكن داخله حفايض جدد، تجي تضع المصحف فوقه ما في نفسك شيء أنت؟ هذا جديد من المصنع، ما فيه شيء، لو حملته وأنت تصلي ما عليك شيء، صلاتك صحيحة طاهر، لكن يبقى من بعض الأمور في النفس شيء، لا سيما إذا اختلط بالعبادة ما يضادها، فهم كانوا يطوفون بين الصفا والمروة لصنمين، نعم، فبقي من أنفسهم شيء فسعى النبي -عليه الصلاة والسلام- بفعله، ونزل قول الله -جل وعلا-: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(158) سورة البقرة] فاجتث ما في قلوبهم، وهنا خيرهم بين الأنساك ثم ما زال في أنفسهم شيء، حتى أمرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بأن يقلبوا إحرامهم إلى عمرة، أن يجعلوها عمرة، فاجتث ما في قلوبهم، لما اجتث ما في قلوبهم وانتهى هذا الأمر عاد الأمر إلى ما كان عليه من جواز الأنساك الثلاثة.(69/18)
عثمان -رضي الله عنه- ربط الأمر نعم ربط الأمر بهذا الظرف فرأى أن هذه الظرف ارتفع، فالأمر المرتبط به ارتفع أيضاً، وغيره من أهل العلم منهم من قال: إن الأمر ثابت وقائم إلى قيام الساعة فأوجب التمتع، نعم، ومنهم من نظر إليه من زاوية وقال: إن هذا الظرف له أثر في الأمر، لكن لا يعني وجوب الأمر يصرفه من الوجوب إلى الاستحباب، ولا يعني أنه لا أثر له بالكلية فلا يجوز قلب الإحرام، وهذا رددناه.
يقول: "وحدثني عن مالك عن محمد بن عبد الرحمن عن سليمان بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" سليمان بن يسار من الفقهاء السبعة من التابعين فالخبر مرسل "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وقد تقدم موصولاً في أول الباب السابق.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، تابع تابع، إيه.
طالب:. . . . . . . . .
نعم إيه.
أن المقداد، يحكي قصة لم يشهدها.
طالب: يكون ضعيفاً؟
وين؟ لا، لا هو معروف، معروف من طرق أخرى، معروف من طرق أخرى ما في إشكال.
هذا الخبر الذي يليه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع خرج، هذا يحكي قصة أيضاً لم يشهدها، تابعي لم يشهد القصة فهي مرسلة، وهي ثابتة بالسند المتصل في الباب الذي قبله.
"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع خرج إلى الحج، فمن أصحابه من أهل بحج، ومنهم من جمع الحج والعمرة، ومنهم من أهل بعمرة، فأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلل" يعني حتى يوم النحر "وأما من كان أهل بعمرة فحلوا" الحل كله بعد أن أدوا جميع أعمالها وهذا تقدم.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه سمع بعض أهل العلم يقولون: من أهل بعمرة ثم بدا له أن يهل بحج معها فذلك له ما لم يطف بالبيت وبين الصفا والمروة" يعني أهل متمتعاً أو أهل بعمرة مفردة ثم أراد أن يدخل الحج على العمرة ليصير قارناً نعم، هذا إن كان له عذر، مثل حائض، كقصة عائشة، هذا لا إشكال فيه، وأما إذا أراد أن ينتقل من فاضل وهو التمتع إلى مفضول وهو القران فهذا فيه ما فيه عند بعض أهل العلم، ومالك يرى جوازه.(69/19)
"ثم بدا له أن يهل بحج معها فذلك له ما لم يطف بالبيت وبين الصفا والمروة، وقد صنع ذلك ابن عمر حين قال: إن صددت" يعني عام نزل الحجاج بمكة، وخشي أن يصد عن البيت "فقال: إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني أهل بعمرة فقال: إن صددت صنعنا مثل ما صنعنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديبية، نعم، صنعنا كما صنعنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا يرى في أول الأمر اجتهاده على أن هذا في عمرة كالحديبية "ثم التفت إلى أصحابه فقال: ما أمرهما إلا واحد" يعني الحج والعمرة واحد، إذا صددنا ننحر الهدي ولا عندنا إشكال، نحل، نعم "فقال: ما أمرهما إلا واحد، أشهدكم أني أوجبت الحج مع العمرة" فصار قارناً، أدخل الحج على العمرة، أهل بعمرة ليصنع كما صنع النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديبية، ثم قال: إن أمرهما واحد، إذا صددنا عن البيت سواءً كان بحج أو عمرة نذبح ما كان معنا من هدي، ونحلق رؤوسنا، وننتهي كما صنع النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديبية، وما أمرهما إلا واحد، وبهذا يستدل عمر على جواز إدخال الحج على العمرة.
"قال مالك: وقد أهل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع بالعمرة، ثم قال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة)) يعني يدخل الحج على العمرة، وهذا أفضل في حقه؛ لأنه ساق الهدي " ((ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً)) " والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(69/20)
الموطأ - كتاب الحج (7)
شرح: باب: قطع التلبية، وباب: إهلال أهل مكة ومن بها من غيرهم.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: قطع التلبية:
حدثني يحيى عن مالك عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفة كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: "كان يهل المهل منا فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه".
وحدثني عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- كان يلبي في الحج حتى إذا زاغت الشمس من يوم عرفة قطع التلبية.
قال يحيى: قال مالك -رحمه الله تعالى-: "وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا".
وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها كانت تترك التلبية إذا رجعت إلى الموقف.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقطع التلبية في الحج إذا انتهى إلى الحرم حتى يطوف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم يلبي حتى يغدو ....
يغدوَ.
أحسن الله إليك.
ثم يلبي حتى يغدوَ من منى إلى عرفة، فإذا غدا ترك التلبية، وكان يترك التلبية في العمرة إذا دخل الحرم.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه كان يقول: كان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- لا يلبي وهو يطوف بالبيت.(70/1)
وحدثني عن مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها كانت تنزل من عرفة بنمرة، ثم تحولت إلى الأراك قالت: وكانت عائشة تهل ما كانت في منزلها، ومن كان معها فإذا ركبت فتوجهت إلى الموقف تركت الإهلال، قالت: وكانت عائشة تعتمر بعد الحج من مكة في ذي الحجة ثم تركت ذلك فكانت تخرج قبل هلال المحرم، حتى تأتي الجحفة فتقيم بها حتى ترى الهلال، فإذا رأت الهلال أهلت بعمرة.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- غدا يوم عرفة من منى فسمع التكبير عالياً فبعث الحرس يصيحون في الناس: أيها الناس إنها التلبية.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: قطع التلبية" يعني متى تقطع التلبية بالنسبة للحاج والمعتمر، معلوم أنه يبدأ بالتلبية إذا تلبس بالإحرام ودخل في النسك، تلبس بالإحرام ودخل في النسك، يشرع في التلبية، لكن متى يقطعها الحاج؟ ومتى يقطعها المعتمر؟(70/2)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفة" ذاهبان من منى غدوة صباحاً إلى عرفة، النبي -عليه الصلاة والسلام- خرج إلى منى يوم التروية اليوم الثامن وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، فلما طلعت الشمس دفع إلى عرفة، فماذا كانوا يصنعون معه -عليه الصلاة والسلام- حين دفع؟ "سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفة كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ " والسؤال عن الذكر الذي يقال في هذا الوقت "كيف كنتم تصنعون" يعني من الأذكار في هذا اليوم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدليل الجواب، قال: "كان يهل المهل" يلبي الملبي "فلا ينكر عليه" لأن الوقت وقت تلبية متلبس بالإحرام، والمحرم يلبي "يهل المهل منا فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه" وأيضاً الوقت وقت تكبير؛ لأنه في العشر والعشر وقت للتكبير، فيستغل الوقت بهذا وهذا، يستغل الوقت بالتلبية؛ لأنه متلبس بالإحرام، ويستغل أيضاً بالتكبير وهم في طريقهم إلى عرفة، وهذا الحديث مخرج في الصحيح، في البخاري ومسلم.
يقول: "وحدثني عن مالك عن جعفر بن محمد -الصادق- عن أبيه -الباقر- أن علي بن أبي طالب" ولم يدرك علياً فهو منقطع "كان يلبي في الحج حتى إذا زاغت الشمس من يوم عرفة قطع التلبية" زاغت يعني زالت، قطع التلبية، وليس معنى هذا ... ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟ وريني إياه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا غير، غير إحنا معتمدين رواية يحيى بن يحيى.(70/3)
أقول بعد هذا يقول: "حدثني عن مالك عن جعفر بن محمد -وهو الصادق- عن أبيه" محمد بن علي بن الحسين الباقر، وهو لم يدرك علياً -رضي الله عنه-، فالخبر منقطع، يحكي قصة لم يشهدها "أن علي بن أبي طالب كان يلبي في الحج حتى إذا زاغت الشمس من يوم عرفة قطع التلبية" فهل يتصور أنه يقطع التلبية بعد زوال الشمس من يوم عرفة ولا يعود إليها وهو متلبس بإحرام؟ أو أنه يقطع التلبية بعد زوال الشمس يوم عرفة إلى غروبها استغلالاً لهذا الوقت بالذكر والدعاء، وهذا اجتهاد منه، وإلا فالتلبية ذكر، نعم، أقول: لعله يقطع التلبية في هذا الوقت استغلالاً لهذا الوقت عشية عرفة بالذكر والدعاء، وأفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، دعاء وذكر، ثم بعد ذلك يعود إلى التلبية؛ لأنه وقت للتلبية، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يزال يلبي حتى يرمي جمرة العقبة، أو حتى إذا بلغ جمرة العقبة قطع التلبية.
فالحاج يستمر يلبي حتى يرمي، أو حتى يبلغ جمرة العقبة، والخلاف بين أهل العلم في وقت الرمي هل هو وقت للتلبية أو أنه بمجرد بلوغه الجمرة يقطع التلبية؟ كما ذكر ذلك من ردف النبي -عليه الصلاة والسلام- في انصرافه من مزدلفة إلى منى، وهذا في الصحيح.
"قال يحيى: قال مالك -رحمه الله تعالى-: "وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا" ويعني المدينة، وقاله ابن عمر -على ما سيأتي- وعائشة وجماعة، وجمهور أهل العلم أنه لا يزال يلبي حتى يرمي جمرة العقبة، حتى يرمي ويمكن حملها أيضاً على معنىً يصح لتوافق حتى إذا بلغ، نعم حتى يرمي، يعني حتى يشرع في الرمي، وهذا قول الجمهور؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا زال يلبي حتى رمى جمرة العقبة أو بلغ جمرة العقبة.
"وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عمته عائشة زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- أنها كانت تترك التلبية إذا رجعت إلى الموقف" وهو محمول على ما حمل عليه سابقه وأنها بعرفة بعد الزوال تتفرغ للذكر والدعاء وهو موافق لفعل علي -رضي الله عنه-.(70/4)
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقطع التلبية في الحج إذا انتهى إلى الحرم" ويستمر على قطعها حتى يطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، في الحج يعني إذا أهل مفرداً أو أهل قارناً، نعم ومثله المعتمر إذا انتهى إلى الحرم قطع التلبية، كل من أحرم يقطع التلبية إذا دخل إلى الحرم، لكن المفرد والقارن إذا طاف وسعى يعود إلى التلبية؛ لأنه ما زال محرماً، نعم، القارن والمفرد يعود إلى التلبية فلا يزال يلبي حتى يرمي جمرة العقبة.
كان يقطع التلبية في الحج إذا انتهى إلى الحرم، ويستمر على ذلك حتى يطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، ثم بعد السعي يلبي، يعود إلى التلبية؛ لأنه ما زال متلبساً بالإحرام "حتى يغدوَ من منى إلى عرفة فإذا غدا" ذهب إلى منى "ترك التلبية" وهذا في الحج، وهذا الكلام موافق لما ذكر المؤلف عن عائشة وعلي بن أبي طالب "وكان يترك التلبية في العمرة إذا دخل الحرم".
عرفنا متى يشرع في التلبية؟ إذا تلبس بالإحرام، ودخل في النسك، ويقطعها إذا بلغ الحرم، فإن كان معتمراً وحل من عمرته انتهت حتى يحرم بالحج، وإن كان مفرداً أو قارناً رجع إلى التلبية بعد فراغه من السعي إلى أن يرمي أو أن يبلغ جمرة العقبة، وحملنا ما ذكره المؤلف عن علي وعائشة وابن عمر على أنهم يقطعون التلبية إذا غدوا إلى عرفة للتفرغ لما ذكرنا، وإن كان مالك -رحمه الله- كأنه فهم أنهم يقطعونها ولا يعودون إليها، ثم يستمرون حتى يبلغون جمرة العقبة، وهذا هو المعروف والثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يزال يلبي حتى يرمي جمرة العقبة.(70/5)
لو افترضنا أنه أخر الرمي إلى آخر النهار يوم العيد، وبدأ من أسباب التحلل بغيره، بغير الرمي، طاف بالبيت وسعى وحلق شعره ولبس ثيابه، يستمر يلبي وإلا تنقطع التلبية؟ تنقطع؛ لأنه حل من إحرامه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما زال يلبي حتى رمى جمرة العقبة، فحتى غاية، وهذا لم يرمِ جمرة العقبة، هذا لم يرم جمرة العقبة هل نقول: إنه يقطع التلبية وإن لم يرمِ جمرة العقبة؟ يعني هل يناسب أن الإنسان يلبي وعليه الثياب؟ نعم؟ أو نقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- ما زال يلبي حتى بلغ الجمرة وهذا ما بلغ الجمرة فلا يزال يلبي حتى يبلغها؟ يعني إذا باشر أول أسباب التحلل؛ لأن رمي الجمرة يقوم مقامها ما قدم عليها من أسباب التحلل، يعني لو قدم الطواف قلنا: إذا بلغ البيت، نعم، إذا قدم الحلق قلنا: إذا شرع فيه، لكن لو افترضنا أنه أخرها، ما رمى جمرة العقبة، افترض أنه حصل له ما يمنعه من رمي الجمرة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
حتى يذبح الهدي بدلها؟
طالب:. . . . . . . . .
الفدية؟
طالب:. . . . . . . . .
معروف، هذا الظاهر، ومن رتب ترتيب النبي -عليه الصلاة والسلام- يلتزم بفعله، لكن من قدم وأخر، من قدم وأخر وقد قيل له: افعل ولا حرج، إذا باشر أسباب التحلل يقطع التلبية، والأصل في ذلك أن المعتمر حينما يباشر الأسباب نعم يقطع التلبية إذا بلغ البيت، فلو قدم الطواف على الرمي قلنا: إذا بلغ البيت يقطع التلبية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على الخلاف هل هو إذا رأى البيت؟ هل هو إذا رأى البيت أو دخل الحرم يعني حدود الحرم؟ أو إذا شرع في الطواف؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، لكن كأنه إذا رأى البيت أو شرع في الطواف ولا فرق بينهما إلا شيء يسير.(70/6)
"ثم بعد السعي يلبي حتى يغدو من منىً إلى عرفة فإذا غدا ترك التلبية" هذا معروف في الحج، وكان يترك التلبية في العمرة إذا دخل الحرم، وهذا يقول به الإمام مالك بالنسبة لمن أحرم من الميقات، على ما ستأتي الإشارة إليه، من أحرم من الميقات لأنه لبى قدراً يظنه كافياً، نعم، لكن إذا أحرم من أدنى الحل كأن مالك لا يقول بمثل هذا؛ لأنه مباشرة يبي يلبي ثم يدخل في الحرم إذا كان من أدنى الحل، فمالك يحمله على ما إذا أحرم من الميقات.
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه كان يقول: كان عبد الله بن عمر لا يلبي وهو يطوف بالبيت" يعني لعدم مشروعيتها في الطواف، ولذلك كرهها ابنه سالم ومالك -رحمهما الله-، قال ابن عيينة: ما رأيت أحداً يقتدى به، ابن عيينة يقول: ما رأيت أحداً يقتدى به يلبي حول البيت إلا عطاء بن السائب، وأجازه الشافعي سراً، يلبي سراً وهو يطوف، يلبي سراً وهو يسعى، وكان ربيعة يلبي وهو يطوف، يعني يجهر بها؛ لأنه ما زال متلبس بالإحرام ولا يقطعها، نعم، ولا يقطعها وهو يطوف ويسعى؛ لأنه ما زال والغاية متى؟ حتى يبلغ الجمرة.(70/7)
"وحدثني عن مالك عن علقمة بن أبي علقمة" بلال المدني، ثقة "عن أمه" مرجانة مولاة عائشة "أم علقمة عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- أنها كانت تنزل من عرفة بنمرة" هذا دليل على أن نمرة نعم؟ نص من عرفة بنمرة، نعم؟ يعني لو قالت .. ، لو جاء في الخبر أنها كانت تنزل بنمرة من عرفة، نعم، يعني أن نمرة جزء من عرفة، والمسألة خلافية، منهم من يقول: إنها ملاصقة لها وليست منها، لقربها خارجاً عنها، ومنهم من يقول: هي منها على الخلاف بين أهل العلم، على كل حال هذه محل خلاف، بطن عرنة هل يعد من عرفة وإلا خارج عرفة؟ وجاء في الحديث: ((وارفعوا عن بطن عرنة)) والجمهور على أنه خارج عرفة، والوقوف فيه لا يجزئ، والمالكية يرون الإجزاء؛ لأنه لو لم تكن من عرفة لما نبه عليها بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ارفعوا عن بطن عرنة)) ((عرفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنة)) لو لم تكن من عرفة ما يحتاج إلى التنبيه عليها؛ لأنه لم يقل -عليه الصلاة والسلام-: ارفعوا عن مزدلفة ولا عن منى ولا عن أي مكان ثاني، يعني لو لم تكن منها لما احتيج إلى التنبيه عليها كغيرها، فهي عنده منها، ويحرم الوقوف فيها، ويكون مجزئاً، التحريم لأنه خالف هذا الأمر، ويكون مجزئ لأنها منها، والجمهور الوقوف فيها لا يجزئ لأنها ليست منها.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
واضح من هذه ويش هي؟ تنزل من عرفة، لكن هل نقول: هذا خاتم من حديد؟ خاتم من حديد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
منه، يعني جزء منه، افترض أنها بيانية مثلاً، نعم {فاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [(30) سورة الحج] نعم لكن هل منها ما يدل على ما ذكرت؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، أنا أقول: شوف ترى أحياناً يهجم على الإنسان فهمه واستعماله وما يسمعه من حوله في هذه الكلمة، نعم، أحياناً يهجم على الإنسان الاستعمال المحلي عنده لهذه الكلمة، نعم، أحياناً يهجم على الذهن ثم بعد ذلك يفهم النص .. ، لكن هنا لا بد أن نرجع إلى ما تحتمله الكلمة عربية، ولو كان مغني اللبيب بين أيدينا لعرفنا، فليراجع -إن شاء الله-، وعلى كل حال الخلاف موجود بين أهل العلم، نعم؟(70/8)
طالب:. . . . . . . . .
لا، المسجد بعضه فيها، بنمرة، وبعضه داخل بعرفة، والمفتى به أن الجزء الذي من نمرة ليس من عرفة، ولذلك لو لحظت الناس وهم في المسجد وجدتهم بعد الصلاة ينحصرون في زاوية من المسجد ضيقة بعد، جزء من المسجد.
"ثم تحولت إلى الأراك" موضع بعرفة من ناحية الشام، يعني في شمال عرفة، النبي -عليه الصلاة والسلام- ماذا صنع لما دفع من منى؟ وجد القبة مضروبة بنمرة وجلس فيها، ثم لما زالت الشمس دخل عرفة بعد الصلاة "قالت: وكانت عائشة" قالت: أم علقمة مرجانة هذه "وكانت عائشة تهل -يعني تلبي- ما كانت في منزلها" الموضع الذي تنزل فيه، تلبي، تهل تحرم في المنزل الذي تكون فيه وقت الإحرام "و -يهل أيضاً- من كان معها، فإذا ركبت فتوجهت إلى الموقف -بعرفة- تركت الإهلال" التلبية، وأشرنا سابقاً إلى أن قولها يوافق قول علي -رضي الله عنه- وقول ابن عمر، كلهم إذا توجهوا إلى الموقف وزالت الشمس تركوا التلبية، وعرفنا أن هذا محمول على أنه للتفرغ والذكر والدعاء، وأنهم يعني ما في الآثار هذه ما يدل على أنهم لا يعودون إليها بعد غروب الشمس، ولا يزاولون يلبون كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصنع حتى يرمي الجمرة.
"قالت: وكانت عائشة تعتمر بعد الحج" عندنا تركت الإهلال، كان لا يلبي، تنزل ثم إيش؟ قبلها؟ فإذا غدا ترك التلبية، هنا تترك الإهلال، تركت الإهلال، وابن عمر ترك التلبية، وعلي قطع التلبية، في الدلالة على الترك المطلق أو الترك المؤقت علي قطع التلبية، قطع هل يفيد أنه لم يعد إليها؟ لا، الذي يغلب على الظن أنه قطعها في هذه المدة ثم رجع إليها، نعم، أما الترك في خبر ابن عمر ترك التلبية، تركت الإهلال الذي يغلب على الظن أنها لم يعد إليها، لكن ما يظن بابن عمر وهو الصحابي المؤتسي، وعائشة -رضي الله عنها- وقد حجت مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعرفت من حاله ما عرفت أنه ترك مطلق؛ لأن الترك يطلق على الترك المطلق والمؤقت.
وهذه مسألة تبحث في ترك الصلاة، نعم هذه يحتاج إلى مثلها مثل هذا الكلام في مثل حديث: ((العهد الذي بيننا وبينهم ترك الصلاة فمن تركها)) هل معنى هذا أنه تركها بالكلية أو تركها ثم عاد إليها؟ نعم؟(70/9)
طالب:. . . . . . . . .
أنت افترض أنه تعمد ترك فرض، وأخرجه عن وقته ما قيل بكفره؟ قيل بكفره، فالفهوم هنا نعم لا بد من الرجوع فيها إلى كتب اللغة ومعاني الترك، هل يقتضي الترك بالكلية أو الترك المؤقت؟ وهذا ينفعنا هنا وفي مسألة تارك الصلاة.
"قالت: وكانت عائشة تعتمر بعد الحج" مما يعني بعض أهل العلم يعني تردد في كفر من لا يصلي إلا الجمعة يقول: ليس بتارك هذا، يعني هذا يصلي أحياناً، ومعلوم أن من أهل العلم من يرى أن من تعمد ترك فرض واحد كفر، ولذا لا يلزم بالقضاء، يتوب وخلاص يسلم من جديد لأنه كفره، نسأل الله السلامة والعافية.
"وكانت عائشة تعتمر بعد الحج من مكة في ذي الحجة" يعني كما فعلت مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، لما انتهوا من أعمال الحج قالت عائشة -رضي الله عنها-: يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع بحج فقط، فأمر أخاها عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم في شهر ذي الحجة في ليلة الرابع عشر منه، نعم، في ليلة الرابع عشر من ذي الحجة.
"كانت تعتمر بعد الحج من مكة في ذي الحجة ثم تركت ذلك، فكانت تخرج قبل هلال المحرم، حتى تأتي الجحفة" تخرج قبل هلال المحرم، يعني تؤدي العمرة تؤدي الحج كاملاً حتى إذا فرغت منه خرجت إلى الجحفة "فتقيم بها حتى ترى الهلال" أولاً: لا يكفيها أن تحرم من أدنى الحل كما فعلت في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- حيث أحرمت من التنعيم، تخرج إلى الميقات ولا تحرم بعد الحج مباشرة بل تنتظر هلال المحرم، والذي فعلته في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- أحرمت من أدنى الحل، وأحرمت قبل خروج شهر ذي الحجة.(70/10)
"ثم تركت ذلك فكانت تخرج قبل هلال المحرم حتى تأتي الجحفة فتقيم بها حتى ترى الهلال، فإذا رأت الهلال أهلت بعمرة" أهلت من الجحفة من الميقات، فتأتي مكة فتفعل عمرة ثم تعود إلى المدينة بعد ذلك؛ لقوله -جل وعلا-: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} [(197) سورة البقرة] فهي تستحب تخليص هذه الأشهر للحج {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} [(197) سورة البقرة] فهي تخلص هذه الأشهر الثلاثة وكأن رأيها أيضاً أن شهر ذي الحجة كامل من أشهر الحج، تريد أن تخلص هذه الأشهر الثلاثة للحج، ثم بعد ذلك إذا فرغت أشهر الحج اعتمرت، وخروجها للجحفة لفضل الإحرام من الميقات، والإحرام من التنعيم إنما هو رخصة، والميقات أفضل على حد فعلها، على حد ما فعلت.
الخبر مالك عن علقمة بن أبي علقمة، مالك نجم السنن، إمام دار الهجرة، وعلقمة ثقة، وأمه مرجانة مولاة عائشة مقبولة، نعم؟ مقبولة، مقتضى قولهم: إنها مقبولة صحابية وإلا تابعية؟ تابعية، طيب خبر المقبول حكمه؟ نعم؟ يعني لا بد له من متابع، ولذا في المرتبة الخامسة عند ابن حجر يقول: "من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يذكر عنه ما يترك حديثه من أجله، فإن توبع فمقبول وإلا فلين" على ما في هذا الاصطلاح من الإشكال الكبير، إن توبع فمقبول وإلا فلين، هذه نحتاج إلى ما يتابعها على هذا الخبر، وإلا عائشة -رضي الله عنها- يبعد أن تفعل مثل هذا وقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عبد الرحمن أخاها أن يعمرها من التنعيم بعد الحج مباشرة، لم يحتج في ذلك إلى أن تذهب إلى الميقات، ولم يحتج أيضاً أن تنتظر خروج الشهر، واضح وإلا ما هو بواضح؟ هل أحد يعرف من تابع أم علقمة هذه؟ يعني هل أم علقمة تفردت به أو توبعت؟ تفردت، هل تستحق أن توصف بأنها مقبولة وقد تفردت؟
طالب:. . . . . . . . .
ما أدري، قال: مقبولة، لا، نحتاج أن نعرف الإشكال الكبير في هذا الاصطلاح.
طالب:. . . . . . . . .(70/11)
المقبول إيه، يعني كيف توصف بأنها مقبولة وهي لم تتابع؟ لأنها إذا لم توبعت فهي لينة، فهل نقول: إن ابن حجر حينما حكم عليها بهذا الحكم نعم أنه وقف لها على متابع في هذا الخبر أو في جميع أخبارها؟ ثم الإشكال الأكبر هل هذا حكم على الراوي أو على المروي؟ نعم هذا إشكال كبير حول هذا الاصطلاح، وعلى كل حال هذا اجتهاد.
طالب:. . . . . . . . .
من أبو عبد الملك؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
قاله أبو عبد الملك، ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، لا لا عندك الحديث الذي بعده، والميقات أفضل قاله أبو عبد الملك، أنت نظرت إلى الحديث الذي بعده؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، وفي آخر شرح الحديث هذا، ويش اللي معك؟ الزرقاني وإلا ... ؟
طالب:. . . . . . . . .
إي نعم.
طالب:. . . . . . . . .
المتن؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ويش اللي معك أنت؟ المشكلة إن كان هذا فيه وإحنا مادحينه بعد صحيح كلامه، والميقات أفضل قاله أبو عبد الملك، وانتهى، ثم بدأ الكلام من جديد مالك عن يحيى بن سعيد.
طالب: من هو؟
هذا اللي نسأل عنه، ما زال السؤال قائم من أبو عبد الملك هذا؟
في عند المالكية أبو عبد الملك البوني، والبونة بلدة في المغرب، ينقلون عنه بكثرة، فلعله هو ويبحث، نعم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، يقول: هذه الطبعة مصورة وتصوير جديد ودار الجيل، وهي أفضل بكثير من دار الكتب العلمية، يعني إن مصورة عن طبعة الاستقامة.(70/12)
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد -بن قيس الأنصاري- أن عمر بن عبد العزيز -الخليفة الراشد- غدا يوم عرفة من منى فسمع التكبير عالياً فبعث الحرس -جمع حارس وهم أعوانه، نعم- يصيحون -يعني يرفعون أصواتهم- في الناس: أيها الناس إنها التلبية" يعني فلا تشتغلوا بغيرها، فهم يكبرون، الوقت وقت تكبير وهو أيضاً وقت تلبية، فكأنه -رحمه الله- لحظ أن الناس تركوا التلبية بالكلية واشتغلوا بالتكبير، فأراد أن يقول يبين لهم أنها التلبية، هذا وقت للتلبية، يعني إذا كان التكبير مشروع في هذا الوقت للناس كلهم للحجاج وغيرهم، واشتغلتم به عما هو خاص بالحاج فلئن تشتغلوا بالخاص أولى من أن تشتغلوا بالأمر العام، فقال -رحمه الله تعالى-: "أيها الناس إنها التلبية" فاشتغلوا بها، ولا يعني هذا أنه يمنع التكبير، نعم، لكن لما رآهم يكبرون عالياً ولم يسمع التلبية أراد أن يحثهم على ما يخصهم، ولا يعني هذا أنه يمنع التكبير بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا غدا إلى عرفة الصحابة منهم المكبر، ومنهم الملبي ولا ينكر هذا على هذا، ولا هذا على هذا.
طالب:. . . . . . . . .
إي صحيح، إلى عمر بن عبد العزيز صحيح.
طالب:. . . . . . . . .
ما يظهر.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما فيه، لا لا ما يظهر.
طالب:. . . . . . . . .
لا، (أن) حكمها حكم (عن).
. . . . . . . . . ... وحكم (أن) حكم (عن) فالجلُ
سووا. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني بينهما.
. . . . . . . . . وللقطع نحا البرديجي ... حتى يبين الوصل في التخريجِ
وذكرنا أن الحافظ العراقي فهم من كلام الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة أن (أن) تختلف عن (عن) وأن (أن) محمولة على الانقطاع بسبب خبر واحد؛ لأن أحمد ويعقوب بن شيبة حكما على خبر محمد بن الحنفية نعم عن عمار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مر به فقال: متصل، وعن محمد بن الحنفية أن عماراً مر به النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: منقطع، والفرق بينهما ظاهر؛ لأنه في الطريق الأول يحكي القصة عن صاحبها، فهي متصلة، وفي الطريق الثاني يحكي القصة وهو لم يشهدها فهي منقطعة، فليس مرد هذا أن الصيغة اختلفت، لا.(70/13)
. . . ... وحكم (أن) حكم (عن) فالجلُ
سووا. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
ولذا قال .. ، هذا ابن الصلاح الذي فهم من كلام الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة، ولذا يقول الحافظ العراقي:
. . . . . . . . . ... كذا له. . . . . . . . .
يعني لابن الصلاح.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ولم يصوب صوبه
يعني ما فهم المقصود، يعني ولا حام حوله، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: إهلال أهل مكة ومن بها من غيرهم:
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "يا أهل مكة ما شأن الناس يأتون شعثاً وأنتم مدهنون؟ أهلوا إذا رأيتم الهلال".
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- أقام بمكة تسع سنين وهو يهل بالحج لهلال ذي الحجة، وعروة بن الزبير معه يفعل ذلك.
قال يحيى: قال مالك: "وإنما يهل أهل مكة وغيرهم بالحج إذا كانوا بها، ومن كان مقيماً بمكة من غير أهلها من جوف مكة لا يخرج من الحرم".
قال يحيى: قال مالك: "ومن أهل من مكة بالحج فليؤخر الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى، وكذلك صنع عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-".
وسئل مالك عمن أهل بالحج من أهل المدينة أو غيرهم من مكة لهلال ذي الحجة كيف يصنع بالطواف؟ قال: "أما الطواف الواجب فليؤخره، وهو الذي يصل بينه وبين السعي بين الصفا والمروة، وليطف ما بدا له، وليصل ركعتين كلما طاف سبعاً، وقد فعل ذلك أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين أهلوا بالحج فأخروا الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة حتى رجعوا من منى، وفعل ذلك عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- فكان يهل لهلال ذي الحجة بالحج من مكة، ويؤخر الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى.
وسئل مالك عن رجل من أهل مكة هل يهل من جوف مكة بعمرة؟ قال: "بل يخرج إلى الحل فيحرم منه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(70/14)
"باب: إهلال أهل مكة ومن بها من غيرهم" إهلالهم يعني وقت إهلالهم، ويشمل أيضاً مكان الإهلال، متى يهل أهل مكة؟ ومن أين يهلون للحج والعمرة؟ أما بالنسبة لمتى يهلون بالحج فتقدم عن ابن عمر، تقدم من حديث عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر: "يا أبا عبد الرحمن رأيتك تصنع أربعاً لم أرَ أحداً من أصحابك يصنعها، ثم قال: ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولم تهلل أنت حتى يكون يوم التروية، فقال ابن عمر: وأما الإهلال فإني لم أرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهل حتى تنبعث به راحلته".
الإهلال يوم التروية لمن كان بمكة وهكذا فعل أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- الذين حلوا من عمرتهم، وأما من أهل بحج مفرد أو قرن بينهما فلم يزل على إحرامه، قلنا: استصحب هذا الخبر الذي تقدم شرحه وهو في الصحيحين.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال: "يا أهل مكة ما شأن الناس يأتون شعثاً غبراً وأنتم تأتون مدهنون؟ " يعني يأتون من بعيد وأحرموا قبلكم، وأدركوا من الأجر أكثر منكم، نعم "أهلوا إذا رأيتم الهلال" لتكونوا مثلهم "وأنتم مدهنون" وهذه عبارة عن عدم إحرامهم، "وأنتم مدهنون، أهلوا إذا رأيتم الهلال" أي هلال ذي الحجة، وهذا مما يخالف فيه ابن عمر أباه كما تقدم.(70/15)
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن عبد الله بن الزبير -بن العوام- أقام بمكة تسع سنين -خليفة- يهل بالحج لهلال ذي الحجة" ليحصل له من الشعث والإغبرار ما يحصل لمن أحرم من الميقات، وهذا لما كانت الوسائل وسائل النقل تحتاج إلى وقت طويل، أما الآن ما الفرق بين أن يحرم بعد الظهر من الميقات ويقف بعرفة مع الناس؟ بل قد يصل عرفة قبل من كان بمكة، بل قبل من كان بمنىً ينزل من الطائف على الهدى على عرفة على طول، وقد أحرم من الميقات، فكلامه هنا: "أهلوا إذا رأيتم الهلال" إن الإهلال في وقته يحتاج إلى وقت طويل، كم يحتاج الطريق من المدينة من ذي الحليفة إلى مكة؟ يحتاج لتسعة أيام، أو عشرة كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- أحرم لخمس بقين ولا وصل إلا رابعة من ذي الحجة فيحتاج إلى عشرة أيام، وأراد عمر أن يكونوا مثلهم، وكذلك ابن الزبير، مثل من قدم من الميقات، لكن الآن الطريق أحياناً في ما يقرب من نصف ساعة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يلزم، يحرم من مكانه، لكن لا يلزمه أيضاً لو كان بمكة أن يخرج إلى الحل، كونه يحرم من الحرم أفضل من كونه يحرم من الحل، نعم ولو أحرم من مكانه أجزأ ما في إشكال -إن شاء الله-.
وين يحرمون أصحاب الحملات؟
طالب:. . . . . . . . .
المشرفون عليها؟ من عرفة نفسها، اللي ورد مكة وأتى بعمرة وحل الحل كله حكمه لا يختلف عن المكي، لا يختلف عن المكي، باب إهلال مكة أهل مكة ومن بها من غيرهم، حكمهم حكم المكيين، ولذا لو أراد عمرة لا بد أن يخرج، سواءً كان مكي أو بمكة من غير أهلها.
"أقام بمكة تسع سنين يهل بالحج لهلال ذي الحجة" قلنا: إنه ليحصل له من الشعث والغبرة ما يحصل لمن أحرم من الميقات، "وعروة بن الزبير معه يفعل ذلك" الإمام مالك بحاجة إلى أن يذكر عروة وقد ذكر أباه خليفة صحابي؛ لأن عروة من الفقهاء، نعم من الفقهاء السبعة عروة، فيحتاج إلى نقل قوله كغيره من الفقهاء.
"قال يحيى: قال مالك: "وإنما يهل أهل مكة وغيرهم بالحج إذا كانوا بها، ومن كان مقيماً بمكة من غير أهلها من جوف مكة لا يخرج من الحرم".(70/16)
قال يحيى: قال مالك: "وإنما يهل أهل مكة وغيرهم بالحج إذا كانوا بها، أما إذا كانوا خارجاً عنها، مكي وقت الإهلال بالحج بجدة هل نقول له: اذهب إلى بيتك بمكة وأحرم منه أو أحرم من جدة؟ أو افترض أنه في المدينة ومر بالميقات يلزمه الإحرام أو لا يلزمه؟ يلزمه الإحرام، ومن كان مقيماً يعني من غير أهلها بمكة كالمتمتع إذا حل من عمرته، من جوف مكة لا يخرج من الحرم، يعني لا يلزمه الخروج، لكن لو خرج كما يفعل بعض الناس من الإحرام بعرفة، لا شيء عليه، لكن هنا لا يلزمه أن يخرج، لماذا؟ وهذا في الحج؟ لأنه سوف يجمع بين الحل والحرم؛ لأنه سوف يخرج إلى عرفة، ومن تلبس بالإحرام سواءً كان بحج أو عمرة لا بد من الجمع بينهما.
"قال يحيى: قال مالك: "ومن أهل من مكة بالحج فليؤخر الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة" ليوقعه بعد الطواف؛ لأنه لا يحتاج إلى طواف قدوم الذي بمكة يحتاج إلى أن يطوف للقدوم؟ لا يحتاج، وطواف الإفاضة يصح قبل يوم النحر؟ لا يصح، والسعي لا يصح عند الأكثر إلا بعد طواف.
قال: "فليؤخر الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة" ليوقعه بعد الطواف، ومثل هذا لا يحتاج إلى طواف قدوم "حتى يرجع من منى يوم النحر، وكذلك صنع عبد الله بن عمر".
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
في ذلك اليوم، في يوم النحر، لو أراد أن يقدم أو سعى ...
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يصلح.
طالب: من الجميع وإلا من مكة؟
من الجميع، من الجميع إذا لم يطف للقدوم؛ لأن جمهور أهل العلم يشترطون أن يقع السعي بعد طواف، ولو مسنون، يطوف مسنون ثم يسعى بعده؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، بأس، عندهم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا افترض أنه مكي، ما عليه قدوم.
طالب:. . . . . . . . .
أراد أن يطوف طواف مسنون ثم يسعى بعده مقتضى قولهم أنه يصح، فإذا جاز تقديمه بعد طواف القدوم كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- نعم يجوز بعد أي طواف مسنون.
طالب: طيب والمتمتع قبل التعريف حل ثم أحب أن. . . . . . . . .
بعد أن يحرم بالحج؟
طالب:. . . . . . . . .(70/17)
كيف يأتي بركن من أركانه قبل الدخول فيه؟ ما يجي، لا ما يجي "حتى يرجع من منى وكذلك صنع عبد الله بن عمر، وسئل مالك عمن أهل بالحج من أهل المدينة أو غيرهم من مكة" يعني من المقيمين بها، من الواردين عليها "لهلال ذي الحجة كيف يصنع بالطواف؟ قال: أما الطواف الواجب" اللي هو طواف الإفاضة "فليؤخره" لأنه لا يصح قبل يوم النحر "وهو الذي يصل بينه وبين السعي بين الصفا والمروة" أي يأتي عقبه بلا فصل "وليطف ما بدا له من النفل" من النفل يطف ما بدا له "وليصل ركعتين كلما طاف سُبعاً" أو أسبوعاً، يعني كل ما طاف سبعة أشواط يصلي ركعتين، فلكل أسبوع ركعتان، ولو جمع أسابيع، طاف سبعة ثم سبعة ثم سبعة ثم سبعة يلزمه ركعتان لكل أسبوع، والجمع بين الأسابيع ثبت عن عائشة والمسور وغيرهما.
"وليصل ركعتين كلما طاف سبعاً وقد فعل ذلك أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين أهلوا بالحج من مكة فأخروا الطواف -الواجب- بالبيت والسعي بين الصفا والمروة حتى رجعوا من منى" يعني يوم النحر "وفعل ذلك عبد الله بن عمر فكان يهل لهلال ذي الحجة" ولعل هذا في بعض الأحيان، وليست عادة مطردة؛ لأنه تقدم عنه مما خرجه الشيخان وغيرهما أنه يهل يوم التروية، لكن قد يكون يهل أحياناً، نعم ليوافق عمل أبيه "بالحج من مكة، ويؤخر الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى فيطوف ويسعى.(70/18)
وسئل مالك عن رجل من أهل مكة هل يهل من جوف مكة بعمرة؟ " انتهينا بالنسبة للحج يهل من مكة ((حتى أهل مكة من مكة، ومن كان دونها فمن حيث أنشأ)) دون المواقيت ((حتى أهل مكة من مكة)) هذا النص يشمل الحج والعمرة وإلا خاص بالحج؟ يعني هل من أراد العمرة وهو في داخل مكة يحرم من مكة وإلا يخرج إلى الحل؟ الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- فهم أن هذا عام، وأنه لا يلزمه الخروج، ورجحه الصنعاني، وأن أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر أخته من التنعيم إنما هو لجبر خاطرها، لكي تدخل إلى مكة محرمة كما دخل غيرها، نعم ومقتضى قوله: ((حتى أهل مكة من مكة)) العموم، وجماهير أهل العلم على أن المكي ومن في حكمه ممن وجد بمكة إذا أراد العمرة لا بد أن يخرج إلى الحل، ونقل المحب الطبري الإجماع عليه، وأنه لا يعرف أحداً جعل مكة ميقاتاً للعمرة.
"وسئل مالك عن رجل من أهل مكة هل يهل من جوف مكة بعمرة؟ قال: بل يخرج إلى الحل فيحرم منه" لأن الجمع في الإحرام بين الحل والحرم واجب؛ ولأن العمرة زيارة للبيت وإنما يزار الشيء من خارجه، من داخل البيت ما يزار، إنما يزار الشيء يوفد عليه ويزار وعامة أهل العلم على أنه لا بد من الخروج، وأوضح أدلتهم حديث عائشة -رضي الله عنها- وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- انتظرها، انتظرها وحبس الناس من أجلها، وهم ينتظرون الخروج من مكة حبسهم، وكونه جبر خاطرها بالإتيان بالعمرة المستقلة لا يعني أنه أيضاً يشق على نفسه وعلى غيره بأن تحرم من خارج مكة وينتظرها الناس حتى تأتي إلا لأن هذا واجب، وبهذا قال عامة أهل العلم، ونقل عليه الإجماع، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(70/19)
الموطأ - كتاب الحج (8)
شرح: باب: ما لا يوجب الإحرام من تقليد الهدي، وباب: ما تفعل الحائض في الحج، وباب: العمرة في أشهر الحج، وباب: قطع التلبية في العمرة.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبو عبد الملك الذي مر ذكره بالأمس وقلت: إنه أبو عبد الملك البوني، هذا ذكر جاء بورقة قال: ذكر القاضي عياض في ترتيب المدارك: أبو عبد الملك البوني اسمه مروان بن علي القطان أندلسي الأصل، سكن بونة من بلاد إفريقية، كان من الفقهاء المتفننين، وألف في شرح الموطأ كتاباً مشهوراً حسناً رواه عنه الناس، وهو المراد يعني.
يقول هذا: إذا أخذ عمرة في أشهر الحج ثم نوى الحج هل له أن يكون متمتعاً؟
سيأتي ذكر العمرة في أشهر الحج في هذا الدرس -إن شاء الله تعالى-.
هذا يذكر الهدي الذي هو التطوع الذي يبعثه الإنسان وهو في بلده من دون أن يتلبس بإحرام.
وهو موضوع هذا الدرس -إن شاء الله تعالى- ويشار إليه.
يقول: مرجانة قال ابن حجر في التهذيب: "والدة علقمة تكنى أم علقمة روت عن معاوية وعائشة وروى عنها ابنها علقمة، ذكرها ابن حبان في الثقات، وروى عنها أيضاً بكير بن الأشج، وعلق لها البخاري، وقال ابن حجر: قال البخاري في صحيحه في الصيام: بكير عن أم علقمة: كنا نحتجم عند عائشة فلا تنهى .. ، وعلق لها في الحيض أيضاً ووصله مالك في الموطأ، قال العجلي: مدنية تابعية ثقة، وقال في الكاشف: وثقت، بينما قال ابن حجر في التقريب: مقبولة، وهي من الثالثة.
يعني كون البخاري يعلق لها لا يعني أنها من رجال الصحيح، إنما المقصود برجال الصحيح الذين خرج لهم في الأصول معتمداً عليهم، وكون ابن حبان ذكرها في الثقات مجرد الذكر لا يقتضي التوثيق لا سيما إذا عورض، اللهم إلا إذا اجتمع ذكر الراوي في الثقات مع تخريجه له في صحيحه، أو أن ينص على توثيقه، يذكره في الثقات ويقول: ثقة، أو يكون من شيوخه الذين عرفهم وخبر أحوالهم هذا يتجه القول بتوثيقهم، أما مجرد ذكر الراوي في الثقات فلا يلزم منه التوثيق، وقد ذكر رجالاً في الثقات، وذكرهم في المجروحين.(71/1)
على كل حال قول ابن حجر: تابعية مقبولة، وهي من الثالثة، يعني من التابعين، قال العجلي: مدنية تابعية ثقة، هي ممن تقادم العهد بهم، وممن أدرك الصحابة، أدرك جمع من الصحابة، فيظن به التوثيق، لكن هذا الكلام السابق على القول بأنها مقبولة، وعرفنا ما في هذا القول من إشكال.
يقول: ما معنى قول الإمام مالك: الأمر عندنا أن من قرن الحج والعمرة لم يأخذ من شعره شيئاً، ولم يحلل من شيء حتى ينحر هدياً.
يعني حتى يأتي يوم النحر، ويتحلل التحلل الأول إن كان معه، ويحل بمنى يوم النحر، يعني لا يحل قبل يوم النحر.
قوله: ولم يحلل من شيء حتى ينحر هدياً، ما دخل الإحلال بذبح الهدي؟ {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [(196) سورة البقرة] والمقصود به يوم النحر، ويكون بفعل اثنين من ثلاثة والحلق منها.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما لا يوجب الإحرام من تقليد الهدي:
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "من أهدى هدياً حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى يُنحر الهدي"، وقد بعثت بهدي فاكتبي إلي بأمرك أو مري صاحب الهدي، قالت عمرة: قالت عائشة -رضي الله تعالى عنها-: ليس كما قال ابن عباس، أنا فتلت قلائد هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي، ثم قلدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده، ثم بعث بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أبي، فلم يحرم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء أحله الله له حتى نُحر الهدي".(71/2)
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: سألت عمرة بنت عبد الرحمن عن الذي يبعث بهديه ويقيم هل يحرم عليه شيء؟ فأخبرتني أنها سمعت عائشة -رضي الله تعالى عنها- تقول: "لا يحرم إلا من أهل ولبى".
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنه رأى رجلاً متجرداً بالعراق فسأل الناس عنه، فقالوا: إنه أمر بهديه أن يقلد فلذلك تجرد، قال ربيعة: فلقيت عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- فذكرت له ذلك فقال: "بدعة ورب الكعبة".
وسئل مالك -عفا الله عنه- عمن خرج بهدي لنفسه فأشعره وقلده بذي الحليفة ولم يحرم هو حتى جاء الجحفة، قال: "لا أحب ذلك، ولم يصب من فعله، ولا ينبغي أن يقلد الهدي ولا يشعره إلا عند الإهلال إلا رجل لا يريد الحج، فيبعث به ويقيم في أهله".
وسئل مالك: هل يخرج بالهدي غير محرم؟ فقال: نعم لا بأس بذلك.
وسئل أيضاً عما اختلف فيه الناس من الإحرام لتقليد الهدي ممن لا يريد الحج ولا العمرة، فقال: الأمر عندنا الذي نأخذ به في ذلك قول عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث بهديه ثم أقام فلم يحرم عليه شيء مما أحله الله له حتى نُحر هديه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول: المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما لا يوجب الإحرام من تقليد الهدي" هذه الترجمة ذكرها المؤلف لأنه وجد من يقول: إن من بعث الهدي حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر الهدي، ولعل عمدته في ذلك عموم قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [(196) سورة البقرة] فشمل الهدي على عمومه بما في ذلك المستحب، ومن لم يدخل في النسك، وبهذا يقول ابن عباس على ما سيأتي، فمجرد تقليد الهدي وبعث الهدي إلى البيت لا يترتب عليه الامتناع، وأنه لا يشبه الدخول في النسك، كما أنه لا يشبه الأضحية، فلا يمسك عن شيء كما منع من أراد أن يضحي أن يمس من شعره ولا من بشره شيئاً، فالذي يبعث الهدي لا شيء يمسك عنه.(71/3)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن زياد بن أبي سفيان" زياد بن أبي سفيان بن حرب هو بهذه التسمية يكون أخاً لمعاوية، ابن حجر في فتح الباري يقول: كأن شيخ مالك حدث به كذلك في زمن بني أمية، قال: زياد بن أبي سفيان، هذا في زمن بني أمية، لا يستطيع أن يقول: زياد ابن أبيه، أو زياد بن سمية، أو زياد بن عبيد لا يستطيع؛ لأنه في زمنهم، حدث به كذلك في زمن بني أمية، وأما بعدهم فما كان يقال له إلا زياد ابن أبيه، وذلك للشك في أبيه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يأتي، لا تستعجل.(71/4)
وأما بعدهم فما كان يقال له إلا زياد ابن أبيه، وقبل استلحاق معاوية له، قبل أن يستلحقه معاوية، كان يقال له: زياد بن عبيد، الذي جعلهم يقولون: زياد ابن أبيه، كان مدة من الزمن يقال له: زياد بن عبيد، ثم قيل له: زياد بن أبي سفيان، فلما حصل التردد قيل: زياد ابن أبيه، وأمه اسمها: سمية مولاة الحارث بن كلدة، وكانت تحت عبيد المذكور الذي كان ينسب إليه سابقاً، فولدت زياداً على فراشه، على فراش عبيد، فكان ينسب إليه فلما كان في خلافة معاوية شهد جماعة على إقرار أبي سفيان بأن زياداً ولده، معاوية عمل بهذه الشهادات فاستلحقه معاوية، يعني نظير القصة التي حصلت في ولد زمعة، حيث ادعي، هو ولد على فراش زمعة، وادعاه غيره عتبة، نعم وشبهه بيّن بعتبة، لكنه ولد على فراش زمعة، والقاعدة الشرعية أن الولد للفراش، يعني ولو وجد الشبه، شبهه بيّن بعتبة، وولد على فراش زمعة، فحكم النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((هو لك يا عبد بن زمعة)) يعني هو ولد أبيك؛ لأنه ولد على فراشه، هذا حكم شرعي، قاعدة، ولا يلتفت إلى غيرها مع وجودها ((واحتجبي منه يا سودة)) طيب إذا كان هو لزمعة وولد على فراشه، كيف تحتجب منه سودة بنت زمعة ألا يكون أخاً لها حكماً؟ هو أخ لها حكماً، لكن لما وجدت الشبهة فالاحتياط في مثل هذا من الجهتين، يحتاط لمثل هذا من الجهتين، يعني لو وجد شبهة رضاع، امرأة قالت: إني أرضعت فلاناً وفلاناً، كم أرضعتيهما؟ ما تدري، لكن تجزم بأنها أرضعتهما، نقول: لا يجوز له أن يتزوجها، ولا يجوز لها أن تكشف له، احتياط من الجهتين، استلحقه معاوية لذلك، وزوج ابن زياد ابنته ابنة معاوية، وأمَّر زياداً على العراقين البصرة والكوفة جمعهما له، ومات في خلافة معاوية سنة ثلاث وخمسين.(71/5)
المقصود أن مثل هذا جعل من تأخر يقول: زياد بن أبيه ولا يتحمل مسؤولية؛ لأنه إذا قال: زياد بن أبي سفيان معناه أنه أثبت النسب، وقد ولد على فراش عبيد، نعم، ومن نفاه وهو لا يعلم حقيقة الحال، لكن الذي يظهر ما دامت متزوجة بعبيد، وولدت على فراشه، وإن ادعاه أبو سفيان أو ادعاه معاوية، أو قامت الشهادات بأن أبا سفيان قال: إنه ولده، وما دام الفراش لعبيد فالولد له، ما لم ينفه بلعان ((كيف وقد قيل؟ )) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، كثير من الأحكام الشرعية مبنية على غلبة الظن، هي أرضعتهما، تجزم بأنها أرضعتهما، كيف وقد قيل، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قال: كم أرضعتكم؟ ولا شيء، قال: ((اتركها، كيف وقد قيل؟ )) هذا الأصل، أكثر الأحكام مبنية على غلبة الظن.
طالب:. . . . . . . . .
عنده، عنده أنها أرضعتهما، الجزم بأنها ... ، ما هي بمسألة غلبة ظن، الجزم أنها أرضعتهم.
"أن زياد بن أبي سفيان" زياد كذا وقع هنا في جميع روايات الموطأ، زياد بن أبي سفيان، وهو كذلك عند الإمام البخاري، ووقع عند مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك في هذا الحديث أن ابن زياد بدل قوله: زياد بن أبي سفيان، في مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك أن ابن زياد بدل زياد بن أبي سفيان، ولا شك أن هذا وهم، والصواب ما وقع في البخاري، وهو الموجود عند جميع رواة الموطأ، كيف يكون عند جميع رواة الموطأ بما فيهم يحيى الذي روايته بين أيدينا وقد خرجه مسلم من طريق يحيى بن يحيى عن مالك بن زياد؟ نعم؟
يحيى بن يحيى الذي يروي عن مالك بواسطته الإمام مسلم هو يحيى بن يحيى التميمي، وراوي الموطأ، وله رواية في الموطأ، لكنها غير مشهورة وغير معروفة، أما يحيى بن يحيى الذي ندرس روايته فهو الليثي، وهذا ليست له رواية في الكتب الستة، وإنما يكتب عليه تمييز، فليست له رواية في الكتب الستة.(71/6)
"أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن عبد الله بن عباس قال: من أهدى هدياً حرم عليه ما يحرم على الحاج" يعني هذا الأمير أراد أن يتأكد، بعث هدياً إلى البيت، وأراد أن يتثبت هل يحرم عليه شيء كما يقول ابن عباس؟ أو يبقى حلالاً؟ بعث يسأل عائشة "أن عبد الله بن عباس قال: من أهدى هدياً حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر الهدي" يعني حتى يبلغ الهدي محله، وقد بعثت بهدي فاكتبي لي بأمركِ أو مري صاحب الهدي، قالت عمرة: قالت عائشة: "ليس كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما- أنا فتلت قلائد هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي، ثم قلدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده، ثم بعث بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أبي" مع أبي بكر -رضي الله عنه- "فلم يحرم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء أحله الله له حتى نحر الهدي".
الآن الخلاف بين عائشة وابن عباس، فمن الذي يقدم قوله؟
طالب:. . . . . . . . .
قول عائشة لماذا؟ لأنها استدلت بمرفوع، ابن عباس لو استدل بمرفوع تحصل الموازنة، لكن هذا اجتهاد منه، وقد استدلت بما نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقولها هو الراجح.(71/7)
"من أهدى هدياً حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر الهدي" وهذا هدي تطوع يبعث من الآفاق إلى البيت، يبعثه الناس وهم في بلدانهم، فيقلد وتفتل له القلائد، يعني تظفر حبال وتربط في عنقه، ويعلق عليه نعل إن كان من الغنم، ويشعر إن كان من الإبل، والخلاف في البقر هل تلحق بالإبل أو بالغنم؟ والأكثر على إلحاقها بالإبل، فتشعر مثلها، والتفريق سببه أن الغنم ضعيفة لا تتحمل الإشعار، وهي ضربها بالسكين يعني كشطها بالسكين في جانب ظهرها الأيمن، هي ضعيفة لا تتحمل مثل هذا، وأيضاً هذا الإشعار يغطى بالشعر، شعر الغنم كثيف، بينما هو في الإبل والبقر لا يتغطى، وسببه لكي يعرف أن هذا هدي فلا يتعرض له، وأنكر الحنفية الإشعار، وقالوا: إنه تعذيب للحيوان، وما دام ثبت فعله عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كالوسم، النبي -عليه الصلاة والسلام- وسم إبل الصدقة بيده، والوسم حرق بالنار، وما دام ثبت هذا عن أرحم الخلق فكيف يقال: إنه تعذيب؟ المقصود أنه ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"أنا فتلت قلائد هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني جعلتها ظفرتها، ثم بعد ذلك ربطتها في عنقه وربطت فيها نعل لتعرف أنها هدي بيدي "ثم قلدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم بعث بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أبي" تعني أبا بكر "فلم يحرم عليه -عليه الصلاة والسلام- شيء أحله الله له حتى نحر الهدي" وهذه السنة مهجورة، هذه السنة مهجورة، ينبغي أن تحيا، فيبعث الهدي، والآن الأمور ما تكلف شيء، إذا اشترى شخص خروف بخمسمائة ريال، وقلده وبعث به مع ثقة، بحيث يذبحه أو يوكل من يذبحه ويوزعه على مساكين الحرم تكون هذه السنة أحييت، وهذه لا تكلف شيئاً.
وذكرنا في مناسبات أن سبب موت هذه السنة هي كون كتب المناسك وما يتعلق بالحج لا تقرأ إلا في موسم الحج، يعني تقرأ قبيل الحج، وبعد الحج خلاص تهجر، فتنسى هذه السنن وإلا لو قرئت في صفر، في ربيع، في رجب، وتذكر الناس هذه السنة وبعثوها ما نسيت، يعني هل يعرف أحد منا أحداً بعث بالهدي إلى ... ، اللهم إلا القليل النادر، يعني الأمة ما تزال فيها خير، لكن على مستوى الجميع أو المجموع لا تكاد تذكر هذه السنة.(71/8)
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: سألت عمرة بنت عبد الرحمن عن الذي يبعث بهديه ويقيم" يقيم في بلده "هل يحرم عليه شيء؟ فأخبرتني أنها سمعت عائشة تقول: "لا يحرم إلا من أهل ولبى" يعني لا يحرم على أحد شيء إلا بالنسبة لمن أهل ولبى، أما الذي لم يدخل في النسك فإنه لا يحرم عليه شيء، وهو بمعنى الحديث السابق إلا أنه موقوف.
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنه سمع رجلاً متجرداً بالعراق، فسأل الناس عنه، فقالوا: إنه أمر بهديه أن يقلد فلذلك تجرد" وكأنه يرى رأي ابن عباس، يعني مقتضى قول ابن عباس: من أهدى هدياً حرم عليه ما يحرم على الحاج، أنه يحرم عليه لبس المخيط يتجرد، فكأن هذا سمع كلام ابن عباس فتجرد بالعراق "فسأل الناس عنه، فقالوا: إنه أمر بهديه أن يقلد فلذلك تجرد، قال ربيعة: فلقيت عبد الله بن الزبير فذكرت له ذلك فقال: "بدعة ورب الكعبة".
بدعة ورب الكعبة يعني التجرد من المخيط والكف عن المحظورات بالنسبة لمن لم يدخل في النسك بدعة، وهذا عمل بقول صحابي، لكن قول الصحابي في مقابل المرفوع لا اعتبار به؛ لأنه في مقابل مرفوع، لكن لو كان التجرد رأي ابن عباس، وعدم التجرد رأي عائشة مجرد رأي، نعم لما جرأ أحد أن يقول: بدعة، لكن لمخالفته المرفوع قالوا: بدعة.
هنا أمر هو متعلق بالمسألة التي طرقناها قبل، وهي الإهلال بالحج قبل الميقات، والتجرد عن المخيط من البلد أراد أن يحرم من دويرة أهله فتجرد وأهل بالحج أو بالعمرة من بيته، هذا يجرؤ أحد أن يقول: بدعة، وقد ثبت عن بعض الصحابة، لا يجرؤ أحد أن يقول: بدعة، ابن عمر أحرم من بيت المقدس، وبريدة من كرمان، وغيرهم من البصرة، المقصود أن هذا عمل به الصحابة، وهذا فهمهم، وهو اجتهاد منهم.(71/9)
لكن من أراد أن يتشبه بالحاج هو لم يحج، ولم يبعث هدي، نقول: قال بقول ابن عباس، وأراد أن يصنع ما يعرف بالتعريف بالأمصار، التعريف بالأمصار يحتمل أمرين: الأول أنه يشبه أهل الموقف من كل وجه، فيتجرد عن المخيط، ويلزم بيتاً من بيوت الله، أو يخرج إلى الصحراء، ويتعرض لنفحات الله عشية عرفة، لكي يتشبه بالحجاج، وهذا هو التعريف المطابق لفعل أهل عرفة، وهو الذي نص على أنه بدعة، لو أن شخصاً صام يوم عرفة، وقد جاء في الحديث الصحيح أنه يكفر سنتين، صام يوم عرفة، وعشية عرفة لزم المسجد، يدعو الله -جل وعلا- ويتعرض لنفحاته، هل يقال: بدعة؟ لا، ليس ببدعة؛ لأنه ثبت عن السلف أنهم يحفظون صيامهم في المساجد؛ لأن الذي يجلس في المسجد يحفظ صيامه، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ولزوم المصلى بعد الصلاة كل هذه سنن ثابتة، وقد جاء الحث على التعريف، وهو محمول على هذا، والذي جاء وصفه بأنه بدعة النوع الأول، ويوم عرفة يوم فاضل، وأفضل أيام العام، وهو صائم، وينتظر الصلاة، ويتعرض لدعوة مستجابة ما في إشكال -إن شاء الله-.
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
مسجد إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال مالك له القول بكراهة الإحرام قبل الميقات، لكنه ثابت عن جمع من الصحابة، ولولا فعل بعض الصحابة نعم وقيل بعدم الإجزاء قبل الميقات لما بعد، فضلاً عن التحريم، لكن ما دام ثبت عن بعض الصحابة ما لنا كلام، وفهمهم لقوله -جل وعلا-: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] قالوا: أن تحرم بهما من دويرية أهلك، والعمرة من بيت المقدس لها شأنها، المقصود أن هناك ما يدل ذلك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، لا لا، تعريف الأمصار قلنا: إنه إن كان مشابهة الحجاج من كل وجه هذا بدعة، ما فعله أحد، ولا حث عليه، لكن إن كان مجرد صائم، لزم المسجد في مصلاه الذي صلى فيه العصر، وانتظر فيه صلاة المغرب، وتعرض لنفحات الله ما يلام أبداً، وحفظ صيامه ببقائه في المسجد، وثبت عنهم أنهم كانوا يحفظون الصيام بالمساجد؛ لأنه إذا خرج من المسجد عرضة لأن يتكلم وأن يلغو وأن ... ، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(71/10)
المقصود أنه مجرد الصيام، يعني الإنسان صائم يلزم المسجد ما يلام، صائم ويلزم المسجد ما يلام، أبداً.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
معروف أنا أقول: إنه ثبت عن بعض الصحابة، وجاء الحث على العمرة من بيت المقدس، وفهموا من قوله -جل وعلا-: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] أن تحرم بهما من دويرية أهلك، ما دام هذا ثابت عن الصحابة، لكن هل هو الراجح؟ ما هو بالراجح، لكن من فعله لا ينكر عليه مثل ما ينكر على بعض من يفعل ما لا أصل له بفعل الصحابة، مثل ما قال: فذكرت له ذلك فقال: بدعة، بدعة ورب الكعبة، لماذا؟ لأنه معارض بنص مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا قلنا في مناسبات كثيرة: أننا لاحظنا من يدخل المسجد النبوي وهو محرم، يعني شخص أراد أن يتجهز للإحرام، وبيركب الطيارة من الرياض، ولبس الإحرام من الرياض نقول: مبتدع؟ بالطيارة ما يمديه ولا في مكان يتجرد فيه، نقول: ما عليه شيء، لكن لا يعقد النية حتى يحاذي الميقات، لكن لو تجرد في المدينة في شقته، في منزله، نعم، وقال: المسافة عشرة كيلو سهل أمُر وأعقد النية وأمشي، لكن أتجرد بدل ما أتجرد بالمحرم وأمسك سرة أتجرد بالبيت وبالشقة، بالسكن، ما يلام، لكن الإشكال يأتي من كونه يدخل المسجد النبوي وعليه إحرامه فخشية أن يقال: إن المسجد يحتاج إلى إحرام، أو يقال: إن زيارة النبي -عليه الصلاة والسلام- تحتاج إلى إحرام يمنع من هذه الحيثية، وكانت قليلة وكأنها زادت الآن، بكثرة تصنع.
"وسئل مالك عمن خرج بهدي لنفسه" ....
يقول: بعث الهدي إلى البيت ما الفرق بينه وبين الأضحية؟ وهل لا يمس من شعره أو ظفره شيء؟
بعث الهدي مثل ما جاء عندنا أنه لا يلزم بشيء، فلم يحرم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء أحله الله له حتى نحر الهدي، ما حرم عليه شيء، وجاء في الأضحية ما جاء، نعم، ((إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشرته شيئاً)) فالأضحية جاء ما يخصها.(71/11)
"وسئل مالك عمن خرج بهدي لنفسه فأشعره وقلده بذي الحليفة، ولم يحرم هو حتى جاء الجحفة، قال: لا أحب ذلك، ولم يصب من فعله، ولا ينبغي له أن يقلد الهدي ولا يشعره إلا عند الإهلال إلا رجل لا يريد الحج فيبعث به ويقيم في أهله" الآن المسألة مفترضة في شخص خرج من المدينة، ومر بذي الحليفة، أشعر الهدي وقلده من ذي الحليفة، لكنه لم يحرم إلا من الجحفة، هذا عند مالك فيه إشكال؟، قال: لا أحب ذلك هل لا أحب تأخير الإحرام إلى الجحفة أو لا أحب تقديم تقليد الهدي إلى الإحرام؟
طالب: تقليد الهدي.
نعم، قال: "لا أحب ذلك، ولم يصب من فعله، ولا ينبغي أن يُقلد الهدي -أو أن يقلِد الهدي- ولا يشعره إلا عند الإهلال" يعني في الميقات "إلا رجل لا يريد الحج فيبعث به ويقيم في أهله" فيقلده من بيته.
ابن حجر يقول: المهدي للبيت له حالان: إما أن يسوق الهدي ويقصد النسك، إما أن يسوق الهدي وهو قاصد النسك، فهذا إنما يقلد هديه ويشعره عند إحرامه وإما أن يسوق الهدي ويقيم فيقلده من مكان إقامته لحديث الباب.
ونستذكر المسألة السابقة وهي أن من تجاوز الميقات الذي حدد له أو مر به إلى ميقات آخر عند مالك لا شيء فيه، والجمهور يلزمونه بدم، وهنا كأن مالكاً لا يرى عليه شيء، مر بذي الحليفة وقلد الهدي بذي الحليفة، ولم يحرم حتى جاء الجحفة، تجاوز الحليفة غير محرم ثم أحرم من الجحفة، ما ألزمه مالك بشيء، إنما أنكر عليه كونه قلد الهدي قبل إرادة الإحرام.
"وسئل مالك هل يخرج بالهدي غير محرم؟ فقال: "نعم لا بأس بذلك" يخرج بالهدي من بيته حتى يأتي المحرم فيقلده، أو يبعث الهدي ويقيم في بلده فلا بأس بذلك ولا يحرم.
"وسئل -أيضاً - رحمه الله- عما اختلف فيه الناس من الإحرام لتقليد الهدي ممن لا يريد الحج ولا العمرة، فقال: الأمر عندنا الذي نأخذ به في ذلك قول عائشة أم المؤمنين: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث بهديه ثم أقام، فلم يحرم عليه شيء مما أحله الله له حتى نحر هديه" كما تقدم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هدي تطوع هذا، هدي تطوع، حتى في العمرة ويش المانع؟(71/12)
أقول: لو بحث عمن يبعث معه هدي فلم يجد وأراد إحياء هذه السنة، نعم، فبعث قيمة الهدي، فقال لشخص: اذهب بهذه القيمة وفلان ينتظرك وكيل اتصلت به وقلت له: خذ الدراهم من فلان واشترِ به هدياً تقوم مقامي وتوزعه، هل يكفي بعث قيمة الهدي؟ وهناك ما هو أسهل، يعني تحويله بالصراف وإلا بالهاتف المصرفي وإلا بـ ... ، الأمور تيسرت -ولله الحمد-، لكن كل هذا لا يقوم مقام تقليد الهدي بين الأولاد، ورؤيتهم لهذه السنة، وبعثه كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يبعثه.
نعم.
باب: ما تفعل الحائض في الحج:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: "المرأة الحائض التي تهل بالحج أو العمرة إنها تهل بحجها أو عمرتها إذا أرادت، ولكن لا تطوف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، وهي تشهد المناسك كلها مع الناس، غير أنها لا تطوف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، ولا تقرب المسجد حتى تطهر.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما تفعل الحائض في الحج" قال: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: "المرأة الحائض التي تهل بالحج أو العمرة إنها تهل بحجها أو عمرتها إذا أرادت" يعني وهي متلبسة بالحيض، لا مانع من ذلك، وأن الحيض لا يمنع من الدخول في النسك، ولا يمنع عقد الإحرام، ولا يمنع عقد النكاح، الحيض لا أثر له في مثل هذا، ولذا جاء في الحديث حديث عائشة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) وقال في حديث صفية، في قصة صفية: ((أحابستنا هي؟ )) فدل على أن الحائض لا تطوف مهما كانت الظروف، وأنها تحبس الرفقة.(71/13)
يقول: كان يقول: "المرأة الحائض التي تهل بالحج أو العمرة إنها تهل بحجها أو عمرتها إذا أرادت" يعني حائض أو طرأ عليها الحيض بعد أن دخلت في النسك كعائشة، ولكن لا تطوف بالبيت ((غير أن لا تطوفي بالبيت ولا بين الصفا والمروة)) تفعل ما يفعله الحاج مما يقتضيه النسك، ولا نذهب في مثل هذا النص إلى أبعد من هذا، فنقول: إن الحائض تقرأ القرآن بدليل هذا الحديث، تفعل جميع ما يفعل الحاج؛ لأن الحاج يقرأ القرآن، وبعد الحاج يصلي، نعم، فالاستدلال بمثل هذا العموم على مثل هذه المسألة لا شك أن فيه إيغال في العموم.
ولكن لا تطوف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، نعم لا تطوف بالبيت لأنها ممنوعة من دخول المسجد، الطهارة شرط لصحة الطواف، ولا بين الصفا والمروة، وما بينهما خارج عن المسجد، لماذا تمنع من الطواف بين الصفا والمروة؟ لأنهم يشترطون لصحة السعي أن يقع بعد طواف، فإذا اشترطناه للطواف لزم من ذلك اشتراطه للسعي.
لكن لو قالت: إنه جاء في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يستثنِ إلا الطواف، والحائض لا تدخل المسجد، "وليعتزل الحيض المصلى" والمسعى خارج المسجد، وجاء أيضاً السؤال عن تقديم السعي على الطواف في حديث أسامة بن شريك، قال: ((افعل ولا حرج)) هي في يوم العيد قالت: أريد أن أسعى، ويبقى الطواف إلى أن تطهر، مقتضى قول مالك قال: لا تطوف بالبيت، نعم، كلام ابن عمر: "ولكن لا تطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة" كأنه يرى أن السعي لا بد أن يقع بعد طواف، وهو شرط عند جمع من أهل العلم صحة السعي إلا أن يكون بعد طواف ولو مسنوناً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لها ذلك، لكن لا تطوف حتى تطهر.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا أهلت بالعمرة في أيام الحج، واستمر معها الحيض حتى خشيت فوات الحج تدخل الحج على العمرة فتصير قارنة، يعني مثل عائشة أهلت بعمرة، إن كان هناك متسع من الوقت تنتظر حتى تطهر فتأتي بعمرة وتبقى على تمتعها، إن خشيت فوات الحج بفوات الوقوف أدخلت الحج على العمرة وصارت قارنة، أما كونها تحرم وهي حائض لا مانع.(71/14)
"وهي تشهد المناسك كلها مع الناس" ولذا جاء في الحديث: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي)) "غير أنها لا تطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، ولا تقرب المسجد حتى تطهر" فالحائض لا يجوز لها أن تدخل المسجد كالجنب، وجاء في صلاة العيد أمر العواتق والحيض وذوات الخدور أن يخرجن إلى المصلى، يشهدن الخير ودعوة المسلمين، وليعتزل الحيض المصلى، ومصلى العيد مسجد، وإن كانت أحكامه أقل من أحكام المسجد المعروف، يتفق مع المسجد في أشياء ويختلف عنه في أشياء، لكن إذا كان هذا في مصلى العيد فالمسجد من باب أولى.
بعضهم يقول: إن المراد بالمصلى مكان الصلاة؛ لأنها ما دامت لم تصلِ وهي حائض فلماذا تجلس في المصلى الذي هو المكان الذي يصلى فيه فتضيق على الناس وهي لن تصلي؟ تبعد عن الناس ولو كانت في المصلى، لكن موضع الصلاة للمصلى المراد به المحدود معروف الحدود، فتعتزل في جهة منه، ولو كانت داخله، لكن البقعة التي يصلون فيها لا تضيق على الناس، لكن مقتضى قوله: "يعتزلن المصلى" يعني بحدوده أي جميع المصلى، والمسجد من باب أولى، نعم؟
أحسن الله إليك.
باب: العمرة في أشهر الحج:
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اعتمر ثلاثاً عام الحديبية، وعام القضية، وعام الجعرانة.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يعتمر إلا ثلاثاً إحداهن في شوال، واثنتين في ذي القعدة.
وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي أن رجلاً سأل سعيد بن المسيب فقال: أعتمرُ قبل أن أحج؟ فقال سعيد: "نعم قد اعتمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يحج.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن أبي سلمة استأذن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- أن يعتمر في شوال فأذن له فاعتمر ثم قفل إلى أهله ولم يحج.
التثنية استأذنا عمر بن الخطاب؟
طالب: لا، أنا أقصد عمرو بن أبي سلمة وعمر بن الخطاب.
إيه لأنه موهم.
أحسن الله إليك.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(71/15)
"باب: العمرة في أشهر الحج" أشهر الحج شوال والقعدة وعشر من ذي الحجة عند الأكثر، والشهر الكامل عند مالك، وعُمَر النبي -عليه الصلاة والسلام- كلها وقعت في هذه الأشهر الحرم، حتى توقف ابن القيم في تفضيل عمرة رمضان على العمرة في أشهر الحج، بل في الأشهر الحرم؛ لأن عمر النبي -عليه الصلاة والسلام- كانت في هذه الأشهر على الخلاف في عمرة رجب أثبتها ابن عمر ونفتها عائشة.
ابن عمر كما في البخاري وغيره يقول: "اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- في رجب" وأنكرت عائشة واستدركت ذلك عليه، فقالت: "ما اعتمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رجب قط، وما اعتمر قط إلا وأبو عبد الرحمن معه لكنه نسي".
فعمره -عليه الصلاة والسلام- أربع: عمرة الحديبية التي صد عنها، وحسبت ثم عمرة القضية من قابل حيث قاضى المشركين على ذلك، والعمرة عمرة الجعرانة بعد منصرفه من حنين، بعد الفتح، والعمرة الرابعة التي مع حجه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه حج قارناً، والقارن جمع بين الحج والعمرة.
قال: "حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اعتمر ثلاثاً عام الحديبية" وهذه عمرة وإن كانت لم تؤد لأنها كتبت "وعام القضية" من قابل "وعام الجعرانة" يعني أحرم من الجعرانة بعد منصرفه من حنين، ودخل مكة ليلاً، وحنين مكانها الشرايع نعم، والحجة الرابعة ما عدت هنا؛ لأنها دخلت في الحج، في القران، فليس لها استقلال؛ لأن القارن أعماله كأعمال المفرد، المقصود أن المجموع أربع كما في حديث عائشة في الصحيح.
المقصود أن هذا ما اختاره الله لنبيه -عليه الصلاة والسلام-، وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل، هكذا قيل، وأما ما جاء في عمرة رمضان، وأنها تعدل حجة وحجة مع النبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أن هذا مرجح، مرجح قوي على عمرة رمضان، لكن من توقف كابن القيم هذا دليله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
اللي يظهر أنه قال في أشهر الحج، نعم هذا اللي أنا أحفظ الآن؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما جاء في حديث عائشة لم يعتمر في غير أشهر الحج.(71/16)
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يعتمر إلا ثلاثاً إحداهن في شوال" التي هي إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الجعرانة نعم؛ لأن الفتح صار في رمضان، ثم خرج إلى حنين وانتهى منهن ورجع ليعتمر من الجعرانة، "إحداهن في شوال واثنتين في ذي القعدة"
"وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي أن رجلاً سأل سعيد بن المسيب فقال: أعتمرُ قبل أن أحج؟ " يسأل "أعتمر قبل أن أحج؟ قال سعيد: نعم، قد اعتمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يحج" وبعض الناس يستغرب مثل هذا السؤال الذي فيه النص الصحيح الصريح، يوجد مثل هذا ويوجد ما هو دونه، نعم يوجد، الناس يخفى عليهم لا سيما من لا صلة له بالعلم يخفى عليه مثل هذا.
"أعتمر قبل أن أحج؟ " قد يقول قائل: ويش السؤال ذا؟ والناس متفاوتون في الفهم والإدراك والتحصيل، إذا كان داخل صحن الحرم يقول: أين الكعبة؟ مبصر، نعم يسأل عن الكعبة وهو مبصر، فما دون هذا من باب أولى.
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن أبي سلمة" ربيب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو ولد زوجته أم سلمة "استأذن عمر بن الخطاب أن يعتمر في شوال فأذن له، فاعتمر ثم قفل إلى أهله ولم يحج" يعني للإنسان أن يعتمر في أشهر الحج، ولا يلزمه أن يؤدي الحج.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ليس داخل المسجد، ما زال خارجاً عن المسجد، ووضعه الهندسي ما زال خارج المسجد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
سعي الحائض سمعنا كلام ابن عمر -رضي الله عنه-، وعند من يشترط أن يتقدمه طواف، لكن لو طافت ثم حاضت قبل أن تسعى لها ذلك، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لها ذلك، من مقتضى حديث أسامة بن شريك أن لها ذلك، ولو طافت ثم حاضت ثم سعت بعد ذلك صح سعيها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما في إشكال، على الجادة ((افعل ولا حرج)) فما سئل عن شيء قدم ولا أخر، تشمله القاعدة العامة.
طالب:. . . . . . . . .
يشمل، يشمل، تشمله القاعدة العامة، نعم.
أحسن الله إليك.(71/17)
باب: قطع التلبية في العمرة:
حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقطع التلبية في العمرة إذا دخل الحرم.
قال مالك -رحمه الله- فيمن أحرم من التنعيم: إنه يقطع التلبية حين يرى البيت.
قال يحيى: سئل مالك عن الرجل يعتمر من بعض المواقيت وهو من أهل المدينة أو غيرهم متى يقطع التلبية؟ قال: "أما المهل من المواقيت فإنه يقطع التلبية إذا انتهى إلى الحرم، قال: وبلغني أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يصنع ذلك".
يقول: "باب: قطع التلبية في العمرة" أما قطع التلبية في الحج تقدم الكلام فيه، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما زال يلبي حتى بلغ جمرة العقبة، أو حتى رمى جمرة العقبة.
وأما بالنسبة للمعتمر متى يقطع التلبية؟ هل يقطعها إذا رأى البيت أو بمجرد دخوله في الحرم أو إذا رأى بنيان مكة؟ يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقطع التلبية في العمرة إذا دخل الحرم" عروة بن الزبير أحد الفقهاء السبعة من التابعين يقطع التلبية في العمرة إذا دخل الحرم، وهكذا كان يفعل ابن عمر.
"قال مالك فيمن أحرم من التنعيم: إنه يقطع التلبية حين يرى البيت" لماذا؟ لأن التنعيم ملاصق للحرم، معناه أنه لا يلبي، خطوات ويدخل الحرم، فمن أحرم من أدنى الحل هذا يستمر في التلبية حتى يدخل البيت، وأما من أحرم من المواقيت لبعدها فإنه لا يزال يلبي حتى يدخل الحرم، هذا كلامه، نعم.
يقول: "قال مالك فيمن أحرم من التنعيم: إنه يقطع التلبية حين يرى البيت.(71/18)
قال يحيى: سئل مالك عن الرجل يعتمر من بعض المواقيت وهو من أهل المدينة أو غيرهم متى يقطع التلبية؟ قال: أما المهل من المواقيت فإنه يقطع التلبية إذا انتهى إلى الحرم" وأما إذا أحرم من أدنى الحل فحين يرى البيت قال: "وبلغني أن عبد الله بن عمر كان يصنع ذلك" يعني يقطع التلبية إذا انتهى إلى الحرم، مجرد ما يدخل حدود الحرم يقطع التلبية، والمراد بالحرم ليس البيت، نعم، في المدونة يقول: يقطع إذا دخل بيوت مكة أو المسجد الحرام، ذلك كله واسع، هذا كله واسع، وجاء عن ابن عباس مرفوعاً: "يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر" وهذا يشمل من أهل من الميقات ومن دون الميقات، لكن الخبر في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، الفقيه المعروف لكنه بالنسبة للحديث مضعف في الرواية سيء الحفظ، نعم، وأبوه من رجال الجماعة، عبد الرحمن بن أبي ليلى، هذا الفقيه الذي يدور اسمه في كتب الفقه كثيراً، يعني الكتب التي تنقل الأقوال لا يكاد باب يخلو من ذكر اسمه مراراً، إمام فقيه، جمعت أقواله في رسالة كبيرة جداً من مجلدات.
المقصود أنه فقيه كبير، لكنه في ميزان المحدثين سيء الحفظ، وهذه الرسالة لما سجلت في جهة من الجهات وأراد صاحبها أن يحدد المراد بابن أبي ليلى، من المراد بابن أبي ليلى؟ تعب كثيراً، قرأ كتب التراجم، ما أسعفته، سيء الحفظ ما يمكن يكون بهذه المثابة وبهذه الإمامة في الفقه! نعم، والأب محدث، لكن ما ذكر عنه فقه، وإلا ثقة، وتردد وسأل طويلاً، والذي حل الإشكال نعم، لما ترجم النووي في شرح مسلم لعبد الرحمن بن أبي ليلى قال: ثقة احتج به الجماعة، وأما ابن أبي ليلى الذي يدور اسمه في كتب الفقه فهو ابنه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه المعروف، ومثل هذا لا يمكن أن يوقف عليه إلا بالجرد، جرد الكتب مع تقييد الفوائد والشوارد، جرد المطولات؛ لأن مثل هذا مشكل يعني لما تخطئ في اسم صاحب البحث الذي تبحثه كارثة هذه، نعم هذه مصيبة.(71/19)
المقصود أن مثل هذا ينبغي أن يتنبه له، وابن أبي ليلى .. ، معروف أن من اتجه إلى شيء غفل عما سواه، ابن أبي ليلى فقيه كبير، تقول مثل هذا في أبي حنيفة الإمام الأعظم رمي بسوء الحفظ، ابن أبي ليلى كذلك، كثير ممن اتجه إلى فرع من فروع العلم الشرعي لا شك أنه على حساب غيره؛ لأن العقل لا يستوعب كل العلوم، كذا من غلب عليه حفظ الحديث ورواية الحديث قد يكون عنده ضعف في الاستنباط والدراية، قليل من أهل العلم من جمع الله له بين الفنون، لكن الغالب أن من اتجه إلى شيء وأعطاه كليته في الغالب أنه يكون على حساب غيره، حتى من القراء، من قراءته متواترة ومشهورة ومعمول بها، قد يكون في حفظه شيء، لكن هل ما يقع في حفظه مما يذكره المحدثون له أثر على قراءته؟ أبداً، لماذا؟ لأن القرآن مضبوط بين الدفتين، مرده للاختبار، اختبر، نعم فيمكن حفظه، القرآن يمكن حفظه حتى من سيء الحفظ؛ لأنه معروف أوله وآخره لا يمكن أن يخفى شيء منه على من أراده، بينما الحديث! الحديث دونه خرط القتاد، فالذي لا تسعفه الحافظة القوية مثل هذا لا شك أنه لن يدرك من الحديث شيء يذكر؛ لأنه بحر محيط، وهو كما قال أهل العلم: علم فحل لا يطيقه إلا الفحول، وأهل الرأي كما ذكر ابن القيم وغيره عن بعض السلف أنهم أعياهم حفظ النصوص، نعم وصعب عليهم أنهم إذا سئلوا ما أجابوا، فاستعملوا الفهم، الفهم قد يوجد عند شخص لا يحفظ، والحفظ قد يوجد عند شخص لا يفهم، أو فهمه ضعيف، وفي كل خير، لكن يبقى أن الفهم وحده لا ينفع إلا بما يعتمد عليه من حفظ، نعم، اللهم إلا إذا أراد أن يتورع إذا سئل عن شيء لا يحفظ فيه شيء يقول: الله أعلم، إذا كان بين يديه كتاب وكثير من المحدثين يعدل من التحديث من الحفظ إلى التحديث من الكتاب خشية أن يزل؛ لأنه بصدد الكلام في كلام من لا ينطق عن الهوى، نعم، فكثير من الناس يحرص على أن يحدث من كتابه.
والتحديث من الكتاب معروف عند أهل العلم، وضبط الكتاب أيضاً نوع من أنواع الضبط الذي به يصح الخبر.(71/20)
المقصود أن مثل هذا لا بد أن يعتمد طالب العلم على الحفظ بالدرجة الأولى ثم الفهم، لا يطغى الحفظ على الفهم بحيث يكون مجرد زيادة كتاب أو ما أشبه هذا مما يقال، أو لا يطغى الفهم أيضاً بحيث يستطيع أن يمشي السائل بالرأي من غير أن يعتمد على نص، فالعلم قال الله وقال رسوله، فالحفظ بدون فهم قليل الجدوى، وأيضاً الفهم دون حفظ قد يكون في بعض الأحوال عديم الفائدة، فعلى طالب العلم أن يهتم بهما معاً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
فقيه نعم، يحتاج إلى دليل، لكنه فقيه على طريقة الفقهاء، يعني هنا قد يوجد محدث على طريقة الفقهاء، وقد يوجد فقيه على طريقة المحدثين، نعم، وأنت تعرف كل اللي يدرسون مروا عليك كلامهم وأشرطتهم، تسمع من بعض الناس تجزم بأنه نفسه حديث، وبعض الناس وإن كان يشرح الحديث تجزم بأن نفسه فقه، وقد يُشرح كتاب من كتب الحديث، أو كتاب أخص من ذلك من كتب المصطلح، قد يشرح بنفس الفقهاء، نعم، والعكس قد تشرح كتاب من متون الفقه على طريقة أهل الحديث، والموفق من وفقه الله للجمع بينهما، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(71/21)
الموطأ - كتاب الحج (9)
شرح: باب: ما جاء في التمتع، وباب: ما لا يجب فيه التمتع.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في التمتع:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب أنه حدثه أنه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حجّ معاوية بن أبي سفيان وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال الضحاك بن قيس: "لا يفعل ذلك إلا من جهل أمر الله -عز وجل-" فقال سعد -رضي الله تعالى عنه-: بئس ما قلت يا ابن أخي، فقال الضحاك: فإن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قد نهى عن ذلك، فقال سعد: قد صنعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصنعناها معه".
وحدثني عن مالك عن صدقة بن يسار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: "والله لأن أعتمر قبل الحج وأهدي أحب إلي من أن أعتمر بعد الحج في ذي الحجة".
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: "من اعتمر في أشهر الحج في شوال أو ذي القعدة أو في ذي الحجة قبل الحج ثم أقام بمكة حتى يدركه الحج فهو متمتع إن حج، وعليه ما استيسر من الهدي، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع".
قال مالك -رحمه الله تعالى-: "وذلك إذا أقام حتى الحج ثم حج من عامه".
قال مالك -رحمه الله-: في رجل من أهل مكة انقطع إلى غيرها وسكن سواها ثم قدم معتمراً في أشهر الحج، ثم أقام بمكة حتى أنشأ الحج منها، إنه متمتع يجب عليه الهدي أو الصيام إن لم يجد هدياً، وأنه لا يكون مثل أهل مكة.(72/1)
وسئل مالك عن رجل من غير أهل مكة دخل مكة بعمرة في أشهر الحج وهو يريد الإقامة بمكة حتى ينشئ الحج أمتمتع هو؟ فقال: نعم هو متمتع، وليس هو مثل أهل مكة، وإن أراد الإقامة، وذلك أنه دخل مكة وليس هو من أهلها، وإنما الهدي أو الصيام على من لم يكن من أهل مكة، وأن هذا الرجل يريد الإقامة ولا يدري ما يبدو له بعد ذلك، وليس هو من أهل مكة".
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب -رحمه الله- يقول: "من اعتمر في شوال أو ذي القعدة أو في ذي الحجة ثم أقام بمكة حتى يدركه الحج فهو متمتع. . . . . . . . .
أحسن الله إليك.
ثم أقام بمكة حتى يدركه الحج فهو متمتع إن حج، وما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول: المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في التمتع" مر بنا مراراً أن التمتع هو الإتيان بالعمرة في أشهر الحج، ثم الحل منها، الحل الكامل، فالإحرام بالحج من عامه دون أن يرجع إلى أهله، فإذا اعتمر في أشهر الحج ثم حج تلك السنة ولم يرجع بينهما إلى أهله هذا هو التمتع، التمتع الخاص، الذي هو قسيم للإفراد والقران، أما بمعناه الأعم بحيث يكون قسيماً للإفراد فقط، فهو شامل للقران، فمن حج تمتعاً وفصل بينهما بالحل أو جمع بينهما في سفرة واحدة هو متمتع بالمعنى الأعم، يعني أنه ترفه بسفر واحد، وجمع بين النسكين، ولزمه الدم، إن لم يكن من حاضري المسجد الحرام، وعلى هذا يحمل قول من روى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه تمتع، وهذا ثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه تمتع يعني بالمعنى الأعم، أو أنه أمر أصحابه بالتمتع، والآمر قد ينسب إليه الفعل، ولغة العرب تحتمل ذلك، لكن المراد به هنا الفصل بينهما، الإتيان بالعمرة ثم الحج في سفر واحد، في سنة واحدة مع التحلل بينهما.(72/2)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب" محمد بن مسلم الزهري "عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب" الهاشمي "أنه حدثه أنه سمع" أنه حدثه أنه سمع، الضمائر أن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب حدث ابن شهاب أنه يعني محمد بن عبد الله سمع "سعد بن أبي وقاص" الزهري أحد العشرة المبشرين بالجنة.
سعيد وسعد وابن عوف وطلحة ... وعامر فهر والزبير الممدح
هذا سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة.
"أنه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس" بن خالد بن وهب الفهري أمير شهير "عام حج معاوية بن أبي سفيان" يعني حجته الأولى في ولايته سنة أربع وأربعين "وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج"، "سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان وهما" يعني سعداً والضحاك "يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال الضحاك بن قيس: "لا يفعل ذلك إلا من جهل أمر الله -عز وجل-"؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] فكيف يتم امتثال هذا الأمر مع أن الإنسان إذا أحرم بالحج يحل حلاً تاماً قبل وقت حلول، قبل وقت الحلول في يوم النحر؟ يقول: لا يفعل ذلك إلا من جهل أمر الله -عز وجل-، ولذا يقول عمر -رضي الله عنه-: "إن نأخذ بكتاب الله فإنه يأمرنا بالتمام، وإن نأخذ بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه لم يحل حتى بلغ الهدي محله" فدلالة الكتاب والسنة على عدم التمتع، على عدم التحلل بينهما، هذا معنى ما دار في المحاورة، ورأي عمر -رضي الله عنه- وعثمان، كلهم على هذا، هم يرون أن التمتع الذي فيه الحل كله ينافي قول الله -جل وعلا-: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] لأنك تحل من إحرامك قبل أن يبلغ الهدي محله.(72/3)
"لا يفعل ذلك إلا من جهل أمر الله -عز وجل-" يعني في الآية "فقال سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي" يعني جمع بين اللفظ الذي فيه الذم للقول بئس، وبين الملاطفة بقوله: يا ابن أخي لبيان أن رد القول لا يقتضي القدح في صاحبه، لأن يا ابن أخي هذه ملاطفة وتأنيس، ومثل هذا الأسلوب أدعى للقبول، مثل هذه الملاطفة والتأنيس تجعل الكلام مقبول، بئس ما قلت يا ابن أخي، ويش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
بئس هي تقابل نعم، فعل جامد أنشئ للذم، والمراد هنا ذم القول لا القائل، يعني كون الإنسان يقف على كلام مردود، أو كلام على خلاف سنة يبين الحق، عليه البيان، لكن لا يتعدى ذلك إلى تجريح الأشخاص، وهنا قال: "بئس ما قلت -بئس القول الذي قلته- يا ابن أخي، هذه ملاطفة وتأنيس للرجل، لو قال: بئس ما قلت يا ضحاك، هذه فيها شيء من الجفاء، فكون الكلام يؤدي الغرض نعم مع اشتماله على أمر يجعله مقبولاً هذا هو الحكمة.
"بئس ما قلت يا ابن أخي، فقال الضحاك: فإن عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك" يعني التمتع "فقال سعد: قد صنعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصنعناها معه" أنت تستدل بقول عمر وأنا أستدل بفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وإقراره فالحق مع من؟ قد يقول قائل: إن عمر أمرنا بالاهتداء بهديه والاستنان بسنته، ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ)) قد يقول قائل هذا الكلام لكن مثل هذا متى يكون مقبولاً؟ إذا خلت المسألة عن الدليل المرفوع، وإلا إذا ثبت في المسألة نص من كتاب أو سنة فلا كلام لأحد، ولذا يقول ابن عباس في هذه المسألة: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر؟ " وهذا قد يرد على ألسنة كثير من الناس يشعر أو لا يشعر، تورد عليه النص يقول: ولو ... ، شيخ الإسلام يقول كذا، تورد عليه النص يقول: المذهب كذا، وهذا الذي عمل وهذا ... ، يا أخي إن كان عندك جواب عن النص عندك معارض راجح من نص أقوى منه، أو متأخر عنه، أو يمكن حمله على أي وجه من الوجوه المقبولة عند أهل العلم، فعلى العين والرأس وإلا ما يقابل النص بمثل هذا الكلام.(72/4)
"فقال سعد: "قد صنعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصنعناها معه" وهذه هي الحجة الملزمة، وهي مقدمة على الرأي والأقيسة.
الاستدلال بالآية على منع التمتع {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] طيب من أحرم بالعمرة، وجاء بها كاملة ثم حل من الحل كله، ثم أحرم بالحج وأتى بجميع أعماله نحل الحل كله، هذا ما أتم الحج والعمرة؟ أتم الحج والعمرة، يعني لو قيل: إن هذه الآية دلالتها على التمتع أوضح من دلالتها على القران؛ لأن كون العمرة يؤتى بها داخلة في الحج هل هذا تمام؟ ما في تمام إلا إن الدليل الصحيح الصريح دل على جوازها، وأن العمرة دخلت في الحج إلى يوم القيامة، وإلا دلالة الآية على التمتع أظهر من دلالتها على القران، "أتموا الحج" أتممنا الحج ويش صار؟ بجميع أفعاله وحللنا منه "أتموا العمرة" أتممنا العمرة، يعني لو قيل: إن التمتع هو الذي ينطبق على هذه الآية، مع أنه ينطبق على الإفراد، وينطبق أيضاً على الإتيان بالعمرة دون حج، وينطبق على ما إذا جمع بينهما، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يأتي عاد الخلاف في هذا، بيجي له كلام -إن شاء الله-.
الآية دلت على وجوب إتمام العمرة، وقد تمت بجميع أفعالها، ثم الإحرام بالحج وإتمامه أيضاً وقد تم في صنيع المتمتع، وقال -عليه الصلاة والسلام-: ((لولا أن معي الهدي لأحللت وجعلتها عمرة)) فهذا نص في موطن النزاع، وعمر -رضي الله تعالى عنه- كان ينهى عن فسخ الحج إلى العمرة، وأيضاً ينهى عن المتعة، ثبت عنه النهي عن المتعة، وعن عثمان -رضي الله تعالى عنه-.
وكان عمر ينهى عن فسخ الحج إلى العمرة؛ لأنه يرى الخصوصية، يرى أن الأمر بالفسخ وجواز الفسخ خاص بأهل تلك الحجة مع النبي -عليه الصلاة والسلام- من الصحابة، وكان يقول كما في البخاري: "إن نأخذ بكتاب الله فإنه يأمرنا بالتمام، وإن نأخذ بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه لم يحل حتى بلغ الهدي محله" وعرفنا ما في هذا الكلام والإجابة عنه.(72/5)
يقول: "وحدثني عن مالك عن صدقة بن يسار عن عبد الله بن عمر أنه قال: "والله لأن أعتمر قبل الحج -في أشهره- وأهدي -يعني متمتعاً- أحب إلي من أن أعتمر بعد الحج في ذي الحجة" أقول: هذا مبالغة في جواز التمتع وإن كان الاعتمار بعد الحج في ذي الحجة لا بأس به؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر عائشة أن تعتمر بعد الحج بعد طلبها، وكلام ابن عمر هذا للمبالغة في فضيلة التمتع، وإن كان أبوه لا يرى هذا.
"وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن -مولاه- عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: "من اعتمر في أشهر الحج في شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة قبل الحج -لا بعده- قبل الحج ثم أقام بمكة حتى يدركه الحج فهو متمتع" أدركه الحج فهو متمتع "إن حج" لكن لو أدركه الحج ولا حج متمتع وإلا لا؟ هذا ليس بمتمتع، ولذلك يقول: "ثم أقام بمكة حتى يدركه الحج فهو متمتع إن حج، وعليه ما استيسر" ما تيسر من الهدي، وأقله شاة "فإن لم يجد الهدي" لعدم وجوده حقيقة أو لعدم وجود ثمنه "فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج" في الحج يعني في أيام الحج ولو في أيام التشريق، وصيام أيام التشريق جاء النهي عنه، وهو محرم، ولم يستثنَ من ذلك إلا من لم يجد الهدي، فيصوم هذه الثلاثة الأيام؛ لأنه لم يبق من الحج سواها، نعم؟
طالب: يوم النحر؟
لا، يوم النحر إجماع أنه لا يُصام لا للحاج ولا لغيره.
"فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع" إلى بلده ومصره، كما هو المعروف عن ابن عباس، أو إذا رجع من منى، فله أن يصومها بمكة أو في طريقه إلى بلده، وهما قولان معروفان.(72/6)
"قال مالك: "وذلك إذا أقام حتى الحج ثم حج من عامه" فلو لم يحج من عامه فليس بمتمتع، وإن عاد لبلده؛ لأنه يقول: وذلك إذا أقام حتى الحج، إذا عاد لبلده ثم حج، عاد لبلده ثم حج في عامه لم يكن متمتعاً، إنما هو مفرد، إذا سافر بين الحج والعمرة لغير بلده، ينقطع التمتع وإلا ما ينقطع؟ أما على كلام الإمام مالك ثم حج من عامه وسيأتي، أو ما هو أوضح من هذا، نعم، ثم يأتي في الباب الذي يليه ما هو أوضح من هذا، وأنه قيد الرجوع إلى بلده، ومفهوم هذا أنه إذا سافر سفراً ولو مسافة قصر أو أكثر لغير بلده فإنه لا ينقطع التمتع؛ لأنه ما أنشأ سفراً بينهما، فأتى بهما في سفر واحد، والحنابلة عندهم أنه إذا سافر بينهما سفر مسافة تقصر فيها الصلاة فإنه ينقطع التمتع.
"قال مالك في رجل من أهل مكة انقطع إلى غيرها وسكن سواها" تركها، ترك مكة، وذهب إلى أي بلد من البلدان، جاء إلى الرياض مثلاً للدراسة، وسكن الرياض "ثم قدم معتمراً في أشهر الحج" سكن الرياض، وانقطع عن مكة "ثم أقام بمكة حتى أنشأ الحج منها: إنه متمتع" لأنه لا ينطبق عليه ما جاء في قوله -جل وعلا-: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(196) سورة البقرة] نعم، على الخلاف المعروف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان أهله وبقيته ومجيئه وسفره هذا السفر طارئ، نعم، وإقامته بمكة، لا شك أن الحكم يختلف وسيأتي في كلام الإمام مالك من مر بميقات وهو من أهل مكة، سافر ومر بميقات وهو من أهل مكة، إذا جلس للدراسة بالرياض مثلاً سنة كاملة أقام، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعتبر إقامة، وكونه ينوي الرجوع بعد نهاية الدراسة لا يخل بهذا.
طالب: يتم في البلدين.
يتم في البلدين إيه، نعم.
يقول: "حتى أنشأ الحج منها أنه متمتع" لأنه ليس من حاضري المسجد الحرام، وإن كان أصله منها "فيجب عليه الهدي أو الصيام إن لم يجد هدياً، وأنه لا يكون مثل أهل مكة" لانقطاعه وسفره عنها.(72/7)
"وسئل مالك عن رجل من غير أهل مكة دخل مكة بعمرة في أشهر الحج وهو يريد الإقامة بمكة حتى ينشئ الحج أمتمتع هو؟ قال: نعم هو متمتع" يعني عليه الهدي "وليس هو مثل أهل مكة" وإن نوى الإقامة بها، "وإن أراد الإقامة، وذلك أنه إذا دخل مكة وليس هو من أهلها" وليس هو من أهلها، لماذا؟ لأنه ما يدري، الحين ما بعد سكن، نعم، ما زالت علاقته وارتباطه ببلده، لكن لو افترض أن هذا جاء بعفشه واستأجر بيتاً، وأحرم من الميقات بالعمرة واستوطن مكة، ثم أحرم بالحج بعد ذلك، نقول: هذا من حاضري المسجد الحرام أو ليس من حاضريه؟ يعني كلام الإمام مالك: "وليس هو مثل أهل مكة وإن أراد الإقامة بها، وذلك أنه دخل مكة وليس هو من أهلها وإنما الهدي والصيام على من لم يكن من أهل مكة" وقت الفعل، وقت فعل العمرة والحج، وأن هذا الرجل يريد الإقامة ولا يدري ما يبدو له بعد ذلك، هل يقيم أو يرجع إلى أهله بعد الحج؟ هو ليس من أهل مكة حين الاعتمار فوجب عليه الهدي لدخوله في الآية، يعني ما يدري ما يبدو له بعد ذلك، طيب إذا صار يدري، جاء بالعفش كامل واستأجر وسكن، أضف إلى ذلك أنه إن كان له عمل ونُقل إلى مكة، هذا يدري، أنها محل إقامته، لكن هل يقال: إنه ليكون من حاضري المسجد الحرام أن يحرم بالأصل الذي هو العمرة المقدمة قبل الحج، والوصف لازم له لأن الهدي مرتبط بالنسكين، العمرة والحج، فهو متصف حال الإحرام بالعمرة أنه ليس من حاضري المسجد الحرام، ما بعد صار منهم، نعم، وحينما أحرم بالحج صار من حاضري المسجد الحرام، قيل له: أنت في الفصل الثاني لا بد أن تباشر بمكة، انتهى من الاختبارات وبقى شهر على الحج انتقل، وفي طريقه أحرم من الميقات واعتمر وحل الحل كله، ونوى الإقامة بمكة، لكنه حينما أحرم بالعمرة ليس من حاضري المسجد الحرام؛ لأن حاضر المسجد الحرام المقيم بمكة ومن أهل مكة إذا أراد أن يعتمر يخرج إلى الحل لا شك، لكن لا يعني أنه وفد من بلد خارج المسجد الحرام "وأن هذا الرجل يريد الإقامة، ولا يدري ما يبدو له بعد ذلك، وليس هو من أهل مكة" لأنه حين الاعتمار ليس منهم، ليس من حاضري المسجد الحرام، والدم إنما يسقط عن جمع بين النسكين، والحال أنه من حاضري المسجد(72/8)
الحرام، فمثل هذا لا يحكم له بأن من الحاضر حتى يستوطن.
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: من اعتمر في شوال أو ذي القعدة أو في ذي الحجة ثم أقام بمكة حتى يدركه الحج فهو متمتع إن حج" وحينئذٍ يكون عليه "ما تيسر من الهدي" شاة فأعلى "فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله" قال ابن عباس: إلى مصره، وقال بعضهم: الرجوع من منى إلى مكة، فيصومها في الطريق، له أن يصومها في الطريق، في مكة، قبل أن يصل إلى أهله.
"فسبعة إذا رجع" هذه يتجه فيها الخلاف هل هو إلى مصره أو إلى مكة؟ نعم، وسبعة إذا رجعتم إلى أين؟ {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [(196) سورة البقرة] يعني الرجوع يطلق على الشروع فيه أو على تحققه بتمامه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كله رجوع؛ لأن الشروع يطلق على الفعل؛ لأن رجع فعل ماض، ومر بنا مراراً أن الفعل الماضي يطلق ويراد به الإرادة، ويطلق ويراد به الشروع، ويطلق ويراد به تحقق الفعل والفراغ منه، هنا إذا تحقق الفعل وفرغ منه، فرغ من الرجوع لا إشكال، أنه يسمى رجع، حج من الرياض ثم وصل إلى الرياض نقول: رجع،، وإذا شرع في الحج ولم يفرغ من أعماله، لنتصور أنه صام الثلاثة قبل العيد وبقيت السبع قال: أصومها أيام التشريق؛ لأنني أريد الرجوع، والله -جل وعلا- يقول: {إِذَا رَجَعْتُمْ} [(196) سورة البقرة] يعني أردتم الرجوع، كما في قوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [(98) سورة النحل] {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] إذا أردتم، وأنا أريد الرجوع، يصلح وإلا ما يصلح؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(72/9)
لأنه في الحج، ما زال في الحج، وحكم ما كان في الحج يختلف عن حكم ما كان بعد الرجوع، إذا رجع، يعني إذا رخص في صيام أيام التشريق الثلاثة لمن لم يجد الهدي فإنما يرخص في الثلاثة الأولى؛ لأنها آخر فرصة له، آخر فرصة له أيام التشريق، فإذا صامها أحرم من اليوم الخامس مثلاً، وصام السادس والسابع والثامن لا يجوز له أن يصوم أيام التشريق، وإن كان ممن يريد الرجوع فلا يرد مثل هذا، إنما الاحتمال قائم بين الشروع في الرجوع وبين تحقق الرجوع والفراغ منه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، الكلام ما هو في هذا، هذا إذا اعتمر وهو لم ينو إلى الآن هذا ما في إشكال أنه ليس من حاضر، لكن إذا قادم بنية الإقامة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو مقبول، قالوا في ترجمته: مقبول.
طالب:. . . . . . . . .
إيه إيه، مقبول، مر بنا هذا، مر بنا هذا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان مفرد، مروي، هذه الأحاديث وكون وجوه الإحرام الثلاثة كلها مروية عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من فعله، كلها صحيحة، ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أفرد، أهل مفرداً، نعم، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه تمتع، فتمتعوا معه، والمرجح في حجته -عليه الصلاة والسلام- أنه كان قارناً، وهذا أكثر، نعم، وأجبنا عن هذا سابقاً مراراً يعني ما هي بمرة ولا مرتين، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نصوص صريحة في كونه أفرد -عليه الصلاة والسلام-. . . . . . . . . قرن، وجاء أيضاً أنه تمتع وتمتعنا معه.
طالب:. . . . . . . . .
ما فيه إلا أنه ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه أهل مفرداً، نعم، ومن رجح التمتع قال: إن الله -جل وعلا- اختار لنبيه القران ولا يختار لنبيه إلا الأكمل، ومن رجح التمتع قال: لأنه أمر به أصحابه، واعتذر عن كونه لم يهل بالعمرة، المسألة مسألة استرواح يعني ميل من أهل العلم، ورجحان يلوح لهم ما لا يلوح لغيرهم، كلهم -إن شاء الله- مجتهدون مأجورون، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يحرم من وين؟
طالب:. . . . . . . . .
هو لما جاء من وطنه مريداً الاستيطان لا يجوز له أن يتعدى الميقات.
طالب:. . . . . . . . .
بيحرم من الميقات، من أين بيحرم؟(72/10)
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، إذا ما أراد الحج، ممن أراد الحج والعمرة، وسبق الخلاف في هذا، منهم من يلزم كل داخل إلى مكة بالإحرام، هذا معروف عند الحنابلة، بل لكثير من أهل العلم يقولون بهذا، لكن النص الصحيح الصريح في البخاري وغيره: ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة)) أما إلزامه وهو لا يريد معروف عند الحنابلة وغيرهم، يعني قول مشهور عند أهل العلم.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: ما لا يجب فيه التمتع:
قال مالك: من اعتمر في شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة ثم رجع إلى أهله ثم حج من عامه ذلك فليس عليه هدي، إنما الهدي على من اعتمر في أشهر الحج ثم أقام حتى الحج ثم حج، وكل من انقطع إلى مكة من أهل الآفاق وسكنها ثم اعتمر في أشهر الحج ثم أنشأ الحج منها فليس بمتمتع وليس عليه هدي ولا صيام، وهو بمنزلة أهل مكة إذا كان من ساكنيها.
سئل مالك -رحمه الله- عن رجل من أهل مكة خرج إلى الرباط أو إلى سفر من الأسفار ثم رجع إلى مكة وهو يريد الإقامة بها كان له أهل بمكة أو لا أهل له بها فدخلها بعمرة في أشهر الحج ثم أنشأ الحج وكانت عمرته التي دخل بها من ميقات النبي -صلى الله عليه وسلم- أو دونه أمتمتع من كان على تلك الحالة؟ فقال مالك -رحمه الله تعالى-: "ليس عليه ما على المتمتع من الهدي أو الصيام، وذلك أن الله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(196) سورة البقرة].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما لا يجب فيه التمتع" ما لا يجب فيه التمتع والمراد بذلك لازمه، الدم أو الصيام، يعني ما يلزم المتمتع.
"قال مالك: من اعتمر في شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة ثم رجع إلى أهله" جاء وأدى العمرة ورجع إلى أهله من الرياض إلى مكة، اعتمر في شوال في القعدة في أول الحجة ثم رجع، وهذا بالإمكان، ومتيسر الآن، وإن كان في عهد مالك من يأتي بالعمرة في ذي الحجة ثم يرجع إلى أهله لا سيما إذا كان أهله بالطائف مثلاً ممكن، نعم أو جدة أو ما قرب منهما، الإمكان قائم، لكن إذا كان بعيد لا يتصور.(72/11)
المقصود أنه ممكن يعتمر في شوال أو القعدة أو ذي الحجة ثم يرجع إلى أهله، ثم حج من عامه ذلك، فليس عليه هدي ولا بدل الهدي من صيام؛ لأنه ليس بمتمتع، حقيقة التمتع تخلفت عن فعله، إنما الهدي على من اعتمر في أشهر الحج، ثم أقام حتى الحج ثم حج، وبهذا قال الجمهور؛ لأن من شرط التمتع الجمع بينهما في سفر واحد في أشهر الحج، في عام واحد، ومن شرطه أيضاً أن تقدم العمرة، لا أن يحج ثم يعتمر، ومن شرطه أن يكون آفاقياً، ليس من حاضري المسجد الحرام، فمتى اختل شرط من هذه الشروط لم يكن متمتعاً.
طالب:. . . . . . . . .
نعم إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، الكلام على لزوم الهدي، إذا اختلف شرط من هذه الشروط لا بد أن يجمع هذه الشروط أن يعتمر في أشهر الحج، وأن تكون العمرة متقدمة ويحج من عامه، وأن لا يسافر بينهما، متى اختل شرط من هذه الشروط لم يكن متمتعاً، وقال الحسن: يكون متمتعاً إذا اعتمر في أشهر الحج ولو عاد إلى بلده.
كثير من الحجاج إذا أتى وصل مكة واعتمر ذهب إلى المدينة، والمدينة مسافة طويلة، يعني بقدر مسافة القصر خمس مرات، عشر مراحل، فلا ينقطع التمتع حتى يرجع إلى أهله، ومنهم من قال: إن مجرد السفر بينهما يقطع التمتع ولو لم يعد إلى بلده.
"وكل من انقطع إلى مكة من أهل الآفاق وسكنها ثم اعتمر في أشهر الحج ثم أنشأ الحج منها فليس بمتمتع".
يقول: "وكل من انقطع إلى مكة من أهل الآفاق وسكنها" جاء في رمضان واستوطن، جاء في شعبان واستوطن، جاء في شوال واستوطن في رجب أو قبل ذلك، هل نقول: أنت لست من أهل مكة بناءً على أن أصلك مصري أو نجدي أو شامي أو يمني؟ نقول: لست من أهل مكة؟ لأن النسبة تستمر ولو تركت، يعني ألا يوجد في مكة من يقال: فلان المصري، فلان النجدي، فلان .. ، وهو ساكن، الشامي، نعم مجرد الانتساب، لا يؤثر في الحكم كما أنه في مصر حجازي مثلاً، فلان الحجازي، فلان النجدي .. إلى آخره، فمثل هذا الوصف لا يؤثر، العبرة بوجوده وحضوره المسجد الحرام.(72/12)
ولذا يقول: "وكل من انقطع إلى مكة" يعني سكنها واستوطنها "من أهل الآفاق وسكنها ثم اعتمر في أشهر الحج ثم أنشأ الحج منها فليس بمتمتع، وليس عليه هدي ولا صيام وهو بمنزلة أهل مكة إذا كان من ساكنيها" لأنه من حاضري المسجد الحرام.
والإشارة في قوله -جل وعلا-: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(196) سورة البقرة] الإشارة هل هي للتمتع نفسه أو للدم؟ أو بدله المترتب على التمتع؟ يعني هل للمكي أن يتمتع؟ يعني يعتمر ثم يحج في سنة واحدة أو ليس له ذلك؟ وليس على المكي عمرة؟
طالب:. . . . . . . . .
المسألة خلافية، لكن المكي كغيره لا يمنع من أن يخرج إلى الحل ويعتمر للنصوص التي تحث على العمرة، في الباب الذي يليه، والمسألة في وجوبها عليه، وأما الأثر المترتب على التمتع فلا، فلا شيء عليه، نعم.
يعني ما أعده للإقامة، إنما أعده رفقاً به عن كثرة الانتقال من بيت إلى بيت، أو قد يجد وقد لا يجد، أو ليضع فيه أثاثه، نعم هم يقولون: إذا كان له بيت فهو في حكمه إن كان له بيت، أما إذا كان بيت أجره وإلا ملك؟ نعم؟ أو على الوجهين، من استأجر ملك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، أصل التمتع ما ينطبق، التمتع تعريفه حقيقته إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
بسفرة واحدة ما هي بسفرتين، هذا ينافي مقتضى التسمية، مسألتنا إذا كان للشخص أكثر من بيت، أما إذا كان البيت مسكون فيه أهله أو بعض أهله فلا إشكال، فهو من حاضري المسجد الحرام، أما إذا لم يكن مسكوناً وإنما أعده له إذا حضر، فالذي يظهر أنه ليس من حاضري المسجد الحرام كأنه مستأجر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ولو كان ملك؛ لأنه لا يعده للإقامة.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
فهو متأهل في البلدين، من أهل البلدين، ثم أنشأ الحج منها فليس بمتمتع وليس عليه هدي ولا صيام، فهو بمنزلة أهل مكة إذا كان من ساكنيها؛ لأنها حينئذٍ صار من حاضري المسجد الحرام.(72/13)
"وسئل مالك عن رجل من أهل مكة خرج إلى الرباط بثغر من الثغور، أو إلى سفر من الأسفار" خرج يرابط على الحدود، أو سافر لتجارة أو طلب علم "ثم رجع إلى مكة وهو يريد الإقامة بها" يقول: "سواءً كان له أهل بمكة أو لا أهل له بها فدخلها بعمرة في أشهر الحج ثم أنشأ الحج -من عامه- وكانت عمرته التي دخل بها من ميقات النبي -صلى الله عليه وسلم- أو دونه -يعني من بقية المواقيت- أمتمتع من كان على تلك الحالة؟ "، يعني أم لا؟ "فقال مالك: "ليس عليه ما على المتمتع من الهدي أو الصيام، وذلك أن الله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(196) سورة البقرة] " وهذا حاضر إنما خرج من المسجد الحرام وغاب عنه لحاجة ثم رجع، ومثل هذا السفر لا يعد إقامة.
اللهم صل وسلم. . . . . . . . .(72/14)
الموطأ - كتاب الحج (10)
شرح: باب: جامع ما جاء في العمرة.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع ما جاء في العمرة:
حدثني يحيى عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)).
وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن يقول: جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني قد كنت تجهزت للحج فاعترض لي فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اعتمري في رمضان فإن عمرة فيه كحجة)).
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب قال: "افصلوا بين حجكم وعمرتكم، فإن ذلك أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج".
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- كان إذا اعتمر ربما لم يحطط عن راحلته حتى يرجع.
قال مالك -رحمه الله تعالى-: العمرة سنة ولا نعلم أحداً من المسلمين أرخص في تركها.
قال مالك: ولا أرى لأحد أن يعتمر في السنة مراراً.
قال مالك في المعتمر يقع بأهله: إن عليه في ذلك الهدي وعمرة أخرى يبتدئ بها بعد إتمامه التي أفسدها ويحرم من حيث أحرم بعمرته التي أفسدها إلا أن يكون أحرم من مكان أبعد من ....
عندك أفسدها؟
أحسن الله إليك، نعم.
أو أفسد؟
التي أفسدها، أفسد وإلا أفسدها؟
الشروح، الشروح إيش فيها؟
الشرح، الشرح للزرقاني.
متن وإلا شرح اللي معك؟
طالب:. . . . . . . . .
أفسدها؟
هذا الذي معنا (أفسد) بدون ها، وعلى كل حال المعنى واحد، المعنى واحد لا يختلف، نعم.
أحسن الله إليك.(73/1)
ويحرم من حيث أحرم بعمرته التي أفسد إلا أن يكون أحرم من مكان أبعد من ميقاته فليس عليه أن يحرم إلا من ميقاته.
قال مالك: ومن دخل مكة لعمرة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وهو جنب أو على غير وضوء ثم وقع بأهله ثم ذكر قال: يغتسل أو يتوضأ ثم يعود فيطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ويعتمر عمرة أخرى ويهدي وعلى المرأة إذا أصابها زوجها وهي محرمة مثل ذلك.
قال مالك -رحمه الله-: فأما العمرة من التنعيم فإنه من شاء أن يخرج من الحرم ثم يحرم فإن ذلك مجزئ عنه -إن شاء الله- ولكن الفضل أن يهل من الميقات الذي وقت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو ما هو أبعد من التنعيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول: المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: جامع ما جاء في العمرة" بابٌ جامعٌ أو جامعُ ما جاء؟ نعم، جامعُ ما جاء في العمرة، أو باب جامعِ، نعم، يعني على الإضافة وعلى القطع، يجوز في مثل هذا الإضافة والقطع.
والعمرة في اللغة: الزيارة، قيل: هي القصد، وهي قصد البيت لأداء هذا النسك، أو زيارة البيت للطواف والسعي، وهي مأخوذة من عمارة المسجد الحرام، مأخوذة من العمارة؛ لأن العمرة ليس لها وقت محدد، فالمسلمون يعمرون هذا البيت المعظم بتكرار ترددهم عليه؛ لأنها ليس لها وقت معين، بخلاف الحج الذي له وقت محدد، يعني لو لم يشرع إلا الحج في وقته المحدد لكان البيت لمدة تسعة أشهر وعشرين يوم مهجور، نعم، لكن العمرة التي ليس لها وقت محدد كفيلة بعمارة هذا البيت، والعمرة كما سيأتي في كلام الإمام مالك، يقول: العمرة سنة، وهي مؤكدة عنده وعند أبي حنيفة، ويرى الإمام الشافعي وأحمد وجوبها، ويأتي عند كلام الإمام مالك شيء من هذا.(73/2)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن -الحارث بن هشام- عن أبي صالح -ذكوان- السمان عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))، ((العمرة إلى العمرة)) يعني ما بين العمرتين مكفر، ((والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) وجاء في الحديث الصحيح في البخاري وغيره: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) فالتكفير بهذه العبادات العظيمة كالعمرة والحج من باب أولى، والصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، جاءت به النصوص، لكن هل يكفر جميع الذنوب؟ بدليل ((رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) بما في ذلك الكبائر؟ أو أنه لا يكفر إلا الصغائر حملاً للإطلاق في هذه النصوص على ما جاء من قيد ((ما اجتنبت الكبائر))؟ ((ما لم تغش كبيرة))؟ الجمهور على أن هذه العبادات العظيمة لا تكفر إلا الصغائر، وأما الكبائر فلا بد لها من توبة.
وابن حجر كأنه يستروح ويميل إلى أن الحج على وجه الخصوص يكفر الكبائر والصغائر ((رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) كيف يرجع بالكبائر والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه))؟ وعندي أن التحقيق في هذه المسألة والخلاف فيها يقرب من اللفظي، كيف؟ الشخص الذي اقترف الكبائر، المسألة مفترضة بدون توبة لأنه إذا تاب المسألة إجماع، نعم إذا تاب يغفر له ولو بدون حج، نعم إذا حج الفريضة، ولو بدون عمرة إذا اعتمر الواجبة، نعم، إذا تاب انتهينا من مسألة التوبة، المسألة مفترضة في شخص مرتكب كبائر ويحج فلم يرفث ولم يفسق هل تكفر هذه الكبائر بمجرد الحج؟
طالب:. . . . . . . . .(73/3)
هذا إذا تاب انتهينا ما في إشكال، المسألة مفترضة في شخص لم يتب، لحظة يا أخي، مفترضة في شخص لم يتب ويريد أن يحج ولا يرفث ولا يفسق نعم؛ ليرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، لكن هل يستطيع أن يحقق هذا الشرط بدون توبة؟ هل يوفق الشخص لعدم الرفث والفسوق وهو مصر على كبائر؟ لا يمكن، ولذا اشترط رفع الإثم عنه في الآية بالتقوى، التي من لازمها عدم ارتكاب الكبائر {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] يعني يرتفع عنه الإثم، يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، متى؟ إذا اتقى الله -جل وعلا-، ومسألتنا مفترضة فيمن يرتكب كبائر وليس بتقي، إذاً لا يرجع بهذا الوعد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو متضمن لتوبة، الآن العلماء قاطبة يقولون: إن صلى فمسلم حكماً، نعم، إن صلى ولو لم ينطق بالشهادة، لماذا؟ لأن الصلاة متضمنة للشهادة؛ لأن الصلاة فيها شهادة، قد يقول قائل: يصلي ولا يتشهد هذا ما صلى، المقصود أن مثل هذه الأمور لا يغتر بعموم المغفرة للحاج، نعم كما جاء في بعض النصوص، وصنف في هذا ابن حجر رسالة، لا يمكن أن يوفق لأن يحج حجاً مبروراً وهو مرتكب لكبائر، والآية فيها دلالة صريحة على هذا، بعض الناس يقول: والله يا أخي أنا ... ، يرتكب ما يرتكب طوال العام ويقول: المسألة مسألة أربعة أيام وتمحى الذنوب والحمد لله، المسألة أهون من ذلك، اندم على ما فات، واعزم على أن لا تعود، واقلع عن معصيتك ويغفر لك، لا تحج، نعم، وهذا متفق عليه أن التوبة تهدم ما كان قبلها، إذا وفق لها بشروطها، مخلصاً لله -جل وعلا- فيها، فهذا ينبغي أن يتنبه له؛ لأن بعض الناس يسترسل ويأتي أناس من أقطار بعيدة وقد حملوا الأوزار والآثام، وقد يرتكبون بعض الموبقات في حجهم، ومع ذلك يقولون: الحاج مبرور، رجع من ذنوبه، يا أخي ((من حج فلم يرفث ولم يفسق)) بهذا القيد، ((رجع من ذنوبه)) تقول: أبداً الحج كفارة، ما هو بكفارة لمثل هذا، لا بد من تحقيق الشرط: {لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] بهذا القيد.(73/4)
((العمرة إلى العمرة)) والمراد بالعمرة التي تكفر، والحج الذي يكفر، والصلاة التي تكفر، والصيام الذي يكفر، والجمعة التي تكفر المؤدى على مراد الله -جل وعلا-؛ لأن شخصاً يصلي مثلاً ولا يرجع من صلاته بشيء، يعني غاية ما يقال فيه أن صلاته مجزئة صحيحة مسقطة للطلب، لكن ألا يمكن أن يرجع بدون أجر؟ يرجع بالعشر من الأجر؟ ممكن، نعم، أجر الثواب المرتب على هذه العبادة قد يرجع الإنسان بدون، ومن لغى فلا جمعة له، هل يقال: أعد الصلاة؟ لكن الأثر المترتب عليها، وقد يرجع الإنسان بنصف الأجر، بربع الأجر، بعشره، نعم، مثل هذا، هذه الصلاة التي لم يرجع منها إلا بعشر أجرها، هل تكفر إلى الصلاة الثانية؟ نعم؟ شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: إن كفرت نفسها نعمة، يكفي تكفر نفسها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يا أخي هذا الحديث من ضمن الأحاديث التي جاءت في هذا الباب، لو قلنا الكلام الذي تقوله، قلنا: هذا الحديث يكفي، ما نحتاج إلى أن نجتنب الكبائر {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ} [(31) سورة النساء] وأيضاً ما لنا داعي، ويش الصلاة تكفر وهذا يكفر وهذا يكفر، إذا كفرت الصلاة إيش يبقى للصيام؟ إذا كفر الصيام ويش يبقى للحج؟ إذا كفر ... ؟ المسألة معتبرة بارتباط جميع بعضها ببعض، الأمور التي جاء التكفير مرتبط بعضها ببعض؛ لأنه تصور شخص يحج ولا يصلي، أو اتصور شخص مثلاً يبي يصلي الجمعة ((الجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينها)) ويترك الصلوات الباقية ونقول: مكفرة؟ أو العمرة إلى العمرة؟ ما نقول هذا، الدين مترابط، نعم، نعم فيه الأركان، فيه الواجبات، وفيه السنن، وليست على حد سواء، لكن يبي يترك ركن من الأركان ويقول: أنا عندي مكفر، أبداً يا أخي؛ لأن هناك هذه أسباب، أسباب لتكفير الذنوب، والأسباب معروف أثرها، سواءً كانت الحسية أو الشرعية، معروف أثرها، مشروط بانتفاء المانع، أما إذا وجد مانع، ما يمكن، ظهر وإلا ما ظهر؟
طالب:. . . . . . . . .(73/5)
أو إلى الآن؟ طيب، أنت تقول: إن الحج كافي وإلا ما صار في فائدة زائدة؟ نعم؟ صح، ما هو بإغراء بالحج؟ أليس هذا إغراء بالحج؟ طيب، إذا قلنا: مجرد إغراء والتكفير حاصل بغيره، حاصل بالصلاة، نعم، أنت تقول: إن الحج يكفي أنه يكفر، طيب ماذا عن الصلاة والصيام والجمعة؟
طالب:. . . . . . . . .
وجاء فيها الإطلاق، جاء فيها التقييد والإطلاق، التقييد هنا أصرح منه في غيره {لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] وهو في الآية، ولم يرفث ولم يفسق، كيف يا أخي شخص مرتكب لكبيرة لم يتب منها وهو تقي ما يمكن، ما يجتمع، ويش معنى تقي؟ أنت تريده في هذه الأيام يفرغ نفسه للحج ولا يلتفت إلى غيره ويرجع، لن يوفق، يا أخي نشوف علماء وطلاب العلم من غير تخصيص ولا تعيين، ولا قدح في أحد بعينه، نعم، ونسأل الله -جل وعلا- أن يعفو عن الجميع ويعفو عنا قبلهم يا أخي إحنا متورطين بهذه الأمور، يا أخي الواحد طول العام وهو فاتح لسانه بالقيل والقال، ثم يبي يروح أربعة أيام ويخيط لسانه؟ ما يمكن، ما يوفق، يا أخي أنت شوف الواحد يشوف نفسه يبي يتلفت إن لقى أحد يجيه وإلا راح هو يدور الناس، وشوف من حفظ نفسه طول العام، شوف وضعه في الحج، يختلف، حج حجه صحيح، ومجزئ ومسقط للطلب، ويؤجر عليه، لكن ما تكفر ذنوبه، الكبائر ما تكفر إلا بالتوبة.
قلتَ: حقوق العباد؟ ابن ماجه روى حديثاً وهو ضعيف ضعفه البخاري وغيره يذكر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سأل الله -جل وعلا- عشية عرفة أن يغفر لعموم الحاج، فقال الله -جل وعلا-، والحديث ضعيف، نعم، ((قد فعلت إلا المظالم)) التي هي حقوق العباد، فلما كان في المشعر الحرام في مزدلفة أعاد السؤال فقال: ((قد فعلت)) نعم، قد فعلت، فضل الله واسع لا يحد، لكن على الإنسان مع رجائه لفضل الله -جل وعلا- ورحمته التي وسعت كل شيء أن يخشى من ذنوبه، يعني لن يؤتى الإنسان من قبل غيره أبداً، يعني اعتدى عليك ظالم وضربك، يعني أنت الله -جل وعلا- ظلمك بهذا؟ أنت عندك خلل، الله -جل وعلا- سلط عليك هذا الظالم بسببك، ففتش عن نفسك قبل أن تفتش على الناس، نعم؟(73/6)
طالب: يا شيخ، إذا كانت الجهة منفكة مثلاً رجل أوى محدث في بلده، وذهب إلى الحج وأتى بالحج على أكمل وجه؟
حجه صحيح.
طالب: حجه صحيح وهل هو يكون مكفر؟
بس يا أخي ما في لمن اتقى، وين لمن اتقى؟
طالب: اتقى. . . . . . . . .
ما يمكن يوفق لهذا، يا أخي شوف أنت الآن، ما نحتاج إلى أن نسترسل في مثل ... ، اتصورون يا الإخوان إن في شخص ساجد ليلة سبع وعشرين من رمضان يضحك؟! يمكن يتصور مثل هذا؟ لماذا ضحك؟ لأن طول عمره ينكت ويسخر من الناس ويضحك، ولا يعرض عليه مثل هذه النكت إلا في أضيق الظروف، فالإنسان عليه أن يحفظ نفسه ليحفظ، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة.
طالب:. . . . . . . . .
عليهن جهاد لا قتال فيه.
طالب:. . . . . . . . .
الرجاء شيء، والرجاء من الله -جل وعلا- أن يكفر شيء، وكوننا نجزم بأن الله يغفر لهذا الفاسق الذي مرتكب الكبائر شيء آخر.
طالب:. . . . . . . . .
هو لا بد يكرر مثل هذا لأنه عملي.(73/7)
يقول هنا: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) الحج المبرور الذي لا يخالطه إثم عند أهل العلم، وعلامة بر الحج أن تكون حال الحاج بعد حجه أفضل وأكمل من حاله قبل الحج، ويوردون قصة أوردها بعضهم أن شخصاً حج ثلاث مرات من بغداد ماشياً، يمشي إلى مكة ثلاث مرات حاج، يحج ماشياً من بغداد إلى مكة، في الحجة الأخيرة لما رجع فتح البيت فإذا الوالدة نائمة فبرفق شديد لئلا يوقظها نام، انتبهت الأم فإذا الولد بجانبها فقالت: اسقني ماءاً، وهو تعبان جاي من الحج على رجليه، فكأنه لم يسمع، فقالت: يا فلان اسقني ماءاً، كأنه لم يسمع، قالت: يا فلان اسقني ماءاً، في الثالثة راجع نفسه، وقال: أحج إلى مكة آلاف الأميال ماشياً والماء قريب جداً أمتار عنه، ويستثقل أمر الوالدة لهذا، الفقهاء ويش يقولون بحجه؟ صحيح، ما في شك، الجهة منفكة عندهم ويصح الحج، لكن أرباب القلوب اللي يسمونهم علماء الآخرة، الزهاد والعباد، استفتى واحد منهم قال: حج حجة الإسلام، أنت ما بعد حجيت، كيف تضرب آلاف أميال هذا لله؟! يعني لو كان حجك لله ما استثقلت مترين أو ثلاثة لأجل تسقي الوالدة ماء، على كل حال ما هو بهذا محل بحثنا، لكن كون هذا الشخص رجع إلى عقوقه بأمه أو استثقاله أوامر أمه دل على أن الحج ما أثر فيه.
يعني شخص يعتكف العشر الأواخر ثم بعد ذلك ينام عن صلاة الفجر يوم العيد، ويش استفاد من الاعتكاف؟ سهر ليلة العيد ونام عن الصلاة، ما ترتبت عليه آثاره؛ لأن العبادات لا سيما مثل هذه الأعمال الخاصة لا سيما الاعتكاف الذي ينبغي أن يصرف للعبادات الخاصة التي لا ارتباط بها لأحد ولا تعليم العلم إن لم يؤثر في القلب صار أجوف كما يعبر عنه، نعم.
هذا يقول: هل حديث: ((بر الحج إطعام الطعام، ولين الكلام)) صحيح؟ وإذا كان صحيحاً هل يحصر البر في الحج على هذين الفعلين؟(73/8)
أقول: الحديث مقبول عند بعضهم، وإن كان ضعفه كثير، وعلى فرض صحته يكون من باب تفسير العام ببعض أفراده، وهذا لا يقتضي الحصر، ويُهتم بمثل هذا بإطعام الطعام في مثل هذا الاجتماع الذي قد لا يتسنى لكثير من الحجاج أن يصنع الطعام، أو لا يتيسر له الحصول على الطعام، وكذلك لين الكلام لما يصاحب الزحام من ضيق في الأخلاق فلين الكلام دليل على حسن الخلق؛ لأن اللسان هو الذي يترجم ما في القلب، فإذا ساء الخلق ساء الكلام، وكذلك الطعام الحاجة إليه ماسة، فهذا لا شك أنه دليل على أن فاعل هذين رجل موفق، وهي علامة من علامات القبول.
يقول: "وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن يقول: جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني كنت تجهزت للحج" هذه المرأة كنيتها أم سنان "كنت قد تجهزت للحج فاعترض لي" عرض لها عارض؛ لأنه لا يوجد لهم إلا اثنين من النواضح، إلا ناضحان، حج أبو فلان تعني زوجها وولده على أحدهما، والثاني تركوه يستقون عليه، ينضحون عليه، يسقون الزرع عليه "فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اعتمري في رمضان فإن عمرة فيه كحجة)) " وفي رواية: ((كحجة معي)).
هذا الحديث فيه الترغيب في عمرة رمضان، وأن فضلها عظيم، تعدل الحجة والحجة مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، فليحرص عليها المسلم، وكونه -عليه الصلاة والسلام-، لم يعتمر في رمضان شفقة على الأمة؛ لأنه لو اجتمع مع هذا الكلام فعله -عليه الصلاة والسلام- لاقتتل الناس، لو اعتمر في هذا الزمن مع قوله: أنها تعدل حجة اقتتل الناس على العمرة، والزحام كما رأيتم دون أن يعتمر -عليه الصلاة والسلام-، مع أنه وجد من يقول بأن هذا الحديث خاص بهذه المرأة.(73/9)
وفي رواية أبي داود ما يشم منه الخصوصية، لكن لفظه عام، وإن كان سببه خاصاً، والعبرة بعموم اللفظ، فالمصحح عند أهل العلم أنه عام، وباقي إلى قيام الساعة، فالقول بالخصوصية قول مرجوح، ويوجد من يقول ويكتب في مثل هذه الأيام أن العمرة في رمضان تعدل حجة، لكن ليس كل سنة، كُتب هذا، نعم، بس ما هو بكل سنة، أنا ما أدري لا عقل ولا نقل، يعني لو قال بالخصوصية كان له سلف؛ لأن من أهل العلم من يرى الخصوصية، وينتهي من المشكلة القائمة؛ لأنه يريد أن يساهم في حل الإشكال القائم من الزحام في رمضان، فيقول مثل هذا الكلام، ما هو بكل سنة، يعني إذا كان لتحديد الحج في الخمس السنوات، يعني له شيء من .. ، له حظ من النظر باعتبار أن ((من وسعت عليه رزقه، وصححت له بدنه فلم يفد عليه في كل خمس سنوات مرة إنه لمحروم)) يعني هذا له يعني .. ، ومرد ذلك إلى المصلحة؛ لأنه إذا كان محروم اللي ما يحج كل خمس مرات أيضاً محروم من لم يحج كل سنة، مع ما نعرف، والحرمان نسبي، ويبقى أن مرد هذا إلى المصلحة، يعني إذا كان هناك مفسدة كبيرة تترتب على هذا، وأهل العلم عندهم النظر الواسع في مثل هذه الأمور، ويفتون من يملك المنع مثل ما أفتوه في الحج هذه مسألة ثانية، إما أن يقال: صحيح أن العمرة في رمضان تعدل حجة لكن ما هو بكل سنة، طيب إلى متى؟ متى؟ كل سنيتين كل ثلاث كل عشر؟ نعم؟
طالب: موظف بالجوازات.
لا، لا ما هو موظف بالجوازات، لا، لا هذا الله يعين، ما في إشكال -إن شاء الله-.
طالب: صحيح؟
ما في إشكال إيه صحيح.
طالب: لفظة. . . . . . . . .
لا، لا ثابتة ما فيها إشكال.
العمرة في رمضان النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر أربع مرات: الحديبية التي صد عنها، والقضاء، وعمرة الجعرانة، والتي مع حجه -عليه الصلاة والسلام-، هذه أربع وكلها في القعدة كما قالت عائشة رداً على ابن عمر.(73/10)
المهم أنها في الأشهر الحرم، أو في أشهر الحج، وابن القيم -رحمه الله تعالى- توقف في تفضيل عمرة رمضان على العمرة في هذه الأشهر، والتوقف في مثل هذا يعني فيه ما فيه؛ لأن صريح كلامه -عليه الصلاة والسلام- في أن العمرة تعدل حجة ما قال: إن العمرة في أشهر الحج تعدل عمرة، تعدل حجة أبداً، وكونها تعدل حجة يعني في الفضل، ولا يعني أنها تكفي عن حجة الإسلام، نعم، فقد يقارن العمل بغيره لكنه لا يقوم مقامه من كل وجه، والتشبيه قد يكون من وجه دون وجه، يعني هل يستوي من قرأ القرآن بأجزائه الثلاثين وبسوره المائة وأربعة عشرة، مع من قرأ الإخلاص ثلاث مرات، وأنها تعدل ثلث القرآن؟ أيعجز أحدكم أن يقرأ القرآن في ليلة؟ يقرأ قل هو الله أحد ثلاث مرات، لكن من وجه دون وجه بلا شك، والتشبيهات التي جاءت بها النصوص كثيرة في هذا المعنى، مثل تشبيه رؤية الباري برؤية القمر، هل نقول: إن المشبه مطابق للمشبه به من كل وجه؟ ما هو صحيح، إنما من وجه دون وجه، تشبيه الوحي وهو محمود بصلصلة الجرس وهو مذموم ((أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس)) المقصود أن مثل هذا له نظائر في الشرع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لا بد من التفريق، وليس من كل وجه، يعني من أقسم، أو نذر أن يقرأ القرآن، ثم قرأ الإخلاص ثلاث مرات يكفي؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا يكفي، لكن مفاد الحديث أنه يكفي، على كل حال المسألة شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- له أكثر من مصنف، منها تفسير سورة الإخلاص، وأفاض فيه في هذه المسألة، وهو أيضاً له كتاب خاص في هذه المسألة: (جواب أهل العلم والإيمان فيما جاء أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن).(73/11)
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: "افصلوا -يعني فرقوا- بين حجكم وعمرتكم" بأن تحرموا لكل واحد منهما وحده، يعني من الميقات، بأن يسافر الإنسان سفر مستقل للحج وسفر آخر للعمرة، وكان يأمر بذلك ولا يرى الجمع بينهما في سفرة واحدة، والمسألة معروفة، النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بينهما في القران، وأمر أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي أن يجعلوها عمرة، على أن القول بالخصوصية بتلك الحجة قول معروف عند أهل العلم، وهو ممن يرى هذا "فإن ذلك أتم لحج أحدكم" أتم، أن يأتي به بسفر مستقل، وسفره محسوب له، كخطاه إلى المساجد، لا ينهزه إلا الحج فقط، مأجور، ثم إذا خرج ثانية لا ينهزه إلا العمرة يؤجر على هذا السفر، فيحرم من أجل أحد السفرين بهذا، وهذه المسألة يعني مفترضة فيمن أراد وصمم أن لا يحج إلا مرة واحدة، ويعتمر مرة واحدة، وهذا يكون الإفراد في حقه أفضل اتفاقاً كما قال شيخ الإسلام، فعمر -رضي الله عنه- كان يكره التمتع؛ لئلا يترفه الحاج بترك أحد السفرين.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عثمان بن عفان كان إذا اعتمر ربما لم يحطط عن راحلته حتى يرجع" يعني إلى المدينة، إذا اعتمر لم يحطط عن راحلته حتى يرجع إلى بلده، إلى المدينة؛ لأنه كان ينهى عن المتعة، ورخص النبي -عليه الصلاة والسلام- للمهاجرين أن يقيموا بمكة بعد الحج، بعد انقضاء الحج ثلاثاً، أن لا يبقوا في بلد تركوه لله -جل وعلا-، وهجروه أكثر من ثلاث، وأما الثلاث فهي لقضاء بعض الحوائج، وإلا فالأصل أن ما ترك لله لا يرجع إليه.
"قال مالك: "العمرة سنة يعني مؤكدة" وعرفنا أن أبا حنيفة يوافق الإمام مالك على أنها سنة، وليست بواجبة، والإمامان أحمد والشافعي يريان الوجوب لحديث: "إن فريضة الله أدركت أبي شيخاً كبيراً أفأحج عنه؟ قال: ((حج عن أبيك واعتمر)) والأمر بالإتمام إتمام الحج والعمرة وغير ذلك مما يستدل به على وجوبها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(73/12)
يبي يأتي، يقول: "ولا نعلم أحداً من المسلمين أرخص في تركها" من هذا فهم بعض المالكية أن مالكاً يرى وجوبها، نعم مالك يرى وجوبها، وكونها سنة يعني طريقة متبعة مأثورة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، "قال مالك في المعتمر يقع بأهله -يعني يجامع زوجته-: "إن عليه في ذلك الهدي وعمرة أخرى ... "
طالب:. . . . . . . . .
نعم قبل ذلك يقول مالك: "ولا أرى لأحد أن يعتمر في السنة مراراً" فعلى هذا تكره الثانية إذا اعتمر مرتين يكره في حقه الثانية؛ لعدم فعله -صلى الله عليه وسلم- لذلك، ما أثر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه اعتمر في سنة مرتين، إنما اعتمر أربع مرات كل واحدة في سنة مستقلة، والجمهور على جواز ذلك، على جواز الاعتمار أكثر من مرة في السنة؛ لأدلة كثيرة منها ما تقدم: ((العمرة إلى العمرة)) ((تابعوا بين الحج والعمرة)) كل هذا يدل على التكرار، وأنه لا يتقيد بزمن، فلا يمنع مما حُث عليه، يكثر من ذلك ما في مانع، العمرة إلى العمرة على أن لا يعوق عما هو أهم وأعظم أجراً.
المفاضلة بين العبادات موضوع في غاية الأهمية، نعم؛ لأن بعض الناس جالس ينتظر نعم ينتظر عنده ربع ساعة فراغ، ويشكل عليه هل يصلي ثلاث تسليمات أو يقرأ جزء من القرآن مثلاً أيهما أفضل؟ نعم، أو يعتمر مراراً أو يلزم المسجد ليصلي ويطوف ويقرأ؟ هذه أمور تشكل على كثير من المتعلمين، ويترددون في تفضيل بعضها على بعض، على كل حال هناك رسالة في أكثر من ألف صفحة في المفاضلة بين العبادات، رسالة قيمة حقيقةً، يرجع إليها.
طالب:. . . . . . . . .
المفاضلة في العبادات، واحد اسمه: سليمان النجران، مطبوعة يعني، مطبوعة.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
فيها يمكن أول الكتاب قسم كبير من الكتاب في القواعد العامة، ثم بعد ذلك التفريع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يخرج للتنعيم ويعود، يقول: كرهه بعض الصحابة، وقالوا: يلزم المسجد ويقرأ ويطوف أفضل.(73/13)
"قال مالك في المعتمر يقع بأهله -يجامعها-: إن عليه في ذلك الهدي وعمرة أخرى" قضاء عن العمرة التي أفسدها، المعتمر يقع بأهله يعني هل يستوي في ذلك من وقع بأهله قبل الطواف أو بعد الطواف، وقبل السعي أو بعد السعي وقبل الحلق، نعم، يعني كما اختلف الحكم في ذلك بالنسبة للحج، فالجماع قبل التحلل الأول له حكم، والجماع بعد التحلل الأول له حكم.
يقول -رحمه الله تعالى-: "قال مالك في المعتمر يقع بأهله: إن عليه في ذلك الهدي وعمرة أخرى" يعني عمرة قضاء عن العمرة التي أفسدها "يبتدئ بها -يعني عاجلاً لإبراء ذمته- بعد إتمامه التي أفسد" بالجماع، معنى هذا أنه يمضي في فاسده، يكمل هذه العمرة، كما أنه يؤمر بالمضي في فاسد الحج، ويقضيها.
مسألة يسأل عنها كثيراً، وهي عملية والسؤال عنها كثير، يعني امرأة اعتمرت ولجهلها أو الحياء منعها طافت وهي حائض وسعت وقصرت ومشت، وجومعت، نعم، ما زالت محرمة، وعمرتها فسدت، نعم، فماذا عليها؟ عليها الهدي الذي ذكر الإمام مالك، منهم من يقول: عليها عمرة مضياً في العمرة الفاسدة التي هي أفسدت، وعليها عمرة قضاء، نعم، ألا يمكن أن يقال: إن هذه التي فسدت مضت في .. ، التي أفسدتها مضت فيها وأتمتها، نعم ويلزمها عمرة قضاء، أو نقول: إن العمرة التي أفسدتها أفسدت معها إحرامها عليها أن تحرم من جديد، فتأتي، تمضي بهذه العمرة التي أفسدتها ثم تقضي، والإشكال الثاني أن بعضهم قد يقول مثلاً: إذا أحرم بالحج أو أحرم بالعمرة وبعد الإحرام مباشرة جامع زوجته، نعم، بعد الإحرام، هل نقول له: الآن فسد إحرامك، وأعد الإحرام وامضِ في فاسد العمرة وكملها أو الحج ثم عليك حجاً ثاني؟ وهذا بإمكانه أن يصحح حج هذه السنة، لا سيما إذا كان ممن يصعب رجوعه إلى هذه الأماكن.
بعض الناس يقول: ما دام يمكنه التصحيح يعني المسألة فرق بين أن لا يمكنه بعد عرفة جامع أهله، نعم وقبل التحلل الأول فسد حجه، لكن لا يمكن تصحيحه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب: أقول:. . . . . . . . .(73/14)
فات عرفة، لكن إذا كان يمكنه التصحيح بأن يعود إلى المحرم ويغتسل ويحرم من جديد، نعم، ويهدي بدنة، ويحج حج صحيح كامل؛ لأنه أفسد الإحرام فقط، ما أفسد الوقوف، والحج بإمكانه أن يدركه، المعمول به عند كثير من أهل العلم أنه يمضي في هذا الفاسد، يُكمّل هذا الفاسد ولا يُصحح، ثم بعد ذلك يحج من قابل، والمسألة تختلف من شخص لا يستطيع أن يفد إلى هذه البلاد مرة أخرى، وشخص بالإمكان أن يكمل هذه الحجة ويحج مكانها، ولا يصعب عليه الرجوع مرة ثانية.
طالب: وبالنسبة للعمرة.
وين؟
طالب: اللي تقول: اعتمرت وأنا صغيرة أو حائض ولا دريت ثم. . . . . . . . .
والله نقول: هي مضت في فاسدها وكملتها فتقضيها بس فقط.
طالب: ونكاحها ما عليه شيء.
وين؟
طالب: عقدها للنكاح.
عقدت؟
طالب: إيه يعني كانت محرمة.
لا، يجدد، لا بد من تجديده، لا بد من تجديده، وإن كان حصل هناك أولاد فهي شبهة، له، لهما يعني ما في إشكال.
مسألة إفساد الحج وصوره بالوطء والمضي بالفاسد والإلزام بالحجة الثانية، والتفريق بينه بين حصوله بعد التحلل الأول والثاني، والمضي في العمرة في الصورة التي أوردناها تحتاج إلى بحث، تبحث؟
طالب:. . . . . . . . .
الشيخ عبد الرحمن؟ تحضرها غداً؟ شفت الصورة؟
طالب:. . . . . . . . .
من؟ جاهز؟ تحضره غداً، وأنت يا شيخ عبد الرحمن، مسألة فيما إذا .. ، هذا اللي يسأل عنها كثيراً اعتمرت وطافت وهي حائض، وكملت العمرة وذهبت ووطئت وقد تكون تزوجت ثم وطئت يعني من الآثار المترتبة على هذا عمرتها باطلة وفاسدة، هل يلزمها أن تأتي بعمرة صحيحة إمضاءً لهذه الفاسدة ثم تعتمر ثانية؟ أو يكفيها أنها مضت في هذه الفاسدة حتى أكملتها، ثم تأتي بعمرة بدل هذه الفاسدة، وقل مثل هذا في الحج، فيما إذا كان يمكنه التصحيح، يعني أحرم ثم وطئ، ويمكنه أن يرجع إلى الميقات ويقف مع الناس، نعم؛ لأنه يفتى به في هذه الأيام على نطاق ضيق، فيشاف له كأن له وجه، جيبها لنا غداً، وأنت كذلك بعد، المسألتين لا بد منهما.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ مع إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
أنت الآن بحثتها، تبحث المسألتين ذولاء مهمات، ويسأل عنهما كثيراً، والزمن زمن فقه التيسير، ويبون الناس بعد يخففون شوي، نعم، ونكمل -إن شاء الله- غداً.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(73/15)
الموطأ - كتاب الحج (11)
شرح: باب جامع ما جاء في العمرة.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نكمل شرح الباب السابق وقد قرئ كله.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"قال مالك في المعتمر يقع بأهله" يعني يجامع زوجته "أن عليه في ذلك الهدي وعمرة أخرى" قضاءً عن التي أفسدها "يبتدئ بها" عاجلاً لإبراء ذمته "بعد إتمامه التي أفسد" بالوقاع، بعد إتمامه التي أفسدها بالوقاع، "ويُحرم" في عمرة القضاء "من حيث أحرم بعمرته التي أفسد، إلا أن يكون أحرم" يعني في العمرة الأولى الفاسدة "من مكان أبعد من ميقاته" يعني كنجدي يحرم من ذي الحليفة بعمرة ثم يفسدها بجماع، يحرم في عمرة القضاء من ذي الحليفة، ولا يكفيه من السيل، على كلام المؤلف "فليس عليه أن يحرم" في قضائها إلا أن يكون أحرم من مكان أبعد من ميقاته، مثل ما قلنا: نجدي أحرم من ذي الحليفة فليس عليه أن يحرم في قضائها إلا من ميقاتها المحدد شرعاً.
هذا بالنسبة لرأي مالك واضح؛ لأن له أن يتجاوز الميقات الذي يمر به، يعني على جادة المذهب، مذهب الإمام مالك ما في إشكال، لكن على مذهب غيره أنه يلزمه أن يحرم من ميقات العمرة التي أفسدها، ولا يكفي من ميقاته؛ ليكون القضاء مثل الأداء.
"قال مالك: ومن دخل مكة بعمرة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وهو جنب أو على غير وضوء ناسياً ثم وقع بأهله معتقداً تمام عمرته، ثم ذكر أنه ليس على طهارة، قال: يغتسل أو يتوضأ، ثم يعود فيطوف بالبيت" لماذا؟ لبطلان الطواف الأول بعدم الطهارة، طاف بغير وضوء نعم أو جنب "يغتسل أو يتوضأ ثم يطوف" عن الطواف الأول؛ لأنه باطل لتخلف شرطه، وبين الصفا والمروة، السعي بين الصفا والمروة هل يشترط له طهارة؟ لكنه مشترط له أن يتقدمه طواف ولو مسنون "ويعتمر عمرة أخرى" قضاءً، يعني ويش اللي صار؟
طالب: وقع بعد ما. . . . . . . . .(74/1)
"قال: ومن دخل مكة بعمرة فطاف بالبيت وبين الصفا والمروة وهو جنب أو على غير وضوء ثم وقع بأهله" يعني عليه أن يمضي في فاسد العمرة، يعني طوافه الأول الباطل وسعيه نعم الباطل.
طالب:. . . . . . . . .
لا، السعي قلنا: إنه مترتب على طواف، وهذا طواف باطل ما يصح، كونه طاف وهو جنب وقد وطئ أهله، نعم ومفسداً لعمرته، طاف وسعى، هل نقول: إن هذا هو المضي في فاسده، أو عليه أن يغتسل، ويعيد الطواف والسعي وهذا مضاء في الفاسدة ثم يقضي ثالثة؟ المسألة شخص طاف وسعى بين الصفا والمروة وهو جنب أو على غير طهارة، ثم بعد ذلك وقع بأهله وهو ناسي، جامع زوجته، نعم، وقع بأهله؛ لأنه ما هو بناسي أن الوقاع .. ، ناسي إنه على غير طهارة، والوقاع بناءً على أن عمرته قد تمت، نعم ثم ذكر ذلك، ويش اللي عليه؟ يغتسل أو يتوضأ؟ يغتسل إن كان عليه غسل، يتوضأ إن كان عليه وضوء، ثم يعود فيطوف بالبيت؛ لأن الطواف الأول باطل، نعم، والطواف الثاني صحيح وإلا غير صحيح؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(74/2)
لأن الإحرام أصله فاسد، أفسد الإحرام بالجماع، فهذا الطواف الثاني بعد الطهارة مضاءً في فاسد العمرة التي أفسدها بالجماع، يعني ما يكفي أنه مضى بها وأكملها الأولى الفاسدة، بطواف باطل وسعي باطل؛ لأن وجود هذه مثل عدمها، فيغتسل أو يتوضأ ثم يطوف ويسعى ويكمل عمرته مضاءً في الفاسدة، ثم بعد ذلك يعتمر عمرة أخرى قضاءً، فيكون أتى بالعمرة كم مرة؟ ثلاث مرات، الأولى: التي جامع فيها، وطاف وسعى على غير طهارة، نعم؛ لأنه ناسي، ثم جامع أهله، فبطل فسدت هذه العمرة، يقول: يغتسل أو يتوضأ ثم بعد ذلك يطوف ويسعى وهذا ليس بقضاء عن العمرة الفاسدة، هذه مضي في الفاسدة، ثم بعد ذلك يعتمر عمرة صحيحة قضاءً، وهذا مثل ما قلنا سابقاً: امرأة طافت وهي حائض، وسعت وقصرت وحلت، جهل أو حياء أو ما أشبه ذلك، وذهبت إلى بلدها فقيل: إنك ما زلت محرمة، تأتي فتحرم أو لا يلزمها إحرام حينئذٍ؟ إي نعم، على كلام مالك ما يلزمها إحرام؟ لماذا؟ لأن هذه ليست هي القضاء، إنما هذه هي المضي في الفاسدة، فتأتي بطواف وسعي على طهارة وتحل ثم بعد ذلك تعتمر عمرة أخرى قضاءً، فتكون أدت العمرة ثلاث مرات، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ الآن هل يختلف هذا فيما لو جامعها بعد الإحرام ثم اغتسل وطاف وسعى وحل، هل يطلب منه ثالثة؟ أو هذه مضاء في الفاسدة، نعم مضاء في الفاسدة، يؤتى بالفاسدة كما يؤتى بالصحيحة في باب المضي فيها، ثم تقضى؛ لأن قلنا: ثلاث على رأي .. ، على ما ذكره مالك: الأولى باطلة، لماذا؟ لأن الطواف على غير طهارة، والسعي متصل بالطواف، نعم، باطلة لهذا، فكونه وقع الجماع بعد الطواف والسعي الباطلين الذين وجودهما كعدمهما كأنه جامع بعد الإحرام، نعم، يعني هل يمضي في فاسدها وهي انتهت على حد زعمه؟ يأتي ببدلها مضاءً في فاسدها ثم يعتمر عمرة أخرى قضاءً، ويهدي للفساد.
"وعلى المرأة إذا أصابها زوجها وهي محرمة مثل ذلك" لأن التكليف واحد، النساء شقائق الرجال، ومعلوم أن هذا إذا كانت مطاوعة، نعم؟
طالب: بالنسبة للنسيان هل هذا يظهر يا شيخ، ناسي؟
إيه بيجي كلام أهل العلم الحين بالتفصيل -إن شاء الله-.
طالب:. . . . . . . . .
بالنسبة لصحة الطواف؟
طالب: لأنه ناسي، لا.(74/3)
لا بد من إعادته،
طالب: لأنه مثل الصلاة، لكن الكلام على التكليف بالنسبة للناسي.
لا، هو من خرج من العبادة بناءً على أنها تامة، وقد اشتملت على ما يبطلها، هل تؤثر المخالفة فيها في هذه العبادة التي خرج منها على أنها تامة؟ في حديث ذي اليدين حصل ما يبطل الصلاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بناءً على أنها تامة، فما أثر في الصلاة، هذا ما أثر في الصلاة بناءً على أنها تامة، من يعتقد تمام عبادته لا يؤثر فيها ما يخالفها أخذاً من حديث ذي اليدين، والمسألة بيأتي بسطها، كلام أهل العلم موجود.
"قال مالك: فأما العمرة من التنعيم ... " نعم؟
الأخيرة.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لا بد.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لأنه شرع فيها فلزمته، نعم، لزمته بالشروع وقضاء الواجب واجب، ويأتي في كلام ابن حزم أنه حتى في الحج، وقع على زوجته بطل حجه ويلبس ثيابه ويروح لأهله، لا عليه هدي ولا قضاء ولا يمضي في فاسد ولا شيء من هذا، ويش اللي يلزمه وأصل الحج نفل؟ إلا إن كان ما حج حجة الإسلام.
طالب:. . . . . . . . .
هو إما أن تصححها وتلزمه بالإتمام، أو تبطلها وخلاص ما دام بطلت، العبادة كلها إذا بطلت يلزم إتمامها؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذا ما هو صحيح، هذا جامع زوجته قبل عرفة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا افترض أنه متعمد بيجي الكلام في كلام أهل العلم، طويل في المسألة.
"قال مالك: فأما العمرة من التنعيم فإنه -على رأيه- من شاء أن يخرج من الحرم ثم يحرم فإن ذلك مجزئ عنه -إن شاء الله تعالى-" لأن الحل حكمه واحد، لا يتعين التنعيم، إنما يحرم من أدنى الحل، من أي جهة كانت، لو أحرم بالأولى من التنعيم، ثم فسدت يحرم في قضائها من أدنى الحل، من عرفة وإلا من غيرها، يقول: "فأما العمرة من التنعيم فإنه من شاء أن يخرج من الحرم" يعني إلى أي موضع من الحل "ثم يحرم فإن ذلك مجزئ عنه -إن شاء الله تعالى-" إذ الواجب في الإحرام أن يجمع بين الحل والحرم وقد حصل، "ولكن الفضل أن يهل من الميقات الذي وقت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني التنعيم وإلا المواقيت المعروفة؟
طالب:. . . . . . . . .(74/4)
لا، هو أحرم من التنعيم، أحرم بالعمرة من التنعيم، أحرم من مكة، وقيل له: اخرج إلى التنعيم فخرج إلى التنعيم، نعم، هل نقول: لا، اذهب إلى السيل هذا أفضل الذي وقته النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أو نقول: التنعيم ميقات للعمرة عند بعض أهل العلم؟ نعم؟ ميقات عند بعض أهل العلم، أن ميقات عمرة المكي التنعيم، وهو المعين في حديث عائشة، أو ما هو .. ، نعم، ولذلك يقول: "ولكن الفضل أن يهل من الميقات الذي وقت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني التنعيم، أو ما هو أبعد من التنعيم، يعني من الميقات الذي وقته النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو من الميقات الذي أحرم منه أولاً، أو ما هو أبعد منه كالجعرانة والحديبية لإحرامه -عليه الصلاة والسلام- منهما بالعمرة.
نعود إلى أصل المسألة، مسألة الجماع جماع المحرم، هذا بحث من أحد الإخوة.
ما جاء في جماع المحرم من القرآن: قوله تعالى: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [} (197) سورة البقرة] الآية .. ما جاء في السنة حديث مرسل عند أبي داود في مراسيله من طريق أبي توبة عن معاوية عن يحيى بن أبي كثير، قال: أخبرني يزيد بن نعيم، أو زيد بن نعيم أن رجلاً من جذام جامع امرأته وهما محرمان، فسأل الرجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لهما: ((اقضيا نسككما وأهدي هدياً ثم ارجعا حتى إذا جئتم المكان الذي أصبتما فاخرجا وأتما نسككما وأهديا)) هذا مرسل لا تقوم به الحجة.
يقول: جاءت آثار عن الصحابة والتابعين كثيرة ومتعددة وهي لم تتفق على شيء بعينه للمحرم والمجامع إلا الإثم، وهذه بعض منها، وهي أصحها.
قال ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن عمر بن ذر عن مجاهد عن ابن عباس قال: على كل واحد منهما هدي.
يقول: صحيح لغيره.(74/5)
قال ابن أبي شيبة -رحمه الله- في المصنف: حدثنا ابن نمير عن عبيد الله بن عمر عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: أتى رجل إلى ابن عمر فسأله عن محرم وقع بامرأته، فأشار له إلى عبد الله بن عمرو فلم يعرفه الرجل، قال شعيب: فذهبت معه فسأله، فقال: بطل حجه، قال: فيقعد؟ يسأل، خلاص، فيقعد؟ قال: لا بل يخرج مع الناس فيصنع كما يصنعون، فإذا أدركه قابل حج وأهدى، فرجعا إلى عبد الله بن عمر فأخبراه فأرسلنا إلى ابن عباس قال شعيب: فذهبت إلى ابن عباس معه فسأله، فقال له مثل ما قال ابن عمرو، فرجع إليه فأخبره فقال له الرجل: ما تقول أنت؟ فقال: مثل ما قالا.
يقول: هذا حديث حسن.
قال ابن أبي شيبة: حدثنا أبو خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: يمضيان لوجههما ويقضيان حجهما ويرجعان حيث أحبا، فإذا كان قابل أهلا من حيث كان أهلا بحجهما الذي أفسد وأهديا ويُفرقا.
قال ابن أبي شيبة: حدثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري قال: في رجل لبى بعمرة ثم وقع بامرأته قبل أن يقضي عمرته، قال سعيد: عمرة ويهدي بدنة.
وقال: حدثنا ابن فضيل عن داود عن سعيد بن المسيب قال: يهديان هديا عامهما.
قال ابن أبي شيبة: حدثنا غندر عن شعبة عن قتادة قال: سئل عن رجل أهل بعمرة ثم غشي امرأته قبل أن يصل إلى البيت أنه قال: يرجعان إلى أحدهما فيهلان بعمرة، ويتفرقان حتى يقضيا العمرة، وعليهما هديان.
قال: حدثنا عبد الأعلى عن هشام عن الحسن وعطاء قالا في المحرم إن استكره امرأته فعليه كفارتها، فإن طاوعته فعلى كل واحد منهما كفارة.
هذا عن الحسن وعطاء، وأيضاً عن الحسن وعطاء قالا: عليه أن يرجع إلى الوقت فيهل بعمرة ويهريق دماً.
ثم قال: عن عطاء قال: بينهما بدنة، وقال سفيان: شاة تجزئ، وعن إبراهيم قال: عن كل واحد منهما بدنة، وعن الحكم وحماد قالا: يقضيان نسكهما وعليهما هدي، ويحجان من قابل، فإذا أتيا المكان الذي وقع بهما لم يجتمعا حتى يحلا.
وعن الحكم وحماد قالا: عليهما هديا هديا.
يقول: مزيد من الأقوال في ذلك في المدونة: أريت إذا حج رجل وامرأته، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
وراه؟ ما فيه إلا سطرين، في ورقة ثانية؟
طالب:. . . . . . . . .(74/6)
طيب يقول: باستعراض الآثار السالفة يتبين أن على المحرم المجامع ثمانية أمور:
الإثم، فساد الحج، التمادي وإتمام النسك، القضاء من العام القادم، الهدي، التفرق عن زوجته، الرجوع إلى الميقات والإهلال بعمرة، انقلاب الحج عمرة، يفعل مثل ما يفعل الناس حج، إذا مضى في فاسد الحج حج، الإيضاح: الإثم محل اتفاق السلف والخلف وذلك للآيات المذكورة، والفساد: والآثار فيه ثلاثة أقسام:
الأول: صرح بالفساد قولاً واحداً ابن عمر وابن عمرو.
الثاني: لم يصرح بالفساد ولم يتكلم به، وهو أثر عن جبير بن مطعم، أفٍ لا أفتيك بشيء، للمجامع المحرم، لما سأله.
الثالث: جاء مرة بالفساد وأخرى بغيره، وهي عن ابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن وعطاء والحكم وحماد.
فالحاصل أن الآثار لم تجمع عليه، ليس فيه نص صريح مرفوع للنبي -عليه الصلاة والسلام-، نقل الإجماع عليه ابن المنذر والقرطبي، ورده غيرهما كالشوكاني وصديق خان ومصطفى العدوي، والحاصل عدم الاتفاق وليس هناك نص مرفوع، أبطله ابن حزم بقوله: الهدي من مال المسلم والأصل فيه التحريم إلا لدليل.
وأبطله خان بقوله: فالأصل البراءة ولا ينقل عنها إلا لدليل.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟ هذه نفسها، في ورقة ثالثة؟
طالب:. . . . . . . . .
التمادي في النسك ووجوب القضاء؟ خلنا نكمل كلها عناوين.
ولما يلزم الهدي بالبدنة رغم وقوعه على أقل منها، يعني البقرة والشاة، فلم يلزم بالأشد مع الأيسر خلافاً للقواعد العامة مع سماحة الشريعة؟
أبطله الشوكاني بقوله: وليس فيه مرفوع.
التفرق الآثار فيه نوعان:
الأول: قال به قولاً ولم يقل به ثانية، مختلف على أصحابه فيه، الثاني لم يقل به أصلاً، والأول ابن عمر وابن عمرو وابن عباس، والثاني ... ، والحاصل عدم الاتفاق، ليس فيه نص مرفوع، مكرر هذا؟
من قال به اختلفت عنه الرواية في مكان التفرق هل هو من الميقات أم من مكان الجماع أم قبله؟ وكذلك اختلف أصحاب المذاهب واختلفوا في وجوبه واستحبابه في المذهب الواحد وفي صفته.
التمادي في النسك الآثار فيه قسمان:
الأول يراه عن ابن عمرو وابن عمر، وبعضه عن ابن عباس.(74/7)
الثاني: لا يراه، قول قتادة والحسن وعطاء، فجاء عنهم الرجوع للميقات والإحرام بعمرة، وانقلاب الحج عمرة، فالحاصل عدم الاتفاق، وابن حزم رده بقول الله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [(81) سورة يونس] ورده خان -صديق- بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا)) .. إلى آخره، ورده الشوكاني بعدم ثبوت المرفوع به، وقال ابن حزم أيضاً: هو يفضي إلى إيجاب أكثر من حجة.
وجوب القضاء: فالآثار فيه قسمان، وهذا يبنى على القول بالبطلان والتمادي السابقين.
الهدي: اتفقت عليه الآثار جملة، واختلفت في تفصيله، فجاء الهدي دماً، بدنة، شاة، بقرة، سبع شاة عند العجز، تقوم البدنة بالدراهم وبالدراهم طعام، فإن عجز عن الإطعام صام.
الرجوع إلى الميقات والإهلال بعمرة: ليس محل الاتفاق، وهما ينقضان البطلان، وكذلك وجوب الاستمرار في النسك الفاسد، فالحاصل عدم ثبوته، وما ينقضانه لعدم الإجماع عليهم، ولعدم النص المرفوع، ويشعر بذلك اختلاف أئمة العلم فيهما من قائل وغير قائل بهما.
خلاصة ثبوت الإثم للدليل.
عدم ثبوت ما قيل من الآثار المترتبة على الجماع الأخرى، لعدم اجتماع آثار السلف عليها، واختلاف الروايات على الواحد من السلف، وعدم وجود النص الصريح بذلك، الأصل البراءة إلا لدليل ولا دليل، آثار السلف ليست بحجة –عاد هذه قوية- مناقضة بعضها لبعض، هناك من الآثار ما لم يثبت كالأثر المرسل المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأثر علي وعمر، فالاستدلال بالآية على بطلان الحج للمجامع لا يستقيم.
الخلاصة أن الحج صحيح؟ ما عليه إلا إثم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟ إيش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني ما عليه شيء أبد، بس آثم وخلاص، مثل لو اغتاب، مثل لو جادل، ومثل ..
طالب:. . . . . . . . .
على العين والرأس الشيخ، لكن عندنا أئمة الإسلام ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .(74/8)
خلونا نشوف، شوف هم يفرقون بين الوطء بعد التحلل الأول وبين الوطء قبله، نعم، فالوطء قبل التحلل الأول يبطل الحج، تلزم عليه اللوازم، المضي في فاسده والبدنة، نعم، وقضاؤه، وبعد التحلل الأول يبطل الإحرام عندهم، ولا يبطل الحج، فعليه أن يحرم من جديد، نعم، ليطوف وهو محرم.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
معروف، معروف هذا، لكن هذا عمل الذي يكاد يتفقون عليه أنه يمضي في فاسده، يكمل مع الناس حج، نعم ويهدي ويقضيه من قابل.
كلام الشيخ الشنقيطي -رحمه الله تعالى- يقول: الفرع الثامن: اعلم أنا قدمنا في أول الكلام على هذه المسألة أن الإحرام يحرم بسببه على المحرم وطء امرأته في الفرج، ومباشرتها فيما دونه؛ لقوله تعالى: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحج} [البقرة: 197] وقد قدمنا أن الرفث شامل للجماع ومقدماته، ومقتضى القول ببطلانه بسبب الجماع أيضاً أن يبطل بمقدمات الجماع؛ لأن اللفظ شامل لهما، وأيضاً الفسوق والجدال، وقد أردنا في هذا الفرع أن نبين ما يلزمه لو فعل شيئاً من ذلك، ولا خلاف بين أهل العلم أن المحرم إذا جامع امرأته قبل الوقوف بعرفات أن حجه يفسد بذلك، ولا خلاف بينهم أنه لا يفسد الحج من محظورات الإحرام إلا الجماع خاصة، نعم، ولا خلاف بين أهل العلم أن المحرم إذا جامع امرأته قبل الوقوف بعرفات أن حجه يفسد بذلك، ولا خلاف بينهم أنه لا يفسد الحج من محظورات الإحرام إلا الجماع خاصة، وإذا فسد حجة بجماعه قبل الوقوف بعرفات فعليه إتمام حجه هذا الذي أفسده وعليه قضاء الحج وعليه الهدي، وهو عند مالك والشافعي وأحمد، وجماعات من الصحابة بدنة، وقال أبو حنيفة: عليه شاة، وقال داود: هو مخير بين بدنة وبقرة وشاة، فإن كان جماعه بعد الوقوف بعرفات وقبل رمي جمرة العقبة يعني قبل التحلل الأول وطواف الإفاضة فحجه فاسد عند مالك والشافعي وأحمد.(74/9)
وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: حجه صحيح، يستدل بحديث: ((الحج عرفة)) وقد وقف بعرفة، نعم، حجه صحيح، وعليه أن يهدي بدنة متمسكاً بظاهر حديث: ((الحج عرفة)) وإن كان جماعة بعد رمي جمرة العقبة وقبل طواف الإفاضة فحجه صحيح عند الجميع، أي عند الأئمة الأربعة، وعند الشافعي تلزمه فدية، وعند أبي حنيفة إن جامع بعد الحلق فعليه شاة، وإن جامع قبل الحلق يعني بعد الوقوف فعليه بدنة.
وعن أحمد روايتان: فيما يلزمه هل هو شاة أو بدنة، ومذهب مالك: أن حجه صحيح، وعليه هدي وعمرة، مثل ما ذكرنا، ووجهه عنده أن الجماع لما كان بعد التحلل الأول برمي جمرة العقبة لم يفسد به الحج، ولكنه وقع فيه نقص بسبب الجماع قبل التحلل الثاني فكان هذا النقص عنده يجبر بالعمرة والهدي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟ بعده وقبل الطواف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، هذا بيجي بيجي، ترى الشنقيطي أعرف منا بمذهب مالك.
طالب:. . . . . . . . .
وأكثر إحاطة بالمذاهب وغيره، والشيخ -رحمه الله- عاد من أهل الأثر والنظر ما هو بإنسان عادي.
طالب: أضواء البيان؟
إيه نعم إيه، في الجزء الخامس.
"وفي الموطأ قال مالك: في رجل وقع بامرأته في الحج ما بينه وبين أن يدفع من عرفة ويرمي الجمرة أنه يجب عليه الهدي، وحج قابل، قال: فإن كانت إصابته أهله بعد رمي الجمرة فإنما عليه أن يعتمر ويهدي، وليس عليه حج قابل".(74/10)
ونقل الباجي عن مالك: أن محل فساد الحج بالجماع قبل الرمي والإفاضة وبعد الوقوف بعرفة، فيما إذا كان الوطء واقعاً يوم النحر، أما إن أخر رمي جمرة العقبة، وطواف الإفاضة معاً عن يوم النحر وجامع قبلهما فلا يفسد حجه، ولو لم يتحلل التحلل الأول، لكنه ما هو بيوم العيد، هذا يقول: ونقل الباجي عن مالك: أن محل فساد الحج بالجماع قبل الرمي والإفاضة وبعد الوقوف بعرفة، فيما إذا كان الوطء واقعاً يوم النحر، أما إن أخر رمي جمرة العقبة وطواف الإفاضة معاً عن يوم النحر وجامع قبلهما فلا يفسد حجه، وعليه عمرة وهديان، هدي لوطئه، وهدي لتأخير رمي الجمرة، انتهى منه بواسطة نقل المواق في شرحه لمختصر خليل في الكلام على قوله: والجماع ومقدماته، وأفسد مطلقاً كاستدعاء مني، وإن بنظر قبل الوقوف مطلقاً، إن وقع قبل إفاضته -هذه عبارة خليل معقدة-: إن وقع قبل إفاضته وعقبه يوم النحر أو قبله وإلا فهدي.
فتحصل: أن الجماع قبل الوقوف بعرفات مفسد للحج عند الأئمة الأربعة، وبعد التحلل الأول وقبل الثاني لا يفسد الحج عند الأربعة.
يعني تحرير محل الخلاف أنه يفسد الحج باتفاق بين الأئمة الأربعة إذا كان قبل الوقوف بعرفة، وإذا كان بعد التحلل الأول لا يفسد عند الأربعة.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟ الأربعة الأربعة، إحنا نتكلم عن الأربعة.
وقد عرفت مما قدمنا ما يقع به التحلل عند كل واحد منهم، وإن وقع بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل أفسد عند الثلاثة خلافاً لأبي حنيفة كما تقدم.
وإذا عرفت أقوال أهل العلم في الجماع فاعلم أنهم متفقون على أن مقدمات الجماع كالقبلة والمفاخذة واللمس بقصد اللذة حرام على المحرم، ولكنهم اختلفوا فيما يلزمه لو فعل شيئاً من ذلك، فمذهب مالك وأصحابه أن كل تلذذ بمباشرة المرأة من قبلة أو غيرها إذا حصل معه إنزال أفسد الحج، وقد بينا قريباً ما يلزم من أفسد حجه حتى إنه لو أدام النظر بقصد اللذة فأنزل فسد عند مالك حجه، ولو أنزل بسبب النظرة الأولى من غير إدامة لم يفسد حجه عند مالك وعليه الهدي.(74/11)
أما إذا تلذذ بالمرأة بما دون الجماع ولم ينزل فإن كان بتقبيل فعليه هدي، والقبلة حرام على المحرم مطلقاً عند مالك، وأما إن كان بغير القبلة كاللمس باليد فهو ممنوع إن قصد به اللذة، وإن لم يقصدها به فليس بممنوع، ولا هدي فيه، اللمس باليد من غير لذة كأن يمسكها مثلاً خوفاً من ضياعها أو في زحام أو ما أشبه ذلك، هذا ليس بممنوع ولا هدي فيه ولو قصد به اللذة، وبالمناسبة يوجد من بعض الشباب من يمسك بيد زوجته من غير حاجة، وبين الناس، وأحياناً يفعل ما هو أكثر من ذلك، بأن يضع يده على عاتقها، أو من ورائها وهذا بين الناس، ومع الأسف أنه قد يوجد في الحرم مثل هذا، وفيه من الإثارة ما فيه، فمثل هذا يمنع ولو كانت زوجته، إذا كان خائفاً عليها في مواطن الزحام، وحريص على .. ، ممكن، أما يفعل هذا في وقت السعة لا.
ولا هدي فيه ولو قصد به اللذة، وإنما عليه الإثم إلا إذا حصل بسبه مذي فيلزم فيه الهدي ومحل هذا عندهم في غير ... إلى آخره.
فتحصل أن مذهب مالك فساد الحج بمقدمات الجماع إن أنزل، وإن لم ينزل ففي القبلة خاصة مطلقاً هديٌ، وكذلك كل تلذذ خرج بسببه مذي، وما عدا ذلك من التلذذ فليس فيه إلا التوبة والاستغفار، ولا يفسد الحج عنده إلا بالجماع أو الإنزال.
ومذهب أبي حنيفة -رحمه الله-: أن التلذذ بما دون الجماع كالقبلة واللمس بشهوة ونحو ذلك يلزم بسببه دم، ولو ردد النظر إلى امرأته حتى أنزل فلا شيء عليه عند أبي حنيفة -رحمه الله-.
ومذهب الشافعي -رحمه الله-: أنه إن باشر امرأته فيما دون الفرج بشهوة أو قبلها بشهوة أن عليه فدية الأذى والاستمناء عنده كالمباشرة فيما دون الفرج، وصحح بعض الشافعية أن عليه شاة، ولو ردد النظر إلى امرأته حتى أمنى فلا شيء عليه عند الشافعي، ومذهب الإمام أحمد أنه إن وطئ فيما دون الفرج ولم ينزل فعليه دم، وإن أنزل فعليه بدنة، وفي فساد حجه روايتان: إحداهما: أنه إن أنزل فسد حجه وعليه بدنة، وبها جزم الخرقي، وقال في المغني: في هذه الرواية اختارها الخرقي وأبو بكر، وهو قول عطاء والحسن والقاسم بن محمد ومالك وإسحاق، والرواية الثانية: أنه إن أنزل فعليه بدنة ولا يفسد حجه.(74/12)
قال ابن قدامة في المغني: في هذه الرواية وهي الصحيحة أنه لا يفسد حجه؛ لأنه استمتاع لا يجب بنوعه حد فلم يفسد الحج كما لو لم ينزل؛ ولأنه لا نص فيه ولا إجماع، ولا هو في معنى المنصوص عليه، انتهى محل الغرض منه.
ما ذكرنا عن أحمد من أنه إن أنزل تلزمه بدنة أي سواء قلنا بفساد الحج أو عدم فساده، وممن قال بلزوم البدنة في ذلك: الحسن وسعيد بن جبير والثوري وأبو ثور، كما نقله عنهم صاحب المغني، وإن قبل امرأته ولم ينزل أو أنزل جرى على حكم الوطء فيما دون الفرج وقد أوضحناه.
وإن نظر إلى امرأته فصرف بصره فأمنى فعليه دم عند أحمد، وإن كرر النظر حتى أمنى فعليه بدنة عنده، وقد قدمنا عن مالك: أنه إن كرر النظر حتى أمنى فسد حجه، وهو مروي عن الحسن وعطاء.
واعلم أن أظهر قولي أهل العلم عندي -الشيخ -رحمه الله- الشنقيطي-: واعلم أن أظهر قولي أهل العلم عندي أن الحج الفاسد بالجماع يجب قضاؤه فوراً في العام القابل خلافاً لمن قال: إنه على التراخي، ودليل ذلك الآثار التي ستراها -إن شاء الله- في الكلام على أدلة هذا المبحث.
وأظهر قولي العلماء عندي أيضاً: أن الزوجين اللذين أفسدا حجهما يفرق بينهما إذا أحرما بحجة القضاء لئلا يفسدا حجة القضاء أيضاً بجماع آخر، كما يدل عليه بعض الآثار المروية عن الصحابة، والأظهر أيضاً: أن الزوجة إن كانت مطاوعة له في الجماع يلزمها مثل ما يلزم الرجل من الهدي والمضي في الفاسد والقضاء في العام القابل، خلافاً لمن قال: يكفيهما هدي واحد، والأظهر أنه إذا أكرهها لا هدي عليها.
وإذا علمت أقوال أهل العلم في جماع المحرم ومباشرته بغير الجماع فاعلم أن غاية ما دل عليه الدليل أن ذلك لا يجوز في الإحرام؛ لأن الله تعالى نص على ذلك في قوله تعالى: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحج} [البقرة: 197].(74/13)
أما أقوالهم في فساد الحج وعدم فساده وفيما يلزم في ذلك فليس على شيء من أقوالهم في ذلك دليل من كتاب ولا سنة، وإنما يحتجون بآثار مروية عن الصحابة، ولم أعلم بشيء مروي في ذلك عن النَّبي -عليه الصلاة والسلام- إلا حديثاً منقطعاً لا تقوم بمثله حجة: وهو ما رواه أبو داود في المراسيل، والبيهقي في سننه قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن صالح قال: أنبأنا أبو الحسن -إلى أن- عن طريق اللؤلؤي عن أبي داود قال: حدثنا أبو توبة قال: حدثنا معاوية يعني: ابن سلام عن يحيى قال: أخبرني يزيد بن نعيم أو زيد بن نعيم، شك أبو توبة: أن رجلاً من جذم جامع امرأته وهما محرمان، فسأل الرجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لهما: ((اقضيا نسككما، وأهديا هدياً، ثم ارجعا حتى إذا جئتما المكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فتفرقا، ولا يرى واحد منكما صاحبه، وعليكما حجة أخرى، فتقبلان حتى إذا كنتما في المكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فأحرما وأتما نسككما وأهديا)) هذا منقطع وهو يزيد بن نعيم الأسلمي بلا شك، انتهى من البيهقي، وتراه صرح بأنه منقطع وانقطاعه ظاهر؛ لأنه يزيد بن نعيم المذكور من صغار التابعين، قال الزيلعي في نصب الراية بعد أن ذكر الحديث المذكور عند أبي داود في المراسيل والبيهقي وذكر قول البيهقي: إنه منقطع ما نصه: وقال ابن القطان في كتابه: هذا حديث لا يصح، فإن زيد بن نعيم مجهول، ويزيد بن نعيم بن هزال ثقة وقد شك أبو توبة، ولا يعلم عمن هو منهما، ولا عمن حدثهم به معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير فهو لا يصح، هذا الخبر مرفوع لا يصح.
قال ابن القطان: وروى ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن حرملة عن ابن المسيب: أن رجلاً من جذام جامع امرأته يعني من كلام سعيد أن رجلاً ... ، يروي القصة سعيد وهو لم يشهدهاِ، يرويها تابعي بصيغة (إن)، أن رجلاً من جذام جامع امرأته وهما محرمان، فسأل الرجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لهما: ((أتما حجكما ثم ارجعا، وعليكما حجة أخرى، فإذا كنتما بالمكان)) .. إلى آخره.(74/14)
قال ابن القطان: وفي هذا أنه أمرهما بالتفرق في العودة لا في الرجوع، وحديث المراسيل على العكس منه وقال: وهذا ضعيف أيضاً بابن لهيعة انتهى.
وإذا كانت هذه المسألة المذكورة ليس فيها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا هذا الحديث المنقطع سنده تبين أن عمدة الفقهاء فيها على الآثار المروية عن الصحابة، فمن ذلك ما رواه مالك في الموطأ بلاغاً أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبا هريرة -رضي الله عنهم- سئلوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم بالحج؟ فقالوا: يَنْفُذَانِ ويمضيان لوجههما حتى يقضيا حجهما ثم عليهما حج قابل والهدي، قال: وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: وإذا أهلا بالحج من عام قابل تفرقا، وهذا الأثر عن هؤلاء الصحابة منقطع أيضاً كما ترى.
وفي الموطأ أيضاً: عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: ما ترون في رجل وقع بامرأته وهو محرم؟ فلم يقل له القوم شيئاً، فقال سعيد: إن رجلاً وقع بامرأته وهو محرم، فبعث إلى المدينة يسأل عن ذلك، فقال بعض الناس: يفرق بينهما إلى عام قابل، فقال سعيد بن المسيب: لينفذا لوجههِما فليتما حجهما الذي أفسداه، فإذا فرغا رجعا، فإن أدركهما حج قابل فعليهما الحج والهدي، ويُهِلانِ من حيث أهَلاَّ بحجهما الذي أفسداه ويتفرقان، حتى يقضيا حجهما، قال مالك: يهديان جميعاً بدنة، يعني بينهما.
"قال مالك في رجل وقع بامرأته في الحج: ما بينه وبين أن يدفع من عرفة ويرمي الجمرة أنه يجب عليه الهدي وحج قابل، قال: فإن كانت إصابته أهله بعد رمي الجمرة فإنما عليه أن يعتمر ويهدي، وليس عليه حج قابل".
ثم ذكر ما يفسد الحج وهو التقاء الختانين.
روى البيهقي بإسناده عن عطاء أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال في محرم بحجة أصاب امرأته يعني وهي محرمة؟ قال: يقضيان حجهما وعليهما الحج من قابل حيث كانا أحرما، ويفترقان حتى يتما حجهما، قال: وقال عطاء: وعليهما بدنة إن أطاعته، أو استكرهها فإنما عيهما بدنة واحدة، وهذا الأثر منقطع أيضاً؛ لأن عطاء لم يدرك عمر -رضي الله عنه-.(74/15)
وروى البيهقي بإسناده أيضاً: أن مجاهد سئل عن المحرم يواقع امرأته؟ فقال: كان ذلك على عهد عمر -رضي الله عنه-، فقال: يقضيان حجهما، والله أعلم بحجهما، ثم يرجعان حلالاً، كل واحد منهما لصاحبه، فإذا كان من قابل حجا وأهديا، وتفرقا في المكان الذي أصابها فيه.
ثم ذكر الأثر عن الثلاثة ابن عمر وابن عمرو وابن عباس.
والفرع العاشر هنا قبل في شرح المهذب: إذا وطئ القارن فسد حجه وعمرته، ولزمه المضي في فاسدهما، وتلزمه بدنة للوطء، وشاة بسبب القران، فإذا قضى لزمته أيضاً شاة أخرى سواء قضى قارناً أم مفرداً؛ لأنه توجه عليه القضاء قارناً، فإذا قضى مفرداً لا يسقط عنه دم القران، قال العبدري: وبهذا كله قال مالك والشافعي.
ثم إذا جامع المحرم بعمرة قبل طوافه فسدت عمرته إجماعاً، وعليه المضي في فاسدها والقضاء والهدي، فإن كان جماعه بعد الطواف وقبل السعي فعمرته فاسدة أيضاً عند الشافعي وأحمد وأبي ثور، وهو مذهب مالك فعليه إتمامها والقضاء والدم، وقال عطاء: عليه شاة ولم يذكر القضاء، وقال أبو حنيفة: إن جامع المعتمر بعد أن طاف بالبيت أربعة أشواط لا سبعة، أربعة لأن الحكم للغالب لم تفسد عمرته وعليه دم، وإن طاف ثلاثة أشواط فسدت، وعليه إتمامها والقضاء ودم، وأما إن كان جماعه بعد الطواف والسعي، ولكنه قبل الحلق فلم يقل بفساد عمرته إلا الشافعي.
قال ابن المنذر: ولا أحفظ هذا عن غير الشافعي، وقال ابن عباس والثوري وأبو حنيفة: عليه دم .. إلى آخره.
كلام طويل للشيخ -رحمه الله-، المقصود أن الشيخ يعترف أن المسألة في إفساد الحج وما يترتب عليه أنه ليس فيها نص ملزم، لا من كتاب ولا سنة، وإنما فيها آثار، والمذكور عن عمر -رضي الله تعالى عنه- وعن علي منقطعة، والحديث المرفوع مرسل لا تقوم به حجة، ومع ذلك هاب الإجماع الذي نقل، والأظهر عنده أن الحج يفسد هيبة لإطباق أهل العلم على هذا.(74/16)
ابن حزم يقول: مسألة: ويُبطل الحج تعمد الوطء في الحلال من الزوجة والأمة ذاكراً لحجه أو عمرته، فإن وطئها ناسياً لأنه في عمل حج أو عمرة فلا شيء عليه، وكذا يبطل بتعمده أيضاً حج الموطوءة وعمرتها، قال تعالى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [(197) سورة البقرة] والرفث الجماع، فمن جامع فلم يحج، ولا اعتمر كما أُمر، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة)) وأما الناسي والمكره فلا شيء عليه؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) ولقول الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [(5) سورة الأحزاب] وهو قول أصحابنا.
مسألة: وإن وطئ وعليه بقية من طواف أو شيء من رمى الجمرة، يقول: وإن وطئ وعليه بقية من طواف الإفاضة أو شيء من رمى الجمرة فقد بطل حجه كما قلنا: قال تعالى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [(197) سورة البقرة] فصح أن من رفث ولم يكمل حجه فلم يحج كما أُمر، وهو قول ابن عمر، وقول أصحابنا، وقال ابن عباس: لا يبطل الحج بالوطء بعد عرفة، وهو قول أبى حنيفة، وقال مالك: إن وطئ يوم النحر قبل رمى الجمرة بطل حجه، وان وطئ يوم النحر بعد رمى الجمرة لم يبطل حجه، وان وطئ بعد يوم النحر قبل رمى الجمرة لم يبطل حجه، فأما قول مالك فتقسيم لا دليل على صحته أصلاً، واحتج أبو حنيفة بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الحج عرفة)) قال علي: ولا حجة لهم في هذا لأن الذي قال هذا هو الذي أخبرنا عن الله تعالى بأنه قال: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [(29) سورة الحج].
طالب:. . . . . . . . .
هو هو ابن حزم، أحياناً يقال: قال علي، وأحياناً يقال: أبو محمد.(74/17)
ولا حجة لهم في هذا؛ لأن الذي قال هذا هو الذي أخبرنا عن الله تعالى بأنه قال: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [(29) سورة الحج] وبأنه قال: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [(198) سورة البقرة] وهو الذي أمر برمي الجمرة فلا يجوز الأخذ ببعض قوله دون بعض، وقد قال تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [(97) سورة آل عمران] فكان الطواف بالبيت هو الحج كعرفة ولا فرق، وقوله -عليه السلام-: ((الحج عرفة)) لا يمنع من أن يكون الحج غير عرفة أيضاً، وقد وافقنا المخالف على أن امرءاً لو قصد عرفة فوقف بها فلم يحرم، ولا لبى، ولا طاف، ولا سعى فلا حج له، فبطل تعلقهم بقوله -عليه السلام-: ((الحج عرفة)) مسألة: فمن وطئ عامداً كما قلنا فبطل حجه فليس عليه أن يتمادى على عمل فاسد باطل، لا يجزئ، يقول: ما يتم بعد، ما دام بطل ما يكمل الباطل، مثل الصلاة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ولا يلزمه بهدي، ولا يلزمه بقضاء، ولا شيء.
يقول: فمن وطئ عامداً كما قلنا فبطل حجه فليس عليه أن يتمادى على عمل فاسد باطل لا يجزئ، عنه، لكن يحرم من موضعه، فان أدرك تمام الحج فلا شيء عليه غير ذلك، أحرم وأبطل حجه، أحرم وبالإفراد وذهب إلى عرفة وبالإمكان أن يحرم مرة ثانية، جامع بعرفة مثلاً، بإمكانه أن يحرم ثانية ويدرك الوقوف ما عليه شيء، لكن هذا تساهل شديد.(74/18)
يقول: وإن كان لا يدرك تمام الحج فقد عصى، يعني بعد نهاية وقت الوقوف لا يدرك الحج، وإن كان لا يدرك تمام الحج فقد عصى، وأمره إلى الله تعالى، ولا هدي في ذلك، ولا شيء إلا أن يكون لم يحج قط، يعني حجة الإسلام باقية، فعليه الحج والعمرة، لكن مسألة إبطال الحج عنده أشد من قول الجمهور، إبطال الحج وإفساده أشد من قول الجمهور؛ لأنه لا يفرق بين التحلل الأول والتحلل الثاني، نعم، لكن هو بإمكانه التصحيح، أن يحرم من سنته ويحج من سنته، والجمهور ليس عندهم هذا إلا في مسألة افترضها النووي. . . . . . . . . نعم له أن يصحح حجته إذا أمكنه الوقوف، يحرم من جديد ويطوف، يقف مع الناس ويكمل حجه، لكن إذا لم يدرك خلاص انتهى ما عليه شيء من. . . . . . . . .
وقد اختلف السلف في هذا، ثم ذكر الآثار المذكورة قبل في كلام.
يقول: قال أبو محمد: فكان من العجب أنه إذا بطل حجه أجزئه هدى شاة، وإذا تم حجه لم يجزه إلا بدنة، وهذا تقسيم ما روى عن أحد، فإن تعلق بابن عباس فقد اختلف عن ابن عباس كما ذكرنا وعن غيره من الصحابة -رضي الله عنهم-، وليس قول بعضهم أولى من بعض، وهذا جبير بن مطعم لم يوجب في ذلك هدياً أصلاً ولا أمر بالتمادي على الحج، قال على: قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [(81) سورة يونس] فمن الخطأ تماديه على عمل لا يصلحه الله -عز وجل-؛ لأنه مفسد بلا خلاف منا ومنهم، فالله تعالى لا يصلح عمله بنص القرآن، وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الحج إنما يجب مرة، ومن ألزمه التمادي على ذلك الحج الفاسد، ثم ألزمه حجاً آخر فقد ألزمه حجتين، وهذا خلاف أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.(74/19)
والعجب أنهم يدعون أنهم أصحاب قياس بزعمهم، وهم لا يختلفون في أن من أبطل صلاته أنه لا يتمادى عليها، فلمَ ألزموه التمادي على الحج؟ وقد خالف أبو حنيفة ابن عباس وعمر وعلياً فيما روي عنهم من التفرق، فلا نكره فيمن خالف ابن عباس ... إيش؟ وعلياً فيما روي عنهم من التفرق، وقد صح عنه خلافه، وإنما هم ستة من الصحابة -رضي الله عنهم- مختلفون كما ذكرنا، فالواجب الرجوع إلى القرآن والسنة، وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام)) فلا يجوز أن يوجب هدي بغير قرآن ولا عهد من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الهدي ارتكب، ارتكب محظور، ارتكب محظور أعظم المحظورات هذا، نعم ارتكب أعظم المحظورات، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه تصير عقوبة، تصير عقوبة، أصل الكفارات عقوبات، ورأي في الإفساد أشد من رأي الأئمة على فكرة، يقول: لو بقي حصاة واحدة من الجمر خلاص ما تم حجه، والله -جل وعلا- يقول: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [(197) سورة البقرة] وباقي من حجه الآن ها الجمرة ذي.
المقصود أن رأي ابن حزم بالنسبة للبطلان أشد من آراء الأئمة؛ لأن أبا حنيفة يرى أنه إذا وقف بعرفة حجه صحيح ولو لم يتحلل التحلل الأول، والثلاثة إذا تحلل التحلل الأول حجه صحيح وعليه ما عليه، أما إذا كان وطئه قبل الوقوف في عرفة فهذا اتفاق بين الأئمة الأربعة، وإذا كان بعد التحلل الأول أيضاً اتفاق بين الأئمة الأربعة إلا تفصيلاً في مذهب مالك.
يبقى أن الآثار المترتبة عليه ابن حزم ما يلزمه بشيء البتة إلا حجة الإسلام، إن كان ما حج حجة الإسلام يجيب غيرها، وإن كان قد حج حجة الإسلام يرجع لا له. . . . . . . . .(74/20)
الأئمة الآخرون يلزمونه بالمضي في فاسده، ويلزمونه بهدي سواءً كان بدنة أو شاة، ويلزمونه بالقضاء، طيب إذا كان يمكنه الإتيان بالحج في هذه السنة بأن وطئ قبل الوقوف هل يتمكن على رأي الأئمة أن يصحح الحج؟ ابن حزم يقدر يصحح، على ما مر من كلامه، الأئمة الأربعة هل يستطيع أن يصحح؟ لا يستطيع، خلاص عليه أن يمضي في فاسده، ويكمل ثم يحج من قابل، لكن هو أحرم بالميقات، ولبى ولبت زوجته، ثم وطئها، يبي يدرك جميع أعمال الحج، المسألة مسألة يغتسل ويحرم من جديد، نعم، ابن حزم يصح عنده.
في صورة أوردها النووي في المجموع يقول: قال أصحابنا: يتصور القضاء في عام الإفساد، نعم في عام الإفساد في صورة واحدة، نعم، ولا يتصور في غير هذه الصورة، يقول: يتصور القضاء في عام الإفساد بأن يحصر بعد الإفساد، جيد، يحرم ثم يقع على زوجته فسد حجه، إن تمكن من الدخول إلى المشاعر وأدى حجة فاسد، لكن إن منع؟ صار محصر وتحلل، تحلل خلاص، تحلل بشاة، صار محصر، إذا تحلل له أن يرجع، نعم ثم بعد الحصر والتحلل أذن له أن يدخل، يحرم ويدخل وحجه صحيح.
هذا يقول النووي: قال أصحابنا: يتصور القضاء في عام الإفساد بأن يحصر بعد الإفساد، ويتعذر عليه المضي في الفاسد، ممنوع من المضي في الفاسد، فيتحلل ثم يزول الحصر والوقت باقٍ فيحرم بالقضاء ويفعله ويجزئه في سنته.
قالوا: ولا يتصور القضاء في سنة الإفساد إلا في هذه الصورة، مع أنه وجد الآن من طلاب العلم يعني ليس من الكبار، من يقول: إنه يمكن، إذا كان الوطء قبل عرفة، نعم يلزم ببدنة مثلاً في مقابل ارتكابه هذا المحظور، ويحرم من جديد ويحج مع الناس، كلام الأئمة الأربعة على خلاف هذا، لكن يبقى أن الناس اليوم مشكلتهم مشكلة مع بعد المسافات والأنظمة التي قد لا يتيسر لكل مسلم أن يقدم إلى هذه الأماكن المقدسة، نعم، هو الذي يخفف من هذه المسألة أنها عارية عن الدليل، وإلا لا شك أن الأئمة لهم هيبتهم.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، مسألة الإبطال؟ إحنا معهم في الإبطال، ونهابهم لهذا، لكن مسألة التصحيح بالإمكان. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
لا، النووي ما يصحح إلا إذا حصر.(74/21)
طالب:. . . . . . . . .
لا، افترض إنه ما منع، يبي يمضي بالفاسد من الميقات، يمضي في الفاسد، وهو بإمكانه أن يصحح، ما في شيء ملزم، ما فيه إلا فتاوى صحابة، وما ثبت عن الراشدين منقطع، يبقى من دونهم، عمر وعلي منقطع، وما روي عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- مرسل.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
ما فيه إلا عن ابن عمر وابن عمرو وابن عباس.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن إذا أمكن أن نمضي بصحيح ما هو بأولى من أن نمضي بفاسد؟ شرع وأبطل، شرع وأبطله، شرع وأبطله، مثل لو أبطل الصلاة، نقول: كمله وبعدين تجيب قضاء؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لولا كلام الصحابة قلنا: هذا ما له أصل، لكن الآن الإشكال الذي أوجد عندنا هذا التردد ما ذكر عن الصحابة، كون الأئمة الأربعة كلهم على هذا يعني ما هو بعبث، نعم، الكلام ما هو بعبث ما جاء من فراغ نعم، فهذا الذي جعلنا نهاب، لكن إن أمكن لا سيما من يصعب عليه الرجوع وأمكنه التصحيح ما هو ببعيد على المحصر، فيمكن أن يتجه أن يقال له: صحح، والله -جل وعلا- غفور رحيم، أرحم من خلقه.
طالب: شيخ ما يمكن يؤخذ بقول ابن حزم إنه يعني. . . . . . . . .
ما عليه شيء أبد؟
طالب: ما عليه شيء أبد؟
لا، لا، صعب هذا، لا، نهدر أقوال الأئمة كلهم؟
طالب:. . . . . . . . .
من هو؟
طالب:. . . . . . . . .
ثلاث؟ ثلاث يلزمه.
طالب:. . . . . . . . .
يعني نجعل هذا في مقابل هذا ونأخذ وسط بينهم، على كل حال المسألة.
طالب: يا شيخ ما يمكن نتوسط نقول: يهدي بدنة ويتم، وإن استطاع السنة القادمة لا سيما إذا كان بعيد أو غير ذلك.
لا، أمرنا إياه بالتصحيح أحسن من أننا نلزمه بالمضي في فاسد.
طالب:. . . . . . . . .
ألزمه بالمضي؟
طالب:. . . . . . . . .(74/22)
إيه لكن الآن هم محصرون ما يستطيعون الدخول، صدوا، صدوا ولذلك النووي حينما لحظ هذا الملحظ عموم الشافعية يقول: إذا صد عن البيت له أن يتحلل ويرجع إلى بلده، نعم، فإذا أعفيناه من المضي في الفاسد نعم أعفيناه من المضي في الفاسد لأنه محصر ما يستطيع، ثم حصل له فرج بالدخول هل نقول: امض في فاسد وقد أعفيناه منه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه ويش المانع؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه عمرة كاملة والصلح هو الفتح الحقيقي، هذا الصلح هو الفتح الحقيقي {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} [(1) سورة الفتح] يعني صلح الحديبية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بس مسألة التلفيق بين الأقوال ما تجي من فراغ ترى.
طالب: بس شيخنا إذا كان مثل أهل مكة، يعني واحد من أهل مكة يمضي في الفاسد والقضاء لم يلزم، لكن إذا كان من غير أهل مكة يكون الآن الوقت يكون خمس سنوات ويعتبر أنه زي المحصر، السنة الجائية يكون زي المحصر، يكون يصحح العمرة، ويصحح الحج بخارج البلاد لأنه إذا جاء السنة القادمة يعتبر مثل المحصر ما يقدر. . . . . . . . .؟
لا هو الآن ما هو بمحصر، على كلامهم ما هو بمحصر ما دام تمكن من المضي في الفاسد ما هو بمحصر.
طالب:. . . . . . . . .
نعم يوكل إذا عجز، مثل حج الفريضة لأن هذا واجب هذا.
طالب:. . . . . . . . .
إذا عجز عن أدائه بنفسه يوكل، مثل ما وجب بأصل الشرع أو بالنذر.
طالب:. . . . . . . . .
إيه معروف أن الخلافات موجودة، وكتب الفروع مملوءة من الخلافات والتفريعات على هذه المسألة، المسألة مفروغ منها أنه لا يوجد للمسألة أصل مرفوع ملزم إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا عن الخلفاء الراشدين مما يصح.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هم يتفقون على بطلان الحج، يتفقون على بطلان الحج، الأربعة يتفقون على أنه إذا كان قبل الوقوف بعرفة إجماع بينهم عن الأئمة الأربعة، اتفاق، ما هي بالمسألة الوحيدة من مثل هذا النوع، مسائل يعني، وقررنا مراراً وبحثنا مسألة هيبة عامة أهل العلم، وكون الإنسان يخالف ولا يتهم نفسه بالتقصير أو بالقصور عن الوصول إلى القول الراجح، لا شك أن الأئمة لهم هيبة، والمعول على الكتاب والسنة.(74/23)
طالب: القياس قياس الإنسان اللي هو أفسد الحج بنفسه أنه يجامع زوجته قبل التحلل هل يقاس على المحصر والسبب ليس بيده، الإحصار هل نقيس الذي جامع امرأته وأتى بمحظور بمثل إنسان أحصر؟ هل يجوز؟
من اللي قاسه هذا؟
طالب: الإخوة بيتكلموا على أنه هو يكون شبه المحصر في السنة القادمة أو. . . . . . . . .
لا، هذا ما هو في .. ، هو يقصد أنه ممنوع يحج كل سنة، حج هذه السنة وأخذ تصريح لن يحج السنة القادمة إذاً محصر، ما دام ممنوع من دخول البيت.
طالب: ولربما مر أن ناس بكثرة ممكن يكون ما معهمش تصريح وبيمروا ...
مثل ما ذكر النووي أنه يحصر ثم يفرج عنه، مثل ما ذكر النووي أنه يحصر ويمنع ثم يفرج عنه، فإذا أبحنا له أن لا يمضي لأنه محصر ثم أفرج عنه خلاص توسعت المسألة.
طالب:. . . . . . . . . فيما لو انتقل من ركن إلى ركن؟
كيف؟
طالب: يعني قبل الوقوف بعرفة يعني جامع زوجته قبل الوقوف ....
لا، افترض أنه جامع زوجته وقد حصل بمزدلفة، ما تجد مكان تجلس ولا تنام وهذا جامع زوجته بمزدلفة، عند أبي حنيفة حجه صحيح، عند الثلاثة حجه فاسد، ويمضي فيه، عند ابن حزم فاسد باطل حجه ويرجع. . . . . . . . . إلا إذا أمكن التصحيح ويمكن، بأن يغتسل بمزدلفة ويرجع إلى عرفة ويقف قبل طلوع الفجر ويصحح.
طالب: إذا ما استطاع أنه يرجع للميقات يا شيخ؟
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
سهل إذا ما استطاع أن يرجع إلى الميقات أمره سهل، يكفيه الدم، إي، نعم؟
طالب: القول بفساد الإحرام هل يعني هذا. . . . . . . . .
فساد الإحرام فيما إذا جامع بعد التحلل الأول فسد إحرامه، فعليه أن يحرم من جديد، نعم، ليكمل بقية المناسك على إحرام صحيح، وين؟
طالب: الذين قابلوه بفساد الإحرام، فساد الحج قابلوه.
الأربعة كلهم قالوا بهذا، إيه.
طالب: هل يعني هذا انتقاض الإحرام؟
إيه، خلاص انتهى، فسد، إيه، ما بعد. . . . . . . . . بالحج، وقلنا مراراً: إنه يجوز له أن يرجع إلى بلده إذا انتهت عمرته.
طالب:. . . . . . . . .
إيه العمرة فقط.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لا لا الحج ما بعد دخل فيه، بدليل أنه يجوز له أن يرجع إلى أهله بعد العمرة، وعاد نحتاج إلى إحضار المسألة من فتاوى شيوخنا المعاصرين، الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ ابن باز والشيخ ... ، واللجنة الدائمة، والشيخ ابن عثيمين، كلامهم في هذه المسألة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نشوف عاد تفصيلاتهم ....(74/24)