ـ[شرح الموطأ]ـ
مؤلف الأصل: مالك بن أنس الأصبحي المدني (المتوفى: 179هـ)
الشارح: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد الخضير
دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير
[الكتاب مرقم آليا، رقم الجزء هو رقم الدرس - 187 درسا](/)
الموطأ (كتاب وقوت الصلاة) (1)
الكلام على كتاب الموطأ ثم شرح أحاديث أوقات الصلوات ...
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:
فلا يخفى على أحد ممن ينتسب لهذا الدين أهمية ومنزلة سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولسنا بصدد الحديث عنها، وعن حجيتها والتدوين فيها، كما أننا أيضاً لسنا بحاجة إلى الحديث عن مؤلف الكتاب الذي نحن بصدد شرحه -إن شاء الله تعالى-.
والإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي إمام دار الهجرة، نجم السنن كما قال الشافعي وغيره، ولد -رحمه الله- بالمدينة سنة ثلاثة وتسعين، وتوفي سنة تسع وسبعين ومائة، من الأئمة المعروفين المتبوعين أصحاب المذاهب الباقية إلى يومنا هذا، لمذهبه انتشار واسع في بلاد المغرب والأندلس، وله أيضاً وجود في العراق وفي مصر وغيرهما،
ولسنا بحاجة إلى الكلام عن موطئه الذي اشتهر، وطبقت شهرته الآفاق، وعن سبب تأليفه، وما قيل في ذلك مما ذكره ابن خلدون وغيره أن المنصور -أبا جعفر- قال للإمام مالك -رحمه الله تعالى-، وذكره بالعلم، وذكَّره بما عليه من تبعه، وقال له: إنه يطلب منه أن يؤلف كتاباً في العلم يوطئه للناس ويمهده ويسهله، وذكر أنه ينبغي أن يجتنب فيه -على ما ذكر- تساهل ابن عباس، وتشديدات ابن عمر، وشواذ ابن مسعود، حتى قيل: إن الإمام مالك قال: إنه علمني كيفية التأليف.
على كل حال هذا الكتاب ثابت النسبة، مستفيض مشهور إلى مؤلفه، روي بروايات متعددة، تحمله عن الإمام مالك جمع غفير، قرأه عليه العدد الكثير الجم، حفظت بعض الروايات عن الإمام مالك، وبقي كثير منها إلى يومنا هذا منها:
رواية يحيى بن يحيى المصمودي التي عليها أكثر الشراح، واعتماد أهل العلم عليها في الغالب، ومنها رواية محمد بن الحسن الشيباني، وقد انفردت ببعض الزيادات على رواية يحيي.(1/1)
ومنها: رواية أبي مصعب الزهري، وفيها أيضاً زيادات، ومنها .. ، روايات كثيرة ذكر منها صاحب الحِطة ست عشرة رواية، وأثبت بعض الزيادات التي في بعضها على بعض، وعني أهل العلم بالموطأ وشرحوه، حتى ذكر من شروحه أكثر من مائة شرح مما هو موجود الآن في خزائن الكتب، وطبع كثير منها، لكن طالب العلم وهو في غمار هذه الأعداد الهائلة من المؤلفات من كتب السنة وشروحها، لا يمكنه الإحاطة بجميع ما كتب حول هذا الكتاب أو غيره، لكن إذا اقتصر طالب العلم على شرحي ابن عبد البر (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد) وهذا كتاب عظيم، ومؤلفه إمام من أئمة المسلمين، حافظ المغرب أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، المتوفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة، مكث في تأليفه ثلاثين عاماً وهو يحرره وينقحه، خرج الكتاب محرراً منقحاً مضبوطاً متقناً حتى قال ابن حزم وغيره: "إنه لا يعرف في الكلام على فقه الحديث كتاباً مثله، ولا ما يقاربه ولا يدانيه".
على كل حال هذا الكتاب كتاب عظيم ينبغي لطالب العلم أن يعنى به، والكتاب مرتب على شيوخ مالك، وأسماؤه مرتبة على حروف التهجي عند المغاربة، وهي تختلف عن ترتيب المشارقة، وكانت الأمنية أن يرتب الكتاب على ترتيب الكتاب الأصلي على الأبواب، ثم حصلت هذه الأمنية آخراً.
من شروحه التي لا يستغني عنها طالب علم (الاستذكار) لابن عبد البر المذكور، ومنها: (المنتقى) للباجي، وهو مختصر من كتاب له كبير اسمه: (الاستيفاء) و (المنتقى) للباجي كتاب نفيس ونافع، وهو مطبوع في سبعة مجلدات كبار.
من شروحه: شرح القاضي أبي بكر بن العربي (القبس شرح موطأ الإمام مالك بن أنس) وله شروح أخرى على الموطأ.
من شروحه: شرح للزرقاني، شرح متوسط مفيد نافع، وهناك شرح مختصر جداً للسيوطي اسمه: (تنوير الحوالك) والشروح مثلما ذكرنا ذكر منها أكثر من مائة شرح.(1/2)
وهناك شرح مطول اسمه: (أوجز المسالك) للكندهلوي في خمسة عشر جزءاً طبع في خمسة عشر مجلداً، وهو كتاب طيب نافع، يمتاز بعنايته بنقول المذاهب من كتب أصحابها؛ لأنكم تعرفون أن المذاهب فيها روايات، وفيها أقوال، ولكل إمام في كثير من المسائل أكثر من قول، يختلف قوله في هذا الوقت عن قوله في وقت لاحق، كما يختلف قوله في بلد عن قوله في بلد آخر وهكذا؛ لأن الاجتهاد يتجدد.
ميزة هذا الكتاب أنه نقل هذه المذاهب من كتب أربابها المعتمدة عندهم، ولذا تلاحظون في نقول الشراح عن الأئمة ينقل عنهم أقوال تستغربونها، ينقل عن الإمام أحمد أقوال في فتح الباري وفي عمدة القاري وفي غيرها من الشروح تستغرب لماذا؟ لأنها ليست الرواية المشهورة التي عليها العمل عند الحنابلة، فينبغي أن يعنى بهذا الجانب؛ لئلا ينسب إلى الإمام ما لم يقله، بل هو مخرج على أقواله، وقد يشهر عن الإمام ما لم يشتهر من قوله بهذا السبب، هذه مهمة جداً، ولو تثبت طالب العلم بالرجوع إلى كتب المذاهب بنفسه كان هو الأحرى والأليق.
هناك شرح للدهلوي شرح مختصر جداً، وهو ماتع ونفيس، لكنه أخل بترتيب الكتاب، رتبه على الطريقة المعتادة عند أهل العلم في تقديم الطهارة على ما قدمه الإمام مالك من الوقوت على ما سيأتي؛ لكنه كتاب طيب وفيه نفع، الأصل الكتاب في مذهب مالك، وأضاف الشارح الدهلوي مذهب أبي حنيفة، ومذهب الشافعي، وأهمل مذهب الإمام أحمد، أقول: يعنى به ويضاف إليه مذهب الإمام أحمد، وكتاب فيه نكات ولطائف وفوائد على اختصاره، وهو مطبوع في مجلدين صغيرين.(1/3)
الشروح لا يمكن الإحاطة بها، ولا بيان مناهجها تبعاً لأهمية هذا الكتاب، فهو سادس الكتب عند جمع من أهل العلم، وإن كان متقدم عليها في الزمان، وفي إمامة مؤلفه ومكانته، لكنه في الترتيب عند أهل العلم ثالث الكتب لما فيه من البلاغات والمراسيل والموقوفات والمقطوعات والمقاطيع فيه شيء كثير، فتأخرت رتبته عن الصحيحين والسنن، على خلاف بين أهل العلم في السادس، وقد جعله بعضهم هو السادس كما فعل ابن الأثير في جامع الأصول، ورزين العبدري في تجريد الأصول، وبعضهم جعل السادس الدارمي، ومنهم من جعل السادس ابن ماجه، وأول من أضافه إلى الخمسة ابن طاهر، الفضل بن طاهر في شروط الأئمة، وفي أطرافه، ثم جرى العمل على ذلك لكثرة زوائده من الأحاديث المرفوعة.
ذكرنا أن الرواية التي تشرح من بين الروايات الكثيرة هي رواية يحيى بن يحيى، وعليها أكثر الشراح، عليها أكثر الشراح، وقد سمعه أو قرأه على الإمام مالك؛ لأن الإمام مالك -رحمه الله تعالى- كان من منهجه ألا يقرأ على أحد، ولا يحدث أحد، بل ينكر على من طلب منه أن يقرأ عليه، بل يسمع الإمام مالك ممن يقرأ، فجميع من روى الكتاب عن الإمام مالك فبطريق العرض، بعضهم يأتي ممن لا يرى العرض من أهل العراق إلى الإمام مالك ليسمع من الإمام مالك فيزجره الإمام مالك -رحمه الله تعالى-، ويقول: "العرض يكفيك في القرآن ولا يكفيك في الحديث؟! " ومعلوم أن القرآن يقرأ على المقرئ، وعلى كل حال العرض طريق معتبر من طرق السماع عند أهل العلم، وحصل الإجماع على صحة ما نقل بواسطته، وإن كان الأصل في الرواية السماع.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد على آله وصحبه.
قال الإمام يحيى بن يحيى الليثي: عن مالك بن أنس: كتاب وقوت الصلاة، باب وقوت الصلاة:(1/4)
قال: عن مالك بن أنس عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخر الصلاة يوماً، فدخل عليه عروة بن الزبير فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يوماً وهو بالكوفة، فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري فقال: ما هذا يا مغيرة أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم صلى فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم صلى فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم صلى فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم صلى فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم قال: ((بهذا أمرت)) فقال عمر بن عبد العزيز: "اعلم ما تحدث به يا عروة، أو إن جبريل هو الذي أقام لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقت الصلاة؟ قال عروة: "كذلك كان بشير بن أبي مسعود الأنصاري يحدث عن أبيه".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، كما سمعتم الإمام -رحمه الله تعالى- بدأ بوقوت الصلاة.
يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- في قواعده التي تسمى النورانية في أول الكتاب فصل: "أما العبادات فأعظمها الصلاة، والناس إما أن يبتدئوا مسائلها بالطهور، إما أن يبتدئوا مسائلها بالطهور"، يعني بكتاب الطهارة، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((مفتاح الصلاة الطهور)) وهذا عليه الأكثر، وإما بالمواقيت التي تجب بها الصلاة كما فعله مالك.
وعلى كل حال كل من الطهارة والوقت والأوقات، كل منهما شرط لصحة الصلاة، والشرط لا بد أن يتقدم المشروط، فتقدم هذه الشروط على ما اشترطت له من المقصد وهو الصلاة، ولا شك أن التقديم في الذكر له نصيب من الترجيح فالأولية كما يقولون: لها دخل في الأولوية، الأولية لها دخل في الأولوية، إيش معنى هذا الكلام؟ الإمام مالك -رحمه الله تعالى- لما قدم الوقوت على الطهارة يفهم منه أن المحافظة على الوقت أولى من المحافظة على الطهارة عند التزاحم، والأكثر -الجمهور- على العكس، إذا ضاق الوقت وصار المرء بين أمرين: إما أن يتطهر ولو خرج الوقت أو يصلي في الوقت ولو من غير كمال الطهارة، ولو بطهارة ناقصة هذا عند التزاحم، فيفهم من صنيع الإمام مالك أنه يقدم الوقت، والأكثر على خلافه، والأكثر على خلافه.(1/5)
افترضنا أن شخصاً أستيقظ من النوم وقد بقي على طلوع الشمس خمس دقائق، وهي كافية لأداء ركعتين بالتيمم، وحينئذ يكون مدركاً للوقت، أو يتطهر طهارة كاملة ولو خرج الوقت؟ صنيع الإمام مالك في تقديمه الوقت على الطهارة يدل على أنه يعنى بالوقت أكثر من الطهارة، وكل منهما شرط في صحة الصلاة، وصنيع الأكثر على عكس ذلك، ولا يقللون من شأن الوقت، فالصلاة لا تصح قبل وقتها اتفاقاً، وهل تصح بعد خروج وقتها فتقضى؟ والمسألة مفترضة في غير عذر، لو فرط وأخر الصلاة عن وقتها، جمع من أهل العلم، بل نقل عليه ابن حزم الاتفاق أنها لا تجزئ، ولذا يقول: لا تقضى، ونقل بعضهم الاتفاق على خلافه، قالوا: يجب القضاء مع الإثم، فتقديم الطهارة لا يعني الاستخفاف بالوقت كما أن تقديم الوقت عند الإمام مالك لا يعني الاستخفاف بشأن الطهارة، فكل منهما شرط، لكن عند التزاحم ويفترض هذا في المسألة التي ذكرناها.
وقوت: جمع وقت كما أن الوقت يجمع على أوقات، والوقت والأوقات والمواقيت بمعنىً واحد، إلا أن الفرق بين .. ، المواقيت جمع ميقات تطلق على الزمانية والمكانية، كما هو معروف من مواقيت الحج، والوقوت والأوقات جمع وقت، إلا أن الوقوت جمع كثرة، والأوقات جمع قلة، الوقوت جمع كثرة، والأوقات جمع قلة وأوقات الصلوات كثيرة وإلا قليلة؟ ثمة أفعال جموع قلة، نعم، الأوقات الخمسة قليلة، فعلى هذا الجمع بأوقات أولى من الجمع بوقوت هنا، وإن كان أكثر رواة عن مالك قالوا: وقوت، في رواية ابن بكير قال: أوقات الصلاة، جمع قلة، وأكثر الروايات على جمع الكثرة وقوت، تكلم أهل العلم في إيثار جمع الكثرة على جمع القلة هنا، فقال بعضهم: إنه ينوب كل منهما عن الآخر، ومنهم من يقول: باعتبار هذه الأوقات الخمسة تتكرر كل يوم فنظراً إلى تعدد هذه الأيام جمعت جمع كثرة، وإن كانت في الأصل قليلة، منهم من قال بالتناوب، ينوب جمع الكثرة عن جمع القلة والعكس، ومنهم من قال: جمعت جمع كثرة باعتبار تكررها في الأيام، كما يقال: شموس وأقمار، شموس وأقمار، هي قمر واحد وشمس واحدة لكن باعتبارها تتكرر جمعت.(1/6)
والكتاب: مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابة، وهذا بيتكرر علينا كثيراً فيشرح في هذا الموضع، ونستغني عنه في المواضع اللاحقة، الكتاب مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابة وكتباً، وأصل الكتب المادة يراد بها الجمع، كما يقال: تكتب بنو فلان، جماعة الخيل كتيبة، والحريري يقول:
وكاتبين وما خطت أناملهم حرفاً ... ولا قرءوا ما خط في الكتبِ
يقصد بذلك الخرازين الذين يجمعون بين صفائح الجلود فيكتبونها، يعني يجمعونها بالخياطة والخرز.
باب وقوت الصلاة:
الأصل الكتاب، والكتاب يراد به المكتوب الجامع لأبواب، والأبواب تجمع فصول، والفصول تجمع مسائل، هذا الترتيب العرفي عند أهل العلم، لكن قد يوجد كتب دون أبواب، وقد توجد أبواب دون كتب، وقد توجد أبواب دون فصول، وهكذا، والمسألة اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح، ولذا فرع على ذلك بقوله: باب وقوت الصلاة.
الباب في الأصل: ما يدخل وما يخرج منه، وفي الاستعمال العرفي في الاصطلاح الخاص عند أهل العلم ما يضم مسائل علمية وفصول غالباً، فاستعماله عند أهل العلم من باب استعمال الحقيقية العرفية، ومن يقول مجاز يقول: استعماله في المحسوسات حقيقة، واستعماله في المعنويات مجاز، لكنها حقيقة عرفية، واصطلاح خاص.
"قال: حدثنا يحيى بن يحيى الليثي عن مالك"، (قال) من القائل هنا؟ القائل هو الراوي عن يحيى، ثم قال بعد ذلك: "حدثني يحيى بن يحيى الليثي عن مالك بن أنس"، قد يقول قائل: المؤلف من المؤلف؟ مؤلف الكتاب؟ مؤلف الموطأ من هو؟ الإمام مالك، مؤلف المسند من؟ الإمام أحمد، في المسند حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي، هل يتصور أن الإمام أحمد يقول: حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي؟ أو هنا الإمام مالك يقول: حدثنا يحيى بن يحيى عن مالك؟ نعم، إذاً كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(1/7)
في كتب الشافعي قال الربيع: أخبرنا الشافعي، وهكذا في كتب المتقدمين كلها، الراوي للكتاب يثبت اسمه في الكتاب، وعلى هذا حذف الراوي تصرف لا يليق بأهل التحري والتحقيق حذفه أبداً، كما فعل الشيخ أحمد شاكر في المسند، حذف الإمام أحمد ومن روى عن الإمام أحمد، سواءً كان من رواية عبد الله أو من الزوائد، هذا تصرف، نعم قد يتطاول على المتقدمين من لا يعرف طرائقهم في التصنيف فيتكلم ويشكك في نسبة الكتب وهذا جهل، شخص لا علاقة له بالعلم الشرعي، وليست حياته على طريق الاستقامة أيضاً، ولا يمت إلى العلم بصلة، يكتب مؤلف اسمه: (إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي الأم ليست للإمام الشافعي) لأنه ما يفهم، ما يعرف، إذاً الموطأ ليس للإمام مالك، والمسند ليس للإمام أحمد وهكذا، إذا أردنا أن نطرد هذا الكلام.
يعني شخص يقول: إن الحياة تفقد حيويتها حينما تكون هدىً خالص، ويذهب إلى أن بعض الغي رشد، مثل هذا يتكلم في كتب العلم؟ وينفي ما نسبته إلى مؤلفه أشهر من نسبة هذا الرجل إلى أبيه، (إصلاح أشنع خطأ في تاريخ ... الأم ليست للإمام الشافعي) إذاً الموطأ ليس للإمام مالك، والمسند ليس للإمام أحمد وهكذا.
نعم جرت عادتهم –أعني رواة الكتب- إثبات أسمائهم في كل حديث وفي كل خبر في الكتاب، إلا ما كان من غير طريقهم، إذا كان في الكتاب ما هو من غير طريق صاحب الرواية يحذف، من له عناية بالمسند يعرف هذا الأمر.(1/8)
"حدثنا يحيى بن يحيى الليثي"، وهو غير يحيى بن يحيى التميمي الذي أكثر الإمام مسلم من الرواية عنه، هذاك من رجال الكتب الستة، وهذا ذكره في كتب رجال الكتب الستة من أجل تمييزه عن ذاك، ليست له رواية في الكتب الستة "عن مالك بن أنس" الإمام المؤلف "عن ابن شهاب" محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الإمام العلم "أن عمر بن عبد العزيز" الخليفة الراشد "أخر الصلاة يوماً" يعني صلاة العصر أخرها مرة، مرة واحدة كما في بعض روايات البخاري، وليس هذا عادة له، وليس ديدناً له وإن عرف ذلك في بني أمية، يؤخرون الصلوات، وأخر الصلاة عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد عن الوقت الأفضل، ولم يخرجها عن وقتها، أخرها حتى خرج الوقت، لم يؤخرها حتى خرج الوقت بالكلية، إنما آخرها عن الوقت المستحب، "أخر الصلاة يوماً فدخل عليه عروة بن الزبير" بن العوام "فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يوماً وهو بالكوفة، فدخل عليه أبو مسعود" أنكر عليه بالنقل، ولم ينكر عليه بالرأي، أنكر عليه بالدليل، "أخبره أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يوماً" صلاة العصر أيضاً كما في بعض الروايات، وهو بالكوفة أميراً عليها من قبل معاوية -رضي الله عنه- فدخل عليه أبو مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري، نزل بدراً فنسب إليها، ولم يشهد الوقعة عند جمهور العلماء، إنما نزلها فنسب إليها، وإن أثبته البخاري فيمن شهدها "دخل عليه أبو مسعود الأنصاري فقال: ما هذا -التأخير- يا مغيرة"، ما هذا يعني ما هذا التأخير يا مغيرة؟ "أليس" وهكذا جاءت الرواية: "أليس" يقول الحافظ ابن حجر: "وهو استعمال صحيح، وإن كان الأكثر في مخاطبة الحاضر (ألست) وفي مخاطبة الغائب (أليس) وهنا حاضر خاطبه بما يليق بالغائب وهو استعمال صحيح، "أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى" الصلاة الأولى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وهي إيش؟ الظهر، هي الصلاة الأولى، فصلى يعني جبريل، "فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصلاته- ثم صلى" يعني العصر "فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بصلاته- ثم صلى -المغرب- فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصلاته، ثم صلى -العشاء- فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، ثم صلى -الخامسة(1/9)
الفجر- فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: ((بهذا أمرت)) " ((بهذا أمرت)) في بعض الروايات: ((بهذا أمرتَ)) والآمر على الحالتين هو الله -جل وعلا-، "أمرتُ" إن كان القائل جبريل أمرتُ أن أبين لك بالفعل بهذا، أو أمرتَ يا محمد أن تصلي الصلوات في هذه الأوقات.(1/10)
جاء حديث إمامة جبريل مفسراً في السنن، وأنه صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- الصلاة الأولى -صلاة الظهر- حين زالت الشمس في اليوم الأول، وصلى العصر حينما صار ظل الشيء مثله في اليوم الأول، ثم صلى المغرب بعد أن وجبت الشمس –غابت- ثم صلى العشاء لما غاب الشفق، ثم صلى الصبح بطلوع الفجر، وفي اليوم الثاني صلى الصلوات الخمس في آخر أوقاتها، فصلى الظهر حينما صار ظل الشيء مثله، وصلى العصر حينما صار ظل الشيء مثليه، ثم صلى المغرب في الوقت الذي صلاها فيه بالأمس، ثم صلى العشاء ثلث الليل، فأول الوقت على إمامة جبريل بالنسبة للظهر زوال الشمس، وآخره مصير ظل الشيء مثله، وأول وقت صلاة العصر مصير ظل الشيء مثله إلى مصير ظل الشيء مثليه، هناك أحاديث معارضة لهذا تجدر الإشارة إليها، في حديث عبد الله بن عمرو -وهو في الصحيح-: "أن صلاة الظهر من الزوال إلى مصير ظل الشيء مثله، ما لم تحضر صلاة العصر"، في حديث إمامة جبريل: "صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- الظهر في اليوم الثاني حينما صار ظل الشيء مثله، وصلى به العصر في اليوم الأول حينما صار ظل الشيء مثله" وفي حديث عبد الله بن عمرو قال: "ما لم تحضر -أو ما لم يحضر- وقت العصر" في حديث إمامة جبريل يدل على أن هناك قدر مشترك في آخر وقت صلاة الظهر، مشترك يصلح أن تؤدى به صلاة الظهر أداءً وصلاة العصر أداءً بنفس الوقت؛ لأنه صلى الظهر في اليوم الثاني حينما صار ظل الشيء مثله، وصلى به العصر في اليوم الأول حينما صار ظل الشيء مثله، دل على أنه وقت واحد، يصلح لصلاة الظهر يعني مقدار أربع ركعات يصلح لصلاة الظهر أداءً ولصلاة العصر أداءً، وبهذا يقول المالكية وهناك قدر مشترك يصلح لصلاتين، لكن حديث عبد الله بن عمرو فيه: "ما لم يحضر وقت صلاة العصر" فدل على ألا اشتراك، فدل على أنه لا اشتراك في الوقتين ما لم يحضر وقت صلاة العصر، وعلى هذا يكون معنى حديث إمامة جبريل أنه فرغ من صلاة الظهر حينما صار ظل الشيء مثله في اليوم الثاني وشرع في صلاة العصر حينما صار ظل الشيء مثله، وحينئذٍ لا يكون هناك اشتراك، هناك حد فاصل رقيق دقيق يكون هذا الحد هو نهاية وقت صلاة الظهر وهو أيضاً في الوقت نفسه(1/11)
هو بداية وقت صلاة العصر في الاشتراك، ثم وقت صلاة العصر يستمر إلى غروب الشمس وإن دل حديث إمامة جبريل إلى أنه ينتهي قبل ذلك، لكنه في أول الأمر، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من آخر الصلاة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى)) فدل على أن وقت صلاة العصر يستمر إلى غروب الشمس، وأصرح من هذا الحديث الآتي: ((من صلى -أو من أدرك من- الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) فدل على أن وقت صلاة العصر يستمر إلى .. ، إلى إيش؟ إلى غروب الشمس، ووقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثله، كما في حديث عبد الله بن عمرو، وفي حديث أيضاً إمامة جبريل والاختلاف بينهما، وإن كان الحنفية يرون أن وقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه، من مصير ظل الشيء مثليه، ومحمد بن الحسن في موطئه يعني في روايته لموطأ الإمام مالك في موطئه يقول: إن العصر سميت عصر لأنها تعتصر فيضيق عليها، ولا يمكن تعتصر إلا إذا قلنا: إن وقتها يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه؛ لأنها إذا بدأ وقتها من مصير ظل الشيء مثله ما اعتصرت ولا ضيق عليها، لكن هل مثل هذا الكلام تعارض به النصوص الصحيحة الصريحة؟ يستدل الحنفية بدليل فيه إغراق في العموم والبعد على أن وقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه، يعني هو نظر من استدل بقوله -عليه الصلاة والسلام- لعائشة: ((افعلي ما يفعل الحاج)) من استدل بهذا على أن الحائض تقرأ القرآن؛ لأن الحاج يقرأ القرآن، إغراق، البعد عن المراد.(1/12)
استدل الحنفية على أن وقت صلاة العصر يضيق عليها وتؤخر إلى مصير ظل الشيء مثليه بمثل هذه الأمة مع الأمم السابقة: ((إنما مثلكم ومثل من قبلكم من الأمم كمثل رجل استأجر أجيراً إلى منتصف النهار بدينار، ثم استأجر أجيراً آخر إلى وقت صلاة العصر بدينار، ثم استأجر آخر إلى غروب الشمس بدينارين)) فالأجير الذي عمل إلى منتصف النهار هذا مثل اليهود، والأجير الثاني الذي عمل إلى وقت صلاة العصر هذا مثل للنصارى، والذي عمل إلى غروب الشمس هم المسلمون بدينارين، فاحتج اليهود والنصارى فقالوا: "نحن أكثر عملاً وأقل أجراً" ولا يكون النصارى أكثر عمل إلا إذا قلنا: إن العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه، يستدلون بمثل هذا في مقابل النصوص الصحيحة الصريحة، يعني هل في الحديث ما يدل على أن وقت صلاة الظهر نعم لا يكون أطول من وقت صلاة العصر إلا إذا امتد إلى مصير ظل الشيء مثليه؟ حتى على القول بأن وقت صلاة الظهر ينتهي بمصير ظل الشيء مثله، نعم هو أطول من وقت صلاة العصر في كل عصر وفي كل مصر، حتى على قول الجمهور، فليس للحنفية في هذا أي مستمسك، يعني لو نظرنا إلى اليوم مثلاً كم يستغرق وقت صلاة الظهر من الوقت؟ من اثنا عشر إلا ربع إلى ثلاث إلا ربع، طيب كم ساعة؟ ثلاث ساعات، والعصر من ثلاث إلا ربع إلى خمس وخمس، ساعتين وثلث، والتقويم ماشي على القول بأن وقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثله وهكذا، لذا ابن حزم يرد عليهم بقوة، ويقول: حتى على القول بأن وقت صلاة الظهر ينتهي بمصير ظل الشيء مثله ففي كل عصر وفي كل مصر يكون وقت صلاة الظهر أطول، يعني مع إبعادهم وإنجاعهم في الدليل والاستدلال إلا أنه لا يتم لهم أيضاً الاستدلال بهذا.(1/13)
يستمر وقت صلاة العصر إلى غروب الشمس، وهناك أوقات عند أهل العلم وقت اختيار ووقت اضطرار، وقت صلاة المغرب دل الحديث -إمامة جبريل- أنه واحد، وقت واحد غير متسع لأكثر من أداء الصلاة والتهيؤ لها، يعني بعد غروب الشمس بمقدار ربع ساعة خلاص ينتهي وقت المغرب؛ لأنه صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الثاني صلاة المغرب بنفس الوقت الذي صلى به في اليوم الأول، ولو كان لها متسع لصلاها في أول الوقت وفي آخره في اليوم الثاني كغيرها من الصلوات، بهذا يقول الشافعية، والجمهور على أن لها وقتين كغيرها أول وآخر، يستمر الوقت من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر كما في حديث عبد الله بن عمرو.
ووقت صلاة العشاء يبدأ من مغيب الشفق والخلاف في الشفق معروف عند أهل العلم الجمهور على أنه الأحمر، وقال الحنفية: الأبيض، ولو ذهبنا نستفصل في مثل هذه الأمور ونستطرد ونذكر المذاهب والأدلة والعلل أظن ما يكفينا شيء.
يستمر الوقت إلى ثلث الليل على ما في إمامة حديث جبريل، وفي حديث عبد الله بن عمرو إلى نصف الليل الأوسط، إلى نصف الليل الأوسط، حديث عبد الله بن عمرو لا شك أنه في الصحيح فهو أرجح، وهو أيضاً متأخر عن حديث إمامة جبريل، ومن أهل العلم من يرى أن وقت صلاة العشاء يستمر إلى طلوع الفجر، ويستدلون بالحديث العام: ((ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من يؤخر الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى)) هذا مجمل بينه أو من العام المخصوص، مخصوص بالإجماع في صلاة الصبح، فإنه لا يستمر وقتها إلى وقت الظهر، ومخصوص بحديث عبد الله بن عمرو إلى منتصف الليل الأوسط، فالقول المرجح في صلاة العشاء أنه ينتهي وقتها بنصف الليل، وقوله: أوسط؛ لأنه لا يقال: أوسط إلا إذا كان للشيء طرفان ووسط، لكن باعتبار النصف وقع في أوسط الليل قيل له .. ، في وسط الليل قيل له: أوسط، يعني لو قدامك اثنين تقدر تقول: هذا الأوسط وإلا هذا .. ؟ نعم، زيد وعمرو أمامك فيقول لك واحد: أيهما زيد؟ تقول: الأوسط، تجي؟ ما تجي إلا لاهم ثلاثة، إذاً الليل مكون من نصفين فكيف يقال: نصف الليل الأوسط؟ نعم الثلث الأوسط في ثلث أوسط، لكن لوقوع هذا النصف في وسط الليل قيل: أوسط.(1/14)
وقت صلاة الفجر من طلوع الفجر الصادق الثاني إلى طلوع الشمس، وفي حديث عبد الله بن عمرو ذكر أوله وهو من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس، ما لم تطلع الشمس، وبهذا نكون أتينا على الأوقات كلها.
"ثم قال: ((بهذا أمرت)) ثم قال عمر بن عبد العزيز: "اعلم ما تحدث به يا عروة" يعني تثبت من كلامك "أو أن جبريل هو الذي أقام لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقت الصلاة؟! " نعم، إيش المانع؟ ينزل بالوحي، وهو مؤتمن على ما هو أهم من ذلك، فأم النبي -عليه الصلاة والسلام- في يومين، وبين له الأوقات بالفعل.
"قال عروة: كذلك كان بشير بن أبي مسعود الأنصاري -ابن الراوي- يحدث عن أبيه"، أسند، أسند الخبر إلى من قاله، من أسند فقد برئ من العهدة، والحديث مخرج في الصحيحين، أخرجه الإمام البخاري من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبي أحد الرواة عن مالك، عن مالك به، وخرجه مسلم من طريق قتيبة بن سعيد، وله رواية للموطأ، ومن طريق يحيى بن يحيى التميمي، وله رواية أيضاً عن مالك للموطأ.
سم.
قال عروة: "ولقد حدثتني عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر".
نعم كذا في البخاري أردف الحديث السابق بقوله: "قال عروة: ولقد حدثتني عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- .. " وتردد الكرماني الشارح كعادته في مثل هذا أنه هل هذا معلق تعليق من البخاري، أو من مقول ابن شهاب؟ هل هو من مقول ابن شهاب أو تعليق من البخاري؟ إيش الفرق بينهما؟ ما الفرق بينهما؟ يقول: إما مقول ابن شهاب أو تعليق من البخاري؟ الإمام البخاري كيف يصل إلى مقول ابن شهاب؟ معنى هذا أنه بالسند السابق؟ نعم؟ بالسند السابق، إذا كان من مقول ابن شهاب فهو بالإسناد السابق، وإذا كان معلقاً يعني هل عادة البخاري إذا أراد التعليق أن يثبت الواو أو يحذف الواو؟ نعم، العادة عادة عند البخاري منهج إذا جاء بالخبر أصل موصول ثم أردفه بمثل هذا: "قال عروة" هل يختلف هذا عما لو قال: "وقال عروة" حيث يريد التعليق نعم يأتي بالواو، وإذا حذف الواو فهو بالإسناد السابق.(1/15)
"قال عروة: "ولقد حدثتني عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر" قبل أن تظهر هذا الخبر أخرجه البخاري متصلاً عن إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت .. إلى آخره، وأخرجه أيضاً عن قتيبة قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة، وهو صحيح لا تردد في صحته.
وهذا يقول: هل ستنهون الموطأ في الوقت المعلن؟(1/16)
أما النهاية ليست غرض وليست مقصد، والمقصود الفائدة، وهذا الشرح الذي سمعتموه للحديث الأول على طريق التوسط في الشرح، ما هو بعلى طريق التطويل ولا الاختصار، نعم وهذا شرح متوسط وأعرف أن كثير من الإخوان ودهم أن نمشي يعني على أي حال كانت، هذا طلب في الدروس كلها ودهم أن الكتب تنتهي على أي وجه، لكن أنا أنظر إلى أن بعض الإخوان يحب مثل هذه التفصيلات وهذه الاستطرادات التي ينتفع بها -إن شاء الله- من ينتفع، أما إنهاؤه في الوقت المعلن هذا إحنا نقول: بداية، وهي أيضاً بداية قوية ومشجعة على النهاية -إن شاء الله تعالى-، ما يلزم أن ينتهي في الوقت المعلن والمحدد في أربعين درس، ما يمكن، يعني لو قسمنا .. ، هم يقولون: الأحاديث الموصولة المرفوعة ستمائة، والبلاغات والمقاطيع مثلها، وأقوال الإمام مالك ومن قبله من شيوخه مثلها، فهو يقرب من الألفين من الأخبار، فلو قسمنا الألفين على أربعين درس يعني بصير كل يوم خمسين خبر وهذا لا يمكن، وفي الأخبار ما يستوعب درس كامل على ما سيأتي، ومثلما سمعنا هذا على أنه ما هو بشرح ذا، شرح الحديث هذه الذي هو في مواقيت الصلاة ترى يحتاج إلى .. ، حديث الحديث الآتي هذا: ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس، وركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس)) أنا سمعت شخص شرحه بدقيقة، وفي الجامعة شرحته بخمس محاضرات، فالشروح تتفاوت، كل شيء له ضريبة، كل شيء له ضريبة، هناك فوائد لا بد من الوقوف معها وعندها، يحتاجها طالب العلم وإلا المسألة سهل، يعني تعليقات فؤاد عبد الباقي على الكتاب يعني لو الواحد يقتصر عليها ما كفاه شهر، وحينئذ الحضور ما يصير له قيمة، وإحنا نحرص أن يستفيد طالب العلم، وأقل الأحوال أن يعرف طريقة ومنهج؛ لأن كل شيخ من الشيوخ مدرسة يفاد من طريقته ومنهجه، تجلس عند فلان وعند فلان ثم تستقر أنت على ما تختاره لنفسك، والله المستعان، أما إنها الكتب هذا ما هو بمقصد ولا غاية، نعم هو مشجع، هو مشجع لكنه ليس بغاية، ينهى الكتاب على أي حال ما هو بصحيح، وأيضاً بعد الاستطرادات التي تمل السامع وتقل فائدتها ينبغي تخفيفها بقدر الإمكان وهذا ما يحصل -إن شاء الله تعالى-، ونسلك -إن شاء(1/17)
الله- مسلك وسط لعلنا نأخذ أكبر قدر ممكن، أما الطلبات كثيرة، بعضهم يقول: ننهي الكتاب، وبعضهم يقول: نختصر في الشرح، وبعضهم يقول: نستطرد ونستفيد، وبعضهم .. ، ولن يتفق الإخوان على شيء، جربناه في الدروس الأخرى، الدروس الثابتة تأتي الملاحظات كثيرة، ما من يوم إلا ويقول بعض الطلاب: إلى متى؟ وبعض الإخوان يقول: ميزة الدرس بها الاستطرادات، واللي .. ، الشروح موجودة مبذولة ولله الحمد، وأكثر الحاضرين فيما أعرف عنهم ليسو بحاجة إلى أن توضح لهم هذه الشروح واضحة، لكن هم يريدون شيء لا يوجد في الشروح، والله المستعان.(1/18)
نأتي إلى حديث عروة عن خالته عائشة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر، يعني تظهر تعلو، وتصير على ظهر الحجرة، كما في قوله -جل وعلا-: {فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ} [(97) سورة الكهف] يعني يعلو ويصعدوا فوقه، الحجرة: كل ما أحاط به حائط واحتجر فهو حجرة وحجيرة، حجرة عائشة -رضي الله عنها- أولاً: الجدار بقدر القامة والمساحة صغيرة، على عادتهم في التقلل من الدنيا، يعني من تأمل عيش النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف أنه في وادٍ ونحن في واد، إلى وقت قريب والناس لم تكن الدنيا عندهم مقصد ولا هدف، بل هي ممر، ومثل المسلم فيها كمثل قائل قال تحت ظل شجرة، ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) كان ابن عمر -رضي الله عنه- يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح"، ولا أضر على المسلم من طول الأمل والتسويف الذي يعوقه عن المبادرة والمسارعة والمسابقة لكن لو صار الإنسان كأنه غريب تقلل من الدنيا بقدر الإمكان، وشمر للآخرة، وسعى فيما يرضي الله -جل وعلا-، هذا واقعهم، هذا عيشهم، بالنسبة للمسكن كما سمعتم، السقف بقدر القامة، والعرض بقدر ما يمد الإنسان رجليه إذا نام، كان الناس .. ، كانت العوائل أدركناهم حتى في الرياض عائلة كبيرة تسكن في بيت مساحته ستين متر وما زالت هذه البيوت قائمة الآن، بسطت الدنيا فتوسع الناس وخرجوا إلى القصور وصاروا يعمرون أربعمائة متر، خمسمائة متر، ثم بعد ذلك زاد الشره والاستشراف للدنيا، كان صاحب الخمسمائة والستمائة يقول: هذا قبر، أنا أعرف أسرة تسكن في بيت واحد لما توفي والده خرجوا إلى ثلاثة وعشرين بيت، نعم ثلاثة وعشرين بيت، كانوا يسكنون في بيت واحد، لا شك أن أمور الدنيا نعمة، لكن إن استغلت فيما يرضي الله -جل وعلا- فهذا شكرها، وإلا جاء في الصحيح في بيان عيشه -عليه الصلاة والسلام- أنه يرى الهلال ثم الهلال ثم الهلال وما أوقد في بيوته -عليه الصلاة والسلام- نار، ولذا كان ابن عمر يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" فلسان حالنا ماذا يقول؟ نعم، إذا تغديت لا تنتظر العشاء، كل أكل شخص ما هو بمدرك(1/19)
عشاء، وإذا تعيشت لا تنتظر الفطور وهكذا، همنا في الأكل، والله المستعان.
إذا تصورنا بيت عائشة على ما ذكر فمقتضى كلامها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي العصر والشمس في حجرتها، أنها بقدر إذا قلنا: إن الجدار طول قامة، والمساحة قريبة منه، فإذا كانت في حجرتها في الأرض بمعنى أن ظل الشيء مثله، أو بعده قليلاً، أطول منه قليلاً، فكان يصلي على هذا الصلاة في أول وقتها، صلاة العصر.
"وعن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنه قال: "جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن وقت صلاة الصبح، قال: فسكت عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى إذا كان من الغد صلى الصبح حين طلع الفجر، ثم صلى الصبح من الغد بعد أن أسفر، ثم قال: ((أين السائل عن وقت الصلاة؟ )) قال: هاأنذا يا رسول الله، فقال: ((ما بين هذين وقت)) ".
الحديث يرويه الإمام مالك عن زيد بن أسلم، وهو ثقة عالم، عن عطاء بن يسار ثقة أيضاً إلا أنه لم يدرك النبي -عليه الصلاة والسلام- فالخبر مرسل.
"عن عطاء بن يسار قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن وقت صلاة الصبح" الخبر مرسل والمرسل يحتج به الإمام مالك -رحمه الله-، حجة عند الإمام مالك، وكذا أبو حنيفة، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
واحتج مالك كذا النعمانُ ... به وتابعوهما ودانوا
يحتجون بالمرسل، لكن الجمهور على رد المراسيل.
ورده جماهر النقادِ ... للجهل بالساقط في الإسنادِ
على كل حال الحديث مروي موصول عن أنس عند النسائي وغيره، بإسناد صحيح، بإسناد صحيح، فالخبر صحيح، والخبر إذا روي مرسلاً وروي موصولاً فيه ما يسمى بتعارض الوصل مع الإرسال، وهل يعل الموصول بالمرسل أو يعضد به؟ نعم، أو لا يحكم بحكم عام؟ بل منه ما يعل به ومنه ما يعضد به، نعم.(1/20)
"جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن وقت صلاة الصبح" يعني بداية ونهاية، قال: "فسكت عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني ما أخبره، ما أجابه بالقول -عليه الصلاة والسلام-، وإنما أجابه بالفعل، والفعل أبلغ، "فسكت عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا كان من الغد صلى الصبح حين طلع الفجر"، يعني في أول وقتها "ثم صلى الصبح من الغد بعد أن أسفر، ثم قال: ((أين السائل عن وقت الصلاة؟ )) قال: هاأنذا يا رسول الله، قال: ((ما بين هذين وقت)) " الحديث يدل على أن أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر، والمراد به الفجر الثاني، الصادق، المنتشر في الأفق إلى الإسفار، هذا ما يدل عليه الحديث، وحديث عبد الله بن عمرو ما لم تطلع الشمس يدل على أنه يستمر إلى أن تطلع الشمس، نعم هذا المذكور في الحديث وهو وقت الاختيار، أما وقت الاضطرار إلى طلوع الشمس، وإن كان الوقت المفضل عند الحنفية هو الإسفار، والجمهور وقتها المفضل التغليس على ما سيأتي.
في الحديث الآتي -إن شاء الله تعالى-: ((من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) دليل على أن وقت صلاة الصبح يستمر إلى أن تطلع الشمس، وأن صلاة من أدرك ركعة واحدة وأضاف إليها أخرى ولو بعد طلوع الشمس تكون في وقتها وأداءً، وإن كان هذا وقت وقت اضطرار، لكنه وقتها، نعم لا ينبغي للمسلم أن يتعمد أن يؤخر الصلاة إلى هذا الحد بحيث لا يدرك منها إلا جزء عليه أن يقتدي به -عليه الصلاة والسلام-، يصلي الصبح بغلس على ما سيأتي.
فالوقت المذكور في الحديث من طلوع الصبح إلى الإسفار هذا وقت الاختيار، والاستمرار إلى طلوع الشمس هذا وقت الاضطرار، وكله وقت، وما فعل بين طلوع الصبح إلى طلوع الشمس كله أداء، نعم نعود إلى شرح الأحاديث أحاديث الكتاب.
سم.
"قال الإمام يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس".(1/21)
يقول الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: "عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصلي الصبح فينصرف النساء -ممن حضر الصلاة- متلفعات" كذا في الطبعة الموجودة، كذا عندك؟
طالب: إي نعم.
بالعين؟
طالب: نعم.
رواية يحيى كما في الاستذكار لابن عبد البر: "متلففات" بفائين، وإحنا نعتمد على رواية يحيى، فالرواية: "متلففات"، ورواية غير يحيى: "متلفعات" بالعين، والمعنى واحد، لكن العبرة بما في الرواية الموافقة للمشروح؛ لأن أهل العلم يؤكدون على اعتماد رواية يعتمدها الإنسان لنفسه ويرجع إلى ما عداها، ما يترجح له من الروايات يعتمد عليه، ويرجع إلى ما عدا هذه الراوية من الروايات الأخرى ليأخذ ما فيها من زيادات، إيش معنى الروايات؟ روايات الكتب، مثلما أشرنا أن الموطأ له روايات، منها: رواية يحيى التي بأيدينا، ولفظها: "متلففات"، الروايات الأخرى: "متلفعات" والمعنى واحد، التلفع والتلفف بمعنى واحد.
طالب: أحسن الله إليك: من وين جاء الإشكال؟
نعم؟
طالب: من وين جاء الإشكال على صاحب النسخة مع أنه اعتمد على مخطوطات؟
الصورة واحدة، الصورة قريبة، الصورة مع بعد العهد واحدة، خل الأمر يسير؛ لأن عندهم النقط ما يعتنون به، العناية بالنقط متأخر.(1/22)
المروط: جمع مرط، أكسية من صوف أو من خز، معروفة عندهم، والمراد يتلففن بذلك، بهذه المروط، بهذه الأكسية، وهي قريبة مما يستعمل في العصور المتأخرة من العباءات التي تحيط بالبدن كله، المراد بالعباءة التي تغطي البدن كله، هذا هو المطلوب، وهناك: يتلففن ويتلفعن بمروطهن، يعني من تمام الاحتجاب، ولا أعني بالعباءات هذه العباءة التي يلبسها بعض النساء مما عدمها خير من وجودها مما يثير الفتنة، هذه خطوة من خطوات الشيطان التي يتبعها بعض الناس إما لتساهل ورقة في الدين، أو لكونه مغلوباً على أمره من قبل النساء، أو من باب التقليد، لكن قد يوجد من يقصر مثل هذا الفعل ومن هذا الأمر ممن وظيفته سلخ الناس من أديانهم، وما يحمي هذه الأديان، فهذه العباءات التي يلبسها بعض النساء الرقيقة التي تبين وتوضح ما تحتها من الثياب، وحجم البدن أيضاً بما تشتمل عليه من أحزمة، وما أشبه ذلك، ليأتي من يأتي من المنافقين –وهذه وظيفتهم- من يقول: لا داعي لهذه العباءة هذه لا فرق بينها وبين الثوب، وهذه خطوة أيضاً من خطوات الشيطان.(1/23)
وإذا تأملنا ما جاء في آخر سورة الأحزاب أدركنا يقيناً أن المنافقين هذا عملهم، من عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى قيام الساعة، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} [(59 - 60) سورة الأحزاب] التعقيب له فائدة، ما جاءت الثانية عبث، هذه وظيفته وهذا عمله كما هو عمل سلفهم في المعصية الأولى، إبليس، هاه؟ ماذا قال بالنسبة {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا} [(20) سورة الأعراف] وهؤلاء المنافقون يتبعون خطوات الشيطان، وبعض المغفلين من المسلمين، بل بعض من تظهر عليه آثار الخير والصلاح ينساق وراء هذه الأمور من حيث لا يشعر، ونساء الصحابة ما يعرفن،. . . . . . . . . هن متلفعات متلففات بالمروط، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي بغلس، فلا يعرفن من الغلس، والغلس والدلس: هو اختلاط النور بالظلام بحيث لا يتميز المرئي، بحيث لا يتميز المرئي يعني بالنسبة لصلاة الصبح يبادر بها -عليه الصلاة والسلام- فيصليها بغلس، هذا ديدنه -عليه الصلاة والسلام-، وجاء الأمر بالإسفار، والحديث قابل للتحسين: ((أسفروا بالصبح تؤجروا)) أو ((فإنه أعظم لأجوركم)) والمراد بالإسفار هنا وإن تمسك به الحنفية في تأخير صلاة الصبح إلا أن المراد به التأكد من طلوع الفجر عند الأكثر، المراد بالإسفار هنا التأكد من طلوع الصبح لئلا يفهم أنهم يصلون بغلس فيبادر ويبالغ في المبادرة حتى يصلي الصلاة قبل وقتها، والكلام حول صلاة الصبح وحول ما في التقويم من مطابقة للواقع وعدم المطابقة سمعتموه كثيراً، وبعضهم يذكر أنه رقب طلوع الصبح وجده .. ، وجد التقويم يتقدم عليه بمدد متفاوتة حسب تفاوت فصول السنة، وأكثر ما قيل: ثلث ساعة، ربع ساعة، عشر دقائق إلى أن يقرب من الموافقة.(1/24)
المقصود أن هذا كلام دار من سنين، والشيخ ابن باز -رحمه الله- كلف لجنة ورقبت الأمر، وكتب في الصحف أن التقويم مطابق، ومازال التشكيك موجود، مازال التشكيك موجود حتى من طلبة العلم من يرى أنه متقدم حتى الآن، بعد اللجنة التي كونها الشيخ، ورقبت فعلى هذا لو أخرت الإقامة لصلاة الصبح عن التقويم نصف ساعة أحوط، أحوط، كان الوزارة معممة أظن خمسة وعشرين دقيقة نعم، يعني لو كمل النصف أحوط، وعلى كل حال الأمر منوط بجهة، يعني تبرأ الذمة -ولله الحمد- بتقليدها من أهل العلم الكبار، والأمر معروض بين يديهم، ولو كان فيه ما فيه ما عرضوا عبادات الناس للخطر، نسأل الله -جل وعلا- أن يدلهم على الصواب، وأن يوفقهم للعمل به والأمر بين أيدهم، والله المستعان، نعم.
شرح حديث: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر))
أحسن الله إليك:
"عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد وعن الأعرج كلهم يحدثونه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)).
يقول الإمام مالك -رحمه الله- يروي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، ويروي أيضاً عن بسر بن سعيد وعن الأعرج، الثلاثة كلهم يحدثونه عن أبي هريرة، والإمام البخاري يروي الخبر من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن هؤلاء الثلاثة، عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد وعن الأعرج، كلهم عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)).(1/25)
((أدرك)) يعني تمكن من فعل هذه الركعة قبل طلوع الشمس، وأضاف إليها أخرى بعد طلوع الشمس أدرك صلاة الصبح في وقتها، وهل تكون كلها أداء أو يكون ما في الوقت أداء وما بعد الوقت قضاء؟ قولان لأهل العلم، والمرجح أنها أداء، مادام أدرك جزءاً منها في الوقت فهي أداء، ومثلها العصر إذا أدرك ركعة قبل غروب الشمس وأضاف إليها ثلاث ركعات بعد الغروب، يكون مدركاً للعصر، وهذا ما يدل عليه الحديث، وهذا من فضل الله -جل وعلا-، وسعة فضله ورحمته، وإلا القياس أن يكون ما أدركه في الوقت أداء وما أدركه بعد الوقت قضاء، والحديث يدل على أن من أدرك أقل من ركعة .. ، أدرك أقل من ركعة كبر للإحرام وقرأ الفاتحة ثم طلعت الشمس أو قرأ الفاتحة وما بعدها، والمراد بالركعة هنا الكاملة بقيامها وركوعها وسجدتيها، فإذا أدرك الركعة كاملة أدرك الوقت، وبهذا قال جمع من أهل العلم، وهو ما يدل عليه الحديث، جاء في الصحيح: ((من أدرك سجدة)) ((من أدرك سجدة)) بدل ركعة، وبهذا يستدل من يقول: إنه يدرك الوقت بإدراك أي جزء من الصلاة، وهذا نسبه النووي للجمهور، يعني لو كبر قبل طلوع الشمس ثم طلعت الشمس يكون مدرك، ومثله -هذا بالنسبة للصبح- ومثله بالنسبة لصلاة العصر، والحديث الذي معنا نص في الركعة، وبعد الحديث الذي ذكرناه في الصحيح: ((من أدرك سجدة)) جاء بعده عن الراوي: "والسجدة إنما هي الركعة" ومعلوم أن السجدة تطلق ويراد بها الركعة، والسجود يطلق على الركوع، {ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا} [(154) سورة النساء] يعني هل يتصور أن يدخلونه سجد وإلا ركوع؟ والعكس تطلق الركعة ويراد بها السجدة {وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [سورة ص: 24] يعني ساجد، والحديث صريح في الدلالة على أنه لا يدرك الوقت إلا إذا أدرك ركعة كاملة، وإن نسب النووي للجمهور أنه يدرك الوقت بإدراك أي جزء من الصلاة، فإذا صلى ركعة قبل أن تطلع الشمس ثم أضاف إليها الأخرى ولو بعد طلوع الشمس يكون مدركاً للوقت، وعرفنا أن مثل هذا العمل لا ينبغي للمسلم اعتماده، أن يعتمد مثل هذا ويؤخر الصلاة حتى لا يبقى من وقتها إلا دقيقة أو دقيقتين ثم بعد ذلك يصلي، لا، إنما يصلي الصلاة لوقتها، مقتدياً بالنبي -عليه(1/26)
الصلاة والسلام-، حيث ينادى بها مع جماعة المسلمين هذا الأصل، لكن من غلبته عيناه أو انشغل بأمر لا يستطيع تركه، وفي تركه حرج ومشقة، مثل هذا الأمر فيه سعة ولله الحمد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- نام عن صلاة الصبح ولم يوقظه إلا حر الشمس، وهذا أيضاً من رحمة الله -جل وعلا- بعباده، وإلا لو تصورنا مثلاً أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما حصل له هذا الموقف، ما فاتته صلاة قط، كيف يهنأ للمسلم عيش وهو يفوته ما يفوته في كل يوم أو في كل أسبوع أو في كل شهر؟ والناس يتفاوتون في حرصهم على الخير، لكن من رحمة الله -جل وعلا- بعباده أن نام النبي -عليه الصلاة والسلام- عن هذه الصلاة، فنومه -عليه الصلاة والسلام- فيه تسلية لمن يحصل له مثل هذا، وإلا كثير من الناس ما يحتمل مثل هذا الحدث، لحرصهم على الخير، ولذا لا ينبغي للمسلم أن يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها، ويجعل صلاته على خطر، ولو أدرك الوقت بإدراك ركعة، لا يعرض صلاته للخطر، لكن لو حصل له ما يمنعه مما لا يستطيع دفعه فالدين فيه فسحة ولله الحمد، والأصل أن الصلاة تصلى في أول وقتها إلا ما استثني من صلاة الظهر في حال الحر الشديد، وصلاة العشاء الأفضل تأخيرها ما لم يشق على المأمومين وهكذا.
الإدراك: عندنا إدراك وقت كما هنا، وإدراك ركعة، يدرك الوقت بإدراك ركعة على الخلاف الذي ذكرناه، وتدرك الركعة بإدراك الركوع خلافاً لمن لا يسقط الفاتحة عن المسبوق قول أبي هريرة وقال به بعض العلماء، لكن عامة أهل العلم على أن الركعة تدرك بالركوع، والمسبوق تسقط عنه الفاتحة، إدراك تكبيرة الإحرام وإدراك الجماعة، عندنا الإدراكات: إدراك الوقت كما هنا، إدراك الركعة بإدراك الركوع، إدراك تكبيرة الإحرام بأي شيء؟ نعم؟ قبل إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، قبل أن يشرع بالركن الذي يليها وهو القراءة، ومنهم من يقول: تفوت التكبيرة بفوات الركن الثاني وهو الفاتحة، ولذا جاء عن بلال أنه يقول: "لا تسبقوني بآمين"، المقصود أن .. ، لعل الإنسان أن يحرص أن يكبر قبل أن يشرع الإمام في القراءة ليدرك تكبيرة الإحرام.(1/27)
إدراك الجماعة: إدراك الجماعة منهم من يقول: يدركها إذا أدرك أي جزء من الصلاة، وهذا قول الأكثر، ولذا عند الفقهاء من كبر قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس، وجمع من أهل التحقيق يرون أنه لا يدرك الجماعة إلا إذا أدرك ركعة؛ لأن ما دون الركعة لا يسمى صلاة، وهذا يأتي -إن شاء الله تعالى-، لكن استطراد بمناسبة الإدراك، نعم.(1/28)
هنا ملاحظة: مذهب الحنفية له ارتباط في هذا الحديث، عند الحنفية أنه إذا كبر لصلاة الصبح ثم طلعت عليه الشمس ما الحكم عندهم؟ ها؟ تبطل الصلاة عندهم، إذا طلعت عليه الشمس تبطل صلاته، بينما الشق الثاني من الحديث لو كبر قبل غروب الشمس ثم غربت عليه الشمس ما تبطل صلاته، ما الفرق بين المسألتين؟ نعم هو في صلاة الصبح دخل وقت النهي، وفي صلاة العصر خرج وقت النهي والفرق ظاهر، ولذا لا يصححون حتى الفريضة عندهم في وقت النهي اللي هو المضيق، ويستدلون بكونه -عليه الصلاة والسلام- لما انتبه وقد طلعت عليه الشمس أخر الصلاة حتى انتقل إلى مكان آخر، هم يقولون: لكي يخرج وقت النهي وترتفع الشمس، لكن إذا عرفنا أنه لم يوقظه -عليه الصلاة والسلام- إلا حر الشمس يكون حينئذ وقت النهي قد خرج بلا شك، وقت النهي قد خرج، وكونه -عليه الصلاة والسلام- انتقل لأن قضاء الفوائت يجب فوراً، كونه انتقل من المكان إلى مكان آخر بينت العلة في النص "لأنه مكان حضر فيه الشيطان" وعلى هذا من فاتته الصلاة في مكان نام عن صلاة هل ينتقل إلى غيره لأنه مكان حضر فيه الشيطان؟ هل يشرع له أن ينتقل أو نقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف أنه حضر الشيطان؟ نعم، أنت افترض أن شخص ما عنده إلا غرفة واحدة وين ينتقل؟ يصلي في الشارع وإلا وين يروح؟ نعم، وإذا تصورنا أن مع الأسف الشديد بيوت كثير من المسلمين لا تفارقها الشياطين، وين بيصلي هذا؟ البيت الذي فيه كلب أو صورة هذا لا تدخله الملائكة، وإذا كان المكان يخلو من الملائكة من يخلفه، البيت الذي تستعمل فيه المنكرات من معازف ومزامير ورقية الشيطان، يعني المسألة تحتاج إلى إعادة نظر، كثير من المسلمين تساهل، تسامح إلى حد غير مرضي، ولا تجد فرق في حياته بينه وبين غيره، مع الأسف أنه يوجد بين .. ، عند بعض طلاب العلم مثل هذه الأشياء، توسعوا توسعاً غير مرضي، وعللوا لأنفسهم، واسترسلوا في استعمال المباحات حتى وقعوا في الشبهات ثم المحرمات، والله المستعان، فعلينا أن نحرص الحرص الشديد أن نطهر بيوتنا من هذه الآلات الجالبة للشياطين، الطاردة للملائكة، والله المستعان، نعم.(1/29)
شرح حديث: عن مالك عن نافع مولى عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله: "إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ثم كتب أن صلوا الظهر إذا كان الفيء ذراعاً إلى أن يكون ظل أحدكم مثله، والعصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة قبل غروب الشمس، والمغرب إذا غربت الشمس، والعشاء إذا غاب الشفق إلى ثلث الليل، فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه، والصبح والنجوم بادية مشتبكة".
أحسن الله إليك:
"عن مالك عن نافع مولى عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله: "إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ثم كتب أن صلوا الظهر إذا كان الفيء ذراعاً إلى أن يكون ظل أحدكم مثله، والعصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة قبل غروب الشمس، والمغرب إذا غربت الشمس، والعشاء إذا غاب الشفق إلى ثلث الليل، فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه، والصبح والنجوم بادية مشتبكة".(1/30)
يقول -رحمه الله تعالى-: "عن مالك عن نافع مولى ابن عمر أن عمر بن الخطاب -الخليفة الراشد- كتب إلى عماله: "إن أهم أمركم عندي الصلاة" وهي كذلك في الشرع؛ لأنه يخاطب من يقول: لا إله إلا الله، فأهم الأركان بعد لا إله إلا الله، بعد الشهادتين الصلاة، الركن الثاني، "إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها"، حفظها وأتقنها، وجاء بها على مراد الله -عز وجل- على ما بينه رسوله -عليه الصلاة والسلام- حافظ عليها، سارع إلى فعلها في وقتها، "حفظ دينه"، وجاء في الحديث أن المقياس الصلاة في الحساب، فإذا قبلت صلاته قبل سائر عمله، وإذا ردت رد سائر عمله، "فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة"، نعم الصلاة ركن الإسلام الأعظم بعد الشهادتين، فالشيء الذي يفقد آخره نعم يفقد كله، إذا شربت آخر دفعة في الإناء، يكون فيه شيء؟ ما يكون فيه شيء، ويوجد في بيوت المسلمين من يضيع الصلاة عن وقتها، ويجمع الصلوات من غير عذر، بل وجد من لا يصلي بالكلية، مع الأسف الشديد، ومعروف حكم تارك الصلاة، القول المفتى به والذي تدل عليه النصوص أنه يكفر، بعض علماء المغرب في القرن السابع يقرر أن الخلاف في حكم تارك الصلاة كلام نظري، كلام نظري يمرن عليه الطلاب، ما هو بكلام عملي، يتصور أن يقع، لا، يعني كما تقرءون في كتب الفرائض: توفي شخص عن مائة جدة كلام نظري ما يمكن يقع، لكن يمرن عليه الطلاب فقط، يعني لا يتصور أن مسلم يترك الصلاة، يقول: نعم، إن وجد في عند شرار الناس في آخر الزمان بعد الدجال وبعد .. ، يمكن، أما في وقت استقامة الحال في ظل دولة مسلمة تأطر الناس على الحق ما يتصور هذا، والله المستعان. "ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ثم كتب أن صلوا الظهر" يبين -رضي الله عنه وأرضاه- المواقيت "صلوا الظهر إذا كان الفيء ذراعاً" يعني بعد الزوال، وبعد فيء الزوال إلى أن يكون ظل أحدكم مثله، بين وقت الظهر بداية ونهاية، "والعصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية"، يعني قبل أن تصفر الشمس "قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة قبل غروب الشمس" الفرسخ كم كيلو؟ خمسة؟ كم كيلو؟
طالب:. . . . . . . . .(1/31)
أو خمسة؟ ها؟ قريب من الخمسة، خمسة كيلو، "قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة" يعني كم كيلو فرسخين أو ثلاثة؟ خمسة عشر كيلو، خمسة عشر كيلو تمشي على الأقدام بكم؟ الكيلو في المشي المتوسط عشر دقائق، لكن الراكب يقطعها بمدة أقل، المقصود أنا إذا نظرنا إلى هذه المسافة إلى غروب الشمس عرفنا أن الصلاة تصلى والشمس بيضاء نقية، لم تصفر في أول وقت، "والمغرب" يعني: وصلوا المغرب إذا غربت الشمس، لا بد من تحقق الغروب، "والعشاء إذا غاب الشفق إلى ثلث الليل" كما صلى جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الثاني إلى ثلث الليل، ويبقى أن الوقت يمتد إلى نصفه على ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو، وفيما قررناه سابقاً، "فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه" ثلاثاً، إيش معنى من نام؟ نام متى؟ نعم، نام عن صلاة العشاء، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يكره النوم قبلها، كما أنه -عليه الصلاة والسلام- يكره الحديث بعدها، "من نام" يعني قبل صلاة العشاء يدعو عليه ألا ينام، أن يصاب بالأرق، "فمن نام فلا نامت عينه" أو يبتلى بأمر يشغله عن النوم في بدنه أو ماله أو ولده، يدعى عليه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يكره النوم قبلها.
"والصبح –يعني: وصلوا الصبح- والنجوم بادية مشتبكة" يعني في الظلام، قبل الإسفار الذي تختفي بسببه النجوم، ومفاده أن تصلى الصبح في أول وقتها على ما تقدم من فعله -عليه الصلاة والسلام-، نعم.
شرح حديث: "عن مالك عن عمه أبي سهيل عن أبيه أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى: "أن صل الظهر إذا زاغت الشمس، والعصر والشمس بيضاء نقية، قبل أن يدخلها صفرة، والمغرب إذا غربت الشمس، وأخر العشاء ما لم تنم، وصل الصبح والنجوم بادية مشتبكة، واقرأ فيها بسورتين طويلتين من المفصل".
أحسن الله إليك:
"عن مالك عن عمه أبي سهيل عن أبيه أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى: "أن صل الظهر إذا زاغت الشمس، والعصر والشمس بيضاء نقية، قبل أن يدخلها صفرة، والمغرب إذا غربت الشمس، وأخر العشاء ما لم تنم، وصل الصبح والنجوم بادية مشتبكة، واقرأ فيها بسورتين طويلتين من المفصل".(1/32)
يقول: "وعن مالك عن عمه أبي سهيل" عن عمه أبي سهيل بن مالك اسمه نافع، نعم، "عن أبيه" مالك بن أبي عامر "أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري: أن صلِ الظهر إذا زاغت الشمس" يعني إذا مالت إلى جهة المغرب، "والعصر والشمس بيضاء نقية"، يعني في أول وقتيهما "قبل أن يدخلها صفرة" على ما تقدم، "وصلِ والمغرب إذا غربت الشمس" إذا تأكدت من سقوط الشمس ومغيبها صلِ المغرب ولا تؤخرها عن ذلك لأن تعجيلها أفضل، "وأما العشاء فأخرها ما لم تنم" يعني لا تعرض صلاتك للخطر، من السنة في صلاة العشاء أن تؤخر، ((إنه لوقتها)) يعني ثلث الليل ((لولا أن أشق عليكم)) لكن إذا وجدت المشقة فيبادر بها؛ لئلا يشق على الناس، لكن لو اجتمع مجموعة واتفقوا على أن يخروا صلاة العشاء إلى ثلث الليل أفضل بلا شك، أما إذا وجد من يشق عليه التأخير فصلاتها في أول الوقت أفضل، ولذا قال: "وأخر العشاء ما لم تنم" لأنه إذا غالبه النوم شق عليه التأخير، كما أنه لو ارتبط بجماعة واضطرهم إلى التأخير شق عليهم، الأفضل فعل الأرفق بالمأمومين.
"وصل الصبح والنجوم بادية مشتبكة" يعني قبل الإسفار الذي يذهب بسببه .. ، تذهب بسببه النجوم، "واقرأ فيها –يعني في صلاة الصبح- بسورتين طويلتين من المفصل" من المفصل: والمفصل من ق إلى آخر القرآن، ومنهم من يقول: من الحجرات إلى آخر القرآن، لكن التحزيب المعروف عن الصحابة يدل على أنه المفصل من ق؛ لأنهم يجعلون القرآن سبعة أحزاب، ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاثة عشرة، ثم المفصل، ثلاث سور، التي هي إيش؟ البقرة وآل عمران والنساء، ثم خمس: المائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة، ثم سبع: يونس وهود ويوسف والرعد، إبراهيم، الحجر، النحل، ثم تسع: من الإسراء إلى يس، من الإسراء إلى إيش؟ إلى قبل، نعم إلى الشعراء، ثم إحدى عشرة: من الشعراء إلى يس، ثم ثلاثة عشرة من يس إلى الحجرات، ثم المفصل من ق، دل على أن المفصل يبدأ من ق إلى آخر القرآن، ويقرأ في صلاة الصبح من طواله، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(1/33)
إيه هذا هو، هذا هو، فمن طوال المفصل هذه السنة في صلاة الصبح، وجاء في وصفها أنها تطول فيها القراءة، ففي حديث عائشة: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في الحضر، وزيد في الحضر، إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة" تطول فيها القراءة، وحفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- تطويل صلاة الصبح، وتطويل صلاة الظهر بما لا يشق على المأمومين، بما لا يشق على المأمومين، فإذا شق عليهم كره التطويل ((أفتانٌ يا معاذ؟ )) وأهل العلم يقررون شيء مطرد في صلاة الصبح تطول القراءة من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره، وما عدا ذلك من أوساطه، لكن هذا أغلبي وليس بكلي بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قرأ في المغرب بالطور، وقرأ فيها الأعراف، لكن الغالب أن هذه صفة صلاة المغرب القصر، وصفة صلاة الصبح الطول، قرأ في صلاة الصبح الزلزلة، فدل على أن التطويل والتقصير أغلبي لا كلي، نعم.
شرح حديث: "عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري: "أن صلِ العصر والشمس بيضاء نقية قدر ما يسير الراكب ثلاثة فراسخ، وأن صلِ العشاء ما بينك وبين ثلث الليل، فإن أخرت فإلى شطر الليل، ولا تكن من الغافلين".
أحسن الله إليك:
"عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري: "أن صلِ العصر والشمس بيضاء نقية قدر ما يسير الراكب ثلاثة فراسخ، وأن صلِ العشاء ما بينك وبين ثلث الليل، فإن أخرت فإلى شطر الليل، ولا تكن من الغافلين".
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى" عاملة على إيش؟ أبو موسى؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .(1/34)
نعم عامله على الكوفة "أن صلِ العصر والشمس بيضاء نقية –كما تقدم- قدر ما يسير الراكب ثلاثة فراسخ" خمسة عشر كيلو قبل غروب الشمس، "وأن صلِ العشاء ما بينك وبين ثلث الليل"، يعني من بين مغيب الشفق إلى ثلث الليل، والأصل التأخير، إلا إذا اعترى هذا الأصل ما يعارضه من مشقة، ولذلك قال في الرواية السابقة: "ما لم تنم" "فإن أخرت فإلى شطر الليل" فدل على أن وقت صلاة العشاء ينتهي بمنتصف الليل، "فإن أخرت فإلى شطر الليل" يشهد له حديث عبد الله بن عمرو الذي ذكرناه آنفاً، "ولا تكن من الغافلين" يعني إن أخرتها عن هذه الأوقات فأنت من الغافلين، والغفلة والسهو بمعنى واحد، فالذي يؤخر الصلاة عن وقتها ساهٍ عنها، {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} [(1) سورة الماعون] نعم، {فَذَلِكَ الَّذِي} [(2) سورة الماعون] نعم، {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [(4 - 5) سورة الماعون] {الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} هم الغافلون، الذين يؤخرون الصلوات عن أوقاتها، هؤلاء لهم ويل، كلمة عذاب، نسأل الله العافية، أو وادٍ في جهنم، الأمر ليس بالسهل، ليس بالهين، بعض الناس ديدنه تأخير صلاة الصبح إلى أن يخرج للدوام، الدوام يبدأ سبع يركب الساعة ست ونصف ويأتي بركعتين ويخرج للدوام، هذا جمع من أهل العلم يقولون: لا يصلي، خلاص إذا تعمد تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها لا يصلي، وابن حزم كما ذكرنا آنفاً نقل الإجماع على أنه لا يصلي، وإن كان عدا الإجماع نقل عن الطرف الأخر أنه يلزمه القضاء، وعليه الإثم الشديد، ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، نسأل الله العافية، نعم.
شرح حديث: "عن مالك عن يزيد بن زياد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سأل أبا هريرة عن وقت الصلاة فقال أبو هريرة: "أنا أخبرك صلِ الظهر إذا كان ظلك مثلك، والعصر إذا كان ظلك مثليك، والمغرب إذا غربت الشمس، والعشاء ما بينك وبين ثلث الليل، وصلِ الصبح بغبش، يعني الغلس".
أحسن الله إليك:(1/35)
"عن مالك عن يزيد بن زياد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سأل أبا هريرة عن وقت الصلاة فقال أبو هريرة: "أنا أخبرك صلِ الظهر إذا كان ظلك مثلك، والعصر إذا كان ظلك مثليك، والمغرب إذا غربت الشمس، والعشاء ما بينك وبين ثلث الليل، وصلِ الصبح بغبش، يعني الغلس".(1/36)
يقول: "وحدثني عن مالك عن يزيد بن زياد" أو ابن أبي زياد؟ غير يزيد بن أبي زياد، "عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سأل" عبد الله بن رافع مولى أم سلمة "سأل أبا هريرة عن وقت الصلاة فقال أبو هريرة: أنا أخبرك صلِ الظهر إذا كان ظلك مثلك، والعصر إذا كان ظلك مثليك، والمغرب إذا غربت الشمس" صلِ الظهر إذا كان ظلك مثلك، كلام صحيح؟ مقبول؟ أو مراده إلى أن يصير؟ يعني لا تؤخرها عن هذا؟ يعني كأنه يفترض أن الرجل يريد أن يؤخر الصلاة، يعني لا تؤخرها عن هذا الحد، فهذه نهاية وقت صلاة الظهر، لا أنه يأمره ابتداءً أن يصلي أو يؤخر الصلاة إلى هذا الحد، كأنه عرف من حاله أنه لا يتمكن من الصلاة في أول وقتها، فيقول: أقل الأحوال أن تصلي إذا صار ظلك مثلك، وهو نهاية وقت صلاة الظهر وإلا في حال السعة ووقت الاختيار لا، لا يرقب الإنسان آخر الوقت، بل عليه أن يبادر، أو يكون الوقت والظرف الذي يعيشه وقت السؤال وقت حر شديد، وحينئذ يأمره بأن يصلي صلاة الظهر في آخر وقتها، للأمر بالإبراد، "والعصر" يعني وصلِ العصر "إذا كان ظلك مثليك" مثليك، وعرفنا أن الحنفية يقولون: يبدأ وقت صلاة العصر إذا صار ظل الشيء مثليه، والجمهور على أنه يبدأ إذا صار ظل الشيء مثله، وعلى كل حال إذا كان ظله مثليه يكون انتصف الوقت، وهو في الوقت ولم تصفر الشمس بعد، "والمغرب" يعني: وصل المغرب "إذا غربت الشمس، والعشاء ما بينك وبين ثلث الليل" وهذا كله تقدم، في موطأ محمد زيادة في هذا الخبر: "فإن نمت إلى نصف الليل فلا نامت عينك" "وصلِ الصبح بغبش، يعني الغلس"، كما هو في رواية محمد، يقول: "وصلِ الصبح بغلس" وهنا: "بغبش" والغبش: هو الغلس كما جاء تفسيره في الخبر، يعني الغلس، وإن قال الخطابي: "الغبش قبل الغبس وبعده الغلس" غلس وغبش وغبس، مرتبة، الغبش قبل الغبس، والغبس قبل الغلس، وهي متقاربة، كلها في أول وقت صلاة الصبح، نعم، والجمهور على تقويته. . . . . . . . .
شرح حديث: "عن مالك عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال: "كنا نصلي العصر ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر".(1/37)
أحسن الله إليك:
"عن مالك عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال: "كنا نصلي العصر ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر".
قوله: "لا يتابع على حديثه ما دام الجمهور على توثيقه" يحتمل أنه على حديث معين، على حديث معين، خالف فيه غيره من الثقات فلا يتابع عليه، وهنا يقول أيضاً: "وحدثني عن مالك عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال: "كنا نصلي العصر ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر"، "كنا نصلي" وهذا من باب قول الصحابي: كنا نفعل، كنا نفعل، فإن أضافه إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا إشكال في كونه مرفوع، لكن إن لم يضفه كما هنا "كنا نصلي"؟ فالخلاف بين أهل العلم في كونه مرفوع أو موقوف معروف، لكن ظاهر من قوله أو من السياق أنه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، "كنا نصلي العصر ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر" كانت منازلهم خارج المدينة، وهم يؤخرون الصلاة عن أول وقتها ولا يخرجونها عن الوقت المختار، يعني إلى منتصف الوقت، فهذا يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يبادر بصلاة العصر، فيخرج الخارج إلى مسافة ميلين من المدينة إلى منازل بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون، وهم يصلون في الوقت، فدل على أن السنة المبادرة بصلاة العصر، وعدم تأخيرها، والحديث مخرج في البخاري من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن إسحاق عن أنس، ففيه دليل على مشروعية المبادرة بصلاة العصر، نعم.
شرح حديث: "عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أنه قال: "كنا نصلي العصر ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة".
أحسن الله إليك:
"عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أنه قال: "كنا نصلي العصر ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة".(1/38)
وهذا مثله يقول: "كنا نصلي العصر ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة"، ما زالت بيضاء مرتفعة لم تصفر، بعد هذه المسافة من مسجده -عليه الصلاة والسلام- إلى قباء على ثلاثة أميال، من بعيد ولا يتصور أنهم على هذه الوسائل التي تقطع المسافات بالسرعة، لا، يعني إما على الأقدام أو على الدواب، وكلها بطيئة السير، ثلاثة الأميال تحتاج إلى ثلاث كيلو تبي نصف، ثلاثة كيلو تبي نصف، إيه، تبي ساعة، إيه ساعة إلا عشر، ساعة إلا .. ، قريب من الساعة، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
على إيش؟ الكيلو كم تقطعه أنت؟ الكيلو عشر دقائق صح، هذا متوسط، وهذه ثلاثة أميال، إيه في عشرة، إيه ساعة إلا ربع، ساعة إلى عشر، نعم، الحديث مخرج في البخاري من طريق عبد الله بن يوسف التنيسي، وله رواية عن مالك، عن مالك عن ابن شهاب به، نعم.
شرح حديث: "عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد أنه قال: "ما أدركت الناس إلا وهم يصلون الظهر بعشي".
أحسن الله إليك:
"عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد أنه قال: "ما أدركت الناس إلا وهم يصلون الظهر بعشي".
عن مالك، يقول: حدثني "عن مالك عن ربيعة -الرأي- بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد" أحد الفقهاء السبعة:
فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد أبو بكر سليمان خارجة
فالقاسم أحد الفقهاء السبعة أنه قال: "ما أدركت الناس -يعني من التابعين، هو من التابعين- قال: "ما أدركت الناس –يعني الصحابة وكبار التابعين، وهم خيار الأمة- إلا وهم يصلون الظهر بعشي" بعشي: يعني بعد تمكن الوقت، والعشي يبدأ من الزوال إلى الغروب، فمراده أنهم لا يصلون حتى يتأكدون من دخول الوقت، وقد يفهم منه أنهم يؤخرون الظهر حتى يتمكن العشي من الدخول، وكأنه يلمح بذلك إلى الإبراد في الصلاة في وقت الحر، نعم.
يقول: نحن الآن عندنا في المدينة مطر والمسجد أمام بيتي مباشرة، والناس في المسجد يجمعون بالصلاة فهل يجوز لي أن أجمع معهم؟ مع أن المسجد قريب جداً؟
نعم يجوز أن تجمع؛ لأن الرخصة إذا نزلت أو أتيحت عمت، ولا يفترض أن الناس يستوون في المشقة، لكن إذا وجد أصل المشقة فتوجد الرخصة فتعم الجميع -إن شاء الله تعالى-، والدين -ولله الحمد- فيه فسحة لمثل هذا، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(1/39)
الموطأ - شرح كتاب وقوت الصلاة (2)
شرح: باب: وقت الجمعة وباب: من أدرك ركعة من الصلاة، وباب: ما جاء في دلوك الشمس وغسق الليل
وباب: جامع الوقوت، وباب: النوم عن الصلاة"
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.
باب وقت الجمعة:
"باب وقت الجمعة: عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه قال: "كنت أرى طنفسة لعقيل بن أبي طالب يوم الجمعة تطرح إلى جدار المسجد الغربي فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر بن الخطاب وصلى الجمعة، قال مالك -والد أبي سهيل-: ثم نرجع بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة الضحاء".(2/1)
نعم، وقت الجمعة: يقول الإمام، يروي الإمام مالك عن عمه أبي سهيل نافع بن مالك عن أبيه مالك بن أبي عامر أنه قال: "كنت أرى طنفسة" طنفسة بكسر الطاء والفاء على ما في النهاية، وفي المطالع -مطالع الأنوار لابن قرقول- يقول: الأفصح كسر الطاء وفتح الفاء طِنفَسة، ويجوز ضمها وكسرها، وهي بساط يبسط يقال له: خمل رقيق، بساط يبسط "لعقيل بن أبي طالب" في المسجد، وهو أخ لعلي بن أبي طالب، وجعفر بن أبي طالب، أكبر منهما، تأخرت وفاته إلى الستين، في "يوم الجمعة تطرح" هذه الطنفسة "إلى جدار المسجد -النبوي- الغربي" يعني الواقع في الجهة الغربية، "فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر بن الخطاب وصلى الجمعة"، هل في هذا الحديث ما يدل على أن الصلاة تصلى -صلاة الجمعة- قبل الزوال أو بعده؟ الأكثر والجمهور على أن صلاة الجمعة وقتها وقت صلاة الظهر، تبدأ من بعد الزوال إلى نهاية وقت صلاة الظهر، والحنابلة عندهم يجوز فعلها قبل الزوال، فأول وقتها عندهم أول وقت صلاة العيد، وآخره آخر وقت صلاة الظهر، فالحديث ظاهر كما قال ابن حجر: بأن عمر كان يخرج بعد زوال الشمس وفهم بعضهم العكس أنه يخرج قبل زوال الشمس، لكن هل هذه الطنفسة .. ؟ هذه الطنفسة تطرح إلى الجدار الغربي، إلى جدار المسجد الغربي؟ هل معنى هذا أنها خارج المسجد أو داخل المسجد؟ هل يمكن أن يقول من يستدل بهذا الحديث على أن صلاة الجمعة تصلى قبل الزوال يكون الطنفسة تبسط داخل المسجد؟ على كلامه لا بد أن تكون خارج المسجد؛ لأنه إذا قلنا: الجدار الغربي إذا كان له ظل داخل المسجد فقطعاً بعد الزوال، إذا كان له ظل خارج المسجد فالمقطوع به أنه قبل الزوال، متصور يا إخوان؟. . . . . . . . . هذا الجدار الغربي، المسجد مكشوف وإلا مسقوف؟ لا تتصوروا أنه -يا إخوان- أن الأئمة يعني أغبياء يبي يقول: تبي يغشاها الظل وهي داخل المسجد نعم، ويقول: لا أن الخطبة .. ، أن عمر دخل قبل الزوال، نعم، الآن هذا جدار المسجد الغربي، إن كانت داخل المسجد فلن يغشاها ظل الجدار إلا بعد الزوال، إذا كانت خارج المسجد فيكون غشيان الظل لها قبل الزوال، ابن حجر يقول: النص أو الخبر ظاهر في أن عمر كان يخرج بعد زوال(2/2)
الشمس، وفهم بعضهم العكس، يعني بناءً على أن هذه الطنفسة خارج المسجد، وإذا قلنا نظرنا إلى أن المسجد مكشوف أو ما هو مكشوف يعني إذا كان ما هو بمكشوف كيف يغشاها الظل؟ إذا كان مسقوف كيف يغشاها الظل؟ إلا أن تكون خارج المسجد، أو في رحبة المسجد وساحاته، وفهم بعضهم العكس ولا يتجه إلا إن حمل على أن الطنفسة كانت تفرش خارج المسجد وهو بعيد، والذي يظهر أنها تفرش له داخل المسجد، وعلى هذا فكان عمر -رضي الله عنه- يتأخر قليلاً بعد الزوال.
أولاً: كونها تفرش داخل المسجد أو خارجه أو في رحبة المسجد وساحاته، وفهم بعضهم العكس ولا يتجه إلا إن حمل على أن الطنفسة كانت تفرش خارج المسجد وهو بعيد، والذي يظهر أنها تفرش له داخل المسجد، وعلى هذا فكان عمر -رضي الله عنه- يتأخر قليلاً بعد الزوال.
أولاً: كونها تفرش داخل المسجد أو خارج المسجد، دلالة النص عليهما على حد سواء، نعم، هي تبسط إلى الجدار الغربي، لا أكثر ولا أقل، داخل أو خارج، يرجح كونهما خارج كون المسجد مسقوف، ويرجح كونها داخل ماذا يستفيد كونه يفرش له طنفسة خارج المسجد؟ على كل حال الحديث يستدل به المخالف ومخالفه على الاحتمالين، فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار فهمنا إيش يقول الشيخ؟ يقول: إذا كانت خارج المسجد هي ما تزال في ظل، ولو أراد أن يتحدث عن هذه الطنفسة وعلاقتها بالظل نعم إذا انكشف عنها الظل يحتاج إلى الكلام وإلا الأصل فهي في ظل، الكلام صحيح، لكن إذا أراد أن يقرر أن عمر يدخل إذا كان ظل الجدار بقدر هذه الطنفسة، يعني تقلص الظل حتى صار بقدرها، احتمال، نعم.(2/3)
على كل حال النص المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في البخاري عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس، حين تميل الشمس، (كان) تدل على الاستمرار، وتميل يعني تزول، ولذا القول المرجح قول الأكثر وأن وقت صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظهر، وأنها لا تصح قبل الزوال، والحنابلة يجوزون صلاة الجمعة قبل الزوال، والقاعدة عندهم أن ما كان له سبب وجوب ووقت وجوب، ويذكرون هذه المسألة تحت هذه القاعدة: سبب وجوب ووقت وجوب، عندهم لا يجوز الفعل قبل السبب اتفاقاً، ويجوز بعد الوقت اتفاقاً، والخلاف فيما بينهما، فعندنا سبب وجوب لصلاة الجمعة وهو طلوع الشمس من يومها، هذا سبب الوجوب، ووقت الوجوب من الزوال، لا تجوز قبل طلوع الشمس اتفاقاً، وتجوز بعد الزوال اتفاقاً، والخلاف فيما بين طلوع الشمس إلى زوالها، وعرفنا أن مذهب الجمهور أنها لا تصح.
من أمثلة هذه القاعدة: التكفير لليمين، انعقاد السبب، سبب الكفارة اليمين، ووقت وجوبها ولزومها الحنث، لا يجوز أن يكفر ولا يجزئ أن يكفر الإنسان قبل أن يعقد اليمين، ويجزئ أن يكفر اتفاقاً إذا حنث، لكن بينهما يجوز وإلا ما يجوز؟ يكفر ثم يحنث، ((إلا كفرت عن يميني ثم أتيت الذي هو خير)) بعض الروايات العكس، وهذا مستمسك من يقول: يجوز أن يكفر قبل أن يحنث.(2/4)
نأتي إلى مسألتنا، على كل حال جاء عن بعض السلف، جاء عن بعض السلف صلاة الجمعة قبل الزوال، لكنه معارض بما جاء عن من هو أكثر وأجل منه أنهم صلوها ولم يصلوها قبل الزوال، صلوها بعده ولم يثبت عن أحداً منهم أنه -من الكبار- أنه صلاها قبل الزوال، نعم ذكر عن بعضهم أنه صلاها قبل الزوال، جاء في الحديث: "أن هذا يوم جعله الله عيداً للمسلمين" هذا يوم -الجمعة- جعله الله عيداً للمسلمين، قالوا: ما دام عيد وصلاة الجمعة صلاة عيد يكون وقتها وقت صلاة العيد، لكن هل يعارض هذا مثل قول أنس: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الجمعة حين تميل الشمس" يعني التشبيه، تشبيه هذا اليوم الذي هو يوم الجمعة بالعيد هل يقتضي المشابهة من كل وجه؟ يعني هل لو قلنا مثلاً: يجوز صوم يوم العيد إذا صام يوماً قبله أو بعده مثل الجمعة يمكن أن يقال هذا؟ لا يمكن، والتشبيه من وجه لا يقتضي التشبيه من جميع الوجوه، فكون يوم الجمعة يوم عيد للمسلمين لا يعني أن صلاة الجمعة تصلى مثل صلاة العيد، فالمرجح في هذه المسألة هو قول الجمهور، وهو أن صلاة الجمعة لا تصح إلا بعد الزوال.
يقول: "فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر بن الخطاب وصلى الجمعة، قال مالك" والد أبي سهيل جد الإمام مالك: "ثم نرجع بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة الضحاء" الضحاء: يعني نقيل القائلة، نستريح الراحة، نرتاح الراحة التي كنا نقيلها في وقت الضحى؛ لأنه في يوم الجمعة لا يتمكنون من القيلولة؟ هم بصدد الاستعداد لصلاة الجمعة، وهم مأمورون بالتبكير لصلاة الجمعة، فيقيلون القائلة التي كانوا يقيلونها في الضحاء يقيلونها بعد صلاة الجمعة؛ لأنهم لا يتمكنون من القيلولة قبل صلاة الجمعة، نعم الحديث الذي يليه.
شرح حديث: "عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن ابن أبي سليط أن عثمان بن عفان صلى الجمعة بالمدينة، وصلى العصر بملل، قال مالك: "وذلك للتهجير وسرعة السير".
أحسن الله إليك:
"عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن ابن أبي سليط أن عثمان بن عفان صلى الجمعة بالمدينة، وصلى العصر بملل، قال مالك: "وذلك للتهجير وسرعة السير".(2/5)
نعم عثمان بن عفان -رضي الله عنه- صلى الجمعة بالمدينة، يعني يستدل الحنابلة بفعل عمر وعثمان، يعني في الحديث السابق على القول بأن الطنفسة خارج المسجد في مستمسك للحنابلة، نعم، وفي حديث .. ، الحديث اللاحق أن عثمان بن عفان صلى الجمعة بالمدينة، وصلى العصر بملل، وهو موضع بين مكة والمدينة على سبعة عشر ميلاً من المدينة، خمسة وعشرين أو سبعة وعشرين كيلو أو أكثر من ذلك، "صلى العصر بملل وذلك للتهجير" يعني للتبكير بصلاة الجمعة وسرعة السير، يعني تقطع هذه المرحلة وهي المفازة الطويلة في الوقت الذي بين صلاة الجمعة وصلاة العصر، الحنابلة يقولون: ما يمكن أن تقطع هذه المسافة إلا إذا صلى الجمعة قبل الزوال، لكنه ليس بمفسر، النص ليس بمفسر، النص مجمل يعتريه ما يعتريه من الاحتمالات، وهناك أيضاً استدلال بخبر عمر أيضاً فيه ما فيه من الاحتمال، والنص الصحيح الصريح المرفوع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصليها بعد أن تميل الشمس.
سم.
شرح: باب من أدرك ركعة من الصلاة:
أحسن الله إليك:
باب من أدرك ركعة من الصلاة:
عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب من أدرك ركعة من الصلاة" ترك الجوب جواب الشرط اكتفاءً بما في الحديث المترجم عليه، ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) لأنه لو أتى به كاملاً، لو قال: "باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" هذا مستساغ في التأليف؟ يعني في التصنيف يأتي بترجمة مطابقة من كل وجه بحروفها للنص المترجم به؟ إذاً ما فائدة الاستنباط؟ ويأتي هذا كثير في البخاري، يأتي بالترجمة على سبيل التردد أو الاستفهام، أو يأتي بالشرط دون جوابه، لكي يشحذ ذهن الطالب، طيب من أدرك ركعة من الصلاة وبعدين؟ لأن بعض الناس قد يكتفي بالترجمة، ثم بعد ذلك يطلع على الحديث فيجد الجواب.(2/6)
يقول: "حدثنا يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) " والحديث مخرج في الصحيحين في البخاري من طريق عبد الله بن يوسف التنيسي أحد رواة الموطأ، وفي مسلم من طريق يحيى بن يحيى، ومن طريق حرملة بن يحيى التجيبي، ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) سبق حديث: ((من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) فهل مفاد هذا الحديث هو مفاد الحديث السابق أو أن هذا محمول على أمر آخر؟ فذاك في إدراك الوقت ((من أدرك ركعة من الصلاة)) هل المراد من وقتها أو مع الإمام فيدرك فضل الجماعة؟ المقصود أن المسألة محتملة، ففي قوله: ((فقد أدرك الصلاة)) في النسائي زيادة لا بد منها؛ لأن ظاهر الحديث دونها متروك بالاتفاق، كالحديث السابق: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) يعني أدرك الوقت، وهل يكتفي بهذه الركعة أو لا بد من إضافة ركعة أخرى؟ لا بد من إضافة ركعة أخرى، وهذه جاءت مبينة عند البيهقي وغيره، وهنا زاد النسائي: ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضي ما فاته)) هذه الزيادة لا بد منها؛ لأن الحديث ظاهره يدل على أنه يكتفي بهذه الركعة، جاء والإمام في الركعة الثانية من صلاة الصبح صلى يسلم معه فقد أدرك الصلاة انتهى، قد يقول قائل: هذا الكلام، لكنه غير مراد بالإجماع، لا بد أن يضيف إليها أخرى.(2/7)
الإدراك هنا، إدراك الفضل، فضل الصلاة، وإدراك الجماعة، وإدراك الوقت، ويدخل في ذلك صلاة الجمعة؛ لأنها صلاة، فتدرك صلاة الجمعة بإدراك ركعة، تدرك الجماعة بإدراك ركعة، ويحصل له الأجر المرتب على حضور الجماعة، وهي تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة أو بخمس وعشرين درجة، إلا أن هذه الدرجات متفاوتة، فمدرك الصلاة كلها يختلف أجره عن مدرك بعضها، ولذا قال بعضهم للتوفيق بين الروايات السبع والعشرين والخمس والعشرين: أن السبع والعشرين لمدرك الجماعة كلها، الصلاة كلها مع الإمام، والخمس والعشرين لمدرك البعض، وهناك أجوبة أخرى تأتي في محلها -إن شاء الله تعالى-.
المقصود أن الحديث يشمل ما يحتمله لفظ الإدراك من معنى، أو من معاني، فقد أدرك الصلاة، أدرك فضلها أدرك وقتها، أدرك الجماعة، أدرك الجمعة لأنها صلاة، في صحيح مسلم من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة زيادة مع الإمام: ((من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام)) وهذه الرواية ترجح أن المراد إدراك الجماعة، وإدراك الجماعة محل خلاف بين أهل العلم، والأكثر على أنها تدرك بإدراك أي جزء منها، وأشرنا إلى ذلك بالأمس، حتى قالوا: إن من كبر تكبيرة الإحرام قبل سلام الإمام التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس؛ لأنه أدرك جزءاً منها، لكن هذا الحديث صريح في أن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة، والركعة لا تدرك إلا بإدراك الركوع قد يقول قائل: إذا فاتت الجماعة جئت والإمام جالس في التشهد الأخير أو في السجود في الركعة الأخيرة، إذاً فاتت الجماعة، نقول: لا تدرك الجماعة إلا بإدراك ركعة؛ لأن الركعة أقل ما يطلق عليه صلاة، وهنا: ((من أدرك ركعة)) وجاء في صحيح مسلم: "سجدة"، والسجدة إنما هي الركعة كما أشرنا بالأمس.
يقول: أدخل مع الجماعة أو أصلي منفرد أو أنتظر لعل الله أن يأتي بجماعة لأدرك الجماعة بيقين؟ فماذا يقال له؟ ينتظر ليدرك الجماعة بيقين أو يصلي ما أدرك ويقضي ما فاته ((وما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا))؟ نعم يعني يغلب على ظنه، ليدرك الجماعة بيقين، وإن غلب على ظنه أنه لا يوجد جماعة أخرى يدخل مع الإمام.(2/8)
حديث: ((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام))، وأيضاً: ((ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) يدل على أنه يدخل مع الجماعة الأولى على أي حال، وقد يستروح بعضهم أنه ينتظر ما دام يغلب على ظنه وجود جماعة أخرى ليدرك الجماعة بيقين, والمسألة اجتهادية، فأهل العلم يقولون: ظاهره متروك بالإجماع، سم.
شرح حديث: "عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر بن الخطاب كان يقول: "إذا فاتتك الركعة فقد فاتتك السجدة".
أحسن الله إليك:
"عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر بن الخطاب كان يقول: "إذا فاتتك الركعة فقد فاتتك السجدة".(2/9)
يقول ابن عمر -رضي الله عنهما-: "إذا فاتتك الركعة فقد فاتتك السجدة" لأنه قد يقول قائل: إيش فائدة هذا الكلام؟ هل لهذا الكلام فائدة؟ معلوم أنه إذا فاتك الركوع تأتي بركعة كاملة، لكن قد يتوهم أحد بل يفهم من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) أنه إذا أدرك سجدة مع الإمام لماذا يأتي بالركعة كاملة، يأتي بالركوع، ويسجد سجدة ويكفي؛ لأنه أدرك سجدة من هذه الركعة، لماذا تؤمر بإعادة هذا؟ يقول ابن عمر -رضي الله عنهما-: "إذا فاتتك الركعة فقد فاتتك السجدة" نفياً لهذا الفهم الذي قد يفهمه بعض الناس وإن كان بعيداً، فلا يكون بإدراك السجدة مدركاً لشيء من الركعة لا ركعة كاملة ولا جزء من ركعة، وإذا ضممنا هذا الكلام للحديث السابق أنك إذا فاتتك الركعة وفاتك تبعاً لذلك السجدة أنك لا تكون بهذا مدركاً للصلاة، يعني مع الإمام كما في الحديث السابق، إذا فاتك الركوع فاتتك الركعة، وهذا هو الذي استقر عليه الاتفاق، يوجد خلاف قديم من بعض السلف أنك إذا كبرت للركوع بعد رفع الإمام ووافقت أحداً من المصلين وهو راكع تكون مدرك للركعة، وبعضهم يقول: إذا كبرت ولو لم تركع يعني كبرت والإمام راكع ولو لم تركع أدركت الركعة، المقصود أن كل هذه أقوال ضعيفة مهجورة، والذي استقر عليه الاتفاق أنك لا تكون مدركاً للركعة حتى توافق الإمام، تركع وتطمئن راكعاً قبل أن يرفع، وهنا مسألة وهي: فيما إذا زاد الإمام عن القدر الواجب من الركوع هل تدرك معه الركوع أو لا تدركه؟ القدر الواجب من الركوع معلوم، لكن إذا زاد، إذا قال: سبحان ربي العظيم مرة انتهى الواجب، لكن إذا زاد ثلاث، خمس، سبع، ثم أدركته في التسبيحات الأخيرة هل تكون مدركاً للركوع معه باعتبار أن الواجب انتهى وما عدا ذلك زيادة على القدر الواجب، وهو في هذا القدر الزائد على الواجب متنفل وليس بمفترض؟ فهل يرد مثل هذا على من لا يجيز إمامة المتنفل بالمفترض؟ هم يقولون: القدر الزائد على الواجب لا يخلو إما أن يكون متميزاً عن الواجب أو غير متميز، يعني أنت مأمور بزكاة الفطر تخرج صاع عن نفسك، كلت صاعاً وربطه في كيس، ثم جئت بصاع آخر بكيس مستقل نقول: هذا كله واجب؟ أو(2/10)
نقول: هذه متميزة هذا واجب وهذا مستحب؟ لكن إذا لم تتميز قالوا: الحكم واحد، الأصل أن الإمام صوته للانتقال فيكون معه من أوله إلى آخره هذا الأصل، لكن بعض الأئمة أو كثير من الأئمة ما يراعي هذا، يرفع قبل أو يكبر قبل ويوقع الناس في حرج.
شرح حديث: "عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت كانا يقولان: "من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة".
أحسن الله إليك:
"عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت كانا يقولان: "من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة"، نعم هذا من البلاغات بلاغات الإمام مالك، "عن مالك أنه بغله" الانقطاع ظاهر، مالك لم يدرك ابن عمر -رضي الله عنهما-، فلا بد من واسطة، وهذه البلاغات كلها موصولة، وصلها الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر سوى أربعة، وهذه الأربعة وصلها ابن الصلاح في جزء مستقل وهو مطبوع أيضاً، ووصلها الغالب أنه من طريق مالك، وقد وصل بعضها من غير طريقه، استغلق الأمر على ابن عبد البر فوصلها من غير طريق الإمام مالك، على طريقة الاستخراج.
"بلغه أن عبد الله بن عمر" والغالب أن المبلغ –نعم- نافع، "وزيد بن ثابت كانا يقولان: "من أدرك الركعة" في أكثر روايات الموطأ: "من أدرك الركعة قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك السجدة"، هل يتصور إدراك ركوع دون إدراك سجود؟ ونربط الكلام الماضي بالحاضر؟ هل يتصور إدراك ركوع بدون إدراك سجود؟ لو أخذنا الكلام على عموم: "من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة"، واستحضرنا الحديث السابق: ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس -نعم- فقد أدرك الصبح)) هنا يمكن يدرك ركعة ولا يدرك سجدة، يركع فإذا رفع من الركوع طلعت الشمس، يرفع من الركوع ثم غربت الشمس في صلاة العصر، أدرك سجدة وإلا ما أدرك هناك؟ معروف هذا موجود في الصحيح من كلام الراوي، إحنا ما ذكرنا بالأمس أنه يطلق الركوع ويراد به السجود، ويطلق السجود ويراد به الركوع، {خَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [ص: 24]، هذا إيش؟ ساجد، {ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً} [(58) سورة البقرة] سجود وإلا ركوع؟ ركوع.(2/11)
وفي الصحيح يعني من كلام الراوي: "والسجدة إنما هي الركعة" لكن هنا من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة، لو أخذنا بهذا الكلام على إطلاقه واستحضرنا الحديث السابق: ((من أدرك من صلاة الصبح أدرك الصبح)) هذا أدرك ركعة، لكن هل يعني هذا أنه بالفعل يدرك سجدة؟ قد لا يدرك سجدة، لكن في مسألة الجماعة لا يرد مثل هذا الكلام، وفي الروايات أكثر الروايات: ((من أدرك الركعة قبل أن يرفع الإمام)) إذا أدرك الركعة. . . . . . . . . قطعاً سوف يدرك السجدة، قد يقول قائل: ما فائدة هذا الكلام؟ لماذا يورد مثل هذا الكلام؟ يعني إذا قلت: فلان بلغ سن الشيخوخة هل يعني هذا أنه تجاوز مرحلة الشباب ما مر بها؟ يمكن؟ ما يمكن، لا يمكن أن يصل إلى مرحلة الشيخوخة إلا وقد مر بالمراحل السابقة، وهنا لا يمكن أن يدرك الركوع مع الإمام إلا ويدرك السجود، لكن قد يقول قائل: على القول بأن من أحدث نعم في صلاته يتوضأ ويبني على ما مضى على ألا يتكلم، نقول: هذا مأموم لما رفع الإمام من الركوع أحدث وذهب وتوضأ وما تكلم وجد الإمام رفع من السجود هذا أدرك الركوع لكن أدرك السجود؟ هذا على التسليم بصحة الخبر والقول بمفاده، وإلا فالخبر ضعيف، وعلى هذا لو فاتت السجدة على القول بمفاد الخبر يعني يعفى عن السجود.
يا الإخوان قد نعرض بعض المسائل التي ليست راجحة عندنا، لكن من باب الزيادة في فهم الخبر وإفهامه، يعني الإمعان في فهم الخبر وإفهامه لا بد أن نتعرض لمثل هذه المسائل، والله المستعان، على كل حال الخبر ما في شك أنه على ظاهره، وأن من أدرك الركوع مع الإمام لا بد أن يدرك السجود، لكن لا يعني هذا أنه يكتفى بالركوع عن السجود، يعني لو قال: ما دام اثنان من جلة الصحابة قالوا: "من أدرك الركوع أدرك السجود" ليش أسجد؟ أنا ركعت إذاً أدركت الركعة ليش أسجد؟ نقول: هذه الأمور مرتب بعضها على بعض فإذا أدركت الأول أدركت الآخر من باب أولى، نعم.
شرح حديث: "عن مالك أنه بلغه أن أبا هريرة كان يقول: "من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة، ومن فاته قراءة أم القرآن فقد فاته خير كثير".
أحسن الله إليك:(2/12)
"عن مالك أنه بلغه أن أبا هريرة كان يقول: "من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة ومن فاته قراءة أم القرآن فقد فاته خير كثير".
نعم هذا أبو هريرة وهو أيضاً بلاغ بلغه أن أبا هريرة كان يقول: "من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة" مثل ما قال ابن عمر وزيد بن ثابت، فقد أدرك السجدة، لماذا لم يقل: إن عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وأبا هريرة كانوا يقولون: "من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة" أفرده عنهما للزيادة: "ومن فاته قراءة أم القرآن فقد فاته خير كثير"، وقد يكون الواسطة بينه وبين أبي هريرة غير الواسطة بينه وبين ابن عمر، فإذا جمع الثلاثة اقتضى أن يكون الطريق واحد، فأفرده عنهما لهذين الأمرين، "فقد أدرك السجدة"، "من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة"، هل يفهم من هذا أن أبا هريرة يرى أن الركعة تدرك بالركوع؟ من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة، ومن فاته قراءة أم القرآن فقد فاته خير كثير، لما يتبعها من التأمين، وما يترتب عليه من غفران ما تقدم من الذنوب، "إذا وافق تأمينه تأمين الملائكة"، يفوته أيضاً خير كثير بفوات الفاتحة؛ لأنه فاته قبلها تكبيرة الإحرام يعني من باب أولى، لكن هل كلام أبي هريرة -رضي الله عنه- يفيد أن الركعة تدرك بإدراك الركوع؟ من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة، الفاتحة لا تسقط عن المسبوق، وهو المرجح عند البخاري والشوكاني وجمع من أهل العلم، لكن عامة أهل العلم على أن المسبوق تسقط عنه قراءة الفاتحة، فهل مثل هذا الكلام "عن أبي هريرة -رضي الله عنه-" يفهم منه أن الركعة تدرك بالركوع ولو فاتته قراءة الفاتحة؟ هذا ظاهر، هو رتب .. ، رتب الجزاء على الشرط، "فمن أدرك الركعة فقد أدرك السجدة" الظاهر في أنه يقول بهذا، والمعروف عنه أن الركعة لا تدرك بالركوع إنما لا بد من إدراك وقت كاف لقراءة الفاتحة، وعرفنا أن عامة أهل العلم على أن الركعة تدرك بالركوع، وحديث أبي بكرة ظاهر في هذا.(2/13)
على كل حال الأمر كما قال أبو هريرة: "من فاتته قراءة أم القرآن فاته خير كثير" كما أن إدراك تكبيرة الإحرام خير من الدنيا وما فيها، الله المستعان، يعني لو الإنسان ينظر في حال الناس بما فيهم من ينتسب إلى العلم وطلبه وجد التفريط في هذا الباب، ونعم الجماعة تدرك بركعة، وهذا هو القدر الواجب وما عدا ذلك سنة يثاب عليه ولا يعاقب، ولاحقين على خير وأنا .. ، ويعلل لنفسه بأنه مشغول بتحصيل علم أو تعليمه ويفرط في هذا الخير الكثير، والله المستعان نعم.
شرح: باب: ما جاء في دلوك الشمس وغسق الليل:
أحسن الله إليك:
"باب ما جاء في دلوك الشمس وغسق الليل:
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: "دلوك الشمس ميلها".
"باب ما جاء في دلوك الشمس" يعني ما جاء في تفسير دلوك الشمس وغسق الليل المذكور في قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [(78) سورة الإسراء] {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} اللام هذه نعم، اللام {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [(1) سورة الطلاق] جاء زيد لثلاث خلون، يقولون: هذه للتوقيت، هذه الآية {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} ثم بعد ذلك إيش؟ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [(78) سورة الإسراء] يقولون: هذه الآية إحدى الآيات التي تشير إلى الصلوات الخمس، تشير إلى الصلوات الخمس، فدلوك الشمس يشير إلى صلاتي العشي، وغسق الليل إلى العشاءين، وقرآن الفجر إلى صلاة الفجر، ومثلها: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [(17) سورة الروم] {وَلَهُ الْحَمْدُ ... وَعَشِيًّا} [(18) سورة الروم].
يقول: "عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: "دلوك الشمس ميلها" يعني إلى جهة المغرب، ويراد به الزوال، هذا مروي أيضاً عن أبي هريرة وابن عباس وأبي برزة وخلق من التابعين، فسروا الدلوك بالزوال، وروى ابن أبي حاتم عن علي أن دلوك الشمس غروبها، والذي في كتب اللغة كالأساس للزمخشري وغيره أن الدلوك هو الزوال، سمي بذلك لماذا؟ لأن الناظر إلى الشمس في هذا الوقت تؤلمه عينه بسبب النظر إليها فيضطر إلى دلكها، فيضطر إلى دلك عينه، نعم.(2/14)
شرح حديث: "عن مالك عن داود بن الحصين قال: أخبرني مخبر أن عبد الله بن عباس كان يقول: "دلوك الشمس إذا فاء الفيء، وغسق الليل اجتماع الليل وظلمته".
"عن مالك عن داود بن الحصين قال: أخبرني مخبر أن عبد الله بن عباس كان يقول: "دلوك الشمس إذا فاء الفيء، وغسق الليل اجتماع الليل وظلمته".
يقول الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: "عن داود بن الحصين قال: أخبرني مخبر" والطرق كلها تدل على أنه عكرمة مولى ابن عباس، أبهمه الإمام مالك لما نسب إليه من القول برأي الخوارج، ومعلوم أنه مجرد نسبة، نفاه جمع من أهل العلم كالذهبي وابن حجر، وأفاضوا في تفنيد هذه الشبهة، وهذه التهمة التي ألصقت به، هذا هو السبب في إبهامه؛ لأن الإمام مالك -رحمه الله تعالى- عرف من منهجه أنه لا يروي عن مبتدع، وأبهمه هنا لشكه فيما نسب إليه، وإلا الجادة عنده أنه لا يروي عن مبتدع، ثم تبين له بعد ذلك براءة عكرمة من هذه التهمة، فصرح باسمه في كتاب الحج، وقدم روايته على غيره، يعني في نفس الجزء ثلاثمائة وأربعة وثمانين، روى عنه، هنا يقول: وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة مولى ابن عباس، قال: لا أظنه إلا عن عبد الله بن عباس .. إلى آخره، فهنا هي مجرد تهمة وإلا لو ثبت عند الإمام مالك ما نسب إليه لما روى عنه؛ لما عرف من مذهبه وشدة تحريه في ذلك، أبهمه ثم بعد ذلك صرح باسمه لما ترجح عنده براءته من هذه التهمة، والبخاري احتج به، لذا يقول الحافظ العراقي:
وفي البخاري احتجاجاً عكرمة ... مع ابن مرزوق وغير ترجمة
المقصود أن عكرمة ثقة لا إشكال فيه -إن شاء الله تعالى-.
قال: "أخبرني مخبر" هذه طريقة ومنهج عند أهل العلم في الإبهام، إذا وجدت الفائدة عند شخص يلاحظ عليه ما يلاحظ إما في اعتقاد أو في عمل فلا تضيع الفائدة ولا تهدر الفائدة ولا يصرح باسمه؛ لئلا تظن الموافقة، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- روى عن عمرو بن عبيد وأبهمه، وروى عن الذهلي وأهمله، أهمل اسمه ما صرح باسمه لما بينهم من الاختلاف في مسألة اللفظ.(2/15)
وهكذا ينبغي أن يكون طالب العلم يحرص على الفوائد ممن جاء بها، ثم إذا كانت ممن يتشرف بالتصريح باسمه ممن لا ملاحظة عليه يصرح باسمه، وجدت فائدة في كتاب تقول: وجدت في كتاب كذا، لكن إذا كان هذا الكتاب يخشى من إشهاره بين طلاب العلم أن يتأثر الطلاب بما فيه من مخالفات، يكفي أن تقول: قال بعضهم، قال بعضهم، إذا كان القائل أيضاً عليه ما يلاحظ يبهم، كم من الفوائد التي توجد في كتب بعض من تلبس ببدعة مثل هذه الفوائد تستفاد، والحكمة ضالة المؤمن، لكن لا يصرح باسمه لئلا يفتتن به من لا يميز، من لا يميز بين الغث والسمين، هذا مسلك، والإبهام مفيد في مثل هذه الصورة، قد يبهم القائل للترويج، ترويج الكلام، ابن أبي العز لما نقل النقول الكثيرة عن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ولم يصرح بهما لا يقال: إن هذا خلل في التصنيف وهذه سرقة لا أبداً؛ لأنه ما نسب الكلام لنفسه، أحياناً يبهم، وأحياناً يأتي به بما يميزه، لكن السبب في ذلك ليروج الكتاب، والمسألة مسألة موازنة بين المصالح والمفاسد، فإذا أريد ترويج هذا الكلام وهذا العلم النافع ولو ترتب عليه مثل هذه الأمور التي الأصل فيها العدم.(2/16)
قال: "أخبرني مخبر أن عبد الله بن عباس كان يقول: "دلوك الشمس إذا فاء الفيء" يعني فاء رجع، رجع إلى جهة المشرق، كان الفيء من طلوع الشمس إلى أن يقوم قائم الظهيرة في جهة المغرب، فإذا فاء الفيء ورجع إلى جهة المشرق هذا هو الدلوك الذي هو الزوال، وغسق الليل اجتماع الليل وظلمته، ما معنى اجتماع الليل؟ اجتماع الليل وظلمته؟ هم لما قالوا: إن الآية تشير إلى الأوقات الخمسة، قالوا: دلوك الشمس وقت للظهر والعصر، لصلاتي العشي، يعني إذا كانتا مجموعتين أو قيل باستمراره من الزوال إلى الغروب، وغسق الليل إذا قلنا: إنه من الغروب إلى طلوع الصبح فهو وقت لصلاتي الليل المغرب والعشاء، يقول: غسق الليل اجتماع الليل وظلمته، يقول: غسق الليل اجتماعه، وظلمته، {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [(78) سورة الإسراء] يعني أقم الصلاة في هذه الأوقات، فالمراد بالظلمة هنا التأكد من غروب الشمس، وبهذا يدخل الليل، ثم يأخذ في صفته التي هي الظلام، نعم أقرأ.
شرح: باب: جامع الوقوت:
أحسن الله إليك:
"باب جامع الوقوت:
عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله)).(2/17)
يقول -رحمه الله-: "عن نافع عن عبد الله بن عمر" وهذا أصح الأسانيد عند الإمام البخاري مالك عن نافع عن ابن عمر، فالحديث مروي بأصح الأسانيد على رأي الإمام -رحمه الله تعالى-، "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله)) " تفوته صلاة العصر: الفوات هذا هل المراد به فوات الجماعة أو فوات الوقت؟ الجماعة؛ لأن فوات الوقت أعظم من ذلك: ((فقد حبط عمله))، ((كأنما وتر أهله وماله)) قد يكون لكل إنسان يعني جماعة على خلاف بين أهل العلم فيها في وجوبها واستحبابها، هل تصل إلى حد وتر أهله وماله؟ نقول: نعم، أهله وماله شيء من هذه الدنيا، والدنيا كلها لا تعدل شيئاً بالنسبة للآخرة وأمورها، تكبيرة الإحرام خير من الدنيا وما فيها، ومعلوم أن الأهل والمال جزء من هذه الدنيا، ((ركعتا الصبح –وهما سنة- خير من الدنيا وما فيها))، الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله، بنصب الأهل والمال، وبرفعهما أيضاً، والنصب هو المرجح عند الأكثر، بل قال جمع من أهل العلم: إنه هو الصحيح، وهو الذي عليه الجمهور.
((وتر أهله وماله)) وتر فعل ماض مبني للمجهول، وتر أهله، نائب الفاعل هو، وتر هو، الذي هو في الأصل إيش؟ المفعول الأول، وأهله وماله المفعول الثاني، فالفعل يتعدى إلى مفعولين كما في قوله تعالى: {وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [(35) سورة محمد] والرفع: "وتر أهلُه ومالُه" على أساس أن الأهل نائب الفاعل والمال معطوف عليه، الإمام مالك -رحمه الله تعالى- يميل إلى التفسير الثاني، وتر .. ، {لَن يَتِرَكُمْ} لن ينقصكم، وتر نقص أهله وماله، سلب أهله، سلب الأهل والمال، كأنما سلب الأهل والمال، فنقول: كأنه سلب أهلَه ومالَه، فيكون المسلوب الأهل والمال، والسالب؟ والسالب هو الله -جل وعلا-، والمسلوب هو الذي فاتته صلاة العصر، فكأنه بقي بلا أهل ولا مال.(2/18)
على رواية الرفع سلب أهلُه ومالُه، يعني أخذ منه أهله وماله، هل يختلف المعنى؟ هل يختلف المعنى أو لا يختلف؟ إذا قلت: أعطيت زيداً درهماً، هل هذا أصح أو تقول: أعطيت درهماً زيداً؟ هو مفعول، كلها مفاعيل، زيد؛ لأنه فاعل في المعنى؛ لأنه آخذ والدرهم مأخوذ، نأتي إلى ما عندنا وتر زيد نفترض المسألة في زيد فاتته صلاة العصر، وما أكثر من مثل زيد، يأتي من الدوام وقد بقي على الأذان ربع ساعة، يقول: بس آخذ لي غفوة وأقوم للصلاة، ثم لا ينتبه إلا المغرب، ما أكثر هذا النوع، ومعلوم ما جاء في المحافظة على صلاة العصر مع الفجر، واقتران ذلك برؤية الباري -جل وعلا- في الآخرة، الحديث الصحيح، فالمسألة ليست بالسهلة، "كأنما وتر أهله" يعني وتر الله زيداً أهله وماله، يعني عندنا موتور، مسلوب، هل المسلوب الموتور زيد وإلا الأهل والمال، يعني كلهم كأنهم قتلوا أو ماتوا وانتهوا زيد وأهله وماله وإلا بقي زيد بدون أهل ولا مال؟ أو بقي الأهل والمال بدون زيد؟ على رواية الرفع المسلوب زيد نفسه، وبقي الأهل والمال، وعلى رواية النصب العكس.
يقول ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- في الاستذكار: "معناه عند أهل اللغة: الذي يصاب بأهله وماله إصابة يطلب فيها ثأراً، فيجتمع عليه غمان، غم ذهاب أهله وماله، وغم ما يقاسي من طلب القهر"، شخص له ولد خرج مع الباب فقتله مكلف، أو خرج مع الباب فأكله سبع، أيهما أسهل على الإنسان؟ السبع أهون، خلاص انتهى، ارتاح، وهنا يقول ابن عبد البر في الاستذكار: "معناه عند أهل اللغة: الذي يصاب بأهله وماله إصابة يطلب فيها ثأراً" يعني الذي سلبه إياهم مكلف، يبحث عنه يحتاج إلى مدة للبحث عنه، ثم بعد هذه المدة يحتاج إلى مقاضاة ومطالبة وخصومات، المسألة تختلف، ويزداد الأمر غماً وهماً إذا لم يعلم بالوفاة، خرج مع الباب ولا .. ، خلاص ولا عثر له على أثر، ألا يزداد الأمر غماً على أغمام؟ نعم، فيتعب وراءه أكثر، نعم.(2/19)
شرح حديث: "عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب انصرف من صلاة العصر فلقي رجلاً لم يشهد العصر فقال عمر: "ما حبسك عن صلاة العصر؟ " فذكر له الرجل عذراً، فقال عمر: "طففت" قال يحيى: قال مالك: "ويقال: لكل شيء وفاء وتطفيف".
أحسن الله إليك:
"عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب انصرف من صلاة العصر فلقي رجلاً لم يشهد العصر فقال عمر: "ما حبسك عن صلاة العصر؟ " فذكر له الرجل عذراً فقال عمر: "طففت"، قال يحيى: قال مالك: "ويقال لكل شيء وفاء وتطفيف".
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب" مفاوز، مفاوز بين يحيى بن سعيد المتوفى سنة أربع وأربعين ومائة وبين عمر -رضي الله عنه-، فيحيى يحكي قصة لم يشهدها، فالخبر متصل وإلا منقطع؟ منقطع، وهل مرد هذا إلى الصيغة؟ لأن بعضهم يرد هذا إلى الصيغة، ويقول: إن ما جاءنا بصيغة (أن) يحكم له بالانقطاع مطلقاً، بخلاف ما جاء بصيغة (عن) هل مرد هذا إلى هذه الصيغة، ولاختلاف الصيغة؟ يعني لو قال لو افترضنا أن يحيى بن سعيد قال: عن عمر بن الخطاب، إما أنه سيكون مدلس وإلا كاذب، المسألة مفترضة في ثقة إذاً لا بد من التدليس، وهل نقول: هذا تدليس؟ أو نقول: انقطاع ظاهر؟ انقطاع ظاهر وليس بخفي، هنا الصيغة أن عمر بن الخطاب، نأتي بمثال قريب: عن محمد بن الحنفية عن عمار بن ياسر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مر به، رواية أخرى: عن محمد بن الحنفية أن عمار بن ياسر مر به النبي -عليه الصلاة والسلام-، قالوا: الصيغة منقطعة "أن عماراً" هذا منقطع، و"عن عمار" هذا متصل، ونقل ابن الصلاح عن الإمام أحمد وعن يعقوب بن شيبة أن السبب في ذلك اختلاف الصيغة؛ لأن هذا جاء بصيغة (أن)، وهذا جاء بصيغة (عن)، وما جاء بصيغة (أن) فهو منقطع، وما جاء بصيغة (عن) فهو متصل، لكن كما قال الحافظ العراقي:
. . . . . . . . . ... كذا له ولم يصوب صوبه(2/20)
ليس الأمر في ذلك اختلاف الصيغة، لا، سببه الرواية الأولى عن محمد الحنفية عن عمار أن محمد بن الحنفية يروي قصة عن صاحبها، صاحب الشأن، وفي الصيغة الثانية محمد بن الحنفية يحكي قصة لم يشهدها، كما هنا يحيى بن سعيد الأنصاري يحكي قصة عن عمر بن الخطاب لم يشهدها وحينئذٍ لا يكون مرد ذلك الانقطاع إلى الصيغة، في حديث عمار يعني لو أن محمد بن الحنفية قال: إن عمار بن ياسر قال: مر بي النبي -عليه الصلاة والسلام-،. . . . . . . . . اتصلت القصة، ولا صار هناك فرق بين (أن) و (عن).
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . فالجلُ
سووا وللقطع نحا البرديجي ... حتى يبين الوصل في التخريجِ
المقصود أن القصة هنا منقطعة.
"أن عمر بن الخطاب انصرف من صلاة العصر فلقي رجلاً لم يشهد العصر" الرجل المذكور قال بعضهم: إنه عثمان لكنه ليس بصحيح؛ لأن القائل التبست عليه هذه القصة بالقصة الأخرى حينما دخل عثمان وعمر -رضي الله عنه- يخطب في الجمعة، جاء متأخر إلى أن قال له: إنه .. ، بين له أنه حتى الغسل ما اغتسل، ثم قال له: والوضوء أيضاً هذه قصة أخرى، الصواب أنه رجل من الأنصار من بني حديدة، كما ذكر ذلك ابن عبد البر وغيره.
"أن عمر بن الخطاب انصرف من صلاة العصر فلقي رجلاً لم يشهد العصر" الرجل المذكور قال بعضهم: إنه عثمان لكنه ليس بصحيح؛ لأن القائل التبست عليه هذه القصة بالقصة الأخرى، حينما دخل عثمان وعمر -رضي الله عنه- يخطب في الجمعة، جاء متأخر، بين له أنه حتى الغسل ما اغتسل، ثم قال له: والوضوء أيضاً؟ هذه قصة أخرى، الصواب أنه رجل من الأنصار من بني حديدة، كما ذكر ذلك ابن عبد البر وغيره،
"أن عمر بن الخطاب انصرف من صلاة العصر فلقي رجلاً لم يشهد العصر، فقال عمر: "ما حبسك عن صلاة العصر؟ فذكر له الرجل عذراً، فقال عمر: طففت" ذكر له عذر، هل هذا العذر مقبول أو ليس بمقبول؟ طففت، يعني نقصت نفسك وبخستها حظها ونصيبها من الأجر العظيم بتأخرك عن هذه الصلاة، طففت، نعم، كأنه ما قبل عذره، كأنه لم يذكر عذراً مقبولاً، وقد يكون العذر مقبول، لكن من باب التشديد، ومن باب الحث على الاهتمام بهذه الصلاة.(2/21)
"قال يحيى: قال مالك: ويقال لكل شيء وفاء وتطفيف" والتطفيف قالوا: هو الزيادة على العدل والنقصان منه، الزيادة على العدل والنقصان منه، متى تكون الزيادة تطفيف؟ ومتى يكون النقصان تطفيف؟ نعم، إذا زاد لنفسه طفف، إذا زاد لغيره ما طفف، إذا نقص لنفسه ما طفف، إذا نقص لغيره طفف، {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [(1 - 3) سورة المطففين] هل نقول لشخص إذا وزن لشخص قال: أريد كيلو من هذه البضاعة فأعطاه كيلو وزاده، نقول: هذا مطفف؟ هذا فضل وليس بالتطفيف، إنما الزيادة إذا كانت لنفسه، والنقص إذا كان لغيره هذا كله تطفيف، كما في قوله -جل وعلا-: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} وويل كلمة عذاب، وجاء في الترمذي عن أبي سعيد أنه واد في جهنم، المقصود أن التطفيف ثبت فيه هذا الوعيد الشديد فهو من الكبائر، وإذا كان هذا الوعيد في الكيل والوزن في الأمور التي هي في حقيقتها يسيرة لو بخس قبضة من طعام من صاحبها دخل في هذا الوعيد، فكيف بمن طفف فيما خلق من أجله في العبادة؟ إذا نقر صلاته، إذا تكاسل عن أدائها مع جماعة المسلمين الأمر أشد، وإن كانت القاعدة أن الحقوق العباد مبنية على المشاحة، وحقوق الله -جل وعلا-، حقوق الله -جل وعلا- مبنية على التسامح والتساهل، ولا يخفى ما جاء في سعة رحمة الله -جل وعلا-، لكنه قرن ذلك بالعقاب الشديد لمن خالف وانتهك، واجترأ على حدود الله ومحارمه، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه في حقوق الله وحقوق العباد، يحرص على إبراء ذمته، والخروج من عهدة الواجبات بيقين، سواءً كانت هذه الواجبات لله -جل وعلا- ودين الله أحق أن يقضى، أو كانت لعباده وفيها المقاصة من الحسنات والسيئات يوم القيامة، والله المستعان.
شرح حديث: قال الإمام يحيى بن يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه كان يقول: "إن المصلي ليصلي الصلاة وما فاته وقتها ولما فاته من وقتها أعظم أو أفضل من أهله وماله .... "
أحسن الله إليك:
بسم الله الرحمن الرحيم.(2/22)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام يحيى بن يحيى: عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه كان يقول: "إن المصلي ليصلي الصلاة وما فاته وقتها، ولما فاته من وقتها أعظم أو أفضل من أهله وماله"، قال مالك: "من أدرك الوقت وهو في سفر فأخر الصلاة ساهياً أو ناسياً حتى قدم على أهله أنه إن كان قدم على أهله وهو في الوقت فليصلِ صلاة المقيم، وإن كان قد قدم وقد ذهب الوقت فليصل صلاة المسافر؛ لأنه إنما يقضي مثل الذي كان عليه" قال مالك: "وهذا الأمر هو الذي أدركت عليه الناس وأهل العلم ببلدنا"، وقال مالك: "الشفق: الحمرة التي في المغرب، فإذا ذهبت الحمرة فقد وجبت صلاة العشاء وخرجت من وقت المغرب".(2/23)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "يقول الإمام يحيى بن يحيى: وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد أنه كان يقول –يحيى بن سعيد الأنصاري- أنه كان يقول: "إن المصلي ليصلي الصلاة وما فاته وقتها" مازال في الوقت، يصليها أداءً في وقتها، يعني في آخره، "ولما فاته من وقتها" من أوله أو أوسطه وأثنائه أعظم، ولا شك أن الصلاة في أول الوقت أفضل، الصلاة في أول الوقت أفضل، وأفضل الأعمال الصلاة لوقتها، نعم الوقت الموسع تجوز الصلاة فيه في أوله وأوسطه وآخره، لكن الأول أفضل، ولذا يقول: "ولما فاته من وقتها -أفضل- أعظم أو أفضل" وهذا شك "أفضل من أهله وماله"، لماذا؟ لأن الأهل والمال من متاع الدنيا، والدنيا كلها ليست بشيء بالنسبة لما يتعلق بالآخرة، موضع سوط من الجنة خير من الدنيا وما فيها، الدنيا كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة، لا تزن عند الله جناح بعوضة، هذه الدنيا التي يؤثرها كثير من الناس، بل يؤثرون ما قل منها على الآخرة، وما جاء فيها وما بين بالنصوص، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، شيء، شيء لا يخطر على البال، ومع ذلكم كثير من الناس لا يلقي لها بالاً، همه دنياه، ولم يعلق بقلبه من آخرته إلى الشيء اليسير، إن جاء إلى الصلاة فبدون قلب، ولذا لا يدري ماذا قرأ الإمام؟ وكم صلى؟ وكم بقي؟ لا يذكر من صلاته شيء، والله المستعان، ولذا يقول: "ولما فاته من وقتها أعظم من أهله وماله" يقول قائل: المسألة فيها سعة، يقول: فيها سعة، لكن الدنيا إيش؟ ماذا تعدل؟ يعني الدنيا بمتعها بجميع ما تحويه من متع لا شيء بالنسبة للآخرة، ولذا جاء في الحديث: ((من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)) هنا نكتة يعني في الجمل ((ستر الله عليه في الدنيا والآخرة)) والتنفيس ((نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)) لأن كرب الدنيا كلها بالنسبة ليوم القيامة لا شيء، الدنيا كلها لا تسوى من يعد بها، ويجعلها ثواباً لأدنى جزء من الآخرة؛ لأن بعض الناس قد يستعظم ما تقدم ((كأنه وتر أهله وماله)) الأهل عنده شيء عظيم، إذا أصيب الولد أو الزوجة بأدنى شيء مع تقلبات الجو تجد الإنسان يهتم لذلك اهتماماً عظيماً، وأما(2/24)
ما يتعلق بآخرته كأنه لا يعنيه، من يعرف حقيقة هذه الدنيا؟ يعرفها من كان بالله أعرف، ومن تبعهم بإحسان.
سعيد بن المسيب لما خطبت ابنته -سعيد سيد التابعين- من قبل ابن الخليفة، والسفير يقول: جاءتك الدنيا بحذافيرها، إيش كان الجواب؟ الجواب يقول الإمام سعيد -رحمه الله-: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فما الذي يقص لي من هذا الجناح؟ " يعني إذا كانت الدنيا كلها لا تزن .. ، التي بأيدي المسلمين وأيدي الكفار وأيدي الناس كلهم لا تزن، ما الذي يصل ويناله سعيد من هذه الدنيا التي جاءته بحذافيرها، ثم بعد ذلك يزوجها طالب فقير معدم لا يملك شيئاً، هؤلاء هم الذين يعرفون قدر الدنيا، من تأمل في حاله -عليه الصلاة والسلام- وفي عيشه عرف حقيقة هذه الدنيا، والله المستعان.
والخبر معروف أنه في الاصطلاح يسمى مقطوع، مقطوع وإلا منقطع؟ نعم، مقطوع، "وعن يحيى بن سعيد أنه كان يقول" إيش الفرق بين المقطوع والمنقطع؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
طيب، من أقسام المنقول عنه، فما جاء عن التابعين فمن دونهم يسمى مقطوع، نعم، يسمى مقطوع، صحيح، كلامك صحيح، هذا مقطوع، لكن أهل العلم يقولون: له حكم الرفع، ابن عبد البر وغيره يقولون: له حكم الرفع، لماذا؟ لأنه لا يقال من قبل الرأي، لا يقال من قبل الرأي، لكن ما المانع أن يقال مثل هذا الكلام من قبل الرأي استناداً إلى ما ثبت من حقارة الدنيا كلها؟ نعم، يروى مرفوع لكنه من وجوه ضعيفة، ضعيفة الأسانيد.
"قال يحيى: قال مالك: "من أدرك الوقت وهو في سفر فأخر الصلاة ساهياً أو ناسياً" إيش الفرق بين السهو والنسيان؟ نعم، السهو ..
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ السهو الآن عندنا ألفاظ: سهو، وغفلة، ونسيان، هل هذه مترادفة وإلا فيها فروق؟ ولذا يقول: "ساهياً أو ناسياً" يعني يسهو بمشغل، يسهو بسبب شاغل، وينسى ولو لم يوجد شاغل، السهو يكون بشاغل، بسبب، وأما النسيان قد يكون سببه غفلة من غير شاغل، أو آفة تطرأ على الإنسان.(2/25)
يقول: "من أدرك الوقت وهو في سفر فأخر الصلاة ساهياً أو ناسياً حتى قدم على أهله" يعني قدم بلده، يعني ولو لم يكن له أهل، لما قدم إلى بلده محل إقامته، "فإن كان قدم على أهله في الوقت فليصل صلاة المقيم" لماذا؟ لأنه إنما يصلي صلاة السفر بسبب الوصف الذي تلبس به، والوصف ارتفع والوقت باق وحينئذ يصلي صلاة مقيم، أذن لصلاة الظهر وقد بقي على البلد خمسين كيلو، أو مائة كيلو أو أكثر، ووصل إلى البلد في الوقت، نعم، هذا يصلي صلاة مقيم على كلام الإمام مالك، لكن لو أخر الظهر إلى أن وصل إلى بلده بعد أن خرج وقتها؟ على كلام الإمام مالك "وإن كان قد قدم وقد ذهب الوقت فليصلِ صلاة المسافر" لأنها وجبت عليه في السفر، وصلاتها بعد انقضاء وقتها قضاء، والقضاء على كلامه كما هو مقرر يحكي الأداء، صلاة مقصورة يصليها قصراً، وجبت عليه في السفر وصلاة المسافر أقرت على التشريع الأول ركعتين، يصليها كما وجبت عليه؛ لأن القضاء يحكي الأداء، هذا رأي الإمام مالك -رحمه الله-، وهو قول أبي حنيفة -رحمه الله-، المسألة متصورة، يعني شخص وجبت عليه صلاة الظهر أو صلاة العصر، وصل البلد بعد أن خرج وقت الظهر، إذا وصل البلد قبل أن يخرج الوقت هذا ما فيه إشكال يصلي الصلاة تامة، صلاة مقيم، إذا وصل البلد بعد أن خرج وقتها على كلام الإمام مالك وهو قول أبي حنيفة يصليها قصراً؛ لأنها إنما وجبت عليه في السفر، وهي هنا في هذه الحالة قضاء والقضاء يحكي الأداء، فيصليها ركعتين.(2/26)
مذهب الشافعية في هذه المسألة والحنابلة أنه يصليها تامة أربع ركعات، ولو خرج وقتها، لماذا؟ لماذا هم أيضاً يقررون هذه القاعدة في بعض المسائل القضاء يحكي الأداء؟ أولاً: عموماً الشافعية والحنابلة يغلبون جانب الحضر، يغلبون جانب الحضر؛ لأنه أحوط من جهة، الأمر الثاني: أن الرخصة ارتبطت، الرخصة مرتبطة بوصف وقد زال الوصف، نعم نرجع إلى العزيمة، الرخصة التي هي القصر والتخفيف من أربع ركعات إلى ركعتين مربوطة بوصف وهو السفر، وقد زال هذا الوصف إذاً نرجع إلى الأصل، قال مالك: "وهذا الأمر هو الذي أدركت عليه الناس" هو أدرك من؟ أدرك الصحابة؟ أدرك التابعين، أدركت عليه الناس يعني من التابعين "وأهل العلم من أتباعهم ببلدنا" يعني المدينة، والعمل عند أهل المدينة له شأن عند الإمام مالك يحتج به، ويرد بعض النصوص التي تخالف عمل أهل المدينة، عمل أهل المدينة أصل عند المالكية.
وقال مالك: "الشفق الحمرة التي في المغرب -يعني في جهة المغرب- فإذا ذهبت الحمرة فقد وجبت صلاة العشاء -يعني دخل وقت وجوبها- وخرجت -أيها المصلي- من وقت المغرب" يعني انتهى، الحد الفاصل بين المغرب والعشاء هو الشفق الأحمر، والمراد بالشفق الحمرة التي في جهة المغرب من أثر الشمس، وهذا قول الجمهور، هذا قول الجمهور، وأن المراد بالشفق الأحمر، وقال أبو حنيفة: المراد بالشفق البياض، الذي يلي هذه الحمرة، الذي يلي هذه الحمرة، والمرجح هو قول الجمهور؛ لأنه لا يعرف في لغة العرب أن الشفق إلا الحمرة، ولذا يقولون: ثوب أحمر كالشفق، وبذا فسره ابن عمر -رضي الله عنه-، والخليل ابن أحمد يقول: "رقبت البياض الذي يلي هذه الحمرة فوجدته يبقى إلى ثلث الليل" وقال غيره: يبقى إلى نصف الليل، إذا قلنا: إن وقت صلاة العشاء من مغيب الشفق، والشفق الذي هو البياض لا يغيب إلا ثلث الليل أو نصف الليل معناه أن وقت صلاة العشاء لا يبدأ إلا بعد نصف الليل، وهذا الكلام يمشي مع النصوص الأخرى؟ ما يمشي، نعم فالمرجح في هذه المسألة هو قول الجمهور، نعم.(2/27)
شرح حديث: "عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أغمي عليه فذهب عقله فلم يقض الصلاة، قال مالك: "وذلك فيما نرى -والله أعلم- أن الوقت قد ذهب، فأما من أفاق في الوقت فإنه يصلي".
أحسن الله إليك:
"عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أغمي عليه فذهب عقله فلم يقض الصلاة، قال مالك: "وذلك فيما نرى -والله أعلم- أن الوقت قد ذهب فأما من أفاق في الوقت فإنه يصلي".
المغمى عليه، وهذه مسألة مهمة؛ لأن مسائل الإغماء، ومسائل التخدير، ومسائل .. ، يعني مسائل قائمة وعملية، والخلاف فيها كبير بين أهل العلم، والحد الفاصل فيما يقضى وما لا يقضى محل خلاف بين أهل العلم، هنا يقول: "إن عبد الله بن عمر أغمي عليه فذهب عقله فلم يقض الصلاة" يعني بعد الإفاقة، وحرف المسألة في الإغماء وهو فرع متردد بين أصلين هما مناط للتكليف، بين النوم والجنون، هل المغمى عليه ملحق بالنائم أو ملحق بالمجنون؟ ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) يعني إذا استيقظ يصلي، يلزمه القضاء، هل نقول: هذا ارتفع عنه التكليف نام خمسة أوقات نقول: لا يقضي النائم؟ ((رفع القلم عن ثلاثة)) والنائم منهم، هل معنى هذا أنه لا يقضي ما فاته؟ المجنون حتى يفيق هل يؤمر بالقضاء؟ نعم، لا يؤمر بالقضاء، ما وجه التفريق بين المجنون والنائم؟ لا يؤمر بالقضاء المجنون، ما يؤمر بالقضاء، ارتفع عنه التكليف، ما الفرق بين النائم والمجنون والسياق واحد؟ النائم يؤمر بالقضاء، لو نام ثلاثة أيام يقضي، المجنون لا يؤمر بالقضاء، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(2/28)
نعم، وهذا آفة، نعم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى النائم عاقل، هل هو عاقل بالفعل أو بالقوة القريبة من الفعل؟ يعني النائم قد يتصرف تصرفات لا تليق بالعقلاء، نعم قد يتصرف تصرف لا يليق بالعقلاء، لكنه عاقل وإن لم يكن عاقل بالفعل لكنه عاقل بالقوة القريبة من الفعل، نعرف الفرق وإلا ما نعرف؟ نعم، فرق ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ الآن إذا قلنا: فلان فقيه بالفعل، وفلان فقيه بالقوة، في فرق وإلا ما في فرق؟ نعم في فرق، فقيه بالفعل المسائل بأدلتها، بجميع ما يتعلق بها في ذهنه حاضرة، لكن فقيه بالقوة المسائل ليست حاضرة في ذهنه، لكنه مجرد ما يحتاج المسألة يرجع إليها في أقرب وقت ويعرف ويحرر ويوازن، وأهل لهذه المسائل هذا فقيه وإن لم يكن بالفعل فهو بالقوة القريبة من الفعل.(2/29)
هذا النائم عاقل وهو في عداد العقلاء، وإن تصرف تصرفات حال نومه لا تليق بالعقلاء قد يتلف والإتلاف ليس من شأن العقلاء، يمد يده يكسر له شيء ثمين، وإلا يقتل نفس وهو لا يشعر، كم من طفل ذهب ضحية نوم أمه واستغراقها في النوم، هل نقول: إنها مجنونة ما عليها تكليف؟ نعم مكلفة مؤاخذة، لكن الإثم مرتفع؛ لأنه رفع القلم عنها وهي عاقلة، هنا فرق بين الجنون والنوم لئلا يقول قائل: السياق واحد، ((رفع القلم عن ثلاثة)) حكمهم واحد، ليش نقول: النائم يقضي والمجنون لا يقضي؟ من هذه الحيثية، الأصل عندنا، الفرع عندنا الإغماء، وهذا الفرع متردد بين أصلين بين النوم وبين الجنون، بجامع ارتفاع العقل، لكن هل هو ارتفع عقله بالكلية كالمجنون أو ارتفع عقله حكماً كالنائم، فعندنا فرع متردد بين أصلين، وهذا يسمى قياس إيش؟ قياس الشبه، فيلحق الفرع بأقرب الأصلين وأقوى الشبه بأحدهما يلحق به، فأيهما أقرب إلى المغمى عليه النائم أو المجنون؟ عندنا ابن عمر لم يقضِ الصلاة حينما أفاق؛ لأن العقل مناط للتكليف، العقل مناط للتكليف، فهو بهذا ألحق الإغماء بالجنون، نعم، والإغماء إحنا بحاجة الإغماء، النوم والجنون ما إحنا بحاجتها، معروف حكمها، نعم الإغماء لا يدرى، لكن عندنا التخدير، وإيش تسوي بالتخدير؟ يقول الطبيب: خلاص خدروه مدة العملية مدة ساعة ساعتين، ويغلب على الظن أنه يفيق، يرتفع العقل هو يحس؟ هل هو نائم؟ يعني تكليف السكران هل هو تكليف أصلي بمعنى أنه مؤاخذ مؤاخذة العقلاء أو معاملة له لأنه هو الذي تسبب لارتفاع عقله؟ نعم، يعني لو طلق السكران يقع طلاقه وإلا ما يقع؟ المقصود أن هذه المسألة أنا أقول: الإغماء يرتفع فيه العقل والإحساس، وهو متردد بين هذين الأصلين، النائم لا يدري ما يدور حوله، والمجنون يتصرف تصرفات لا يعيها، ابن عمر -رضي الله عنه- لم يقضِ باعتبار أن مناط التكليف العقل وقد زال، قال مالك: "وذلك فيما نُرى" أي نظن، فيما نَرى كما ضبطه بعضهم، أي نعلم، والله أعلم، تجي فيما نَرى والله أعلم؟ الآن عندكم مضبوطة بإيش؟ والله أعلم تجي أو نُرى والله أعلم؟ الإتيان بمثل .. ، بقوله: والله أعلم دليل على إيش؟ التردد، واللائق بهذا السياق أن(2/30)
يقول: نُرى، يعني نظن، نظن والله أعلم، ولذا لم يجزم بذلك؛ لأنه لم يعلم حقيقة مذهب ابن عمر، ابن عمر ما قضى لكن ما يدري. . . . . . . . . هل هو يطرد هذا في كل من أغمي عليه لا يقضي، أو أن هذه حالة وصورة يمكن أن يحتف بها ما احتف فلم يقضِ، ولذلك جاء بقوله: "والله أعلم".
"وذلك فيما نرى -أي نظن- والله أعلم" ولم يجزم بذلك لأنه لم يعلم حقيقة مذهب ابن عمر أن الوقت قد ذهب، أن الوقت قد ذهب، فأما من أفاق في الوقت فإنه يصلي وجوباً، وبقول ابن عمر -يعني بعدم القضاء- قال مالك والشافعي، وخالف ابن عمر عمار وعمران بن حصين، فعمار أغمي عليه يوم وليلة فقضى، ومثله عن عمران بن حصين، وقال أبو حنيفة: إن أغمي عليه يوم وليلة قضى ولا يقضي أكثر من ذلك، وقال الإمام أحمد: المغمى عليه كالنائم يقضي كل صلاة في إغمائه، نعود إلى المسألة، عرفنا الآن المذاهب من أهل العلم من يقول: يقضي، وبه قال بعض الصحابة، ومنهم من قال: ما يقضي، مالك والشافعي قالوا بقول ابن عمر: لا يقضي، أبو حنيفة يفرق بين طول المدة وقصرها وعلقه باليوم، وأما أحمد جعل المغمى عليه كالنائم يقضي، ومقتضى كلامه مطلقاً ولو طالت المدة، وبعض أهل العلم، المسألة اجتهادية، بعض أهل العلم وهو استرواح يميل إلى أن الحد الفاصل الثلاث، فمن أغمي عليه ثلاثة أيام لا يقضي، ثلاثة أيام فأكثر لا يقضي، وثلاثة أيام فما دون، أقل من ثلاثة أيام يقضي؛ لأن النائم لا يمكن أن ينام أكثر من ثلاثة أيام، فكيف نلحق المغمى عليه بالنائم والنائم لا يتصور منه ذلك؟ أما إذا أغمي عليه أكثر من ثلاثة أيام ارتفع عقله، وتكليفه ما هو بوارد، هل يتصور أن شخص ينام أكثر من ثلاثة أيام؟ يذكر في بعض الصحف أحياناً أنه وجد في بلد كذا من نام .. ، والله أعلم بحقائق الأمور، هل هو نوم وإلا إغماء وإلا .. ؟ وإلا يرد أحياناً في بعض الصحف شيء من الغرائب، كل الكلام على عموم الناس يعني هل يكثر فيهم من ينام هذه المدة؟ لا، المسألة ليس فيها شيء مرفوع، ليس فيها شيء مرفوع، وعرفنا أنها من باب قياس الشبه، وهذا الفرع متردد بين الأصلين الذين ذكرناهما.(2/31)
وهذا صحابي جليل مقتدي مؤتسي ابن عمر، وثبت عنه أنه أغمي عليه فلم يقضِ الصلاة، لكن هل علمت المدة؟ مدة الإغماء علمت؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ مسألة ساعتين ثلاثة، نصف يوم، أكثر، إيش؟ يعني إيش الحد الذي نقول به؟ ابن عمر ما قضى، لكن يعتريه ما يعتريه، يمكن أغمي عليه أسبوع، ما هو باحتمال؟ أو أكثر، فلا يكفي مثل هذا الفعل لطرد جميع صور الإغماء وإلحاقها بالجنون، حتى نعلم المدة، عمار أغمي عليه يوم وليلة فقضى، مثله عن عمران بن حصين، نقول: الإغماء اليسير يشبه النوم، والإغماء الكثير يلحق بالجنون، الإغماء الذي لا يوجد نظيره في النوم يلحق بالجنون، والإغماء الذي يوجد نظيره في النوم يلحق بالنوم، وإذا تتبعنا أو أردنا أن نتتبع أحوال الناس في النوم نجد من ينام يومين هذا كثير موجود نعم، يوجد، أنا أعرف شخص جاء للمراجعة ليلة الأربعاء عنده مراجعة، ونام ليلة الأربعاء ما فاق إلا السبت، ثلاثة أيام، راح المستشفى قالوا. . . . . . . . .، الله المستعان.
فالنوم يوجد يعني يومين ثلاث ينام، وإن كان قليل لكنه موجود، والثلاث يوجد لها نظير في المسائل الشرعية، نعم، الحيض مثلاً متى تكون المرأة معتادة عند أهل العلم؟ إن تكرر ثلاثاً، نعم، غيرها أحد يذكرنا بمسائل أخرى؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
الطلاق ثلاثاً، ها غيره؟
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . تلقى أربعة بعد، لا، لا، لا، نريد أمور ترد إلى الثلاث، يكون ...
طالب:. . . . . . . . .
العادة ما فيها شك أنها نظير مسألتنا، نعم، الاستئذان ثلاثاً، ومسح المسافر ثلاثاً،. . . . . . . . . وليشهد أربع شهادات،. . . . . . . . . تجيبون مثل هذا تلقون في النصوص مثل الأعداد، لكن المطابق لما نحن فيه تكرر ثلاث، في العادة هذه مطابقة، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
يستتاب ثلاثاً، بعد شهود الزنا كم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هذه صعبة، ما هي بمحل إلحاق، نعم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(2/32)
لا ما يمكن، ما تصلح للرد هذه، ما تصلح لأن يرد إليها، أقول: يستروح بعضهم إلى أن يجعل الثلاث هي الحد الفاصل فما دونها يعتبر ملحق بالنوم، وما فوقها يعتبر ملحق بالجنون؛ لأنه لا يمكن أن يوجد من ينام أكثر من ثلاثة أيام، على كل حال المسألة اجتهادية، المسألة اجتهادية، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لا هم يفرقون من جهة بين المغمى عليه وبين النائم من وجوه، ويفرق بينه وبين المجنون أيضاً من وجوه، نعم، هناك نقاط يلتقي فيها هذا مع هذا، ولذلك قلنا: إنه من باب قياس الشبه.
طالب: أحسن الله إليك: المريض الذي يصاب -نسأل الله العافية- الذي يصاب بجلطة ثم يصحى، ليس مغمى عليه فيخدره الطبيب أسبوع أو أسبوعين، لأنه يخاف من حركته ويخاف من أمر قلبه ما استقر؟
المقصود أنه ارتفع عقله.
طالب: إيه لكن غيبه الطبيب، هو ارتفع عقله، أفاق. . . . . . . . . الجلطة مثلاً بعد يوم غاب يوم، ثم أفاق، ثم الطيب استمر في تخديره يقول: أخاف عليه من الحركة، وهذا كثير الآن كل غرف الإنعاش مثله.
إيه هذا ما يمنع أنه مغماً عليه.
طالب: مغمى عليه؟
مغمى عليه، إيه.
طالب: ولو كان بسبب؟
ولو كان، هذا مغمى عليه، نعم.
شرح: باب: النوم عن الصلاة:
أحسن الله إليك:
"باب النوم عن الصلاة:(2/33)
عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قفل من خيبر أسرى حتى إذا كان من آخر الليل عرس، وقال لبلال: ((اكلأ لنا الصبح)) ونام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وكلأ بلال ما قدر له، ثم استند إلى راحلته وهو مقابل الفجر فغلبته عيناه، فلم يستيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا بلال ولا أحد من الركب حتى ضربتهم الشمس، ففزع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال بلال: يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اقتادوا)) فبعثوا رواحلهم، واقتادوا شيئاً، ثم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالاً فأقام الصلاة فصلى بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصبح، ثم قال حين قضى الصلاة: ((من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [(14) سورة طه])).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب النوم عن الصلاة" أي ما حكمه؟ ما حكم النوم عن الصلاة؟ هل هو مثل الإغماء الذي سبق ذكره أو يقضي؟ هذه مسألة محسومة، نعم محسومة بالنص بخلاف المسألة السابقة.(2/34)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذا مرسل، وأصح المراسيل مراسيل سعيد، وهو حجة عند الشافعية، حتى جمع مراسل سعيد لأنها وجدت موصولة، ومن باب أولى من يحتج بمطلق المراسيل، لكنه موصول في صحيح مسلم "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قفل –يعني رجع- من خيبر " وجاء في بعض الروايات: "من حنين" ولعلها مصحفة، خيبر أصح، وخيبر في الصورة مثل حنين، "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قفل من خيبر أسرى" أسرى وسرى بمعنى واحد، يعني سار ليلاً، ولذا يقولون: عند الصباح يحمد القوم السرى، "حتى إذا كان من آخر الليل عرس" والتعريس: النوم في آخر الليل، أو في الليل مطلقاً، "وقال لبلال: ((اكلأ لنا الصبح)) " يعني احفظ لنا الوقت فلا يفوتنا، {قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم} [(42) سورة الأنبياء] يعني يحفظكم، "ونام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وكلأ –يعني حفظ- بلال ما قدر له"، يعني ما استطاع، يعني قاوم بلال -رضي الله عنه- مدة الذي استطاع مقاومته من الليل، ثم عجز "استند إلى راحلته ... فغلبته عيناه"، "وكلأ بلال ما قدر له"، في رواية مسلم: "فصلى بلال ما قدر له"، استغلال للوقت، وخير ما يستغل به الوقت العبادة، وأثقل ما يمر على الإنسان ساعة الانتظار، إذا كان ينتظر، الدقيقة أشق من ساعة في الانتظار، والساعة عن يوم، والسبب في ذلك ما السبب؟ أننا ما عودنا أنفسنا على عمارة هذه الأوقات بطاعة الله -عز وجل-، وإلا ساعة هذه الانتظار بعض الناس يتمنى أن تكون ساعتين، وهو بصدد عمل يقربه من الله -عز وجل- يتلذذ به أفضل من مجيء هذا المنتظَر، إنسان جالس في بيته ينتظر زيد من الناس، قال: أمر عليك بعد صلاة العصر، تأخر ساعة نصف ساعة تجده يخرج إلى الشارع ويرجع مراراً انتظاراً لهذا الشخص، لكن لو عود نفسه يقول: بدل ما أنتظر يسبح ويهلل ويكبر، سبحان الله وبحمده، سبحان العظيم،. . . . . . . . . إيش. . . . . . . . . صحيح، نعم، أو بيده المصحف كل حرف عشر حسنات، الإشكال أننا ما عودنا أنفسنا على هذا، لكن لو تعود الإنسان عمارة الوقت بما يرضي الله -عز وجل- ما أثر عليه هذا التأخير،(2/35)
ولذلكم في بعض الأوقات والظروف يصير عنده موعد وينتظر أحد، لكن يتمنى أنه ما يجي لأنه مشغول بما هو أهم من أمور الدنيا، لكن لو كان ارتباطنا بالأمور التي تقربنا إلى الله -عز وجل- وترضيه عنا وثيق مثل ارتباطنا ببعض أمور الدنيا ما تأثرنا من تأخر المتأخر، نعم على من وعد أن يفي، ومن ربط أن يرتبط هذا الأصل، لكن مع ذلك لماذا نضيق ذرعاً بالتأخير؟ مثلما ذكرت، يعني لو قال: تأخر عشر دقائق يقول: لا إله إلا الله مائة مرة تسوى الدنيا كلها، ولا حزن على خير، في عشر دقائق يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، مائة مرة، كم يبي يقول: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم من مرة فيما لو تأخر عليه ربع ساعة؟ سبحان الله وبحمده تقال مائة مرة بدقيقة واحدة، يستغفر مائة مرة، مائة مرة بدقيقة واحدة، يقرأ جزء من القرآن بربع ساعة، لكن الإنسان اللي ما يحسب لهذه الأمور نعم وينتظر هذا الموعد يضيق ذرعاً بالوقت.(2/36)
بلال -رضي الله عنه- صلى ما كتب له كما في رواية مسلم، انتظاراً للوقت؛ لأنه عندنا في الكتاب: "وكلأ" في رواية مسلم: "وصلى بلال ما قدر له، ثم استند إلى راحلته" انتهى، كل شيء له حد، المقاومة لها حد، "وهو مقابل الفجر -أي الجهة التي يطلع منها الفجر- فغلبته عيناه" والنوم ليس فيه تفريط، النوم القسري القاهر ليس فيه تفريط، ليس معنى هذا أن الإنسان يسمع "النوم ليس فيه تفريط" ثم إذا أذن قال: أنا والله تعبان والنوم ليس فيه تفريط، أو إذا كلف بعمل أو شيء قال .. ، تجده في الدوام يضع رأسه على الماسة وينام، والنوم سلطان وليس في النوم تفريط، نقول: لا يا أخي، ليس هذا بصحيح، لا يتذرع بهذا إلى ترك الواجبات، نعم إذا عجزت حاولت وقاومت وعجزت نعم، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولذا قال بلال على ما سيأتي: "أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك" شيء لا يملكه بلال، "فغلبته عيناه –يعني نام- فلم يستيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا بلال ولا أحد من الركب -الذين مع النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى ضربتهم الشمس" يعني: "أيقظهم حر الشمس" كما في الروايات الأخرى، وبهذا يرد على الحنفية الذين قالوا: إن سبب الانتقال ليخرج وقت النهي، " ففزع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" انتبه -عليه الصلاة والسلام- فزعاً، أسفاً على ما فاته من وقت الصلاة، "فقال بلال: يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك" وهو الله -جل وعلا-.(2/37)
ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان ينام .. ، تنام عيناه ولا ينام قلبه، تنام عيناه ولا ينام قلبه، في هذه الحالة هل نقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما نام قلبه؟ ما نام قلبه في هذه الحالة؟ ليش فوت الصلاة؟ ماذا نقول؟ لكن هل نام قلبه وإلا ما نام؟ نام قلبه، نام قلبه، يقول ابن عبد البر -رحمه الله-: "خرق نومه عادته -عليه الصلاة والسلام- ليسن لأمته"، حتى لو قدر أنه .. ، افترض أن إنسان مغمض عينيه نقول: والله ما يشوف الصبح، الذي فيه إحساس، ويهتم للأمور، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يهتم لصلاته قرة عينه؟! نعم يهتم لصلاته، إذاً كيف ينام ويؤخر الصلاة وقلبه صاحي؟ نعم ما يمكن، فهذه المرة نام -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان في العادة المطردة أنه لا ينام قلبه لمصلحة عظيمة، ليسن لأمته أن من نام بعد أن احتاط لعبادته ولدينه أنه لا شيء عليه، وأنه يصنع كما صنع النبي -عليه الصلاة والسلام-، يكل أمر الإيقاظ إلى من يثق به، ويعمل كافة الاحتياطات، ويدفع الموانع، بعض الناس يوجد موانع تمنعه من القيام، ولا يبذل الأسباب المعينة على القيام، ويقول: ليس في النوم تفريط، نقول: لا، هذا تفريط، إذا سهر مثلاً في ليلة الصيف، وبقية ساعة، ثم نام مركباً الجوال وموقته، رن الجوال، إيش بيدري بجوال وإلا ساعة؟ لا يحس، لا سيما من نومه ثقيل، نقول: هذا عليه أن يبذل الأسباب وأن ينفي جميع الموانع التي تمنعه من أداء الصلاة في وقتها، فإذا كان السهر يعوقه ويمنعه من صلاة الصبح نقول: السهر بالنسبة له إيش؟ حرام، إذا كان السهر يعوقه عن قيام الليل قلنا: السهر مكروه، قلنا: إن في هذا، في مثل هذا الحديث فيه تسلية للأمة؛ لأن بعض الناس عندهم حرص شديد على أمور دينهم، ولو لم يفرط، لو وضع كافة الاحتياطات ثم نام وعجز عن أداء الصلاة في وقتها تجده يتقطع قلبه أساً وحزناً، لكن بمثل وجود هذا الخبر تسلية -ولله الحمد- تسلية، فأفضل الخلق وأحرص الناس على الخير وأعلمهم وأخشاهم وأتقاهم فاتته الصلاة، فاتته الصلاة الحمد لله.(2/38)
"أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" قد يقول قائل: إن مثل هذا التعبير من بلال هل يحسن أن يقول ولد لأبيه قال له أبوه: لماذا أنت نمت عن الصلاة؟ قال له مثل هذا الكلام "أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك" أو ما قال هذا قال: أخذ بنفسي الله، الله اللي منومنا، هل في مثل هذا حجة؟ يعني الأسلوب، وأسلوب أيضاً ما يدرى ما يعتريه من فعل؛ لأن الكلام قد يقبل في حال ولا يقبل في حال، لو قدر مثلاً أن الأب قال لابنه: أنت نمت عن الصلاة، لماذا نمت عن الصلاة؟ فجاء إليه معترفاً بما ارتكب، قال: يا والدي بذلت الأسباب ونمت مبكر، وركبت الساعة، وأخذ بنفسي الله -جل وعلا-، يختلف عما لو قال: أخذ بنفسي الله، وانتهى الإشكال، يعني الحال يقبل فيها كلام قد لا يقبل، يعني هل الاستدلال بمثل هذا من بلال مثلاً وهو رد على النبي -عليه الصلاة والسلام- بمثل هذا الكلام والنبي -عليه الصلاة والسلام- فزع، قام فزعاً، فقال له: أين الحفظ؟ أين كذا يا بلال؟ قال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأسلوب وبحال يبين منها أنه ما فرط، لكن ما يقبل هذا الأسلوب على إطلاقه، إلا إذا اقترن بحاله ما يدل عليه.(2/39)
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اقتادوا)) " قَبِل، ((اقتادوا)) يعني اقتادوا رواحلكم، وارتفعوا عن هذا المكان، وارتحلوا عنه، "فبعثوا رواحلهم واقتادوا شيئاً" يعني انتقلوا من الوادي إلى مكان مجاور له، "ثم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالاً فأقام الصلاة" وهكذا في أكثر روايات الموطأ، في بعضها: "فأذن أو أقام"، وفي المسند: "أذن" من غير شك، "وصلى النبي -عليه الصلاة والسلام- الركعتين قبل الصبح"، وهو غير عجل، ثم أمره فأقام الصلاة، بعض الناس وهذا يلمسه كل إنسان من نفسه إذا انتبه في هذه الحالة تجده يضيف إلى هذا التأخير أحياناً ما يخل بصلاته من عجلة، وهذا قد يكون الباعث عليه الفزع، والفزع يبعث على مثل هذا، لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- متأني في أموره -عليه الصلاة والسلام-، حتى في الظروف التي تقتضي الفزع مثل هذا، ومثل قوله لعلي -رضي الله عنه- يوم خيبر: ((امضِ على رسلك)) يعني في حال حرب، والحرب تقتضي عجلة ((امضِ على رسلك)) ولا شك أن التأني هو المطلوب، والعجلة من الشيطان. . . . . . . . .، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أمره بالأذان فأذن، ثم صلى الركعتين هذا يدل على أن الرواتب القبلية تصلى قبل الفائتة، ثم يصلى بعدها البعدية، لكن لو ضاق الوقت عن الفريضة تقدم الفريضة لإدراك الوقت، ثم تقضى الرواتب القبلية، "فأقام" يعني من الطرائف إنه وأنا داخل بعد صلاة المغرب للدرس واحد يسأل يقول: فاتتنا الصلاة فأقمت، فقال لي واحد من الطلاب اللي يحضرون: ما علينا إقامة، عامي عامي يسأل قابلني في الباب، وهنا يقول: "ثم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالاً فأقام الصلاة، فصلى بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصبح، ثم قال حين قضى الصلاة: ((من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها)) وفي الرواية الأخرى: ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك)) ((فإن الله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [(14) سورة طه] وهذا أمر لمن؟ لموسى -عليه والسلام-، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأتِ شرعنا بخلافه، {لِذِكْرِي} يعني لذكرك إياي(2/40)
أو لذكرك إياها؟ أيهما المناسب؟ والياء هذه لذكري هل المقصود لذكري؟ لذكرك إياها ذكر الصلاة؟ أو لذكرك إياي فإذا ذكرتني ذكرت ما أوجبت عليك؟ يعني الذكر مصدر، والمصدر مضاف إلى ياء المتكلم، لذكري يعني لذكرك إياي، فإذا ذكرتني ذكرت ما أوجبت عليك، وقال بعضهم: لذكرك إياها، أقم .. ، هذا الناسي يصلي إذا ذكر، والنائم كذلك، والعامد ترك الصلاة حتى خرج وقتها متعمداً، الجمهور على أنه يقضي مع الإثم، وقال بعضهم: بعدم القضاء، وابن حزم نقل الاتفاق عليه، لكن نقل الاتفاق على ضده كما ذكرنا بالأمس.
يقول ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- في الاستذكار: "العامد والناسي في القضاء والصلاة والصيام سواءً، العامد والناسي في القضاء والصلاة والصيام سواءً" يعني إذا لم يعذر الناسي فالعامد من باب أولى، يقول: "وإن اختلفا في الإثم" الناسي، {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا} [(286) سورة البقرة] مرتفع عنه الإثم وإن وجب عليه القضاء، بخلاف العامد عليه الإثم، تأخير الصلاة عن وقتها موبقة، و ((من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر لم يقضه صيام الدهر وإن صامه)) والمعتمد عند عامة أهل العلم أنه يلزمه القضاء، يقول: "وإن اختلفا في الإثم فهما دين ثابت، وفرض واجب وإن خرج الوقت، وقد شذ بعض أهل الظاهر وأقدم على خلاف جمهور العلماء، وأقدم على خلاف جمهور علماء المسلمين، وسبيل المؤمنين، فقال: ليس على المتعمد لترك الصلاة في وقتها أن يأتي بها في غير وقتها؛ لأنه غير نائم ولا ناسي" يعني الحديث خاص بالنائم والناسي ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها)) مفهومه أن من تعمد لا. . . . . . . . .، والجمهور يقولون: إن هذا من باب قياس الأولى، القياس الجلي، من باب مفهوم الموافقة الذي هو القياس الجلي، إذا قيل هذا في الناسي والنائم مع العذر فمع عدم العذر من باب أولى، نأخذ الحديث الذي يليه، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
من؟ المقصود أن الاستدلال سواءً كان منه -عليه الصلاة والسلام- أو من أبي هريرة استدلال في محلة، وبآية والنص صريح في القضاء، من نسي الصلاة، من نام عن صلاة أو نسيها، الأمر ما فيه إشكال، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(2/41)
إيه، ما عليه إثم، لكن إذا فوت صلاة الجماعة أثم لأنه ترك واجب على ما سيأتي، بس الإثم يختلف، إثم ترك الجماعة ما هو مثل إثم خروج الوقت.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، الخلاف بين أهل العلم هل هو للصلاة أو لوقتها؟ حديث الباب يدل على أنه للصلاة، فعلى هذا يؤذن في أي وقت، وهل هو للجماعة أو للمنفرد فقط؟ للمنفرد أو للجماعة فقط؟ من أجل إعلامهم واجتماعهم؟ نعم، الأصل أنه للجماعة المنفرد لا يؤذن، لا، هو أوسع من ذلك، نعم.
أحسن الله إليك:
"عن مالك ... "
لأنه مكان حضر فيه الشيطان.
طالب:. . . . . . . . .
إيه من باب أولى، من باب أولى، العلة أن الصلاة دين في ذمته وهو مكلف عاقل فاهم ذاكر، فالعلة زائدة بلا شك.
طالب:. . . . . . . . .
لا العلة أنه مدين بهذه الصلاة فخرج وقتها، وارتفاع الإثم لأنه نائم، نعم، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(2/42)
الموطأ - شرح كتاب وقوت الصلاة (3)
شرح باب: النهي عن الصلاة في الهاجرة، وباب النهي عن دخول المسجد بريح الثوم وتغطية الفم
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:(3/1)
في الحديث السابق الحديث الوارد في قصة نومه -عليه الصلاة والسلام- عن صلاة الصبح، قال -عليه الصلاة والسلام- في آخره مسلياً لهم ومؤنساً؛ لأن هذا الأمر ليس في أيديهم، وما خرج عن اليد والاختيار خرج عن دائرة التكليف، فقال: ((يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حينٍ غير هذه -يعني قبل ذلك- فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها)) يعني قام إليها وهذا هو الأصل أن يقوم إليها فزعاً مذعوراً لما فاته وإن لم يكن الأمر بيده، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((فليصلها كما كان يصليها في وقتها)) كما كان يصليها في وقتها، كما لو أداها في أول وقتها كالمعتاد، فيأتي بها كاملة تامة، من قيامها وركوعها وسجودها وأذكارها وغير ذلك، ولا يحمله التأخر عن أدائها في أول وقتها حتى لو خرج وقتها إلى أن يخل بشيء من أركانها، "ثم التفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أبي بكر فقال: ((إن الشيطان أتى بلالاً وهو قائم يصلي فأضجعه)) " يحرص الشيطان على مثل هذا، يحرص على أن يصرف المسلم عن صلاته بالكلية، فإن تيسر له ذلك فهو المطلوب وإلا شغله عنها، أو شغله فيها إن لم يستطع أن يشغله عنها، فأتى إلى بلال لأمر .. ، لتحقق أمر يريده الله -جل وعلا-، فنام -عليه الصلاة والسلام-، والسبب الذي جعله النبي -عليه الصلاة والسلام- للاستيقاظ أيضاً تخلف أثره ليقضي الله أمراً كان مفعولاً؛ ليعمل الناس الحكم في مثل هذه الحالة، ((إن الشيطان أتى بلالاً وهو قائم يصلي فأضجعه فلم يزل يهدئه)) يعني كطريقة الأمهات في تهدئة الصبيان من أجل النوم، وأهل الحديث يروونه بلا همز: "يهديه" وإن كان الأصل من الهدوء والتهدئة فهو مهموز، ((كما يهدأ الصبي حتى نام)) يعني حتى ينام، ومعروف أن الصبي يضرب على ظهره برفق حتى ينام، وهذا أمر مأثور معروف متوارث ولا ضرر فيه، وإن قال بعضهم بعض المعاصرين والمتأخرين ممن يزعم أنه يتصدى للتربية يقول: إن النوم سببه التعب الحاصل من هذه التهدئة، يقول: إن الطفل يتعب من هذه التهدئة فينام، وهذا ليس بصحيح، "ثم دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالاً فأخبر بلال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل الذي(3/2)
أخبر أبا بكر"، الرسول -عليه الصلاة والسلام- أخبر أبو بكر بما حصل لبلال قبل أن يخبره بلال، وهذه معجزة له -عليه الصلاة والسلام- حيث أطلعه الله على ذلك، فقال أبو بكر: "أشهد أنك رسول الله"، مع أنه مؤمن مسلم قبل ذلك، لكن استدامة لإيمانه وإظهاراً لما تجدد في نفسه مما يزيد في إيمانه -رضي الله عنه وأرضاه-.
طالب:. . . . . . . . .
يبقى على إرساله، مرسل باتفاق الرواة، ولا يوجد في الصحيحين، نعم، إيه لا بأس.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.
شرح باب: النهي عن الصلاة في الهاجرة:
قال الإمام يحيى: باب النهي عن الصلاة في الهاجرة:
عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، وقال: اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً فأذن لها بنفسين في كل عام، نفس في الشتاء ونفس في الصيف)).
وحدثنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم، وذكر أن النار اشتكت إلى ربها فأذن لها في كل عام بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف)).
عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(3/3)
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب النهي عن الصلاة بالهاجرة" باب النهي عن الصلاة بالهاجرة، هكذا جاءت الترجمة، والنهي مأخوذ من ضد الأمر بالإبراد، فالأمر بالشيء .. ، الأمر بالإبراد ((إذا اشتد الحر فأبردوا)) النهي عن الشيء أمر بضده، والأمر بالشيء نهي عن ضده، فإذا أمرنا بالإبراد نهينا عن الصلاة بالهاجرة، والنهي هنا يراد به الكراهة، وعند جمهور أهل العلم أن الأمر كـ (أبردوا) للاستحباب، والهاجرة المراد بها نصف النهار عند اشتداد الحر.(3/4)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن شدة الحر من فيح جهنم)) " فيح: ومنه المكان الأفيح المراد به الواسع، ففيح جهنم سعة انتشارها وتنفسها في ذلك الوقت، ((فإذا اشتد الحر)) في أيام الصيف، ((فأبردوا عن الصلاة)) يعني أخروها عن أول وقتها التي كنتم تفعلونها فيه حتى يبرد الجو، ((أبردوا)) أي ادخلوا في الوقت البارد، كما يقال: أنجد وأتهم وأظلم، دخل نجد، ودخل تهامة، ودخل في الظلام، وهنا ((أبردوا)) وأبرد فلان يعني دخل في الوقت البارد، فأبردوا عن الصلاة: المراد تأخير صلاة الظهر إلى أثناء وقتها، وإذا اقتضى الأمر أن تؤخر إلى آخر وقتها فلا بأس للحاجة، من أجل أن يكون للحيطان ظل يستظل به الناس ذهاباً إلى الصلاة وإياباً منها، وإلا لو فعلت في أول وقتها ما صار للحيطان ظل كافي يستظل به الناس، فإذا أخرت عن أول الوقت استظل الناس بالحيطان، ومنهم من يقول: تأخيرها المأمور به إلى آخر وقتها لكي يقرب من ذلك وقت العصر فيخرج الناس إلى الصلاتين مرة واحدة، بهذا يكون كالجمع الصوري، تصلى صلاة الظهر في آخر وقتها والعصر في أول وقتها، وفي هذا تيسير على الناس بلا شك، لكن الأمر بالإبراد لا يصل إلى حد آخر الوقت، بل إذا كان للحيطان ظل يستظل به الناس ويقيهم شر الشمس وضربتها، والحر الشديد الذي يؤذيهم يكفي امتثالاً لهذا الأمر، وقال: ((اشتكت النار إلى ربها)) وقال: يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- بالإسناد السابق ((اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا ربِ أكل بعضي بعضاً)) "فقالت" قد يقول قائل: هل النار تتكلم؟ نعم تتكلم، الذي يثبت المجاز يقول: قالت مجازاً؛ لأن الجمادات لا تتكلم حقيقة، والصواب أنها تتكلم حقيقة بلسان المقال وليس بلسان الحال، والقدرة الإلهية صالحة لذلك، كما في قوله تعالى: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [(11) سورة فصلت] {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ} إيش؟ {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [(30) سورة ق] نعم تتكلم، نعم، المقصود أنه نسب إليها الكلام في نصوص كثيرة، ((أكل بعضي بعضاً)) وذلك لشدة حرها ولعدم وجود ما تأكله فيعود بعضها على بعض، فيأكل بعضها(3/5)
بعضاً، ((فأذن الله لها ... بنفسين، نفس في الشتاء ونفس في الصيف)) ولا شك أن النفس وهو المتنفس للشيء المكتوم، وهذا أمر محسوس، فيخرج منها هذا الحر الشديد من نفس الصيف، والبرد الشديد من نفس الشتاء من باب التنفيس عليها، فيكون نفساً، ومنه نفس الإنسان، ومنه تنفيس الكرب لأنها تخفف، ((فأذن لها بنفسين في كل عام، نفس في الشتاء ونفس في الصيف)) ويبينه الحديث الذي يليه، يقول: "وحدثنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)) " والأمر بالإبراد خاص بصلاة الظهر التي هي في شدة الحر، يعني لو قدر أنه في وقت صلاة المغرب مثلاً صار الجو مكتوم وهذا يوجد أحياناً النفس يا الله يدركه الإنسان هل نقول: إن المغرب مثل الظهر أو العشاء مثلاً؟ وقد يقول قائل: أحياناً العصر يكون حر شديد، تكون الأرض والحيطان قد تشربت هذه الحرارة، لا سيما بعد وجود مواد ليست من طبيعة البلد، إذا وجد في البلد مواد ليست من طبيعته تشربت الحرارة، يعني في البلدان الحارة يناسبها الطين أكثر مما يناسبها الإسمنت والحديد، الناس الذين أدركوا العمارة القديمة بالطين واللبن ما يحسون بمثل هذه الحرارة التي توجد الآن، مع ما كسيت به الأرض من مواد تمتص الحرارة، فلا شك أن العصر في شدة الصيف حار، لكن هل معنى هذا أننا نؤخر العصر؟ هذا الأمر خاص بصلاة الظهر، الأمر خاص بصلاة الظهر، ولا يصل التأخير لصلاة الظهر المأمور به إلى أن يخرج وقتها؛ لأنه قد يقول قائل: إن العصر حر شديد أيضاً لماذا لا نؤخر؟ المغرب قد يوجد كتمة مثلاً، في بعض البلدان لا سيما الساحلية في شدة الحر المغرب والعشاء أشد من النهار، هل معنى هذا أننا نؤخر؟ لا، لا نؤخر، هذا الأمر خاص بصلاة الظهر، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
شوف الترجمة، الترجمة من الإمام، هذا بابه نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا جاء ما يخصصه، جاء: ((فأبردوا عن الظهر)) نعم جاء في بعض الروايات، المقصود به شدة الحر، وهو المراد.(3/6)
وذكر –أي النبي -عليه الصلاة والسلام- بالإسناد المذكور، وما جاء بالأمر في الإبراد مخصص لما جاء من نصوص المبادرة والمسارعة، وبيان أن أفضل الأوقات أولها، أوائل الأوقات أفضل، الصلاة على أول وقتها، فيكون هذا النص مخصص لما جاء، مع أنه مخصوص أيضاً بصلاة العشاء، وذكر -يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- بالإسناد السابق-: ((أن النار اشتكت إلى ربها فأذن لها في كل عام بنفسين، نفس في الشتاء ونفس في الصيف)).
ثم بعد ذلك قال: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)) ".
هذا يقول: إذا استيقظ للصلاة في وقت طلوع الشمس فماذا يفعل؟
يصلي فوراً، الفوائت تقضى فوراً، يجب قضاء الفوائت فوراً، والفرائض لا تدخل في النهي، نعم.
سم.
شرح: باب النهي عن دخول المسجد بريح الثوم وتغطية الفم:
أحسن الله إليك:
باب: النهي عن دخول المسجد بريح الثوم وتغطية الفم:
عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أكل من هذه الشجرة فلا يقرب مسجدنا يؤذينا بريح الثوم)).
عن مالك عن عبد الرحمن بن المجبر أنه كان يرى سالم بن عبد الله إذا رأى الإنسان يغطي فاه وهو يصلي جبذ الثوب عن فيه جبذاً شديداً حتى ينزعه عن فيه.(3/7)
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب النهي عن دخول المسجد بريح الثوم وتغطية الفم" ثم ذكر حديث سعيد بن المسيب أرسله وإلا هو موصول في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أكل من هذه الشجرة)) يعني شجرة الثوم، وإطلاق الشجرة على مثل الثوم هل يقال لها: شجرة؟ {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [(6) سورة الرحمن] ابن عباس فسر الشجر بما له ساق، والنجم ما لا ساق له، فالثوم له ساق؟ لا ساق له، ومن الذي قال هذا الكلام ((من أكل من هذه الشجرة؟ )) الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وهو عربي، يتكلم بلسان العرب، فابن عباس -رضي الله عنه- فسر الشجر بما له ساق، والنجم ما لا ساق له، ولا يمنع أن يكون إذا ذكر الاثنان اختص كل واحد بتعريف، وإذا أفرد أحدهما نعم عن الآخر جاز إطلاق الاسمين عليه، فيطلق النجم على ما ساق له، والشجر على ما لا ساق له، هذا إذا أفردا، أما إذا اجتمعا فلكل واحد منهما تعريفه، كالإسلام والإيمان، والفقير والمسكين وما أشبه ذلك.
((من أكل من هذه الشجرة)) الإشارة إلى حاضر في الأعيان، ويشير إليها "من هذه الشجرة" أو إلى حاضر في الأذهان؟ نعم، الآن هل أمامه مزرعة ثوم؟ ((من أكل من هذه الشجرة)) هل حضور المشار إليه حضور عيني أو حضور ذهني؟ يعني افترضنا أن مؤلفاً يقول: أما بعد: فهذا كتاب نشرح فيه أو نبين فيه كذا، "هذا كتاب" يشير إلى الكتاب الموجود أمامه أو الموجود في ذهنه؟ هذا إن كانت المقدمة قبل التأليف فيشير إلى ما في ذهنه، وإن كانت المقدمة بعد التأليف فيشير إلى شيء حاضر في الأعيان، هنا الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من أكل من هذه الشجرة)) يشير إلى حاضر في الأعيان إذا كان في مزرعة ثوم، يقول: ((من أكل من هذه الشجرة)) ممكن، لكنه يشير على حاضر في الذهن.(3/8)
((فلا يقربن)) أو ((فلا يقرب مساجدنا)) في رواية: ((مسجدنا)) والعلة: ((يؤذينا بريح الثوم)) ما في ما يمنع أن يكون يوجد فص من الثوم أو شيء من هذا مع أحد، ما يمنع، لكن اللي يظهر -والله أعلم- من السياق سياق الروايات كلها أنه لما تأذى برائحة الثوم قال هذا الكلام، فتكون الإشارة إلى حاضر في الذهن يقربه ويحدده الرائحة التي تأذوا بها، وفي رواية: ((فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان)) ((الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان)) قد يقول قائل: هل لمن أكل من هذه الشجرة أن يدخل المسجد وما فيه أحد؟ خالي؟ يقول: ما في إنسان يتأذى؟ النهي عن قربان المسجد، نعم، أقول: قد يقول قائل: إذا خرج الناس من الصلاة رحت صليت، نعم، قد يوجد إنسان إذا كان الناس يتأذون برائحة الثوم لكن لو اتفق مجموعة من الناس أو جميع جماعة المسجد وأكلوا ثوم، حينئذ لا يتأذون ارتفعت العلة، هل معنى هذا أنه يسوغ لهم أن يدخلوا المسجد؟ أو تبقى العلة المنصوصة في بعض الروايات: ((فإن الملائكة تتأذى))؟ فعلى هذا لا يقرب المسجد ولو لم يكن فيه أحد، ولو أكلوا كلهم الثوم.
ويلتحق بالثوم كل ما له رائحة كريهة من .. ، كالبصل، والكراث، ومن باب أولى المحرم كالدخان مثلاً، أو شخص تنبعث منه روائح كريهة من بخر، أو ما أشبهه مثل هذا لا يؤذي الناس.
طالب:. . . . . . . . .
لا البرا أمره سهل ما هو بمسجد، ما هو بمسجد، من باب: نصر، قرب من باب إيش؟ عظم، عظم يعظم، نعم، أقول: يلتحق به كل ما له رائحة، سواءً كانت بفعل الإنسان، أو خارجة عن فعله إلا إذا خفف ذلك بزيادة في التنظيف، أو روائح طيبة من طيب وشبهه تكسر هذه الرائحة الخبيثة التي تنبعث منه.(3/9)
وأيضاً يمنع -قياساً على ذلك- إرسال الروائح الكريهة في المسجد، الروائح الكريهة إرسالها كالفساء والضراط والجشاء يجوز وإلا ما يجوز؟ نعم، شخص جالس في المسجد احتاج إلى أن يرسل شيئاً من ذلك، نعم، يجوز وإلا ما يجوز؟ ما لم يحدث، ما لم يحدث أو يؤذي، هو يقول: أنا باجلس في المسجد أقرأ القرآن عن ظهر قلب، وهذا لا يؤثر، واحتاج إلى أن رسل شيئاً من ذلك، أما مع الحاجة فقد قال أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي على حديث: ((فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) قال: فيه جواز إرسال ذلك للحاجة، للحاجة، ومعلوم أن بقاء الإنسان طاهراً في المسجد ذاكراً تالياً مصلياً هذا هو الأكمل.(3/10)
إذا كان أكل هذه الأشياء ذوات الروائح الكريهة مثل الثوم والبصل والكراث يمنع من دخول المسجد، ويمنع من حضور الجماعة فما حكمه؟ حضور الجماعة واجب، وصلاة الجماعة واجبة، فهل نقول: إن ما يمنع منها حرام؟ نعم، نعم إن تعمد الأكل ليترخص بذلك، لكن أكل لحاجة هو ما قصد الأكل من أجل ألا يصلي مع الجماعة، لم يقصد التحايل بذلك، لكن الحاجة، الحاجة لا تصل إلى حد يقاوم الواجب، أقول: هذه الحاجة قد يكون يأكله تلذذاً مثلاً، جاء وصفها بأنها خبيثة في قوله -جل وعلا-: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [(157) سورة الأعراف] وجاء وصفها: ((من أكل من هاتين الشجرتين الخبيثتين)) يقول أهل الظاهر: بأن الأكل منهما حرام ولو لم يرد في صحيح مسلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سئل عنهما أحرام هما؟ قال: ((أنا لا أحرم ما أحل الله)) فهما حلال خلافاً لأهل الظاهر، لكن الحلال الذي يمنع من الواجب، الحلال الذي يمنع من الواجب حكمه يعني لا لذاته، لا يحرم لذاته، إنما لما يؤدي إليه، وعلى هذا يحمل حال من يأكله تحايلاً لإسقاط الواجب، أما من أكله لحاجة فلا، بأن يوصف علاج مثلاً إذا قيل: ينفع لك مثلاً علاج ثوم وإلا .. ، وفي منافع كبرى يذكرها الأطباء وتذكر في كتب الطب، لا سيما الثوم ويقرب منه البصل في كثير من خصائصه، يذكرون أشياء، منافع عظيمة فيها، لكن مع ذلك تحصيل أمور الدنيا لا يعني أنه تهدر بسببها أمور الآخرة، نعم إذا وصف علاج لمرض موجود فالأمر -الحمد لله- الدين في سعة لمثل هذا.
إيش في؟
طالب: الرجل. . . . . . . . .
المقصود أنه للحاجة لا بأس به، إذا أكله تحايل من أجل إسقاط الجماعة، لكن بعض الناس يأكله لحاجة ويصعب عليه أن يتخلف عن شهود الجماعة، نعم، بلا شك إذا خفف ذلك، إذا انتفت العلة، إذا انتفت العلة وتطيب وخفت هذه الرائحة، فالعلة معقولة، فإذا ارتفعت ارتفع معها حكمها.(3/11)
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن المجبر" عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عمر بن المجبر سقط تكسر فجبر قيل له: مجبر، ومنهم من يقول: إنه مات أبوه وهو في بطن أمه حمل، فقيل: لعل الله -جل وعلا- أن يجبره ويعوضه عن أبيه فسمي مجبر، كل من رآه قال: الله يجبره، نعم، هذا قول، "أنه كان يرى سالم بن عبد الله" التابعي الجليل الفقيه أحد الفقهاء السبعة "إذا رأى الإنسان يغطي فاه وهو يصلي جبذ الثوب عن فيه"، "إذا رأى الإنسان يغطي فاه وهو يصلي جبذ الثوب عن فيه جبذاً شديداً"، نعم أبلغ في التعليم، وفي الإنكار باليد مع الاستطاعة، "حتى ينزعه عن فيه"، والسبب في ذلك أمور:
منها: أن يباشر الأرض بأنفه كجبهته.
منها أيضاً: ما قاله بعض أهل العلم أن التلثم ينافي الخشوع، ينافي الخشوع، يقول: لما فيه من الكبر، وأيضاً: قد يظن بعض الناس أنه .. ، أن هذا الذي تلثم وغطى أنفه يظن بعض الناس أنه من أجله؛ لئلا يشم رائحته أو يستنكف أن يشم رائحة في المسجد أو من أحد المصلين فيقع في نفسه ما يقع، وفي الاستذكار يقول: "تغطية الفم والأنف في الصلاة مكروه لمن أكل ثوماً"، وبهذا نعمل الفائدة من إرداف حديث الثوم بالتلثم، نعم، يقول: "تغطية الفم والأنف في الصلاة مكروه لمن أكل ثوماً، وأصل الكراهية لأنهم كانوا يتلثمون ويصلون على تلك الحال فنهوا عن ذلك" يعني ما يكفي أن يتلثم إذا أكل ثوماً أو بصلاً ثم حضر المسجد تلثم، نعم قد لا تشم منه الرائحة، لكنه لا يكفي ذلك.
طالب:. . . . . . . . .
التطيب، نعم هو إذا وجد الطيب الذي له رائحة قوية بحيث تقاوم رائحة الثوم فالعلة معقولة، يعني ارتفعت هذه الرائحة فلا بأس حينئذ.
طالب:. . . . . . . . .
لا اللثام لأمور، يعني ما هو لأمر واحد، ما هو من أجل الثوم فقط؛ لأنه ينافي الخشوع، وفيه كبر، وفيه أيضاً يمنع من مباشرة الأرض، فيه أمور مجتمعة، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا في مقاومة يعني، الذي يشم الرائحة، إذا تطيب مثلاً الإنسان شماغه ولحيته وذا، تقاوم يعني، فالرائح تشم، نعم.(3/12)
مناسبة الباب في أكثر الموطئات بين هذا الباب وبين كتاب الوقوت، باب: النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، باب: النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر في أكثر الموطئات، لكن في موطأ يحيى تأخر هذا الباب، وضعه في آخر كتاب الصلاة، مع أن ابن عبد البر يقول: ليس له هناك مدخل، ولذا قدمه، ابن عبد البر في الاستذكار قدم الباب إلى هنا، وضعه قبل النهي عن دخول المسجد بريح الثوم وتغطية الفم، نعم، ما المناسبة؟ من يذكر المناسبة بين هذا الباب وكتاب الوقوت؟ نعم، في مناسبة؟ هذا إذا كان ينقطع، إذا كان ينقطع قبل وقت الصلاة، هو يحتمل على بعد أن النهي عن قربان المساجد يعني في أوقات الصلاة، النهي عن قربان المساجد في أوقات الصلاة التي يوجد فيها من يتأذى، يعني لو جاء شخص يصلي ركعتي الضحى في المسجد وآكل ثوم يمنع وإلا ما يمنع؟ أو جاء في منتصف الليل بيوتر في المسجد يمنع وإلا ما يمنع؟ لا يوجد من يتأذى، ((يؤذينا بريح الثوم)) يقال: ما في إنسان يتأذى إذاً الملائكة لا تتأذى، إذاً كلامك هذا يلزم منه أنه لا يؤكل مطلقاً؛ لأن الملائكة يوجد القرين بعد، بدون. . . . . . . . .، القرين معه باستمرار ويتأذى في غير وقت صلاة وفي غير مزاولة صلاة ما يؤكل؟ أنت إذا قرنت بين المساجد المساجد، النهي عن قربان المساجد إذا قرنت بها ((يؤذينا)) المسجد مع الأذى، العلة مركبة ما هي بمفردة، العلة مركبة من كونه أذى وكونه في المسجد، ولذا في مجامع الناس مثلاً في الأسواق أكل ثوم نقول: لا تروح تؤذي الناس؟ نعم، الآن لو شخص أكل ثوم وطلع السوق نقول: حرام عليك؟ نقول: العلة مركبة، العلة مركبة من قربان المسجد والأذى؛ لأن غير المسجد اللي تأذى يؤخر، يطلع يا أخي، نعم، الذي يتأذى -الحمد لله- الأمر فيه سعة، لكن المسجد الذي هو مورد الناس كلهم هذا الذي ما يقدر يتركه الإنسان لأنه محل العبادة، لكن العلة المنصوصة الآن في الحديث مركبة وليست مفردة من قربان المسجد ومن الأذى، فعلى هذا إذا مسألة قربان المسجد هل تستقل بالتعليل؟ والأذى وحده هل يستقل بالتعليل؟ محل نظر، ما يمكن يسلم به، فالعلة مركبة، فإذا اجتمع الأمران منع، وعلى هذا إذا جاء في منتصف الضحى قال:(3/13)
أنا أريد أصلي ركعتي الضحى والمسجد ما فيه أحد، نقول: لا يقرب مسجدنا؟ نعم؟ كيف؟ لأنه ما يوجد من يتأذى، لا يوجد من يتأذى، وهذا هو الظاهر لأن العلة إذا كانت مركبة من أمرين لا يستقل أحد الأمرين بترتيب الحكم، فعلى هذا من أراد أن يصلي الضحى، من أراد أن يوتر لا مانع أن يدخل المسجد ولو أكل إذا لم يوجد من يتأذى؛ لأن العلة المنصوصة مركبة من أمرين.
هنا في مسألة في الحديث -في الخبر الثاني- رأى إنسان يغطي فاه وهو يصلي، الحال أنه يصلي، تغطية الفم أو التلثم خارج الصلاة خارج الصلاة لغير حاجة، أما إذا وجدت حاجة برد مثلاً شديد، أو حساسية عند الإنسان يتأثر بأدنى شيء هذه الحاجة معروف حكمها، لكن بغير حاجة دائماً يمشي بين الناس وهو متلثم، بعض أهل العلم يطلق الكراهة، يطلق الكراهة، لماذا؟ نعم، لا شك أنه يحدث ريبة ونفرة أيضاً، الناس ينفرون من مثل هذا المتلثم، لا سيما إذا لم يعرفوا السبب الباعث له على ذلك.
جبذ الثوب وجذبه لغتان بمعنى، وإن قال بعضهم: إنه مقلوب، لكن الفيروزآبادي أنكر أن يكون مقلوباً، إنما هو لغة أصلية في جذب الثوب، وهنا فيه الإنكار باليد مع الاستطاعة، ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) هذا هو الأصل، هذا إذا استطاع، إن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه، والله المستعان.(3/14)
شرح: الموطأ - كتاب الطهارة (4)
باب العمل في الوضوء - باب: وضوء النائم إذا قام إلى الصلاة
الشيخ: عبد الكريم الخضير
كتاب الطهارة:
باب العمل في الوضوء:
عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال لعبد الله بن زيد بن عاصم وهو جد عمرو بن يحيى المازني، وكان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد بن عاصم: نعم، فدعا بوَضوء فأفرغ على يده فغسل يديه مرتين مرتين ثم تمضمض واستنثر ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه.
عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر، ومن استجمر فليوتر)).
عن مالك عن ابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر)).
قال يحيى قال: سمعت مالكاً يقول في الرجل يتمضمض ويستنثر من غرفة واحدة: إنه لا بأس بذلك.
عن مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن أبي بكر قد دخل على عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم مات سعد بن أبي وقاص فدعا بوضوء فقالت له عائشة: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ويل للأعقاب من النار)).
عن مالك عن يحيى بن محمد بن طحلاء عن عثمان بن عبد الرحمن أن أباه حدثه أنه سمع عمر بن الخطاب يتوضأ بالماء لما تحت إزاره.
قال سئل مالك عن رجل توضأ فنسي فغسل وجهه قبل أن يتمضمض أو غسل ذراعيه قبل أن يغسل وجهه فقال: أما الذي غسل وجهه قبل أن يتمضمض فليمضمض، ولا يعد غسل وجهه، وأما الذي غسل ذراعيه قبل وجهه فليغسل وجهه ثم ليعد غسل ذراعيه حتى يكون غسلهما بعد وجهه إذا كان ذلك في مكانه أو بحضرة ذلك.(4/1)
قال: وسئل مالك عن رجل نسي أن يتمضمض ويستنثر حتى صلى قال: ليس عليه أن يعيد صلاته وليمضمض ويستنثر ما يستقبل، إن كان يريد أن يصلي.
بعد أن أنهى الإمام -رحمه الله تعالى- الكلام على شرط من شروط الصلاة، وهو الوقت شرع في بيان شرط آخر وهو الطهارة، فقال:
كتاب الطهارة:
باب العمل في الوضوء:
يقول:
كتاب الطهارة:
عرفنا أن أكثر المصنفين يبدؤون بكتاب الطهارة؛ لأهميتها، وهي مفتاح الصلاة، و ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) و ((لا تقبل صلاة بغير طهور)) النصوص كثيرة في هذا، الطهارة شرط بالإجماع.
باب العمل في الوضوء:
الطهارة أعم من أن تكون بالماء أو ببدله، أو أن تكون عن حدث أكبر أو أصغر، المقصود أن الطهارة شرط في صحة الصلاة.
باب العمل في الوضوء:(4/2)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال لعبد الله بن زيد بن عاصم" هذا راوي صفة الوضوء، وهو غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي الأذان غيره، عبد الله بن زيد بن عاصم يقول: وهو جد عمرو بن يحيى المازني، يقول الحافظ ابن حجر: هذا فيه تجوز، لماذا؟ لأن عبد الله بن زيد بن عاصم عم لأبيه، وليس جداً له، وسماه جداً لكونه في منزلته، في منزلة جده "وكان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال لعبد الله بن زيد بن عاصم: هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ؟ " هل تستطيع؟ ماذا يفهم من هذا الأسلوب؟ هل تستطيع؟ نعم هو تطبيق عملي لكن إيش معنى هل تستطيع؟ يعني ما قال: صف لي، أو توضأ لي، أرني كيف كان يتوضأ؟ هل تستطيع؟ نعم، هم يقولون: فيه ملاطفة، لكن الاستعمال الآن لمثل هذا الأسلوب فيه ملاطفة وإلا فيه .. ؟ نعم كأن فيه شيء من التعجيز، وإلا فالشروح كلهم يقولون: هذا فيه ملاطفة، لا سيما مع كبر سنه، وطول عهده، مع طول العهد، وهذا عم أبيه بمنزلة جده، هل تستطيع؟ يعني هل تستطيع أن تصف كما رأيت أو نسيت شيئاً من ذلك، أو اختلط عليك الأمر؟ لا شك أن الطلب المقرون بالاستطاعة فيه تخفيف للطلب، يعني كونك تقول لشخص: أعطني هذا فيه مشقة، لكن إن كنت تقدر يا أخي أعطني هذا، أو تستطيع إن كان ما يشق عليك، هذا فيه ملاطفة لا شك "هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد بن عاصم: نعم، فدعا بوَضوء" الوَضوء بفتح الواو الماء الذي يتوضأ به، وبضمها الوُضوء الفعل "فأفرغ على يده فغسل يديه مرتين مرتين، واستنثر ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يديه مرتين" ثبت في صفة وضوئه -عليه الصلاة والسلام- أكثر من كيفية، فتوضأ -عليه الصلاة والسلام- مرة مرة لكل عضو، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه توضأ مرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وثبت عنه كما في هذا الحديث أنه توضأ، يقول أهل العلم: ملفقاً، يعني بعض الأعضاء مرة، وبعض الأعضاء مرتين، وبعضها ثلاث، كل هذا جائز.(4/3)
هنا يقول: "فأفرغ على يده فغسل يديه مرتين مرتين" والمراد بغسل اليدين هنا غسل الكفين، وليس المراد غسل اليدين الذي هو من فرائض الوضوء "فغسل يديه مرتين مرتين، ثم تمضمض واستنثر ثلاثاً" غسل اليدين سنة ما لم يكن الشخص قائم من النوم على ما سيأتي، يستيقظ من النوم على خلاف ذلك، أو يكون عليهما نجاسة فلا بد من غسلهما، وما عدا ذلك غسلهما قبل الوضوء سنة "فأفرغ على يده فغسل يديه مرتين مرتين" بعض من ذكر صفة وضوئه -عليه الصلاة والسلام- قال: فأفرغ على يديه من الإناء ثلاثاً، في حديث عثمان وغيره: ثم تمضمض واستنثر ثلاثاً، ويأتي ما في المضمضة والاستنشاق من بيان للحكم.
والمضمضة إدخال الماء في الفم مع التحريك، وهل المج وإخراج الماء من الفم من مسمى المضمضة أو قدر زائد عليها؟ يقول: ثم تمضمض إدخال الماء في الفم مع تحريكه هذه مضمضة، لكن مج الماء بعد ذلك هل هو من مسمى المضمضة وإلا لا؟ بمعنى أنه لو أدخل الماء ثم حركه فابتلعه نقول: تمضمض وإلا ما تمضمض؟ نعم؟ بعض كتب اللغة يدخل المج في مسمى المضمضة، وعلى هذا لا تتم المضمضة إلا بعد مج الماء، وإخراجه من الفم، ومنهم من يقتصر على إدخاله في الفم وتحريكه، والتحريك من مقتضى الصيغة، المضمضة التي هي كالخضخضة تحريك.
"واستنثر ثلاثاً" استنثر عندنا استنشاق واستنثار، هذا الاستنشاق جذب الماء بالنفس إلى داخل الأنف هذا استنشاق والاستنثار إخراج الماء من الأنف بالنفس، وعندنا في الحديث اقتصر على الاستنثار من باب الاكتفاء، فالاستنثار لا بد أن يتقدمه استنشاق، وإن قال بعضهم: إن الاستنثار هو الاستنشاق، لا، نقول: من لازمه الاستنشاق بدليل الجمع بينهما في بعض النصوص، في بعض النصوص استنشق واستنثر ثلاثاً، فيحمل الاستنشاق على إدخال الماء وجذبه إلى داخل الأنف بالنفس، والاستنثار يحمل على إخراجه من الأنف بالنفس.(4/4)
"ثم غسل وجهه ثلاثاً" فيه تقديم غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء، ثم المضمضة والاستنشاق، ثم بعد ذلك غسل الوجه ثلاثاً "ثم غسل وجهه" العطف عطف الوجه على المضمضة والاستنشاق، العطف يقول أهل العلم: إنه يدل على إيش؟ على المغايرة، إذاً الاستنشاق والاستنثار غير غسل الوجه، ويأتينا في بيان حكم المضمضة والاستنشاق أن الفم والأنف داخلان في الوجه مع خلاف في ذلك، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، وعطف الوجه عليهما دال على المغايرة.
"ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه إلى المرفقين" وإلى هنا غاية والغاية داخلة بدليل ما جاء في وصف وضوئه -عليه الصلاة والسلام- وأنه أدار الماء على مرفقيه، وغسل يديه حتى أشرع في العضد، فدل على أن المرفقين داخلان، وإن كان دخول الغاية في المغيا ليس مطرداً.
"ثم مسح رأسه بيديه" يعني بالماء الذي بيديه، المبلولتين بالماء "فأقبل بهما وأدبر" أقبل وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، الجملتان الثانية توضيحية للأولى، لكن هل بينهما اتفاق وإلا بينهما اختلاف؟ ذكرت الثانية لتوضيح الأولى، أقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، يعني لو لم يقل بدأ بمقدر رأسه، نفهم من قوله: فأقبل بهما وأدبر أنه بدأ بإيش؟ بمؤخر رأسه، لو لم تأتِ الثانية لبيان الحال، بيان الواقع، لبيان الجملة الأولى لقلنا: إن البداءة بالمؤخر، أقبل، والإقبال يكون إلى جهة الوجه، والإدبار إلى جهة القفا، وللتوفيق بين الجملتين أما أن نقول: إن الواو لا تقتضي الترتيب، نعم، فيكون الأمر فيه سعة، لا تقتضي الترتيب الواو، كما هو الأصل فيها، أو نقول -مع أن فيه تكلف لما قاله دقيق العيد-: فأقبل بهما إلى قفاه، وأدبر بهما عنه، يعني عن القفا، أقبل بهما إلى قفاه كذا قال ابن دقيق العيد، وفيه تكلف، لكن كون الواو لا تقتضي ترتيب ينحل الإشكال.(4/5)
"بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما" واضح "حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، وهو مقدم الرأس، ثم غسل رجليه" هكذا وصف عبد الله بن زيد وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفيه غسل اليدين قبل الوضوء، ثم المضمضة والاستنشاق، ثم غسل الوجه، ثم غسل اليدين إلى المرفقين، ثم بعد ذلك مسح الرأس، ثم بعد ذلك غسل الرجلين، هذا صفة الوضوء إجمالاً.
وذكرنا في أول الكلام أن النبي توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وتوضأ ملفقاً كما هنا، بمعنى أنه غسل بعض الأعضاء مرتين، وبعضها ثلاثاً، والمسح بالرأس مرة واحدة؛ لأنه لم يذكر معه عدد، وسيأتي بيان ذلك كله -إن شان الله تعالى-.
يقول: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء، ثم لينثر، ومن استجمر فليوتر)) ".
إذا توضأ أحدكم: توضأ فعل ماضي، ومقتضى الفعل الماضي أن يكون بعد الفراغ؛ لأنه أمر مضى، يعني كأنه قال: إذا توضأ وانتهى من الوضوء فليجعل في أنفه ماء، لكن هل هذا الظاهر مراد؟ ليس مراداً؛ لأن الماضي يطلق ويراد به الفراغ من الشيء كما هو الأصل، ويطلق ويراد به إرادة الشيء، ويطلق ويراد به الشروع في الشيء، يعني إذا قال شخص: إذا جاء زيد أكرمتك، هل يكفي في ذلك إرادة زيد المجيء؟ نعم لا يكفي، هل يكفي في ذلك شروع زيد في المجيء؟ إذا ركب الدابة من بلده، والمسافة تحتاج إلى أيام، نقول: خلاص جاء زيد، يعني شرع في المجيء؟ أو إذا فرغ وحصل المجيء كاملاً؟ هذا الأصل، لكن ماذا عن مثل قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة النحل] المراد بذلك إذا أردت، فإذا قرأت القرآن إذا أردت القراءة، خلافاً لأهل الظاهر، حملوه على أصله، وقالوا: الاستعاذة بعد الفراغ من القراءة.(4/6)
((إذا كبر فكبروا)) يعني إذا فرغ من التكبير كبر، لكن ماذا عن قوله: ((وإذا ركع فاركعوا))؟ إذا فرغ من الركوع نركع؟ نعم؟ لا، إذا أراد الركوع نركع، لا إذا شرع في الركوع نركع ((إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء)) يعني إذا شرع في الوضوء فليجعل في أنفه ماء ((ثم فلينثر)) هذا أمر، فليجعل الآم لام الأمر، هذا دليل على وجوب الاستنشاق، وجاءت فيه نصوص، هذا وغيرها، والنصوص فيه أقوى مما جاء في المضمضة، والحاجة إلى تنظيفه أدعى إلى الحاجة من تنظيف الفم، نعم، وهو مفتوح، نعم، أم الفم الأصل أنه مغلق، يعني إذا توضأ، ولذا جاء في تنظيفه من النصوص أكثر مما جاء في المضمضة ((فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر)) فهذا الحديث يدل على وجوب إيش؟ الاستنشاق، وجاء أيضاً ما يدل وجوب المضمضة ((إذا توضأت فمضمض)) ويستدل بالوجوب، أو يستدل من قال بالوجوب أن الفم والأنف داخلان في الوجه؛ لأن الذي لا يقول بالوجوب يقول: المضمضة والاستنشاق لم تذكر في أية الوضوء، نعم، الواجب غسل الوجه، يقول من يقول بالواجب أن الفم والأنف من مسمى الوجه، وداخلان فيه، ومن يقول بعدم الوجوب يقول: إن الوجه ما تحصل به المواجهة، والمواجهة لا تحصل بالفم ولا بالأنف، على كل حال الحكم في هذا النصوص فجميع من وصف وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر أنه تمضمض واستنشق، وفعله -عليه الصلاة والسلام- بيان للواجب المأمور به، إضافة إلى ما جاء من الأوامر الخاصة بالمضمضة والاستنشاق، وفيها الأمر أوضح وأكثر.(4/7)
((فليجعل في أنفه ماء)) يعني يستنشق ((ثم لينثر)) يخرج هذا الماء ((ومن استجمر فليوتر)) استجمر استعمل الحجارة لإزالة الأثر الخارج ((استجمر فليوتر)) استعمل الحجارة، يقطع هذا الاستعمال على وتر، وأقل المجزي على ما سيأتي ثلاث أحجار، لكن إن احتاج إلى رابع يستحب له أن يوتر فيزيد خامس، وهذا هو التفسير المعتمد للاستجمار هنا عند الأكثر، وإن زعم بعضهم أن المراد به استعمال المجمرة البخور الطبيب، استجمر يعني استعمل المجمرة يتطيب مرة أو ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، أو ما أشبه ذلك، يقطعه على وتر، لكن المعتمد في تفسيره عند عامة أهل العلم أن المراد به استعمال الحجارة في إزالة الأثر الخارج من السبيلين، والله المستعان.
عن مالك عن زيد بن أسلم أنه قال: عرس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة بطريق مكة، ووكل بلال أن يوقظه للصلاة، فرقد بلال ورقدوا، حتى استيقظوا وقد طلعت عليهم الشمس، فاستيقظ القوم وقد فزعوا، فأمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يركبوا حتى يخرجوا من ذلك الوادي وقال: ((إن هذا وادٍ به شيطان)) فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي، ثم أمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ينزلوا، وأن يتوضئوا، وأمر بلال أن ينادي بالصلاة أو يقيم، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناس، ثم انصرف إليهم، وقد رأى من فزعهم، فقال: ((يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا، فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها، ثم فزع إليها فليصلها كما كان يصليها في وقتها)) ثم التلفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أبي بكر فقال: ((إن الشيطان أتى بلالاً وهو قائم يصلي فأضجعه، فلم يزل يهدئه كما يهدّأ الصبي حتى نام)) ثم دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالاً، فأخبر بلال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل الذي أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر، فقال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله.
يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أنه قال: عرس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وعرفنا التعريس النوم في آخر الليل، وزيد بن أسلم أدرك النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(4/8)
لا، فالخبر مرسل في جميع روايات الموطأ، كما قال ابن عبد البر وغيره "أنه قال: عرس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة بطريق مكة" وهناك إيش؟ نعم؟ حين قفل، رجع من خيبر، القصة واحدة أو متعددة؟ نعم؟ هناك قفل من خيبر، وهنا في طريق مكة، نعم، يعني إحنا متصورين المواقع موقع المدينة ومكة في جهة، يعني تختلف الجهة وإلا ما تختلف؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
جميع، الآن وإلا قبل؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن الآن، تتكلم بعلم؟ تعرف هذا الطريق أنه يؤدي إلى مكة وخيبر.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، غيره؟
طالب:. . . . . . . . .
المعروف أن القصة واحدة، لكن هناك قال: حينما قفل من خيبر، وهناك بطريقة مكة، يقول ابن عبد البر على هذا الحديث: هذا لا يخالف ما في الحديث الذي قبله؛ لأن طريق مكة وطريق خيبر من المدينة واحد، نعم يلتقيان في نقطة ويصير الطريق واحد، يعني لو قال واحد شخص: قابلت زيد وهو جائي من القصيم مثلاً، وقال الثاني: قابلته وهو جائي من مكة، في طريق واحد قابلوه في نقطة واحدة، فأخبر عنه أحدهم أنه جائي من القصيم، والثاني أخبر عنه أنه جائي من مكة، كلام صحيح وإلا ما هو بصحيح؟ صحيح، إذا كان جائي من طريق مكة على المدينة على القصيم هذا ممكن ويش المانع؟ فتلتقي الطرق في نقاط معينة، ثم تتفرق، وهنا تكون القصة واحدة.(4/9)
يقول: "ووكل" ضبط بالتخفيف والتشديد، "ووكل بلال أن يوقظهم للصلاة، فرقد بلال ورقدوا، حتى استيقظوا وقد طلعت عليهم الشمس، فاستيقظ القوم وقد فزعوا" ومعروف ما هو السبب؟ الأسف على فوات الوقت، وإن قال بعض الشراح: إنهم فزعوا من أن يلحق بهم العدو؛ لأنهم في قفولهم من خيبر، والرواية الأخرى: من حنين، خافوا من العدو، لكن هذا لا حظ له من النظر، إنما كان فزعهم أسفاً على فوات الوقت، فأمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يركبوا حتى يخرجوا من ذلك الوادي، وقال: ((إن هذا وادٍ به شيطان)) هل نأخذ من هذا أنه كل ما فاتت الصلاة أن هنا شيطان؟ مثل ما نقول في كل من فاتته الصلاة ونام عن الصلاة أنه بال الشيطان في إذنيه؟ أو نقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف أن هذا الوادي فيه شيطان، ولا يلزم أن كل من فاتته الصلاة بعذر أو بغير عذر أنه في شيطان؟ نعم الثاني، ولذا كثير من أهل العلم لا يستحبون أن ينتقل الإنسان من مكانه؛ لأنه كونه في شيطان الأمر مغيب ما يدرى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يدرى قال: ((إن هذا وادٍ فيه شيطان)) "فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي" يعني غير بعيد، ما أبعدوا، "ثم أمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ينزلوا، وأن يتوضئوا" هذا يدل على أن الوضوء لا بد منه، ولو خرج الوقت "وأمر بلالاً أن ينادي بالصلاة أو يقيم" وعرفنا أنه في رواية أحمد: أذن وصلى الركعتين، ثم أقام، والفقهاء يختلفون في الأذان والإقامة للفوائت، فيقول مالك والشافعي والأوزاعي: من فاتته الصلاة أقام ولم يؤذن، بناء على أن الأذان إعلام بدخول الوقت، والوقت انتهى، وقال أحمد: يؤذن ويقيم، بناء على ما جاء في هذا الخبر، أذان وإقامة، والأذان كما يكون للإعلام بدخول الوقت يكون لإعلام القوم للاجتماع للصلاة، لا سيما إذا كان فيهم كثرة، نعم، لو افترض أن مجموعة برحلة، طلاب قاموا برحلة من أجل أن يجتمعوا للصلاة، ولو فات وقتها يؤذن، كما حصل له -عليه الصلاة والسلام-، لكن لو واحد، شخص واحد يؤذن وإلا ما يؤذن؟ العلة مرتفعة، لا يعلم بدخول الوقت، ولا يعلم غيره أيضاً للاجتماع للصلاة.
طالب:. . . . . . . . .(4/10)
معروف هذا قول عند أهل العلم، لكن العلة عندهم من يقول به معقولة، وقال أحمد: يؤذن ويقيم لكل صلاة، وقال الثوري: ليس عليه في الفوات أذان ولا إقامة.
"وأمر بلال أن ينادي للصلاة أو يقيم، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناس، ثم انصرف إليهم، وقد رأى من فزعهم، فقال -عليه الصلاة والسلام-" مسلياً لهم ومؤنساً بأن هذا الأمر ليس في أيديهم؛ لأنه لم يتعمدوه، قال: ((أيها الناس إن الله قبض أرواحنا)) {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ} [(42) سورة الزمر] فالنوم وفات ((إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في غير هذا)) في حين غير هذا، يعني قبل هذا، بساعة بحيث ندرك الوقت ((فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها)) قام إليها ((فليصلها كما كان يصليها في وقتها)) لا يقول: الآن خرج الوقت أخفف، لا، القضاء يحكي الأداء ((فليصلها كما كان يصليها في وقتها)) ولذا -عليه الصلاة والسلام- أذن وصلى ركعتين، ثم أقام ولم يعجل -عليه الصلاة والسلام- "ثم التفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أبي بكر فقال: ((إن الشيطان أتى بلالاً وهو قائم يصلي فأضجعه ثم لم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام)) " شيء ملاحظ، الصبي تجعله أمه في حجرها وتضربه ضرباً خفيفاً حتى ينام، هذه تهدئة، فجاء الشيطان إلي بلال وفعل به هكذا حتى نام، الشيطان ماذا يستفيد؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم لأغوينهم، يريد الناس كلهم ينصرفون عن هذه العبادة.
"ثم دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالاً، فأخبر بلال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل الذي أخبر" قال له: إنه أضجعه وهدئه كما يهدأ الصبي، كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أبا بكر، "فقال أبو بكر: أشهد إنك رسول الله -عليه الصلاة والسلام-".
اللهم صل عليه، والله المستعان.
((من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر)) هذا بمعنى ما تقدم.(4/11)
"قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: في الرجل يتمضمض ويستنثر من غرفة واحدة أنه لا بأس به" لا بأس به يتمضمض ويستنشق من غرفة واحدة، سواء كان مرة واحدة، أو مرتين، أو ثلاثاً، وقوله: "لا بأس به" يدل على أنه جائز عنده، وإن لم يكن أرجح؛ لأن المضمضة والاستنشاق إما أن يكون بكفة واحدة، أو كل منهم بكف مستقل، فالصور محتملة في المضمضة والاستنشاق: إما أن يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات، كل غرفة للمضمضة والاستنشاق معاً، أو يتمضمض بغرفة واحدة ثلاث مرات، ويستنشق ثلاث مرات في غرفة واحدة، أو يتمضمض ثلاث مرات بثلاث غرفات، ويستنشق كذلك، يعني بست، وأرجحها أن يتمضمض ويستنشق من غرفة واحدة؛ لأنها التي قال فيها الإمام مالك: إنه لا بأس به.
ترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "باب: من مضمض واستنشق من غرفة واحدة" وذكر حديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفيه: "ثم غسل أو مضمض واستنشق من كف واحدة فعل ذلك ثلاثاً" وهذه أرجح الصفات.(4/12)
ثم قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن أبي بكر" بلغه هذا موصول في صحيح مسلم من طرق كثيرة "أن عبد الرحمن بن أبي بكر دخل على عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم مات سعد بن أبي وقاص فدعا بوضوء" يعني دعا بماء يتوضأ به "فقالت له عائشة: يا عبد الرحمن" هل لهذا الوضوء وهذا الدخول علاقة بموت سعد؟ إما أن يكون عبد الرحمن احتاج الوضوء، وحينئذٍ لا يلزم أن يكون هناك ارتباط بين موت سعد بن أبي وقاص وبين هذا الوضوء، وإما أن يكون توضأ ليصلي ليستعين بالصلاة على هذه المصيبة {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} [(45) سورة البقرة] لا شك أن مثل موت هذا الصحابي الجليل الذي شُهد له بالجنة مصيبة يستعان عليها بالصبر والصلاة، كما أمر الله -جل وعلا-، ولا يبعد أن يكون هذا هو المراد، وعلى كل حال هو دعا بوضوء "فقالت له عائشة: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء" يعني بحيث تغسل ما أمرت بغسله، ولا تترك منه شيئاً مع إمرار ما يكفي من الماء للعضو "فإن سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ويل للأعقاب من النار)) " أسبغ الوضوء وإسباغ الوضوء أتمامه واستيعاب العضو المأمور بغسله أو مسحه بالماء "فإن سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ويل للأعقاب من النار)) " الويل جاء تفسيره بأنه الهلاك أو الحزن والمشقة كما في النهاية لابن الأثير، وجاء أنه كلمة عذاب أو وادٍ في جهنم، كما روى الترمذي من حديث أبي سعيد، والأعقاب: جمع عقب، مؤخر القدم، والحديث له سبب، جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- والناس قد أرهقتهم صلاة العصر، يعني ضاق وقتها يعني وقتها الاختياري، فجاء النبي -عليه الصلاة والسلام- ووجدهم يتوضئون، وكأنه لاحظ عليهم عدم الإسباغ، لا سيما في العقب، فقال لهم: ((ويل للأعقاب من النار)) ثلاثاً، فلا بد من إيصال الماء إلى جميع العضو المفروض غسله ((ويلٌ للأعقاب من النار)) فهذا يدل على أن العقب لا بد من غسله، وهو مؤخر القدم، وهل المتوعد العقب أو صاحبه الذي قصر في غسله؟ يعني ويل للعقب نفسه أو ويل لصاحب هذا العقب لتقصيره في غسله؟ يعني يتصور هذا؟ ((ويلٌ للأعقاب من النار)) إذا قارناه بما تحت الكعبين من(4/13)
الإزار في النار، كل ضلالة في النار، هل المراد الجزء من الثوب الذي تحت الكعبين ((ما أسفل من الكعبين ففي النار)) هل المتوعد الثوب وإلا صاحب الثوب؟ صاحب الثوب ((كل ضلالة في النار)) هل المراد الضلالة نفسها أو صاحبها؟ صاحبها، وهنا ((ويل للأعقاب من النار)) المتوعد صاحب العقب أو العقب نفسه؟ هل هذا يختلف عن النصين السابقين وإلا مثلها؟ نعم يختلف؛ لأنه إذا عذب العقب تعذب صاحبه، بخلاف الضلالة إذا انفردت، بخلاف الثوب إذا انفرد، وسواء قلنا: إن العقب يعذب في النار، أو صاحبه يعذب في النار فالمسألة واحدة، لا يقول الإنسان: تعذيب جزء من البدن لا يؤثر، كما يقول بعضهم: إن الذنوب والمعاصي والكبائر متوعد عليها في النار، لكن المسلم يرجى له خير لا يخلد في النار، يعني هل يطيق الإنسان ويصبر على العذاب ولو لحظة؟ أبو طالب خفف عنه العذاب، لكن إيش معنى التخفيف؟ هو في ضحضاح من نار، وفي رواية: ((نعلان من نار يغلي منهما دماغه)) الأمر ليس بالهين، ليس بالسهل، إذا قلت له: ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار بعض الناس ما يتصور يقول: بصره، يحسب اللي يعذب الثوب، يقول بالنص بعضهم قال ذلك، بالنار بالنار، الأجساد لا تقوى على النار.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو المعذب صاحبه بلا شك، من الإزار، جاء بيانه ((من أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار)) لا، الأمر ليس بالسهل بحيث يتساهل ويقول: النار النار لا تطاق، الجبال تذوب، الله المستعان.(4/14)
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن محمد طحلاء" تميمي مولاهم "عن عثمان بن عبد الرحمن" التيمي المدني ثقة "عن أبيه أن أباه حدثه" عبد الرحمن بن عثمان التيمي صحابي قتل مع ابن الزبير "أنه سمع عمر بن الخطاب يتوضأ بالماء لما تحت إزاره" سمع عمر يتوضأ فالمسموع القول، فلا بد أن نقدر: سمع عمر بن الخطاب يقول: يتوضأ، يعني المتوضئ بالماء لما تحت إزاره، هو كناية عن موضع الاستنجاء تأدباً، توضأ بالماء لما تحت إزاره، توضأ يعني تتطهر، ويستنجي بالماء لما تحت الإزار، يعني الفرجين تأدباً، وهذا لبيان أن الماء أفضل وإلا مجزئ؟ السياق يدل على إيش؟ توضأ بالماء لما تحت إزاره نعم؟ لكن هل ظاهره يقتضي تفضيله على الاستجمار أو أنه مثل الاستجمار يجزئ؟ يتطهر بالماء لما تحت إزاره، الشراح يقولون: إن هذا بيان لأن الماء أفضل من الحجارة، لا شك أن الماء يزيل ما لا تزيله الحجارة، الماء يقطع الأثر بالكلية، بينما الاستجمار بالحجارة لا بد أن يبقى شيء، والقدر المجزئ منه ألا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء، والاستجمار أو الاستنجاء بالماء ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وهو مجزئ بالاتفاق، وإن منع بعضهم الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم، لكن ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وثبت الإجماع على ذلك، ومن خالف انقرض مع قوله، وكذلك الاستنجاء ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وهو مجزئ أيضاً حتى مع وجود الماء يجزئ، وهل إزالة الخارج بأحد المطهرين أفضل كما ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، أو الجمع بينهما أفضل وأكمل؟ نعم؟ في القصة -وإن كان فيها مقال- قصة آل قباء {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ} [(108) سورة التوبة] نعم هو ما ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع بينهما، لكن في قصة قباء مع ما فيها من، أو ما قيل فيها من كلام، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال .. ، إنه مدحهم، نعم، فقالوا: إنا نتبع الحجارة الماء، وقالت عائشة: مرن أزواجكن فإني أستحييهم، أن يتبعوا الحجارة الماء، لكن الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- استعمال الماء فقط أو الحجارة فقط، فهل نقول: الأفضل الجمع بينهما؛ لأنه أكمل؟ أو نقول: الأفضل الاقتصار على ما ثبت(4/15)
عنه -عليه الصلاة والسلام-؟ نفترض أن شخص استجمر وانتهى، ما بحضرته ماء، ثم وجد الماء نقول: خلاص أنت استجمرت يكفيك أفضل من أن تجمع بينهما؟ نعم، الآن هل نقول: إن الاستجمار حاجة، أو نقول: إنه رافع مطهر تطهير كامل مثل الماء؟ لأن عندنا التيمم ثابت بالنص القطعي، لكن ما هو كالوضوء قطعاً؛ لأنه جاء في الحديث: ((فإذا وجد الماء فليتقِ الله وليمسه بشرته)) والاستجمار مع ثبوته، ومع ما جاء فيه إلا أنه لا يزيل الأثر بالكلية، فهل نقول لمن استجمر ثم وجد الماء -اقتصر على الاستجمار لعدم وجود الماء ثم وجد الماء- هل نقول: الأفضل أن تزيل الأثر بالكلية بالماء فتتبع الماء الحجارة أو الحجارة الماء؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا من قال: أنا عندي ماء أبستجمر ويكفي، يكفي ما أحد بيقول له: ما يكفي، نعم، ما في أحد يقول: إنه ما يكفي، لا يكفي، لكن هل يقول: الأفضل لي أنتم تقولون: إن الاستجمار ما يزيل الأثر بالكلية، وأنا أريد أن أزيله بالكلية، نقول له: لا، نحن متفقين أن الاستجمار ما يزيل بالكلية؟ نعم؟ يعني هل هو مثل الماء؟ ينازع في هذا أحد؟ ما ينازع في هذا أحد، لكن قال: أنتم تقولون: أبداً أن الاستجمار ما يزيل الأثر بالكلية، وأنا استجمرت ووجدت ماء فأزيله بالكلية، نقول له: لا، لا تزيله، لا تجمع بينهما؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما جمع؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
معفوٌ عنه، لكن يبقى أنه أثر، كونه يتعبد بهذا شيء، يتعبد بهذا ويقول: أنا لا يكفيني ما كفى الرسول، هذا أمر مفروغ منه أنه دخل في حيز البدعة، لكن يقول: من باب التنظف أنتم تقولون .. ، أنا أقول: استجمرت في الفرض السابق، ووجدت في السراويل أثر صفرة، إحنا نتفق على أنه لا يزيل الأثر بالكلية، نعم، أنا لا أريد مثل هذا يتكرر، تقول له: لا، ما يجوز، هو لا يتعبد بهذا، ما يقول: إن الاستجمار ما يجزئ، يقول: يجزئ لكن يقول: هذا الأثر الباقي لا بد أن أزيله.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا هو ما يعتقد شيء قدر زائد على ما فعله -عليه الصلاة والسلام-، نعم، أما إذا قال: ما يجزئ نقول: لا يا أخي كفى من أهو أتقى منك وأورع، وأحرص منك على الامتثال.
اللهم صل على محمد ...(4/16)
"قال يحيى: سئل مالك عن رجل توضأ فنسي فغسل وجه قبل أن يتمضمض" يعني سئل عن شخص غسل وجهه ثم تمضمض، "أو" وهذا للتقسيم لا للشك "أو غسل ذراعيه قبل أن يغسل وجهه" يعني سئل مسألتين، الأولى: شخص غسل وجهه قبل أن يتمضمض، وسئل عن شخص آخر غسل ذراعيه قبل أن يغسل وجهه، يعني ما الحكم؟ فقال -رحمه الله-: "أما الذي غسل وجهه قبل أن يتمضمض فليمضمض" يعني فاه، "ولا يعيد غسل وجهه" لأن المضمضة مع غسل الوجه في حكم العضو الواحد، نعم، في حكم العضو الواحد، لو جاءك واحد وقال: أنا غسلت شق وجهي الأيسر قبل الأيمن، تقول: أعد؟ نعم، لا، فالمضمضة والاستنشاق مع الوجه في حكم العضو الواحد، ولذا يقولون: الأول غسل الوجه، ومنه المضمضة والاستنشاق، في فرائض الوضوء، فعلى هذا لا يعيد؛ لأنه ما هو بفرض مستقل، المضمضة والاستنشاق، ولذا قال: "فليمضمض ولا يعيد غسل وجه" وأيضاً المضمضة عنده سنة، ولا يعاد الواجب من أجل سنة.(4/17)
"وأما الذي غسل ذراعيه قبل وجهه" شخص غسل ذراعيه اللي هو الفرض فرض الوضوء، "ثم غسل وجه" ماذا كان الجواب؟ يقول: "فليغسل وجهه، ثم ليعد غسل ذراعيه" وهذا يدل على أن الترتيب عنده واجب، ويأتي ما فيه "حتى يكون غسلهما بعد وجهه" يعني كما أمر الله -جل وعلا-، وكما بينه رسوله -عليه الصلاة والسلام-، يقول: "إذا كان ذلك في مكانه، أو بحضرة ذلك" يعني بقربه "فإن بعد فإن جفت أعضاؤه أعاد المنكس وحده" يعني المغسول قبل الذي ينبغي أن يغسل بعده "أعاد المنكس وحده فيغسل وجهه ولا يعيد غسل ذراعيه سواء في ذلك العامد والساهي" لأن ترتيب الفرائض عنده سنة، عنده تريب الفرائض صرحوا بأنه سنة، في المنتقى للباجي يقول: مقتضى هذه المسألة أن الترتيب ليس بشرط لصحة الطاهرة، يعني عند مالك، مقتضى ذلك، مقتضى هذه المسألة أن الترتيب ليس بشرط لصحة الطاهرة، من أين فهم هذا؟ "ثم ليعد غسل ذراعيه، حتى يكون غسلهما بعد وجهه" يعني لو وقفنا على هذا قلنا: إن مالك يوجب الترتيب "إذا كان ذلك في مكانه" طيب إذا لم يكن في مكانه مفهوم الكلام أنه لا يعيد خلاص انتهى ولذا من هذا فهم الباجي في المنتقى مقتضى هذه المسألة أن الترتيب ليس بشرط لصحة الصلاة عنده، ويكون أمره للإعادة على وجه الاستحباب، وصرحوا بهذا أن الترتيب ليس بشرط لصحة الطهارة، وبه قال أبو حنيفة، وروي عن مالك أنه شرط، وبه قال الشافعي وأحمد.(4/18)
هل هناك ما يدل على الاشتراط أو عدم الاشتراط؟ ترتيب الوضوء جاء في كتاب الله -جل وعلا-: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [(6) سورة المائدة] ... إلى آخره، ورتبت هذه الأعضاء بعضها على بعض بالواو عُطف نُسقت على بعض بالواو، والواو لا تقتضي الترتيب، الواو لا تقتضي الترتيب، وهذه حجة من يرى عدم وجوب الترتيب، يقول: الأعضاء نسق بعضها على بعض بالواو، والواو لا تقتضي الترتيب، فالمطلوب أن نغسل هذه الأعضاء على أي وجهٍ كان، وعرفنا أن هذا مذهب الإمام مالك، وبه يقول أبو حنيفة، يروى عن مالك وهو قول الشافعي وأحمد: أن الترتيب شرط لصحة الوضوء، فلا يصح الوضوء إذا غسل قدم وأخر بأن غسل اليدين قبل الوجه، أو الرجلين قبل اليدين، وما أشبه ذلك، وعرفنا أن دليل القول الأول أن العطف جاء بالواو، وهي لا تقتضي الترتيب، وحجة القول الآخر قول الشافعي وأحمد وراوية عن مالك أن جميع من وصف وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- وصفه مرتباً، وفعله بيان للواجب المأمور به في الآية، وبيان الواجب واجب، ولو لم يجب لأخل به ولو مرة -عليه الصلاة والسلام-، أيضاً أهل العلم يلحظون أن السياق في الآية فيه ما يدل على وجوب الترتيب، وهو إدخال الممسوح بين المغسولات، قالوا: في الآية قطع النظير عن نظيره، وإدخال الممسوح بين المغسولات يدل على وجوب الترتيب؛ لأن العرب لا تفعل ذلك إلا لحكمة، يعني لو لم يجب الترتيب نعم لنسق المغسولات على بعض، ثم أردف الممسوح والعكس، لكن قطع النظير عن نظيره وأدخل الممسوح بين المغسلات فدل على أنه لا بد من مراعاة هذا الترتيب، وعلى كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرتباً، فعل ذلك ولم يخل به، ولم يعرف على أحد من أصحابه أنه أخل بهذا الترتيب، وفعله بيان للواجب، وأهل العلم يقولون: بيان الواجب واجب، نعم؟
. . . . . . . . .(4/19)
"قال يحيى: وسئل مالك عن رجل نسي أن يتمضمض ويستنثر حتى صلى قال: ليس عليه أن يعيد الصلاة، وليمضمض ويستنثر ما يستقبل من الصلوات إن كان يريد أن يصلي" يعني إذا كان يريد أن يصلي، "فسئل عن رجل نسي أن تمضمض ويستنثر حتى صلى قال: ليس عليه أن يعيد صلاته" هذا يدل على أن المضمضة والاستنشاق عنده سنة، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((توضأ كما أمرك الله)) وما أمر الله به -جل وعلا- في كتابه ليس فيه المضمضة والاستنشاق، لكن جاء الأمر منه -عليه الصلاة والسلام- بالاستنشاق، وهذا كثير وصحيح، في الصحيحين وغيرهما: "ثم ليستنثر" ((وبالغ في الاستنشاق)) وجاء أيضاً بالمبالغة، المضمضة جاء فيها لكن أقل، وبهذه الأوامر يستدل من يقول بالوجوب، لا شك أن المنصوص عليه في آية المائدة {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6) سورة المائدة] هذا المنصوص عليه في الآية، وزيد عليها الأوامر التي سمعنها، الأمر بالمضمضة والاستنشاق، والسنة وحي يجب العمل بما فيها، ولو كان مزيداً على ما جاء في الكتاب، خلافاً لمن يزعم أن الزيادة على النص نسخ، فجاءت هذه الأوامر منه -عليه الصلاة والسلام-، وبها يستدل من يقول: بوجوب المضمضة والاستنشاق، ومع ذلكم يستدلون على وجوب المضمضة والاستنشاق بوجوب غسل الوجه، وهما داخلان في مسمى الوجه، وإن نازعهم أصحاب القول الأول بأن الوجه ما تحصل به المواجهة والمواجهة لا تحصل بالفم والأنف، بدليل أنه إذا استقبل أحد لا يحسن أن يفغر فاه في وجهه يستقبله به، وعلى كل حال الحكم في ذلك والمرد عند التنازع إلى النصوص، وعرفنا ما في المسألة، وليمضمض يعني في وضاء ثاني، يعني ما يلزم أن يكون في نفس الوضوء، ما يلزم، وإن كان بعضهم يقول: إن كان يريد أن يصلي بهذا الوضوء، وعلى كل حال المضمضة والاستنشاق عنده سنة، لا أثر لهما على الصلاة، ثم قال -رحمه الله تعالى-.
اقرأ اقرأ.
سم.
أحسن الله إليك
باب: وضوء النائم إذا قام إلى الصلاة(4/20)
عن مالك عن أبي الزناد الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده؟ )).
عن مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال: "إذا نام أحدكم مضطجعاً فليتوضأ".
عن مالك عن زيد بن أسلم أن تفسير هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6) سورة المائدة] أن ذلك إذا قمتم من المضاجع يعني النوم.
قال مالك: الأمر عندنا أنه لا يتوضأ من رعاف ولا من دم ولا من قيح يسيل من الجسد ولا يتوضأ إلا من حدث يخرج من ذكر أو دبر أو نوم.
وعن مالك عن نافع أن ابن عمر كان ينام جالساً ثم يصلي ولا يتوضأ.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب وضوء النائم إذا قام إلي الصلاة:
"حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه)) " وجاء في بعض الروايات والحديث في الصحيحين كما هو معلوم: ((ثلاثاً)) والعلة في ذلك ((فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده؟ )) ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل)) اللام هذه لام الأمر، عند الجمهور هذا الأمر للندب، وهو عند الإمام أحمد للوجوب؛ لأنه هو الأصل في الأمر.
((من نومه)) حمله الشافعي على عمومه، وهو على أصله في أن الغسل للندب، فقال: يستحب غسل اليد لكل مستيقظ من أي نوم كان في ليل أو نهار، وخصه الإمام أحمد -رحمه الله- بنوم الليلة، وانتزع ذلك من العلة ((فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده؟ )) والبيتوتة لا تكون إلا بالليل، فعندنا النوم محمول على العموم عند الشافعي، استحبه عقب كل نوم، وعند الإمام أحمد محمول على نوم الليل؛ لأنه لا يدري أين باتت يده؟ والغسل للندب عند الجمهور، وهو على أصله للوجوب عند الإمام أحمد؛ لأن اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب.(4/21)
((فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده؟ )) لا يدري كونه لا يدري هذا شك، لا يدري أين باتت يده؟ يده قبل النوم طاهرة بيقين، لما نام سواء كان بالليل كما يقول الإمام أحمد أو مطلق النوم عند غيره، لا يدري أين باتت يده؟ هل باتت يده في فرجه؟ اليد تطيش يمين وشمال، النائم ما يدري عن شيء، لا يدري أين باتت يده؟ هل وقعت على نجاسة أو وقع عليها نجاسة لا يدري، وهذا شك، والمقرر عند أهل العلم، بل من القواعد عندهم: أن الشك لا يزيل باليقين، فكونه لا يدري انتبه من نوم الليل وهو شاك هل وقعت يده على نجاسة أو لا، يجب عليه أن يغسل يده امتثالاً لهذا الأمر، بعض الشراح يستروح إلى أن هذا محمول على غلبة الظن، لا سيما في البلاد الحارة، في البلاد الحارة وفي عصره -عليه الصلاة والسلام- وفي الحجاز الثياب فيها شح وقلة والغالب الاستجمار، والاستجمار لا يزيل الأثر كاملاً، والصيف يحصل معه العرق والرطوبات، فإذا وقعت يده في الغالب أنها تقع يده وين؟ ولذا الحكم مبني على الغالب، فالغسل لهذا الأمر، ولا تصير المسألة شك، تصير المسألة غلبة ظن، هكذا قال بعضهم، لكن ماذا عما لو تيقن أن يده طاهرة؟ نام وهي طاهرة واستيقظ وهي طاهرة بيقين، بأن وضعها في كيس، أو ربطها بحيث لا تصل إلى المواضع التي فيها النجاسات، هل نقول: إن العلة ارتفعت، والعلة منصوصة، ومعلوم أن العلل المنصوصة يدور معها الحكم عند أهل العلم، يعني لو وضعها في كيس وربطها ويجزم جزماً أنها ما تأثرت، هم يقولون: تعبدي إذا لم تعرف العلة.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إي، لكن هذا يدري رابط يده ربط محكم، وهو لا يدري. . . . . . . . . ما هم بيقولون: لا يدري أين باتت يده؟ والاحتمال أنها وصلت إلى مواضع نجاسة وكذا، وقبل أن ينام دخل الحمام وتنظف نظافة كاملة.
طالب:. . . . . . . . .
مثل إيش؟
طالب:. . . . . . . . .(4/22)
طيب قيل: إن العلة لا يدري عنها أحد، على كل حال الحديث يستشكله كثير من أهل العلم بالنسبة لإجرائه على القواعد التي قعدوها، لكن إذا تضاربت أو اختلفت هذه القواعد مع النصوص فالعبرة بالنص؛ لأن الأصل أن القواعد مبنية على النصوص، فإذا خالفت نص لا عبرة بها، لا نجري القواعد ونحكم القواعد على النصوص، لا، النص هو المرد والمرجع والمصير إليه متحتم ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها وضوئه)) بعض الناس وهذا من شؤم مخالفة السنة قال: أنا أدري أين باتت يدي، أدري، يقول: هو يدري أين باتت يده، فوضعها في كيس وربطها وأحكمها وأوثقها، يدري، ماذا حصل له؟ وجد يده في دبره داخل، وهذا له نظائر ذكر الحافظ ابن كثير وغيره ابن العماد في الشذرات وجمع من المؤرخين قالوا: إن شخص إستاك في دبره، ماذا حصل له؟ مع الأسف أنه قد يوجد مع وجود مثل هذا القصص، نعم، من يحكم على نفي مثل هذه القصص، بقول لك: ما هو بمعقول أبداً، ما حصل، ولو حكاه ابن كثير، ولو حكاه فلان أوعلان وبعدين؟ إستاك في دبره، ما يدري أن الله -سبحانه وتعالى- يغار، فالحاصل أنه أحس بشيء في بطنه كالحمل ويزيد مع الوقت، فلما مضى مدة أشهر وضع شيئاً هو عبارة عن قطعة لحم، ويحدث منه صوت مزعج، فجاءت ابنته فرضتها بالحجر، والقدرة الإلهية صالحة، فالله -سبحانه وتعالى- يغار، أيضاً الشخص الذي سمع الحديث: ((وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم)) جاء وضع المسامير في نعليه، تضع أجنحتها، خسف به هذا، في قصص كثيرة وحوادث ووقائع سببها الاستخفاف بالسنة، وكثير من الناس يحصل منه شيء من هذا الاستخفاف، ولا شك أن عقوبة الدنيا أهون من عقوبة الآخرة، عقوبة الدنيا أسهل من عقوبة الآخرة، كما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-، يعني جاء في بعض الأخبار أن اثنين يكون في أخر الزمان، أن اثنين يعني مما يكون في آخر الزمان، اثنان يمضيان إلى معصية فيمسخ أحدهما خنزير -نسأل الله العافية- والثاني ماذا يحصل له؟ يستمر إلى معصيته، هذا مسخ جسده، وذلك ممسوخ القلب، أيهما أشد؟ مسخ القلب أشد، نسأل الله العافية هذه عقوبة دنيا، وأمره في الآخرة إلى الله، لكن مثل هذا نسأل الله العافية.(4/23)
((إذا استيقظ أحدكم من نومه)) يعني انتبه من نومه ((فليغسل يده)) وعرفنا حكم الغسل قبل أن يدخلها في وضوئه في الماء، لكن إذا أدخلها في الإناء غمسها في الإناء قبل غسلها، فما الحكم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب، إن الحكم .. ، وما أثر هذا الغمس على الماء؟ إذا قلنا: فليغسل يده إذا غمس يحرم، والجمهور على أنه للندب، إذاً الغمس مكروه عندهم، وما أثر هذا الغمس على الماء؟ عند الجمهور الذين يقولون: للندب لا أثر له، ما يؤثر على الماء، والمعروف عند الحنابلة أنه ينقله من كونه طهور مطهر إلى كونه طاهر غير نجس، لأنه لا يتنجس الماء إلا بيقين، ولا يقين هنا، طاهر لا يرفع الحدث، وقال إسحاق وداود: ينجس؛ لأنه لا يمنع من إدخالها في الإناء إلا لوجود أثر، ولا أثر مؤثر إلا النجاسة، وعلى كل حال هذا أمر لا يدركه عقل البشر، العقل البشري لا يدرك مثل هذه الأمور، فنقف، لا يجوز لنا أن ندخل اليد في الإناء في الوضوء قبل أن نغسلها ثلاثاً، كما جاء في الرواية الأخرى، وأما إذا حصل ارتكب المحظور، وأثم بذلك، ويبقى الماء على طهوريته؛ لأنه الأصل، ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) يبقى على هذا.(4/24)
يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال: "إذا نام أحدكم مضطجعاً فليتوضأ" يعني وجوباً لانتقاض وضوئه بالنوم، والخلاف في النوم عند أهل العلم معروف، وما جاء به من نصوص، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان ينام قبل صلاة الصبح وهو ينتظرها، والصحابة ينتظرون صلاة العشاء حتى تخفق رؤوسهم، النوم الذي لا يستغرق صاحبه فيه، بحيث يحس ويشعر بما يدور حوله، هذا لا ينقض الوضوء، لا سيما من الجالس، وهنا يقول: "إذا نام أحدكم مضطجعاً" الاضطجاع مظنة لخروج ما ينقض الوضوء، ولذا جاء في الحديث: ((العين وكاء السه، فمن نام فليتوضأ)) وحديث صفوان بن عسال: "أمرنا ألا ننزع خفافنا" نعم، فعطف النوم على البول والغائط، فدل على أنه ناقض، فالنوم المستغرق ينقض الوضوء، وعليه يحمل مثل هذه النصوص، والذي لا يستغرق من المتمكن غير المضطجع وغير المستند بحيث يخرج منه شيء وهو لا يشعر مثل هذا لا ينقض الوضوء، وعليه يحمل ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وعن الصحابة، النبي -عليه الصلاة والسلام- تنام عينه ولا ينام قلبه بحيث لو خرج منه شيء يشعر به، ولا يقاس عليه غيره.(4/25)
يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم" العدوي من أعرف الناس بالتفسير، بتفسير القرآن "أن تفسير هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6) سورة المائدة] أن ذلك إذا قمتم من المضاجع يعني النوم" يعني إذا قمتم من النوم فاغسلوا، فدل على أن النوم ناقض، وهذا التفسير موافق لقول بعض السلف، يوافقه على ذلك جمع من أهل العلم، وبعضهم قال: إذا قمتم محدثين، إذا قمتم إلى الصلاة محدثين، يعني سواء كان بنوم أو بغير نوم، إذا قمت إلى الصلاة، وبعضهم يقول: الأمر فاغسلوا على عمومه لكل من أراد الصلاة، لكن المحدث على سبيل الوجوب، وغير المحدث على سبيل الاستحباب، لكن هذا يلزم عليه إيش؟ يلزم عليه استعمال اللفظ الواحد في معنييه، استعمال اللفظ في معنييه حقيقته ومجازه عند أهل العلم عند الأكثر ممنوع، نعم، استعمال اللفظ في معنييه ممنوع في آن واحد، في سياق واحد، عند الشافعية يجوز، لكن عند غيرهم يمنعون ذلك، كيف نقول: اغسلوا محمول على الوجوب بالنسبة لقوم، ومحمول على الاستحباب بالنسبة لآخرين، وهو لفظ واحد، لو افترضنا أن أمامك شخصين كل منهما اسمه محمد، أنت تريد واحد منهم، لا تريد الثاني، تريد أحدهما بينك وبينه معاملة، وبينك وبينه ارتباط، فقلت: يا محمد، التفت الثاني الذي لا تريده، هل هو مراد بلفظك يا محمد؟ نعم؟ هل هو مراد بلفظك؟ يعني لو حفلت مثلاً لا تنادي فلان محمد من الناس، ثم في صورتنا التي ذكرناها قلت: يا محمد تريد ذاك، فلتفت هذا الثاني، هل يكون الثاني مراد لك بمجرد قولك يا محمد؟ مراد المتكلم شيء واحد، نعم إذا كان اللفظ يتناول بعمومه، إذا كان اللفظ بعمومه يتناول أشياء هذا أمر آخر، وليس معهما معاً، اغسلوا إما أن يحمل على الوجوب أو يحمل على الاستحباب، ولا يحمل عليهما في آن واحد عند الأكثر، وإن أجازه الشافعية، منهم من يقول: كان هذا في أول الأمر، كل من قام إلى الصلاة يتوضأ، ولا صلاة إلا بوضوء، ولو كان على طهارة، وفي عام الفتح جمع النبي -عليه الصلاة والسلام-(4/26)
الصلوات في وضوء واحد، وعمداً صنع ذلك؛ ليبن لهم هذا الحكم، على كل حال التفسيرات هذه كلها محتملة ومقبولة، إذا قمتم إلى الصلاة محدثين فاغسلوا، إذا قمتم من النوم وأردتم الصلاة فاغسلوا، كلها مقبولة، وإذا قلنا: إن هذا في أول الأمر، وأن كل من قام إلى الصلاة محدثاً أو غير محدث يتوضأ، فهو منسوخ بفعله -عليه الصلاة والسلام-، وأنه لا يلزم الوضوء إلا من أحدث، ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) مفهومه أن من لم يحدث فصلاته مقبولة، ولو لم يتوضأ، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(4/27)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح الموطأ – كتاب الطهارة (6)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء.
قال الإمام يحيى:
باب: جامع الوضوء
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الاستطابة، فقال: ((أو لا يجد أحدكم ثلاثة أحجار؟ )).
عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى المقبرة، فقال: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإن إن شاء الله بكم لاحقون، وددت إني قد رأيت إخواننا)) فقالوا: يا رسول الله ألسنا بإخوانك؟ قال: ((بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم على الحوض)) فقالوا: يا رسول الله كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: ((أريت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ )) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((فإنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، فلا يذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم، ألا هلم، ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: فسحقاً فسحقاً فسحقاً)).
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن حمران مولى عثمان بن عفان أن عثمان بن عفان جلس على المقاعد، فجاء المؤذن فآذنه بصلاة العصر، فدعاء بماء فتوضأ، ثم قال: والله لأحدثنكم حديثاً لولا أنه في كتاب الله ما حدثتكموه، ثم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما من امرئ يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها)).
قال مالك: أرواه يريد هذه الآية {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [(114) سورة هود].(5/1)
عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه، وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه)) قال: ((ثم كان مشية إلى المسجد وصلاته نافلة له)).
عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسله وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع أخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء، أو مع أخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء، أو مع أخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب)).
عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس وضوءاً فلم يجدوه، فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوضوء في إناء، فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الإناء يده، ثم أمر الناس يتوضئون منه، قال أنس: فريت الماء ينبع من تحت أصابعه، فتوضأ الناس حتى توضأ من عند آخرهم.
عن مالك عن نعيم بن عبد الله المدني المجمر أنه سمع أبا هريرة يقول: من توضأ فأحسن وضوءه، ثم خرج عامداً إلى الصلاة فإنه في صلاة ما دام يعمد إلى الصلاة، إنه يكتب له بإحدى خطوتيه حسنة، ويمحى عنه بالأخرى سيئة، فإذا سمع أحدكم الإقامة فلا يسع، فإن أعظمكم أجراً أبعدكم داراً، قالوا: لم يا أباه هريرة؟ قال: من أجل كثرة الخطى.
عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يسأل عن الوضوء من الغائط بالماء، فقال سعيد: إنما ذلك وضوء النساء.
عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات)).(5/2)
عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع الوضوء
الباب الذي يجمع الأحاديث الواردة في صفة الوضوء، والأحاديث أعم من أن تكون مرفوعة أو موقوفة.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الاستطابة" الاستطابة السين والتاء للطلب، أي طلب الطيب والإطابة، والمراد بها: إزالة الأذى عن المخرج بالحجارة أو بالماء، قال: استطاب الرجل إذا استنجى أو استجمر، وإزالة الأقذار والطهارة والنظافة والنزاهة من محاسن الدين، من محاسن هذا الدين العظيم، ومما يبين أن هذا الدين وسط بين الأديان، مثل هذا الباب فقد كان النصارى يزاولون النجاسات، واليهود يشددون في أمرها، ولا يكفيهم إزالة الأثر بالماء، بل تقرض بالمقاريض، فديننا وسط ولله الحمد، بين آصار وأغلال اليهود، وبين مباشرة النصارى لهذه القاذورات والنجاسات.(5/3)
ومما يذكر أن غسالاً يغسل الثياب في بلاد الحضارة في أمريكا -والله المستعان- أسلم من غير دعوة، من غير أن يدعى، فسئل عن السبب غسال، يقول: تأتينا الثياب من قومه من النصارى، فلا يطيق رائحتها، وتأتيه الثياب من المسلمين وليست لها رائحة، والسبب في ذلك هو الاستنجاء والاستطابة، فأسلم بهذا السبب، فالدين -ولله الحمد- هو دين النظافة من غير مبالغة؛ لأن بعض الناس يزيد في هذا الباب، ولذا جاء تنظيف وتسريح الشعر والترجل غباً؛ لأن بعض الناس يبالغ سواء كان في نظافة بدنه، أو في نظافة ثيابه مبالغة تعوقه عن تحصيل الأهم، بعض الناس يمكث وقتاً طويلاً، يمكث الساعات ينظف، ويصفف، ووجد من كان عنده من الثياب بقدر عدد أيام السنة بحيث إذا لبس ثوباً لا يعود إليه، مثل هذا سرف وتبذير، فالدين وسط لا يرضى لأتباعه أن يزدروا ويستقذروا، ولذا أبواب الطهارة تتصدر الكتب لأهميتها، وأيضاً لا تكون هذه الطهارة على حساب ما هو أهم منها، ولذا صح في الخبر: ((البذاذة من الإيمان)) من أجل أن تكسر سورة حب الظهور بالمظهر الذي يغري بعض الناس فيعوقه عن تحصيل ما هو أهم من ذلك، فالدين وسط، فالاستطابة مطلوبة، لكن لا يبالغ الإنسان، ولذا نهي المسلم عن الإسراف، يعني غسل العضو عشرة مرات أبلغ في التنظيف من غسله ثلاث مرات، لكن يجوز أن يغسله عشر مرات؟ لا، فالدين والله الحمد وسط، يطلب هذه النظافة وهذه النزاهة، لكن لا يكون على حساب ما هو أهم منه.
تجد بعض الناس يصرف يضيع عليه من الوقت في تصفيف شعره والنظر في عطفيه وملابسه الشيء الكثير هذا مذموم هذا يدخل في حيز السرف.
"فقال: ((أو لا يجد أحدكم ثلاثة أحجار؟ )) " ثلاثة أحجار، أولاً: ما حكم الاستطابة؟ لو شخص بال ولم يستنج، توضأ وصلى صلاته صحيحة وإلا باطلة؟(5/4)
الاستنجاء عند مالك أبو حنيفة سنة وليس بواجب، وعند الشافعي وأحمد واجب لا تصح الصلاة بدونه، والتأكيد في أمر الاستنجاء وأن لا يقل العدد عن ثلاث دليل على وجوب إزالة هذا الخارج، وإذا أمر الإنسان بتطهير ثيابه {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [(4) سورة المدثر] فلئن يؤمر بتطهير بدنه من باب أولى، فالراجح هو القول بالوجوب، ويصرح الفقهاء بأنه لا يصح قبل الاستنجاء أو الاستجمار وضوء ولا تيمم، بل لا بد من إزالة الأثرى الخارج قبل الوضوء.
((أو لا يجد أحدكم ثلاثة أحجار؟ )) هذا أقل ما يجزئ في العدد، ولذا لما جيء له -عليه الصلاة والسلام- بحجرين وروثة ألقى الروثة، وقال: ((أبغني ثالثة)) فدل على أنه لا بد من ثلاثة أحجار، وبهذا أيضاً قال الشافعي وأحمد وعند مالك وأبي حنيفة الاستجمار يجزئ بأقل من ثلاثة أحجار؛ لحديث: ((من استجمر فليوتر)) والوتر يقع على الواحد، لكنه محمول عند الشافعية والحنابلة على الحديث الأخر المفسر؛ لأن ((فليوتر)) مجمل، الوتر كما يطلق على الواحد يطلق على الثلاثة وعلى الخمسة وعلى السبعة يفسره طلب الحجر الثالث، ولو كان الحجر أو الاثنين تجزئ لما طلب ثالثاً -عليه الصلاة والسلام-.
الخشن الذي يزيل الأثر من خشب أو ورق خشن أو تراب، أو ما أشبه ذلك هو في حكم الأحجار.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لا بد من الوتر، لا بد من قطعه على وتر، وأقله ثلاث مسحات يكفي؛ لأن الحكم حكم الثلاثة.
يقول: "وحدثني عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه" الحديث السابق حديث مرسل، قالوا: مرسل، ابن عبد البر وغيره يقولون: مرسل، هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرسل، وهو موصول عند أبي داود والنسائي عن عائشة -رضي الله عنها-، وتجدون المراسيل بكثرة في هذا الكتاب؛ لأن الإمام مالك كما أشرنا سابقاً يحتج في المراسيل، وعلى كل حال الحديث موصول، ولا إشكال فيه.
الحديث الذي يليه يقول:
"وحدثني عن مالك عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى المقبرة" والباء مثلثة، مقبُرة، مقبَرة، مقبِرة ولذا قالوا في النسبة إليها: أبو سعيد المقبُري.(5/5)
"فقال: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين)) " بهذه الصيغة بالتعريف (السلام) لكن لو قال: سلام عليكم دار قوم مؤمنين يجزئ وإلا ما يجزئ؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني ما مر عليكم في كتب الحنابلة: ويُخيّر بين تعريفه وتنكيره في سلام على الحي؟ ما مر هذا؟ مر وإلا ما مر؟ إذاً السلام على الميت يخير وإلا ما يخير؟ هنا السلام عليكم، يعني هل ورد سلام عليكم دار قومٍ مؤمنين بالتنكير؟ أما بالنسبة للحي واحد بلا إشكال، قالوا: سلاماً، قال: سلام، وأما بالنسبة إلى الميت فلم يرد، ولذا لا يخير، وليس معنى أنهم لا يخيرون إذا خيروا فمعناه الأمران على حد سواء، وإذا لم يخيروا فليس معناه اللزوم والوجوب، وإنما يكون على الأرجح، بحيث لا يكون التخيير على سبيل التسوية، الأرجح لزوم ما ورد وهو التعريف.
((السلام عليكم دار قوم ٍمؤمنين)) السلام على من على الدار أو على سكانها؟ كيف يقول: دار قوم مؤمنين؟ ((خير دور الأنصار بنو الأشهل)) أما لو قال: ديار رجعنا إلى الإشكال، نعم، فتطلق الدار ويراد بها القبيلة.
والمساجد في الدور المراد بها المساجد في القبائل، وليس معنى أن كل واحد يبني لنفسه مسجداً قي بيته ويصلي فيه، نعم أمر ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتتطيب، معناه أنه في القبائل كل قبيلة تبنى مسجداً، وتصلى فيه.
((السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإن إن شاء الله بكم لاحقون)) هذا الاستثناء إن شاء الله هل مرده الشك في اللحاق، أو أن اللحاق بهم مؤكد؟ مؤكد، لا أحد يشك في الموت، لكن إما أن يكون التردد اللحوق بهم في هذا المكان، أو أن يكون هذا الاستثناء ليس على بابه، وإنما كما يقول جمع من الشراح: إنه للتبرك، في قوله -جل وعلا-: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ} [(27) سورة الفتح] هل هذا مرده إلى التردد؟ ليس ذلك أبداً.(5/6)
((وددت إني قد رأيت إخواننا)) يقوله الرسول -عليه الصلاة والسلام-، تمنى أن رأى من يأتي بعده من أتباعه، كما أن المسلم في أي عصر يتمنى أن لو رأى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وخدم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا التمني هل يدخل في النهي الوارد {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(32) سورة النساء]؟ الصحابة فضلوا علينا، فهل تمنينا الصحبة ورؤية النبي -عليه الصلاة والسلام-، وخدمة النبي -عليه الصلاة والسلام- من المنهي عنه {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(32) سورة النساء]؟ الآية ليست على عمومها، الرسول -عليه الصلاة والسلام- تمنى الشهادة، تمنى أنه يقتل في سبيل الله، ثم يحيا، ثم يقتل، تمنى الخير، ولو تمنى الإنسان أن لو كان مثل فلان الذي يعمل بعمل الخير صار له مثل أجره، لكن على الإنسان أن يرضى ويسلم بما كتب الله له، وما يدريك أن لو عاش في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- وصار في عداد المنافقين، ما يدريك؟ لكن على الإنسان أن يرضى ويسلم ويعمل.
((وددت أني قد رأيت إخواننا)) قالوا: يا رسول الله ألسنا بإخوانك؟ قال: ((بل أنتم أصحابي)) يعني أنتم لكم مرتبة وشرف ومزية غير مزية وشرف الإخوان، فالصحبة شرف لا يدانيه شرف، وفضل لا يلحقه فضل، فأدنى الصحابة خير من أفضل من يأتي بعدهم ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم)) وهذا معروف قول عامة أهل العلم أن الصحابة أفضل من غيرهم مطلقاً، وإن كان ابن عبد البر يرى أنه قد يأتي بعد الصحابة ممن هو أفضل من بعض الصحابة، هذا رأي له، ويستدل بأحاديث منها تفضيل العمل في آخر الزمان، وأن العامل له أجر خمسين، ومنها .. ، نصوص، لكن وجه التفضيل في العمل، العمل في آخر الزمان مع قلة الأعوان، وكثرة الصوارف والملهيات والمشغلات والفتن أفضل منه في الوقت الذي يكثر فيه المعين والمساعد، ويبقى فضل الصحبة لا يدانيه أي عمل، ولا يقرب منه أي عمل.(5/7)
((بل أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم على الحوض)) وأنا فرطهم يعني متقدمهم، والأصل في الفرط الذي يتقدم القوم بحثاً عن مكان النزول المناسب، وعن أماكن الماء والموارد، هذا يسمونه فرط، والطفل إذا تقدم أبويه يقال له: فرط.
((وأنا فرطهم على الحوض)) والحوض معروف للنبي -عليه الصلاة والسلام- جاء وصفه في صحيح السنة {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [(1) سورة الكوثر] وتواترت الأخبار بثبوت الحوض، ومن يشرب منه.
"فقالوا: يا رسول الله كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ " كيف تعرف؟ يعني أشخاص لم ترهم، كيف تعرفهم؟ "قال: ((أرأيت)) " "فقالوا: يا رسول الله ... " "قال: ((أرأيت)) " قالوا، قال: ((أرأيت)) الأصل أن يقول: أرأيتم، لكن كأن السائل واحد مع سكوت الجميع، فينسب إليهم، ولذا خص بالخطاب: أرأيت.
((أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل دهم بهم)) غر: في نواصيه البياض، محجلة: في أطرفها بياض، في خيل دهم، لا يخالطها لون أخر، والدهمة: السواد، أو ما يقرب منها من الألوان، فهذه الخيل السوداء، أو ما يقرب منها إذا لم يخالطها بياض، إذا وجد معها ما خالطه البياض تميزت عن غيرها.
((ألا يعرف خيله؟ )) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((فإنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من الوضوء)) غراً محجلين، الغرة: البياض في الوجه، الجبهة، والتحجيل: في الأطراف في اليدين والرجلين من الوضوء، أخذ منه بعضهم أن الوضوء من خصائص هذه الأمة؛ لأنه إذا كان غيرهم يتوضؤون ما صار لهذه الأمة مزية يعرفون بها، مع أنه ثبتت الأحاديث بأن الأمم السابقة كانت تتوضأ، في قصة جريج توضأ، في قصة سارة زوجة إبراهيم -عليه السلام- توضأت، وفي الحديث: ((هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي)) فعلى هذا تكون خصيصة هذه الأمة في الغرة والتحجيل من أثر الوضوء، مع أنه لم تأت، أو لم يأت بيان صفة وضوء الأمم السابقة، قد يكون وضوؤهم ليس على الصفة التي فرضت علينا.(5/8)
((غراً محجلين من الوضوء)) يعني بسببه ((وأنا فرطهم على الحوض)) متقدمهم ((فلا يذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال)) هكذا رواية يحيى ((فلا يذادن)) وأكثر الرواية على أنه نعم؟ ((فليذادن)) تأكيد ((فليذادن)) الآن ما في فرق؟ نعم؟ ما في فرق من حيث المعنى؟ ما في فرق بين {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [(8) سورة التكاثر] وبين لا تسألن يومئذٍ عن النعيم؟ ينقلب المعنى، نعم، وقد سمعت إماماً يقرأها هكذا بالنفي، هذا لحن قبيح شنيع، هنا يقول: ((فلا يذادن)) هذه رواية يحيي التي معنا، أكثر الرواة على أنه باللام، اللام المؤكدة مع نون التوكيد الثقيلة، كأنها وقعت في جواب قسم محذوف، والله ليذادن، وهذا خبر، فإذا كانت فلا يذادن، يقول ابن عبد البر -رحمه الله-: قوله: فليذادن معناه فليبعدن وليطردن، وأما رواية يحيى: ((فلا يذادن)) على النهي كيف ينهى؟ الآن لا يذادن أنت تستطيع أن تنهى شخص ألا يذود الإبل الواردة على حوضك، تنه شخص ألا يذود، لكن كيف يتجه النهي هنا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يكون سبباً لطرده عن الحوض، نعم، لا يفعل فعل يكون سبباً لطرده، يقول ابن عبد البر: "خرج بعض شيوخنا معنىً حسناً لرواية يحيى أن يكون على النهي أن لا يفعل أحد فعلاً يطرد بسببه عن الحوض.
((فلا يذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال)) البعير الضال الضائع، نعم إذا وردت الإبل على حوض شخص لا شك أنه سوف يمكن إبله من الشرب، إذا انضم إليها غيرها ذادها وطردها، إثبات للذود، هذه نهي؛ لئلا يفعل فعلاً يكون سبباً للذود، فيكون كأنه طرد نفسه؛ لأنه هو المتسبب، والتسبب أحياناً يكون بقوة المباشرة، أنت الآن لما يقتل زيد عمرو، أو يأمر زيد شخصاً غير مكلف بقتل عمرو، الآن إذا قتله زيد باشر القتل هل لزيد أن يقول: أنا ما قتلت قتله السلاح، نعم باشر القتل، لكن لو أمر شخص غير مكلف أو ربط عمراً، وأرسل عليه أسداً، هو ما باشر القتل، لكنه تسبب بسبب في قوة المباشرة، فإذا فعل فعلاً يكون بسببه مطرود عن الحوض هو الذي طرد نفسه، كما يقال: على نفسها جنت براقش، فينهى عن هذا الفعل الذي يكون سبباً وهذا السبب في قوة المباشرة.(5/9)
يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((أناديهم ألا هلم، ألا هلم، ألا هلم)) هلم: يعني أقبلوا، ويستوي فيه المفرد والجمع والمذكر والمؤنث هذا الأصل فيه، وتجوز فيه المطابقة، ألا هلم الأصل أنهم جمع، ولذا قال: ((ولا يذادن رجال)) جمع، ما قال: ألا هلموا، ألا هلموا، ألا هلموا؛ لأنه يستوي فيه الجمع والمفرد، ويستوي فيه المذكر والمؤنث، وتجوز المطابقة، ألا هلموا، ألا هلما، ألا هلمي، لكنه مفضول، المطابقة مفضولة، الإفراد لزوم الإفراد أفصح.
((فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك)) النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يدري ماذا يحدث الناس بعده، لا يعلم الغيب، ماذا يقول عيسى: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ} [(117) سورة المائدة] أما بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- لا يعلم ماذا أحدثوا بعده، والغلاة يزعمون أن علمه بعد وفاته كعلمه في حياته، بل ينفون أنه مات، مصادمة لما جاء في القران، ويزعمون أنه يحضر في اجتماعاتهم وموالدهم، الضلال نسأل الله العافية.
((فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: فسحقاً، فسحقا، فسحقاً)) يعني بعداً بعداً، بدلوا وأحدثوا في الدين ما ليس منه، بدلوا في الدين فابتدعوا، بدلوا وغيروا في التشريع، يقول ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-: "كل من أحدث في الدين ما لا يرضاه الله فهو من المطرودين عن الحوض" ويقول أيضاً في الاستذكار: "وأشدهم من خالف جماعة المسلمين كالخوارج والروافض وأصحاب الأهواء، وكذالك الظلمة المسرفون في الجور، وطمس الحق، والمعلنون بالكبائر، فكل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا ممن عنوا بهذا الخبر" يقول ابن القاسم: "قد يكون في غير أهل الأهواء من هو شر من أهل الأهواء" يقول ابن عبد البر: "وصدق ابن القاسم" قد يكون في غير أهل الأهواء من هو شر من أهل الأهواء، نعم قد يتسلط على المسلمين من هو منهم، ومن جلدتهم، من لا يخالفهم في المعتقد، ومع ذلك يكون شر من المخالفين لتعدي ضرره على الآخرين، هذا كلام ابن القاسم -رحمه الله-.(5/10)
على كل حال على الإنسان أن يحرص أن يكون عمله مطابقاً لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-، موافقاً له، متبعاً لا مبتدعاً، ومن شرط قبول العمل أن يكون مع إخلاص عامله صواباً على سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فإذا حرص على أن يكون عمله خالصاً لله -عز وجل-؛ لأن العمل وإن كانت صورته مطابقة لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام- إن لم يكن خالصاً فإنه ليس بمطابق لفعله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن فعله مع الإخلاص، فيحرص المسلم لا سيما طالب العلم أن يعرف من سنته -عليه الصلاة والسلام- ومن سيرته ما يمكنه من الإقتداء به، ولذا يقول بعض السلف: "إن استعطت ألا تحك رأسك إلا بسنة فافعل" هنا تكون المتابعة، أما أن يعرض عن سنته وسيرته -عليه الصلاة والسلام- ويزعم أنه من أهل العلم أو من طلابه، فضلاً عن كونه يعرف السنة ويخالف السنة، فالأسوة والقدوة هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولا يتم الإقتداء والائتساء إلا بالعلم، والله المستعان مثلما يأتي المنافق ومعه شيء من النور، ثم فجأة يفقده، لكن العمل وإن كان مشروعاً، إذا لم تتوافر شروطه، فلا يقبل ما تترتب آثاره عليه، وأهل الأهواء متفاوتون، منهم من بدعته مكفرة، فمثل هؤلاء هم على خطر عظيم، نعم عندهم شيء من التأويل، وقد يكون اعتمادهم على نصوص وعلى متشابه من النصوص، لكن يبقى أن البدع المكفرة خطر عظيم، ومن البدع ما هو دونه.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن حمران" حمران بن أبان، مولى عثمان، من سبي عين التمر، من خيار التابعين، وهذه الغزوة أو الوقعة في عين التمر، حصل فيها خير عظيم في السبي، ابن سيرين إمام من أئمة المسلمين منهم، من سبي عين التمر، وحمران بن أبان منهم، المقصود أنها غزوة مباركة.
"مولى عثمان بن عفان أن عثمان بن عفان جلس على المقاعد" المقاعد شيء مرتفع، مبني من الطين يقعد عليه، إما بجوار المسجد، أو بجوار بيت عثمان -رضي الله عنه-، يجلس فيه للفصل بين الناس.(5/11)
يقول: أستشكل: لا تدري ماذا أحدثوا بعدك؟ أستشكل هذا مع قولهم -عليه الصلاة والسلام- ((حياتي خير لكم، ومماتي خير لكم، تعرض علي أعمالكم، فما كان حسن حمدت الله عليه، وما كان من شيء استغفرت الله لكم))؟
على كل حال هذا إن صح، خرجه البزار بإسناد جيد، إن صح فكونه يعرض شيء من الأعمال، ولا يقتضي أن يكون الجميع، لا يعني أنه يدري عن كل شيء، أو أنه لا يدري ماذا أحدثوا بعده؟ حتى يخبر بذلك -عليه الصلاة والسلام-.(5/12)
"جلس على المقاعد، فجاء المؤذن فآذنه" الإذن غير الأذان، المؤذن أذن ليُعلم الناس بدخول الوقت، ثم يأتي فيؤذنه، فالخلفاء محتاجون إلى الإذن بعد الأذان؛ لما كانوا فيه من الشغل في أمور المسلمين، يغفل الإنسان، الإنسان يسمع الأذان، ثم يغفل ينشغل، فيؤذن يعني يخبر بأن الإقامة قربت "فجاء المؤذن فأذنه بصلاة العصر، فدعا بماء فتوضأ، ثم قال: ولله لأحدثنكم حديثاً لولا أنه في كتاب الله ما حدثتكموه" لولا أنه كذا عند مالك لولا أنه، وتفسير الإمام مالك الذي عقب به الخبر يدل على أنه يقصد، يعني ما وهم فيها، لولا أنه في كتاب الله ما حدثتكموه، ولذلك أورد بعد الخبر الآية: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [(114) سورة هود] هذا تأويل مالك، فيكون مفاد الخبر في كتاب الله، لولا أنه يعني ما يدل عليه هذا الحديث موجود في كتاب الله، يقول: ما حدثتكم، والذي في البخاري: لولا أية في كتاب الله ما حدثتكم، قال عروة كما في الصحيح: والآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} [(159) سورة البقرة] ما دام عنده خبر يؤثره عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يجوز له كتمانه، فبذل العلم ونشر العلم فرض، فرض كفاية وقد يتعين على الشخص إذا لم يقم به غيره، فلولا هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} [(159) سورة البقرة] ما اخبر عثمان -رضي الله عنه- بهذا الخبر؛ لأنهم يتحرزون، ويشددون في الرواية عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مخافة أن يزل اللسان أو يخطئ الفهم بشيء ما قاله النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيقعون في الوعيد الشديد، أهل تحري وتثبت، ولولا هذا الوعيد الوارد في الآية ما حدث {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} [(159) سورة البقرة] والذي عندنا في الكتاب: "لولا أنه في كتاب الله" يعني مفاد الحديث أنه موجود في كتاب الله، وسنرى مطابقة الآية لمضمون الحديث.(5/13)
حصل تصحيف نظير هذا التصحيف الذي معنا ((آية الإيمان حب الأنصار)) روي لكنه تصحيف بالاتفاق ((إنه الإيمان حب الأنصار)) فالرسم بين آية وأنه متقارب.
"لولا أنه في كتاب الله" يعني تصديق مفاد الخبر في كتاب الله "ما حدثتكموه، ثم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما من امرئٍ يتوضأ فيحسن وضوءه)) " يحسنه يسبغه يتممه يأتي به على الوجه الأكمل، بدليل الرواية الثانية: ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها)) ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة)) نعم؟ من إيش؟ نعم، ثم جاء في الخبر في الصحيح: ((ولا تغتروا))، ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة من أي أبوابها الثمانية ولا تغتروا)) يعني ما هو معناه أن الإنسان يضمن، يضمن أنه إذا حصل منه هذا الشيء دخل الجنة.
هناك أسباب، وهذا سبب بلا شك، وهناك موانع، قد يكون عند الإنسان ما يمنع من قبول العمل، فعليه حينئذٍ أن يكون خائفاً وجلاً مع عمله بما ورد -عليه الصلاة والسلام- {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [(60) سورة المؤمنون] إلا غفر له ما بينه وبنين الصلاة الأخرى حتى يصليها، غفر له ما بينه وبين .. ، الصلوات الخمس إلى الصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة أيضاً كفارة لما بينهما.
والمراد بما يكفر هنا الصغائر، بدليل: ((ما اجتنبت الكبائر)) ((ما لم تغشَ كبيرة)) قد يقول قائل: إذا لم توجد صغائر، إذا لم توجد صغائر فهل تكفر الكبائر؟ وهذا الافتراض يمكن أن يقع؟
شخص يرتكب كبائر، وليس عنده صغائر، لا يمكن، لا يمكن؛ لأن مقدمات هذه الكبائر صغائر؛ لأنهم يفترضون أن الشخص الذي ليس عنده صغائر يخفف من الكبائر، لكن هذا ليس بوارد أصلاً، ليس بوارد إلا على قول من يقول: إنه يجب على الزاني أن يغض بصره، فلا يرتكب الصغيرة وإن ارتكب الكبيرة، لكن هذا ليس بصحيح أبداً.
((إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها)) ومعروف أن هذا سبب للمغفرة، والسبب قد يتخلف أثره لوجود مانع.(5/14)
"قال يحيى: قال مالك: أراه" يعني أظنه يعني عثمان "يريد هذه الآية: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [(114) سورة هود] " يعني هذا الوضوء والصلاة هذه الحسنات أذهبت ما بين هذه الصلاة والتي تليها من السيئات {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [(114) سورة هود] لكن هل يكون العكس السيئات يذهبن الحسنات، يعني شخص فعل حسنات وعنده سيئات لا شك أن الشرك {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر] هذا أمر مفروغ منه الشرك، لكن ما دون الشرك عنده سرقة، عنده ربا، عنده زنا، وعنده صلاة وزكاة وصيام، يعني شخص له حسنات وله سيئات، يعني صلى ثم زنا.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو باب المقاصة والموازنة، توضع الحسنات في كفة الحسنات والسيئات ثم .. ، هذا أمر آخر، هذا مفلس، هذا في باب المقاصة، الحسد يأكل الحسنات، قالوا في بعض الأعمال له أثر في الحسنات، كما أن بعض الحسنات لا أثر لغيرها فيها، ولذا يقولون: الصيام لا يدخل في المقاصة، ((الصوم لي، وأنا أجزي به)) لا يدخل في المقاصة.
طالب:. . . . . . . . .
قذف محصنة إن صح الخبر يحبط عبادة ستين سنة، نعم يبقى، المسألة على النصوص ثم بعد ذلك لم تقبل معروف أن القبول هنا نفي الثواب المرتب على العبادة، لا يحبطها من أصلها هو الحسنات باقية والسيئات، لكن أنت لو عندك مليون ريال، وأنت مدين بمليون، كأن ما عندك شيء، هذا قول المعتزلة، ويسمون الإحباطية، ينسبون إليه، وفي بعض الخطب، ما أدري خطب المخضوبي أو غيره، كانت تقرأ على الناس في يوم الجمعة، في أول خطبة من شهر شوال، يقول: الحمد لله الذي افتتح أشهر الحج بشهر شوال ... إلى أن قال: فكما أن الحسنات يذهبن السيئات كذلك السيئات يذهبن صالح الأعمال، وهذا ليس على إطلاقه.
طالب:. . . . . . . . .
توثر في باب المقاصة، وما ورد فيه بالخصوص، صلاة العصر أمرها عظيم، الحسد يأكل الحسنات وغيرها من الأعمال اللي .. ؛ لأنه قد يعمل الإنسان عملاً يكون سبباً أو مانعاً من قبول الأعمال الأخرى.(5/15)
يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه، وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه)) " ومعروف أن الخطايا معاني وليست بأجسام، ولذا لا يستقيم استدلال من يستدل بهذا الحديث على أن الماء المستعمل لا يرفع الحدث؛ لأن الخطايا ليست لها أجسام محسوسة تنتقل من العين إلى الماء إلى كذا، لا.
وعلى كل حال يكفر عنه ما اجترحه من سيئات بهذه الجوارح، والجماهير على أنه محمول على الصغائر، ((وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت من وجهه حتى تخرج من أشفار عينيه)) والأشفار كما يقول ابن قتيبة: حروف العين، يعني أطرافها التي هي منابت الشعر، وإن كان بعض الناس يطلقه على الشعر نفسه ((فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه)) يستدل بهذا من يقول: إن الأذنين من الرأس ((فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه)) فدل على أن الأذنين من الرأس، وهذا قول الأكثر، وابن شهاب الزهري يرى أنهما من الوجه، ويستدل بحديث: ((سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره)) فأضاف السمع إلى الوجه، قال الشعبي: ما أقبل منهما من الوجه، وما أدبر من الرأس، لكن الأكثر على أنهما من الرأس، وجاء الدليل بأن الأذنين من الرأس حديث: ((الأذنان من الرأس)) وهو صحيح وإلا ضعيف؟ الأقرب ضعفه.
((فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه)) الآن ويش بقي من الذنوب والخطايا؟ من الجوارح التي يمكن أن تزاول بها الذنوب غير ما ذكر؟
طالب:. . . . . . . . .
والوضوء يشمل الفرجين؟ أما عند الزيدية فنعم من الوضوء.
طالب:. . . . . . . . .(5/16)
نعم أعمال القلوب الحقد والحسد والغل، لكن قوله في الحديث: ((ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له)) دليل على أن جميع الذنوب كفرت، لكن هذا ليس على إطلاقه عند الجمهور الذين يحملون الحديث وما جاء في معناه على الصغائر، هذا بالنسبة لمن لم يرتكب الكبائر، أما بالنسبة للكبائر فلا بد من التوبة، وأيضاً حقوق العباد، لا بد من إيصالها إلى مستحقيها، البدل يقولون: له حكم المبدل.
يقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: "سألت محمد بن إسماعيل -يعني البخاري- عن هذا الحديث، فقال لي: وهِمَ مالك في قوله: عن عبد الله الصنابحي، وإنما هو أبو عبد الله، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة، ولم يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو مرسل، قال أبو عمر بن عبد البر في الاستذكار: هو كما قال البخاري، لكن الحافظ ابن حجر في الإصابة ذكر في ترجمة عبد الله الصنابحي، وأنه غير أبي عبد الله، وأنه يروي عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وذكر له أربعة أحاديث.
أهل العلم يقولون: "إذا قالت حذام فصدقوها" البخاري إمام الصنعة، وأقره ابن عبد البر على سعة إطلاعه، نعم واتباعه لمالك، يعني لو وجد أدنى مدخل لنقد كلام البخاري ما تردد، ... رجح قول البخاري -رحمه الله-.
ثم بعد هذا يقول: "وحدثني عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن)) " شك من مالك أو من غيره، والشك في جميع جمل الحديث، أو مع آخر قطر الماء، أو مع آخر قطر الماء، أو مع ...
وبعض الرواة يأتي بمثل هذا الشك، وإن كان لا أثر له ((المسلم أو المؤمن)) لتحري اللفظ النبوي، تحرج من أن يطلق لفظاً مع أنه لم يجزم به، هل قال النبي كذا أو قال كذا؟ ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- في قوله: ((إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن)) يقول: المؤمن والمسلم عندنا واحد.(5/17)
يعني الإيمان والإسلام شي واحد عنده، وهو قول الإمام البخاري ومحمد بن نصر المروزي وجمع من أهل العلم، والجمهور على التفريق بينهما، يقول: "المؤمن والمسلم عندنا واحد؛ لقوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ} [(35 - 36) سورة الذاريات] فما وجدنا دل على أن المسلمين هم المؤمنون، والمسألة مبسوطة في مواضع أخرى، النصوص تدل على أن هناك فرقاً بين الإسلام والإيمان، لا سيما إذا اجتمعا كما في حديث جبريل وغيره.
((فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء)) ... إلى آخر الحديث، حتى يخرج نقياً من الذنوب، وهو مخرج في صحيح مسلم، وهو شاهد للحديث السابق.(5/18)
"وحدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحانت صلاة العصر" يعني الواو هذه حالية على تقدير (قد) وقد حانت "فالتمس الناس وضوءاً فلم يجدوه" التمس الناس وهم بالزوراء وضوءاً يعني ماءً يتوضؤون فيه، وكان العدد ثمانين، فلم يجدوا ماءً، وفي قصة الحديبية أكثر "فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوضوء في إناء" صغير، وفيه ماء يسير، والدليل على صغر الإناء أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يستطع بسط أصابعه في الإناء، إناء صغير، فيه ماء يسير "فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الإناء يده، ثم أمر الناس أن يتوضؤون منه، قال أنس: فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه -عليه الصلاة والسلام-" هذه معجزة، علم من أعلام نبوته -عليه الصلاة والسلام-، ومعجزة من معجزاته، يقول أهل العلم: هي أعظم مما أعطي موسي من المعجزة، حينما أمر بضرب الحجر بعصاه، ما وجه كونها أعظم؟ من الحجارة ما يخرج منه الماء، وإن منها .. ، لكن هل عُرف، يعني عرف أن من الحجارة ما يخرج منه الماء، لكن هل عرف أن اليد يخرج منها الماء؟ ينبع من بين الأصابع؟ ولذا يقرر أهل العلم أن هذه المعجزة أعظم مما أعطي موسى -عليه السلام-، على كل حال هم يجتمعان في شيء وهو أن كلاً منهما خارق للعادة.(5/19)
"فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الإناء يده" فيه دليل على إن إدخال اليد وغمسها في الماء قبل غسلها لا يؤثر فيه "ثم أمر الناس يتوضؤون منه، قال أنس: فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه -عليه الصلاة والسلام-" توضأ الناس "حتى توضئوا من عند أخرهم، وكان عددهم ثمانين رجلاً" في إناء صغير، وماء يسير، توضئوا من عند آخرهم كيف توضئوا من عند آخرهم؟ (من) هذه و (عند) توضأ الناس حتى توضئوا، يقول الكرماني: (حتى) للتدريج، يعني واحداً بعد الأخر، يعني حتى وصلت النوبة إلى آخرهم، (حتى) للتدريج، و (من) للبيان، أي: توضأ الناس حتى توضأ الذي عند آخرهم، وهو كناية عن جميعهم، قال: و (عند) بمعنى (في) وقال التيمي: المعنى توضأ القوم حتى وصلت النوبة إلى الآخر، والحديث شهده جمع من الصحابة، يعني في هذه القضية شهده ثمانون، وفي قضية أخرى ثلاثمائة، لكنه لم يرو إلا من طريق أنس بن مالك -رضي الله عنه- لم يرو إلا من طريق أنس، مع أنه شهده جمع غفير من الصحابة، هل هذا يقدح في الخبر؟(5/20)
حديث: الأعمال بالنيات خطب به على المنبر، مع ذلك ما نقل إلا من طريق عمر، وما نقله عنه .. ، خطب به عمر على المنبر، وما نقله عنه إلا علقمة، وهكذا، فهم يكتفون براوية من تقوم به الحجة، أنس بن مالك -رضي الله عنه- طال عمره، عاش بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر من ثمانين سنة، فاحتيج إلى ما عنده، والناس يطلبون العلو، قد يوجد عند بعض التابعين عن بعض الصحابة، لكن موجود أنس، فليسوا بحاجة إلى أن يرووه عن بعض التابعين عن بعض الصحابة، ممن تقدمت وفياتهم، فالعلو مطلوب، ولا يقول قائل: إن هذا مما تتوفر الدواعي على نقله، كيف لا ينقل إلى من جهة شخص واحد؟ نقول: لا، أبداً، إذا نقله من تقوم به الحجة كفى، وبهذا نعرف أن الدين محفوظ؛ لئلا يقول قائل: إنه عرف عن الأئمة أنهم يحفظون مئات الألوف من الأحاديث، الإمام أحمد يحفظ سبع مائة ألف حديث وين راحت؟ هل فرطت الأمة بشيء من دينها؟ الدين محفوظ، ما يمكن تفرط بشيء، الأمة بمجموعها معصومة من التفريط بالدين، لكن بعضها يغني بعض، هذه الأحاديث بغضها يغني عن بعض، فنقل البعض المغني عن البعض الأخر كافي، يعني كون الحديث يصل من طريق، أو من طريقين، هل يلزم أن ننقله من مائة طريق؟ رب حديث واحد له أكثر من مائة طريق، فلا يلزم أن ينقل من هذه الطرق كلها.(5/21)
يقول: "وحدثني عن مالك عن نعيم بن عبد لله المدني المجمر" مجمر بالتخفيف من الإجمار، وبالتشديد من التجمير، مجمّر وصف بذلك هو وأبوه لأنهما كانا يبخران مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- "أنه سمع أبا هريرة يقول: "من توضأ فأحسن وضوءه" إحسان الوضوء يكون بالإتيان بالفرائض والسنن "ثم خرج عامداً إلى المسجد" يعني قاصداً إلى المسجد ليؤدي الصلاة "فإنه في صلاة ما دام يعمد إلى الصلاة" ما دام ما ينهزه للخروج إلا الصلاة فهو في صلاة، فالوسائل تشترك مع المقاصد، ما الذي أخرجه إلى المسجد؟ الصلاة، إذاً هو في صلاة، ولذا ينهى عن تشبيك الأصابع؛ لأنه في حكم المصلي، هذا خرج احتسب له الأجر من خروجه ما دام قاصد الصلاة، فهل نقول مثل هذا في حقوق الآدميين؟ يعني المقرر أن الدوام يبدأ سبع ونصف، نقول: ما دام خرجت من بيتك سبع ونصف فأنت في دوام لو ما وصلت إلا عشر، نقول مثل هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، يطلع ثمان، الذي ما عنده إلا ثمان يطلع ثمان على هذا، لكن حقوق العباد مبنية على المشاحة، وأنت أجير لتشغل هذه المدة، وهذه المدة لا تتم .. ، الواجب أداؤها هذه المدة لا تتم إلا بأن تخرج قبلها بوقت يكفي.
"فإنه في صلاة ما دام يقصد ويعمد إلى الصلاة، وإنه يكتب له بإحدى خطوتيه حسنة" يقول بعضهم: باليمنى برجله اليمنى تكتب حسنة، وبالخطوة اليسرى يمحى عنه سيئة، ولا شك أن اليمنى مناسبة للحسنة لشرفها، واليسرى مناسبة للسيئة، لكنه استنباط هذا.
"فإذا سمع أحدكم الإقامة للصلاة فلا يسعى" يعني لا يسرع كي يدرك تكبيرة الإحرام، أو يدرك الركعة، بل يمشي وعليه السكينة والوقار، فما يدركه يصليه، وما يفوته يقضيه، خرج غير متوضئ "من توضأ فأحسن وضوءه" لكن إن كان هناك مانع من أن يتوضأ في بيته، فتح الماء وما وجد ماء، ثم خرج لا بأس عليه إن شاء الله، لكن الوضوء موجود في بيته وخرج بدون وضوء ما يترتب عليه هذا.
طالب:. . . . . . . . .
التشبيه، هذا من باب التشبيه إن صح الخبر، الخبر فيه كلام، نعم هذا من باب التشبيه، والتشبيه لا يلزم أن يكون من كل وجه.(5/22)
"فإن أعظمكم أجراً أبعدكم داراً" نعم أبعدكم داراً؛ لأنه واضح في الحديث كل خطوة حسنة وخطوة تمحى سيئة، فإذا كان أبعد كثرت الخطى فكثرت الأجور، وكثر تكفير السيئات.
"قالوا: لما يا أبا هريرة؟ " لأي شيء كان هذا الحكم؟ أعظمكم أجراً أبعدكم داراً؟ قال: "من أجل كثرة الخطى".
قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لبني سلمة، وقد أرادوا الانتقال من بيوتهم إلى قرب المسجد، قال لهم -عليه الصلاة والسلام-: ((دياركم تكتب آثاركم)) دياركم، يعني ألزموا دياركم، تكتب آثاركم، المقصود الخطى ولذلك .. ، أما بالنسبة لكتابة الحسنات ومحو السيئات ما. . . . . . . . .
ولذلك في الصحيح لما أراد أن يشتري حماراً يذهب إلى الصلاة؟ قالوا ... ، في صحيح مسلم، فدل على أن الكتابة إنما تكون لمن يمشي على رجليه.
طالب:. . . . . . . . .
هو قد يعتري، تكون هناك مفاضلة بين أمور، نعم، شخص أراد أن يشتري بيت، هل يكون في ذهنه أن يشتري بيت بعيد عن المسجد من أجل الخطى، أو يشتري قريب من المسجد؛ لكي يعينه على حضور جميع الصلوات؟ المسألة. . . . . . . . .، كل إنسان يعرف همته، فإن كان إذا أبعد المسجد خطر على صلاة الجماعة يمكن بعض الأوقات ما يصلي. . . . . . . . .، وإذا كان عنده من الهمة والحرص على الخير، نقول: لا بأس، دياركم تكتب آثاركم.
وقد تتضافر المكفرات من أكثر من وجه، عندك الوضوء، الصلوات الخمس إلى الصلوات الخمس، العمرة إلى العمرة، ما اجتنبت الكبائر، أمور مكفرات كثيرة، وفضل الله واسع، أوسع مما نتصور ونتخيل، لكن ذنوب العباد أيضاً لا نهاية لها، لا سيما مع انفتاح الدنيا على الناس.
"سمع أبا هريرة يقول: من توضأ فأحسن ... " إلى أخره، هذا ظاهره أنه موقوف على أبي هريرة، لكنه لا يقال من قبل الرأي، وهو أيضاً يروى مرفوعاً من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.(5/23)
ويقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يُسأل عن الوضوء من الغائط بالماء فقال: إنما ذلك وضوء النساء" ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استنجى بالماء، يقول أنس: فأحمل أنا وغلام نحوي إداوه فيها ماء، فثبت الاستنجاء من فعله -عليه الصلاة والسلام- بالماء، وسعيد يقول: إنما ذلك وضوء النساء، يعني سعيد يخفى عليه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استنجى بالماء؟ ما يمكن، لكن المتوقع أن شخص قال: على طريقة النساء، وعلى أسلوب النساء ما تسمح نفسه أنه يكتفي بالحجارة، نعم هذا الشعور طريقة النساء وأسلوب النساء،. . . . . . . . . هذا أسلوب النساء، فكأن سعيداً -رحمه الله- ينكر على هذا الذي لا يكتفي بالحجارة، نعم، الرسول -عليه الصلاة والسلام- ثبت أنه استنجى بالماء، ولا يظن أن سعيد يخفى عليه مثل هذا، أبداً، لكن شخص قال له: أنا ما تكفيني الحجارة، الآن كل واحد من نفسه لو أعطى أمه أو أخته حجارة أو مناديل، قال: خلاص يكفيكِ، يكفي؟ هو يجزئ، يجزئ بالإجماع، ما يكفيهن، يعني بعض النساء من حرصهم على الخير مع الجهل يصدر مثل هذا الأفعال، هل يمكن أن تحج إمرة وترجع ما حبت الحجر؟ كأنه ركن من الأركان، مع أنها ترتكب من المحظورات أكثر مما قصدته، فلو يقول لك واحد من زملائك: أنا والله ما يهناني إلا إذا حبت الحجر، تقول: هذه طريقة النساء مع الزحام ومع .. ، في حج مثلاً، ما يمكن تجيبه بهذا؟ نعم النساء هي اللي يصدر منها هذا، وإن كان في الأصل خير، في الأصل طلب خير، لكن أيضاً الخير المعارض بما هو أقوى منه يعني تركه خير، ولذا نهي ابن عمر من المزاحمة، عمر نهي عن المزاحمة، وابن عمر -رضي الله عنه وأرضاه- لشدة اقتدائه وائتسائه كان يزاحم، حتى يرعف، الدم يخرج من أنفه مراراً ويرجع، لكن هذا خير وإلا يُترك؟ يُترك، يمكن يفهم منه أن سعيد يرى أن النساء لا تكتفي بالحجارة؟ إن كان بياناً للواقع فهو صحيح، النساء ما تكتفي بالحجارة، لكن نظن أن سعيد يرى أنه لا يكفي الحجارة بالنسبة للنساء؟ ما نظن به، ما دام يكفي النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفعله هو ونساؤه ما يظن به ذلك.(5/24)
يقول: "وحدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات)) " إذا شرب، يقول ابن حجر: كذا هو في الموطأ، والمشهور عن أبي هريرة من رواية جمهور أصحابه: "إذا ولغ" وهو المعروف في اللغة، يقال: ولغ يلغ بالفتح فيهما إذا شرب بطرف لسانه، أو أدخل لسانه فيه فحركه هذا بالنسبة للمائع، كالماء ونحوه، يلغ فيه، وفي غير المائع يقال: لعقه، وفي الإناء الفارغ يقال: لحسه، والأكثر على قياس بقية البدن على اللسان والفم؛ لأنه إذا أمر بالغسل مباشرة من الفم وهو أشرف ما فيه فلأن يؤمر بالغسل من بقية الأعضاء من باب أولى، وإن كان بعضهم يرى أن التسبيع والتشديد إنما هو للفم فقط على جهة التعبد، ويضاف أيضاً إلى التسبيع التتريب، وإن لم يقع في رواية مالك التتريب، لكنه ثابت من حديث ابن سيرين عن أبي هريرة، وإن اختلفت الرواية في محله، هل هو في الأولى، أولهن، أو إحداهن، أو أخراهن، أو عفروه السابعة، عفروه الثامنة، اختلاف بين الرواة في محله، والمرجح من حيث كثرت الرواة وضبطهم أولاهن، وهو الموافق للمعنى؛ لأنه إذا وضع التراب في الغسلة الأولى أزال أثره ما بعده من غسلات، لكن لو جعلته في الأخيرة؟ احتجت إلى غسلة زائدة لتنظيف الإناء من أثر التراب.
((إذا شرب الكلب في إناء أحدكم)) إناء أحدكم هذا الإضافة مقصودة وإلا غير مقصودة؟ إذا قلنا: مقصودة ما تغسل إلا إناءك أنت، اللي تملكه أنت، بحيث لو استعرت إناء من جارك، وولغ فيه كلب تعطيه إياه، وتقول له: ترى والله ولغ الكلب فيه، ما تغسله أنت، تصير مقصودة وإلا غير مقصودة؟ غير مقصودة لكن المسألة أغلبية، الغالب أن الإناء الذي عنده هو في ملكه، فيكون إناؤه، جاء في رواية مسلم: ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه)) الأمر بالإراقة، بعضهم يقول: إنها غير محفوظة، لكن إذا قلنا: إن الأمر بالغسل من أجل النجاسة، فالماء قد تنجس، فلا بد من إراقته، لا سيما إذا كان مائعاً، أما إذا كان جامداً وولغ فيه الكلب أو لعقه كما تقدم يلقى ما لعقه وما حوله، كالفأرة تقع في السمن.(5/25)
((إذا شرب الكلب -أو ولغ- في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات)) والأمر بالغسل للنجاسة عند الأكثر، وللتعبد عند مالك؛ لأنه يرى أن الكلب طاهر، فالأمر بغسله سبعاً للتعبد، والحنفية يقولون: بغسله ثلاثاً كغيرها من الأنجاس، تغسل ثلاثاً ما يحتاج إلى غسله سبعاً، ويؤيدون فتواهم بقول أبي هريرة وفتواه، ويقولون: الراوي أعرفه بما روى، والجمهور يقولون: لا، العبرة بما روى لا بما رأى، مع أنه ثبت عنه أنه أفتى بالغسل سبعاً، ففتواه الموافقة للنص أولى بالعمل بفتواه المخالفة.
عرفنا أن الغسل للنجاسة عند الجمهور وعند المالكية تعبد؛ لأن الكلب طاهر عندهم.
إذا ولغ في الإناء يجب غسله، ماذا عن الصيد؟ إذا صاد بفمه ولا يصيد إلا بفمه؟ يغسل سبعاً ويترب وإلا ما يحتاج؟ المالكية من أقوى أدلتهم الصيد، وأنه لا يؤمر بغسله ولا بتتريبه؛ لأنه إذا كان للنجاسة ما اختلف الأمر من إناء ولا صيد ولا غيره، إذا كانت العلة معه، لكن. . . . . . . . . تطرد، لكن هل الذين يقولون: إن الغسل للنجاسة يأمرون بغسل الصيد سبع مرات والتراب؟ لكن جوابهم عن هذا أن الصيد يأتي عليه ما هو أشد من هذا، وهو الطبخ، لكن لو قدر أن إنسان يريد أن يأكل الصيد نيئ بدون طبخ، قيل له: اغسله، إيه، لا بد أن يغسله.
التتريب أولاهن بالتراب، ثم عفروه الثامنة، هم يقولون: يجعل في أحدى الغسلات تراب، فكأن الغسلة المصاحبة للتراب عن غسلتين، ولذا لا تخالف هذا الرواية رواية السبع.(5/26)
والمرجح أنه يكون في الغسلة الأولى، لما سمعنا به، والتتريب لا بد منه، ولا يغني عن التراب غيره من المنظفات، قد يقول قائل: أنا عندي صابون يكفي عن التراب، أبلغ من التراب، يكفي وإلا ما يكفي؟ ما يكفي، وقد أظهر ذلك الطب، قالوا: إن في لعاب الكلب دودة أو جرثومة لا يقضي عليها إلا التراب، لكن مع الغلي تموت قطعاً، لكن مع صابون لا تموت، هذا يقول: نغلي القدر، نطبخ القدر، نضعه على النار، يكفي عن التراب، أو يكفي عن الماء والتراب؟ لماذا؟ النجاسة لا تزول إلا بالماء، لكن التراب؟ ما هو قلنا: إن الغلي يقوم مقام التراب؟ يقتل هذا الجرثومة؟ على كل حال مثلما قلنا مراراً: الحكم في ذلك النص، فالصيد له وضعه، والإناء له وضعه.
طالب:. . . . . . . . .
وهذا هو الظاهر، وقول عامة أهل العلم، لكن يابس تلمسه، وهو يابس ما ينجس، اليابس ما ينجس اليد، لكن لو رطب أو باشر شيئاً رطباً ينجس.
ترى المسألة .. ، نحتاج إلى الآن خمسة أحاديث.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بغله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((استقيموا ولن تحصوا، واعملوا، وخير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)) " في الحديث مفاوز بين مالك والنبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه موصول عند ابن ماجه من طرق، وهذه الطرق كلها لا تسلم من ضعف، لكن بمجموعها تدل على أن له أصلاً.
((استقيموا)) على الجادة، وعلى الطريق، وعلى المنهج والمحجة، والأمر بالاستقامة، والخبر عن أصحابها مستفيض في الكتاب والسنة {فَاسْتَقِمْ} [(112) سورة هود] أمر للنبي -عليه الصلاة والسلام-، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [(30) سورة فصلت] ((قل: آمنت بالله، ثم استقم)) فعلى المسلم أن يستقيم، ويلزم الطريقة والمحجة، متبعين في ذلك خطى القدوة والأسوة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ممتثلين ما أمرتم به، مجتنبين ما نهيتم عنه.(5/27)
((ولن تحصوا)) يعني لن تطيقوا أن تعملوا بجميع ما أمرتم به ((لن تحصوا)) لكن سددوا وقاربوا، قد يقول قائل: ما دمنا لن نحصي، ولن نطيق كيف نعمل؟ جاء الأمر بعد ذلك بقوله: ((واعملوا)) لا تيأسوا، أنتم لن تحصوا، لكن لا تيأسوا، والإحصاء كما يفهم منه عدم الإطاقة أيضاً أن الإحصاء بدقة غير ممكن، يعني المحاسبة والمراقبة أمر مطلوب {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [(18) سورة الحشر] يقول عمر -رضي الله عنه-: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا" فعلى الإنسان أن يحاسب نفسه، ويراقب، ويديم النظر في عمله، ويصحح خطأه، لكن مع ذلكم قد يراقب نعم من اتقى الله -جل وعلا- حسب استطاعته وقدرته لن يخيب الله رجاءه، لكن قد تكون عند الإنسان دسيسة في قلبه تقوم {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [(47) سورة الزمر] الإنسان جالس في المسجد يقرأ القران، وعنده أنه مع السفرة الكرام البررة، وفي قلبه شيء يمنع من ترتب الآثار، شخص يعلم الناس وعنده أنه تصلي عليه كل شيء، ويدعو له ... إلى آخره، وفي النهاية يتمنى السلامة كفاف، لا له ولا عليه؛ لأن هذا العلم أمره وشأنه خطير، يعني من علوم الآخرة المحضة، لا يجوز فيه التشريك، وأول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، ومنهم العالم نسأل الله العافية، فلن تحصوا، الإنسان يظن يعني المسألة .. ، أمور الدنيا يمكن إحصاؤها، تحسب الأرباح والخسائر وعندك آلات وعندك من يساعدك على هذا، لكن أمور الآخرة، ولذا هذا الأمر مقلق بالنسبة للمخلصين الصادقين. ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) يعني هل السلف قالوا هذا حديث مطلق، يقيد بالحديث الآخر، فيما يبدو للناس، ويظهر للناس، وعملنا صحيح، وناس مخلصين، وموافق لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا، الخوف يساورهم، وجاء الخبر عنهم أنهم جمعوا بين إتقان العمل وإحسانه الخوف والوجل، بخلاف من جاء بعدهم ممن يغلب عليه إساءة العمل مع الأمن.(5/28)
((وعملوا، وخير أعمالكم الصلاة)) خير الأعمال الصلاة؛ لأنها أهم أركان الإسلام، والخطاب لمن يلفظ بالشهادتين، أهم الأعمال وخيرها وأكثرها أجراً وأعظمها الصلاة.
((ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)) نعم الذي ليس بمؤمن لا يحافظ على الوضوء، وأشد منه الغسل، لا سيما مع المشقة والمكاره.
نواصل؟
طيب.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في المسح بالرأس والأُذنين
حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يأخذ الماء بأصبعيه لأذنيه.
عن مالك أنه بلغه أن جابر بن عبد الله الأنصاري سئل عن المسح على العمامة، فقال: لا، حتى يمسح الشعر بالماء.
عن مالك عن هشام بن عروة أن أبا عروة بن الزبير كان ينزع العمامة، ويمسح رأسه بالماء.
عن مالك عن نافع أنه رأى صفية بنت أبي عبيد امرأة عبد الله بن عمر تنزع خمارها، وتمسح على رأسها بالماء، ونافع يومئذٍ صغير.
وسئل مالك عن المسح على العمامة والخمار، فقال: لا ينبغي أن يمسح الرجل ولا المرأة على عمامة، ولا خمار، وليمسحا على رؤوسهما.
وسئل مالك عن رجل توضأ فنسي أن يمسح على رأسه حتى جف وضوؤه قال: أرى أن يمسح برأسه، وإن كان قد صلى أن يعيد الصلاة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المسح بالرأس والأُذنين
المسح بالرأس والأذنين، يعني دون الحوائل من عمامة وخمار ونحوهما، وهذا رأيه -رحمه الله-.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يأخذ الماء بأصبعيه لأذنيه" بأصبعيه لأذنيه يعني كل أذن أصبع وإلا كل أذن أصبعين؟ شوف النص كان يأخذ الماء بأصبعيه لأذنيه، كل أصبع لها أذن، يعني مقابلة التثنية بالتثنية مثل الجمع بالجمع؟ كل أذن لها أصبعاً، إيه، لكن اللفظ، اللفظ ما فيه ما يدل على هذا، هو المراد، هو المراد بلا شك، نعم.
وسبق الكلام على الأذنين، وأنهما من الرأس؛ لقوله في الحديث السابق: ((فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من أذنيه)) والخلاف في ذلك معروف، وتقدم الكلام فيه.(5/29)
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن جابر بن عبد الله سئل عن المسح على العمامة، فقال: لا، حتى يمسح الشعر بالماء" هذا رأي جابر -رضي الله عنه- أنه لا يرى المسح علي العمامة، بل لا بد أن يمسح الشعر بالماء، امتثالاً للآية {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} [(6) سورة المائدة].
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن أبا عروة بن الزبير كان ينزع العمامة، ويمسح على رأسه بالماء" والمسح على العمامة مسألة خلافية بين أهل العلم، فروي عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم أجازوا المسح على العمامة، وهو ثابت مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، من حديث عمرو بن أمية وبلال والمغيرة وأنس، وهذا مذهب أحمد -رحمه الله-، المسح على العمامة، وذهب الجمهور إلى أن الاقتصار على مسح العمامة لا يكفي، ولا يجزئ حتى يمسح جزء من الرأس مع العمامة.
عندنا الخبر عن جابر ما جاء أيضاً عن أبي عروة بن الزبير أنه كان ينزع العمامة، مذهب الجمهور أن المسح على العمامة لا يكفي وحده، بل لا بد أن يمسح معها جزء من الرأس، ومذهب الإمام أحمد أنه يكفي المسح على العمامة، وهو مروي عن جمع من الصحابة والتابعين، وفيه أحاديث كما سمعنا، وقياساً على الخُف، العمامة إذا كانت محنكة يشق نزعها هي بمثابة الخُف، مع ما جاء فيها من الأخبار المرفوعة، ولا يعني هذا أن الإنسان يتوسع فيمسح على كل ما غطاء الرأس –كما زعم بعضهم- يمسح على الطاقية، يمسح على الشماغ، يسمح على .. ، لا بد أن تكون على طهارة.
يقول: "وعن مالك عن نافع أنه رأى صفية بنت أبي عبيد امرأة عبد الله بن عمر" العابد الناسك، زوجته صفية بنت أبي عبيد الثقفية، أخت المختار بن أبي عبيد الذي ادعى النبوة، وليس في هذا مستمسك لأحد، يقصد البيوت التي ليست على شرطه، احتجاجاً بأن صفية أخت المختار، بعض الناس ما يهمه أن يكون البيت بيت استقامة وفضل وخير صلاح، يقول: مهما كان ما هم صايرين مثل المختار، والدافع لذلك؟ ويش الدافع له؟
طالب:. . . . . . . . .(5/30)
إيه، الدافع ما هو بنفس البيت، لا؛ لأن هذه على وجه الخصوص تعجبه، نعم، فيقال له: انتظر يا أخي، ابحث عن أهل خير وفضل واستقامة، يعينونك على صلاح امرأتك، وصلاح ذريتك، هؤلاء يقول: ما هم صايرين أردئ من المختار، والسبب الباعث له على ذلك كون هذه المرأة أعجبته، أو مدحت له، نقول: يا أخي هذا خطر، تعرض أنت نفسك للخطر، فضلاً عن زوجتك وأولادك، فعلى الإنسان إذا أراد أن يتزوج أن يختار المرأة الصالحة من البيت الصالح الذي يعينه على نفسه، وعلى أسرته، يسافر وهو مرتاح مطمئن، إذا ذهب الأولاد إلى بيت محفوظ، ولا يقول: هذه خيار الأمة فعل، وما يدريك أن المختار إنما حصل منه ما حصل بعد الزواج، يعني أنت إذا تزوجت وحرصت على أن تختار، ثم بعد ذلك انحرف من انحرف من إخوة الزوجة، ما أنت بمسئول عنهم، لكن الكلام لما يكون الخيار بيدك، عليك أن تحتاط لنفسك ولنسلك، وما تبرأ به ذمتك، وما يعينك على خير الدنيا والآخرة.
"أنه رأى صفية بنت عبيد امرأة عبد الله بن عمر تنزع خماره وتمسح على رأسها بالماء" ولا شك أن الخمار خمار المرأة لا سيما إذا شق نزعه ملحق بالعمامة، وإن كان بعضهم يرى أن الأصل غسل الرأس والعمامة على خلاف الأصل، فلا يقاس عليها الخمار.
"وتمسح على رأسها بالماء، ونافع يومئذٍ صغير" صغير دون سن التكليف، ولا مانع من أن يروي الصغير لكن لا تقبل روايته وهو صغير حتى يكبر، إذا ضبط وأتقن وهو صغير، ثم أدى ما حفظه وضبطه وأتقنه بعد البلوغ قبل، فتقبل رواية الصغير، وتقبل رواية الفاسق إذا أدى بعد الاستقامة، تقبل رواية الكافر إذا أدى بعد الإسلام، ففي حال التحمل لا يشترط شيء، إنما الشروط في حال الأداء.
"وسئل مالك عن المسح على العمامة والخمار، فقال: لا ينبغي أن يمسح الرجل والمرأة على عمامة ولا خمار، وليمسحا على رؤوسهما" وبذلك قال أبو حنيفة والشافعي.(5/31)
"وليمسحا على رؤوسهما" يمسح الرجل والمرأة على رؤوسهما "وليمسحا على رؤوسهما" ما قال: على رأسيهما، توالي التثنية ثقيل، ولذ جاء: {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [(4) سورة التحريم] ما قال: قلباكما، توالي التثنيات ثقيل، ولذا قال: على رؤوسهما، إذاً ما الأصح في التخريج أن نقول: رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، أو في صحاحهما؟ هذا الأصل صحيحين، لكن توالت التثنية، إذا أردنا أن نطبق {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [(4) سورة التحريم] قلنا: في صحاحهما، نعم يعني تستثقل في بعض الكلمات دون بعض؟ ويش الفرق بين صحيحيهما ورأسيهما؟ نعم {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [(9) سورة الحجرات] يعني أنت نظرت إلى الأفراد، أفراد الرجال كثير، وأفراد النساء نعم، فالرؤوس كثيرة، والقلوب للمرأتين كثيرة وإلا قليلة؟
يعني إذا وجهنا ما جاء عندنا، لن نستطيع توجيه الآية، على كل حال الأصل التثنية صحيحيهما، هذا الأصل نعم يعني إذا أوقع خلاف الأصل في لبس فالمعتمد الأصل، نعم؛ لأنه لن يلتبس بغيره، لكن لو قلنا: في صحاحهما يمكن للبخاري أكثر من صحيح ولمسلم أكثر من صحيح محتمل، لكن القلوب لا يمكن أن يفهم منها أكثر من هذا.
"وسئل مالك عن رجل توضأ فنسي أن يمسح على رأسه، حتى جف وضوؤه، فقال: أرى أن يمسح برأسه" يعني وحده يقول المالكية: لأن الفور إنما يجب مع الذكر لا مع النسيان، وإن كان قد صلى يعيد الصلاة، لماذا؟ لأنه ترك فرض من فرائض الوضوء، فلا يجزئه كما لو ترك غسل الوجه أو غسل الرجلين، لا بد من الإعادة.
هذا يقول: من ما عمت به البلوى في عصرنا، وافتتن به الكثير من طلاب العلم، فكيف بعامة الناس هو الإنترنت، يقول: خلاصة المسألة من المعلوم أنه من خلال هذه الشبكة وعبر مواقع معروفة تطرح مسائل للنقاش بحجة التدارس، وغالباً المسائل تكون من الغرائب، يعني مسائل غربية، أو تطرح من جهة واحدة كحلق اللحية والتصوير وسماع الأغاني والحجاب، وغالب من يشارك هم من المتطفلة على مواد العلم.(5/32)
أقول: طرح مثل هذه القضايا الهامة الشرعية التي لا يستفتى فيها غوغاء الناس، بل مردها إلى أهل العلم الراسخين فيه، الذين عرفوا بالعلم والعمل والورع، لا يكفي أن يكون الإنسان عنده شيء من العلم، بل لا بد أن يقترن بذلك العلم العمل، الدين، الورع.
وليس في فتواه مفتٍ متبع ... ما لم يضف للعلم والدين الورع
وكون مسائل الدين تطرح للاستفتاء، وتحشد لها الأصوات، هذه كارثة، وبهذا يتخذ الناس الرؤساء أو الرؤوس الجهال، كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- يسألون فيفتون بغير علم، مثل هؤلاء لا ينبغي أن يسألوا، بل لا يجوز سؤالهم، إنما السؤال لمن هو من أهل العلم والعمل، إذا كانت المسائل العلمية تطرح للاستفتاء، أو لحشد الأقوال والأصوات يقع ما أخبر به النبي -عليه الصلاة والسلام- من كونه يسأل من لا علم له، فيَضل ويُضِل بهذه الطريقة، والله المستعان.
هذا قريب من، يقول: إنه يشتغل أو يعمل في مقهى إنترنت، ولكن بعض الشباب نصحني ألا أعمل فيه؛ لأنه لا يجوز شرعاً، فما قولك؟
الإنترنت معروف أنه فيه الشر وهو الكثير الغالب، وفيه الخير، الدروس العلمية تنشر من قبل أو عبر الإنترنت، لكن غالبه الشر، نعم إذا كان الإنسان يضمن نفسه بأن لا يستعمله إلا فيما ينفع في الدروس فقط، لكن أنى له ذلك، والمواقع وما يقذف فيها يستهويه بعضها، ويجر بعضها إلى بعض، وكثير من الناس اليوم يمضي الساعات الطوال أمام هذه الشبكات، وهي حبائل، ضل بسببها كثير من أهل الخير والاستقامة، بسبب ما يقذف فيها من الشبهات، وفيها أيضاً ما يثير الشهوات، لا شك أن ضررها أكثر من نفعها، لكن إذا كان الإنسان من أهل الحزم، وقال: إنه يقتني هذه الآلة من أجل سماع الدروس فقط، ويعرف مواعيدها، ويعرف كيف يصل إليها، دون أن يعترضه في طريقه شيء مما يكدر صفو العلم، هذا قد يتجاوز في حقه، لكن الغالب أنها شر، والله المستعان.
يقول: ما رأيك بمن إذا مر بآية تسبيح رفع سبابته حال القيام؟
معروف أن رفع الأصبع من أجل الشهادة، أو من أجل الدعاء يدعى بها.(5/33)
يقول: إذا كان عند الشخص كبائر وصغائر فهل تكفر عنه الصغائر مع وجود الكبائر، أو يشترط لتكفير الصغائر عدم وجود الكبائر؛ لعوم قوله: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [(31) سورة النساء] إلى آخره.
إذا كان عند الشخص كبائر وصغائر فالصغائر تكفرها الصلوات الخمس، ورمضان، والعمرة، وما جاء في النصوص من المكفرات، وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة، كما أن الصغائر تكفر بمجرد اجتناب الكبائر، فاجتناب الكبائر مفكر من المكفرات كالصلوات الخمس.
يقول: هل هناك عدد كبير من الأحاديث تجاوزت طرقه الخمسين طريقاً؟
نعم في عدد كبير جداً، نعم تجاوزت الخمسين طريق، بدليل أنك تسمع مئات الألوف مما يحفظه الأئمة، سبع مائة ألف، ولو أردت أن تحصي ما جاء من غير تكرار ما جاوزت العشرين والثلاثين ألف، وكثير منها غرائب، فدل على أن البقية لها طرق كثيرة، وإذا نظرت في كتب الرجال، وجمعت جميع ما في كتب التراجم لا تتجاوز الثلاثين أو الأربعين ألف، مع أنه وجد في بعض البرامج من رواة الأحاديث، يعني بالتكرار أكثر من ثلاثة ملايين راوٍ، فهذا يدل على أن هناك طرق كثيرة جداً للحديث الواحد، بل ذكر أبو إسماعيل الهروي أنه روى حديث الأعمال بالنيات عن يحيى بن سعيد أكثر من سبعمائة راوٍ، مع أنه وجد أيضاً ما هو أكثر من ذلك.
يقول: سبق أن سمعنا عنك أن مسألة التنشيف خاصة بالغسل دون الوضوء، فإنه لم يرد فيه شيء، فما هو الصواب؟
مسألة التنشيف عند الحاجة سواءً كان في الغسل أو في الوضوء، إذا احتيج إلى ذلك لبرودة الجو لا بأس مع أنه يجوز التنشيف مطلقاً، عرض عليه -عليه الصلاة والسلام- المنشفة لم يردها؛ لأنه ليس بحاجة إليها، لكن لو قامت الحاجة إليها فلا مانع منها، وإلا فالأصل أن يترك الماء كما هو لتخرج الذنوب مع أخر قطر الماء.
يقول: الإخوة يسألون فيما هو من الإبل، وليس بلحم مثل الكبد وغيره والكرش والمصران والمرق؟(5/34)
أما بالنسبة للمرق فليس بداخل أصلاً، ولم يقل به أحد، أما عدا ذلك مما حواه الجلد فيدخل في مسمى اللحم، وإن كان من غير اللحم كالكبد والطحال والمصران والكرش بدليل أن المحرم لحم الخنزير المنصوص عليه لحم الخنزير، ويراد به جميع ما حواه جلده، فكذلك الإبل مع أن المعروف عند الحنابلة أنه خاص باللحم، اللبن ما فيش، اللبن والمرق ما في.
هناك أسئلة خاصة لا يستفيد منها السامع، هذه لو تركت يعني إلى وقت أخر.
هل ورد دليل خاص لدعاء سجود التلاوة؟
نعم في سنن أبي دواد وغيره أذكار خاصة لسجود التلاوة.
يقول: كيف الرد على من يحتج بقوله: ((فإنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)) على أن الصحابة منهم من أحدث خصوصاً اليوم الطعن في الصحابة في الصحف على أشده؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، معروف لا تدري ما أحدثوا بعدك، لكن في كلام ما هو بواضح لسوء الخط.
على كل حال بالنسبة للصحابة من ثبت على إسلامه وهم الأصل وهم الأكثر هؤلاء لا كلام لأحد فيهم؛ لأن الله -جل وعلا- عدلهم في كتابه، وجاءت النصوص القطعية عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنهم خير الناس، وهم حملة الدين، فالطعن فيهم طعن في الدين، والمقاصد واضحة جلية، ولذا تجد من يطعن يعمد إلى شخص تجده أكثر الناس حملاً للدين، أكثر من تعرض للنقد أبو هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- في القديم والحديث من المبتدعة، وليس المراد شخص أبي هريرة، الذي دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يحببه الله إلى الناس، ويحبب الناس إليه، إنما المقصود ما يحمله أبو هريرة من دين وشرع، ولذا لا تجدون من يطعن في أبيض بن حمال، أبداً، الذي لم يرو إلا حديث واحد، هذا يتعبهم إن بغوا يتتبعون مثل هذا، ولذا الذي يظهر من صنيعهم وتفوح الروائح من خلال كلامهم أن المراد الطعن في الدين، وليس المراد الطعن في الأشخاص، نعم ارتد بعض الصحابة بعده -عليه الصلاة والسلام-، والردة أمرها معروف، لكن لم يردنا شيء من الدين من طريق أحد قد أرتد، ولا عن طريق أحد ممن وصف بالنفاق، ولله الحمد والمنة.
يقول: ما معنى حديث أن الأنبياء أحياء في قبورهم؟ وأن روحه ترد عليه إذا سلم عليه شخص؟ وما دام أن روحه ترد فهو حي؟(5/35)
على كل حال هو حياته -عليه الصلاة والسلام- .. ، حياة الأنبياء أكمل من حياة الشهداء بلا شك، لكنها حياة برزخية، فارقت الروح البدن، وحياة الله أعلم بكيفيتها، حياة تختلف عن حياة الأحياء، وهي فوق حياة الشهداء، حياة برزخية الله أعلم بكيفيتها، ومن المقطوع به أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد مات {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [(30) سورة الزمر] "من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات" ولا شك أن روحه فارقت جسده -عليه الصلاة والسلام-، وفاة حقيقة، لكن كونه ترد عليه روحه يبلغه سلام من يسلم عليه، هذا حياة الله أعلم بكيفيتها، لم يرد تفصيلها.
يقول: قلتم: إن من لم يستجمر فلا يصح وضوؤه، وعلى هذا فلا تصح صلاته، فعلى ماذا يحمل حديث عذاب القبر؟ ((إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير)) فالظاهر أن الحديث بقائهما على الدين؟
كونه لا يستنزه من بوله، أو لا يستبرئ من بوله، لا يلزم أن يكون البول باقٍ في محله، إنما قد يكون عدم الإستبراء من رشاش ونحوه، على أن ما سمعتم في مذهب أبي حنيفة ومالك أن الاستنجاء ليس بشرط، نعم الرشاش مهما كان حتى قال أهل العلم: حتى ما يشبه رؤوس الإبر هذا لا يعفى عنه بالنسبة للبول، على كل حل المشقة تجلب التيسير هذا الأصل، لكن يبقى أن على الإنسان أن يحتاط، وأن يستنزه وأن يستبرئ.
يقول: هل لفظ: صاحبي أفضل من لفظ أخي؟ وليس المقصود بذلك الصاحب المعروف في هذا الوقت؟
هو يريد أن يقرن هذا بالحديث: "ألسنا أخوانك؟ قال: ((أنتم أصحابي)) الصحبة والصحابة بالنسبة لمن عاصره، ورآه -عليه الصلاة والسلام-، هذا اصطلاح، اصطلاح شرعي، قد يختلف عن الاصطلاح الآخر، ما قال: إنما المؤمنون صحابة، قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [(10) سورة الحجرات] فلا شك أن الأخوة في الدين أعظم من مجرد الصحبة.
هذه يقول: امرأة تقول: إنها عند الاغتسال من الجنابة تتنظف، ولكن يستمر معها خروج الموجب طول ذلك اليوم، فيخرج باستمرار كلما توضأت وتطهرت؟
هذا حكمه حكم السلس، تصلي على حسب حالها، إذا اغتسلت، ثم توضأت في كل صلاة لا يضرها ما يخرج بعد ذلك.(5/36)
يقول: هل أسماك الأنهار والبحيرات العذبة وما يعيش في البرك الصناعية حكمها حكم ميتة البحر؟
إذا كانت لا تعيش إلا في الماء فحكمها حكم ميتة البحر.
متى يبدأ وقت تكبيرة الإحرام؟
من شروع الإمام فيها، يبدأ من شروعه، وإذا شرع فيها وانقطع نفسه تابعه المأموم على ذلك، وينتهي وقتها بشروع الإمام في الركن الثاني، الذي هو بقراءة الفاتحة.
يقول: عليه صيام شهرين متتابعين كفارة، هل له أن يصوم الست من شوال قبل قضاء الكفارة؟
نعم، له أن يصوم الست من شوال، وله أن يصوم عشر ذي الحجة، ويؤخر ذلك إلى ما تيسر، على أن يغلب على ظنه أنه يعيش إلى ذلك الوقت، أما إذا كان قد قرر أنه فيه مرض يستطيع معه الصيام، وأنه على خطر، أو يغلب على الظن أنه لا يدرك الصيام فعليه أن يصوم الكفارة، ويقدمها على غيرها من النوافل.
هل الترتيب شرط من شروط الصلاة عند مالك أم سنة؟
ترتيب إيش؟ شرط من شروط الصلاة؟ ترتيب الفوائت وإلا إيش؟
هل الترتيب شرط من شروط الصلاة عند مالك أم سنة؟
ما أعرف ترتيب إيش؟ إن كان المقصود الفوائت فالترتيب لا بد منه، وواجب عند عامة أهل العلم، ولا يسقط إلا بالنسيان، نكتفي بهذا، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(5/37)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب الطهارة (7)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
هذا له طلب يقول: يأمل أن يكمل الكتاب بعد الحج؟
قلنا: هذا طلب لكثير من الإخوان والإشكال أنه بعد الحج تبدأ الدروس دروس المسجد اللي هي على الجدول فيصير فيه مشقة يعني إذا أقمنا دروس غير اللي في الجدول ثانية، يصعب، وإلا تكميل الكتاب طيب، طيب، وأما بالنسبة لكتاب الحج مناسك من هذا الكتاب -إن شاء الله- في آخر الأسبوع من الشهر الحادي عشر، ذي القعدة، والأسبوع الأول من ذي الحجة -إن شاء الله-، هذا على العادة يعني -إن شاء الله-.
هذا يقول: مسألة ذيل المرأة رأيت أنه لا يجزئ فيه إلا الغسل، وذلك لضعف الحديث، لكن ألا يمكن أن يطهره التراب؛ لأن الحديث صححه بعض أهل العلم، يقول: المشهور من مذهب الإمام أحمد أنه لا يطهر شيء بغير الماء، والرواية الأخرى عنه يطهر الخف بالدلك؟
معروف أن مسألة الخف يطهره الدلك، إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب، ومعلوم أن الخف لا يشرب النجاسة مثل ذيل المرأة، مثل الثوب.
يقول: قال شيخ الإسلام: لم يأمر النبي --صلى الله عليه وسلم- بأن تزال النجاسات بالماء، وقد أذن بإزالتها بغير الماء في مواضع: الاستجمار، والنعلين، وذيل المرأة، وهذا القول هو الصواب؟
على كل حال الحكم في هذا هو الخبر والحديث، وإذا كانت العلة معقولة أيضاً صارت مرجحة لما يختلف فيه أهل العلم من تصحيح وتضعيف، ومن ترجيح أيضاً بين الأقوال، فيختلف موضع الاستجمار؛ لأنه ينقى إلى حد، بينما ذيل المرأة قد لا يصنع فيه التراب شيئاً إذا شرب النجاسة، التراب لا يصنع فيه شيئاً، وجاء في حديث أبي هريرة: "فطهورهما التراب" ولا ينص على الدلك، كيف ما ينص على الدلك؟ يقول: إن ذلك مما يشق التحرز منه، فيخفف فيه كما خفف النعل، على كل حال المسألة مسألة ترجيح، وهذا الذي يظهر، والله أعلم.(6/1)
يقول: ما صحة حديث معناه أن من صلى قبل الظهر أربع، وبعد الظهر أربع؟ وكيف تصلى الأربع ركعات التي بعد الظهر؟
المعروف أن الرواتب بالنسبة لصلاة الظهر القبلية أربع، والتي بعدها ركعتان هذا الأصل، وهذا هو الأكثر، وجاء الأربع قبل الظهر، والأربع بعدها، فتفعل أحياناً هكذا وهكذا.
طالب:. . . . . . . . .
لا، عاد المسألة في صحة اللفظ ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)) فإن صح هذا اللفظ فتصلى بسلامين وإلا يجوز صلاتها بسلام واحد.
يقول: ما الراجح في حيوان البحر إذ خرج منه في وقت يمكن فيه تذكيته؟
إن كان مما استثني بالنص كالسمك فلو مات حتف أنفه بعد خروجه من البحر فهو حلال، أما ما عداه فإن أمكنت تذكيته فهي الأصل، إذا عاش بعد خروجه، أو بعد إخراجه من البحر، وكانت حياته مستقرة فلا بد من تذكيته.
يقول: ما حكم أكل التمساح والضفدع وسرطان البحر وسمك القرش؟
التمساح والضفدع تعيش في البر فلا تحل، ليست من ميتة البحر، سرطان البحر وسمك القرش كلها بحرية، تؤكل.
يقول: امرأة نذرت أن تصوم لله كل يوم خميس واثنين إذا سهل الله لها ما تريد، ثم سهل لها، فهي الآن لا تستطيع الصوم بسبب شغل البيت، وأطفالها صغار، فماذا تعمل؟
على كل حال يجب عليها أن تفي بالنذر إلا إذا عجزت، إذا عجزت عن الوفاء بالنذر فإنها تكفر كفارة يمين.
يقول: هل من آداب طالب العلم الاتكاء في الدرس، ومد الرجلين وغير هذا، وما أثر التأدب لطالب العلم في تحصيل العلم، وحصول البركة فيه؟ يقول: وكذا مقاطعة الشيخ أثناء الإلقاء؟
الاتكاء أثناء الدرس إن قامت الحاجة إليه فالأصل فيه الجواز، إن كنت الحاجة داعية إلى ذلك، ومثله مد الرجلين، بعض الناس إذا أطال كف الرجلين تؤلمه، ولا يستطيع المشي عليها إلا بمشقة، فمثل هذا الحاجة، إذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس، وإلا فالأصل أن مد الرجلين بين الناس خلاف الأولى.
يقول: أثر التأدب بآداب طالب العلم في تحصيل العلم وحصول البركة فيه؟(6/2)
على كل حال لزوم الأدب .. ، النبي -عليه الصلاة والسلام- جاء ليتمم مكارم الأخلاق، والآداب التزامها من المكارم، فهي شرعية، وكل ما عمل الإنسان بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم، بركة العلم العمل به، فائدته العمل به، وإلا علم بلا عمل لا قيمة له، بل هو وبال على صاحبة.
يقول: هو رجل له أم ومتزوج والزوجة لا تنجب، ولكن ليس هو السبب، السبب هو أن أم الرجل قالت: إنها سمعت كلام على الزوجة في الشرف والعياذ بالله، وطلبت من ابنها أن يطلق الزوجة، أو تغضب عليه، والرجل محتار بين أن يرضي أمه، أو يرضي زوجته التي قال عنها: إنه لم ير منها أي شيء مخل للشرف، والرجل محتار بين أن يرضي أمه أو يرضي زوجته التي ... إلى آخره؟
تكرر هذا.
لا شك أن طاعة الأم من البر، لكن الطاعة بالمعروف، إذا لم يكن هناك سببٌ ومبرر شرعي للفراق والطلاق فلا طاعة لها في هذا، وجاء في حديث بن عمر أن عمر -رضي الله عنه- أمره أن يطلق زوجته، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أطع أباك)) ومن مثل عمر؟ من يقدر مثل عمر المصالح والمفاسد؟ فبعض الآباء -هداهم الله- وبعض الأمهات لأدنى سبب يوجد مثل هذا الطلب، والطاعة بالمعروف، إذا لم يوجد مبرر للطلاق فلا طاعة في مثل هذا.
يقول: رجل أقسم بأن يصوم يوماً، وأن يفطر يوماً، ولم يشترط وأصيب بمرض، فماذا يفعل؟
إذا لم يستطع الصيام يكفر وإلا فالأصل أن من نذر أن يطيع الله فليطعه.
يقول: بالنسبة لحديث: غسل اليدين قبل الوضوء، هل هو ثابت؟ أيضاً بالنسبة للوضوء من الماء الجاري أم خاص بالوضوء من الإناء؟
هذا عام كل من أرد أن يتوضأ يغسل يديه قبل أن يشرع في الوضوء على سبيل الاستحباب وليس بواجب إلا إذا قام من النوم.
حكم من نسي الله أكبر، أو توهم أنه نسيها في الصلاة غير تكبيرة الإحرام؟
معلوم أن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة، لا تنعقد بدونها، أما تكبيرات الانتقال فالجمهور على أنها سنن، والحنابلة يقولون بالوجوب، على كل حال من نسي تكبيرة غير تكبيرة الإحرام يجبر ذلك بسجود سهو.
يقول: كيف نحل تعارض أبي هريرة -رضي الله عنه- في قوله: فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل، ونهي العلماء عن الزيادة عن ثلاث؟(6/3)
إطالة التحجيل ثابتة من فعله -عليه الصلاة والسلام-، حتى أشرع في العضد، حتى شرع في الساق، فهذا مطلوب، وهذا لا يعارض الغسل، غسل كل عضو ثلاثاً ثلاثاً.
يقول: هل يطلق الرزق نسبته إلى الله الرزق الحلال والحرام؟
نعم هو من الله -جل وعلا-، الرزق كله من الله حلاله وحرامه، خلافاً للمعتزلة الذين يرون أن الحلال من الله، وأما الرزق غير الحلال فلا تجوز نسبته إلى الله -جل وعلا-، والمسألة معروفة عند أهل العلم.
يقول: هل لبس العمامة والإزار سنة؟ إذا كان ليس بسنة فكيف نرد على من قال: إن السنة هي فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وقوله تقريره، فقال: ولبس العمامة والإزار من السنة؟
على كل حال اللباس عند أهل العلم من الأعراف، اللباس عرفي، فإذا تعارف الناس على لباس لم يرد فيه نص بخصوصه بمنعه أو استحبابه فلهم ذلك، فاللباس عرفي ما لم يكن من ألبسة الكفار، أو من ألبسة الرجال فيلبسه النساء أو العكس، فيمنع من أجل المشابه.
يقول: يسأل عن قناة المجد، وهل تنصح بها؟
بالنسبة لقناة المجد هي أفضل الموجود الآن، فمن ابتلي بالآلات فهي خير موجود، ومن عافاه الله منها فالسلامة لا يعدلها شيء.
النهي في قوله: فلا يسرع، يعني إذا سمع الإقامة فعليه أن يمشي وعليه السكينة والوقار؟
هذا كله على سبيل الاستحباب عند أهل العلم.
يقول: ورد أنه يقتص من الصيام فأتى بصلاة وصيام؟
على كل حال إن ثبت هذا اللفظ فهو نص، وإلا فأهل العلم عندما يتكلمون على قوله في الحديث القدسي: ((الصوم لي، وأنا أجزي به)) قالوا: من وجوه اختصاصه أنه لا تدخله المقاصة، فإن كان ثبتت هذه أتى بصلاة وصيام ... إلى آخره، فهي نص في الموضوع.
أفضل كتاب في بلاغة القرآن؟
الكتب التي تحدثت عن بلاغة القرآن كثيرة، ومنها بعض التفاسير، مثل: تفسير أبي السعود، وحواشي البيضاوي، فيها مباحث كثيرة تتعلق بهذا.
ثم قال ... ، ضرب .. ، أعلم من جاء أعلم بمن جاء؟
على كل حال الفروق الدقيقة بزيادة الواو في بعض المواضع دون بعض، وزيادة الباء أو الفاء هذه هناك كتاب اسمه: "درة التنزيل وغرة التأويل" للخطيب الإسكافي، هذا كتاب نافع في هذا الباب.(6/4)
يقول: هل يكتب له الرجوع؟ وهل يكتب له الأجر بالمجيء إلى السيارة؟
الرجوع في صلاة الجمعة منصوص عليه، وما عداها إما بطريق الإلحاق على الجمعة، أو يختص بالذهاب إلى الصلاة، المجيء بالسيارة لا يثبت فيه أجر الخطى.
يقول: مسألة التشريك فصل القول في مسألة التشريك، ولو خصص لها درس لأهميتها؟
هي مسألة مهمة جداً، وهي مسألة ذات صور وفروع، تشريك عبادة بعبادة، وتشريك عبادة بمباح، وتشريك عبادة بمحظور، ولها .. ، جرى تفصيلها في مناسبات كثيرة، فيرجع إلى التسجيل.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، وزده علماً، وانفعنا بما علمتنا يا ذا الجلال والإكرام.
قال الإمام يحيى:
باب: ما جاء في المسح على الخفين
عن مالك عن ابن شهاب عن عباد بن زياد عن ولد المغيرة بن شعبة عن أبيه عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذهب لحاجته في عزوة تبوك، قال المغيرة: فذهبت معه بماء، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسكبت عليه الماء، فغسل وجهه، ثم ذهب يخرج يديه من كمي جبته فلم يستطع من ضيق كمي الجبة، فأخرجهما من تحت الجبة، فغسل يديه، ومسح برأسه، ومسح على الخفين، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبد الرحمن بن عوف يؤمهم، وقد صلى بهم ركعة، فصلى رسول -صلى الله عليه وسلم- الركعة التي بقيت عليهم، ففزع الناس، فلما قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أحسنتم)).
عن مالك عن نافع وعبد الله بن دينار أنهما أخبراه أن عبد الله بن عمر قدم الكوفة على سعد بن أبي وقاص، وهو أميرها، فرآه عبد الله بن عمر يمسح على الخفين، فأنكر ذلك عليه، فقال له سعد: سل أباك إذا قدمت عليه، فقدم عبد الله فنسي أن يسأل عمر عن ذلك حتى قدم سعد، فقال: أسألت أباك؟ فقال: لا، فسأله عبد الله فقال عمر: إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهرتان، فامسح عليهما، قال عبد الله: وإن جاء أحدنا من الغائط؟ فقال عمر: نعم، وإن جاء أحدكم من الغائط.(6/5)
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر بال في السوق، ثم توضأ، فغسل وجهه ويديه ومسح رأسه، ثم دعي بجنازة ليصلي عليها حين دخل المسجد، فمسح على خفيه، ثم صلى عليها.
عن مالك عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش أنه قال: رأيت أنس بن مالك أتى قباء فبال، ثم أوتي بوضوء فتوضأ، فغسله وجهه ويديه إلى المرفقين، ومسح برأسه، ومسح على الخفين، ثم جاء المسجد فصلى.
قال يحيى: وسئل مالك عن رجل توضأ وضوء الصلاة، ثم لبس خفيه، ثم بال، ثم نزعهما، ثم ردهما في رجليه، أيستأنف الوضوء؟ فقال: لينزع خفيه، وليغسل رجليه، وإنما يمسح على الخفين من أدخل رجليه في الخفين وهما طاهرتان بطهر الوضوء، وأما من أدخل رجليه في الخفين وهما غير طاهرتين بطهر الوضوء فلا يمسح على الخفين.
وسئل مالك عن رجل توضأ وعليه خفاه فسها عن المسح على الخفين حتى جف وضوؤه وصلى؟ قال: ليمسح على خفيه وليعد الصلاة، ولا يعيد الوضوء.
وسئل مالك عن رجل غسل قدميه، ثم لبس خفيه، ثم استأنف الوضوء؟ فقال: لينزع خفيه ثم ليتوضأ وليغسل رجليه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المسح على الخفين
المسح على الخفين متواتر عنه -عليه الصلاة والسلام-، رواه وأفتى به وعمل به الكافة عن الكافة، والجماعة الذين لا يحصون، فلا يحصى عددهم، نقله عن النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع غفير من الصحابة، فهو متواتر عنه -عليه الصلاة والسلام-، ولم ينكر شرعية ذلك إلا المبتدعة، ولذا يذكر أهل السنة مسألة المسح على الخفين في كتب العقائد؛ لأن الخلاف في المسح على الخفين صار مع بعض أهل البدع فصار حينئذٍ من الأصول.(6/6)
روي عن الإمام مالك -رحمه الله- أنه أنكر المسح على الخفين، وأنكرت هذه الرواية، أنكرها أكثر القائلين بقوله، والروايات عنه بإجازة المسح على الخفين في الحضر والسفر أكثر وأشهر، وعلى ذلك بنى موطأه وهو مذهبه كما قرر ابن عبد البر، ومذهب كل من سلك سبيله، لا ينكره منهم أحد، الإشارة إلى مذهب الإمام مالك هذا المنقول عنه؛ لأنه تداوله بعض من ينقل الخلاف، فلا بد من تفنيد هذه الرواية، وهذا كلام ابن عبد البر، أنكر ذلك أكثر القائلين بقوله، والروايات عنه بمشروعية المسح على الخفين، والقول بجوازه وإجزائه أكثر وأشهر، وعلى ذلك بنى الموطأ كما ترون، بل هذا قوله المعتمد، وقول جميع من سلك سبيله -رحمه الله- من الحجازيين والعراقيين وغيرهم، فهذه الراوية ضعيفة مرذولة عند المالكية، وليس بمعتمدة، والإشارة إليها مثلما ذكرت؛ لأنها يتداولها بعض من يعنى بذكر الخلاف، فلا يعرف عند أهل السنة القول بعدم مشروعية المسح على الخفين.
نعم قد يفهمون، قد يفهمون، أقول: يفتى في مسألة أو في صورة لا يصح فيها المسح، فيطرد القول، هذا موجود، يعني مثل فهم بعض العلماء للنصوص يفهمون أقوال الأئمة على نحو من هذا، ومعروف أن الأتباع أتباع المذاهب يعاملون النصوص المروية عن أئمتهم معاملة النصوص الشرعية، يتعاملون معها كما يتعاملون مع النصوص الشرعية، فإذا ذكر عن الإمام أكثر من قول كما لو ورد في المسألة أكثر من دليل متعارض، مع التعارض، يقولون: فإن أمكن العمل بجميع الأقوال، ولو بمحمل المطلق على المقيد، أو العام على الخاص، يعني في نصوص الأئمة تعين، وإلا إن عرف المتقدم والمتأخر فالمتأخر قوله، وإلا فأقرب القولين أو الأقوال إلى أصوله، هكذا يقولون في التعامل مع ما يروى عن الأئمة.
يقول -رحمه الله-:(6/7)
"حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عباد بن زياد من ولد المغيرة بن شعبة عن أبيه" في هذا الإسناد وهمان، الأول في قوله: "من ولد المغيرة بن شعبة" يقول ابن عبد البر -رحمه الله-: وهم مالك في زعمه أن عباداً من ولد المغيرة، يقول: وأظنه من ثقيف، نعم، يقول: أظنه من ثقيف، من ولد أبي سفيان بن حارثة، وليس ذلك عندي بعلم حقيقة، يعني لم يجزم ابن عبد البر في هذا، وقد قيل: إنه عباد بن زياد بن أبي سفيان بن حرب، وعلى كل حال هو ليس من ولد المغيرة بن شعبة.
"عن أبيه" هذا أيضاً وهم ثانٍ، يقول: وهو وهم من يحيى وابن مهدي، لم يقل عن أبيه غيرهما، ومع ذلكم فالحديث حديث المغيرة صحيح، مخرج في الصحيحين وغيرهما.
"عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذهب لحاجته في غزوة تبوك" ذهب لحاجته ففيه البعد عن الناس عند قضاء الحاجة، وهذا معروف أنه عند إرادة الغائط؛ لما فيه من رائحة، ويصاحبه صوت، أما بالنسبة للبول فأمره أخف، نعم إذا أراد المذهب أبعد إذا أراد الغائط، أما إذا أراد البول ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث حذيفة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- انتهى إلى سباطة قوم، فبال -عليه الصلاة والسلام- يقولون بالنسبة للبول أمره أخف.
هذا يقول: ورد في نسخة محمد بن الحسن قوله: "وبهذا كله نأخذ، وهو قول أبي حنيفة، مسألة المسح، وما يروى عن مالك فيه، وبهذا كله نأخذ، وهو قول أبي حنيفة، ونرى المسح للمقيم يوم وليلة، وثلاثة أيام ولياليها للمسافر، وقال مالك بن أنس -هذا قول محمد بن الحسن-: "لا يمسح المقيم على الخفين، وعامة هذه الآثار التي روى مالك في المسح إنما هي في المقيم، ثم قال: لا يمسح المقيم على الخفين.
كيف؟ النسخة موجودة؟ رواية الموطأ، رواية محمد موجودة؟ صاحب الورقة هذه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا من قول محمد بن الحسن، وليس من أتباع مالك، وإن روى الموطأ، وليس من أتباع مالك وإن روى الموطأ، وإن روى عن مالك، فأتباعه القائلون بقوله هم أولى بالقبول من غيرهم في نقلهم لمذهبه.(6/8)
"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذهب لحاجته في غزوة تبوك" في رجب سنة تسع من الهجرة، تبوك ممنوعة من الصرف للعلمية، علم على البقعة المعروفة، والتأنيث إن أردنا البقعة، وإن أردنا المكان فهو مذكر، منهم من يقول: إنه ممنوع لوزن الفعل، تبوك مثل تقول، فهو ممنوع لوزن الفعل.
"قال المغيرة: فذهبت معه بماء" فيه خدمة الحر للكبير، وأنه لا غضاضة عليه في ذلك، بل خدمته -عليه الصلاة والسلام- شرف "قال المغيرة: فذهبت معه بماء، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسكبت عليه الماء" فذهبت معه بماء فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسكبت عليه الماء، السياق يدل على أنه استنجى بالماء أو لم يستنج به؟ "فذهبت معه بماء فسكبت عليه الماء فغسل وجهه، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسكبت عليه الماء" مقتضاه أنه ذهب إلى حاجته -عليه الصلاة والسلام- منفرداً، فلما قضى حاجته واستجمر صب عليه المغيرة من الماء الذي ذهب به، فغسل وجهه ... إلى أخره، إذاً ما فائدة قوله: "فذهبت معه بماء"؟ ذهب لحاجته، فذهبت معه بماء، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ذهبت معه! الاستجمار لا ذكر له هنا، بل هو مجرد فهم، واللفظ محتمل، فذهبت معه بماء، فاستنجى به في مكانه بالماء، ثم جاء -عليه الصلاة والسلام- فصببت عليه، ولذا يقولون: فيه الاستنجاء بالماء، في الحديث، في الخبر، نعم الأسلوب لا يعطي هذا بصراحة، التركيب لا يعطي هذه الفائدة بصراحة، لكن قوله: فذهبت معه بماء، ذهب إلى حاجته فذهبت معه بماء يدل على أنه استنجى به، كونه -عليه الصلاة والسلام- قام من مكانه الذي قضى فيه حاجته، فجاء إليهم ليتوضأ عندهم لا يمنع أن يكون ذهب معه، فاستنجى، ثم رجع إلى مكانه الأول، فسكب عليه الماء.(6/9)
"فسكبت عليه الماء، فغسل وجهه" فيه دليل على جواز إعانة المتوضئ، المتوضئ يعان، ولا بأس بذلك، تجوز إعانته ولو كان قادراً أن يزاول الوضوء بنفسه "فسكبت عليه الماء فغسل وجهه، ثم ذهب يخرج يديه من كم جبته فلم يستطع من ضيق كمي الجبة" هذا بخلاف ما يصنعه بعض الناس من توسيع الأكمام، قدر زائد على المطلوب على الحاجة، نعم قد يكون الداعي لضيق الكمين قلة الثياب، نعم عندهم، لا شك أن عندهم قلة في الملبوس، وفي المأكول، وفي عيشهم، وهذه حاله -عليه الصلاة والسلام-.
هل تضييق الكم بحيث لا يستطيع إخراج اليد معه هل هو مشروع؟ أو أن نقول: المطلوب الوسط، وهذا من أجل الحاجة، وأما الزيادة على القدر الكافي إسراف؟ بعضهم يقول أو يستنبط من ضيق كمي الجبة أن هذا الذي يوضع في الأكمام ليضيق الأكمام اللي يسمونه الكبك، هذا الحديث أصل في مشروعيته، هل هذا صحيح؟ وهل في الكبك ضيق؟ نعم؟
هذا ليس بصحيح، بل المعروف عن أم سلمة وغيرها أنهم اتخذوا الأزرار للأكمام؛ لئلا يبدو شيء من الذراع هذا بالنسبة لمن؟ للنساء.
على كل حال هذا وصف حالة واقعة، هذه الجبة التي عليه في هذا الوقت كانت ضيقة الكمين "فلم يستطع من ضيق كمي الجبة، فأخرجهما من تحت الجبة، فغسل يديه" غسل يديه، المراد بذلك الكفان والذراعان، مع المرفقين "ومسح برأسه، ومسح على الخفين" وهذا هو الشاهد من الحديث، والحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما، فالمسح ثابت من فعله -عليه الصلاة والسلام-.
"فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبد الرحمن بن عوف يؤمهم، وقد صلى بهم ركعة" النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الإمام، لكن لما تأخر عليهم، ولا يدورن ولا يعرفون متى يحضر بادروا بإقامة الصلاة، وقدموا عبد الرحمن بن عوف يؤمهم، وقد صلى بهم ركعة، ولا شك أن الإمام أملك بالإقامة، لكن إذا عرف من حاله أنه لا يتأثر إذا قدم الجماعة غيره، وخشي أن يتأخر تأخراً يعوق عن أداء الصلاة في أول وقتها، أو يشق على المأمومين في الانتظار، فلا مانع حينئذٍ من أن يقدموا غيره، ما لم يترتب على ذلك مفسدة، وإلا فالأصل أن الإمام أملك بالإقامة.(6/10)
"فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبد الرحمن بن عوف يؤمهم، وقد صلى بهم ركعة، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الركعة التي بقيت عليهم" يعني صلى معهم ركعة، وقضى ما فاته "ففزع الناس" فزع الناس كأنهم ما استوعبوا أن يتولى الإمامة غير النبي -عليه الصلاة والسلام-، مع وجوده في حال حياته، ومع قدرته واستطاعته "ففزع الناس، فلما قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أحسنتم)) " أحسنتم باستغلال الوقت، وأداء الصلاة في أول وقتها، ولم يثرب عليهم، في هذا دليل على جواز مثل هذا الصنيع، إذا عرف من حال الإمام أنه يرضى بذلك، لكن إذا عرف من حاله أنه يغضب ولا يرضى أن ينوب عنه غيره، فهو أملك بالإقامة، لكن لو حصل هل يؤثر هذا على الصلاة؟ الصلاة صحيحة، وإن أثموا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المشقة، المشقة إذا شق على المأمومين، والمشقة تجلب التيسير.
ثم قال بعد ذلك: "وحدثني عن مالك عن نافع عبد الله بن دينار أنهما أخبراه" أي أخبرا مالك "أن عبد الله بن عمر قدم الكوفة على سعد بن أبي وقاص، وهو أميرها" من قبل عمر -رضي الله عنه- "فرآه عبد الله بن عمر يمسح على الخفين فأنكر ذلك عليه" فأنكر ذلك عليه ابن عمر صحابي طالت صحبته للنبي -عليه الصلاة والسلام-، مؤتسي، مقتدي، حريص على السنة، روى جملة كبيرة من الأحاديث، وأنكر على سعد حينما مسح على الخفين، فالصحابي قديم الصحبة قد يخفى عليه من الأمور الجلية الظاهرة ما يعلمه غيره، خفي على عمر -رضي الله عنه- خبر الاستئذان، وخفي على أبي بكر أخبار فضلاً عن غيرهما، فابن عمر أنكر المسح على سعد المسح على الخفين، مع قدم صحبته وكثرة روايته، والاحتمال الثاني أنه رأى أن المسح على الخفين منسوخ بالمائدة، كما فهمه بعضهم، بعض الصحابة فهم ذلك، ثم بعد ذلكم انقرض الخلاف، وثبت الإجماع على جواز المسح على الخفين.(6/11)
جرير بن عبد الله البجلي روى المسح على الخفين، وإسلامه متأخر جداً بعد نزول سورة المائدة "فقال له سعد: سل أباك" عمر -رضي الله عنه- "سل أباك إذا قدمت عليه، فقدم عبد الله على عمر بالمدينة، ونسي أن يسأل أباه عن ذلك، حتى قدم سعد من الكوفة إلى المدينة، فقال له: أسألت أباك؟ فقال: لا، فسأله عبد الله، فقال عمر: إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهرتان فامسح عليهما" وفي الصحيح أن عمر -رضي الله عنه- قال لعبد الله: إذا حدثك سعد شيئاً فلا تسأل عنه أحداً "فقال عمر: إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهرتان" والحال أنهما طاهرتان، يعني وأنت على طهارة تامة؛ لأن الرجلين آخر ما يغسل، والحال أنهما طاهرتان معاً، فامسح عليهما، وهما طاهرتان، حال كونهما طاهرتين معاً، ماذا نستفيد من هذا؟ نعم، ما تلبس أحداهما قبل غسل الأخرى، فمن غسل رجله اليمنى ثم أدخلها في الخف ثم غسل اليسرى فأدخلها في الخف لا يصدق عليه أنه أدخلهما يعني معاً حال كون القدمين طاهرتين، إذاً ماذا يصنع من غسل الرجل اليمنى ثم أدخلها في الخف ثم غسل اليسرى فأدخلها في الخف؟ يخلع اليمنى ثم يلبسها، وبعضهم يقول: هذا عبث، نقول: أبداً ليس بعبث، هذا تمام الامتثال، يقول بعضهم: هذا عبث، يعني مجرد يخلع ويلبس، إذا طردنا مثل هذا الكلام يمكن أن يقال مثل هذا في أعظم العبادات، إيش معنى أن الإنسان يقف ويركع ويرفع رأسه من السجود؟ يبي يقول: عبث، أعظم العبادات التي هي الصلاة، المسألة مسألة امتثال، عندنا شرع على المسلم أن يدور معه حيثما دار، نعم هذا الأصل، الأصل في المسلم وغير المسلم أنه عبد، وخلق للعبادة، فعليه أن يدور مع النصوص حيثما دارت، وأن يتجه حيثما وجه.(6/12)
"وهما طاهرتان فامسح عليهما، قال عبد الله: وإن جاء أحدنا من الغائط؟ قال عمر: نعم" يعني من الحدث الأصغر، غائط بول نوم ريح، كل هذا يمسح، إلا الجنابة، فلا بد من غسل الرجلين، قال: نعم وإن جاء أحدكم من الغائط، يعني فليمسح على الخفين إذا لبسهما والقدمان طاهرتان، بشرط الخف أن يكون ساتراً للمحل المفروض؛ لأن ما خرج، أو ما برز من المحل المفروض يجب غسله، ولا يجمع بين الغسل والمسح إلا في العمامة، كما جاء بذلك النص، وأما بالنسبة للخف فإما غسل، وإما مسح، وما ظهر من القدم من الرجل فرضه الغسل، فلا بد أن يكون ساتراً للمحل المفروض.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر بال في السوق" البول عرفنا أنه لا يلزم فيه البعد عن الناس؛ لأنه لا يصاحبه صوت، وليس فيه رائحة، وعرفنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- انتهى إلى سباطة قوم، فبال قائماً، والحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما من حديث حذيفة.
"بال في السوق، ثم توضأ، فغسل وجهه ويديه، ومسح رأسه" بقي عليه غسل الرجلين، أو البدل المسح على الخفين "غسل وجهه ويديه ومسح رأسه، ثم دعي إلى جنازة ليصلي عليها" حين دخل المسجد النبوي "فمسح على خفيه ثم صلى عليها" الآن فيه موالاة وإلا ما في موالاة؟ لكن هل السوق بعيد عن المسجد بحيث تنشف الأعضاء؟ "توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح على رأسه، ثم دعي لجنازة ليصلي عليها حين دخل المسجد فمسح على خفيه ثم صلى عليها" مسح على خفيه؛ لأنه لبسهما على طهارة، ثم صلى على الجنازة.(6/13)
يقول ابن عبد البر: تأخيره مسح خفيه محمول عند أصحابنا محمول على النسيان، محمول على النسيان، وقال غيره: لأنه كان برجليه علة، كان برجليه علة فلم يمكنه الجلوس في السوق، يقول: لأنه محمول عند أصحابنا على النسيان، وقال غيره: لأنه كان برجليه علة فلم يمكنه الجلوس في السوق، هذا كله التماس، لكن ما الدليل على أنه نسي؟ نعم لما جاءت الجنازة، تذكره الجنازة أنه ناسي المسح؟ نعم؟ ظاهر، ظاهر صنيعه يدل على أن الموالاة ليست واجبة، هذا ظاهر صنيعه، ظاهر صنيعه أن الموالاة ليست بواجبه عنده "فمسح على الخفين ثم صلى عليها، ثم توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح رأسه" احتمال أنه لا يريد بذلك الوضوء الشرعي، لكن لما حضرت الجنازة وخشي أن ترفع اكتفى بمسح الخفين؛ لأن من أهل العلم من يخفف في الطهارة عند خشية الفوات، الشيء الذي يفوت يخفف في طهارته، ولذا يجيز شيخ الإسلام -رحمه الله- التيمم لصلاة الجنازة إذا خشي أن ترفع، ابن عمر لو رجع ليتوضأ وضوءاً كاملاً يحتمل أن ترفع الجنازة، يصلون عليها وتنتهي، فاكتفى على المسح على الخفين تحصيلاً لأجر الصلاة على الجنازة هذا احتمال.
يقول: "وحدثني عن مالك عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش" الأشعري المدني ثقة من صغار التابعين "أنه قال: رأيت أنس بن مالك أتى قباء فبال ثم أتي بوضوء فتوضأ فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ومسح برأسه ومسح على الخفين ثم جاء المسجد فصلى" الإمام مالك -رحمه الله- حينما ذكر صنيع ابن عمر حينما مسح على الخفين، وصنيع أنس -رضي الله عنه- القصد من هذا أن المسح على الخفين معمول به عند الصحابة بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمدينة، الإمام مالك -رحمه الله- إنما قصد بذكر ما ذكره عن ابن عمر وأنس ليبرهن أن المسح على الخفين ليس بمنسوخ، بل ثبت من فعل الصحابة بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- فليس منسوخاً كما زعمه المبتدعة.(6/14)
"قال يحيى: وسئل مالك عن رجل توضأ وضوء الصلاة، ثم لبس خفيه، ثم بال، ثم نزعهما، ثم ردهما في رجليه أيستأنف الوضوء؟ فقال: لينزع خفيه وليغسل رجليه" رجل توضأ وضوءه للصلاة، ثم لبس خفيه، ثم نقض وضوءه بعد نقض الوضوء نزع الخفين، ثم ردهما في رجليه، أيستأنف الوضوء؟ قال: لينزع خفيه، لماذا؟ وليغسل رجليه؛ لأنه لم يلبسهما على طهارة، لم يلبس الخفين على طهارة كاملة، ومن شرط جواز المسح على الخفين أن تكون الطهارة كاملة.
قال: "لينزع خفيه، وليغسل رجليه" لأن المسح عليهما بطل بنزعهما، وإنما يمسح على الخفين من أدخل رجليه في الخفين وهما طاهرتان بطهر الوضوء بهذا الشرط، وأما من أدخل رجليه في الخفين وهما غير طاهرتين بطهر الوضوء فلا يمسح على الخفين؛ لأن في الحديث جعل الطهارة قبل لبس الخفين شرطاً لجواز المسح، أهوى المغيرة لينزع الخفين، فقال: ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)).
"قال عمر: إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهرتان" فالطهارة شرط، فإذا نزع الخفين بعد نقض الوضوء لا بد أن يتوضأ من جديد ليسوغ له المسح، لكن لو استمر على طهارته فنزع الخفين، ثم لبسهما يمسح وإلا ما يمسح؟ يمسح، على طهارته الأولى، لكن لو توضأ، ثم لبس الخفين، ثم مسح، مسح على الخفين، ثم نزعهما من غير حدث، ثم لبسهما ثانية، يمسح بعد ذلك وإلا ما يمسح؟ نعم؟ يا إخوان هذا تختلف عن المسألة السابقة، عندنا صور، الصورة التي ذكرها الإمام -رحمه الله-: توضأ وضوء الصلاة ثم لبس خفيه ثم بال ثم نزعهما، ثم رداهما إلى رجليه هذا لا بد أن يخلع ينزع خفيه، لماذا؟ لأنه لم يأت بالشرط، وهو إدخال الخفين في القدمين وهما طاهرتان.
الصورة الثانية: توضأ وضوءه للصلاة، وضوءاً كاملاً غسل رجليه فأدخلهما في الخفين، ثم نزع الخفين هو ما يزال على طهارة، ثم ردهما، هذا ما في إشكال كما لو لم يلبسهما إلا المرة الأخيرة.(6/15)
الصورة الثالثة: طهارة كاملة ثم لبس خفيه، ثم أحدث ثم مسح، واستمر على طهارته بالمسح لا بالغسل، مسح الخفين لا بغسل الرجلين، ثم نزع ثم أراد أن يعيد طهارته مستمرة، ومثله لو أراد أن يستمر على طهارته ولا يلبس الخفين، هذا الوضوء ما حكمه؟ مسح على الخفين ثم نزعهما، واستمر على طهارته، نعم، نحن بين أمور، أن نقول: هو على طهارته، وخلع الخفين مثل حلق الرأس الممسوح لا يؤثر في الطهارة، وهذا قول، نعم أو نقول: إن الطهارة بطلت، ثم يأتي من يقول: إنه ليس في نواقض الوضوء خلع الخفين، لم يذكر في نواقض الوضوء خلع الخفين، ليس بناقض، ليس بغائط ولا بول ولا نوم ولا ريح، ويش يصير؟ والصواب أنه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن أراد أن يصلي هو غسل الوجه واليدين ومسح الرأس هذا الفرض، هل هو ممسوح وإلا مغسول الآن بعد أن نزع الخفين؟ لا مغسول ولا ممسوح، نعم هو غسل رجليه؟ ما غسل رجليه، نعم ولا ممسوح، ليس في خفان يمسح عليها، فنقول: ليست طهارة أصلاً هذه، طهارة ناقصة، فيصلي بقدم برجل ليست مغسولة ولا ممسوحة، فلا يحتاج أن نقول: هذا من النواقض، ما في طهارة أصلاً، كما لو ترك عضو آخر، لو ترك غسل الوجه أو مسح الرأس، فيصلي برجل ليست مغسولة ولا ممسوحة، ظاهر وإلا ليس بظاهر؟ الشعر نقول: الشعر طهارة أصلية وهذه فرعية، ولا يقاس الفرع بالأصل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما له علاقة، الآن هذا شخص أراد أن يصلي بعد أن مسح الخفين فنزعهما، أران أن يصلي برجل ليست مغسولة ولا ممسوحة، ناقص من فروض الوضوء غسل الرجلين، أو مسح الحائل ولا حائل، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ لأنه الآن يريد أن يزاول عبادة برجل ليست مغسولة ولا ممسوحة، ويش بقي الآن؟
طالب:. . . . . . . . .(6/16)
لا باقي لو كان غسل رجليه، لو غسل رجليه وأدخلهما في الخف، ثم نزع الخف قبل الحدث طهارته باقية، طهارة الرجل باقية، لكن الآن ما غسل رجليه، مسح على الخفين وأزال الخفين، لا رجل مغسولة، ولا خف ممسوحة، إذاً الطهارة ليست بكاملة ناقصة؛ لأنه يصلي برجل ليست مغسولة ولا ممسوحة، ما هي بمسألة إلزام، المسألة بيان وجهة نظر، يعني كونها تقبل أو ما تقبل، يعني يعارض كلام شيخ الإسلام، وشيخ الإسلام على العين والرأس، شيخ الإسلام ما هي بمسألة إلزام، على شان ما يطول النقاش، هذا رأينا في المسألة، وهو المذهب عند الحنابلة، وما يطول النقاش في هذه المسألة على شأن شيخ الإسلام، شيخ الإسلام على العين والرأس، ما تخرجنا إلا على علم شيخ الإسلام، وكتب شيخ الإسلام، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو المذهب عند الحنابلة، وهو الراجح عندي؛ لأنه يصلي برجل لا مغسولة ولا ممسوحة، طهارته ناقصة، ولا نقول: هذا ناقض، لا ليس بناقض، لكن ما في طهارة أصلاً، طهارة ناقصة.
يقول: "وسئل مالك عن رجل توضأ وعليه خفاه، فسها عن مسح الخفين حتى جف وضوؤه" نعم لو كان العهد قريب، وما نشفت الأعضاء، وغسل رجليه يمديه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بطهر الوضوء، نعم هذه مسألة، لو شخص تيمم، تيمم ولبس الخفين، تيمم لعدم الماء، شخص تيمم لعدم الماء، ونحن نقول: البدل له حكم المبدل، ثم لبس الخفين، هل يمسح الخفين؟ إذا لبسهما على تيمم ما هو بعلى وضوء؟ هذه المسألة مفرعة عن مسألة التيمم، وهل هو مبيح وإلا رافع؟ بدل من كل وجه، أو رافع رفعاً مطلقاً، أو رافع رفعاً مؤقتاً؟ وهذا بيجي -إن شاء الله-.(6/17)
يقول: "وسئل مالك عن رجل توضأ وعليه خفاه، فسها عن المسح على الخفين حتى جف وضوؤه وصلى، قال: ليمسح على خفيه، وليعد الصلاة" يعني ليمسح على خفيه، ولا يعيد غسل الوجه واليدين ومسح الرأس يمسح على خفيه فقط، ويعيد الصلاة وجوباً؛ لأن صلاته كانت بوضوء ناقص، ما مسح على الخفين، ولا يعيد الوضوء؛ لأن الموالاة عند المالكية إنما تشرع مع التعمد والذكر، وهذا سها عن المسح على الخفين، وأما بالنسبة لمن لا يرى الموالاة فهذا ما عنده مشكلة، حتى في الصورة التي ذكرناها عند نزع الخف يكمله بغسل الرجلين، الذي لا يرى الموالاة، توضأ ومسح على الخفين وبعد ساعتين ثلاث هو على وضوء نعم خلع الخفين، يقولون: بس اغسل رجليك وخلاص انتهى الإشكال؛ لأن الموالاة ليست بواجبة.
"وسئل مالك عن رجل غسل قدميه، ثم لبس خفيه، ثم استأنف الوضوء" قدم غسل الرجلين على بقية الأعضاء "عن رجل غسل قدميه، ثم لبس خفيه، ثم استأنف الوضوء، فقال: لينزع خفيه، ثم ليتوضأ وليغسل رجليه" لماذا؟ لأنه لبس الخفين حتى على قول من يقول بعدم الترتيب، لا بد أن ينزع الخفين ثم يتوضأ وضوءاً كاملاً سواءً كان مرتباً أو منكساً، عند من يقول بعدم الترتيب، نعم؛ لأن الطهارة ليست كاملة، هذا غسل رجليه فأدخلهما الخف، ثم غسل وجهه ويديه، ومسح برأسه.
يقول: "لينزع خفيه، ثم ليتوضأ، وليغسل رجليه" ثم بعد ذلك يدخلهما في الخفين؛ لأنه لم يلبس الخفين على طهارةٍ كاملة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
البدل له حكم المبدل، ما دام يغسل رجل ثم يغسل الثانية يمسح خف ثم يمسح الثانية، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: العمل في المسح على الخفين
عن مالك عن هشام بن عروة أنه رأى أباه يمسح على الخفين، قال: وكان لا يزيد إذا مسح على الخفين على أن يمسح ظهورهما، ولا يمسح بطونهما.
عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن المسح على الخفين كيف هو؟ فأدخل ابن شهاب أحدى يديه تحت الخف والأخرى فوقه ثم أمرهما.
قال مالك: وقول ابن شهاب أحب ما سمعت إلي في ذلك.
باب: العمل في المسح على الخفين
أي صفة المسح على الخفين، كيف يمسح على الخفين؟ هل يمسح الظاهر والباطن؟ الأعلى والأسفل؟ أو يكتفي بالظاهر فقط؟(6/18)
"حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة أنه رأى أباه عروة بن الزبير يمسح على الخفين، قال هشام: وكان عروة" يعني أباه "لا يزيد إذا مسح على الخفين على أن يمسح ظهروهما، ولا يمسح بطونهما" لأن ظهر الخف هو محل الوجوب.
قال علي -رضي الله عنه-: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، لماذا؟ لأنه هو الذي يباشر، الذي يباشر ما يقتضي المسح أسفل الخف، هو الذي يباشر الأوساخ والقاذورات التي تقتضي المسح، لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت يقول علي -رضي الله عنه-: وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح ظهر الخفين، وهذا عروة لا يزيد إذا مسح على الخفين أن يمسح على ظهورهما، ولا يمسح بطونهما.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن المسح على الخفين كيف هو؟ فأدخل ابن شهاب إحدى يديه تحت الخف والأخرى فوقه، ثم أمرهما" يعني مسح إيش؟ أعلى الخف وأسفله.
"قال يحيى: قال مالك: وقول ابن شهاب أحب ما سمعت إليه في ذلك" لأن المسألة مسألة مسح خف، والخف يطلق على الأعلى والأسفل، يطلق على الجميع، إذاً مقتضى ذلك أن يمسح الجانبين أيضاً، جانبي الخف؛ لأنه يطلق من جملة الخف.
يقول ابن عبد البر -رحمه الله-: لم يختلف قول مالك أن المسح على الخفين على حسب ما وصف ابن شهاب، يعني يمسح أعلى الخف وأسفله، إلا أنه لا يرى الإعادة على من أقتصر على مسح ظهور الخفين إلا في الوقت، يعني من اقتصر على ظهر الخف إن كان في الوقت أعاد، وإن كان بعد خروج الوقت لم يعد، والوقت له شأن عند الإمام مالك كثيراً، ما يلزمون بالإعادة بالوقت دون ما بعده.(6/19)
يقول ابن عبد البر: ولم يختلف قول مالك أن المسح على الخفين على حسب ما وصفه ابن شهاب إلا أنه لا يرى الإعادة على من اقتصر مسح ظهور الخفين إلا في الوقت، ومن فعل ذلك وذكر في الوقت مسح أعلاهما وأسفلهما، ثم أعاد تلك الصلاة في الوقت، وهو قول ابن القاسم، وجمهور أصحاب مالك، إلا ابن نافع فإنه يرى الإعادة مطلقاً على من فعل ذلك في الوقت وبعده، يعني أشد من قول مالك، وأما الشافعي فقد نص على أنه لا يجزئ المسح على أسفل الخف، ويجزئه على ظهره فقط، لا يجزئ المسح على أسفل الخف، يعني الاقتصار عليه لا يجزئ ويجزئ المسح على ظهره فقط، ويستحب أن لا يقتصر أحد على ظهور الخفين دون باطنهما كقول مالك وابن شهاب، إلا أنه عند الشافعي استحباب، وعند مالك وجوب، وقال أبو حنيفة وأحمد وإسحاق وداود وجمع غفير من أهل العلم يمسح ظاهر الخفين دون باطنهما، وهذا هوة الراجح، هذا هو الراجح؛ لأنه هو الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- من حديث علي وغيره، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء من الرعاف
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا رعف انصرف فتوضأ، ثم رجع فبنى ولم يتكلم.
عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يرعف فيخرج فيغسل الدم عنه، ثم يرجع فيبني على ما قد صلى.
عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي أنه رأى سيعد بن المسيب رعف وهو يصلي فأتى حجرة أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتي بوضوء فتوضأ، ثم رجع فبنى على ما قد صلى.
يقول -رحمه الله-:
باب: ما جاء في الرعاف
الرعاف مصدر رعف كنصر رعف يرعف كنصر ينصر، ومنع يمنع، رعف يرعَف، وكرم رعُف، أي خرج الدم من أنفه رعفاً ورعافاً، والرعاف هو الدم بعينه، الرعاف كما يطلق على الخروج خروج الدم يطلق أيضاً على الدم نفسه.(6/20)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا رعَف -أو رعُف- انصرف من صلاته" يعني إذا رعف وهو في الصلاة أنصرف منها فتوضأ، والأصل أن الوضوء يحمل على حقيقته الشرعية، لكن سيأتي ما يدل على أن الإمام مالك يريد به الوضوء اللغوي، يعني مجرد غسل الدم؛ لأن الرعاف لا ينقض الوضوء عنده "ثم رجع فبنى على صلاته" السابقة، صلى ركعة ثم رعف ينصرف ويغسل الدم ويرجع فيصلي ما بقي من صلاته، إذا لم يتكلم، يبني، أما إذا تكلم فقد بطلت صلاته، والكلام في البناء على ما مضى من صلاته خاص بالرعاف عند الإمام مالك دون غيره من الأحداث، على أن الرعاف ليس بحدث عند مالك، إنما يخرج ويغسل الدم ويعود فيبني على .... ، وهذا خاص بالرعاف عند مالك؛ لما جاء عن من ذكر، ابن عمر وابن عباس وسعيد كلهم رأوا البناء في الرعاف خاصة.
وقال أبو حنيفة: يبني في سائر الأحداث، ودليله حديث؟ ها؟ عائشة، دليله حديث عائشة، لكنه ضعيف، ولذا يرى كثير من أهل العلم أنه إذا أحدث يستأنف، يستأنف صلاته، ولا يبني على ما مضى، من أحدث وهو في صلاته فليتوضأ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
وليبني على ما مضى، حديث عائشة معروف .... ، أكثر أهل العلم وكثير من أهل العلم لا يرون البناء، بل لا بد من الاستئناف؛ لأنه من بانصرافه وبحدثه فعل ما يبطل الصلاة، يعني إذا كانت الحركة الكثيرة تبطل الصلاة، فالمشي والذهاب والوضوء يبطل الصلاة، أيضاً الحدث: ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) ومعلوم أن حديث عائشة ضعيف، مضعف عند أهل العلم، فإذا أحدث الإنسان يستأنف صلاته من جديد.(6/21)
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يرعف ويخرج فيغسل الدم عنه" والمراد بقوله: فتوضأ في خبر ابن عمر "فيغسل الدم عنه، ثم يرجع فيبني على ما قد صلى" لأن وضوءه لم ينتقص عند مالك، ولم يحصل منه مناف، الرعاف ليس بناقض، لكن ذهابه إلى محل الغسل، مكان الوضوء لا شك أنه مناف، وبعضهم يقول: إذا استدبر القبلة بطلت صلاته، يعني رعف أو أحدث على القول الآخر، ثم ذهب فغسل الدم أو توضأ ثم عاد إلى صلاته يلزم من ذلك استدبار القبلة وإلا ما يلزم؟ يلزم منه وإلا ما هو بلازم؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يلزم، لكن إن فعل بطلت صلاته، إن استدبر القبلة بطلت صلاته، وإلا ليس بلازم، تكون أماكن الوضوء في جهة القبلة فيذهب إليها، ثم ينحرف عنها يميناً أو شمالاً وهو مستقبل القبلة، ويكمل صلاته، وعرفنا أن القول المرجح أنه لا يبني على صلاته، بل يستأنف، وهذا أحفظ للصلاة، وأحوط في إبراء الذمة، وخروج من عهدة الواجب بيقين.(6/22)
يقول: "وحدثني عن مالك يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي أنه رأي سعيد بن المسيب رعف وهو يصلي فأتى حجرة أم سلمة" لأنها أقرب موضع إلى المسجد؛ ليقل المشي في أثناء الصلاة "زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتي بوضوء فتوضأ" أي غسل الدم، وهذا هو رأي الإمام مالك، أن الوضوء المذكور في هذه الأخبار كله وضوء لغوي وليس بشرعي، يعني توضأ وضوءاً لغوياً يعني بمجرد غسل الدم "ثم رجع فبنى على ما قد صلى" فأفاد فعل هؤلاء أن الرعاف ليس بناقض للوضوء، وأنه إذا خرج لغسله ولم يتكلم، ولم يجاوز أقرب مكان، يعني صارت حركته ومشيه وذهابه ومجيئه بقدر الحاجة، أفاد فعل هؤلاء ابن عمر وابن عباس وسعيد أن الرعاف ليس بناقض للوضوء، وهذا كله على ما جرى عليه الإمام مالك -رحمه الله-، وإلا انصرف وتوضأ ابن عمر، وسيعد أيضاً أتي بوضوء فتوضأ الاحتمال قائم أنه الوضوء الشرعي أو اللغوي، لكن هذا ما فهمه الإمام مالك أنه وضوء لغوي، وأنه إذا خرج لغسله ولم يتكلم ولم يجاوز أقرب مكان يبني على ما صلى، ومسألة نقض الوضوء بالرعاف مسألة تقدمت عند الإمام مالك -رحمه الله-، ولا يتوضأ إلا من حدث يخرج من ذكر أو دبرٍ أو نوم، وعلى هذا ما يخرج من البدن من غير السبيلين، ولو كان فاحشاً فإنه لا ينقض الوضوء عنده، مالك والشافعي لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من السبيلين، وذهب أبو حنيفة وأحمد وإسحاق والثوري وغيرهم إلى أن الرعاف والفصد والحجامة، وكل نجس يخرج من الجسد يرونه حدث ينقض الطهارة، وهذا سبق الكلام فيه، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: العمل في الرعاف
عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي أنه قال: رأيت سعيد بن المسيب يرعف فيخرج منه الدم حتى تختضب أصابعه من الدم الذي يخرج من أنفه، ثم يصلي ولا يتوضأ.
عن مالك عن عبد الرحمن بن المجبر أنه رأى سالم بن عبد الله يخرج من أنفه الدم حتى تختضب أصابعه ثم يفتله، ثم يصلي ولا يتوضأ.
باب: العمل في الرعاف
ما تقدم محمول على ما إذا كان الرعاف كثير، هذا يغسل، لكن إذا كان يسيراً؟(6/23)
يقول: "حدثني يحيى مالك عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي أنه قال: رأيت سعيد بن المسيب يرعُف" هذا على أساس أن رعف من باب نصر "يرعُف فيخرج منه الدم حتى تختضب أصابعه من الدم الذي يخرج من أنفه ثم يصلي ولا يتوضأ" وهناك رعف وهو يصلي فأتى حجرة أم سلمة فأتي بوضوء فتوضأ، هذاك محمول على الكثير، وهذا محمول على القليل، واليسير معفوٌ عنه "فيخرج منه الدم حتى تختضب أصابعه من الدم الذي يخرج من أنفه ثم يصلي ولا يتوضأ" وعرفنا أن هذا محمول على اليسير من الدم، والدم والقيح على القول بنجاستهما يعفى عن يسيرهما، والقيء يعفى عن اليسير بخلاف البول الذي لا يعفى عن يسيره "ثم يصلي ولا يتوضأ" لا وضوء شرعي ولا لغوي، ما دام حلمنا الوضوء في الخبر الأول على اللغوي، فهنا نقول: المنفي ليس المنفي هو الوضوء الشرعي واللغوي، وإذا أردنا أن نقول: إن هذا مطابق للخبر السابق فالإثبات للغوي، والنفي للشرعي، فتوضأ يعني وضوءاً لغوياً، ولم يتوضأ ولا يتوضأ هنا وضوءاًَ شرعياً فيتحد الخبران.
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن المجبر أنه رأى سالم بن عبد الله" أحد الفقهاء السبعة من التابعين، مثله سيعد أيضاً "أنه رأي سالم بن عبد الله يخرج من أنفه الدم حتى تختضب أصابعه ثم يفتله ثم يصلي ولا يتوضأ" يفتله: يحركه مراراً حتى ييبس وينزل من أصابعه من دون غسل، وعلى كل حال اليسير معفوٌ عنه، ثبت عن الصحابة أن الواحد منهم يعصر الحبة والبثرة وما أشبه ذلك ولا يتوضأ، ولا يغسله، هذا شيء يسير معفوٌ عنه، أما الكثير فعرفنا الخلاف فيه عند أحمد وأبي حنيفة وإسحاق وداود أن هذا ناقض؛ لأنه نجس فاحش، يخرج من البدن مقيس على البول والغائط ومالك والشافعي لا ينقض، وإن كان نجساً، وأنه لا ناقض إلا ما يخرج من السبيلين.
أحسن الله إليك
باب: العمل فيمن غلبه الدم من جرح أو رعاف
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن المسور بن مخرمة أخبره أنه دخل على عمر بن الخطاب من الليلة التي طعن فيها، فأيقظ عمر لصلاة الصبح، فقال عمر: نعم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى عمر وجرحه يثعب دماً.(6/24)
عن مالك عن يحيى بن سيعد أن سعيد بن المسيب قال: ما ترون فيمن غلبه الدم من رعاف فلم ينقطع عنه؟ قال مالك: قال يحيى بن سيعد: ثم قال سعيد بن المسيب: أرى أن يومئ برأسه إيماء.
قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك.
يقول -رحمه الله-:
باب: العمل فيمن غلبه الدم ...
يقول: ذكرتم أن سالم بن عبد الله أحد الفقهاء السبعة، مع أنه لم يذكر في البيت؟
السابع مختلف فيه على ثلاثة أقوال بين أهل العلم، منهم سالم.
باب: العمل فيمن غلبه الدم من جرح أو رعاف
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن المسور بن مخرمة أخبره أنه دخل على عمر بن الخطاب من الليلة التي طعن فيها، فأيقظ عمر لصلاة الصبح" عمر -رضي الله عنه- طعن في صلاة الصبح، دخل على عمر بن الخطاب من الليلة التي طعن فيها لما طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة طعن، دخل عليه من الليلة التي طعن فيها، بهذا يستدل من يرى أن الصبح أن صلاة الصبح من الليل، الصبح من الليل وإلا من النهار؟ الأكثر على أن النهار يبدأ من طلوع الصبح إلى غروب الشمس، ومنهم من يرى أن النهار يبدأ من طلوع الشمس إلى غروبها، والليل من غروب الشمس إلى طلوعها.
الآن الشمس كما في سورة الإسراء آية الليل وإلا أية النهار؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [(12) سورة الإسراء] فآية النهار الشمس، وآية الليل القمر، فالنهار مرتبط بالشمس، والليل مرتبط بالقمر، وهذه عمدة الفلكيين وأصحاب الهيئة كلهم يقولون: إن النهار يبدأ من طلوع الشمس إلى غروبها، والليل من غروب الشمس إلى طلوعها، وهذا الخبر كأنه من هذا الباب، من الليلة التي طعن فيها عمر، هو طعن في صلاة الصبح، المتشرعة والفقهاء يرون أن النهار يبدأ من طلوع الفجر، يبدأ من طلوع الفجر، وعلى كل حال الأدلة من أقواها مسألة الصيام، الصيام في الليل وإلا في النهار؟ في النهار ويبدأ من طلوع الفجر، الرواح إلى الجمعة في الليل وإلا في النهار؟ في النهار، لكن هل يبدأ من طلوع الفجر؟ الساعة الأولى تبدأ من طلوع الفجر وإلا من طلوع الشمس؟ من طلوع الشمس.(6/25)
يقول: "من الليلة التي طعن فيها، فأيقظ عمر" كيف أيقظ عمر؟ عمر -رضي الله عنه- لما طعن حمل إلى منزله مغمىً عليه، فقال رجل: لن تفزعوه بشيء إلا بالصلاة، ينادى يا عمر، يا عمر، ما يرد، ولا يجيب، فقلنا: الصلاة يا أمير المؤمنين، فمسح عينيه، ثم قال: أصلى الناس؟ قلنا: نعم، هذا همه، همه الصلاة، النبي -عليه الصلاة والسلام- في اللحظات الأخيرة ((الصلاة الصلاة)) وكل شخص وما يهمه، ومن شاهد المحتضرين رأى العجب، كل من علق قلبه بشيء حضره عند المعاينة.
لن تفزعوه بشيء إلا بالصلاة، هناك أخبار معروفة عند العناية ببعض الأمور، من له اهتمام بالأذان، يهمه دخول الوقت، يختم له بذلك، ورئي في أماكن العناية مع الإغماء بعض الأشخاص الذين أذنوا سنين طوال، إذا حضر وقت الصلاة تغير وضعه، بل سمع من بعضهم الآذان، من كانت له عناية بالقرآن واحد من شيوخنا -رحمه الله- صار عليه حادث فأدخل العناية، ولا يعرف أحد إطلاقاً، ولا يتكلم بكلمة، ويسمع منه القرآن واضح، نعم ومن له اهتمام بشيء من أمور الدنيا أو بالمعاصي أو بالمنكرات يحضره في مثل هذه اللحظة، ولذا تجدون من يخرف ويختلط يكرر بعض الأشياء؛ لأنه علق قلبه بها في حالة الصحة، فلنعلق قلوبنا بما يسرنا أن يسمع منا؛ لأن هناك أمور ما يسرك أن تسمع أنك تقولها، أمور تخفيها عن الناس، لكنها تبدو إما عند الاحتضار، أو قبل ذلك عند الخرف.
لن تفزعوه بشيء إلا بالصلاة، فقلنا: الصلاة يا أمير المؤمنين، فمسح عينيه، ثم قال: أصلى الناس؟ قلنا: نعم.(6/26)
الآن بعض الأطباء يزاول شيء من هذا، يسأل أقارب المريض في شيء في حال صحته يهمه، فإذا ذكروا له ذلك ذكره به فتذكر "فأيقظ عمر لصلاة الصبح فقال عمر: نعم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى عمر وجرحه يثعب دماً" لأنه أخر ما يفقد من الدين الصلاة، فالشيء إذا فقد آخره لم يبق منه شيء، ينتهي، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، هذا مما يعتمد عليه من يقول بكفر تارك الصلاة، إضافة إلى ما روي من المرفوع والموقوف ((العهد الذين بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) ((بين العبد وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة)) وغير ذلك من النصوص التي تدل على كفره، وإن لم يجحد الوجوب، أما إذا جحد الوجوب كفر إجماعاً "فصلى عمر وجرحه يثعب دماً" يجري يتفجر دماً، والحديث الخبر أصل فيمن لا يرقى دمه ولا ينقطع، أنه لا بد أن يصلي على حسب حاله، كمن به سلس واستحاضة، يصلي ولو كان الحدث جارياً، إذا كان لا ينقطع ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
يقول: "وحدثني عن مالك يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب قال: ما ترون فيمن غلبه الدم من رعاف فلم ينقطع عنه؟ قال يحيى بن سعيد" الأنصاري: ثم قال إيش؟ "سعيد بن المسيب: أرى أن يومئ برأسه إيماءً" سيعد بن المسيب قال: ما ترون فيمن غلبه الدم من رعاف فلم ينقطع عنه؟ قال يحيى بن سعيد الراوي عن سعيد بن المسيب: ثم قال سعيد: أرى أن يومئ برأسه إيماءً، سأل سعيد ثم أجاب، ما ترون فيمن غلبه الدم من رعاف فلم ينقطع؟ يعني وهو يصلي؟ ألقى وطرح المسألة على أصحابه، ألقى المسألة عليهم، لم يجيبوا، فأجاب أرى أن يومئ برأسه إيماءً، وطرح الإمام أو العالم المسألة على أصحابه مشروع، في الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سأل أصحابه مسائل، لكن من أبرزها سؤالهم عن النخلة.
"يومئ برأسه إيماءً" مخافة أن يلوث ثيابه، وموضع صلاته بالدم؛ لأنه ما دام جالس فيخف خروج الدم، لكن إذا تحرك قام وجلس وسجد زاد خروج الدم.(6/27)
"قال يحيى: قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك" لأن الإيماء إذا جاز في الطين، لو إنسان أراد أن يصلي في وحل، ما في مكان غير هذا، نزلت الأمطار فصارت الأرض كلها وحل طين، يومئ ولا يسجد على هذا الطين، فهذا من باب أولى، من غلبه الدم من باب أولى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والله الجمهور، جماهير أهل العلم على أنه نجس، جمهور أهل العلم على أنه نجس، وأنا لا أعرف دليل ينهض على تنجيسه، لكن عامة أهل العلم على هذا، حتى نقل الإجماع عليه.
طالب:. . . . . . . . .
نقل، نقل، لا ما إخاله يثبت.
يقول: رجل صام يوم الجمعة لأنه من الست من شوال، لكنه لم يصم يوماً قبله ولا بعده؟
ما دام حصل هذا يجزئ -إن شاء الله تعالى- لكن يكره إفراد الجمعة بالصيام.
هذا يقترح أن يكون هناك فاصل في منتصف الدرس للإجابة على الأسئلة بمقدار عشر دقائق أكثر أو أقل، وذلك لتجديد النشاط، والاستفادة من الأسئلة؟
اقتراح طيب.
هذا طلب أيضاً آخر إكمال الكتاب بعد الحج بعد العشاء إلى أن ينتهي فالوقت كافي؛ لأنه قرابة ثلاثة أشهر؟ يريدون بعد الحج بعد يعني ....
طالب:. . . . . . . . .
يعني إلى الاختبارات، طيب ودروس المسجد إيش نسوي بها؟ معها؟
طالب: يصير سبت واحد واثنين مو بلازم كل يوم، يومين، مو بلازم كل يوم إذا كان يشق عليك.
والله المشقة مع الجدول إن كان يوقف الجدول بس ما أدري الإخوان بيرضون وإلا ... ، الاقتراح أنه يستمر درس الموطأ بعد الحج بعد صلاة العشاء إلى الاختبارات، يعني شهرين أو ثلاثة.
طالب: والله مهم يا شيخ، الإخوان نشطوا.
هو إكمال الكتاب ينشط بلا شك.
يقول: ما هي أسباب استجابة الدعوة؟
على كل حال هناك أسباب، وهناك موانع، الأسباب منها بل من أهمها طيب المأكل والمشرب والملبس؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، وهذه أيضاً أسباب لكنها وجد المانع، مطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك، فعلى الإنسان أن يطيب مطعمه ((أطب مطعمك تكون مستجاب الدعوة)) إضافة إلى حسن الظن بالله -جل وعلا-، وألا يستعجل ويستبطئ الإجابة، والله المستعان، ولا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم.(6/28)
طالب:. . . . . . . . .
إن شاء الله بيكمل بإذن الله، لكن عاد ندرس وضعنا.
أحسن الله إليك.
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا الجاري الآن، أنه بيصير فيه دورة في أحد المساجد القريبة، مدة أسبوع قبل العشر، قبل عشر ذي الحجة، والسبعة الأيام الأولى من ذي الحجة، العصر على العادة في المسجد عندنا.
طالب: في غير الموطأ يعني؟
هو بيسجل، الموطأ، إيه على شان يخفف شويه؛ لأن الكتاب كبير ما هو ... ، إلا إذا أردتم أن نغير في الشرح نسرع فلا باس، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الله المستعان، الله يعفو ويسامح عندنا كتب، نعم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، إن شاء الله ما يكون إلا خير -إن شاء الله-، بإذن الله.
طالب: نغير الشريط؟
نعم؟
طالب: نغير الشريط؟
أحسن الله إليك
سم.
أحسن الله إليك.
باب: الوضوء من المذي
عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود أن على بن أبي طالب أمره أن يسأل له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل إذا دنى من أهله، فخرج منه المذي، ماذا عليه؟ قال: علي فإن عندي ابنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنا أستحي أن أسأله، قال المقداد: فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال: ((إذا وجد ذلك أحدكم فلينضح فرجه بالماء، وليتوضأ وضوءه للصلاة)).
عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال: "إني لأجده ينحدر مني مثل الخريزة، فإذا وجد ذلك أحدكم فليغسل ذكره وليتوضأ وضوءه للصلاة" يعني المذي.
عن مالك عن زيد بن أسلم عن جندب مولى عبد الله بن عياش أنه قال: سألت عبد الله بن عمر عن المذي فقال: "إذا وجدته فغسل فرجك وتوضأ وضوءك للصلاة".
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: الوضوء من المذي
المذي بفتح الميم وسكون الذال المعجمة، وتخفيف الياء على الأصح، ماء أبيض رقيق لزج، يخرج عند الملاعبة، أو تذكر الجماع، وما أشبه ذلك، أو تكرار النظر.(6/29)
"حدثني يحيى عن مالك عن أبي النضر" سالم بن أبي أمية القرشي مولاهم "مولى عمر بن عبيد الله" التيمي "عن سليمان بن يسار" وهو أحد الفقهاء "عن المقداد بن الأسود أن علي بن أبي طالب" أمير المؤمنين "أمره أن يسأل له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" والسبب في ذلك أن ابنته -عليه الصلاة والسلام- كانت تحته، تحت علي والصهر يستحي من صهره أن يسأله، يباشر السؤال لا سيما فيما يخص العشرة، وما يتعلق بذلك، يستحي فعلي -رضي الله عنه- كان رجل مذاءً، كثير المذي، وليس هذا بعيب إن لم يكن من مرض، وإلا كما قيل كل فحل يمُذي.
"كنت رجلاً مذاءً فأمرت المقداد أن يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام-" وذلكم لمكان ابنته -عليه الصلاة والسلام- منه "عن الرجل إذا دنى" يعني قرب "من أهله" زوجته "فخرج منه المذي" ماذا عليه؟ "قال علي: فإن عندي ابنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا أستحي" وجاء في بعض الروايات: أن علياً سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن المذي، فإما أن يكون أطلق عليه أنه سأل لأنه أمر، أو لأنه أمر المقداد، ثم سأل ليتأكد، قال علي: "فإن عندي ابنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنا أستحي أن أسأله" أستحي أو أستحيي بياء وحدة أو ياءين؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، ياء واحدة وإلا ياءين؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب: لغة قريش.
نعم، لغة قريش بياءين، وتميم؟ بياء واحدة {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي} [(26) سورة البقرة] فإذا أدخلت الجازم على المضارع قلت: إيش؟ بياء واحدة ((إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)) صح وإلا لا؟ أو إذا لم تستح نعم على لغة قريش تثبت ياء واحدة، تحذف واحدة وتبقى واحدة ((إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)) وعلى لغة تميم بدون ياء ((إذا لم تستح)) بكسر، نعم، في كتاب الأدب من صحيح البخاري: باب إذا لم تستحِ -بدون ياء- فاصنع ما شئت، وأورد الخبر بالياء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إمام، على شان تبحث ويش السبب؟ وتعرف صحيح، إيش؟
يقول: ما حكم الزوجة عند ما تكون مريضة ويأمرها الزوج بالقيام بالواجبات المنزلية؟(6/30)
إذا كانت لا تستطيع فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لا يجوز له أن يكلفها ما يشق عليها، لا يجوز للزوج أن يكلف زوجته ما يشق عليها، إذا كانت مريضة لا تستطيع القيام بالواجبات المنزلية، لا يجوز له أن يكلفها ما يشق عليها، لكن أيضاً هو من قبله له بديل شرعي، له أن يتزوج ثانية تقوم بحاجاته، نعم.
واحدة تسأل تقول: أنا لا أستطيع الإنجاب في كل سنة، امرأة تقول: أنا ضعيفة، نضوة الخلقة، ذكرت أن وزنها ما أدري؟ ثلاثين أو خمسة وثلاثين؟ نضوة الخلقة، ولا تستطيع أن تحمل، قلت: تستطيعين إحضار تقرير طبي؟ قالت: نعم، أستطيع إحضاره، قلت: لا يجوز له أن يكلفك ما لا تستطيعين، لكن له بديل شرعي، له أن يتزوج امرأة تقوم بما يحتاجه وتنجب له، قالت: لا، أنا أستطيع، تستطيع، الحمد لله، الآن الحلول الشرعية، الشرع لا يضيق بمثل هذه الأمور أبداً، ترى لا يضيق بمثل هذه الأمور، والتعدد -ولله الحمد- أمر مشروع، ويحل كثير من الإشكالات.
يقول: نحن مجموعة ضباط من خارج الرياض عندنا دورة بالرياض تنتهي بنهاية ذي القعدة، وقد اتفقنا على حضور هذا الدرس؛ لأنه يناسب برنامجنا وقدرتنا، أرجو أن يبقى الأمر على ما هو معلن؟
لكن لا بد من إكمال الكتاب؛ لأن البحث في إكمال الكتاب، وإلا هو بيبقى على ما هو معلن، بيستمر -إن شاء الله-.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يمكن، ما يمكن، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو بيسجل بإذن الله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا شأنهم، أقول: بيسجل إن شاء الله، ويتاح للجميع.(6/31)
يقول: "قال المقداد: فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال: ((إذا وجد ذلك أحدكم فلينضح فرجه بالماء)) " والنضح الأصل فيه الرش، يعني دون الغسل ((فلينضح فرجه بالماء، وليتوضأ وضوءه للصلاة)) دل على أن المذي نجس، لكن نجاسته مخففة، ليست كنجاسة البول، ويكفي فيه النضح، فإذا نضح فرجه، ونضح سراويله لقطع الوسواس، فإذا أحس بخروج شيء بعد ذلك أحاله إلى هذا الماء الذي رشه على ثيابه وعلى فرجه ((فلينضح فرجه بالماء، وليتوضأ وضوءه للصلاة)) فهو ناقض، ناقض للوضوء وهو نجس نجاسة مخففة، لكن هل يجزئ فيه الاستجمار أو لا يجزئ؟ يعني هل يجزئ فيه الاستجمار كالبول أو لا يجزئ؟ لأنه قال: ((فلينضح فرجه بالماء)) النص على الماء، والاستجمار لا يقطع الوسواس في مثل هذا، نعم، وإذا أردنا أن نستعمل قياس الأولى، قلنا: البول أشد نجاسة من المذي، ويكفي فيه الاستجمار إذاً يكفي في الماء.
أما بالنسبة لمن ينقطع المذي عنده بالاستجمار القول بأنه يكفي واضح، قياساً على البول، أما من لا ينقطع عنده المذي مصاب بكثرته، ويخرج معه لأدنى سبب، مثل هذا النضح ونضح السراويل لئلا يبتلى بوسواس، مثل هذه الأمور من مداخل الشيطان، وكم من شخص يسأل، يقول: لا ينقطع، أصلي بنجاسة؟ نقول: صل بنجاسة، ما دام لا ينقطع يترك الصلاة؟! من أعظم أبواب أو مداخل الشيطان على الحريص؛ لأنه إذا وجد الحرص مع شيء من الجهل يحصل مثل هذا، فعلى الإنسان أن يستعمل ما جاء في الحديث، ينضح فرجه، وجاء في بعض الروايات: أنه ينضح فرجه وأنثييه وسراويله وخلاص ينتهي بحيث لو خرج منه شيء بعد ذلك يحيله على هذا الماء المنضوح.(6/32)
ولذا جاء عن عمر -رضي الله عنه- كما في قوله: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه" أسلم العدوي، مولى عمر -رضي الله عنه- "أن عمر بن الخطاب قال: إني لأجده ينحدر مني مثل الخريزه" تصغير خرزة، الخرز معروف، وفي رواية: مثل الجمان، ينحدر مني مثل الخريزة "فإذا وجد أحدكم ذلك فليغسل ذكره وليتوضأ وضوءه للصلاة" لأنه ناقض "يعني المذي" هذا تفسير لقوله: إني لأجده، يعني المذي، فإذا وجد ذلك توضأ وضوءه للصلاة؛ لأنه ناقض، وقبل ذلك يغسل ذكره بالصفة التي تقدمت، وهو مجرد نضح، ينضح سراويله أيضاً، وما خرج من ذلك ليقطع الوسواس، بعدما يغسل ذكره وينضح فرجه خلاص ينضح سراويله.
"وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن جندب مولى عبد الله بن عياش المخزومي أنه قال: سألت عبد الله بن عمر عن المذي فقال: "إذا وجدته فغسل فرجك وتوضأ وضوءك للصلاة" يستدل بهذا على وجوب الوضوء على من به سلس المذي للأمر به "توضأ وضوءك للصلاة" وعلى من ابتلي بذلك أن يلهو عنه، كما سيأتي فينقطع؛ لأن المسالك مثل الثدي، إذا حصل هناك حرص نعم على الخروج، أو على عدمه الحاصل العكس، هذه محالب تدر بالنسبة للثدي يدر اللبن، والمسالك تدر غيره، مما يخرج منها، ولذا تجدون أكثر من يبتلى من هو حريص على ألا يخرج منه شيء، لكن إذا لها عنه وغفل خلاص ينتهي، تجدون بعض النساء تنزل عليها العادة أو الدورة إذا حرصت على عدم نزولها إما لاغتنام الأوقات الفاضلة كالعشر من رمضان، أو في الحج لعدم المشقة، وفوات الرفقة تجدها تبتلى بهذا.
أيضاً الشخص إذا أراد أن يجلس في المسجد مثلاً مدة أطول، ثم خاف أن يخرج منه شيء تجده على أعصابه هذه الأعصاب لا بد أن ترتخي إذا شدها فيخرج منه شيء، فعلى كل حال إذا لها عنه وغفل عنه في الغالب أنه لا يخرج منه شيء، ولذا سيأتي في الخبر الأخير: انضح ما تحت ثوبك بالماء واله عنه، وهذا علاج، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
جاءت في بعض الروايات: ينضح فرجه وسراويله، نعم؟
طالب: أحسن الله إليك.
جاءت في بعض طرق الحديث: اغسل فرجك وأنثييك، نعم.
طالب: أحسن الله إليك.(6/33)
والله فيها كلام، الأمر مضعف عند بعض أهل العلم، لكن هم يبدون علة أنها إذا نضحت بردت، فقل إفرازها لهذه المادة، نعم.
أحسن الله إليك
باب: الرخصة في ترك الوضوء من المذي
عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه سمعه ورجل يسأله، فقال: إني لأجد البلل وأنا أصلي أفأنصرف؟ فقال له سعيد: لو سال على فخذي ما انصرفت حتى أقضي صلاتي.
عن مالك عن الصلت بن زييد أنه قال: سألت سلميان بن يسارٍ عن البلل أجده، فقال: انضح ما تحت ثوبك بالماء، واله عنه.
يقول:
باب: الرخصة في ترك الوضوء من المذي
في ترك الوضوء من المذي إذا خرج منه لأول مرة لا بد أن يصنع ما تقدم، توضأ وضوءه للصلاة، لكن إذا استمر معه يكون حكمه حكم السلس وحكم الاستحاضة، ولهذا هذه الترجمة ليست على إطلاقها.
يقول ابن عبد البر في الاستذكار: "ترجمة هذا الباب بالرخصة بترك الوضوء من المذي ليست من الباب في شيء؛ لأنه لا رخصة عند أحد من علماء المسلمين في المذي الخارج على الصحة، كلهم يوجبون الوضوء، وهي سنة مجمع عليها، لا خلاف في ذلك، فلم يبق إلا أن تكون الرخصة في خروجه من فسادٍ وعلة".
إيش معنى هذا الكلام؟ أنه إذا خرج لأول مرة يغسل ينضح، ويفعل ما تقدم، ويتوضأ منه، لكن إذا تكرر خروجه، وشق غسله، صار حكمه حكم السلس، وصار علة، نعم علة، حكمه حكم السلس، وحكم الاستحاضة.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه سمعه" يحيى بن سعيد سمع سعيد بن المسيب "سمعه ورجل يسأله، فقال: إني لأجد البلل وأنا أصلي أفأنصرف؟ فقال له سعيد: لو سال على فخذي ماانصرفت حتى أقضي صلاتي" يعني هو حضر للصلاة بطهارة، بطهارة كاملة ثم بعد ذلك استمر معه.
يقول ابن عبد البر: "معنى قول سعيد أنه يلزم من فحش سلس بوله أو مذيه أو لم يرقى دم جرحه أو دمله أن يغسله من ثوبه ولا يدخل في صلاته حتى يغسل ما فحش منه وكثر، فإذا دخل في صلاته لم يقطعها ولو سال على فخذيه" يعني يأتي إلى الصلاة متطهراً فإذا خرج بعد ذلك بعد أن فعل ما أمر به لا يلتفت إليه.(6/34)
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن الصلت بن زييد، أنه قال: سألت سلميان بن يسارعن البلل أجده، قال: انضح ما تحت ثوبك بالماء، واله عنه".
هذا من باب العلاج لينقطع، إذا لهوت عنه انقطع، وهل يتوضأ لكل صلاة باعتبار أن هذا الوضوء مبيح للصلاة وليس برافع للحدث؟ لأن الحدث جارٍ، فكيف نقول: إنه يرفع الحدث؟ جاء أمر المستحاضة بأن تتوضأ لكل صلاة، وحكم من به سلس بول أو مذي، أو ما أشبه ذلك حكمه حكم من لا ينقطع حدثه.
على كل حال المسألة مسألة خلافية، هل يتوضأ لكل صلاة؟ فذهب مالك إلى أنه لا يجب عليه الوضوء لكل صلاة، خلاص فعل ما أومر به، وهذا الوضوء الذي فعله لا ينتقض إلا بناقض جديد، ولكن يستحب كالمستحاضة، وقال الشافعي: يتوضأ لكل صلاة؛ لأن وضوءه هذا لم يرفع الحدث، لكنه أباح له فعل الصلاة، وأما الحدث متصف به كالمستحاضة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(6/35)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب الطهارة (8)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول هذا: كيف يتم حساب نصف الليل وثلثه؟ هل يبدأ من غروب الشمس أو من غياب الشفق؟
الأصل أن الليل يبدأ من غروب الشمس، لكن في حديث قيام داود كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، ثم ينام سدسه، لا بد أن يحسب من النوم الممكن، من صلاة العشاء، الحساب على هذا يكون من صلاة العشاء؛ لأنه لا يمكن أن ينام من المغرب إلى منتصف الليل، ولكي يكون القيام في الثلث الأخير؛ لأنه لو نام من غروب الشمس، أو حسبنا نصف الليل من غروب الشمس، لكان جل قيامه قبل الثلث الأخير، ففي مثل هذا النص يحسب من صلاة العشاء الذي يتسنى فيه النوم؛ لينام نصف المدة، ثم يقوم ثلثه، ثم ينام سدسه، وإلا فالأصل أن الليل يبدأ من غروب الشمس.
يقول: ما القول في مسألة من نام عن صلاة فينتقل إلى مكان آخر كما فعل الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟
لو انتقل من مكان إلى مكان اقتداءً به -عليه الصلاة والسلام-، وطلب التأسي به، مع أنه مسألة مكان حضر فيه الشيطان مسألة اطلع عليها النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يلزم أن كل إنسان يطلع أن هذا المكان حضر فيه والمكان الثاني ليس فيه شيطان، لكن لو انتقل لا بأس، إذا لم يشق عليه، وقد يكون في بعض الأماكن لا يمكن الانتقال منها إلى مكان آخر، إذا كان البيت ضيق مثلاً، أو مثلاً الغرف الأخرى مسكونة من قبل أناس آخرين، وما أشبه ذلك، فيصلى على حسب حاله.
يقول: يقيمون في جانب المساجد، ويؤخرون صلاة العصر وكذلك الفجر يقول: لأنهم على مذهب أبي حنيفة وخصوصاً في الصيف حتى يصل الفرق إلى ... يقول: إلى ثلاث ساعات، يمكن يصلون الفجر قبل الشروق بحوالي ربع ساعة.
يعني هل المساجد كلها بهذه الصفة التي يقيم بجانبها؟ نعم متصور هذا، متصور في الشرق، لكن ثلاث ساعات؟ على كل حال هو أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها، فإذا كانت هذه عادتهم وديدنهم يتفق مع من يصلي معه في أول الوقت ولا يؤخر الصلاة إلى مثل هذا التأخير.
واحد يسأل عن طبعات الموطأ وشروحه؟(7/1)
على كل الطبعات من أفضلها طبعة محمد فؤاد عبد الباقي، طبعة فيها عناية ومرقمة ومفهرسة ومخدومة ومصححه ومتقنة.
وأما التمهيد طبع معروف كما هو الأصل في المغرب طبعة محققة على نسخ، وإن كان فيها شيء من الإعواز على ترتيب التمهيد الأصلي على شيوخ مالك تمهيد ابن عبد البر، هذا فيه صعوبة على الطلاب باعتبار أنه رتب الكتاب على الشيوخ، والشيوخ على الحروف، والحروف أيضاً على طريقة المغاربة، وليست على طريقة المشارقة، فطالب العلم يعنى بالتمهيد المرتب، وترتيب التمهيد للشيخ عطية محمد سالم طيب جداً، من أفضل ما خرج.
الاستذكار طبع مراراً، والطبعة الأولى التي تقع في ثلاثين جزءاً لولا كبر الحجم طبعة مناسبة لولا أن حجمها كبير.
يقول: أي الشروح التي ينصح بها لهذا الدرس؟
شروح ابن عبد البر لا يعدل بها غيرها، لكن فيها شيء من الطول، إذا ضاق الوقت فشرح الزرقاني شرح متوسط.
يقول: كثير ممن يعمل في الإسعاف يدخل وقت الصلاة ويخرج وهم في عمل إسعاف أو إسعافي يستغرق كل الوقت؟
على كل حال إذا كان تأخير الصلاة بسبب إنقاذ حياة مسلم فلا بأس؛ لأن الصلاة تؤخر لما هو دون ذلك، للسفر، تؤخر للمطر، يسوغ الجمع في بعض الحالات لوجود المشقة، وابن عباس يقول: "أراد ألا يحرج أمته" فإذا ترتب على عملهم إنقاذ مسلم من هلكة، أو مما يقرب منها، لا بأس أن يؤخر الصلاة عن وقتها على ألا يكون ذلك ديدن لهم.
يقول: لو تخبرنا بصحة الأحاديث كما فعلت في الأمس؟
الأحاديث غالبها موجود في الصحيحين، وما فيه شيء من الانقطاع والبلاغ يبين في وقته، لكن ما مر علينا من الأحاديث جلها في الصحيحين، أعني الأحاديث التي هي الأصول المرفوعة.
هذا سؤال يقول: نحن مجموعة من الشباب في فرنسا نعمل في معامل أو شركات لا تتيح لنا أداء صلاة الجمعة في المساجد البعيدة عن المعمل بعشرين كيلو، ونتيجة لهذا انقسمنا فريقين، فريق ترك العمل وبدأ يعيش على مساعدات الدولة، والفريق الثاني واصل العمل، ويتمكن من أدائها مرة كل أسبوعين، مع جمع الأموال الضرورية للهجرة في غضون سنوات، فماذا نصنع؟(7/2)
الجمعة لازمه لكل مستوطن مقيم في بلد، فإذا كانوا يستوطنون ويقيمون في هذا البلد تلزمهم الجمعة، وهي من فرائض الدين وشعائره، ولا يجوز تركها بحال، لا بد من إقامة الجمعة، ولو تأخر فعلها إلى آخر وقت الظهر، المقصود أنها لا تترك بأي حال، ولا يقدم عليها أي أمر من أمور الدنيا، والله المستعان.
هذا يقول: ابن عمر أعاد صلاته بعد طلوع الشمس عند تذكره أنه مس ذكره بعد وضوئه، فهل يحمل هذا على من وجد بعد الصلاة شيء من المذي أو الودي أن يعيد صلاته؟
إذ تأكد أن هذا حصل قبل الصلاة يعيد الصلاة، لكن إذا وجده وجد البلل في ثيابه، ولا يعرف هل حصل ذلك قبل الصلاة أو بعده فإنه لا يعيد.
يقول: هل وقت صلاة العصر يمتد إلى غروب الشمس؟
نعم يمتد إلى غروب الشمس، من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر.
في قوله تعالى: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [(6) سورة المائدة] من يقول: الأرجل تمسح فيكف يرد على هذا القول؟
يرد عليه بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ويل للأعقاب من النار)) ((أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار)) والمسح لا يتناول عند من يقول به لا يتناول الأعقاب، وأورده الطبري، أورد هذا الحديث يقول: يكفي المسح ومراده بالمسح هنا الغسل؛ لأنه أورد هذا الحديث في تفسير الآية، فما ينسب إلى الطبري من أنه يرى جواز المسح كقول الرافضة ليس بصحيح، نعم هو يقول: قراءة الجر تدل على المسح؛ لكنه مسح يراد به الغسل بدليل أنه فسر الآية بالحديث، وأما ما يذكر في كتب أهل العلم أن الطبري يوافق الروافض، فالمراد به ليس الإمام محمد بن جرير الطبري، صاحب التفسير والتاريخ الإمام المعروف لا، في شخص يقال له: محمد بن جرير بن رستم الطبري، وهو من الشيعة، ولا يستبعد أنه يوجد مثل هذا.
من نسي ومسح رأسه قبل غسل ذراعيه فهل وضوؤه صحيح؟
عند من يقول بوجوب الترتب ليس بصحيح، بل عليه أن يعيد غسل الذراعين، يعني غسل اليدين.
يقول: هل إحساس الناس بفيح جهنم دليل وجودها في الأرض؟
لا يلزم، لا يلزم؛ لأن الأثر لا يقتضي قرب المؤثر، قد يؤثر الشيء بقوته من بعيد.
وكيف نجمع بين كون الحرارة مصدرها الشمس وهذا الحديث؟(7/3)
هذا الحديث ثابت صحيح لا إشكال فيه ولا مراء، ولا يمنع أن تكون هذا الحرارة من الأمرين معاً، من الشمس ومن فيح جهنم.
هل جاء حديث في فضل من أذن وهو وحده؟
نعم عموم حديث: ((لا يسمع صوت المؤذن)) يشمل المنفرد لا سيما إذ كان في مكان لا يؤذن فيه.
يقول: أتمنى أن أسمع منكم توجيه حول طلب العلم، وأخلاق طالبه، ولو بإيجاز عل الله أن يحي بها قلوبنا؟
هذا المسألة طرقت كثيراً، والأشرطة موجودة، ولله الحمد.
يقول: نرجو توضيح بالتفصيل كيف التمضمض والاستنشاق من غرفة واحدة بكف واحد؟
المضمضة مع الاستنشاق أرجح ما فيها .. ، مما يدل عليه الدليل أن المضمضة والاستنشاق بكف واحد، بغرفة واحدة، فيأخذ بيده الماء فيدخل بعضه في فمه، والبعض الآخر في أنفه، ثم يمج ما في فمه، وينثر ما في أنفه، هذه واحدة، ثم الثانية كذلك، والثالثة كذلك، وإن فصل بينهما بأن جعل للمضمضة غرفة، والاستنشاق غرفة، مضمض واستنشق ثلاثاً ثلاثاً فلا بأس، وإن مضمض ثلاثاً بغرفة واحدة، واستنشق ثلاثاً بغرفة واحدة فلا بأس، وإن جعل الست كلهن من غرفة واحدة، إذا كانت اليد كبيرة، وتستطيع ذلك فلا بأس، فالصور كلها جائزة عند أهل العلم، لكن أرجحها أن تكون المضمضة والاستنشاق بكف واحدة بثلاث غرفات.
يقول: ما وجه من يقول: إن المطهرون في قوله تعالى: {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [(79) سورة الواقعة]
لا أخطأ هذا، ولا يريد ما كتب، يقول: إن المقصود بهم الكفار، لعله يريد المقصود بهم الملائكة، نعم، رجح شيخ الإسلام وابن القيم أن المقصود بهم الملائكة؛ لأنه قال: {الْمُطَهَّرُونَ} [(79) سورة الواقعة] ولم يقل: المتطهرون، ومع ذلكم شيخ الإسلام يرى أن هذه تدل على أنه لا يجوز للمحدث أن يمس المصحف، من هذه الآية، وأن كان من المقصود بها الملائكة، ظاهر؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، يقول: لا يجوز للمحدث أن يمس المصحف من هذه الآية، وإن كان المقصود بها الملائكة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني إذا كان هذا، هذا الكلام العظيم المحفوظ بين الدفتين لا يمسه إلا الملائكة الذين وصفهم الطهارة، فينبغي ألا يمسه من البشر إلا من اتصف بهذا الوصف.
طالب:. . . . . . . . .(7/4)
والسعودي من يجي، وغير السعودي، كل الدنيا عالة، الله المستعان رحم الله الجميع.
يقول: هل صحيح أن من توضأ ثم نجست ملابسه ثم طهرها يبطل وضوء؟
لا، ما له دخل، النجاسة لا علاقة لها بالوضوء.
يقول: هل ورد شيء في السنة للمتوضئ من حيث القيام والجلوس أثناء الوضوء؟
يستوي في ذلك الجلوس والقيام، والمسألة مسألة الأريح للإنسان، إذا كان يرتاح للوضوء وهو جالس صار أفضل بالنسبة له، ومثله لو كان القيام أنسب له.
يقول: ما الواجب في الخف المشقوق وإن بدا بعض محل الفرض؟
بعض العلماء ويرجحه شيخ الإسلام أنه ما دام يسمى خف يمسح عليه ولو كان مخرقاً، والمعروف عند جمهور أهل العلم أنه إذا كان مخرقاً لا يمسح عليه؛ لأن ما بدا من القدم فرضه الغسل، ولا يجمع بين الغسل والمسح.
طالب:. . . . . . . . .
هو الظاهر إن شاء الله، الأخير نعم، المقصود أن ما ظهر فرضه الغسل بالنص، ما ظهر فرضه الغسل بالنص.
هل الذي يقع في عمل بعض المعاصي ثم يقول: سوف أتوب ثم يعود إلى الوقوع فيها منافق أم لا؟
إذا عاهد الله على أن لا يعود أو عاهد الله على أن يفعل ولم يفعل هذا يخشى عليه، لكن مجرد العود لا يقدح في التوبة الأولى، وتوبته تقبل -إن شاء الله- بشروطها.
يقول: هل صحيح أن الإنسان يجب أن يغسل يديه من كل نوم طويل؟
سُقنا الخلاف سابقاً، وأن الشافعي يحمله على النوم المطلق، والإمام أحمد يقول: من نوم الليل؛ لمقتضى قوله: ((أين باتت؟ )) والمبيت لا يكون إلا بالليل.
وهل يتنجس الماء الذي في الإناء إذا لم يغسل يديه؟
لا يتنجس؛ لأن اليد الأصل فيها الطهارة، وما عداه مشكوك فيه، فلا يتنجس الماء، لكن الخلاف في هذ الماء هل يرفع الحدث أو لا يرفعه؟ معروف يأتي ذكره -إن شاء الله تعالى-.
يقول: كيف تخرج الأحاديث التي تدل على أن المس كان بحائل، ومع ذلك أمر بإعادة الوضوء؟
ما في أبداً إعادة وضوء مع المسح بحائل.
يقول: حديث طلق فيه علة لا يمكن أن تنسخ، وهي الإخبار بأنه بضعة من الإنسان، ما رأي الشيخ؟(7/5)
هذا لا شك أنه علة، علة لحكم، فإذا ارتفع الحكم تبعته العلة، يعني لو قيل مثلاً في أول الأمر لحوم الحمر الإنسية تؤكل، لماذا؟ لأنها طيبة، وقد جاء أن النبي -عليه الصلاة والسلام-، يحل لهم الطيبات، فهي طيبة نعم لما حرمت هذا الوصف الملازم للحل وهو كونها طيبة ألا يرتفع مع ارتفاع حكمها؟ يرتفع، فالعلة ترتفع بارتفاع الحكم بلا شك.
يقول: نحن في دولة السويد، ونجد بعض اللحوم المذبوحة كما يقولون على الطريقة الإسلامية، وعند تقصي الأمر وجدنا أنهم يطلقون عليها الرصاص أولاً، ثم يتبعون ذلك بتذكيتها قبل أن تموت؟
نعم إذا أمكن ذبحها وهي حية حياة مستقرة ولو أطلق عليها الرصاص، فإذا ذكيت حلت.
حيث أنه يمنع هذا الذبح بالسكين فيتم إطلاق الرصاص عليها أولاً، كما أننا نجد دجاج وجدنا أن الشركة التي تقوم عليها للرافضة، فهل يجوز أكل هذا الدجاج الذي يذبحه الروافض؟
يقول: نجد بعض اللحوم المذبوحة كما يقولون على الطريقة الإسلامية، وعند تقصي الأمر وجدنا أنهم يطلقون عليها الرصاص أولاً، ثم يتبعون ذلك بتذكيتها ...
إن أدركوها حية حياة مستقرة ثم ذكوها فلا شيء في ذلك، لكن إطلاق الرصاص تعذيب.
قبل أن تموت حيث أنه يمنع هنا الذبح بالسكين، فيتم إطلاق الرصاص عليها أولاً، ثم ....
هم على أساس أن النظام يمنع التذكية بالسكين، فليقولوا للنظام: إننا ذبحناها بالرصاص، ولكي تحل للمسلمين يذبحونها بالسكين؛ ليجمعوا بين هذا وذاك.
أما ذبائح المبتدعة فلا شك أن من بدعته مكفرة لا تحل ذبيحته، ومن كانت بدعته دون ما تصل إلى حد الكفر فذبيحته حلال.
طالب:. . . . . . . . .
لأنه في الغالب أن المتعمد يصاحبه شهوة، لكن عموم حديث بسرة: ((إذا مس أحدكم ذكره)) والمس يقع على المتعمد وغير المتعمد، وفي الرواية الأخرى: ((من مس)) و (من) من صيغ العموم ((من مس ذكره فليتوضأ)) يشمل المتعمد وغير المتعمد ((فرجه)) ((من مس فرجه)) في بعض الروايات.
طالب:. . . . . . . . .
إلا والتنصيص عليه، التنصيص على الدبر وارد في بعض الألفاظ، ولذا الترجمة عندكم ماذا يقول الإمام؟ باب الوضوء من مس الفرج، والفرج أعم من أيكون قبلاً كان أو دبراً.(7/6)
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع عن سالم بن عبد الله أنه قال: كنت مع عبد الله بن عمر في سفر فرأيته بعد أن طلعت الشمس توضأ ثم صلى" يعني صلاة الصبح "وقد كان صلاها، قال سالم: فقلت له: إن هذه لصلاة ما كنت تصليها، قال: إني بعد أن توضأت لصلاة الصبح مسست فرجي، ثم نسيت أن أتوضأ فصليت الصبح، فتوضأت وعدت لصلاتي" أي أعدت الصلاة؛ لأنها بطلت، الصلاة الأولى باطلة لبطلان طهارتها بمس الفرج بعد الوضوء.
الأصل ((من مس ذكره)) النص فيمن مس ذكره، أما ما كان بشهوة فهو في حكم ملامسة المرأة، إذا كان بشهوة فهو في حكم ملامسة المرأة على ما سيأتي.
يقول: في مسألة صلاة المسافر إذا خرج الوقت؟
صلاة المسافر إذا خرج الوقت قول مالك وأبي حنيفة والشافعية والحنابلة في إيش؟
يعني إذا قضاها صلاة المسافر إذا قضاها في الحضر أو العكس، هل هذا هو المراد؟ لأنه يقول: ما الراجح والصحيح في مسألة الصلاة للمسافر إذا خرج الوقت.
نعم يمكن إذا وصل إلى بلده، وانقطع الوصف الذي علق به الترخص، فإذا عاد إلى بلده وانقطع الوصف عند مالك وأبي حنيفة يصليها قصراً؛ لأن القضاء يحكي الأداء، وعند الشافعية والحنابلة يصليها تامة؛ لأن الوصف انتهى، الترخص مرتبط بوصف والوصف انتهى.
يقول: هل يمكن الجمع بأن يكون منع دخول المسجد لمن أكل ثوماً لعموم المساجد وقت الصلاة وفي غير وقت الصلاة يكون خاصاً بمسجد الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟
نحن ذكرنا من خلال النصوص المجتمعة أن العلة مركبة من حضور المسجد ومن الأذى، فأحدهما لا يستقل بالحكم، مجرد حضور المسجد لا يكفي، فلو كان المسجد خالي ما فيه أحد لا مانع من أن يدخله من أكل الثوم أو البصل؛ لأنه لا يوجد من يتأذى به، كما أنه لو وجد من يتأذى في غير المسجد لا مانع فيه؛ لأن العلة مركبة من الأمرين، والله المستعان.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.
قال الإمام يحيى:
باب: الوضوء من مس الفرج(7/7)
عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع عروة بن الزبير يقول: دخلت على مروان بن الحكم فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان: من مس الذكر الوضوء، فقال عروة: ما علمت هذا، فقال مروان بن الحكم: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ)).
عن مالك عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص أنه قال: كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص فاحتككت، فقال سعد: لعلك مسست ذكرك، قال: فقلت: نعم، فقال: قم فتوضأ، فقتم فتوضأت ثم رجعت.
عن مالك عن نافع أن عبد الله عمر كان يقول: "إذا مس أحدكم ذكره فقد وجب عليه الوضوء".
عن مالك عن هاشم بن عروة عن أبيه أنه كان يقول: "من مس ذكره فقد وجب عليه الوضوء".
عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه قال: رأيت أبي عبد الله بن عمر يغتسل ثم يتوضأ، فقلت له: يا أبتي أما يجزيك الغسل من الوضوء؟ قال: بلى، ولكني أحياناً أمس ذكري فأتوضأ.
عن مالك عن نافع عن سالم بن عبد الله أنه قال: كنت مع عبد الله بن عمر في سفر فرأيته بعد أن طلعت الشمس توضأ ثم صلى، قال فقلت له: إن هذه لصلاة ما كنت تصليها، قال: إني بعد أن توضأت لصلاة الصبح مسست فرجي، ثم نسيت أن أتوضأ، فتوضأت وعدت لصلاتي.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الوضوء من مس الفرج
والفرج أعم من أن يكون قبلاً أو دبراً، من ذكرٍ أو أنثى، وفي الباب ما ذكره مالك –رحمه الله-.
"عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع عروة بن الزبير يقول: دخلت على مروان بن الحكم فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان: ومن مس الذكر الوضوء، فقال عروة: ما علمت هذا، فقال مروان بن الحكم: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ)) ".(7/8)
حديث بسرة في نقض الوضوء من مس الذكر صححه جمع من أهل العلم، صححه أحمد وابن معين والترمذي والحاكم والدارقطني والبيهقي، وجمع من أهل العلم صححوه، وطعن فيه بعضهم بسبب مروان؛ لأنه هو قاتل طلحة، لكن قال عروة الراوي عنه: أنه لا يتهم في الحديث، وعلى كل حال الخلاف في المسألة بسبب ما ورد فيها هنا في حديث بسرة فيه الوضوء ((إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ)).
وفي حديث طلق بن علي سئل عن مس الذكر، فقال: ((إنما هو بضعة منك)) يعني كما لو مسست رأسك أو رجلك أو صدرك أو ظهرك فهو جزء منك، ولذا اختلف أهل العلم في ترجيح أحد الحديثين على الآخر، والأكثر على أن حديث بسرة أرجح من حديث طلق بن علي؛ لأن له شواهد من حديث أم حبيبة وأبي هريرة وغيرهما.
وقال بمقتضاه أعني حديث بسرة الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد، ورأوه ناسخاً لحديث طلق بن علي؛ لأنه متأخر عنه، بسرة أسلمت عام الفتح، وطلق بن علي قدم على النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يبني المسجد، يعني في أول الهجرة، فحديث بسرة ناسخ، هذا قول الأئمة الثلاثة.
والإمام أبو حنيفة يرى أن مس الفرج أو الذكر لا ينقض الوضوء مطلقاً؛ لحديث طلق بن علي، منهم من يرى أن حديث طلق بن علي صارف لحديث بسرة، حديث بسرة ((إذا مس أحكم ذكره فليتوضأ)) وفي رواية ((من مس ذكره فليتوضأ)) الأمر الأصل فيه الوجوب، وحديث طلق ((إنما هو بضعة منك)) صارف لهذا الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب، وكأن شيخ الإسلام يميل إلى هذا -رحمه الله-.
فحديث بسرة أرجح من حيث الصناعة، وهو متأخر أيضاً، فإذا أردنا الترجيح، فحديث بسرة أرجح، والعمل بالآخر من قوله -عليه الصلاة والسلام-، وحديث بسرة متأخر على حديث طلق، لكن المقرر عند أهل العلم أنه إذا أمكن الجمع بين النصوص تعين على القول بالترجيح، قدم عليه، وقدم على القول بالنسخ؛ لأنه إذا أمكن الجمع فمعناه أننا نعمل بالنصين معاً، وأما الترجيح فهو عمل بأحد النصين، ومثله النسخ هو إهدار للنص الآخر.(7/9)
لكن الصارف والمخصص والمقيد يتصور .. ، هل يتصور تقدم الصارف والمخصص والمقيد على المصروف والمخصوص والمطلق؟ يتصور هذا وإلا ما يتصور؟ تأملوا يا إخوان ما هو بالأصل أن يأتي اللفظ العام ثم يأتي ما يخصصه، الأصل أن يأتي المطلق ثم يأتي ما يقيده، الأمر بالحزم والجزم أو النهي ثم يأتي ما يصرفه، مو بهذا المتصور؟ هذا الأصل في الباب؟ نعم؟ ولذا يمنع بعضهم القول بالتخصيص إذا كان الخاص هو المتقدم على العام، هذا قول معتبراً عند جمع من أهل العلم، فيكون العام ناسخ؛ لأنه متأخر؛ لأن المتكلم حينما تكلم باللفظ الخاص، ثم أردفه باللفظ العام ما مراده باللفظ العام؟ هل المراد به الخصوص فيكون من العام المخصوص بما تقدم؟ أو يكون من العام الذي أريد به الخصوص؟ يعني لا يكون عام .. ، وإذا قلنا: ننظر إلى الخاص وإن كان متقدماً نقول: هذا عام مخصوص بما تقدم، والأكثر على أنه لا مانع أن يتقدم الخاص.(7/10)
حينما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بقطع الخفين في المدينة لمن لا يجد النعلين، ((وليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين)) هذا مقيد بالقطع، وفي عرفة بعد ذلك وقد شهدها من لم يشهد ما قاله -عليه الصلاة والسلام- من لم يحضر قوله -عليه الصلاة والسلام- بالمدينة، جاء بلفظ مطلق: ((من لم يجد النعلين فليلبس الخف)) فهل نقول: بالقطع أو نقول: بالإطلاق؟ وحينئذٍ يكون القطع منسوخ، عندنا مطلق ومقيد، لكن المقيد متقدم على المطلق، يعني هل قاعدة حمل المطلق على المقيد في جميع الصور ولو تقدم المقيد؟ حمل العام على الخاص في جميع الصور، ومثله ما عندنا، الصارف والمصروف، نقول في مثل هذه المسائل وإن كان التقعيد عند الجمهور لا ينظر إلى التقدم والتأخر إلا أنه في فروع المسائل قد يلجئون إلى مثل هذا الكلام، لا يختلف الحنابلة عن غيرهم في حمل المطلق على المقيد في مثل قطع الخف إذا لم نعرف تاريخ، لكن الآن عرفنا التاريخ، الأمر بالقطع في المدينة قبل خروجه -عليه الصلاة والسلام- منها، وعدم ذكر القطع بعرفة بعد ذلك، يعني لو لم نعرف التاريخ لقلنا: يحمل المطلق على المقيد على الجادة؛ للاتحاد في الحكم والسبب، لكن عرفنا المتقدم والمتأخر، ولذا اختلف الأئمة في القطع، هل يقطع الخف أو لا يقطع؟ حتى عند من يقول بحمل المطلق على المقيد، بل لا أعرف من يخالف لو لم نعرف التاريخ في مثل هذه الصورة؛ لأنه اتحد الحكم والسبب، فإذا اتحد الحكم والسبب حمل المطلق على المقيد بالاتفاق، لكن الآن وجد خلاف، لماذا وجد خلاف؟ لتأخر المطلق، لتأخر المطلق وجد الخلاف، فيرى جمع من أهل العلم أنه لا بد من القطع، وآخرون يقولون: لا ما يحتاج إلى القطع، طيب ما يحمل المطلق على المقيد؟ قالوا: لا، لو وجد التقييد لما جاء النص المطلق متأخر بحيث شهده من لم يشهد ولم يحضر النص المقيد، الآن ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟(7/11)
عندنا الآن صورة حمل المطلق هذا صورة من أربع صور، يعني اتحدا في الحكم والسبب يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، لكن لما عرف التاريخ وأن أحدهم متأخر، يعني لا سميا مع تأخر المطلق وجد الخلاف، ومثله لو تأخر العام عن الخاص، ونصوا على هذا في باب العام والخاص، من أهل العلم من لا يحمل العام على الخاص إذا تأخر العام، وهنا تأخر إيش؟ المصروف وتقدم الصارف، الإجراء الطبيعي الأصل في المسألة أن يتقدم المصروف ويتأخر الصارف، مثل العام والمطلق مع الخاص والمقيد، إحنا الآن عرفنا التاريخ، وأن حديث طلق بن علي متقدم على حديث بسرة، ها فكيف العلم حينئذٍ؟ هو يُعرف تاريخ ورود النص بتاريخ إسلام الراوي، مما يعرف به تأخر إسلام الراوي وتقدمه، لا سيما وأن طلقاً ما لزم المدينة لما أسلم، جاء وقت بناء المسجد وذهب إلى قومه، ما يقال: إنه تحمله بعد ذلك، لا أبداً.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو الأصل عند الجمهور أنه للوجوب إلا أن يوجد صارف، شيخ الإسلام يرى أن مثل حديث طلق صارف للأمر، ولو تقدم عليه، والأئمة الثلاثة كما سمعتم مالك والشافعي وأحمد يرون النقض.
طالب:. . . . . . . . .
هو مرجح من المرجحات، من المرجحات، يعني مما يرجح به حديث بسرة أنه ناقل عن الأصل، وحديث طلق مبقي على الأصل، هذا من المرجحات، وهو أرجح من كل وجه، حديث بسرة أرجح من كل وجه، وهو متأخر، وهو أقوى من حيث الصناعة والعمل عمل به جمهور أهل العلم، نعم.
ولذا الأئمة الثلاثة كلهم على العمل بحديث بسرة، الأئمة الثلاثة كلهم على العمل به، وأبو حنيفة يرى ترجيح حديث طلق؛ لأنه مبق على الأصل.
يقول: "دخلت على مروان بن الحكم فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان: من مس الذكر الوضوء، قال عروة: ما علمت هذا" ما علمت هذا، الآن أيهم أعلم مروان وإلا عروة؟ عروة بلا شك، دل على أن الجهل ببعض المسائل لا يدخل النقيصة على العالم ولا يُنبز به، ولا يتنقص بسببه، إذ الإحاطة بجميع العلم لا سبيل إليها، وقد يكون عند المفضول ما لا يوجد عند الفاضل، كما هو معروف، وليس في هذا نقيصة على عروة بوجه.(7/12)
"فقال مروان بن الحكم: أخبرتني بسرة بنت صفون أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا مس أحدكم ذكره)) " يعني بلا حائل، وبباطن كفه؛ لحديث ((إذا أفضى)) والإفضاء إنما يكون بباطن الكف، كما قرر ذلك أهل اللغة، على كل حال الاحتياط الوضوء من مس الذكر، بعض الروايات: ((من مس فرجه فليتوضأ)) من حديث أبي هريرة وغيره، فيلحق به الدبر، فإذا مس القبل أو الدبر يتوضأ.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما في المسألة مفترضة أن في أنه مغسول ونظيف وهو بضعة منك، كما في حديث طلق، لكن سداً لذريعة مسه بشهوة فيخرج منه شيء، بعضهم يقيد ذلك بالشهوة، فيرى أنه لا ينقض الوضوء إلا إذا مس بشهوة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في فرق بين رجله وذكره في حديث طلق ما في فرق؛ لأن كلها بضعة منك، ومعلوم أن المس ما يمكن أن يسأل عنه إذا كان بحائل.
طالب:. . . . . . . . .
في الصلاة نعم في الصلاة لا بد أن يكون بحائل، نعم الرجل يمس ذكره في الصلاة بحائل، وهذا يستدل به من يقول بنقض الوضوء من مس الذكر، ويمكن حمل حديث طلق على مسه بحائل، وعلى كل حال مسه بحائل لم يقل أحد من أهل العلم بنقض الوضوء به، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
مس ذكره إذا لم يكن نجس باقي على طهارته، مس ذكر الطفل كقبلة الطفل، وقبلة المحرم، وما أشبه ذلك ما في شهوة على ما سيأتي بالقبلة، هذا الذي يظهر من كلامه -رحمه الله-.
يقول: "وحدثني عن مالك عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن مصعب" عمه "مصعب بن سعد بن أبي وقاص أنه قال: كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص" يعني أباه "حال قراءته للقرآن" يعني أضبط عليه، يتبع "فاحتككت" المقصود بذلك تحت الإزار "فقال سعد: لعلك مسِست" بكسر السين الأولى هو أفصح "بكفك ذكرك" يعني بلا حائل "قال مصعب: فقلت: نعم، قال: قم فتوضأ، فقمت فتوضأت ثم رجعت" هذا يدل على أن سعداً -رضي الله عنه- يرى النقض بمس الذكر، وسعد أحد العشرة المبشرين بالجنة، وفيه أيضاً أن سعد يرى أنه لا يمس القرآن إلا طاهر، ولذلك قال له: قم فتوضأ.(7/13)
الخبر الذي يليه: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: "إذا مس أحدكم ذكره فقد وجب عليه الوضوء" والبزار روى الخبر عن بن عمر مرفوعاً، فقد وجب عليه الوضوء، والمراد به الوضوء الشرعي، لماذا؟ لأنه لا موجب للوضوء اللغوي، الوضوء اللغوي اللي بمجرد غسل اليدين إنما يستلزمه قذر، يعني وسخ أو نجس ولا موجب له، فدل على أن المراد الوضوء الشرعي.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هاشم بن عروة عن أبيه أنه كان يقول: "من مس ذكره فقد وجب عليه الوضوء" عروة الذي قال في الخبر السابق: ما علمت هذا، لكنه بعد أن علم، وبلغه الخبر مرفوعاً عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أفتى به، "من مس ذكره فقد وجب عليه الوضوء" وهذا كسابقه، رواه البزار مرفوعاً عن عائشة -رضي الله عنها-.
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه قال: "رأيت أبي -عبد الله بن عمر- يغتسل ثم يتوضأ، فقلت له: يا أبتي أما يجزيك؟ -يكفيك- الغسل من الوضوء؟ " يغتسل ثم يتوضأ "فقلت له: يا أبتي أما يجزيك -يكفيك- الغسل من الوضوء" لأن الغسل وضوء وزيادة، وعبادتان من جنس واحد، والتداخل في مثل هذا معروف، فتدخل الصغرى في الكبرى.
"أما يجزيك الغسل من الوضوء؟ قال: بلى" يجزي ويكفي "ولكن أحياناً أمس ذكري" سهواً أو عمداً لتنظيف أو دلك، وما أشبه ذلك "فأتوضأ" أثناء الغسل، والمسألة مفترضة في شخص توضأ وضوءه للصلاة كما هو في الغسل الكامل، ثم اغتسل فوقعت يده على فرجه مثل هذا يعيد الوضوء، كصنيع ابن عمر.
يقول الباجي: إنما كان سؤال سالم أباه لما رآه يتوضأ بعد غسله الذي افتتحه بالوضوء؛ لأنه معروف أن الوضوء الكامل أن يغسل يديه وذكره وما لوثه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، الوضوء الكامل أو يؤخر غسل الرجلين، كما جاء في بعض الروايات، نعم، المقصود أنه يتوضأ، ثم يعمم بدنه بالماء على ما سيأتي، بعد هذا لا يحتاج إلى وضوء.(7/14)
الباجي يرى أن سؤال سالم لأبيه عن إعادة الوضوء كيف يعيد وضوء والوضوء تقدم قبل الغسل؟ فأجابه بأنه "ولكني أحياناً أمس ذكري فأتوضأ" لأنه بمس ذكره انتقض وضوؤه الذي حصل قبل الغسل، والأصل الوضوء قبل الغسل، هذا السنة، فإذا مس ذكره نقض وضوءه السابق فيعيده بعد الغسل.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، هذا هو عنده وضوء، وضوء طهارة شرعية، نقضت بمس الذكر، فيعاد، الحدث الأكبر ما يرتفع إلا بالغسل، معروف، لكن حتى الغسل إذا مضى بعضه، نضح الماء على رأسه، وافترض أنه ما هو متوضئ يقول: تكفيني الطهارة الكبرى، فنضح الماء على رأسه، وغسل شقه الأيمن، ثم شقه الأيسر، على ما جاء، ثم مس فرجه، نقول: مس الذكر ناقض، لكن كونه ناقض، الآن المسألة دقيقة جداً، المسألة دقيقة، الآن هل مس الذكر ناقض للوضوء أو ناقض للغسل؟
طالب:. . . . . . . . .
ولا ينقض الغسل؟
الآن افترضنا أن شخصاً أفاض الماء على رأسه، ثم غسل شقه الأيمن وشقه الأيسر قبل أن يكتمل الغسل مس ذكره، نقول: كمل الغسل، الغسل ما عليه، لكن عليك أن تتوضأ؛ لأن الوضوء الداخل في هذا الغسل انتقض.
طالب:. . . . . . . . .
يستوي، وكلام الباجي ما له داعي.
طالب:. . . . . . . . .
ما يشق، ما يشق، لا هو المسألة مفترضة فيمن يغتسل الغسل الكامل يغسل فرجه وما لوثه، ويتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض الماء على بدنه ولا يحتاج إلى مسه، فإذا مس ذكره بعد ذلك يعيد الوضوء على خلاف في المستحب، يعني تدخل الصغرى في الكبرى؟ الطهارة الصغرى في الكبرى؟ بكمالها، معروف، نعم.
أحسن الله إليك
باب: الوضوء من قبلة الرجل امرأته
وحدثنا عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر أنه كان يقول: "قُبلة الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة، فمن قبل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء".
عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول: "من قُبلة الرجل امرأته الوضوء".
عن مالك عن ابن شهاب أنه كان يقول: "من قُبلة الرجل امرأته الوضوء".
قال نافع: قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي.(7/15)
مقلوب، مقلوب هذا، على أنه لا يوجد في أكثر النسخ، هذا الكلام كله التعقيب هذا ما هو موجود في أكثر النسخ، لا يوجد.
هذا يسأل يقول: هل في قول ابن عمر: إن هذه لصلاة ما كنت تصليها، يقول: هل كان ابن عمر يحافظ على صلاة الضحى أو لا يحافظ؟
الصلاة بعد طلوع الشمس، بعد أن طلعت الشمس وقضاء الفرائض لا يدخل في النهي، لكنه ما كان يصلي مع طلوع الشمس، ولو افترضنا أن الشمس قد طلعت وارتفعت، فمسألة الصلاة بعد طلوع الشمس وارتفاعها لمن جلس في المسجد مسألة مختلف فيها تبعاً لثبوت الخبر: ((من جلس في المصلى حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين)) ... إلى أخره.
فالذي يثبت هذا الخبر يقول: هناك صلاة بعد ارتفاع الشمس، وعليها الثواب المرتب، والحديث لا يسلم من كلام لأهل العلم، لذا ابن القيم -رحمه الله- لما شرح حال الأبرار، وأنهم يجلسون بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ثم يصلون ركعتين، نعم، يصلون ركعتين، ثم انتقل إلى وصف حال المقربين، فقال: إنهم يجلسون بعد صلاة الصبح ثم إن شاءوا صلوا وإن شاءوا انصرفوا، هل هناك ملحظ وإلا ما في ملحظ؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيهم أرفع درجة؟ المقربون أرفع، إذاً كيف يقول بالنسبة للأبرار أنه إذا طلعت الشمس صلوا ركعتين، ثم انصرفوا، وبالنسبة للمقربين إن شاءوا صلوا وإن شاءوا انصرفوا بدون صلاة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بالنسبة لصلاة الضحى تأخيرها أفضل بلا شك، وكون الأبرار يصلون صلاة الضحى في أول الوقت، لا يعني أن المقربين لا يصلونها، الأمر الثاني: أن الأبرار يزاولون من أعمال الدنيا ما يزاولون، فهم ينصحون بأن يصلوا صلاة الضحى قبل أن يخرجوا من المسجد؛ لئلا ينشغلوا بأمور دنياهم عنها، فيتركوها، بينما المقربون تفرغوا لهذا الأمر، ولا يتصور منهم أنهم سوف ينسون صلاة الضحى.
طالب:. . . . . . . . .
أقل الأحوال تصلى بنية الضحى وخلاص، تصلى بنية الضحى، وإن ثبت الخبر ففضل الله واسع، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
الله المستعان.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الوضوء من قبلة الرجل امرأته(7/16)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر أنه كان يقول: "قُبلة الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة" الملامسة: يعني الواردة في آية الوضوء {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] لامس ملامسةً، وهذه الصيغة تقتضي صيغة المفاعلة، أن تكون بين طرفين بين طرفين، هذا الأصل في صيغة المفاعلة، لكن قد ترد من طرف واحد، فقيل: سافر، سافر فلان هذا من طرفين أو من طرف واحد؟ من طرف واحد، طارق النعل كذلك، المقصود أنها ترد هذه الصيغة ويراد بها وقوعها من طرف واحد.
الملامسة تختلف عن اللمس والمس أو لا تختلف؟ هناك في الذكر قال: مسستُ، فهو مس ومسيس، وهنا: لمس وملامسة، فهل المس غير اللمس والملامسة وإلا هو هو؟ نعم؟ وإلا الملامسة إيش؟ أعم من أن تكون باليد ((إذا مس أحدكم امرأته)) وفي: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] فهل يختلف اللمُس والمس والملامسة؟ طيب "نهي عن بيع الملامسة" لأن من أهل العلم من يرى تخصيص الملامسة بالجماع، في قوله: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] لتكون الآية مشتملة على الحدثين الأصغر والأكبر، من باب المقابلة.(7/17)
يقول ابن عبد البر في الاستذكار: "اختلف العلماء من الصحابة فمن بعدهم في معنى الملامسة التي أوجب الله بها الوضوء لمن أراد الصلاة، بقوله {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] فقيل: الجماع، وقيل: ما دونه مما يجانسه، مثل القبلة وشبهها، ثم هل الُلمس خاص باليد أو بسائر البدن؟ وهل يشترط فيه اللذة أو لا؟ الملامسة المسألة مختلف فيها، هل تطلق أو تختص بالجماع كما قاله بعضهم، وهو مقتضى مذهب أبي حنيفة، الذي لا يرى النقض -نقض الوضوء- بالمس، واللُمس مطلقاً، أو تتناول المس باليد، واللمُس وما هو أعظم من ذلك، كما يقوله الثلاثة مالك وأحمد والشافعي، ثم يختلف هؤلاء فيشترط مالك وأحمد الشهوة، وأما الشافعي فيرى أن اللمُس ناقض للوضوء مطلقاً بشهوة وبغيرها، ولذا يؤكدون أعني الشافعية في على الاحتياط في المطاف، المالكية والحنابلة ما عندهم مشكلة في المطاف؛ لأنهم يشترطون الشهوة، الشافعية ولو من غير شهوة، حصل الُلمس ولو من غير شهوة انتقض الوضوء، ثم بعد ذلكم يتبعه عدم صحة الطواف، والطواف تتسلسل المسألة قد يكون ركن لركن من أركان الإسلام فهم يشددون في هذا.
هنا يقول ابن عمر: "قبلة الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة، فمن قبل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء" ومع ذلكم خص ذلك باليد دون سائر البدن، لو لمسها برجله عليه وضوء وإلا ما عليه وضوء؟ وخص ذلك باليد، لو لطم زوجته عليه وضوء وإلا ماعليه وضوء؟ نعم مقتضى قول الشافعية أن عليه الوضوء، وعند مالك وأحمد لا وضوء عليه، طيب إذا مس الشعر والظفر ينتقض الوضوء أو لا ينتقض؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ لأنها في حكم المنفصل، الشعر والظفر على الخلاف بين أهل العلم، لكن الأكثر على أنها في حكم المنفصل؛ لأنها في حكم المنفصل.
طيب إذا أقسم حلف ألا يمس شاة مثلاً، ووضع يده على ظهرها يحنث وإلا ما يحنث؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ ما قلنا: الشعر في حكم المنفصل؟ إذا حلف ألا يمس امرأته فوضع يده فوق رأسها، لماذا؟ ما قلنا: في حكم المنفصل؟ نعم الأيمان والنذر مبنية على الأعراف عند الأكثر خلافاً لمالك.(7/18)
بعد هذا يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول: "من قبلة الرجل امرأته الوضوء" امرأته مفعول للمصدر، وهذا من باب إضافة المصدر إلى فاعله "من قبلة الرجل امرأته الوضوء" لأنه من مشمول {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] يشترط في القبلة اللذة وإلا ما يشترط؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا العكس عند الشافعية، ما يحتاج لذة ولا شهوة، لكن هل يتصور قبلة بدون لذة؟ امرأته، تكون ... ، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . لا هو أقرب ما يكون إذا كانت مريضة هي، أما إذا قدمت من سفر الشوق موجود، نعم يتصور أن يقبل الرجل امرأته بلا شهوة جبراً لخاطرها، أو في حالة مرض، أو ما أشبه ذلك، نعم.
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه كان يقول: "من قبلة الرجل امرأته الوضوء" لأنه ملامسة وزيادة، هذا بالنسبة للامس فما حكم الملموس؟ اللامس عرفنا حكمه، وعرفنا أقول أهل العلم، وأنه عند الثلاثة اللمس ينقض الوضوء على خلاف بينهم في اعتبار الشهوة، وعند أبي حنيفة لا ينقض، وأن الملامسة يراد بها الجماع، هذا بالنسبة للامس، فماذا عن الملموس؟
اللامس والملموس عند مالك سوى، يعني إذا وجدت شهوة من الملموس انتقض وضوؤه، إذا وجدت الشهوة من اللامس انتقض الوضوء، يعني الملموس يمكن يشتهي وإلا ما يمكن؟ ممكن، فإذا وجدت الشهوة من الملموس صار حكمه حكم اللامس عند الإمام مالك، وعند الحنابلة، نعم، ولا ينتقض ملموس عند أحمد ولو وجد منه شهوة، وعند الشافعي قولان كالمذهبين، هذا أقوال أهل العلم في هذه المسألة.
فلا شك أن الاحتياط مطلوب، والخروج من عهدة الواجب بيقين هو الأحوط، والأبرأ للذمة، والنص محتمل، وأقوال الصحابة مثل ما سمعتم.(7/19)
النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل بعض نسائه، نعم، وخرج للصلاة، هل نقول: إن هذا مرجح لقول أبي حنيفة؟ أما كونه قاضياً على مذهب الشافعي يقضي على مذهب الشافعي، الذي يقول: ينتقض باللمس بشهوة أو بغير شهوة، وبالنسبة لقول مالك وأحمد احتمال، وهو ظاهر في الانتصار لمذهب أبي حنيفة، وعلى كل حال الاحتياط واللفظ -لفظ الآية- محتمل، وفهمه كثير من الصحابة على أنه مجرد اللمس، وإن كان ابن عباس يرى أنه الجماع، ابن عمر وغيره يرون أنه مجرد اللمس، وهو قول الأكثر، فالاحتياط للعبادة مطلوب، لكن لو قدر أن شخص قال: إنه صلى وانتهى، وقد قبل زوجته قبل ذلك أو مسها، أمره بالإعادة يحتاج إلى نص قاطع للعذر، والأدلة محتملة، فلا يؤمر بالإعادة حينئذٍ إلا من باب الاحتياط، إن كان يستروح إلى هذا، أما إلزامه فلا، لكن تقبيل النبي -عليه الصلاة والسلام- بعض نسائه.
طالب:. . . . . . . . .
مسألة الاحتياط شيء، والإلزام شيء آخر، الإلزام لا بد من شيء يقطع العذر، يقطع الكلام، والآية محتملة، والنص أيضاً لا يسلم من مقال أيضاً كونه قبل.
طالب:. . . . . . . . .
فيه كلام، النص فيه كلام، ما يلزم أن يكون من غير حائل، ما يلزم، وكونها مست قدمه، وهو يصلي بعد كذلك، نعم، المقصود يا إخوان أن المسألة محتملة مثلما سمعتم، وأقوال الأئمة مثلما ذكرنا، أما الأمر بإعادة الصلاة فلا بد فيه من نص قاطع، ولا نص قاطع، والنصوص كما سمعتم محتملة، والآية تحتمل الأمرين، والاحتياط وإبراء الذمة، والخروج من عهدة الواجب بيقين هذا أمر مطلوب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يصير فهم من الآية، مثلما فهم ابن عباس.
يقول: سائل يسأل عن صيام ست من شوال هل لا بد فيها من النية؟ أم تعتبر مثل التطوع؟
أما بالنسبة للتبييت لا يلزم كغيره من التطوعات، أما تمييز كونه من الست مطلوب؛ لأن هذا شيء خاص.
ثم إذا كان الشخص يصوم يوماً ويترك يوماً قبل رمضان، واستمر على ذلك ولله الحمد، فكيف يصوم ستاً من شوال؟(7/20)
الست تدخل في هذا، الست تدخل في صيام داود، وهي أيضاً تدخل في صيام البيض، تدخل في صيام الاثنين والخميس، هذه أمور من جنس واحد، كلها مؤدات، ليس بعضها مقضٍ وبعضها مؤدى، فهي عبادات متداخلة، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: العمل في غسل الجنابة
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه، ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء، فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله.
عن مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يغتسل من إناء هو الفرق من الجنابة.
عن مالك عن نافعٍ أن عبد الله بن عمر كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فأفرغ على يده اليمنى فغسلها، ثم غسل فرجه، ثم مضمض واستنثر، ثم غسل وجهه، ونضح في عينيه، ثم غسل يده اليمنى ثم اليسرى، ثم غسل رأسه، ثم أغتسل وأفاض عليه الماء.
عن مالك أنه بلغه أن عائشة سئلت عن غسل المرأة من الجنابة، فقالت: لتحفن على رأسها ثلاث حفنات من الماء، ولتضغث رأسها بيديها.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: العمل في غسل الجنابة
يقول الله -جل وعلا-: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} [(6) سورة المائدة] يعني اغتسلوا، بدليل قوله تعالى: {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} [(43) سورة النساء].(7/21)
فيقول بعد هذا: "حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا اغتسل" هل نقول: إذا أراد، أو إذا فرغ، أو إذا شرع؟ شرع اغتسل، يعني شرع بالغسل من الجنابة، يعني بسبب الجنابة فـ (من) سببية "بدأ بغسل يديه" بدأ بغسل يديه ثم بعد ذلكم يغسل فرجه، كما عند مسلم والترمذي والشافعي وغيرهم "ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة" مخرج للوضوء اللغوي "ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها" أي بالأصابع "أصول شعر رأسه" والتخليل مستحب، ولا يجب اتفاقاً "ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات" ففيه استحباب التثليث في الغسل، قال النووي: ولا نعلم فيه خلافاً، يعني التثليث، يعني كونه يفرغ على رأسه ثلاثاً، يغسل شقه الأيمن ثلاثاً، والأيسر كذلك، مستحب، فيقول النووي: لا نعلم فيه خلافاً إلا ما تفرد به الماوردي، فقال: لا يستحب التكرار في الغسل، يعني يعمم البدن بدون تكرار "بيديه، ثم يفيض" يعني يُسيل الماء على جلده كله، استدل بهذا من لا يشترط الدلك "يفيض" يعني يُسيل "الماء على جلده" فيستدل بهذا الجمهور على أن الدلك لا يدخل في مسمى الغَسل ولا الغُسل، المالكية يقولون: الدلك من مسمى الغسل، بينما الجمهور لا يقولون: الدلك، يعني لا يقولون بلزومه ولا أشتراطه لصحة الغسل، ومثله الوضوء، واللغة فيها ما يدل على ذلك، يقال: غسله العرق، غسله المطر يعني إذا وصل إلى بدنه، ولو لم يحصل معه دلك.
يقول ابن عبد البر: هذا أحسن حديث روي في ذلك، يعني الغسل، يعني حديث عائشة -رضي الله عنها-.
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يغتسل من إناء هو الفرق من الجنابة" يعني بسببها، الفرق قال ابن التين: بتسكين الراء، يكون إيش؟ الفرْق، ورويناه بفتحها، وجوز بعضهم الأمرين، قال النووي: الفتح أفصح وأشهر، وزعم الباجي أنه الصواب، يعني الفتح.(7/22)
ولعل مستنده ما حكاه الأزهري عن ثعلب وغيره الفرَق بالفتح والمحدثون يسكنونه، وكلام العرب بالفتح، يدل على أنه لا يوجد سكون، يعني أيهما أولى أن يقال: أفصح وإلا هو الصواب؟ يعني كونه أفصح لا ينفي أن يوجد لغة غير فصيحة بالسكون، وكونه هو الصواب يدل على أن ما عداه خطأ.
حكى ابن الأثير أن الفرَق بالفتح ستة عشر رطلاً، والفرْق بالإسكان مائة وعشرون رطلاً، وهو غريب، كلام غريب، وعند مسلم قال سفيان: الفرق ثلاثة آصع، قال النووي: وكذا قال الجماهير، ثلاثة آصع، يعني كم رطل؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه؟
طالب:. . . . . . . . .
لكنه إذا كان من مادة واحدة ما يتغير، نعم الماء، الماء وزنه واحد، فإذا قورن وزنه بكيله، نعم ما تقول: الفرق ثلاثة آصع من كل شيء، أو ستة عشر رطلاً من كل شيء، لكن من الماء ما يتغير، الماء وزنه واحد، فما الفرق بين ثلاثة آصع كما قال سفيان في صحيح مسلم، وهو قول الجماهير كما قال النووي، وما ذكره أهل العلم من أنه ستة عشر رطلاً؟ لأن الصاع خمسة أرطال، نعم، وإيش؟ وثلث، إذاً الثلاثة الآصع ستة عشر رطلاً.
ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- من أنه كان يغتسل بالصاع، وهنا يغتسل من إناء هو الفرَق من الجنابة، يعني جاء في الحديث حديث في الصحيح، في البخاري وغيره أنه يغتسل هو وعائشة من إناء هو الفرق، فلا إشكال، وأيضاً كونه يغتسل من هذا الإناء الذي فيه ثلاثة آصع لا يختلف مع كونه يغتسل بالصاع؛ لأنه لا يلزم أن يستوعب جميع ما في هذا الإناء، فلا اختلاف بين هذا وذاك.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا اغتسل من الجنابة" يعني بسببها "بدأ فأفرغ على يده اليمنى" أفرغ صب على يده اليمنى، يعني يكفئ الإناء باليسرى، فيصب على اليمنى "فيغسلها، ثم غسل فرجه" المعلوم أنه بشماله "ثم مضمض واستنثر" وقد مضى الكلام على حكم المضمضة والاستنشاق، وما قيل في حكمهما من قبل أهل العلم، وبعض من يقول بالاستحباب في الوضوء يقول بالوجوب في الغسل "ثم غسل وجهه" هذا من؟ ابن عمر "ثم نضح في عينيه" يعني رش الماء في عينيه، وهذا من اجتهاداته وشذائذه واحتياطه وتحريه.(7/23)
يقول ابن عبد البر: لم يتابع ابن عمر على النضح في العينين أحد، وله شذائذ حمله عليها شدة التحري، ولا شك أن الزيادة على ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو كان الحامل عليها التحري والتثبت والاحتياط، نعم، هذا لا يبرر الزيادة على ما جاء في الشرع، يعني بعض أهل العلم أثر عنهم أنهم يزيدون في الوضوء على الثلاث، بل على الأربع إلى أن يصلون إلى حد العشر مرات.
جاء في ترجمة ابن دقيق العيد، وترجمة الحافظ العراقي أنهم يزيدون، ويقول المترجمون: إن ذلك لا يخرجهم إلى حيز الابتداع، بل الحامل على ذلك الاحتياط، لكن هل الاحتياط في مثل هذا؟! يعني شيخ الإسلام -رحمه الله- فيما نقله عنه ابن القيم يقول: الاحتياط إذا أدى إلى ترك مأمور، أو فعل محظور، فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط، يقول: هذا لا يدخلهم إلى حيز الوسوسة والابتداع، لا، هذا احتياط، ما هو بصحيح، يعني كون الشخص أعمى هل يبرر له العمى وعدم الإبصار أن يغسل العضو أكثر من ثلاث مرات، يقول: أنا ما بقي شيء، بقي بقعة، أنا استوعبت العضو ما استوعبت، فأنا با احتاط، المبصر معروف الذي يرى العضو وأنه استوعبه بالماء، لكن الكفيف يقول: أنا با أغسل يدي، إلى أن أجزم أني عممت العضو بالماء، له ذلك أو ليس له ذلك؟
الذي يقول: أنا لا أدري وأنا با أغسل حتى أقطع أني غسلت العضو كاملاً؛ لأنه يقول: احتمال في بقعة أنا ما أدري عنها، هل استوعبت أو ما استوعبت؟
طالب:. . . . . . . . .(7/24)
إيه، لكن هل تعتبر غسلة وهو شاك في استيعاب العضو؟ هذا الذي ينبهنا إلى مثل هذا أني حضرت وضوء بعض الكبار، الكبار يعني، مكفوفي البصر، ويزيد على المشروع بحجة أنه أعمى، ومع ذلكم إذا خشي ألا يسبغ فقطعاً سوف يسبغ بالثلاث، وإذا كان التردد بين الثلاث، وما زاد عليها، فليقتصر على الثلاث، ولو افترضنا أنه ما أتم غسله في الأولى والثانية، ثم عممه في الثالثة؛ لأنه إذا شك هل غسل العضو مرتين أو ثلاث يجعله مرتين أو ثلاث؟ يجعلها ثلاث، لماذا؟ نعم؛ لأنه إن كان في الحقيقة غسلها ثلاثاً ثم أراد أن يزيد رابعة من باب قطع الشك خرج إلى حيز البدعة، لكن إن كان في الحقيقة غسلها اثنتين ولم يزد على ذلك فهو ما زال في دائرة السنة، هذا في الصلاة في التردد ركعتين وإلا ثلاث يبني على ما استيقن، لكن الوضوء ليش؟ لماذا نفرق بين الوضوء والصلاة؟ نعم؟ هذا تردد هل صلى ركعتين وإلا ثلاث؟ نعم؟ نقول: يبني على الأقل لأنه متيقن، لماذا؟ لأن الأقل ليس بشرع، لو تبين في الحقيقة أنه استيقن على الأقل، لكن لو توضأ مرتين أو ثلاث لا شك أنه مرتين، اجعلها ثلاث؛ لأنه لو فرض أنها مرتان شرعية، النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرتين مرتين، لكن لو فرض أنها في الحقيقة ثلاث وزدت رابعة خرجت إلى حيز البدعة، فكونك تتردد بين بدعة وسنة الزم السنة ولو كانت أقل.
طالب:. . . . . . . . .
أي يبني على الأقل لأنه مستيقن؛ لأن الصلاة باطلة لو نقص ركعة، لكن الوضوء لو نقص مرة ما بطل.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، لو. . . . . . . . . الصلاة فيها نصوص؛ لأنك لو نقصت من العدد بطلت صلاتك، الوضوء لو نقصت من ثلاث ما بطل، وسنة النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرتين مرتين، فكونك تتردد بين سنة وبدعة غير كونك تتردد بين صلاة صحيحة وصلاة باطلة، فهمت القصد؟ إيه.
ويبقى أنه هذا الشك يبني عليه شك آخر، ثم بعد ذلك يخرج عن حيز السنة إلى الوسوسة؛ لأن مثل هذا الاحتياط في القدر اللي دونه مجزئ، لا سيما إذا تكرر مع الإنسان عليه أن يقطع؛ لئلا يوسوس، كل بدايات الموسوسين من هذا، بدايات الموسوسين كلها بسبب هذا.(7/25)
نعم هذه تسأل تقول: عليها قضاء من رمضان، هل تصوم ست من شوال قبل القضاء أم بعده؟
لا، تصوم ما عليها من واجب، ثم تتنفل بما شاءت، هذا هو المرجح وإن كان ....
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، خلاص خرج وقتها، خرج وقتها.
يقول: إذا احتاج العضو إلى غسل أكثر لوجود أوساخ تحتاج إلى إزالتها؟
الأولى أن يغسل هذه الأوساخ قبل شروعه في الوضوء؛ لئلا يلتبس المشروع بغيره.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، غسل يده اليمنى، قبل .. ، ما هو بغسل الوضوء، الغسل من أجل إدخالها في الإناء، أفرغ على يده اليمنى أمال الإناء فغسل يده اليمنى، ثم اللي ... ، قبل الشروع في المطلوب، ما هو بغسل الوضوء هذا، ما هو بغسل الذراع، غسل الكف، إيه.
"ثم غسل فرجه، ثم مضمض واستنثر، ثم غسل وجهه، ونضح في عينيه " يعني رش الماء في عينيه، وهذا من احتياطه، ولم يتابعه عليه أحد "ثم غسل يده اليمنى ثم اليسرى" مع المرفقين، هذا الوضوء، معروف هذا الوضوء الذي يتقدم على الغسل "ثم اليسرى، ثم غسل رأسه" يعني مسح برأسه "ثم اغتسل" ولم يذكر غسل الرجلين؛ لأنه جاءت السنة بتقديم غسل الرجلين مع الوضوء، توضأ وضوءه للصلاة، وجاء تأخير غسل الرجلين بعد الغسل والانتقال من المكان، لا سميا إذا كان المكان فيه طين وما أشبهه.
"وأفاض عليه الماء" هذا تفسير لـ (اغتسل) "ثم اغتسل وأفاض عليه الماء" هذا عطف تفسيري.
ثم قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عائشة سئلت عن غسل المرأة من الجنابة، فقالت: لتحفن على رأسها ثلاث حفنات من الماء، ولتضغث رأسها بيديها".
عن مالك أنه بلغه، في شرح الزرقاني قال: بلاغاته صحيحة، قال سفيان: إذا قال مالك: بلغني فهو إسناد قوي.(7/26)
"أن عائشة سئلت عن غسل المرأة من الجنابة، فقالت: تحفن على رأسها ثلاث حفنات" والحفنات جمع حفنة مثل سجدة وسجدات، والحفنة ملئ اليدين من الماء، الحفية والحثية بمعنى واحد "ولتضغث رأسها" قال ابن الأثير: الضغث: معالجة الشعر باليد عند الغسل، كأنها تخلط بعضه ببعض؛ ليدخل فيه الماء، يعني تحركه تخلط بعضه ببعض، لكي يدخل الماء إلى أصوله "بيديها" "قال مالك: ليداخله الماء، وليصل إلى البشرة" ليصل إلى بشرة الرأس، لكن هل يلزم نقض الشعر؟ يقول الإمام مالك: اغتسال المرأة من الحيض كاغتسالها من الجنابة، فلا يلزمها نقض الشعر، وقد أنكرت عائشة على عبد الله بن عمرو أمره النساء أن ينقضن رؤوسهن عند الغسل، وشددت النكير عليه في ذلك، حتى قالت: فليأمرهن بإيش؟ بحلق رؤوسهن، وجاء الأمر بنقض الشعر، لكنه مصروف على سبيل الاستحباب، وقد أنكرت عائشة على عبد الله بن عمرو، جاء النقض في حديث لعائشة، وجاء عدمه في حديث لأم سلمة، ولذا يحمل بعضهم النقض على الشعر الكثيف الكثير، وعدمه على الشعر الخفيف؛ لأن هذه صغيرة السن شعرها كثير، وهذه كبيرة شعرها خفيف فلا يحتاج إلى نقض، لكن إنكار عائشة على عبد الله بن عمرو يدل على أنه غير لازم، نعم.
باب: واجب الغسل إذا التقى الختانان
عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يقولون: "إذا مس الختان الختان فقط وجب الغسل".
عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: سألت عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يوجب الغسل؟ فقالت: هل تدري ما مثلك يا أبا سلمة؟ مثل الفروج يسمع الديكة تصرخ فيصرخ معها، إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل".(7/27)
عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن أبا موسى الأشعري أتى عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لها: لقد شق علي اختلاف أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمر، إني لأعظم أن أستقبلكِ به، فقالت: ما هو؟ ما كنت سائلاً عنه أمك عنه فسلني عنه، فقال: الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل، فقالت: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل، فقال أبو موسى الأشعري: لا أسأل عن هذا أحداً بعدكِ أبداً.
عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن كعب مولى عثمان بن عفان أن محمود بن لبيد الأنصاري سأل زيد بن ثابت عن الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل، فقال زيد: يغتسل، فقال له محمود: إن أبي بن كعب كان لا يرى الغسل، فقال له زيد بن ثابت: إن أبي بن كعب نزع عن ذلك قبل أن يموت.
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: "إذا جاوز الختان الختان فقط وجب الغسل.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: واجب الغسل إذا التقى الختانان
ختان الرجل وختان المرأة.(7/28)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يقولون: "إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل" يعني وإن لم يحصل إنزال "إذا مس الختان" موضع القطع من الرجل من ذكر الرجل "الختان" يعني موضعه من الأنثى "فقد وجب الغسل" وإن لم يحصل إنزال، والمراد بالمس والإلقتاء المجاوزة، وفي رواية الترمذي بلفظ: "إذا جاوز" وستأتي هذه الراوية "فقالت: "إذا جاوز الختان الختان" والمراد بذلك الإيلاج، ليس المراد به حقيقة المس؛ لأنهم يقولون: لو حصل المس من غير إيلاج لا يلزم منه الغسل، وهذا أمر مجمع عليه، فإذا حصل الإيلاج وجب الغسل حينئذٍ ولو لم يحصل إنزال، ومثل هذا الخبر مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا جلس بين شعبيها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل)) يعني وإن لم ينزل، فعلى هذا هو ناسخ للحديث الصحيح: ((الماء من الماء)) يعني الماء الذي هو الغسل من الماء الذي هو الإنزال، ومفهومه أنه لا غسل بغير إنزال، لكن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل)) يعني وإن لم ينزل، وإن لم يحصل إنزال، فحديث ((الماء من الماء)) منسوخ كما نص على ذلك عامة أهل العلم، الجمهور نصوا على ذلك، والترمذي أيضاً نص على ذلك في سننه.
وجاء التصريح، جاء أيضاً التنصيص عليه أن الماء من الماء كان رخصة، مفهومها أنه نسخ بعد ذلك، ونص على ذلك الترمذي وغيره.
والترمذي لما روى الحديث في جامعه بين أنه منسوخ، وفي علل الجامع قال: "بينا علته في الكتاب" فالترمذي سمى النسخ علة، ولا شك أنه علة من حيث العمل، لا من حيث الثبوت، الحديث ثابت، لكنه من حيث العمل به النسخ علة.(7/29)
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن أبي النضر" سالم بن أبي أمية "مولى عمر بن عبيد الله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: سألت عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يوجب الغسل؟ فقالت" تلاطفه أو تعاتبه "هل تدري ما مثلك يا أبا سلمة؟ " كأنه قال: لا؛ لأنه ما يدري ويش السبب؟ نعم، ثم أجابت "مثلك مثل الفروج" الفروج على زنة تنور، فرخ الدجاج "مثلك مثل الفروج يسمع الديكة" على زنة عنبة، جمع ديك، ذكر الدجاج "الفروج يسمع الديكة تصرخ فيصرخ معها" يصيح معها، ولا يدري ما السبب؟ "إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل" هذا مستفتٍ، جاء يسأل، فهل يحسن أن يقال لكل مستفتٍ: أنت مثلك مثل كذا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني كون الإنسان لا يحتاج إلى السؤال، خلونا نتنزل إلى هذا الحد، إنسان لا يحتاج إلى السؤال، هل يجاوب عن سؤاله إذا عرف منه أنه يتعلم، أو يقال: هذا السؤال لا يهمك؟ و ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) نعم، هنا قضية عين حصلت لطالب في الابتدائي، في المرحلة الابتدائية، عمره لا يجاوز العاشرة، سأل شيخ كبير من أهل العلم، لكن في أول التعليم الكبار يدرسون حتى في الابتدائية، فقال له: يا شيخ ما حكم حلق شعر الصدر؟ هذا عمره عشر سنين، صدره فيه شعر وإلا ما فيه؟ استدعاه الشيخ وضربه، بكى الصبي، ثم قال الشيخ: كان الإمام أحمد يطلي جسده بالنورة، قال: أنا أريد هذا ما أريد الضرب.(7/30)
هذه قصة واقعة، أنا أريد مثل هذا، أنا أريد هذا، ما أريد الضرب، فما يمنع أن يأتي الصغير يسأل سؤال الكبار، لكن السبب في ذلك، يقول ابن عبد البر -رحمه الله-: "عائشة تعاتب أبا سلمة بهذا الكلام؛ لأنه قلد من لا علم له به، والعلم عندها لمكانها من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان أبو سلمة لا يغتسل من التقاء الختانين؛ لراويته عن أبي سعيد حديث: ((الماء من الماء)) هذا سبب المعاتبة، هذا قول، ويحتمل أن يكون هذا العتاب لأن سؤاله كان قبل بلوغه، هذا قاله الباجي، الأول قاله ابن عبد البر، وهذا قاله الباجي، وهو واحتمال وجيه، ما زال صغير، لا يحتاج إلى مثل هذا، فعاتبته، أنت مثلك مثل .. ، وهذا يحصل، الآن تسمعونه كثيراً من بعض المفتين، يجي واحد يسأل، "من حسن إسلام المرء تكره ما لا يعنيه" يجاب بمثل هذا، ولا شك أن إذا غلب على الظن أن السائل له مقصد أو له هدف من سؤاله غير العمل، وغير العلم يصرف عن الجواب، بل لو وجه بكلام يردعه عن مثل هذا، كان من الأدب المطلوب، لكن إذا خفي الأمر على المفتي يجيب، هذا الأصل، فضلاً عن كونه يعرف أن هذا يريد أن يتعلم، أو له حاجة إلى هذا السؤال، جمع بعضهم بقوله: ((الماء من الماء)) بأنه إذا حصل في المنام أنه لا غسل إلا من الإنزال ((نعم إذا هي رأت الماء)) كما سيأتي، هل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال: ((نعم إذا رأت الماء)) فلا غسل إلا من الماء، هذا قال به جمع من أهل العلم.(7/31)
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب أن أبا موسى" عبد الله بن قيس الأشعري "أتى عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لها: لقد شق" يعني صعب علي "اختلاف أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمر إني لأعظم أن أستقبلك به" يعني المواجهة في مثل هذه الأسئلة صعبة، لا سيما من رجل لامرأة أو العكس، ومع الأسف نسمع بعض الأسئلة فيها من التصريح ما لا يصرح به الرجال مع الرجال، يعني من بعض النساء، نعم الحياء في العينين، إذا كان السؤال في الهاتف الناس يأخذون راحتهم شوي، لكن يبقى أن الحياء له نصيبه من الإيمان، الحياء من الإيمان، شعبة من شعب الإيمان، فإذا أمكنت التكنية فلا داعي للتصريح، يعني يأتي أحياناً أسئلة وكثيرة ما هي بقليلة، لا يحتمل سماعها، الرجل مع تكرر ما يرد عليه من هذه الأسئلة أحياناً والله يخجل لا يستطيع أن يقول الجواب، وهذا يقول: "إني لأعظم أن أستقبلك به" نعم هي أم المؤمنين على كل حال، وهي مأمورة بالحجاب، والسؤال من وراء حجاب، ولا في أي إشكال، ما في إشكال -إن شاء الله-، يسألون، يقفون عند الباب ويسألون، ويش يصير؟ نعم عند الحاجة إذا دعت الحاجة إلى ذلك لا بد منه، لكن ما هناك حاجة، يعني مسألة لها لفظان كلاهما يدل على هذه القضية، واحد صريح جداً، يعني شيء يستحيا من النطق به، والآخر يقوم مقامه، يعني من الأدب أن يكنى على الألفاظ المستبشعة، وهذا معروف في الشرع، وأن لا ينسب الإنسان لنفسه شيئاً قبيحاً، نعم، لكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك لا مانع، يعني عندنا في قصة أبي طالب، قال: هو على ملة عبد المطلب، الراوي ما يمكن يقول: أنا على ملة عبد المطلب، يسوق الكلام بلفظه، لكن الرواة كلهم في قصة ماعز كلهم قالوا: إني زنيت، للحاجة الداعية للتصريح، فإذا قامت الحاجة، ولا يوجد لفظ يقوم مقام هذا اللفظ المستبشع الحمد لله شفاء العي السؤال.(7/32)
"فقالت: ما هو؟ " لأن الحياء الشرعي لا يمنع من مثل هذا عند الحاجة إليه "ما كنت سائلاً عنه أمك فسلني عنه" وفي صحيح مسلم: "فإنما أنا أمك" ولا شك أن زوجات النبي -عليه الصلاة والسلام- أمهات المؤمنين "فقال أبو موسى: الرجل يصيب أهله" يعني يجامع زوجته "ثم يكسل" يفتر "ولا ينزل، فقالت: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل".
يقول ابن عبد البر: "هذا وإن لم ترفعه عائشة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ظاهر، لم ترفعه في الصيغة ظاهراً إلا أن له حكم الرفع بالمعنى؛ لأنه من المحال أن ترى عائشة أن قولها حجة على الصحابة المختلفين؛ لأنه شق عليه اختلاف أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام-، فكيف تفصل بين خلاف الصحابة برأيها؟ يقول: له حكم الرفع؛ لأنه من المحال أن ترى عائشة أن رأيها وقولها حجة على الصحابة المختلفين، وورد عنها مثل هذا مرفوع عند أحمد والترمذي وغيرهم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا يمكن ألا يوجد عندها نص، وقد عاشت مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحصل معها ومعه غسل باجتماع وانفراد، ما يمكن، لا يمكن أن نتصور أن عائشة ليس عندها شيء في الغسل.
طالب:. . . . . . . . .
لا فيما يخفى، لا في المعاشرة، فيما يخفى، يعني ترجح قول عائشة وإلا قول أبي بكر في المغازي مثلاً؟ فيما يخفى ترجح قول عائشة، فيما يظهر فيما يخص الرجال يرجح قول الرجال.
"فقال أبو موسى: لا أسأل عن هذا أحداً بعدك أبداً" ولا شك أنها أعرف.(7/33)
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن كعب" الحميري المدني "مولى عثمان بن عفان أن محمود بن لبيد الأنصاري" صحابي صغير "سأل زيد بن ثابت عن الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل فقال زيد: يغتسل، فقال له محمود: إن أبي بن كعب كان لا يرى الغسل، فقال له زيد بن ثابت: إن أبي بن كعب نزع عن ذلك" يعني رجع "قبل أن يموت" هذا فيه دليل على أن الناسخ قد يخفى على بعض الصحابة، فيعملون بالمنسوخ، ثم إذا بلغهم الناسخ رجعوا إليه، وعلى هذا يحمل ما جاء في آية الرضاعة، عشر رضعات، كن فيما يتلى من القرآن، فنسخن بخمس، وتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهن مما يتلى، يعني يتلوهن من خفي عليه نسخ اللفظ، فيدل على أن بعض الصحابة قد يخفى عليهم الناسخ، فيعملون بالمنسوخ، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، وفي رجوعه دليل على أنه صح عنده أنه منسوخ، ولولا ذلك لما رجع.
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: "إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل" رواه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أربعة من الصحابة، وذكر الشافعي أن كلام العرب يقتضى أن الجنابة تطلق حقيقة على الجماع، ما يلزم أن يكون هناك إنزال، وإن لم ينزل، فإن كل من خوطب بأن فلاناً أجنب من فلانة عقل أنه أصابها وإن لم ينزل، يعني أن الإنزال ليس من مسمى الجماع، يعني الجماع هو مجرد الإيلاج، وليس من مسماه الإنزال.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، نعم إذا أولج؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، ولو لم ينزل يجب عليه الغسل، ويجب عليه جميع الآثار المترتبة على الجماع، يجب فيه الحد، يجب فيه الجلد، يجب فيه الرجم، كل هذا إذا حصل الإيلاج، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .(7/34)
السابق نعم، ثم غسل فرجه، ثم مضمض، ثم غسل وجهه، ثم غسل رأسه، ثم اغتسل، مقتضى هذا أن غسل رأسه للوضوء، نعم، يعني هل هو غسل وإلا مسح؟ لأن قوله: ثم اغتسل غير غسل رأسه، أو نقول: إنه اقتصر على بعض الوضوء، ثم أفاض الماء على رأسه فغسله، ثم اغتسل في سائر بدنه، يعني باقيه، ما في فرق، بدليل أنه لم يغسل رجله، دل على أنه لم يمسح، ما دام بيغسل رأسه نعم بيحصل له غسل لا داعي لمسحه؛ لأنه لم يغسل رجليه أيضاً، فاقتصر على بعض الوضوء.
التثليث ذكرنا أن النووي نقل الاتفاق، إلا ما يروى عن الماوردي، الاتفاق على أنه مستحب، نعم على كل حال يفيض على رأسه ثلاثاً، يغسل شقه الأيمن ثلاثاً، الأيسر ثلاثاً وهكذا، يستحب عند عامة أهل العلم، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: وضوء الجنب إذا أراد أن ينام أو يطعم قبل أن يغتسل
عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال: ذكر عمر بن الخطاب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه يصيبه جنابة من الليل، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((توضأ واغسل ذكرك ثم نم)).
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كانت تقول: إذا أصاب أحدكم المرأة، ثم أراد أن ينام قبل أن يغتسل، فلا ينم حتى يتوضأ وضوءه للصلاة".
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا أراد أن ينام أو يطعم وهو جنب غسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ومسح برأسه ثم طعم أو نام"
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: وضوء الجنب إذا أراد أن ينام أو يطعم قبل أن يغتسل
يطعم يعني يأكل الطعام، والطعام يطلق على كل ما يساغ حتى الماء، وفي التنزيل: {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [(249) سورة البقرة] فأطلق الطعام على شرب الماء {فَإِنَّهُ مِنِّي} [(249) سورة البقرة] وفي زمزم أنها طعام طعم، والطعم هو الطعام.
"حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن دينار" هكذا رواه مالك في الموطأ باتفاق رواته كلهم يقولون: عن مالك عن عبد الله بن دينار، ورواه مالك خارج الموطأ عن نافع بدل عبد الله بن دينار.(7/35)
قال ابن عبد البر: "الحديث لمالك عنهما جمعياً، لكن المحفوظ عن عبد الله بن دينار، وحديث نافع غريب" هكذا قال ابن عبد البر، لكن الحافظ ابن حجر قال: "رواه عن نافع خمسة أو ستة فلا غرابة" على كل حال هو ثابت من طريق نافع، كما أنه ثابت من طريق عبد الله بن دينار.
"عن عبد الله بن عمر أنه قال: ذكر عمر بن الخطاب" فالحديث من مسند من؟ ابن عمر، من مسند ابن عمر، وفي بعض الروايات: عن عبد الله بن عمر عن عمر، ومقتضاه أنه من مسند عمر "أنه قال: ذكر عمر بن الخطاب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه يصيبه جنابة من الليل، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((توضأ)) " مراد الوضوء الشرعي ((واغسل ذكرك)) لأنه الأصل ((توضأ واغسل ذكرك)) الواو هذه تفيد ترتيب وإلا ما تفيد؟ نعم؛ لأن غسل الذكر قبل الوضوء، إلا إذا قلنا: إنه وضوء لغوي، يعني تنظف ((ثم نم)) والجمهور على أن هذا الأمر بالوضوء للاستحباب، وذهب أهل الظاهر إلى إيجابه، وهو شذوذ، جماهير أهل العلم على أنه للاستحباب، والأصل في الأمر الوجوب، الأصل في الأمر الوجوب، لكن لم يقل بالوجوب إلا أهل الظاهر، حكم أهل العلم على قولهم بالشذوذ، ومعروف الاعتداد بقول أهل الظاهر الأكثر على أنه لا يعتد بقولهم، كما صرح بذلك جمع من أهل العلم، يقول النووي: ولا يعتد بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، بينما آخرون يرون أنهم من أهل العلم، ولهم عناية بالنصوص فينبغي أن يعتد بقولهم.
الصارف لهذا الأمر من الوجوب إلى الاستحباب؛ لأن الأصل في الأمر الوجوب، ما الصارف؟
طالب:. . . . . . . . .
هو لا يمس ماءاً، لكن هذا ضعيف، ضعيف، نعم ما هو بغسل، الآن يبي ... ولا يمس ماءاً، هذه فيها كلام، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يدركه الفجر، لكن هل معنى هذا أنه نام وأكل؟ غير لازم، اللي جنبه؟
طالب:. . . . . . . . .(7/36)
((ثم نم)) طيب يعني الأمر بالنوم ليس بواجب، وإذاً الأمر بالوضوء ليس بواجب، هذا يسمونه دلالة الاقتران، ودلالة الاقتران ضعيفة وإلا قوية؟ ضعيفة، هم ينظرون إلى المعنى والعلة، يقولون: هذا الوضوء هل يرفع حدث؟ الوضوء المأمور به يرفع حدث؟ لا يرفع حدث، نعم هو يخفف، أيضاً رفع الحدث متى يطلب؟ نعم؟ عند أداء ما لا تصح إلا به، فالجمهور نظروا إلى المسألة من حيث المعنى، وإلا فالأمر ضاهر في الوجوب.
"وحدثني عن مالك" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن ورد في بعض الألفاظ ما يخفف: "إن شئت" أو فيه "كان لا يمس ماءاً" ينام من غير أن يمس ماءاً.
طالب:. . . . . . . . .
إيه توضأ إن شئت، كما في بعض الألفاظ، المقصود أن المسألة خفيفة يعني، ما هي .... ، وهم يصرفون بأقل من هذا.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها كانت تقول: "إذا أصاب أحدكم المرأة، ثم أراد أن ينام قبل أن يغتسل فلا ينام حتى توضأ وضوءه للصلاة" هذا بين أن المرد بالوضوء في الحديث السابق الوضوء الشرعي، طيب يتوضأ وضوءه للصلاة، توضأ وضوءه للصلاة ثم أحدث، نقول: أعد الوضوء؟ إذاً ما فائدة هذا الوضوء؟ لكن الآن خف بالوضوء، وانتقض هذا الوضوء، صار وجوده مثل عدمه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا معروف، الوضوء يخفف، لكن قلنا: الوضوء رفع لبعض الحدث، انتقض هذا الوضوء أحدث.
"قال مالك: لا يبطل هذا الوضوء ببول ولا غائط ولا بشيء إلا بمعاودة الجماع" يعني ما يؤمر بالوضوء مرة ثانية إذا أحدث إلا إذا عاود الجماع.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا أراد أن ينام أو أن يطعم وهو جنب غسل وجهه ويديه إلى المرفقين ومسح برأسه ثم طعم أو نام" نعم ما غسل رجليه، بقي عليه غسل الرجلين.
يقول ابن عبد البر: "أتبع ما تقدم بفعل ابن عمر أنه كان لا يغسل رجليه إعلاماً بأن هذا الوضوء ليس بواجب" نعم هو يقول: "أتبع ما تقدم بفعل بن عمر أنه كان لا يغسل رجليه إعلام بأن هذا الوضوء ليس بواجب، ولم يعجب مالكاً فعل ابن عمر، وقال بعضهم: إن ابن عمر كان يضره غسل رجليه لعلة كانت بهما" والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(7/37)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب الطهارة (9)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
يقول: إنه لم يفهم استنباط ابن دقيق العيد من حديث عائشة، وأنها كانت ترجل رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في حجرها، وهو يقرأ القرآن وهي حائض؟
كأن قوله: وهي حائض لولا أن الحائض ممنوعة من قراءة القرآن على حسب فهم ابن دقيق العيد، ويش الفائدة من التنصيص؟ لتستدل أن الحائض مع كونها لا تقرأ القرآن لا تمنع من لمس والقرب ممن يقرأ القرآن، هذا فهمه -رحمه الله-، وهو فهم له وجه.
يقول: آمل إعادة أقوال العلماء في القليل من الماء إذا أصابته نجاسة وقول مالك على وجه الخصوص؟
الماء لا يخلو إما أن يكون قليلاً أو كثيراً، فالقليل ما لم يبلغ القلتين على قول، أو ما لا يتحرك طرفه إذا حرك الطرف الآخر، أو الغدير الذي لا يبلغ عشرة في عشرة، وكل على مذهبه في الحد الفاصل بين القلة والكثرة، عند من يقول بالتفريق بين القليل والكثير، وهم الجمهور، الإمام مالك -رحمه الله- يرى أنه لا فرق بين القليل والكثير، وأن المرد بذلك هو تغير الماء، فإن تغير بالنجاسة فهو نجس، وإن لم يتغير فهو طاهر، قل أو كثر.
الجمهور يقولون: إذا زاد عن القلتين -وهذا مذهب الحنابلة والشافعية- ولم يتغير فهو طاهر، وإن تغير فهو نجس بالإجماع، تغير بالنجاسة، ولو كثر، أما إذا قل وصار قليلاً دون القلتين فبمجرد ملاقاة النجاسة ينجس، ولو لم يتغير عند الحنابلة والشافعية والحنفية أيضاً.
رأي مالك لا ينجس إلا بالتغير قل أو كثر، وهذا الرأي هو الموافق ليسر الشريعة، نعم استدل الجمهور بأدلة من أبرزها حديث: ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)) على القول بتصحيحه والكلام فيه كثير، والقول باضطرابه سنداً ومتناً أيضاً معروف عند أهل العلم، ومن أهل العلم من يصححه كشيخ الإسلام ابن تيمية، ويوافق مالك على أنه لا ينجس إلا المتغير، فيعمل بمنطوقه، ويلغي مفهومه المعارض لحديث أبي سعيد أن ((الماء طهور لا ينجسه شيء)).(8/1)
وكم من شخص تمنى أن لو كان مذهب إمامه مثل مذهب مالك، ومن راجع أبواب الطهارة في كتب الفقه عند الحنابلة والشافعية، لا شك أنه سوف يتمنى أن مذهب إمامه مثل مذهب مالك، وقد تمنى ذلك الغزالي، تنمى أن لو كان مذهب الشافعي مثل مذهب مالك، لكن ما الذي يربطك بالشافعي؟ وأنت تبين لك أن الراجح هو مذهب مالك؟! ما الذي يلزمك بمذهب الشافعي؟!
من الصور التي ذكرها النووي -رحمه الله-، ونجزم أن الشرع لا يأتي بمثلها تبعاً للقول بالتفريق بين الماء القليل والكثير، أنه لو وجد ماء بمقدار القلتين لا يزيد ولا رطل واحد، ولا ينقص ولا رطل، وقعت فيه نجاسة لم تؤثر فيه، ولم تتحلل فيه، بمعنى أنها باقية، هو طاهر، لكن لو جئت بدلو فأخذت منه ما ينقصه عن القلتين يقول النووي على مذهبهم: ما في داخل الدلو طاهر، وما يتناثر من خارجه نجس، لماذا؟ نعم، ما بداخل الدلو حيز قبل النقص عن القلتين، وما بخارجه لصق بالدلو بعد نقصه عن القلتين، فهل مثل هذه الفروع يأتي بها الشرع، الذي رفعت فيه الآصار والأغلال، أن الدين يسر، فهمها يصعب ويعسر في كثير من الأحوال، فضلاً عن تطبيقها، والله المستعان.
يقول: إذا أوتر الإمام بثلاث سرداً، والمأموم لم ينو الوتر، ظناً منه أنه سيسلم من اثنتين، فما حال صلاة المأموم؟
لا بأس بها، صلاته صحيحة، كما لو ظن أن الإمام يقصر ثم يتم، أو العكس، والكل مسافرون، فالصلاة صحيحة -إن شاء الله-، لا يؤثر مثل هذا الاختلاف.
يقول: هل نغمات الجوال تدخل في الأذى الذي في الحديث، خصوصاً إذا كان لا يستطيع أن يرد على المتصل؟
أما بالنسبة للنغمات المحرمة التي أفتى أهل العلم بتحريمها فهي محرمة سواء تأذوا أو تلذذوا، محرمة لذاتها، تبقى محرمة في كل مكان وفي مواطن العبادة أشد، مع الأسف الشديد أن كثير من المساجد الآن حولت إلى شبه كنائس.(8/2)
النصارى عبادتهم على الموسيقى، واليهود كذلك، فتوجد هذه الأمور المحرمة أثناء العبادة، لا شك أن الجهة منفكة، الصلاة صحيحة مع التحريم، هذا أمر مفروغ منه، وإن قال بعض أهل العلم كالظاهرية: إن الصلاة إذا اشتملت على شيء محرم، ولو كان خارجاً عنها أنها تبطل، فالأمر ليس بالسهل، يعني تعرض صلاتك لمثل هذا الخلاف، في فتوى من اللجنة الدائمة بتحريم هذا النغمات، وأنها داخلة في المعازف والمزامير التي جاء الشرع بمحقها، وشدد في أمرها، المقصود أن الإنسان يحتاط لذلك، فلا يجوز له .. ، ومع الأسف أنه يوجد مع بعض من لا يفهم ما ينصح به من لغة العرب، عمال أحياناً يأتي ومعه الجوال ويتركه حتى ينتهي ما يطفيه أيضاً، حفاظاً على الصلاة، لا يريد أن يخل بشيء من صلاته، وتنصحه أو ما تنصحه ما يفهم من لغة العرب شيء، فهذه مشكلة، لكن الله المستعان.
يوجد آلات مضادة لهذه الجوالات، واستعملت في بعض المساجد، ونجحت في كف مثل هذا الأذى، لكنها قالوا: إنها مؤثرة على مرضى القلب، فمنعت من بعض الجهات، لكن يبقى لماذا الإنسان يضطر إخوانه المصلين والمسلمين إلى مثل هذه الأفعال؟ ومثل هذه التصرفات؟ وحضرت أنا في مسجد وحصل منه هذه النغمة في التشهد، وحصل الإنكار اللازم، يعني شارك في الإنكار جميع الجماعة بدون استثناء، بدءاً من الإمام إلى آخر واحد، كلهم أنكروا، ومع الأسف الشديد يوجد مثل هذا في بعض المساجد، ولا تجد أحد يتكلم ولا أحد ينكر، لا شك أن هذا منكر يجب تغييره على أي حال، إن أمكن تغييره باليد هو الأصل، وإلا باللسان أقل الأحوال اللسان، ما في أحد يمنع الإنكار باللسان الآن.
يقول -رحمه الله تعالى- بعد ذلك: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني" عائذ الله بن عبد الله، عالم الشام بعد أبي الدرداء، من الحفاظ العباد المعروفين، يلتبس بأبي مسلم الخولاني، اسمه عبد الله بن ثُوب "عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر)) ".
هذا يقول: يلاحظ أن بعض المساجد تطرح وتناقش مع القريبين من الطلبة، ثم يسقط شيء من الكلام، وأحياناً تطرح أقوال ولا يبن الراجح؟(8/3)
إن شاء الله يراعى هذا، يراعى هذا -إن شاء الله-.
يقول هنا: ما حكم امرأة مات زوجها ولم تفعل شيئاً مما أمر الله به من الحداد، وبعد فترة تزوجت من آخر، فماذا عليها؟
هي تأثم بتركها الإحداد على زوجها، فإذا مضت المدة أربعة أشهر وعشرة أيام، أو وضع الحمل إن كانت حامل، ثم تزوجت زواجها صحيح، ولو لم تحد، المقصود أن المدة لا بد أن تمضي مدة العدة.
طالب: إذا ما مضت؟
إذا ما مضت فالزواج باطل، لا بد من إعادة العقد بعد تمام المدة.
يقول: أنا رجل ابتليت بالوسواس في الطهارة، وقد اشتد علي الأمر جداً، وأنا خائف من ألا يقبل عملي وصلاتي، فنرجو الدعاء بالعافية؟
الله يعافيه، الله يشفيه.
يقول: أنا مسلم وبلدي في حرب، هل يجوز أن أسافر إلى بلد الكفار؟
تجاهد؟ إذا كانت الحروب بين مسلمين وكفار، إما إذا كانت مسلمين وحال فتنة، ولم يترجح إليك أحد الطرفين، فعليك أن تعتزل، وحينئذٍ إن أمكنك أن تعتزل في بلدك فهو أولى، وإن لم تستطع الاعتزال في بلدك، وترتب على بقائك في بلدك إقحامك في هذه الحرب، التي لا تعرف المصيب من المخطأ، فعليك أن تخرج ولو لبلد كفار، إذا لم تستطع الخروج إلى غيرها؛ لأن الخروج رغم ما فيه من مفسدة أسهل من المساهمة في إراقة دم مسلم، والله المستعان.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم وفق شيخنا لما تحب وترضى.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: إعادة الجنب الصلاة وغسله إذا صلى ولم يذكر وغسله ثوبه
عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أن عطاء بن يسار أخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر في صلاة من الصلوات، ثم أشار إليهم بيده: أن امكثوا، فذهب ثم رجع وعلى جلده أثر الماء.
عن مالك عن هشام بن عروة عن زبيد بن الصلت أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- إلى الجرف، فنظر فإذا هو قد احتلم، وصلى ولم يغتسل، فقال: والله ما أراني إلا احتملت، وما شعرت، وصليت وما اغتسلت، قال: فاغتسل، وغسل ما رأى في ثوبه، ونضح ما لم يره، وأذن أو أقام، ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكناً.(8/4)
عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- غدا إلى أرضه بالجرف، فوجد في ثوبه احتلاماً، فقال: لقد ابتليت بالاحتلام منذ وليت أمر الناس، فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه من الاحتلام، ثم صلى بعد أن طلعت الشمس.
عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- صلى بالناس الصبح، ثم غدا إلى أرضه بالجرف، فوجد في ثوبه احتلاماً، فقال: إن لما أصبنا الودك لانت العروق، فاغتسل، وغسل الاحتلام من ثوبه، وعاد في صلاته.
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أنه اعتمر مع عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- في ركب فيهم عمرو بن العاص، وأن عمر بن الخطاب عرس ببعض الطريق، قريباً من بعض المياه، فاحتلم عمر، وقد كاد أن يصبح، فلم يجد مع الركب ماءاً، فركب حتى جاء الماء، فجعل يغسل ما رأى من ذلك الاحتلام، حتى أسفر، فقال له عمرو بن العاص: أصحبت ومعنا ثياب، فدع ثوبك يغسل، فقال عمر بن الخطاب: واعجباً لك يا عمرو بن العاص لئن كنت تجد ثيابنا فكل الناس يجد ثياباً، والله لو فعلتها لكانت سنة، بل أغسل ما رأيت، وأنضح ما لم أره.
قال مالك -رحمه الله- في رجل وجد في ثوبه أثر احتلام، ولا يدري متى كان؟ ولا يذكر شيئاً رأي في منامه، قال: ليغتسل من أحدث نوم نامه، فإن كان صلى بعد ذلك النوم فليعد ما كان صلى بعد ذلك النوم، من أجل أن الرجل ربما أحتلم ولا يرى شيئاً، ويرى ولا يحتلم، فإذا وجد في ثوبه ماءاً فعليه الغسل، وذلك أن عمر أعاد ما كان صلى لآخر نوم نامه، ولم يعد ما كان قبله.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: إعادة الجنب الصلاة(8/5)
يعني إذا صلى قبل أن يغتسل "وغسله إذا صلى ولم يذكر وغسله ثوبه" إذا صلى ولم يذكر يقول الشراح: من الذُكر بضم الذال، وإن كان المتبادر أنه من الذِكر بكسرها، من الذِكر أو من الذُكر؟ الذُكر التذكر، والذِكر معروف باللسان، والتذكر بالعقل والقلب، مقتضى قوله: ولم يذكر من الذكر، يعني إذا كان ناسياً، فعليه أن يعيد الصلاة، وعليه أن يغتسل إذا كان ناسياً، وعليه أن يغسل ثوبه، ومقتضى الكسر الذِكر أنه يعيد ولو ذكر، ولو صلى كونه يعيد إذا نسي مع قوله -جل وعلا-: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا} [(286) سورة البقرة] وقال: قد فعلت، الناسي يعيد، لماذا؟ لأن القاعدة المقررة عند أهل العلم أن النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، لكنه لا ينزل المعدوم منزلة الموجود {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا} [(286) سورة البقرة] يعني لا ترتب الإثم على ما حصل منا حال النسيان، أما ما نسي فعله أو فعل على غير الوجه المشروع نسياناً فلا بد من إعادته، النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم.
شخص صلى خمس ركعات ناسياً صلاته صحيحة؛ لأن النسيان نزل الركعة الخامس منزلة المعدوم، لكن لو صلى في رباعية ثلاثاً؟ لا بد من الإعادة لماذا؟ لأن النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود.
وغسله ثوبه، أي غسل ما يراه فيه من الماء، من أثر الاحتلام، ونضح ما شك فيه، والغسل إن كان الأثر مني فهو طاهر على سبيل الاستحباب، وإن كان مذي وما أشبهه فهو نجس، ينضح على ما تقدم.
"حدثني يحيى عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم القرشي أن عطاء بن يسار مولى ميمونة أم المؤمنين أخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" مرسل، هذا تابعي يحكي قصة لم يشهدها، فهو مرسل، والخبر موصول في الصحيحين وغيرهما، فهو صحيح لا إشكال فيه.(8/6)
"أخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ترون الإمام مالك يكثر من ذكر المراسيل؛ لأنها لا فرق بينها وبين الموصلات عنده، فالكل حجة "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر في صلاة من الصلوات" هي صلاة الصبح، كما في رواية أبي داود وابن حبان عن أبي بكرة، ثم أشار إليهم بيده: أن امكثوا، في الصحيحين: أشار إليهم مكانكم، أي: الزموا مكانكم، وهم قيام بعد إقامة الصلاة "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر" هنا كبر، وفي الصحيحين أنه لم يكبر، بل انتظروا تكبيره فأشار إليهم وانصرف، أشار إليهم وانصرف، فدل على أنه لم يبكر، وهنا قال: كبر في صلاة من الصلوات، ثم أشار بيده: أن امكثوا، "فذهب" يعني فاغتسل "ثم رجع وعلى جلده أثر الماء" وفي الصحيحين: ثم رجع فاغتسل، ثم رجع إلينا ورأسه يقطر، فكبر، الذي في الصحيحين يدل على أنه لم يكبر، لم يشرع في الصلاة، وما هنا "فكبر في صلاة من الصلوات" وهي الصبح "ثم أشار إليهم: أن اثبتوا" يعني بعد تكبيره، اثبتوا، وهم قيام في صلاة، فذهب ثم اغتسل ورجع، وأتم فهيم صلاتهم، ولم يستخلف، ولم يستأنف على هذا، لكن الذي في الصحيحين أنه لم يبكر وحينئذٍ لا إشكال.
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
ما دام معارض بما هو أصح منه، مما في الصحيحين لا، لكن فكبر محمول على أنه أراد أن يكبر؛ لأن الفعل الماضي يطلق ويراد به الإرادة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هي قصة واحدة، قصة واحدة، نعم.
الحديث فيه فوائد كثيرة، أطال العلماء في شرحه، فيه جواز النسيان على الأنبياء، في أمر العبادة للتشريع، الرسول -عليه الصلاة والسلام- ينسى، وسها في صلاته من أجل التشريع، لكن هل الذي يسهو في صلاته أفضل أو الذي لا يسهو؟ أيهما أكمل؟ نعم؟ يعني نفترض المسألة في إمام راتب يسهو في الشهر مرتين، ثلاث، وآخر في السنة مرة أو مرتين، أيهما أفضل؟(8/7)
ما في شك أن الذي لا يسهو دليل على أنه مهتم لصلاته، ومحضر قبله فيها، وهذا عليه الأكثر، وبعضهم يقول: إن الذي يسهو في صلاته مستغرق فيها، غافلٌ عن صورتها فهو أفضل وأكمل عن صورتها، يعني همه المعاني، هذا قول عند بعضهم، لكن الأكثر على أن الذي يحضر قبله في صلاته في شكلها وصورتها ومضمونها أفضل من الذي يستغرق في شيء، ويترك الشيء الآخر، هو مطالب بالعدد، كما أنه مطالب بروحها ولبها.
مما ذكره أهل العلم من فوائد هذا الحديث: الطهارة الماء المستعمل، من أين؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم رأسه يقطر، ولولا أنه طاهر نشفه قبل أن يدخل المسجد.
جواز الفصل بين الإقامة والصلاة، في الصحيح أن الصلاة أقيمت ثم ذهب واغتسل ورجع وهم قيام، ولم تعد الإقامة، فالفصل بين الأذان والصلاة جائز، فلا تلزم إعادتها، وقال مالك: إذا بعدت الإقامة عن الإحرام تعاد.
يقول النووي: ما في الحديث محمول على قرب الزمان، فإن طال فلا بد من إعادة الإقامة، يعني أقيمت الصلاة ثم ذهب وخلال خمس دقائق رجع زمن قريب، لكن ذهب إلى بيته وجد الماء مقطوع، ما في ماء، ثم ذهب يبحث عن الماء، أو الماء بارد، ثم ذهب يسخن الماء، وطال الوقت على رأيهم تعاد الإقامة.
فيه أيضاً أنه لا يجب التيمم للخروج من المسجد، لا يجب التيمم لخروج الجنب من المسجد، خلافاً للثوري وإسحاق، نعم المسألة مفترضة في شخص جالس في مسجد ثم احتلم، نام في المسجد واحتلم، يقولون: ما يخرج من المسجد، يستطرق المسجد إلا بطهارة {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} [(43) سورة النساء] لخروجه من المسجد يتيمم ليكون عبوره المسجد على طهارة ولو ناقصة، هنا الرسول -عليه الصلاة والسلام- تذكر أنه عليه غسل ولم يتيمم، ففيه رد على من يقول بذلك كالثوري وإسحاق.
يقولون: في الحديث أيضاً تخصيص للنهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان، ومعلوم أن مثل هذا عذر، عذر، بل يلزمه أن يخرج.
يقول: "حدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن الزبير بن الصلت الكندي أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب إلى الجرف" الجرف بضم الجيم والراء، قال الرافعي: على ثلاثة أميال من المدينة، من جانب الشام، وقال المجد: بسكون الراء، من المجد هذا؟(8/8)
طالب:. . . . . . . . .
احتمال، احتمال ثاني؟ صاحب القاموس احتمال أيضاً، لكن الذي يغلب على الظن أنه مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير، قال: "خرجت مع عمر بن الخطاب إلى الجرف فنظر في ثوبه فإذا هو قد احتلم" فإما أن يكون مع عدم شعوره بالاحتلام أثناء النوم، أو يكون شعر بذلك ثم نسيه "فلما رأى الثوب تذكر" "فنظر في ثوبه فإذا هو قد احتلم، وصلى ولم يغتسل" صلى ولم يغتسل بعد النظر وإلا قبله؟ صلى ولم يغتسل، ثم نظر، صلى ولم يغتسل؛ لأنه لم ير ذلك الأثر قبل الصلاة، فلما نظر في ثوبه، ورأى أنه قد احتلم، قال: "والله أنه ما أُراني إلا احتلمت، وما شعرت" أي علمت "وصليت، وما اغتسلت" قال: فاغتسل، ورأى ما رأى في ثوبه، من أثر الاحتلام "فاغتسل وغسل ما رأي في ثوبه من أثر الاحتلام، ونضح ما لم ير" يعني الشيء المؤكد غسله، والمشكوك فيه نضحه، يعني رش عليه الماء "وأذن أو أقام" شك، شك هل حصل الأذان أو الإقامة؟ "ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكناً" متمكناً حال، أين صاحب الحال؟ صلى عمر متمكناً أو ارتفاع الضحى متمكناً؟ وهل التمكن للارتفاع أو للضحى؟ نعم يا الإخوان؟ الآن عندنا ثلاث احتمالات لصحاب الحال: الاحتمال الأول: أنه عمر متمكناً متيقناً من طهارته، وبراءة ذمته في هذه الصلاة.
الثاني: الارتفاع، المتمكن أو الضحى متمكن، إذا قلنا: الضحى، الضحى إعرابها إيش؟ مضاف إليه، مضاف إليه، يجوز أن يأتي الحال من المضاف إليه؟ نعم؟ يجوز وإلا ما يجوز؟ نعم يا الإخوان؟ يا الله الذي يجيب الصور الثلاث التي يجوز فيها يأخذ أشرطه، يجوز في ثلاث صور، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
قضينا، ذلحين أنا اسأل سؤال، هل يجوز إتيان الحال من المضاف إليه وإلا ما يجوز؟
طالب:. . . . . . . . .
يجوز في ثلاث صور، الذي يذكرها يأخذ الألبوم هذا؟ وين الألفية يا إخوان؟ نعم؟ أين الألفية؟ أين العربية؟ هاه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
ولا تجز حالاً من المضاف له ... إلا إذا اقتضى المضاف عمله
الذي يذكر الأخر.
أو كان جزء ما له أضيفا ... أو مثل جزئه فلا تحيفا(8/9)
لكن الثلث والثلث كثير، جاب صورة وهو يستحق، وهنا يقتضى المضاف عمله في المضاف إليه، ارتفع الضحى يقتضي، على كل حال الاحتمال قائم أن التمكن للارتفاع الذي هو المضاف والمضاف إليه، كما أنه يحتمل أن يكون أيضاً لعمر -رضي الله عنه وأرضاه-.
طالب:. . . . . . . . .
هنا؟ هنا ويش فيه وجه المعارضة؟ هنا؟
طالب:. . . . . . . . .
لا الذي في الصحيح أنه ما كبر أصلاً، وعمر صلى صلاة كاملة، ثم أعاد، حديث أبي هريرة الذي في الصحيحين انتظروا تكبيره فلم يكبر.
طالب:. . . . . . . . .
أيه معروف عند أبي داود وابن حبان كبر، لكن يحمل قوله كبر على أنه أراد التكبير وانتهى الإشكال؛ لأنه يطلق الفعل الماضي كما ذكرنا مراراً على إرادة الفعل {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] أردتم القيام، {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [(98) سورة النحل] إذا أردت القراءة، كما أنه يرد الفعل الماضي ويراد به الشروع، ويرد ويراد به الفراغ من الشيء.
"وحدثني عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن سليمان بن يسار" أخي عطاء الذي تقدم، وكلهم من موالي ميمونة أربعة إخوة، وكلهم ثقات، لكن عطاء أكثرهم، أحفظهم للحديث، وسليمان أفقههم، سلميان هذا أحد الفقهاء السبعة.
"عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب غدا إلى أرضه بالجرف" يعني ذهب إلى أرضه في أول النهار "فوجد في ثوبه احتلاماً، فقال: لقد ابتليت بالاحتلام منذ وليت أمر الناس" في هذا أن الولايات لا تمنع الإنسان من مزاولة أمور دنياه التي لا تعوقه عن مراعاة مصالح الناس، المصالح التي أنيطت به، فإذا كانت أعماله الخاصة تحول دونه، تحول بينه وبين القيام بأمر العامة لا يجوز له أن ينشغل بها، وحينئذٍ يفرض له من بيت المال ما يكفي، فلا يكون بحاجة إلى مزاولة عمل تجاري، لكن إذا كان عمله الخاص لا يعارض ما أنيط به يجوز له ذلك.
أبو بكر -رضي الله عنه- لما تولى صار يجمع بين الخلافة والتجارة، فرأى أن ذلك يشغله عن أمر الناس فرض له من بيت المال ما يكفيه، فتفرغ لأمر المسلمين.(8/10)
يقول: "لقد ابتليت باحتلام منذ أن وليت أمر الناس" يقول ابن عبد البر: ذلك -والله أعلم- لاشتغاله بأمرهم ليلاً ونهاراً عن النساء، فكثر عليه الاحتلام، وقال الباجي: يحتمل ذلك، ويحتمل أن ذلك كان وقت لابتلائه به لمعنى من المعاني، ووقته بما ذكر من الولاية، يعني لا ارتباط للولاية، لكن هذا الأمر إنما يحصل في هذا الوقت، لا بسبب الولاية، لكن الولاية مشغلة، صار ينشغل بأمور الناس ليل نهار، وهذا له أثر على البدن، متعب للبدن، ومعروف أن التعب سبب من أسباب الاحتلام، تعب البدن لا شك أنه مرخٍ للأعصاب، وحينئذٍ يبتلى بالاحتلام، تجدون أكثر ما يحتلم الإنسان إذا جاء من سفر مثلاً مرهق، أو مرض ثقل بدنه.
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب صلى بالناس الصبح" هناك في الرواية الأولى ما في تصريح بأنه كان إمام، وهنا: "صلى بالناس الصبح ثم غدا إلى أرضه بالجرف، فوجد في ثوبه احتلاماً" أي أثر احتلام "فقال: إنا لما أصبنا الودك لانت العروق، فاغتسل وغسل الاحتلام من ثوبه، وعاد لصلاته" لبطلانها، هو إمام صلى بالناس، لكن هل أمر الناس أن يعيدوا الصلاة لارتباط صلاة المأموم بأمامه؟
الحنابلة تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه، يعني إذا بطلت في أثنائها، لكن إذا صلى الصلاة كاملة وهم على غير علم هو لا يعلم أنه على غير طهارة، وهم لا يعلمون صلاتهم صحيحة، ولذا عمر -رضي الله عنه- لم يأمرهم بالإعادة، وعاد لصلاته لبطلانها، وفي إعادته وحده دون من صلى خلفه دليل على أنه لا إعادة على من صلى خلف جنب، أو محدث إذا لم يعلم بذلك.
"لما أصبنا الودك لانت العروق" الودك معروف أنه الدسم، دسم الشحم "لما أصبنا الودك لانت العروق" لما لانت العروق نشأ عن ذلك الاحتلام، هل هذا له ارتباط بالولاية؟ نعم؟ يعني قبل الولاية ما يأكل دسم؟ ثم بعد أن تولى توسع في المعيشة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني قبل الولاية ما يأكل ودك وبعدها صار يأكل الودك فلانت العروق؟ توسع يعني؟ نعم؟(8/11)
"إنا لما أصبنا الودك لانت العروق" تعرفون أنه في وقته توسعت البلاد، كثرت الفتوحات، كثرت الغنائم، وحصلت توسعة على الناس، كانوا لا يصيبون من الودك شيء؛ لقلة ذات اليد، ثم توسع الناس، فصار يصيب من الودك غيره كواحد من المسلمين، نعم المقصود أنه في عصره -رضي الله عنه وأرضاه- بالفتوحات وكثرة الغنائم توسع الناس يعني اختلف الوضع عن عهده -عليه الصلاة والسلام-، وعهد أبي بكر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
فيكرمهم ويطعم معهم، نعم يكرم الوفود ويطعم معهم، هذا قيل، لكن الناس كلهم توسعت عليهم الدنيا في عصره؛ لكثرة الفتوحات وكثرة الغنائم، فصاروا يصيبون مثل هذا، لا شك أن كثرة الأكل، يعني إذا أكل الإنسان كثيراً ثم نام سوف يحتلم الحلم العام أو الخاص، يرى ما يراه النائم إما مجرداً أو مع فعل بالاحتلام الذي هو الجماع، رؤية الجماع، والأكل له مدخل في هذا، كما قال: لما أصبنا الودك لانت العروق، ثم بعد ذلك اغتسل وغسل الاحتلام من ثوبه، وعاد لصلاته، ولم يأمر من صلى خلفه بالإعادة.
يقول: "وحثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب" بن أبي بلتعة "أنه اعتمر مع عمر" "عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أنه اعتمر مع عمر" نعم؟ يحتمل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
عروة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، تعرف حاطب بن أبي بلتعة، صحابي، فهل يمكن أن يدرك حفيده عمر؟
على كل حال أهل العلم يقولون: هذا مما وهم فيه مالك؛ لأن أصحاب هشام قالوا: عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه، فسقط لمالك قوله: عن أبيه.
"عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب -عن أبيه هذا الصواب- أنه اعتمر مع عمر بن الخطاب في ركب" يعني مع ركب "فيهم عمرو بن العاص" والأصل في العاص منقوص، اقترنت به (أل) الأصل أنه بالياء العاصي، مثل القاضي والوالي والهادي، لكن لكثرة الاستعمال تحذف الياء، وإلا فالأصل أنه بالياء.(8/12)
"وأن عمر بن الخطاب عرس ببعض الطريق" التعريس نزول آخر الليل للاستراحة "عرس ببعض الطريق قريباً من بعض المياه" رفقاً بالركب "فاحتلم عمر -رضي الله عنه-" قد كاد أن يصبح "فلم يجد مع الركب ماء يغتسل به" ويرفع به حدثه، ويغسل ثوبه "فركب حتى جاء الماء الذي عرس بقربه، فجعل يغسل ما رأى من ذلك الاحتلام حتى أسفر" يعني دخل في الإسفار "فقال له عمرو بن العاص أصبحت" دخلت في الصباح وهو الإسفار الذي سبق "أصبحت ومعنا ثياب، فدع ثوبك يغسل" يعني على مهل، ولا تؤخر الصلاة من أجل ثوبك؛ لندرك أول الوقت، يعني خذ ثوب من أي واحد "معنا ثياب، فدع ثوبك يغسل" يعني كاملاً، والبس ثوباً من ثيابنا "فقال عمر -رضي الله عنه-: واعجباً لك يا عمرو بنَ" يا عمرو بنَ، عمر منادى مفرد مبني على الضم، في محل نصب، وابن تابع لعمر، يعني لمحله لا للفظه؛ لأن الأصل في المنادى أنه منصوب، لكنه يبنى إذا كان مفرداً.
"يا عمرو بن العاص، لئن كنت تجد ثياباً أفكل الناس تجد ثياباً، ثم قال: والله لو فعلتها لكانت سنة" لو فعلتها رميت هذا الثوب، واستعرت ثوباًَ آخر، أو لبست ثوباً من ثيابي، غير هذا الذي احتلمت فيه، لكانت سنة، لماذا؟ تكون طريقة تتبع؛ لأن عمر -رضي الله عنه- أمرت الأمة باتباع سنته، فكان كل من يحتلم يرمي هذا الثوب، ويلبس غيره، سواء كان له أو بالإعارة، فلا شك أن هذا يشق على الناس، الذي لا يجد إلا ثوب واحد، وعمر استعار يروح يطرق على الجيران يبحث عن ثوب ثاني؛ لأن عمر استعار، وأنت مأمور بإتباع سنة عمر ((عليكم بسنتي وسنت الخلاف الراشدين المهديين من بعدي)) ((اقتدوا بالذين من بعدي)) وهو أحدهم وهذا سوف يشق على الناس "لكانت سنة، بل أغسل ما رأيت، وأنضح ما لم أر" أي أرشه دفعاً للوسوسة، واكتفاءً بالنضح فيما يشك فيه.(8/13)
"قال مالك -رحمه الله- في رجل وجد في ثوبه أثر احتلام، ولا يدري متى كان، ولا يذكر شيئاً" رأي في منامه ما يذكر شيء، لكنه تأكد أن هذا من أثر احتلام الذي في الثوب، هو ما يذكر متى صار؟ الآن الأثر ألا يدل على وجود المؤثر؟ الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، دل على أنه محتلم، إذا وجد هذا الأثر ولا يدري هذا الأثر من نوم الليلة القريبة، أو التي قبلها، ما يدري، أو من القائلة، يقول: ليغتسل، هذه اللام لام الأمر، من أحدث نوم نامه، يعني من أقرب وآخر نوم؛ لأنه هو المتيقن، وما عداه مشكوك فيه، فإن كان صلى بعد ذلك النوم، يعني إذا وجد الماء لزم الغسل، هذا بالنسبة للنائم، أما لو كان وجود الماء في حال اليقظة، وهنا محمول على النوم، لماذا؟ لأنه هو الذي لا يحس به، قد يوجد الأثر من غير إحساس، النائم قد يجد في ثيابه بللاً ولا يشعر بذلك؛ لأنه نائم، قد يشعر، وقد يحصل له ذلك مع شعوره ثم ينساه، لكن في اليقظة يحصل له ذلك ولا يشعر به؟ نعم؟ ما يحصل إلا من مرض لا من احتلام، ولذا يفرقون بين المتيقظ والنائم، إذا وجد أثر البلل في ثيابه، خرج منه وهو في اليقظة يغتسل وإلا ما يغتسل؟ ما يغتسل؛ لأنهم يشترطون في المتيقظ الدفق واللذة، أما في النائم فلا يشترط له ذلك، لاحتمال أن يكون حصل له ثم نسيه، أما في اليقظة فلا بد أن توجد اللذة.(8/14)
قال: "ليغتسل من أحدث نوم نامه، فإن كان صلى بعد ذلك النوم الأخير، فليعد ما كان صلى بعد ذلك النوم" افترض أنه وجد البلل بعد صلاة المغرب، وجد الأثر بعد صلاة المغرب، وأحدث نوم نامه بعد صلاة الظهر، نقول: يعيد صلاة العصر والمغرب، لو افترضنا أنه ما نام بعد الليل، يعيد الصبح والظهر والعصر والمغرب، وهكذا "من أجل أن الرجل ربما احتلم" أي رأى أنه يجامع "ولا يرى شيئاً" أي لا يرى ماءً، وحينئذٍ يلزمه الغسل وإلا ما يلزمه؟ لا يلزمه الغسل، يرى أنه يجامع لكن ما خرج شيء، وسيأتي في حديث عائشة وأم سلمة: ((نعم إذا رأت الماء)) في قصة أم سليم، ((نعم إذا رأت الماء)) قريب عندنا الآن، فعلق الغسل برؤية الماء "ربما احتلم" يعني رأى أنه يجامع ولا يرى شيئاً، لا يرى أثراً، وحينئذٍ لا غسل عليه، ويرى الماء ولا يحتلم، أي لا يرى أنه يجامع، لكن يجد الأثر، وحينئذٍ يلزمه الغسل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- علق الاغتسال برؤية الماء "فإذا وجد في ثوبه ماء فعليه الغسل وجوباً، وذلك أن عمر أعاد ما كان صلى" وذلك أن عمر -رضي الله عنه- أعاد ما كان صلى "لآخر نوم نامه، ولم يعد ما كان قبله" نعم.
هل يختلف الأمر فيما إذا لم يكن له إلا ثوب واحد أو عنده ثياب كثيرة؟ يلبس هذا، ويخلع هذا؟ يختلف وإلا ما يختلف؟ يقول: لا فرق بين أن يكون لا ينام إلا في ذلك الثوب الذي رأي فيه الماء، أو كان ينام فيه بعض الأوقات؛ لأن الذي ينام فيه تيقن أن ما صلى بعد آخر نومة على حدث، وشك فيما قبل، والشك لا أثر له، وكذلك حال ما نام فيه مرة، وفي غيره أخرى، قاله الباجي.(8/15)
المقصود أنه ينظر إلى النوم ولا ينظر إلى الثوب، يعني هو هذا الشخص عنده عشرة ثياب، المسألة واضحة وإلا ما هي بواضحة؟ فيها غموض وإلا خفاء؟ نعم؟ يعني عارف أن هذا الثوب خلعه لصلاة الجمعة، ولبس غيره، نعم، لما أراد غسله في يوم الاثنين مثلاً رأى فيه أثر، ماذا نقول؟ نعم؟ هو خلعه لصلاة الجمعة، ولبس غيره أنظف منه، ما غسله مباشرة، ما غسله في يوم الجمعة ليرى أثر فيه مباشرة، انتظر في غسله ثلاثة أيام إلى يوم الاثنين، فرأى الأثر، أخر نومة قبل خلعه، نعم، ليلة الجمعة هذه أخر نومة، إذاً يصلي صلوات الجمعة والسبت والأحد والاثنين، اغتسل غسلاً مسنوناً، ثم رأى هذا الأثر من نوى غسل مسنون أجزأ عن واجب، هذا عند الحنابلة، من رأى غسلاً مسنوناً أجزأ عن واجب، هذا عند الحنابلة، أن يكون عليه جنابة ونسيها، واغتسل للجمعة يكفي وغيرهم يقول: لا، لا يكفي، نعم، لو نوى الواجب أجزأ عن المسنون؛ لأن الأصغر يدخل في الأكبر ولا عكس، والأحوط في مثل هذه الصورة أن يعيد الغسل، ويعيد الصلوات.
طالب:. . . . . . . . .
المسألة مسألة الغسل، خل طهارة غسل الثوب ما غسله، هذه مسألة على سبيل الاستحباب، على كل الحال القول المرجح أن المني طاهر، لا يجب غسله، إنما يغسل كما يغسل غيره من الأشياء المستقذرة كالمخاط، ولذا جاء حكه بالظفر إذا كان يابساً، وإزالته ولو بإذخرة أو بالظفر، وما أشبه ذلك، دل على طهارته، نعم. سم.
أحسن الله إليك.
باب: غسل المرأة إذا رأت في المنام مثلما يرى الرجل
عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن أم سُليم -رضي الله تعالى عنها- قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: المرأة ترى في المنام مثلما يرى الرجل أتغتسل؟ فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم فلتغتسل)) فقالت لها عائشة: أف لك وهل ترى ذلك المرأة؟ فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ترتبت يمينك، ومن أين يكون الشبه؟ )).(8/16)
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: جاءت أم سُليم امرأة أبي طلحة الأنصاري إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال: ((نعم إذا رأت الماء)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: غسل المرأة إذا رأت في المنام مثلما يرى الرجل
يعني رأيت أنها تُجامع، احتلمت، النساء شقائق الرجال، ويلزمهن من الأحكام ما يلزم الرجال، في الأمور المشتركة، إلا ما خصت به المرأة وخص به الرحل.
"حدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن أم سُليم قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذا موجود في رواة الموطأ، كذا لراوة الموطأ، ولابن أبي أويس عن أم سُليم، ويرد في هذا ما يقال من الفرق بين (عن) و (أن) وما يذكر عن الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة من التفريق بينهما، وأن (عن) تقتضي الاتصال دون (أن) وذكرنا سابقاً ما ذكره ابن الصلاح من خبر ابن الحنفية عن عمار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مر به، وما ذكره عن ابن الحنفية أن عماراً مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: الأول متصل، والثاني منقطع، والسبب اختلاف الصيغة، لكن ليس الأمر كذلك، ولذا قال الحافظ العراقي:
. . . . . . . . . ... كذا له ولم يصوب صوبه(8/17)
يعني ما أصاب السبب الحقيقي للتفريق بينهما عند الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة، وهنا عندنا "عن عروة بن الزبير عن أم سُليم أنها قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذا متصل، لكن عن عروة بن الزبير أن أم سُليم قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-، هذا منقطع، والسبب أنه في روايته عنها يروي عن صاحبة الشأن نفس القصة، وقد أدركها، إذاً الخبر متصل، وفي الراوية التي معنا: "أن أم سُليم قالت" عروة يحكي قصة لم يشهدها، فهي منقطعة، عروة يحكي قصة لم يشهدها فهي منقطعة، ورواه بعضهم عن عروة عن عائشة أن أم سُليم، وحينئذٍ يكون الخبر متصلاً أم سُليم بنت ملحان، والدة أنس بن مالك، واسمها سهلة، أو رميثة، وهي الرميصاء "قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: المرأة ترى في المنام مثلما يرى الرجل" ترى أنها تُجامع كما أن الرجل يرى أن يجامِع "أتغتسل؟ فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم فلتغتسل)) " يعني إذا رأت الماء، كما في الراوية اللاحقة، هنا إطلاق، وذاك تقييد، والمطلق يحمل على المقيد، يعني إذا رأت الماء كما في الراوية المفسرة كما سيأتي "فقالت لها عائشة: أُف لك" وفي رواية مسلم: "فضحتي النساء، تربت يمينك" "أُف لك" التأفف والتأفيف إنما يكون في حال الأمر المكروه المستقبح المستقذر، تستعمل في الاستحقار والاستقذار، وضبطت على وجوه كثيرة، الكلمة مركبة من حرفين، كم يتصور في ضبطها من وجه؟ هاه؟ زيدوا زيدوا يا الإخوان، كم يتصور؟ يعني حرفين، وجوه الضبط في هذه الكلمة، كلمة تخرج من بين الشفتين، وقد لا يسمع معها صوت.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، ضاعف زد، أكثر أكثر، أربعين وجهاً في حرفين، أربعين وجه، من أرادها يراجع: "البحر المحيط" لأبي حيان.(8/18)
"فقالت لها عائشة: أف لك" وفي رواية مسلم: "فضحتي النساء، تربت يمينك" يعني هذا شيء جبل الناس على الاستحياء منه، الرجال فضلاً عن النساء "وهل ترى ذلك المرأة؟ " الآن إنكار عائشة بعد جواب النبي -عليه الصلاة والسلام- أو قبله؟ انظروا في النص "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم فلتغتسل)) " فقالت، العطف بالفاء "فقالت لها عائشة: أف لك، وهل ترى ذلك المرأة؟! " نعم الآن العطف بالفاء، ويش يقتضي؟ نعم؟ الترتيب، التعقيب، بعد ما سألت، وأجابها النبي -عليه الصلاة والسلام-، قالت لها عائشة: أُف لك، وهل ترى ذلك المرأة؟!
يقول الحافظ أبو زرعة ابن حافظ العراقي -رحمهما الله-: أنكرت عليها بعد جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- لها؛ لأنه لا يلزم من ذكر حكم الشيء تحقق وقوعه، فالفقهاء يذكرون الصور الممكنة؛ ليعرفوا حكمها، وإن لم تقع، بل قد يصورون المستحيل لتشحيذ الأذهان، يعني هي سألت النبي -عليه الصلاة والسلام- فأجابها بالحكم وعائشة -رضي الله عنها- أنكرت عليها، يعني مقتضى إنكار عائشة أنه يقع أو لا يقع؟ وهل ترى ذلك المرأة؟ نعم؟ أنه لا يقع، ومقتضى جواب النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يقع؛ لأن الشخص الذي يسأل عن شيء لا يقع، نعم، لو قال شخص مثلاً: ما الحكم إذا كسفت الشمس بالليل؟ إيش تقول؟ نعم؟ مباشرة بتقول له إيش؟ هذا أمر ... ، نعم؟ صحيح، لكن لو حصل مثل هذا السؤال مباشرة، المسئول يبي ينكر وقوعه، فلو كان على ما فهمه الحافظ أبو زرعة ابن الحافظ العراقي، وهو إمام في هذا الباب ليس بالشخص العادي، نعم، لا شك الفقهاء يذكرون بعض الأشياء الممكنة، لا يذكرون أشياء، قد يذكرون بعض الأشياء المستحيلة، يعني توفي شخص عن مائة جدة، عن ألف جدة، نعم، هذه مستحيلة عادة؛ لتشحيذ الأذهان مثلاً، وتفتيق الأذهان، يعني كما قال بعضهم أن مسألة الخلاف في حكم تارك الصلاة مسألة نظرية، لا حقيقة لها، مسألة نظرية لا حقيقة لها، هذا بعض علماء المغرب في المائة السابعة قال: أبداً، يعني يذكرها الفقهاء نعم لمجرد تمرين الطلاب على مثل هذا الحكم، وإلا لا يقع مثل هذا أبداً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(8/19)
أنه يحصل؟ وهل ترى ذلك المرأة؟ إنكار هو من هذا الحديث فقط، هو من هذا الحديث هو فهم أن إنكار عائشة أن ذلك لا يقع، إنكار عائشة أن ذلك لا يقع، وأن جواب النبي -عليه الصلاة والسلام- عن هذا الذي لا يقع، إنما هو مجرد بيان للحكم، وإن لم يكن واقع، على كل حال كلام الحافظ ضعيف -رحمه الله-.
"وهل ترى ذلك المرأة؟ فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تربت يمينك)) " وقالت عائشة أيضاً لها: تربت يمينك، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعائشة: ((تربت يمينك)) تربت: افتقرت ولصقت بالتراب، من الفقر، وشاع استعمالها من غير إرادة لحقيقة المعنى ((ومن أين يكون الشبه؟ )) الشَبه والشِبْه والمثل والنظير واحد، من أين يكون الشبه للولد لأبيه وأعمامه أو لامه وأخواله، وجاءت الروايات مفصلة، إن ماء الرجل لونه كذا، غليظ أبيض، وماء المرأة كذا رقيق أصفر، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكر، وإذا علاء ماء المرأة ماء الرجل آنث، المقصود أن الحديث مفصل موضح، نعم.
إنكار عائشة قالوا: فيه دليل على أنه ليس كل النساء يحتلمن، يحصل لهن الاحتلام، فيه دليل على أن الاحتلام لا يحصل لجميع النساء، نعم حصل لأم سُليم، لكن إنكار عائشة دل على أنه لم يحصل لها، هي إنكارها للوقوع أو إنكارها للسؤال؟ وهل ترى ذلك المرأة؟ الوقوع، اسمع كلام أهل العلم، يقول: وفيه دليل على أنه ليس كل النساء يحتلمن، قاله ابن عبد البر، وإلا لما أنكرت عائشة وأم سلمة ذلك.
يقول السيوطي: وقد يكون عدمه بالنسبة لعائشة وأم سلمة من خصوصيات نساء النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يحتلم؛ لأن الاحتلام من تلاعب الشيطان، وكذلك نساؤه لا يحتلمن إكراماً له -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .(8/20)
عن كلام لعائشة هنا، يقول: وقد يكون عدمه من خصوصيات نساء النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما أنه -عليه الصلاة والسلام- لا يحتلم؛ لأنه من تلاعب الشيطان، لكن من المعلوم أن الخصائص لا تثبت إلا بدليل، وإلا فالأمور الخلقية الجبلية يشترك فيها الناس كلهم، وكونه -عليه الصلاة والسلام- لا يحتلم لدليل خاص، الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يحتلم بلا شك، الرسول لا يحتلم، لكن من جماع، من جماع، من جنابة، جنابة جماع، نسي هذا.
طالب:. . . . . . . . .
للتشريع، يقول: ((إني لا أنسى، ولكن أنسى لأسن وأشرع)) نعم.
يقول: "حدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة" عبد الله بن عبد الأسد المخزومي "عن أم سلمة أمها زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: جاءت أم سُليم" بنت ملحان امرأة أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري "إلى سول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق" لا يستحيي من الحق يعني لا يمتنع منه، بل يصدر منه الحق، وفيه إثبات الحياء لله –عز وجل- على ما يليق بجلاله وعظمته كما هو المقرر عند أهل السنة والجماعة، ولا يستحي بياءين هي لغة الحجازيين، وبياء واحدة هي لغة تميم.
"هل على المرأة من غسل" من زائدة "من غسل إذا هي احتلمت" إذا هي احتلمت يعني رأت في النوم أنها تُجامع، قال: ((نعم إذا رأت الماء)) يذكر عن ابن سيرين: "أنه لا يحتلم ورع إلا مع أهله" لماذا؟ لأن الاحتلام نتيجة فكر، والورع لا يفكر إلا بأهله.
"قال: ((نعم إذا رأت الماء)) " في البخاري بعد ذلك: "وغطت أم سلمة وجهها، وقالت: يا رسول الله وهل تحتلم المرأة؟ أيضاً هذا استفهام إنكاري، قال: ((نعم تربت يمينك، فبما يشبهها ولدها)).
((نعم إذا رأت الماء)) وهذا يدل على تحقق وقوع ذلك، وجعل رؤية الماء شرطاً للغسل، ففيه دليل على أنها إذا لم تر الماء لا غسل عليها، وفيه رد على من زعم أن ماء المرأة لا يبرز.(8/21)
الحديث خرجه البخاري ومسلم، وفيه استفتاء المرأة بنفسها فيما يخصها، لا مانع منه، لكن مع لزوم الأدب، وعدم التصريح إلا بما يقتضيه السؤال والحاجة، فإذا أمكنت التكنية عن شيء لا يلزم التصريح به، فهي أولى من التصريح، وهذا هو المناسب لحياء المسلم رجل كان أو امرأة، الحديث خرجه الإمام البخاري في كتاب العلم، في باب الحياء في العلم، وأردف الترجمة بقول مجاهد: "لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر" وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "نعم نساء الأنصار" أو "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين" نعم النساء نساء الأنصار، وأم سُليم واحدة منهن، فالسؤال لا شك أنه شفاء العي، وكون الإنسان يستحي أن يسأل، يستحي أن يناقش، يستحي أن يستفهم هذا لا يتعلم، وكذلك إذا تكبر واستكبر على السؤال لئلا يظن به أنه كيف يخفى عليه مثل هذا السؤال؟ مثل هذا في الغالب أنه لا يفلح في طلب العلم، والله المستعان، نعم.
أحسن الله إليك
باب: جامع غسل الجنابة
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: "لا بأس أن يغتسل بفضل المرأة ما لم تكن حائضاً أو جنباً".
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يعرق في الثوب وهو جنب ثم يصلي فيه.
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يغسل جواريه رجليه، ويعطينه الخمرة وهن حيض.
وسئل مالك عن رجل له نسوة وجواري، هل يطأهن جميعاً قبل أن يغتسل؟ فقال: لا بأس أن يصيب الرجل جارتين قبل أن يغتسل، فأما النساء الحرائر فيكره أن يصيب الرجل المرأة الحرة في يوم الأخرى، فأما أن يصيب الجارية ثم يصيب الأخر وهو جنب فلا بأس بذلك.
وسئل مالك عن رجل جنب ووضع له ماء يغتسل به فسها، فأدخل أصبعه فيه ليعرف حر الماء من برده، قال مالك: إن لم يكن أصاب إصبعه أذى فلا أرى ذلك ينجس عليه الماء.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع غسل الجنابة
"حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: "لا بأس أن يغتسل بفضل المرأة" يعني يغتسل الرجل بفضل المرأة، تغتسل المرأة بفضل المرأة، لا بأس بذلك "ما لم تكن حائضاً أو جنباً" فيكره هذا عند من؟ ابن عمر -رضي الله عنهما-.(8/22)
وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى الجواز بلا كراهة، ولو كانت حائضاً أو جنباً، وأنه لا أثر لاغتسالها منه، ولا لخلوتها به على الماء، وأنه يبقى طهور يرفع الحدث للرجل وللمرأة على حد سواء، إلا الحنابلة فعندهم أن الماء إذا خلت به المرأة لطهارة كاملة من حدث فإنه لا يرفع حدث الرجل؛ لحديث النهي عن أن تغتسل المرأة بفضل الرجل، والرجل بفضل المرأة، لكن المرجح في هذه المسألة هو قول الجمهور؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت أنه كان يغتسل مع أزواجه، وثبت أنه اغتسل بفضل بعض نسائه -عليه الصلاة والسلام-، والحنابلة الذين يقولون: إن الرجل لا يغتسل أو لا يرفع حدثه الماء الذي خلت به المرأة لطهارة كاملة لا يقولون بالعكس، والدليل واحد، الدليل الذي يستدلون به على أن الماء الذي تخلو به المرأة لرفع حدثها لا يرفع حدث الرجل، ما يقولون بالعكس أن المرأة لا تتوضأ ولا تغتسل بالماء الذي خلا به الرجل، مع أن المسألتين سيقتا مساقاً واحداً في نص واحد.
هذا يقوي القول وإلا يضعف القول؟ يضعف القول، هذا يضعف القول، والحيض والجنابة لا أثر لهما على الماء، فلا يكره، وهو قول جمهور العلماء.
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يعرق" يرشح جلده، من باب فرح، عرق يعرق "في الثوب وهو جنب ثم يصلي فيه" لماذا؟ لأن الجنب سؤره وعرقه طاهر باتفاق.
في حديث أبي هريرة أنه لما رآه النبي -عليه الصلاة والسلام- انخنس ثم اغتسل ورجع، فقال النبي .. ، سأله النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: إني كنت جنباً، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((سبحان الله إن المؤمن لا ينجس)) يعني ولو كنت جنباً فالجنب طاهر.
وهنا يقول: قال المعلق على الموطأ في قولها: إن الله لا يستحيي من الحق أي لا يأمر بالحياء، هذا فيه حيد عن إثبات صفة الحياء، هذا ليس بصحيح، فالجنب طاهر وسؤره وعرقه طاهر، وثوبه طاهر، وما باشره من الثياب الداخلية والخارجية كلها طاهرة.(8/23)
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يغسل جواريه رجليه" إعانة المتوضئ لا إشكال فيها، تباح معونته، ويباح أيضاً تنشيف أعضائه، ومن لازم غسل الرجلين اللمس يلمسن رجليه، والمسألة كما قرر سابقاً أن الملموس لا ينتقض وضوؤه ولو وجد منه شهوة "ويعطينه الخمرة" مصلى صغير يصنع من سعف النخل، وسمي بذلك لأنه يكفي الوجه، يخمر الوجه والكفين، يعني ما يباشر الأرض، يخمر ما يباشر الأرض "وهن حيض" يعطينه، يغسلن رجليه، يباشرن غسل الرجلين مع البلل، لا يقال: إن الحائض طاهرة؛ لأنها يابسة فلا تنجس، لا، يغسلن رجليه فيوجد البلل، ومع ذلكم الحائض طاهرة.
"وسئل مالك عن رجل له نسوة وجواري: هل يطأهن جميعاً قبل أن يغتسل؟ فقال: لا بأس" يعني ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يطوف على نسائه بغسل واحد، لا بأس أن يصيب الرجل جاريتيه أو جواريه ثنتين ثلاث عشر أكثر قبل أن يغتسل، لكن قالوا: يستحب أن يغسل فرجه قبل الوطء الثاني، وإذا كان هناك أمور تنتقل من واحدة إلى أخرى بواسطته تعين عليه أن يغسل فرجه، نعم.
إذا كان هناك التهابات، أو شيء من هذا، تعين عليه أن يغسل "قبل أن يغتسل، فأما النساء الحرائر فيكره أن يصيب الرجل المرأة الحرة في يوم الأخرى" المراد بالكراهة هنا كراهة التحريم، كراهة تحريم، يصيب امرأة في نوبة غيرها، لا يجوز له ذلك بحال، فلكل واحدة منهما نوبتها، إلا إذا اصطلحوا على شيء من هذا، فأما كونه -عليه الصلاة والسلام- يطوف على نسائه هذا خاص به، لكن إذا عرف يوم هذه ويوم هذه لا يجوز بحال أن يطأ هذه في يوم هذه.
"فأما أن يصيب الجارية، ثم يصيب الأخرى وهو جنب فلا بأس بذلك" لكن مثلما ذكرنا يستحب له أن يغسل ذكره قبل العود أو يتوضأ.
"وسئل مالك عن رجل جنب وضع له ماء يغتسل به، فسها فأدخل أصبعه في الماء ليعرف حر الماء من برده، قال مالك: إن لم يكون أصاب أصبعه" أو أصبعه في الأصبع لغات التثليث، وأصبوع "فلا أرى ذلك ينجس عليه الماء".(8/24)
تأمل في كلام مالك: "وسئل مالك عن رجل جنب وضع له ماء يغتسل به فوضع أصبعه" يتأكد هل هو حار أو بارد؟ قوله: "فسها" هل له مفهوم؟ أنه إذا كان عن علم وتيقظ أن له أثر على الماء، ينجس الماء؟ إذاً قوله: فسها لا مفهوم له "فسها فأدخل أصبعه فيه ليعرف حر لماء من برده" معناه أنه لو كان ذاكر متيقظ أنه يؤثر فيه "قال مالك: إن لم يكن أصاب أصبعه أذىً" يعني نجاسة "فلا أرى ذلك ينجس عليه الماء، بل هو طهور باتفاق، وإن أصابه أذىً والماء كثير ولم يتغير فكذلك" باتفاق طهور، وإن قل الماء ولم يتغير فكذلك عند مالك.
الماء الذي يضع فيه أصبعه من غير أذى يتأثر وإلا ما يتأثر؟ قلنا: إن بدن الجنب والحائض طاهر فلا أثر له في الماء، هو طهور باتفاق، لكن إن أصاب أصبعه نجاسة قذر فادخلها في الإناء، وهو كثير أكثر من قلتين نعم طهور باتفاق، وإن كان قليلاً أقل من القلتين ولم يتغير طهور عند مالك، خلافاً لغيره من الأئمة، فالأئمة يرون أن ما وقع فيه نجاسة وهو قليل وكل على مذهبه في الحد بين القليل والكثير يتأثر ولو لم يتغير، ورأي مالك هو المرجح في هذه المسألة، ويختاره شيخ الإسلام وغيره.
يقول: ما حكم مس المصحف للمحدث حدثاً أصغر؟
لا يجوز للمحدث أن يمس المصحف من غير حائل، لكن إذا مسه بحائل لا بأس حينئذٍ.
يقول: ما حكم مس الحائض للمصحف بحائل؟
لا بأس، بحائل لا بأس.
وما حكم قراءتها له عن ظهر قلب؟
المشايخ يفتون أنه عند الحاجة لا بأس به، والمرجح عندي أنها لا تقرأ شيئاً من القرآن، لا تقرأ القرآن، نعم ابن دقيق العيد عنده استنباط دقيق، من حديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ القرآن ورأسه في حجر عائشة وهي حائض، يقرأ القرآن، تقول: يقرأ القرآن ورأسه في حجري، وأنا حائض، ويش يستفاد منه؟ نعم؟ يعني لو كانت الحائض تقرأ القرآن هل يشكل على أحد أنه يجوز أن يقرأ غيرها القرآن ورأسه في حجرها؟ استنباط في غاية الدقة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(8/25)
مس المصحف بحائل لا بأس به -إن شاء الله-، تحضر المصحف في كيسه في علاقته، وهذا ترجم به الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، واستنبطه من دليل في غاية الدقة والعمق، أنه لا مانع من أن يُمس المصحف، يمسه المحدث والحائض من وراء حائل، نعم، من الحديث السابق أن القرآن في جوفه -عليه الصلاة والسلام- وهي تمس بدن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهي حائض، فدل على أن مس المصحف من وراء حائل لا بأس به، هذا استنباط فيه شيء من الدقة والبعد.
يقول: إذا كنت معتكفاً في مسجد واحتلمت في المسجد وخرجت من الاعتكاف والسبب أني احتلمت؟
لا، تغتسل وتعود إلى اعتكافك، هذا ما يقطع الاعتكاف، لا، الاحتلام لا يقطع الاعتكاف، كما أنه لايقطع ولا يؤثر على الصوم.
جاء في حديث أنس -رضي الله عنه- في وفاة ابنة الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((من منكم الليلة لم يقارف أو يجامع؟ )) فقال طلحة: أنا، فأمره رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أن ينزل القبر، السؤال هل عدم الجماع في تلك الليلة له أثر في النزول للقبر؟
هذا أمر لا شك أنه الحديث صحيح بلا إشكال، وهو في الصحيح؛ لكن العلة يختلف فيها أهل العلم كثيراً، أن من جامع وقرب عهده بالنساء، لا يزال تذكر النساء على باله، بخلاف من لم يجامع إلا منذ أمد بعيد مثلاً، أو لم يجامع ألبتة، فإن ذكر النساء ليس علي باله فهو أقرب أن ينزل المرأة في قبرها.
سم.
أحسن الله إليك.
هذا باب: في التيمم(8/26)
عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء، أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبالناس وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، قالت عائشة: فجاء أبو بكر ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- واضع رأسه على فخذي، قد نام، فقال: حبستِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء، قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، فقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فخذي، فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله -تبارك وتعالى- آية التيمم {فَتَيَمَّمُواْ} [(43) سورة النساء] فقال أسيد بن حضير: ما هي بأول بركاتكم يا آل أبي بكر، قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته.
وسئل مالك عن رجل تيمم لصلاة حضرت ثم حضرت صلاة أخرى أيتيمم لها أم يكفيه تيممه ذلك؟ فقال: بل يتيمم لكل صلاة؛ لأن عليه أن يبتغي الماء لكل صلاة، فمن ابتغى الماء فلم يجده فإنه يتيمم.
وسئل مالك -رحمه الله تعالى- عن رجل تيمم أيؤم أصحابه وهم على وضوء؟ قال يأمهم غيره أحب إلي، ولو أمهم هو لم أر بذلك بأساً.
قال مالك في رجل تيمم حين لم يجد ماءاً، فقام وكبر ودخل في الصلاة، فطلع عليه إنسان معه ماء، قال: لا يقطع صلاته، بل يتمها بالتيمم، وليتوضأ لما يستقبل من الصلوات.
وقال مالك -رحمه الله تعالى-: من قام إلى الصلاة فلم يجد ماءاً، فعمل بما أمره الله به من التيمم، فقد أطاع الله، وليس الذي وجد الماء بأطهر منه، ولا أتم صلاة؛ لأنهما أمرا جمعياً، فكل عمل بما أمره الله به، وإنما العمل بما أمره الله به من الوضوء لمن وجد الماء والتيمم لمن لم يجد الماء قبل أن يدخل في الصلاة.(8/27)
وقال مالك -رحمه الله تعالى- في الرجل الجنب: إنه يتيمم ويقرأ حزبه من القرآن، ويتنقل ما لم يجد ماء، وإنما ذلك في المكان الذي يجوز له أن يصلي فيه بالتيمم.
يقول -رحمه الله تعالى-:
هذا باب في التيمم
والتيمم في الأصل في اللغة: القصد، وفي الشرع: القصد إلى الصعيد الطيب الطاهر لمسح الوجه والكفين بنية رفع الحدث أو استباحة الصلاة ونحوها.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة عن أبيه القاسم بن محمد" عن عائشة عمته عائشة أم المؤمنين "أنها قالت: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره" قال ابن عبد البر: في غزوة بني المصطلق وهي المريسيع، وفيها وقعت قصة الإفك "حتى إذا كنا بالبيداء" الشرف القريب من ذو الحليفة "أو بذات الجيش" موضع قريب من المدينة "انقطع عقد لي" العٍقد بكسر المهملة ما يعقد ويعلق في العنق، ويسمى قلادة، جاءت في بعض الروايات: قِلادة "فأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على التماسه" أي طلب العقد "وقام الناس معه، وليسوا على ماء" يعني لا يوجد في المكان ماء "وليس معهم ماء" منقول، واستدل به بعضهم على جواز الإقامة في المكان الذي لا ماء فيه، وكذلك سلوك الطريق الذي لا ماء فيه، وهذا معلوم أنه فيما إذا غلب على الظن وجود الماء عند الحاجة إليه، أما إذا غلب على الظن الهلاك سواء كان في الإقامة في المكان الذي لا ماء فيه، أو في سلوك الطريق الذي لا ماء فيه، غلب على الظن الهلاك، فإنه لا يجوز حينئذٍ أن يقيم في ذلك المكان، ولا أن يسلك ذلك الطريق.
وعلى كل حال الحديث ليس فيه التفريط الذي قد يفهمه بعض الناس من الحديث "ليسوا على ماء، وليس معهم ماء" ليس معنى هذا أن الإنسان يقيم في مفازة، أو يسلك طريقاً ولا يحمل معه ماءاً، فيعرض نفسه للخطر؛ لأن هذا المكان قريب جداً من المدينة، الذي أقاموا فيه بحيث لو اشتدت حاجتهم إلى الماء فإحضاره من المدينة قريب.(8/28)
والاحتمال الثاني: أنهم ليسوا على ماء وليس معهم ماء يعني قدر زائد على ما يحتاج إليه في الشرب، يعني ليسوا على ماء للوضوء، وليس معهم ماء يتوضئون به "فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق" يشكون عائشة ابنته عليه، وفيه: شكوى المرأة إلى أبيها، وأن كانت كبيرة ومتزوجة، إذا حصل منها ما يقتضي ذلك الشكوى، لو جاء يشكونها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- والأمر لا يخفى عليه، نعم الرسول -عليه الصلاة والسلام- أقام بطوعه واختياره، نعم، وأقرها على ذلك، فالإقامة تنسب إليه، وإن كانت هي السبب، لكن أبو بكر -رضي الله عنه- كواحد من أفراد الناس الذي يترجح عنده ترك هذا المكان الذي أقيم فيه بسبب العقد، يعني عقد ما يستحق ولا أن يقيم الناس من أجله، هذا في النظر العادي، لكن {لِّيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} [(42) سورة الأنفال] عقد لا يستحق لا يسوى شيء {لِّيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} [(42) سورة الأنفال] هو سبب لما حدث من مشروعية التيمم.(8/29)
"فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبالناس وليسوا على ماء" لو أن المشكي غير عائشة، شخص آخر، لقال أبو بكر كعادته: "الله ورسوله أعلم" نعم يرضى ويسلم باختيار النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن لما كانت ابنته هي السبب لو قال مثل هذا لعده الناس تقصير منه من أجل ابنته، تقصير لو ما أزال هذه الشكوى، أو امتثل هذه الشكوى، وعمل بموجبها "ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبالناس وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، قالت عائشة: فجاء أبو بكر ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- واضع رأسه على فخذي" في هذا دخول الرجل على ابنته وإن كان زوجها عندها، نعم، إذا علم رضاه بذلك، أما إذا علم أن الزوج لايرضى فإنه لا يدخل إلا بإذنه "قد نام، قال: حبست رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر" لم تقل: أبي، ما قالت: عاتبني أبي، فعاتبني أبو بكر، لماذا؟ لأن ما حصل منه ينافي مقتضى الأبوة، الأبوة مقتضاها تقتضي الحنو والعطف والشفقة، وهو سبها بكلام، وبفعل طعنها في خاصرتها، فلم تقل: أبي؛ لأن الأبوة تقتضي الحنو، وما وقع من القول والتأديب بالفعل مغاير لذلك في الظاهر، فلذلك أنزلته منزلة الأجنبي، هذا التماس لكونها عدلت من أبي إلى أبي بكر، وإن كان مثل هذا التأديب هو في ظاهره ينافي الحنو، وينافي الرحمة التي جبل عليها الأب في الظاهر، لكن القسوة على المرحوم لتأديبه في حقيقة الأمر لا تنافي .. ، ولذلك أمرنا بضرب الأبناء على الصلاة، أو الأولاد على الصلاة لعشر، وأمرنا بتأديبهم، كذلك الزوجة {وَاضْرِبُوهُنَّ} [(34) سورة النساء] كذلك المعلم، كل من وكل إليه أمر التأديب له أن يؤدب، وللحاكم والوالي أن يعزر، ويقيم الحدود، وهذا من الرحمة بالناس.
"فقال ما شاء الله أن يقول" في بعض الروايات: قال لها: حبست الناس في قلادة أي بسببها "وجعل يطعن بيده في خاصرتي" يطعُن بضم العين في الحسيات، وبفتحها في المعنويات، لو كان الطعن في النسب مثلاً أو في العلم أو في الرأي قلنا: يطعَن، لكن في المحسوس "يطعُن".(8/30)
وفيه تأديب الرجل ابنته وإن كانت كبيرة ومزوجة "في خاصرتي" هي الشاكلة شاكلة الإنسان، خاصرته، وهي ما .. ، جانبي وسطه، جانبي وسط الإنسان "فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فخذي" وفيه استحباب الصبر والتصبر لمن ناله ما يوجب الحركة، أو يحصل به تشويش على نائم، أو مصلٍ، أو قارئ، أو مشتغل بعلم أو ذكر، يصبر، والآن لأدنى سبب كثير من الناس ما يكترث بمن حوله، بعض الناس وهو نائم يوقظه أدنى حركة، لو أشعلت النور استيقظ، ثم بعد ذلك ما عاد عليه النوم، فتحت الباب استيقظ، مثل هذا ينبغي أن يراعى.
مثله القارئ التالي بعض الناس لأدنى حركة ما يدري ويش يقول؟ مثل هذا يراعى، والآن تجد الإنسان في مسجد والناس يقرؤون أو مشتغلين بعلم يرن الجوال بأعلى صوته نعم نعم، ويسرد من القصص والأخبار ما يشوش به على الناس لأدنى سبب، يا أخي الأمر يتم بدون ذلك، انتقل إلى مكان آخر، أو اخفض صوتك بما يحقق المصلحة ولا يترتب عليه مفسدة.
"إلا مكان رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فخذي، فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أصبح" يعني دخل في الصباح "على غير ماء" ومتعلق الجار والمجرور على غير ماء، إما أصبح أو نام، نام على غير ماء، أو أصبح إلى غير ماء، فأنزل الله -تبارك وتعالى- ... ، نام حتى أصبح.
يقول أهل العلم: في مثل هذا النص ترك أو الرخصة بترك التهجد لا سيما في حال السفر ومع التعب، يترك التهجد إذا كان في حال التعب؛ لأن الإنسان يكتب له ما كان يعمله مقيماً، ولا يعني ترك التهجد ترك الوتر؛ لأن الوتر لم يحفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه تركه في سفر ولا حضر.(8/31)
"فأنزل الله -تبارك وتعالى- آية التيمم {فَتَيَمَّمُواْ} [(43) سورة النساء] " الآن {فَتَيَمَّمُواْ} حكاية للآية أو حكاية لما حصل؟ هل الخبر عنهم أنهم تيمموا؟ أو حكاية لبعض الآية والشاهد منها؟ {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(43) سورة النساء] نعم الاحتمال قائم، في قوله تعالى في ثلاثة مواضع: في النحل، وفي الروم: {فَتَمَتَّعُوا} [(34) سورة الروم - (55) سورة النحل)] وفي آخر العنكبوت: {وَلِيَتَمَتَّعُوا} [(66) سورة العنكبوت] هل هذا خبر وإلا تهديد؟ أمر تهديد؟ وقد يتضمن الخبر التهديد.
نعود إلى ما نحن فيه: "فأنزل الله -تبارك وتعالى- آية التيمم {فَتَيَمَّمُواْ} [(43) سورة النساء] " يحتمل أن يكن خبر، وأن يكون حكاية لبعض النص "فقال أسيد بن حضير ... "
"فأنزل الله -تبارك وتعالى- آية التيمم" آية التيمم في النساء وفي المائدة، المراد منهما أيُ الآيتين؟
طالب: المائدة.
أو النساء؟ قال ابن العربي: هذه ما وجدت لدائها من داء؛ لأنا لا نعلم أي الآيتين عنت عائشة، آية النساء أو آية المائدة؟ تريد آية النساء وإلا آية المائدة؟ أولاً: آية النساء ليس فيها إلا التيمم، وآية المائدة فيها الوضوء والتيمم، فتخصيصها بالتيمم يرجح كون المراد .. ، يعني آية النساء ليس فيها وضوء، ليس فيها إلا التيمم، وفي آية المائدة وضوء وتيمم.
قال القرطبي: هي آية النساء؛ لأن آية المائدة تسمى آية الوضوء، وآية النساء لا ذكر للوضوء فيها، فيتجه تخصيصها بآية التيمم، لكن جاء في رواية عمرو بن الحارث ما يصرح بالمراد، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] دل على أن المراد آية المائدة، هنا يقول: "فقال أسيد بن حضير" وهو من كبار الأنصار "ما هي بأول بركتكم" بل هي مسبوقة ببركات "يا آل أبي بكر، قال: فبعثنا" أي أثرنا "البعير الذي كنت عليه" حال السفر "فوجدنا العقد تحته" ظاهر، فوجدنا العقد تحته، ظاهر في أن الذين توجهوا لطلبه لم يجدوه؛ لأنه وجد تحت البعير، فالظاهر أن الذين بعث أناس يبحثون عنه، لكن الظاهر أنهم لم يجدوه، نعم.(8/32)
وفي البخاري: فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً فوجدها، تعني القلادة، مرة وجد تحت البعير لما أثير، ومرة بعث رجلاً فوجدها، وهذا يرجح أن القصة حصلت مرتين، أولاهما في غزوة بني المصطلق، والأخرى مختلف فيها، حتى قيل: إنها في عام الفتح.
"سئل مالك عن رجل تيمم لصلاة حضرت، ثم حضرت صلاة أخرى أيتيمم لها أم يكفيه تيممه ذلك؟ فقال: بل يتيمم لكل صلاة؛ لأن عليه أن يبتغي الماء لكل صلاة، فمن ابتغى الماء فلم يجده فإنه يتيمم" هذا يدل على أن الإمام مالك يرى أن التيمم مبيح لا رافع، الإمام مالك يرى أن التيمم على قوله هذا مبيح وليس برافع للحدث؛ لأنه يلزمه أن يتيمم لكل صلاة، فهل التيمم مبيح وإلا رافع؟ أو نتم كلامه بعدين يتبين لنا شيء؟ نتم الكلام، ونعود إلى المسألة.
" سئل مالك عن رجل تيمم أيؤم أصحابه وهم على وضوء؟ " يعني إمامة المتيمم بالمتوضئين؟ "فقال: يأمهم غيره أحب إلي" لأن طهارة الماء الأصلية أكمل من طهارة البدلية، الفرع "ولو أمهم هو لم أر بذلك بأساً " لأن الصلاة أبيحت له، ومن صحت صلاته صحت إمامته.
"قال يحيى: قال مالك في رجل ماءاً، فقام وكبر" شرع في الصلاة، ودخل في الصلاة "فطلع عليه إنسان معه ماء، فقال: لا يقطع صلاته" يعني: اتقى الله ما استطاع، تيمم وشرع في الصلاة بعد أن اتقى الله ما استطاع ولا يلزمه أن يجمع بين البدل والمبدل، فطلع عليه إنسان معه ماء، قال: لا يقطع صلاته، بل يتمها بالتيمم، وليتوضأ لما يستقبله من الصلوات، وغيره يقول: يقطع صلاته؛ لأن طهارته طهارة حاجة، وارتفعت الحاجة، ويلغزون بهذا يقولون: نهق حمار فبطلت الصلاة، نهق حمار فبطلت الصلاة الحمار الذي يحمل الماء.(8/33)
"قال يحيى: قال مالك: من قام إلى الصلاة فلم يجد ماء فعمل بما أمره الله به من التيمم فقد أطاع الله، وليس الذي وجد الماء بأطهر منه" وهناك قال: يؤمهم غيره أحب إلي "ليس غيره بأطهر منه، ولا أتم صلاته؛ لأنهما أمرا جميعاً، فكلٌ عمل بما أمر الله به" واتقى الله حسب استطاعته {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [(16) سورة التغابن] "وإنما العمل بما أمر الله به من الوضوء لمن وجد الماء، والتيمم لمن لم يجد الماء، قبل أن يدخل في الصلاة" يعني فإذا دخل في الصلاة عليه أن يتمها، ولا يجوز له أن يبطلها؛ لأنه عمل بما أمر به، وقد نهي عن إبطال العمل.
"وقال مالك في الرجل الجنب أنه يتيمم، ويقرأ حزبه من القرآن" إذا كان اعتاد نصيب معين من القرآن، إذا كان يقرأ القرآن في سبع يقرأ السبع في هذه الليلة، وإن كان متيمماً "ويتنفل ما شاء، ما لم يجد ماءاً، وإنما ذلك في المكان الذي يجوز له أن يصلي فيه بالتيمم" يعني إذا جاز له أن يصلي والصلاة أعظم جاز له أن يقرأ.
طيب امرأة ما وجدت ماء وطهرت من الحيض وتيممت وصلت هل يقربها زوجها أو لا يقربها؟ يقول ابن عباس: الصلاة أعظم، إذاًَ يقربها وإلا ما يقربها؟ يقربها، بعض أهل العلم يقول: يقتصر على الواجب في التيمم، ما وجد ماء لا يقرأ إلا بقدر الواجب، لا سيما إذا كان حدثه يمنعه من القراءة، بأن كان حدث أكبر.
نأتي إلى التيمم هل هو مبيح وإلا رافع؟ مقتضى قول مالك أنه مبيح، ولذا قال: يتيمم لكل صلاة، وليس برافع، وهو المعروف عند الحنابلة، قال غيرهم: رافع، شيخ الإسلام وغيره يقول: رافع، إيش معنى رافع؟ لأنه بدل عن الطاهرة الكاملة عن الوضوء، طهارة الماء والوضوء يرفع، والبدل له حكم المبدل، وهل رفعه رفع مطلق أو رفع مؤقت؟ بمعنى أنه جلس عشرة أيام في مكان ليس فيه ماء، تيمم مرة واحدة، ودخل عليه وقت صلاة الظهر صلى، صلاة العصر صلى، المغرب صلى، ما لم ينتقض تيممه، بناقض من نواقض الوضوء.(8/34)
نام في الليل وأجنب وقام وتيمم، وصلى اليوم الثاني والثالث والرابع .. إلى آخره، في اليوم العاشر وجد الماء، ويش نقول؟ نعم، الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله، وليمسه بشرته.
مقتضى كون التيمم رافع رفعاً مطلقاً أنه يمسه بشرته لما يستقبل من أحداث، هذا أجنب، ويتيمم عشرة أيام بعد الجنابة، ثم وجد الماء، نقول له: اغتسل وإلا خلاص الجنابة ارتفعت بالتيمم؟ يعني على الخلاف الرفع هو مطلق ما يغتسل خلاص الجنابة لا أثر لها، وإذا قلنا: رفع مؤقت حتى يجد الماء قلنا: عليه أن يغتسل.
نعود إلى الحديث "فليتق الله وليسمه بشرته" "فليتق الله وليسمه بشرته" لما مضى من أحداث أو لما يستقبل؟ يعني إذا قلنا: "فليتق الله وليمسه بشرته" لما يستقبل من الأحداث، وقلنا: إن التيمم رافع كالماء صار الحديث فيه فائدة وإلا ما فيه فائدة؟ ما فيه فائدة، يكون الحديث مؤكد لنصوص الطهارة.
وإذا قلنا: فليتق الله وليمسه بشرته عن الجنابة الماضية صار مؤسس لحكم جديد، وعندهم عند عامة أهل العلم أن الخبر إذا دار بين التأسيس والتأكيد فالتأسيس أولى من التأكيد، وعلى هذا يتقي الله ويمسه بشرته عن الجنابة التي مضت -إن شاء الله-.
يعني لو قلنا: رفع مطلق يا إخوان، لو قلنا: رفع مطلق ما يغتسل، ومثله لو صلى الظهر بالتيمم، ثم حضر صلاة العصر وهو على تيممه وعنده ماء، هل يقول أحد: بأنه لا يتوضأ؟ مع أنه إذا قلنا: رفع مطلق خلاص ماعليه حدث، مقتضاه أنه لا يتوضأ العصر خلاص حدثه مرتفع، لكنه رفع مؤقت حتى يجد الماء، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(8/35)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب الطهارة (10)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
هذا اقتراح من بعض الإخوان فيه أمور، يطلب فيه أن يكلف بعض الإخوان ببحث بعض المسائل، يقول: لإفادة الجميع، وتنشيط الناحية التعليمية، وأن يكلف بعض من يطيق بشرح باب ما من أبواب الموطأ، يعني من باب التمرين، وتعويد الطالب على الشرح.
هذه طريقة طيبة لو كان الدرس مستمر، لكن درس لمدة شهر ما أظن يتسنى فيه مثل هذه الأمور.
يقول: يلفت النظر هنا إلى أن الأصل إلى ألا ينظر طالب العلم للوقت عند تحصيله العلم، بمعنى أنه لا يستعجل في طلب العلم، فلا يكن همك يا طالب العلم أن تنهي الموطأ في شهر، وأنت لم تحصل منه شيئاً، فالعبرة بالتحصيل.
يقول: كثيراً ما سمعنا من بعض الإخوان عدم السؤال أثناء الشرح، وهذا فيه مخالفات واضحة، منها رد أصل من أصول التعليم حثت عليه الشريعة في الكتاب والسنة {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [(43) سورة النحل] يقول: منافاة جبلة في الإنسان إذ لا يتسنى للطالب الفهم إلا إذا سأل عما أشكل عليه.
يقول: إخراج الدرس عن حقيقته إذ نحن في درس علم وليس إلقاء، نحن نتذاكر العلم، ولا نسمع من شريط.
على كل حال اقتراحات طيبة لو كانت المدة كافية، لا شك أن إنهاء الكتب فيه تنشيط للطلاب من جهة، وفيه أيضا المرور على أبواب الدين كلها، يلاحظ في الدروس في الأزمنة المتأخرة أنها تنقطع، تقرأ الأبواب الأولى في سنوات، ثم يمل الشيخ والطالب من الكتاب، أو ينتهي الطلاب القدامى من الرياض، وينتقلون إلى بلدانهم، أو غيرها من البلدان، تبعاً لوظائفهم، ثم يأتي دفعات جديدة من الطلاب، ويطلبون البدء من جديد، أو بكتاب آخر، لا شك أن إكمال الكتب مطلب منشط، وفيه أيضاً المرور على أبواب الدين كلها، كم شرح كتاب الطهارة وأوائل الصلاة من الزاد والبلوغ والعمدة وغيرها، لكن كم شرح كتاب كتب الجنايات والقضاء والحدود وغيرها، هذا يندر الوصول إليها.(9/1)
في البخاري مثلاً تنقطع الأعناق على طريقتنا في الأزمان المتأخرة، ونحن ما وصلنا إلى المعاملات، فضلاً عن الأبواب الأخرى من أبواب الدين المهجورة، مثل الدعوات، والرقاق، والفتن، والأحكام، والتعبير، والاعتصام، وغيرها من الكتب المتأخرة في الجوامع.
يقول: الكلام .... -وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته- المشهور عن إسحاق بن راهويه قوله: أخبرنا في سند الحديث، وهناك عشرة مواضع في مسلم قال فيها: حدثنا، هل هذا خطأ في نسختي أم ماذا؟
نعم المعروف عن إسحاق أنه لا يكاد يحدث إلا بأخبرنا، ومر علينا في مواضع، ونبهنا عليها في درس مسلم، في أول كتاب الصلاة، قال: حدثنا، فهذا يرد على من أطلق أنه لا يحدث إلا بأخبرنا، مع أنه لو جمعت النسخ ونظر فيها وما فيها من اختلاف بين حدثنا وأخبرنا؛ لأن بعض الناس من الناسخين أو الطابعين يجري على الجادة، كما فعل في سنن النسائي، يقول الإمام: أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه، وأنا أسمع، أخبرنا هذه لا توجد في نسخ النسائي، لكن الطابع على الجادة مشى، كل الأحاديث أخبرنا، إذاً هذا أخبرنا.
طريقة النسائي -رحمه الله- أنه يقول: الحارث بن مسكين بدون صيغة أداء، الحارث بن مسكين فيما قرئ عليه وأنا أسمع، والسبب معروف، ما يحكم عليها بالخطأ إلا إذا تأكدنا أن جميع النسخ الأصلية المقروءة على الأئمة، المقابلة على الأصول أثبتت خلاف ما في المطبوع، وحينئذٍ نحكم على المطبوع بأنه خطأ، وإلا إن أثبتت النسخ الأصلية أنه على الصواب حدثنا، هذا يورد على من يطلق أن إسحاق لا يقول: إلا أخبرنا.
هذا يقترح لو تغلق أجهزة الجوال أثناء الدرس لأنها مشغلة.
هذا كلام صحيح.
يقول: إذا كنت مسافراً، ثم دخلت مع جماعة يصلون صلاة رباعية، وكان الإمام في الركعة الثالثة، هل لي أن أسلم معه لكوني مسافراً، فأكون قصرت الصلاة؟
عامة أهل العلم يقولون: إن إتم بمقيم لزمه الإتمام، ولا يعرف مثل هذا إلا عن الشعبي، هو الذي يرى أنه يصلي ما عليه، ويترك ما زاد على المطلوب.
يقول: بعض الناس يتوضؤن، وعندما يصلون إلى غسل اليدين لا يدخلون الكفين في الغسل، فهل يجزئ الوضوء؟(9/2)
لا الوضوء ليس بصحيح؛ لأن غسل الكفين قبل غسل الوجه هذا سنة، واليد من أطراف الأصابع المطلوب غسلها بعد الوجه، وقبل مسح الرأس اليد من أطراف الأصابع إلى المرفقين.
هذا يقول: من صلى وعلى ثيابه مني، وهو يعلم ذلك، لكنه يابس تماماً؟
صلاته صحيحة؛ لأنه طاهر على القول الراجح.
يقول هذا: حديث سلمة في الصحيحين أنهم يصلون الجمعة، ثم ينصرفون وليس للجدال ظل؟
الجمهور يقولون: ليس له ظل كافي، يستظل به الماشي، دليل على أنهم يصلونها في أول وقتها، واستدل به من يقول بجواز صلاة الجمعة قبل الزوال.
النهي عن صيام يوم السبت؟
معروف، حديثه حسن، لكن المقصود به التطوع مع الإفراد، والقضاء لا يدخل في هذا، وكذا من اعتاد صيام داود يصوم يوم ويفطر يوم؛ لأنه لم يقصد هذا اليوم على وجه الخصوص بعينه في بالصيام.
يقول: امرأة صائمة صوم قضاء لرمضان وجامعها زوجها فيما دون الفرج، وهو ليس بصائم، فما الحكم عليها؟
إن لم تنزل فلا شيء عليها، لكنها لا ينبغي أن تطاوع زوجها، وتختار مثل هذا العمل إلا إن أكرهها فلا بأس، وصيامها صحيح.
يقول: هل تصح الصلاة إذا إنسان نضح فرجه وتوضأ، ولكن نسي النية؟
النية شرط لصحة الوضوء، وشرط لصحة الصلاة، فلا بد منها.
ما حكم من يحج وعليه دين؟
الأصل أن يستأذن من صاحب الدين، أو يبادر بإبراء ذمته، والمدين لا يجب عليه الحج؛ لأنه غير قادر.
وهل تصح حجته مع أنه قد أنهى فرضه؟
نعم حجه صحيح؛ لأن الجهة منفكة.
الدم الكثير أو القليل ناقض للوضوء، يقول الشيخ بن سعدي -رحمه الله- في كتاب (منهاج السالكين) ذكر أنه ناقض، وفي المختارات الجلية ذكر أنه لا ينقض؟
منهاج السالكين على طريقة المتون، والمتون تسلك فيها الجادة، والجمهور من أهل العلم أنه ينقض، لكن كتابه (المختارات الجلية) هذا اختيارات له، فإذا ألف الإنسان على طريقة معينة، أو على مذهب معين يلتزم بما في هذا المذهب، وإذا سئل أفتى بما ترجح عنده، والاختيارات من هذا القبيل، ومثلها نقض الوضوء بتغسيل الميت، أنه يجب الوضوء في كتاب المختارات لا يجب، مثل ما قلنا.
يقول: ما حكم قول: الإصرار على الصغائر يجعلها كبائر؟(9/3)
هذا قول معتبر عند أهل العلم، والإصرار على المعصية لا شك أن سببه الاستخفاف بها، والاستخفاف إذا قارن المعصية عظمت، نسأل الله العافية.
هل من المنهج في طلب الحق أن تؤخذ أقوال من يشارك في المسائل التي تطرح أم لا يؤخذ منهم لجهالتهم، ومعلوم عند أهل الحديث أن الجهالة في حالات.
على كل حال لا يعتد بقول المجاهيل، ولا ممن لا يعرف بعلم ولا عمل، ولو نمق الكلام، وشقق الكلام، ورتب الكلام، كما هو حال كثير ممن يضلون الناس في هذه القنوات، نسأل الله العافية، فالعلم دين العلم، فانظر عمن تأخذ دينك، والفتوى توقيع عن الله -عز وجل-، فليحذر الذين يفتون بغير علم أن يكونوا ممن عنوا بقوله -جل وعلا-: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر] من أعظم الكذب على الله –عز وجل- القول عليه بلا علم {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل] نسأل الله العافية، فعلى طالب الحق أن يأخذ العلم من أهله الذين عرفوا به تحصيلاً وعملاً وورعاً، كما قال الناظم:
وليس في فتواه مفتٍ متبع ... ما لم يضف للعلم والدين الورع
لأن بعض الناس يصير عنده علم، لكن ليس عنده ورع، يقحم نفسه في كل شيء، خشية أن يقال: جاهل، والجهل خير من القول على الله بلا علم بلا شك، والله المستعان.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء.
قال الإمام يحيى -رحمه الله تعالى-:
باب: العمل في التيمم
عن مالك عن نافع أنه أقبل هو وعبد الله بن عمر من الجرف حتى إذا كان بالمربد نزل عبد الله فتيمم صعيداً طيباً، فمسح ووجهه ويديه إلى المرفقين، ثم صلى.
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتيمم إلى المرفقين.
وسئل مالك كيف التيمم؟ وأين يبلغ به؟ فقال: يضرب ضربة للوجه، وضربة لليدين، ويمسحهما إلى المفرقين.(9/4)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: العمل في التيمم
يعني كيف يعمل من أراد أن يتيمم؟ فإذا قصد الصعيد الطيب ماذا يصنع؟
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع أنه أقبل هو وعبد الله بن عمر" يعني مولاه عبد الله بن عمر "من الجرف" بضم الجيم والراء موضع على ثلاثة أميال من المدينة، قد تقدم "حتى إذا كان بالمربد" المربد كمنبر على ميل أو ميلين من المدينة، وفي طريقهم "نزل عبد الله فتيمم صعيداً طيباً" قصد الصعيد الطيب "فمسح –به- وجهه، ويديه إلى المرفقين، ثم صلى" حفظاً للوقت، وإلا فالمدينة على ميل واحد أو ميلين يصلها في الوقت، فتيمم حفظاً للوقت، مع إمكانه أن يصلي الصلاة في وقتها بالطهارة كاملة التي هي الوضوء.
قال بعضهم: كان ابن عمر على وضوء سابق، ولا يمكن أن يتيمم مع حصول الماء في وقت الصلاة؛ لأنه روي أنه كان -رضي الله عنه وأرضاه- يتوضأ لكل صلاة، هو على وضوء وأراد تجديد الوضوء، فلم يجد ماءاً فقصد الصعيد فتيمم، جرياً على قاعدته، ومشياً على جادته، في أنه يتوضأ لكل صلاة، وهذا التماس وتوجيه لصنيع ابن عمر؛ لأنه يربأ به أن يصلي بالتيمم مع إمكان الصلاة بالوضوء في الوقت، فجعل التيمم عوضاً عن الوضوء، يعني تجديد الوضوء لا أصل الوضوء الرافع للحدث، إذ لا حدث عليه على هذا القول.
وقال الباجي: يؤخذ من الحديث جواز التيمم في الحضر؛ لأن المربد في حكم الحضر، ميل أو ميلين، في حكم الحضر، وإلى جوازه ذهب الجمهور.
التيمم في الحضر، يعني مع عدم وجود الماء، وقال أبو يوسف وزفر: لا يجوز التيمم في الحضر بحال، ولو خرج الوقت، طيب {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} [(43) سورة النساء] هذا يشمل الحضر والسفر، لكن لو قرأنا الآية من أولها، نعم؟
طالب: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [(43) سورة النساء](9/5)
{وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [(43) سورة النساء] فالآية فيها التقييد بالسفر، فالسفر سبب للتيمم، وعلى قول الجمهور أنه سببٌ أغلبي، بمعنى أنه يغلب فقدان الماء في السفر لا في الحضر، وليكن هذا الحكم مما شرع لعلة وارتفعت العلة، وبقي الحكم.
مثال ذلك القصر، القصر شرعيته الأولى من أجل الخوف، نعم من أجل الخوف، ثم ارتفع الخوف، ثم صار صدقة تصدق الله بها، مثاله الرمل في الطواف، الرمل في الطواف إنما شرع مراغمة للكفار الذين قالوا: يأتي محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، فرمل النبي -عليه الصلاة والسلام- ليراغمهم بذلك، الآن ما يوجد كفار يقولون هذا الكلام، يشرع الرمل وإلا ما يشرع؟ يشرع، شرع لعلة ارتفعت العلة وبقي الحكم.
على كل حال عامة أهل العلم على جوازه حضراً وسفراً.
طالب:. . . . . . . . .
يعني ولو وجد ماء؟ ولو وجد ماء يتيمم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} [(43) سورة النساء]
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا بد من فقدان الماء، وفي الآيتين التنصيص على فقدان الماء، وهي طهارة بدل، والأصل لا يعدل عنه إلا مع فقده، لا يعدل البدل مع وجود الأصل.
"فنزل عبد الله وتيمم صعيداً طيباً، فمسح وجهه ويديه إلى المرفقين، ثم صلى" يديه إلى المرفقين، وفي الذي يليه: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتيمم إلى المرفقين" قالوا: ليجمع بين الفرض والسنة؛ لأن الفرض الكف إلى الكوع، وإلى المرفقين سنة عند بعض أهل العلم، أو أن مذهبه أن الفرض في التيمم إلى المرفقين كالوضوء.
"وسئل مالك كيف التيمم؟ وأين يبلغ به؟ قال: يضرب ضربة للوجه وضربة لليدين، ويمسحهما إلى المرفقين" تحصيلاً للسنة عند مالك، ولو مسحه من الكوع صح.(9/6)
الآن عندنا الآية آية الوضوء اليد فيها مقيدة بإيش؟ إلى المرفقين، وآية التيمم اليد مطلقة، فمقتضى ما ذكر من صنيع ابن عمر، وما أشار إليه الإمام مالك، وهو المعروف عند الشافعية أن المسح إلى المرفقين حملاً للمطلق على المقيد، وقد جاء في راوية عند أبي داود لكنه خبر ليس بالقوي، معارض بحديث عمار في الصحيحين، وفيه قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما يكفيك هكذا)) فضرب بكفه الأرض، ونفخ، وضرب بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ولو حسنه وهو معارض بما في الصحيحين ما يكفي، معارض بما في الصحيحين، حمل المطلق على المقيد في مثل هذه الصورة متجه وإلا غير متجه؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
للاختلاف في إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الحكم مختلف، وإن كان السبب واحداً، السبب واحد، هنا اتفق السبب واختلف الحكم، فالحكم مختلف، والمعول عليه في حمل المطلق على المقيد هو الحكم، فإذا اختلفا في الحكم لم يحمل المطلق على المقيد، ولو اتحد السبب.
السبب هو الحدث، والحكم هذا غسل وهذا مسح، وإن اختلفا في الحكم والسبب لم يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، كاليد في آية الوضوء مقيدة، وفي آية السرقة مطلقة، السبب والحكم مختلفان ولا يحمل المطلق على المقيد في مثل هذه الصورة، بخلاف ما لو اتحدا في الحكم والسبب، فإنه يحمل المطلق على المقيد، وبعضهم يحكي الإجماع على ذلك، كالدم {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] هذا مطلق وقيد في آية أخرى {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام].(9/7)
في أربع صور: إما أن يتحدا في الحكم والسبب، أو يختلفا في الحكم والسبب، أو يتحدا في الحكم دون السبب كالرقبة في كفارة الظهار وفي كفارة القتل، ففي كفارة الظاهر مطلقة، وفي كفارة القتل مقيدة، الحكم واحد وهو وجوب العتق، والسبب مختلف، هذا سببه الظهار، وهذا سببه القتل، فيحمل المطلق على المقيد في هذه الصورة، والذي معنا لا يحمل فيه المطلق على المقيد للاختلاف في الحكم.
عرفنا أن الراجح في هذه المسألة، قال: يضرب ضربة للوجه وضربة لليدين، وفي حديث عمار ضربة واحدة، قال له: إنما يكفيك هكذا، فضرب بكفيه الأرض، يعني ضربة واحدة، ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجه وكفيه، فعلى هذا القول المرجح في التيمم أنه ضربة واحدة للوجه والكفين، نعم.
أحسن الله إليك
باب: تيمم الجنب
عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة أن رجلاً سأل سيعد بن المسيب عن الرجل الجنب يتيمم ثم يدرك الماء؟ فقال سعيد: إذا أدرك الماء فعليه الغسل لما يستقبل.
قال مالك: فيمن احتلم وهو في سفر ولا يقدر من الماء إلا على قدر الوضوء، وهو لا يعطش حتى يأتي الماء؟ قال: يغسل بذلك فرجه، وما أصابه من ذلك الأذى ثم يتيمم صعيداً طيباً كما أمره الله.
وسئل مالك عن رجل جنب أراد أن يتيمم فلم يجد تراباً إلا تراب سبخة، هل يتيمم بالسباخ وهل تكره الصلاة في السباخ؟ قال مالك: لا بأس بالصلاة في السباخ والتيمم منها؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(43) سورة النساء] وكل ما كان صعيداً فهو يتيمم به سباخاً كان أو غير سباخاً كان أو غيره.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: تيمم الجنب
"حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة أن رجلاً سأل سعيد بن المسيب عن الرجل الجنب يتيمم ثم يدرك الماء" يعني بعد أن تيمم، وارتفع حدثه بالتيمم "فقال سعيد: إذا أدرك الماء فعليه الغسل لما يستقبل" يعني لما يستقبل من إيش؟ من الأحداث أو من الصلوات؟
طالب:. . . . . . . . .(9/8)
"فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته" لما مضى؟ كلام سعيد لا يدل عليه، إلا إذا قلنا: إنه يغتسل فعليه الغسل لما يستقبل من الصلوات، ولو لم يجنب مرة ثانية، وإذا حملنا كلامه فعليه الغسل لما يستقبل من الأحداث قلنا: إنه جار على أن التيمم رافع رافعاً مطلقاً، فإذا كان رأيه أن التيمم يرفع الحدث رفعاً مطلقاً، قلنا: يغتسل لما يستقبل من الأحداث، أما الحدث الذي سبق ارتفع، وإذا قلنا: إن التيمم رافع رفع مؤقت، قلنا: يتقى الله وليمسه بشرته عن الجنابة السابقة، ولو حمل على أنه لما يستقبل من الأحداث لأخلينا النص من فائدته؛ لأنه حينئذٍ يكون مؤكداً لجميع ما جاء من أحاديث الطهارة.
طالب:. . . . . . . . . .
هو الصلاة ما فيها إعادة، لكن هل يغتسل إذا وجد الماء للجنابة السابقة أولا يغتسل؟ هذا الكلام، أما الصلاة ما فيها إعادة.
"قال مالك فيمن احتلم وهو في سفر ولا يقدر من الماء إلا على قدر الوضوء وهو لا يعطش حتى يأتي الماء" يعني لا يحتاجه لما هو أهم من الوضوء من الشرب، قال: يغسل بذلك الماء فرجه، وما أصابه من الأذى، ثم يتيمم صعيداً طيباً طاهراً، كما أمره الله، إذ ليس معه ما يكفيه لغسله، يستعمل هذا الماء الذي معه، فيما يكفيه، فإذا انتهى صدق عليه حينئذٍ أنه لم يجد ماءاً، فيتيمم، وهذه القاعدة معروفة عند أهل العلم أن من قدر على بعض العبادة وعجز عن بعضها لزمه أن يأتي بما قدر عليه، يأتي بما يقدر عليه، وأما ما لا يقدر عليه لا يأتي به.
وهنا عنده ما يكفي لبعض الأعضاء عليه حدث أصغر، وعنده ماء يسير يكفيه لغسل وجهه ويديه، لكنه لا يكفيه للمسح وغسل الرجلين، نقول: استعمله فيما تقدر به على استعماله، وتيمم عن الباقي، ومثله لو كان عليه جنابة، اغسل بذلك فرجك؛ لأن الشيء المحسوس رفعه أهم من الشيء المعنوي غير المحسوس، عندك قذر حاصل، نعم، والحدث معنوي، وصف لا حقيقة له حسية، فترفع المحسوس الذي هو ما أصاب الفرج ولوثه، ثم تتيمم صعيداً طيباً كما أمرك الله بذلك، إذا انتهى ما معك من الماء.(9/9)
"وسئل مالك عن رجل جنب أراد أن يتيمم فلم يجد تراباً إلا تراب سَبَخَةٍ" بفتحات، الأرض المالحة التي لا تكاد تنبت "هل يتيمم بالسباخ؟ وهل تكره الصلاة في السباخ؟ قال مالك: لا بأس بالصلاة في السباخ" يجوز أن تصلى في الأرض السبخة ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) وهذا منها من الأرض، والتيمم منها، وبهذا قال الجمهور أنه يصح التيمم بالأرض السبخة، خلافاً لإسحاق، وهو مروي عن مجاهد أن السبخة لا يجزئ التيمم منها؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(43) سورة النساء] والصعيد وجه الأرض، وما تصاعد عليه.
ابن خزيمة يستدل بالنص على جواز التيمم بالأرض السبخة، استدل ابن خزيمة على جواز التيمم بالأرض السبخة بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أُريت دار هجرتكم سبخة، ذات نخل)) يعني المدينة، سبخة ذات نخل، مع تسميته -عليه الصلاة والسلام- لها "طيبة" والطيبة من الطيب {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(43) سورة النساء] إذاً طيبة طيّبة، وهي في الوقت نفسه سبخة، نعم، المدينة سبخة، المدينة طيبة إذاً السبخة طيبة، معادلة، استدلال، فدل على أن السبخة داخلة في الطيبة.
هنا النص {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(43) سورة النساء] وفي حديث الخصائص: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) وفي بعض رواياته: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) تربتها، الآن في الحديث العام حديث الخصائص المعروف: ((وجعلت لي الأرض مسجد وطهوراً)) والحديث الخاص: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) فهل يحمل العام على الخاص فنقتصر على التراب الذي له غبار يعلق باليد دون ما سواه مما على وجه الأرض، أو يبقى العام على عمومه والتنصيص على بعض أفراده لا يقتضي القصر والتخصيص؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب: إخراج بعض أجزائه.
إذاً ما تيمم إلا بتراب.
طالب: لا يا شيخ، التخصيص المراد به بعض أفراد العام ليس موافق.(9/10)
الحكم موافق، حكم الخاص موافق لحكم العام، يعني التنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص عند أهل العلم، وهذا إذا قلنا: إن ما بين الحديثين عموم وخصوص، لكن إذا قلنا: إنه إطلاق وتقييد، وكثير من الشراح خلطوا بين الأمرين، أنتم تعرفون أن المعروف عند الحنابلة، وهو قول الشافعية أنه لا يتيمم إلا بالتراب، ومع عدا ذلك مما على وجه الأرض لا يتيمم به، خلافاً لمالك وأبي حنيفة، يعني قول الإمامين ما هو بعبث، أولاً: التربة فرد من أفراد الأرض، أو وصف من أوصافها؟
طالب:. . . . . . . . .
الظاهر أن كله خلاص ما هو شيء. . . . . . . . .، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وتقييد، فرد، يصير عموم وخصوص، نعم يا إخوان؟ فإذا قلنا: إن التربة وصف من أوصاف الأرض اتحدا في الحكم والسبب، حملنا المطلق على المقيد، وقلنا: لا يجوز أن نتيمم بغير التراب، وإلى هذا يذهب من يقول بعدم جواز التيمم بغير التراب، وعرفنا أنه مذهب الحنابلة والشافعية، إذا قلنا: إن التراب فرد من أفراد الأرض، نعم، إذا قلنا: إنه فرد من أفراد الأرض، قلنا: تنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق لا يقتضي التخصيص هذا من جهة، ومن جهة أخرى ابن عبد البر يرى أن أحاديث الخصائص لا تقبل التخصيص، لا تقبل التخصيص، لماذا؟ يعني: ((وجعلت لي الأرض مسجد وطهوراً)) هذا من حديث الخصائص، فلا يدخله التخصيص أبداً، لماذا؟ لأن الخصائص تشريف وتكريم للنبي -عليه الصلاة والسلام- والتخصيص تقليل لهذا التشريف، ولذا تجدون الصلاة في المقبرة مثلاً عند ابن عبد البر جائزة، لماذا؟ طيب ((لا تصلوا للقبور، ولا تجلسوا عليها)) وأمور يعني جاءت في المقبرة خاصة، لا أحاديث الخصائص، ما تقبل التخصيص؛ لأن هذا تقليل لهذا التشريف، مقبول وإلا غير مقبول الكلام؟ لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
النص الآخر، لكن هو يقول: هذا الخصائص إنما ذكرها النبي -عليه الصلاة والسلام- لبيان شرفه، ويقول: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) فإذا قلت: لا تصل في هذا المكان لحديث كذا، قال: أنت قللت هذا التشريف للنبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟(9/11)
طالب:. . . . . . . . .
ابن عبد البر ما هو بواضح، أنا أقول: الخصائص ويش معنى هذه الأمور اختص بها النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ تشريفاً له -عليه الصلاة والسلام-، فإذا قللت لأن التخصيص تقليل بلا شك، التخصيص إخراج بعض الأفراد تقليل، حينما يقول: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) يعني كل الأرض مسجداً وطهوراً، فأنت تقول: المقبرة لا تصح الصلاة فيها، إذاً قللت هذا التشريف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم ذا كانت المعارضة بين حقوقه -عليه الصلاة والسلام- مع حقوق الله -عز وجل- تقدم حقوق الله -جل وعلا-، والنهي عن الصلاة في المقبرة إنما هو رعاية وحماية لحق الله -جل وعلا-.
هنا إذا قصرنا التيمم بالتراب قللنا هذه الخصيصة، فعلى رأي ابن عبد البر ((جعلت لي الأرض)) كل ما على وجه الأرض يتيمم به، ولا يجوز التخصيص بمثل هذا، كما أنه لا يجوز التقييد، التربة، راوية التربة من الناحية الاصطلاحية هي مخرجة في إيش؟ في مسلم، مخرجة في مسلم، فهي صحيحة؛ لأنها مخرجة في كتاب تلقي بالقبول، لكن هل فيها مخالفة لما رواه الأكثر؟ هل تتضمن مخالفة أو لا تتضمن مخالفة؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني تنصيص على فرد؟
طالب:. . . . . . . . .
مثل هذا يذكر في الزيادة، زيادة الراوي الموافقة من وجه، مخالفة من وجه، موافقة من وجه باعتبار التربة جزء من أجزاء الأرض، والمخالفة من جهة التنصيص عليها دون ما عداها، على كل حال المرجح في هذا قول من يقول بجواز التيمم على جميع ما على وجه الأرض، والتنصيص على التراب في رواية مسلم فرد من أفراد العام، لا يقبل التخصيص.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
على كلامه ما في شيء يمنع من الصلاة، صل في كل مكان، هذا كلام ابن عبد البر.
طالب:. . . . . . . . .
ولو ورد النهي؛ لأنه جعلت له تربة وطهور خلاص صل.
طالب:. . . . . . . . .
لا قوله مرجوح -رحمه الله-.
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض(9/12)
عن مالك عن زيد بن أسلم أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لتشد عليها أزارها، ثم شأنك بأعلاها)).
عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت مضطجعة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثوب واحد، وإنها قد وثبت وثبة شديدة، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مالك؟ لعلك نفستِ)) يعني الحيضة، فقالت: نعم، قال: ((شدي على نفسك إزارك، ثم عودي إلى مضجعك)).
عن مالك عن نافع أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أرسل إلى عائشة يسألها هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض؟ فقالت: "لتشد إزارها على أسفلها، ثم يباشرها إن شاء".
عن مالك أنه بلغه أن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار سئلا عن الحائض هل يصيبها زوجها إذا رأت الطهر قبل أن تغتسل؟ فقالا: "لا حتى تغتسل".
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض
يعني ما يحل للرجل أن يستمع به من زوجته حال حيضها، الرجل ممنوع من قربان الزوجة حتى تطهر، بل حتى تتطهر، والنهي عن قربانها، هل النهي عن قربانها مثل النهي عن قربان الصلاة حال السكر أو النهي عن قربان الفواحش؟ {وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ} [(151) سورة الأنعام] {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى} [(43) سورة النساء] {فَلاَ تَقْرَبُوهَا} [(187) سورة البقرة] أو يختلف؟ لأن مفهوم الاقتراب من الشيء والقرب منه نعم يقتضي المباعدة عنه، فهل الرجل مأمور بمباعدة المرأة؟ لا ليس مأمور بمباعدتها، بل النصوص كما عندنا هنا "في ثوب واحد" ينام مع زوجته في ثوب واحد، فراش واحد، لحاف واحد، وبدنها طاهر، ويباشرها في غير موضع الحرث، والتعبير بالنهي عن القرب للتنفير من معاشرتها حال حيضها في موضع الحرث، أما إذا ضمن الإنسان من نفسه أنه لن يقارف ما حرم عليه فلا مانع؛ لأن بعض الناس مجرد ما تكون زوجته بجواره، لا يملك نفسه، مثل هذا يأمر بالابتعاد عنها، حتى عن مضاجعتها، إذا كان لا يملك نفسه.(9/13)
"حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" عن زيد بن أسلم تابعي "أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يحكي قصة لما يحضرها، فهو مرسل، ولذا يقول ابن عبد البر: لا أعلم أحداً رواه بهذا اللفظ مسنداً، يعني متصلاً، فالمسند عند ابن عبد البر المتصل، ومنهم من يقول: المسند المرفوع، ومنهم من يجمع بينهما، لا يطلق على الخبر مسنداً إلا إذا كان مرفوعاً متصلاً "أن رجلاً" في سنن أبي داود عن عبد الله بن سعد، قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعرفنا المبهم عبد الله بن سعد الأنصاري "فقال: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لتشهد عليها إزارها، ثم شأنك بأعلاها)) " ((ثم شأنك)) أي دونك ((أعلاها)) فاستمتع به، وجعل المئزر من باب سد الذريعة، واتقاء الشبهة، وإلا لو باشرها فيما دون الممنوع، ولو لم تشد المئزر، يجوز وإلا ما يجوز؟ لكن شد المئزر من باب سد الذريعة.
مقتضى هذا الخبر ((لتشد عليها أزارها، ثم شأنك بأعلاها)) مع قوله -عليه الصلاة والسلام- ((اصنعوا كل شيء إلا النكاح)) هذا الخبر يدل على أن ما فوق الإزار وتحت الإزار وهو محدد بما بين السرة والركبة عند كثير من أهل العلم، فيستدلون بمثل هذا على أنه لا يجوز الاستعمال، أو مباشرة ما بين السرة والركبة، لكن أباح كثير من السلف من الصحابة والتابعين، وهو مذهب أحمد والثوري أن يستمتع من زوجته بما دون الفرج، ولو كان تحت السرة وفوق الركبة، المقصود أنه لا يكون في موضع الحرث، وأما ما جاء في مثل هذا الخبر أن ما دون الإزار هو المستمتع به، هذا محمول عند أحمد ومن معه أنه على الاستحباب والاحتياط؛ لئلا يحوم حول الحمى، فيقع فيه، وهذا هو الظاهر رجحه النووي وغيره.(9/14)
ثم بعد هذا قال: "وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت مضطجعة نائمة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثوب واحد" وفيه جواز ذلك لمن أمن من الوقوع في المحرم "وأنها وثبت وثبة شديدة" قفزت خوفاً من وصول شيء من الأذى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو تقذرت نفسها، ورأت أن ظرفها لا يناسب مضاجعة النبي -عليه الصلاة والسلام- "وثبت وثبة شديدة، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما لك؟ )) " أي أيُ شيء حدث لك؟ ((لعلك نفست)) بفتح النون وكسر الفاء، أي حضتِ، وأما الولادة فبضم النون، يعني نُفست، وقال الأصمعي وغيره: بالوجهين فيهما، في الولادة والحيض، نَفستِ ونُفستِ.
وأصل النفاس خروج الدم الذي هو يسمى نفس، نعم تسيل النفوس، يعني تسيل الدماء، ومنه قول الفقهاء: ما لا نفس له سائلة، يعني لا دم له سائل.
((لعلك نفست)) يعني الحيضة، وهذا تفسير من بعض الرواة "فقالت: نعم" نفستُ، يعني حضتُ "قال: ((شدي على نفسك إزارك، ثم عودي إلى مضجعك)) " شدي على نفسك أزارك؛ لئلا تلوث الفراش، وتلوث الضجيع، ثم عودي إلى موضع النوم والضجوع.
يقول ابن عبد البر: لم يختلف رواة الموطأ في إرسال هذا الحديث، ولا أعلم أنه روي بهذا اللفظ من حديث عائشة ألبتة، ويتصل معناه من حديث أم سلمة، نعم القصة حصلت لأم سلمة، كما في الصحيحين وغيرهما، في الصحيحين وغيرهما أن أم سلمة نُفست أو نَفست حاضت، وهي مضطجعة معه -عليه الصلاة والسلام- فانسلت، المقصود أن القصة حصلت لأم سلمة، وهنا عن عائشة، والخبر مرسل، ولا يضر الإرسال عند مالك وأبي حنيفة، ويضر عند غيرهم.
والحديث فيه جواز النوم مع الحائض في ثيابها والاضطجاع معها في لحاف واحد، فما جاء في ديننا وسط بين ما كان عليه اليهود والنصارى، فاليهود لا يضاجعونها ولا يساكنونها ولا يجالسونها، والنصارى يباشرونها في موضع الحرث، وديننا منع موضع الأذى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [(222) سورة البقرة] يعني قذر، الحائض ممنوعة من الصلاة والصيام على ما سيأتي؛ لما تلبست به من هذا الأذى، ومقتضى منعها، والحيضة ليست بيدها كما هو معلوم.(9/15)
هل يكتب لها ما كانت تعمله قبل حيضها أو لا يكتب؟ نعم، وكونها أمر خارج عن إرادتها، وهي تنوي الاستمرار في العبادة والطاعة لولا هذا المانع القسري، وهو أذى ابتليت به، والمسألة خلافية بين أهل العلم، هل يكتب لها أو لا يكتب؟
لو جئنا إلى التائب من الذنب توبة نصوح، بدلت سيئاته حسنات، فكيف بمن لا ذنب له؟ نعم؟ فكيف بمن لا ذنب له؟ من امتنع عن فعل الطاعة وترك الصلاة والصيام ثم تاب، نعم، تبدل سيئاته حسنات، فيكف بمن منعت مع نية .. ، مع أن في نيتها وقرارة نفسها أن لو مكنت لفعلت، قالت: هذا شيء كتبه الله على بنات آدم.
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو ما يشكل على هذا إلا وصف الحائض -المرأة عموماً- بأنها ناقصة عقل ودين، ونقص الدين كون الحيض يأتيها، يأتيها العذر فتمكث الأيام لا تصوم ولا تصلي، فلو كان يكتب لها لما وصفت بالنقص.
طالب:. . . . . . . . .
قيام إيش؟ يعني نظير من عجز عن الفعل، على كل حال المسألة خلافية، ومن قصد الخير أصابه -إن شاء الله تعالى-، فلن يحرمه، لكن مع ذلك من قصد الخير صادقاً لم يحرمه -إن شاء الله تعالى-.
طالب:. . . . . . . . .
امتثالاً، الامتناع امتثالاً، على كل حال المسألة لن ينحسم الخلاف فيها.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أرسل إلى عائشة يسألها هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض؟ فقالت: يشد إزارها -تربطه على أسفلها- ثم يباشرها فيما دون الجماع إن شاء" فأفتته بما كان يصنعه -عليه الصلاة والسلام- مع نسائه، تقول: "كان يأمرني فأتزر ويباشرني وأنا حائض".(9/16)
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سالم بن عبد الله" أحد الفقهاء السبعة على قول، وسليمان بن يسار أيضاً منهم "سئلا عن الحائض هل يصيبها زوجها إذا رأت الطهر قبل أن تغتسل؟ " رأت الطهر، رأت علامة الطهر، إما بالقصة البيضاء أو بالجفاف قبل أن تغتسل "فقالا -أي كل منهما-: لا" أي: لا يصيبها "حتى تغتسل" {حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [(222) سورة البقرة] حتى يطهرن، أي: انقطع الدم {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [(222) سورة البقرة] الآن {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ} [(222) سورة البقرة] هذا الغاية، ومقتضى ذلك أنها تقرب ولو لم تتطهر؛ لأن الغاية حتى يطهرن، لكن دخول الغاية وعدم دخوله ليس بقطعي، فجاء في النصوص ما يدل على الدخول، وجاء في النصوص ما يدل على عدمه، فجاء التوضيح بعد ذلك، {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [(222) سورة البقرة] نعم يعني تطهرن بعد أن طهرن، هذا قدر زائد على مجرد الطهر، وهو التطهر من فعلها بالغسل فأتوهن، فالجملة الثانية مفسرة للمراد من الجملة الأولى "لا حتى تغتسل؛ لقوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [(222) سورة البقرة] " وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد، وجمهور الفقهاء، وقال أبو حنيفة: إذا انقطع الدم لأكثر الحيض وهو عشرة أيام عنده جاز وطؤها قبل الغسل، لكن إن انقطع الدم قبل أكثر الحيض ستة أيام، سبعة، ثمانية، تسعة، حتى تغتسل، دليله على ذلك؟ ابن عبد البر –رحمه الله تعالى- لما ذكر كلام أبي حنيفة قال: هذا تحكم لا وجه له، على كل حال هو قول مرجوح، فلا يجوز للزوج أن يقرب زوجته حتى تطهر، تغتسل، الكفارة ما ورد فيها الخبر ضعيف دينار أو نصفه، ضعيف، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: طهر الحائض
عن مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه مولاة عائشة أم المؤمنين أنها قالت: كان النساء يبعثن إلى عائشة أم المؤمنين بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيضة يسألنها عن الصلاة، فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء، تريد بذلك الطهر من الحيضة.(9/17)
عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمته عن ابنة زيد بن ثابت أنه بلغها أن نساءاً كن يدعون بالمصابيح من جوف الليل ينظرن إلى الطهر، فكانت تعيب ذلك عليهن، وتقول: ما كان النساء يصنعن هذا.
وسئل مالك عن الحائض تطهر فلا تجد ماء هل تتيمم؟ قال: نعم لتتيمم فإن مثلها مثل الجنب إذا لم يجد ماءاً تيمم.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: طهر الحائض
"حدثني يحيى عن مالك عن علقة بن أبي علقمة" المدني "عن أمه" مرجانة "مولاة عائشة أم المؤمنين أنها قالت: كان النساء" يعني من نساء الصحابة والتابعين "يبعثن إلى عائشة بالدِرَجة" بكسر الدال وفتح الراء جمع درج، وهكذا، يرويه أصحاب الحديث، وضبطه ابن عبد البر بالضم، ثم السكون، الدرجة، وقال: إنه تأنيث درج، الدرج معروف، والدرجة تأنيثه، وضبطه الباجي بفتحتين الدرجة، على كل حال هو وعاء، يجعل "فيه الكرسف" الذي هو القطن، الذي اختبر فيه المحل، فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيض، يعني يؤتى بالكرسف الذي هو القطن فيدخل في موضع الخارج من الدم لاختبار الطهر، هل انقطع نزول الدم أو ما زال؟ "فيه صفرة من دم الحيض، يسألنها عن الصلاة" شيء يسير لا يكاد يذكر، هل مثل هذا يمنع من الصلاة؟ مثل هذا لا بد فيه من الحزم، والاحتياط فيه غير ممكن؛ لأنها إن تركت الصلاة وقد طهرت ارتكبت أمراً عظيماً، وإن صلت حال حيضها ارتكبت محرماً بلا شك، وكثير من النساء الآن في حيرة شديدة، وعادات النساء يحصل فيها الاضطراب الكثير، مع ما يتناوله النساء من طعام أو علاج، أو أي تصرف يتصرفنه في أنفسهن، الموانع وغيرها توجد الاضطراب، تقديم وتأخير وتغير في اللون، واضطراب كبير.
هنا يبعثن بهذا الوعاء، فيه قطن، هذا القطن اختبر فيه المحل، لكن ما وجد إلا الصفرة من دم الحيض، يسألنها عن الصلاة "فتقول عائشة لهن: لا تعجلن" لأنه مع حرص النساء على فعل الخير، وعلى أداء هذه العبادة العظيمة يرون أن هذا الشيء اليسير ما يمنع من إقامة هذا الركن العظيم؛ لأن هذا لو كان الدين بالرأي إذا كانت الاستحاضة مع أن الدم يجري لا يمنع من الصلاة فكيف بهذا الشيء اليسير صفرة وإلا كدرة.(9/18)
"يسألنها عن الصلاة، فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء" يعني إذا رأيتن القصة البيضاء صلوا، وأما قبل ذلك فلا، تريد بذلك الطهر من الحيضة، القصة بفتح القاف وتشديد الصاد، القصة بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة ماء أبيض، يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض، وهو معلوم عند النساء يعرفنه ويدركنه، "تريد بذلك الطهر من الحيضة" شبهت ما يخرج من ذلك لبياضه القص، وهو الجص، الجص معروف بياضه، ومنه قصص داره بالجيل، يعني جصصه، فالمرأة عليها أن تنتظر حتى تجزم أن الدم قد انقطع، إما برؤية القصة إن كانت ممن ترى -وهذا هو الكثير الغالب- وبعض النساء لا توجد عندها قصة بيضاء، هذه إذا جفت تماماً، وانقطع عنها نزول الدم فإنها تكون قد انتهت عادتها.
"وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر" بن محمد بن عمرو بن حزم "عن عمته" قال ابن الحذّاء: هي عمرة بنت حزم، عمة جده، لكن عبد الله لم يدركها؛ لأنها صحابية قديمة، والصوب أنها عمته أخت أبيه، أم كلثوم أو أم عمرو "عن عمته عن ابنة زيد بن ثابت" اسمها أيضاً أم كلثوم، وهي زوجة سالم بن عبد الله بن عمر "أنه بلغها أن نساءاً كن يدعون بالمصابيح" يطلبن المصابيح وهي السرج "من جوف الليل، ينظرن إلى ما يدل على الطهر، فكانت تعيب ذلك عليهن، وتقول: ما كان النساء يصنعن هذا" يعني التكلف من الإتيان بالسرج في جوف الليل، والمراد بالنساء نساء الصحابة اللاتي أدركتهن.(9/19)
وأم كلثوم هذه بنت زيد بن ثابت أبوها معروف، وزوجها أحد الفقهاء أدركت الصحابيات، وأنكرت على من يصنع هذا الصنيع، إذا كان الباعث على مثل هذا الصنيع الحرص على الخير، والحرص على أداء العبادة في وقتها، والحرص على إبراء الذمة ينكر على ما فعله؟ يعني ما يظهر من حال هؤلاء التابعيات من هؤلاء النسوة إلا أنه حرص وعابت عليهن ذلك، فهل من حرص على الخير يعاب عليه؟ الحرص الزائد على المطلوب شرعاً، والاحتياط الذي لا يدل عليه الدليل هذا غير مطلوب، لذاته ولما يفضي إليه؛ لأنه قد يفضي إلى شيء من التشديد على النفس والتعمق الذي يقطع ويعوق عن تحصيل بعض ما طلبه الشارع، الإنسان لو حمل نفسه على العزيمة في كل أبواب الدين ما استطاع، فعليه أن يحرص على أن يعمل بما سمع، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، ولا شك أن الباعث هو الحرص على الخير، وأداء هذه العبادة العظيمة، لكن لم يكن النساء في عهد الصحابة يفعلن هذا، والخير في اتباع من سلف، وكل خير في إتباع من سلف.
"وسئل مالك عن الحائض تطهر فلا تجد ماءاً هل تتيمم؟ قال: نعم تيمم، فإن مثلها مثل الجنب" لا فرق بينهما، بين الحائض والجنب، فكل منهما متلبس بالحدث الأكبر، فإذا جاز للجنب الذي وجب عليه الغسل أن يتيمم عند عدم الماء جاز للحائض أن تتيمم بدلاً من غسلها لفقد الماء إذا لم تجد ماء، أو إذا لم يجد ماء تيمم وهذا قياس، قياس على الجنب المنصوص عليه في الآية، على الخلاف في المراد بالملامسة على ما تقدم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو ما في شك أن بعض الفقهاء ذكر تفصيلات لا دليل عليها، وتفصيلات توقع في حرج، لكن من اقتفى أثر النصوص ارتاح، لا شك أن هناك مسائل حادثة، ومسائل مستجدة، ونوازل تحتاج إلى أحكام، ونسمع يومياً من الأسئلة ما يشكل على كثير من النساء، ويأتي في باب الاستحاضة الذي هو أكثر ما يأتي فيه الإشكالات، يأتي مثلاً استحاضة، يأتي نزيف، يأتي تقدم وتأخر بسبب ما يؤكل أو يستعمل هذا وجد إشكالات كثيرة في هذا العصر، وإلا كانت العادة مطردة عند النساء، ومعروف متى تبدأ؟ ومتى تنتهي؟ نعم.
أحسن الله إليك.
باب: جامع الحيضة(9/20)
عن مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت في المرأة الحامل ترى الدم: إنها تدع الصلاة.
عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن المرأة الحامل ترى الدم قال: تكف عن الصلاة.
قال مالك: وذلك الأمر عندنا.
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: كنت أرجل رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا حائض.
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر الصديق أنها قالت سألت امرأة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة، كيف تصنع فيه؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أصاب ثوب أحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه، ثم لتنضحه بالماء، ثم لتصلي فيه)).
نعم يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع الحيضة
الذي يجمع المسائل المختلفة في هذا الباب.
"حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- قالت في المرأة الحامل ترى الدم: إنها تدع الصلاة" يعني هذا رأي عائشة أن الحامل تحيض.
"حدثني عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن المرأة الحامل ترى الدم قال: تكف عن الصلاة" يعني هذا رأي عائشة وابن شهاب.
"قال يحيى: قال مالك: وذلك الأمر عندنا" وهو اختيار مالك، معلوم أن المرأة إذا حملت انقطع عنها الدم هذا الأصل، ينقطع عنها الدم لأمر ولحكمة هي أن هذا الدم ينصرف لتغذية الجنين، فلا يخرج، هذا هو الأصل، لكن إذا خرج فما الحكم؟ ووجد الدم في وقته وبلونه ورائحته من المرأة الحامل؟ هل تحيض أو لا تحيض؟
مقتضى قول عائشة وابن شهاب وهو اختيار مالك أنها تحيض، فإذا وجدت الدم في وقته ولونه ورائحته أنها تدع الصلاة، وهذا كما أنه مذهب مالك هو قول الإمام الشافعي في الجديد، استدلالاً بما ذكر، وهو أنه دم، في وقت العادة، وأيضاًً بالوصف الذي يتصف به دم العادة.
وذهب أبو حنيفة وأحمد والثوري أنها لا تحيض، ومن أقوى ما يستدل به هؤلاء أن الإستبراء يعتبر بالحيض، يعني الاستدلال على براءة الرحم يكون بإيش؟ بالحيض، الاستبراء بالحيض، الاستدلال على براءة الرحم إنما يكون بالحيض، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(9/21)
بلا شك لأنه لو كانت الحامل تحيض ما صار للاستبراء قيمة، وهذه من أقوى ما يستدل به هؤلاء، فلو كانت الحامل تحيض لم تتم البراءة بالحيض، براءة الرحم ما تتم بالحيض، هذا من أقوى ما يستدل به، شوف الاستدلال الغريب العجيب بعد ذلك يقول ابن المنير، يستدل ابن المنير على أن ما تراه الحامل ليس بحيض؛ لأن الملك موكل بالرحم، ولا يأتي لمثل هذه الأماكن التي يحصل فيها، يعني وقت نزول الحيض ما يمكن يصير الملك موجود، يعني إغراب، إغراب في الاستدلال، يعني وجه الاستدلال عنده أن الملك موكل بالرحم يعني مع الحمل، أي نعم يمتنع وجود الملك الموكل بالرحم رحم الحامل مع وجود هذا القذر، الذي هو الحيض، لكن يرد عليها أنها إذا رأت الدم، هو قذر على كل حال، سواء قلنا: حيض أو ليس بحيض.
يعني المسألة مفترضة في حامل ترى الدم، نعم يعني المسألة مفترضة في حامل ترى دم، والدم هذا قذر، سواء قلنا: حيض أو ليس بحيض، فقول ابن المنير ضعيف، لكن قول من يستدل بالاستبراء، وأنه إنما يكون بالحيض، العِدد تكون بالحيض، ثلاث قروء، العدة من أجل إيش؟ العلم ببراءة الرحم، فإذا كانت الحامل تحيض كيف نعرف براءة الرحم؟ هم قالوا هذا، المالكية والشافعية قالوا: إن حيض الحامل نادر، ولا يعلق به حكم، فلا يعارض الاستبراء فلا يعارض الاستبراء، لكن إذا وجد حيض تكرر ثلاثاً تخرج من العدة أو لا تخرج وهي حامل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، على هذا على قولهم، على قولهم اعتدت ثلاثة قروء وانتهت، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في حد قال بأبعد الأجلين، ما في إلا علي ونفر يسير قالوا وهو قول مردود بلا شك، هذا في حال الولادة قبل بلوغ أربعة أشهر وعشرة أيام، قالوا: تعتد بأبعد الأجلين في هذه الصورة، ما قالوا في مسألة الحيض أبداً، في عدة المتوفاة هل تعتد بأربعة أشهر مطلقاً حامل أو غير حامل؟ أو تعتد الحامل بوضع الحمل وغير الحامل بأربعة أشهر؟(9/22)
ومنهم من قال: تعتد بأبعد الأجلين، هذا بالنسبة لمن توفي عنها زوجها وهي حبلى، وعلى كل حال الحمل ضد أو نقيض الحيض، لا سيما في باب العدد والاستبراء، نقيض فلا يمكن أن يجتمع النقيض مع نقيضه شيء علق فيه حكم، يجتمع مع شيء علق عليه حكم مخالف، ما يمكن، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، المرأة الحامل ما. . . . . . . . .، هذا الحمل من من وقوع النطفة إلى الولادة، الكل حمل، وهي مجرد ما يحصل التلقيح انقطع، هذا هو الأصل، إذاً ما نستطيع نفرق امرأة حامل لشهر أو لثلاثة أشهر مثلاً، أو سبعة أشهر، هذا حيض وإلا ليس بحيض؟ ما نستطيع أن نفرق؛ لأن النصوص التي جاءت ما فرقت.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا قولها، هذا اجتهادها، اجتهادها، وما جربت، حمل وما جربت شيء، ما جربت -رضي الله عنها- مع فقهها.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، أنا أقول: الاحتياط لا يمكن في هذا الباب، لا يمكن الاحتياط في هذا الباب، ما نقول. . . . . . . . . لأنها إن صلت فعلت محرماً، وإن تركت تركت أمراً عظيماً.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، الفعل أسهل من الترك؛ لأن التحريم ....
طالب:. . . . . . . . .
إيه نأتي إلى مسألة عظمى، هل ترك الواجب أعظم أو فعل المحرم أعظم؟
طالب:. . . . . . . . .(9/23)
لا، الجمهور، لا تجزموا بشيء، لا تجزموا بشيء، الجمهور على أن فعل المحظور أعظم من ترك الواجب، هذا الجمهور ((إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) ما في مثنوي، وشيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أن ترك الواجب أعظم من فعل المحرم، استدلالاً بقصة آدم مع إبليس، آدم معصيته في ارتكاب محظور، وإبليس معصيته في ترك واجب، وعلى كل حال لا هذا ولا ذاك، لا يمكن أن يقال بقول مطرد، لا يمكن أن يحكم بمثل هذا بقول مطرد إطلاقاً، ننظر إلى عظم الواجب وعظم المحرم، يعني أنت مأمور بالصلاة مع الجماعة، هل تترك هذا الواجب لمحذور في طريقك إلى المسجد، محذور في طريقك إلى المسجد في شخص يدخن ولا تستطيع تنكر عليه، تترك الواجب من أجل هذا؟ نعم؟ يعني تترك الواجب لوجود هذا المحظور؟ نعم؟ لكن لو كان في طريقك بغي مع وجود ظالم يلزمك بالوقوع عليها تترك الواجب وإلا ما تترك؟
إذاً القول بالاطراد في مثل هذه المسائل لا يرد إطلاقاً، فلا هذا ولا ذاك، ننظر إلى حجم الواجب، وننظر إلى حجم المحظور، ننظر إلى الواجب المتروك مع المحظور المفروض، يعني في مثل هذا الخلاف، هذا إذا قلنا: إنه يثير شبهة، خلاف من غير مرجح، لو قلنا بهذا، خلاف من غير مرجح، أنه أثار شبهة، فهل تفعل الصلاة وتستغفر خشية أن تقع في محظور، أو تترك الصلاة على القول الآخر؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، سهل، أنت كونك ترتكب محظوراً وتستغفر، أسهل من ترك ركن من أركان الإسلام قد أوجبه الله عليك.(9/24)
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: كنت أرجل رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" الترجيل التسريح، أمشط شعر، شعر رأس "وأنا حائض" هذه جملة حالية، وفي ذلك دليل على طهارة بدن الحائض، وألحق بها الجنب، وحديث أبي هريرة ((سبحان الله إن المؤمن لا ينجس)) والترجيل هو التسريح، وتنظيف الشعر، وتنظيف البدن أيضاً مطلوب، تنظيف الشعر وتسريحه وتنظيمه مطلوب، وكذلك أيضاً تنظيف الثوب والبدن وما يتعلق بالإنسان، هذا مطلوب شرعاً، لا يليق بمسلم أن يكون على هيئة بحيث يزدرى بها، لكن المبالغة في هذا التنظيف والترتيب والتصفيف أيضاً ممنوع.
جاء النهي عن الترجل إلا غباً، لا يعني هذا أن الإنسان لما سمع أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرجل شعره ينظف أنه يفعل كما يفعل بعض الناس في بيته جناح خاص، صالون لتنظيف الشعر وتصفيفه، يعني من الطرائف واحد من الشيوخ يتكلم عن الإمام أحمد وأنه يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، قال واحد من الطلاب الحاضرين: هذا ما هو معقول، الطالب يحلق لحيته، والشيخ من الشام قال: صحيح ليس بمعقول؛ لأن عنده صالون يتحلق فيه ثلاث ساعات في اليوم، الإمام أحمد عنده صالون يتحلق به ثلاث ساعات، يعني المبالغة في مثل هذه الأمور التي تعوق عن تحصيل الواجبات، فضلاً عن المستحبات، هذا لا يرد بها الشرع، الدين وسط، ولكسر ما قد يفهمه ويفعله بعض الناس استناداً إلى مثل هذا النص صح الحديث: ((البذاذة من الإيمان)) البذاذة عدم المبالغة في حسن المظهر، نعم حسن المظهر مطلوب لكن بالتوسط.
يعني لا يقال للمسلم: أبداً لا تشتري أكثر من ثوب حتى يتقطع، إسراف تشتري ثوبين في آن واحد، ولا يقال له: أصنع كما صنع بعض الناس، ثلاثمائة وخمسين ثوب في السنة، بحيث إذا لبس ثوب ما يعود إليه آخر ما عليه، لا هذا ولا ذاك، دين الله وسط، مطلوب من المسلم أن يعمل لآخرته، هذا الأصل؛ لأنه خلق للعبادة، ثم خشية أن يضيع نفسه، وأن يضيع من تحت يده قيل له: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص].(9/25)
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه" يقول: كذا ليحيى وحده، وهو خطأ وغلط؛ لأن عروة لم يرو عن فاطمة شيئاً، هذا ليحيى وحده، في الرواية التي معنا، وهو في الموطئات عن هشام عن زوجته فاطمة، ما هو بعن أبيه، عن زوجته فاطمة، فاطمة بنت المنذر ابن الزبير زوجة هشام بن عروة، وهي أسن منه بثلاثة عشر سنة، ابنة عمه "عن أسماء بنت أبي بكر الصديق جدة هشام" وفاطمة معاً لأبويهما "أنها قالت: سألت امرأة" هي أسماء كما في بعض طرق الحديث: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" إلى أخر هـ، فدل على أن السائل هو أسماء، وإن أبهمت هنا.
"فقالت: أرأيت" استفهام، بمعنى الأمر، أي أخبرني "أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم" ثوب مفعول، والدم فاعل من الحيضة "كيف تصنع فيه؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه)) " تقرصه، من الحيضة، أي من دم الحيض ((فلتقرصه)) بماء يسير، أو بدون ماء ((ثم لتنضحه)) بعد ذلك بالماء، أي تغسله؛ لأن دم الحيض نجس، تجب إزالته بالماء، والمراد بالنضح هنا الغسل، قاله الخطابي وابن عبد البر وابن بطال؛ لأن دم الحيض نجس، وجاء التشديد فيه بالقرص والحك، تحكه، ولو بصلع، ثم تغسله بالماء، وقال القرطبي: النضح هنا الرش؛ لأن الغسل استفيد من قوله: ((فلتقرصه)) تقرصه يعني تغسله بالماء.
على كل حال المقصود تنظيفه، لكن إذا فعلت ما أمرت به، قرصته وغسلته بالماء، وبالغت في غسله فبقي أثره، فإن الأثر يعفى عنه لا يؤثر، وإن جاء الأمر بوضع إيش؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، هذا الثوب، ثوب المرأة أصابه دم حيض، قرصته وغسلته بالماء، وبقي الأثر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يوضع عليه شيء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(9/26)
شيء له لون، يضيع لون الدم؛ لأنه مستقذر، وهذا على سبيل الاستحباب؛ لأنه لا يضر الأثر، ثم لتنضحه، ثم لتصلي فيه، وفيه إشارة إلى امتناع الصلاة في الثوب النجس، لا تجوز في الثوب النجس؛ لأنه رتب الصلاة فيه على تطهيره، وفيه جواز استفتاء المرأة لنفسها، ومشافهتها للرجال، فيما يتعلق بأحوال النساء، إذا أمنت الفتنة، لا بد أن تؤمن الفتنة، أما مع وجود الفتنة فلا يجوز، وفيه تعيين الماء لإزالة النجاسات كلها، قياساً على الدم كما هو قول الجمهور، وقال أبو حنيفة: يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر.
يقول هذا: صوت المرأة هل هو عورة؟ وهل يجوز أن تتحدث في دين أمام الشباب مثال البالتوك؟
الأصل أن صوت المرأة إذا لم يحصل فيه خضوع، ودعت إليه الحاجة، وأمنت الفتنة لا بأس، إذا دعت إليه الحاجة، وأمنت الفتنة، وخلا من الخضوع، لا بأس، تبيع وتشتري مع أمن الفتنة، وبمعزل عن الرجال، لا تختلط بالرجال، لا تعرض نفسها للفتن، وتحدثها أمام الشباب في مثل هذه الآلات هذا لا شك أنه فتنة، بل مجرده فتنة، فضلاً عما يفضي إليه، بعض الشباب ممن في قلبه مرض يتلذذ بمثل هذا، فيفتتن بمثل هذا، ثم بعد ذلكم يخشى ما يخشى مما يجر إليه، فعلى المرأة المسلمة أن تكون خير مالها أن لا ترى الرجال ولا يرونها، ولا تكلم الرجال ولا يكلمونها، أن تبقى على حيائها وعفتها، لكن إذا دعت الحاجة بحيث لا يوجد من يقضي لها حاجتها، أو لا يوجد لها من يسأل عنها، لا مانع بالقيود والضوابط التي ذكرها أهل العلم.
يقول: ألا يأخذ برأي الطب في هذا المجال فقد ذكرت لي إحدى الطبيبات أن الحامل تحيض، لكن عن طريق العروق لا عن طريق البويضة؟
هذا ما يصير حيض، هذا لا يسمى حيض، وإنما يسمى نزيف، فالحيض له مصدر، والاستحاضة لها مصدر، الحيض من قعر الرحم، والاستحاضة من أدناه.
طالب:. . . . . . . . .(9/27)
لا يجوز النظر إلى المرأة الأجنبية، لا يجوز: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [(30) سورة النور] على أن كثيراً من هؤلاء النسوة اللواتي يخرجن بهذه الآلات متبذلات، فاتنات، مائلات، مميلات، وبعضهن إيش؟ مومسات، نسأل لله العافية، وإذا تأملنا في حديث جريج، وأن أمه دعت عليه ألا يموت حتى يرى وجوه المومسات؛ لما ارتكبه من عقوقها، فالإنسان بطوعه واختياره ينظر إلى هذه الوجوه! نسأل الله السلامة والعافية، هذا لا يجوز إطلاقاً.
يقول: شخص نوى صيام يوم من أيام شوال قبل الظهر فهل يحتسب له هذا اليوم؟
نعم -إن شاء الله- يحتسب؛ لأنه نفل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يسأل: ((هل عندكم شيء؟ )) فإذا قالوا: لا، نوى الصيام.
أناس سافروا إلى البر آخر الأسبوع، فهل الأولى أن يصلوا جمعة، أو يصلوا الظهر قصراً؟ علماً بأنه يوجد منهم قريب من بعض القرى؟
الأولى أن يصلوا الجمعة.
هل يشرع رفع السبابة أثناء التشهد الأخير باستمرار منذ بدايته وحتى نهايته؟
عند الشهادة يرفع وعند الدعاء.
يلاحظ أن بعض المأمومين يرفعون أصواتهم وراء الإمام بالتسبيح والقراءة مما يشوش على غيرهم؟
نعم التشويش على المصلين ذكرناه بالأمس، وأنه ينبغي .. ، إذا منع التشويش على النائم فالمتعبد من باب أولى.
نسأل يا إخوان.
هذا سؤال: امرأة كانت عادتها ستة أيام أو سبعة، ثم بعد ولادتها الأخيرة اضطربت حيضتها، فأصبحت تصل إلى تسعة أيام، مع العلم أن المرأة ترى القصة البيضاء في اليوم السادس أو السابع، ثم يعاودها الدم قليلاً يومين أو ثلاثة؟
إذا رأت القصة انتهت عادتها، وما عدا ذلك استحاضة، فالمرأة تصلي وتصوم ما زاد على عادتها، إذا رأت القصة انتهت الفترة.
هذا كلام من بعض الإخوة فيه نقول عن بعض المعاصرين، يذكرون أن التيمم للمسافر سائغ ولو مع وجود الماء.(9/28)
يقول محمد مصطفى المراغي، هذا معروف شيخ الأزهر سابقاً، يقول: "حكم المريض والمسافر إذا أراد الصلاة كحكم المحدث حدثاً أصغر" يقول: "وإن كان المشهور من المذاهب الأربعة أن شرط التيمم فقد الماء، فلا يجوز التيمم للمسافر مع وجود الماء، وهذا بخلاف ظاهر الآية، فالمتأمل في السفر يجد رخصاً كثيرة كإباحة قصر الصلاة، والفطر في رمضان، فلا يستنكر ترك الوضوء والغسل للمسافر مع وجود الماء، وهما أقل من الصلاة، والفطر في رمضان في الدين، يقول: ووافقه الشيخ محمد عبده.
قال صديق خان: كثر الاختباط في تفسير الآية في قوله: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى} [(43) سورة النساء] الآية، فالأعذار ثلاثة: المرض والسفر وفقد الماء في الحضر، وهذا ظاهر على قول من قال: إذا جاء قيد بعد جمل متصلة اختص بآخرها، أما من قال: يكون قيداً للجميع إن لم يمنع مانع فهذا سائغ هنا، إذ يمنع مانع وهو أن المرض والسفر كل منهم عذر مستقل في باب الصيام، ويؤيد هذا أحاديث التيمم المطلقة، وأحادث التيمم المقيدة بالحضر.
يقول شلتوت شيخ الأزهر سابقاً: السفر عارض مبيح للتيمم بنفسه سواء مع وجود الماء أو عدم وجوده، في حال الصحة أو المرض، وعدم وجود الماء عارض مبيح للتيمم بنفسه سواء في حال الصحة أو المرض أو السفر أو الحضر والمريض يتيمم.
قال أبو الوفاء درويش: في الآية رخصة للمسافر أن يتيمم مع وجود الماء.(9/29)
أقول: النصوص -نصوص الكتاب والسنة- تفسر بفهم السلف، ولا تفسر بأقوال المعاصرين، ولو قلنا بهذا للزم علينا لوازم، وأحدثنا أقوالاً في الدين لم يقل بها أحد، وكما قال علي -رضي الله عنه-: "القرآن حمال وجوه" فليس للمعاصر أن يستقل بفهم، لا يدخل في فهم السلف الصالح، يعني يستقل بحكم يحدثه بعد أن حصرت الأقوال، واطلع عليها كلها، وخرج عنها، لا يجوز له ذلك، فعلى هذا ينظر في أقوال المتقدمين إن وجد من الصحابة والتابعين والأئمة والتابعين لهم بإحسان وجد من يقول بهذا القول، واستروح أحد من أهل النظر أيضاً، ومال إلى القول به له ذلك، أما أن يحدث قولاً لم يقل به من سلف، نلاحظ أن هؤلاء كلهم متأخرون، يعني أقدمهم "صديق" متوفى سنة 1307هـ، وصديق لا يستقل بأقواله هو، غالب أقواله من كلام الشوكاني، فإذا رجعنا إلى تفسيره في هذه الآية، ما أدري عاد الأخ نقل من التفسير أو من غيره، أو من الروضة الندية.
على كل حال لو رجعنا إلى تفسير الشوكاني لوجدناه بحروفه، إن كان في تفسير صديق؛ لأن تفسير صديق مستقى منه.(9/30)
وهنا يقول: المرض والسفر وفقد الماء في الحضر هذا ظاهر على قول من قال: إذا جاء قيد بعد جمل متصلة اختص بآخرها، القيد والاستثناء الوصف المؤثر، والاستثناء إذا تعقب جملاً متعددة، فهل يعود إلى جميع الجمل أو يعود إلى الأخيرة منها؟ أو لا يحكم بشيء حتى ينظر في القرائن المرجحة؟ وفي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [(4) سورة النور] حكمهم إيش؟ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [(4) سورة النور] وأيضاً {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [(4) سورة النور] وأيضاً حكم عليهم بثلاثة أحكام، بالجلد ثمانين جلدة، وبعدم قبول الشهادة، والحكم بالفسق، ثم جاء الاستثناء المتعقب لهذه الجمل {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(5) سورة النور] هذا الاستثناء لا يعود إلى الجملة الأولى اتفاقاً، فلا يرتفع عنه الجلد بتوبته، ويعود إلى الجملة الأخيرة بالاتفاق، أما الجملة المتوسطة وهي قبول الشهادة فمسألة مختلف فيها، فالإطلاق في قوله يعود إلى الجميع، أو يعود إلى الأخيرة فقط، لا يسوغ في مثل هذه الحالة، بل لا بد من النظر في النصوص الأخرى وهذه مسألة في غاية الأهمية، منهم من يطلق أنه يعود إلى الجمل كلها، وهذا ليس بصحيح، ففي القذف لا يرتفع عنه الحد ولو تاب، يرتفع عنه وصف الفسق اتفاقاً، لكن مع ارتفاع وصف الفسق هل تقبل شهادته مع قوله تعالى: {أَبَدًا}؟ {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [(4) سورة النور]؟ يعني مع التأبيد في عدم قبولها، مسألة خلافية بين أهل العلم، والوقت لا يستوعب التفصيل في مثل هذا.
ونعود ونكرر أن نقول: إن النصوص تفسر بفهم السلف، ولا يجوز لأحد أن يحدث قولاً إلا أن يأتي به على سبيل الترجي، حتى يقف على قولٍ لأحد الأئمة، يقول لعل كذا، لعل كذا.
يقول: في وقت انقطاع الحيض، فهل لها أن تصلي الوقت الذي قبل الوقت. . . . . . . . . عند الطهر احتياطاً؟
نعم هو قول الأكثر، إذا طهرت في وقت العصر تصلي العصر وما يجمع إليها وهي الظهر، وإذا طهرت في وقت العشاء تصليها وما يجمع إليها وهي المغرب، وهذا هو الأحوط، وإن كان الاستدلال له فيه ما فيه، لكن هو الأحوط، وهو قول الأكثر، ومن أهل العلم من يرى أنها لا تلزم إلا بالوقت الذي وقت الحاضرة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(9/31)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب الطهارة (11)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يسأل يقول: هل يجوز السؤال بوجه الله -عز وجل-؟
كأن يقول السائل: "اللهم إني أسألك بوجهك كذا" جاء في الخبر: ((لا يسأل بوجه الله إلا الجنة)) وما عدا ذلك فلا.
يقول: فهمت من كلامكم أن الغسل يغني عن الوضوء، فهل لو اغتسل ولم يتمضمض ويستنشق فهل يكفي؟
المضمضة والاستنشاق في الغسل القول بها أقوى من القول بها في الوضوء، فالذي لا يرى المضمضة والاستنشاق مطلقاً يكفي، لكن الذي يرى المضمضة والاستنشاق في الوضوء يراها في الغسل من باب أولى، والقائلون بالمضمضة والاستنشاق في الغسل أكثر من القائلين بهما في الوضوء.
يقول: كثير من طلاب العلم إذا سمع ما يذكره العلماء من الجهد الذي يجب أن يبذل في تحصيل العلم يصاب بإحباط، فهل هذا الجهد المبذول في التحصيل يتفاوت من شخص لآخر حيث أن بعض الناس يكفيه القليل من الجهد، والبعض الآخر ليس كذلك؟
لا شك أن الناس يتفاوتون، منهم القوي في الفهم والحفظ، فهذا لا يحتاج من الجهد ما يحتاجه من هو أضعف منه فهماً وحفظاً، على أن الجهد ينبغي أن يبذل؛ لأن العلم لا نهاية له، حتى من رزقه الله الحافظة القوية والفهم الثاقب هذا ينبغي أن يبذل جهد، وإذا علم النتيجة هان عليه الأمر، وعلى كل حال المطلوب التسديد والمقاربة؛ لأن العلم عبادة، وقد أمرنا بالتسديد والمقاربة في العبادات كلها.
فلا ينبغي أن يكون الإنسان مثل المنبت الذي لا ظهراً أبقى، ولا أرضاً قطع، يحمل نفسه ما تطيق، وإذا عرف أن قدرته لا تتحمل حفظ ورقة، نصف ورقة الحمد لله، ربع ورقة، آية في كل يوم، آيتين، حديث واحد، حديثين، ومع الوقت يدرك -إن شاء الله-، لكن الإشكال الذي يحمل نفسه ما لا تطيق، ويكون عنده الحرص أكثر من طاقته، فيريد أن يحفظ مثلاً القرآن في شهر، أو في شهرين، أو في ثلاثة، أو في أكثر أو أقل، والحافظة لا تساعد مثل هذا ينقطع، يمل وينقطع، لكن لو عمل بالتدريج، وأخذ العلم بالتوقيت شيئاً فشيئاً، حتى ينمو العلم، ويحصل منه ما يكفيه -إن شاء الله-، ويعينه على أمور دينه ودنياه.(10/1)
المقصود أن على الإنسان أن يتوسط في أموره كلها، لا يبذل من الجهد ما يشق عليه، ويحمل على الترك، ((مه، عليكم من العمل ما تطيقون، إن الدين يسر، ولا يشاد الدين أحد إلا غلبه)) والله المستعان.
يقول: هل الخاتم سنة؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- اتخذ الخاتم، اتخذه حينما قيل له: إن فارس لا يقرءون إلا ما كان مختوماً، ولذا يرجح بعض أهل العلم أنه سنة لمن يحتاجه، من يحتاجه من أمير وقاضي ووالي وموظف ومدير، أو ما أشبه ذلك، يحتاجه، أما من لا يحتاجه فيرونه من باب العادات.
ما حكم لبس الحديد؟
لبس الحديد جاء ما يدل على أنه حلية أهل النار، لكن الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم بلبس الحديد، وأورد حديث الواهبة: ((التمس ولو خاتماً من حديد)) فالحديث يدل على جواز لبسه، وهو في الصحيحين، يدل على أنه يضعف الحديث الآخر، والحديث الآخر في السنن، الحديد يشترك فيه الرجل والمرأة، لكن حديث الواهبة وفيه: ((التمس ولو ... )) يدل على الجواز للجميع، يطلبه من الرجل يقول: هات من أمك خاتم؟ نقول: أنت هات خاتم، يدل على أنه خاتم عنده، فلولا جواز لبسه لما أقره في حديث الواهبة، ما شكوا في السنن ((حلية أهل النار)) وصححه بعضهم، لكن يبقى أن هذا اختيار الإمام البخاري، ذكرت أن الإمام البخاري ترجم بالحديث لبس خاتم الحديد، وأورد حديث الواهبة، إيش يدل عليه هذا؟ يدل على أنه ضعف الحديث الآخر.
يقول: هل الآن المسلمون في نازلة ويدعى لهم من قبل أئمة المساجد؟
على كل حال مثل هذا له مرجع، له العلماء الكبار إذا أوصوا به لا بأس -إن شاء الله-.
يقول: ما حكم الجهاد في هذا الزمان؟
الجهاد فريضة من فرائض الدين، ماضية إلى قيام الساعة، لكن بالنسبة لمن دهمهم العدو فرضاً عليهم على الأعيان، ومن سواهم فرض على الكفاية.
يقول: هل لمن أخلص النية وحددها للدارسة النظامية مثل الجامعية وغيرها أفتونا مأجورين؟(10/2)
يتقرب بها، إذا كانت دراسة العلوم الشرعية يتقرب بها؛ لأن الأصل فيها القربة، فإذا أخلص النية في دراسته النظامية ويش المانع؟ لكن الدارسة النظامية يعتريها من مما يعترض في طريق النية أكثر مما يعتري غيرها، لأن فيها شهادة في المستقبل، وفيها أمور، هذا الذي يجعل كثير من طلاب العلم يقولون: لا نستطيع أن نخلص، لكن أذا أخلص الحمد لله ويش المانع؟ هو علم من العلوم، وكذلك العلوم الأخرى علوم الدنيا إذا قصد بها وجه الله -عز وجل-، وإلا فالأصل فيها الإباحة.
يقول: هل إذا صام رجل ست من شوال وأدخل مع ذلك نية النذر هل يجزئ؟
لا يجزئ، النذر واجب مستقل لا يدخل فيه غيره، فيفي بالنذر إن شاء قبل الست أو بعده، المقصود أنه لا يدخل فيه.
يقول: هناك قطرات تنزل بعد التبول والوضوء بوقت ربع ساعة، ليس كل مرة بل أحياناً، في كل يوم ... ، فما الحكم لمثل هذا الإحساس؟
على كل حال إذا كثر وشق، واستنجى الاستنجاء المطلوب، ونضح سراويله يكفي، ولا يلتفت إلى ما يخرج بعد ذلك، لكن إذا لم ينضح وتأكد أنه خرج منه شيء، انتقض وضوؤه.
يقول: ما القول في الخط الذي يوضع لأجل تسوية الصفوف، ومثله الخط الموجود بحذاء الحجر الأسود، وما الضابط لعمل مثل هذا؟(10/3)
السبب قالوا: إنه قائم في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وما قام سببه ولم يفعله -عليه الصلاة والسلام- فهو داخل في حيز الابتداع، لكن ينبغي أن ينظر إلى السبب هل هو بمستوى السبب القائم الآن، أو أضعف، أو أكثر، يعني إذا قلنا مثلاً: الصفوف، ننظر إلى مسجده -عليه الصلاة والسلام-، وهو مفروش بالرمل، تراب، فلا يتأتى فيه الخط، الأمر الثاني: أن عرضه ما هو مثل عرض الصفوف مثل المساجد الآن الكبيرة التي لا ينتظم فيها المصلون، فالسبب قائم، لكنه ليس بمستوى السبب الذي عليه الناس الآن، والناس يمتثلون أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عند تسوية الصفوف إذا قال: استووا، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يعني بتسوية الصفوف، لكن مع غفلة الناس اليوم وإعراضهم وإدبارهم، الإمام يقول: استووا، وهم في الصفوف متقدم ومتأخر، كذلك الخط الموجود في حذاء الحجر الأسود نفس الشيء واحد يسأل يقول: إنه بدأ الطواف من رجل إسماعيل، كيف رجل إسماعيل؟ يعني لولا وجود مثل هذا الخط، واتفاق الناس عليه من البداءة منه لخفي على كثير من الناس من أين يبدأ؟ مع جهل الناس وإعراضهم عن تعلم دينهم، ولا نقول: إن هذا مبرر لبقاء مثل هذا الخط، أو هذه الخطوط، لكن هذه وجهة نظر من يقول بأنه الأولى بقاؤها؛ لأنها تحقق مصالح، ولا يترتب عليها مفاسد، أما في صفوف المساجد فلا مفسد ألبتة، في محاذاة الحجر فيه مفاسد، وفيه زحام، لكن ينبغي أن توسع دائرة هذا الخط؛ لكي تستوعب أكبر قدر ممكن، هذا عند من يقول ببقائها، والمطالبة قائمة الآن بإزالة الخط؛ لأنه ترتب عليه زحام، وترتب عليه أمور، وهو لا يوجد في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا عصر السلف الصالح، فهذا مبرر لإزالته، لكن يترتب عليه بطلان هذا الركن من ذلك النسك، الذي هو ركن من أركان الإسلام، الطواف ركن، والحج ركن من أركان الإسلام، فإذا بطل هذا الركن بطل ما طلب له.
يقول: هذا المصحف من طباعة مجمع الملك فهد، وفيه إخلال في ترتيبه، حيث تداخلت صورة البقرة وآل عمران والنساء، فهذا الذي رأيته ولا أدري عن غيره؟(10/4)
ما يلزم؛ لأنه ما دام ما هو بتجليد المجمع، ما دام ما هو بتجليد المجمع، احتمال المجلد وهو العادة أن المجلد يفك الملازم ينثرها نثر، ثم بعد ذلك يخيطها من جديد، فاحتمال أن يكون بعضها تقدم، وبعضها تأخر، فلو وجد من تجليد المجمع بهذا الترتيب المخل، لا شك أن هذه أمر عظيم، والذي نعرف أن المجمع فيه عناية فائقة، يعني في أوائل بداية الطباعة في الطبعة الأولى يقولون: إنهم وجدوا في المراجعة مائة وأربعين شيئاً لا يمكن يعني شيء سهل جداً، فهم تعبوا عليه، وأتقنوه وضبطوه، ولا شك أن عمل البشر معرض للخطأ، لكن هذا الكتاب محفوظ مصون، تولى الله -جل وعلا- حفظه والعناية به، ما وكله إلى أحد، لكن الذي يغلب على الظن أن الترتيب هذا من المجلد، لكن لو أتي بتجليد المجمع وهو معروف المجمع يجلد، ووجد هذا الخلل صار له أصل.
يقول: هل مس الإلية والخصيتين يوجب الوضوء؟
أما بالنسبة للإلية فلا، وأما الخصيتين جاء فيه: ((من مس ذكره وأنثييه)) هذه الزيادة بعضهم يرى أنها مدرجة، وبعضهم يرى أنها من أصل الحديث، وعلى كل حال الأصل مس الذكر.
المريض والعاجز عن التيمم بنفسه أذا أردت أن أتولى هذا، فهل أضرب بيديه التراب؟
إن أمكن أن تضرب التراب بيديه بيدي المريض فهو أفضل، وتمسح بهما، وإن لم تستطع فاضرب بيديك وامسح وجهه ويديه، وحينئذٍ تمسح ظاهر الكف وباطنه.
يقول: سؤالي عن الزيادة التي يأخذها بعض أصحاب المحلات في حالة الشراء ببطاقة الائتمان، أنا أريد أن استأجر بيتاً إذا دفعت كاش ثمانية عشر ألف، وإذا دفعت ببطاقة يأخذوا النسبة، يقول: أنا خارج المملكة؟(10/5)
يأخذوا النسبة في مقابل، مقابل إيش؟ أولاً: بالنسبة لمسألة هذه الزيادة في مقابل شراء سيارة، وأجرة بيت، هذا يجوز أن يباع به نسيئة متفاضل لا شك، لا إشكال، لكن لا بد أن يسأل عن هذه الزيادة، هذا النسبة بسبب ايش؛ لأنها هي أولاً: لا مدخل لها في الربا؛ لأنك تستأجر إن دفعت كاش ثمانية عشر ألف، وإذا أخرت تسعة عشر إيش المانع؟ ولو صارت مؤجلة بخمسة وعشرين ألف ويش المانع؟ لكن يُسأل عن سبب هذه الزيادة، هل لأن الثمانية عشر مقبوضة هي المقابلة للتسعة عشر غير مقبوضة؟ هذا شيء، وإذا كانت أجرة المحل تزيد وتنقص تبعاً لتعجيل الدفع هذا لا إشكال فيه نهائياً.
طالب:. . . . . . . . .
لا هذا دراهم بدراهم، يعني إذا كان سؤاله عن هذا، إذا كان يأخذ منهم ثمانية عشرة ألفاً ليستأجر بها، أنا توقعت أن الذي يأخذ الزيادة صاحب المحل، أما إذا كان البنك الذي يأخذ، أو المصرف الذي يأخذ هذا عين الربا.
يقول: أنا أخرج مع أمي إلى السوق طاعة لها، ولكن إذا رأيت بعض النساء وخاصة المتبرجات يصيبني مرض وخوف، فهل أعصي أمي في هذا، أو بعض الأحيان أذهب معها إلى المستشفى، ويحصل مثل ما يحصل في السوق؟
طاعة الأم واجبة، برها واجب متعين، وإذا لم يكن هناك غيرك من يقوم بحاجتها فلا بد لك من إجابتها، ومع ذلك عليك أن تحرص على غض بصرك بقدر الإمكان.
يقول: بالنسبة لمسألة التيمم إذا صلى وهو في أثناء الصلاة حضر الماء ما الراجح في هذه الحالة يقطع الصلاة؟
نعم يقطع الصلاة؛ لأن صحة التيمم مشروطة بفقدان الماء، وهو الآن واجد للماء.
كنا نجد راحة وطمائنينة، ونحن نتقلب في طاعة الله في رمضان، وبعده بأيام، ولكن بدأ الضعف والفتور يدب فينا، فهل من أحاديث أو آيات تشحذ الهمم؟
على كل حال أهل العلم كتبوا في الباب أمور كثيرة؛ لمثل هذا الظرف ولغيره من الظروف، والفتور لا بد أن يوجد، من كان فتوره إلى سنة فنعم ما يفتر إليه، لكن لا يفتر عن ترك واجب، أو يفتر بحث يفعل محرم، لا، الزواجر من القرآن والسنة كثيرة، وأحاديث الرقاق التي يسأل الأخ السائل الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- أبدع في هذه الأبواب، فعلى طالب العلم أن يداوم النظر فيها.(10/6)
يقول: ما نصيحتكم في: حفظ القرآن بعد صلاة الفجر، أو حضور الدروس العلمية، حضور دروس الشيخ ابن جبرين للمبتدئ، التفرغ لطلب العلم أم الاستمرار في عملي، وعملي يأخذ الساعات الطوال؟
بعد صلاة الفجر إن كان هناك من أهل العلم من يفوت علمه ولا يدرك في غير هذا الوقت فيقدم، وإلا فالأصل أن مثل هذا الوقت من أنفع الأوقات لحفظ القرآن، من أنفع الأوقات للحفظ، فلو استغل هذا الوقت إلى انتشار الشمس في الحفظ كان أطيب، وأن كان هناك من يفوت علمه وليست له دروس إلا في هذا الوقت فيستغل، ويعوض للحفظ وقت أخر.
حضور دروس الشيخ ابن جبرين للمبتدئ، الشيخ من العلماء البارزين المحققين في العصر، وتحديد المبتدئ من غيره فيه اضطراب الآن؛ لأنه الشيخ أحياناً يشرح كتب تصلح للمبتدئين، وينزل في الأسلوب أحياناً بما يناسب المبتدئين، فحرمان المبتدئين من حرمان الشيخ ما هو بوارد، لكن يستفاد منه بقدر الإمكان.
التفرغ لطلب العلم أو الاستمرار في عملي، وعملي يأخذ الساعات الطوال؟
إن كنت مضطراً إلى عملك فالزم عملك، ولا تنس العلم، اقتطع له من وقتك ما يكفي، واجمع بين الأمرين، وإن كنت في غنية عن هذا العمل فاستغلال الوقت في العلم والعمل أولى، {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص].
يقول: هل تنصحني بحفظ الموطأ؛ لأني حضرت شرحه، ولم أحفظ منه شيئاً حتى الآن، أم لا بد من حفظ الصحيحين قبل ذلك؟
الجادة المعروفة عند أهل العلم أن تحفظ المتون الصغيرة، ثم بعد ذلكم يترقى إلى ما هو أكبر منها، وجاء في بيان معنى الرباني مذكور في .. ، عن ابن عباس: "الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره" فتحفظ الأربعين والبلوغ أو المحرر، وقبلهما العمدة، ثم بعد ذلكم يترقى إلى ما هو أولى.
الموطأ فيه أقوال كثيرة من أقوال الإمام مالك، ومن الأخبار المقطوعة الموقوفة على التابعين، فمن بعدهم، فالصحيحين أولى منه.
يقول: في يوم الجمعة وبعد أن اغتسلت ولبست الجوارب وفي يوم السبت بعد المغرب قمت بتبديل الجوارب، ولا أدري عند ما نزعت الجوربين، هل توضأت أما لا؟
هاه؟(10/7)
يقول: الجوربين الأولى هل توضأت أم لا؟ وبقيت على الجوارب الثانية؟ أيهما العليا يقول: يوم الجمعة بعد أن اغتسلت ولبست الجوارب، وفي يوم السبت بعد المغرب قمت بتبديل الجوارب.
بدلها غيرها.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يصلح، يقول: "في يوم السبت بعد المغرب" احتمال أنه ما مسح العصر، ما مسح إلا المغرب، وهنا يقول: في يوم السبت بعد المغرب، إن كان مسح العصر فينتهي المسح بصلاة العصر، لا يجوز له أن يمسح العصر السبت.
وبقيت علي الجوارب الثانية، ما أدري بعد ما لبست الجوارب الثانية، ما يدري هل توضأ أم لا؟
إلى يوم الأحد في الحادية عشرة ليلاً تقريباً هذا وأنا أعلم بأن المقيم يمسح على الجوارب يوم وليلة، ولكني نسيت هذا الحكم، علماً بأني أسكن في الرياض للدارسة الجامعية؟
على كل حال لا يجوز لك أن تمسح أكثر من يوم وليلة، فإذا لبستها بعد اغتسالك لصلاة الجمعة، ومسحت عليها العصر تخلعها عصر يوم السبت، ولا يجوز لك أن تزيد على ذلك، فإذا زدت فقد صليت بوضوء ناقص، لم يؤذن لك بالمسح على الجوارب، وحينئذٍ تعيد الوضوء، وتعيد الصلاة.
يقول: روى الطبراني في معجمه بإسناده عن قيس بن طوق عن أبيه مرفوعاً: ((من مس ذكره فليتوضأ)) صححه الطبراني، وقال: ويشبه أن يكون طلق سمع الناسخ والمنسوخ؟
هذا يؤيد القول بأن مس الذكر ينقض الوضوء.
يقول: امرأة حيضتها سبعة أيام، ولها عادة أنها إذا صارت في اليوم السادس طهرت لمدة يوم، ثم رجع إليها الدم يوماً أو يومين؟
طهرها في اليوم السادس إن كانت ترى الطهر القصة البيضاء، فما يأتي بعدها ليس له حكم الحيض، وإن كانت لا ترى الطهر، ثم ينقطع عنها الدم، ثم يعود إليها فما يعود إليها إذا كان بنفس المواصفات، مواصفات دم الحيض من اللون والرائحة فهو حيض وإلا فلا.
الدم الذي ينزل من النفساء بعد الأربعين يوماً وليلة؟
بعدا لأربعين لا حكم له، يكون حكمه حكم الاستحاضة.
يقول: ما هي الفرقة الناجية؟
هي التي على ما كان عليه -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه، ممن اتبع النبي -عليه الصلاة والسلام- في أقوله وأفعاله، على ما كان عليه -عليه الصلاة والسلام-، هي الفرقة الناجية.
يقول: ما الضابط في الحركة التي تفسد الصلاة بها؟(10/8)
أهل العلم يقولون: إذا تحرك ثلاث حركات في ركن واحد بطلت الصلاة.
ما حكم تفسير الصحابي؟
تفسير الصحابي عده بعض أهل العلم من المرفوع، وإن لم يصرح برفعه؛ لأنه لا يتصور أن يقول في كلام الله -عز وجل- برأيه، مع علمه بالتشديد في ذلك، لكن الواقع يشهد بخلاف ذلك، وإن قال به الحاكم، يقول: تفسير الصحابي له حكم الرفع، لكن أهل العلم حملوا كلام الحاكم على أسباب النزول.
وعدّ ما فسره الصحابي ... رفعاً فمحول على الأسبابِ
فالصحابة أعرف الناس بتفسير القرآن.
يقول: ما حكم الحديث الذي يرويه الصحابي إذا كان صغيراً؟
إذا روى الصغير، تحمل في حال الصبا قبل البلوغ يصح تحمله إذا أده بعد البلوغ، نعم التبليغ البلوغ، عند عامة أهل العلم، وأما بالنسبة للتحمل التمييز، التحمل يصح بعد التمييز، والأداء لا بد من أن يكون مكلفاً، أما بالنسبة للصحابة -رضوان الله عليهم-، حتى ولو قدر أنهم لم يسمعوه من النبي -عليه الصلاة والسلام- لصغر، أو لتأخر إسلام، أو لغيبةٍ عن التحديث، فمراسيل الصحابة مقبولة عند عامة أهل العلم، وقد نقل عليه الاتفاق، وإن خالف في ذلك أبو إسحاق الاسفرائيني.
أما الذي أرسله الصحابي ... فحكمه الوصل على الصوابِ
إذا أضاف الصحابي الفعل إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مرفوع "كنا نعزل، والقرآن ينزل" "ذبحنا فرساً على عهد رسول الله" عده أهل العلم من المرفوع؛ لأنه في وقت التنزيل، وإن فرق بعضهم بين ما يخفى وما لا يخفى، على أن قول جابر: "كنا نعزل، والقرآن ينزل" مما يخفى.
يقول: ماذا يفهم منه إن لم يضفه؟
إن لم يضفه، كنا نفعل، لم يضفه إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، إن كان يستدل بهذا القول على حكم شرعي، فالذي يغلب على الظن أنه يريد عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولم يصرح به؛ لأنه بصدد الاستدلال على حكم شرعي، وإن كان في مسألة عادية فالأمر سهل.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء.
قال الإمام يحيى -رحمه الله تعالى-:
باب: المستحاضة(10/9)
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش: يا رسول الله إني لا أطهر افأدعُ الصلاة، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما ذلك عرق، وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنكِ، وصلي)).
عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن امرأة كانت تهراق الدماء في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لتنظر إلى عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب، ثم لتصلي)).
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة أنها رأت زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وكانت تستحاض، فكانت تغتسل وتصلي.
عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن أن القعقاع بن حكيم، وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب يسأله كيف تغتسل المستحاضة؟ فقال: "تغتسل من طهر إلى طهر، وتتوضأ لكل صلاة، فإن غلبها الدم استثفرت".
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: "ليس على المستحاضة إلا أن تغتسل غسلاً واحداً، ثم تتوضأ بعد ذلك لكل صلاة".
قال مالك: الأمر عندنا أن المستحاضة إذا صلت أن لزوجها أن يصيبها، وكذلك النفساء إذا بلغت أقصى ما يمسك النساء الدم، فإن رأت الدم بعد ذلك فإنه يصيبها زوجها، وإنما هي بمنزلة المستحاضة.
قال مالك: "الأمر عندنا في المستحاضة على حديث هشام بن عروة عن أبيه، وهو أحب ما سمعت إلي في ذلك".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: المستحاضة
المستحاضة هي التي لا يرقأ دم حيضتها، كما قال ابن سيدة، وقال الجوهري: استحيضت المرأة أي استمر بها الدم بعد أيامها، فالمستحاضة هي التي ينزل عليها الدم في غير وقت العادة.(10/10)
يقول الأزهري: الحيض جريان دم المرأة في أوقات معلومة يرخيه قعر الرحم بعد بلوغها، والاستحاضة جريانه في غير أوانه، يسيل من عرق في أدنى الرحم دون قعره، الأزهري النقل عن ابن سيدة في الاستحاضة والمستحاضة التي لا يرقأ دم حيضتها، والجوهري يقول: استحيضت المرأة أي استمر بها الدم بعد أيامها.
والأزهري يقول: الحيض جريان دم المرأة في أوقات معلومة يرخيه قعر الرحم بعد بلوغها، والاستحاضة جريانه في غير أوانه، يسيل من عرق في أدنى الرحم دون قعره، تلاحظون النقل مع أن هؤلاء من المتقدمين من أهل اللغة، وتنبغي العناية بهم؛ لأن المتأخرين تأثروا بالاصطلاحات والمذاهب، المتأخرين نعم المتأخرون من أهل اللغة تأثروا بالمذاهب الأصلية والفرعية، فتجدون لمذاهبهم أثراً في كتبهم، وهذا مسائل تختلف فيها المذاهب، فإذا ذهبت إلى كتاب متأخر لتبحث عن معنى هذه الكلمة في اللغة تجد أن المذهب الفقهي له أثر أو العقدي، فالأولى بطالب العلم أن يعني بالمتقدمين، وكثير من طلاب العلم عنايتهم بكتب -وإن كانت محسوبة ومعدودة من كتب اللغة- إلا أنها تخدم مذاهب بعينها، كثير من الإخوان يرجع في تعريف الاصطلاحات الفقيه إلى المصباح المنير مثلاً، هذا يخدم غريب الفقه الشافعي، والباحث ينبغي أن يكون متجرداً، إذا أراد أن يبحث أصل المسألة يبحثها من كتاب متجرد، أو يجمع بين كتب تجمع المذاهب كلها؛ ليتبين له هذه الفروق المؤثرة؛ لأن بعض .. ، مثلاً لو أردت تعريف الخمر، وذهبت إلى المطرزي مثلاً، وجدت أثر المذهب في تعريف الخمر مثلاً، وإن عرفته من كتب من الطرف الآخر الذي يختلف مع الحنيفة في حقيقة الأمر، نازعك الحنفي في التعريف، فإما أن تذهب إلى كتب المتقدمين، وهو الأولى لك، ومن خير ما يرجع إليه كتاب تهذيب اللغة للأزهري، الجوهري في صحاحه على أوهام فيه فهو أولى، أولى من كتب المتأخرين.(10/11)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: قالت فاطمة بنتُ أبي حبيش" القرشية الأسدية "يا رسول الله إني لا أطهر" أي لا ينقطع عنها الدم "أفأدع الصلاة؟ " يعني حتى ينقطع، ولو مكث سنة، سنتين؛ لأن منهن من استحيضت سبع سنين، فهل تدع الصلاة هذا المدة الطويلة، أشكل عليها أن تصلي والصلاة يطلب لها الطهارة، ونزول الدم ناقض للطهارة، والحائض ممنوعة من الصلاة، بل تحرم عليها، أشكل عليها هذا، فسألت: "أفأدع الصلاة؟ فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما ذلك عرق)) " في أدنى الرحم ((وليست بالحيضة)) يعني على اصطلاح الناس اليوم يسمونه إيش؟ نزيف ((إنما ذلك عرق وليس بالحيضة -التي تمنع من الصيام والصلاة- فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة)) وجوباً، فيحرم على الحائض أن تصوم، أو أن تصلي وقت حيضها، ولذا يقول أهل العلم: "ولا يصحان منها بل يحرمان".
((فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فغسلي عنك الدم وصلي)) قدرها من إيش؟ من الوقت، نعم، يعني قدر ما كانت تحيض قبل الاستحاضة، فإذا كانت عادتها سبعة أيام في وقت معلوم من الشهر، إذا جاء هذا الوقت تترك الصلاة فيه.
ومقتضى هذا أنه ولو كان لون الدم واحداً لم يتغير، وهذا يحتج به من يقول: إن المستحاضة تعمل بالعادة، بعادتها، ولا تنظر إلى الدم؛ لأنه يقول: ((فإذا أقبلت)) إذا أقبلت الحيضة كيف تعرف الحيضة؟ إما بالوقت أو بالتمييز، باللون والرائحة، وجاء ما يدل على الوقت، وجاء ما يدل على التمييز، وبكل منهما قال جمع من الأئمة.
((فإذا ذهب قدها)) أي زمنها ((فاغسلي عنك الدم وصلي)) بعد الاغتسال من هذه العادة المقدرة، ولو لم يتحدد لها أول ولا آخر من خلال ....
ونرى في الحديث الذي يليه، يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن امرأة" قال أيوب السختياني: هي فاطمة بنت أبي حبيش التي في الحديث السابق، القصة واحدة "أن امرأة كانت تهراق الدماء".(10/12)
روى الليث وغيره عن سليمان بن يسار أن رجلاً أخبره عن أم سلمة، هنا يقول: عن سليمان بن يسار عن أم سلمة مباشرة، وروى الليث عن سليمان بن يسار راويه، يكون عندنا أن رجلاً أخبره عن أم سلمة فهو على هذا إيش؟ منقطع.
قال النووي في الخلاصة: حديث صحيح، رواه مالك والشافعي وأحمد أبو داود والنسائي بأسانيد على شرط البخاري ومسلم، فلم يلتفت النووي إلى رواية الليث، ولا يمنع أن يكون سليمان رواه بواسطة مرة، ومرة بغير واسطة، مرة رواه بالواسطة ومرة بغير واسطة، الذي يقدح إذا لم يروه إلا بواسطة، ثم أبهم الواسطة في طريق، وأسقطها في طريق آخر، هذا يضر، يؤثر، لكن إذا روى الخبر بغير واسطة، أو رواه بواسطة، ثم تيسر له أن يصل إليه بغير واسطة، العلو مطلوب، فكونه يسقط الواسطة لا بأس، وكونه يذكر الواسطة أحياناً، ويسقطها أحياناً لا بأس، وهذا إذا غلب على الظن ذلك؛ لأنه لا يحكم بحكم مطرد في مثل هذا، أن سليمان رواه بواسطة أو بدون واسطة، إذا دلت القرائن على أنه رواه بغير واسطة كما استروح إليه النووي في كلامه الذي ذكرنا، فالأمر ليس بمستبعد، فهو ممكن، أقول: ممكن، سليمان أدرك أم سلمة.
"أن امرأة كانت تهراق الدماء" يعني من كثرته "في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاستفتت لها أم سلمة" استفتت لها بأمرها إيّاها، يعني طلبت منها أن تستفتي النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي الحديث السابق هي السائلة، في الحديث الذي قبله ماذا قالت؟ نعم؟ "يا رسول الله إني لا أطهر أفأدع؟ " هي السائلة، فيتحمل أنها أمرت أم سلمة أن تسأل، ثم سألت لتتأكد، أو أنها سألت أولاً، ثم نسيت، فأمرت أم سلمة، خجلت أن تسأل ثانية، مثلما تقدم في حديث علي: "كنت رجل مذاءً فأمرت المقداد" وفي بعض طرقه أنه سأل، ويطلق على الآمر أنه سائل، إذا كلف أحد يسأل فقد سأل، وعلى كل حال الأمر سهل في مثل هذا.(10/13)
"فاستفتت لها أم سلمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لتنظر)) " اللام لا م الأمر " ((إلى عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة)) " يعني والصيام قدر ذلك من الشهر ((فإذا خلفت ذلك فلتغتسل)) خلفت تلك الأيام، يعني تركتها وراء ((فلتغتسل، ثم لتستثفر)) تشد فرجها بثوب ((ثم لتصلي)) عندكم ياء وإلا ما في ياء؟ نعم؟ اللام لام إيش؟ يأتي لام الأمر مع الياء؟ أو نقول: الياء للإشباع؟ {إنه من يتقي ويصبر} [(90) سورة يوسف].
"ألم يأتيك والأنباء تنمي" هذا إشباع.
في حديث فاطمة هذا براويتيه دليل على العمل بالعادة، وهذا بالنسبة للمعتادة، غير المعتادة لا تخلو إما أن تكون مميزة أو غير مميزة، فإن كانت مميزة إيش يعني مميزة؟ يعني بلغت سن التمييز؟ أي نعم تميز الدم، تميز دم عادتها من غيره، إن لم تكن معتادة وكانت مميزة تعمل بالتمييز، إن لم تكن معتادة ولا مميزة تنظر إلى عادة قريباتها، لكن إذا وجد معتادة مميزة في الوقت نفسه، يعني عادتها قبل الاستحاضة سبعة أيام، ثم جاءتها الاستحاضة ستة أشهر مثلاً، وفي كل شهر يأتيها الدم الأسود المنتن خمسة أيام مثلاً، هل تجلس سبعة أيام باعتبار عادتها السابقة وهي معتادة، أو تجلس هذه الخمسة؟ وبأسلوب آخر أو بعبارة أخرى هل المقدم العادة أو التمييز؟
الآن عندنا في الحديث العادة، وجاء ما يدل على اعتبار التمييز، والنظر إلى لون الدم، فإنه أسود يُعرِف، يعني له رائحة، أو يُعرَف، فهل المقدم العادة أو التمييز؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، فالحديث فيه عمل المعتادة بعادتها، وبه قال أبو حنيفة وأحمد والشافعي في أحد قوليه، سواء كانت مميزة أو لا، تعمل بالعادة، ومذهب مالك وأصح قولي الشافعي أن المميزة تعمل بالتمييز، وإن كانت غير مميزة دمها لا يتغير فالعادة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني كالمبتدئة؟ يعني كالمبتدئة إذا تكرر ثلاثاً استقرت عادتها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(10/14)
لا هو عندنا النصوص كلها تدل على العادة أو التمييز، أو ترد إلى نسائها، فأن كانت معتادة ومميزة في الوقت نفسه فالخلاف يحصل، إن كانت معتادة فقط دون تمييز ترد إلى عادتها، إن كانت مميزة دون عادة ترد على التمييز، إن كانت معتادة مميزة فالخلاف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا اللي يظهر أن القوة في التمييز أكثر من العادة، القوة في التمييز أكثر من العادة، القوة في التمييز في تمييز الدم لونه في وقت الصحة، يعني قبل الاستحاضة نعم له لون معين، ويأتي هذا اللون في أثناء مدة الاستحاضة، لا شك أن هذا أقوى من مسألة أيام؛ لأن جريان الدم لمدة شهر كامل عادتها تأتي في الثلث الأول، نعم، ما الفرق بين الدم الذي في الثلث الأول إذا كان لا يتغير عن الدم الذي في الثلث الثاني؟ يعني لولا وجود هذه النصوص التي ترد فيها المرأة إلى عادتها اختلطت الأمور، نعم، لكن التمييز شبه يقين، فالذي يترجح عندي العمل بالتمييز أقوى من العمل بالعادة، لكن إذا لم يوجد تمييز ترد إلى عادتها، والنصوص صحيحة وصريحة في الباب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المسألة إذا تعدت، إذا انتهت عادتها فلا تعتبر، إذا كانت في أثناء وقت العادة تعد، والمسألة مفترضة في مستحاضة الدم جاري فلا يرد مسألة صفرة ولا كدرة.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ هذا في حيض وإلا في استحاضة يجي صفرة وكدرة؟ الدم جارٍ باستمرار، يعني الصفرة والكدرة التي كانت تأتيها قبل الاستحاضة هذه الكدرة والصفرة كانت تأتيها في أثناء مدة الحيض أو بعد نهايته؟ المقصود أنها إذا رأت الطهر فلا اعتبار بصفرة ولا كدرة، إذا لم تر الطهر فالصفرة والكدرة حيض، قول أم عطية، ويش كانت ترى هذه الصفرة والكدرة بعد الطهر وإلا قبل الطهر؟ قبل الطهر حيض، نعم، وفيها الصفرة والكدرة، لكن هذه الصفرة قبل رؤية الطهر، الحد الفاصل هو رؤية الطهر، فإذا وجد الطهر فما قبله معتبر، وما بعده غير معتبر.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة"(10/15)
الوسواس عند النساء كما يحصل في الطهارة، في الوضوء، في النية، وما أشبه ذلك يأتي هنا، امرأة منذ أيام، وهي تتصل وتقول: إنه يزيد وينقص، وما أدري إيش؟ طيب أنت ميزي، تقول: ما أدري، ترين طهر؟ تقول: أرى طهر، ويش نوع هذه الرؤية؟ ما تدري يعني امرأة معتادة من سنين، لكن سببه الوسواس؛ لأنها تقول: أخشى أكفر، ما هنا كفر، أنت تأكدي بس، هل حيض وإلا ما هو بحيض؟ وإن كان حيض حرام تصلي بعد، فالمسألة تحتاج إلى أن تتفقه النساء في هذا الباب، لا بد أن يتفقه النساء في هذا الباب؛ لأنه مثلما ذكرنا سابقاً أن الاحتياط فيه صعب، ما يمكن الاحتياط فيه، إن صلت في وقت العادة ارتكبت محرم، وإن تركت الصلاة في وقت الطهر فالأمر أعظم.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة أنها رأت زينب بنت جحش" التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وكانت تستحاض، فكانت تغتسل وتصلي.
بنات جحش مبتليات، ثلاث، زينب التي هي أم المؤمنين -رضي الله عنها-، وكانت تحت زيد بن الحارث {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [(37) سورة الأحزاب] ولم تكن في يوم من الأيام تحت عبد الرحمن بن عوف، هذه واحدة، الثانية أم حبيبة، زينب هذه كان اسمها: "برة" فغير، غيره النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى "زينب"، الثانية أم حبيبة هي زوج "عبد الرحمن بن عوف" وهذه كنية، ولا يبعد أن يكون اسمها: "زينب" لأن الاسم الثاني طارئ بالنسبة لأختها، والثالثة "حمنة" وهي زوج طلحة بن عبيد الله.
طالب:. . . . . . . . .
احتمال، لكنها بلا شك زوجة طلحة بن عبيد الله، وكلهن مبتليات بالاستحاضة.
"أنها رأت زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وكانت تستحاض، فكانت تغتسل وتصلي" يعني إذا ذهبت، أو إذا ذهب وقت عادتها، ذهبت حيضتها تغتسل وتصلي.(10/16)
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن القعقاع بن حكيم" الكناني "وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب يسأله، كيف تغتسل المستحاضة؟ فقال: "تغتسل من طهر إلى طهر" يعني إذا ذهبت عادتها اغتسلت، وما عدا ذلك فلا تغتسل "تغتسل من طهر إلى طهر" بالمهملة طهر، من الرواة من رواه: "من ظهر إلى ظهر" بالظاء المشابهة، يعني تغتسل مرة واحدة في اليوم، نعم تغتسل من طهر إلى طهر، يعني إذا ذهبت حيضتها اغتسلت، وما عدا ذلك لا يلزمها أن تغتسل، بل تتوضأ لكل صلاة كغيرها ممن حدثه دائم، كمن به سلسل بول، سلسل ريح مثلاً، من به جرح لا يرقى، على كل حال تتوضأ لكل صلاة وجوباً عند الأكثر.
وقال بعضهم: استحباباً، ولا يجب إلا بحدث، وهذا فرع عن ما تقدمت الإشارة إليه، وهو أن مثل هذه الطهارة هل هي رافعة أو مبيحة؟ فمن قال: تتوضأ وجوباً بناءً على أن هذا الطهارة لا ترفع الحدث، بل تبيح الصلاة، ومن قال: استحباباً، قال: إن الطهارة ترفع الحدث، والوضوء لا يجب إلا بالحدث، حدث جديد، هذا قول الأكثر أحوط، تغتسل وجوباً "فإن غلبها الدم استثفرت" ...
طالب:. . . . . . . . .
لكل صلاة، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
وضوء، وضوء لكل صلاة، أما الاغتسال إذا ذهبت حيضتها، إذا ذهبت وقتها، أو تمييزها على ما تقدم تغتسل، ثم بعد ذلك تتوضأ لكل صلاة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على شان إيش؟ هو بينقطع عنها الدم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو لو قيل بوجوب الاغتسال لكل صلاة، قيل: يتجه الجمع، أما مسألة الوضوء كغيرها من الأصحاء.
هنا يقول أحمد وإسحاق: إن اغتسلت لكل فرض فهو أحوط، وقد ورد في بعض الروايات: ((اغتسلي لكل صلاة)) لكن الصواب: "توضئي لكل صلاة" الأمر به بالوضوء لا بالغسل.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: ليس على المستحاضة إلا أن تغتسل غسلاً واحداً" يعني عند انقضاء مدة حيضها غسلاً واحداً؛ لأنه المأمور به "ثم تتوضأ بعد ذلك لكل صلاة" وجوباً عند الجمهور، واستحباباً عند مالك، مالك يرى أنه يرفع.(10/17)
"قال يحيى: قال مالك: الأمر عندنا أن المستحاضة إذا صلت أن لزوجها أن يصيبها" وبهذا قال الجمهور، وفي البخاري عن ابن عباس: "لزوجها أن يصيبها إذا صلت الصلاة أعظم" وكذلك النفساء؛ لأنه لو منع منها زوجها لحصل ضرر وعنت ومشقة لطول المدة، بخلاف الحائض التي تنقضي مدتها بالأسبوع أو أقل أو أكثر بقليل مثل هذا لا يتضرر.
وكذلك النفساء إذا بلغت أقصى ما يمسك النساء الدم، وأقصاه عند مالك ستون يوماً، وقال الأكثر: أربعون يوماً، وهو المرجح، فإن رأت الدم بعد ذلك فإنه يصيبها زوجها، يعني بعد انقضاء مدة النفاس، وكل على مذهبه، مالك الستين، والجمهور على الأربعين، إذا رأت الدم بعد الأربعين عند الجمهور فإنه في حكم الاستحاضة، ما لم يصادف وقت عادة، فإن لزوجها أن يصيبها؛ لأنها في حكم المستحاضة.
"قال يحيى: قال مالك: الأمر عندنا في المستحاضة على حديث هشام بن عروة عن أبيه، وهو أحب ما سمعت إلي في ذلك" يعني ليس عليها إلا أن تغتسل غسلاً واحداً إذا انقضت عادتها، ثم تتوضأ لكل صلاة.
ابن حجر في فتح الباري عد المستحاضات في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- من الصحابيات وصل العدد إلى عشر بنات جحش الثلاث، وفاطمة بنت أبي حبيش، وسودة بن زمعة، وأم سلمة، وأسماء بنت عميس، وسهلة بنت سهيل، وأسماء بنت مرثد، وبادية بنت غيلان، عشر، ثلاث بنات جحش، الثلاث، وفاطمة بنت أبي حبيش، وسودة، وأم سلمة، يعني ثلاث من نساء النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأسماء بنت عميس، نعم وكانت تحت؟
طالب:. . . . . . . . .
قبله؟ جعفر ثم أبي بكر، ثم علي -رضي الله عن الجميع-، وسهلة بنت سهيل، وأسماء بنت مرثد، وبادية بنت غيلان، عشر.
على كل حال هو حدث، والطهاة هذه من حدث، ووضوؤها التي تتوضأه لا يرفع الحدث، ولو رفع الحدث لقلنا: إنه لا يلزمها أن تتوضأ لكل صلاة، ما لم تحل بحدث آخر.
طالب:. . . . . . . . .
هو إذا خرج من مخرجه نقض بلا شك، لكن إذا خرج من غير المخرج السبيلين، من البدن، نعم؟ هل ينقض أو لا ينقض؟ هذا محل الخلاف، هو يخرج من عرق.(10/18)
على كل حال ذكرنا الخلاف سابقاً، كما هو معروف، ودون، وفي زيادة، وعرفنا أن مالك لا يرى وجوب الوضوء لكل صلاة، إنما يستحب ذلك استحباباً، فعلى هذا يوجه كلامه، وتوضئي لكل صلاة استحباباً.
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه إذا مر عليها وقت فأكثر لا بد أن تتوضأ.
يقول في تنوير الحوالك: عن القاضي يونس بن مغيث في كتابه: (الموعب) في شرح الموطأ، أن بنات جحش كل واحدة منهن اسمها زينب، زينب، زينب الكبرى، زينب الوسطى، زينب الصغرى، نعم بنات جحش كل واحدة منهن أسمها زينب، ولقب إحداهن حمنة، وكنية الأخرى أم حبيبة، نعم هذا ما في إشكال، مثلما ذكرنا سابقاً أنه حتى لو لم يكن هذه التسميات موجودة، فلا يمنع أن تكون أم حبيبة اسمها زينب؛ لأن زينب كان اسمها برة.
هذا يقول، يذكر عن أبيه أنه يصلي الصلوات الخمس، ويصوم ويصلي صلاة الليل، ويقرأ القرآن، عنده مشكلة يقول: هي أنه أي شيء يريد أن يعمل يستشير ساحر -نسأل الله العافية- كيف نتعامل معه؟
إن كان يستشيره ينبني على ذلك أنه يصدقه نسأل الله العافية، وإذا كان مجرد الذهاب إلى الساحر لم تقبل صلاته أربعين يوماً، ومن صدق الساحر كفر بما أنزل على محمد -نسأل الله العافية-.
كيف نتعامل معه؟
ينصح إن امتثل وإلا فيُهجر ويترك.
يقول: ويأخذ مني النقود ليعمل على ما يريد الساحر؟
لا توافق على دفع النقود إليه، بل امتنع، نعم امنعه من مالك ليرتدع ويزدجر، ولا يجوز لك أن تعينه على مثل هذا العمل، أنت بدفعك المال إليه عون له، والله -جل وعلا- يقول: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [(2) سورة المائدة] وهذا من أعظم الإثم -نسأل الله السلامة والعافية- الهجر لمثل هذا إذا لم يرتدع فلا بد منه؛ لأن ضرره متعدي بمجالسته.
يقول: ابن قرقول يقول: هذا لا يقبل ولا يتلفت إليه؛ لأنه لا يسمع إلا من هذا الوجه، وأهل المعرفة بهذا الشأن لا يثبتونه، وإنما حمل عليه من قاله أنه إيش؟ لا ينسب إلى مالك وهم.(10/19)
على كل حال هو ليس بمستبعد، ليس بمستبعد أن تكون الأسماء ثلاثة، ويتميز إحداهن باللقب، والثانية بالكنية، أو بالوصف الصغرى، والكبرى، والوسطى، على كل حال الأمر سهل، يعني ما هو بمعضل هذا.
ابن قرقول له كتاب نفيس في غريب الصحيحين والموطأ اسمه: (مطالع الأنوار).
سم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في بول الصبي
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: أوتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصبي فبال على ثوبه، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بماء فأتبعه إياه.
عن مالك عن ابن شهاب عن عبيدة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أم قيس بنت محصنة أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأجلسه في حجره، فبال على ثوبه، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بماء فنضحه ولم يغسله.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في بول الصبي
الصبي يجمع على صبيان، أي ما حكمه؟ أو ما جاء في حكمه.
"حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: أوتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصبي فبال على ثوبه" فبال على ثوبه، الضمير يعود على ثوب من؟ في ثوبه ثوب النبي -عليه الصلاة والسلام- أو ثوب الصبي نفسه؟ نعم، يقول ابن شعبان وهو من كبار المالكية: الضمير يعود على الصبي، الصبي بال على ثوبه، ثوب نفسه، لكن هذا قول غريب، والصواب أنه بال على ثوب النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"أوتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصبي" ويأتي في الحديث الذي يليه: لم يأكل الطعام، وهو وصف مؤثر لا بد منه "فبال على ثوبه، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتبعه إياه" أتبعه بإسكان المثناة، أي أتبع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البول الذي على الثوب الماء، يصبه عليه، زاد مسلم: "فأتبعه ولم يغسله" وسيأتي في الحديث اللاحق التصريح بأنه نضحه ولم يغسله.(10/20)
الحديث الذي يليه يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أم قيس" قال ابن عبد البر: اسمها جذامة، وقال السهيلي: اسمها آمنة، وهي أخت عكاشة بن محصن الذي اشتهر بحديث السبعين الألف "بنت محصن الأسدية، أنها أتت بابن لها صغير" يقول ابن حجر: لم أقف على أسمه "لم يأكل الطعام" والمراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه، والتمر الذي يحنك به، والدواء ونحوه، ما عدا ذلك لا يستقل به، إذا كان يعطى مع اللبن شيء يسير لا يغنيه عن اللبن، يلعق عسل، أو يهرص له تمر، أو ما أشبه ذلك، لكنه لا يغنيه عن اللبن، فهو داخل فيما يدل عليه الحديث من حكم.
"لم يأكل الطعام، إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأجلسه" في بعض الروايات أنه جيء به ليحنك يوم ولادته، فأجلسه إيش معنا أجلسه؟ يجلس؟ يعني وضعه؛ لأنه في يوم ولادته لا يجلس "في حجره، فبال على ثوبه" أي ثوب النبي -عليه الصلاة والسلام-، وسبق أن ذكرنا قول ابن شعبان من المالكية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن ويش الفائدة من .. ؟ يعني الداعي إلى غسل الثوب؟ المقصود أن الغسل والرش إنما يطالب به المكلف للصلاة، يعني لو استمر الصبي وثوبه نجس ويش يضر؟
على كل حال المقصود ثوب النبي -عليه الصلاة والسلام- سواء قلنا بهذا أو ذاك.
"فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بماء فنضحه ولم يغسله" عندنا صبي هل تلحق به الصبية؟ وهو صبي هل يلحق به الكبير؟ يعني هل تلحق الأنثى بالذكر؟ وهل يُلحق الكبير بالصغير؟ النص في الصبي، وهو الذكر الصغير، والوصف لم يأكل الطعام المعتبر.
وأخرج الإمام أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي بإسناد صحيح عن علي -رضي الله عنه- مرفوعاً: "ينضح بول الغلام، ويغسل بول الجارية" وله شاهد من حديث لُبَابَة بنت الحارث، أخرجه أحمد وابن ماجه، وصححه ابن خزيمة وغيره، من حديث أبي السمح عند أبي داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة أيضاً، فالفرق ثابت، يعني تنصيص على التفريق بين الذكر والأنثى ثابت.(10/21)
التفريق بين الكبير والصغير أيضاً يدل عليه قوله: "لم يأكل الطعام" والوصف بكونه صبي، وإن قال بعضهم: يرش من بول الذكر كبيراً كان أو صغيراً، ومنهم من نظر إلى السن فقال: يرش من بول الصغير ذكراً كان أو أنثى، لكن النص وارد في الصبي من الذكور، الصغير من الذكور الذي لم يأكل الطعام.
ففي الحديث فوائد عظيمة، هذا الصبي جيء به ليحنكه النبي -عليه الصلاة والسلام-، والتحنيك حصل منه -عليه الصلاة والسلام- مراراً، يحضر الصحابة أولادهم للنبي -عليه الصلاة والسلام- ليحنكهم، والشُّراح يقولون: فيه مشروعية إحضار الصبيان لأهل الخير والفضل من أجل تحنيكهم، من أجل التبرك بهم، لكن هذا القول ليس بصحيح، أولاً: مثل هذا أو التبرك خاص بمن جعل الله فيه البركة، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا لا يعرف أن أحداً من الصحابة أحضر ولده لأبي بكر مثلاً ليحنكه، أو لعمر وما أشبه ذلك.
إن كان هذا التحكنيك ينفع الصبي من الناحية الطبية يتولاه من يتولاه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم ليس بصحيح إلا إذا كان من الناحية الطبية نافع، فلا يلزم أن يتولاه أهل الصلاح.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يلزم إن كان القصد به التبرك فهو خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-.
فيه الندب إلى حسن المعاشرة، والتواضع والرفق بالصغار، وفيه أيضاً الفرق بين بول الغلام والجارية، كما ذكرنا فيرش من بول الغلام، ويغسل من بول الجارية، وفي المسألة أقوال أصحها ما ذكر، وهو قول علي وعطاء والحسن والزهري وأحمد وإسحاق وغيرهم، وهو المصحح المرجح عند الشافعية.(10/22)
والثاني النضح فيهما، يعني في الذكر والأنثى، وبه قال الأوزاعي، وحكي عن مالك والشافعي، يعني ملحظ هذا القول بغض النظر عن النصوص التي ذكرناها، وفيها التفريق بين الذكر والأنثى، يعني من خلال نصوص الباب، وفيها التنصيص على العلة "لم يأكل الطعام" كأنهم شموا من هذه العلة أن الطعام له أثر في البول، وإذا كان التخفيف الوارد في الحديث من أثر الطعام فلا فرق بين الذكر والأنثى، نعم، إذا كان هذا التخفيف بسبب الطعام لم يأكل الطعام إذاً الأنثى مثله، إذا لم تأكل الطعام، لكن النصوص التي سقناها من حديث علي -رضي الله عنه- ولبابة بنت الحارث والسمح كلها تفرق بالنص بين الذكر والأنثى، وهي كلها مصححة.
والقول الثالث: هما سواء في وجوب الغسل، وبه قال الحنفية، وهو المعروف عند المالكية.
هنا يقول: قال محمد بن الحسن: قد جاءت رخصة في بول إذا كان لم يأكل الطعام، وأمر بغسل الجارية وغسلهما جميعاً أحب إلينا.
الثالث: هما سواء في وجوب الغسل، وبه قال الحنفية، يقول: وغسلهما جميعاً أحب إلينا، وهو قول أبي حنيفة، قالوا: وبهذا نأخذ، نتبعه إياه غسلاً حتى ننقيه، نعم؟ وهو قول أبي حنفية.
على كل حال إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، فالنصوص صحيحة وصريحة، ولسنا بحاجة إلى أقوال تخالف هذا النصوص، مع أن هؤلاء أئمة كبار، يعني لا أحد يتطاول عليهم لمجرد قول مرجوح، أو لرأي رأوه، هم أئمة مجتهدون إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد.
بول الصبي مع كونه ينضح ما جاء من النصوص في التخفيف في تطهيره، هل في ذلك ما يدل على طهارته؟ هو نجس على كل حال، لكنها نجاسة مخففة، يكفي فيها النضح كالمذي، ولا يفهم من حديثي الباب طهارته، وسبب التفريق بين بول الصبي وبول الصبية ما ذكره بعضهم أن النفوس تتعلق بالصبي أكثر من تعلقها بالصبية، فيكثر حمل الصبي، ويشق التحرز من بوله، هذا قول، ومنهم من قال: إن بول الصبي ينتشر، ويشق غسل جميع الثوب من أجله، بينما بول الصبية لا ينتشر موضعه واحد، فغسله متيسر، وعلى كل حال هذه علل مستنبطة، والعبرة بالنص، النضح أصله الرش، وجاء التصريح به "يرش من بول الغلام" نعم.
أحسن الله إليك(10/23)
باب: ما جاء في البول قائماً وغيره
عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: دخل أعرابي المسجد فكشف عن فرجه ليبول، فصاح الناس به حتى علا الصوت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اتركوه)) فتركوه فبال، ثم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذنوب من ماء فصب على ذلك المكان.
عن مالك عن عبد الله بن دينار أنه قال: رأيت عبد الله بن عمر يبول قائماً.
وسئل مالك عن غسل الفرج من البول والغائط، هل جاء فيه أثر؟ فقال: بلغني أن بعض من مضى كانوا يتوضؤون من الغائط، وأنا أحب أن أغسل الفرج من البول.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في البول قائماً وغيره
"حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال: دخل أعرابي" اختلف في أسمه فقيل: هو ذو الخويصرة اليماني، وقيل: ذو الخويصرة التميمي، رأس الخوارج، يعني الذي قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: اعدل، وقال بعضهم: هو عيينة بن حصن، وقيل: الأقرع بن حابس، وعلى كل حال هي أقوال، وجاءت بعض الآثار التي يمكن تفسير المبهم بها، مع أن بقائه مبهماً أولى، ستراً عليه.
"دخل أعرابي" هذا الأعرابي روى الترمذي من طريق ابن عيينة في أوله: أنه دخل المسجد فصلى، ثم قال: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لقد تحجرت واسعاً)) فلم يلبث أن بال في المسجد، هذه الراوية تدل على أنه لما دخل صلى، ثم قال ما قال: اللهم ارحمني ومحمداً، وكل هذا قبل البول، ثم لم يلبث أن بال، هذه الراوية، لكن المناسب لقوله: "اللهم ارحمني ومحمداً" أن يكون قبل البول وإلا بعده؟ بعد البول، المناسب أن يكون بعد البول، لما قام إليه الصحابة وكادوا أن يهموا به، وزجروه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: دعوه، دعوه، اتركوه، يناسب أن يقول: اللهم ارحمني ومحمداً، لكن راوية الترمذي على كل حال هي مقدمة على مجرد التوجيه، وإن كان المعنى واضح.
"دخل أعرابي المسجد، فكشف عن فرجه ليبول، فصاح الناس به" هل بال قائماً أو قاعداً هذا الرجل؟ لأن الترجمة: باب ما جاء في البول قائماً، الحديث ليس فيه دلالة صريحة.
طالب:. . . . . . . . .(10/24)
فكشف، طيب فكشف يعني العطف بالفاء التي تقتضي التعقيب، دخل فكشف، يعني لو كان دخل فجلس، ثم كشف واضح، يعني أنه .. ، يعني لو قيل: ثم كشف، يعني في فرصة في وقت لئن يجلس وكذا، يعني العطف بالفاء يشم منه -وإن كان ليس بصريح- أنه بال قائماً؛ لأنها تقتضي التعقيب، لكن لو قال: ثم كشف عرفنا أنه صار في مدة بعد دخوله.
على كل حال في البول قائماً حديث حذيفة عند السبعة، من فعله -عليه الصلاة والسلام-، ولا إشكال فيه، وسيأتي ذكره -إن شاء الله تعالى-.
"فكشف عن فرجه ليبول، فصاح الناس به -زجراً له- حتى علا الصوت" ارتفع، وفي راوية: فزجره الناس، وأخرى: "فتناوله الناس" يعني تناولوه بالكلام، وشددوا عليه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اتركوه)) لا شك أنه فعل منكراً، واشترك الجميع في الإنكار عليه امتثالاً لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من رأي منكم منكراً فليغيره بيده)) ولذا ما أنكر عليهم إلا من جهة .. ، يعني ما أنكر عليهم أنهم أنكروا، أنكر عليهم لما يترتب على هذا الإنكار من منكر أعظم منه "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اتركوه)) " يعني اتركوه يبول، يعني لئلا يؤدي قطع البول إلى ضرر كبير يحصل له، وقد يغلبه البول قبل الخروج من المسجد فيودي إلى انتشار النجاسة، وتوسع رقعتها، اتركوه "فتركوه، فبال في المسجد" يعني أكمل البول "ثم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" الآن العبارة: فكشف عن فرجه ليبول فصاح الناس به حتى علا الصوت، فقال: ((اتركوه)) فتركوه، فبال، يعين ظاهر هذه السياق أنه لم يبل بعد، أدركوه قبل أن يبول، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: اتركوه يبول، لكن الروايات الأخرى تدل على أنهم أنكروا عليه بعد أن باشر البول؛ لأنه لو لم يباشر البول ما في أثر مترتب على الإنكار، نعم ليس فيه أثر مترتب على الإنكار، لكن لما باشر البول يترك، أما قبل أن يباشر لا يترك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(10/25)
ما هو من أجل العورة، الإنكار منصب على أنه بال في المسجد، كما في بعض الروايات، باشر البول، "فبال، ثم أمر سول الله -صلى الله عليه وسلم-" لما انتهى الرجل من بوله "بذنوب" دلو ملئ من الماء "فصب" وفي رواية: فأهريق "على ذلك المكان، ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين)) " هم ما جاءوا بشيء، يعني في بادئ الأمر أنكروا منكر، وإنكار المنكر واجب، لكن باعتبار الأثر المترتب على هذا الإنكار من منكر أعظم منه، اتجه الأمر بتركه، وهذه قاعدة إنكار المنكر واجب باليد مع الاستطاعة، أو باللسان مع عدمها، أو بالقلب مع عدم استطاعة الإنكار باللسان، هذا هو الأصل، لكن إذا كان يترتب على هذا الإنكار منكر أعظم منه فإنه حينئذٍ عاد على حسب الأثر المترتب عليه، أحياناً قد يصل إلى درجة التحريم، على حسب الأثر المترتب عليه، إذا كان ينكر المنكر بيده بأعظم مما يستحقه المرتكب، شخص فعل منكر محرم، لكن ضربه ضرباً أكثر مما يستحق، لا يجوز له ذلك، إذا كان الضرر المترتب على الإنكار متعدٍ للمنكِر وغيره أيضاً لا يجوز.
إذا كان الضرر والأثر المترتب على الإنكار لازم للشخص نفسه، للمنكر، فالمسألة دائرة بين عزيمة ورخصة، له أن يترخص، ما دام يوجد ضرر، وإن ارتكب العزيمة فالأمر إليه.
((فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين)) فالرفق الرفق، والرفق ما دخل في شيء إلا زانه، والخبر مرسل عند الإمام -رحمه الله تعالى-؛ لأنه يروي عن يحيى بن سعيد، ويحيى بن سعيد يروي قصة لم يشهدها، وهو موصول عند الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- من طريق عبدان، عن عبد الله، عبدان اسمه إيش؟ نعم، عبد الله بن عثمان العتكي، عن عبد الله ابن إيش؟ ابن المبارك.
قال: "أخبرني يحيى بن سعيد، قال: سمعت أنس بن مالك" ورواه أيضاً من طريق خالد وسليمان بن بلال عن يحيى، مخرج وموصول من طرق عند الإمام البخاري وغيره، فالحدث صحيح، وفي الحديث: ارتكاب أخف الضررين، وتحصيل أعظم المصلحتين، وفيه المبادرة إلى إزالة المفاسد عند زوال المانع؛ لأنه مجرد ما انتهى صبوا عليه الماء، وهنا مبادرة إلى إزالة المفسدة عند زوال المانع.(10/26)
وفيه تعيين الماء لإزالة النجاسة، وأنه لا يشترط حفر الأرض، ولا نقل تربتها، مجرد ما يصب عليها الماء يطهر، وفيه أن غسالة النجاسة الواقعة على الأرض طاهرة، يعني لو قيل بنجاستها لقلنا: إنه بمجرد صب الماء تتوسع رقعة النجاسة، لكن الغسالة طاهرة، وفيه الرفق بالجاهل، وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف، إذا لم يكن فعله على جهة العناد والإصرار، وإذا عرف أنه فعل ذلك على جهة العناد والإصرار فإنه يعاقب العقاب المناسب.
يعني وجد في مسجد من المساجد المصاحف -نسأل الله السلامة والعافية- كلها مفتوحة، وقد مر عليها شخص وبال عليها، نقول: مثل هذا يرفق بالجاهل؟ لا، ليس من هذا النوع أبداً، على كل حال إذا حقق معه، وعرف القصد والهدف -الله المستعان- يلقى الجزاء المناسب، والشرع لن يضيق بالحكم المناسب له.
طالب:. . . . . . . . .
الأصل التراب، والسجاد يكرر عليه صب الماء ويفرك؛ لأنه يتشرب أكثر.
فيه رأفة النبي -صلى الله عليه وسلم- وحسن خلقه، وفيه أيضاً تعظيم المساجد، وأنها أنما بنيت للذكر والصلاة، وتنزيهها عن الأقذار.
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار أنه قال: رأيت عبد الله بن عمر يبول قائماً" لأن مذهبه جواز ذلك بلا كراهة، وبذلك قال أبوه وزيد بن ثابت وسعيد بن المسيب وابن سيرين والنخعي وأحمد.
حديث حذيفة عند السبعة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- انتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً، استدل به أهل العلم على جواز البول قائماً، شريطة أن يستتر ويأمن الرشاش ألا يرتد إليه بوله، لا بد أن يستتر؛ لئلا تنكشف عورته أمام الناس، ولا بد أن يأمن الرشاش، فإذا تحقق الشرطان جاز البول قائماً.
طالب:. . . . . . . . .
ولو فرض ثبوته عنها هذا حسب علمها، لكن حذيفة رأى وحفظ قصة معروفة عند أهل العلم، وكرهه تنزيهاً أكثر العلماء، كراهة تنزيه، وأجابوا عن حديث حذيفة أنه لم يجد -عليه الصلاة والسلام- مكاناً يصلح للقعود.(10/27)
وبعضهم قال: إن هذا سببه وجع كان في مأبضه باطن الركبة، ومنهم من يقول: إن العرب تستشفي بالبول قائماً من وجع الصلب، على كل حال هذه علل مستنبطة، والحديث نص في الجواز، فلا داعي للتضييق، وما في شك أن الجلوس أستر، ويغلب على الظن أنه ما يرتد إليه بوله، ولا رشاش، نعم، لكن فعله -عليه الصلاة والسلام- لبيان الجواز، ولا يمنع أنه إذا فعل شيئاً لبيان الجواز أن يكون غيره أكمل منه وأفضل.
"قال يحيى: وسئل مالك عن غسل الفرج من البول والغائط هل جاء فيه أثر؟ " يعني لو وجه هذا السؤال لطالب في الابتدائي، أن مالك نجم السنن، إمام دار الهجرة، إمام متبوع، صاحب سنة وأثر، لو سئل أصغر طلاب العلم هذا السؤال: عن غسل الفرج من البول والغائط هل جاء فيه أثر؟ ماذا يقول؟ وماذا قال مالك -رحمه الله-؟ "بلغني أن بعض من مضى كانوا يتوضؤون من الغائط" إيش يدل؟ على أي شيء؟ "بلغني أن بعض من مضى كانوا يتوضؤون من الغائط، وأنا أحب أن أغسل الفرج من البول أيضاً" يعني وإن جاز في الحجر، يعني عبارة، عبارة تدل على ورع، عبارة تدل على تمام الورع، حفظ عنه أنه سئل عن أربعين مسألة، وأجاب عن أربع أو ثمان أكثر ما قيل، وقال في الباقي: لا أعلم، والسائل يقول له: مالك، مالك إمام دار الهجرة، وقد جاءه من بعيد، قال: اذهب إلى العراق وقل لهم: إن مالك يقول: لا أدري.
وآحاد الطلاب وصغارهم يستنكف ويستكبر أن يقول: لا أدري، والله المستعان، نعم، هات السواك على شان ما نتأخر.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في السواك
عن مالك عن ابن شهاب عن ابن السباق أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في جمعة من الجمع: ((يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيداً فاغتسلوا، ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه، وعليكم بالسواك)).
عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك)).
عن مالك عن ابن شهاب عن حُميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أنه قال: "لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك مع كل وضوء".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في السواك(10/28)
والسِواك بكسر السين على الأفصح، مذكر، وقيل: مؤنث، وأنكره الأزهري، مشتق من ساك إذا دلك، أو من قولهم: جاءت الإبل تتساوك، يعني من الهزال تتمايل، ويطلق على الفعل الذي هو التسوك، ويطلق أيضاً على الآلة التي هي العود وجمع السواك: سُوك، بواو واحدة، مضموم.
يقول: "حدثني عن يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن ابن السباق" عبيد بن السباق المدني من ثقات التابعين "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في يوم جمعة" بضم الميم جُمُعة، لغة الحجازيين، وفتحها لغة تميم، جمَعة كهمزة ولمزة، وإسكانها لغة، لغة عقيل، وبها قراء الأعمش، إسكانها، {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمعَةِ} [(9) سورة الجمعة].
"في يوم جمعة من الجمع" الجمع جمع جمعة ((يا معشر المسلمين)) المعشر الطائفة الذين يشملهم وصف واحد، الشباب معشر، والشيوخ معشر، والنساء معشر، وهكذا ((يا معشر المسلمين)) المسلمون يشملهم وصف وهو الإسلام، واحدهم معشر، وهم أيضاً معاشر إذا نظرنا إلى الأوصاف الجزئية.
((يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيداً)) يعني لهذه الأمة ((فاغتسلوا)) ولما قال اليهودي: لو علينا نزلت هذه الآية، يعني قوله تعلى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [(3) سورة المائدة] لاتخذنا اليوم الذي نزلت فيه عيداً، فماذا قال عمر -رضي الله عنه-؟ قد علمت متى نزلت؟ وأين نزلت؟ نزلت يوم جمعة، وهو عيد بالنسبة للمسلمين، ويوم الجمعة شأنه عظيم في الإسلام، خلاف بين أهل العلم في المفاضلة بينه وبين يوم عرفة، عامة الناس عموم الناس بما في ذلك بعض طلاب العلم لا تجد فرق بين يوم الجمعة ويوم السبت، ما نرى فرق.
((إن هذا يوم جعله الله عيداً فاغتسلوا)) والأمر الأصل فيه الوجوب، ويؤيده حديث: ((غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)).
وبهذا قال بعض العلماء والجماهير على أنه سنة، جماهير أهل العلم على أن الغسل يوم الجمعة سنة، والأمر فيه للندب؛ لحديث: ((من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)) وأيضاً صنيع عثمان -رضي الله عنه- حينما دخل وعمر -رضي الله عنه- يخطب، وذكر أنه اقتصر على الوضوء ولم ينكر عليه.(10/29)
إذاً قوله في الحديث: ((غسل الجمعة واجب)) محمول عند الجمهور إلى أنه متأكد، يعني مثلما تقول: حقك واجب علي، رضاؤك علي فرض، أحياناً تقول كذا، وليس معنى أنك تأثم بتركه، فهو متحتم، ولا شك أن هناك اختلاف بين الاصطلاحات، أو بعض الألفاظ الشرعية مع الاصطلاحات العرفية، يعني الاصطلاح عند أهل العلم العرف الخاص عندهم أن الواجب يأثم لتركه، في الإطلاق الشرعي عند عامة أهل العلم لا يأثم لتركه.
يعني لما يقول ابن عمر: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان، ويقول الحنفية: زكاة الفطر ليست بفرض، نقول: عناد هذا؟ يعني لما يأتيك سؤال في الامتحان في الفقه، في أبواب المعاملات، ويقول لك: عرف المفلس، وتأتي ورقة الإجابة: المفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال .. ويجي المدرس ويقول: خطأ، صفر، إيش نقول هذا؟ إيش نقول: المدرس؟ هل نقول: إن المدرس ضال، الرسول يقول: المفلس كذا، ويقول خطأ؟ نعم، إيه لأن المسالة تحتاج إلى شيء من البسط؛ لأن بعض الناس يظن هذا عناد، الرسول يقول: واجب، وأنت تقول: ما هو بواجب؟ إيش معنا هذا؟ ابن عمر يقول: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والحنفية يقولون: ما هو بفرض.
يعني لو قال شخص، أقسم أنه ما رأى في يوم من الأيام جمل أصفر، ويش تقول؟ وهو منصوص عليه بإيش؟ {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] نعم في القرآن، ويش تقول؟ نعم الحقائق تختلف، حقائق عرفية، وحقائق شرعية، وحقائق لغوية، قد يكون الإطلاق اللغوي غير الإطلاق العرفي، والإطلاق الشرعي غير الإطلاق اللغوي وهكذا.
المقصود أننا ننتبه من هذه، نضع هذه على بالنا؛ لئلا نقع في حرج، يعني الإنسان الرسول يقول: ((غسل الجمعة واجب)) وأنت تقول: ما هو بواجب؟! ويش معنى هذا الكلام؟ يعني الأئمة أهل علم وعمل وورع، وعرفوا ما خفي عليهم هذا الحديث، واجب هذا إطلاق شرعي لا يقتضي مطابقته مع الاصطلاح العرفي عند أهل العلم، يعني أهل العلم اصطلاحهم أن الواجب يأثم بتاركه، لا يلزم أن يأثم هنا.
((فاغتسلوا، ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه)) والطيب في الجمعة والعيد سنة عند الجمهور، وأوجبه أبو هريرة -رضي الله عنه-.(10/30)
((وعليكم بالسواك)) أي: الزموه؛ لتأكد الاستحباب، وإلا فليس بواجب، وابن حجر -رحمه الله تعالى- غمز هذا الحديث، وما جاء من معناه مما يدل على وجوب السواك.
هذا الحديث كما ترون عند الإمام مالك عن ابن السباق، وهو تابعي، من ثقات التابعين "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال" مرسل وصله ابن ماجه.
يقول ابن ماجه: حدثنا عمار بن خالد الواسطي، قال: حدثنا علي بن غراب عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عبيد بن السباق عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال، وفي إسناده صالح بن أبي الأخضر ضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات، على كل حال هو ضعيف بسبب صالح بن أبي الأخضر.
"وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك)) " تمامه عند البخاري: ((مع كل صلاة)) وهو مخرج في البخاري من طريق عبد الله بن يوسف.
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال: "لولا أن يشق على أمته لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء" "لأمرهم" نعم.
هو أصل الحديث المرفوع هذا من كلام أبي هريرة الحديث المرفوع: ((لولا أن أشق على أمتي)) كسابقه ((لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء)) جاء الوضوء وجاء الصلاة، والصلاة في الصحيحين، والوضوء عند أحمد مرفوعاً أيضاً من طريق مالك عن ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة مرفوعاً، عند ابن خزيمة والبيهقي، هو حديث صحيح، ما فيه إشكال، وأصح منه الذي قبله؛ لأنه في الصحيحين.(10/31)
والحديث بلفظة: ((لولا أن أشق)) (لولا) حرف امتناع لوجود، فامتنع الأمر لوجود المشقة، والأمر الممتنع هو أمر الوجوب، وإلا فأمر الاستحباب باق، والدلالة عليه دلائله كثيرة، والإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- يقول: "الحديث فيه دليل على أن السواك ليس بواجب؛ لأنه لو كان واجباً لأمرهم به، شق عليهم أو لم يشق" وإلى القول بعدم وجوبه صار أكثر العلم، بل ادعى بعضهم فيه الإجماع، لكن حكى الشيخ أبو حامد وتبعه الماوردي .. من أبو حامد هذا؟ والماوردي يتبعه؟ نعم؟ الماوردي متوفى سنة كم؟ نعم؟ أربعمائة وخمسين، يعني قبل الغزالي بخمسة وخمسين سنة، نعم أبو حامد الإسفرائيني، وتبعه الماوردي عن إسحاق بن راهويه قال: هو واجب لكل صلاة، فمن تركه عامداً بطلت صلاته.
وعن داود أنه قال: هو واجب لكن ليس بشرط، يعني يأثم تاركه ولا أثر في تركه على الصلاة، واحتج من قال بوجوبه بورود الأمر به، فعند ابن ماجه: ((تسوكوا)) وفي الموطأ: ((عليكم بالسواك)) يعني حديث الباب، قال ابن حجر: ولا يثبت شيء منها، فحديث الباب: ((لولا أن اشق)) و"لولا أن يشق" دلالة على أن السواك ليس بواجب، وهو الحديث -حديث الباب- من أظهر الأدلة على أن الأصل في الأمر الوجوب، من أظهر الأدلة على أن الأصل في الأمر الوجوب؛ لأنه امتنع أمر الوجوب لوجود المشقة مع ... ، نفي الأمر بالحديث مع ثبوت أمر الاستحباب، فالمنفي في الحديث هو أمر الوجوب، فدل على أن الأصل في الأمر الوجوب، مع قوله -جل وعلا-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [(63) سورة النور] والسواك سنة في كل وقت، ويتأكد عند الصلاة والوضوء، والقيام من النوم، وتغير الفم، ولا يمنع منه الصائم ولو بعد الزوال لعموم الأدلة؛ ولضعف ما ورد في ذلك.
يقول: ألا يمكن أن يكون تحنيك الرجل الذي يحتسب من الصالحين أو العلماء للطفل هو من باب التفاؤل بأن يصبح صالحاً كمن حنكه أم كله يدخل في إطار ... ؟
لا، هو تبرك على كل حال، والصلاح لا يسري بمثل هذا، نعم بالدعاء يرجى.
يقول: هل ثبت أنه لا يقرأ في صلاة الضحى إلا الفاتحة؟
لا، لا أعرف هذا.(10/32)
سؤال آخر: كان هناك مانع من وصول الماء صمغ يقول: صمغ، حاولت أن أزيله ولم يذهب بشكل كامل، بل بقي منه شيء يسير خفت أن تخرج الصلاة إن اشتغلت بإزالته، فصليت، ما حكم صلاتي؟ وهل علي إعادة؟
على كل حال هذا اليسير، اليسير إن كان يسيراً جداً فهو معفواً عنه، وإن كان يمنع وصول الماء إلى البشرة، وكان كثيراً واليسر والكثرة أمور نسبية، قد يكون يسير في نظرك وهو في الحقيقة كثير، وعلى كل حال إيصال الماء إلى البشرة لا بد منه، فإذا وجد ما يمنع من وصول الماء إلى البشرة وجبت إزالته.
يقول: منهم الذين لا تجوز لهم الزكاة؟
هم من عدا الثمانية الأصناف، الذين ذكروا في آية التوبة.
أليست أم حبيبة أسمها رملة؟
أم حبيبة يقصد بنت أبي سفيان أم المؤمنين، وهذه غير بنت جحش، هي غيرها.
يقول: أنا مبتدئ في طلب العلم، فبماذا تنصحوني؟ وهل هذا الدرس مناسب لي مع العلم أن هناك دروس مبسطة كشرح عمدة الأحكام والروض المربع للشيخ صالح الفوزان وغيره؟
على كل حال إن تيسرت لك ملازمة الكبار فالزم.
هذا كلام يحتاج إلى وقفه.
يقول: كيف نقول: إن الأمة تلقت صحيح البخاري بالقبول، وقد اعترض عليه الدارقطني وغيره في بعض الأحاديث؟
كونه اعترض على البخاري في أحاديث يسيرة من ألوف مؤلفة من الأحاديث، هذا لا يعني أن البخاري محل للنقد، الأمر الثاني: أن ما اعترض عليه في الغالب الراجح قوله، فلا يرد مثل هذا الكلام، هذا الكلام يشم منه التقليل من شأن صحيح البخاري، وإذا تطاولنا على أعظم كتاب في السنة فنترك فرصة للسفهاء أن يتطاولوا على ما دونه، والله المستعان.
يقول أيضاً: يلاحظ على كثير من العلماء والمشايخ وطلبة العلم أنهم يهتمون كثيراً بالسنة المطهرة، ويهملون كتاب الله -عز وجل- حتى لا تكاد تجد درساً عن كتاب الله -عز وجل- فهماً وتفسيراً وتطبيقاً -الله المستعان- يقول: حتى لا يوجد هذا عندكم عندي يقصد أنا؟
طالب:. . . . . . . . .(10/33)
الآن دروس التفسير لا شك، لكن هو يريد ما كنت أنويه، وطرحته على بعض الإخوان، أننا ننشئ تفسير إنشاء، لكن الإشكال يرد على أن الإنشاء الذي ليس له خطام ولا زمام، ما سبق أن قررناه في تفسير الجلالين، يعني سنة ونصف، ثلاثة فصول دراسية في ورقة من البقرة، يعني في الفاتحة وورقة واحدة من البقرة، لكن لو وضع له ترتيب معين، وخطة سير معينة، يكون متوسط، ليس بالطويل ولا بالقصير، لا شك أن هذه أمنية نسعى -إن شاء الله- إلى تحقيقها، القرطبي الآن من سنة ثلاثة عشرة، أحد عشر عاماً، وقد قطعنا نصفه، الآن نحن في سورة الإسراء.
ويقول: نتمنى أن نكون لكم درساً في تفسير القرآن، والنظر في هذا الموضوع نظراً جاداً؛ لئلا يصدق علينا القول: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [(30) سورة الفرقان].
الهجر موجود، والتقصير حاصل، ونسأل الله -جل وعلا- العفو والمسامحة.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد ...(10/34)
الموطأ - كتاب الصلاة (1)
شرح: كتاب الصلاة: باب: ما جاء في النداء للصلاة، وباب: النداء في السفر وعلى غير وضوء
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتاب الصلاة: باب: ما جاء في النداء للصلاة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم وفق شيخنا لما تحب وترضى.
قال الإمام يحيى -رحمه الله تعالى-: كتاب الصلاة: باب ما جاء في النداء للصلاة:
عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أراد أن يتخذ خشبتين يضرب بهما ليجتمع الناس للصلاة، فأري عبد الله بن زيد الأنصاري، ثم من بني الحارث بن الخزرج خشبتين في النوم، فقال: إن هاتين لنحو مما يريد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقيل: ألا تؤذنون للصلاة؟ فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين استيقظ فذكر له ذلك فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالأذان.
عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)).
عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا)).
عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه وإسحق بن عبد الله أنهما أخبراه أنهما سمعا أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا، فإن أحدكم في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة)).(11/1)
عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري ثم المازني عن أبيه أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال له: "إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة"، قال أبو سعيد: "سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط، حتى لا يسمع النداء، فإذا قضي النداء أقبل، حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر، حتى إذا قضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى؟ )).
عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: "ساعتان يفتح لهما أبواب السماء، وقل داعٍ ترد عليه دعوته: حضرة النداء للصلاة، والصف في سبيل الله".
وسئل مالك -رحمه الله تعالى- عن النداء يوم الجمعة، هل يكون قبل أن يحل الوقت؟ فقال: "لا يكون إلا بعد أن تزول الشمس".
وسئل مالك -رحمه الله تعالى- عن تثنية الأذان والإقامة، ومتى يجب القيام على الناس حين تقام الصلاة؟ فقال: "لم يبلغني في النداء والإقامة إلا ما أدركت الناس عليه، فأما الإقامة فإنها لا تثنى، وذلك الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا، وأما قيام الناس حين تقام الصلاة فإني لم أسمع في ذلك بحد يقام له إلا أني أرى ذلك على قدر طاقة الناس، فإن منهم الثقيل والخفيف ولا يستطيعون أن يكونوا كرجل واحد".
وسئل مالك -رحمه الله- عن قوم حضور أرادوا أن يجمعوا المكتوبة فأرادوا أن يقيموا ولا يؤذنوا؟ قال مالك: "ذلك مجزئ عنهم، وإنما يجب النداء في مساجد الجماعات التي تجمع فيها الصلاة".
وسئل مالك -رحمه الله- عن تسليم المؤذن على الإمام ودعائه إياه للصلاة، ومن أول من سُلم عليه؟ فقال: "لم يبلغني أن التسليم كان في الزمان الأول".(11/2)
قال يحيى: وسئل مالك عن مؤذن أذن لقوم ثم انتظر هل يأتيه أحد فلم يأته أحد فأقام الصلاة، وصلى وحده، ثم جاء الناس بعد أن فرغ أيعيد الصلاة معهم؟ قال: "لا يعيد الصلاة، ومن جاء بعد انصرافه فليصل لنفسه وحده".
وسئل مالك -رحمه الله- عن مؤذن أذن لقوم ثم تنفل فأرادوا أن يصلوا بإقامة غيره؟ فقال: "لا بأس بذلك إقامته وإقامة غيره سواء".
قال مالك -رحمه الله-: "لم تزل الصبح ينادى لها قبل الفجر فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نرها ينادى لها إلا بعد أن يحل وقتها".
وعن مالك أنه بلغه أن المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائماً، فقال: "الصلاة خير من النوم"، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح.
وعن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه قال: "ما أعرف شيئاً مما أدركت عليه الناس إلا النداء بالصلاة".
وعن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- سمع الإقامة وهو بالبقيع فأسرع المشي إلى المسجد.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتاب الصلاة:
الكتاب مضى الكلام عليه، والصلاة: أصلها الدعاء {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [(103) سورة التوبة] أي أدعو لهم، وهي في الاصطلاح: عبارة عن أقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم، ومثل الصلاة لا يعنى المتقدمون بتعريفها كالطهارة والزكاة وغيرها، ولذا لا تجدون في كتب المتقدمين تعاريف للأمور الظاهرة، وإنما يعنى المتأخرون؛ لأنه يتوقع في المتأخرين من آحاد المتعلمين من لا يعرف الحد الذي هو التعريف لهذه الأمور الواضحة، وهم يذكرون هذه الحدود؛ لأنهم سوف يبنون الأحكام على هذه الحدود، إذ الأحكام فرع عن التصورات، فيتصورون المحدود، ويذكرون الحد الجامع المانع، ثم يذكرون ما يتعلق به من حكم.(11/3)
على كل حال الصلاة ليست بحاجة إلى تعريف إلا إذا وردت في نص محتمل، إذا وردت في نص محتمل في مثل قوله -عليه الصلاة والسلام- في إجابة الداعي إلى الوليمة: ((فإن كان مفطراً فليطعم، وإن كان صائماً فليصلِ)) نحتاج إلى بيان هذه الصلاة؟ ما المراد بالصلاة هنا؟ هل هي الدعاء، أو يصلي ركعتين ويمشي؟ نعم الأكثر على أنه الدعاء، الصلاة اللغوية، نعم، وقال بعضهم بأن المقصود الصلاة الشرعية؛ لأنها هي المرادة إذا أطلقت، يصلي ركعتين ويمشي، فمثل هذا يحتاج إلى أن يتكلم فيه، تكلم فيه الشراح، تكلم فيه أهل العلم؛ لأنه محتمل.
الوضوء: جاء في النصوص، بعض النصوص يراد به -وهو الأصل- الوضوء الشرعي، وفي بعضها ما يدل على أن المراد به الوضوء اللغوي، على كل حال إذا احتيج إلى التعريف عرف، إذا خشي خفاء الأمر على المتعلم يبين، وإلا بيان البينات، وإيضاح الواضحات ليس من طريقة المتقدمين، ما تجد في كتب الأئمة تعاريف أبداً، ما تجد فيها تعاريف، حدود، لغة واصطلاح، ما تجدون مثل هذا، كتاب الصلاة أول ما يبدءون في كتب المتأخرين في تعريف الصلاة، نعم قد يحتاج في بعض المواضع إلى التعريف مثلما ذكرنا، أما عند عدم الحاجة فلا داعي لتكثير الكلام، وتسويد الأوراق بمثل هذا اتباعاً للسلف.
باب: ما جاء في النداء للصلاة:
النداء: هو الأذان، والأذان في اللغة: الإعلام {وَأَذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} [(3) سورة التوبة] وعرفوه في الاصطلاح: أنه الإعلام بدخول الوقت، أو قرب الشروع في الصلاة، على الخلاف بين أهل العلم في الأذان هل هو للوقت أو للصلاة؟ والأكثر على أنه لدخول الوقت، إعلام بدخول الوقت، والإقامة إعلام وإيذان بالدخول في الصلاة، لكن التأذين للفائتة المقضية كما في حديث نومهم عن صلاة الصبح قد تقدم يدل على أن الأذان للصلاة.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن من يدعو؟ من يعلم بدخول وقت الصلاة في مثل هذا الظرف؟ كلهم حاضرون، نعم، لكن قد يقول قائل: إنهم متفرقون لكثرتهم، فلولا الأذان ما تم جمعهم للشروع في الصلاة، على كل حال المسألة خلافية بين أهل العلم.(11/4)
والأذان جاء ذكره في القرآن {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا} [(58) سورة المائدة] {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [(9) سورة الجمعة]، والخلاف بين أهل العلم هل الأفضل الأذان أو الإمامة؟ اختلف في ذلك أهل العلم على أقوال ثالثها: أن من علم من نفسه أنه يقوم بحقوق الإمامة على وجه التمام فالإمامة في حقه أفضل، يعني إذا كان هو أمثل القوم وأولاهم تكون الإمامة في حقه أفضل، ولذا تولاها النبي -عليه الصلاة والسلام-، والمسألة الخلاف فيها معروف.
النداء بالقول، بالصيغ المعروفة، الواردة الثابتة، اختير القول وقدم على الفعل لسهولة القول، وتيسره لكل أحد في كل زمان ومكان، لكن لو كان التأذين بالفعل كيف يتم؟ لا بد أن يكون بشيء ينبه الناس، إما على ضوء ما اختلفوا فيه في هذا الحديث في رواياته أنهم اجتمعوا ليقرروا أمراً يجمعون به الناس إلى الصلاة، فقال بعضهم: لو اتخذنا ناقوساً، وقال بعضهم: لو اتخذنا بوقاً، وقال بعضهم: لو اتخذنا ناراً، ثم تفرقوا ولم يحصل الاتفاق فأري عبد الله بن زيد الأذان.
يقول عبد الله بن زيد: "طاف بي وأنا نائم رجل وبيده ناقوس فقلت له: أتبيع الناقوس؟ فقال: ما تصنع به؟ قال: نجمع به الناس للصلاة، فقال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، إلى آخره، فأخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بما رأى، فقال: ((ألقه على بلال)) بهذا ثبت الأذان، بتقرير النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا بمجرد الرؤيا، فالرؤيا لا يثبت بها شرع، لكن أقرها النبي -عليه الصلاة والسلام- فثبت الأذان.(11/5)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد" الأنصاري "أنه قال" مرسل، وهو مخرج في السنن عند أبي داود والترمذي وابن ماجه بأسانيد لا بأس بها، فالحديث صحيح بمجموعه، موصول عن جمع من الصحابة، وقد روى هذه القصة –أعني قصة عبد الله بن زيد في بدء الأذان- جماعة من الصحابة، بألفاظ مختلفة، ومعانٍ متقاربة، كما يقول ابن عبد البر: والأسانيد في ذلك متواترة، وهي من وجوه حسان، انتهى، يعني ليس فيها شيء في الصحيحين على تفصيل جمل الأذان، "أنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أراد" يعني لما كثر الناس، وقد كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة ليس ينادى لها، لكن يتوقعون أن الوقت دخل فيجتمعون فتكلموا يوماً في ذلك فقال بعضهم: لو اتخذنا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقاً مثل بوق اليهود، إلى آخره، فأري عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأذان، وهو غير عبد الله بن زيد بن عاصم، وقال بعضهم: إن عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي الأذان لا يحفظ عنه إلا حديث الأذان، لكن الحافظ ابن حجر في الإصابة يقول: جمعت له ستة أحاديث أو سبعة في جزء، أشار إلى ذلك في الإصابة في ترجمته.
"فأري عبد الله بن زيد الأنصاري، ثم من بني الحارث بن الخزرج" ثم من بني الحارث بن الخزرج، يعني أنصاري، حارثي، خزرجي، الترتيب أن نقول: عبد الله بن زيد الأنصاري نعم الخزرجي، الحارثي، أو العكس؟ إيش القاعدة في مثل هذا إذا أردت أن تورد نسبتين لواحد متداخلتين؟ تبدأ بالكبرى ثم الصغرى؛ لأنك إذا بدأت بالصغرى ما احتجت للكبرى، إذا بدأت بالصغرى لم تحتج إلى الكبرى، معروف أن الحارثي من الخزرج من الأنصار، نعم، إلا أن توجد هذه النسبة في أكثر من قبيلة، إذا وجدت هذه النسبة الصغرى في أكثر من قبيلة فتورد الكبرى، مثال ذلك؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم من تميم ومن عتيبة، عصيم، وهكذا قل بني سعد مثل السعدي، من المتقدمين في أكثر من قبيلة، نعم.
على كل حال إذا وجدت هذه النسبة الصغرى في أكثر من قبيلة تبين بعدها الكبرى، وإلا فالأصل أن الصغرى تغني عن الكبرى إذا استقلت بها.(11/6)
شهد العقبة وبدراً، أري عبد الله بن زيد خشبتين "أري خشبتين في النوم" يعني طاف به -وهو نائم- رجل ومعه خشبتان، والخشبتان: هما الناقوس، وهما عبارة عن خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها، فيخرج منهما صوت، فيخرج منهما صوت، فهل يحسن استعمال مثل هذا لتنبيه الناس؟ أو يكتفى بالأذان الشرعي؟ يعني المثال الحي العملي بعض الناس، وهذا موجود عند كبار السن، بعض كبار السن، صلاة الفجر يضرب عمود الكهرباء بعصاً معه أو حديدة، هل نقول: إن هذا لا داعي له اكتفاءً بالأذان؟ أو نقول: هذا من أجل إيقاظ النائم، وقدر على الزائد، زائد على الأذان ولا يقال بمشروعيته يعني لا يتعبد به، إنما هو من باب معلوم العلة، كما تمر على إنسان وتوقظه، أو تجعل له منبه خاص له، فهذه القصبة، قصبة من العمود الكهربائي منبه للحي، نعم، إيش نقول: تمنع مثل هذه التصرفات أو لا مانع منها؟ يعني كثير من الناس لا يسمع الأذان، وإن كان تحت المنارة، يعني في غرف وغلق ونوافذ ومكيفات، لا يسمع الأذان مع النوم، مع السهر بعد، والحرص بعد، الله المستعان، نعم، نقول: هل يحتاجون إلى قدر زائد من المنبه غير الأذان؟ كما يضع الإنسان منبه خاص؟ أو نقول: هذه معقولة العلة ولا مانع من استعمالها عند الحاجة إليها، عند الحاجة إليها، على أن لا يتعبد بها، وأنها نوع من النداء للصلاة أو الأذان المشروع، لا، إنما هي بمثابة المنبه الخاص.
طالب:. . . . . . . . .(11/7)
إيش فيها الجرس؟ إيه إيش فيها؟ الجرس الممنوع إيش هو؟ الجرس الممنوع ويش هو؟ لأن الجرس فيه جهتان، فيه صوت وطنين، وفيه إطراب، فيمنع من جهة الإطراب، أما ما لا إطراب فيه فلا يمنع، وقد شبه به الوحي، نعم، ((أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس)) فالجرس له جهتان، جهة محمودة، وجهة مذمومة، فمن الجهة المحمودة شبه به الوحي، ومن الجهة المذمومة جاء النهي عنه، إذا كانت مطربة نعم، نواقيس، مع الأسف أن النواقيس تدق والناس يصلون في مساجدهم الآن من الجوالات، هذا يمنع بلا شك، وهذا تشبيه للمساجد بالكنائس، فأقول: إن وجه الشبه، وجه تشبيه الوحي بالجرس أو بصلصلة الجرس من الجهة التي لا إطراب فيها، فإذا وجد جرس ولو سميناه بجرس لكنه ما يطرب ينبه فقط هذا لا يدخل في المنع.
هذا يقول: بالنسبة لنفط مكبرات الصوت في الحرم قبل الأذان بثلث ساعة؟ هذا يقول: أدركت ذلك من خمسة عشر سنة أو تزيد؟
على كلٍ إذا كان يراد به أنه قدر زائد على ما شرعه الله من الأذان والإعلام بدخول الوقت لا سيما مع انتظامه وهو منتظم ينبغي ألا ينفط، إذا كان مجرد فحص المكبر هو الغالب أنه لتنبيه من وجد في الحرم وبحاجة إلى وضوء ليخرج مثلاً، على كل حال مسألة الفحص مسألة عادية وليست شرعية سهلة، لكنها تتم بغير انتظام، في كثير من بلدان المسلمين ما يسمى بالمسحراتي، نعم يطوف على الناس قبل أذان الصبح بساعة مثلاً ويوقظ الناس في رمضان، بالطبول؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، هذا يزيد، يزيد الأمر، إن كان بالطبول يزيد الأمر، على كل حال المسألة الشرع واضح -ولله الحمد- وما ورد فيه بين، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المهم يغير موقفه الذي أذن فيه، لا يستعمل المكبر؟
على كل حال المقصود أنه يغير مكانه، ما يكون في محل الأذان، لا لو يغير محل الأذان ويدعو الناس للصلاة هذا أمر بمعروف، بس لا يكون له صلة بالأذان، يكون هناك فاصل، يكون هناك فاصل بينه وبين الأذان، وفي غير محل الأذان؛ لئلا يزيد في المشروع قدر زائد عليه، المقصود أنه ما يقوله في مكانه، في وسيلته التي يؤذن بها، لا أبداً، هذا قدر زائد.
طالب:. . . . . . . . .(11/8)
تمطيط بحيث يخرجه عن المألوف، بحيث يزيد حروف، تنشأ من جراء المدود، نعم؟ المقصود إذا زاد حروف تكون هذه الحروف ناشئة من المدود تمنع المدود، كل حرف له قدر معين من المد، لذلك لو قال: الله أكبا ومد الباء أكبار، نعم، هذا ينقلب المعنى، الأكبار عندهم في اللغة الطبل.
على كل حال أخبار المؤذنين وقصص المؤذنين كثيرة، ويوجد في القرى وفي الأرياف أمور مشكلة يعني، يكثر عند كثير من المؤذنين العوام: أشهد أن محمداً رسولَ الله، هذا كثير، الأذان بهذه الطريقة لا يجزئ، ولا يصح؛ لأنه احتاج .. ، الجملة تحتاج إلى خبر، ما جاء الخبر، فضلاً عن أمور تحيل المعنى.
"خشبتين" يعني "أري خشبتين في النوم، فقال: إن هاتين لنحو مما يريد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أهمه الأمر، عبد الله بن زيد لما انصرف ورأى بعد أن رأى اهتمام النبي -عليه الصلاة والسلام- أهمه الأمر فرآه في النوم، "لنحو مما يريد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقيل: ألا تؤذنون للصلاة؟ " ألا تؤذنون للصلاة؟ وأسمعه الأذان، أسمعه الأذان قال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، بتربيع التكبير من غير ترجيع، بتربيع التكبير من غير ترجيع، "فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين استيقظ، فذكر له ذلك"، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنها لرؤيا حق)) وبهذا اكتسبت الشرعية، لا أنها مجرد رؤيا، "فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالأذان".
بتربيع التكبير: يعني: الله أكبر أربع مرات من غير ترجيع، وألقاه على بلال، وهذا أذان بلال، واختاره جمع من أهل العلم, وجمله سبعة عشر جملة، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد ألا إله إلا الله، أشهد ألا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، كم؟ الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، خمسة عشرة جملة، خمسة عشرة جملة، هذا بالنسبة للأذان اللي هو أذان بلال.(11/9)
هناك أذان أبي محذورة، أذان أبي محذورة وقد علمه النبي -عليه الصلاة والسلام- الأذان بتثنية التكبير، لا تربيع التكبير، مع الترجيع، والترجيع أن يأتي بالشهادتين بصوت منخفض، ثم يعود إليهما بصوت مرتفع، واختاره جمع من أهل العلم، وكلاهما صحيح ثابت، وهذا عليه عمل أهل المدينة، وذاك عليه عمل أهل مكة.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو الترجيع .. ، هو خالف السنة، الترجيع مع التثنية، مع تثنية التكبير، والتربيع، تربيع التكبير ليس معه ترجيع، وعلى كل حال هذا ثابت وهذا ثابت، أذان بلال ثابت، وأذان أبي محذورة ثابت، فلو اعتمد المؤذن أحدهما على ألا يحدث تشويش لمخالفته ما جرى عليه العرف في البلد، وما اعتادوه فلا مانع، ولو اعتبر هذا من اختلاف التنوع نعم، وأذن مرة بأذان بلال، ومرة بأذان أبي محذورة على ألا يحدث مثل ذلك التشويش لا بأس -إن شاء الله تعالى-.
طالب:. . . . . . . . .
لا، الشهادتين معاً، بصوت منخفض، ثم يعود إليهما بصوت مرتفع، الله أكبر، الله أكبر، الأصل أن يقول المؤذن كذا: الله أكبر الله أكبر، بدليل حديث إجابة المؤذن، إجابة المؤذن، فإذا قال المؤذن: الله أكبر، الله أكبر قال: الله أكبر، الله أكبر، هذا استنبط منه أهل العلم أن التكبير الجملتين بنفس واحد.(11/10)
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعتم)) " إذا سمعتم: ظاهره اختصاص الإجابة بالسمع، ظاهره اختصاص الإجابة بالسمع؛ لأنه قال: ((إذا سمعتم)) يعني لو رأيت المؤذن في المنارة في وقت دخول الوقت، لكنك لا تسمع ماذا يقول؟ نعم، تجيب وإلا ما تجيب؟ مربوط ((إذا سمعتم)) ((إذا سمعتم النداء –وهو الأذان- فقولوا مثل ما يقول)) مثل ما يقول، ما قال: مثل ما قال، قال: قولوا مثل ما يقول، استدل به أهل العلم يعني الإتيان بالماضي دون المضارع يفيد ويشعر بأن الإجابة إجابة كل جملة بعد قول مقالتها من قبل المؤذن، مثل ما يقول؛ لأن المضارع يعني لو قال: فقولوا مثل ما قال، قلنا: إذا انتهى المؤذن أذنا مثله، ونكون حينئذٍ أجبناه، لكن مثل ما يقول، والمضارع للحال وللاستقبال لا للماضي، ما قال: مثل ما قال وانتهى، إنما يفيد أن تكون كل جملة من المجيب بعد كل جملة من المؤذن، إلا شخص مشغول بصلاة مثلاً، ولا انتهت صلاته إلا في آخر الأذان، نعم أو مشغول بأمر أو كان في موضع لا يمكن الإجابة فيه، فإذا خرج يجيب المؤذن، لا هو إذا انتهى، إذا انتهى المؤذن قبل أن يشرع المجيب ما يجيب، السنة فات محلها خلاص، لكن لو انتهى المصلي أو خرج من الدورة مثلاً والمؤذن في أواخر الأذان يجيبه.
النداء، النداء هو الأذان، والأذان كما يطلق على الإعلام المعروف بدخول الوقت يطلق أيضاً على الإقامة؛ لأنها أذان، ((بين كل أذانين صلاة)) المراد الأذان والإقامة، فهذا النص بعمومه يشمل الإقامة، يشمل الإقامة، إلا أن جمع من أهل العلم لا يرون الترديد وراء المقيم؛ لأن الإقامة مبنية على الحدر نعم، فلا يتسنى للمجيب أن يجيب المؤذن إلا أن يوافقه.
((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول)) مثل (ما) مثل الذي يقول، من صيغ العموم، هذا يقتضي أن توجد المطابقة بين قول المؤذن وقول المقيم إلا أنه استثني من ذلك قول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، يقول المجيب بدلهما: لا حول ولا قوة إلا بالله.(11/11)
وهل يجمع بينهما امتثالاً لهذا الحديث، وما جاء في الحيعلتين؟ يعني يقول المجيب: حي على الصلاة، لا حول ولا قوة إلا بالله؟ أو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله بدلاً من حي على الصلاة، حي على الفلاح، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني ما يجمع بينهما؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو جاء ما يخص الحيعلتين بقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لكن هل هناك .. ؟ هل نقول: فيه تخصيص؟ نعم، مثل ما نقول في قول المأموم: ربنا ولك الحمد، بعد قول الإمام: سمع الله لمن حمده، يعني هذا بديل، هذا بديل للمأموم، وهنا بديل للمجيب، بدلاً من قول الإمام والمؤذن، أو نقول: يجمع بينهما، وهذا يشمل جميع الجمل، ثم يقول بعد ذلك ما يخص المجيب لا حول ولا قوة إلا بالله، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، إجابة المؤذن بواسطة آلة، الأصل أنك ما تسمعه، وليس بقريب منك، بل قد يكون في بلد آخر، المؤذن يؤذن في المسجد الحرام وأنت هنا، تردد وإلا ما تردد؟ نعم، يعني إذا كان حي يعني ما هو مسجل يردد، وإذا كان مسجل ما يردد، أما من يؤذن على الهواء حي وتسمعه كأنه يؤذن في مكبر، هو مؤذن يؤذن بآلة هو يؤذن الآن كأنه أذن في مكبر.
((فقولوا مثل ما يقول المؤذن)) ادعى ابن وضاح أن كلمة: (المؤذن) مدرجة، وأن الحديث ينتهي بقوله: ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول)) والمؤذن مدرجة للإيضاح والبيان، وتعقب بأن الإدراج لا يثبت بمجرد الدعوى، بل لا بد من دليل يدل عليه، واتفقت روايات الصحيحين والموطأ على وجودها: ((فقولوا مثل ما يقول المؤذن)) هي موجودة في الصحيحين وغيرهما، ولا دليل على الإدراج، وصاحب العمدة حذفها تبعاً لهذه الدعوى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه زيادة من بعض .. ، ابن حجر يقول: حذفها صاحب العمدة فلم يصب، نعم، ولعل هذا في النسخة التي وقعت لابن حجر، ما أدري، الله أعلم.
طالب:. . . . . . . . .(11/12)
لا، لا، العمدة إذا أطلقت المراد بها المتفق عليها الصحيحين الصغيرة، يعني إذا قال: فقولوا، العطف بالفاء يقتضي أن تقولها بعد الفراغ من جملته مباشرة مثل ما يقال في: "إذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد" الشافعية يقولون: إذا قال: سمع الله لمن حمده، نعم، ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) هذا إمام قال: سمع الله .. ، قل: سمع الله لمن حمده، إيش المانع؟ لكن العطف بالفاء التي تقتضي تعقيبه مباشرة، نعم يقضي أنه لا فاصل بين قول الإمام: سمع الله لمن حمده، وقول المؤذن: ربنا ولك الحمد، نعم.
يقول: "وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن -بن الحارث بن هشام- عن أبي صالح السمان -اسمه عبد الله بن ذكوان- عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)) " الاستهام: الاقتراع، يعني يحصل التزاحم على الأذان، ويحصل أيضاً التزاحم على الصف الأول، ومعنى ذلك. . . . . . . . . والاقتراع، {فَسَاهَمَ فَكَانَ} [(141) سورة الصافات] نعم، ومعنى ذلك إذا لم يجدوا شيئاً من وجوه الترجيح والأولوية بأن يستووا في معرفة الوقت، وفي الصوت، وغير ذلك من شرائط الأذان ومكملاته إذا لم يوجد مرجح، وهذا المرجح لا بد أن يكون لمصلحة الأذان، إذا وجد مرجح ما فيه مزاحمة، لكن إذا لم يوجد مرجح، استويا من كل وجه الاقتراع، فالقرعة، أيضاً إذا دخلوا المسجد دفعة واحدة، نعم وتزاحموا على الصف الأول فالاقتراع، طيب، هذا الاقتراع ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)).
حكم الإيثار في مثل هذا:(11/13)
تزاحم اثنان على الأذان وقد استويت من جميع الوجه، وقال واحد: أنا أتنازل لك، ومثله لو وجد مكان يسع شخص في الصف الأول ودخل اثنان دفعة واحدة وقال: أنا أثرك بهذا المكان، الإيثار في مثل هذا؟ نعم عندهم أن الإيثار في القرب مكروه على اختلافٍ في حكم القربة، القربة، الإيثار في الواجبات ما يجوز، لا يكفي أن نقول: مكروه، الإيثار في السنن نعم مكروه، نعم، الإيثار في المباحات مطلوب {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [(9) سورة الحشر] لكن إذا وجد مصلحة راجحة، والقربة مندوبة، شخص مع أبيه مثلاً دخلوا دفعة واحدة في مكان واحد، فقدم أباه، قال: نقول: الإيثار في القرب مكروه، أو مثلاً للتأليف، شخص كبير في السن مثلاً، وآثره في هذا المكان، نعم، أو لكونه أرفق به، تصور أن الصف طويل، وهذا الكبير يشق عليه أن ينتقل إلى الجهة الأخرى، فآثره به، لا شك أنه يحصل له من الأجر أكثر مما ترك -إن شاء الله-؛ لأن الشرع والدين دين توازن، يعني يحث على هذه الأمور، لكن أيضاً هناك ما يدل على ما يقابلها، ((ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه)) يستهموا عليه علي إيش؟ الصف الأول وإلا النداء؟ النداء لأن الإمام مالك وضع الحديث في باب النداء، أو الصف الأول باعتباره أقرب مذكور؟ ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول)) وفي بعض الروايات: ((من الخير والبركة، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه)) ما قال: عليهما، مع أنه في رواية عبد الرزاق عن مالك: ((لاستهموا عليهما)) لكن رواية الصحيحين: ((إلا أن يستهموا عليه)) وعليه شيء واحد، والذي تقدمه أمران: النداء والصف الأول، نعم، لو يعلم الناس الذي .. ، لاستهموا على، هاه؟ يعني على الأجر، على الأجر، يستهمون على الأجر وإلا على سبب الأجر الذي هو النداء والصف الأول؟ نعم، لا، الأجر ما يمكن يستهمون عليه، ما يحصله إلا واحد، هو لا شك أن الاستهام على النداء والصف الأول، نعم، الاستهام على النداء والصف الأول، وقال: ((أن يستهموا عليه)) ولا بد من إيجاد ما يشمل الأمرين شيء واحد، يشمل الأمرين يصح أن يعود عليه الضمير، فنقول: ليستهموا عليه أي على ما ذكر، على ما ذكر من النداء والصف(11/14)
الأول، لاستهموا يعني لاقترعوا.
طالب:. . . . . . . . .
إي مجودة، لكن هات لها مثال {يُضَاعَفْ} [(69) سورة الفرقان] {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ} [(68) سورة الفرقان] وهي أمور ثلاثة، نعم الذين لا يدعون .. ، طيب {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ} [(38) سورة الإسراء] وأمور كثيرة، على كل حال هو وارد في اللغة، لكن لا بد من تأويل شيء يجمع هذه الأمور يصح أن يعود عليه الضمير، ((ولو يعلمون ما في التهجير)) ما في التهجير: يعني التبكير إلى الصلوات كلها، أو التبكير إلى صلاة الظهر في وقت الهاجرة، نعم، هما قولان نعم، لكن منهم من يقول: يؤخذ من اللفظ التهجير الذهاب في وقت الهاجرة، فهو حث على التبكير إلى صلاة الظهر.
((ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه)) لاستبقوا إليه، استبقوا، عندنا: استبقوا، وسارعوا، وسابقوا، مع أن الاستباق الحسي يلزم عليه سرعة المشي، السرعة في المشي، وهي منهي عنها كما سيأتي في الحديث الذي يليه، فالمراد به الاستباق المعنوي، الاستباق المعنوي، وهو التهيؤ للتبكير، التهيؤ للتبكير.
((ولو يعلمون ما في العتمة -وهي صلاة العشاء- والصبح لأتوهما ولو حبواً)) يعني مشياً على اليدين والرجلين كما يفعل الطفل، ((لأتوهما ولو حبواً)) العتمة صلاة العشاء ما جاء النهي عن تسميتها العتمة؟ ((ولا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم)) نعم جاء في هذا الحديث ((ولو يعلمون ما في العتمة)) نعم، المداومة على تسميته، يعني كون الاسم (العشاء) ينسى، نعم بدليل الغلبة، ((لا تغلبنكم الأعراب)).
طالب:. . . . . . . . .
هو جاء النهي عن تسمية العشاء العتمة، وجاء أيضاً: "أعتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وجاءت أحاديث في العتمة، هو النهي محمول على الاستمرار، الاستمرار بحيث يغلب الاسم، الاسم الأعرابي على الاسم الشرعي، أما كونها يطلق عليها أحياناً لا بأس.(11/15)
ثم يقول: "وحدثني عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه وإسحق بن عبد الله أنهما أخبراه أنهما سمعا أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا ثوب بالصلاة)) " ثوب بالصلاة، يعني: أقيمت الصلاة، إذا ثوب بالصلاة، ثوب: الأصل التثويب إيش؟ نعم، من ثاب إذا رجع، ثم صار يطلق على قول المؤذن في صلاة الصبح: الصلاة خير من النوم، هذا التثويب على ما سيأتي.
((إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون -يعني تسرعون- وأتوها وعليكم السكينة)) في البخاري: ((والوقار)) وهو بمعنى السكينة، وذُكر على سبيل التأكيد، وقال النووي: الظاهر أن بينهما فرقاً، بين السكينة والوقار فرق، نعم، وأن السكينة في الحركات، والوقار في الهيئة كغض البصر، وخفض الصوت، وعدم الالتفات، وعليكم السكينةُ، السكينة: مبتدأ مؤخر، وعليكم: خبر، والجملة: حال، وضبطها القرطبي بالنصب "عليكم السكينةَ" فيكون منصوب على الإغراء، عليكم السكينةُ، وجاء في البخاري: ((بالسكينة)) واستشكل دخول الباء؛ لأنه متعدٍ بنفسه {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم .. } [(105) سورة المائدة] استشكل؛ لأنه الأصل أنه يتعدى بنفسه، واستشكل ما في الصحيح من تعديته بالباء، لكن يقول ابن حجر: فيه نظر لثبوت الباء في أحاديث كثيرة، وأورد عدة أحاديث كلها بالباء.
((فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) ((فلا تأتوها وأنتم تسعون)) العلة في هذا ما جاء بيانه في آخر الحديث، ((فإن أحدكم في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة)) إذا كان في صلاة، والمصلي يشرع له أن يكون مطمئناً ساكناً، وهو في الصلاة، ولذا نهي عن تشبيك الأصابع قبل الدخول في الصلاة، لأنه في صلاة، ((فما أدركتم فصلوا -يعني مع الإمام- وما فاتكم فأتموا)) وهذا رواية الأكثر، وجاء: ((وما فاتكم فاقضوا)) لكن الأكثر: ((فأتموا)) ويستدل بها على أن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته، وما يقضيه هو آخر صلاته، ما يدركه المسبوق أول صلاته، جئت والإمام في الركعة الرابعة تكبر فتكون لك هي الركعة الأولى، ثم تقضي بعده الثانية، ثم تجلس للتشهد، ثم تأتي بالثالثة والرابعة، استناداً إلى هذا.(11/16)
على الرواية الأخرى: ((وما فاتكم فاقضوا)) وبها يقول الحنابلة والحنفية أن ما يدركه المصلي هو آخر صلاته، وما يقضيه الذي فاته يقضيه؛ لأنه أول صلاته، يستدلون برواية: ((فاقضوا)) ولكل من الطرفين ما يستدل به من صورة الصلاة، من صورة الصلاة، إيش معنى هذا الكلام؟ الذي يقول: "فأتموا" من فاته ثلاث ركعات متى يجلس للتشهد الأول على القول الآخر؟ يصلي ركعتين ثم يجلس للتشهد الأول، ثم بعد ذلك يجلس ولا يتشهد التشهد الأخير؛ لأنه أدركه، إنما يقضي ما فاته، يقضي قضاءً، على كل حال القول الثاني يلزم عليه لوازم، وهم يتنصلون عنها، ما يقولون بها، ما في أحد من الحنابلة والحنفية يقول: يسلم بدون تشهد؛ لأنه أدرك التشهد تشهد مع الإمام، ولا فيهم من يقول: من فاته ثلاث ركعات أنه ما يجلس التشهد الأول إلا بعد أن يأتي بركعتين، الصورة واحدة عندهم، لكن اللي يظهر فيه اختلاف، نعم، يظهر في الاختلاف في المقروء، يعني إذا أدرك مع الإمام ركعة يكبر تكبيرة الإحرام ويستفتح ويقرأ الفاتحة، ويقرأ سورة، على القول بأن ما يدركه آخر صلاته، متى يتورك؟ يتورك مع تورك الإمام، مع الإمام، نعم يتورك مع الإمام، لكن المرجح هو أن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته، تتغير الصورة لو قيل بمقتضاها القول الثاني، لكنهم لا يلتزمون به، منهم من يقول: ما يدركه هو أول صلاته في الأفعال لا في الأقوال، بمعنى أنه يأتي بالفاتحة وسورة فيما يقضيه بدلاً مما فاته من قراءة في الركعة .. ، بما أدركه مع الإمام، يعني إذا أدرك الإمام بعد التشهد الأول وأدرك الفاتحة ما يستطيع أن يقرأ سورة، والرابعة كذلك يقرأ الفاتحة فقط، وهو مشروع له أن يقرأ الفاتحة وسورة، يقول: يقضيهما في الركعتين الأخريين، فيكون ما يدركه أول صلاته في الأفعال دون الأقوال، لكن التفريق يحتاج إلى دليل.(11/17)
وعلى كل حال المرجح أن ما يدركه المسبوق فهو أول صلاته، ومثله صلاة الجنازة، وهذا يشكل على كثير من الناس، فاته تكبيرتين من صلاة الجنازة، والإمام بعد التكبيرة الثالثة بيطيل، وهذا بيقرأ الفاتحة فقط، وهذا بيطيل الدعاء، إيش يسوي؟ يقرأ الفاتحة فيسكت؟ وإلا يكبر ثانية ويصلي على النبي ويستغل الوقت قبل أن ترفع الجنازة؟ يقرأ الفاتحة ويسكت، ثم إذا كبر الإمام الرابعة يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم إذا سلم يكبر ثالثة فيدعو للميت، هذا إذا حصل ظرف إن كان بيرفع يستعجل ثم يكبر رابعة ويسلم وهكذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . ((فاقضوا)) يأتي القضاء بمعنى الأداء، {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [(12) سورة فصلت].
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، لا، {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [(12) سورة فصلت] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} [(10) سورة الجمعة] نعم {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا} [(10) سورة الجمعة] هل معنى هذا أنه ما ينتشر إلا من فاتته الصلاة ثم قضاها؟ نعم، إذا قضيت يعني فرغ منها أداءً أو قضاءً.(11/18)
"وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري ثم المازني عن أبيه -عبد الله بن عبد الرحمن وكان يتيماً في حجر أبي سعيد، وكانت أمه عند أبي سعيد- أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري قال له –أي لعبد الله بن عبد الرحمن-: "إني أراك تحب الغنم والبادية" تحب الغنم والبادية، الآن هو يحب البادية من أجل الغنم أو على سبيل الاستقلال؟ يعني ما هو بيحب البادية من أجل الغنم، يعني يلزم البادية ولو كان ما عنده غنم، ويحب الأمرين، لكن أحدهما من لوازم الآخر، هو من أجل الغنم قالوا، وعلى كل حال سواءً كان يحب الغنم بمفردهها أو يحب .. ؛ لأن الجهة قد تنفك، تنفك الجهة، يحب الغنم وهي في بيته في الحاضرة، يحب البادية ولو لم يكن له فيها غنم، وقد يحب البادية من أجل الغنم، "فإذا كنت في غنمك أو باديتك" شك أو تنويع، "فأذنت بالصلاة" أي أعلمت بدخول وقتها، "فارفع صوتك بالنداء" فيه استحباب أذان المنفرد؛ لأنه يخاطب شخص واحد، وهو الراجح عند الشافعية أن المنفرد إذا كان في مكان بحيث لا يسمع الأذان يؤذن، "فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن" يعني غاية صوته، نهاية صوته، "جن ولا إنس ولا شيء" يشمل الحيوان والجماد، وهو من العام بعد الخاص، "ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة" والشيء هذا يشمل الملائكة أيضاً، وإن قال بعضهم: أنهم يدخلون في الجن لعموم اجتنانهم وخفائهم واختفائهم عن الأبصار، لكن دخولهم في العموم الأعم وهو الشيء أظهر، "ولا شيء" بعضهم يقول: الجماد ما يشهد، جاء في بعض الروايات: "يشهد له كل رطب ويابس"، "إلا شهد له يوم القيامة"، وجاء في فضل الأذان أحاديث كثيرة، وهم أطول الناس أعناقاً يوم القيامة، "قال أبو سعيد: "سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، سمع إيش؟ سمع الحديث كامل؟ يعني سمع الأمر برفع الصوت، أو الترغيب برفع الصوت، أو سمع الحديث من أوله؟ طيب، {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى} [(18) سورة الأعلى] المشار إليه من أول السورة أو من {قَدْ أَفْلَحَ} [(14) سورة الأعلى] وهنا سمعته مقتضى قول من يقول: إن الحديث كله سمعه من الرسول -عليه الصلاة والسلام- مقتضاه أن(11/19)
النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لأبي سعيد: "إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في بادية .. " نعم، هذا احتمال أورده بعضهم، أورده بعضهم؛ لأن الضمير يحتمل، سمعته يعني سمعت كل ما تقدم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن الظاهر أنه سمع الحث على الأمر، الحث على رفع الصوت بالأذان وتعليل ذلك، وتعليل ذلك.
"وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا نودي للصلاة -يعني أذن لها- أدبر الشيطان)) إبليس، الشيطان الأكبر، وإلا هناك شياطين {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ} [(112) سورة الأنعام] هل يرد في مثل هذا شياطين الإنس؟ نعم، لا، إما الشيطان الأكبر أو أتباعه وأعوانه من الشياطين، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(11/20)
إيه ما يطردهم الأذان، هم شر من شياطين الجن كما قال بعضهم؛ لأنه بالذكر والاستعاذة والأذان تتخلص من شياطين الجن، لكن شياطين الإنس؟! نعم، ((أدبر الشيطان له ضراط)) بدون واو (له ضراط) جملة اسمية وهي حالية أيضاً، نعم حالية بدون واو لوجود الرابط بين الحال وصاحبه وهو الضمير، وله، له ضراط، ((حتى لا يسمع النداء)) والضراط حقيقي، ولا يمنع من الحقيقة هنا مانع، وإن قال بعضهم إنه ضراط معنوي، لكن الأصل الحقيقة، وحقيقي استخفافاً بما يسمع، أو لكي لا يسمع الأذان من أجل يشوش على ما يسمع، أو يحصل له ذلك دون قصد منه، لعظم ما يسمع، لعظم ما يسمع، ((حتى لا يسمع النداء، فإذا قضي النداء -يعني انتهي، فرغ منه- أقبل، حتى إذا ثوب)) أقيمت الصلاة، وزعم بعضهم أن المراد بالتثويب هنا قول: حي على الصلاة في أذان الصبح، قال الخطابي: "لا يعرف العامة من التثويب إلا قول المؤذن: الصلاة خير من النوم" وزعم بعضهم أن المراد قول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، قال الخطابي: إن العامة لا يعرفون من التثويب إلا الصلاة خير من النوم، وعلى كل حال التثويب هنا الرجوع، أصله من ثاب أي رجع والرجوع إلى الإعلام تثويب، ويكون الرجوع إلى الإعلام بأي شيء؟ بالإقامة، ((حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر، حتى إذا قضي التثويب -قضيت الإقامة وفرغ منها- أقبل حتى يخطر)) يخطر بكسر الطاء، كما ضبطه القاضي عياض عن المتقنين، والقاضي عياض له كتاب نفيس في الباب اسمه: (مشارق الأنوار على صحاح الأخبار) على الصحيحين والموطأ، وهو من أعظم كتب الغريب، نعم ترتيب الحروف عنده على طريقة المغاربة فيها مشقة يسيرة، لكن سهل يعني، ((حتى يخطر)) معناه يوسوس، يلقي على المصلي الخواطر، الخواطر: جمع خاطر، والخاطر: ما يخطر على البال، ولا يبقى بحيث يزول؛ لأن الخاطر والهاجس من مراتب القصد، هذه الخواطر أول مراتب القصد، فيلقي عليه من الخواطر حتى تصير هواجيس، والهواجس والهواجيس جمع هاجس، ثم إذا ترددت صارت حديث نفس، ثم إذا زادت يأتي بعد ذلك الهم، ثم العزم.
مراتب القصد خمسٌ هاجس ذكروا ... فخاطرٌ فحديث النفس فاستمعا
يليه همٌ فعزمٌ كلها رُفعت ... إلا الأخير ففيه الإثم قد وقعا(11/21)
هذه مراتب القصد، وهو في أول الأمر يبدأ بالخواطر، ثم تتكرر تصير هواجس، ثم تتطور تصير حديث نفس وتتردد إلى أن يخرج من صلاته وما عقل منها شيء، وهذا يرضى به الشيطان إذا عجز عن أن يثنيه عن الصلاة بالكلية، ((حتى يخطر بين المرء ونفسه)) يعني يعرض، يحول بين المرء ونفسه، بين المرء وقلبه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يا أخي الصلاة لها شيطان، الوضوء له شيطان وهكذا، على كل حال أهل العلم يختلفون في مثل هذا هل هو الشيطان الأكبر أو أحد جنوده ممن وكل به؟ المقصود أن هذا عمل الشياطين، نسأل الله العافية، ((بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا، اذكر كذا)) وهذا شيء مجرب إذا صف الإنسان في الصلاة ذكره الشيطان ما لا يفيده، يعني لو يذكره بشيء يفيده ما .. ، لكن يذكره ما لا يفيده، يذكره .. ، أحياناً يذكره نكت فيجعله يضحك في الصلاة، وهذا كثير، يعني الإنسان، هذا شيء يا الإخوان ما هو في مقدور الإنسان، إلا أن الإنسان ينبغي أن يرتبط بربه، ويحسن ويصلح ويخلص نعم .. ، يصلح ما بينه وبين ربه فيحفظه من هذه الأمور، وإلا إذا ترك لنفسه الحبل على الغارب صار لا يلقي لهذه الأمور شيء، لا يلقي لها بال خارج الصلاة إيش اللي يمنع أن ترد عليه في وقت الصلاة؟ من أكثر من شيء، من اعتاد شيء خطر عليه، خطر على القلب، فإذا حصل له شيء خارج الصلاة ذكره به في داخل الصلاة، ويحرص على شيء يبطل صلاته، اذكر كذا، اذكر كذا، قد يذكره بمعصية سابقة، أو يذكره بموقف قديم، نعم ليفسد عليه صلاته، أقل الأحوال أن يشغله عن صلاته فيخرج منها وليس له من الأجر شيء.(11/22)
يذكر في هذا المقام عن الإمام أبي حنيفة أنه جاء له شخص وقال إنه وضع شيء في مكان ونسيه، فقال له: صلِ، يعني هل مثل هذا يصدر من مثل هذا الإمام؟ أن يكون الصلاة الباعث عليها إيش؟ نعم، الآن، الآن في مثل هذا الكلام إيش معنى صلِ؟ نعم، ((اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل)) يصير الرجل، بالظاء المشالة، في بعض الروايات: ((يضل)) يعني ينسى ((الرجل إن يدري كم صلى؟ )) (إن) هذا نافية، يعني: لا يدري كم صلى؟ حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى؟ ما يدري هل صلى ركعة أو ثلاث أو أربع؟ وهذا يوجد، بعض الناس ما يصدق أن جاره الذي صلى بجانبه يقوم منهما قال له: إنك فعلت كذا في صلاتك، فعلت كذا؛ لأنه ما يدري كيف صلى؟ ما يدري ماذا حصل له؟ كيف تحرك؟، كيف .. ؟ ما يدري، ما في شك أن الغفلة استولت على قلوب كثير من الناس، أما كونه ما يدري هذا ظاهر، تجد الإمام خلفه صفوف ثم يخطئ لا تجد من يقول: سبحان الله، ولو تسأل كثير ممن يصلي خلف الإمام الصلاة الجهرية ماذا قرأ الإمام؟ ما يدري، ما يدري، لا عاد كثير من الأئمة يهتم ويحتاط من أجل إتقان صلاته إصلاحاً من أجل الناس مرتبطين به.
فهذا من وسواس الشيطان، والشيطان يرضى إذا لم يستطع صرف الإنسان عن الدين بالكلية يصرفه عن هذا الركن الأعظم من أركان الإسلام، فإذا لم يستطع شوش عليه ووسوس له، ولا بد أن يظفر بشيء.
طالب:. . . . . . . . .
علاج ليتذكر؟! لا يكون الناهز له على الصلاة غير ابتغاء وجه الله -عز وجل-، هذا من التشريك، هذا من التشريك في العبادة، هذا تشريك، مثلما شخص جالس في المسجد شاف غريم دخل يبي منه فلوس قال: الله أكبر، انتظر، انتظره يركع يسلم ما في فائدة، راح وخلاه، مثل هذا .. ، هذا تشريك في العبادة.
"وحدثني عن مالك عن أبي حازم" سلمة بن دينار، من يسأل؟ جاء في الخبر: ((إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان)) نعم، إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان، دال على أن الأذان يطرد الشيطان.
"وحدثني عن مالك عن أبي حازم)) سلمة بن دينار، هو الذي يروي عن سهل بن سعد، هناك أبو حازم يروي عن أبي هريرة اسمه؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(11/23)
سلمان نعم، هذا سلمة وذاك سلمان، "عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال: "ساعتان يفتح لهما أبواب السماء، وقلّ داع ترد عليه دعوته: حضرة النداء للصلاة، والصف في سبيل الله"، يقول ابن عبد البر: هذا الحديث موقوف عند جميع رواة الموطأ، ومثله لا يقال بالرأي"، يعني أنه له حكم المرفوع، ويروى مرفوعاً من الطريق المذكور عن أبي سالم عن سهل بن سعد عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، "ساعتان يفتح لهما أبواب السماء" يعني فيهما، لا أنه تفتح للساعتين، إنما تفتح أبواب السماء في الساعتين، في وقتهما، وليس المراد بهما الساعتان من الساعات الفلكية، الساعة ستون دقيقة يعني أنها تفتح مائة وعشرين دقيقة، لا، الساعة مقدار من الزمان يستغلها الإنسان في أي أمر من الأمور، يعني لو جلس يدعو خمس دقائق قلنا: دعا ساعة.
"ساعتان يفتح لهما أبواب السماء، وقلّ داع ترد عليه دعوته" يعني هذه من أوقات مظنة الإجابة، من أوقات مظنة الإجابة، "وقلّ داع ترد عليه دعوته" (قلّ) يدل على أنها قد ترد، قد ترد، ومعلوم أن الدعاء سبب، سبب تترتب عليه آثاره إن لم يوجد ثم مانع، فإذا وجد مانع ما تجاب الدعوة، والموانع كثيرة، وللدعاء أسباب، وله آداب، وله موانع، الإنسان يحرص على أن يطيب المطعم، وألا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم، ولا يعتدي في الدعاء، وينظر إلى الأوقات التي هي مظنة إجابة، وهي مبسوطة في كتب أهل العلم.
"حضرة النداء للصلاة" وقت الأذان، وقت الأذان مظنة للإجابة، بين الأذان والإقامة أيضاً مظنة للإجابة، "والصف في سبيل الله" أي قتال الكفار لإعلاء كلمة الله -عز وجل-، هذه أيضاً مظنة إجابة، "قل داع ترد عليه دعوته" مفهومه أنه قد ترد عليه، لكنه قليل نادر، ومنهم من يقول كابن مالك في التسهيل وغيره يقول: إن (قل) قد تأتي للنفي المحض، وعلى هذا لا بد من إجابة الدعوة هنا، لا بد من إجابة الدعوة، لكن الأصل في (قل) أنها في مقابل كثر، فالكثير الغالب تجاب دعوته، والقليل النادر لا تجاب دعوته، ومعلوم -مثل ما ذكرنا- أن الدعاء سبب، ما لم .. ، وتترتب عليه آثاره ما لم يمنع من ترتب هذه الآثار مانع.(11/24)
"وسئل مالك عن النداء يوم الجمعة، هل يكون قبل أن يحل الوقت؟ قال: "لا يكون إلا بعد أن تزول الشمس".
الإمام مالك -رحمه الله تعالى- له رأي في الساعات يناسب ذكره هنا، من راح في الساعة الأولى، في الساعة الثانية، في الثالثة، في الرابعة، في الخامسة، عند مالك متى تبدأ هذه الساعات؟ نعم ساعات لطيفة بعد الزوال، تبدأ من الزوال، هذا ما فيه شك أنه كثير من الناس ودهم يصير هو الراجح، نعم لما ابتلي به الخاص والعام، لا أقول: عوام الناس أو طلاب العلم، بل كثير، تجد الإمام يدخل في المسجد الجامع الكبير ما فيه إلا صف، ثم تنتهي الصلاة إلا والمسجد مليان، وجاء في الخبر: أن الناس قربهم من الله -جل وعلا- كقربهم من الخطيب، سبق بسبق والمباعد مثله،
وقرب بقرب والمباعد مثله ... بعد ببعد حكمة الديانِ
على كل حال يوجد في الأمة –ولله الحمد- خير، يوجد من يبادر، يوجد من كبار السن من يأتي لصلاة الصبح ولا ينصرف حتى يصلي الجمعة، ورأينا من الشباب من يحضر مع طلوع الشمس، يوجد -ولله الحمد- لكنه قليل، وكان كثير، أدرك الناس كثيرة يأتون إلى الجمعة مبكرين.
"وسئل مالك عن النداء يوم الجمعة هل يكون قبل أن يحل الوقت؟ " يعني قبل الزوال، "قال: لا يكون إلا بعد أن تزول الشمس" وعرفنا ما في وقت الجمعة من أقوال.
الأذان الأول الذي شرعه الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه-، وقد أمرنا باتباع سنته، ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ)) ومنهم عثمان -رضي الله عنه-، الأذان الأول هل هو مراد مالك أو الثاني؟ نعم مراده الثاني, مراده الثاني، أما الأذان الأول لو قلنا: إنه ما يكون إلا بعد الزوال نعم انتفت الحكمة منه، هو من أجل أن يتأهب الناس لصلاة الجمعة.(11/25)
"وسئل مالك عن تثنية الأذان والإقامة، ومتى يجب القيام على الناس حين تقام الصلاة؟ فقال: "لم يبلغني في النداء والإقامة إلا ما أدركت الناس عليه" فهو شفع الأذان، "فأما الإقامة فإنها لا تثنى" فرادى، ورأي مالك أن جميع جمل الإقامة فرادى، حتى الله أكبر مرة واحدة، أشهد ألا إله إلا الله مرة واحدة، وهكذا، وأما الأذان فهو مشفوع لحديث: "أمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة" مفهومه أن جميع جمل الأذان شفع، وجميع جمل الإقامة وتر، لكنه أغلبي لوجود الوتر في جمل الأذان، ووجود الشفع في جمل الإقامة، "وذلك الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا، وأما قيام الناس حين تقام الصلاة" ثبت في الصحيح عن أبي قتادة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني)) يعني متى يقوم المأموم؟ إذا رأى الإمام، ((إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني)) وجاء في البيهقي وغيره استحباب القيام عند كلمة (قد) قد قامت الصلاة، لكنه خبر ضعيف في إسناده الحجاج بن أرطأه، وهو ضعيف، يقول: "وذلك الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا –يعني المدينة- وأما قيام الناس حين تقام الصلاة، فإني لم أسمع في ذلك بحد يقام له" لم أسمع في ذلك بحد يقام له "إلا أني أرى ذلك على قدر طاقة الناس" على قدر طاقة الناس، بعض الناس يحتاج حتى ينهض ويتعدل في الصف إلى وقت، وبعضهم -ما شاء الله- ما فيش، كأنما ينشط من عقال، يتفاوتون الناس، بعض الناس لو يقال له: لا تقوم حتى ترى الإمام تفوته تكبيرة الإحرام، يبي له وقت حتى يتعدل، يقول: "إلا أني أرى ذلك على قدر طاقة الناس، فإن منهم الثقيل والخفيف -صحيح- ولا يستطيعون أن يكونوا كرجل واحد"، يعني ما يطالب الثقيل بما يطالب به الخفيف، ولا يطالب الكبير بما يطالب به الصغير وهكذا، إلا أنه حكم في هذا ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- من قوله: ((إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني)).(11/26)
وسئل مالك عن قوم حضور أرادوا أن يجمعوا المكتوبة، فأرادوا أن يقيموا ولا يؤذنوا؟ قال مالك: "ذلك مجزئ عنهم" كيف يجمعوا المكتوبة؟ يجْمَعوا، وإلا يُجَمِّعوا؟ هل المقصود بيجمعوا المكتوبة يقيموا صلاة الجماعة؟ أو يقيموها مجموعة مع ما قبلها ومع ما بعدها، هل هو من التجميع بمعنى إقامة الجماعة، أو من الجمع الذي هو ضم الصلاتين إلى بعض؟ "وسئل مالك عن قوم حضور" حضور يعني كلهم متوافرون موجودون لا يحتاجون إلى نداء، غير متفرقين، وهم أيضاً في غير مسجد، يعني شباب في رحلة، مجموعة في رحلة، لكنهم مجتمعين كلهم، حاضرين، يحتاجون إلى أذان لإقامة الجماعة؟ اسمعوا كلام مالك: "فأرادوا أن يقيموا ولا يؤذنوا؟ قال مالك: ذلك مجزئ عنهم" يجزئ، يكفي؛ لأن الأذان ليس بشرط في صحة الصلاة، على الخلاف في وجوبه، أو أنه من السنن المؤكدة، "وإنما يجب النداء في مساجد الجماعات" مساجد الجماعات "التي تجمع فيها الصلاة" يعني التي تصلى فيها الجماعة، لكي يتم دعاؤهم لحضور الجماعة بواسطة الأذان.
"وسئل مالك عن تسليم المؤذن على الإمام، ودعائه إياه" وسئل مالك عن تسليم المؤذن على الإمام ودعائه إياه، هذا شيء موجود في وقته -رحمه الله-، "ومن أول من سلم عليه؟ قال: "لم يبلغني أن التسليم كان في الزمان الأول"، يعني ما بلغني أن هذا التسليم الموجود في زمنه، موجود في الزمان الأول في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وعهد خلفائه الراشدين، التسليم يؤذن المؤذن فإذا حان وقت الإقامة يذهب إلى الإمام، والغالب أن الإمام هو إيش؟ الأمير، نعم، هو الأمير، هم الذين يصلون بالناس، ثم يقف عند بابه السلام عليكم، السلام عليكم، يؤذنه بالصلاة، ويعلمه بها، فارتبط السلام هذا بالإعلام بالإقامة، والإمام مالك يقول: "لم يبلغني أن التسليم كان في الزمان الأول" أما تكلف المؤذن الوقوف بباب الأمير، والسلام عليه واستئذانه، فهذا لم يكن موجوداً في الزمان الأول، أما استئذان الإمام فمر بنا أن بلال يؤذن النبي -عليه الصلاة والسلام- بالإقامة، يعلمه بها، ومثله عثمان -رضي الله عنه-، ينشغلون بالأمور العامة فيحتاجون إلى من ينبهم، والله المستعان.(11/27)
"قال يحيى: وسئل مالك عن مؤذن أذن لقوم ثم انتظر هل يأتيه أحد فلم يأته أحد" يعني متصور، متصور في الأطراف أطراف البلدان، يوجد مسجد وله مؤذن ثم يؤذن ينتظر أحد ما يجيه أحد، "ثم انتظر هل يأتيه أحد، هل يأتيه أحد، فلم يأته أحد، فأقام الصلاة، وصلى وحده، ثم جاء الناس بعد أن فرغ أيعيد الصلاة معهم؟ قال: "لا يعيد الصلاة" لأنه أداها كما أمر، واتقى الله ما استطاع، ولا يلزمه إعادة، وله أجر الجماعة -إن شاء الله تعالى-، "ومن جاء بعد انصرافه" فراغه من الصلاة، هذه مسألة في بعض الأماكن يكون صوت الإمام ما يشجع على صلاة التهجد مثلاً، فالناس الجماعة يروحون يمين يسار يبحثون عن الأصوات المنشطة، نعم جاء الإمام وأراد أن يشرع بالصلاة ما فيه أحد، تفرقوا يمين ويسار، هل يصلي وحده؟ ومن جاء معه يصلي؟ والمسألة مسألة نافلة، تصح فرادى وتصح جماعات، نعم؟ أو يذهب مع الناس يدور له مسجد؟ واحتمال أن يأتي بعد ذلك من يأتي ولا يجد في المسجد أحد، يبقى ويصلي، نعم.
"وسئل مالك عن مؤذن أذن لقوم ثم انتظر هل يأتيه أحد فلم يأته أحد فأقام الصلاة وصلى وحده، ثم جاء الناس بعد أن فرغ أيعيد الصلاة معهم؟ قال: لا يعيد الصلاة، ومن جاء بعد انصرافه -فراغه من الصلاة- فليصلِ لنفسه وحده" صلى هذا المؤذن وحده، لما انصرف من صلاته وجد جماعة جايين لا يصلي معهم هو صلى وانتهى، أدى ما عليه، لكن هم يصلون جماعة وإلا فرادى؟ "ومن جاء بعد انصرافه، فليصل لنفسه وحده" هذه مسألة وهي مسألة تكرار الجماعة في مسجد واحد، هذا جار على أصل، أصل للإمام مالك أن المسجد الذي له إمام راتب لا تصلى فيه الجماعة مرتين صلاة واحدة، وبهذا قال الثوري، والجمهور على خلافه، أنه لا مانع من أن تقام الصلاة مرتين في مسجد واحد، للحاجة، أما في آن واحد فلا، لا يجوز عند أهل العلم أن تصلى الصلاة جماعة لأكثر من جماعة في آن واحد؛ لأن هذا يخالف الهدف الشرعي من شرعية الجماعة، نعم، لكن لو جاء مجموعة فاتتهم الصلاة صلوا جماعة حديث: ((من يتصدق على هذا؟ )) أصل ودليل على شرعية إعادة الجماع.(11/28)
"قال يحيى: وسئل مالك عن مؤذن أذن لقوم ثم تنفل فأرادوا أن يصلوا بإقامة غيره؟ فقال: "لا بأس بذلك إقامته وإقامة غيره سواء" أذن واستعجل الجماعة، قالوا نبي نصلي، ما حنا منتظرين، قالوا: بس انتظروا حتى يقيم؟ قالوا: يقيم غيره، يأتي شخص آخر من الموجودين ويقيم ويش المانع؟ يقول: "لا بأس بذلك إقامته وإقامة غيره سواء" لا فرق بينه وبين غيره في الإقامة، وبهذا قال أبو حنيفة يعني مع مالك، وقال الليث والثوري والشافعي وأحمد وأكثر أهل الحديث أن من أذن فهو يقيم، من أذن فهو يقيم، لحديث عبد الله بن الحارث الصدائي وفيه: ((من أذن فهو يقيم)) فلا ينبغي أن يفتأت عليه في ذلك، لكن لو عرف من عادته أنه ما يتأثر، فأذن وجلس يقرأ القرآن مثلاً، فلما حان وقت الإقامة احتاج إلى الدورة مثلاً، أو دعي من قبل أهله، وخرج قالوا: الناس ما إحنا منتظرين، ويعرفون أنه من عادته أنه ما يتأثر، وإلا الأصل أن من أذن فهو يقيم، وأقيمت الصلاة من دون رأيه لا بأس -إن شاء الله-.
"قال يحيى: قال مالك: "لم تزل الصبح ينادى لها قبل الفجر" يعني لحديث: ((إن بلالاً يؤذن بليل)) "لم تزل الصبح ينادى لها قبل الفجر، فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نرها ينادى لها إلا بعد أن يحل وقتها".
لماذا؟ لأن الأذان إعلام بدخول الوقت، والأذان قبل دخول الوقت لا شك أن فيه تشويش، وفيه تعريض لصلاة بعض الناس للبطلان، النساء الذين .. ، والمعذورين، النساء في البيوت سمعوا الأذان يصلون، فلو أذن قبل الوقت احتمال أن يصلي ناس بأذانه فيعرض صلاتهم للبطلان.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائماً، فقال: "الصلاة خير من النوم" يخاطب عمر -رضي الله عنه-، ما هو في الأذان، يخاطب عمر -رضي الله عنه-، "فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح" فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح، هذا يدل على أنها ليست مرفوعة، يعني لم تثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، لكنها محفوظة مرفوعة في أذان أبي محذورة وبلال في صلاة الصبح خاصة، محفوظة في أذان بلال وأبي محذورة في صلاة الصبح، الصلاة خير من النوم.(11/29)
"وحدثني يحيى عن مالك عن عمه أبي سهيل –نافع- بن مالك عن أبيه -مالك بن أبي عامر الأصبحي- قال: "ما أعرف شيئاً مما أدركت عليه الناس إلا النداء بالصلاة" إلا النداء بالصلاة، يعني فإنه باقٍ على ما كان عليه لم يدخله تغيير، ثم بعد ذلكم دخله التغيير، فزيد جمل، وزيد بدع، وزيد أذكار، قبل الأذان وبعد الأذان، وفي أثناء الأذان، نعم، زيد، والله المستعان.
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر سمع الإقامة وهو بالبقيع فأسرع المشي إلى المسجد"، يقولون: أسرع، لكنه بدون جري، يعني هذا على كلامهم لا ينافي السكينة والوقار، إذا أقيمت الصلاة، إذا ثوب للصلاة فأتوها .. نعم، ونهي عن الإسراع، وأنتم تمشون، و ((عليكم بالسكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) نعم فالإسراع منهي عنه، ابن عمر أسرع، أسرع يعني أكثر من عادته، لكنه لا يصل إلى الحد المنهي عنه.
يقول هذا: في صلاة العصر هذا اليوم في أحد المساجد صلى إماماً أحد الأعاجم فنسي وقام ولم يجلس في التشهد الأول، وقبل السلام سجد سجدة واحدة للسهو وتبعه على ذلك من ورائه، وهم يسألون الآن هل يعيدون الصلاة أم لا؟
معروف أن التشهد الأول واجب، واجب يجبر بسجود السهو، يجبر بسجود السهو، لكن هذا ما سجد إلا سجدة واحدة، فهل تكفي أو لا تكفي؟ ولو قلنا: إنه يجبر بسجود السهو، ونسي سجود السهو وطال الفصل، هل تلزمه الإعادة؟ نعم؟ الآن سجود السهو في هذا الموضع سنة وإلا واجب؟ واجب؛ لأنه لجبر ترك واجب فهو واجب، فالذي يظهر أنه ما عليهم شيء، ما دام طال الفصل والإمام يغلب على ظنه أن صلاته صحيحة، وقد صلى سجدتين هذا الذي يغلب على ظنه، وإن كان قد سها في ذلك لا يلزمه شيء -إن شاء الله-، {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] ليس بركن ولا شرط، والخلاف في وجوبه أيضاً عند أهل العلم معروف، على كل حال السجود له واجب، السجود لمثل هذا واجب، النسيان له أثره في ترك الواجب، بخلاف العمد.(11/30)
هذا يقول: دعاء يكرهه الشيطان، هذا سؤال، ورد في الأثر عن محمد بن واسع أنه كان يدعو الله كل يوم بدعاء خاص، فجاءه الشيطان وقال له: يا إمام أعاهدك أني لن أوسوس لك أبداً، ولم آتيك بمعصية، ولكن بشرط -كذا قال الكابت- ألا تدعو بهذا الدعاء، ولا تعلمه أحد، فقال له الإمام: سأعلمه لكل من قابلت وافعل ما شئت -هل تريد معرفة هذا الدعاء يقول من كتب الورقة-: كان يدعو فيقول: اللهم إنك سلطت علينا عدواً عليماً بعيوبنا، يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم، اللهم أيسه منا كما أيسته من رحمتك، وقنطه منا كما قنطته من عفوك، وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين رحمتك وجنتك.
أولاً: هذا ليس بمرفوع، هذا الدعاء دعاء ليس بمرفوع، يعني موقوف، وإن كان معناه صحيح، فلا ينبغي التزامه في وقت معين، يعني لو قاله الإنسان متى ما خطر له، أو متى ما تيسر له من غير ترتيب لا بأس؛ لأن معناه صحيح، لكن كونه يحدد لوقت .. ، في وقت معين، أو لسبب معين فلا، ولا شك أن المناسبات لها أثر في صيغة الدعاء، الدعاء المطلق، الدعاء المطلق، خرج ثلاثة يستسقون فقال أحدهم: اللهم إنك أمرتنا بعتق من شاب في خدمتنا قد شبنا في خدمتكم -كبار السن- فاسقنا، قال الثاني: اللهم إنك أمرتنا بالعطف على المساكين ونحن مساكينك فاعطف علينا، وقال الثالث: نسيت ماذا قال؟ المقصود أنها مناسبة للحاجة والفاقة، لكن لو يلتزم هذا في خطبة الاستسقاء باستمرار قلنا: بدعة، فمثل هذا الدعاء المأثور سواءً صح أو لم يصح، معناه صحيح، لكنه ليس بمرفوع، ليس بمرفوع، فعلى هذا لو قاله أحد في بعض الأحيان لا مانع من ذلك، لكن لا يلتزم له وقت معين.
يقول: هل يجوز المسح على الخفين بعد غسل مجزئ إذا لبسه؟
الغسل المجزئ يرفع الحدث، وعلى هذا يكون المغتسل ارتفع حدثه فهو طاهر، فإذا أدخل الخفين في قدميه بعد هذه الطهارة المجزئة يمسح عليهم.
يقول: ما هي الأقوال باختصار في مسألة التيمم؟ وهل هو مبيح أم رافع؟
مرت بنا، وأنها أقوال ثلاثة: أنه يرفع مطلقاً كالماء سواءً بسواء، والثاني: أنه مبيح ولا يرفع الحديث، والثالث: أنه يرفع رفع مؤقت، حتى يجد الماء، فإذا وجد الماء فليتقِ الله وليمسه بشرته.(11/31)
يقول: هل ورد النهي عن لبس الخاتم في الأصبع الأوسط؟
المعروف لبسه في الخنصر والتي تليها، أما النهي عن لبسه في الأصبع الأوسط لا أعرفه.
هل يجوز أخذ بعض من شعر الصدر أو حلقه؟
لا مانع من إزالته، لا مانع من إزالته.
يقول: هل .. ، الإخوان يسلمون فيرد عليهم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته للجميع، يقول: هناك من يشكك في عمل الهيئة في قولهم: الصلاة الصلاة أن هذا الأمر غير شرعي، ولم يرد في السنة، فما توجيهكم؟
لو قالوا: الصلاة الصلاة في المكبرات أو في المناير قلنا: بدعة، لكن هم يذكرون من غفل، ويأمرون من خالف، وهذا من جملة الأمر بالمعروف، الثابت ثبوتاً قطعياً في نصوص الكتاب والسنة.
يقول من الكويت: هناك بعض من المساجد يركب مع الميكرفون اللاقط، أجهزة صدى، تكرر الأحرف، وأحياناً كلمات مثل: الله أكبر، فيأتي الصدى آكبر، فهل في ذلك شيء؟
الصدى إن كان المقصود به تحسين وتزيين الصوت بالقرآن، أو تزيين القرآن بالصوت، كما جاء في الحديث الصحيح، على أن لا يكون فيه مبالغة وسرف، ولا يكون أيضاً فيه مزيد على المطلوب من التحسين من تكرار بعض الكلمات والحروف، إذا كان لمجرد تحسين الصوت وتنديته فلا بأس -إن شاء الله-، أما إذا كان لتكراره تقرأ الآية مرتين، أو الكلمة ترد مرتين هذا لا يجوز.
يقول: ما أسباب استجابة الدعاء؟
معروف أن طيب المطعم، طيب المطعم له أثر كبير، ودفع الموانع، لا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم، ويجتنب السجع، ويتوخى أوقات الإجابة، وغير ذلك من الآداب التي ذكرها أهل العلم.
ماذا يقول من يرد خلف المؤذن عند قول المؤذن: الصلاة خير من النوم؟
عند التثويب يقول مثل ما يقول المؤذن، يقول مثل ما يقول المؤذن، وأما قول بعض الفقهاء أنه يقول: صدقت وبررت، هذا ما له أصل، لا أصل له، نعم هو خبر الصلاة خير من النوم صحيح، أن الصلاة خير من النوم صدق المؤذن، لكن لم يرد به أثر، فعلى هذا يشمله عموم قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((قل مثل ما يقول المؤذن)).
يقول: هل الأثر الوارد الذي ذكره الشيخ وهو: "لا إيثار في القربات" حديث؟
لا، ليس بحديث، لكنه مأخوذ من نصوص الشرعية وعموماتها، لكن لا حديث بهذا اللفظ.(11/32)
يقول: هل يؤذن للصلاة شريط بدل المؤذن؟
لا، لا يجوز أن يوضع شريط يؤذن للصلاة بدل المؤذن؛ لأن الأذان عبادة شرعية، ولو قلنا بهذا لقلنا بعد أيضاً: يوضع شريط يصلي بالناس، هذا لا يجوز؛ لأنها عبادة، توسع الناس في هذه المحدثات في مواطن العبادة، بل في العبادات نفسها المحضة أمر غير مرضي، ينبغي أن يقتصر منها على قدر الحاجة، أنا قلت: إدخال مثل هذه الآلات في العبادات المحضة على خلاف الأصل، فينبغي أن يقتصر منها على قدر الحاجة.
يقول: امرأة نفساء في أواخر شعبان رأت الطهر في نهار رمضان وصامته، في بعض ليالي تلك الأيام ترى دم قليل، هل صيامها صحيح؟
إذا انقطع عنها الدم بالكلية في النهار صيامها صحيح -إن شاء الله-.
يقول: هل كلمة العي بفتح العين أم بكسرها؟ وما الفرق؟
بكسرها، شفاء العي السؤال، العي هو العجز، ولعله يقصد بذلك الفتح العَي وبعضهم يطلقه على العجز عن الكلام، وهو الإرتاج، نعم، وفي حديث ابن عمر: كيف يكون عيياً من في جوفه كتاب الله؟! الله المستعان.
هذا يقول: يلاحظ على الطلاب في نهاية الدرس القيام قبل قيام الشيخ، وأثناء السؤال لا يستطيع الجميع الإجابة والمشاركة بسبب هذا التجمهر؟
على كل حال إن كانت له حاجة وأراد الانصراف فلا بأس، أما من لم تكن له حاجة فلينتظر ليسمع ما يطرح من سؤال والجواب عليه، ولعل فيه فائدة -إن شاء الله-.
سم.
باب: النداء في السفر وعلى غير وضوء:
أحسن الله إليك.
قال الإمام يحيى -رحمه الله تعالى-: باب النداء في السفر وعلى غير وضوء:
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، فقال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول: ((ألا صلوا في الرحال)).
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان لا يزيد على الإقامة في السفر إلا في الصبح، فإنه كان ينادي فيها ويقيم، وكان يقول: "إنما الأذان للإمام الذي يجتمع الناس إليه".
عن مالك عن هشام بن عروة أن أباه قال له: "إذا كنت في سفر فإن شئت أن تؤذن وتقيم فعلت، وإن شئت فأقم ولا تؤذن".(11/33)
قال مالك: "لا بأس أن يؤذن الرجل وهو راكب".
عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: "من صلى بأرض فلاة صلى عن يمينه ملك وعن شماله ملك، فإذا أذن وأقام الصلاة أو أقام صلى وراءه من الملائكة أمثال الجبال".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: النداء في السفر" يعني الأذان في السفر، وهو ما يقابل الحضر من الإسفار، وهو البروز والظهور؛ لأن المسافر يبرز ويظهر ويخرج عن البلد، ومنه قيل لمن أبدت شيئاً من محاسنها سافرة؛ لأنها أبرزت ذلك وأظهرته.
"وعلى غير وضوء" قال ابن عبد البر في الاستذكار: هكذا عن يحيى في ترجمة الباب: "وعلى غير وضوء" ولم يتابعه أحد على هذه الزيادة، يعني من رواة الموطأ فيما علمت، ولا في الباب ما يدل على ذلك، يعني ما في ما يدل على الوضوء للأذان، ولا عدمه، ولا في الباب ما يدل على ذلك أيضاً، ولو كان في مكان قوله: "على غير وضوء" والأذان راكباً كان صواباً؛ لأنها مسألة في الباب مذكورة، يعني باب: النداء في السفر وراكباً، أو أذان الراكب، أو ما أشبه ذلك، وليس في حديث مالك هذا أنه كان في السفر، يعني حديث مالك عن ابن عمر، أن عبد الله بن عمر أذن بالصلاة في ليلة برد .. ، ذات برد وريح، يقول ابن عبد البر: وليس في حديث مالك هذا أنه كان في السفر، ولكنه قيده بترجمة الباب، باب: النداء في السفر، وقد روي أن ذلك في السفر"، هذا كلام ابن عبد البر.
في صحيح البخاري أن ابن عمر أذن في ليلة باردة بضجنان، بضجنان، ضاد، جيم، نون، ألف، نون، بضجنان، وهو جبل على بريد بمكة، وقال صاحب الفائق: بينه وبين مكة خمسة وعشرون ميلاً، خمسة وعشرون ميلاً، على بريد من مكة، خمسة وعشرون ميلاً بينهم فرق؟ البريد كم؟ يعني ستة عشر؟ نعم ستة عشر ميلاً، الفرق كبير، نعم.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح" وعرفنا أنه كان بضجنان، يعني مسافر، "فقال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول: ((ألا صلوا في الرحال)) ".(11/34)
والرحال: جمع رحل، وهو المنزل والمسكن، المنزل والمسكن، طيب المسافر ما له منزل ولا مسكن كيف يصلي في الرحال؟ رحله ما يستصحبه من متاع في السفر يصلي عند رحله، عند متاعه.
يقول: ((ألا صلوا في الرحال)) جاء في البخاري يقول: على إثره، يعني على إثر الأذان: ((ألا صلوا في الرحال)) وإذا كان على إثر الأذان يعني بعده، بعد الأذان، فعلى هذا إذا فرغ من الأذان بجميع جمله قال: ألا صلوا في الرحال، في رواية مسلم: كان يقول في آخر ندائه، في آخر ندائه، لا يلزم أن يكون بعده، في آخر ندائه، استظهر ابن حجر تبعاً لابن خزيمة وهو صحيح من حيث المعنى كلامهم، أن قوله: ((ألا صلوا في الرحال)) بدل من الحيعلتين، يعني بدلاً من أن يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، يعني تعالوا إلى الصلاة، نعم هلموا إلى الصلاة، نعم، يقول بدل ذلك: ألا صلوا في الرحال، هو من حيث المعنى صحيح؛ لأنه لو قال: حي على الصلاة حي على الفلاح، ألا صلوا في الرحال، صار إيش؟ تناقض معنى تعالوا إلى الصلاة هلموا إلى الصلاة، ولا تجون، صلوا في رحالكم، نعم، الكلام على أنه العبادة أيضاً معقولة، النداء لإيش؟ لنحضر إلى الصلاة، لنعلم الوقت، هذا كلام ابن خزيمة -رحمه الله تعالى-، نقول: لا، لأن المعنى واحد، لكن ما في تناقض، ما يلزم عليه تناقض، تعالوا ولا تجون، هذا التناقض بعينه، هذه وجهة نظر من؟ ابن خزيمة واستظهره ابن حجر، ولا شك أنه ظاهر من حيث المعنى، من حيث المعنى ظاهر، يعني إيش معنى حي على الصلاة؟ يعني: تعالوا، هلموا، أقبلوا إلى الصلاة، أقبلوا إلى الفلاح، سبب الفلاح الصلاة، ألا صلوا في الرحال، ما في إلا إنه على إثره يقول، في الصحيح، على إثره ألا صلوا في الرحال، صحيح ذكرنا برواية فإذا جئت على حي على الصلاة فقل: ألا صلوا في الرحال، صلوا في رحالكم، هذا مجرد استظهار من ابن حجر، كيف؟ نعم وهو فيها نص، نعم.
وظاهر خبر ابن عمر وهو في السفر، والجمهور على أنه مطلق عند الحاجة في السفر والحضر، يعني صنيع ابن عمر إيش؟ في السفر، والجمهور على أنه لا يقتصر على السفر، بل يقول المؤذن: ألا صلوا في رحالكم في الحضر والسفر عند الحاجة، وهذا قول الجمهور.(11/35)
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يزيد على الإقامة في السفر" لا يزيد على الإقامة في السفر؛ لأنه لا معنى للتأذين إلا ليجتمع الناس يعني من وجهة نظر إيش؟ ابن عمر، "لا يزيد على الإقامة في السفر" لعدم وجود من يجتمع بسبب الأذان، "إلا في الصبح فإنه كان ينادي -يعني يؤذن- فيها" يعني الصبح تختلف عن غيرها؟ الصبح الناس نيام، أو جلهم نيام، فيحتاجون إلى من يوقظهم، فيقظون بالأذان، وما عدا ذلك هم مستيقظون، في غير الصبح من الأوقات هم مستيقظون، فلا يحتاجون إلى تأذين، وهذا موقوف، "فإنه كان ينادي فيها ويقيم" إظهاراً للشعيرة، وكان يقول: "إنما الأذان للإمام الذي يجتمع الناس إليه"، إنما الأذان للإمام الذي يجتمع الناس إليه.
وفي رواية عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر: إنما التأذين لجيش أو ركب عليهم أمير فينادي بالصلاة ليجتمعوا إليها، وأما غيرهم فإنما هي الإقامة، وحكي نحوه عن مالك، يعني لا يؤذن إلا في هذه الحالات، إذا وجد أناس متفرقون يجمعهم الأذان أذن وإلا فلا.
والمشهور من مذهبه، وعليه الأئمة الثلاثة وغيرهم مشروعية الأذان لكل أحد، وبالغ عطاء فقال: إذا كنت في سفر فلم تؤذن ولم تقم فأعد الصلاة، ولعله كان يراه شرطاً في صحة الصلاة، إذا كنت في سفر فلم تؤذن ولم تقم فأعد الصلاة، لكن هذا إذا كان شرط لصحة الصلاة، وعامة أهل العلم على أنه ليس بشرط، فرض كفاية، ومنهم من يقول: سنة مؤكدة، ولا شك أنه شعيرة من شعائر الدين، من تركه إذا تركه أهل بلد أثم، وقاتلهم الإمام على تركه، وكذا بقية الشعائر، ولكنه مع هذا الإثم الصلاة لا أثر له فيها؛ لأن الجهة منفكة، وهو أمر خارج الصلاة، لأنه إذا عاد عادت المخالفة والنهي إلى أمر خارج، لا يؤثر هذا العبادة ...(11/36)
الموطأ - كتاب الصلاة (2)
شرح: باب: قدر السحور من النداء، وباب: افتتاح الصلاة، وباب: القراءة في المغرب والعشاء، وباب: العمل في القراءة
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
يقول: "وحدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة أن أباه قال له: "إذا كنت في سفر فإن شئت أن تؤذن وتقيم فعلت -ليحصل لك الأجر- وإن شئت فأقم ولا تؤذن"، لأنه لا خلاف في مشروعية الإقامة في كل حال، قال ابن عبد البر: "وكان عروة يختار لنفسه أن يؤذن لفضل الأذان في السفر والحضر" والإشكال، الإشكال إيش؟ الإشكال أن الحرج موجود على بعض الناس، لكن المشكلة أن عامة الناس يبي يصلون في الرحال، ثم يركبون السيارة ثم يطلعون، بيصلون في الرحال وبيجمعون العشاء مع المغرب، ثم بعد ذلك يشغلون السيارات ويروحون، يمين ويسار وأسواق، ما هو بكافهم هذا عن .. ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هي تحيا هذه السنة إذا وجد سببها، لكن ليس معنى هذا أن نقول: صلوا في الرحال ثم يا الله يمين ويسار واستراحات وأسواق، لا، لا، الصلاة أهم، الصلاة أهم، فإذا وجد الحرج الذي هو السبب وجدت الرخصة بلا شك، ولو كانت على .. ، هذا الحرج على أكثر الناس، ولو لم تكن على جميعهم، نعم فالرخصة إذا نزلت عمت، هي الآن مهجورة، ما سمعنا بها إطلاقاً.(12/1)
"قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: "لا بأس أن يؤذن الرجل وهو راكب" قال ابن عبد البر: "كان ابن عمر يؤذن على البعير وينزل ليقيم" يؤذن على البعير وينزل ليقيم؛ لأن الإقامة تليها الصلاة، والصلاة لا تصح على الدابة -أعني الفريضة-، واختار الحسن أن يؤذن ويقيم على راحلته، ثم ينزل فيصلي، يقول: "ولا أعلم خلافاً في أذان المسافر راكباً، وكرهه عطاء إلا من علة أو ضرورة، يؤذن وهو راكب، من لازم الأذان راكباً أن يكون جالساً، من لازم الأذان راكباً أن يكون جالساً؛ لأنه معروف ما هو بواقف على الدابة، يمكن أن يقف على الدابة؟ لا ما يمكن، يعني من لازم الأذان راكباً، لا نتصور المسألة سيارات، وكأنك في بيتك أو في غرفتك، لا، وكره الإمام مالك -رحمه الله- والأوزاعي أن يؤذن قاعداً، وأجازه أبو حنيفة.
وفي الصحيحين أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يا بلال قم فأذن)) قال ابن المنذر: اتفقوا على أن القيام من السنة، ((قم فأذن)) يعني قوله: ((قم فأذن)) هل هذا نص في القيام للتأذين أو أمر بالتأذنين؟ قيل بهذا وهذا، منهم من قال: لا دلالة فيه على القيام حال الأذان، يعني لو قال له: قم أذن، قلنا لواحد: قم يا فلان أذن، وراح وجلس هناك امتثل الأمر وإلا ما امتثل؟ امتثل.(12/2)
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: "من صلى بأرض فلاة" بزينة حصاة، جمعها: فلى، كحصى، وهي القفر البر، "من صلى بأرض فلاة صلى عن يمينه ملك، وعن شماله ملك" هل هذان الملكان هم الحافظان أو غيرهما؟ (من صلى) السياق سياق مدح بلا شك، السياق سياق مدح، والقول بأنهما -هما- الحافظان يعري النص عن هذا المدح، والملك الذي عن شماله نعم ماذا يكتب؟ يكتب السيئات، والآن السياق سياق مدح، ونقول له: أنت تراقب في صلاتك في الفلاة لتكتب حسناتك وسيئاتك؟ نعم؟ هذا يضعف القول بأنهما الحافظان، بل السياق ظاهر في أنه لو صلى منفرداً في أرض الفلاة فكأنه صلى في جماعة، "فإذا أذن وأقام ... أو أقام" فقط، و (أو) هنا للشك أو التقسيم، "صلى وراءه من الملائكة أمثال الجبال"، أمثال الجبار، وفي هذا الخبر دليل على أن الجماعة الكثيرة أفضل من الجماعة التي دونها في الكثرة، وإلا فلا فائدة لهذا المصلي في ذلك كله، يقول ابن عبد البر: هذا مرسل له حكم الرفع، مرسل له حكم الرفع، كيف مرسل له حكم الرفع؟ الإرسال وصف للإسناد، نعم، الإرسال انقطاع في الإسناد، يقابله الموصول، مرسل له حكم الرفع، نعم، ما في شك أن هذا لا يقال من جهة الرأي، لكن كونه عن تابعي كأن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن مثل هذا لا يقال بالرأي، فإذا قال سعيد بن المسيب: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا مرسل، مرسل من وجه باعتبار أنه رفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو له حكم الرفع لأنه لا يقال من جهة الرأي، وقد روي موصولاً ومرفوعاً.(12/3)
أخرج النسائي من طريق داود بن أبي هند عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان الرجل في أرض فيء فأقام الصلاة صلى خلفه ملكان، فإذا أذن وأقام صلى خلفه من الملائكة ما لا يرى طرفاه، يركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده، ويؤمنون على دعائه)) وروى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبيهقي من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان موقوفاً، تعارض فيه الوقف والرفع، لكنه لا يقال من جهة الرأي، الذي يقيم اثنين، والذي يؤذن ويقيم أمثال الجبال.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لأنه هذا كله فضائل، ما هو بإلزام، ولذا يقول: "فإذا أذن وأقام أو أقام" نعم، من صلى بأرض فلاة يعني اثنين، هذا لمن صلى بدون أذان ولا إقامة، لكن إذا أذن وأقام، أو أقام فقط، صلى وراءه .. ؛ لأن النص الذي معنا على التنويع، إن أذن وأقام، أو أقام فقط، لكن الحديث الموصول: ((إذا كان الرجل في أرض فيء فأقام الصلاة صلى خلفه ملكان)) أقام، وإذا أردنا أن نجعله مع الخبر السابق، يعني إذا أردنا أن نوفق بينه وبين الخبر السابق حملنا الإقامة في الخبر الثاني ((فأقام الصلاة)) يعني أقام ركوعها وسجودها، وصلاها كما أمر، لا أنه أقام لها إقامة لكي يلتئم الحديثان، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ لا علاقة للأذان والإقامة بصحة الصلاة، الصلاة صحيحة عند عامة أهل العلم ولو لم يؤذن ولم يقم، لكن إن أذن فهو أكمل والإقامة آكد، الإقامة آكد، ومنهم من يقول بوجوبها على المنفرد، لكنها سنة مؤكدة عند عامة أهل العلم، والمرأة حكمها حكم المنفرد، هاه؟ ماذا نقول: أيهما أفضل جماعة الناس وإلا جماعة الملائكة؟ نعم، جماعة الناس هي الأصل، هي الأصل الذي رتب عليها الأجر الخمسة والعشرين، وإن كان الصلاة في الفلاة كم؟ خمسين، لكن ما هو معناه أنه يطلع ويترك الجمعة والجماعات يبي يدرك الخمسين، هل ينتظر هذه المحطات أو يصلي في الفلاة؟
طالب:. . . . . . . . .(12/4)
إيه لكن الأجر متفاوت، الأجر متفاوت، وعظم الأجر ينبغي أن يقصده المسلم، هذا الأصل أن المسلم يقصد عظم الأجر؛ لأنه يبحث عن هذه الأجور، لا هي المسألة مفترضة في شخص مسافر، دخل وقت صلاة الظهر وبقي على المحطة خمسين كيلو، نعم بيدرك المحطة في الوقت، ويمكن يدركهم مع الإقامة، مع إقامة صلاتهم، أو يبي يدرك بلد مثلاً، بيدخل بلد على وقت الإقامة، هل نقول: انتظر حتى تدخل هذا البلد تصلي مع الناس، أو نقول: صلي في الفلاة، واحصل على هذا الأجر، ولا شك أن عمل الأرفق بالإنسان من مقاصد الشرع، إذا كان الأرفق به أن يصلي حالاً وفي الفلاة يصلي، وإذا كان الأرفق به أن ينتظر حتى يصل البلد ويصلي مع الناس لكونه أرفق به أو أدفئ في مسجد مثلاً، والفلاة فيها برد نعم، أو العكس، قد يكون البلد حار والفلاة أنفه له نعم، لا شك أن الأرفق بالمسافر وبالمسلم عموماً هو من مقاصد الشرع، إذا كان يسمع النداء لا بد أن يجيب، إذا كان لا يسمع النداء يصلي منفرداً نعم.
باب: قدر السحور من النداء:
أحسن الله إليك:
باب: قدر السحور من النداء:
عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن بلالاً ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)).
عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن بلالاً ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)) قال: "وكان ابن أم مكتوم رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت".
باب: قدر السحور من النداء:(12/5)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن بلالاً ينادي بليل)) " ينادي: يعني يؤذن، بليل: يعني فيه، في الليل، والباء تأتي بمعنى (في) التي هي للظرفية، تقول لزيد: أين أبوك؟ يقول: بالمسجد، يعني فيه، ((إن بلالاً ينادي بليل)) يعني قبل طلوع الفجر، قبل طلوع الصبح، ((فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)) اسمه: عمرو، وقيل: كان اسمه: حصين، فسماه النبي -عليه الصلاة والسلام- عبد الله، الأعمى، الذي نزل فيه أو بسببه العتاب للنبي -عليه الصلاة والسلام- {عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَن جَاءهُ الْأَعْمَى} [(1 - 2) سورة عبس] بلال ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم، في الحديث الذي يليه قال: "وكان ابن أم مكتوم رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت" في هذا الاعتماد على الصوت، الاعتماد على الصوت، وتقليد المؤذن إذا كان ثقة في دخول الوقت، في حل الصلاة، في حل الأكل، في تحريمه يُقَلَد إذا سمع صوته ولو لم يُرَ شخصه، وجماهير أهل العلم على صحة الرواية من وراء حجاب، إذا عرف الصوت، إذا عرف الصوت وأمن التقليد، فتصح الرواية، شعبة بن الحجاج هو من أهل التحري بل التشديد في هذا الباب، يقول: لا تصح الرواية من وراء حجاب حتى ترى الشخص، تأكد، لا يكون الذي يحدثك من وراء الحجاب شيطان، لكن لو قلنا بهذا القول ما قبلنا أذان المؤذن، لكن بالنسبة للأذان لا يمكن أن يطيقه الشيطان، ولا يمكن أن يتلبس به، فتأتي مسألة الرواية، مسألة الرواية عن أمهات المؤمنين، يروى عنهن من وراء حجاب وهذا معروف، وغير ذلك.(12/6)
فالرواية من وراء حجاب صحيحة شريطة أن يعرف الصوت معرفة لا إشكال فيها، لا مراء فيها، وأن يؤمن التقليد؛ لأن بعض الناس يجيد التقليد، وقل مثل هذا في الاعتماد على الخط إذا عُرف وميز بين الخطوط بحيث لا يشك أنه خط فلان، يعمل به على أساس أنه إيش؟ وجادة، وجادة، والوجادة إحدى طرق التحمل، فيه أيضاً: جواز أذان الأعمى من غير كراهة، جواز أذان الأعمى من غير كراهة، ونقل عن أبي حنيفة أن أذان الأعمى لا يصح، وتعقبه بعض الحنفية بأنه غلط على أبي حنيفة، وهذا الذي نجزم به؛ لأنه لا يمكن أن يقول أبو حنيفة: لا يصح أذان الأعمى وهو مستفيض عن ابن أم مكتوم، نعم في المحيط، المحيط عند الحنفية كتاب كبير في فقه الحنفية، نعم، يكره أذان الأعمى، ما السبب في ذلك؟ أن الأذان مبني على المشاهدة، العلامات التي نصبت لمعرفة الأوقات تسمع بالأذن؟ أو تدرك بالحواس غير البصر؟ لا ما يمكن إلا بالبصر، لكن تأذين ابن أم مكتوم في عهده -عليه الصلاة والسلام- وإقراره على ذلك يدل على جوازه من غير كراهة.(12/7)
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله" وفي رواية القعنبي: عن أبيه "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن بلالاً ينادي بليل)) " إن بلالاً ينادي بليل، والأسلوب يدل على أن ذلك كان ديدنه، أنه ينادي بليل، يعني عادته مستمرة ((فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)) فإنه لا ينادي إلا مع الوقت، وجاء في رواية أن ابن أم مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال، قال بعضهم: إنه من قبيل المقلوب، من قبيل المقلوب، لكن لا يمنع أن يكون الأذان نوب، نعم، مرة يؤذن بلال بليل، وهذا هو الكثير الغالب، وقد يؤذن ابن أم مكتوم قبل بلال، ((فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)) قال: جزم ابن قدامة بأن القائل ابن عمر الراوي "قال: وكان ابن أم مكتوم رجلاً أعمى" وفي رواية الإسماعيلي ما يدل على أن القائل ابن شهاب، "كان ابن أم مكتوم رجلاً أعمى" وهذا فيه جواز ذكر الرجل بما فيه من عاهة، العمى عاهة، العرج عاهة، العور، الحول، غير ذلك كلها عاهات، في كتب التراجم، بل في الطرق طرق الروايات يذكر الأعرج، الأعمى، الأعور، الأحول، كثير هذا عند أهل العلم، فيجوز إذا ترتب على ذكر ذلك مصلحة، مصلحة التعريف بالشخص، ولم يقصد به شينه ولا عيبه يجوز، "لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت"، أصبحت: يعني دخلت في الصباح، كما يقال: أنجد وأتهم وأظلم وأسفر، يعني دخل في نجد، وفي تهامة، وفي الظلام، وفي الصباح، وهنا: "أصبحت أصبحت" أي دخلت في الصباح، هذا الأصل، لكن يشكل على هذا أنه لا يجوز الأكل بعد الدخول في الصباح اتفاقاً، إذا تيقنا أن الصبح دخل؛ لأنه لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت، أصبحت، يعني تأكدنا أن الصباح قد دخل، فهل معنى هذا أننا نأكل حتى يؤذن ابن أم مكتوم ولو دخل الصبح على ما يفيده الخبر؟ أو أن المراد بذلك قاربت الصباح، قاربت الصباح، ليكون أذانه نعم، مع دخول الوقت، مع دخول الوقت، لكن مثل هذا هل يتصور في رجل أعمى لا يرى بل يقال له: أصبحت، أو أنه بالفعل دخل في الصباح؟ أو أنهم من الحرص على صحة صيام الصائم يقال لابن أم مكتوم: أصبحت أصبحت قبل دخول الصباح؟ لأن المسألة مشكلة، إذا قلنا: إنه ما يؤذن حتى يدخل في الصباح ويتبين(12/8)
الصباح والناس بيأكلون بعد طلوع الصبح، مع أنه لا يجوز الأكل بعد طلوع الصبح اتفاقاً، فهل معناه أنه يقال له: أصبحت يعني قاربت الصباح، أو أنك دخلت في الصباح بالفعل؟ هذا الأصل في الكلمة دخل بالفعل، لكن لنوفق بين النصوص، إن كان متهيئاً للأذان قبل الصبح، فإذا قيل له: أصبحت قال: الله أكبر، هذا ما فيه إشكال، لكن المتصور أنه جالس يأكل، فإذا قيل له: أصبحت أصبحت قام فأذن، مثل هذا يلزم عليه أن يأكل الناس نعم، حتى أنه يأكل الناس بعد طلوع الصبح، ظاهر وإلا مو بظاهر هذا؟ لكن اللفظ الثاني، اللفظ الثاني: "لم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا" نعم هذا مرفوع أو هذا من قبل الراوي؟ لأن قوله: ((كلوا واشربوا حتى)) غاية، يعني ((إذا أذن بلال كلوا واشربوا)) هل معنى هذا أن المسألة أمر يسير، يدل على أنه فيه فرصة للأكل بين الأذانين، هذا ما يفيده الخبر الذي معنا، لكن يبقى أنه اللفظ الذي معنا يشعر بأن فيه فرصة بين الأذانين للسحور، لكن ليس معنى هذا أن السحور عندهم مثل السحور عندنا، الناس يحتاجون إلى ساعة للسحور، نعم، هم الأسودان إيش عندهم؟ إن كان عندهم شيء يسير وإلا علقة، يقول ابن عبد البر: لم يختلف على مالك في الإسناد الأول أنه موصول، وأما هذا فرواه يحيى وأكثر رواته مرسلاً، يعني إلا في رواية القعنبي، والبخاري -رحمه الله- رواه من طريق القعنبي، وأما قول بعضهم: إن البخاري يخرج أحاديث مالك من طريق عبد الله بن يوسف فإنه أغلبي لا كلي، يخرج عن مالك في الموطأ من طريق عبد الله بن مسلمة كهذا الحديث، وسيأتي أحاديث أخرى، الذي يليه أيضاً من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبي، وإن كان الغالب أنه يخرج أحاديث الموطأ من طريق عبد الله بن يوسف، وأما مسلم فمن طريق يحيى بن يحيى التميمي وليس الليثي، البخاري ترجم عليه باب: أذان الأعمى إذا كان له من يخبره يعني بالوقت؛ لأن الوقت في الأصل نعم مبني على المشاهدة، وفي الحديث جواز الأذان للصبح قبل طلوع الفجر، وجواز اتخاذ مؤذنين في المسجد الواحد، على ألا يؤذنا في آن واحد، يعني ما يكون أذانهما في أذان واحد، إنما واحد تلو الآخر، وعلى جواز تقليد الأعمى البصير في دخول الوقت، جواز تقليد(12/9)
الأعمى البصير، أو تقليد البصير الأعمى؟ كيف صارت كلها موجودة؟ والبصير يأكل حتى يؤذن الأعمى، أذان الأعمى، صحيح، صحيح؛ لأن الظاهر أننا نقلد هذا الأعمى، فحق العبارة أن يقال: تقليد البصير الأعمى؛ لأن الأصل في الإضافة في إضافة المصدر أو اسم الفاعل، نعم إذا عقبه في المعنى فاعل ومفعول أن يضاف إلى الفاعل، يقدم الفاعل لأن حقه التقديم، فيضاف إلى الفاعل، وهنا أضيف إلى الفاعل فالأعمى هو المقلِد، والبصير هو المقلَد؛ لأنه لا يؤذن هذا الأعمى حتى يقال له: أصبحت أصبحت فيقلد هذا الذي قال له، وغيره ممن يستمع يقلد هذا الأعمى، فيقلد الأعمى البصير والبصير الأعمى.
قالوا في الحديث أيضاً: ابن أم مكتوم منسوب إلى أمه ففيه: جواز نسبة الرجل إلى أمه، وهذا في حال واحدة إذا كانت أشهر من أبيه، وإلا فالأصل: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [(5) سورة الأحزاب] ويدعى الإنسان يوم القيامة بأحب الأسماء إليه، بعضهم قال: في القيامة يدعون بأمهاتهم، واستروحوا إلى قوله -جل وعلا-: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [(71) سورة الإسراء] قالوا: جمع أم، وقالوا أيضاً: تشريفاً لعيسى بن مريم، وستراً على أولاد الزنا، عللوا قولهم، وراه؟
طالب:. . . . . . . . .
أيه قالوا: إمام: جمع أم، الذي يميل إلى قول ويشرب قلبه إياه، ويترجح عنده يبي يتمسك بأدنى شيء، وإلا إمام معروف الإمام غير الأمهات، الإمام غير الأمهات، بل غير الأمات، جمع أم: أمات، في بني آدم، نعم، ولذا الإمام أحمد يقول: الذي يقال له، الذي يقال له: ابن علية، على كل حال إذا كان يكره، وأمكنت نسبته إلى أبيه بحيث لا يخفى على السامع لا يجوز ذلك، لكن إذا اشتهر بين الناس واستفاض. . . . . . . . .، لكنه نسب إلى أمه، هو منسوب الآن إلى أمه، سواءً سميت أم أو كنيت، لكن الآن هو منسوب إلى أبيه وإلا إلى أمه؟ بغض النظر عن كونها مسماة أو مكناة، هو منسوب إلى أمه، نعم.(12/10)
. . . ((كلوا واشربوا)) نعم، حمله بعضهم على أنه خاص برمضان، واستحباب ذلك في رمضان دون غيره، ومنهم من قال: مطلقاً، يوقظ نائمكم، وهذا مطلوب في رمضان وفي غيره، لكنه مهجور نعم، الآن الحي الكامل ما تجد فيه من يؤذن، كنا نسمع الأذان الأول في رمضان، وتُرك الآن حتى في رمضان، ترك حتى في رمضان، فهي سنة مهجورة.
سم.
باب: افتتاح الصلاة:
أحسن الله إليك.
باب: افتتاح الصلاة:
عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضاً، وقال: ((سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد)) وكان لا يفعل ذلك في السجود.
عن مالك عن ابن شهاب عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنهم- أنه قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع، فلم تزل تلك صلاته حتى لقي الله".
عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يرفع يديه في الصلاة.
عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة -رضي الله تعالى عنه- كان يصلي لهم فيكبر كلما خفض ورفع، فإذا انصرف قال: "والله إني لأشبهكم بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع.
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما دون ذلك.
عن مالك عن أبي نعيم وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- أنه كان يعلمهم التكبير في الصلاة قال: "فكان يأمرنا أن نكبر كلما خفضنا ورفعنا".
عن مالك عن ابن شهاب أنه كان يقول: "إذا أدرك الرجل الركعة فكبر تكبيرة واحدة أجزأت عنه تلك التكبيرة".
قال مالك: "وذلك إذا نوى بتلك التكبيرة افتتاح الصلاة".(12/11)
وسئل مالك -رحمه الله- عن رجل دخل مع الإمام فنسي تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع حتى صلى ركعة ثم ذكر أنه لم يكن كبر تكبيرة الافتتاح ولا عند الركوع وكبر في الركعة الثانية؟ قال: "يبتدئ صلاته أحب إلي ولو سها مع الإمام عن تكبيرة الافتتاح، وكبر في الركوع الأول رأيت ذلك مجزياً عنه إذا نوى بها تكبيرة الافتتاح".
قال مالك في الذي يصلي لنفسه فنسي تكبيرة الافتتاح: إنه يستأنف صلاته.
وقال مالك -رحمه الله- في إمام ينسى تكبيرة الافتتاح حتى يفرغ من صلاته قال: أرى أن يعيد ويعيد من خلفه الصلاة، وإن كان من خلفه قد كبروا فإنهم يعيدون.
يقول -رحمه الله تعالى-: باب: افتتاح الصلاة:
الصلاة تفتتح بالتكبير، والمراد بذلك تكبيرة الإحرام، وهي ركن عند الجمهور، وشرط عند الحنفية، تكبيرة الافتتاح، تكبيرة الإحرام ركن عند الجمهور، شرط عند الحنفية، ما الفائدة من هذا الخلاف؟ نعم؟ خارج الماهية الشرط، والركن داخل الماهية، إيش معنى هذا؟ إذا قلنا: خارج الماهية يكبر للإحرام في بيته، ويأتي يصلي في المسجد كما يتوضأ في بيته ويأتي يصلي في المسجد؟ هل مقتضى هذا القول مثل هذا الصنيع؟ أو أنه وإن كان شرطاً عند الحنفية إلا أنه شرط مقارن؟ طيب إيش يترتب على هذا الخلاف من الفوائد؟ يقول: لو كبر حامل نجاسة ثم وضعها مع نهاية التكبير تصح صلاته عند الحنفية؛ لأنه حمل النجاسة خارج الصلاة، ولا تصح عند الجمهور لأنه حملها داخل الصلاة، لو كبر وقلب نيته مع التكبير من نفل إلى فرض عند الحنفية هي شرط، والشرط كما يكون للفرض يكون للنفل على حد سواء، يجوز له أن يقلب نيته، عند الجمهور لا يغير النية، نعم عند الحنابلة يجوز للمنفرد في الوقت المتسع أن يقلب النية من فرض إلى نفل، لكن العكس لا يجوز.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وهذا الإسناد هو أصح الأسانيد عند الإمام أحمد.
وجزم ابن حنبل بالزهري ... عن سالم أي عن أبيه البري(12/12)
"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه" رفع اليدين في الصلاة حكمه سنة، سنة بالإجماع فيما نقله النووي وغيره، إلا ما حكي عن داود فيما يتعلق بتكبيرة الإحرام فأوجب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وروي عن الأوزاعي والحميدي أن الصلاة تبطل بترك رفع اليدين، والأئمة الأربعة كلهم على استحبابه عند تكبيرة الإحرام، والثلاثة على استحبابه في المواضع المذكورة في الحديث، وأما الحنفية فعندهم الرفع عند تكبيرة الإحرام فقط، والحكمة من رفع اليدين لكي يرى الأصم، فإذا رأى الأصم رفع اليدين عرف أن الصلاة بُدئ بها؛ لأنه لا يسمع التكبير، وأما بالنسبة للأعمى الذي لا يرى الرفع يسمع التكبير.
وأيضاً من الحكم: قيل: الإشارة إلى طرح الدنيا كأنه إذا قال هكذا رفع يديه كأنه ألقى الدنيا وراءه، وقيل: إشارة إلى رفع الحجاب بينه وبين ربه، وقيل غير ذلك، أقوال لأهل العلم وكلها التماس.(12/13)
مواطن الرفع عند الحنفية: عند تكبيرة الإحرام فقط، وعند المالكية والحنابلة في المواطن الثلاثة، لتكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، والشافعية يقولون بموضع رابع، وهو بعد القيام من الركعتين، من حديث ابن عمر في الصحيح: "إذا قام من الركعتين"، هذه المواضع الأربعة، لكن هل نلزم الحنبلي بأن يرفع يديه بعد الركعتين؟ نقول: السنة، أنت خالفت السنة، هذا ثابت في البخاري من حديث ابن عمر، لو قال حنبلي وهو معروف بالاتباع، وليس بمقلد متعصب، يدور مع الأدلة، وقلنا له: هذه ثابتة في الصحيح من حديث ابن عمر، نقول له: ارفع يديك بعد الركعتين؟. . . . . . . . . المسألة سنة، ما هي لا عند الحنابلة ولا عند غيرهم، المسألة مفترضة في حنبلي متبع، نعم، لا شافعي ولا حنبلي متعصب، يقول: والله هكذا المذهب، أنا وجدت كتب المذهب هكذا، ما فيها بعد الركعتين، متبع، يؤثر النصوص، ومع ذلكم إمامه معظم في نفسه، مع إتباعه للنصوص، لا يغفل إمامه، يعني ما يبعد إمامه عن الصورة، لكن أنا أريد أن أصل إلى شيء، وهو وإن كان مرفوعاً عند الإمام البخاري إلا أن الراجح عند الإمام أحمد أنه موقوف، موقوف، هذا تعارض فيه وقف ورفع، من إمامين كبيرين، يقول: صحيح في صحيح البخاري مرفوع وصحيح ما فيه إشكال، لكن الإمام أحمد يرى أنه موقوف، ليس هذا من باب التعصب، يعني لو لم يرَ الإمام أحمد أنه موقوف عملت به، الحث على سنة الصحابة معروف، لكن المقصود الخلفاء الراشدين ((اقتدوا باللذين من بعدي)) المسألة في ثبوت الخبر، الترجيح بين أحمد والبخاري، في هذا الشأن لا في الفقه، يقول: نعم، أنا ما خفي علي هذا الخبر، ولا خفي على إمامي، لكن الراجح أنه موقوف، نعم، لا يثرب عليه، لا يثرب عليه، ولا ينتقص بذلك، لكن لو كانت المسألة عارية عن الدليل عنده، والدليل قلنا: لا يا أخي قولك ما ليس له حظ من النظر، ولذا بعض الناس الذين لا يدركون مثل هذه الأمور يتطاولون على الأئمة بمثل هذه المسائل، أول ما يعلق على الزاد إذا قال .. ، وغير الزاد: مواطن الرفع ثلاثة: عند تكبيرة الإحرام، والركوع، والرفع منه، يعلق عليه: ثبت في الصحيح كذا، نعم ثبت في الصحيح، لكن الإمام إمام، نعم(12/14)
القرائن عند البخاري رجحت أنه مرفوع، والقرائن عند أحمد رجحت أنه موقوف، كل إنسان ما يدين الله به، إذا تأهل الإنسان للعمل بالقرائن هذا فرضه، لكن متى يتأهل الإنسان للعمل بالقرائن؟ إذا تعارض مثل قول أحمد والبخاري ويش اللي تسوي؟ نعم إذا تأهل الإنسان للقرائن هذه مسألة مفروغ منها يا إخوان، لكن الآن في مثل المبتدئ في طلب العلم وعلم الحديث على وجه الخصوص ماذا يصنع؟ يقلد من؟ الآن الدعوات بأن تنبذ قواعد المتأخرين، ونطلع لمحاكاة المتقدمين ونعمل .. ، متى نصل إلى أن نصير في مصاف المتقدمين نحكم بالقرائن؟ أنا أقول: عندي بالنسبة للمرجح هو ما في البخاري؛ لأن صحيح البخاري كتاب تلقته الأمة بالقبول، وتلقي الأمة للكتاب بالقبول يرجحه على كل قول، نعم لو تعارض قول البخاري فيما ينقل عنه، نقل الترمذي عن البخاري أنه قال: الحديث مرفوع، ونقل عن أحمد أنه قال: موقوف، هنا الإشكال، تحتاج إلى مرجح، لكن ما دام قول البخاري في صحيحه الذي تلقته الأمة بالقبول لا يعارض به قول أحمد، أو غير أحمد، أو أبو حاتم أو الدارقطني أو أي إمام من الأئمة؛ لأن تلقي الأمة بالقبول لهذا الكتاب كافٍ في ترجيحه وترجيح ما فيه، كيف يكون أصح من صحيح البخاري؟ الأمة مجمعة على أن صحيح البخاري أصح، ما يجي أصح مما في صحيح البخاري، قواعد المتأخرين يرجحون الرفع؛ لأن مع من رفع زيادة علم خفيت على من وقف، وقول آخر في المسألة من المتأخرين يرجح الوقف؛ لأنه هو المتيقن، والرفع مشكوك فيه، وهذا يبحثونه في زيادات الثقات، منهم من رجح الأحفظ، منهم من يرجح الأكثر، المسألة مختلف فيها، لكن الحكم العام المطرد ليس من طريقة المتقدمين.
أقول: القول معروف عند الشافعية، واستحباب رفع اليدين بعد الركعتين، وهنا يقول: نقل الزرقاني في شرح الموطأ عن الخطابي أن الشافعي لم يقل به، وهو لازم على أصله في قبول الزيادة، ونقل عن ابن دقيق العيد قوله: والصواب إثباته، وأما كونه مذهب الشافعي لقوله: إذا صح الحديث فهو مذهبي، ففيه نظر، فهذا القول، نعم هو مذكور عند الشافعية في كتبهم مذكور، لكن هل الإمام قال به أو لم يقل به؟ مستفيض عندهم.(12/15)
يقول: الرسول -عليه الصلاة والسلام- سمى عبد الله بن مسعود ابن أم عبد في أكثر من موضع، رغم أنه مشتهرة في ابن مسعود، فهل تقييد جواز التسمية بأمه إذا كان أشهر صحيح؟ وهل الحكم للكراهة أم للتحريم أم مباح؟
في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ابن أم عبد)) أو قول شخص لمن يدل عليه، من باب المداعبة، من باب الإدلال عليه، من باب يسمونه الناس ميانة عليه، يقول: يا ولد فلانة، لا تقصد بذلك عيبه، وإنما تريد .. ، هذا ما يدخل في الخلاف، لكن الأصل أن الإنسان يدعى لأبيه.
يقول: "كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه" يعني مقابل منكبيه، والمنكبان تثنية منكب كمجلس، مجمع عظم العضد والكتف، هنا، وبهذا أخذ الأكثر أن الرفع إلى المنكبين، وذهب الحنفية إلى أن الرفع إلى الأذنين، وقد جاءت السنة الصحيحة بهذا، "حتى حاذى بهما فروع أذنيه" لكن الجمع بينهما ممكن، أن يحاذي بالمنكبين ظهور الكفين، ويحاذي بالأذنين أطراف الأصابع، وبهذا تتفق النصوص، "كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضاً، وقال: ((سمع الله لمن حمده)) " إذا افتتح الصلاة يعني قائلاً: الله أكبر، رفع يديه حذو منكبيه، وكذلك إذا ركع، وإذا رفع من الركوع رفعهما كذلك، وقال: ((سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد)) ويأتي الصيغ الواردة في هذا، ومن يقول: سمع الله لمن حمده، ومن يقول: ربنا ولك الحمد؟ فالإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، والإمام أيضاً يقول: ربنا ولك الحمد، الأكثر على أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده؛ لأن العطف بالفاء يقتضي أنه لا واسطة بين قول الإمام: سمع الله لمن حمده، وقول المأموم: ربنا ولك الحمد، الشافعية يقولون: يجمع بينهما كل مصلٍ، والحنفية يقولون: يقول الإمام: سمع الله لمن حمده، ويقول المأموم: ربنا ولك الحمد، فلا يقول الإمام: ربنا ولك الحمد، ولا يقول المأموم: سمع الله لمن حمده، وتأتي المسألة -إن شاء الله تعالى-.(12/16)
ربنا ولك الحمد، وردت على صيغ أربع: اللهم ربنا ولك الحمد، الجمع بين اللهم والواو، وهذا في الصحيح وإن نفاه ابن القيم، وربنا ولك الحمد بالواو فقط، واللهم ربنا لك الحمد باللهم فقط، وبدونهما: ربنا لك الحمد، "وكان لا يفعل ذلك في السجود".
الحديث في الصحيح: "وكان لا يرفع يديه إذا هوى للسجود" فالسجود لا ترفع فيه اليدان، وجاء في خبر: "كان يرفع مع كل خفض ورفع" قال بعضهم: إنه وهم، والصواب: "كان يكبر مع كل خفض ورفع"، هل يختلف الرفع لأنه يقول: رفعهما كذلك؟ كذلك يعني لمطلق الرفع أو لهيئته؟ يعني كما رفع في تكبيرة الافتتاح حذو منكبيه يرفع عند الركوع والرفع منه حذو منكبيه؟ يقول ابن حجر: لم يرد ما يدل على التفرقة بينهما، بعضهم يقول: إنه عند تكبيرة الإحرام إلى فروع الأذنين، وعند الركوع والرفع منه إلى المنكبين، وأيضاً لم يرد ما يدل على التفرقة بين الرجل والمرأة، فالمرأة كالرجل، إلا فيما دل الدليل على اختصاص الرجال به، وعن الحنفية يرفع الرجل إلى الأذنين، والمرأة إلى المنكبين؛ لأنه أستر لها؛ لأنه أستر لها.
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب -زين العابدين- أنه قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع" يكبر للركوع، ويكبر للسجود، ورفع رأسه من السجود، وأما إذا رفع رأسه من الركوع فيقول: سمع الله لمن حمده، يعني كلما خفض للركوع والسجود، لكن كلما رفع؟ لا، السجود فقط، "فلم تزل تلك صلاته حتى لقي الله"، قال ابن عبد البر: "لا أعلم خلافاً بين رواة الموطأ في إرسال هذا الحديث"، علي بن الحسين تابعي يرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مرسل، ورواه عبد الوهاب بن عطاء عن مالك عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن أبيه موصولاً، أبوه الحسين بن علي بن أبي طالب سبط النبي -عليه الصلاة والسلام-.(12/17)
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار"، "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار" تقدم مراراً وأنه أحد الفقهاء السبعة، "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يرفع يديه في الصلاة"، يعني إذا كبر للإحرام، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع منه، وإذا قام من الركعتين.
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف -وهو أيضاً من الفقهاء- أن أبا هريرة كان يصلي لهم" أي لأجلهم إماماً، يصلي لهم، كونه يصلي لهم هل في هذا أثر على النية؟ نعم، يعني يجوز تصلي لفلان؟ نعم، أنه يصلي لهم، لأجلهم، صحيح، لكن أقول: هل إذا قلت: أنت صليت لفلان يصح وإلا ما يصح؟ نبي، نريد أن نأتي بالصيغة على وجهها المقبول شرعاً، نعم، هو يصلي لهم، نعم، هو لا شك أن أصل الصلاة لله -عز وجل-، والقدر الزائد عن أصل الصلاة من الجهر من أجلهم، من أجل أن يقتدوا به ويأتموا به، لو افترضت أنك صليت بجماعة مثلاً، ولا زدت أي قدر زائد عن صلاتك منفرداً يستفيدون منك؟ ما يستفيدون منك، فأنت هذا القدر الزائد لهم، ولأجلهم، أما أصل الصلاة لا يختلف أحد في أنه لله -عز وجل-، "كان يصلي لهم -أي لأجلهم- فيكبر كلما خفض ورفع" كلما خفض ورفع، سوى الرفع من الركوع فإنه يقول: سمع الله لمن حمده، "فإذا انصرف قال: "والله إني لأشبهكم بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، يعني من أجل جهره بالتكبير؛ لأنه عرف في عهده في آخر عهده من بعض الصحابة، وبعض الولاة عدم الجهر بالتكبير، شاع عنهم ذلك، فلما جهر بالتكبير صار أشبههم صلاةً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه يجهر بالتكبير، بل أثر عن بعضهم ترك التكبير، فضلاً عن الجهر به، ولا شك أن تكبير الانتقال سنة عند الجمهور، وأوجبه الإمام أحمد -رحمه الله-؛ لأنه لم يعرف عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه صلى من غير تكبير، وقال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)).(12/18)
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر كان يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع"، زاد أشهب: "وكان يخفض بذلك صوته" يخفض بذلك صوته، لا شك أن رفع الصوت للحاجة، للحاجة، والحاجة إذا كان إمام فالحاجة داعية ليرفع صوته، لكن إذا كان مأموم فإنه لا داعي لرفع الصوت، بل يخفضه كما كان ابن عمر، فرفع الصوت وخفضه تبعاً للحاجة.
"وحدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما دون ذلك" إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما دون ذلك، وعرفنا أنه في المرفوع نعم ماذا يقول: كذلك، كذلك يعني مثله، الرفع للركوع، والرفع من الرفع من الركوع مثل الرفع لتكبيرة الإحرام، ولا شك أن هذا موقوف من رواية نافع عن ابن عمر، وهو مرفوع من رواية سالم.
يقول: "وحدثني عن مالك عن أبي نعيم وهب بن كيسان -القرشي مولاهم المدني- عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه كان يعلمهم -أي يعلم أصحابه من التابعين- التكبير في الصلاة" كان يعلمهم، "أنه كان يعلمهم التكبير في الصلاة، قال -وهب-: "فكان يأمرنا أن نكبر كلما خفضنا ورفعنا" كلما خفضنا للركوع والسجود، ورفعنا من السجود، كما مر بنا مراراً.(12/19)
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه كان يقول: إذا أدرك الرجل الركعة -يعني مع الإمام- فكبر تكبيرة واحدة أجزأت عنه تلك التكبيرة"، "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه كان يقول: إذا أدرك الرجل الركعة" الإدراك مفهومه أنه مع الإمام؛ لأن المنفرد يقال: أدرك؟ نعم؟ بل يمكن أن يدرك المنفرد الركعة بالركوع؟ لا بد من القراءة قبلها، فالنص ظاهر في المأموم، "إذا أدرك الرجل الركعة مع الإمام فكبر تكبيرة واحدة أجزأت عنه تلك التكبيرة، قال مالك: "وذلك –عنده، يعني عندنا- إذا نوى بتلك التكبيرة افتتاح الصلاة"، ينوي بتلك التكبيرة الواحدة، إذا جاء والإمام راكع ثم كبر ولحق بالإمام تكبيرة واحدة ينوي بذلك تكبيرة الافتتاح التي هي تكبيرة الإحرام، وتكبيرة الانتقال تدخل فيها، تدخل فيها، ينوي بذلك تكبيرة الافتتاح؛ لأنها الركن، هذا رأيه، هذا حمله على ما يراه؛ لأنها ركن عنده، ابن شهاب نقل عنه أنه لا يرى .. ، السنية، يرى أن تكبيرة الإحرام سنة، ما يرى الركنية، فالمؤلف يبي يستدل ويسكت، يبي .. ، ولذلك قال: وذلك عندنا إذا نوى؛ لأنها الركن فتدخل فيها تكبيرة الانتقال فسره مالك على مذهبه، أما ابن شهاب فلا يحتاج إلى نية؛ لأنه لا يرى وجوب تكبيرة الإحرام، لأنه يراها سنة.(12/20)
"وسئل مالك -رحمه الله- عن رجل دخل مع الإمام فنسي تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع حتى صلى ركعة -ما كبر- ثم ذكر أنه لم يكبر تكبيرة الافتتاح، ولا عند الركوع وكبر في الركعة الثانية؟ فقال: "يبتدئ صلاته أحب إليّ" يبتدئ صلاته أحب إليّ؛ لأنه صلى من دون تكبيرة الإحرام، والصلاة من غير تكبيرة الإحرام لا تنعقد، لا تنعقد، ويقول: أحب إليّ، يعني ظاهر اللفظ أنه لا على سبيل الوجوب، بل .. ، لكنهم -يعني المالكية- يقولون: على سبيل الوجوب، والإمام مالك -رحمه الله- قد يطلق هذا اللفظ: (أحب إليّ) في الواجب، وهذا من ورعه -رحمه الله-، كما يقول الإمام أحمد في بعض الواجبات: يعجبني، وبعض المحرمات يقول: لا يعجبني، أو أكره كذا، هذا من ورعهم، "ولو سها مع الإمام عن تكبيرة الافتتاح وكبر في الركوع الأول رأيت ذلك مجزياً عنه" يعني كبر، جاء مع الإمام وأدركه في تكبيرة الإحرام، جاء والإمام يكبر تكبيرة الإحرام ووقف سها، ظن أنه كبر وهو ما كبر، ثم تذكر مع ركوع الإمام أنه لم يكبر فكبر، "ولو سها مع الإمام عن تكبيرة الافتتاح وكبر في الركوع الأول" يعني في الركعة الأولى ناوياً بذلك تكبيرة الافتتاح "رأيت ذلك مجزياً عنه" لأن القراءة في مثل هذه الصورة تسقط عنه لأنه مسبوق، بل في حكم المسبوق، "إذا نوى بها تكبيرة الافتتاح"، بخلاف الإمام والمنفرد، الإمام والمنفرد تلزمه، تلزمه في أول الصلاة؛ لأنه يلزمه بعدها قراءة.
"قال مالك: في الذي يصلي لنفسه فنسي تكبيرة الافتتاح -في الذي يصلي لنفسه يعني المنفرد- فنسي تكبيرة الافتتاح إنه يستأنف صلاته"، لماذا؟ لبطلانها بترك الركن الذي هو مفتاح الصلاة.(12/21)
"وقال مالك في إمام ينسى تكبيرة الافتتاح حتى يفرغ من صلاته قال: أرى أنه يعيد، أرى أن يعيد"، "نسي أن يكبر تكبيرة الافتتاح -لأن الصلاة لم تنعقد- حتى يفرغ من صلاته، قال: أرى أن يعيد، ويعيد من خلفه الصلاة -لبطلانها- وإن كان من خلفه قد كبروا فإنهم يعيدون"، لأن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام، تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاته إمامه، هذا الارتباط في كثير من الأمور، وإن كان لا يلزم الارتباط في كل شيء، سبق أن قلنا فيمن صلى بالناس محدثاً ناسياً حدثه، نعم، فإنه يعيد الصلاة دون من خلفه، لكن هنا باعتبار أن الصلاة لم تنعقد أصلاً، وهناك الصلاة مع الحدث ما انعقدت، وهنا مع الترك التكبيرة ما انعقدت، الفرق بينهما من وجه: أن الحدث لا يعلم به المأموم، يمكن أن يصلي مع الإمام الصلاة كاملة، وهو لا يدري أن الإمام محدث، لكن هل يمكن أن يصلي مع الإمام ولا يدري أنه لم يكبر؟ نعم المسبوق ممكن، نعم الأصل، لكن المسألة مفترضة في إمام معه المأمومون بغض النظر عن كون الجماعة فيهم كثرة أو قلة، يعني مع القلة يتوجه مثل هذا القول، لكن لو قلنا: إن الإمام سها، تقدم وسها أن يجهر بالتكبير، نعم وسها أيضاً أن يجهر بالقراءة في صلاة جهرية، كبر سراً وتبعه المأموم، هذا متصور، هل نقول: يعيد أو لا يعيد؟ تصورنا أن الإمام كبر سراً، نعم، الأصل العدم، الأصل أنه ما كبر، نعم يعني كونه سها وكبر سراً ويجزم من نفسه أنه كبر، تجيز صلاته، لكن المأموم، نعم؟ المأموم يرى أنه على الأصل؛ أن الأصل العدم، ما سمعه يكبر، والأصل أنها جهر، رآه رفع وقف في المحراب ورفع يديه، الإمام يتصور أنه منفرد، هل نقول للمأموم: صلاتك صحيحة باعتبار أن الإمام كبر سراً وصلاته صحيحة لنفسه وكذا من خلفه؟ أو نقول: إن الأصل بالنسبة للمأموم نعم أنه ما دام ما سمع التكبير والأصل عدمه أن الإمام لم يكبر؟ بالنسبة للمأموم، المأموم رأى يديه، لكن هل يغلب على ظنه أنه كبر، وهو إمام يحتاج إلى جهر.
طالب:. . . . . . . . .
لا تكبيرة الانتقال أمرها سهل.
طالب:. . . . . . . . .(12/22)
لا، لا، الكلام على تكبيرة الإحرام التي لا تنعقد الصلاة إلا بها، نعم، في تعارض الأصل مع الظاهر، في تعارض الأصل مع الظاهر، يعني المسألة في غاية الأهمية، فيه تعارض الأصل مع الظاهر، وهذه المسألة عرضنا لها مراراً، حتى في هذا الدرس أظن ذكرناها، هذه تحتاج إلى مرجح، تحتاج إلى مرجح، الظاهر مادام رفع يديه بعد فراغ المؤذن من الإقامة، وهو في مكانه في محرابه، نعم، الظاهر أنه كبر، والأصل العدم، أنه لم يكبر.
سم.
باب: القراءة في المغرب والعشاء:
أحسن الله إليك:
باب: القراءة في المغرب والعشاء:
عن مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أنه قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ بالطور في المغرب".
عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن أم الفضل بنت الحارث -رضي الله تعالى عنها- سمعته وهو يقرأ: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} [(1) سورة المرسلات] فقالت له: "يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بها في المغرب".
عن مالك عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك عن عبادة بن نسي عن قيس بن الحارث عن أبي عبد الله الصنابحي قال: "قدمت المدينة في خلافة أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- فصليت وراءه المغرب فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة سورة من قصار المفصل، ثم قام في الثالثة فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد أن تمس ثيابه فسمعته قرأ بأم القرآن وبهذه الآية: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [(8) سورة آل عمران].
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- كان إذا صلى وحده يقرأ في الأربع جميعاً في كل ركعة بأم القرآن وسورة من القرآن، وكان يقرأ أحياناً بالسورتين والثلاث في الركعة الواحدة من صلاة الفريضة، ويقرأ في الركعتين من المغرب كذلك بأم القرآن وسورة سورة.(12/23)
عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عدي بن ثابت الأنصاري عن البراء بن عازب -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العشاء فقرأ فيها بالتين والزيتون".
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: القراءة في المغرب والعشاء" أي في مقدار القراءة والجهر بها في صلاتي المغرب والعشاء، وقدم المغرب والعشاء على الصبح؛ لأن الليل سابق النهار، يعني الليل متقدم على النهار، فاليوم يبدأ .. ، اليوم المشتمل على الليل والنهار يبدأ من غروب الشمس، فإذا بدأ اليوم من غروب الشمس أول ما نعد المغرب ثم العشاء، ثم الفجر، ثم إلى آخره، وأما تسمية صلاة الظهر الأولى؛ لأنها إنما بدئ بها في حديث: إمامة جبريل، أول ما صلى به الصلاة الأولى الظهر، قولهم: إن الليل سابق النهار، هل هذا يعارض ما جاء في قوله -جل وعلا-: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [(40) سورة يس] هم يقولون: إن الليل سابق النهار؟ نعم، لكن كلامهم هذا يقولون: لأن الليل سابق النهار، والله -جل علا- يقول: {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [(40) سورة يس] هو من حيث الاصطلاح لا شك أنه سابق؛ لأنه يبدأ من غروب الشمس، فيكون ليلة كل يوم سابقة على نهاره، وأما ما أشير إليه في الآية فالمراد نفي الاضطراب، ما يجي ليل ثم نهار، ثم نهار، ثم ليل، أو العكس، ما يضطرب هذا الترتيب الليل ثم النهار، ثم الليل ثم النهار، ثم وهكذا، وإن شئت فقل: نهار ثم ليل، ثم نهار ثم ليل، ماشي، نعم، لكن إذا انتهى النهار يأتي إيش؟ ليل، وإذا انتهى الليل ما يسبق الليل النهار هنا، ما يجي ليل ثاني قبل النهار، فالمنفي اضطراب نظام الكون، ولم يترجم للقراءة في صلاة الظهر والعصر لماذا؟ لأنهما سريتان، ترجم لهما البخاري، باب: القراءة في صلاة الظهر، باب: القراءة في صلاة العصر، لا شك أن من ترجم لهما أراد إثبات القراءة، ما هو معنى أن الإمام إذا قام أمام المأمومين وكبر أنه يسكت بحيث لا يسمعونه، لكن ليس معنى هذا أنه لا يقرأ، نعم، فمن ترجم بالقراءة في صلاة الظهر والعصر مراده إثبات القراءة فيهما.(12/24)
"حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه -جبير بن مطعم القرشي النوفلي- أنه قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ بالطور في المغرب"، ذلكم قبل أن يسلم، قبل أن يسلم، جاء في فداء الأسرى، يقول: وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي، وقد تحمل الحديث حال كفره، لكنه أداه بعد إسلامه، لو أداه حال كفره يقبل وإلا ما يقبل؟ لا يقبل، فيصح التحمل حال الكفر، يعني قبل التأهل يصح التحمل، لكن الأداء لا يصح إلا بعد التأهل، يصح تحمل الصبي، يصح تحمل الفاسق، تحمل الكافر، صحيح، لكن لا يؤدي إلا إذا صار أهلاً للأداء، "قرأ بالمغرب -قرأ في صلاة المغرب- بسورة الطور" قال الترمذي: ذكر عن مالك أنه كره أن يقرأ في المغرب بالسور الطوال، نحو الطور والمرسلات، الحديث الذي يليه في المرسلات، وهذا الحديث في الطور، يقول الترمذي: ذكر عن مالك أنه كره أن يُقرأ في المغرب بالسور الطوال نحو الطور والمرسلات، يعني التمثيل بما ورد، يعني لو ذكر شخص عن مالك بدون صيغة تمريض، يظن بإمام دار الهجرة نجم السنن مع تخريجه للحديثين أنه يكره الصلاة بهاتين السورتين؟ نعم، وقال الشافعي: لا أكره ذلك، لا أكره ذلك، بل أستحبه، والمعروف عند الشافعية أنه لا كراهة ولا استحباب يعني للسورتين بعينهما، قرأهما النبي -عليه الصلاة والسلام- على سبيل القصد أو أنه حصل اتفاقاً؟ وأنهما ما تيسر في ذلك الوقت من القرآن؟ نعم، الأصل أنه تشريع، هو تشريع بلا شك فمن قرأهما في المغرب لكن لا يداوم على ذلك، لا يداوم على ذلك، قرأهما في صلاة المغرب بقصد الاقتداء والإئتساء يؤجر على ذلك، كما لو قرأ سورة الأعراف مع أن السنة جاءت بتخفيف صلاة المغرب.(12/25)
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس أن أم الفضل بنت الحارث -والدة عبد الله بن عباس، واسمها: لبابة بنت الحارث الهلالية- سمعته" أي سمعت ابنها عبد الله بن عباس، عن عبد الله بن عباس أن أمه سمعته، ما قال: سمعتني، الأصل أن يقول: أمي سمعتني، هو لا بد من إضمار القول، لا بد من إضمار القول عند أهل الحديث، "عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس أن أم الفضل بنت الحارث سمعته وهو يقرأ ... فقالت له: "يا بني لقد ذكرتني" فقالت له، سمعته، يعني الأصل عن عبد الله بن عباس قال: إن أمي، أو أم الفضل لا مانع، سمعتني فقالت لي: يا بني لقد ذكرتني، هذا حق السياق؛ لأن المتحدث الأصل هو عبد الله بن عباس، المتحدث الذي روى القصة هو عبد الله بن عباس صاحبها، فيقولون: هذا فيه التفات، وإن شئت فقل: تجريد، تجريد، إيش معنى تجريد؟ عبد الله بن عباس جرد من نفسه شخصاً تحدث عنه، "فقالت له: يا بني لقد ذكرتني -يعني شيئاً نسيته- لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بها في المغرب"، الحديث مخرج في البخاري ومسلم، وفي البخاري في الوفاة النبوية من الصحيح، من رواية عقيل عن ابن شهاب: "ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله، -عليه الصلاة والسلام-" فهي مشروعية قراءة هاتين السورتين، وقراءة ما ورد، وإن كان الأصل في صلاة المغرب أنها تخفف.
"وحدثني عن مالك عن أبي عبيد -عبد الملك المذحجي، روى له مسلم، وعلق له البخاري- مولى سليمان بن عبد الملك -بن مروان أحد ملوك بني أمية، وحاجبه- عن عبادة بن نسي -كندي، قاضي طبرية- عن قيس بن الحارث -الكندي الحمصي- عن أبي عبد الله الصنابحي -عبد الرحمن بن عسيلة- قال: "قدمت المدينة في خلافة أبي بكر" وقدم المدينة بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بخمسة أيام، "قدمت المدينة في خلافة أبي بكر الصديق فصليت وراءه المغرب فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة سورة من قصار المفصل" من قصار المفصل.(12/26)
والسؤال الذي ورد آخر سؤال يقول: ما صحة ما يقال: إن السنة في المغرب الإطالة، وأن التخفيف من بدع بني أمية؟
هذا أبو بكر، أبو بكر قرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة سورة، يعني في الأولى سورة، وفي الثانية سورة، من قصار المفصل، وأول المفصل سورة ق، "ثم قام في الثالثة فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد أن تمس ثيابه، فسمعته قرأ بأم القرآن، وبهذه الآية: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [(8) سورة آل عمران] "، وهذا ضرب من القنوت؛ لأن المغرب وتر النهار، كما جاء في الحديث، "فرضت الصلاة ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وزيد في الحضر، إلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة، وإلا المغرب فإنها وتر النهار" وهذه سنة مأثورة عن أبي بكر -رضي الله عنه-، وقد أمرنا باتباعه.
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا صلى وحده -يعني منفرداً- يقرأ في الأربع جميعاً" الأربع الركعات في كل ركعة "بأم القرآن وسورة من القرآن" طويلة أو قصيرة، المقصود أنه يقرأ، وأيضاً ورد عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يقرأ في الثالثة والرابعة، لكن لا على سبيل الاستمرار، "وكان يقرأ أحياناً بالسورتين والثلاث في الركعة الواحدة من صلاة الفريضة" يعني من القصار، ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في النافلة قرأ البقرة ثم النساء، ثم آل عمران، يقرأ أكثر من سورة في ركعة واحدة إماماً كان أو مأموماً، وبجواز ذلك قال الأئمة الأربعة، وغيرهم، قال ابن مسعود: "لقد عرفت النظائر التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرن بينها فذكر عشرين من المفصل، سورتين في كل ركعة، وأيضاً أقر الذي يقرأ سورة الإخلاص بعد السورة، "ويقرأ في الركعتين من المغرب كذلك بأم القرآن وسورة سورة".
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عدي بن ثابت الأنصاري عن البراء بن عازب أنه قال: "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العشاء فقرأ فيها بالتين والزيتون"، زاد النسائي في الركعة الأول، وفي الثانية بالقدر {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [(1) سورة القدر] وهما من قصار المفصل.(12/27)
يقول الحافظ: "الخبر محمول على أنه كان في سفر، والسفر يطلب فيه التخفيف، وحديث أبي هريرة في الصحيحين أنه قرأ فيها: {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} [(1) سورة الإنشقاق] محمول على الحضر، لكن لا يلزم أن يكون هذا في السفر، بل الأصل فيه أنه ما دام قرأ أنه يصح في السفر والحضر بلا إشكال، نعم.
سم.
باب: العمل في القراءة:
أحسن الله إليك:
باب: العمل في القراءة:
عن مالك عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لبس القسي وعن تختم الذهب وعن قراءة القرآن في الركوع.
عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي حازم التمار عن البياضي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج على الناس وهم يصلون، وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: ((إن المصلي يناجي ربه، فلينظر بما يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن)).
عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: "قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إذا افتتحت الصلاة".
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: "قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إذا افتتح الصلاة".
عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه قال: "كنا نسمع قراءة عمر بن الخطاب عند دار أبي جهم بالبلاط".
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا فاته شيء من الصلاة مع الإمام فيما جهر فيه الإمام بالقراءة أنه إذا سلم الإمام قام عبد الله بن عمر فقرأ لنفسه فيما يقضي وجهر.
عن مالك عن يزيد بن رومان أنه قال: "كنت أصلي إلى جانب نافع بن جبير بن مطعم فيغمزني فأفتح عليه ونحن نصلي".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(12/28)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: العمل في القراءة" باب: العمل في القراءة، يعني في الصلاة، "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين -الهاشمي- عن أبيه -عبد الله- عن علي بن أبي طالب -أمير المؤمنين، رابع الخفاء- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لبس القسي" نهى عن لبس القسي، بفتح القاف وكسر السين المشددة، والتحتانية أيضاً مشددة؛ لأنها ياء النسب، ثياب مخططة بالحرير تعمل بالقس، موضع بمصر، قريبة من تنيس، القسِيي.
ياء كيا الكرسي زيدت للنسب ... . . . . . . . . .
ياء النسب مشددة، ونسمع بعض طلاب العلم يخففونها خطأً، يقولون: ابن تيمية، خطأ؛ لأنه ياءه ياء نسب، وياء النسب مشددة، نعم إذا عوض عنها بألف مثل يماني، خَف؛ لأنه لا يجمع بين البدل والمبدل، تقول: هذه امرأة يمانية، لكن لو لم تعوض عنها الألف قلت: هذه امرأة يمنيِّة بالتشديد، يقول أبو عبيد: "أهل الحديث يكسرون القاف" قسي، أو القِسي، لكن هذا خطأ، يقول: هذا خطأ، يقول ابن حجر: لأنه يلتبس بجمع قوس، قوس جمعه: قسي، وقيل: أصلها القزي بالزاي، منسوب إلى القز، وهو ضرب من الإبريسم نوع من الحرير.(12/29)
"نهى عن لبس القسي، وعن تختم الذهب" ومعروف أنه النهي خاص بالرجال ((الذهب والحرير حرام على ذكور أمتي حل لإناثها)) اتخذ النبي -عليه الصلاة والسلام- خاتم من ذهب فاتخذ الناس خواتم فألقاه، طرحه، "وعن تختم الذهب، وعن قراءة القرآن في الركوع"، ومثله السجود، وقد جاء التصريح به في رواية مسلم وفيه: عن ابن عباس مرفوعاً: ((ألا وإني نهيت عن القراءة في الركوع والسجود، وأن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً)) كل هذا يدل على تحريم القراءة في الركوع والسجود، هو في السجود لا يتصور، لكن قد يشكل عليه بعض الناس الدعاء بما يوافق القرآن، يعني لو قال في سجوده: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [(201) سورة البقرة] أو قال: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [(8) سورة آل عمران] وقد أمر أن يتخير من المسائل، وأن يكثر من المسألة، ((وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)) فإذا دعا بما يوافق القرآن لا على نية القراءة، ولا على نية التلاوة يدخل في التحريم وإلام ما يدخل؟ نعم، هو يقصد دعاء ولا يقصد تلاوة، الآن هل الملحوظ اللفظ أو القصد؟ يعني لو الجنب مثلاً ما يقصد التلاوة، يقصد ورده اليومي، ولا يقصد بذلك التلاوة، يقول: أبا أقرأ آية الكرسي والمعوذتين وغيرهما، يعني يرد في ورده شيء من القرآن، يقول: أنا ما أقصد التلاوة، أنا أقصد وردي، إيش يقال له؟ يقال له: اقرأ أو لا تقرأ؟ نعم، هو يقول: ما أقصد تلاوة أنا، أنا ما أقصد التلاوة، ولو أقصد التلاوة ما أخذت من أول القرآن ومن أثنائه ومن آخره، قرأت متتابع، نعم إذا كانت الآية كاملة المفترضة في آية الكرسي مثلاً أو سورة الإخلاص والمعوذتين وما أشبه ذلك، نعم الأصل المنع، الأصل المنع، وأما بالنسبة للدعاء فهو يقصد بذلك الدعاء في السجود، وقد أمر به، ((فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)) بعض الناس هذا ملاحظ يعني من الحرص يصير الإمام يستعجل في قراءته ثم يركع، وقد بدأ في الفاتحة ويريد أن يتمها المأموم فيتمها وهو راكع، وبعضهم يبدأ بسورة ثم يتمها وهو راكع، هذا موجود، من يبقى عليه آية أو(12/30)
آيتين، ويعرف أن الإمام يطيل الركوع، هذا داخل في النهي بلا شك، لأنه يقصد التلاوة، نعم، هذا داخل في النهي، فإذا ركع الإمام فاقطع القراءة، تابع الإمام اركع، ((إذا ركع فاركعوا)) ولا يجوز لك أن تقرأ القرآن وأنت راكع، قد يقول قائل: الفاتحة ركن من أركان الصلاة وركع الإمام، نقول: نعم ركع اركع، وأنت الآن في حكم المسبوق، وأنت الآن في حكم المسبوق يسقط عنك، ما لا تستطيعه من قراءة الفاتحة.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو من .. ، يعني من شدة الحرص على هذا الركن، من شدة حرصه على هذا الركن يريد أن يأتي به على أي حال، وهذا موجود يعني من بعض من عندهم حرص، يريد أن يكمل على أي حال، ويخشى أن يكمل وهو قائم يرفع الإمام ثم تفوته الركعة، فلا يستطيع التوفيق بين الأمرين، هذا لا ينكر، هذا موجود سمعناه، فلا يجوز له أن يتابع القراءة، فإذا ركع الإمام عليه أن يركع، نعم.(12/31)
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي حازم التمار -دينار اسمه، مولى الأنصار، وقيل: مولى الغفاريين- عن البياضي -بن عمرو الخزرجي- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- خرج على الناس وهم يصلون" خرج على الناس وهم يصلون في رمضان، "وقد علت أصواتهم بالقراءة" وقد علت أصواتهم بالقراءة، يصلون إيش؟ أوزاع، كل واحد يصلي لنفسه، ويصلي الرجل مع الرجل، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى ببعض الصحابة الليلة الأولى، ثم اجتمع إليه في الليلة الثانية أكثر، ثم الليلة الثالثة ضاق المسجد، ثم ترك ذلك خشية أن تفرض عليهم، فصاروا يصلون أفراد أوزاع، قد يصلي الواحد بصلاة أخيه وهكذا، "خرج عليهم النبي يصلون، وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: ((إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به)) " مقتضى اللفظ: المناجاة مع رفع الصوت أو مع خفضه؟ المناجاة مع خفض الصوت بخلاف المناداة فتكون برفع الصوت، " ((إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه)) يعني يخفض صوته، ((ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن)) ((ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن)) " يقول ابن بطال: مناجاة المصلي ربه عبارة عن إحضار قلبه والخشوع في الصلاة، يستحضر أنه بين يدي ربه تالياً راكعاً ساجداً منكسراً بين يديه، لكن مَن من الناس إلا القليل النادر من يشعر بلذة هذه المناجاة، ((أول ما تفقدون من صلاتكم الخشوع)) فالخشوع مفقود إلا نادر، يقول: مناجاة المصلي ربه؛ لأن الصيغة (يناجي) بما يناجيه مفاعلة، مناجاة تقتضي أن تكون من الطرفين كليهما، على أن هذه الصيغة جاءت من طرف واحد، سافر فلان، سافر، طارق زيد النعل، من وجه واحد، ومن جهة واحدة، ومن طرف واحد، هنا يقول ابن بطال: مناجاة المصلي ربه عبارة عن إحضار القلب والخشوع في الصلاة، ومناجاة الرب لعبده إقباله عليه بالرحمة والرضوان، يعني بالمجازاة بالمكافأة، وما يفتحه عليه من العلوم والأسرار بسبب هذا الانكسار، وحصل لكثير من أهل العلم أنهم إذا استغلق عليهم شيء من المسائل فزعوا للصلاة، وانطرحوا وانكسروا بين يدي الله -عز وجل- فتحت لهم المغاليق، منهم من يفزع إلى الذكر، منهم من يفزع إلى الاستغفار، منهم من(12/32)
يكرر قراءة الفاتحة، لكن لا شك أن الصلاة مفزع يستعان بها على النوائب {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} [(45) سورة البقرة] وفي الحديث الحث على الإقبال على الصلاة والخشوع فيها، وهو لبها، والله المستعان.
((ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن))، ((ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن)) وهذا في المنفردين، أما الإمام فيجهر، كما سيأتي في خبر عمر -رضي الله عنه-، ((ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن)) لأن فيه أذىً، يؤذي بعضهم بعض بالجهر، يقطع عليه قراءته، وبعض الناس يتشوش عند أدنى شيء، يقرأ في الصلاة فإذا رفع صوته الجار بكلمة واحدة انتهى ما يدري وين وقف عليه؟ أو في أي سورة يقرأ؟ ((لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن)) لأن فيه أذى لهذا الجار الذي يقرأ، يعني وهذا في الصلاة وخارج الصلاة.
وفيه أيضاً: منعاً من الإقبال على الصلاة، وفيه أيضاً: ما يمنع من تدبر، الإنسان يتدبر ما يقرأ، ثم إذا رفع جاره صوته شوش عليه، وقطع عليه هذا الإقبال والتدبر، يقول ابن عبد البر: "وإذا نهي المسلم عن أذى المسلم في عمل البر وتلاوة القرآن فإيذاؤه في غير ذلك أشد تحريماً" نعم، تجد الناس يقرءون القرآن ثم بعد يأخذ الجوال ويكلم، يكلم يبيع ويشتري ويوصف ويا الله، هذا يقطع على الناس، ويؤذيهم بلا شك، وهذا أشد منعاً من المنع بعبادة، والحديث صحيح لا إشكال فيه، له شاهد من حديث أبي سعيد وغيره عند أبي داود.(12/33)
يقول: "وحدثني عن مالك عن حميد الطويل -بن أبي حميد، حميد بن أبي حميد طرخان أو مهران الطويل، هو ليس بطويل لكن قيل: إنه في يديه طول، وقيل: لأن له جاراً اسمه: حميد وهو قصير فقيل له: الطويل، الطول نسبي بالنسبة لهذا القصير- عن أنس بن مالك أنه قال: "قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إذا افتتح الصلاة"، قال ابن عبد البر: "هكذا في الموطأ عند جماعة رواته" وراء أبي بكر وعمر وعثمان موقوف، وهو في الصحيح وغيره: "صليت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان" فالمقصود أنه مرفوع في الصحيح، وفي الموطأ موقوف، في جميع روايات الموطأ، "فكلهم كان لا يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم" وعند مسلم: "كانوا لا يذكرون: بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها"، في رواية: "كانوا يفتتحون الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين" وهي أصح.
"كانوا يفتتحون الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين" وهذه متفق عليها، عند مسلم، فهم بعض الرواة نعم من قول الراوي، من قول أنس: يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين أنهم لا يذكرون: بسم الله الرحمن الرحيم، يعني على حسب فهمه، وهذا مثل به لعلة المتن، كما يقول الحافظ العراقي:
وعلة المتن كنفي البسملة ... إذ ظن راوٍ نفيها فنقله(12/34)
الراوي فهم من كونهم يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين أنهم لا يقرءون: بسم الله الرحمن الرحيم، لكن الحمد لله رب العالمين المقصود به السورة، وإلا كونهم يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين هل ينفي ذلك أنهم يفتتحون بدعاء الاستفتاح؟ هل ينفيه؟ لا ينفيه، فليس فيه دليل على عدم ذكر البسملة، والحافظ ابن حجر يقول: يمكن توجيه هذه الرواية التي أعلت بأن تحمل على نفي الجهر، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم جهراً، لا في أول القراءة، ولا في آخرها، "فكلهم كان لا يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إذا افتتح الصلاة"، لا يقرأ، وإذا حُمل على أنه لا تذكر جهراً على الخلاف في البسملة، هل هي آية من الفاتحة أو ليست بآية؟ أو آية من القرآن نزلت للفصل بين السور؟ نعم، ما عندنا إشكال في أنها تقرأ، لكن هل يجهر بها أو لا يجهر؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، أما الخلاف في كونها آية من الفاتحة، وهذا ينفع في الخلاف في الجهر بها وعدمه، أولاً: بالنسبة لسورة النمل، لا خلاف بل إجماع على أنها بعض آية من سورة النمل، كما أنه إجماع أيضاً على أنها ليست بآية في سورة التوبة، والخلاف فيما عدا ذلك، والمسألة كبرى، ليس المسألة سهلة؛ لأن هذا إثبات للقرآن أو نفي له، وكل من الطرفين يستدل بأمر عظيم، الذي ينفي كونها آية نعم، ماذا يقول؟ يقول: لوجود الخلاف فيها، يعني لو كانت آية ما جاز فيها الخلاف، نعم؛ لأن القرآن قطعي، والقطعي لا يجوز أن يختلف فيه، والذي يثبت أنها آية يقول: اتفاق الصحابة على كتابتها في المصحف.
طالب:. . . . . . . . .
إيه بيجي، هذا عندنا حديث بيجي -إن شاء الله-.
فمذهب الشافعي أنها آية من الفاتحة، وعلى هذا يتفرع الجهر بها، الشافعي يجهر بالبسملة، ومن قال بأنها ليست بآية أصلاً مع أنها تقرأ كما يقرأ دعاء الاستفتاح هؤلاء يقولون: تقرأ سراً، وهو المعروف عند الحنابلة، والحنفية إذا قرءوا سورة من أولها؛ لأنه لا يتعين عندهم قراءة الفاتحة، وأما المالكية فلا استفتاح ولا استعاذة ولا بسملة نعم، على طول يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين.(12/35)
يقول: "وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل -نافع- بن مالك عن أبيه -مالك بن أبي عامر- أنه قال: "كنا نسمع قراءة عمر بن الخطاب" وعلى كل حال المرجح .. ، بعضهم يقول: لا بسملة من القرآن إلا في سورة النمل هذا معروف، لكن قول عند الحنفية أنها آية نزلت للفصل بين السور، وهو ترجيح شيخ الإسلام، هذا ترجيح شيخ الإسلام، أنها نزلت في الفصل بين السور يعني آية واحدة، ومنهم من يقول: آية من كل سورة، فعلى هذا مائة وثلاثة عشر آية في القرآن كلها بسملة، ومنهم من يقول: ليست بآية مطلقاً، هذا موجود، بعض الأقوال موجودة، على كل حال القراء، القراء في مثل هذه المسائل في مسائل النفي والإثبات هم يتبعون الفقهاء، والفقهاء عمدتهم الأدلة، والقراء بالتلقي، بالتلقي عن شيوخهم، قد يكون بعضهم من أهل النظر والإثبات بالنصوص، وبعضهم اختصاصه القراءة، وإن كان فيه ضعف في الجوانب الأخرى.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ والاستعاذة ما هم بيستعيذون؟ ما يستعيذون امتثالاً للأمر؟ لكن ما يستعيذون القراء؟ إذاً آية، إذاً الاستعاذة آية مثل البسملة، إذا كان مجرد عمل القراء حجة، صح وإلا لا؟(12/36)
يقول: "وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه -أبي سهيل نافع بن مالك عن أبيه مالك بن أبي عامر- أنه قال: "كنا نسمع قراءة عمر بن الخطاب عند دار أبي جهم بالبلاط" أبي جهم: عامر، وقيل: عبيد بن حذيفة، صحابي قرشي عدوي من مسلمة الفتح بالبلاط: موضع بين السوق والمسجد مبلط، كما في القاموس وغيره، يقول ابن عبد البر: كان عمر -رضي الله عنه-، كان مديد الصوت فيسمع صوته حيث ذكر يعني بالبلاط، وفيه: تخصيص لما سبق ((لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن)) أن هذا خاص بالمنفردين، أما الإمام فيجهر، الإمام يجهر، وهذا عمر إمام -رضي الله عنه وأرضاه- وكان يجهر بقراءته، وكان جهوري الصوت، مديد الصوت -رضي الله عنه وأرضاه-، والجهر مده مربوط بالفائدة، يعني لو صلى بألف، بألف شخص وجهر، رفع صوته بقدر الإمكان، ولا نتصور وجود آلات لأن الأصل عدمها، أو صلى باثنين يلزمه أن يمد صوته مثلما لو كان خلفه ألف؟ لا يلزم؛ لأن الصوت لتبليغ المأموم، ما هو مثل الأذان تبليغ الغائب، رفع الصوت بالقراءة من أجل المأموم فيقدر بقدر الحاجة بما لا يشق على الإمام ويبلغ المأموم.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا فاته شيء من الصلاة مع الإمام فيما جهر فيه الإمام بالقراءة أنه إذا سلم الإمام قام عبد الله بن عمر فقرأ لنفسه فيما يقضي وجهر"، فاته من صلاة المغرب ركعتين فقام ليأتي بهاتين الركعتين، يجهر فيهما بالقراءة، نعم يجهر بالثنتين فيما فاته، يجهر، "فقرأ فيما يقضي وجهر" يعني في جميع ما يقضي مما يجهر، لكن لو فاته ثلاث من العشاء؟ يجهر في اثنتين ولا يجهر في الواحدة، هذا يترتب عليه أمور وهو أن ابن عمر يرى أن القضاء يحكي الأداء مطلقاً نعم، القضاء يحكي الأداء مطلقاً، والركعتان الأوليان جهريتان فاتتاه يجهر، ويترتب عليه أن ابن عمر أيضاً يرى أن ما يدركه المسبوق آخر صلاته، وإلا لو كان يرى أن ما أدركه أول صلاته وأن ما فاته هو الآخر ما جهر؛ لأن الركعتين الأخيرتين لا يجهر فيهما بالقراءة.(12/37)
يقول الباجي: يحتمل أن يكون جهره فيما يقضي لأنه يرى أن المأموم يقضي على نحو ما فاته من القراءة والجهر، مثل رواية ابن القاسم عن مالك، وهذا أظهر، يقول الباجي، ويحتمل أنه يرى أن ما يأتي به المسبوق يعني ما يدركه المسبوق آخر صلاته، والخلاف في هذه المسألة تقدم، وهو مبني على الروايتين: ((فأتموا)) ((فاقضوا)) وسبقت المسألة، لكن هذا رأي ابن عمر -رضي الله عنه وأرضاه-، وإلا إذا أدرك ركعتين مع الإمام ثم قام ليقضي بيقضي الثالثة والرابعة، ولا جهر فيهما، حتى إذا قلنا: إن القضاء يحكي الأداء قلنا: لا جهر.(12/38)
يقول: "وحدثني عن مالك عن يزيد بن رومان -المدني- أنه قال: "كنت أصلي إلى جانب نافع بن جبير بن مطعم -النوفلي- فيغمزني -يعني يشير إلي- فأفتح عليه ونحن نصلي" ونحن نصلي: يعني إذا أخطأ الإمام أو ارتج عليه هل يحتاج أن يغمز المأموم؟ اللهم إلا إن كان المأموم غافل، إن كان غافل وإلا ساهي يحتاج من يغمزه، نعم؛ لأنه يقول إيش؟ "كنت أصلي إلى جانب نافع بن جبير بن مطعم فيغمزني فأفتح عليه -يعني أذكره بما نسي، أو أصحح له خطأه- فأفتح عليه ونحن نصلي"، لا شك أن الفتح على الإمام ثابت سواءً كان في القراءة وفي غيرها، في القراءة وفي غيرها، في غير القراءة بالتسبيح وبالقراءة يجهر بما أخطأ فيه أو بما نسيه الإمام، لكن متى يحتاج إلى الغمز؟ نعم، إذا كان غافل، طيب، إذا كان ما هو بمأموم هذا اللي .. قد ما عنده أحد هو يصلي ويقرأ وأشكل عليه آية وارتج عليه في آية يشير إليه، يعني هات، يطلب منه الرد بالإشارة، وهنا يقول: "فيغمزني" يقول: "ونحن نصلي" وبهذا قال مالك في مختصر ابن عبد الحكم، وأشهب بن حبيب في جواز الفتح على الإمام بالأولى من إجازة الفتح على من ليس معه في صلاة؛ لأنه وإن كان تلاوة القرآن، لكنه في معنى المكالمة، ولذا منعه بعضهم، منع بعضهم الفتح على الإمام، نعم لأنه في معنى مكالمة الإمام، كره الكوفيون الفتح على الإمام لماذا؟ لأنه في معنى المكالمة، أنت تخاطب الإمام بتصحيح خطأ وقع فيه، أو بتذكيره لشيء نسيه، فكرهوه، لكن الصواب أنه مطلوب، ما يكفي أن نقول: جائز، ولذا يقولون: أجازه مالك والشافعي وأكثر العلماء، وقد تردد -صلى الله عليه وسلم- في آية فلما انصرف قال: ((ألم يكن في القوم أُبي؟ )) يريد من أجل أن يفتح عليه، نعم، الآن عندنا صور لهذه المسألة:(12/39)
إمام ومأموم هذا المأموم يأتم بهذا الإمام لا إشكال في كونه يفتح على إمامه، نعم، إمام معه مأموم وثالث لا يصلي معهم، المأموم لم يحفظ ما يقرأه الإمام فلا يستطيع أن يفتح على الإمام، الثالث حافظ، نعم، هل لمن كان خارج الصلاة أن يفتح على الإمام؟ له ذلك، ويتفرع على ذلك مسائل لا تحصى لو افترضنا جنبه مسجل في شريط بنفس القراءة اللي بيقرأ، هل له أن يغمز هذا المسجل ليسمع القراءة؟ إذا كان ما عنده أحد، أو يتقدم قليلاً يأخذ مصحف ويفتش ويشوف.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لا، الآن التلاعب بالعبادات يبي يصير إلى حد؛ لأنه وجد في بعض البلدان في المحراب شاشة، نعم، شاشة الإمام يقرأ منها الإمام.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، إدخال .. ، إدخال المحدثات في العبادات لا ينبغي التوسع فيه، لا ينبغي التوسع فيه، وإلا يأتي يوم من الأيام يقال: صلِ بمسجل وخلاص، ليش نتكلف موظفين ونربط أئمة ما في داعي، وقد وقع في يدي كتاب قديم قديم، يعني من خمسة وعشرين سنة أو أكثر كتاب صغير اسمه: (كشف القناع عن صحة صلاة الجمعة في المنزل خلف المذياع) صلِ ببيتك ولا تجي،. . . . . . . . . هذا توسع غير مرضي هذا، هذا يسلب العبادات روحها ولبها، يعني افترض أنك تقرأ في سورة وكنت تسمعها قبل الصلاة، وبعض الناس يستعمل الصلوات ويكثر من النوافل للمراجعة، لمراجعة ما حفظ، وسمع في المسجل أشكل عليه شيء وضغطه ليسمع، أو تقدم وفتح المصحف وتأكد من الآية التي تردد فيها.
وهل للمصلي أن يفتح على شخص لا يصلي؟ جالس، جالس يقرأ القرآن فأخطأ يفتح عليه المصلي وإلا ما يفتح عليه؟ هو يقرأ، يقرأ قرآن، القرآن والصلاة إنما هي لقراءة القرآن.
طالب:. . . . . . . . .
هذا أمر مفروغ منه، لا يجوز أن يقرأ لنفسه فضلاً عن أن يفتح لغيره، المسألة، يعني المسائل صور، صور لهذه المسألة، شخص جالس يقرأ يرفع صوته أولاً هذا منهي عن رفع الصوت والثاني يصلي من جهة، الثانية: أنه في معنى المكالمة، والفتح بقدر الحاجة، بقدر الحاجة، والحاجة إذا كان لا يصلي إذا سلم يفتح عليه، إذا سلم يفتح عليه، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(12/40)
إيه هو يقصد بذلك يقرأ وإلا مكالمتهم؟ يعني مسألة الفتح على الإمام بالقرآن هذه نفس الشيء {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [(77) سورة الحج] إذا الإمام أخطأ .. ، نسي، نسي الركوع قيل له: (اركعوا) إن نسي السجود قيل: (اسجدوا) (خر راكعاً) هذه المسألة مختلف فيها بين أهل العلم؛ لأنها ينتابها كونها قرآن، والقرآن لا يبطل الصلاة، وينتابها أيضاً كونها مخاطبة ومحادثة للإمام، نعم، هذه مسألة نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
قطن بن نسير، قطن بن نسير، قرأه الراوي: ابن بشير قال: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [(1) سورة القلم] وهو يصلي، هذا تقصد؟
طالب:. . . . . . . . .
شخص يصلي فقرأ نعم، شخص يقرأ أسماء الرواة، وهو يحدث مثلاً، فقال: قطن ابن بشير، فقال الدارقطني: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [(1) سورة القلم] يعني ابن نسير، ما هو ابن بشير، وهذا أشد، أشد من الفتح على غير المصلي بالقرآن، لكنه فتح عليه بقرآن، وهذا يوضح لنا مسألة الفتح بالقرآن؛ لأنه هل قد لا يقصد به التلاوة، بل مقطوع به أنه لا يقصد به التلاوة، إنما المقصود به المكالمة، لكن إن كان لمصلحة الصلاة شيء، والرد على مثل في حال الدارقطني إن صحت، نعم، فليس من مصلحة الصلاة، ليس هذا من مصلحة الصلاة، كونه ما يملك نفسه هذه مسألة ثانية، واحد يفتح على القارئ وهو في الدورة يقضي حاجته، وجد هذا ما يملك نفسه، كره الكوفيون الفتح على الإمام لأنه من باب المكالمة، يعني وإن كان بلفظ القرآن، لكنه المقصود به وهو الظاهر المكالمة، لكن حديث: ((أليس في القوم أُبي؟ )) هذا يرد هذا، وأجازه مالك والشافعي وأكثر العلماء لما ذُكر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(12/41)
الموطأ - كتاب الصلاة (3)
شرح: باب: القراءة في الصبح، وباب: ما جاء في أم القرآن، وباب: القراءة خلف الإمام فيما لا يجهر فيه بالقراءة، وباب: ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه، وباب: ما جاء في التأمين خلف الإمام
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:
هذا سؤال مطلوب من الأمس.
يقول: أنه رأى بعد في المقبرة يقول: خفس في القبور من آثار المطر؟
هذه كل سنة موجودة بعد السيول، تقوم البلدية وبعض المحتسبين بتسويتها من جديد، ولا شك أن هذا عمل خير، من شارك في ذلك لا يحرم الأجر -إن شاء الله تعالى-.
يقول: هل بلال يقول لابن أم مكتوم: أصبحت أصبحت فيقلده؟
على كل حال هو يقلد، سواءً كان القائل له بلال أو غيره، فيقال: مبني للمجهول يحتمل أن يكون بلالاً وأن يكون غيره، وهو مقلد في كلا الحالتين؛ لأن رؤية الصبح من شأن المبصرين.
يقول: هل ذكر أن المرأة لها حكم الرجل؟ هل ذكر أن المرأة لها حكم الرجل أرجو أن يعلق على هذه القاعدة. . . . . . . . . قاعدة: ما ورد في حق الرجل يرد في حق المرأة إلا بدليل؟
هذا الأصل، هذا الأصل إما أن تخرج من عموم النصوص لا بد من دليل يدل على ذلك، لا بد من دليل يدل على ذلك، دليل شرعي وهو الأصل، أو عقلي بأن يكون هذا مما لا يمكن أن تقوم به المرأة، مما يستحيل عقلاً أن تقوم به المرأة، مما يكلف به الرجال، وإلا فالأصل أن النساء شقائق الرجال، وقد قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه: "وكانت أم الدرداء تجلس في الصلاة جلسة الرجل، وكانت فقيهة".
يقول: قول: لا حول ولا قوة إلا بالله بعد قول المؤذن: الصلاة خير من النوم، هل مخالف لقول الرسول: ((يقول مثل ما يقول المؤذن))؟
على كل حال لا أعرف خبر يدل على أنه يقال بعد قول المؤذن، بعد تثويب المؤذن أن المجيب يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنما يقول مثل ما يقول المؤذن إلا فيما خص بالدليل من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله في الحيعلتين.
يقول: هل يجوز أن أترك النذر بغير عذر بل لكسل؟(13/1)
لا يجوز، النذر -نذر الطاعة- يجب الوفاء به، وكذلك ((من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه)) أما ينذر على نفسه ويلزم نفسه بشيء، هو قبل أن يلزم نفسه منه في سعة، ثم بعد ذلك لا يفي بنذره لا يجوز له ذلك، اللهم إلا إذا كان نذر معصية.
يقول: يكون الرجل مع امرأته خارج البيت فيحضر وقت الصلاة فهل للزوجة أن تبادر بالصلاة في المسجد قبل إقامة الصلاة، ويقوم الزوج بالبقاء مع الأولاد في السيارة ريثما تنتهي من صلاتها، ثم يصلي الزوج بعد ذلك مع الجماعة؟
نعم لها أن تصلي بعد دخول الوقت قبل الجماعة؛ لأنها ليست ملزمة بجماعة، ليست الجماعة واجبة عليها.
يقول: صاحب الجلالين على قوله تعالى في قصة زكريا: {قَالَ كَذَلِكَ اللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء} [(40) سورة آل عمران] لا يعجزه شي، ولإظهار -الطباعة سيئة، فيها أخطاء- ولإظهار هذه القدرة العظيمة ألهمه السؤال ليجاب بها، هل هذا جارٍ على مذهب الأشاعرة في نفي التعليل والأسباب، أرجو الرد الآن خوفاً من انقطاع الإرسال قبل الإجابة فلا أسمعها؟ يقول: هل هذا جارٍ على قاعدة مذهب الأشاعرة في نفي الأسباب؟ ما أدري ما وجه الإشكال في الآية: {قَالَ كَذَلِكَ اللهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء} [(40) سورة آل عمران] لا يعجز عنه شيء، إيش معنى لا يعجز عنه شيء؟ أو لا يعجزه شيء؟ ولإظهار هذه القدرة العظيمة ألهمه السؤال، ولإظهار هذه القدرة العظيمة ألهمه السؤال؛ ليجاب بها؟
الإشكال ما هو بواضح، لا بد أن تراجع قبل ذلك.
البعيد عن المسجد فهل تسقط عنه صلاة الجمعة وباقي الصلوات؟ وما هي المسافة التي تسقط فيها الصلوات؟(13/2)
أما بالنسبة للصلوات الخمس فإذا سمع الأذان يلزمه الإجابة، ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)) المسألة مفترضة في الأذان بدون آلات وبدون موانع من سماع الأصوات، يعني افترض المسألة ما في مكبرات، يؤذن المؤذن بدون مكبر، وافترض أيضاً أنه لا يوجد ما يمنع من سماع الصوت من سيارات وغيرها ومكيفات وغير ذلك مما يشوش على السماع، والكيلو والنصف والكيلوين يسمع فيها الأذان، فإذا كان بيته عن المسجد كيلوين فأقل يسمع الأذان غالباً، أما الجمعة فما دام في مصر مقيم فتلزمه الجمعة سمع الأذان أو لم يؤذن.
يقول: امرأة مصابة بالسحر متزوجة لديها أبناء، وطلبوا منه تطليقها، لديها أبناء وطلبوا منه تطليقها، يعني طلبوا من أبيهم؟ والأصل أن السحر بسببه، أي بسبب الزوج، فماذا تنصحونها؟
إذا كان السحر بسببه -نسأل الله السلامة والعافية- فلها أن تطلب الفراق منه؛ لأن هذه موبقة من الموبقات، وكبيرة من كبائر الذنوب، لا يجوز لها أن تبقى معه وقد ارتكب هذه الجريمة، فضلاً عن كون هذه الجريمة تمسها وتسيء إليها، وتتضرر بها، يلزمه أولاً: أن يمكنها من الرقية لفك هذا السحر، ثم بعد ذلك لها أن تطلب الفراق منه.
يقول: ما حدود المباشرة إذا كانت المرأة حائضاً؟
كانت المرأة حائض، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يأمر المرأة من نسائه أن تتزر، تضع إزار فوق محل الحرث، وما يقرب منه، فإن كان بين السرة والركبة فهو أحوط، للبعد عن موضع الحمى، وإن باشرها فيما دون الفرج ولو كان فوق الركبة أو تحت السرة، لكن شريطة ألا يكون في موضع الحرث، فالأمر فيه سعة -إن شاء الله-، اصنعوا كل شيء إلا النكاح.
هل في سجود التلاوة تكبير ورفع؟
يعني إن كان في الصلاة فيدخل في عموم: "يكبر مع كل خفض ورفع"، وإن كان خارج الصلاة فكل على مذهبه باعتبار سجود التلاوة صلاة أو ليس بصلاة، إذا قلنا: إنه ليس بصلاة وهو الظاهر من صنيع ابن عمر وابن عباس وغيرهما لا يلزم فيه تكبير لا خفض ولا رفع، وإن قلنا: إنه صلاة كما يقوله جمع من أهل العلم فيطلب له ما يطلب للصلاة، يكبر للهوي للسجود، ويكبر للرفع منه، ويزيدون أيضاً بعد يسلم.(13/3)
يقول: ما فائدة الخلاف من هو السابق؟ هل يترتب عليه حكم؟
في أي مسألة؟ ما فائدة الخلاف من هو السابق؟ هل يترتب عليه حكم؟ في أي مسألة؟ الخلاف فيمن هو السابق؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه الليل والنهار، نعم.
فائدة الخلاف في السابق أولاً: المقرر عند عامة أهل العلم أن السابق الليل، وأن اليوم يبدأ من غروب الشمس، يترتب على ذلك أحكام، لو ولد مولود بعد غروب الشمس ليلة عيد الفطر، تلزم فطرته أو لا تلزم؟ لا تلزم، باعتبار أنه انتهى رمضان، وهي بسبب الفطر من رمضان، وهو ما أدرك شيء من رمضان، مسائل كثيرة تترتب على الخلاف، لكن الخلاف غير معتبر في مسألة السابق من حيث الناحية الشرعية، أما من حيث أهل الهيئة والفلك معروف قولهم في الليل والنهار، لكن السابق واضح، وإن كان في قوله -جل وعلا-: {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [(40) سورة يس] معناه يراد به نفي اضطراب انتظام الكون، نفي اضطراب انتظام الكون، لا يعني أنه إذا جاء ليل جاء نهار، ثم جاء نهار قبل الليل، لا، ولا يأتي ليل قبل النهار، ولا نهار قبل الليل، بل هو منتظم، ليل ثم نهار، ثم ليل ثم نهار ثم ليل ثم .. ، إلى آخره وهكذا.
يقول: كيف يكون وتراً، ويكون بعدها راتبة شفعاً؟
لعله يقصد المغرب، نعم، ذكرنا أن كما في الخبر: "المغرب وتر النهار" ويكون بعدها راتبة شفع بلا شك، إيش المانع من ذلك؟
يقول: من كان في البرية وحده مثل الراعي هل إذا قرأ الطوال مغرباً يكون مخالفاً؟
يعني لو قرأ الطوال أحياناً يقرأ في المغرب بالطور وإلا قرأ بالأعراف، وإلا قرأ بسورة طويلة على ألا يلتزم ذلك ما يكون مخالف.
رجل يعيش في مزرعة وسط صحراء وحده، استمر في قراءة الطوال مغرباً، هل يكون هذا مخالفاً للهدي؟
على كل حال إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء، إذا صلى الإنسان لنفسه فليطول ما شاء.
امرأة نذرت أن تصوم في كل يوم خميس ويوم الاثنين، وهي لا تعرف عن الدين شيء، يقول: هي الآن لا تستطيع ماذا تعمل؟
تكفر، إذا كانت لا تستطيع الصيام تكفر عن كل يوم مسكين.
يقول: هل قرأ الرسول -عليه الصلاة والسلام- في صلاة المغرب بآل عمران؟ وكيف نخرجه؟(13/4)
قرأ بالأعراف، قرأ بالأعراف ثابت، قرأ بالطور، قرأ بالمرسلات، سور طويلة بلا شك، لكن ليس هو الأصل، وليس ديدنه ذلك -عليه الصلاة والسلام-، والله المستعان.
سم.
باب: القراءة في الصبح:
أحسن الله إليكم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.
قال الإمام يحيى -رحمه الله-:
باب: القراءة في الصبح:
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- صلى الصبح فقرأ فيها سورة البقرة في الركعتين كلتيهما.
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه سمع عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول: "صلينا وراء عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- الصبح فقرأ فيها بسورة يوسف وسورة الحج قراءة بطيئة" فقلت: "والله إذاً لقد كان يقوم حين يطلع الفجر؟ " قال: "أجل".
عن مالك عن يحيى بن سعيد وربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد أن الفرافصة بن عمير الحنفي قال: "ما أخذت سورة يوسف إلا من قراءة عثمان بن عفان إياها في الصبح من كثرة ما كان يرددها لنا".
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- كان يقرأ في الصبح في السفر بالعشر السور الأول من المفصل في كل ركعة بأم القرآن وسورة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: القراءة في الصبح" يعني في صلاة الصبح.
"حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر الصديق" هذا منقطع؛ لأن عروة إنما ولد في أوائل خلافة عثمان، فعروة يحكي قصة لم يشهدها، هو منقطع، لكنه ورد عن أنس وغيره، فعلل عروة حمله عن بعض الصحابة الذين تأخرت وفاتهم كأنس، "أن أبا بكر الصديق صلى الصبح فقرأ فيها سورة البقرة في الركعتين كلتيهما" فقيل له حين سلم: كادت الشمس أن تطلع؟ فقال: "لو طلعت لم تجدنا غافلين" كما في حديث أنس، لكن هو صلى الصلاة في وقتها، نهاية الصلاة، هذا الكلام المقصود أنه يدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس، وقد صلاها في أول وقتها، وقد قرأ سورة البقرة احتمال تطلع الشمس؛ لأن سورة البقرة جزأين ونصف تحتاج إلى ...
طالب:. . . . . . . . .(13/5)
رجل أسيف إيه، أدركنا أناس يبكون في القرآن، ما تأخذ عليهم البقرة نصف ساعة، ما في تلازم أبد.
على كل حال الترتيل الجزء يحتاج إلى ثلث ساعة على الأقل، أو نصف إلا خمس، مع المد قليلاً يحتاج إلى نصف، شوف البقرة تحتاج إلى أكثر من ساعة، ولا بد في مثل هذا أن يعرف الإمام رضا المأمومين، رضا من خلفه، أما أن يصلي بهم بسورة البقرة وهم لا يرضون، جاء النهي عن ذلك، ((أفتان يا معاذ؟ )) ((إذا أم أحدكم الناس فليخفف)) ولا بد في مثل هذا من العلم برضا المأمومين، استدل به مالك على طول القراءة في صلاة الصبح، وبمثل هذا تجتمع أحاديث التغليس والإسفار، التغليس والإسفار؛ لأنه يفتتحها أو يبدأ بالصلاة بغلس، ويفرغ منها إذا أطال كما فعل أبو بكر في الإسفار.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه سمع عبد الله بن عامر" عن أبيه، هذه زيادة خالف فيها مالك -رحمه الله- أصحاب هشام، فكلهم لم يقولوا: عن أبيه إلا مالك، عن هشام بن عروة أنه سمع عبد الله بن عامر، وهذا ممكن، فيكون قوله: عن أبيه من إيش؟ من أي نوع من أنواع علوم الحديث؟ من المزيد في متصل الأسانيد، من المزيد في متصل الأسانيد، يعني المزيد يطلق على ما يزاد خطأ؟ يطلق على ما يزاد خطأ؟ مزيد؟ نعم؟ إذاً من أي نوع هذا؟ متى؟ ويش الصورة الصحيحة للمزيد في متصل الأسانيد؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، أن تصح الصورتان، والآن هذه الصورة التي معنا نعم، فيها مخالفة، خالف فيها الإمام مالك أصحاب هشام، "أنه سمع عبد الله بن عامر بن ربيعة -العنزي- يقول: "صلينا وراء عمر بن الخطاب الصبح فقرأ فيها بسورة يوسف وسورة الحج" سورة يوسف وسورة الحج، هما مجتمعان تعادلان سورة؟ يعادلان آل عمران.
طالب:. . . . . . . . .
إيه يعادلان آل عمران، ترى رجعت. . . . . . . . . جزاك الله خير. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .(13/6)
إلا، يعادلان سورة آل عمران، يعادلان الأعراف أيضاً، "فقرأ فيها بسورة يوسف وسورة الحج قراءة بطيئة" ومعروف أن عمر -رضي الله عنه- كرر قوله تعالى: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ} [(86) سورة يوسف] فعمر يكرر، فإذا كانت قراءته لثلثي جزء ونصف جزء في الركعة الثانية مع التكرير، وقراءة بطيئة لا شك أن هذه إطالة، لكنه كسابقه لا بد من العلم برضا المأمومين.
"قال -عروة-: فقلت: "والله إذاً لقد كان يقوم حين يطلع الفجر؟ " يعني يقوم إلى الصلاة فيبتدئها حين يبزغ الفجر في أول الوقت، "قال: "أجل"، (أجل) هذه حرف جواب، هذه جواب كـ (نعم)، (أجل) جواب كـ (نعم)، يعني تأتي، لو قال: نعم هنا نعم، يصح وإلا ما يصح؟ نعم هي بمثابة (نعم)، "ذلك أن لك أجرين" قال: ((أجل)) "إنك لتوعك كما يوعك الرجلان" قال: ((أجل)) نعم، "ذلك أن لك أجرين" قال: ((أجل)) يقولون: هي كـ (نعم)، جواب كـ (نعم)، إلا أن (أجل) أحسن من (نعم) في التصديق كما هنا، و (نعم) أحسن من (أجل) في الاستفهام، يعني إذا قلت: هل حضر زيد؟ يقول: نعم، أفضل من أجل، نعم، وهنا في الخبر، تصديق الخبر تقول: أجل.(13/7)
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد وربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد -بن أبي بكر- أن الفرافصة بن عمير الحنفي" نسبة إلى بني حنيفة، "قال: "ما أخذت سورة يوسف إلا من قراءة عثمان بن عفان إياها في الصبح، من كثرة ما كان يرددها لنا"، يكررها عثمان -رضي الله عنه-، يقول الشارح الزرقاني: "يحتمل أن ذلك صنيع عثمان -رضي الله عنه وأرضاه- تكرار سورة يوسف لحديث: ((ائذن له وبشره بالجنة على بلوىً تصيبه)) وسورة يوسف فيها بلوى، فعثمان -رضي الله عنه- يتسلى بقراءة هذه السورة، يتسلى بقراءة هذه السورة، قال ابن عبد البر: لا أشك أن أبا بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- كانوا يعرفون من حرص من خلفهم، ما يحملهم على التطويل أحياناً، وجاء الأمر بالتخفيف فيكون هو الأصل، الأصل التخفيف والتطويل عند رغبة المأمومين، ولا شك أن بعض الأئمة يطلب منه التطويل؛ لأن قراءته موعظة، يعظم الناس بالقرآن، ويؤثر فيهم، تؤثر فيهم قراءته، فمثل هذا إذا رأى الناس يرتاحون لقراءته فلا يبخل عليهم، فلا يبخل عليهم، لكن يبقى أن الأصل هو إيش؟ ((من أم الناس فليخفف)).(13/8)
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقرأ في الصبح في السفر بالعشر السور الأول من المفصل في كل ركعة بأم القرآن وسورة" بأم القرآن وسورة، وبهذا يندفع الوهم الذي في أول كلامه أنه يقرأ العشر كلها في صلاة الصبح، يقرأ في الصبح في السفر بالعشر الأول من المفصل، نعم هذا مفهومه أنه يقسم هذه العشر بين الركعتين، لكن قوله: في كل ركعة من ركعتي الصبح بأم القرآن وسورة، والعشر السور هي: ق، والذاريات، والطور، النجم، القمر، الرحمن، الواقعة، الحديد، المجادلة، الحشر، نعم، ولم يذكر الإمام مالك -رحمه الله تعالى- في الباب حديثاً مرفوعاً، نعم الأول: من فعل أبي بكر، الثاني: من فعل عمر، الثالث: من فعل عثمان، الرابع: من فعل ابن عمر، ما ذكر في الباب حديث مرفوع، وفي البخاري من حديث أبي برزة قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الصبح ينصرف الرجل فيعرف جليسه، وكان يقرأ في الركعتين أو إحداهما ما بين الستين والمائة، ما بين الستين والمائة، وفي البخاري عن أم سلمة -رضي الله عنها- أنه -صلى الله عليه وسلم- قرأ فيها بالطور، وفي مسلم عن جابر أنه -عليه الصلاة والسلام- قرأ فيها بـ (قاف)، وفي رواية: بالصافات، كل هذا مرفوع.
نعم، فصل بينهم بالعمل بالقراءة، نعم، بينما يفترض أن العمل بالقراءة يتقدم على الجميع، هذا الأصل، نعم، هذا الأصل أن يتقدم، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
خواتمها من الآيتين فقط؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا تقصير، أقول: هذا تخفيف زائد، الأصل أن صلاة الصبح تطول فيها القراءة، وهو طول نسبي لا يشق على المأمومين، طول نسبي، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا أعرف هذا، لكن هو قرأ الزلزلة، نعم، قرأ الزلزلة في الركعتين، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
ابن القيم أشار إلى أنه في سفر، لكن ما يمنع أن يكون الجميع عند الحاجة نعم.
باب: ما جاء في أم القرآن:
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في أم القرآن:(13/9)
عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز أخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نادى أبي بن كعب وهو يصلي، فلما فرغ من صلاته لحقه، فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده على يده وهو يريد أن يخرج من باب المسجد، فقال: ((إني لأرجو أن لا تخرج من المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها)) قال أبي: فجعلت أبطئ في المشي رجاء ذلك، ثم قلت: يا رسول الله السورة التي وعدتني؟ قال: ((كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟ )) قال: فقرأت: الحمد لله رب العالمين، حتى أتيت على آخرها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هي هذه السورة، وهي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أعطيت)).
عن مالك عن أبي نعيم وهب بن كيسان أنه سمع جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- يقول: "من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصلِ إلا وراء الإمام".
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في أم القرآن" الفاتحة، أي أصل القرآن، كما يقال: أم القرى مكة، كره بعضهم أن يقال: أم القرآن، قال ابن عبد البر: لا وجه لكراهتهم لذلك، لا وجه لكراهتهم لذلك، ما الداعي إلى كراهة قول: أم القرآن؟ لئلا يوهم أنه كالأم، وإن كان هذا فيه بعد.
"حدثني يحيى عن مالك" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، لا، لا وجه لكراهتهم ذلك، لكن بعض الناس يصير عنده حساسية زائدة، ويخفى عليه ما ورد في الباب ثم يكره ذلك.
"حدثني يحيى عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب أن أبا سعيد -وهو تابعي مدني- مولى عامر بن كريز أخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نادى أبي" وعلى هذا يكون الخبر منقطع، في بعض الروايات عن مالك أن أبياً أخبره، يعني صاحب القصة، أو عن أبي أنه أخبره.
هذا سؤال مهم.
يقول: إمام مسجد منذ خمس عشرة سنة يبدأ بجماعته بالبقرة ويختم بالناس، وهذا غالب فعله، وهو يرى أن ذلك فيه مصلحة له ولجماعة المسجد، بحيث يستمعون كل القرآن، وليصححوا أخطاءهم وغير ذلك؟(13/10)
لا شك أن إسماع القرآن للناس أمر مهم، ولا مانع أن يقرأ القرآن على ترتيبه في المصحف على ألا يكون ديدناً لهذا الشخص، بل يخل به أحياناً، ويقرأ للناس القرآن كله ويسمعهم إياه، لا مانع من ذلك على أن يخل به في بعض الأحيان؛ لأنه بهذه الطريقة إذا لم يخل به مطلقاً، قد يقول قائل: إنه لم يفعله -عليه الصلاة والسلام-، بل النبي -عليه الصلاة والسلام- اختار لصلاته من أوله، من آخره، من أثنائه، لكن إذا كان القصد أن يسمع الناس القرآن من أوله إلى آخره وأخل بهذا الترتيب لئلا يكون شرع شيئاً لا يكون له أصل، يعني لو قدم وأخر أحياناً لا بأس -إن شاء الله تعالى-.
"أخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نادى أبي بن كعب وهو يصلي" فقال: أي أبي، فالتفت فلم يجبه، التفت أبي فلم يجبه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه كان في صلاة، نعم، كان في صلاة أبي، فناداه النبي -عليه الصلاة والسلام- أي أبي، يعني: يا أبي، التفت لينظر من المنادي فلم يجبه، فخفف صلاته، "فلما فرغ من صلاته لحقه" وزاد في حديث أبي هريرة: "فقال: سلام عليك يا رسول الله، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ويحك ما منعك إذ دعوتك لم تجبني؟ أوليس تجد فيما أوحى الله إلي استجيبوا لله وللرسول؟ )) فقلت: بلى يا رسول الله لا أعود -إن شاء الله-.
قال ابن عبد البر: الإجماع على تحريم الكلام يعني مع ورود هذا الحديث، يعني لو صوت شخص يا فلان، يجيب وإلا ما يجيب؟ يحرم الكلام بالإجماع، يقول ابن عبد البر: الإجماع على تحريم الكلام يدل على اختصاص النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، ولذا النبي -عليه الصلاة والسلام- استدل عليه بآية، ((أوليس تجد فيما أوحى الله إلي استجيبوا لله وللرسول؟ )) لكن هل هذا لغيره من البشر؟ نعم، هذا ليس لغيره -عليه الصلاة والسلام- من البشر، فلو قدر أن شخصاً يصلي فقال له أبوه: يا محمد، يلتفت وإلا ما يلتفت، يعني كونه الصلاة فريضة هذا ما فيه إشكال، لا تقطع الفريضة من أجل أي مخلوق، لكن لو كانت نافلة؟
طالب:. . . . . . . . .(13/11)
إيه طيب، الإقرار مع السياق وما يشعر به من مدح، هذا في كل ما جاء عن شرع من قبلنا، نعم، يعني لو اقترضت من شخص لو اقترضت من شخص مليون ريال، وقلت له: بأسددك في يوم ثمانية وعشرين شوال اللي هو اليوم، ما وجدت من يذهب بالمال، تأتي بخشبة وتنقرها وتذبها في البحر؟ هذه ترى سيقت مساق المدح في شرعنا، يصلح وإلا ما يصلح؟ يعني عندك توكل عظيم، ينفع وإلا ما ينفع؟ شرعنا يختلف، ما يلزم أن يكون مطابق، ولو سيقت القصة مساق المدح، علينا العمل بشرعنا، لا سيما إذا جاء في شرعنا ما يخالف، نعم قد يكون في شرعهم الكلام مباح في الصلاة، إيش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه ما يكفيه أنك تسبح، يبيك تجيبه، افترض أن الوالد في دورة المياه فانقطع عليه الماء، في مثل هذه الأيام نعم أما بالنسبة للإنقاذ من هلكة هذا ما فيه إشكال، هذا شيء مفروغ منه، متفق عليه، ولو فريضة، إنقاذ من هلكة ولو فريضة، وجاء الأمر بقتل الأسودين، وليست بأعظم من هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، إذا أجاب الوالد، أو أنقذ الغريق، أو الحريق، أو ما أشبه ذلك يستأنف، يستأنف من جديد، لكن بالنسبة لقتل الأسودين إن ترتب عليه عمل كثير ويمين ويسار وتابعهما هذه يستأنف الصلاة، إذا كان العمل يسير، وتقدم إليهما فقتلهما ثم رجع إلى مكانه ما يحتاج، على ألا ينصرف عن القبلة.
على كل حال مسألة النافلة أمرها أخف من الفريضة من جهة، مع أنه جاء الأمر أو النهي عن إبطال العمل، {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [(33) سورة محمد] الأمور تقدر بقدرها، إذا كانت هناك ضرورة تلحق بالأب أو الأم فهذا يرجح، إن لم يكن هناك ضرورة، وعرف أن المسألة تقبل التأجيل، نعم، فلا شك أن الإقبال على العبادة أولى.
طالب:. . . . . . . . .
لا، يرد عليه بالإشارة، بالإشارة، ما أدري هو يذكر عن علي -رضي الله عنه- أنه تصدق وهو راكع، مر به مسكين فأشار إلى أصبعه وفيها خاتم: أن خذ هذا الخاتم، لكن ما يثبت هذا الأمر، باطل هذا لا يثبت، علي -رضي الله عنه- من أكرم الناس، وأجود الناس، وأسخى الناس، لكن ما يفعل هذا في صلاته، ويتأول هذا على قوله -جل وعلا-: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} [(55) سورة المائدة](13/12)
"نادى أبي بن كعب وهو يصلي، فلما فرغ من صلاته لحقه، فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده على يده" تأنيس، يؤنسه، "وهو يريد أن يخرج من باب المسجد، فقال: ((إني لأرجو أن لا تخرج من المسجد حتى تعلم سورة -هو يعلم السورة، لكن يريد أن يعلم فضلها وحالها، مما لم يكن يعلمه قبل ذلك- سورة ما أنزل الله في التوراة، ولا في الإنجيل)) وفي حديث أبي هريرة: ((ولا في الزبور))، ((ولا في القرآن مثلها)) يعني في جمعها لمعاني الخير، "قال أبي" من القائل: قال أبي؟ أبو سعيد، أبو سعيد، مولى عامر بن كريز، يقولون: هذا يشعر أن أبا سعيد حمله عن أبي "فجعلت أبطئ في المشي" لئلا يخرج من المسجد قبل أن يخبره بما وعده -عليه الصلاة والسلام-، "رجاء ذلك، ثم قلت: يا رسول الله علمني السورة التي وعدتني؟ قال: ((كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟ )) قال أبي: فقرأت: الحمد لله رب العالمين، حتى أتيت على آخرها" وهذا يستدل به من يستدل أن البسملة ليست منها، لكن إذا قلنا: الحمد لله رب العالمين اسم للسورة لا يتم الاستدلال، "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هي هذه السورة، وهي السبع المثاني)) " يعني المذكورة في سورة الحجر، " ((والقرآن العظيم الذي أعطيت)) "، السبع المثاني: لأنها سبع آيات، ومثاني: تثنى وتكرر في الصلوات، ((السبع المثاني)) في هذا دليل على أنها سبع آيات، وهذا كالإجماع، وإن نقل شاذاً أنها ست آيات، أو ثمان آيات، ((وهي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أعطيت)) والقرآن العظيم يطلق على الكل، ويطلق على البعض كما هنا، ((الذي أعطيت)) وفي هذا دليل على أن سورة الفاتحة مكية من أين؟ لأن سورة الحجر نعم، مكية، خلافاً لمن قال: إنها مدنية، وأنها نزلت مرتين، مرة بمكة ومرة بالمدينة، والقصة أخرجها البخاري من حديث أبي سعيد بن المعلى في كتاب التفسير من صحيحه.
طالب:. . . . . . . . .
إلى آخر السورة، حتى آخر السورة، يعني تقصد حتى أتيت على آخر الآية؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا لا شك أنه من أدلتهم، من أدلة من يقول: إن البسملة ليست من الفاتحة، فضلاً عن غيرها، مع أن الخلاف في الفاتحة أقوى من غيرها.(13/13)
وحديث أبي هريرة الذي أشرنا إليه مخرج عند الترمذي والنسائي وابن خزيمة، وحديث أبي أخرجه الترمذي وابن خزيمة والحاكم موصولاً دليل على عظم هذه السورة، وأنها أعظم سورة في القرآن.
وأما أعظم آية فهي آية الكرسي، يعني بيان فضيلة شيء، بيان فضيلة شيء ومزيته، جاءت نصوص ببيان منزلة شيء إيش المقصود منه؟ هل معنى أن هذا لمجرد الإخبار؟ أو لما يترتب عليه من امتثال؟ يعني أقصد ما يتعلق بالمكلف من هذا الخبر كونها أعظم سورة في القرآن هل يعني هذا أن أجر قراءة سورة الإخلاص أكثر؟ نعم، قد يبين الأجر مع العظم، ويكون العظيم أكثر أجر مما بُين أجره، بدليل الذي يتتعتع بالقرآن مثلاً وهو عليه شاق له أجران، هل هو أفضل من الذي لا يشق عليه القرآن؟ نعم، الذي أعاد الصلاة تيمم وأعاد الصلاة له أجران، والذي لم يعد أصاب السنة؟ أيهما أفضل؟ الذي أصاب السنة بلا شك، فكونه يبين الأجر أنت لك هذا الأجر الذي بُين، لكن كونه يبين العظمة هذا أمر أعظم، هذا عند الله -عز وجل-، وفضل الله لا يحد.(13/14)
فإذا بين الشرع مزية شيء لا شك أن المكلف له حظ من هذا المبين، أما أن يكون خبر عاري عن فائدته، يعني نضير ما قيل في ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) هل هذا مجرد خبر عاري عن الفائدة؟ أو نقول: هذا فرع وفرد من أفراد قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) روضة من رياض الجنة، وقد قال: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) وكونه فسر بحلق الذكر تفسير بالفرد، فرد من أفراده لا يعني قصره عليه، كما فسرت القوة بالرمي، فإذا بُين مزية عمل، فضل عمل، أو فضل جهة أو كذا، لا شك أنها لما لها من مزيد الأجر والفضل؛ المشقة إذا كانت من متطلبات العمل، إذا كان من متطلبات العمل يأتي الأجر على قدرها، إذا لم تكن هذه المشقة من متطلبات العمل نقول: لا، ما فيها أجر البتة؛ لأن المشقة ليست من مقاصد الشرع، يعني تقول: والله أنا با أحج ماشي؛ لأنه أكثر أجر من .. ، نعم أكثر أجر من الركوب؛ لأنه مشقة، والأجر .. ، نقول: لا يا أخي، وتقول: أنا بيتي عن المسجد مائة متر أبا دور الحارة على شان أمشي مائتين متر، نقول: لا يا أخي مالك أجر؛ لأن العمل لا يتطلب هذه المشقة، مثلما ذكرنا سابقاً، قلنا: كل واحد منهما مرجح، ((بني سلمة دياركم تكتب آثاركم)) هذه مسألة، لكن إذا كان الديار .. ، ويبي يكتب الآثار واختار الأبعد، ثم ترتب عليه أنه يوم تفوته ركعة، ويوم تفوته الصلاة كاملة، لو هو أقرب كان ما فاته شيء، نقول: لا، الأقرب أفضل، نعم، على كل حال فضل الله واسع، يعني لو نظرنا إلى سورة الإخلاص، هل معنى أن من قرأ سورة الإخلاص بمثابة من قرأ عشرة أجزاء، أو كرر الإخلاص ثلاث مرات بمثابة من قرأ القرآن كامل؟ نعم، قد يكون هذا في أصل الحسنات، لا يعني أن هذا في المضاعفات، لا يعني هذا هذا، نعم في أصل الحسنات قد يدرك الأجر، الأجر المجرد المرتب على الثلث، لكن المضاعفات الواردة في قراءة الثلث غير، المسائل دقيقة تحتاج إلى بسط لكن .. ، الله المستعان.(13/15)
يقول: "وحدثني عن مالك عن أبي نعيم وهب بن كيسان أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: "من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصلِ إلا وراء الإمام" لم يصلِ لأنه .. ، لأنها ركن في كل ركعة، والذي صلى وإن كانت الصورة واضحة، الظاهرة واضحة، وقد أخل بركن أو شرط فإنه في الحقيقة لم يصلِ، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- للمسيء: ((صلِ فإنك لم تصلِ)) قد يقول: صليت أتيت بالقراءة وركوع وسجود، لكن مع الإخلال بالركن.
"إلا وراء الإمام" إلا وراء الإمام يعني فقد صلى، "فلم يصلِ إلا وراء الإمام" فإنه قد صلى، ففيه: أنها لا تجب على المأموم، نقل الترمذي عن الإمام أحمد -رحمه الله- قوله: هذا صحابي، تأول قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) على ما إذا كان وحده، على ما إذا كان وحده، يعني أو كان إماماً من باب أولى، نعم.
باب: القراءة خلف الإمام فيما لا يجهر فيه بالقراءة:
أحسن الله إليك.
باب: القراءة خلف الإمام فيما لا يجهر فيه بالقراءة:
عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب أنه سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، هي خداج، هي خداج، غير تمام)) قال: فقلت: يا أبا هريرة إني أحياناً أكون وراء الإمام، قال: فغمز ذراعي ثم قال: اقرأ بها في نفسك يا فارسي، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((قال الله -تبارك وتعالى-: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل)) قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اقرءوا، يقول العبد: الحمد لله رب العالمين، يقول الله -تبارك وتعالى-: حمدني عبدي، ويقول العبد: الرحمن الرحيم، يقول الله: أثنى علي عبدي، ويقول العبد: مالك يوم الدين، يقول الله: مجدني عبدي، يقول العبد: إياك نعبد وإياك نستعين: فهذه الآية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، يقول العبد: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل)).(13/16)
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقرأ خلف الإمام فيما لا يجهر فيه الإمام بالقراءة.
عن مالك عن يحيى بن سعيد وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن القاسم بن محمد كان يقرأ خلف الإمام فيما لا يجهر فيه الإمام بالقراءة.
عن مالك عن يزيد بن رومان أن نافع بن جبير بن مطعم كان يقرأ خلف الإمام فيما لا يجهر فيه بالقراءة.
قال مالك -رحمه الله-: "وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك".
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: القراءة خلف الإمام فيما لا يجهر فيه بالقراءة" الترجمة التي تليها باب: ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه، من هذا نأخذ رأي الإمام مالك، وأنه يرى القراءة خلف الإمام في السرية دون الجهرية.(13/17)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب أنه سمع أبا السائب -الأنصاري المدني يقال: اسمه: عبد الله- مولى هشام بن زهرة يقول: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن -التي هي الفاتحة- فهي خداج)) أي ناقصة، كما يقال: خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل تمامه، قبل أوان النتاج، ((فهي خداج، هي خداج)) هي خداج تأكيد لفظي، ((غير تمام)) تأكيد معنوي، "قال أبو السائب: فقلت: يا أبا هريرة إني أحياناً أكون وراء الإمام، قال: فغمز ذراعي" إما على معنى التأنيس، أو شد الانتباه من أجل أن ينتبه "ثم قال: اقرأ بها في نفسك" يعني لا تجهر بها "اقرأ بها في نفسك يا فارسي" لماذا قال له: يا فارسي؟ نعم، كل مولى يكون فارسي؟ نعم، أو شأنه شأن الفرس الذين لا يفهمون الكلام العربي إلا بكل كلفة ومشقة؟ نعم؟ احتمال، "اقرأ بها في نفسك يا فارسي -يعني بينك وبين نفسك- فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((قال الله -تبارك وتعالى-: قسمت الصلاة)) يعني الفاتحة، والصلاة من أسمائها، ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي)) يعني ثلاث آيات ونصف لله -جل وعلا-، وثلاث آيات ونصف للعبد، ((فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل)) قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اقرءوا، يقول العبد: الحمد لله رب العالمين -هذه لله- فيقول الله -تبارك وتعالى-: حمدني عبدي، ويقول العبد: الرحمن الرحيم، يقول الله -جل وعلا-: أثنى علي عبدي)) وبهذا نعرف أن بين الحمد والثناء فرقاً، خلافاً لما يعرف به جمهور العلماء الحمد: بأنه الثناء، قالوا: الحمد هو الثناء على المحمود .. إلى آخره، ولا شك أن الثناء غير الحمد، ابن القيم -رحمه الله- نبه على ذلك في كتابه الوابل الصيب، وعرف الحمد بتعريف، وعرف الثناء بتعريف، فليرجع إليه من أراد ذلك، ((يقول الله: أثنى علي عبد، ويقول العبد: مالك يوم الدين، يقول الله: مجدني عبدي -يعني عظمني عبدي- يقول العبد: إياك نعبد -هذه لله- وإياك نستعين -هذه للعبد- فهذه الآية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل)) يعني لي ما يخصني منها وهي العبادة،(13/18)
ولعبدي ما سأل من الإعانة، ((يقول العبد: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين فهؤلاء -الآيات الثلاث- لعبدي ولعبدي ما سأل)) مما ذكر من هداية الصراط المستقيم، ومن اجتناب طريق الذين غضب الله عليهم والضالين.
سؤال الصراط صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ومخالفة طريق المغضوب عليهم والضالين، واستدل بعضهم بهذه الآية على صحة إمامة أبي بكر، من أين؟ أنه منصوص عليه: "من الصديقين" {مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} [(69) سورة النساء] كل مسلم يسأل الله -جل وعلا- أن يهديه صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فكيف يطلب الإنسان أن يسلك هذا الصراط الذي يُجزم بأن أبا بكر قد سلكه ولا تصح إمامته، هذا مستحيل، حديث أبي هريرة دليل على أن الفاتحة تقرأ، وحمله الإمام مالك على الصلاة السرية دون الجهرية، وترجم بما لا يجهر فيه بالقراءة، يقصد السرية.
قال: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه -عروة بن الزبير- أنه كان يقرأ خلف الإمام فيما لا يجهر فيه الإمام بالقراءة" يعني في السرية، يعني "ولا يقرأ .. " مفهومه أنه لا يقرأ فيما جهر فيه الإمام.
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن القاسم بن محمد كان يقرأ خلف الإمام فيما لا يجهر فيه الإمام بالقراءة" يعني كفعل عروة، وهما من الفقهاء.(13/19)
"وحدثني عن مالك عن يزيد بن رومان أن نافع بن جبير بن مطعم كان يقرأ خلف الإمام فيما لا يجهر فيه بالقراءة" يعني هو لا يقرأ فيما جهر به، "قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك"، يعني موافقة ما ذكر، أو من ذكر، وهو اجتهاده -رحمه الله-، وافق اجتهاد هؤلاء التابعين فيما فعلوه، وترجم بمفهوم ذلك، ترجم بالمنطوق في هذه الترجمة، وترجم بالمفهوم بالترجمة التي تليها، فقراءة الفاتحة جاء فيها حديث عبادة بن الصامت، وهو أصل في الباب: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) هذا دليل على أن الصلاة التي لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب أنها منفية، وإذا تردد النفي ((لا صلاة)) على الصلاة الشرعية وغيرها فالمفهوم من ألفاظ الشرع الحقائق الشرعية، المنفي الحقيقة الشرعية للصلاة، فدل على أن الصلاة لا تصح إلا بفاتحة الكتاب، وفاتحة الكتاب ركن من أركان الصلاة عند جماهير أهل العلم خلافاً للحنفية الذين يرون أنها لا تتعين قراءة الفاتحة، بل يكفي ما تيسر.
هؤلاء الجمهور الذين يرون أنها ركن لا يختلف في أنها ركن بالنسبة للإمام والمنفرد، والخلاف بينهم بالنسبة للمأموم، فمنهم من يرى أنها تجب على كل مصلٍ، يعني ركن بالنسبة لكل مصلي إمام ومأموم ومنفرد ومسبوق، في كل ركعة، إمام ومأموم ومنفرد ومسبوق، عندنا أربعة، وهذا معروف من رأي أبي هريرة -رضي الله عنه-، وهو اختيار الإمام البخاري والشوكاني، فعلى هذا إذا جاء والإمام راكع أو قبل الركوع، ولم يدرك قراءة الفاتحة ما أدرك الركعة لحديث: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)).(13/20)
القول الثاني: قول الإمام الشافعي، وهو أن الفاتحة تلزم كل مصلٍ عدا المسبوق، تلزم الإمام والمأموم والمسبوق والمنفرد في السرية والجهرية، لحديث عبادة، وأخرج المسبوق بحديث أبي بكرة، منهم من يقول: تلزم الإمام والمنفرد دون المأموم فقراءة الإمام قراءة لمن خلفه، سواءً كان في ذلك صلاة سرية أو جهرية، ومنهم من يفرق بين السرية والجهرية، وهذا قول الإمام مالك، وهو اختيار شيخ الإسلام -رحمه الله-، من حديث أبي هريرة، إضافة إلى ما في قوله -جل وعلا-: {إِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ} [(204) سورة الأعراف] يعني استدلالاً بعمومه، وأنه يشمل الصلاة وخارج الصلاة، وفي الحديث أيضاً: ((فإذا قرأ فأنصتوا)) والمسألة ليست من المسائل اليسيرة، بل هي من عضل المسائل، وألف فيها المؤلفات، يعني (جزء القراءة خلف الإمام) للإمام البخاري، وأيضاً (القراءة خلف الإمام) للبيهقي، كتب كثيرة في الباب، وأقوال الأئمة كما سمعتم، وصرف حديث أبي هريرة إنما هو لموافقة المذهب، وإلا: "إني أكون أحياناً وراء الإمام" ما فيه بيان إنها سرية ولا جهرية، لكن الإمام مالك على حسب مذهبه جعله فيما يسر به، بخلاف ما يجهر به الإمام، وهنا الباب الذي يليه باب: ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه أيضاً بناءً على ما يراه من عدم القراءة في الصلاة الجهرية.
عندنا خدجت الناقة وأخدجت الناقة، نعم، خدجت أسقطت الجنين قبل أوان ولادته، وأخدجت إيش الفرق بينهما؟ ولدته ناقصاً، الأول ولدته قبل أوان ولادته ولو كان تاماً، والذي معنا (خداج) من الثلاثي وإلا من الرباعي؟ نعم، من الثلاثي من خدجت أو من أخدجت؟ من الرباعي، لكن مثل هذا ما يحل الإشكال كثيراً باعتبار أن من أهل العلم من يطلق هذه على هذا وهذا على هذا، نعم فما يحل الإشكال، يعني وإذا تردد الأمر في اللفظ بين احتمالين إذا تطرقه الاحتمال مشكلة، على كل حال الصلاة التي لا يقرأ فيها بالفاتحة خداج يعني غير تامة، هذا لفظ مفسر، نعم غير تمام، وإذا كانت الصلاة ناقصة هل يعني أنها باطلة أو غير باطلة؟ لا يعني هذا ولا ذاك، يحتمل أيضاً، نعم.
باب: ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه:(13/21)
أحسن الله إليك.
باب: ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه:
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- كان إذا سئل هل يقرأ أحد خلف الإمام؟ قال: "إذا صلى أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام، وإذا صلى وحده فليقرأ"، قال: "وكان عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- لا يقرأ خلف الإمام"، قال: سمعت مالكاً -رحمه الله- يقول: "الأمر عندنا أن يقرأ الرجل وراء الإمام فيما لا يجهر فيه الإمام بالقراءة، ويترك فيما يجهر فيه الإمام بالقراءة".
عن مالك عن ابن شهاب عن ابن أكيمة الليثي عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: ((هل قرأ معي منكم أحد آنفاً؟ )) فقال رجل: نعم أنا يا رسول الله، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إني أقول: ما لي أنازع القرآن؟! )) فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما جهر فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول الإمام -رحمه الله- تتميماً للشق الثاني مما اختاره: "باب: ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه"، ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر به، الترجمة الأولى: القراءة فيما لم يجهر به الإمام، وهنا ترك القراءة فيما جهر فيه، دل على أنه يرى القراءة خلف الإمام في الصلاة السرية دون الجهرية.(13/22)
"حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل هل يقرأ أحد خلف الإمام؟ قال: "إذا صلى أحدكم خلف الإمام فحسبه -أي كافيه- قراءة الإمام" ولا يقرأ المأموم على رأي ابن عمر، على رأي ابن عمر، ويؤيده قوله: ((إذا قرأ فأنصتوا)) "وإذا صلى وحده فليقرأ" فعلم وجوبها على المنفرد، يعني والإمام في حكمه، "قال: "وكان عبد الله لا يقرأ خلف الإمام" قال ابن عبد البر: ظاهر هذا أنه لا يرى القراءة في سر الإمام ولا في جهره، ولكن قيده مالك في الترجمة أن ذلك فيما جهر فيه الإمام، "قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: "الأمر عندنا -يعني بالمدينة- أن يقرأ الرجل وراء الإمام فيما لا يجهر فيه بالقراءة، ويترك القراءة فيما يجهر فيه الإمام بالقراءة" قال ابن عبد البر: "وحجته في ذلك قوله تعالى: {وإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ} [(204) سورة الأعراف] ولذا يؤمر بالسجود السامع والمستمع.
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن ابن أكيمة -عمارة أو عمار أو عامر- الليثي -المدني- عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انصرف من صلاة" الصبح كما في بعض الروايات، "جهر فيها بالقراءة فقال: ((هل قرأ معي أحد منكم آنفاً؟! )) قال رجل: نعم أنا يا رسول الله، قال -أبو هريرة-: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إني أقول: ما لي أنازع القرآن؟ )) فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما جهر فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقراءة" لكن جاء في بعض روايات الخبر: ((ما لي أنازع القرآن؟ لا تفعلوا إلا بأم الكتاب)) أو ((إلا بأم القرآن))، فالإمام مالك -رحمه الله- ما ذكر الرواية التي فيها هذا اللفظ، نعم؛ لأنه حجة عليه، نعم، معروف، هاه؟ نعم، المقصود أنها لا تؤيد مذهبه على أي تقدير.(13/23)
"فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما جهر فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقراءة، حينما سمعوا ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" عموم الحديث يقتضي أن القراءة لا تجوز مع الإمام إذا جهر بأم القرآن ولا غيرها، قاله ابن عبد البر؛ لأن بعض الناس ينصت لقراءة الإمام الفاتحة ثم يقرأ الفاتحة والإمام يقرأ السورة التي تليها، مقتضى الحديث أنه إذا جهر الإمام، ((إذا قرأ فأنصتوا)) يعني سواءً كان قرأ الفاتحة أو سورة أخرى غير الفاتحة.
وعلى كل حال المسألة مثل ما ذكرنا من عضل المسائل، والكلام فيها كثير جداً، ليس بالسهل، وفيها حديث عظيم على المسلم أن يكون منه على وجل، حديث عبادة: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) هذا شأنه عظيم، ليس بالسهل أن يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) ويكون عندنا ...
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، ما أعله الإمام أحمد، الحديث صحيح، متفق عليه، ولا فيه إشكال، ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) لكن كونه حمل على بعض الحالات شيء،. . . . . . . . . أصحاب المذاهب، نعم، ولا يظن بالأئمة إلا لدفع التعارض بين النصوص، لدفع التعارض بين النصوص يوجهون بعض الأحاديث؛ لكي يندفع التعارض، وهذا مطلوب، لكن بعض متأخري أتباع الأئمة يجعلون المذاهب توجه النصوص، وهذا تعصب مقيت، كون المذاهب توجه النصوص، تجده يفسر الحديث على مقتضى مذهبه، ويقدر أشياء محذوفة لا ذكر لها في الحديث من أجل أن يمشي ويطرد الحديث مع مذهبه، هذا لا يجوز، بل الحكم هو ما ثبت عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، أما أن نجعل المذاهب هي التي تقضي على النصوص ما هو بصحيح، وليس بمنهج سليم، هذا باعثه التعصب.(13/24)
على كل حال المسألة فيها الحديث العظيم حديث عبادة ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) فالذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب من إمام أو مأموم أو منفرد في سرية أو جهرية على خطر من هذا الحديث ((لا صلاة لمن لم يقرأ .. )) نكرة في سياق النفي، و (من) من صيغ العموم، نعم تعارضها مع بعض النصوص مثل العموم في قوله: {إِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ} [(204) سورة الأعراف] هذا عام يشمل الصلاة، ويشمل خارج الصلاة، وحديث عبادة خاص بالصلاة، هذه وجهة نظر من يقول بلزوم الفاتحة على كل مصلٍ، لكن إخراج المسبوق بحديث أبي بكرة ظاهر، ولذا المتوجه عندي قول الشافعي -رحمه الله تعالى-، نعم.
سم.
باب: ما جاء في التأمين خلف الإمام:
أحسن الله إليك:
قال الإمام يحيى -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في التأمين خلف الإمام:
عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)).
قال ابن شهاب: "وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((آمين)) ".
عن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)).
عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قال أحدكم: آمين، وقالت الملائكة في السماء: آمين، فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه)).
عن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(13/25)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في التأمين خلف الإمام" التأمين: مصدر أمن كالتكبير مصدر كبر، أي قال: آمين، ((فإنه من وافق تأمينه)) المراد به ما جاء في الخبر الذي يليه ((فإذا قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين، فإنه من وافق .. )) فالمراد بالتأمين قول: آمين، هذا المراد به ومثل هذا لا يختلف فيه، والنصوص تبينه وتوضحه، أي قال: آمين بالمد والتخفيف، في جميع الروايات: آمين، بمعنى: اللهم استجب، وفيها لغات القصر: آمين، وفيها أيضاً التشديد: آمِّين وهو مروي عن جعفر الصادق؛ لأنه فسرها بقاصدين إليك، قاصدين يعني آمين، قاصدين، آمين يعني قاصدين، لكن عامة أهل العلم على أنه بالمد والتخفيف، وإن قصره بعضهم، وأورد المفسرون شواهد على القصر، لكن التشديد لا شاهد له، لا شاهد له.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيِب" أو المسيَب؟ نعم، بالكسر؟ الأشهر المعروف الفتح مسيَب، لكن بعضهم يتورع خشية أن تصح الدعوة من هذا العبد الصالح الذي قال: "سيّب الله من سيب أبي"، "عن سعيد بن المسيِب -أو المسيَب- وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنهما أخبراه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أمن)) " إذا أمن، يقولون: بلغ موضع التأمين، بلغ موضع التأمين كما يقال: أنجد إذا بلغ نجداً، وإن لم يدخلها، أمن، هل المراد به ما قيل: أنه بلغ موضع التأمين؟ أو أنه إذا قال: آمين؟ ((إذا أمن الإمام فأمنوا)) هل ما يقال .. ، ما قاله الشراح: أمن بلغ موضع التأمين، كما يقال: أنجد إذا بلغ نجداً وإن لم يدخلها، أو إذا قال: آمين؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا قال أمين؟ نعم، الحديث الذي يليه: ((إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين)) ((إذا أمن الإمام فأمنوا)) هل معناه أنه إذا أمن وسكت انقطع صوته نقول: آمين؟ نعم، في التأمين، في التأمين فقط، إيش المانع من. . . . . . . . . يعني كلهم يقولون: آمين.
طالب:. . . . . . . . .(13/26)
لا إذا قلنا: إذا بلغ فأمنوا خلاص، وهذا أيضاً يريحنا من إشكال وهو ما إذا لو ترك الإمام التأمين، قال: ولا الضالين ولا أمن، هل نرتبط به؟ ويدخل هذا فلا تختلفوا عليه، ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه)) نعم، إذاً هي الإمام والمأموم سواء الجميع، بدليل ((إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين)) يعني مع الإمام؛ لأن الإمام سوف يقول هذا إذا فرغ من قوله: ولا الضالين، فكلامهم صحيح إذا بلغ موضع التأمين يعني سواءً أمن أو لم يؤمن؟ لأن التعقيب بالفاء هنا: ((إذا أمن فأمنوا)) كما في قوله: ((إذا كبر فكبروا)) معناه إذا فرغ من التكبير فكبروا، لكن ذكرنا مراراً أن الفعل الماضي يراد به أحياناً الفراغ من الشيء وهو الأصل، ويراد به الشروع في الشيء، ويراد به أيضاً إرادة الشيء، المقصود أن المعنى واضح، فإذا قال: ولا الضالين الحديث الثاني مفسر، فقولوا: آمين، يعني سواءً أمن الإمام، يعني من حقه أن .. ، أقول: الأصل فيه أن يؤمن، لكن لو فرضنا أنه ما أمن، نعم، فإننا نؤمن، الأمر الثاني: أن موافقته في هذا نعم، وإن جاء الخبر بصيغة الفاء التي تقتضي التعقيب، موافقته في التأمين لا تعني الاختلاف عليه.
طالب:. . . . . . . . .(13/27)
مع الإمام، معه؛ لأنه قال: وإذا قال: ولا الضالين فقولوا: آمين، يعني الإمام والمأموم سواءً، وهذا ظاهر في أن الإمام يؤمن، لا يأتي من يأتي ويقول: إنهم يقررون جواز التأمين، بل استحباب التأمين، وقيل: بوجوبه، كما فهم بعضهم، بعض المبتدئين من حديث: ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) أن الحائض تصلي، وأنكر على والدته ترك الصلاة في وقت الحيض، يعني يصل الجهل إلى هذا الحد، وبعض الناس يطالب بالاجتهاد من بداية الطلب، فمثل هذه الأمور ترد عليه، أنه في بداية الطلب في حكم العامي فرضه التقليد، ثم إذا تأهل فرضه الاجتهاد، ظاهر في أن الإمام يؤمن، وبه قال الجمهور، وعن مالك أن الإمام لا يؤمن، دليل مالك؟ الحديث دليل للجمهور، دليل مالك؟ الحديث الثاني، الحديث الثاني يقول: ((فإذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين)) يعني مثل ما حملنا النص الأول على الثاني نحمل الثاني على الأول، النصوص يفسر بعضها بعضاً.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لا هذا عند لو المسألة متقاربة نحتاج إلى مثل هذا الكلام، يعني لو المسألة في أدلتها متقاربة، يعني لو أن القولين من حيث الاستدلال متقاربان، احتجنا إلى مثل هذه الأمور، لكن المسألة البون شاسع، نص مجمل، ونص مفسر انتهى الإشكال، يعني إذا قال ترى نظير مسألة التسميع والتحميد، فإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: نعم، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وهذه ستأتي في نعم، في الرواية الأخيرة، إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، منهم من يرى أن الأمام يقول: سمع الله لمن حمده، ولا يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، ومنهم من يقول: الإمام يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، والمأموم لا يقول: إلا ربنا ولك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده، ومنهم من يقول: يجمع بينهما كل مصلِ، نعم، ((إذا أمن الإمام -هذا ظاهر في أن الإمام يؤمن- فأمنوا)) أي: قولوا: آمين، يعني إذا أمن الأمام قال: آمين ((فقولوا: آمين، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)).(13/28)
تأمين الملائكة في القول، وفي الهيئة، وفي الزمان، الموافقة موافقة المصلي للملائكة في هيئة القول والزمان، ولا يؤمن المأموم حتى ينقطع نفس الإمام من ولا الضالين، فإذا قال: ولا الضالين، انقطع نفسه اشترك مع الإمام في قول آمين، لو أن الإمام مد الضالين أكثر من المد المعتبر عند أهل العلم، على المأموم أيضاً أن ينتظر، على المأموم أن ينتظر حتى ينقطع نفسه، نعم هذه مخالفة من الإمام، لكن لا يرتب عليها مخالفة أخرى، ((غفر له ما تقدم من ذنبه)) يعني من الصغائر، كما في نظائره، الذنب: مفرد مضاف يفيد العموم، يفيد العموم، لكن هذا العموم مخصوص بما جاء في النصوص الأخرى، وأن مثل هذا محمول على الصغائر عند الجمهور، وإن قال بعضهم بشمول الكبائر، ((غفر له ما تقدم من ذنبه)) البخاري -رحمه الله تعالى- خرج الحديث في باب الجهر، جهر الإمام بالتأمين، وجمهور أهل العلم على الجهر بالتأمين خلافاً للكوفيين، ورواية أيضاً عن مالك أنه يسر مطلقاً، وجه الدلالة من الحديث على الجهر: ((إذا أمن فأمنوا)) فكيف يعلق تأمين المأموم على تأمين الإمام وهو لا يسمع تأمينه، التعليق على أمر خفي يكون؟ لا يكون، يعني هذا الأصل لو ترك لا نتابعه على هذا، كيف نجيب عن هذا؟ يقول: آمين، الأدلة على الجهر كثيرة، كان المسجد يرتج من جهرهم بالتأمين، أنت أشكل عليك أننا لو افترضنا أن الإمام ترك نعم، وأنه يمكن أن يعرف موضع التأمين من الفراغ من قوله: ولا الضالين، فلا يتم الاستدلال بهذا الحديث، أما قلنا: وجه الدلالة من الحديث أنه لو لم يكن التأمين مسموعاً للمأموم لم يعلم به، وقد علق تأمينه بتأمينه، تأمينه، علق تأمين المأموم بتأمين الإمام، ((إذا أمن فأمنوا)) يكون هذا هو الأصل، لكن لو خالف وتفسير الحديث إذا بلغ الموضع يستفاد منه فيما لو خالف، ترك، لكن الأصل أنه يؤمن، كما تقدم ((إذا أمن فأمنوا)) هذا الأصل، لكن لو ترك هل الحديث يربطنا بكلامه؟ ما يربطنا بكلامه، لو خالف هذا الأصل، الحديث مخرج عند البخاري عن عبد الله بن يوسف(13/29)
"قال ابن شهاب: "وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((آمين)) "، مرسل، لا شك أن التأمين ورفع الصوت به ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن صلى خلفه، والجهر بذلك ثابت ثبوتاً لا امتراء فيه، يعني قد يستروح من لا يرى التأمين، أو لا يجهر بالتأمين لئلا يلتبس بالقرآن؛ لأنه ليس من القرآن، يعني بعد الفاتحة من الفاتحة وإلا لا؟ ليس من الفاتحة، فهذا لئلا يلتبس بالقرآن ما ليس منه، ولا يشبه غير القرآن بالقرآن لا يجهر، أو لا يقوله أيضاً كما زعم بعضهم، لكن إذا ثبت هذا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو الأسوة والقدوة، وورد الحث عليه منه، من قبله -عليه الصلاة والسلام- فلا كلام لأحد، وهذه الخشية مجرد وسوسة.
الآن التأمين عرفنا أنه مشروع في الصلاة، لكن خارج الصلاة؟ إذا قرأ سورة الفاتحة، ويأتي في الحديث نعم الثالث: ((إذا قال أحدكم: آمين)) يعني سواءً في الصلاة أو في خارجها، فيستحب التأمين حتى خارج الصلاة عند الفراغ من الفاتحة.
يقول: "وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين)) " نعم إذا قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين، وفيه دليل على أنه يتفق الإمام والمأموم في وقت التأمين، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ نعم، ظاهر.
((فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)) فقولوا: آمين، فقولوا هذا إيش؟ أمر، والأمر الأصل فيه الوجوب، أوجبه الظاهرية، والجمهور على أنه سنة، والجمهور على أنه سنة، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(13/30)
لا، هو الموافقة تقتضي الموافقة في البداية والنهاية، نعم، المقصود إذا فرغ الإمام ومد المد المطلوب منه بقدر ما يقرره أهل التجويد، ما أدري كم يا شيخ عبد الله؟ كم يمدون آمين؟ ست مثل: الضالين، نعم، على كل حال الست هي المناسبة، الست مثل الضالين هي المناسبة، فإذا حرص على مثل هذا يوفق -إن شاء الله تعالى-، لأن هذه الأمور أمور غيبية لو فعل .. ، لو فعل شيئاً يقتضي حرمانه من هذا الوعد نعم، لا شك أنه سوف يغفل عن مثل هذه الأمور، ولا يحضره، لا يوفق لموافقتهم، أقول: لو فعل ما يقتضي حرمانه لن يوفق لموافقة الملائكة، وعلى الإنسان أن يحرص على أداء صلاته على الوجه المشروع.
الأصل في الأمر الوجوب ما الصارف؟ والجماهير يعني ولذلك الأئمة الأربعة كلهم على الاستحباب، والظاهرية قالوا: بالجوب؛ لأن الأصل في الأمر الوجوب، ها ما الصارف؟
طالب:. . . . . . . . .
حديث المسيء ما فيه؟ لا ما يعرف في حديث المسيء، ما أعرف أنا، هم يستدلون بحديث المسيء على عدمه، لكن لا يتم الاستدلال بمثل هذا؛ لأن حديث المسيء فيه واجبات كثيرة لم تذكر، وفيه أيضاً ما جاء بصيغة الأمر مما لم يوجبه أهل العلم لوجود الصارف، وإن كان حديث المسيء أصل في بيان الصلاة، نعم.
لا يلزم أن يكون الصارف نص، نعم، بل العلة، العلة تصرف عند أهل العلم، العلة تصرف عند أهل العلم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، لو فتح الباب وقلنا: السياق كل بيفهم على مذهبه، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(13/31)
ما هو في هذا الحديث، أنا أقول: يصرفون بالعلة، هم يصرفون بالعلة بلا شك، لكن الآن ما العلة في هذا؟ الأصل الوجوب في قراءة الفاتحة، لكن عندنا أمر مستقل، (فقولوا) مسائل كثيرة جداً ترى لو تتبعتم مسائل الفقه كثيرة جداً الأمر صريح، ولا يوقف على صارف، وعامة أهل العلم على الاستحباب، والظاهرية على الوجوب، كثير كثير، يعني لو استقرأت الفقه خرجت بمسائل كثيرة، يقول فيها الجمهور، يصرفون الأمر ولو لم نقف على صارف، وهذه مسألة ينبغي أن يعنى بها طالب العلم نعم؛ لأن لها نظائر كثيرة جداً، فهل اتفاق الأئمة الأربعة مع أتباعهم على أمر من الأمور وصرف النص من الوجوب كما هو أصله -الأصل فيه- إلى الاستحباب، ولو لم يوقف على صارف يكفي أن السواد الأعظم عليه، ولم يقل بالوجوب إلا أهل الظاهر، وأهل الظاهر الاعتداد بقولهم محل خلاف بين أهل العلم، الاعتداد بقول أهل الظاهر خلاف بين أهل العلم، وبعضهم بل كثير من أهل العلم يحكي الإجماع مع وجود خلاف الظاهرية، ولا يعتد بقول داود، كلام النووي: ولا يعتد بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، وكثير قالوا بهذا، فهل نقول: الصارف الاتفاق؟ والاتفاق لا يكفي أن يكون وحده صارفاً، بل يدل على وجود صارف ولو لم نطلع عليه، يعني الإشكال أن طالب العلم قد يقف على مثل هذه المسائل فيتهم نفسه في التقصير، التقصير في البحث عن وجود صارف، لكن إذا استفرغ وسعه، وبلغ الجهد في التتبع عن وجود صارف فلم يقف، وأهل العلم يقررون أن الأصل في الأمر الوجوب، ولو لم يكن في ذلك إلا قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [(63) سورة النور] نعم.
طالب:. . . . . . . . .(13/32)
إيه، لا، لبيان جواز الجهر، قلنا: مذهب مالك، روي عن مالك أنه يسر، الجهر لبيان جواز الجهر بغض النظر عن حكم المسألة، لا أنا أقول: هذه المسألة تحتاج إلى عناية من طالب العلم، كثيراً ما يمر بطالب العلم الأمر الصريح أو النهي الصريح فالجمهور يحملونه على الاستحباب أو على الكراهة، ويحمله الظاهرية على أصله، من الوجوب والتحريم، فهل نقول بالقاعدة العامة: الأصل الوجوب، إذاً واجب، ونخشى إذا قلنا بعدم الوجوب أن يفرط فيه فيقع المفرط في الوعيد الوارد في قوله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [(63) سورة النور] لا، إذا قلنا: بالوجوب يأثم، إذا قلنا: بعدم الوجوب لا يأثم، ((إذا أمن فأمنوا)) مع أنه -عليه الصلاة والسلام- واظب عليه، وقال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) ومع هذا فكثير مما واظب عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- محمول على الاستحباب عند عامة أهل العلم.
طالب:. . . . . . . . .
إذا وجد إجماع لا تبحث عن صارف أبداً، إذا وجد إجماع لا تبحث، ارتح بس، الإجماع حجة ضعيف قوي الإجماع حجة قاطعة بلا شك، يقدمه كثير من أهل العلم على النصوص، على نصوص الكتاب والسنة؛ لأنه لا يحتمل لا نسخ ولا تأويل، ليس معنى هذا أنا إذا أوردنا كلاماً هو المختار عندنا، لكن نبين قوة المسألة، ما هو بمعنى إنا إذا قلنا: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)) أن الضعيف هدم بالإجماع، ما هو بصحيح، الإجماع قائم لن ينهدم.(13/33)
نعود إلى أصل المسألة قلت: لها نظائر كثيرة في الفقه، وكان الإنسان يتهم نفسه في البحث عن الصارف لعله يوجد صارف لهؤلاء الأئمة، وهم أهل العلم والعمل مع أتباعهم نعم، أهل العلم والعمل، نأتي إلى طائفة مخالفة نعم، جاءت من خلال مذهبها بالمضحكات، وألزمت بلوازم لا يقول بها عاقل، ثم بعد ذلكم هذه وجهة نظر ما هي بإلزام، ونتبع المسألة أيضاً، ثم بعد ذلك نقول: الراجح مذهبهم، وعامة أهل العلم على خلافه، أئمة بأتباعهم، بمذاهبهم، برجالها، بكتبها التي حررت ونقحت ودرست سنين، فلعل الإنسان يتهم نفسه في البحث عن الصارف، أنا شخصياً سألت الشيخ ابن باز عن هذه المسألة بعينها، ما هي بمسألة التأمين، مسألة صرف الأئمة للأمر من الوجوب إلى الاستحباب ولم نقف على صارف، أو النهي من التحريم إلى الكراهة ويتفق على ذلك الأئمة الأربعة وأتباعهم، ويخالف الظاهرية قال: الراجح قول الظاهرية في مثل هذا، الشيخ عبد العزيز بن باز، هذا كلامه لي، وفي النفس من ذلك شيء، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
طيب ذكر ثواب الصلوات الخمس بعد إيش يصير؟ إذا ذكرت ثواب الصلوات الخمس، وحج الفريضة، والصيام يصرف عن الوجوب؟ هاه؟ لا هي المسألة مشكلة وتبقى قائمة، تبقى قائمة، إمام من الأئمة يستروح يشم لأنه خلاص أحاط بنصوص الشريعة، سبعمائة ألف حديث يحفظ، ومن العلم والدين والورع والعمل والخوف من الله -جل وعلا- بمكان لن يبلغ شأوه إلا من ندر، ويقول: لا، ليس بواجب، وإن كان الأصل أن الرجال يعرفون بالحق، والحق لا يعرف بالرجال، لكن الاتزان لا بد منه، ليس معنى هذا أننا نهدر أئمة الإسلام، لا، نعم إن كان مرد ذلك اتهام النفس -وهذا هو الواقع- أننا يمكن في صارف، احتمال في صارف، هل أحطنا ببحث المسألة من كل وجه، هل جمعنا كل ما ورد فيها من نصوص نعم؟ لا، الدين محفوظ وباقي، والأمة معصومة من أن تفرط بشيء من دينها، هذا أمر مفروغ منه، لكن يبقى أن المتحدث أو الذي يناقش المسألة هل أحاط بما فيها، ولذلكم مسألة الاجتهاد في جميع مسائل الدين لو قيل باستحالتها ما بعد، وإن كان الاجتهاد مفتوح، للإنسان أن يدرس مسألة ويجتهد فيها، ما أحد بيغلق الاجتهاد، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(13/34)
لا، إحنا يكفينا رواية واحدة فيها أمر، إذا ثبت هذا الأمر ولو برواية واحدة تقوم به الحجة، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
الظاهرية مذهبهم مطرد كل أمر للوجوب، وكل نهي للتحريم، ومبطل للعمل، لو تصلي وبأصبعك خاتم ذهب صلاتك باطلة؛ لأن هذا تناقض تتقرب بمحرم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، في أصل المسألة التي هي اختلاف الجمهور مع الظاهرية، لا، هو المسألة إيش هو؟ المسألة الاعتداد بقول الظاهرية، فإذا لم نعتد بقول الظاهرية صار المسألة إجماع وانتهى الإشكال.
ألا يكون الصارف في الصلاة السرية أن المأموم لا يسمع قول الإمام: ولا الضالين؟
قلنا: إن ذلك ليس بمرتبط بسماع قول الإمام، بل إذا بلغ مكانه ولو لم يؤمن الإمام أخطأ، ترك الإمام التأمين ما نؤمن؟ ترك الإمام رفع اليدين ما نرفع؟ نقول: هذا من ((لا تختلفوا عليه)) لا تختلف عليه فيما شُرع، فيما شرعه الشارع له ولك، نعم، لكن أنت أحياناً مأمور بمخالفته، في صور لا بد أن تخالفه، في أشياء، في أمور تخص الإمام، فقوله: ((لا تختلفوا عليه)) ليس على عمومه، مخصوص، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
هذا الكلام أننا نقول: إن الإنسان يتهم نفسه في الاستقراء والتتبع، نعم، يمكن أنه موجود صارف بكتب .. ، في الكتب اللي ما بحثنا فيها، كم كتاب، والله المستعان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو يبقى أن من استقرئ نعم استقرئ وبحث وما وجد يعمل بما يدين الله به، يعمل بما يدين الله، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
المأموم منهي عن القراءة خلف الإمام، ((ما لي أنازع القرآن)) ثم أمر بعد ذلك، هو منهي عن القراءة، ثم أمر بعد ذلك أن يقول: آمين، بعد ذلك الحضر، وجمع من أهل العلم يطلقون: أن الأمر بعد الحضر للإباحة، نعم، والصواب أن الأمر بعد الحضر يعيد الأمر إلى ما كان عليه قبل الحضر، مثل: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} [(2) سورة المائدة] و {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا} [(10) سورة الجمعة] إلى غير ذلك من النصوص.
طالب:. . . . . . . . .
يبقى استحباب إيه، خارج الصلاة استحباب.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، إحنا ننظر إلى التأمين قبل هذا الحضر، إلى التأمين قبل ...(13/35)
طالب:. . . . . . . . .
التأمين وغير التأمين والإمام يجهر ما يجوز تجهر صح وإلا لا؟ استثني ...
طالب:. . . . . . . . .
يا أخي حتى الاستفتاح تستفتح والإمام يجهر بالقراءة؟ الإمام يجهر، نعم الإمام يجهر تجهر بالاستفتاح، الإمام يجهر بآمين اجهر بآمين، قل: آمين، فأنت بعد هذا النهي كله تقول: آمين، يعني ما هي في الوضوح مثل {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} [(2) سورة المائدة] لكن لها وجه، لها وجه، لكن إذا اجتمعوا الأربعة كلهم بأتباعهم إيش تقول؟ أما واحد ما يكفي، أنا أقول: لو وافق الظاهرية لو الحنفية أو المالكية أو الشافعية ما عندنا أدنى تردد في ترجيحه، هذا منتهي، لو خالف الثلاثة، لكن الأربعة كلهم بأتباعهم يرون هذا الرأي ولم يقل به إلا الظاهرية؟ يعني افترض أنه قال: سفيان -مثلاً- وهو إمام متبوع مع الظاهرية اختلف الوضع، إمام متبوع ومعترف و ... ، ما نقول مثل ما نقول في الظاهرية؛ لأن الخلاف في الظاهرية والاعتداد بقولهم معروف عند أهل العلم بخلاف ما لو كان إمام معتبر.
طالب:. . . . . . . . .(13/36)
كيف؟ إحنا معتبرين للنص، لكن أنت بحثت في جميع الكتب ما وجدت صارف؟ يا أخي مسألة اتهام نفس عندنا، ولا هي بمسألة محسومة الآن، المسألة بحث وعلم الآن، أنت بتقول: آمين إذا صرت وراء الإمام وإلا ما أنت بقائل؟ تبي تقول -إن شاء الله- سواءً سنة وإلا واجبة، وليست محسومة، لكن نقرر أصل مسألة عظمى كبرى، بغض النظر عن التأمين، هذا مصدره اتهام النفس، مثلما قال أبو ثور، نعم، لو قال أحد برجم الزاني المحصن من الأرقاء لقلت به، لكن ما قال به أحد، مسألة الاعتداد بالظاهرية مسألة بحثناها وطرقناها كثيراً، وعلة من لا يرى الاعتداد بقولهم أنهم لا يرون القياس، نعم المسألة تحتاج إلى توسط في الأمر، يعني إذا كان عمدة المسألة نصوص من الكتاب والسنة فالظاهرية من أولى من يعتد بقولهم؛ لأنهم ممن يعنى بالنصوص، ويحترم النصوص، ويقدم النصوص، وما دعاهم إلى مذهبهم الذي قالوا به إلا حرصهم على النصوص، وإذا كانت المسألة عمدتها أقيسة وآراء وجوده مثل عدمه، لكن أنت تبي تتجرد عن جميع أهل العلم وتنظر في النصوص فقط؟ وإلا تبي تفهم النصوص بخلاف فهم من سبق؟ لا بد أن يكون لك سلف في هذا القول، من صحابة من تابعين، أما تأتي بعد أربعة عشر قرناً وتحدث قول ما قال به أحد غيرك، نعم، لو اختلفوا ما في إجماع، لو اختلفوا كل واحد عنده قول، وأنت جبت القول الخامس، إيش تسوي؟ يعني تأتي بقول .. ، بفهم نعم لم يقل به أحد من أهل العلم، لا شك أن العمدة النصوص، ولا يختلف في هذا لا حنفي ولا مالكي ولا .. كلهم يقولون هذا، العمدة النصوص، لكن هذه النصوص هل يستقل الإنسان في العصور المتأخرة نعم، بفهم من غير ما فهمه سلف الأمة أو لا يستقل هذا الكلام؟ وإلا الأصل النصوص، ما عندنا إشكال، ولا نختلف في هذا -إن شاء الله-.(13/37)
يقول: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قال أحدكم: آمين)) "، ((إذا قال أحدكم -غير مرتبط بالصلاة- وقالت الملائكة: آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه)) فيه دليل على مشروعية التأمين للمصلي وغيره ممن يقرأ الفاتحة، واستدل به بعضهم على أن الملائكة أفضل من الآدميين، كلام بعض الإخوة في المسألة، نعم، التعليل ((فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له)) ((فقولوا: آمين)) نعم، كأن هذا الأمر للتحريض على هذا الأجر المرتب عليه، كأن هذا الأمر للتحريض لا لذات أمين، والأئمة يصرفون بأقل من هذا.
((إذا قال أحدكم)) فيه دليل على مشروعية التأمين للمصلي وغيره ممن يقرأ الفاتحة، استدل به بعضهم على أن الملائكة أفضل من الآدميين، هاه؟ وجه الاستدلال؟ إذا وافق تأمينه تأمين بشر لم يغفر له، دليل أفضلية، الدليل على أن الملائكة دعوتهم مستجابة، حاجة الآدميين للملائكة، النصوص التي تعضد هذا كثيرة، يعني ((ولك بمثله)) قول الملك: ((ولك بمثله)) نظير هذا {إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ} [(20) سورة الأعراف] دل على أنه يتطلع إلى مرتبة أعلى، إلى مرتبة الملائكة، نعم، على كل حال المفاضلة بين الآدميين، لا شك أن الرسل المرجح أنهم أفضل من الملائكة، وأما آحاد الناس فالمسألة خلافية.
((غفر له ما تقدم من ذنبه)) يعني لا ما تأخر، لا ما تأخر، وإن كان بعض الخصال تكفر ما تقدم وما تأخر، نعم، الحافظ ابن حجر له رسالة جمع فيها الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، نحرص على مثل هذه الأعمال التي فيها مغفرة الذنوب، والله المستعان.(13/38)
يقول: "وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر -بن عبد الرحمن بن الحارث- عن أبي صالح السمان -ذكوان- عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد))، ((فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد)) " وعرفنا الصيغ الواردة في هذا: (اللهم ربنا ولك الحمد) الجمع بين اللهم والواو، (اللهم ربنا لك الحمد) كما هنا، (ربنا ولك الحمد) بالواو دون اللهم، (ربنا لك الحمد) بدونهما، استدل بهذا الحديث على أن الإمام لا يقول: نعم، لا يقول: ربنا ولك الحمد، والمأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، أما من استدل به على أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده فظاهر، وأما العكس فليس بظاهر، وجه ظهور كون المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، ((فإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد)) نعم العطف بالفاء التي تقتضي التعقيب؛ لأنها تقتضي أن يقول المأموم: ربنا ولك الحمد عقب قول الإمام مباشرة إذاً فمتى يقول: سمع الله لمن حمده؟ هل نقول: يوافق الإمام مثل ما وافقه في آمين؟ على كل حال مذهب الشافعية أن سمع الله لمن حمده يقولها كل مصلٍ، لأنه ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقولها وواظب عليها، وقال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وهو الأصل، وهو القدوة، والمذاهب الأخرى يرون أن هذا مما يختص به الإمام، لكن هل في الحديث ما يشير إلى أن الإمام لا يقول: ربنا ولك الحمد بعد قوله: سمع الله لمن حمده؟ فيه؟ ما فيه، ما في ما يدل على ذلك، ليس فيه ما ينفي قول الإمام: اللهم ربنا ولك الحمد، إنما نفي قول المأموم: سمع الله لمن حمده ظاهر.
((فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)) كما تقدم، فإنه من وافق قوله قول الملائكة، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، والله المستعان، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
حتى لو في خارج الصلاة يلزمه أن يجهر؟ يقول: آمين سراً، ولن يخفى على الملائكة؛ لأنهم يكتبون أعمال القلوب، نعم، الملائكة يكتبون أعمال القلوب، نعم، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.(13/39)
الموطأ - كتاب الصلاة (4)
شرح: باب: العمل في الجلوس في الصلاة، وباب: التشهد في الصلاة، وباب: ما يفعل من رفع رأسه قبل الإمام؟ وباب: ما يفعل من سلم من ركعتين ساهياً؟ وباب: إتمام المصلي ما ذكر إذا شك في صلاته
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سم.
باب: العمل في الجلوس في الصلاة:
أحسن الله إليك:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم وفق شيخنا لما تحب وترضى.
باب: العمل في الجلوس في الصلاة:
عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن المعاوي أنه قال: "رآني عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- وأنا أعبث بالحصباء في الصلاة، فلما انصرفت نهاني، وقال: اصنع كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع، فقلت: وكيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع؟ قال: كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى، وقال: هكذا كان يفعل".
عن مالك عن عبد الله بن دينار أنه سمع عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- وصلى إلى جنبه رجل، فلما جلس الرجل في أربع تربع وثنى رجليه، فلما انصرف عبد الله عاب ذلك عليه، فقال الرجل: فإنك تفعل ذلك فقال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "فإني أشتكي".
عن مالك عن صدقة بن يسار عن المغيرة بن حكيم أنه رأى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يرجع في سجدتين في الصلاة على صدور قدميه، فلما انصرف ذكر له ذلك، فقال: إنها ليست سنة الصلاة، وإنما أفعل هذا من أجل أني أشتكي.(14/1)
عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن عبد الله بن عبد الله بن عمر أنه أخبره أنه كان يرى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يتربع في الصلاة إذا جلس قال: ففعلته وأنا يومئذ حديث السن فنهاني عبد الله وقال: "إنما سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى، وتثني رجلك اليسرى، فقلت له: فإنك تفعل ذلك، فقال: إن رجلي لا تحملاني".
عن مالك عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس في التشهد فنصب رجله اليمنى، وثنى رجله اليسرى، وجلس على وركه الأيسر، ولم يجلس على قدمه، ثم قال: أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر، وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك.
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: العمل في الجلوس في الصلاة" والجلوس يشمل الجلسة بين السجدتين وللتشهد الأول والثاني، "حدثني يحيى عن مالك عن مسلم بن أبي مريم -يسار المدني الأنصاري، ومولى الأنصار- عن علي بن عبد الرحمن المعاوي -نسبة إلى بني معاوية، بطن من الأنصار- أنه قال: "رآني عبد الله بن عمر وأنا أعبث بالحصباء في الصلاة" الحصباء: صغار الحصى، "وأنا أعبث" العبث هذا في الصلاة، لكن ماذا عن العبث خارج الصلاة؟ حكم العبث خارج الصلاة؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، الآن نناقش كلمة العبث، العبث وهو فعل ما لا فائدة فيه هذا العبث، العبث اليسير، العبث اليسير الذي لا يعوق عن تحصيل مصلحة دين ولا دنيا فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذلك تجدون أحياناً واحد يعبث بشماغه بقلمه بالمفاتيح بكذا، نعم، إذا كان شيء يسير فهو معفو عنه، ولا إشكال فيه.
"وأنا أعبث بالحصباء" صغار الحصى "في الصلاة" عثمان -رضي الله عنه- كان يعبث بالخاتم، يدخله ويخرجه وهكذا، لكن ويش اللي ترتب عليه؟ أنه وقع في البئر، بحثوا عنه فلم يجدوه، فساءت الأحوال بعد ذلك، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.(14/2)
"وأنا أعبث بالحصباء في الصلاة" وإلا فالأصل. . . . . . . . . أمور يسيرة،. . . . . . . . .، "وأنا أعبث بالحصباء في الصلاة، فلما انصرفت نهاني" لأن العبث ينافي الخشوع، العبث ينافي الخشوع، والإقبال على الصلاة، وإذا زاد هذا العبث يبطل الصلاة؛ لأنه ينافي مقتضاها "فلما انصرفت نهاني، وقال: اصنع كما يصنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، يعني أشغل يديك بما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصنع "اصنع كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع، فقلت: وكيف كان يصنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار .. " القبض مقتضاه هكذا، يقبض الأصابع كلها ما عدا السبابة، وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام، هذا مقتضى القبض، لكن مقتضى قوله: وعقد ثلاثاً وخمسين، من يصور لنا ثلاث وخمسين؟ اليمنى تحسب عشرات، والعقد؟ على كل حال الحساب بهذه الطريقة مهجور، ولا .. ، لو عرفنا الثلاثة والخمسين ما عرفنا المائة، ولا عرفنا غيرها من الأرقام، لكن الحديث الذي عندنا مفسر.
يقول: ما حكم من إذا رن جواله في الصلاة وأخرجه ونظر فيه ثم أرجعه إلى مكانه؟ هل هذا عبث معفو عنه أم لا؟
أما إغلاقه فهذا معفو عنه؛ لأنه يحقق مصلحة أعظم، أما يطلع الجوال وينظر من اتصل عليه، هذا موجود عند بعض الناس، هذا انصراف عن الصلاة، خطر على الصلاة.(14/3)
يقول: "فلما انصرفت رآني وقال: أصنع كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع، فقلت: وكيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع؟ قال: إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام" يعني السبابة، على كل حال فعله -عليه الصلاة والسلام- أثناء التشهد لم يأتِ على صفة واحدة، والاختلاف الوارد في ذلك اختلاف تنوع، على أن يفعل هذا مرة وهذا مرة وكله صحيح، "ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى، وقال: هكذا كان يفعل"، "بأصبعه التي تلي الإبهام" زاد سفيان بن عيينة عن مسلم الإشارة: "وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام" الإشارة معروف أن المراد بها رفعها فقط أو تحريكها؟ زاد: "وهي مذبة الشيطان" يعني هل تذب الشيطان وهي ثابتة مرفوعة؟ أو لا بد من تحريكها؟ "لا يسهو أحدكم ما دام يشير بأصبعه" هذه الزيادة عند عبد الرزاق في مصنفه، وعن ابن عمر رفع أصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها، قال العلماء: إن المراد بالإشارة هنا الإشارة إلى التوحيد، فعندنا إشارة إلى التوحيد، وعندنا الدعاء بها، وبعد نهاية أحاديث الباب يتقرر الأمر -إن شاء الله تعالى-، فعلى هذا العمل اليسير في الصلاة لا يفسدها، ولذا لم يأمره ابن عمر بالإعادة.(14/4)
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار أنه سمع عبد الله بن عمر وصلى إلى جنبه رجل، فلما جلس الرجل في أربع تربع وثنى رجليه" يقول الباجي: التربع ضربان: أحدهما أن يخالف بين رجليه فيضع رجله اليمنى تحت ركبته اليسرى، ورجله اليسرى تحت ركبته اليمنى، وهذا معروف، والثاني: أن يتربع ويثني رجليه بجانب واحد، فتكون رجله اليسرى تحت فخذه، وساقه اليمنى يقول: تحت فخذه وساقه اليمنى، ويثني رجله اليمنى فتكون عند أليته اليمنى، ويشبه أن تكون هي .. ، هذه الصورة هي التي عابها ابن عمر، كيف تصور الثانية؟ نعيد الوصف، الثاني: أن يتربع ويثني رجله أو رجليه بجانب واحد، فتكون رجله اليسرى تحت فخذه وساقه اليمنى، ويشبه أن تكون هذه هي التي عابها، هذا كلام الباجي، على كل حال التربع "ثنى رجليه" واضح، خلونا على الصورة الأولى، ما لازم .. ، على الصورة المفهومة؛ لأن التربع معروف حتى في الخلاف بين أهل العلم في التربع وعدمه في صلاة الجالس، وما اختلفوا في كيفيته، فخلونا على التربع المعروف اللي انتوا مسوينه الآن.(14/5)
"تربع وثنى رجليه، فلما انصرف عبد الله" لكن فائدة الإتيان بثنى رجليه أنه تربع يكفي، يعني تصريح بما هو مجرد توضيح أو له فائدة قوله: ثنى رجليه؟ هذا كلام الباجي جاء في الحاشية، "فلما انصرف عبد الله عاب ذلك عليه" لأن التربع خلاف ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- في جلوس الصلاة، سواءً كان بين السجدتين أو في التشهد "عاب ذلك عليه، فقال الرجل: فإنك تفعل ذلك يا ابن عمر" أنت تسويه، أنت تربعت، تصلي متربع "فقال عبد الله -بن عمر-: "فإني أشتكي" مع أنه ليس بمطرد، قد بعض الناس إذا صار يشتكي قد لا يتسر له أن يتربع التربع الأول، يمكن هذا الجليس الذي بجنب ابن عمر هذا قلد ابن عمر في جلسته، صحابي مؤتسي قال: نقلده، قال: "فإني أشتكي" ولذا ليحرص طالب العلم على تطبيق السنة؛ لأنه ما هو بمقصود الشخص نفسه الآن، الشخص مأمور بالاقتداء، لكن من يقتدي به أيضاً، ويضل بسببه، فالإنسان .. ، نشوف بعض الإخوان وإن كانوا كبار يعني محسوبين على أهل العلم لا يحرصون على تطبيق السنة، موجود هذا، لا يحرصون على تطبيق السنن، وعامة الناس وراءهم، لكن لو حرص الجميع على تطبيق السنة، من علماء وطلاب علم، بل وجد من بعض العوام من ينكر السنن بسبب صنيع بعض أهل العلم.
"فإني أشتكي" قال الباجي: لأنه كان فدع بخيبر فلم تعد رجلاه إلى ما كانت عليه، فدع بخيبر فلم تعد رجلاه إلى ما كانت عليه، ولا يمنع أن تكون رجليه .. ، على كل حال الرجل معيبة، الرجل معيبة، أنا وجدت شخص يتورك إلى الجهة الأخرى، قلت: يا أخي السنة التورك إلى الجهة هذه، قال: والله صار علي حادث صرت ما أقدر أثني رجلي هذه، هذا ممكن، إذا صارت الرجل معيبة لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لكن إذا كان ممن يقتدى به عليه أن يبين، نعم، إذا كان ممن يقتدى به عليه أن يبين.(14/6)
"وحدثني عن مالك عن صدقة بن يسار -الجزري نزيل مكة- عن المغيرة بن حكيم -الصنعاني- أنه رأى عبد الله بن عمر يرجع في سجدتين في الصلاة على صدور قدميه" يرجع في سجدتين في الصلاة على صدور قدميه "فلما انصرف" يعني فرغ من صلاته "ذكر له ذلك، فقال ابن عمر: إنها ليست سنة الصلاة -إنها ليست سنة الصلاة- وإنما أفعل هذا من أجل أني أشتكي" فلا أقدر على فعل السنة للعذر، كيف يرجع في سجدتين؟ في سجدتين في الصلاة على صدور قدميه؟ إيش معنى على صدور قدميه؟ نعم على أطراف الأصابع، "في سجدتين" ما المراد به؟ اللي هي الاستراحة، اللي يسمونها الاستراحة، يعني بعد أن يفرغ من سجدتيه في غير موضع الجلوس، على شان نطبقها على جلسة الاستراحة؛ لأن سجدتين بعد الثانية التشهد الأول، سجدتين بعد الرابعة التشهد الثاني، لكن سجدتين بعد الركعة الأولى أو بعد الثالثة فهذه الاستراحة، اللي يسمونها الاستراحة، وهي ليست استراحة هي زيادة مشقة، وتأتي -إن شاء الله-، يأتي ذكرها في صفة الصلاة.
"يرجع في سجدتين في الصلاة على صدور قدميه" يعني الذي قال عنه ابن عباس: هو الإقعاء، الذي قال عنه ابن عباس: إنه سنة، قال: سنة ابن عباس في صحيح مسلم "فلما انصرف -فرغ من صلاته- ذكر له ذلك، فقال ابن عمر: إنها ليست سنة الصلاة" وإنما السنة كما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- في حديث أبي حميد، وغيره من الافتراش والتورك.
وعلى كلام الإخوان غالبهم وهو الظاهر بعد الأولى والثالثة، تكون هي ما تسمى بالاستراحة لكنه ما يفترش؛ لأنه لا يستطيع "فقال: إنها ليست سنة الصلاة، وإنما أفعل هذا من أجل أني أشتكي" فلا أقدر على فعل السنة للعذر، ومثله لو بين السجدتين، يعني الجلوس الخفيف، الجلوس الخفيف على شان يشمل كل ما قيل، ممكن، وأنتم ترون الذي لا يستطيع الذي في رجليه عيب يجلس على أي حال في الجلوس الخفيف، لكن إذا أراد أن يجلس جلسة التشهد تورك، لا أقول: تورك، ضبط أموره، يعني صار بيطول، فجلسته للجلوس الخفيف تختلف عن جلسته للجلوس الطويل.
طالب:. . . . . . . . .(14/7)
نعم بلا شك، تجده إذا كان لا يستطيع أن يثني رجليه يمدها، لكن بين السجدتين ما يمد رجليه؛ لأنه خفيف، أما في التشهد إذا كان لا يستطيع أن يثني رجليه يمدها، الكلام على الإقعاء يعني الجلوس على صدور القدمين، الذي قال عنه ابن عباس: إنه سنة، ينكره ابن عمر، وأنكره جمع من أهل العلم، نزّلوا الإقعاء عليه، والخلاف في هذه المسألة معروف، "وإنما أفعل هذا من أجل أني أشتكي".
"وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم" بن محمد بن أبي بكر، إن وضع الأصبع والتحريك وعدم التحريك وردت فيه أحاديث كثيرة، فلو حضر أحد الإخوان بحث يجمع أطراف ما كتب، ونقرأه غداً -إن شاء الله- ونناقشه طيب، مسألة الأصبع وكيف وضعها؟ هل تثنى؟ هل تحرك؟ هل .. ؟ متى تحرك؟ أو لا تحرك أبداً إلا في التشهد؟ قيل بكل هذا، وجاءت نصوص تدل على هذا وهذا.
قال: "وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم -بن محمد بن أبي بكر- عن عبد الله بن عبد الله بن عمر -بن الخطاب- أنه أخبره أنه كان يرى عبد الله بن عمر يتربع في الصلاة" يعني إذا جلس للتشهد، "قال: ففعلته -أي التربع- وأنا يومئذٍ حديث السن -صغير اقتداءً به- فنهاني عنه عبد الله -يعني أباه- وقال: إنما سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى، وتثني رجلك اليسرى، فقلت له: فإنك تفعل ذلك؟ فقال: إن رجلي لا تحملاني" أن تنصب رجلك اليمنى، وتثني رجلك اليسرى، وهذا شامل للافتراش والتورك، اليمني منصوبة واليسرى مثنية، لكن هل تكون تحت الإلية أو تحت ساق الرجل اليمنى؟ لم يتعرض لذلك فهو محتمل للتورك، نعم ومحتمل للافتراش، إلا أن الرواية اللاحقة: "وجلس على وركه الأيسر" نعم دليل على أنه يتورك "إنما سنة الصلاة" قول الصحابي: "سنة أو من السنة" لا شك أنه في حكم المرفوع، ولو قاله -كما هنا- بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- بأعصر، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-:
قول الصحابي: من السنة أو ... نحو أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصرِ ... على الصحيح وهو قول الأكثرِ(14/8)
هو اللي يخشى الآن السليم قد لا يستطيع تطبيق الصورة الثانية، لكن المعيب قد يستطيع، إذا كان عيبه على الجهة التي لا يستطيعها السليم، صح وإلا لا؟ يعني قد يكون العيب في الرجل أثر كسر وإلا شيء صار يسهل عليه ما لا يستطيعه السليم، ولا يستطيع ما يستطيعه السليم، ممكن هذا، هذا ممكن، نعم ممكن وإلا غير ممكن؟ لأن المعيب قد يفعل شيء لا يستطيعه السليم؛ لأن الرجل خلاص توجهت حيث وجهها العيب "فقال: إن رجلي لا تحملاني" بتشديد النون، ويجوز التخفيف، ورجلي كذا للأكثر، وفي رواية حكاها ابن التين في شرح البخاري: "أن رجلاي" بالألف، وهذا جارٍ على لغة من يلزم المثنى الألف.
قال ابن عبد البر: اختلفوا في التربع في النافلة وفي الفريضة للمريض، فأما الصحيح فلا يجوز له التربع بإجماع العلماء، قال الزرقاني: ولعله أراد بنفي الجواز الكراهة، يعني في موضع التشهد الأول، رجل سليم في الفريضة بدلاً من أن يفترش تربع يأثم وإلا ما يأثم؟ يعني هل يجب عليه أن يفترش؟ النبي -صلى الله عليه وسلم- افترش، لكن ما أمر به، نعم، يعني مخالفة السنة، فيها أمر، هنا يقول: لعله أراد بنفي الجواز الكراهة، نعم لا يجوز بالإجماع أن يفعل هذا لمخالفة السنة، لكن هل معنى لا يجوز يحرم أو يكره؟ اللفظ يسع الجميع نعم؛ لأن قول: لا يجوز يعني لا يباح، فهل المقابل لرفع الإباحة يعني هل الإباحة والتحريم من باب النقيض أو من باب الضد؟ الإباحة مع التحريم، يعني ما في ثالث؟ نعم، ما في ثالث؟ إذا كان في ثالث فهي ضد وليست بنقيض؛ لأن النقيضين لا يرتفعان ولا يجتمعان، والضدان لا يجتمعان لكن قد يرتفعان، يحل محلهما شيء ثالث.(14/9)
"وحدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس في التشهد فنصب رجله اليمنى، وثنى رجله اليسرى، وجلس على وركه الأيسر" هذا إيش؟ التورك "ولم يجلس على قدمه، ثم قال: أراني هذا -الجلوس- عبد الله بن عبد الله بن عمر، وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك"، يتورك ابن عمر، نعم، يتورك ابن عمر، وبعد العيب يتورك، يتورك بعد العيب؛ لأن العيب حصل بخيبر، وابنه عبد الله ما أدرك خيبر، بل بعدها بأزمان، يعني هل يحتمل أن الذي به من المرض ما يشبه الرومتزم مثلاً يشتد ويزول أحياناً؟ أو هو من باب تصلب العظام، وتشدد الأعصاب بحيث لا يستطيع مطلقاً؟ إيه لأن هنا استطاع وعبد الله ابنه بعد القصة بأزمان "وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك" والسند ما فيه أدنى إشكال.
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . يتورك بعد الكبر؟ إيه لكن .. ، إيش الآن هذا متأخر، هذا متأخر بلا شك، والألم الذي بكونه يشتكي من آثار خيبر، لكن على كل حال مسألة التورك الحجة فيها حديث أبي حميد، التورك المنسوب لابن عمر هنا ما فيه إشكال سنده صحيح مثل الشمس، نعم هو موافق لما جاء في حديث أبي حميد الساعدي وفيه التورك، أخرجه البخاري بعد خبر ابن عمر السابق، ابن عمر حديث ابن عمر الذي فيه عدم بيان الجلوس، هل هو تورك أو افتراش؟ أردفه البخاري -رحمه الله تعالى- بحديث أبي حميد، نعم.
باب: التشهد في الصلاة:
أحسن الله إليك:
قال الإمام يحيى -رحمه الله تعالى-: باب: التشهد في الصلاة:
عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه سمع عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- وهو على المنبر يعلم الناس التشهد يقول: قولوا: التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله".(14/10)
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يتشهد فيقول: بسم الله، التحيات لله، الصلوات لله، الزاكيات لله، السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، شهدت أن لا إله إلا الله، شهدت أن محمداً رسول الله، يقول هذا في الركعتين الأوليين، ويدعو إذا قضى تشهده بما بدا له، فإذا جلس في آخر صلاته تشهد كذلك أيضاً، إلا أنه يقدم التشهد، ثم يدعو بما بدا له، فإذا قضى تشهده وأراد أن يسلم قال: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم عن يمينه، ثم يرد على الإمام، فإن سلم عليه أحد عن يساره رد عليه.
عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- -رضي الله تعالى عنها- أنها كانت تقول إذا تشهدت: "التحيات، الطيبات، الصلوات، الزاكيات لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم".
عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد أنه أخبره أن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تقول إذا تشهدت: "التحيات، الطيبات، الصلوات، الزاكيات لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم".
عن مالك أنه سأل ابن شهاب ونافعاً مولى ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- عن رجل دخل مع الإمام في الصلاة، وقد سبقه الإمام بركعة أيتشهد معه في الركعتين والأربع وإن كان ذلك له وتراً؟ فقالا: ليتشهد معه، قال مالك -رحمه الله-: وهو الأمر عندنا.
في هذا الباب ذكر الإمام مالك -رحمه الله تعالى- تشهد عمر وابن عمر وعائشة واقتصر على ذلك، ولم يذكر تشهد ابن مسعود، ولا تشهد أبي موسى، ولا ما يروى عن جابر في الباب مما اعتمده جمع من أهل العلم.(14/11)
قال -رحمه الله-: "باب: التشهد في الصلاة" التشهد: تفعل من تشهد، تشهد تشهداً تكلم تكلماً، مصدر لاشتماله على النطق بشهادة الحق، فيه أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، تغليباً لها على بقية أذكاره لشرفها، يعني التشهد فيه تحميد وتمجيد وأذكار وأدعية، لكن غُلبت شهادة الحق لشرفها.
وأما حكمه: فلم يوجبه مالك ولا أبو حنيفة، بل قال مالك: إنه سنة، وأوجبه أحمد وجماعة في الجلوسين، يعني هناك انفكاك بين التشهد وبين الجلوس للتشهد، الجلوس للتشهد لا يختلفون فيه، نعم لكن ذكره على خلاف بينهم في الأول، ذكره هو المختلف فيه هل هو واجب أو سنة؟ لم يوجبه مالك ولا أبو حنيفة كغيره من الأذكار، غير الفاتحة كما تقدم عندهم والتسبيح والتحميد وغيره كلها سنة، وأوجبه أحمد؛ لأنه يوجب كثير من الأذكار، وجماعة في الجلوسين معاً، وأوجبه الشافعي في الآخر دون الأول، وروى أبو مصعب عن مالك القول الذي ذكرناه عن مالك هو المشهور من مذهبه، رواه أبو مصعب عن مالك: من تركه بطلت صلاته، من تركه بطلت صلاته.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك" ولا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- داوم عليه، وسجد لتركه مع الجلوس له، فدل على أنه مؤكد، إن لم يكن .. ، واجب نعم بلا شك؛ لأنه جبره بسجود، قد يقول قائل: إن السجود -كما سيأتي- للجلوس له لا له، على كل حال المسألة خلافية، ووجوبه هو الظاهر.(14/12)
"حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري" نسبة إلى القارة بطن من خزيمة بن مدركة "أنه سمع عمر بن الخطاب وهو على المنبر يعلم الناس التشهد" وهو موقوف عليه، لكن له حكم الرفع، وإسناده صحيح إلى عمر، ويعلمه الناس على المنبر، وبهذا رجحه بعض العلماء، نعم رجحه مالك؛ لأن عمر كان يعلمه الناس على المنبر، كما قيل نظيره في دعاء الاستفتاح "يعلم الناس التشهد يقول: قولوا: التحيات" جمع تحية، والتحية السلام، أو السلامة من الآفات والنقائص "الزاكيات لله" هي الأعمال الصالحة لا بد أن تكون خالصة لله -عز وجل- "الطيبات" ما طاب من القول والفعل، "الصلوات" الخمس، أو جميع الصلوات، خالصة "لله -عز وجل -" لا بد أن تكون كذلك "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" السلام هنا، السلامة، السلام عليك أو التحية، التحية عليك أيها النبي، وهو خطاب للبشر عليك، وهو خطاب أيضاً لغائب، بل هو خطاب لميت، وهو مخصوص بذلك، يعني يستمر، يعني كان الخطاب في حياته -عليه الصلاة والسلام- ثم يستمر بعد ذلك من غير تغيير؛ لأنه متعبد بلفظه، متعبد بلفظه، لا يجوز أن تقول: السلام على رسول الله، إنما تأتي باللفظ الثابت، ولا تقول: السلام على سيدنا رسول الله؛ لأنه متعبد به، وإن كان سيد ولد آدم -عليه الصلاة والسلام-.
"السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" القائمين بحقوق الله وحقوق عباده "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" أقر وأعترف وأجزم بأنه لا إله إلا الله، لا معبود بحق إلا الله -عز وجل-، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، محمد عبد لله لا يصرف له شيء من حقوق الله -جل وعلا-، ورسول منه، مرسل إلى جميع الثقلين الجن والإنس، ثم بعد هذا ذكر حديث تشهد ابن عمر.(14/13)
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتشهد فيقول: بسم الله، التحيات لله، الصلوات لله، الزاكيات لله" يعني كما تقدم في حديث أبيه، السلام على النبي "السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، شهدت أن لا إله إلا الله، شهدت أن محمداً رسول الله، يقول هذا في الركعتين الأوليين ويدعو" يدعو بما أحب إذا فرغ من تشهده هذا "بما بدا له".
"مالك عن نافع أن ابن عمر" السند صحيح لا إشكال فيه "ويدعو إذا قضى تشهده بما ... ، فإذا جلس في آخر صلاته" يعني في التشهد الأخير "تشهد كذلك" باللفظ المذكور، إلا أنه يقدم التشهد، إلا أنه يقدم التشهد، كيف يقدم التشهد؟ يقول: شهدت قبل قوله: التحيات لله؟ هذا مقتضى اللفظ؟ طيب والأول؟ "ويدعو إذا قضى تشهده" إذاً ما في فرق، نعم إذا قلنا بهذا أنه يقدم التشهد على الدعاء صار ما في فرق بين التشهد الأول والثاني "فإذا قضى تشهده وأراد أن يسلم قال: السلام على النبي" نعم هذا الفرق، يعني تأخير السلام على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الأخير "السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم" يعني لو أن شخصاً اعتاد تشهد معين مثلما اعتدنا تشهد ابن مسعود ويسمع بهذا التشهد لأول مرة ولا يعرف إسناده؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إي معروف، معروف عند اختلاف المذاهب، لكن الكلام على شخص لم يسمع، مثل حديث النعمان، حديث: الشبهات، الذي حفظه في صغره من الأربعين على رواية، ثم يسمع الروايات الأخرى: "مشبهات" "متشابهات" "مشتبهات" نعم ينفر من هذا، لكن ينبغي لطالب العلم أن يكون يحتمل مثل هذه الاختلافات إذا صحت أسانيدها.
على كل حال هذا موقوف على ابن عمر، يقول ابن عبد البر: إن له حكم الرفع، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين سؤال من الله -جل وعلا- ودعاء بالسلامة، السلام والسلامة بمعنىً، كالمقام مع المقامة.(14/14)
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة" تشهد عائشة هذا "زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها كانت تقول إذا تشهدت: "التحيات، الطيبات، الصلوات، الزاكيات لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم" وتنتهي، هل معنى هذا أنها لا تصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم، في تشهد ابن عمر: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم عن يمينه" ثم يرد على الإمام، إيش معنى يرد على الإمام؟ يقول: "وعليكم السلام" إذا سلم الإمام؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بلفظه؟ يعني هل تتأدى يتأدى جواب التحية بقولك: السلام عليكم؟ أو معنى هذا أنه يردد كلام الإمام؟ وليس معناه الرد المعهود، السلام عليكم.
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد أنه أخبره أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تقول إذا تشهدت: "التحيات، الطيبات، الصلوات، الزاكيات لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم".(14/15)
يقول ابن عبد البر: أيضاً هذا له حكم الرفع؛ لأنه لا يمكن أن يقال بالرأي، هذه التشهدات التي أوردها الإمام -رحمة الله عليه- عن عمر وابن عمر وعائشة، وهناك أيضاً تشهدات لم يذكرها، تشهد ابن مسعود، وهو أصح ما ورد في التشهد، وتشهد أبي موسى عند مسلم في صحيحه، وما رواه النسائي عن جابر ابن عبد الله، لكنه من رواية أبي الزبير عنه بالعنعنة، على كل حال اختلاف هذه الصيغ اختلف أهل العلم في المختار منها، اختلف أهل العلم في المختار منها، اختار أبو حنيفة وأحمد وأكثر العلماء تشهد ابن مسعود، وقد أخرجه الأئمة الستة، واختار مالك وأصحابه تشهد عمر لكونه علمه الناس على المنبر، واختار الشافعي تشهد ابن عباس عند مسلم: "التحيات، المباركات، الصلوات، الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"، قال الترمذي: أصح حديث في التشهد حديث ابن مسعود، أصح حديث في التشهد حديث ابن مسعود، ويقول البزار: روي من نيف وعشرين طريقاً، وسردها، وقال: لا أعلم في التشهد أثبت، ولا أصح أسانيد، ولا أشهر رجال منه، يعني من تشهد ابن مسعود، ومن مرجحاته أنه متفق عليه، فهو مرجح، وهذه الصيغ إذا ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبتت أسانيدها، وسلمت متونها من الشذوذ والنكارة والعلل الخفية، فلا مانع من أن يكون اختلافها اختلاف تنوع، فيأتي المصلي أحياناً بهذا وأحياناً بهذا؛ لأنها إذا ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فكيف ترد؟ ما ثبت منها عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كيف لا يقال، ونحتاج إلى ثبوت أسانيدها، وهنا ما ذكره الإمام مالك لا إشكال فيه، صحيح إلى من نسبه إليه، وهو وإن كان موقوف لفظاً إلا أنه في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال بالرأي.
نعم ما ترك مما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- في هذه التشهدات كالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، والتعوذ بالله من أربع، نعم يؤخذ من النصوص الأخرى، والزيادة مقبولة.(14/16)
يقول: "وحدثني عن مالك أنه سأل ابن شهاب ونافعاً مولى ابن عمر عن رجل دخل مع الإمام في الصلاة وقد سبقه الإمام بركعة أيتشهد معه في الركعتين والأربع وإن كان ذلك له وتراً؟ فقالا: ليتشهد معه" شخص مسبوق بركعة أدرك الإمام في الثانية، جلس الإمام بعد ثانيته التي هي أولى بالنسبة لهذا المسبوق، يلزمه متابعته ويجلس معه، ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه)) لا بد أن يجلس، قد يقول قائل: هذا ليس موضع جلوس، بين الأولى والثانية ليس موضع جلوس، كيف يتابع؟ يتابع؛ لأنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، قد يقول قائل: هل تصح صلاة من جلس للتشهد أكثر من عدد الركعات، يصح وإلا ما يصح؟ كيف؟ مغرب يا الله متى يجلس للتشهد أكثر من عدد الركعات؟ يعني فاته ركعتان، فاته ركعتان، ركعتان فاته، نعم رفع الإمام من الركوع في الركعة الثانية واقتدى به دخل معه جلس معه التشهد الأول والثاني، ثم إذا جاء بركعة جلس، ثم إذا جاء بالثانية جلس، نعم، أربعة تشهدات في ثلاث ركعات، وهذا بعضها إنما وجب للاقتداء، نعم، وإلا فالأصل أنه في الأولى والثانية التي أدركهما مع الإمام ما في جلوس أصلاً بالنسبة له، لكنه يجلس هنا للاقتداء "قال: وقد سبقه الإمام بركعة يتشهد معه في الركعتين والأربع وإن كان ذلك له وتراً؟ فقالا: ليتشهد معه" هذا ابن شهاب ونافع عن رجل أنه دخل مع الإمام، سئل، هذا مالك سأل ابن شهاب ونافع فأجابوه بذلك "فقال -الإمام- مالك: "وهو الأمر عندنا" وهو الأمر عندنا، يعني بالمدينة، وهذا أيضاً مما لا نزاع فيه، مما لا نزاع فيه، يعني ما هو برأي مالك فقط، لحديث: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) يقول الباجي في شرحه: وجه ذلك أن المأموم عليه أن يتبع الإمام، وجه ذلك أن المأموم عليه أن يتبع الإمام في الأفعال وإن لم يعتد بها، وإن لم يعتد بها، ولن يعتد بالتشهدات التي أدركها مع الإمام، نعم، وإن لم يعتد بها، والأقوال تتبع الأفعال، قد يقول قائل: يتبعه في الصورة فيجلس لكن ما يتشهد؛ لأن هذا ليس موضع تشهد، نعم، ألا يمكن أن يقال مثل هذا؟ أنت لا تختلف عليه اجلس مثل ما يجلس، لكن لا تتشهد؛ لأن هذا ليس موضع تشهد بالنسبة لك.(14/17)
يقول: والأقوال تتبع الأفعال ألا ترى أنه متى سقطت عن المأموم الأفعال سقطت الأقوال، نعم، يعني المسبوق الذي يدرك الإمام في الركوع سقط عنه القيام، هل نقول: ما دام سقط عنك القيام ائتِ بالفاتحة؟ نعم؟ القول تبع للفعل، ألا ترى أنه متى سقطت عن المأموم الأفعال سقطت الأقوال بأن يدركه راكعاً فيما أسر فيه بالقراءة؟ يدركه راكعاً فيما أسر فيه بالقراءة، لماذا نص على ما أسر به في القراءة؟ لأنه عندهم فيما يسر به الإمام تجب عليه القراءة، وإن لم تسقط الأفعال بأن يدركه في أول الركعة لم تسقط الأقوال، فإذا كان المأموم يتبع إمامه في الجلوس وإن كان لا يعتد به فكذلك في التشهد وإن لم يعتد به، ظاهر الكلام، تقول: ما دام يعفى عن .. ، هل اللي صلى جنبي هذا اللي فاتته الركعة أعفيناه من الفاتحة إذاً أنا ما أنا بقارئ الفاتحة؟ نعم نقول: لا، هذا سقط عنه الفعل لأنه مسبوق فسقط عنه ذكره اللي هو القراءة، أنت ألزمت بالقيام مع الإمام إذاً يلزمك ذكر هذا الفعل، ظاهر؟ نعم.
باب: ما يفعل من رفع رأسه قبل الإمام؟:
أحسن الله إليك:
باب: ما يفعل من رفع رأسه قبل الإمام؟
عن مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة عن مليح بن عبد الله السعدي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل الإمام فإنما ناصيته بيد شيطان".
قال مالك -رحمه الله- فيمن سها فرفع رأسه قبل الإمام في ركوع أو سجود: إن السنة في ذلك أن يرجع راكعاً أو ساجداً، ولا ينتظر الإمام، وذلك خطأ ممن فعله؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه)) وقال أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه-: "الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان".(14/18)
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما يفعل من رفع رأسه قبل الإمام" الذي يرفع رأسه قبل الإمام بأن يخفى عليه صوت الإمام فيغلب على ظنه أن الإمام قد رفع، يغلب على ظنه أن الإمام قد رفع، الذي ناصيته بيد شيطان هذا الذي يتعمد، لكن شخص غلب على ظنه أن الإمام قد رفع فرفع، فوجد الإمام راكع أو ساجد يرجع، مثل هذا لا بد أن يرجع كما قال الإمام مالك، ولا ينتظر الإمام حتى يرفع، فالإمام قائم حتى يرفع.
يقول: "باب: ما يفعل من رفع رأسه قبل الإمام" وما حكم صلاة من رفع رأسه قبل الإمام؟ يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص عن مليح بن عبد الله السعدي" هذا لا يوجد له ترجمة في الكتب المتداولة، إنما ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وحينئذٍ يكون مستور مجهول ما في فرق، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
منهم من يطلق المستور بإزاء المجهول، ومنهم من يقول: المستور ومجهول الحال بقسميه، ومنهم من يقول: المستور هو مجهول الحال باطناً لا ظاهراً، نعم، على كل حال تقبل روايته وإلا ما تقبل؟ منهم من يطلق أن من ذكره البخاري في تاريخه، أو ذكره ابن أبي حاتم في تاريخه ولم يذكرا فيها جرحاً ولا تعديلاً يقول: ثقة، كثيراً ما يقول الشيخ أحمد شاكر تقليداً لبعض من سلف: ذكره البخاري وابن أبي حاتم فهو ثقة، وأحياناً يقول: فهذا أمارة توثيقه، على كل حال هذا قول لبعض أهل العلم، لكن ابن أبي حاتم نص في المقدمة أنه ذكر بعض الرواة ولم يجد فيهم كلام لأحد، ولم يترجح له قول فتركهم، هذا يدل على أنهم مجاهيل، نعم دل على أنهم مجاهيل، وهذا منهم "عن أبي هريرة أنه قال: "الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل الإمام" يرفع رأسه من الركوع أو السجود ويخفضه فيهما، يسجد قبل الإمام ويركع قبل الإمام "فإنما ناصيته بيد شيطان" والخبر هذا وإن كان فيه المذكور وهو مجهول إلا أن اللاحق يؤيده.(14/19)
"قال مالك فيمن سها فرفع رأسه قبل الإمام في ركوع أو سجود: إن السنة في ذلك أن يرجع راكعاً أو ساجداً، ولا ينتظر الإمام حتى يرفع من الركوع أو من السجود، وذلك خطأ ممن فعله" يعني الذي ينتظر خطأ، الذي ينتظر حتى يرفع الإمام خطأ ممن فعله "لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به -ليقتدى به- فلا تختلفوا عليه)) " والرفع والخفض قبله من الاختلاف عليه، الرفع والخفض قبله من الاختلاف عليه "وقال أبو هريرة: "الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان" يجره منها حيث شاء، يعني إذا كانت الناصية بيد الشيطان، نعم، الناصية: مقدم الرأس، كأنه جعل قياده بيد الشيطان، والشيطان يورده المهالك، فيجره منها حيث شاء، فيوقعه في حرمةٍ، يعني فيما حرمه الله، في حرمة التقدم على الإمام كما هو ظاهر الحديث، وجاء أيضاً: ((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار)) ((أو يجعل صورته صورة حمار)) هذا وعيد شديد، والعلماء يختلفون في حكم صلاة المسابق الذي يسابق الإمام، فمنهم من قال: بالبطلان بهذا الوعيد الشديد، ولأنه لا وحده صلى ولا بإمامه اقتدى، ومنهم من يقول: صلاته صحيحة؛ لأنه مع هذا الوعيد الشديد لم يؤمر بالإعادة، الجمهور على أن صلاته صحيحة؛ لأنه لم يؤمر بإعادة، وأهل الظاهر ورواية عن أحمد: أن صلاته باطلة، عليه أن يعيدها، ((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله صورته صورة حمار)) هذا مسخ بلا شك، ووعيد على ارتكاب هذا المحرم، وأيهما أسهل عقوبة الدنيا أو عقوبة الآخرة؟ إذاً أسهل على الإنسان أن تتحول صورته صورة حمار وإلا تدخر له العقوبة في الآخرة؟ يعني المنصوص عليه في حديث: المتلاعنين نعم أن عذاب الدنيا أسهل من عذاب الآخرة بلا شك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(14/20)
إذا مُسخ؟ إذا مسخ عوقب في الدنيا ولن يجمع الله له بين عقوبتين، لكن إذا لم يمسخ؟ ما في شك أن الإنسان يستعظم وجود مثل هذا الأمر، وشيء فوق ما يتصوره الإنسان أو يتخيله أنه يصلي مع الناس ويطلع رأسه رأس حمار، لكن مع ذلك لا يرتدع بعض الناس، والأمر ليس بالسهل وعقوبة الآخرة أعظم من عقوبة الدنيا، ومسخ القلوب أعظم من مسخ الأبدان، مسخ القلوب يقرر أهل العلم أنه أعظم من مسخ الأبدان، ولذلك تجد الإنسان تمر عليه الأوامر والنواهي ولا كأنها شيء، والله المستعان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
((إذا كبر فكبروا)) العطف بالفاء يقتضي التعقيب بلا شك؛ وأنه مجرد ما ينقطع صوته تكبر، لكن التأخر لا شك أنه اختلاف على الإمام، لكنه لا يعادل التقدم عليه، نعم؛ لأنه الاقتداء لا شك أن المطلوب التعقيب مباشرة لكن الذي يتأخر لا يسلب لفظ الاقتداء نعم، لكنه ليس مثل الذي يقتدي به مباشرة، وعلى كل حال الواجب متابعة الإمام، وأما التقدم عليه فالخلاف في بطلان صلاته محل نظر عند أهل العلم، اختلاف، وعرفنا الخلاف، وأما بالنسبة للتأخر عنه فلا شك أنه مخالف من تأخر، لكن ليس مثل من خالف في التقدم.
الموافقة في تكبيرة الإحرام، إذا كبر قبل الإمام لم تنعقد صلاته، نعم، لكن إذا كبر مع الإمام ((إذا كبر فكبروا)) هل نقول: إن هذا مثل: ((إذا ركع فاركعوا؟ )) يعني إذا شرع في الركوع أخذ في الركوع اركع، ليس معنى هذا أنه إذا فرغ من الركوع تركع، كما في قوله: ((إذا كبر)) يعني فرغ من التكبير كبر.
موافقة الإمام في تكبيرة الإحرام حكمها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
سمعنا يا إخوان؟ يقول: تبطل صلاته، لماذا؟ لأن الإمام ما انعقدت صلاته إلا بنهاية التكبير فقد اقتدى بإمام لم تنعقد صلاته، هذا كلام الأخ، لا شك أن الموافقة ليست مثل المسابقة محل .. ، لا إشكال فيها، الموافقة ليست مثل المسابقة، فإذا كبر مع الإمام يكون حكمه حكم المسابق لا تنعقد صلاته، أما من سابق في غير التكبير فعرفنا أنه محل خلاف بين أهل العلم، هاه تبطل الصلاة وإلا ما تبطل؟
طالب:. . . . . . . . .(14/21)
علل، علل، هو علل، لا أنت افترض أنه الحروف مع الحروف، الحروف مع الحروف، يعني بدأ بالألف مع الألف، لا شك أن صلاته على خطر، أما الجزم ببطلانها يحتاج إلى ...
رسالة الصلاة للإمام أحمد ذكر فيها مسألة المسابقة، وشدد فيها -رحمه الله-، وإن كان بعضهم يشكك في نسبتها إلى الإمام أحمد، إيش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
سلم عن يمينه؟ التحليل يقع بالتسليم، والأكثر على أن الركن أو الواجب على خلاف بينهم هو الأولى التي عن يمينه، والثانية سنة، وعند الحنابلة التسليمتان حكمهما واحد، أما المتابعة في الصورة الظاهرة فلا بد منها، المتابعة في صورة الصلاة الظاهر فلا بد منها، ولذا يلزمون المسافر الذي يقصر الصلاة إذا صلى خلف من يقيم أن يتم نعم، لكن متابعته في الأذكار مثلاً الإمام استفتح بحديث أبي هريرة، والمأموم استفتح باستفتاح عمر -رضي الله عنه-، الفاتحة محل اتفاق يقرأها الإمام والمأموم، ما زاد على ذلك كونه يقرأ ما تيسر، فهناك ما يلزم فيه الموافقة، وهناك ما لا يلزم فيه الموافقة.
طالب:. . . . . . . . .
هو الأصل أن الإمام يقرن بين القول والفعل؛ لأن القول دليل على الفعل، فالتكبير تكبير انتقال، إنما شرع للانتقال للإعلام بهذا الانتقال، وهو مقارن له من أوله إلى آخره هذا الأصل، لكن بعض الناس إما يتقدم وإلا يتأخر، لا شك أن من فعل ذلك أساء، وعرض صلاة المأموم لا سيما من لم يرَ الإمام لبطلانها.
باب: ما يفعل من سلم من ركعتين ساهياً؟
نعم، سم.
أحسن الله إليك:
باب: ما يفعل من سلم من ركعتين ساهياً؟:
عن مالك عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انصرف من اثنتين، فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أصدق ذو اليدين؟ )) فقال الناس: نعم، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى ركعتين أخريين، ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع".(14/22)
عن مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد أنه قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله تعالى عنه- يقول: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة العصر فسلم في ركعتين فقام ذو اليدين فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل ذلك لم يكن)) فقال: قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الناس فقال: ((أصدق ذو اليدين؟ )) فقالوا: نعم، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتم ما بقي من الصلاة، ثم سجد سجدتين بعد التسليم، وهو جالس".
عن مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة قال: بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركع ركعتين من إحدى صلاتي النهار الظهر أو العصر فسلم من اثنتين، فقال له: ذو الشمالين أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما قصرت الصلاة وما نسيت)) فقال ذو الشمالين: قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الناس فقال: ((أصدق ذو اليدين؟ )) فقالوا: نعم يا رسول الله، فأتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما بقي من الصلاة، ثم سلم.
عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن مثل ذلك.
قال مالك -رحمه الله-: "كل سهو كان نقصاناً من الصلاة، فإن سجوده قبل السلام وكل سهو كان زيادة في الصلاة فإن سجوده بعد السلام".
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما يفعل من سلم من ركعتين ساهياً؟ " السهو: هو الغفلة عن الشيء وذهاب القلب إلى غيره، وفرق بعضهم بين السهو والنسيان، يقول ابن حجر: وليس بشيء، يعني التفريق، لا شك أن السهو والغفلة بينهما وجه شبه كبير، وإن فرق بعضهم بأن السهو قد يكون طارئاً يعرض ويزول، والغفلة أكثر ما تطلق على الثابت، الشيء الثابت.(14/23)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن أيوب بن أبي تميمة السختياني -بفتح السين- عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انصرف من اثنتين" من اثنتين يعني في إحدى صلاتي العشي، إما الظهر وإما العصر، وجاء في بعض الروايات: أنها الظهر، وفي بعضها: أنها العصر "فقال له ذو اليدين" واسمه: الخرباق، سمي بذلك لطول في يديه، أو لكونه يعمل بيديه كلتيهما: "أقصرت الصلاة؟ " يعني بعد أن كانت تامة صارت مقصورة "أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ " قصرت بعد أن كانت طويلة صارت قصيرة، أم نسيت يا رسول الله، هذا ضبط أَقَصُرت، وفي بعض الروايات وضبطها بعضهم: أَقُصرت، قصرت يعني صارت مقصورة؛ لأن الزمان زمان تشريع، يحتمل أن تكون الرباعية اثنتين، أول ما فرضت الصلاة ركعتين، ثم زيد في الحضر فصار أربع، وأقرت صلاة السفر، ولا يمتنع أن تعاد كما كانت، هذا احتمال؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الظهر ركعتين، ولا يخلو إما أن يكون ناسياً -عليه الصلاة والسلام-، ساهياً، أو يكون شرع له قصر الصلاة في الحضر.(14/24)
"أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -" يعني بعد كلام طويل سيأتي في بعض الروايات: ((أصدق ذو اليدين؟ )) أصدق ذو اليدين؟ "فقال الناس: نعم، صدق، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى ركعتين أخريين" فقام، الثابت في الروايات أنه لما سلم قام إلى خشبة، نعم قام، فكيف يقال هنا: فقام وهو من الأصل قائم؟ لم يقع في غير هذه الرواية لفظ: القيام، وقد استشكل لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان قائماً، وأجيب بأن المراد بقوله: فقام، أي اعتدل؛ لأنه كان مستنداً إلى الخشبة فاعتدل "فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى ركعتين أخريين" هما الثالثة والرابعة بالنسبة لصلاة الظهر أو العصر "ثم سلم، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول" سجد للسهو، مثل سجوده في الصلاة أو أطول "ثم رفع ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع" السجود قبل السلام أو بعده؟ بعد السلام، وهل هذا يجري على قاعدة مالك: أن كل سجود نقص يكون قبل السلام، وسجود الزيادة يكون بعد السلام؟ جاري وإلا غير جاري؟ زاد، زاد أمور، السلام الأول منها، نعم، منها السلام الأول، نعم، هل في هذا تشهد بعد سجود السهو؟ البخاري ترجم عليه فقال: باب: من لم يتشهد في سجدتي السهو، من لم يتشهد في سجدتي السهو، سجد سجدتين ثم سلم، بدون تشهد، يعني إذا سجدهما قبل السلام قاله ابن حجر، وأما إذا كان السجود قبل السلام فالجمهور على أنه لا يعيد التشهد، الجمهور على أنه لا يعيد التشهد، حكى ابن عبد البر عن الليث أنه يعيده، يعني يتشهد ثانية، وعن البويطي عن الشافعي مثله، وخطؤوه خطؤوا البويطي في هذا، في هذا النقل فإنه لا يعرف، وعن عطاء يتخير، يعني بين أن يتشهد أو لا يتشهد، واختلف فيه عند المالكية، وحكى الترمذي عن أحمد وإسحاق أنه يتشهد، وهو قول بعض المالكية والشافعية، ونقله أبو حامد الإسفرائيني عن القديم، يعني من قولي الشافعي، لا شك أنه جاء ما يدل عليه، لكن جاء ما يدل على عدمه وهو أرجح وأكثر، فالصواب أنه لا يتشهد مطلقاً، سواءً سجد قبل السلام أو بعده.(14/25)
طيب ما حكم سجود السهو؟ يعني السجود عن ترك واجب واجب، أو قل: لما يبطل عمده، سواءً كان نقص أو زيادة، نعم كما قال الحنابلة: إن ما يبطل عمده واجب، وما عدا ذلك لا يجب، طيب قال الشافعية: هو مسنون كله، سجود السهو مسنون كله، يعني من لم يسجد للسهو لا شيء عليه، وعن المالكية السجود للنقص واجب دون الزيادة؛ لأن السجود للنقص هذا السجود يجبر النقص، لكن إذا كانت الصلاة زائدة بحاجة إيش؟ تحتاج إلى زيادة ثانية؟ عندهم، عندهم نعم، على كلامهم لا تحتاج إلى زيادة ثانية، وعن المالكية سجود النقص واجب دون الزيادة، وعن الحنابلة التفصيل بين الواجبات غير الأركان، فيجب بتركها الواجبات تجبر بالسجود مع النسيان، وأما الأركان فلا يجبرها السجود، والسنن أيضاً لا سجود لها عند الحنابلة، وعن الحنفية واجب كله، السجود واجب كله، لمن زاد أو نقص أو شك، جميع أنواع السجود واجبة عند الحنفية، ومسنون كله عند إيش؟ الشافعية، المالكية للنقص واجب، وللزيادة ليس بواجب، عند الحنابلة لما يبطل عمده واجب وما عدا ذلك مسنون، ولا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ترك وزاد ومع ذلكم سجد، يعني من فعله -عليه الصلاة والسلام-، من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وفعله تشريع، وفعله تشريع.(14/26)
يقول: "وحدثني عن مالك عن داود بن الحصين -الأموي مولاهم المدني- عن أبي سفيان" وهب وقيل: قزمان "مولى -عبد الله- ابن أبي أحمد -بن جحش القرشي- أنه قال: سمعت أبا هريرة يقول: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة العصر" ولمسلم: الظهر، وفي الصحيحين: الظهر أو العصر بالشك، ولمسلم: إحدى صلاتي العشي، والاختلاف والشك من الرواة، الاختلاف بين الجزم بإحدى الصلاتين أو الشك والتردد بينهما اختلاف من الرواة، وزعم بعضهم تبعاً لاختلاف الرواة زعموا تعدد القصة، وهذا مسلك لبعض أهل العلم أنه إذا وجد الاختلاف بين الروايات ولو كان مرده اختلاف الرواة لا أصل القصة يقولون: بتعدد القصة، ومنهم من يجزم قصة واحدة ويرجح بين هذا الاختلاف "فسلم في ركعتين، فقام ذو اليدين" وعرفنا اسمه: الخرباق السلمي "فقال: أقصرت؟ " أي صارت قصيرة، وضبط بالعكس أقُصرت "يا رسول الله أم نسيت؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل ذلك لم يكن)) " يعني لم أنسَ ولم تُقصَر، أو ولم تَقصُر "فقال: قد كان بعض ذلك" قد كان بعض ذلك، إما أنها قصرت أو النسيان، وفي بعض الروايات جزم أنه نسي، قال: بل نسيت، لماذا؟ هو نفى القصر والنسيان، فكيف أثبت النسيان ولم يثبت كونها قصرت؟ لأن كونها قصرت تشريع، نعم، والنسيان غفلة، نسيان، وهو -عليه الصلاة والسلام- ينسى ليسن ويشرع، لكن لا يجوز عليه أن يشرع ما لم يأذن به الله، " ((كل ذلك لم يكن)) فقال: قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الناس" يعني الذين صلوا معه "فقال: ((أصدق ذو اليدين؟ )) " يعني فيما قال؟ "فقالوا: نعم صدق، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتم -أكمل- ما بقي من الصلاة" وهو الركعتان الثالثة والرابعة "ثم سجد سجدتين للسهو بعد التسليم، وهو جالس" الآن عندنا تعارض، تعارض بين ما عند الإمام من غلبة ظن وبين ما ادعاه ذو اليدين من النقص، لو صلى إمام وحصل له مثل ما حصل، والغالب على ظنه أن صلاته تامة، ثم قام شخص أو سبح واحد نعم، قال: سبحان الله، يرجع إلى قوله، أو يعمل بغلبة ظنه؟ هنا النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يرجع حتى سأل غيره، ففي هذا أن الإمام لا يرجع عن(14/27)
يقينه، ولا غلبة ظنه إلا لما هو أقوى منه، إلا لما هو أقوى منه؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- لم يعتمد قول ذي اليدين لمعارضته ظنه الغالب -عليه الصلاة والسلام-، حتى صدقه غيره من المصلين، وحينئذٍ ترجح قول الأكثر على غلبة ظنه، أو قول الكل، في الحديث أن الكلام أثناء الصلاة لا يبطلها لمن سلم منها معتقداً الفراغ منها، لمن سلم منها معتقداً الفراغ منها.
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو لا بد من التكبير نعم، تكبيرة الانتقال هي ما هي. . . . . . . . .، نعم؛ لأنه سلم، نعم لكن لو نسى التشهد مثلاً نعم، ثم سلم يكفيه أن يستقبل القبلة ويجلس؛ لأن السلام هذا لاغي، يعني يغاير بين صوته للقيام والركوع والتشهد، هذا يحقق مصلحة، يحقق مصلحة اقتداء المأموم به، نعم، ولا يترتب عليه مفسدة، واللفظ متروك، نعم، يعني ما في حد محدد من الشارع، فالأمور المتروكة التي لم تبين صفتها في الشرع، يجوز أداؤها على غير الصفة، على أي وجه، ما في شيء.
طالب:. . . . . . . . .
لا تقول: ما ورد ولا وارد، ما تقدر تثبت أنه ما ورد، ما تقدر تثبت أنه ما ورد ولا وارد، ولم يذكر أنه كان يحذف الصوت بعد، لا، لا الأصل أنه متروك هذا، يأتي به الإنسان على الصفة التي لا تخرجه عن مسماه، يأتي به على الصفة التي لا تخرجه عن مسماه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
زاد التكبير، هو ما بيسجد، يأتي في حديث عبد الله بن بحينة أنه -عليه الصلاة والسلام- ترك التشهد، وترك الجلوس له، فاكتفى بسجدتين، ولذا يقول أهل العلم: من سها مراراً كفاه سجدتان.
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر" قال ابن عبد البر: لا يوقف على اسمه "ابن سليمان بن أبي حثمة، قال: بلغني" هذا منقطع عند جميع رواة الموطأ "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركع ركعتين من إحدى صلاتي النهار" يعني الظهر أو العصر، الظهر أو العصر، يعني فسرت "فسلم من اثنتين" يعني من ركعتين "فقال له -رجل- ذو الشمالين" ذو الشمالين، وهناك: ذو اليدين، وفي الحديث الذي قبله مرة قال إيش؟
طالب:. . . . . . . . .(14/28)
إيه في هذا الحديث نعم، في هذا الحديث قال: ذو الشمالين، ومرة قال: أصدق ذو اليدين؟ نعم "فقال له ذو الشمالين" وذو الشمالين رجل من بني زهرة اسمه: عمير بن عمرو، وقد وهم الزهري في ذلك، وإنما هو الخرباق ذو اليدين؛ لأن ذا الشمالين قتل ببدر قبل إسلام أبي هريرة بخمس سنين "أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما قصرت الصلاة وما نسيت)) " فصرح بنفيهما معاً عنه "فقال ذو الشمالين: قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الناس فقال: ((أصدق ذو اليدين؟ )) فقالوا: نعم يا رسول الله" صدق، يعني لم تصلِ إلا ركعتين "فأتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما بقي من الصلاة، ثم سلم"، "فأتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما بقي من الصلاة، ثم سلم" في سجود سهو؟ نعم، نعم، يقول الباجي: لم يذكر ابن شهاب في حديثه هذا سجود السهو، وقد ذكره جماعة من الحفاظ عن أبي هريرة، ومن حفظ معروف أنه حجة على من لم يحفظ، ويقول ابن عبد البر -رحمه الله-: لا أعلم أحداً من أهل الحديث المصنفين فيه عول على الزهري في قصة ذي اليدين، لا أعلم أحداً من أهل العلم بالحديث المصنفين فيه عول على الزهري في قصة ذي اليدين، وكلهم تركوه لاضطرابه، وأنه لم يقم له إسناداً ولا متناً، وإن كان إماماً عظيماً في هذا الشأن، فالغلط لا يسلم منه بشر، والكمال لله تعالى.
الزهري إمام من أئمة المسلمين، إمام مكثر من المرويات، ومن الشيوخ والتلاميذ، من بحور العلم، ومن الحفاظ المتقنين، لكن مع ذلك لا يعلم من يعرُ من الخطأ والنسيان، ما في مخلوق يسلم من ذلك، نعم، فالإمام ابن شهاب الزهري -رحمه الله- لم يقم إسناد هذا الحديث ولا متنه، ولذا لم يعول أهل العلم عليه.(14/29)
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن مثل ذلك، قال مالك: كل سهو كان نقصاناً من الصلاة" يعني كترك التشهد الأول "فإن سجوده قبل السلام" نعم سجوده داخل الصلاة، داخل الماهية قبل السلام منها؛ ليحصل التعادل، نقص من الصلاة فيزيد فيها، ما هو بيزيد معها يزيد فيها، في أثنائها، وزاد في الصلاة لا يجمع بين زيادتين في الصلاة، هذا رأي من؟ رأي الإمام مالك، وهذه قاعدة مطردة عنده، السجود للنقص يكون قبل السلام، والسجود للزيادة بعد السلام، يعني كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث عبد الله بن بحينة حيث سجد قبل السلام؛ لأنه نقص من الصلاة "وكل سهو كان زيادة في الصلاة فإن سجوده بعد السلام" كفعله -صلى الله عليه وسلم- في قصة ذي اليدين، لكن هل هذا الاطراد مقبول؟ يعني كل نقص سجوده قبل السلام وكل زيادة سجودها بعد السلام؟ أو نقول: علينا بالاقتداء؟ يعني الأصل أن ما يكون تبعاً للصلاة يكون قبل السلام بها، يكون منها، ثم نخرج عن هذا الأصل بالدليل، ولذا يرجح بعضهم أن سجود السهو كله قبل السلام إلا في صورتين: إذا سلم عن نقص كما في قصة ذي اليدين، وإذا بنى على غالب ظنه، نعم، في حديث التحري إذا بنى على غالب ظنه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو أخذ القاعدة من حديثين، أخذ النقص من حديث عبد الله بن بحينة، نعم وسيأتي، وأخذ الزيادة من حديث ذي اليدين بس وطرد، وهذا موجود في بعض كلام شيخ الإسلام -رحمه الله-، وإن كان بعضهم يشكك في ثبوته عن شيخ الإسلام، لكن موجود في كلامه، لكن أخذ قواعد مطردة من أحاديث، من حديث واحد أو حديثين نعم؛ لأن عندنا السجود الأصل أنه للصلاة من تمام الصلاة، والأصل أن ما يكون منها فهو في ماهيتها وداخلها يكون قبل السلام إلا ما خصه الدليل، إلا ما خصه الدليل، وعلى كل حال لا يختلفون في أن من سجد قبل السلام في جميع الصور صلاته صحيحة، ومن سجد بعد السلام في جميع الصور صلاته صحيحة، لكن الخلاف في الأفضل.
سم.
باب: إتمام المصلي ما ذكر إذا شك في صلاته:
باب: إتمام المصلي ما ذكر إذا شك في صلاته:(14/30)
عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلى أثلاثاً أم أربعاً؟ فليصلي ركعة وليسجد سجدتين، وهو جالس قبل التسليم، فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين السجدتين، وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان)).
عن مالك عن عمر بن محمد بن زيد عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: "إذا شك أحدكم في صلاته فليتوخَ الذي يظن أنه نسي من صلاته فليصله، ثم ليسجد سجدتي السهو وهو جالس".
عن مالك عن عفيف بن عمرو السهمي عن عطاء بن يسار أنه قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- وكعب الأحبار -رضي الله عنه- عن الذي يشك في صلاته فلا يدري كم صلى أثلاثاً أم أربعاً؟ فكلاهما قال: "ليصلِ ركعة أخرى، ثم ليسجد سجدتين وهو جالس".
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- كان إذا سئل عن النسيان في الصلاة؟ قال: "ليتوخَ أحدكم الذي يظن أنه نسي من صلاته فليصله".(14/31)
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: إتمام المصلي ما ذكر إذا شك في صلاته" يقول: "حدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار" مرسلاً "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلى أثلاثاً أم أربعاً فليصلي)) " بالإشباع، وإلا فالأصل: فليصلِ؛ لأنها لام الأمر، ((فليصلي ركعة)) في رواية مسلم: ((فليطرح الشك، وليبنِ على ما استيقن، وليسجد سجدتين وهو جالس، قبل التسليم))، " ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلى أثلاثاً أم أربعاً؟ فليصلي ركعة، وليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم)) " هذا يرد على مالك في قاعدته أو لا يرد؟ كيف؟ نعم، قد يرد وقد لا يرد، قد يرد وقد لا يرد؛ لأنه إن كان ما فعله مطابق للواقع نعم لم يرد، وإن كان ما فعله فيه زيادة ورد عليه ((فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين السجدتين)) يعني كأن هاتين السجدتين قامتا مقام ركعة، فصارت صلاته بعد أن كانت خمس صارت ست، والست شفع، فكأن المطلوب في الصلوات الشفع لا تقطع على وتر، وقل مقابل هذا لو كانت صلاة مغرب، نعم، ثم تردد هل صلى ركعتين أو ثلاث؟ نعم، يبني على الأقل ويأتي بثالثة إن كانت رابعة صارت وتراً له، صارت سجدتا الوتر لتقطع صلاة المغرب على وتر ((فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين السجدتين)) يعني ردها إلى الشفع بعد أن كانت وتراً ((وإن كانت رابعة)) يعني من غير زيادة صار فعله مطابق للواقع ((فالسجدتان ترغيم للشيطان)) إغاضة للشيطان، وإذلال.
قال النووي: معنى الحديث أن الشيطان لبس عليه صلاته، لبس عليه صلاته، لكنه تدارك ما لبسه عليه بهاتين السجدتين، فأرغم الشيطان، ورده خاسئاً مبعداً عن مراده؛ لأن الشيطان لا شك أنه يغيظه أن يأتي الإنسان بما أمر به على الوجه المأمور به، ولذا إذا ثوب للصلاة، إذا نودي للصلاة أدبر، ثم رجع، ثم إذا ثوب بها أدبر ثم رجع ليلبس على الإنسان صلاته، ويذكره ما لم يذكر، فلا شك أنه إذا ذكره سعى في غفلته عن الصلاة لا يدرِ كم صلى، ثم إذا فعل ما أمر به وما وجه إليه من هاتين السجدتين أرغم الشيطان بهذا.(14/32)
والحديث مخرج في صحيح مسلم، موصول عن أبي سعيد الخدري، من طريق سليمان بن بلال وداود بن قيس كلاهما عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد.
وفي الحديث يقول ابن عبد البر: في الحديث تقوية لقول مالك والشافعي والثوري وغيرهم أن الشاك يبني على اليقين فلا يجزيه التحري، الشاك يبني على اليقين فلا يجزيه التحري، وقال أبو حنيفة: إن كان ذلك أول ما شك استقبل، وإن اعتراه غير مرة تحرى، لماذا يقول أبو حنيفة هذا الكلام؟ نعم لأنه يتطور الأمر عنده ويصير إلى حد الوسوسة، لكن إذا كان أول مرة لا مانع أن يستقبل صلاته يستأنف من جديد، يبدأ صلاته من جديد ليحضر قلبه فيها، وإن كان يتكرر عليه هذا نعم، ماذا يقول؟ وإن اعتراه غير مرة تحرى، صار يصلي أربع ويسجد سجدتين تنقطع على وتر، كما لو صلى الظهر خامسة وسجد سجدتين للسهو قطعها على شفع، اعكس أوترت له صلاته صارت مغرب؛ لأنها مطلوب أن تقطع على شفع هذه، لأنها صارت خمس وهو مطلوب أن يقطعها على شفع في الظهر أو العصر أو عشاء، لكن إن كانت مطلوب قطعها على وتر هاتين الركعتان بمثابة ركعة فيكون كأنه قطعها على وتر، المغرب.(14/33)
وقال أبو حنيفة: إن كان ذلك أول مرة أول ما شك استقبل وإن اعتراه غير مرة تحرى، وقال أحمد: الشك على وجهين اليقين والتحري، فمن رجع إلى اليقين ألقى الشك وسجد قبل السلام على حديث أبي سعيد، حديث الباب، وإذا رجع إلى التحري وهو أكثر الوهم سجد للسهو بعد السلام على حديث ابن مسعود، كأنه في قوله الإمام أحمد يفرق بين الشك وغلبة الظن؛ لأن الآن فيه يقين؟ يقول: على وجهين اليقين والتحري، اليقين ما عندك .. ، اليقين نقيض للسهو، إذا وجد يقين ما وجد سهو، عندهم غلبة الظن تنزل منزلة اليقين أحياناً، عند بعضهم، وإن كان درجات المعلوم تتفاوت فمنها الوهم، والشك، والظن، واليقين، الذي هو إيش؟ العلم، الذي هو العلم، فالعلم لا يحتمل النقيض، والظن: الاحتمال الأقوى، والشك: الاحتمال المساوي، والوهم: الاحتمال المرجوح، فإذا وجدت عندنا غلبة ظن، نعم غلبة ظن إذا تردد الإنسان بنسبة عشرين بالمائة أنه ما صلى رابعة، إيش نقول؟ ابنِ على اليقين وهو ثلاث، أو نقول: اعمل بغلبة ظنك وتحرِ واسجد بعد السلام؟
طالب:. . . . . . . . .(14/34)
على إيش؟ يعني هذا غلبة ظن؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- لما بنى على غالب ظنه رجع إلى قول ذي اليدين؟ أو لما تيقن بعد أن أخبروه كلهم؟ يعني ما رجع عن غلبة ظنه لمجرد قول واحد؛ لأنه معارض بغلبة ظنه، لكن لما كثر الجمع ترجح على غلبة ظنه، هو عنده غلبة ظن ثمانين بالمائة أن صلاته ماشية مضبوطة وهو في الركعة الأخيرة، لما نبه نزلت هذه النسبة عنده نعم، صارت وهم؛ لأن بعض الناس سهل أنك تمسح ما عنده، سهل عليه أنه يغلي غلبة ظنه ويتنازل إلى ما يقال له، فمثل هذا نعم يعمل بالمعارض نعم، وكل هذا سببه حضور القلب في الصلاة وعدمه، بعض الناس يسلم وما يدري هو صلى واحدة وإلا عشر، مثل هذا يحتاج إلى أن يقال: عندك غلبة ظن وإلا .. ؟ ما عنده شيء أبداً البتة هذا، ما عنده من صلاته شيء، فهذا لو ينبهه طفل عمل بقوله؛ لأنه يرى أن قول الطفل أرجح من قوله؛ لما يعرف من نفسه، لكن بعض الناس مقبل على صلاته ويعرف أنه متقن لها، لكن لا يعني أنه معصوم مائة بالمائة صواب، مثل هذا لا يعارض غلبة ظنه بقول أدنى واحد، بل لا بد أن يكون ما يعارضه أرجح من غلبة ظنه، وحديث ابن مسعود فيه التحري.
طالب:. . . . . . . . .
تبي المرجح عندهم؟ ترجيح صاحب المغني وغيره؟ هاه؟ إيش يقول صاحب الزاد؟ من يحفظ؟
طالب:. . . . . . . . .
هين هذه، لكن هل قبل وإلا بعد؟ عبارته: "من سها مراراً كفاه سجدتان" لا هل هو قبل السلام أو بعده؟ وهل يفرقون بين الزيادة والنقصان؟ أو يفرقون بين كله لكذا؟ ما ذكرنا تو الأقوال؟ من يذكر المشهور عند الحنابلة في هذا؟ أنه إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، وهو المرجح في المغني وغيره، وهو المرجح في المغني وغيره أنه قبل السلام إلا ما ورد فيه النص، .... مسألة السلام على النقص والتحري، كما في حديث ابن مسعود، وترتب على تردده فعل؟ لا، يصير زاد، زاد قيام، لكن لو تردد قبل أن يقوم، ثم غلب على ظنه ثم جلس، نعم،. . . . . . . . . إذا فارقت رجلاه الأرض خلاص صار، صار عمل عمل، منهم من يفرق يقول: إذا انفصل فخذه عن ساقه، كلام، نعم.(14/35)
على كل حال إذا فعل فعلاً يناقض ما هو فيه من الصلاة يسجد له، نعم، والله إحنا الأصل في الإنسان أن يقتدي، الأصل في الإنسان أن يقتدي، لكن قد يرد صور نعم لا يوجد لها نص بذاتها، فتلحق بأقرب النصوص الواردة فيها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
التحري غلبة الظن هو مدار أكثر الأحكام، إيه غلبة الظن معتبر عند أهل العلم، كلهم غلبة الظن يعملون به، هنا الحديث الذي عندنا مرسل، وعند مسلم موصول من حديث أبي سعيد، والإمام أحمد -رحمه الله- رجح الوصل، وقال: إنما قصر به مالك، وأسنده عدة منهم ابن عجلان، وعبد العزيز بن أبي سلمة، وداود بن قيس وغيرهم، المقصود أن الأكثر على أنه موصول، وهل يرد في مثل هذا تعارض الوصل والإرسال؟ نعم، هل نعمل بقول الأكثر؟ أو نقول: مالك نجم السنن قصر به فقوله المعتبر؟ يعني لو أردنا أن نعارض بين ابن شهاب وبين غيره من الرواة، ابن شهاب أحفظ منهم على جهة الانفراد، ومالك أحفظ من هؤلاء على جهة الانفراد كل واحد منهم، لكن الواحد -كما قال الإمام الشافعي-: أولى بالخطأ عن الجماعة.
يقول: "وحدثني عن مالك عن عمر بن محمد بن زيد -بن عبد الله بن عمر- عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر كان يقول: "إذا شك أحدكم في صلاته فليتوخَ -يعني يتحرى- الذي يظن أنه نسي من صلاته فليصله، ثم ليسجد سجدتين للسهو" هنا دليل على إيش؟ على التحري، نعم على التحري، والتحري مبني على غلبة الظن، قال ابن عبد البر: هو عنده -يعني عند مالك- البناء على اليقين، وتأوله من قال بالتحري أنه أراد العمل على أكثر الظن، وتأويلنا أحوط، وأبين؛ لأنه أمره أن يصلي ما ظن أنه نسيه، ويعضده حديث أبي سعيد أعني السابق.(14/36)
هل التحري هنا يتحرى إبراء ذمته باعتبار الأقل أو يتحرى الراجح من المرجوح؟ هنا ابن عبد البر تبعاً لمذهبه حرف الكلام، نعم هنا قال: ليتوخَ، فليصله، قال ابن عبد البر: هو عنده يعني مالك البناء على اليقين يعني حرفه لما يوافق المذهب، البناء على اليقين إيش معنى اليقين؟ يعني لو ثمانين بالمائة عندك أنك صليت ثلاث وعشرين بالمائة أنك صليت ثنتين تجعلها ثنتين، لأن هذا هو اليقين، وتأوله من قال بالتحري، يتوخى يتحرى، نص، أنه أراد العمل على أكثر الظن وتأويلنا أحوط، يعني تأتي بزيادة ركعة أحوط، وإن كانت نسبة الخطأ عشرين بالمائة نسبة النقص، وتأويلنا أحوط وأبين؛ لأنه أمره أن يصلي ما ظن أنه نسيه، ويعضده حديث أبي سعيد.
"وحدثني عن مالك عن عفيف بن عمرو -بن المسيب- السهمي" وهذا قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، مقبول من السادسة "عن عطاء بن يسار أنه قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص وكعب الأحبار -الحميري- عن الذي يشك في صلاته فلا يدري كم صلى أثلاثاً أم أربعاً؟ فكلاهما قال: "ليصلِ ركعة أخرى" الذي يشك، مسألة الشك هذه احتمال، احتمال الطرفين على حد سواء مثل هذا لا بد .. ، لأنه لا بد أن يبرأ من عهدة الواجب "الذي يشك في صلاته فلا يدري كم صلى أثلاثاً أم أربعاً؟ قال: "ليصل ركعة أخرى" بانياً على ما تيقن "ثم ليسجد سجدتين وهو جالس" كما في حديث أبي سعيد، طيب بعض الناس كثير الشك، كثير، يمكن لا تخلو صلاة من صلاته من شك، ويرجح بما يفعله جاره، دخل هو وزيد من الناس فلما سلم هو ما يدري هو فاته شيء أو ما فاته؟ واحدة وإلا ثنتين؟ جاره اللي عن يمينه وإلا عن يساره لو قلنا بعد اقتدى به وصار إماماً له انتهى الإشكال، جاره الذي عن يمنيه صلى ركعة فعل مثله، تصح صلاته وإلا ما تصح؟ هذا ما يدري كم صلى واحدة أو ثنتين؟ أدرك التشهد أو أدرك الصلاة من أولها؟ لكنه جاره صلى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن يكفي هذا يا الإخوان؟ لا هو عن يمنيه ما يصلح إمام، ما يصلح إمام، لا هو يصلح مرجح، يعني إذا وجد شك هل هن ثنتين وإلا ثلاث؟ وقلنا: بغلبة الظن والتحري فعل جاره مرجح لجانب من الجانبين؟ إذاً يكون غلبة ظن، نعم يكون غلبة ظن.(14/37)
طالب:. . . . . . . . .
إيش هو غلبة ظن؟ ينبي على غلبة ظنه، يتحرى، يعني يرجح بصلاة الجار أو ما يرجح؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو ما هو بمقتدي وين بيركع بركوعه ويسجد بسجوده؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، مثل هذا يبي يصبر بعد بطول القراءة. . . . . . . . . إيش يصير على جاره؟ تأكد أنه سلم وإلا ما سلم؟ هين ترى هذا واقع، واقع كثير من الناس ما يدري، قد يأتي لصلاة شروطها متوافرة، وأركانها وتصح عند الفقهاء ولا يعقل منها شيء، ولا يدري كم صلى؟ ومن نعم الله أن الله -سبحانه وتعالى- شرع الجماعة، نعم، هذا يخفف على كثير من المأمومين، وهذه يصححها الفقهاء، والفقهاء كالأطباء، يعني يأتي شخص يكشف الطبيب على القلب يقول: سليم مائة بالمائة، من الناحية الطبية، لكن قد يكون من حيث الميزان الشرعي مريض قلب، نعم، نعم، {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [(32) سورة الأحزاب] تروح به المستشفى لقسم القلب وكذا يقول: مائة بالمائة سليم، طيب في قلبه مرض؟ هذا طمع في غرة وغفلة بعض الناس، في قلبه مرض، نعم، هذا كذا يمثل ويصور بعض العلماء، يقول: الذي يخشع في صلاته قلبه سليم، ويقبل عليها بكليته، لكن الذي يغفل عنها ولو أتى بصورتها الظاهرة وصححها الفقهاء يبقى أنها مثل الذي في قلبه مرض شهوة وإلا شبهة، وإن كانت من حيث أدائه لوظيفته كاملة، وهذا تنظير مطابق، تنظير مطابق، يعني تأتي إلى المستشفى ويعطيك تقرير سليم مائة بالمائة من حيث أداء الوظائف للقلب، ما في أدنى إشكال، نعم لكن يبقى أنه هذا القلب الذي اتجهت إليه خطابات الشرع كلها، نعم، الخطاب الشرعي يتجه إلى إيش؟ إلى القلب، كله إلى القلب منصرف، نعم وهو في غفلة ونسيان عن صلاته وكذا وإن أدى الوظائف؛ لأن صلاح القلب وفساده معنوي، خلي المسألة الصلاح والفساد الحسي يعالج سهل، لكن الكلام بالفساد المعنوي هذا الذي ويش الذي يجبره؟ يحتاج إلى علاج بالنصوص الشرعية، وبالإكثار من العبادات، وبصدق الإقبال واللجأ إلى الله -عز وجل-.
طالب:. . . . . . . . .(14/38)
لا أنت إذا حصرته كله قبل السلام، وأخرجت صورتين هذا أسهل، إيه أضبط؛ لأنه يبي يتردد العامي ويش لأنك نقصت وإلا زدت؟ كثير من الناس يشوف حديث: ذي اليدين، يقول: نقص، هذا سلام على نقص ليش سجد بعد .. ، ما يتصورون الأمر على حقيقته، يعني كثير حتى من طلاب العلم المبتدئين يتصوره نقص؛ لأنه سلم عن ركعتين، إيش معنى ركعتين؟ يعني نقص من صلاته.
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن النسيان في الصلاة؟ قال: "ليتوخَ -يتحرى- أحدكم الذي يظن أنه نسي من صلاته فليصله" في رواية سالم المتقدمة: "ثم يسجد سجدة السهو وهو جالس"، "كان إذا سئل عن النسيان في الصلاة؟ قال: "ليتوخَ أحدكم الذي يظن أنه نسي من صلاته فليصله" يعني الآن بنى على غالب الظن وإلا على اليقين؟ إيه مثل ما صرف ابن عبد البر النص الأول يصرف هذا بعد؛ لأنه قال: فليصله مثل الأول.
طالب:. . . . . . . . .
يعني نوى الانفراد ليأتي بما فاته أو ما بعد انفصل عن الإمام؟ يعني الإمام سلم ثم قام ليأتي بما سبق به، ثم سجد الإمام، نعم هذا مخير بين الأمرين إما أن يرجع فيسجد لا سيما إذا كان السهو قد أدركه، أو ينتظر حتى يسلم هو ويسجد سجدتين؛ لأنه نوى الانفراد، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(14/39)
الموطأ - كتاب الصلاة (5)
شرح باب: من قام بعد الإتمام أو في الركعتين، وباب: النظر في الصلاة إلى ما يشغلك عنها
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سم.
باب: من قام بعد الإتمام أو في الركعتين:
أحسن الله إليك:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم وفق شيخنا لما تحب وترضى.
باب: من قام بعد الإتمام أو في الركعتين:
عن مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن عبد الله بن بحينة -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: "صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتين، ثم قام فلم يجلس، فقام الناس معه، فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر ثم سجد سجدتين، وهو جالس قبل التسليم، ثم سلم".
عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن هرمز عن عبد الله بن بحينة -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: "صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظهر فقام في اثنتين ولم يجلس فيهما، فلما قضى صلاته سجد سجدتين، ثم سلم بعد ذلك".
قال مالك -رحمه الله- فيمن سها في صلاته فقام بعد إتمامه الأربع فقرأ ثم ركع فلما رفع رأسه من ركوعه ذكر أنه قد كان أتم: إنه يرجع فيجلس ولا يسجد ولو سجد إحدى السجدتين لم أرَ أن يسجد الأخرى، ثم إذا قضى صلاته فليسجد سجدتين، وهو جالس بعد التسليم.
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: من قام بعد الإتمام أو في الركعتين" أي بعد الركعتين قبل أن يتشهد.(15/1)
"حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن عبد الله بن بحينة" وبحينة أمه، وهو عبد الله بن مالك بن القشب، وأما بحينة فهي أمه "أنه قال: "صلى لنا" في رواية عند البخاري: "صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظهر" كما في بعض الروايات: "ركعتين ثم قام فلم يجلس -في التشهد الأول- فقام الناس معه" قال الباجي: يحتمل أن يكونوا علموا حكم هذه الحادثة، وأنه إذا استوى قائماً لا يرجع إلى الجلسة، يعني يحتمل أن الصحابة خلفه -عليه الصلاة والسلام- عرفوا الحكم، وأنه إذا استتم قائماً لا يعود، وقد استتم، ويحتمل أيضاً أنهم جهلوا الحكم وظنوه تشريعاً، ظنوه تشريعاً لأنهم لم يسبحوا، "فقام الناس معه فلما قضى صلاته -فرغ منها- ونظرنا تسليمه -يعني انتظرنا- كبر ثم سجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ثم سلم".
والحديث في الصحيحين، وفيه مشروعية سجود السهو، وأنه سجدتان، وأنه يكبر لهما كما يكبر لغيرهما من السجود، وأن السجود في مثل هذه الصورة يكون قبل السلام، وأن من سها عن أكثر من شيء يكفيه سجدتان؛ لأنه ترك التشهد والجلوس له، واكتفى بسجدتين، وهذا عمدة من يقول: إن السجود للنقص يكون قبل السلام.
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن هرمز -الأعرج- عن عبد الله ابن بحينة أنه قال: "صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظهر" وهنا صرح بالصلاة، هناك صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتين، وهنا صرح بأنها صلاة الظهر "فقام في اثنتين ولم يجلس فيهما" أي بينهما، "ولم يجلس فيهما" يعني في نهايتهما "فلما قضى صلاته سجد سجدتين للسهو، ثم سلم بعد ذلك" من غير تشهد بعدهما.(15/2)
"قال مالك: فيمن سها في صلاته فقام بعد إتمامه الأربع" من سها في صلاته فقام بعد إتمامه الأربع في الرباعية، والثلاث في الثلاثية، أو الاثنتين في الصبح "فقرأ ثم ركع فلما رفع رأسه من ركوعه ذكر أنه قد كان أتم -الصلاة- إنه يرجع فيجلس ولا يسجد" فيمن سها في صلاته فقام بعد إتمامه الأربع، يعني قام إلى خامسة أو في الثلاثية بعد إتمام الثالثة فقام إلى رابعة، أو في الثنائية فقام إلى ثالثة، مثل هذا لما قام وقرأ الفاتحة وركع ذكر أنها زائدة ماذا يصنع؟ يجلس فوراً لا يتم بقية الركعة.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لأنه إن أتمها بطلت صلاته، الزيادة السابقة سهو معذور، لكن بقية الركعة زيادة عن عمد فتبطل الركعة، ذكر أنه كان قد أتم، أو قد كان أتم الصلاة أنه يرجع فيجلس ولا يسجد، فإن سجد بطلت صلاته؛ لأنه إذا ركع ثم ذكر يجلس ولا يسجد، ما يقول: خلاص راح الكثير ما بقي إلا القليل نكمل ها الركعة؟ نقول: لا، أنت زدت زيادة عن عمد مبطلة للصلاة، "فيجلس ولا يسجد فإن سجد بطلت؛ لأنها زيادة في الصلاة عن علم وعمد، "ولو سجد إحدى السجدتين" قام وقرأ في الخامسة وركع ورفع وسجد، ثم ذكر بين السجدتين يسجد الثانية وإلا لا؟ لا يسجد الثانية "ولو سجد إحدى السجدتين لم أرَ أن يسجد الأخرى" بل إن سجدها بطلت صلاته؛ لأنه تعمد الزيادة.
قال ابن عبد البر: أجمعوا على أن من زاد في صلاته شيئاً وإن قل من غير الذكر المباح فسدت صلاته.
"ثم إذا قضى صلاته -فرغ منها بالتشهد والسلام- فليسجد سجدتين وهو جالس" يعني لأنه زاد في الصلاة، سجود للزيادة بعد السلام "فليسجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم" للزيادة، والأصل في ذلك حديث ابن مسعود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر خمساً فقيل له: أزيدت الصلاة؟ فقال: ((وما ذاك؟ )) قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعدها، فسجد سجدتين بعدها، فمثل هذا يصلح دليل أن يكون السجود للزيادة بعد السلام، أو أنه ما عرف أنه زاد إلا بعد السلام؟ ما عرف أنه زاد إلا بعد السلام، فليس في هذا دليل على أن كل سجود للزيادة بعد السلام.
طالب:. . . . . . . . .(15/3)
قطعاً ما عرف إلا بعد السلام واضح؛ لأنه لما سلم قيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: ((وما ذاك؟ )) ما دري -عليه الصلاة والسلام-، قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعدما سلم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، فرق بين واجب وبين ركن، يعني لو ترك ركعة وطال الفصل يأتي بها وإلا يستقبل صلاته؟ يستقبل صلاته، لكن افترض أنه نسي التشهد الأول وما سجد له، وطال الفصل، والسجود واجب هاه؟ يلزمه إعادة الصلاة؟ لا، لا يلزمه إعادة الصلاة.
حال المأمومين من يعرف أنه زاد زيادة مبطلة نعم يعيد الصلاة، أو لا يتابعه من الأصل، لا يجوز له متابعته من الأصل؛ لأنه إن تابعه لا بد من إعادة الصلاة، الركعة الخامسة يعني من عرف أنها زائدة وسبق بركعة عليه أن يجلس ويأتي بركعة؛ لأن هذه الركعة زائدة لا يدرك بها شيء، وجودها مثل عدمها، لكن مثل سبحوا به، الإنسان الذي يعرف أنها زائدة يلزمه الجلوس، ينفصل بلا شك، هاه؟
طالب. . . . . . . . .
الإمام إذا كانت بطلت ركعته يأتي ببدلها كالمنفرد، نعم لو قام إلى ثالثة في صلاة التراويح هذا تقصد؟ يقولون: فكثالثة في فجر، يعني يلزمه الرجوع، نعم هات اللي عندك.
باب: النظر في الصلاة إلى ما يشغلك عنها:
جزاك الله خيراً.
باب: النظر في الصلاة إلى ما يشغلك عنها:
عن مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أن عائشة -رضي الله تعالى عنهما- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: "أهدى أبو جهم بن حذيفة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- خميصة شامية، لها علم، فشهد فيها الصلاة، فلما انصرف قال: ((ردي هذه الخميصة إلى أبي جهم، فإني نظرت إلى علمها في الصلاة فكاد يفتنني)).
قال: حدثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لبس خميصة لها علم ثم أعطاها أبا جهم، وأخذ من أبي جهم أنبجانية له، فقال: يا رسول الله ولم؟ فقال: ((إني نظرت إلى علمها في الصلاة)).(15/4)
وحدثني مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن أبا طلحة الأنصاري كان يصلي في حائطه فطار دبسي فطفق يتردد يلتمس مخرجاً فأعجبه ذلك فجعل يتبعه بصره ساعة، ثم رجع إلى صلاته، فإذا هو لا يدري كم صلى فقال: لقد أصابتني في مالي هذا فتنة، فجاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكر له الذي أصابه في حائطه من الفتنة، وقال: يا رسول الله هو صدقة لله فضعه حيث شئت".
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن رجلاً من الأنصار كان يصلي في حائط له بالقف -وادٍ من أودية المدينة- في زمان الثمر، والنخل قد ذللت، فهي مطوقة بثمرها فنظر إليها فأعجبه ما رأى من ثمرها ثم رجع إلى صلاته، فإذا هو لا يدري كم صلى، فقال: لقد أصابتني في مالي هذا فتنة، فجاء عثمان بن عفان -وهو يومئذ خليفة- فذكر له ذلك، وقال: هو صدقة، فاجعله في سبل الخير، فباعه عثمان بن عفان بخمسين ألفاً، فسمي ذلك المال الخمسين".
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: النظر في الصلاة إلى ما يشغلك عنها" يَشغَلك بفتح الياء والغين من الثلاثي شَغَل يَشغَل، أو بضم أوله وكسر الغين من (أشغل) الرباعي يُشغل، شَغَلَه كمنعه شُغلاً، شَغلاً وشُغلاً، وأشغله الرباعي لغة جيدة في قول، أو قليلة، أو رديئة، أقوال.(15/5)
"حدثني يحيى عن مالك عن علقمة بن أبي علقمة" يقول مصعب الزبيري عن أبيه: تعلمت النحو من كتاب علقمة بن أبي علقمة وكان نحوياً، "عن أمه" مرجانة مولاة عائشة -رضي الله عنها-، وسقط ذكرها ليحيى فقط، يعني وجودها في النسخ التي بأيدينا خطأ، يقول ابن عبد البر: سقط ذكرها ليحيى فقط دون غيره من روايات الموطأ "أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: "أهدى أبو جهم" ويقال: أبو جهيم، اسمه: عامر، وقيل: عبيد بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي من مسلمة الفتح، "أهدى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- خميصة شامية لها علم" كساء رقيق مربع فيه أعلام وخطوط "فشهد فيها الصلاة" أي صلى وهو لابسها -عليه الصلاة والسلام- "فلما انصرف قال لعائشة: ((ردي هذه الخميصة إلى أبي جهم، فإني نظرت إلى علمها في الصلاة فكاد يفتنني)) " والفتنة المراد بها هنا الشغل عن الصلاة، والفتنة كل ما يشغل عن الخير فتنة، كفتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [(15) سورة التغابن] فالذي يشغل عن الخير يفتن، والرسول -عليه الصلاة والسلام- وهو أعلم الناس بربه وأخشاهم وأتقاهم كادت هذه الخميصة أن تفتنه فردها، والواحد منا يصلي في الأماكن المزخرفة، وعلى الفرش المنقوشة، وبعض المساجد مع الأسف الشديد أشد من المتاحف في زخرفتها وأثاثها، وقد حدثني ثقة من الثقات أنه دخل مسجداً فوجد فيه شيخ على كرسي وحوله طلاب فقال: استفيد، إذ الشيخ جالس ما يتكلم ولا يتحدث والطلاب جالسون لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .(15/6)
لا، يصورون مشهد؛ لأنه لا يوجد أجمل من هذا المسجد يصورون فيه، وما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بتشييد المساجد، ومن علامات الساعة زخرفة المساجد، والجمهور على أنه لا تجوز زخرفة المساجد، والصلاة صحيحة، ويبطلها الظاهرية، الصلاة في المسجد المزخرف، وهناك قول لبعض أهل العلم يعرف عند الحنفية أن الناس إذا زخرفوا بيوتهم فبيت الله من باب أولى، تدخل بعض المساجد ما كأنك في مكان عبادة، أما بالنسبة للشخص الذي له نظر في الخط والرسم والزخرفة هذا لن يعقل من صلاته ولا واحد بالمائة، والإنسان يختبر نفسه، اللي ما له نظر في هذه الأمور قد يعقل بعض الشيء، ومع الأسف الشديد أن بعض طلاب العلم يتولى الإشراف على عمارة بعض المساجد، دعنا من عامة الناس. . . . . . . . . فيهم خير يعمرون المساجد بأموالهم نعم، لكن بعض طلاب العلم يشرف على عمارة بعض المساجد ويزخرفها، إذا كانت الانبجانية كادت أن تفتن أشرف الخلق -نعم الخميصة- الذي يرجع من صلاته بجميع أجرها، فيكف بمن لا يرجع منها إلا بالعشر أو ما هو أقل من العشر؟! هؤلاء يحتاجون إلى من يعينهم، والله المستعان.
يعني كأنك تقول: المقطوع به أنها ستشغله، نعم هذا مبني على حكم الخشوع في الصلاة، الخشوع في الصلاة جمهور أهل العلم على أنه سنة، فما يشغل عن الخشوع مكروه، ما نقول: لا يجوز، مكروه، وأوجب الخشوع جمع من أهل العلم منهم ابن رجب والغزالي وأطال في تقرير وجوبه، وألف فيه ابن رجب.
المقصود أن المسألة تبعاً لحكم الخشوع.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن النظر في مثل هذه الأمور تحتاج إلى قلوب بيضاء نقية مقبلة بالكلية على الله -عز وجل-، أما شخص لم يدخل المسجد. . . . . . . . . فنقول له: لا تلبس الثوب المخطط؟ نعم، الله يعفو، الله يعفو ويسامح، الله يعفو نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو إذا كان ما يلفت النظر، ما يلفت، يعني اعتاده الناس ولاكوه وصار .. ، صار لا شيء عندهم، مثل هذه الألوان الآن صارت. . . . . . . . . ما تلفت.(15/7)
يقول: "وحدثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه" مرسلاً، ووصله معن بن عيسى أحد رواة الموطأ فقال عن عائشة "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لبس خميصة لها علم ثم أعطاها أبا جهم" لأنه كاد أن يتشاغل بها وقت الصلاة -عليه الصلاة والسلام-، "وأخذ من أبي جهم أنبجانية" كساء غليظ لا علم له، سادة، "فقال له: يا رسول الله ولم؟ " لأنه رد عليه هديته فصار في نفسه شيء، ولذا طلب البديل، الانبجانية، ولم؟ "فقال: ((إني نظرت إلى علمها في الصلاة)) ابن الجوزي أورد إشكال وهو أنه كيف أنبجانية تشغل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن صلاته ووجد في الأمة من سقط السقف في المسجد ما التفت؟ وقع السقف إلى جانب مسلم بن يسار ولم يعلم به، منشغل في صلاته، مستغرق في صلاته، نعم نقول: إن هذا تشريع، هذا بالنسبة له تشريع لأمته -عليه الصلاة والسلام-، وقل مثل هذا فيما يحصل له -عليه الصلاة والسلام- من قراءته لكتاب الله -عز وجل-، وهو أعلم الناس، وأخشى الناس، وأتقى الناس، وأورع الناس، نعم وأسلمهم قلباً، ووجد بعده، بعد عصره من إذا قرأ القرآن أصيب بالغشي، لا يأتينا من ينكر يقول: هذا ما يمكن يصير؟ إلا يصير يا إخوان، فهل هذا حاله أكمل من حال الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ لكن أي حال مثل هذا الذي يصاب بالغشي أو مثل حالنا؟ لأن عندنا أمران: عندنا وارد ومورود، وارد قوي {إِنَّا سَنُلْقِي} [(5) سورة المزمل] إيش؟ {قَوْلًا ثَقِيلًا} [(5) سورة المزمل] يوحى إليه -عليه الصلاة والسلام- في الليالي الشاتية فيصاب بالرحضاء بالعرق من ثقله، الوارد ثقيل، وكلام من؟ كلام الله -جل وعلا-، والمورود بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- قوي يحصل تعادل، إذا قرأ لا يحصل له شيء من الغشي، نعم يتأثر ويبكي -عليه الصلاة والسلام-، وأصحابه على سنته -عليه الصلاة والسلام-، من جاء بعدهم يستشعرون عظمة الوارد مع ضعف المورود فيحصل لهم ما يحصل، لكن من جاء بعدهم لما طال العهد لا يستحضرون قوة الوارد، لو استحضروا قوة الوارد وقلوبهم أضعف من قلوب التابعين بدليل ما يحصل لهم من الفزع والهلع والجزع حينما يصابون بشيء من أمور دنياهم، أضعف من قلوب التابعين، لكن ما في استشعار لعظمة(15/8)
الوارد أصلاً، يعني تقرأ من القرآن أو تقرأ جريدة ما في فرق، هذا الإشكال؛ لأنه يستشكل بعضهم كيف يوجد في التابعين من يصاب بالغشي والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما يصاب؟ هل هم أكثر خشية من الرسول؟ لا، هذا سر المسألة، بعض الناس ينكر، وممن أنكر ابن سيرين أنكر، يقول: أبد الذي يغشى حطه على الجدار واقرأ القرآن إن طاح فهو صحيح، نعم، لكن لا، ما هو بصحيح؛ لأنه هذا ثابت عن كثير من السلف، ولا ينكر، وسببه قوة الوارد مع ضعف المورود، استشعار قوة الوارد، إحنا ما نستشعر، ما كان شيء يقرئ، إن بكى الإمام عرفنا أننا نصلي، وإلا الله المستعان، لكن إذا لم يستشعر الإنسان القوة، قوة الوارد مع ضعف المورود هذا لا شك أن هذا لا شيء، هناك مضايق، مضايق إنذار، مضايق يعني كيف يتصور من شخص يحزن قلبه وتدمع عينه ومع ذلكم يرضى تمام الرضا عن القدر، كحاله -عليه الصلاة والسلام- من يفعل هذا من بعده لا بد أن يحصل عنده شيء من الاعتراض، ولذلكم الذي لم يستطع التوفيق ضحك، يقول: ما أقدر أبكي ولا أعترض ما هو بصحيح، ما أستطيع، الله المستعان(15/9)
"وحدثني مالك عن عبد الله بن أبي بكر -بن محمد بن عمرو بن حزم- أن أبا طلحة الأنصاري -زيد بن سهل- كان يصلي في حائطه -بستانه- فطار دبسي -شبيه باليمامة أو هو عينها- فطفق يتردد يلتمس مخرجاً" ما قدر، لكثرة النخيل، والتصاق الجريد، الحائط مليان من النخيل كأنه مسقوف، هذا الدبسي طفق يتردد يلتمس مخرجاً "فأعجبه ذلك" أبو طلحة وهو يصلي، يناظر هذا الدبسي ذا، "فأعجبه ذلك" سروراً بصلاح ماله وكثرته، "فجعل يتبعه بصره ساعة، ثم رجع إلى صلاته" في الإقبال عليها، تذكر أنه في صلاة، ثم رجع إلى صلاته في الإقبال عليها "فإذا هو لا يدري كم صلى؟ فقال: لقد أصابتني في مالي هذا فتنة" اختبار وابتلاء وامتحان "فجاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكر له الذي أصابه من الفتنة في حائطه، فقال: يا رسول الله هو صدقة لله فضعه حيث شئت" هذه الكفارة، نعم، سليمان -عليه السلام- لما شغله حب الخير، الخيل عن ذكر ربه طفق مسحاً بالسوق والأعناق، وهنا تصدق بالحائط، قال الباجي: أراد إخراج ما فتن به من ماله تكفيراً تكفير اشتغاله عن صلاته، وهذا لا شك أنه أمر عظيم، الإنسان لا يفرط بشيء يسير فضلاً عن مثل هذا، ونظيره قوله: "حدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر -الأنصاري المدني قاضيها- أن رجلاً من الأنصار كان يصلي في حائط له بالقف -وادٍ من أودية المدينة في زمان الثمر والنخل قد ذللت" ذللت يعني مالت لثقل ما تحمله من الثمر، "فهي مطوقة" مستديرة "بثمرها" أو ثُمرها، جاء الإفراد والجمع، "فنظر إليها فأعجبه ما رأى من ثمرها، ثم رجع إلى صلاته فإذا هو لا يدري كم صلى؟ فقال: لقد أصابتني في مالي هذا فتنة" اختبار "فجاء -هذا الرجل- عثمانَ بن عفان وهو يومئذ خليفة، فذكر له ذلك الذي أصابه بسبب الحائط، وقال: هو صدقة فاجعله في سبل الخير، فباعه عثمان بخمسين ألفاً" عرف عثمان -رضي الله عنه- أنه لم يوقفه، لم يوقف عينه -أصله- وإنما أراد أن قيمته تصرف في سبل الخير، قال أبو عمر: لأنه فهم مراد الأنصاري أنه لا يريد الوقف فباعه وتصدق بثمنه، ولم يجعله وقفاً، "فسمي ذلك المال الخمسين" لبلوغ ثمنه خمسين ألفاً.
طالب:. . . . . . . . .(15/10)
يجوز له أن يترخص، وعلى كل حال العاصي لا ينبغي أن يعان على معصيته، كما هو مقتضى قول عامة أهل العلم.
يقول: إمام مسجدنا لعله يقول: مالكي يعيد التشهد دائماً، ونحن أخذنا بقول العلماء الذين يقولون: بعدم الإعادة، فماذا نفعل؟
كيف يعيد التشهد؟ ما معنى يعيد التشهد؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعيد التشهد بعد سجود السهو؟ وهذا مقتضى قول مالك؟ لا، ليس هذا مقتضى قول مالك -رحمه الله-، وعلى كل حال إعادة التشهد بعد السجود قول عند بعض أهل العلم، لكن الجماهير على أنه لا يعاد، لا يعاد التشهد بعد سجود السهو إن كان هذا هو المراد من السؤال.
يقول: ما حكم رد السلام ونحن نصلي علماً أنه إذا لم أرد .. ؟
المقصود أن رد السلام من قبل المصلي يكون بالإشارة، يكون بالإشارة كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل.
يقول: إذا دخلت مع الإمام وهو راكع هل أكبر تكبيرة واحدة للإحرام والركوع، أم يلزم تكبيرتين؟
كبر تكبيرة واحدة إن شئت، تكبيرة للإحرام ويدخل فيها تكبيرة الركوع؛ لأنهما من جنس واحد، وبلفظ واحد تتداخلان، لكن إن كبرت بنية الركوع لم تنعقد صلاتك.
يقول: أم يلزم تكبيرتين واحدة للإحرام والثانية للركوع؟
لو كبر تكبيرتين كان أكمل، لكن لو كبر تكبيرة واحدة ناوياً بها الإحرام أجزأت.
يقول: وهل الأمر هو نفسه بالنسبة إذا دخلت معه وهو ساجد؟
كذلك، الأمر كذلك.
طالب: في الفرض؟
في الفرض والنفل، الإشارة باليد ما تؤثر، هذا ما يؤثر، ما يضر، هذا ما يضر.
يقول: إذا نسي الإمام قراءة الفاتحة في الصلاة السرية هل يلزمه أن يأتي بركعة؟
نعم يلزمه؛ لأنها ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا بها، في كل ركعة، فإذا نسي من ركعة بطلت هذه الركعة، وقامت الركعة التي تليها مقامها، ثم يأتي بركعة مكانها.
وهل إذا انتهى من الصلاة يلزم المأمومين إعادة الصلاة بسقوط الركن أم لا؟(15/11)
على كل حال المبطل الذي لا يعلم به المأموم لا يكلف به، يعني كما لو صلى الإمام من غير طهارة، وانتهى من الصلاة ثم ذكر أنه على غير طهارة، المأموم صلاته صحيحة، إذا نسى الإمام قراءة الفاتحة والمأموم لا يعلم بذلك صلاته صحيحة، إن أحسن فله ولكم، وإن أساء فعليه، لكن إذا علم المأموم ببطلان صلاته ثم تابعه عليها بطلت صلاته.
يقول: هل الذي لا يكون طاهر يجوز أن يدخل المسجد؟
الجنب لا يدخل المسجد، وأما من عداه إذا كان الحدث أصغر يجوز له ذلك.
يقول: ما صحة قول من قال: إن الآداب وما جرى مجراها الأصل فيها -في الأمر بها- الاستحباب، ومن ذهب إلى الوجوب هو مطالب بالصارف؟
الأصل عند أهل العلم أن الأمر للوجوب والنهي للتحريم ما لم يوجد صارف، والجمهور على أن ما جاء في باب الآداب للاستحباب، ما جاء في باب الآداب للاستحباب، لكن هي أوامر شرعية، والأوامر مستوية، فلا بد حينئذٍ من صارف حتى في الآداب ((كل بيمينك)).
أين الحضر في القراءة خلف الإمام، أليست الفاتحة مستثناة من ذلك بقوله: ((لا تفعلوا إلا بأم القرآن))؟
هو ممنوع من القراءة خلف الإمام، ((وإذا قرأ فأنصتوا)) لقوله: ((لا تفعلوا)) ((ما لي أنازع القرآن؟ )) في قوله: ((لا تفعلوا إلا بأم القرآن)) هذا استثناء، هذا استثناء، وهو عمدة من قال بأن كل مصلٍ تلزمه الفاتحة غير المسبوق.
يقول: لو علمت أن الإمام تأخر في الركوع يعني يطيل الركوع ولم أكمل الفاتحة فلما ركع أكملتها وركعت فما الحكم؟
إذا أدركت الإمام في الركوع وتمكنت من الركوع قبل رفعه أدركت الركعة لكنك أسأت بتأخرك عنه.
ولو أنه قام من ركوعه وأنا ما زلت اقرأ أو ركعت وهو يقول: سمع الله لمن حمد؟
لم تدرك الركعة، لم تدرك الركعة ((إذا ركع فاركعوا)) يعني ولو لم تكمل قراءة الفاتحة، وحكمك حينئذٍ إن لم تفرط حكم المسبوق، إذا كان مرد ذلك عجلة الإمام.
يقول: هل في أسانيد مالك المتصلة المرفوع في شيء ضعيف؟
ممكن، لكنه قليل جداً.
يقول: وهل في بلاغاته ومراسيله في شيء من الضعف؟(15/12)
نعم، الأصل في البلاغات والمراسيل الضعف إلا ما وصل، وعرفنا أن ابن عبد البر -رحمه الله- وصل جميع هذه البلاغات، وجميع هذه المراسيل في التمهيد سوى أربعة، يأتي أول هذه الأربعة معنا في درس اليوم، وتولى ابن الصلاح وصل هذه الأربعة أيضاً.
يقول: هل المقصود بالموافقة مع الملائكة البدء معهم فقط، أم البدء والانتهاء؟
أنت لا تعلم هل وافقت أم لم توافق، لكن احرص على تطبيق السنن، وسوف توفق -إن شاء الله تعالى-.
يقول: الذي لم يغلق جهاز جواله إذا دخل المسجد يصلي هل عليه ذنب؟
كل ما يشغل المصلين ممنوع، إذا كان يتسبب في إشغال المأمومين وإلهاهم عن صلاتهم لا شك أنه يسيء.
إذا أراد أحد أن يتوضأ والمغسلة في الحمام فكيف يسمي؟
إن سمى في نفسه فلا بأس، وإن لم يسم أيضاً فلا بأس، الأمر فيه سعة -إن شاء الله-، التسمية لا يصح فيها شيء يعني ملزم.
إنسان ذكر أن ملابسه نجسة ثم نسي وصلى ثم تذكر فهل يعيد الصلاة؟
المعروف عند الحنابلة أنه في مثل هذه الصورة يعيد، فإن نسيها أو جهلها نعم أعاد، عندهم، لكن إذا ذكر ثم نسي من بداية الصلاة إلى نهايتها لا يعيد {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة].
يقول: ما قولكم في الجمعية الذي يقيمها بعض الموظفين لمدة سنة بحيث كل شهر يكون المبلغ لواحد منهم؟
هذه ليست بعقد، وإنما أشبه ما تكون بالأمانة والإيداع لحفظ الأموال، فلا أرى ما يمنع منها -إن شاء الله تعالى-.
من مسح على الخفين أكثر من يوم وليلة ومقيم ناسياً؟
يعيد ما صلى؛ لأنه تجاوز ما أذن له به.
يقول: ما حكم دعاء الصفة؟
دعاء الصفة نص شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- على أنه أمر عظيم، ونقل عليه الإجماع، الله المستعان.
يقول: ما هي مسافة القصر والجمع لمن ذهب ورجع في نفس اليوم مثل منطقة حراملة وثمامة؟
على كل حال إذا تحققت المسافة التي حددها أهل العلم أو المدة فإنه يترخص، يقول: بعض الفقهاء ممن لم يدرك هذه الآلات التي تقطع المسافات بسرعة، يقول: ولو قطعها في ساعة.
((قراءة الإمام قراءة لمن خلفه))؟
هذا حديث مضعف عند أهل العلم.(15/13)
يقول: هل إذا فرغ الإمام من قراءة الفاتحة وقرأت سورة الفاتحة ولم أتمها ثم شرع الإمام في سورة من غير الفاتحة في صلاة جهرية هل لي أن أتم سورة الفاتحة وهو يقرأ؟
إن تيسر قراءة الفاتحة في سكتات الإمام، وإلا فتتمها ولو كان يقرأ.
يقول: ما القول الراجح في قول: ألا صلوا في الرحال؟ فقال: هل تقال بدل الحيعلتين أم في نهاية الأذان؟
نعم، نعم هي مكان الحيعلتين.
يقول: هل قول الإمام أبي حنيفة هو بمنع القراءة خلف الإمام في الصلاة الجهرية فقط أم الجهرية والسرية؟ إذا لم يسكت الإمام بعد قراءة الفاتحة فأيهما أفضل للمأموم قراءة الفاتحة خلال قراءة الإمام أم خلال قراءته ما بعدها؟
هو قراءته إذا سكت الإمام بعد قراءة الفاتحة ليرد النفس يشرع المأموم في القراءة، وإذا عرف أن الإمام ليس من عادته أن يسكت، فإذا فرغ من الاستفتاح وتعوذ وبسمل فإنه يشرع في قراءة الفاتحة، هذا على القول بوجوبها على كل مصلٍ إلا المسبوق، وعرفنا أن هذا هو الذي يعضده الدليل -إن شاء الله تعالى-، وأما على قول من يقول: المأموم يقرأ في السرية دون الجهرية فيلزمه السكوت ...(15/14)
الموطأ - كتاب السهو
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
كتاب السهو: باب العمل في السهو:
عن مالك عن بن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس)).
عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إني لأنسى أو أنسى لأسن)).
عن مالك أنه بلغه أن رجلاً سأل القاسم بن محمد فقال: إني أهم في صلاتي فيكثر ذلك علي، قال القاسم بن محمد: امض في صلاتك فإنه لن يذهب عنك حتى تنصرف، وأنت تقول: ما أتممت صلاتي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الترجمة الكبرى: كتاب السهو غير موجودة في الأصول المعتمدة؛ لأن أكثر أبواب السهو، بل الأحاديث التي عليها الاعتماد في باب السهو مضت انتهت، يعني حق هذه الترجمة لو كانت موجودة قبل كم باب؛ لتشمل أحاديث السهو التي بالفعل عليها اعتماد الأحكام في السهو.
أما هذه الترجمة مقحمة هنا، والمحقق محمد فؤاد عبد الباقي يحذو حذو أصحاب المعجم المفهرس في الترقيم والترتيب يحذو حذوهم؛ لكي يتطابق عمله على ما جاء في المعجم، يخدم الطلاب بهذا لا شك، لكن ينبغي أن تكون لا على حساب الدقة في تحري الأوثق والأصح، لو وضع ترجمة في الهامش قال: كذا المعجم المفهرس وتيسيراً للطلاب تأخذ رقم وإن لم تعتمد في الكتاب، لو وضعها حاشية وتكلم عليها لا بأس، أما أن يجعلها عنوان كبير كتاب السهو، وهو في هذا الكتاب في صحيح مسلم حتى في صحيح البخاري في ترقيمه لصحيح البخاري في صحيح مسلم سنن ابن ماجه كلها تبعاً للمعجم المفهرس لألفاظ الحديث، ولذلك تجدون في الصحيح للإمام البخاري كتاب الأذان، وفيه ما يقرب من مائتي باب أكثرها لا علاقة له بالأذان، نعم الأبواب الأولى في الكتاب تبعاً لهذا، لكن باقيها من أبواب الصلاة، وتقدم تعريف السهو: أنه الغفلة عن الشيء، وذهاب القلب إلى غيره، من أهل العلم من فرق بين السهو والغفلة.(16/1)
"باب: العمل في السهو" يقول الإمام: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قام أحدكم يصلي)) " المراد بالصلاة هنا الشرعية وإلا اللغوية؟. . . . . . . . . يلبس على الإنسان في الدعاء لكي يغفل ويسهو عن دعائه، فدعاء الغافل لا يستجاب، لكن الحديث السابق: ((إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان، وإذا فرغ من الأذان أقبل، وإذا ثوب في الصلاة أدبر)) وكذا، جاء ليلبس عليه صلاته، أو ليلبس عليه صلاته يفسره ما هنا: ((إن أحدكم إذا قام يصلي)) الذي يغلب على الظن أن المراد بهذا النص الصلاة الشرعية ذات الركوع والسجود، وهي أعم من أن تكون نافلة أو فريضة.
((جاءه الشيطان فلبس عليه)) لبس بالتخفيف أي خلط {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ} يعني: يخلطوا {إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [(82) سورة الأنعام] ((فلبس عليه أمر صلاته حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم)) يعني إذا وقع هذا لأحدٍ منكم ((فليسجد سجدتين -ترغيماً للشيطان- وهو جالس)) جاء في بعض الروايات: ((بعد السلام)) وفيه حديث عبد الله بن جعفر مرفوعاً: ((من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم))، ((لا يدري كم صلى، فإذا وجد أحدكم)) يعني ذلك ((إذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس)) يعني هل يبني على الأقل؟ أو يبني على غالب ظنه؟ أو أنه لا يلتفت إلى هذا التشكيك؟ وهل هو لكل أحد؟ أو هو للمبتلى؟ لا شك أن الذي يستجيب للوساوس للشيطان في أول الأمر ويسترسل معه يبتلى، حتى يلبس عليه في كل صلاته، أو في كل صلواته.(16/2)
يقول: إن الحديث محمولٌ على من يكثر عليه مثل هذا بحيث لا يكاد ينفك منه، ويكثر منه السهو، ويغلب على ظنه أنه قد تم الصلاة فيجزيه حينئذٍ أن يسجد للسهو، وأما من يغلب على ظنه أنه لم يكمل صلاته فيبني على يقينه وهو الأقل، وسبق الكلام في المسألة وهو أنه إذا تردد هل صلى اثنتين أو ثلاثاً هل يبني على الأقل مطلقاً لأنه متيقن ما لم يجزم بأنه أتم صلاته؟ أو يعمل بغلبة ظنه فإن كان الذي يغلب على الظن أنه صلى ثلاث يعتبرها ثلاثاً ويسجد سجدتين ترغيماً للشيطان؟ وإن غلب على ظنه أنه صلى ركعتين فالأمر كذلك، وإذا وجد التردد على حدٍ سواء هل يرجح بفعل جاره الذي دخل معه الذي صف بجواره؟ هذا كله مضى، وعرفنا أنه عندهم يبني مطلقاً على الأقل، ولا يعمل بغلبة الظن ما دام الاحتمال -احتمال النقيض- موجود، ومن أهل العلم من يقول: يبني على غلبة ظنه؛ لأن جل الأحكام مبنية على غلبة الظن، ولا شك أن الخروج من عهدة الواجب بيقين ترجح مذهبهم في هذا، لكن إذا كثر إذا كان الأمر نادر يعني في الشهر مرة سهل، لكن إذا كثر كل ما صف الإنسان شك هل صلى ركعتين وإلا ثلاث؟ صلى واحدة وإلا أربع؟ مثل هذا لا بد من الحسم في موضعه، ولا بد من أن يراغم الشيطان في هذا، نظير ما قلنا في الطهارة، نظير ما سبق في الطهارة.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إني لأَنسَى -أو أُنسَّى- لأسن)) " فرق بين أَنسى وأُنسّى، أَنسى أنا يعني نسب النسيان إلى نفسه، أُنسّى نسبه لمن نساه، وجاء النهي عن قول: نسيتُ، نسيتُ كذا من القرآن ((لا تقل نَسِيت ولكن قل نُسِّيت)) يعني هل بينهم فرق؟ بينهما فرق؟ الحديث في الصحيح، لماذا؟ أيش عندك؟ يعني هل نَسي بنفسه أو نُسّي؟ نعم إذا نسبه إلى نفسه يخشى أن يكون قد دخل في قوله: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} [(126) سورة طه] وهذا خاص بالقرآن، هذا خاص بالقرآن جاء النهي عنه على وجه الخصوص.(16/3)
((أو أُنسّى لأسن)) يعني من أجل التشريع، يعني لو لم يَنسَ -عليه الصلاة والسلام- في الصلاة وزاد ونقص سهواً كيف نعرف الأحكام المتعلقة بالسهو؟ إنما يَنسى أو يُنسى للتشريع، (أو) هذه يقول الباجي: للشك، وقال بعضهم: هي للتقسيم، يعني بعض النسيان منه، وبعض النسيان من الله -عز وجل-، إذا كانت (أو) للتقسيم يكون النسيان على قسمين بعضه منه ونسبه إليه ((إني لأَنسى))، والقسم الثاني نسبه أو أضافه لفاعله الحقيقي وهو الله -عز وجل-.
هذا الحديث هو أول الأحاديث الأربعة التي لا تروى كما قال ابن عبد البر: "لا أعلم هذا الحديث روي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسنداً ولا مقطوعاً من غير هذا الوجه" وهو أحد الأحاديث الأربعة التي في الموطأ التي لا توجد بغيره مسندةً ولا مرسلة، ومعناه صحيح في الأصول، لكن وصله ابن الصلاح في جزءٍ له تولى فيه وصل هذه الأحاديث الأربعة، وصححه أيضاً ابن الصلاح، وإن قال الحافظ: إنه لا أصل له، لا أصل له، لعله يريد ما يوافق كلام ابن عبد البر، يعني لا أصل له أحياناً تطلق بإزاء لا إسناد له.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رجلاً سأل القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق فقال: إني أهم في صلاتي" أهم يعني أتوهم أني نقصتها ركعة مثلاً "فيكثر ذلك علي" يعني فيصل إلى حدٍ يشق علي اتقاؤه، بل يصل إلى حد الوسوسة فماذا أصنع؟ فـ "قال القاسم بن محمد: امض في صلاتك" ولا تلتفت إلى هذا الوهم، ومعروفٌ أن الوهم هو الاحتمال المرجوح يقابله الظن، والاحتمال المساوي هو الشك، فـ "قال القاسم بن محمد" هو أحد الفقهاء السبعة: "امضِ في صلاتك" يعني ولا تلتفت إلى هذا الوهم "فإنه لن يذهب عنك" تذهب عنك هذه الوسوسة "حتى تنصرف وأنت تقول: ما أتممت صلاتي" يعني لا يزال يلهيك الشيطان حتى تقول: ما صليت، هذا واقع كثير من ابتلي بالوسواس يصدر منهم العجائب، وتمضي الساعات وهم يحاولون الوضوء، ثم يحاولون الصلاة ولا يستطيعون، نسأل الله العافية والسلامة.
يقول: الحديث وصله ابن عبد البر بلفظ: ((إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني)).
طالب:. . . . . . . . .
لا هذا غيره، هذا حديثٌ آخر، المقصود به ((أنسى لأسن)) وهذا ((إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني)) هذا حديثٌ آخر نعم ...(16/4)
كتاب الصلاة في رمضان
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
باب الترغيب في الصلاة في رمضان:
عن مالك عن ابن شهابٍ عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى في المسجد ذات ليلة، وصلى بصلاته ناس، ثم صلى الليلة القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم، وذلك في رمضان، عن مالك عن ابن شهابٍ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوفٍ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يرغّب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة، ويقول: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) قال ابن شهابٍ -رحمه الله-: "فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكرٍ وصدراً من خليفة عمر بن الخطاب".(17/1)
يقول -رحمه الله تعالى-: كتاب الصلاة في رمضان، باب الترغيب في الصلاة في رمضان، والأعمال الصالحة كلها من صلاةٍ وصدقة وذكر ونفع لازم بمتعدي كله مطلوب في رمضان وفي غيره؛ لكنه في رمضان آكد، في رمضان آكد، باب الترغيب في الصلاة في رمضان، قال حدثني: يحيى عن مالك عن ابن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة الليل في المسجد ذات ليلةٍ من ليالي رمضان فصلى بصلاته ناس، ثم صلى الليل القابلة المقبلة التي تليها فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة بالشك، يعني هل صلى بهم ثلاث ليال، واجتمعوا في الليلة الرابعة فلم يخرج إليهم، أو أنه صلى بهم ليلتين وفي الثالثة لم يخرج إليهم، هذا شك لكن الذي في مسلم: "فلما كانت الرابعة عجز المسلم عن أهله" فدل على أنه صلى بهم -عليه الصلاة والسلام- ثلاث ليالٍ، فلم يخرج إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شفقةً عليهم، فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم من حرصكم على الصلاة، وفي رواية: ((لم يخفَ عليّ مكانكم)) ثم أبدا عذره -عليه الصلاة والسلام-: ((ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل، فتعجزوا عنها)) هذه هي العلة التي منعته من الخروج إليهم، فلم يترك الصلاة بهم جماعة نسخاً للحكم، بل الحكم باقٍ إنما الرسول -عليه الصلاة والسلام- من شفقته على أمته ترك، ولولا هذه الخشية لاستمر، ((إلا أني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها)) يعني صلاة الليل، وذلك في رمضان، وقد استشكلت هذه الخشية، كيف يخشى النبي -عليه الصلاة والسلام- أن تفرض صلاة غير الصلوات الخمس مع قول الله -جل وعلا-: ((هن خمس وهن خمسون، لا يبدّل القول لديّ)) هذا فيه دليل على أنه لن يفرض غير الخمس، فكيف تكون هذه الخشية؟ الخطابي أجاب بأن صلاة الليل كانت واجبة عليه -عليه الصلاة والسلام- مثلما قال الأخ، وأفعاله الشرعية أمرت الأمة بالاقتداء به والائتساء به، فلو واظب عليها، لو واظب عليها، مع أنهم أمروا بالاقتداء به -عليه الصلاة والسلام- لوجبت عليهم وجوب اقتداء، لا وجوب ابتداء؛ لكن هل هذا الكلام ينهض للإجابة عن(17/2)
الإشكال؟ هذا قاله الخطابي، يعني كما في النذر مثلاً؛ لكن هل إيجاب الخمس وعدم الزيادة عليها يمنع من إيجاب صلاة غير الخمس يكون وجوبها ليس بمستوى، وجوب الخمس التي هي ركن الإسلام، ولذا الحنفية على وجوب صلاة الوتر؟ صلاة الوتر وصلاة العيد، عند الحنفية واجبة؛ لكن لو قيل بالوجوب، وجوب أقل من وجوب الصلوات الخمس لكن الوجوب بهذا المستوى من القوة في وجوبه مصاف الصلوات الخمس لن يتغير الحكم، لكن إيجاب قدر زائد على الصلوات الخمس كما في النذر مثلاً، يجب الوفاء به، ولا يقول قائل: والله أنا نذرت قدر زائد عن الصلوات الخمس، والله -جل وعلا- يقول: ((لا يبدل القول لدي)) وهل عليّ غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطّوع)) إذاً ما ني مصلي.(17/3)
وحدثني عن مالكٍ عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يرغّب، يحث في قيام رمضان –صلاة التراويح- قاله النووي، ونقل الكرماني الاتفاق عليه، يعني ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً)) يعني صلى التراويح، هذا اختيار النووي بل نقل الكرماني الاتفاق عليه، وقال بعضهم بل مطلق الصلاة الحاصل بها قيام الليل، كالتهجد مثلاً، يعني إذا قلنا: أنها التراويح لا يرغّب في قدرٍ زائد على التراويح، فإذا قلنا: أنها مطلق القيام قلنا: يصلي غير التراويح، يرغّب في غير التراويح، فيقول: ((من قام رمضان إيماناً)) تصديقاً بوعد الله -عز وجل-، واحتساباً طلباً للثواب من الله -عز وجل-، لا لرياءٍ ولا نحوه، كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة، يعني من غير إيجاب، الأمر ندب وترغيب فيقول: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً)) طلباً للثواب من الله -عز وجل-، لا لأمرٍ آخر غفر له ما تقدم من ذنبه، وهو محمول عند الجمهور على الصغائر، أما الكبائر لا بد لها من توبة، ابن المنذر اختار أنه يتناول الكبائر أيضاً، وقال الحافظ أنه ظاهر الحديث، نعم رمضان شهر يجود الله به -جل وعلا- على عباده ويعتق الرقاب، ويكثر من العتق في هذا الشهر الكريم، والنص يتناول الجميع لكن مذهب الجمهور التقييد بما جاء في النصوص الأخرى ((ما لم تغشَ كبيرة)) ((ما اجتنبت الكبائر)) ودل على أن الكبائر لها شأن آخر، قال ابن شهاب: "فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والأمر على ذلك، أي ترك الجماعة في صلاة التراويح جماعة، أي ترك الجماعة في صلاة التراويح، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر أيضاً لا تصلى جماعة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- تركها، والعلة معلومة، منصوصة، خشية أن تفرض، وصدراً من خلافة عمر، صدراً هذا معطوف على خبر كان، وأما بقية خلافة عمر فهو موضوع الباب اللاحق.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في قيام رمضان:(17/4)
عن مالك عن بن شهابٍ عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القارئ أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: "والله إني لأراني لو جمعت هؤلاء على قارئٍ واحد لكان أمثل، فجمعهم على أبي بن كعبٍ، قال: ثم خرجت معه ليلةً أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: "نعمَتِ البدعة هذه، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون" يعني آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله.
عن مالكٍ عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنه قال: أمر عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أبي بن كعبٍ وتميم الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، قال: "وقد كان القارئ يقرأ بالميين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر".
فروع وإلا بزوغ؟
طالب: أحسن الله إليك عندي فروع.
هو إما فروع وهذا موجود في بعض النسخ حيث فسرها عياض بأن فروع الفجر أوائله، أو أنه بزوغ، بزوغ الفجر طلوعه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(17/5)
باب ما جاء في قيام رمضان
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: امرأة لديها مبلغ من المال ورثته من أبيها وللمحافظة عليه اشترت به مع أختها قطعة أرض، وقصدها ليس الاستثمار أو البيع أي لغير تجارة، ولقد أخرج الزكاة تلك الأرض السنة الأولى فقط، فماذا يلزمها الآن، وقد خسرت كثيراً في قيمة الأرض، وليس لها مورد آخر؟
هذه الأرض إنما اشتريت لتحفظ المال، فهي بمثابة المال –كنز- إذا كانت لتحفظ المال، أما إذا اشتراها صاحبها ليقيم عليها مشروعاً سكنياً أو تجارياً فإنها حينئذٍ ليس فيها زكاة، ولو تحولت نيته بعد ذلك إلى التجارة، ما لم يملكها بنية التجارة، وهنا اشتريت هذه الأرض لا للاستثمار ولا للتجارة، وإنما على اصطلاحهم لتمسك المال، يكون حينئذٍ حكمها حكم المال.
يقول: أرجو التنبيه على موضوع الاحتفال بعيد السنة الميلادية، وكيف الطريقة المثلى لإنكار هذا المنكر العظيم، وهو الاحتفال بعيد الكفار مع العلم أن هناك حي كامل لا توجد فيه شقة للإيجار مستأجرة ... ؟
هذا يحتاج إلى إثبات؛ لكن مشابهة الكفار ومشاركتهم في أعيادهم هذه من عظائم الأمور، هذا تشبه بهم، بل من أعظم مظاهر التشبه مشاركتهم في أعيادهم، ومشاكلتهم في الظاهر تدعو إلى المشاكلة في الباطن، فالأمر خطر جد خطير، و ((من تشبه بقومٍ فهو منهم)) نسأل الله العافية.
أحسن الله إليك:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.
عن مالكٍ عن يزيد بن رومان أنه قال: "كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- في رمضان بثلاثٍ وعشرين ركعة".
عن مالكٍ عن داود بن الحصين أنه سمع الأعرج يقول: "ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان، قال: "وكان القارئ يقرأ سورة البقرة في ثمان ركعات" فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف".
عن مالكٍ عن عبد الله بن أبي بكرٍ قال: "سمعت أبي يقول: كنا ننصرف في رمضان فنستعجل الخدم في الطعام مخافة الفجر".(18/1)
عن مالكٍ عن هشام بن عروة عن أبيه أن ذكوان أبا عمروٍ وكان عبداً لعائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فأعتقته عن دبرٍ منها كان يقوم يقرأ لها في رمضان".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب ما جاء في قيام رمضان، يسمى التراويح جمع ترويحة، وهو مأخوذ من الراحة؛ لأنهم كانوا يستريحون بين كل تسليمتين، وما ذلكم إلا لطول القيام، كما سيأتي في الخبر أنهم كانوا يعتمدون على العصي، ويقرؤون بالمئين، لا على نظير ما يصنعه بعض الناس اليوم الذين آية الدين تشكل عندهم مشكلة، تشكل مشكلة عندهم آية الدين، بعض الأئمة، يقرأها آية آيتين، والله المستعان، إذاً ما فائدة الاستراحة بين كل تسليمتين؟(18/2)
يقول: حدثني مالك عن بن شهابٍ عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري، نسبةً إلى القارة، أنه قال: "خرجت مع عمر بن الخطاب ليلةً في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع" جماعات متفرقون، نعت لفظي "يصلي الرجل لنفسه" يعني منفرداً "ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط" الجماعة اليسيرة من ثلاثة إلى عشرة، "فقال عمر -رضي الله تعالى عنه-: "والله إني لأراني" من الرأي "لو جمعت هؤلاء على قارئٍ واحد لكان أمثل" وهل يقال: أن الدين يدخله الرأي؟ أو هذا رأي من أمرنا بالاقتداء به، "لو جمعت هؤلاء على قارئٍ واحد لكان أمثل" يعني أحسن وأنشط لكثيرٍ من المصلين، بعض الناس مع الناس ينشط، بل هذا موجود عند كثير من الناس، ينشط إذا كان مع الناس، وهذه حجة كثير من النساء اللواتي يتناولن الموانع لنزول العادة، تقول: هي تنشط مع الناس تصلي مع الناس، ينشط لها، وتحرص على الخير، بخلاف ما لو قامت لوحدها، "فجمعهم على أبي بن كعب" أي جعله إماماً لهم، واختاره لما جاء في بيان مزيته في القراءة، جاء: ((أقرأهم أبي)) قال –أي عبد الرحمن بن عبد القاري-: "ثم خرجت معه ليلةً أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم" أي إمامهم، الناس يصلون وعمر خرج، دل على أن عمر لا يصلي معهم، إما مطلقاً أو في هذه الليلة على وجه الخصوص، لانشغاله بالأمور العامة، ولا يمنع أن يكون يصلي منفرداً، وبعض أهل العلم لا يصلي التراويح مع الناس في المسجد، لماذا؟ لأنه يريد أن يقوم بأكثر، يريد أن يطبق ما أثر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وعن صحابته وسلف الأمة، فهل هذا فاضل أو مفضول؟ هل الأولى أن يصلي مع الناس ويصلي مع الإمام حتى ينصرف ليكتب له قيام ليلة، أو ينفرد فيصلي في بيته ويحقق ما في نفسه من اقتداء؟
طالب:. . . . . . . . .(18/3)
ينصرف قبل الإمام؟ ما ينصرف قبل الإمام، إذا صلى مع الإمام، يعني يصلي مع الإمام ويزيد في بيته ما شاء، هذا طيب لا شك؛ لكن لنعلم أن الجماعة سنة، يعني من سنة عمر -رضي الله عنه-، فإذا تمت الصلاة في هذه الليالي المباركة، قام رمضان إيماناً واحتساباً سواء كان منفرداً أو مع الجماعة تحقق له الثواب الموعود به -إن شاء الله تعالى- بشرطه، لكن ينبغي أن يلاحظ أمر وهو إن كان الشخص ممن ترتفع منزلته عن الاتهام بحيث يقال: مفرط هذا ما يصلي، وأيضاً لا يترتب على صنيعه اقتداء من يقتدي به في ترك الصلاة؛ لأن بعض الناس يقول: لو فيها أجر صلى الشيخ، فإذا خلت المسألة عن ذلك فلا مانع من أن يصلي في بيته على ما يريده من كيفية، والله المستعان.(18/4)
نأتي إلى الكلمة أو الجملة المشكلة، والناس يصلون في صلاة قارئهم فقال عمر: "نعمت البدعة هذه" يعني الصلاة في ليالي رمضان جماعة، "نعمت البدعة" البدعة في أصل اللغة: ما عمل على غير مثالٍ سابق، هذا في اللغة، وفي الشرع: ما عمل مما يتعبد به، ولم يسبق له أصل، ليس له أصل يدل على مشروعيته من الكتاب والسنة، فقول عمر ينطبق عليه التعريف اللغوي، عمل على غير مثالٍ سابق؟ أو هناك مثال سابق فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ هذا إذاً ليس ببدعةٍ لغوية، هل ينطبق عليه التعريف الشرعي الاصطلاحي للبدعة: لم يسبق له شرعية من كتابٍ ولا سنة؟ أو سبق له شرعية؟ يعني ترك النبي -عليه الصلاة والسلام- للصلاة جماعة للتراويح، هل هو ترك نسخ أو ترك مصلحة خشية أن يفرض عليهم؟ يعني العلة منصوصة، ما في أحد استنبط علة، العلة منصوصة، فإذا زالت العلة زال الحكم، زال الترك، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: المراد بالبدعة هنا البدعة اللغوية، الشاطبي وغيره يقول: مجاز، وقررنا أنها ليست بدعة لغوية؛ لأنها عملت على مثالٍ سبق، فعلها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وليست ببدعةٍ شرعية لوجود الأصل الشرعي من فعله -عليه الصلاة والسلام- وهو وإن كان متروكاً إلا أن الترك ليس نسخاً، وإنما خشية أن تفرض، إذا لم تكن بدعة لغوية ولا مجاز، فماذا تكون؟ كيف نوجه هذا اللفظ؟ يا أخي كثير من المبتدعة يفعلون أشياء يتعبدون بها ويقولون: نعمت البدعة؛ لأن من البدع ما يمدح؛ لأن (نعم) مدح، ففي البدع ما يمدح، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعةٍ ضلالة)) إذاً ليس في البدع ما يمدح، وعلى هذا التقسيم الذي يذكره بعضهم من بدع مستحسنة وبدع قبيحة هذا لا أصل له، أو تقسيم البدع إلى الأقسام الخمسة تبعاً للأحكام التكليفية، بدع واجبة، بدع مستحبة، بدع كذا، هذا لا أصل له؛ لأنه ليس في البدع ما يمدح، يعني ((كل بدعة ضلالة)) هذا حديث، إذاً كيف يقول عمر: "نعمت البدعة"؟(18/5)
يعني هذا يكون إيش؟ التعبير من باب المشاكلة، إيش معنى مشاكلة؟ مجانسة في التعبير، يأتي بكلامٍ من جنس ما يقترح عليه {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] جزاء سيئة –الجناية سيئة- لكن معاقبة الجاني سيئة وإلا حسنة؟ إذاً تسميتها سيئة من باب المشاكلة، يقول الشاعر:
قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه **** قلت: اطبخوا لي جبةً وقميصا
مشاكلة مجانسة في التعبير، فهل هناك من قال لعمر هذه بدعة؟ ثم قال: "نعمت البدعة" ليجانس في التعبير، يعني لو عبد الرحمن هذا قال: "هذه بدعة"، قال: "نعمت البدعة" نقول: مجانسة في التعبير؛ لكن هل في أحد قال؟ نعم، كأنه افترض، ولذا في كتب البديع والمجانسة، من باب البديع يقولون: حقيقةً أو تقديراً، يعني كأن عمر تصور أن الناس يبي يقولون: هذه بدعة يا عمر، فقال: "نعمت البدعة" سبقه إلى ذلك، وهذه مجانسة، "والتي تنامون عنها" وهي الصلاة في آخر الليل "أفضل من التي تقومون إليها" لا شك أن الصلاة في آخر الليل مشهودة، وهي أفضل من الصلاة في آخر الليل بالنسبة لمن غلب على ظنه أنه يقوم في آخر الليل، أما من غلب على ظنه أنه لا يقوم آخر الليل فليعمل بوصية النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي هريرة، "وأن أوتر قبل أن أنام" هذا لمن يغلب على ظنه أنه لا يقوم في آخر الليل، أما من غلب على ظنه أنه يقوم آخر الليل فمثل هذا صلاة آخر الليل أفضل، ولا يضحك على نفسه، يقول: أبقوم آخر الليل وهو لم يعمل الأسباب، ولم ينفِ الموانع، يسهر جلّ الليل ثم يقول: أبي أقوم آخر الليل، على كل حال على الإنسان أن يعمل الاحتياطات للواجبات والمندوبات، "وكان الناس يقومون أوله".(18/6)
حدثني عن مالك عن محمد بن يوسف الكندي المدني عن السائب بن يزيد أنه قال: "أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميم الداري، قالوا: يرويه يحيى الديِري، أو الديْري، ويرويه الأكثر الداري، والذي بين أيدينا رواية يحيى: الداري، يعني موافقةً لرواية الأكثر، "أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة" اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، كما في حديث عائشة، وأنه -عليه الصلاة والسلام- ما زاد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً مثلاً يعني فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بثلاث، قال السائل: فقد كان القاري يقرأ بالمئين، المئين، مئات الآيات، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، النبي -عليه الصلاة والسلام- قام حتى تفطرت قدماه، طيب: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحج] نقول: لا يا أخي، بعض الناس يترك الواجبات بناءً على أن الدين يسر، نقول: لا يا أخي، الدين يسر لكنه تكاليف، تكاليف توعّد على تركها بالنار، نسأل الله العافية، وهذا لا شك أنه من باب الشكر لله -عز وجل-، ومن باب تسديد النقص في الواجبات، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر، أو بزوغ الفجر، يعني طلوع الفجر، أو قربه، قرب طلوع الفجر، وسيأتي أنهم يبتدرون الوقت بالسحور، على ما سيأتي، هنا في هذه الرواية أمرهما أن يقوما بإحدى عشرة ركعة.(18/7)
وحدثني عن مالك عن يزيد بن رومان المدني أنه قال: كثر الناس، أو كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاثٍ وعشرين ركعة، الرواية الأولى موافقة لفعله -عليه الصلاة والسلام-، والثانية: بثلاث وعشرين ركعة مخالفة لما جاء عن عائشة -رضي الله عنها-، ألا يمكن الجمع بينهما؟ الرواية الأولى يقرأ بالمئين، ويعتمدون على العصي، كأن هذا خيار ثاني، يعني لمن لا يطيق طول القيام يكثر من عدد الركعات، ويسنده حديث: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح فليصل واحدة توتر له ما قد صلى)) فالعمل بهذا وهذا كله جائز، وكله من السنة، فإن أراد أن يطيل القراءة يقلل عدد الركعات، وإن أراد أن لا يطيل القراءة ولا يتحمل طول القراءة يكثر عدد الركعات، والخلاف بين أهل العلم في الأمرين، أفضل طول القيام وإلا كثرة السجود؟ ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)) وطول القيام هو القنوت، أفضل الصلاة طول القيام، ذكر القيام الذي هو القراءة أفضل من ذكر الركوع والسجود؛ لكن فعل السجود أفضل من نفس القيام، ولذا بعضهم يقول: هما سيّان، فكأنهم شقّ عليهم أن يقرأ بالمئين ويعتمدون على العصي فأوجد لهم خيار آخر، فيصلون ثلاث وعشرين ويخففون القراءة.
والآن بعض الناس يتمسك بالعدد ويهمل الكيفية، يتمسك بالكمية ويهمل الكيفية، نقول: لا يا أخي، إما أن تعمل بما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- بكيفيته وكميته أو تلجأ إلى الخيار الثاني وكلاهما خير وفضل -إن شاء الله تعالى-.(18/8)
وحدثني عن مالك عن داود بن الحصين أنه سمع الأعرج يقول: "ما أدركت الناس -يعني من الصحابة والتابعين أدرك جمع من الصحابة ومن التابعين- إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان في قنوت الوتر، وقد دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- على رعل وذكوان وبني لحيان، وفيه إباحة لعن الكفرة، سواء كان لهم ذمة أو لا ذمة لهم، غضباً لله -عز وجل-، لا سيما المؤذي منهم، لا سيما من آذى المسلمين منهم، والله المستعان، إذا نظرنا إلى سبب نزول قوله -جل وعلا-: ليس لك من الأمر شيء، لما خص النبي عليه الصلاة والسلام بعض الناس باللعن، اللهم العن فلان وفلان نزل قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ} [(128) سورة آل عمران] المقصود أن التخصيص محل خلاف بين أهل العلم، منهم من يقول: أن الآية خاصة بالنهي عن لعن هؤلاء لما علم الله منهم أنهم يسلمون، ويبقى لعن من آذى بعينه، وهو قول معتبر عند أهل العلم، ومنهم من يقول: لا داعي للتخصيص، وإذا لُعن الجنس يشمل الجميع، ويبقى أن المسألة أيضاً إذا ترتب عليها مفسدة، الكفار والأعداء غافلون فأنت تنبهم على نفسك بمثل هذا، ولك مندوحة في أن تدعو عليهم في السجود، تدعو عليهم في مواطن الإجابة الأخرى، له أيضاً حظ من النظر، والمسألة مسألة مصالح ودرء مفاسد، وإذا نهينا عن أن نسب الأصنام والمعبودات خشيةً من سبهم لله -جل وعلا- فمثل هذا يضطرد في مثل هذا {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [(108) سورة الأنعام] لكن الأصل الجواز، لكن قد يقول قائل، كيف نلعن الكفرة ونلعن اليهود والنصارى ومنهم من يكتب الله له أنه يسلم؟ بل الإرادة الكونية أننا إذا دعونا بهلاكهم وبقاؤهم محتوم للإرادة الكونية، نقول: لا تعارض بين الإرادتين، نحن ندور مع الإرادة الشرعية، بغض النظر عن الإرادة الكونية، الله -سبحانه وتعالى- يفعل ما يشاء، كما أننا ندعو لعموم المسلمين بالمغفرة والرحمة وإن كان فيهم من يدخل النار ويعذب، فنحن مأمورون بالدعاء على الكفار غضباً لله -عز وجل-، ونحن مأمورون بالدعاء للمسلمين، وهذا من حقوق المسلم على(18/9)
أخيه، وعلى كل حال المسألة إذا ترتب عليها مفسدة أكبر منها كبقية إنكار المنكر والدعوة وغيرها، كلها تدخلها مصالح والمفاسد، لا بد من النظر في هذا وهذا، والدين -ولله الحمد- متكامل، على كل حال عندك أمور، الدعاء عليهم، والإعراض عنهم، الحكم بينهم، الإعراض عنهم، الصلة والهجر كلها علاج، تفعل الأنفع.
يقول: "وكان القارئ يقرأ سورة البقرة في ثمان ركعات" القارئ يقرأ البقرة في ثمان ركعات، جزئين ونصف في ثمان ركعات، يكون نصيب كل ركعة إذا قسمان الثمان والأربعين على ثمان؟ يعني ثلاث ورقات في الركعة، فإذا قام فيها في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف، استعجل، والصواب أنه لا حد محدد في ذلك، لا حد ملزم، بل هذا مرتبط بالمشقة على المأمومين وإطاقتهم ذلك، ورغبتهم في ذلك أيضاً، التنفير منهي عنه في الفريضة وفي النافلة من باب أولى، فإذا رغب المأمومون في الإطالة يطيل، إذا عجزوا عما في نفسه من إطالة أو ما في تطبيق هذه النصوص التي سمعناها، عجز عنها الناس فالأمر فيه سعة ولله الحمد، على ألا يصل إلى حدٍ يشبه التلاعب، أو فيه شيء من التفريط.
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكرٍ بن عمرو بن حزمٍ قال: سمعت أبي يقول: "كنا ننصرف في رمضان فنستعجل الخدم في الطعام للسحور مخافة الفجر" وهذا كله من طول الصلاة، ما يقول قائل: أنه يبي ينام حتى يبقى على الفجر ربع ساعة أو نصف ساعة يبي يصلي ما تيسر ويستعجل الخادم بالسحور، استدلالاً بهذا، لا يا أخي.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن ذكوان أبا عمروٍ المدني وكان عبداً لعائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أعتقته عن دبر، يعني علّقت عقته بموتها، كان يقول أو كان يقوم يقرأ لها في رمضان، أي يصلي بها إماماً، وجاء في بعض الروايات أنه يقرأ من المصحف فأخذه منه أهل العلم جواز القراءة من المصحف ولا شيء في ذلك، يمنعه بعض الحنفية ويقولون: أنه يترتب عليه فتح المصحف وإغلاقه وحمله ووضعه، نقول: فتح المصحف وحمله ووضعه ليس بأعظم من حمل أمامة في الصلاة، ليس بأعظم من ذلك ...(18/10)
الموطأ- كتاب صلاة الليل (1)
شرح: باب: ما جاء في صلاة الليل، وباب: صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الوتر.
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.
كتاب صلاة الليل: باب: ما جاء في صلاة الليل:
قال الإمام يحيى -رحمه الله تعالى-:
كتاب صلاة الليل:
باب: ما جاء في صلاة الليل:
عن مالك عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن جبير عن رجل عنده رضاً أنه أخبره أن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما من امرئ تكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة)).
عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح".
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا نعس أحدكم في صلاته فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه)).
عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمع امرأة من الليل تصلي فقال: ((من هذه؟ )) فقيل له: هذه الحولاء بنت تويت، لا تنام الليل، فكره ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى عُرفت الكراهية في وجهه، ثم قال: ((إن الله -تبارك وتعالى- لا يمل حتى تملوا، اكلفوا من العمل ما لكم به طاقة)).(19/1)
عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- كان يصلي من الليل ما شاء الله حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله للصلاة يقول لهم: ((الصلاة الصلاة)) ثم يتلو هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [(132) سورة طه].
عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول: يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها.
عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- كان يقول: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، يسلم من كل ركعتين"، قال مالك -رحمه الله-: "وهو الأمر عندنا".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: كتاب صلاة الليل:(19/2)
يعني: كتاب الصلاة التي ظرفها الليل، وصلاة الليل من أفضل الأعمال، وهي دأب الصالحين، يقول الله -جل وعلا-: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ} [(79) سورة الإسراء] ويقول -جل وعلا-: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [(16) سورة السجدة]، ويقول -جل وعلا-: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر]، المقابلة تقتضي أن يكون أهل القيام هم الذين يعلمون، وأهل الغفلة والنوم هم الذين لا يعلمون، فدل على أن العلم هذا الوصف الشريف إنما يستحقه من يعمل به، والذي لا يعمل به يستحق ضده، وهو عدم العلم {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [(9) سورة الزمر] هذا هو الباعث للمسلم على قيام الليل، ثم ذيل الآية بقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] وهم أهل القيام والعمل {وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] وهم أهل الغفلة والنوم، وإن حصلوا ما حصلوا من العلوم؛ لأن العلم الحقيقي هو ما نفع، أما العلم الذي لا ينفع فليس بعلم في الحقيقة، وإن حصل منه صاحبه ما حصل، وإن أدرك به من أمور الدنيا ما أدرك، ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله))، فالذين يحملون العلم ويستحقون هذا الوصف الشريف هم العدول، هم الذين يعملون بالعلم، أما الذي لا يعمل بعلمه ما الفائدة من علمه؟ لا فائدة، وجوده مثل عدمه، بل هو وبال على صاحبه، قد يقول قائل: إن هذه نافلة، فكيف يسلب الوصف مَن ترك النافلة؟ {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] هذه نافلة، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- عن عبد الله بن عمر: ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) فالمدح إنما عُلق على القيام، فكان عبد الله -رضي الله عنه- لا ينام من الليل إلا قليلاً، فهذا وصف أهل العلم، وهذا شأن أهل العلم، شأنهم العمل بما علموا، وما تعلموا، أما الذي لا(19/3)
يعمل فليس من أهل العلم بهذه الآية، والله المستعان.
{كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] و (ما) هذه ويش تصير؟ الهجوع ويش هو؟ الهجوع: النوم، {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] هذا هو المراد أنهم يقومون قليلاً؟ لا ينامون قليلاً؟ أو أن هجوعهم قليل؟ قليلاً من الليل الذي يهجعونه، {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] أي الذي يهجعونه، يعني الذي ينامونه؟ احتمال.
الامتثال من قبل عبد الله بن عمر الصحابي المؤتسي الممتثل ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً، وقد عُرف بهذا، عُرف بسرعة الامتثال، ((يا عبد الله كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) ماذا قال عبد الله؟ فكان عبد الله يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح".
باب: ما جاء في صلاة الليل:
صلاة الليل سنة مؤكدة عند عامة أهل العلم، وأوجب بعضهم ما يطلق عليه اسم القيام، ولو كان شيئاً يسيراً، لكنه قول مهجور شاذ، واختلف في حقه -عليه الصلاة والسلام- هل كانت صلاة الليل عليه واجبة أو ليست بواجبة؟ يقول -رحمه الله-: "حدثني يحيى عن مالك عن محمد بن المنكدر -المدني- عن سعيد بن جبير -الأسدي مولاهم الكوفي- عن رجل عنده رضاً" رضا: مصدر، رضي يرضى رضىً، مصدر، والمقصود به اسم المفعول، كما يقال: حمل يعني محمول، التعبير بالمصدر عن اسم الفاعل أو اسم المفعول يراد به المبالغة في الوصف؛ لأنه صار كأنه هو المادة نفسها، هو الرضا كله.(19/4)
يقول ابن عبد البر: "هو الأسود بن يزيد النخعي، وهو رجلاً رضاً عند سعيد بن جبير، وعند غيره من أهل العلم، وهو مصرح به في رواية النسائي، وفي إسناده أبو جعفر الرازي وليس بالقوي"، أبو جعفر الرازي اسمه إيش؟ اسمه: عيسى بن ماهان، "أنه أخبره أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما من امرئٍ)) " امرئ للمذكر، يعني: ما من رجل، وراؤه تتبع إعرابه، تقول: جاء امرؤٌ، ورأيت امرأً، وما من امرئ، كما هنا، و (ما) نافية، و (من) زائدة لتأكيد النفي، و (امرئ) مجرور بمن لفظاً، وإن كان مرفوع محلاً على إيش؟ اسم (ما) هذا إذا قلنا: إنها حجازية، وإذا قلنا: (ما) تميمية فيكون رفعه على الابتداء، ((ما من امرئ تكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم)) يغلبه عليها نوم هذا عند الباجي يحتمل أمرين: إما أن يغلبه النوم عن القيام إليها بالكلية فلا يستيقظ إلا مع طلوع الصبح، والاحتمال الثاني: أنه يقوم ليصلي فيغلبه النوم على الإتيان بها أو ببعضها، واللفظ محتمل، ((ما من امرئ تكون له صلاة بليلٍ يغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته)) التي اعتادها، التي اعتادها، أما الذي ما اعتاد الصلاة يكتب له شيء؟ ومثل هذا قل في المسافر والمريض، الذين ما اعتادوا من العبادات شيء، يكتب له شيء إذا مرض أو سافر؟ ما يكتب له شيء، إنما يكتب له ما كان يعمله مقيماً صحيحاً، وهنا يكتب له ما كان يعمله قبل ذلك، وما نواه ..
طالب:. . . . . . . . .(19/5)
نعم الذي يغلبه النوم، لكن شريطة ألا يكون غلبة النوم بسبب تفريطه، بسبب تفريطه، بعض الناس يسهر ويمني نفسه أن يقوم الليل، حتى إذا بقي على الفجر ساعة أو ساعتين قال: ننام قليلاً، ثم نقوم للتهجد، ما يتيسر، هذا تفريط، وقد ينام الإنسان من أول الليل فيحتاط لصلاة الليل بالنوم المبكر، لكنه يعرف من نفسه أن نومه ثقيل، لا يقوم إلا بمنبه، وحينئذ يحتاج إلى أن يجعل له من يرصده لتنبيهه، أما إذا فرط ما كتب له شيء، إذا فرط ولم يقم لم يكتب له شيء، ((تكون له صلاة بليلٍ يغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته)) التي اعتادها مكافئة لها على نيته، وعلى ما اعتاده من عمل الخير، ((إلا كتب الله له أجر صلاته)) يعني كاملاً موفوراً، وهنا أمران: الأول: هل يكتب الأجر كامل مثل من قام؟ بمضاعفاته؟ وهل مثل هذا اللفظ وهذا الأسلوب ((إلا كتب الله له أجر صلاته)) يعفيه من قضاء ما فاته، أو أن صلاة الليل تقضى؟ صلاة الليل تقضى بين ارتفاع الشمس وزوالها، إذاً قوله: ((إلا كتب له أجر صلاته)) بمضاعفاته، وإن كانت صلاة الليل أفضل من صلاة النهار، الأصل أن صلاة الليل أفضل من صلاة النهار، فهل إذا صلاها ضحى يكون له من الأجر مثل من صلاها بالليل؟ نعم، كتب له أجر صلاته، هذا من غير تفريط، نام عن صلاته، اللفظ يحتمل أنه ما يقضي، يكتب له الأجر ولو لم يقضِ، اللفظ محتمل لهذا، أو نقول: إن هذا النص يكتب له الأجر كاملاً كما لو صلاها من الليل إذا قضاها بالنهار لتجتمع النصوص؟ وحينئذ يكمل له الأجر الفارق بين أجر الليل والنهار، كل هذا مشروط بما إذا لم يفرط، واضح وإلا ما هو بواضح؟ الآن ظاهر اللفظ: ((إلا كتب له أجر صلاته)) من غير تعرض للقضاء، فلقائل أن يقول: ما دام يكتب له أجر صلاته ليش يقضي والأجر مكتوب؟ نعم، أو نقول: أجر صلاته إذا قضى كمل له الأجر مثلما كان يعمله ويقومه بالليل؟ وبهذا تجتمع النصوص، ((وكان نومه عليه صدقة)) لأن عندنا هذه المسألة نظير مسألة من كان يعمل المعاصي ومسرف على نفسه ثم تاب توبة نصوحاً، هل يستوي مثل هذا -مع أنه بالنص القطعي- تبدل سيئاته حسنات؟ هل يستوي هذا مع من عمله كله صالحات؟ يعني لو افترضنا أن شخصين بلغا من العمر(19/6)
سبعين عاماً، هذا مسرف منذ أن كلف إلى أن بلغ السبعين وهو في عمل المعاصي، وهذا في عمل الطاعات، فهل إذا تاب هذا وعمل عملاً صالحاً تبدل سيئاته حسنات بالمضاعفات التي حصلت للآخر؟ أو نقول: إن له أصل بدلت سيئات بـ .. ، البدل له حكم المبدل من غير مضاعفات، وهنا نقول: لا يستوي من قام من الليل مع من نام عن قيام الليل، فإذا قضى وفر له الأجر، وكمل أجره، كي تلتئم النصوص؛ لأن هذا احتمال يقول: ما أقضي خلاص ما دام وفر لي الأجر بهذا الحديث ((إلا كتب له أجر صلاته)) ليش أقضي؟ لماذا أقضي؟ وهذا نظير من قصد الجماعة، من قصد الجماعة فوجدهم قد صلوا فله مثل أجورهم، هل هذا .... له مثل أجورهم إذا صلى وإلا تقول: خلاص ما ثبت له أجر ليش يصلي؟ ما هو بنظيره هذا؟ إذاً لا بد أن يقضي، ولا بد أن يصلي ولو فاتته الجماعة، ((وكان نومه عليه صدقة)) وفيه: أن المرء يجازى على ما نوى من الخير وإن لم يعمله، كما لو عمله فضلاً من الله -جل وعلا-، إذا لم يكن المانع من قبله، إذا لم يكن المانع من قبله.(19/7)
الحديث الذي يليه: "عن مالك عن -سالم- أبي النضر" سالم بن أبي أمية، أبي النضر "مولى عمر بن عبيد الله -التيمي- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن -بن عوف- عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "كنت أنام بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجلاي في قبلته"، "كنت أنام بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجلاي –يعني والحال أن رجليها- في قبلته "، أي في مكان سجوده، في مكان سجوده لضيق المكان، لضيق المكان وإلا لم يحتج إلى غمزها، لو كان المكان يتسع يعني في قبلته أي في مكان سجوده "فإذا سجد غمزني" يعني طعن بأصبعه لأقبض رجلي عن قبلته، يعني غمزها بإصبعه تنبيهاً لها لكي تكف رجليها عن قبلته ليتمكن من السجود، "فقبضت رجلي" بالتثنية "فإذا قام بسطتهما" بالتثنية كذلك في رواية الأكثر، وفي رواية المستملي والحموي لصحيح البخاري: "رجلي"، "فقبضت رجلي فإذا قام بسطتها"، وتطلق الرجل ويراد بها الجنس، فتتفق الروايات، "قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح" ليس فيها أنوار، تصور العيش الذي يعيشه أفضل الخلق وأشرف الخلق -عليه الصلاة والسلام-، في مكان ضيق لا يستوعب أن تمد تبسط رجليها ومكان يصلي فيه! وليس فيها مصابيح، ليس فيه النور، مكان مظلم، ليوفر لهم الأجور، يعني كون الدنيا تبسط ليست علامة خير مطلقاً يعني، وليست أيضاً علامة شر على الإطلاق؛ لأن الدنيا يعطيها الله -جل وعلا- من يحب ومن لا يحب، والغالب أن بسط الدنيا يصاحبه الإعراض عن الدين، ولذا يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم)) هذا واقع كثير من الناس، يعني بعض الناس إذا ابتلي بالضراء نجح، وإن كان البعض الآخر قد لا يصبر، لكن الصبر على السراء، والشكر المناسب للنعم التي لا تعد ولا تحصى هذا الذي لا يتجاوزه كثير من الناس، أو أكثر الناس.(19/8)
"ليس فيها مصابيح" قالت ذلك اعتذاراً؛ لأنه لو كان فيها مصابيح لما احتاجت إلى غمز، لما احتاجت إلى غمز، استدل بعضهم بقولها: "غمزني" على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء، لكن ابن حجر قال: تعقب باحتمال الحائل أو بالخصوصية، والمسألة تقدمت.
استدل به على أن المرأة لا تقطع الصلاة، صلاة الرجل، المرأة لا تقطع صلاة الرجل، وبه استدلت عائشة على من قال .. ، من ذكر حديث: ((يقطع صلاة الرجل: المرأة، والحمار، والكلب)) وغضبت وقالت: "سويتمونا بالكلاب، لقد كنت أصلي بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لكن من قال بمقتضى الحديث قال: إن المار يختلف حكمه عن حكم القار، هي قارة وليست بمارة، القار يختلف حكمه عن حكم المار، أما بالنسبة للحمار فمن استثناه استدل بحديث ابن عباس أنه جاء على أتان ومر بين يدي الصف، لكنه لم يمر بين يدي منفرد ولا إمام، وسترة الإمام سترة لمن خلفه.(19/9)
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا نعس -بفتح العين، وغلطوا من ضمها- أحدكم في صلاته فليرقد)) وللنسائي: ((فلينصرف)) والمعنى واحد، لا يمكن أن يرقد حتى ينصرف، لكن هل ينصرف بعد أن يسلم أو ينصرف وهو في صلاته؟ يعني يتمها خفيفة ليجمع بين النصوص كلها {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [(33) سورة محمد] وأيضاً يمتثل مثل هذا الأمر، إيه هو إذا أتمها خفيفة لن يسب نفسه؛ لأنه ذهنه حاضر، حاضر معلق بالفراغ منها، فهو حاضر، لكن لو أتمها على هيئتها من الطول، وجدت العلة، مسألة مغالبة الآن، فإذا أراد أن يتمها خفيفة من مقتضى ذلك أن يكون قلبه حاضر؛ لأنه معلق بإتمامها، هذا نعاس وليس بنوم؛ لأنه لو قال نوم ما قال: فليرقد، هو نائم من الأصل ما يحتاج أن يقال له: "فليرقد"، فليرقد، في النسائي: "فلينصرف"، المراد به عند الأكثر .. ، المراد به التسليم من الصلاة، وإذا قالوا: التسليم من الصلاة هل معناه أنه يسلم وهو واقف وإلا .. ؟ لا بد أن يتمها؟ لا معنى للسلام في غير موضعه، لأن بعض الناس من عامة الناس إذا أقيمت الصلاة وهو في الركعة الأولى أو في الركعة الثانية قال: السلام عليكم وهو واقف، لا معنى لهذا السلام في غير موضعه، لكن هذا ما هي مسألة .... ، ما حلت إلى الآن، هذه. . . . . . . . .، أبطلت خلاص، يسلم وهو واقف؟ ما يحلها التسليم في هذه الصورة، هو مطالب بمتابعة الإمام ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) يعني انتفت الصلاة، ما تحتاج إلى تحليل ما دام انتفت، أقول: صلاة منفية لا تحتاج إلى تحليل، وتأتي -إن شاء الله تعالى-، إذا كان الإمام مثلاً في صلاة الصبح وطول الإمام وخشي على نفسه، وبدأ النعاس، ويش المانع؟ نعم، عذر، عذر أن ينصرف.(19/10)
والمراد به التسليم من الصلاة، وصححه المهلب على ظاهره، صححه المهلب على ظاهره أنه ينصرف، ولو لم تكمل صلاته، فقال: إنما أمره بقطع الصلاة لغلبة النوم عليه، فدل على أنه إذا كان النعاس أقل من ذلك عفي عنه، يعني إذا كان النعاس أقل مما اشتمل عليه الحديث بحيث يدري كيف يستغفر نعم، ولو وجد هذا النعاس مثل هذا النعاس يعفى عنه، ولا يؤثر على الطهارة، يعفى عنه ولهذا ترجم الإمام البخاري على هذا الحديث باب: "الوضوء من النوم، ومن لم يرَ من النعسة والنعستين أو الخفقة وضوءاً" نعم؛ لأنه الحكم مربوط بعلة ((لا يدري لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه)) إذا كان يدري ولو وجد النعاس الخفيف، ولذا ترجم عليه البخاري باب: "الوضوء من النوم ومن لم يرَ من النعسة أو النعستين أو الخفقة وضوءاً".(19/11)
((فإن أحدكم لا يدري)) إذا كان الشخص ديدن، بعض الناس ديدنه النعاس، لو ينام عشر ساعات ويقوم يصلي نعس، يقال له: انصرف نم؟ إذا جلس يقرأ نعس، هذا إيش يقال له هذا؟ يعني إذا كان النعاس بسبب طارئ، لكن لو نام بعد صلاة العشاء مثلاً من الساعة سبع ونصف ولا استيقظ إلا خمس ونصف مع إقامة الصلاة، نام كم؟ عشر ساعات، وجاء للمسجد ينعس، نقول له: اذهب ارقد؟ نعم، يقال: يا أخي تعالج، هذه المسألة .. ، هذا ما هو بسببه قلة النوم ليعالج بالنوم، أو شخص مبتلى بالنوم والنعاس وكلما جلس بمجلس غفا نعس مثل هذا ما يعالج بالنوم؛ لأن هذا المظنون أن النوم يزيده مثل هذا، بل قد يكون في بعض الحالات النوم نعم إذا كثر وزاد عن حده يجلب النوم، يجلب النوم، هذا شيء مجرب، فمثل هذا ما يعالج بالنوم، ما يقال: إذا نعست ارقد، لا، ابحث لك عن حل آخر، شخص والإمام يخطب مثلاً يوم الجمعة نعس يقال له: خلاص أنت نعست روح نم، صحيح هذا وارد، هذا وراد، مثل هذا يقال له: انتقل من مكانك، نعم انتقل من مكانك، اتصرف، المهم أنك .. ، اطرد النوم عنك، ((فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس)) يقول المهلب –يعني في شرحه على البخاري-: "فيه إشارة إلى العلة الموجبة لقطع الصلاة، فمن صار في مثل هذه الحال فقد انتقض وضوؤه بالإجماع" كذا قال؛ لأنه تصور أن العلة انتقاض الوضوء، مع أن العلة منصوصة في الحديث، نعم العلة منصوصة ((لا يدري لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه)) هي مظنة للحكم، يعني ما يلزم منه أن يكون كل من نعس يسب نفسه، وسيأتي، قال المهلب: "فيه إشارة إلى العلة الموجبة لقطع الصلاة، فمن صار في مثل هذه الحال فقد انتقض وضوؤه بالإجماع" يقول كذا، وفيه نظر، وما ذكره من الإجماع منتقض فقد صح عن أبي موسى وابن عمر وابن المسيب أن النوم لا ينقض مطلقاً، كذا في فتح الباري.(19/12)
((فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يذهب يستغفر)) إيش معنى يذهب؟ لعله يذهب، هل معنى الذهاب أنه يمشي وإلا ينصرف وإلا .. ؟ يشرع أو يريد أو شيء من هذا، المقصود أنه يستغفر، يريد أن يستغفر لنفسه فحينئذ يسب نفسه، فيسبَ: بالنصب ويجوز الرفع، فيسب .. ، فيسبَ منصوب بإيش؟ بأن المضمرة بعد فاء السببية الواقعة بعد الترجي، ويجوز الرفع، ومعنى يسب: يدعو على نفسه، يسب يدعو على نفسه، وصرح به النسائي في روايته، ويحتمل أن يكون علة النهي خشية أن يوافق ساعة الإجابة، قاله ابن أبي جمرة.
وفيه: الأخذ بالاحتياط؛ لأنه علل بأمر محتمل، لأنه علل بأمر محتمل، وجواز الدعاء في الصلاة من غير تقييد بشيء معين، يدعو أو يستغفر يدعو لنفسه، فيدعو لها ثم بسبب النعاس يدعو على نفسه، يقول ابن حجر: هذا الحديث ورد على سبب، وهو ما رواه محمد بن نصر المروزي من طريق ابن إسحاق عن هشام في قصة الحولاء بنت تويت" يعني الحديث اللاحق الذي بعد هذا، أورده بعد حديث الحولاء، ولذا عقب الإمام مالك -رحمه الله تعالى- هذا الحديث بسببه، عقبه بسببه.(19/13)
فقال: "وحدثني عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم -القرشي مولاهم المدني- أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمع امرأة من الليل تصلي" سمع امرأة هل سمع المرأة أو سمع خبر عن المرأة؟ نعم، رواية البخاري تدل على أنه سمع خبر عنها، سمع عائشة تذكر عن هذه المرأة من صلاتها، فهو سمع خبر هذه المرأة، وعند البخاري: "تذكر من صلاتها" وفي رواية: "يذكر من صلاتها" فقال: ((من هذه؟ )) يعني التي تتحدثون عنها؟ أو من هذه المرأة التي عندك يا عائشة؟ لأنها جاءت إلى عائشة فذكرت قصتها للنبي -عليه الصلاة والسلام-، "فقيل -القائل عائشة- له" أي للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "هذه الحولاء بنت تويت -بن حبيب بن أسد بن عبد العزى، من رهط خديجة أم المؤمنين- لا تنام الليل" لا تنام الليل، تصلي، "فكره ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى عرفت الكراهية -بالتخفيف- في وجهه" وعلامة الكراهية تكون بتقطيب الوجه، وفي وراية البخاري قال: ((مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا)) وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه، "ثم قال: ((إن الله -تبارك وتعالى- لا يمل حتى تملوا، اكلفوا من العمل ما لكم به طاقة)) ((اكلفوا من العمل ما لكم به طاقة)).(19/14)
قوله: ((مه)) أمر، أو اسم فعل بمعنى الكف، يعني كفوا عن هذا العمل الذي لا تطيقونه، وعليكم من العمل بما تطيقون، ولذا منطوق الحديث فيه الأمر بالاقتصار على ما يطاق من العبادات، ومفهومه النهي عن التكلف لما لا يطاق، والطاقة القدرة ((إن الله -تبارك وتعالى- لا يمل حتى تملوا)) وقد أكثر الشراح توجيه هذا الكلام، ووجه الإشكال فيه ((إن الله لا يمل حتى تملوا)) الملل صفة مدح وإلا صفة ذم؟ نعم هي بالنسبة للمخلوق ذم، نعم، الملل بالنسبة للمخلوق مذموم، قد يقول قائل هنا: إن الله تعالى لا يمل، فهو منفي عن الله -جل وعلا-، فهل يرتفع الإشكال بكونه منفي عنه -جل وعلا-؟ نعم، مغيا بغاية لا بد من وقوعها، إذاً هو لا بد من وقوعه على هذا، الغاية: "حتى تملوا" ملل المخلوق محقق، فما علق عليه محقق أيضاً، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ يعني إذا علقت على أمر نعم، لا بد من وقوعه، فالمعلق عليه لا بد من وقوعه، يعني لو قال لزوجته: إن قمت فأنت طالق، هل نقول: إن الحل في ألا تقوم أبداً؟ نعم؟ أو إن قعدت خلنا القعود ممكن الجلوس يطال الجلوس، لكن القيام، قال: إن قعدت فأنت طالق، أنا لا أريد تقرير الحكم أنا أريد التنظير، أنا أريد التنظير لكي تتضح المسألة، يعني إذا قال لزوجته: إن قعدت أو إن جلست فأنت طالق، وهي قائمة، لا بد من وقوع الطلاق، لماذا؟ لأنه لا بد من وقوع ما علق به، أو إن طلعت الشمس فأنت طالق، نعم، لا بد من وقوع ما علق لأنه لا بد من وقوع ما علق عليه، وهنا يقول: ((لا يمل حتى تملوا)) وملل المخلوق محقق، إذاً ما علق عليه محقق، فيه إثبات الملل لله -جل وعلا-، إما أن تقول: على ما يليق بجلاله وعظمته، ولا نعلم كيفيته، نعم، أو تقول: إنه كما قال بعض أهل العلم هذا من باب -مثلما أشرنا البارحة- من باب المشاكلة، من باب المشاكلة، وهذا قيل به، من باب المشاكلة، مجانسة في التعبير، وهذا قيل به، الله -جل وعلا- لا ينسى، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [(64) سورة مريم] إذاً ماذا عن قول الله -جل وعلا-: {نَسُواْ اللهَ فَنَسِيَهُمْ} [(67) سورة التوبة]؟ هذا من باب المشاكلة والمقابلة، تركوا العمل بالتكاليف فتركوا في العذاب، تركوا فتُركوا، {نَسُواْ(19/15)
اللهَ فَنَسِيَهُمْ} [(67) سورة التوبة] فالنسيان يراد به هنا الترك، كثير هذا، كثير أمثاله، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ} [(30) سورة الأنفال] لكن الفارق بين هذا وذاك أن هذا مثبت، {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [(15) سورة البقرة] {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ} [(30) سورة الأنفال] هذه مثبتة، لكن عندنا أن النص منفي؛ لأن بعضهم يقولون -يخرجوا هذا- على أن الله -سبحانه وتعالى- لا يمل وإن مللتم، لا يمل وإن مللتم، وينظرون هذا بقولهم: فلان خطيب أو مجادل مثلاً، ومخاصم، ويذكرون من جدله ما يذكرون، فيقولون: لا ينقطع .. ، لا تنقطع حجته حتى ينقطع خصمه؛ لأنه إذا انقطع .. ، إذا انقطع خصمه يصير فيه مدح؟ مرادهم وإن انقطع خصمه، وهنا يكون المراد إن الله -سبحانه وتعالى- لا يمل وإن مللتم، وهذا قول لبعض أهل العلم، وله شواهد.
طالب:. . . . . . . . .
نعم إيه، يعني لا يمل مطلقاً وإن وجد الملل منكم، يعني إذا حملت الغاية على بابها، إذا حملت (حتى) على انتهاء الغاية واضح من إثبات الملل لله -جل وعلا-، فإما أن يكون إثباته من باب المقابلة، أو يكون إثباتاً حقيقياً يليق بجلاله وعظمته كغيره من الصفات التي هي بالنسبة للمخلوق نقص، وبالنسبة للخالق كمال، ومذهب أهل السنة في هذا إثبات جميع ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام- ولا نتعرض لما وراء ذلك.
على كل حال المسائل التي اختلف فيها السلف للخلف فيها مندوحة، أما ما اتفقوا عليه فليس للخلف فيها مندوحة، ما أثبتوه لا بد من إثباته ولو لم تستوعبه عقولنا.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، لعل هذه رواية تفسيرية، يعني إدراج للتفسير، مجانسة، مقابلة، مشاكلة، بمعنى واحد.(19/16)
ظاهر هذا الحديث يدل على كراهية إحياء الليل كله، هذا الذي يدل عليه ظاهر الحديث، قال جماعة من أهل العلم يكره قيام جميع الليل، وبه قال مالك مرة، ومرة رجع عنه، فقال: لا بأس به ما لم يضر بصلاة الصبح، وقال الشافعي: لا أكرهه إلا لمن خشي أن يضر بصلاة الصبح، وما حفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه أحيا ليلة إلى الصبح، نعم هو في العشر الأخيرة من رمضان يشد المئزر، يشد المئزر، وجاء في بعض الألفاظ أنه لا ينام في ليالي العشر، لكن هذه حالة خاصة لاستغلال هذا الوقت رجاء إصابة ليلة القدر، وهو ظرف مؤقت بوقت فيقتصر فيه على ذلك الوقت، على كل حال من وجد من نفسه الهمة في أن يقوم نصف الليل أو ثلث الليل أو أكثر أو أقل، أو يقوم جل الليل وهذا لا يؤثر عليه، فالمطلوب من الخير .. ، الازدياد من الخير، نعم المطلوب الازدياد من الخير، ((أعني على نفسك بكثرة السجود))، النبي -عليه الصلاة والسلام- كيف نتصور أنه -عليه الصلاة والسلام- قرأ في ركعة البقرة ثم النساء ثم آل عمران في ركعة واحدة، ماذا عن الركعات الأخرى؟ وماذا عن الركوع والسجود؟ وكان ركوعه قريباً من قيامه، وسجوده قريباً من ركوعه -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أنه يحيي أكثر الليل، وحث -عليه الصلاة والسلام- على قيام داود، ولا شك أن هذا فيه رفق بالنفس، ينام نصف الليل ثم يقوم ثلثه، ثم ينام السدس، وأثر عن جمع من السلف من الصحابة والتابعين فمن دونهم إحياء الليل بأنواع العبادات، ومنهم من يقسم الليل أثلاث، ثلث ينام، وثلث يكتب، وثلث يصلي، المقصود أن ما حالنا مع حالهم إلا كما قيل:
لا تعرضن لذكرنا مع ذكرهم ... ليس الصحيح إذا مشى كالمقعدِ
ما في نسبة يا الإخوان، لكن نسأل الله -جل وعلا- أن يتداركنا بعفوه ومنه وكرمه، إنه جواد كريم، نعم.
طالب. . . . . . . . .
ما يبعد أن يقوموا الليل كامل، لأنه أثر عن عثمان أنه يقرأ القرآن في ركعة، هذا محفوظ عن عثمان -رضي الله عنه-، والشافعي -رضي الله عنه ورحمه- يقوم، وكلهم يقومون، وحفظ عن الإمام أحمد ثلاثمائة ركعة في اليوم والليلة، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(19/17)
اللي على مقتضى التوجيه لقيام داود نوم سدس الليل الأخير ووقت السحر، ووقت السحر اللي هو وقت الاستغفار، لكن ما يمنع أنه ينام إلى الصبح دائماً، يراوح أحياناً يؤخر القيام، وأحياناً يقدمه وأحياناً .. ، على حسب الحاجة، الله المستعان.
يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان يصلي من الليل ما شاء الله حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله للصلاة" عمر -رضي الله عنه- كان يصلي من الليل ما شاء الله، حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله للصلاة، لإدراك شيء من صلاة الليل، والاستغفار في هذا الوقت الذي هو السحر، وفيه دليل على أن عمر -رضي الله عنه- لم تشغله الولاية والخلافة عن أمر دينه، أمير المؤمنين، خليفة المسلمين يقوم من الليل، ويدل على أنه يقوم وقت ليس بالقليل أنه إذا انتهى من قيامه وكان من آخر الليل أيقظ أهله، ففيه: دليل على أن عمر -رضي الله عنه وأرضاه- لم تشغله الخلافة عن العبادة، وفيه: أيضاً أن الإنسان لا يحمل غيره على ما يستطيعه من عزيمة؛ لأن بعض الناس متجه إلى عمل الخير، ومعان عليه، فيريد أن يرى كل الناس يسوون مثله، "أيقظ أهله للصلاة يقول لهم: الصلاةَ الصلاةَ" بالنصب على الإغراء، "ثم يتلو هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [(132) سورة طه] " اصبر العبادة ليس لها وقت محدد، بل غايتها حتى يأتيك اليقين، واصطبر عليها {لَا نَسْأَلُكَ} [(132) سورة طه] لا نكلفك، {رِزْقًا} [(132) سورة طه] لنفسك ولا لغيرك، بل {نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ} [(132) سورة طه] الثواب والجزاء بالجنة والنعيم المقيم {لِلتَّقْوَى} [(132) سورة طه] أي لأهلها، للمتقنين، كما جاء في الآية الأخرى والعاقبة إيش؟ هنا هذه الآية التقوى هنا، لكن الآية الأخرى {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [(128) سورة الأعراف] والمراد للتقوى هنا لأهلها.(19/18)
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول: يكره النوم قبل العشاء -لما فيه من تعريضها للفوات- والحديث بعدها" الحديث بعد صلاة العشاء والسهر كل هذا مكروه، لمنعه من قيام الليل، وقد رخص في ذلك أو رخص في ذلك للتحدث مع الضيف أو مع الأهل، أو للمسافر مثلاً، أو تعلم علم وتعليمه، كل هذا مرخص فيه، وقد ترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب العلم باب: السمر في العلم، فإذا ترتب على ذلك مصلحة راجحة أو حاجة فالكراهة عند أهل العلم تزول بإيش؟ يقولون: بأدنى حاجة، الكراهة تزول بأدنى حاجة.
هذا البلاغ يقول: إنه بلغه حديث وإن كان بلاغ وموقوف على سيعد إلا أنه في الصحيحين مرفوع، رواه الشيخان من حديث أبي برزة، يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: حدثنا محمد بن سلام قال: أخبرنا عبد الوهاب الثقفي قال: حدثنا خالد الحذاء عن أبي المنهال عن أبي برزة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها.(19/19)
ثم قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، يسلم من كل ركعتين" مثنى مثنى معدول عن اثنتين اثنتين، نعم معدول عن اثنتين اثنتين، وفسر ذلك بقوله: "يسلم من كل ركعتين"، والحديث وصله الترمذي قال: حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن علي الأزدي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" وقال الترمذي: الصحيح ما روي عن ابن عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) يعني كما في الصحيحين، صلاة الليل، قوله: "الصحيح" يريد بذلك أن يعل لفظة: "النهار" يعل بذلك لفظة: "النهار" ولا شك أن لفظ: "النهار" ليست في الصحيحين ولا في أحدهما، بينما الذي فيهما: "صلاة الليل مثنى مثنى" نقول: هل هذه زيادة، والزيادة مقبولة ما لم تخالف أو أنها مخالفة ولو لم تكن المخالفة في اللفظ إنما هي مخالفة راوي من الرواة لجمع من الرواة؟ يعني إذا وجدت زيادة الثقة قد تدل القرائن على قبولها، وقد تدل القرائن على ردها، فليست الزيادة مقبولة بالإطلاق، لا، نعم يمرن الطالب في بداية الطلب على التخريج والدراسة للأسانيد والمتون بأن يقبل الزيادة، وعلى هذا عمل المتأخرين، هم يقولون: إن الزيادة .. ، (واقبل زيادات الثقات مطلقاً منهم أو من سواهم ... ) المقصود أن الزيادة لا يحكم لها بحكم عام مطرد، بل إذا دلت القرائن على قبولها قبلت، وإذا دلت القرائن على ردها ردت، ولذا يختلفون في قبول مثل قوله: {إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [(194) سورة آل عمران] وهي ليست مخالفة، في مثل قوله: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [(222) سورة البقرة] وليس فيه منافاة ولا مخالفة، هي مجرد زيادة لا تتضمن مخالفة، لكن أكثر الرواة على عدم ذكرها، فكونه يذكرها واحد من الرواة أو اثنين وغيرهم من الرواة لا يذكرونها يدل على أن فيها شيء في الجملة، لكن إذا دلت القرائن على قبولها، وقد يعرض البخاري -رحمه الله تعالى- عن ذكر لفظة في خبر تعليلاً له، هنا يقول الإمام مالك -رحمه الله-: "وهو الأمر عندنا" يعني أن(19/20)
صلاة الليل والنهار كلها مثنى مثنى، وأنها لا تصلى أكثر من ركعتين.
يقول الترمذي في جامعه: "وقد اختلف أهل العلم في ذلك، فرأى بعضهم أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، وهو قول الشافعي وأحمد" يعني لا يتطوع في النهار بأربع ركعات بسلام واحد، وهو مقتضى هذا الحديث وهو قول الشافعي وأحمد، وقال بعضهم: صلاة الليل مثنى مثنى، ورأوا صلاة التطوع بالنهار أربعاً، يعني لا مانع من ذلك، لكن لو تطوع بالنهار مثنى مثنى أصحاب القول الثاني يلومونه؟ لا يلومونه، لكن الكلام في إذا قلنا: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى لا يجوز أن نزيد على ركعتين، فإذا قلنا: صلاة الليل مثنى مثنى مفهومه أن صلاة النهار تجوز فيها الزيادة على اثنتين، وقال بعضهم: صلاة الليل مثنى مثنى، ورأوا صلاة التطوع بالنهار أربعاً، مثل الأربع قبل الظهر وغيرها –يعني والأربع قبل العصر- وغيرها من صلاة التطوع، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وإسحاق".
وعلى كل حال من يرجح قبول: "والنهار" يلتزم بألا يزيد على ركعتين لا في ليل ولا في نهار، ومن يرى أن هذه اللفظة غير محفوظة؛ لأن الأكثر على عدم ذكرها، وأعرض عنها صاحبا الصحيح، وهما هما في النقد والتحري والاختيار، قال: تجوز الزيادة على ركعتين في النهار دون الليل، ليس معنى القول الثاني أنهم يلزمون أن يصلي الإنسان أربع، لا، معناه أنهم يجيزون.
باب: صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الوتر:
أحسن الله إليك.
باب: صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الوتر:
عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة فإذا فرغ اضطجع على شقه الأيمن.(19/21)
عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه سأل عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف كانت صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان؟ فقالت: "ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً فقالت عائشة: فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ فقال: ((يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي)).
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين".
عن مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أخبره أنه بات ليلة عند ميمونة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي خالته قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأهله في طولها، فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلق فتوضأ منه، فأحسن وضوءه، ثم قام يصلي، قال ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح".(19/22)
عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن عبد الله بن قيس بن مخرمة أخبره عن زيد بن خالد الجهني -رضي الله تعالى عنه- أنه قال "لأرمقن الليلة صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فتوسدت عتبته أو فسطاطه فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر فتلك ثلاث عشرة ركعة".
يقول -رحمه الله تعالى-: باب: صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الوتر:
وهو بكسر الواو، وهو والفرد بمعنىً، وبفتح الواو الوَتر: الثأر، ومنه ما تقدم كأنما وتر أهلَه ومالَه، أو أهلُه ومالُه وهذا تقدم، والمراد بيان كيفية صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- في الليل التي منها الوتر.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة" وفي رواية مسلم: "يسلم من كل ركعتين"، يسلم من كل ركعتين، وهذه الرواية نستفيد منها تفسير قولها: "يصلي أربعاً" وأنها الأربع بسلامين، "يوتر منها بواحدة، فإذا فرغ -من وتره- اضطجع على شقه الأيمن" للاستراحة من طول القيام، يرتاح قليلاً من طول القيام، لكن من صلى إحدى عشرة ركعة ثلث ساعة مثلاً، يحتاج إلى أن يرتاح؟ نعم، بمعنى أنه هل هذه الاستراحة وهذا الاضطجاع يسن لكل قائم، أو لمن قام على صفة قيامه -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم، شخص يقول: أنا أبا أصلي إحدى عشر ركعة لكن ما يلزم أني أصلي إحدى عشر ركعة بثلاث ساعات أربع ساعات، أنا باصليها بثلث ساعة، صلاة مجزئة، الركعة بدقيقتين مجزئة، وبعد ذلك انسدح، بيحقق السنة؟ هل نقول: إن هذه الاضطجاعة على شقه الأيمن مقصودة لذاتها، أو للراحة بعد التعب في هذه الصلاة؟(19/23)
الظاهرية يبطلون صلاة الصبح إذا لم يضطجع، يبطلون صلاة الصبح إذا لم يضطجع بعد بعد ركعتي الصبح، هذه المسألة ثانية هذه، الله المستعان، أظن المقصود واضح يعني، اضطجع على شقه الأيمن، أولاً: هل هذا الاضطجاع يحتاجه كل مصلي؟ أو يشرع في حق كل مصلي؟ أو لا يشرع إلا لمن صلى كصلاته -عليه الصلاة والسلام- واحتاج إليه؟ هذا أمر، الأمر الثاني: هل الاضطجاع بعد الوتر أو بعد ركعتي الصبح؟ نعم، الآن عندنا الحديث ظاهر، "فإذا فرغ اضطجع على شقه الأيمن" أنه من الوتر، وهكذا اتفق عليه رواة الموطأ، وأما أصحاب ابن شهاب فرووا هذا الحديث عنه بإسناده وجعلوا الاضطجاع بعد ركعتي الفجر لا بعد الوتر، لكن ما الذي يمنع من الاضطجاع بعد الوتر وبعد ركعتي الصبح؟ إيش اللي يمنع؟ ما في ما يمنع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا صلى ركعتي الصبح اضطجع على شقه الأيمن ونصب يده اليمنى، ونام عليها، لئلا يستغرق، المسألة في .. ، هل يكون بعد الوتر كما في هذا أو بعد ركعتي الصبح كما هو ثابت عن عامة أصحاب ابن شهاب عنه؟
على كل حال من أراد أن يقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا فلن يحرم الأجر، لكن ليس معنى هذا أنه يقول: أضطجع ثم ينام ويترك الصلاة، لا؛ لأن بعض الناس يقول: أبي أحافظ على هذه السنة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يضطجع وينعس ويسمع له خطيط، إلا أنه -عليه الصلاة والسلام- كان تنام عيناه، ولا ينام قلبه، نعم.
طالب. . . . . . . . .
فيه هذا وهذا، هذا ثابت بالأسانيد الصحيحة، كونه اضطجع بعد الوتر ثابت كما هنا عندنا، ما يمنع أبداً، أو نقول: مثل هذا الاضطجاع المذكور في هذا الحديث للحاجة، والاضطجاع بعد ركعتي الصبح هو القاعدة المستمرة؟ هو القاعدة، إذا أمكن التوفيق ليش نوهم إمام حافظ نجم السنن، نعم، لا يمنع أن يكون الكل محفوظ(19/24)
"فليضطجع" من حديث عبد الواحد بن زياد، شيخ الإسلام يقول: وهم، نعم، يقول: وهم، عبد الواحد بن زياد وهو ثقة، وإنما المحفوظ من فعله -عليه الصلاة والسلام- لا من أمره، هذا كلام شيخ الإسلام، ونقول: لا داعي لتوهيم الحافظ، ونقول: لا مانع من أن يتوافر الفعل مع القول أنه يضطجع ويأمر به، ويش المانع أن يكون أمر توجيه؟ أمر توجيه، نعم؟
طالب. . . . . . . . .
يا أخي المحدثين ليست لهم قاعدة في هذا، ليست هناك قاعدة مطردة، إذا دلت القرائن على أن عبد الواحد بن زياد وهو من الثقات حفظ هذا اللفظ إيش المانع أن يقبل؟ نعم، ما في ما يمنع وهو ثقة، يعني لو الشخص ما هو بثقة غلب على الظن عدم الحفظ، لكن ثقة، الذي يغلب على الظن أنه حفظ، فليست هناك قاعدة مطردة في مثل هذا إنما الحكم للقرائن.(19/25)
"وحدثني عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه سأل عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف كانت صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان؟ فقالت: "ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعاً" ونستحضر ما قيل في الرواية السابقة: "يسلم من كل ركعتين"، "فلا تسأل عن حسنهن وطولهن -أي أنهن في نهاية الحسن والطول- ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن" يعني كذلك، "ثم يصلي ثلاثاً" فيكون المجموع إحدى عشرة، لماذا لم تقل: يصلي ثمانياً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن؟ لأنهم يستريحون بعد كل تسليمتين، هذا أصل في الفصل بين التسليمة الثانية والثالثة، "ثم يصلي ثلاثاً، فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ فقال: ((يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي)) " أحياناً ينام -عليه الصلاة والسلام- بعد القيام، وقبل الوتر، أحياناً يصلي الوتر، ثم يصلي ركعتين ثم يرجع ينام، ثم يقوم فيصلي ركعتين وهكذا، المقصود أنه يحافظ على صلاة الليل، ويكون ديدنه ذلك، وعلى أي وجه أداها في أول الليل، في آخره، في أثنائه، جمعها، فرقها، الأمر فيه سعة، لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، الثلاثة عشرة فيها إشكال؟ سيأتي في حديث ابن عباس أنه صلى ثلاثة عشرة، يعني ركعتين، ركعتين، ست مرات ثم أوتر، أقل الأحوال أن تكون ثلاثة عشرة، والوتر يحتمل أن يكون أكثر من واحدة، فقولها: "لا يزيد"، "ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره" هذا على حسب علمها، وقد علم غيرها الزيادة، فلا تنكر الزيادة، فلا تنكر الزيادة، نعم الغالب من أحواله -عليه الصلاة والسلام- الإحدى عشرة؛ لأنها أعرف الناس به، لكن لا تنكر الزيادة لثبوتها من طريق غيرها، يعني مثل نفيها صيام العشر -عشر ذي الحجة- مع أن غيرها أثبت، أثبت الصيام، لا يلزم أن يرجح قولها على كل حال، نعم تخريج مسلم له دليل على أنه من حيث الصناعة أرجح مما روي في غيره، لكن يبقى أنه للنظر فيه مجال، للنظر فيه مجال، والصحابة -رضوان الله عليهم- رد بعضهم على بعض، وهذا لا يمنع؛ لأنه ليس أحد معصوم، نعم، فلا مانع من الزيادة على(19/26)
إحدى عشرة لثبوت الثلاثة عشرة، وأيضاً الخمسة عشرة جاء فيها ما جاء، وجاء الإطلاق، جاء الإطلاق: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) فالإنسان يفعل الأرفق به، إن اقتصر على الإحدى عشرة فامتثل الكمية فعليه أن يعمل بالكيفية، وإن رأى أن التزامه للكيفية شاق عليه، ورأى العمل بالأحاديث الأخرى المطلقة غير المقيدة فالأمر فيه سعة، وأما حديث ابن عباس: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر"، هذا رواه ابن أبي شيبة، لكن إسناده ضعيف، إسناده ضعيف.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة" يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة، "ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين"، وهذا نص في أن الركعتين الزائدتين غير ركعتي الصبح، منهم من يقول: إنه يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين، فيكون مراد عائشة صلاة الليل التي هي الموصوفة بهذه الصفات، وما قبلها ركعتان خفيفتان، ومنهم من يقول: إن الركعتين الزائدتين في حديث عائشة وحديث ابن عباس وفي الأحاديث الأخرى راتبة إيش؟ اللي هي راتبة العشاء، على كل حال الأمر ليس فيه تحجير، من صلى إحدى عشر وأطالها ولا تسأل عن حسنهن فذلك المطلوب، لكن إن زاد وخفف وعمل بالأحاديث المطلقة ((صلاة الليل مثنى مثنى)) فلا مانع من ذلك -إن شاء الله تعالى-.(19/27)
يقول: "وحدثني عن مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب"، "عن مخرمة بن سليمان -الأسدي الوالبي- عن كريب -بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم- مولى ابن عباس أن عبد الله بن عباس أخبره أنه بات ليلة عند ميمونة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي خالته" ميمونة بنت الحارث الهلالية، وأمه أم الفضل بنت الحارث، أخت ميمونة، "وهي خالته"، وهنا فيه: مبيت الصغير عند محرمة، وإن كانت متزوجة وعند زوجها، "قال: فاضطجعت في عرض الوسادة" العرض: ضد الطول، "في عرض الوسادة" وهي ما يوضع عليها الرأس للنوم، "واضطجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأهله في طولها، فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل، أو بعده بقليل"، هذا دليل على التحري، تحري الدقة، ما قال: نصف الليل، وقبله بقليل أو بعده بقليل ما يحتاج أن يشار إليه، فتحرى الدقة في التعبير، "استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران" {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [(190) سورة آل عمران] إلى آخره، "ثم قام إلى شن" الشن القربة الخلقة القديمة، "إلى شن معلق فتوضأ منه -من الشن- فأحسن وضوءه، ثم قام يصلي، قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع" مقتضى ذلك أنه مثل ما صنع أنه مسح النوم من عينيه بيده، وأنه قام إلى الشن وتوضأ، وقرأ الآيات، وفعل كل ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا مقتضى المماثلة، فهذا يقتضي أنه فعل كل ما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، "ثم ذهبت فقمت إلى جنبه" الأيسر، وظاهره المساواة، "إلى جنبه" ظاهره المساواة، وهو أنه لم يتأخر عنه قليلاً كما قال بعض أهل العلم: إن الإمام يتقدم على المأموم وإن كان بجانبه، "فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها" هو على جنبه الأيسر فكيف وضع النبي -عليه الصلاة والسلام- يده اليمنى على رأسه؟ هكذا؟ أو بعد التحويل؟ بعد التحويل، "وأخذ بأذني اليمنى" هاه، اللي جنبه أذنه اليسرى بعد التحويل، هكذا من الخلف، لا مانع، لا مانع، يدلكها للتأنيس والمداعبة،(19/28)
وهذا عمل يسير وهو الصلاة، عمل يسير جداً، "فصلى ركعتين، ثم ركعتين" ذكر ذلك ست مرات، اثنتا عشرة ركعة، يفصل بين كل ركعتين، يعني ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، يعني ست مرات، "ثم أوتر" يعني بواحدة على الأقل، بواحدة فيكون المجموعة ثلاثة عشر، أوتر بثلاث يكون المجموع خمسة عشرة، إن أوتر بأكثر .. ، لكنه أوتر، ما قيل: بواحدة ولا أكثر، ولا .. ، "ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن " بلال، "ثم أوتر -بواحدة على الأقل- ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن -وهو بلال- فصلى ركعتين خفيفتين" يعني هما ركعتا الفجر، وهذا وصف لركعتي الصبح وأنهما خفيفتان، وجاء من حديث عائشة تقول: "لا أدري اقرأ بفاتحة الكتاب أم لا؟ " فدل على أن من صفة ركعتي الصبح أنهما خفيفتان، نعم، "ثم خرج -من الحجرة- فصلى الصبح" في الجماعة، -عليه الصلاة والسلام-.(19/29)
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر -بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري- أن عبد الله بن قيس بن مخرمة –المطلبي- أخبره عن زيد بن خالد الجهني –المدني- أنه قال: لأرمقن الليلة صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فتوسدت عتبته" لأرمقن الليلة صلاة رسول الله، الرمق: النظر إلى الشيء بشزر، يعني من جانب، من أحد الجانبين إما اليمين وإما الشمال، نعم، كأنه ينظر إليه شزراً، "لأرمقن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فتوسدت عتبته" أي عتبة الباب، جعلها له كالوسادة، "فوضع رأسه عليها أو فسطاطه" البيت من الشعر، وهذا شك، والرمق هنا وتوسد العتبة هذا ليس من التجسس المذموم، وإنما هو ليعرف كيف يفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- للاقتداء، ليقتدي به، ليس معنى هذا أن الإنسان يضع رأسه على عتبة جاره يستمع ويقول: لنا سلف في هذا، لا، هذا يريد أن يقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، "فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين" مقتضى ذلك أن يقول: طويلتين، طويلتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين، مقتضى ذلك أن يقول: طويلتين، مرة واحدة، "وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين" يعني بدون وصف بالطول، "هما دون الركعتين اللتين قبلهما" لأنه وصف الركعتين الأوليين بالطول ثلاث مرات، واللتين بعدهما دون اللتين قبلهما مقتضاه أن يكرر الطول، ومقتضى الثالثة أن يأتي بالوصف مرة واحدة، ومقتضى الرابعة أن يأتي بهما بغير وصف، "ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما" كم؟ "ثم أوتر فتلك ثلاث عشرة ركعة"، وعرفنا أن العدد غير مقيد، فإن عمل بالقيد مقتدياً مؤتسياً وجاء بالكمية والكيفية على ما أثر عنه -عليه الصلاة والسلام- فقد أحسن، وإن عجز عن الكيفية وأراد أن يزيد في العدد فلا مانع من ذلك عملاً بالأحاديث المطلقة.
هذا يقول: ذكرتم أن من كان في نافلة وأقيمت الصلاة وأراد قطعها أنه لا يسلم وهو واقف، فكيف بما ورد في صحيح مسلم في قصة الشاب الذي صلى خلف معاذ فطول بهم فانصرف من الصلاة مع معاذ وسلم؟(19/30)
انصرافه هذا بعد أن أتم صلاته، فتم لنفسه وهذه بإحدى الروايات في مسلم، هي محمولة على الروايات الأخرى أنه نوى الإنفراد فأتم لنفسه، ثم سلم.
يقول: أنا شاب أحاول منذ أكثر من سنة أن أقوم الليل، ولكن إذا استيقظت بسبب المنبه أجد ثقلاً ووساوس وتسويف في نفس اللحظة فأعود للنوم، فإذا جاء من الغد أنبت نفسي ولمتها، وهذا حالي منذ أكثر من سنة، أرجو أن تدلوني على سبب جوهري يعنني على ذلك؟
أولاً: عليك أن تصدق اللجأ إلى الله -جل وعلا-، وأن تستمر في المجاهدة، فقيام الليل من أشق الأمور على النفس، من أشق الأمور على النفس القيام بعد النوم، {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا} [(6) سورة المزمل] هذا ثقيل جداً، يعني سهل على الإنسان أن يسهر الليل فإذا بقي من الليل جاء الثلث قام يصلي سهل، لكن أشد من ذلك أن ينام ثم يقوم لصلاة الليل، هذا أشد بلا شك، والمسألة تحتاج إلى جهاد، وما من مسلم يعمل عملاً إلا ولا بد أن يمر بمرحلة الجهاد التي هي مرحلة الاختبار، والسلف كثير منهم أثر عنه أنه جاهد نفسه لقيام الليل سنن، ثم تلذذ به بعد ذلك، تلذذ بقيام الليل بعد ذلك، فعليك أن تجاهد وتصدق اللجأ إلى لله -جل وعلا-، ثم يعنيك -جل وعلا-.
يقول: كيف يصلون في الحرم عشرين ركعة ما هو الحديث الذي استدلوا به؟ هذا السؤال من الإمارات.
استدلوا بالأحاديث المطلقة: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح فليصلي ركعة توتر له ما قد صلى)) فبهذا الإطلاق عملوا، ونظراً لعدم إطاقة الناس الكيفية التي جاءت في وصف صلاته -عليه الصلاة والسلام- "فلا تسأل عن حسنهن وطولهن" لجأوا إلى الإطلاق مع كثرة الركعات عملاً بالأحاديث المطلقة كما ذكرنا، وبقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) وأهل العلم .. ، نعم عمر أيضاً أمر أبياً أن يصلي بهم في إحدى عشرة ثم بالعشرين.(19/31)
هو الكلام على أنه كله عمل، يعني المسألة مفترضة في شخص يبي يصلي ساعتين، هل يصلي في هاتين الساعتين إحدى عشرة أو يصلي عشرين؟ نقول: صلِ إحدى عشرة في الساعتين أفضل، لتوافق الكمية والكيفية، لكن إن قال: لا أنا باصلي إحدى عشرة ركعة في نصف ساعة، أو أصلي عشرين بساعة؟ نقول: لا العشرين أفضل.
يقول: هل ورد في النصوص إثبات الحياء لله، {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ} [(26) سورة البقرة]؟
نعم؟ حيي كريم، نعم، المقصود أنه ثابت، ورد نفيه، وورد إثباته، والمنفي المقرون بما ذكر، لا يستحيي من ضرب المثل، نعم، لكنه يستحيي أن يرد من رفع يديه إليه صفراً.
يقول: هل من صلى خمس ركعات مع الوتر في ساعتين مثل أجر من صلى إحدى عشرة في ساعتين؟
لا، من صلى إحدى عشرة لموافقته الكيفية والكمية أفضل، لكن المسألة .. ، المفاضلة بين من يصلي إحدى عشرة في نصف ساعة أو عشرين في ساعة نقول: لا، العشرين أفضل في ساعة.
يقول: إذا فاتني الوتر فمتى أقضيه؟
بعد ارتفاع الشمس، وزوال وقت النهي إلى زوال الشمس يقضيه، فإذا كان ممن يوتر بثلاث يأتي بأربع ركعات، وإذا كان يوتر بخمس يأتي بست، وإذا جرت عادته الوتر بسبع يصلي ثمان إلى آخره.
طالب:. . . . . . . . .
تعمد ترك القيام، تعمد والأمر مستوي عنده أو لأنه محتاج إلى النوم أو شيء من هذا؟ محتاج للنوم ينام ويقضي الحمد لله ...(19/32)
الموطأ- كتاب صلاة الليل (2)
شرح: باب الأمر بالوتر، وباب: الوتر بعد الفجر، وباب: ما جاء في ركعتي الفجر.
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تقول: والداي يعملان في بنك ربوي هل تأكل من مالهما أم تأخذ من مال أخوات عرضوا عليها أن يعطوها مال لكن قليل؟
على كل حال إذا كان المال كله من الربا لا يخالطه مال حلال فلا يجوز الأكل منه، والعيش على أوساخ الناس، وتكفف الناس، والأخذ من صدقات الناس أفضل من أن يبنى الجسد على السحت، نسأل الله العافية.
يقول: هل إذا أدركني الصبح وصليت ركعة الوتر فقط يحسب لي قيام ليلة أم لا بد من الشفع؟
يكفي الركعة لمسمى الوتر، أما قيام ليلة فلا يحسب، قيام ليلة لا يحسب بمجرد ركعة، نعم، إنما الوتر يدركه من صلى ركعة قبل طلوع الفجر.
لماذا خص النبي أبا هريرة، وأبا الدرداء، وأبا ذر بالصلاة قبل النوم؟
لأن كأنه لحظ عليهما أنهما يغلب على الظن أنهما لا يستيقظا في آخر الليل.
إذا كان الذي يوتر ليس من عادته الوتر، فأراد يوماً أن يوتر بعد الفجر أكان له ذلك، أم يشترط أن يكون من الذين اعتادوا على الوتر فنام عن وتره فأوتره، فأوتر فجراً؟
القضاء لمن عنده أداء، الذي يؤدي الوتر ثم يفوته يقضيه، أما الذي لا يؤديه بوقته يقضي إيش؟ ماذا يقضي الذي ليس عنده شيء يؤديه، لكن إذا ندم أنه ما أوتر في الأيام الماضية، وقال: هذه أقرب ليلة ويمكن قضاء وترها بعد ارتفاع الشمس وصلى ما كتب له شفعاً أربع ركعات، ست ركعات، ثمان، عشر، أكثر، لا بأس -إن شاء الله تعالى-.
ما الراجح في الوتر وصله أم فصله؟
الوتر على حسب ركعاته إن كان يريد أن يوتر بإحدى عشرة فيفصل، يسلم من كل ركعتين، وإن كان يريد أن يوتر بتسع فبسلام واحد، يجلس بعد الثامنة ولا يسلم، إن كان يريد أن يوتر بسبع بسلام واحد، بخمس بسلام واحد، بثلاث وهكذا.
كيف استدل البعض بهذا الحديث على عدم كفر تارك الصلاة؟
لأنه علقه بالمشيئة، علقه بالمشيئة.
يقول: لو كان الرجل ساكناً بمفرده فهل تحرق .. ، نحرق داره وهو فيها؟(20/1)
على كل حال هذا الأمر لولي الأمر إذا رأى أن هذا المنكر شاع في الناس، ولا يمكن القضاء عليه إلا بما هم به النبي -عليه الصلاة والسلام- وجزم بأنه .. ، بأن العلة منتفية لا يوجد فيه نساء ولا ذرية، له ذلك.
يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- ((أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)) هل الأمر يقتضي الوجوب؟
نعم يقتضي الوجوب.
فهل إن كان الأمر يقتضي الوجوب فالشعب المسلم آثم؟
هذه الأمور مربوطة بولاة الأمور، هذا الأمر مربوط بولاة الأمور، وليس لعامة الناس، هناك أمور تختص ولي الأمر، وهناك أمور تختص أفراد الناس بأعيانهم، فمثل هذه الأمور العامة لمن يلي أمر العامة.
يقول: إذا كان شخص يصلي قيام ليل فلما وصل إلى صلاة آخر ركعة سمع الأذان فهل يبدأ فيها أم يقضيها؟
على كل حال مع ما يقال بأن التقويم متقدم على الوقت فلا مانع من أن يصلي ركعة، لا سيما مع وجود من يقضي الوتر بعد طلوع الفجر من السلف وقد عرفناهم.
يقول: هل إذا صلت المرأة جماعة يكتب لها أجر سبعة وعشرين صلاة؟
الأصل أن الجماعة للرجال، وأن المرأة صلاتها في بيتها أفضل لها، وبيتها خير لها، فلا يكتب لها سبعة وعشرين درجة.
طالب:. . . . . . . . .
والله عاد على حسب المصلحة المترتبة على ذلك، إن قالوا: فرادى بيكسلون، أو يصلون صلاة على غير الوجه المطلوب، والجماعة أنشط لهم نقول: الجماعة أفضل وهكذا.
ما هي الصلاة التي أحرم بعدها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهل هي حجة لصلاة الإحرام؟
هذا يأتي -إن شاء الله تعالى- في كتاب المناسك، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أحرم بعد أن صلى ركعتين صلاة الظهر، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- في المناسك.
هل يجوز أن أصلي في البيت لأن المسجد أبعد مني؟ إيش معنى أبعد مني؟ يعني بعيد، ولا أسمع الأذان؟
إذا لم تسمع الأذان فلك رخصة، لك مندوحة، لكن إذا ارتكبت العزيمة وتجشمت المصاعب، وجئت إلى الصلاة فأبشر وأمل خيراً -إن شاء الله تعالى-.
ما الراجح في مسألة قضاء سنة الفجر؟
يجوز قضاؤها بعد الصلاة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقر من قضاها، ويجوز أيضاً قضاؤها بعد ارتفاع الشمس، والله أعلم.(20/2)
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اجزِ شيخنا عنا خير الجزاء، ووفقه لما تحب وترضى يا ذا الجلال والإكرام.
باب الأمر بالوتر:
قال الإمام يحيى -رحمه الله تعالى-: باب الأمر بالوتر:
عن مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صلاة الليل فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)).
عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز أن رجلاً من بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلاً بالشام يكنى أبا محمد يقول: إن الوتر واجب، فقال المخدجي: فرحت إلى عبادة بن الصامت -رضي الله تعالى عنه- فاعترضت له، وهو رائح إلى المسجد، فأخبرته بالذي قال أبو محمد، فقال عبادة -رضي الله تعالى عنه-: "كذب أبو محمد، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((خمس صلوات كتبهن الله -عز وجل- على العباد فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأتِ بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة)).
عن مالك عن أبي بكر بن عمر عن سعيد بن يسار قال: كنت أسير مع عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- بطريق مكة، قال سعيد: فلما خشيت الصبح نزلت فأوترت، ثم أدركته فقال لي عبد الله بن عمر أين كنت؟ فقلت له: خشيت الصبح فنزلت فأوترت، فقال عبد الله: أليس لك في رسول الله أسوة؟ فقلت: بلى والله، فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يوتر على البعير".
عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: "كان أبو بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- إذا أراد أن يأتي فراشه أوتر"، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يوتر آخر الليل، قال سعيد بن المسيب: "فأما أنا فإذا جئت فراشي أوترت".(20/3)
عن مالك أنه بلغه أن رجلاً سأل عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- عن الوتر أواجب هو؟ فقال عبد الله بن عمر: قد أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأوتر المسلمون، فجعل الرجل يردد عليه وعبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- يقول: "أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأوتر المسلمون".
عن مالك أنه بلغه أن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تقول: "من خشي أن ينام حتى يصبح فليوتر قبل أن ينام، ومن رجا أن يستيقظ آخر الليل فليؤخر وتره".
عن مالك عن نافع أنه قال: "كنت مع عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- بمكة والسماء مغيمة فخشي عبد الله الصبح فأوتر بواحدة، ثم انكشف الغيم، فرأى أن عليه ليلاً فشفع بواحدة، ثم صلى بعد ذلك ركعتين ركعتين، فلما خشي الصبح أوتر بواحدة".
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- كان يسلم بين الركعتين والركعة في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته.
عن مالك عن ابن شهاب أن سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عنه- كان يوتر بعد العتمة بواحدة.
قال مالك -رحمه الله-: "وليس على هذا العمل عندنا، ولكن أدنى الوتر ثلاث".
عن مالك عن عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- كان يقول: "صلاة المغرب وتر صلاة النهار".
قال مالك -رحمه الله-: "من أوتر أول الليل ثم نام ثم قام فبدا له أن يصلي فليصل مثنى مثنى فهو أحب ما سمعت إلي".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول -رحمه الله تعالى-: باب الأمر بالوتر:(20/4)
الأمر بالوتر، جاء الأمر به ((أوتروا أهل القرآن)) يعني: يا أهل القرآن أوتروا، ((فإن الله وتر))، والخلاف في حكمه معروف عند أهل العلم، الجمهور على أنه سنة مؤكدة، وأوجبه الحنفية للأمر، يقول ابن حجر في فتح الباري يقول: إن البخاري -رحمه الله- لم يتعرض لحكمه، لم يتعرض لحكمه، لكن إفراده بترجمة عن أبواب التهجد والتطوع يقتضي أنه غير ملحق بها عنده، لكن هل في هذا ما يدل على الوجوب؟ كونه أفرده بترجمة غير التطوع والتهجد؟ لا يعني الوجوب، وإنما يفرد للاختلاف في الصفة، ولأنه نوع مستقل غير التهجد وغير التطوع.(20/5)
يقول: "ولولا أنه أورد الحديث الذي فيه إيقاعه على الدابة لكان في ذلك إشارة إلى أنه يقول بوجوبه"، ترجم البخاري -رحمه الله- باب: الوتر على الدابة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يفعل الفريضة على الدابة، إذاً الوتر ليس بفريضة، وعلى كل حال ليس في ترجمة البخاري وفي إفراده ما يدل .. ، ما يوحي ولا يشم منه الوجوب؛ لأن الإفراد لا يقتضي الوجوب، لكي نرجح عدم الوجوب بكونه فعله على الدابة، ونقل الحافظ ابن حجر -رحمه الله- عن ابن التين أنه اختلف في الوتر في سبعة أشياء، وزاد عليها ابن حجر أشياء حتى بلغت ستة عشر، مسائل اختلف فيها في الوتر، وهي أشبه ما تكون بعناصر لمن أراد أن يكتب في الوتر مثلاً، اختلف في الوتر في سبعة أشياء: في وجوبه، هذا العنصر الأول، المسألة خلافية في وجوبه، المسألة الثانية أو الشيء الثاني: اختلف في عدده، والخلاف في وجوبه فيه مادة علمية، والاختلاف في عدده أيضاً كذلك، الشيء الثالث: اشتراط النية فيه، الرابع: اختصاصه بقراءة، يعني هل يقرأ فيه بسور وآيات معينة؟ أو يقرأ فيه ما تيسير؟ الخامس: اشتراط شفعٍ قبله، هل يشترط أن يأتي بركعتين أو أربع ركعات مشفوعة ثم يوتر؟ أو أنه يسرد واحدة، أو ثلاث، أو خمس، أو سبع، أو تسع، بدون شفع؟ وفي آخر وقته، ومن المسائل التي اختلف فيها: صلاته في السفر على الدابة، وأضاف ابن حجر شيئاً ثامناً، وتاسعاً .. إلى آخره، في قضائه هل يقضى الوتر أو لا يقضى؟ في القنوت فيه هل يقنت في الوتر أو لا يقنت؟ في محل القنوت منه، فيما يقال فيه- يعني في القنوت-، وفي فصله ووصله، يعني يصلى بتشهد واحد أو بأكثر؟ بسلام واحد أو أكثر؟ وهل تسن ركعتان بعده؟ وفي صلاته من قعود، وفي أول وقته، وفي كونه أفضل التطوع أو التطوع أفضل منه؟ أو خصوص ركعتي الفجر أفضل منه وهو أفضل مما عداها؟ المقصود أن هذه ستة عشرة مسألة، مسائل خلافية كلها متعلقة بالوتر، وتصلح أن تكون عناصر لبحث في الوتر، عناصر لبحث في الوتر.(20/6)
"حدثني يحيى عن مالك عن نافع وعبد الله بن دينار" كلاهما مولى لابن عمر، "عن عبد الله بن عمر أن رجلاً" قال الحافظ: لم أقف على اسمه، ووقع في المعجم الصغير للطبراني أن السائل هو ابن عمر نفسه، وعند النسائي أنه رجل من أهل البادية، أنه رجل من أهل البادية، "أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صلاة الليل" تعيين المبهم هل هو من الأهمية بحيث يتتبع ويبحث عنه وإلا ما له داعي؟ (رجل) ابن عمر أو غير ابن عمر المقصود السؤال والجواب؟ أحياناً يترتب عليه فائدة، أحياناً نعرف تاريخ الخبر، وهل هو ناسخ أو منسوخ من معرفة السائل، نعم، "عن صلاة الليل" فقال: كيف صلاة الليل؟ وهذه رواية عند البخاري، "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة الليل مثنى مثنى))، ((صلاة الليل مثنى مثنى)) " استدل بمفهومه على أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون أربعاً، من أين؟ أقول: استدل بمفهومه على أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون أربعاً، وهو عن الحنفية وإسحاق، وتعقب بأنه مفهوم لقب، مفهوم لقب، إيش معنى مفهوم لقب؟ نعم، اسم أو لقب أو كنية أو ما أشبه ذلك، وهو غير حجة عند عامة أهل العلم، هذا لا يحتج به عند عامة أهل العلم، وعليه لوازم باطلة، وعلى الأخذ به فلا ينحصر العدد في أربع، وحينئذٍ لا يتم الاستدلال، يعني على سبيل التنزل، ((صلاة الليل مثنى مثنى)) يقول الأثرم: "عن أحمد: الذي أختاره في صلاة الليل مثنى مثنى، فإن صلى في النهار أربعاً فلا بأس" فإن صلى في النهار أربعاً فلا بأس، هذا نقل الأثرم عن الإمام أحمد.(20/7)
وتقدم نقل الترمذي عنه وعن الشافعي أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، نعم، هذا تقدم، ((فإذا خشي أحدكم)) خشي يعني خاف أحدكم، فوات وقت الوتر بطلوع الصبح، وسيأتي ما في هذا، وقد استدل بهذا على خروج وقت الوتر بطلوع الفجر، ((فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)) دل على أن طلوع الصبح هو نهاية وقت الوتر، استدل به على خروج وقت الوتر بطلوع الفجر، وأصرح منه ما رواه أبو داود والنسائي وصححه أبو عوانة وغيره من حديث ابن عمر وفيه: "فإذا كان الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر" وفي صحيح ابن خزيمة عن أبي سعيد: ((من أدركه الصبح ولم يوتر فلا وتر له))، ((فلا وتر له)) وسيأتي أن من السلف من أوتر بعد الصبح، يأتي في متن الكتاب -إن شاء الله تعالى-.(20/8)
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد -الأنصاري- عن محمد بن يحيى بن حبان -بن منقذ عن -عبد الله- بن محيريز أن رجلاً من بني كنانة يدعى المخدجي" المخدَجي، أو المخدِجي، بفتح الدال وكسرها، منسوب إلى مخدج بن الحارث، قال ابن عبد البر: "هو مجهول" مجهول "سمع رجلاً بالشام يكنى أبا محمد" يُكْنى أو يكنَّى؟ إيش مقتضى ذلك أن يكون المصدر يُكنّى تَكْنِية، ويُكْنى كنية، فإذا قلنا: أبو محمد كنيته وإلا تكنيته؟ وجمعه كنى، كنية جمعها كنى، والمصنفات في الباب كلها على هذا، كنى، الأسماء والكنى، "يكنى أبا محمد" الأنصاري صحابي، "يقول: إن الوتر واجب" إن الوتر واجب، وبه قال ابن المسيب ومجاهد والضحاك، لكن قال ابن عبد البر: "القول بأن الوتر سنة وليس بواجب يكاد أن يكون إجماعاً؛ لشذوذ الخلاف فيه" لشذوذ الخلاف فيه، "فقال المخدجي: فرحت إلى عبادة بن الصامت -بن قيس الأنصاري- فاعترضت له" تصديت له، وهو في طريقه إلى المسجد "فأخبرته بالذي قال أبو محمد، فقال عبادة: "كذب أبو محمد" كذب: يعني أخطأ، وهم، غلط؛ لأنهم يطلقون الكذب ويريدون به ما ليس بمقصود، "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((خمس صلوات كتبهن الله -عز وجل- على العباد)) " استدل بمفهوم العدد، بمفهوم العدد، والعدد له مفهوم في الأصل، إلا إذا دل الدليل على إلغائه، {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [(80) سورة التوبة] هذا المفهوم ملغى؛ لأنه مفهومه لو استغفر لهم واحد وسبعين مرة يغفر لهم؟ لا يغفر لهم، خمس صلوات كتبهن الله، يعني فرضهن الله -عز وجل- على العباد لا سواهن، ((فمن جاء بهن، لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن)) وهذا احتراز عن السهو والنسيان، وما أشبه ذلك؛ لأن من تركهن أو ضيع منهن استخفافاً، أما من ترك أو ضيع شيئاً منهن نسياناً أو سهواً فإنه لا شيء عليه، ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها)) ليس في النوم تفريط، ((استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة)) يعني عهد أوجبه الله على نفسه، ولا يجب على الله شيء، لكن هو التزم بذلك -جل وعلا-، ((أن يدخله الله الجنة)) يعني مع(20/9)
السابقين، أو من غير عذاب، ((ومن لم يأتِ بهن)) على الوجه المطلوب شرعاً، أو لم يأتِ بهن بالكلية كما قال بعضهم، ((فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه –عدلاً- وإن شاء أدخله الجنة)) رحمة وفضلاً.
((من لم يأتِ بهن)) من لم يأتِ بهؤلاء الصلوات الخمس تحت المشيئة، كما دل عليه هذا الخبر، وهو محمول عند من يقول بكفر تارك الصلاة من لم يأتِ بهن على الوجه المطلوب، أما الإتيان بهن فلا بد منه؛ ليكون تحت المشيئة، وإذا لم يأتِ بهن بالكلية فإنه حينئذٍ يكفر ولا يكون تحت المشيئة، هذا على قول من يقول بكفره، أما الذين لا يقولون بكفر تارك الصلاة فهو على بابه، وهو من لم يأتِ بهن يعني بالكلية، فقد استدل به من لا يرى كفر تارك الصلاة، والمرفوع حديث عبادة –المرفوع- مخرج عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه من طريق مالك، وصححه ابن حبان والحاكم وابن عبد البر وغيرهم.(20/10)
ثم قال -رحمه الله-: "وحدثني عن مالك عن أبي بكر بن عمر" قال ابن حجر: لا يعرف اسمه، "عن سعيد بن يسار -المدني- قال: كنت أسير مع عبد الله بن عمر بطريق مكة، قال سعيد: فلما خشيت الصبح نزلت –يعني عن دابتي- فأوترت -على الأرض- ثم أدركته -يعني لحقت به- فقال لي عبد الله بن عمر: أين كنت؟ -يعني لماذا تخلفت؟ - فقلت له: خشيت الصبح -يعني خفت طلوع الصبح الذي هو الحد لنهاية الوتر- فنزلت فأوترت فقال: عبد الله: أليس لك في رسول الله أسوة؟ "، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [(21) سورة الأحزاب] هو الأسوة للجميع، لجميع أتباعه -عليه الصلاة والسلام-، "أليس لك في رسول الله أسوة؟ " وفيه إرشاد وتوجيه المتبوع لتابعه ما قد يخفى عليه من السنن، بالأسلوب المناسب كما هنا، "فقلت: بلى والله" فيه جواز الحلف ولو من غير الاستحلاف على الأمر المهم، ولا يعارض هذا قوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} [(224) سورة البقرة] هذا في غير الأمور المهمة، وقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه حلف، ((والذي نفسي بيده)) كثير يقول هذا، وسيأتي شيء من هذا -إن شاء الله تعالى-، "فقلت: بلى والله، فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يوتر على البعير"، كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يوتر على البعير، الحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما، باب: الوتر على الدابة في البخاري، وهذا صارف للأمر بالوتر؛ لأنه جاء الأمر به، صارف للأمر بالوتر من الوجوب إلى الاستحباب؛ لما ثبت أنه -عليه الصلاة والسلام- لا يصلي الفريضة على الدابة، ولو كان الوتر واجباً ما صلاه على الدابة، الحنفية يمكنهم الانفصال من هذا الصارف بأن يقولوا: كان لا يصلي الفريضة، ونحن نقول: الوتر ليس بفرض وإنما هو اجب، وإنما هو واجب، نعم الرسول لا يصلي الفريضة، لكن لا يمنع أن يصلي الواجب كالوتر، لما عرف من الفرق بين الفرض والواجب عندهم.(20/11)
الصلاة على الدابة والمقصود بذلك النافلة، وكان لا يصلي الفريضة على الدابة -عليه الصلاة والسلام-، وهو مخصوص بحال السفر، كان أنس -رضي الله عنه- لا يرى مانع من أن يصلي الإنسان في الحضر على الدابة النافلة، سواءً كانت راتبة أو مطلقة، إن كانت راتبة وخشي فواتها إيش المانع أن يصلي على الدابة؟ لأن مبنى النوافل على التخفيف، أحسن من كونها تفوت، وإن كانت نفل مطلق فالمتطوع أمير نفسه، له أن يصلي وهو جالس، وله أصل كونه صلى -عليه الصلاة والسلام- في السفر نعم هو قيد معتبر عند الجمهور، عند جماهير أهل العلم قيد معتبر، النافلة لا تصح في الحضر عند الجمهور على الدابة، لكن من يقول بصحة النافلة مطلقاً على الدابة لا سيما إذا خشي فوت النافلة الراتبة، أو أراد أن يتنقل نفلاً مطلقاً على الدابة زيادة فضل وخير، هذا عند من يقوله، نعم كونه صلاها في السفر على الدابة لا يمنع أن تكون عند الحاجة؛ لأن السفر حاجة، فيقال مثله عند الحاجة في الحضر.
طالب:. . . . . . . . .
الأصل فيها أنها تسير، لكن إذا وقفت ولا يملك النزول، وقفت بسيرة مثلاً فهي في حكم السائرة، مثلما السائرة؛ لأنه لا يستطيع أن ينزل ويصلي على الأرض ويترك السيارة، يعني في أيام الحج مثلاً أماكن الزحام يضطر الإنسان أن يصلي على الدابة حتى الفريضة، إذا خشي فوات وقتها، ويفوت في بعض الأحيان الوقت والوقتين يفوتون نعم من شدة الزحام، مثله الصلاة في الطائرة مثلاً، وفي السفينة وفي غيرها أجازها أهل العلم، لكن على أن يتجه إلى جهة القبلة، وأن يصلي قائم عند القدرة إلى غير ذلك.
طالب:. . . . . . . . .
والله إذا كان .. ، إذا أمكنه أن يصليها كاملة فلا يشترط. . . . . . . . .، لكن إذا صلاها على وجه فيه نوع من الخلل، لا شك أنه لا بد أن. . . . . . . . .(20/12)
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: "كان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- إذا أراد أن يأتي فراشه أوتر" قبل أن ينام؛ لأنه يغلب على ظنه أنه لا يقوم من آخر الليل، "وكان عمر -رضي الله عنه-" عمر بن الخطاب "يوتر آخر الليل" بعد تهجده؛ لأنه يغلب على ظنه أنه يقوم آخر الليل، وهو أفضل، "قال سعيد بن المسيب: "فأما أنا فإذا جئت فراشي أوترت"، يعني كفعل أبي بكر أخذاً بالحزم، وخشية من غلبة النوم، وقد أوصى النبي -عليه الصلاة والسلام- أبا هريرة وأبا الدرداء وأبا ذر، أوصى كل واحد منهم أن يوتر قبل أن ينام، وفي فعل الخليفتين المهديين الراشدين إباحة تقديم الوتر وتأخيره، وهو أمر مجمع عليه؛ لأن الوتر من صلاة الليل، ولا وقت لها محدود، فالليل كله وقت له، فالليل كله وقت له، وأجمعوا على أن مبدأه بعد صلاة العشاء، بعد صلاة العشاء، يعني وهل المقصود صلاة العشاء في وقتها بعد مغيب الشفق أو من أدائها ولو كانت مجموعة إلى المغرب؟ هو بعد العشاء بلا شك، لكن هل يقيد بمغيب الشفق من وقتها المعتاد، أو يقال: من صلاة العشاء ولو كان قبل مغيب الشفق؟ كما ربط النهي عن الصلاة بعد العصر بفعلها، يعني لو أخرت صلاة العصر عن الوقت المعتاد ساعة في الصيف مثلاً، وأراد أن يتنفل هذه الساعة قبل أن .. ، نعم أنا باستغل الوقت، الوقت طويل، الوقت ثلاث ساعات أبا أتنفل ساعة كاملة بعشرين ركعة، ثلاثين ركعة، قبل صلاة العصر؛ لأنني صليت خلاص جاء النهي، والنهي مربوط بفعل الصلاة، فهل الوتر مربوط بفعل الصلاة أو بوقت الصلاة؟ نعم المسألة خلافية، المسألة خلافية، إذا قلنا: صلاة الليل يدخلون فيها ما بين العشاءين من صلاة الليل، لكنها ليست من التهجد، التهجد في آخر الليل، والأولى ألا يوتر الإنسان إلا إذا دخل وقت صلاة العشاء، ومضى قدر فعلها، والخلاف قوي عند أهل العلم.
وفي الصحيحين عن عائشة: "في كل الليل أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وانتهى وتره إلى السحر" انتهى وتره إلى السحر، يعني نهاية وقت الوتر إلى السحر، وهذا يعضد ما تقدم من أنه إذا طلع الفجر انتهى وقت الوتر.(20/13)
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن رجلاً سأل عبد الله بن عمر عن الوتر أواجب هو؟ فقال عبد الله بن عمر: قد أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأوتر المسلمون فجعل الرجل يردد -يكرر- عليه وعبد الله بن عمر يقول: "أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون" كأنه شم منه، شم من السائل أنه إذا لم يكن واجباً أنه قد يترك، فأراد ابن عمر أن يحثه على الوتر، ولم يبين له الحكم؛ لئلا يتكاسل، فأخبره أنه سنة معمول بها، ولو كان واجباً عنده لأفصح بذلك، لكن جاء بهذا الأسلوب ليبين له أنه مأمور بالاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وقد أوتر، بغض النظر هل يأثم بتركه أو لا يأثم.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تقول: من خشي أن ينام حتى يصبح -يعني يدخل وقت الصباح بطلوع الفجر الثاني- فليوتر قبل أن ينام" حتى لا يفوت وقت الوتر، "ومن رجا -أي غلب على ظنه أنه يستيقظ آخر الليل- فليؤخر وتره" لأن ذلك أفضل بلا شك، الوتر في آخر الليل أفضل، لكن الذي يغلب على ظنه أنه لا يقوم، أو لم يبذل الأسباب للقيام، أو أوجد موانع عن القيام أن هذا يوتر أول الليل، نعم؟
طالب. . . . . . . . .
هو الأصل في الواجب، الواجب أنه المحتم، أنه من السقوط، وجبت الشمس أي سقطت، وسقوط الشيء يدل على أن له أثر، والسنة ليس لها أثر على تاركها في الإثم، فالمعنى اللغوي يدل على هذا، وهم يفهمونه من حيث اللغة.(20/14)
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أنه قال: "كنت مع عبد الله بن عمر بمكة والسماء مغيمة -يعني محيط بها السحاب من كل جهة- فخشي عبد الله الصبح -ما عندهم ساعات ولا تقاويم، إنما يعملون بالعلامات التي نصبها الشارع للأوقات- فخشي عبد الله الصبح فأوتر بواحدة، ثم انكشف الغيم -يعني زال- فرأى أن عليه ليلاً -رأى أن الصبح بقي عليه- فرأى أن عليه ليلاً فشفع بواحدة" يحتمل أن تكون هذه الركعة قبل سلامه من التي قبلها من وتره، يعني انكشف بعد أن صلى آخر ركعة قبل السلام فأضاف إليها ركعة قبل أن يسلم، والاحتمال الثاني أنه سلم، ثم مكث مدة، ثم زال الغيم فصلى ركعة تشفع الركعة السابقة، وهذا يؤيده العطف بـ (ثم)، "ثم انكشف ... فرأى أن عليه ليلاً، فشفع بواحدة، ثم صلى بعد ذلك ركعتين ركعتين فلما خشي الصبح أوتر بواحدة".
الآن إذا نظرنا إلى فعل ابن عمر كم أوتر من مرة؟ ثلاث مرات، أوتر ثلاث مرات، أوتر وقت الغيم، ثم شفع وتره بوتر بعد انكشاف الغيم، ثم ختم صلاته بوتر، وحينئذٍ يكون قد أوتر ثلاث مرات، وهذه المسألة تعرف عند أهل العلم بمسألة نقض الوتر، نقض الوتر، هو لما روي عن ابن عمر روي مثله عن علي وعثمان وابن مسعود وأسامة، وخالف في ذلك جماعة منهم: أبو بكر وعمار وعائشة، وكانت تنكر على من فعله، تنكر على من فعله، وقد جاء في الحديث: ((لا وتران في ليلة)) فكيف بثلاثة؟ نعم.
أقول: هذه المسألة تعرف عند أهل العلم بمسألة نقض الوتر، والمعتمد قول الأكثر، وهو عدم النقض، خلاص أوترت أوترت، وإن كنت مأموراً أن تجعل آخر صلاتك بالليل وتر، لكن هذا على سبيل الاستحباب بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بعد الوتر، نعم الأفضل أن تختم الصلاة بالوتر، لكن إذا صلى الإنسان خشي ألا يقوم من الليل فأوتر قبل أن ينام، ثم تيسر له أن يقوم، مثل هذا يصلي بعد ذلك مثنى مثنى، وهو قول الأكثر، والمعتمد قول الأكثر وهو عدم النقض لحديث: ((لا وتران في ليلة)) وهو حديث مقبول حسن، مخرج عند النسائي وابن خزيمة وغيرهما، هذا مخالفة الواقع و (لا) هذه هل هي ناهية؟ يعني: لا توتروا وترين في ليلة، أو هي نافية؟
طالب:. . . . . . . . .(20/15)
معروف، وعلى كل حال حتى لو قلنا: إنه نفي في مثل هذا هو أبلغ من النهي الصريح؛ لأنه ينفي الحقيقة، ينفي الحقيقة، الحقيقة اللغوية والعرفية موجودة لا يمكن نفيها، هو صلى أوتر ثلاث مرات، نعم، هذه الحقيقة أنه صلى، لكن الحقيقة الشرعية أنه ما صلى، باعتبار أن من فعل شيئاً ليس عليه أمرنا فهو رد، والمردود لا قيمة له، وجوده مثل عدمه.
طالب. . . . . . . . .
ما شفع، هو لو شفع قبل أن يسلم قلنا: ما شفع، قلنا: ما أوتر إلا مرة واحدة، لكن أوتر الآن خشي ألا يقوم من الليل فأوتر قبل أن ينام، بينام الساعة اثنا عشر مثلاً، أوتر قبل أن ينام، ثم انتبه الساعة أربع ونصف وقال: باقي على الأذان، أبا اشفع الوتر الأول.
طالب. . . . . . . . .
وين؟ ابن عمر؟ كلامه حجة على غيره؟ كلامه حجة على أبي بكر وعائشة وغيرها؟ هذا عمله، هذا عمله، وهو مروي عن غيره أيضاً عن علي وعثمان وجمع من الصحابة، لكن إذا اختلف الصحابة فالحكم حينئذٍ المرفوع، نعم.
طالب. . . . . . . . .
هاه، هذا الاحتمال الثاني في فعل ابن عمر أنه رأى لما انكشف الغيم وهو في الصلاة وداخل بالوتر بواحدة ثم رأى أن فيه .. ، أو شخص ما عنده غيم في غرفته مثلاً نعم، وخشي طلوع الفجر فكبر ليصلي واحدة، ثم عرف أنه باقي على الأذان، باقي على الأذان، سمع المؤذن مثلاً، سمع المؤذن فقال: خلاص نوتر بواحدة توتر لنا ما قد صلينا، فتبين الأذان وهو الأذان الأول ما هو بالثاني، دخل على أساس أنه يصلي واحدة ثم صلى ركعتين شفع، ثم أضاف إليها ما شاء، فهل تشترط النية أو تغيير النية مؤثر هنا أو غير مؤثر؟ لا غير مؤثر، في مثل هذا غير مؤثر؛ لأنه حتى لو .. ، افرض المسألة العكس، دخل على أساس أنه بيصلي تسع ركعات بسلام واحد، ثم سمع المؤذن وهو في الخامسة يستمر يصلي تسع وإلا يجلس في الخامسة ويسلم؟ إذاً تغيرت نيته، بدل من أن يصلي تسع صلى .. ، إذاً العكس مثله.
طالب. . . . . . . . .(20/16)
لا، الاستدلال بالأدنى على الأعلى والعكس واحد ما يختلف، كما استدلوا على أنه -عليه الصلاة والسلام- يخفف الصلاة لما يسمع من بكاء، نعم، نعم يخفف الصلاة، إذاً يجوز للإمام أن يزيد في الصلاة لما يسمع من داخل مثلاً ليدرك الركعة، هذا كله وتر، سواءً أوتر بثلاثة أو بخمس أو بسبع مقيد بوتر.
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يسلم من الركعتين -من الركعتين- والركعة في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته" يعني إذا أوتر بثلاث يصلي ركعتين ويسلم، ثم يصلي ركعة ويسلم، فكان يأمر ببعض حاجاته بين السلامين، بين سلامه الأول وشروعه في الركعة الأخيرة، وظاهره أنه كان يصلي الوتر موصول ثلاثاً، هذا هو الظاهر أن غالب صلاته يصلي موصول، فإن عرضت له حاجة فصل بسلام، ثم بنا على ما مضى، كان يسلم في الركعتين والركعة في الوتر، وكان، حتى يأمر ببعض حاجته، إذا لم يعرض له حاجة؛ لأن سلامه الأول من أجل أن يأمر، إذا لم يعرض له حاجة يكون الأصل أنه ما يسلم.
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن سعد بن أبي وقاص -أحد العشرة المبشرين بالجنة- كان يوتر بعد العتمة -بعد صلاة العشاء- بواحدة" يصلي العشاء ويصلي ركعة، يعني بعد الراتبة، فتكون وتره ركعة واحدة، وصح مثله عن عثمان ومعاوية "كان يوتر" يعني هل هذا يدل على الاستمرار؟ سعد أحد العشرة المبشرين بالجنة يصلي العشاء ثم يصلي الراتبة ثم يصلي ركعة واحدة وخلاص هذه صلاة الليل عنده؟ نعم، ما يلزم، وإن كانت (كانت) الصيغة (كان) الصيغة (كان) تدل على .. ، الأصل فيها الاستمرار، والسند إليه صحيح، السند إليه ما فيه إشكال -إن شاء الله-.(20/17)
"قال مالك: "وليس على هذا العمل عندنا" يعني في المدينة، ما نعمل بهذه، ركعة واحدة! "ليس العمل على هذا عندنا، ولكن أدنى الوتر ثلاث" بركعتي الشفع المفصولتين، فيكره الاقتصار على الواحدة عندهم، وعند أحمد أدنى الكمال ثلاث، وأقل المجزئ واحدة، نعم الواحدة ثبتت عن الصحابة، فهي أقل ما يجزئ، وأدنى الكمال ثلاث، وأكثره كم؟ إحدى عشرة؛ لأنها غالب فعله -عليه الصلاة والسلام-، "قال مالك: وليس على هذا العمل عندنا، ولكن أدنى الوتر ثلاث"، وفي السنن لأبي داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم عن أبي أيوب مرفوعاً: الوتر حق فمن شاء أوتر بخمس، ومن شاء أوتر بثلاثة، ومن شاء أوتر بواحدة، هذا يدل على أن الوتر بواحدة كافي مجزئ، لكن الثلاث أفضل، والخمس أفضل، والسبع أفضل، لكن الواحدة مجزئة.
" وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر كان يقول: "صلاة المغرب وتر صلاة النهار"، وجاء في الحديث: ((فرضت الصلاة ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وزيد في الحضر، إلا الفجر فإنها تطول فيها القراءة، وإلا المغرب فإنها وتر النهار)) وهذا في المسند، وهذا عن ابن عمر كان يقول: "صلاة المغرب وتر النهار" أضيفت إلى النهار لوقوعها في آخره، يعني ملاصقة لآخر جزء من النهار، فهي نهارية حكماً، وإن كانت ليلية حقيقة، ليلية حقيقة، وسبق في الأثر الذي خرجه الإمام مالك عن أبي بكر وأنه كان يقرأ في الركعة الأخيرة من صلاة المغرب {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا} [(8) سورة آل عمران] وقلنا: لأنها وتر النهار، وهذا بمثابة القنوت، "قال مالك: "من أوتر أول الليل ثم نام ثم قام فبدا له أن يصلي فليصلِ مثنى مثنى، فهو أحب ما سمعت إلي"، ولا ينقض الوتر لحديث: ((لا وتران في ليلة)) وفي نقضه يكون قد أوتر ثلاث مرات، وهذا تقدم.
سم.
باب: الوتر بعد الفجر:
أحسن الله إليك.
باب: الوتر بعد الفجر:(20/18)
عن مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصري عن سعيد بن جبير أن عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: رقد ثم استيقظ فقال لخادمه: انظر ما صنع الناس؟ وهو يومئذ قد ذهب بصره، فذهب الخادم ثم رجع فقال: قد انصرف الناس من الصبح، فقام عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما- فأوتر، ثم صلى الصبح".
عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما- وعبادة بن الصامت -رضي الله تعالى عنه-، والقاسم بن محمد وعبد الله بن عامر بن ربيعة قد أوتروا بعد الفجر.
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنهما- قال: "ما أبالي لو أقيمت صلاة الصبح وأنا أوتر".
عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: كان عبادة بن الصامت -رضي الله تعالى عنه- يؤم قوماً فخرج يوماً إلى الصبح فأقام المؤذن صلاة الصبح فأسكته عبادة حتى أوتر، ثم صلى بهم الصبح.
عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم أنه قال: سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول: "إني لأوتر، وأنا أسمع الإقامة أو بعد الفجر"، يشك عبد الرحمن أي ذلك قال.
وحدثني مالك عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع أباه القاسم بن محمد يقول: "إني لأوتر بعد الفجر".
قال مالك -رحمه الله-: "وإنما يوتر بعد الفجر من نام عن الوتر، ولا ينبغي لأحد أن يتعمد ذلك حتى يضع وتره بعد الفجر".
يقول -رحمه الله تعالى-: باب: الوتر بعد الفجر:
يعني بعد طلوع الفجر وقبل الصلاة، وليس المراد به بعد صلاة الفجر، إنما بعد طلوع الفجر وقبل أداء الصلاة.(20/19)
"حدثني يحيى عن مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق" أبي أمية البصري، نزيل مكة، ضعيف، قال ابن عبد البر: "ضعيف باتفاق أهل الحديث"، وقد عرف عن مالك -رحمه الله تعالى- التحري والتثبت، وأنه لا يروي إلا عن ثقة، هذا المعروف عن مالك -رحمه الله تعالى-، لكنه اغتر بهذا الرجل، غره بكثرة جلوسه في المسجد، الإمام مالك اغتر فروى عنه، وإلا الأصل أن مالك لا يروي إلا عن الثقات، وهو من أهل التحري والتثبت، لكن من يسلم من الوقوع في الخطأ والوهم؟ الإنسان يشترط على نفسه شيء ثم بعد ذلك يحصل له إخلال بهذا الشرط، ولذا لو قال العالم: إني لا أروي إلا عن ثقة، فهل يقتضي قبول والاحتجاج بكل من روى عنهم بناءً على هذه القاعدة التي اختطها لنفسه؟ أو لو قال: شيوخي كلهم ثقات، أو لا أروي إلا عن ثقات لا يجزئ؛ لأنه قد يغفل، قد يغفل كما غفل مالك -رحمه الله تعالى-.
"عن سعيد بن جبير أن عبد الله بن عباس رقد ثم استيقظ -نام ثم استيقظ- فقال لخادمه -الخادم لم يسمَ-: انظر ما صنع الناس؟ وهو يومئذ قد ذهب بصره" معروف أن ابن عباس كف بصره في آخر عمره، "فذهب الخادم ثم رجع فقال: قد انصرف الناس من صلاة الصبح، فقام عبد الله بن عباس فأوتر ثم صلى الصبح" يعني أوتر، يعني ترك الناس يصلون جماعة، وقال: اذهب انظر ماذا صنع الناس؟ نعم، قال: صلوا، ثم شرع في الوتر، ثم صلى الصبح، هل يظن مثل هذا بابن عباس؟ ما يظن به ذلك، والخبر معروف إن في إسناده هذا الرجل الضعيف، فلا يثبت، قد انصرف الناس من صلاة الصبح، قد يقول قائل: إنه قد يكون في حالة مرض مثلاً، معذور من حضور الجماعة، أو صلوا الناس في المساجد المجاورة ومسجده الذي يؤمه ابن عباس ما بعد صلوا هو يصلي بالناس احتمال، لكن لا يظن به أنه ينتظر ثم يقال: صلى الناس؟ ويريد أن يصلي بعد صلاة الناس في بيته، لا، فإما أن يقال: إنه معذور، أو يقال: صلى الناس في المساجد الأخرى، هذا على فرض ثبوت الخبر، وإلا ففي إسناده ما سمعتم.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس وعبادة بن الصامت والقاسم بن محمد وعبد الله بن عامر بن ربيعة -العنزي- قد أوتروا بعد الفجر".(20/20)
أجملهم في هذا البلاغ، أجملهم في هذا البلاغ، ثم فصلهم، ذكر ابن عباس قبل هذا البلاغ، ثم أردفه بذكر عبادة بن الصامت وعبد الله بن عامر والقاسم بن محمد في الآثار اللاحقة.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الله بن مسعود قال: "ما أبالي لو أقيمت صلاة الصبح وأنا أوتر" وعلى هذا عندهم وقت الوتر وقت اختيار ووقت اضطرار، وقت الاختيار ينتهي بطلوع الفجر، ووقت الاضطرار ينتهي بصلاة الصبح.
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: كان عبادة بن الصامت يؤم قوماً فخرج يوماً إلى الصبح فأقام المؤذن صلاة الصبح فأسكته عبادة حتى أوتر -أمره بالانتظار- ثم صلى بهم الصبح" وهذا فرع من البيان السابق المجمل، وبيان له.
"وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم -بن محمد بن أبي بكر- قال: سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول: "إني لأوتر وأنا أسمع الإقامة -للصبح- أو بعد الفجر" يشك عبد الرحمن أي ذلك قال" وإن اتحد المعنى.
"وحدثني مالك عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع أباه القاسم بن محمد يقول: "إني لأوتر بعد الفجر"، هكذا أثر عن هؤلاء، وكذا هو أيضاً مأثور أيضاً عن أبي الدرداء وحذيفة وعائشة، وبه قال مالك، على ما سيأتي في كلامه، وأحمد في رواية والشافعي في القديم، كلهم يقولون: إن وقت الوتر يستمر إلى صلاة الصبح، خلافاً لمكحول والثوري وأبي يوسف ومحمد وأحمد في رواية: أنه لا يصلى بعد طلوع الفجر، وتقدم شيء من أدلتهم.
"قال مالك: "وإنما يوتر بعد الفجر من نام عن الوتر" يعني يوتر، هذا وقت ضرورة، من نام عن وتره يوتر بعد طلوع الفجر، ولا كراهة حينئذٍ، "ولا ينبغي لأحد أن يتعمد ذلك" يعني يركب الساعة إلى طلوع الفجر، ثم يقوم فيوتر، ثم يذهب لصلاة الصبح، لا ينبغي له ذلك، "ولا ينبغي لأحد أن يتعمد ذلك حتى يضع وتره بعد الفجر" أي يكره له ذلك.(20/21)
وفي صحيح ابن خزيمة: ((من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له))، ((من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له)) وقال طاووس: يقضى بعد طلوع الشمس، يقضى بعد طلوع الشمس، يعني بعد خروج وقت النهي، ولا شك أن ما قبل صلاة الصبح، ما بين طلوع الفجر إلى صلاة الصبح وقت نهي، وجاء فيه: ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس)) على الخلاف بينهم في المراد بالصبح هل هو الصلاة أو الوقت؟
نعم.
باب: ما جاء في ركعتي الفجر:
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في ركعتي الفجر:
عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن حفصة-رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا سكت المؤذن عن الأذان لصلاة الصبح صلى ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة.
وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد أن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: "إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليخفف ركعتي الفجر حتى إني لأقول: أقرأ بأم القرآن أم لا؟ ".
عن مالك عن شريك بن عبد الله بن أبي نِمْرٍ ...
نَمِر، نَمِر.
أحسن الله إليك:
ابن أبي نمر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: "سمع قوم الإقامة فقاموا يصلون فخرج عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أصلاتان معاً؟ أصلاتان معاً؟ )) وذلك في صلاة الصبح في الركعتين اللتين قبل الصبح".
عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنه- فاتته ركعتا الفجر فقضاهما بعد أن طلعت الشمس.
عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بن محمد أنه صنع مثل الذي صنع ابن عمر.
يقول -رحمه الله تعالى-: باب: ما جاء في ركعتي الفجر:(20/22)
وركعتا الفجر من آكد النوافل، فثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يتركهما سفراً ولا حضراً كالوتر، يقول: "حدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن حفصة -أخته- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرته" ففيه رواية صحابي عن صحابي، "أخبرته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا سكت المؤذن عن الأذان لصلاة الصبح صلى ركعتين خفيفتين" صلى ركعتين خفيفتين وهما إيش؟ ركعتا الفجر، وجاء أن ركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها، كثير من الناس يفرط بهاتين الركعتين الخفيفتين، والله المستعان.
ثم قال: "وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد أن عائشة" هكذا منقطع، يحيى ابن سعيد لم يدرك عائشة، وبينه وبينها واسطتان، فالذي في البخاري عن يحيى بن سعيد عن محمد بن عبد الرحمن عن عمرة أن عائشة "زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: "إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليخفف ركعتي الفجر" اللتين قبل صلاة الصبح، "حتى -ابتدائية- إني لأقول: أقرأ بأم القرآن" يعني الفاتحة، يقول القرطبي: ليس معنى هذا أنها شكت في قراءة الفاتحة، ليس معنى هذا أنها شكت في قراءة الفاتحة، ولكن هذه مبالغة في تخفيف هاتين الركعتين، يقول: ليس معنى هذا أنها شكت في قراءة الفاتحة، وإنما معناه أنه كان يطيل القراءة في النوافل يطيل القراءة في النوافل فلما خفف في قراءة هذه الصلاة صار كأنه لم يقرأ بالنسبة إلى غيرهما من الصلوات، ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يقرأ في ركعتي الصبح بعد الفاتحة بسورتي الإخلاص، ويقرأ بآية البقرة وآية آل عمران، كل هذا ثابت عنه -عليه الصلاة والسلام-.
ما الحكمة من تخفيف هذه الصلاة؟ تعقب صلاة ليل، تعقب صلاة ليل طويلة، كما هو الأصل فيها، ثم بعد ذلك يأتي بهاتين الركعتين الخفيفتين، ويتهيأ بعدهما لصلاة الصبح التي قراءتها مشهودة، {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [(78) سورة الإسراء] والله المستعان.(20/23)
"وحدثني عن مالك عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر" وشريك هذا قاضي، ومخرج له في الكتب كلها، في الكتب الستة، وهو ثقة إن روى عنه ثقة، حفظ عليه بعض الأوهام، لا سيما في حديث الإسراء، له أوهام وصلت إلى عشرة في حديث واحد، وأشار مسلم إلى شيء منها على سبيل الإجمال فقال: قد قدم وأخر، وزاد ونقص، وذكرها ابن القيم في الهدي، والحافظ ابن حجر في فتح الباري، المقصود أن شريك هذا ليس من .. ، في الحفظ والضبط، والإتقان في الغاية كمالك ونحوه، لا، لكنه محتج به، ابن أبي نمر، النسبة إلى نمر أبو عمر بن عبد البر إيش؟ الإيش؟ الميم، أنا أريد ضبط الميم، بالفتح، وهي في الأصل؟
طالب. . . . . . . . .
لا، لا، النَمَري، النَمَري، بفتحتين، وهي في الأصل قبل النسبة مكسورة، نمِر، مثل: ملِك، ومثل: سلِمة سَلَمي، فالنسبة إلى نمر نَمَري، وسلمة سَلَمي، وملك مَلَكي؛ لأنه يثقل النطق بكسرات متوالية، يستثقلون هذا فيفتحون، ونسمع أحياناً في بعض المقالات، وبعض المناسبات يقولون: المَلِكي ليميزوا بين النسبة إلى ملِك وملَك، وهذا ليس بصحيح، فالنسبة إلى مكسور ثاني حروفه يُفتح.(20/24)
"عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: "سمع قوم –يعني من الصحابة- الإقامة فقاموا يصلون، فخرج عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أصلاتان معاً؟ أصلاتان معاً؟ )) " هذا إنكار وتوبيخ؛ لأنه لا صلاة إذا أقيمت الصلاة، فإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، نحن نرى بعض الوافدين من العمال يصلون ركعتي الصبح ولو أقيمت الصلاة، يصلون ركعتي الصبح ولو أقيمت الصلاة اقتفاءً لأثر هؤلاء الذين ذكر خبرهم في مثل هذا، لكن المرفوع له -عليه الصلاة والسلام- أولى بالإتباع، وهو مخرج في صحيح مسلم: ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) ولا حجة لقول أحد مع قوله -عليه الصلاة والسلام-، "وذلك في صلاة الصبح في الركعتين اللتين قبل الصبح" ولا يختص الحكم بهما، يعني لا يختص هذا الإنكار والتوبيخ بركعتي الصبح، يعني إذا أنكر بالنسبة لركعتي الصبح وهما أهم .. ، من أهم النوافل فغيرهما من باب أولى، يعني إنكار ركعتي صلاة الصبح أشد من إنكار .. ، مع أن صلاة ركعتي الصبح أولى بالمحافظة من راتبة الظهر القبلية، وراتبة الظهر القبلية أهم مما يصلى قبل العصر، فلا يختص هذا بركعتي الصبح، ينكر على من صلى بعد إقامة صلاة الظهر، ينكر على من صلى بعد إقامة صلاة العصر وهكذا، وإن جاء الحث عليها والحظ عليها، لكن لا تصلى بعد الإقامة للحديث الصحيح: ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)).
طالب. . . . . . . . .
لا ما يعيدها، لكنه خالف الأمر، خالف وأساء.
طالب. . . . . . . . .
في إيش؟ في المسجد؟
طالب. . . . . . . . .
نعم إذا صلى ركعة يتمها خفيفة، يتمها خفيفة، المقصود به إنشاء الصلاة، ومن لم يصلِ ركعة كاملة فكأنه ما صلى؛ لأن أقل ما يطلق عليه صلاة ركعة كاملة.(20/25)
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر فاتته ركعتا الفجر فقضاهما بعد أن طلعت الشمس"، يعني وارتفعت، وانتهى وقت النهي، تقضى راتبة الفجر لأنها مؤكدة، "وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن -أبيه- القاسم بن محمد أنه صنع -مثل ذلك- صنع مثل الذي صنع ابن عمر" من قضاء راتبة الصبح بعد طلوع الشمس، وكثير من الناس يصلي سواءً كان الراتبة أو الركعتين بعد الجلوس مع بزوغ الشمس تبعاً للتقويم، والتقويم هو مؤقت على إيش؟ على البزوغ، فحينئذ لا بد من الانتظار ربع ساعة، حتى تنتشر الشمس وترتفع.
يجوز قضائهما بعد الصلاة، يعني بعد صلاة الصبح، وإن كان وقت نهي؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى رجلاً يصلي بعدما صلى الصبح فقال له: ((أأصبح أربعاً؟ )) وفي رواية قال له: ((الصبح ركعتان، الصبح ركعتان؟ )) فقال الرجل: إني لم أكن صليت الركعتين قبلهما فصليتهما الآن، فسكت النبي -عليه الصلاة والسلام-، أقره، أقره على قضاء راتبة الصبح بعد صلاة الصبح، وأبى ذلك مالك وأكثر العلماء للنهي عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، من أراد القضاء يقضي بعد خروج وقت النهي، وأما بعد صلاة الصبح وقت نهي لا تقضى فيه النوافل كالذي بعد صلاة العصر، لكن الحديث حجة عليهم، أقر النبي -عليه الصلاة والسلام- من قضى.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، خلاص فات محلها، فات محلها، نعم ...(20/26)
الموطأ - كتاب صلاة الجماعة (1)
شرح: كتاب صلاة الجماعة: باب فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ.
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
كتاب: صلاة الجماعة: باب: فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ:
عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)).
عن مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءً)).
عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)).
عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن بسر بن سعيد أن زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه- قال: ((أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا صلاة المكتوبة)).
يقول -رحمه الله تعالى-: "كتاب صلاة الجماعة" والكتاب -الترجمة الكبرى- غير موجودة في جل النسخ، وسبق أن أشرنا إلى أن المحقق يتبع في إثباته ونفيه المعجم، خدمة لطلاب العلم، يتبع المعجم المفهرس؛ لكي تنفعه هذه الأرقام.
صلاة الجماعة: شرعت لحكم ومصالح، إذ لو لم تشرع هذه الصلاة جماعة في المساجد هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الإسلام هي أعظم شعائر الإسلام الظاهرة، لو لم تشرع وقيل للناس: صلوا في بيوتكم كل واحد يصلي مفرد في بيته ما صار هناك فرق بين بلاد المسلمين وغيرها، وهذه الجماعة شرعت لمصالح منها: ما يعود إلى المصلي نفسه، ومنها: ما يعود إلى المجتمع كاملاً، فيها الصلة والتواصل، وفيها تحسس أخبار المسلمين، وفيها أيضاً الاقتداء بالإمام، وفيها الاصطفاف خلف الإمام كصفوف الملائكة، حكم كثيرة لمشروعية صلاة الجماعة.(21/1)
يقول: "باب: فضل صلاة الجماعة" يعني الزيادة في الأجر "على صلاة الفذ" المنفرد، يقال: فذ الرجل من أصحابه إذا بقي منفرداً وحده.
"حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) " وفي بعض الروايات: ((كلهن مثل صلاته)) يعني كأن صلاة الجماعة عن سبعٍ وعشرين صلاة للمنفرد، تفضل تزيد على صلاة الفذ المنفرد بسبعٍ وعشرين درجة، وفي حديث أبي هريرة اللاحق بخمسة وعشرين جزءً، يقول الترمذي: عامة من رواه قالوا: خمساً وعشرين إلا ابن عمر فإنه قال: سبعاً وعشرين، وعلى كل حال روايته في الصحيحين وغيرهما، لا مجال للتردد في روايته، ولا التشكيك في قبولها.
"وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب" في البخاري: وأبي سلمة أيضاً "عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءً)) " الجزء والدرجة بمعنىً واحد، اختلفوا في هذا الاختلاف في حديثين صحيحين متفق عليهما، فقال بعضهم: الراجحة الخمسة والعشرين؛ لأن عامة من روى الحديث قال: خمساً وعشرين، تبقى رواية: عبد الله بن عمر وإن كان في الصحيح إلا أنها مرجوحة، وفي الصحيح كما يقول جمعٌ من أهل العلم: صحيح وأصح، وقيل: المرجح السبع؛ لأنها زيادة والزيادة من الثقة مقبولة، ومنهم من قال: العدد لا مفهوم له، لكن الأصل أن العدد له مفهوم ما لم يعارض مفهومه بمنطوق أقوى منه، أما إذا عورض فلا عبرة بالمفهوم؛ لأن المنطوق أقوى من المفهوم.(21/2)
هناك من جمع بين هذه الروايات وهذه الأحاديث فحمل السبعة والعشرين على أحوال والخمسة والعشرين على أحوال، قال بعضهم: لعله أخبر بالخمس أولاً، ثم زيدت زيادة درجتين تفضل من الله -جل وعلا-، ومنهم من قال: السبع للأعلم الأخشع في صلاته، والخمس لمن كانت حاله بضد ذلك، منهم من يقول: السبع لمدرك الصلاة كلها مع الجماعة، والخمس لمدرك بعضها، وقيل: السبع لجماعة المسجد والخمس للجماعة في غير المسجد، وقيل: السبع الصلاة الجهرية والخمس الصلاة السرية، المقصود أن اللفظين ثابتان عن النبي -عليه الصلاة والسلام- السبع والخمس، وإذا أمكن الجمع تعين، منهم من يقول: السبع للبعيد عن المسجد والخمس للقريب منه، المقصود أن أهل العلم أبدوا وجوهاً من الجمع كلها تدل على أن من فضّل في هذه الوجوه لا شك أنه أفضل، الأعلم الأخشع أفضل من .. ، صلاته أكثر أجر من ضده، مدرك الصلاة من أولها أكثر أجراً من مدرك بعضها وهكذا، البعيد من المسجد كثرة الخطا أفضل من القريب منه، والحديث يستدل به من يرى عدم وجوب صلاة الجماعة؛ لأن (أفضل) صيغة تفضيل، وأفعل التفضيل تقتضي أن هناك شيئين اشتركا في شيء وهو إيش هنا؟ الفضل، اشتركا في الفضل، لكن زاد أحدهما فيه على الآخر، فصلاة الجماعة فاضلة وصلاة الفذ فاضلة إلا أن فضل صلاة الجماعة أكثر من فضل صلاة الفذ المنفرد، هذه حجة من يقول بأن صلاة الجماعة ليست بواجبة، لكن هذا يرد على قول من يقول: صلاة الجماعة شرط، أما من يقول: واجبة، مسقطة للطلب ترتب عليها آثارها من الأجور الموعود بها، لكن لا يمنع أن يأثم بترك الجماعة؛ لأن الجهة منفكة للأدلة الأخرى.(21/3)
أقول: هذا الكلام الذي أبداه من يقول بعدم وجوب صلاة الجماعة إنما يرد على قول من يقول: إن صلاة الجماعة شرط؛ لأنها إذا كانت شرط فصلاة الفذ باطلة ليس فيها فضل البتة، لكن الذي يقول: هي واجبة يأثم بتركها، وإذا صلاها منفرد أجزأته، أسقطت الطلب، وترتبت عليها آثارها من الأجور الموعود عليها، لكن أجرها أقل من أجر .. ، ولا يمنع أن يكون أيضاً مع هذه الأجور آثم؛ لأنه يكون مأجور من وجه، وآثم من وجه، يعني صلاة من صلى وفي يده خاتم ذهب صلاته صحيحة ومسقطة للطلب، وأجرها ثابت، لكن يبقى أنه آثم بسبب ما ارتكبه من المحظور، وهنا آثم بسبب ما أخل به من المأمور الواجب، فلا يرد مثل هذا على من يقول بالوجوب عند من لا يبطلها، الذي يرى أن الجهة منفكة الذي لا يبطلها؛ لأن معروف الخلاف فيها قوي.
الحديث الذي يليه: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده)) " هذا قسم من النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيجوز الحلف على الأمور المهمة من غير استحلاف، من غير طلب لليمين إذا كان الأمر مهم يحتاج إلى تأكيد ((والذي نفسي بيده)) ((نفسي)) معناها: روحي، و ((بيده)) فيها إثبات اليد لله -عز وجل- على ما يليق بجلاله وعظمته، وأكثر الشراح يقولون: "روحي في تصرفه" ولا شك أن أرواح العباد في تصرف الله -جل وعلا-، في تصرف الله -عز وجل-، لكن بعضهم يقول ذلك فراراً من إثبات اليد لله -عز وجل-، وهي ثابتةٌ بنصوص الكتاب والسنة القطعية، لا مجال لنفيها، على ما يليق بجلاله وعظمته.
((لقد هممت)) (اللام) واقعة في جواب القسم ((لقد هممت)) الهم مرتبة من مراتب القصد.
مراتب القصد خمسٌ هاجسٌ ذكروا ... فخاطرٌ فحديثُ النفس فاستمعا
يليه همٌ فعزمٌ كلها رفعت ... إلا الأخير ففيها الأخذ قد وقعا(21/4)
قد يقول قائل: هذا هم، ولو كان حتماً لازماً لنفذ النبي -عليه الصلاة والسلام-، يقال: النبي لا يهمُّ إلا بما يجوز له فعله، لا يهمُّ النبي بارتكاب محظور؛ لأن التحريق محظور في الأصل، ولولا أنه يجوز له فعله لما همَّ به، وعدل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن التنفيذ لولا ما في البيوت من النساء والذرية، فالأمر ليس بالسهل.
((لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب –في روايةً: يحتطب- ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق –أخالف: آتيهم من خلفهم- فأحرق -بالتشديد للتكثير- عليهم بيوتهم)) وهذا مخصص لما جاء من النهي عن التعذيب بالنار ((أحرق عليهم بيوتهم)) وفيها أيضاً العقوبة بالمال، ((والذي نفسي بيده)) قسمٌ آخر ((لو يعلم أحدهم)) يعني أحد المتخلفين عن هذه الصلاة ((أنه يجد عظماً سميناً)) في البخاري: ((عرقاً سميناً)) والعرق: هو العظم الذي عليه لحم ((أو مرماتين حسنتين)) مرماتين قال الخليل: "هما ما بين ظلفي الشاة" لكن ظلفي الشاة ويش بينهن؟ بينهن شيء؟ في شيء بينهن؟ ويمكن أن توصف بالحسن؟ بين الظلفين شيء يمكن أكله؟ ما بينهن شيء، هذا كلام الخليل، لكن حكاه أبو عبيد عنه وقال: لا أدري ما وجهه، لكن هذا من عندي لو قال: ضلعي الشاة، ما بين ضلعي الشاة، بدل ظلفي، بينهن شيء؟ بينهن، وحسن أيضاً بعد، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
ويش رواية؟! هو كلام الخليل ما فيه رواية، تفسير للمرماتين.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
هو تشكيك أبو عبيد يقول: كذا قال، ولا أدري ما وجهه، والواقع يشهد أنه ما له وجه، ما بين ظلفي الشاة شيء، فضلاً عن كونه بيستيقظ من النوم ولا يدفعه إلا ما بين ظلفي الشيء، ما فيه من حسن أبد، يعني لا يراد به حقيقة ما بين الظلفين، لكن إذا أمكن توجيهه، ليش أنا أربط نفسي بالظلفين؟ والتصحيف محتمل بين ظلفي وضلعي يعني المسألة يسيرة.
بعضهم يقول: المرماتين لعبة كانوا يلعبون بها، يلعبونها، ويبعد ذلك للتثنية، لو أراد ذلك قال: مرماةً حسنة تصير لعبة صحيح، لكن مرماتين لعبتين؟! إيش الفائدة من التثنية؟.(21/5)
((لشهد العشاء)) يعني مع الجماعة، هذا فيه تهديد لمن ترك صلاة الجماعة، والتحريق عليهم بالنار ليس بالسهل، والعدول عن هذا التحريق لا يعني أنه نسخٌ له، وإنما هو معلل ((لولا ما في البيوت من النساء والذرية)) هؤلاء ما لهم ذنب، كيف تحرق البيوت؟ فدل على وجوب صلاة الجماعة، وتأكد الوجوب والاهتمام بشأنها.
الإمام البخاري ترجم: "باب: وجوب صلاة الجماعة، وقال الحسن: إن منعته أمه عن العشاء في الجماعة شفقةً لم يطعها" تخاف على ولدها، لا تصورون أن الشوارع الآن في الليل مثل النهار، لا، هناك مصابيح، العشاء والفجر مخيف، الوضع مخيف للصغار وبعض الكبار، ما يختص بالصغار، لكن لو قالت له أمه: إني أخاف عليك يطيعها وإلا ما يطيعها وهي أمه؟ فكيف يطيع غيرها؟ لا يطيعها، لكن هو إذا خشي على نفسه أن يجن مثلاً؛ لأن الظلام بعض الناس من شدة الخوف قد يصاب بشيء، نقول: هذا عذر له في ترك الجماعة؟ هو ما في شك أن المخوف مظنون وليس بمقطوعٍ به، إذا خشي أن يتعرض لسبع مثلاً، هنا مستجدات الآن إذا قالت الأم أو قال الأب: لا يطلع الولد، ما لازم يصلي بالمسجد؛ لأن هناك رفقة سوء يبي يجتالونه في الشارع، لا سيما وقد لوحظ أنه يتخلف مع كل فرض نصف ساعة وين يروح؟ نقول: هذا مبرر لترك صلاة الجماعة؟ لا تظن أنت أن الناس كلهم على حدٍ سواء يصلون في المساجد اللي .. ، اللي بيروح ويجي ويشرق ويغرب، ما يلزم أن يكون في نفس المسجد، ولا شك أن الوضع في هذا الزمان، التربية في غاية الصعوبة، فهل له أن يمنع ولده من الخروج لصلاة الجماعة ارتكاباً لأخف الضررين؟ لأن هذا يغلب على الظن، .... الشباب ما هم تاركينه، تعرفون عاد وضع الناس اليوم، الإنسان يحرص أن يربي أولاده وبيته نظيف ما فيه شيء، لكن الجيران عندهم ما عندهم، ومن أيسر الأمور أن يقول له زميله في المدرسة: أنت الآن كبرت يا أخي إلى متى يتصرفون بك؟ صحيح، وعلى شوية شوية يروح للبقالة يروح كذا يمين يسار، حتى .. ، الله المستعان.(21/6)
يعني لوحظ بعض الأشياء من هذه، فهل هذا مبرر لترك الجماعة؟ يعني من باب ارتكاب أخف الضررين، إن كان شفقة عليه على بدنه لا ليس مبرر، أبداً ما على. . . . . . . . .، وإن كانت شفقة الأم قد تصل إلى هذا الحد كما في الأثر الذي ذكره البخاري، أما والله خوف على دينه وخوف على سلوكه وعلى كذا، لا سيما إذا لم يبلغ حد التكليف، إذا غلب على الظن أنه. . . . . . . . . يقال: صل في البيت، والله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .
هين القول بأنها سنة كثير، ويستدلون بالحديث السابق، وهو المعروف عند الحنفية والمالكية، الشافعية يقولون: فرض كفاية، أما الحنابلة يقولون بوجوبها، وابن عباس وجمعٌ من أهل العلم يرون أنها أشد من ذلك شرط، الظاهرية وشيخ الإسلام يقولون: شرط لصحة الصلاة، ورواية عن أحمد.
وعلى كل حال شأنها عظيم، وما ورد في التشديد فيها شيء يجعل الإنسان لا يتردد في إثم من تركها.
"وحدثني عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن بسر بن سعيد أن زيد بن ثابت قال: "أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا صلاة المكتوبة" يعني الصلاة في البيت للنافلة ((أفضل الصلوات صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة)) وظاهره يشمل جميع النوافل بما في ذلك التراويح، وقد مضى في خبر عمر في الصحيح أنه مرَّ بهم وهم يصلون، فالمظنون به أنه يصلي في بيته في آخر الليل، وظاهر هذا يشمل جميع النوافل؛ لأن المراد بالمكتوبة المفروضة، فيبقى ما عداها داخلٌ في عموم هذا الحديث، لكنه محمولٌ على ما إذا لم تشرع، أو ما لم يشرع فيه التجميع كصلاة الكسوف مثلاً، صلاة الكسوف ومثلها التراويح؛ لأنها سنة عمر -رضي الله عنه- الخليفة الراشد، وهو مقتدٍ بفعله -عليه الصلاة والسلام-، ومثلها أيضاً الاستسقاء كل ما شرع له الجماعة مخصوصٌ من هذا الحديث، يعني من باب أولى، أو ما يتصور في خلاف ركعتي المسجد؟ جمهور أهل العلم على أنها نافلة، جماهير أهل العلم على أنها نافلة، ونقل عليها الاتفاق، يعني هل تدخل في هذا الحديث: ((إلا المكتوبة))؟ هي ليست مكتوبة، والبيت أفضل إذاً صلِ تحية المسجد في البيت، يتصور هذا؟ يا أخي عموم الحديث مخصوص بأمور من أوضحها تحية المسجد.(21/7)
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيها؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- قاله في المدينة.
طالب:. . . . . . . . .
تفضيل الصلاة في البيت لحكم ومصالح، يعني النوافل هي أخفى وأبعد عن الرياء، وفيها أيضاً تعليم للنساء والصبيان كيفية الصلاة، فينبغي أن يهتم الإنسان لصلاته في بيته؛ لأن بعض الناس إذا كان في المسجد قد يحسن صلاته أكثر من إحسانه وتحسينه إياها في بيته، ومعروف أن الإنسان إذا دخل البيت طرح الكلفة من كل شيء، نقول: لا يا أخي الصلاة أنت ماثلٌ بين يدي الله -عز وجل-، سواءً كنت في بيتك، في مسجدك، في مكتبك، في أي مكان، حيث ينادى بها، الأصل حيث ينادى بها، لكن إذا ترتب على ترك العمل .. ، في مدرسة وطلعوا المدرسين كلهم والشباب من اللي بيرجعهم، أو مصالح تفوت، أو يخشى عليها من تحريف وتزوير ومشكلة يعني، الحراسة عندهم نصوا على أنها في أقل من هذه الأمور عذر، أما إذا كان مسجد بمعالمه، بمحرابه، بمنارته، بسوره هذا ولو لم يصلَ فيه إلا بالسنة مرة واحدة كنمرة مسجد نمرة مسجد، لكن كونه يصلى فيها الصلوات الخمس أو مرة في اليوم أو مرتين هذا ما له دخل، المقصود أنه مسجد، والله المستعان.
سم.
"باب: ما جاء في العتمة والصبح:
عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي عن سعيد بن المسيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح، لا يستطيعونهما)) أو نحو هذا.
عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بينما رجل يمشي بطريق إذ وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له)) وقال: ((الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله)) وقال: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا)).(21/8)
عن مالك عن بن شهاب عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- فقد سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح، وأن عمر بن الخطاب غدا إلى السوق ومسكن سليمان بين السوق والمسجد النبوي فمر على الشفاء أم سليمان فقال لها: لم أر سليمان في الصبح، فقالت: إنه بات يصلي فغلبته عيناه، فقال عمر -رضي الله عنه-: لأن أشهد صلاة الصبح في الجماعة أحب إلى من أن أقوم ليلة.
عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري أنه قال: جاء عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- إلى صلاة العشاء فرأى أهل المسجد قليلاً فأضطجع في مؤخر المسجد ينتظر الناس أن يكثروا، فأتاه ابن أبي عمرة فجلس إليه فسأله من هو؟ فأخبره، فقال: ما معك من القرآن؟ فأخبره، فقال له عثمان: من شهد العشاء فكأنما قام نصف ليلة، ومن شهد الصبح فكأنما قام ليلة"
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في العتمة" التي هي العشاء "والصبح" الفجر يعني من مزيد الفضل والتأكيد.
"حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة -بن عمر- الأسلمي -المدني- عن سعيد بن المسيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح)) " وجاء أيضاً: ((أثقل الصلاة على المنافقين العشاء والصبح)) ((بيننا وبين المنافقين)) علامة، علامة فارقة بين المخلص والمنافق، وهي شهود العشاء والصبح، لما فيهما من المشقة؛ لأنهم يقومون إلى الصلاة كسالى، وإذا وجدت المشقة امتنع القيام إليها مع الكسل، لكن من يقوم بهمة وعزيمة ونشاط لا تعوقه هذه المشقة ((لا يستطيعونهما)) لأن المسألة فيها تعارض قيام مع ضعف ومشقة، تعارض بين هذا القيام مع الضعف {لاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى} [(54) سورة التوبة] مع وجود المشقة، فإذا تعارض هذا القيام الضعيف مع وجود المشقة ترجحت المشقة، وتركوا الصلاة، لكن القيام بهمة وعزيمة لمن قلبه معلق بالمساجد، أو لمن يرى أنه يرتاح بالصلاة.(21/9)
"وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن -بن الحارث بن هشام- عن أبي صالح -ذكوان السمان- عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بينما)) بالميم، وأصلها بين فأشبعت بالنون وزيدت الميم ((بينما رجل يمشي بطريق إذ وجد غصن شوك على الطريق فأخره -أزاله نحاه عن الطريق- فشكر الله له)) شكر أثنى عليه رضاً بفعله، وإزالة الأذى عن الطريق صدقة، وهي أيضاً شعبة من شعب الإيمان، إزالة الأذى عن الطريق ((فغفر له)) جازاه بالمغفرة بعد أن أثنى عليه بصنيعه، ورضي عن فعله جازاه بالمغفرة "وقال" يعني من تتمة الخبر: ((الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغرق)) المطعون الميت بالطاعون، والمبطون الذي علته سبب موته في بطنه، والغرق من مات في الماء، ((وصاحب الهدم)) من مات تحت الأنقاض ((والشهيد في سبيل الله)) وهو من قاتل لإعلاء كلمة الله، صاحب الهدم بعضهم يلحق حوادث السيارات بالهدم، يعني كأن السيارة تهدمت عليه، ولا شك أنه إذا لم يفرط وحصل له مثل الحادث الذي يموت بسببه لا سيما إذا كانت السيارة انطبقت عليه، أو ما أشبه ذلك فهو مثل الهدم، في معناه ((وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله)) يعني من قاتل لإعلاء كلمة الله، وكلهم شهداء، لكن الشهيد أو الشهداء أنواع، فمنهم شهيد الدنيا، ومنهم شهيد الآخرة، ومنهم شهيد الدنيا والآخرة، فشهيد الدنيا تجرى عليه الأحكام في الدنيا، فلا يغسل، يدفن بثيابه، لكن ليس له ما وعد به الشهداء من الأجر؛ لكونه ارتكب مخالفاً، لكونه غل أو .. ، ارتكب مخالف، الشهيد في الآخرة مثل هؤلاء: المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم كغيرهم من الأموات، شهيد الدنيا والآخرة من مات في سبيل الله لإعلاء كلمة الله.
وجاء في فضل الشهادة في سبيل الله أحاديث، وأنها تكفر كل شيء إلا الدين، وجاء في الترغيب في تقديم النفس والمهجة لله -عز وجل- ما جاء من النصوص من نصوص الكتاب والسنة ما لا يخفى.(21/10)
"وقال: ((لو يعلم الناس ما في النداء)) " الذي هو الأذان، يعني عند المشاحاة، أو عند استواء الأوصاف كما تقدم ((والصف الأول)) يعني لو دخل اثنين دفعة مثلاً، وفي فرجة تسع واحد ((ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا -يقترعوا- عليه لاستهموا)) اقترعوا، تصير القرعة مرجح ((ولو يعلمون ما في التهجير -البدار والمبادرة إلى الصلاة- لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح -أي العشاء والفجر- لأتوهما ولو حبوا)) على اليدين والركبتين، كما يفعل الصبي، وقد أدركنا أناس كبار السن ليس عندهم من يخدمهم، وليست هناك آلات تيسر عليهم وصولهم إلى المسجد يجيئون إلى المسجد حبواً، والآن الإنسان ممتع بكامل القوى، منعم بأنواع النعم، ويتأخر عن الصلاة، وكثرت الشكاوى عن ترك الصلاة من النساء المتزوجات، أسئلة لا يكاد يمر يوم وإلا وامرأة تشتكي أن زوجها لا يصلي.
ذكرنا مراراً أن شخصاً من علماء المغرب يقول: إن الخلاف في حكم تارك الصلاة مسألة نظرية، لا واقع لها، وقال: مثل ما يقول أهل الفرائض: مات شخص عن مائة جدة وألف جدة يعني لتمرين الطلاب عليها فقط، والله المستعان.(21/11)
"وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة أن عمر بن الخطاب فقد -أباه- سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح، وأن عمر بن الخطاب غدا إلى السوق ومسكن سليمان بين السوق والمسجد النبوي" يعني قريب جداً، قريب جداً المسجد، فقده في صلاة الصبح، يعني ما يقال: هذا بعيد احتمال أنه راح يمين يسار صلى بمسجد .. ، لا، هذا قريب من المسجد "فمر" عمر "على الشفاء" بنت عبد الله بنت عبد شمس العدوية "أم سليمان" المذكور "فقال لها: لم أر سليمان في الصبح" فيه أن الإمام يتفقد الرعية، وليس هذا ببدعة كما يقول بعضهم يتفقد الرعية، المتخلف يزار، وينظر في سببه تخلفه، ولو سلكت هذه السنة لخف الأمر إلى حدٍ كبير؛ لأن معرفة المتخلف لا تمكن إلا بالعدد أحياناً مع كثرة العدد "فقال لها: لم أر سليمان في الصبح، فقالت: إنه بات يصلي" بات يصلي كل الليل أو جل الليل فتعب "فغلبته عيناه، فقال عمر -رضي الله عنه-: لأن أشهد صلاة الصبح في الجماعة أحب إلى من أن أقوم ليلة" لماذا؟ لأن القيام سنة والجماعة واجبة، ولا مفاضلة بين السنة والواجب.
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد –الأنصاري- عن محمد بن إبراهيم -بن الحارث التيمي- عن عبد الرحمن بن أبي عمرة -بشير- الأنصاري -الخزرجي- أنه قال: جاء عثمان بن عفان إلى صلاة العشاء فرأى أهل المسجد قليلاً -ما اكتملوا- فأضطجع في مؤخر المسجد ينتظر الناس أن يكثروا" رفقاً بهم لئلا يفوتهم هذا الفضل العظيم، فعلى الإمام أن يلحظ حال الجماعة إذا اكتملوا أقيمت الصلاة، إذا لم يجتمعوا انتظر، لكن لا يكون هذا دافع لبعضهم على التخلف إذا عرف من حالهم الحرص، أما إذا تأخر هذا اليوم ينتظرهم وتأخروا مرة ثانية من الغد وبعده زادوا في التأخر وهم يتبعون هذه الإقامة هذه إعانة لهم على الكسل، وصنيع عثمان -رضي الله عنهم- رفقاً بهم خشية أن تفوتهم صلاة الجماعة فيفوتهم ثوابها.(21/12)
"فأتاه ابن أبي عمرة فجلس إليه فسأله" فأتاه ابن أبي عمرة الأصل أن يقول: فأتيتُ إليه لأنه هو المتحدث هو الراوي، فهذا فيه التفات، وقد يقال: فيه تجريد، يعني جرد من نفسه شخصاً تحدث عنه يسمونه إيش؟ تجريد "فجلس إليه فسأله من هو فأخبره، فقال: ما معك من القرآن؟ " أيضاً هذا تفقد لأفراد الرعية، حث على حفظ القرآن، وهذا أولى ما ينبغي السؤال عنه "ما معك من القرآن؟ فأخبره" بما معه "فقال له عثمان: من شهد" يعني صلى العشاء، وإلا أنت حين حضرت لصلاة العشاء فأبشر فإن من شهد العشاء "فكأنما قام نصف ليلة، ومن صلى الصبح" يعني في جماعة والعشاء في جماعة "فكأنما قام ليلة" وهو مرفوع أيضاً في الصحيح، في صحيح مسلم وغيره، والله المستعان، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(21/13)
الموطأ - كتاب صلاة الجماعة (2)
شرح: باب: العمل في صلاة الجماعة، وباب: إعادة الصلاة مع الإمام، وباب: صلاة الإمام وهو جالس، وباب: فضل صلاة القائم على صلاة القاعد، وباب: ما جاء في صلاة القاعد في النافلة، وباب: الصلاة الوسطى، وباب: الرخصة في الصلاة في الثوب الواحد، وباب: الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار.
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نعم، سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء.
قال الإمام يحيى -رحمه الله تعالى-: "باب: إعادة الصلاة مع الإمام:
عن مالك عن زيد بن أسلم عن رجل من بني الديل يقال له: بسر بن محجن عن أبيه محجن -رضي الله تعالى عنه- أنه كان في مجلس مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأذن بالصلاة، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى ثم رجع ومحجن في مجلسه لم يصلِ معه، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما منعك أن تصلي مع الناس ألست برجل مسلم؟ )) فقال: بلى يا رسول الله، ولكني قد صليت في أهلي، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت)).
عن مالك عن نافع أن رجلاً سأل عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- فقال: إني أصلي في بيتي ثم أدرك الصلاة مع الإمام أفأصلي معه؟ فقال له عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: نعم، فقال الرجل: أيتهما أجعل صلاتي؟ فقال له بن عمر: أو ذلك إليك؟ إنما ذلك إلى الله يجعل أيتهما شاء.
عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلاً سأل سعيد بن المسيب فقال: إني أصلي في بيتي ثم آتي المسجد فأجد الإمام يصلي أفأصلي معه؟ فقال سعيد: نعم، فقال الرجل: فأيهما صلاتي؟ فقال سعيد: أو أنت تجعلهما إنما ذلك إلى الله.(22/1)
عن مالك عن عفيف السهمي عن رجل من بني أسد أنه سأل أبا أيوب الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- فقال: إني أصلي في بيتي ثم آتى المسجد فأجد الإمام يصلى أفأصلي معه؟ فقال أبو أيوب: نعم فصل معه، فإن من صنع ذلك فإن له سهم جمع، أو مثل سهم جمع.
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: من صلى المغرب أو الصبح ثم أدركهما مع الإمام فلا يعد لهما، قال مالك -رحمه الله-: ولا أرى بأساً أن يصلي مع الإمام من كان قد صلى في بيته إلا صلاة المغرب فإنه إذا أعادها كانت شفعاً".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: إعادة الصلاة مع الإمام" يعني لمن صلى منفرداً، صلى منفرداً إما ظاناً أن الصلاة قد انتهت ثم وجدهم يصلون، أو مخالفاً متكاسلاً صلاها ثم ندم على ذلك يصلي مع الجماعة.(22/2)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن رجل من بني الديل" بكسر الدال وسكون الياء، قال بعضهم: بضم الدال وكسر الهمزة دُئل الدئل أو الديل قولان معروفان عند أهل العلم "يقال له: بسر بن محجن" الديلي تابعي صدوق "عن أبيه محجن" بن أبي محجن الديلي صحابي "أنه كان في مجلس مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأذن بالصلاة، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى ثم رجع" فأذن المراد بالأذان هنا الإقامة للعطف بالفاء، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى، ولأنه لو كان الأذان للزم من ذلك أن يكون محجن قد صلى قبل الوقت "ثم رجع ومحجنٍ في مجلسه لم يصل معه، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما منعك أن تصلي مع الناس .. )) " يعني اللي صلوا معه -عليه الصلاة والسلام-، ((ألست برجل مسلم؟ )) ألست برجل؟ لأن المرأة لا يلزمها جماعة، ومسلم لأن الكافر لا تصح منه صلاة ((ألست برجلٍ مسلم؟ )) وهذا الاستفهام يحتمل معناه الأصلي وهو أنه يسأله عن حقيقة حاله أمسلمٌ هو أم لا؟ لأنه لا يعلم عن حاله شيئاً وهذا احتمال، والاحتمال الآخر: أنه أراد بذلك التوبيخ وهو أظهر "فقال: بلى يا رسول الله ولكني قد صليت في أهلي" ظناً منه أن الجماعة لا تعاد، ولم يبلغه ما ورد في فضل الإعادة "فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا جئت فصل مع الناس)) " فصلِ مع الناس، وظاهر هذا الأمر يشمل جميع الصلوات، ويأتي الخلاف في ذلك ((فصلِّ مع الناس وإن كنت قد صليت)) وهذا فيه دليلٌ على أن من قال: صليت أنه يدين بذلك ولا يستحلف، إذا قلت: صل يا فلان قال: قد صليت، يدين بذلك، لكن إذا غلب على الظن أنه لم يصل لا بد أن يتثبت في أمره، وإلا لو قبلت هذه الحجة على إطلاقها تنصل كثير من الناس من هذه العبادة العظيمة الشعيرة، ركن الإسلام الأعظم بعد الشهادتين، فإذا غلب على الظن أنه لم يصل يتثبت من أمره، أما إذا كان ظاهره الصلاح وأنه صادق في دعواه يدين.(22/3)
كذلك الأولاد إذا قيل له: هل صليت؟ يتثبت من أمره، لا سيما إذا عرف من حالهم أنهم قد يكذبون، قد يقصرون في أداء هذه الشعيرة، ((وإن كنت قد صليت)) يعني أثبت صلاته الأولى، وأنها صلاة مجزئة صحيحة مسقطة للطلب، وعلى هذا فالصلاة الثانية نافلة والأولى هي الفريضة، وقال بعضهم بالعكس، وابن عمر -كما سيأتي في الخبر الذي يليه- رد ذلك إلى الله -عز وجل-.(22/4)
لذا قال: "وحدثني عن مالك عن نافع أن رجلاً سأل عبد الله بن عمر فقال: إني أصلي في بيتي ثم أدرك الصلاة مع الإمام أفأصلي معه؟ فقال له عبد الله بن عمر: نعم" يعني صل معه "فقال الرجل: أيتهما أجعل صلاتي؟ " يعني الفريضة فريضة الوقت "فقال له ابن عمر: أو ذلك إليك؟ إنما ذلك إلى الله يجعل أيتهما شاء" هذا جوابه، فيه توقف من ابن عمر ثم جزم بعد ذلك على ما سيأتي، فهل مثل هذا الكلام سائغ؟ يمكن أن يستدل به على مسائل إذا تردد فيها الإنسان أو قوي فيها الخلاف، مثلاً: يقرأ القرآن ويهدي ثوابه إليه، فيقال له مثلاً يقول له من لا يرى ذلك يقول: هذا يا أخي لم يرد به أثر، يقال له: هذا لم يرد به أثر، فيقول: الأمر إلى الله إن شاء صرف الثواب له وإلا رده إلي، حكمٌ عدل لن يضيع الثواب، فهل يمكن أن يقال مثل هذا؟ أو نرجع إلى القواعد الثابتة المقررة في الشرع ونجزم بالحكم الشرعي؟ يعني لو شخص قرأ القرآن وأهدى ثوابه لوالديه، فقال له من لا يرى ذلك؛ لأن من أهل العلم من يرى أن أي قربة فعلها وأهدى ثوابها لحيٍ أو ميت وصلت، هذا قول عند أهل العلم معروف، ومنهم من يقصر ذلك على الوالد، الوالد فقط، وليس منه قراءة القرآن، وهذه مسألة واقعة، فأهدى ثواب القراءة لوالديه وقال .. ، فقيل له فقال: الله -جل وعلا- لن يضيع السعي والعمل، إن قبلها للمهدى له وإلا ردها علي لن تضيع، هذه نظير مسألتنا، أو نقول: نرجح من خلال ما وردنا من أدلة والراجح هو الذي يعمل به ويفتى به، أيتهما شاء إن شاء جعل الأولى فريضة وإن شاء جعل الثانية، لكن يترتب على هذا أمور، التردد هذا لو تبين أن الأولى التي صلاها باطلة مثلاً صلاها بدون طهارة ناسياً هل نقول: إن الله -سبحانه وتعالى- جعل الثانية مكانها؟ أو نقول: الأولى هي الفريضة باطلة والثانية نافلة أو العكس؟ يعني رد .. ، كونك تكل الأمر إلى الله -عز وجل- في أمرٍ متردد فيه بين أمرين ومحسوم بالشرع، قال ابن حبيب: معناه أن الله يعلم التي يتقبلها، فأما على وجه الاعتداد بها فهي الأولى التي هي الفريضة، ومقتضاه أن يصلي الصلاتين بنية الفرض، مقتضى كلام ابن عمر أنه يصلي الصلاتين بنية الفرض، ولو صلى إحداهما بنية النفل لم يشك(22/5)
في أن إيش؟ أن الأخرى فرض، مقتضاه أن يصلي الصلاتين بنية الفرض ولو صلى إحدهما بنية النفل، أن الأخرى فرض، قاله الباجي كيف؟ يعني لو صلى الأولى بنية النفل ثم صلى ثانية هي فرض بلا شك هذه، لكن صلى الأولى بنية الفرض والنية الثانية بنية النفل تكون الأخرى هي الفرض؟ كيف يقول الباجي: "لم يشك أن الأخرى فرض؟ "
طالب:. . . . . . . . .
الثانية ما هي بالأخيرة، الأخرى يعني مقابل النافلة ليس مقابل الأولى.
وروى ابن أبي ذئب عن نافع أن ابن عمر قال: إن صلاته الأولى يعني الفرض، صلاته الأولى إيش معنى صلاته؟ فريضته الأولى، صلاته صلاة الوقت، وظاهره مخالفٌ لرواية مالك فيحمل على أنه تغير اجتهاده.
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلاً سأل سعيد بن المسيب فقال: إني أصلي في بيتي ثم آتي المسجد فأجد الإمام يصلي أفأصلي معه؟ فقال سعيد: نعم، فقال الرجل: فأيهما صلاتي؟ فقال سعيد: أو أنت تجعلهما إنما ذلك إلى الله -عز وجل-" أجاب بما أجاب به ابن عمر -رضي الله عنه-، في المسألة خلاف بين أهل العلم، وهما مبنيان على صحة رفض الصلاة بعد فراغها، بعد الفراغ منها، بعد الفراغ منها هل يمكن رفضها أو لا يمكن؟ على كل حال على القول بأن الصلاة لا ترفض فالأولى فرضه شاء أم أبى، وإن قلنا: ترتفض جاز أن يقال بالقول الأول، وهو أن فريضته الثانية، وهو قول طائفة من أصحاب مالك وغيره.(22/6)
يقول: "وحدثني عن مالك عن عفيف بن عمرو السهمي عن رجل من بني أسد أنه سأل أبا أيوب -خالد بن زيد بن كليب- الأنصاري -البدري- فقال: إني أصلي في بيتي ثم آتى المسجد فأجد الإمام يصلى أفأصلي معه؟ فقال أبو أيوب: نعم فصل معه، فإن من صنع ذلك فإن له سهم جمع، أو مثل سهم جمع" والخلاف في هذا الكلام كثير، فمنهم من يقول: إن المراد به أنه يضعف له الأجر، يعطى الأجر مرتين، يجمع له أجرٌ آخر مع أجره السابق، وقيل: إنه يكون له مثل أجر المجاهد؛ لأن الجمع الجيش {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} [(45) سورة القمر] {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ} [(61) سورة الشعراء] فيكون له مثل أجر المجاهد، يعني واحد من أفراد الجمع الذي هم الجيش، أغرب بعضهم فقال: له مثل أجر من بات بمزدلفة؛ لأنها جمع، بُعد إغراب، يعني الأقرب أن له سهم جمع، يعني يدرك الجماعة في ذلك كمن صلى في جماعة، هذا أقرب ما يمكن؛ لأن الموضوع كله في إدراك الجماعة وعدمها، وهو صلى منفرد، وأعاد الصلاة مع الجماعة مريداً بذلك أجر الجماعة لن يحرمه الله -جل وعلا- من أجر الجماعة، نعم صلاته الفريضة التي يطلب لها الجماعة صلاها منفرداً، لكن إعادته لها تدل على أنه حريصٌ على الجماعة، فلن يحرمه الله -جل وعلا- عن ثواب الجماعة -إن شاء الله تعالى-.
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: من صلى المغرب أو الصبح ثم أدركهما مع الإمام فلا يعد لهما" من صلى المغرب أو الصبح يعني منفرداً ثم أدركهما مع الإمام فلا يعد لهما للنهي عن الصلاة بعد الصبح لأنه صلى الصبح، وهو منهي أن يصلي بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس؛ ولأن النافلة لا تكون وتراً وصلاة المغرب وتر، وإلى هذا ذهب الأوزاعي والحسن والثوري، ولم يذكر ابن عمر العصر، وإن كان النهي عن الصلاة بعدها مثل النهي عن الصلاة بعد الصبح، قالوا: لأن ابن عمر يرى أن النهي بعد العصر إنما يكون بعد الاصفرار.(22/7)
"قال مالك -رحمه الله-: "ولا أرى بأساً أن يصلي مع الإمام من كان قد صلى في بيته -أو في غيره في دكانه في عمله- إلا صلاة المغرب -فإنه لا يعيدها- فإن إذا أعادها كانت شفعاً" فينافي ما يتقدم من أنها وترُ النهار، كيف تكون شفع؟ ست ركعات والست شفع، علل محمد بن الحسن عدم إعادة المغرب بأن الإعادة نافلة ولا تكون النافلة وتراً، علل محمد بن الحسن عدم إعادة المغرب بأن الإعادة نافلة والتنفل لا يكون بوتر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
عموماً ما في وتر إلا الوتر المعروف، يعني لو صلى ثلاث الضحى ما هو في ليل في نهار، ولذلك الوتر إذا قضي يقضى شفع، فلا وتر إلا الذي يعقب صلاة التهجد المعروف وصلاة المغرب فقط، طيب هل يقضي على هذا لو قيل له: زد ركعة؟ تعليل محمد بن الحسن لئلا تكون نافلته وتراً إما يزيد ركعة أو ينقص ركعة يقضي على هذا؟ لو شخص دخل المسجد فاتته الصلاة وأراد من يتصدق عليه صلاة المغرب، صلاة المغرب فاتته، وأراد من يتصدق عليه، من يتصدق علي؟ قال شخص: أنا، هل يصلي ثلاث أو ينقص واحدة أو يزيد واحدة لئلا تكون وتراً؟ لئلا يدخل في مخالفة: ((صلاة الليل مثنى مثنى))؟ قال أبو عمر: هذه العلة أحسن من تعليل مالك؛ لأن مالك يقول: فإنه إذا أعادها كانت شفعاً، وتعليل محمد بن الحسن يقول: إنه أحسن من تعليل مالك، وهذا من إنصاف ابن عبد البر -رحمه الله-، وحفظ عنه مسائل خالف فيها الإمام مالك، مسائل معروفة من المسائل الكبار، يعني أقول: منها أو من أوضحها تفضيل المدينة على مكة عند مالك، ابن عبد البر يرى العكس قول الجمهور، هذا معروف عند المالكية.
وقال الشافعي: تعاد الصلوات كلها لعموم حديث محجن، حديث محجن الذي تقدم ما فيه تنصيص على صلاة بعينها ((إذا جئت فصلِّ مع الناس وإن كنت قد صليت)) صل مع الناس أي صلاة مقتضاه، أيضاً حديث: ((من يتصدق على هذا؟ )) في صلاة الصبح، وإن كان بعد صلاة الصبح نهي لكن هذا سبب للإعادة.(22/8)
قال الشافعي: تعاد الصلوات كلها لعموم حديث محجن السابق إذ لم تخص صلاة من غيرها، وقال أبو حنيفة: لا يعيد الصبح ولا العصر ولا المغرب لما تقدم؛ لأن الصبح بعدها وقت نهي، والعصر بعدها وقت نهي والمغرب وتر، وهو مذهب الحنابلة أن الصبح لا تعاد، والعصر لا تعاد، وكذلك المغرب.
طالب:. . . . . . . . .
الوقتان الموسعان فيهما مندوحة، والنهي عن الصلاة فيهما إنما هو من باب النهي عن الوسائل لا المقاصد، فالأمر فيه. . . . . . . . .، لكن لو جاء هذا الذي فاتته صلاة العصر بعد اصفرار الشمس أو بعد ضيق الوقت أو مع بزوغ الشمس لصلاة الصبح نقول له: لا يا أخي لا نتصدق عليك.
"باب: العمل في صلاة الجماعة:
عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء)).
عن مالك عن نافع أنه قال: قمت وراء عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- في صلاة من الصلوات وليس معه أحد غيري فخالف عبد الله بيده فجعلني حذاءه.
ع ن مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلاً كان يؤم الناس بالعقيق فأرسل إليه عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- فنهاه، قال مالك: وإنما نهاه لأنه كان لا يعرف أبوه".
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: العمل في صلاة الجماعة:(22/9)
حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد -عبد الله بن ذكوان- عن الأعرج -عبد الرحمن بن هرمز- عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا صلى أحدكم بالناس -يعني إماماً- فليخفف)) " مع التمام، يخفف مع التمام، ليس معناه أنه يخفف يترك شيء من الواجبات، أو شيء من أركان الصلاة، لا، يخفف مع الإتيان بالصلاة على القدر المطلوب، ومن المعلوم أن التخفيف والتطويل أمور نسبية، يعني إذا قرأ في صلاة الصبح بالسجدة وسورة الإنسان قلنا: طول؟ في عرف كثير من الناس أنه طول، لكن هذا تخفيف؛ لأن الذي قال: ((فليخفف)) قرأ بهما -عليه الصلاة والسلام-، ((فإن فيهم الضعيف -يعني خلقةً- والسقيم -المريض- والكبير -في سنه- وإذا صلى أحدكم لنفسه -منفرداً- فليطول ما شاء)) ((فإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء)) الضعيف الذي لا يحتمل التطويل لضعف خلقته، والمريض السقيم، وقد كان الصحابة الواحد منهم يؤتى به يهادى بين رجلين ولا يترك الجماعة، والكبير في سنه، من المؤسف أن نجد الكبار أحرص على التطويل من الصغار، بل صلاتنا في عرف كثير من الكبار تلاعب في الصلاة، وسبب ذلك أن الذي يقف بين يدي الله -عز وجل- هو القلب وليس البدن، الآن الشباب إذا زاد الإمام آية أو آيتين تذمروا وتكلموا بعد الصلاة، وقصة رددتها في مناسبات، شخص أدركته جاز المائة، جاز المائة سنة ويصلي خلف إمام قراءته ليس جميلة بمعنى أنه يتلذذ بالقراءة، لا، ويطيل القراءة جداً، يقرأ في التسليمة الواحدة في صلاة التهجد جزء كامل، في يوم من الأيام سمع هذا الإمام شخص يؤذن، يؤذن الأذان الأول كما هو معروف، والأذان علامة إلى أنهم انتهوا من الصلاة، هذا الإمام لما سمع المسجد المجاور يؤذن خفف، فلما سلم ماذا قال له هذا الشيخ الكبير وهو يصلي واقف قائم يصلي؟ تكلم عليه بكلام قوي، وقال: يوم جاء وقت النزول بعبارته، يعني وقت النزول الإلهي تخفف، هي ليالي معدودة، والشباب الله المستعان، انظر ترى، فالذي يقف بين يدي الله -عز وجل- هو القلب، الأقدام آلات، ولذلك تجد هذا الشاب في المواطن التي يرتاح لها عنده استعداد يقف ساعة ساعتين ما يضر، يقف عند باب المسجد يتحدث مع أحد ما يضره ساعة ساعتين ما(22/10)
فيه إشكال، هذا الحاصل يا الإخوان، لكن هذه المسألة تحتاج إلى علاج، هذا مرض قلبي، إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، فيه مشابهة بالمنافقين، نسأل الله العافية، ومجانبة عن سنة سيد المرسلين الذي يقول: ((أرحنا بالصلاة)) ولسان حال هؤلاء: "أرحنا من الصلاة" الناس ينتظرون متى يسلم؟.
((وإذا صلى أحدكم لنفسه)) منفرداً من شفقة النبي -عليه الصلاة والسلام- على أمته؛ ولئلا ينفر الناس من الصلاة لا بد من الإتيان بها على الوجه المطلوب المجزئ، وأما التطويل الذي ينفر المأمومين أو يشق عليهم ليس بمطلوب، قال بعضهم: لا يزيد في التسبيح على ثلاث في الركوع والسجود؛ لئلا يشق على المؤمنين، لكن هو يعرف حال المؤمنين، من كان لا يشق عليهم السبع فعل، وإذا كان يشق عليهم يزيد أو ينقص بقدر الحاجة، ويلاحظ حال المأمومين.
((فليطول ما شاء)) ولمسلم: ((فليصلِّ كيف شاء)) يعني مخففاً أو مطولاً، الأمر متروك إليه، لكنه إذا طول وهو منفرد أفضل بلا شك؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قام بالمئين، وقرأ في ركعة البقرة ثم النساء ثم آل عمران، وقام حتى تفطرت قدماه -عليه الصلاة والسلام-.
ابن حجر أشار إلى مسألة: ((فليطول ما شاء)) ليس فيه حد محدد، يعني لو صلى لنفسه وهو منفرد ولا تلزمه جماعة لا يسمع النداء بعد طلوع الصبح مثلاً ((فليطول ما شاء)) هذا الإطلاق يقتضي أنه لو قرأ البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام في ركعة والثانية مثل حتى طلعت الشمس إيش الحكم؟ ابن حجر ماذا يقول؟ يقول: استدل به على جواز إطالة القراءة ولو خرج الوقت، وهو مصحح عند بعض أصحابنا، أصحابهم من؟ الشافعية، وفيه نظر لأنه يعارضه عموم قوله في حديث أبي قتادة: ((إنما التفريط أن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى)) يسمى تفريط، وبعمومه يشمل ما قبل الدخول وما بعده، ما قبل الدخول في الصلاة وما بعده، إنما التفريط أن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى بعمومه يتناول هذه الصورة.(22/11)
واستدل بعمومه أيضاً على جواز تطويل الاعتدال بعد الركوع وبين السجدتين ((فليطول ما شاء)) يشمل الاعتدال، ومعروف أنهم ينصون على مثل هذه المسألة؛ لأنه عندهم -عند الشافعية- يكره التطويل، تطويل الاعتدال هذا، لا سيما بعد الركوع، بل بعضهم يمنعه، وهو ثابت بلا شك، قام قياماً طويلاً معروف.
"وحدثني عن مالك عن نافع أنه قال: قمت وراء عبد الله بن عمر في صلاة من الصلوات وليس معه أحد غيري" قام وراءه الإمام في صف ثم قام وراءه "فخالف عبد الله بيده فجعلني حذاءه" أي محاذياً له عن يمينه؛ لأنه موقف المأموم الواحد بالنسبة للإمام، يعني جره، خالف بيده جعل يده من خلفه فقدمه وصار بإزائه، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- بابن عباس، إلا أن موقف ابن عباس في جهة اليسار، وهذا خلف.
طالب:. . . . . . . . .
"أنه قال: قمت وراء عبد الله" ما يلزم أن يكون دخل، لكن الأصل أنه دخل في الصلاة؛ لأنه لو لم يدخل لكان التنبيه بالكلام تقدم، هذا الظاهر وإن كان لا يمنع أيضاً من أن يقدمه بالفعل، على كل حال العموم وارد، يعني كونه يشق على الناس، الناس فيهم الضعيف وفيهم وفيهم .. ، ((أفتانٌ يا معاذ؟ )) فإذا كان يشق عليهم التطويل حتى في النافلة، لكن النافلة القيام له بدل عند العجز، ما هو بالعجز اللي .. ، العجز المشقة، والقيام كما سيأتي في الفريضة ركن من أركانها، فإذا أطال اضطر الناس إلى الجلوس، ووقعوا في المخالفة.(22/12)
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلاً كان يؤم الناس بالعقيق" موضع معروف بالمدينة، أو هو الوادي المعروف وادي العقيق "أن رجلاً كان يؤم الناس بالعقيق فأرسل إليه عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- فنهاه عن الإمامة" نهاه عنها لماذا ينهى عن الإمامة؟ نعم إذا لوحظ على الإمام الإخلال بالصلاة أو بما يشترط للإمامة ينهى عنها، هذا إيش ذنبه؟ "قال مالك: وإنما نهاه لأنه كان لا يُعرف أبوه" يقول: فيكره أن يتخذ إماماً راتباً، وجاء في ذمه نصوص، وأنه شر الثلاثة، لكن ما ذنبه في الحقيقة؟ هو لا ذنب له، لا ذنب له، هو شر الثلاثة إن عمل بعمل والديه وإلا إن سلك الجادة، واستقام على دين الله فلا يضير ذلك، لا ذنب له، ولذا من المعروف عند الحنابلة بل بالحرف عندهم يقولون: تصح إمامة ولد الزنا، ويقولون أيضاً: والجندي إذا سلم دينهما بهذا القيد، أما إذا لم يسلم الدين فلا تصح لا لهما ولا لغيرهما على خلافٍ بين أهل العلم في إمامة الفاسق.
على كل حال الخلاف في إمامة الفاسق معروفة، عند الحنابلة لا تصح إمامة الفاسق، ولا تصح خلف فاسق يقولون إيش؟ كملوا؟ "ولا تصح خلف فاسقٍ ككافر" لا تصح الصلاة خلف فاسق عندهم، وإن كان المرجح أن من صحت صلاته صحت إمامته، على كل حال هذا ليس بالعيب ولا قادح؛ لأنه لا علاقة له بما صنع أبواه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذا حقيقة واقعة ولد زنا، أما أنه قد قيل هين، لكن كونه إمام قد يلفت أنظار الناس من إمامكم؟ ويش ها الإمام؟ ويش اللي عندكم؟ ثم يصير مجال للكلام، وكونه مأموم يعني أستر له.
طالب:. . . . . . . . .
لعل عمر بن عبد العزيز سياسة من هذا الباب، وإلا صلاته صحيحة، وإمامته صحيحة ولا ذنب له، نعم.
"باب: صلاة الإمام وهو جالس:
عن مالك عن بن شهاب عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركب فرساً فصرع فجحش شقه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد، وصلينا وراءه قعوداً، فلما انصرف قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا ركع فأركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون)).(22/13)
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو شاك، فصلى جالساً، وصلى وراءه قوم قياماً فأشار إليهم: أن اجلسوا، فلما انصرف قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً)).
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج في مرضه فأتى فوجد أبا بكر وهو قائم يصلي بالناس فاستأخر أبو بكر، فأشار إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن كما أنت، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى جنب أبي بكر، فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو جالس، وكان الناس يصلون بصلاة أبي بكر".
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: صلاة الإمام وهو جالس" وأورد في ذلك حديث أنس وحديث عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى جالساً، وصلوا وراءه جلوساً، وفي آخره: ((وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً -أجمعين أو- أجمعون)) وأورد فيه أيضاً إمامة أبي بكر في مرض النبي -عليه الصلاة والسلام-، وخروجه إليهم، وصلاة أبي بكر بصلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصلاة من خلفه بصلاة أبي بكر.(22/14)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك" هكذا في جلِّ الروايات روايات الموطأ "يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن أنس" في رواية سويد بن سعيد: عن مالك عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة، قال أبو عمر: وهو خطأ لم يتابعه عليه أحد "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركب فرساً" قال ابن حبان: في ذي الحجة سنة خمس، الحِجة أو الحَجة؟ عكس القَعدة "ركب فرساً فصرع -أي سقط عن الفرس- فجحش شقه الأيمن" جحش، جرح، خدش "الأيمن" ساقه الأيمن "فصلى صلاةً من الصلوات -المفروضة- وهو قاعد" قال عياض: يحتمل أنه أصابته من السقطة، أو أصابه من السقطة ربضٌ في الأعضاء، يعني مجرد جرح ما يمنع من القيام، لكن لعله أصابه كما قال عياض: ربض، بحيث لا يستطيع القيام، منعه من القيام، قال ابن حجر: "وليس كذلك وإنما كانت قدمه منفكة -عليه الصلاة والسلام-" كما جاء في بعض الروايات، ولا مانع من اجتماع الأمور الثلاثة، لما سقط أصيب برضوض، وانفكت قدمه، وجرح، لا سيما وأن الروايات فيها قوة.
"وهو قاعد، وصلينا وراءه قعوداً، فلما انصرف -من الصلاة- قال: ((إنما جعل الإمام)) إمامً لماذا؟ ((ليؤتم به -ليقتدى به- فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً)) وجوباً؛ لأن القيام ركن من أركان الصلاة ((فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا ركع فأركعوا)) يعني إذا شرع في الركوع انقطع صوته اركعوا ((وإذا رفع فارفعوا -مثله- وإذا قال: سمع الله لمن حمده)) سمع فيه إثبات السمع لله -عز وجل-، ومن لازم هذا السمع الإجابة، ولذا يفسر بعض العلماء سمع الله: أجاب ((فقولوا: ربنا ولك الحمد)) تقدم أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، ويقول أيضاً: ربنا ولك الحمد، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده، وتقدم الصيغ الواردة في هذا، والخلاف في المسألة ((وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون)) وفيه صحة إمامة الجالس، وسيأتي الخلاف فيها.(22/15)
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو شاك - اسم فاعل من الشكاية وهي المرض- فصلى جالساً وصلى وراءه قوم قياماً -قياماً حال- فأشار إليهم" وفي رواية: "فأشار عليهم"، "فأشار إليهم: أن اجلسوا" هل هناك فرق بين الروايتين: "فأشار إليهم" أو "فأشار عليهم"؟ كيف؟ أشار إليهم من الإشارة، وأشار عليهم من المشورة، وفرقٌ بين الإشارة يعني أشار إليهم هكذا، والإشارة المفهمة لها حكم القول: "أن اجلسوا" ولذا فسرت: بأن اجلسوا، وهي إشارة ما فيها كلام، لكن أشار عليهم يعني من باب المشورة، والمشورة ليست بلازمة، لا يلزم قبولها "فأشار -عليهم أو- إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف من الصلاة قال: ((إنما جعل الإمام -إماماً- ليؤتم به -يعني ليقتدى به- فإذا ركع -شرع في الركوع- فاركعوا وإذا رفع -مثله- فارفعوا، وإذا صلى جالساً -حال- فصلوا جلوسا)) حال أيضاً، يعني ولو كنتم قادرين على القيام، لماذا؟ لما صدر به الخبر ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) حتى في هذا، فلا بد من الاقتداء والائتمام بالإمام ولو في مثل هذه الصورة صلاة القائم خلف القاعد.(22/16)
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج في مرضه" هناك في الحديث الأول سنة كم؟ سنة خمس، يعني في آخر سنة خمس، وهنا في مرضه سنة إحدى عشرة، أيهما المتقدم؟ الأول، والمتأخر الحديث هذا "عن أبيه -المعروف أنه عن عائشة- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج في مرضه فأتى فوجد أبا بكر وهو قائم يصلي بالناس" بأمره -عليه الصلاة والسلام- ((مروا أبا بكرٍ فليصلِ بالناس)) نعم بأمره -عليه الصلاة والسلام-، وليس من تصرف أبي بكر "فوجد أبا بكر وهو قائم يصلي بالناس فاستأخر أبو بكر" تأخر يترك الإمامة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، معللاً ذلك بقوله: "ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-"، "استأخر أبو بكرٍ فأشار إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أن كما أنت" يعني اثبت كما أنت في مكانك "فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى جنب أبي بكر" إلى جنبه الأيمن وإلا الأيسر؟ "فأشار: أن كما أنت، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى جنب أبي بكر"؟
طالب:. . . . . . . . .
الأيسر، من الإمام؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، "فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وهذا يمنع أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- جلس بجانبه الأيمن؛ لأن أبا بكر يصلي بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، "وهو جالس، و ... الناس يصلون بصلاة أبي بكر" الآن إمامة أبي بكر إمامة حقيقية أم هي مجرد تبليغ؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- جالس ما يرى؟ نعم لأن هذه الصورة .. ، الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو الإمام الحقيقي، يعني مثل ما نقول: يقتدي أصحاب الصف الثاني بأصحاب الصف الأول لأنهم ما يرون الإمام، أو من تأخر بمن تقدم ممن لا يرى الإمام ولا يسمع صوته، وهو ليس بإمام في الحقيقة، لكن هو يقتدي بالإمام والإمام لا يمكن النظر إليه، ولا معرفة الحال التي هو عليها يقتدى بمن خلفه "وكان الناس يصلون بصلاة أبي بكر".(22/17)
نأتي إلى المسألة: وهي صلاة القاعد ممن يستطيع القيام في مثل هذه الصورة متابعةً لإمامه، المسألة خلافية: المعروف عند المالكية أن إمامة القاعد لا تصح مطلقاً، بل هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، يبي يصلي قاعد يالله تصير مأموم لا تصير إمام، هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، الحنفية والشافعية يجيزون إمامة القاعد، لكنهم لا يجيزون إمامة المستطيع من المأمومين أن يصلي قاعداً، استدلالاً بالحديث الأخير، ويقولون: إنه ناسخ للحديث السابق؛ لأنه متأخر في مرض موته -عليه الصلاة والسلام-، وصلوا من قيام، عرفنا مذهب المالكية؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(22/18)
إمامة القاعد لا تصح مطلقاً، وهذا قول معروف عندهم، وإن كان عن الإمام مالك -رحمه الله- رواية أخرى توافق قول الحنفية والشافعية، يقولون: تصح إمامة الجالس، كما فعل الرسول -عليه الصلاة والسلام- هنا، لكن من خلفه لا بد أن يصلون قياماً؛ لأن القيام ركن لا تصح الصلاة بدونه، وما حدث منه -عليه الصلاة والسلام- من فعله وقوله سابقاً منسوخ؛ لأنه متقدم، الحنابلة ماذا يقولون؟ إذا صلى إمام الحي الذي يرجى بُرؤه، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما صلى جالس وقال لهم: ((صلوا جلوساً)) يرجى برؤه -عليه الصلاة والسلام-؛ كان ما يرشح الناس إلا إمام مقعد لو المسألة على إطلاقها، إذا صلى إمام الحي وهو يرجى برؤه قاعداً وابتدأت الصلاة من قعود، لماذا؟ ليخرجوا الصورة الأخيرة التي تمسك بها الحنفية والشافعية، إذا ابتدأ إمام الحي الذي يرجى برؤه الصلاة من قعود صلوا خلفه قعوداً، لكن إذا افتتحت الصلاة من قيام يتمون قياماً حتى ولو عجز، أو في مثل هذه الصورة الآن الإمام في أول الصلاة قائم أبو بكر فافتتحت الصلاة من قيام، إذاً إذا افتتحت الصلاة من قيام اختل شرط فلا بد من الصلاة من قيام، فهم يحملون ((وإذا صلى -قاعداً أو- جالساً فصلوا جلوساً)) على إمام الحي إذا افتتح الصلاة وهو يرج برؤه وصلى من قعود فإنهم يصلون قعوداً، لكن إذا كان لا يرجى برؤه فإما أن يصلوا خلفه قياماً، أو يبحث عن غيره، وإذا افتتحت الصلاة من قيام لا بد أن تكمل قيام كما هنا، فهم بهذا يوفقون بين النصوص، ويعملون بجميعها.(22/19)
فهل نقول: بالنسخ كما قال الحنفية والشافعية ورواية عن مالك؟ أو نقول: بالتخصيص مع قوله: ((وإذا صلى)) ((إنما جعل الإمام))؟ كيف نقول بالتخصيص مع أن الحديث ليس فيه ما يدل على الخصوصية؟ ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) هل النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا يعني نفسه أو أي إمام؟ أي إمام، ففي كلام الشافعية القول بالنسخ يعني لأن هذا متأخر وذاك متقدم، أما التخصيص كما قال المالكية لا وجه له، فنحن بين إما أن نقول: إنه حكم منسوخ بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى وهو قاعد وصلوا خلفه قيام بغض النظر عن كونه الصلاة افتتحت بكونه يرجى أو لا يرجى هذه مسألة ثانية، يعني أوصاف غير مؤثرة عندهم، وهي عند الحنابلة أوصاف مؤثرة، أو نقول: تحمل النصوص الواردة بالأمر بالقعود خلف القاعد بالقيود التي ذكروها وبهذا نعمل بجميع النصوص؟ هنا الرسول -عليه الصلاة والسلام- أشار إلى أبي بكر أن يثبت كما هو، فهل قبل هذه الإشارة أو لم يقبل؟ قبل وإلا ما قبل؟ يعني ثبت كما هو؟
"اثبت كما أنت".
طالب:. . . . . . . . .(22/20)
لا، في بعض الروايات: "فاستأخر" فيها ما يدل على أنه لم يقبل، وهذا يتمسك به من يقدم الاحترام على امتثال الأمر، يتمسكون بمثل هذا، الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال له: اثبت وما ثبت، والدافع لذلك إيش؟ الاحترام، لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- إنما اكتسب فعل أبي بكر الشرعية من إيش؟ من الإقرار، ولا يمكن أن يحمل هذا على إطلاقه، ولذلك يطردون مثل هذا، يقولون: وأنت في الصلاة تقول: اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد هذا احترام، ولا يقال مثل هذا ابتداع هذا كلامهم، لكن شرعية هذا الفعل من أبي بكر -رضي الله عنه- كونه ما قبل نعم، شرعية هذا إنما اكتسبت من إقراره -عليه الصلاة والسلام-، وليس لمن يأتي بعد ذلك أن يقول: أنا أحترم الرسول -عليه الصلاة والسلام- ولا أمتثل أمره في هذا، نقول: لا، ليس لك مستمسك في هذا أبداً، المقصود أنه .. ، الأصل الإشارة تقتضي أنه يريد أن يستمر في الإمامة، كما فعل عبد الرحمن بن عوف، لكنه ما قبل هذه المشورة، فجلس النبي -عليه الصلاة والسلام- وصار هو الإمام الحقيقي، وليس معنى هذا أننا ترد علينا الأوامر الشرعية ونخالفها، ونقول: إننا نحب الرسول ونحترم الرسول -عليه الصلاة والسلام- ونخالف أوامره، لا، مخالفة أبي بكر لهذا الأمر نقول: اكتسبت الشرعية من إقراره -عليه الصلاة والسلام-، وحينئذٍ لا يكون فيها أي دليل، تنتفي المسألة من أصلها؛ لأن المبتدعة فتحوا أبواب من خلال هذا الحديث، ولجوا إلى مسائل كثيرة من خلال هذا الحديث، بكل بساطة نحن نحترم الرسول ونفعل ما يخالف أوامره -عليه الصلاة والسلام-، هذا ما يصح.
. . . . . . . . . ... إن المحب لمن يحبُّ مطيعُ
{فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [(31) سورة آل عمران].
طالب:. . . . . . . . .(22/21)
هو أراد أن يستأخر الإمام الطارئ هذا ويفعل مثل ما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ الصورة التي معنا ليس فيها ما يدل على أنه ركع أو أكثر أو أقل، واللفظ يحتمل، ما دام كبر للصلاة، ودخل الإمام بعد الشروع في الصلاة فما فات قل أو كثر، يعني ما له أثر، ما يؤخذ من النص وإنما يؤخذ من نصوص أخرى، وهي المحافظة على الصلاة، المحافظة على كيفية الصلاة فقط، أما الحديث ما يدل على أنه أنهوا ما أنهوا.
على كل حال الحديث ليس فيه ما يدل إلا من باب المحافظة على كيفية الصلاة لا أكثر ولا أقل، يعني أهل العلم يستنبطون أحكام وإن لم يدل عليها اللفظ، وإنما يعملون الأحوط للصلاة، يعملون بالأحوط للصلاة، نظراً إلى عموم النصوص التي تدل على المحافظة على الصلاة في كيفيتها ووقتها وغير ذلك.
طالب:. . . . . . . . .
مجرد الالتفات اختلاس ما يضر، لكن بعد إن كان لحاجة فأهل العلم يطلقون الكراهة، والكراهة تزول بالحاجة.
شخص يسأل يقول: دخل مسبوق فوجد اثنين يصليان إمام ومأموم، فجاء هذا المسبوق ودفع الأيمن المأموم قدام، هذا ما تردد فصار إماماً صف جنب الإمام وكمل، فما حكم الصلاة في مثل هذه الصورة؟ ما حكم الصلاة في هذه الصورة؟
الصورة اثنين يصلون إمام ومأموم دخل ثالث فدفع المأموم تقدم المأموم فكمل الصلاة، هذه واقعة يعني ما هي بافتراضية، واقعة، لكن إذا وقع مثل هذه الأمور، إذا وقع مثل هذه الصورة لا سيما مع الجهل، الجهل مطبق للثلاثة كلهم واضح ترى، واضح أنهم جهال، إذا وقع مثل هذه الصورة تلتمس لها وجوه صحيحة، كون الإمام يكون مأموم الإمام انتقل إلى مأموم، إمام ينتقل مأموم مثل قصة أبي بكر، مأموم ينتقل إمام في قصة الاستخلاف تصح على وجه، يعني مأموم تبطل صلاة إمامه أو يسبقه الحدث أو يشعر بحدث يخلي المأمون يصلي، فكون المأموم يصير إمام في الاستخلاف، وكون الإمام يصير مأموم في قصة أبي بكر، ومع الجهل تصحح مثل هذه الصورة.(22/22)
نعود إلى المسألة الكبرى وهي أنه إذا صلى الإمام وهو جالس هل يصلي المأموم بالجلوس عملاً بقول الحنابلة إذا توافرت الشروط التي اشترطوها وأفادوها من النصوص مجتمعة؟ أو نقول بقول الحنفية والشافعية وهو أحوط؟ وأن فعل الأخير الحديث متأخر عن الأحاديث المتقدمة، ولا شك أنه أحوط بالنسبة لصلاة المأموم، ماذا نقول؟ ما الذي يرجح؟ قول الحنابلة؟ فإما أن نقول بقول الحنفية والشافعية والنسخ مطروق عند أهل العلم وواضح، وهو أحوط لصلاة المأموم، وإما أن نقول بقول الحنابلة مع قيودهم، والمسألة مسألة سعة وجاء الإمام مريض ويش المانع أن يصير مأموم إذا بغينا الاحتياط الكامل؟ لكن إذا بغينا الاقتداء كما هنا والإمام له شأن في الشرع الإمام ما هو بفضلة، ولذلك أمر جميع الصفوف يصلون جلوس؛ لأن له شأن في الشرع، فالمسألة كما ترون، يعني قول الحنفية والشافعية وحجتهم قوية، وأن الأمر بالجلوس منسوخ للقصة الأخيرة، أو بالشروط والقيود التي وضعها الحنابلة، على كل حال المسألة كلٌ على مذهبه، وإذا أردنا أن نطبق الحكم بدقة، ونجليه على القواعد قلنا بقول الحنابلة؛ لأنه يمكن الجمع بين النصوص، وإذا قلنا: بالأحوط لصلاة المأموم، والنسخ بابه مطروق عند أهل العلم، ما في شك أن الأحوط إعمال النصوص، لكن إذا صلى مأموم وهو مستطيع القيام من قعود صلاته خطر عند الحنفية والشافعية.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن هم عندهم قواعد، عندهم النسخ، النسخ معروف بالشرع، النسخ عندهم معروف بالشرع، عندهم وعند غيرهم، على كل حال ..
اتفضل اقرأ.
"باب: فضل صلاة القائم على صلاة القاعد:
عن مالك عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن مولى لعمرو بن العاص أو لعبد الله بن عمرو بن العاص عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة أحدكم وهو قاعد مثل نصف صلاته وهو قائم)).(22/23)
عن مالك عن بن شهاب عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: لما قدمنا المدينة نالنا وباء من وعكها شديد، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الناس وهم يصلون في سبحتهم قعوداً، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة القاعد مثل نصف صلاة القائم)) ".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: فضل صلاة القائم على صلاة القاعد"
"حدثني يحيى عن مالك عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص" مالك عن الزهري "عن مولى لعمرو بن العاص -شك- أو لابنه عبد الله بن عمرو عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة أحدكم وهو قاعد مثل نصف صلاته وهو قائم)) " لما في القيام من المشقة، وهذا مع القدرة على القيام في النفل في النافلة بالنسبة للقادر على القيام صلاته علي النصف، أراد أن يتنفل وهو يستطيع القيام فصلى قاعد نقول: لك نصف الأجر، لكن لو كانت فريضة وهو مستطيع القيام يقول: يكفينا النصف، نقول: لا يا أخي صلاتك باطلة؛ لأنه في حديث عمران بن حصين: ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)).
الذي يليه: "حدثني عن مالك عن بن شهاب عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال –منقطع-: لما قدمنا المدينة نالنا وباء" يعني مات بسببه أناس "من وعكها شديد" والوعك لا يكون إلا من الحمى كما يقولون، "فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. . . . . . . . . وهم يصلون في سبحتهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة القاعد مثل نصف صلاة القائم)) " المراد الأجر مثل نصف أجر صلاة القائم، لا نقول: إن من صلى قاعداً ما صلى إلا نصف الصلاة يضيف إليها مثلها بالكمية، إنما المقصود الأجر يثبت له نصف الأجر، وهذا محمولٌ على النافلة لمن يستطيع القيام، أما بالنسبة للفريضة فلا تصح بالنسبة لمن يستطيع القيام إلا من قيام، صلاته باطلة لأن القيام ركن، إذا صلى قاعداً وهو غير مستطيع أجره كامل سواء كانت نافلة أو فريضة.(22/24)
طيب النصوص عامة ليس فيها قيد: ((صلاة أحدكم وهو قاعد مثل نصف صلاة القائم)) ((صلاة القاعد مثل نصف صلاة القائم)) ((صل قائماً)) يشمل النافلة والفريضة، وحديث الباب يشمل النافلة والفريضة، يشمل المستطيع وغير المستطيع، حديث عمران بن حصين: ((صل قائماً)) أي صلاة نافلة وإلا فريضة ((فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع)) مفاده أن من صلى قاعداً وهو يستطيع القيام أن صلاته باطلة سواءً كانت نافلة أو فريضة، حديث الباب: ((صلاة القاعد على نصف من أجر صلاة القائم)) يشمل النافلة والفريضة المستطيع وغير المستطيع، كيف نحمل؟ أو كيف نخرج من هذا الاعتراض؟ حديث عمران يجعل الصلاة باطلة، وحديث الباب يجعل الصلاة صحيحة، وعموم حديث عمران يشمل النافلة والفريضة، وعموم حديث الباب يشمل النافلة والفريضة، وفي المسند له شاهد من حديث أنس عند أحمد وغيره: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قدم المدينة وهي محمة فدخل المسجد فوجدهم يصلون من قعود، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد مثل نصف صلاة القائم)) فتجشم الناس الصلاة قياماً، فدل على أنها نافلة، بدليل أنهم صلوا قبل حضوره -عليه الصلاة والسلام-، ودل على أنهم يستطيعون القيام بدليل أنهم لما تجشموا صلوا، لكن الذي لا يستطيع أجره كامل في الفريضة والنافلة، المستطيع له النصف في النافلة ولا تصح فريضته لأنه مستطيع، وحديث عمران مقيد بغير المستطيع.
هذا مثال لما يخرج عن القاعدة العامة التي نقل عليها الاتفاق، وهي: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، طيب في الحديث هذا عملنا بخصوص السبب ما عملنا بعموم اللفظ لماذا؟ لأن عموم اللفظ معارضٌ بعمومٍ أقوى منه، فنحتاج إلى أن نرجع إلى خصوص السبب لدفع التعارض كما هنا، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب هذا قول عامة أهل العلم بل نقل عليه الاتفاق، كيف رجعنا إلى خصوص السبب وقلنا: إنه دخل المدينة وهي محمة ووجد الناس يصلون فقال: ((صلاة القاعد))؟ لأن عموم الخبر معارض بما هو أقوى منه، فنحتاج إلى أن نقصر الحكم على سببه ليندفع التعارض.
سم.
"باب: ما جاء في صلاة القاعد في النافلة:(22/25)
عن مالك عن بن شهاب عن السائب بن يزيد عن المطلب بن أبي وداعة السهمي عن حفصة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها- أنها قالت: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى في سبحته قاعداً قط، حتى كان قبل وفاته بعام فكان يصلي في سبحته قاعداً، ويقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها.
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها- أنها أخبرته أنها لم تر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي صلاة الليل قاعداً قط، حتى أسن فكان يقرأ قاعداً، حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحواً من ثلاثين أو أربعين آية ثم ركع.
عن مالك عن عبد الله بن يزيد المدني وعن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي جالساً فيقرأ وهو جالس، فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأ وهو قائم، ثم ركع وسجد، ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك.
عن مالك أنه بلغه أن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب كانا يصليان النافلة وهما محتبيان".
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في صلاة القاعد في النافلة"
"حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد -الكندي- عن المطلب بن أبي وداعة السهمي عن حفصة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-" ثلاثة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض، ثلاثة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض، وهذا الحديث بالنسبة لأسانيد مالك نازل، جل أحاديث مالك ثنائيات، وهذا كم؟ خماسي، هذا نازل، "عن حفصة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- .. " نعم يجتمع مجموعة من الطبقة الواحدة يروي بعضهم عن بعض، وأكثر ما وجد من ذلك ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، في حديثٍ يتعلق في فضل سورة الإخلاص، وهو أطول إسناد في الدنيا كما يقول النسائي.(22/26)
"عن حفصة زوج النبي صلى الله عليها وسلم أنها قالت: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى في سبحته نافلته قاعداً قط، بل قام -عليه الصلاة والسلام- حتى تورمت قدماه، حتى كان قبل وفاته بعام" لضعفه -عليه الصلاة والسلام- "فكان يصلي في سبحته قاعداً ويقرأ بالسورة فيرتلها" يقرأها بتمهل وترسل وتدبر كما أمر -عليه الصلاة والسلام- "حتى تكون أطول من أطول منها"، "فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها" هل في هذا الحديث دليل على جواز الحدر في القراءة والإسراع فيها وترك الترتيل؟ فيه وإلا ما فيه؟ الحديث هذا؟ الآن النص الذي معنا فيه وإلا ما فيه؟ "حتى تكون أطول من أطول منها" كيف نعرف أنها صارت أطول؟ يعني يمكن يرتل آل عمران حتى تكون أطول من البقرة؟ إذا رتل البقرة صارت عمران أطول منها؟ لا ما صارت مثلها صارت أقصر، لكن إذا رتل آل عمران وصارت أطول من البقرة كيف نعرف أنها أطول من البقرة؟ إذا قرئت البقرة بسرعة، يعني إذا قرئت بلا ترتيل حتى تكون أطول من أطول منها إذا قرئت بلا ترتيل، والحدر والهذ جاء ما يدل على جوازه ((اقرأ وارق كما كنت تقرأ في الدنيا هذاً كان أو ترتيلاً)) في المسند وسنن الدارمي بإسناد حسن.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها أخبرته أنها لم تر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي صلاة الليل قاعداً -حال- قط" يعني أبداً "حتى أسن" أي دخل في السن وهو الكبر "فكان يقرأ في صلاته قاعداً، حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحواً من ثلاثين أو أربعين آية" قائماً -عليه الصلاة والسلام- "ثم ركع" ويفعل مثل ذلك في الركعة الثانية، وهو نفس الحديث اللاحق.(22/27)
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن يزيد المدني وعن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي جالساً فيقرأ وهو جالس فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأ وهو قائم" وفي هذا إشارة إلى أن الذي كان يقرأه قبل أن يقوم أكثر؛ يعني لأن الأصل في صلاته أنه جالس، حتى إذا بقي القليل وهو قدر ثلاثين أو أربعين آية قام، وفي هذا إشارة إلى أن الذي كان يقرأه قبل أن يقوم أكثر؛ لأن البقية تطلق في الغالب على الأقل، يعني الآن إذا كان إناء فيه ماء فشرب منه شيئاً يسير تقول: أعطني باقيه؟ لكن إذا بقي شيء يسير تقول: هات باقيه، الغالب أن البقية إنما تطلق على الأقل.
قال ابن حجر: وفيه دليلٌ على جواز القعود في أثناء الصلاة لمن افتتحها قائماً، فيه وإلا ما فيه؟ الآن افتتحت الصلاة من قيام وإلا من قعود؟ هو كان يصلي قاعد كان يصلي جالس ثم يقوم، ابن حجر يقول: فيه دليلٌ على جواز القعود في أثناء الصلاة لمن افتتحها قائماً، كما يباح له أن يفتتحها قاعداً ثم يقوم إذ لا فرق بين الحالتين، كونك تقوم أول أو تقوم آخر، نفترض أنه أراد أن يقرأ مائة آية يفتتح وهو جالس يضر؟ لكن التي معنا هي ثابتة بلا شك، وفيه ردٌ على من إيش؟ وفيه ردٌ على من اشترط على من افتتح النافلة قاعداً أن يركع قاعداً، بعضهم يقول: ما دام افتتحها قاعداً فلا تركع وأنت قائم، اركع وأنت قاعد، أو قائماً أن يركع قائماً، وحكي عن أشهب وبعض الحنفية.
وفيه أيضاً حديث لكنه لا يدل على لزوم ذلك، بل فيه ما يدل على التخيير، وهو في صحيح مسلم لا الإلزام.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب كانا يصليان النافلة وهما محتبيان" يعني إذا صلى الإنسان قاعد، كيفية القعود، هل يفترش؟ هل يتورك؟ هل يتربع؟ هل يحتبي؟ يعني إذا صلى وهو قاعد يتربع؟ يعني هيئة خارجة عن هيئة الصلاة، يحتبي كذلك، لا توجد في جلسات الصلاة، أو يفترش كالجلسة بين السجدتين والتشهد الأول؟ أو يتورك إذا أراد أن يطيل كالتشهد الثاني؟
طالب:. . . . . . . . .(22/28)
إيه معروف، لكن أنا أقول: هل الأولى أن يفعل مثل ما كان يفعل في جلوس الصلاة؟ أو من غير .. ، بغض النظر عن حديث الدارقطني وفيه كلام، أو يفعل هيئة مغايرة لجلسات الصلاة؛ لأن الأصل أنه قيام ما هو بجلوس؛ لأنه لو افترش من أراد أن يأتي ويلتحق به ما يدري هو قائم وإلا قاعد وإلا .. ، ما يدري، فإذا كان متربع عرف أنه في حال قيام، وهذه حجة من يرجح التربع ..
طالب:. . . . . . . . .
وين؟ الآن لو تبي تصلي جالس فاتتك الصلاة وتقول: والله أصلي جالس ما أستطيع القيام وافترشت مثل ما تجلس للتشهد الأول، دخل داخل يبي يقتدي بك ويش بيقرأ الفاتحة وإلا التشهد؟ بيقرأ التشهد ما يدري عنك، لكن لما تصير متربع يعرف أنك ما أنت بالتشهد ولا بين السجدتين، فالبديل عن القيام يكون مغاير لما هو من أصل الجلوس.
طالب:. . . . . . . . .
لا العاجز حكمه آخر، لكن المستطيع الذي يستطيع لا .. ، السنة له أن يفترش في موضع الافتراش، ويتورك في موضع التورك، لكن إذا عجز عن القيام يأتي بجلوسٍ مغاير لما في الصلاة لتغاير الهيئات.
"وهما محتبيان" والاحتباء تقدم: الجمع بين الساقين والفخذين ونصبهما برداءٍ أو باليدين، وهو يريد وهما محتبيان في حال القيام، والأصل أن الجلوس في موضع القيام .. ، الجلوس في الصلاة في موضع القيام ليست له صورة مخصوصة لا يجزئ إلا عليها، بل تجزئ على صفات الجلوس كلها من احتباء وتربع وتورك وافتراش وغير ذلك، وأفضلها التربع قالوا: لأنه أوقر، ولما ذكرنا سابقاً.
روى الدارقطني عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي متربعاً، ولا يسلم الحديث من مقال.
طالب:. . . . . . . . .
الأكمل أن يفتتحها قائماً ويستمر قائماً حتى يركع هذا الأكمل؛ لأن المسألة مفترضة في شخصٍ يستطيع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(22/29)
هذا الذي يريد الأكمل؛ لأن هذا أجر كامل، لكن إذا افتتحها قائماً ثم أحس بتعب وجلس لطول القيام أجره كامل -إن شاء الله تعالى-، وكذلك إذا افتتحها جالساً كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم أحس بنشاط، أو أراد أن يركع من قيام، أو عرف القدر الذي يستطيعه من القيام، وترك له من القرآن بقدره كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ثلاثين أو أربعين آية، وبعض المصلين يستطيع القيام لكن إذا قام ما يستطيع السجود. . . . . . . . . ما يستطيع السجود، وبعضهم يستطيع القعود لكن إذا أراد أن ينهض عجز و {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة].
من المناسب وهي مسألة يكثر السؤال عنها: اللي يصلي على الكرسي كيف يصاف الناس؟ هل يتقدم بحيث تكون الأقدام مع الأقدام مع الناس؟ يتأخر بحيث تكون أقدامه مع أقدام الناس؟ أو يتقدم بحيث يحاذيهم بظهره؟
طالب:. . . . . . . . .
عندكم شيء مأثور وإلا اجتهاد؟ اجتهاد وإلا مأثور؟ أو ينظر إلى الغالب؟ لأنه إذا حاذاهم بظهره وأراد أن يسجد تقدم على مصف الإمام يبي يتقدم على الكرسي إذا هو يستطيع السجود يسجد على الأرض بس ما يقدر يقف .. ، المسألة مفترضة في شخصٍ يستطيع السجود، ويستطيع الركوع يبي يقوم يركع مع الناس، فينظر في هذا إلى الغالب إن كان الغالب الذي يستطيعه محاذاتهم في حال القيام يكون محاذياً لهم بظهره، وإذا كان الغالب له الذي يفعله محاذاته لهم في حال الجلوس يكون محاذياً لهم بالأقدام، والجلوس يتبعه السجود والركوع، على كل حال لا يتضرر أحد، إذا ترتب عليه ضرر لأحد هذه مسألة أخرى، المقصود أنه إذا ترتب عليه ضرر لآخرين انتقل إلى الصورة الثانية، نعم.
"قال مالكٌ -رحمه الله-: وقول علي وابن عباس -رضي الله عنهما- أحب ما سمعت إليَّ في ذلك".(22/30)
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: الصلاة الوسطى" يعني التي جاء ذكرها في قوله -جل وعلا-: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة] وجاءت أيضاً في النصوص: ((ملأ الله بيوتهم -أو قال: قبورهم ناراً، حبسونا عن الصلاة الوسطى)) وفيه أيضاً بيانها وهي صلاة العصر، والوسطى تأنيث الأوسط وهو الأعدل، كما في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة] أي عدولاً خياراً، وإلا لو قلنا: إن الوسط الذي يقع بين الطرفين ما تأتي الآية بهذا؛ لأنه ليس بعدهم أحد، هذه الأمة ليس بعدها أحد، ليست بين طرفين هي وسط، كما تقدم تقريره في كتاب الطهارة، وسط بين الأمم، لكن المراد بالوسط {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة] المقصود به العدول الخيار.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم -الكناني- عن أبي يونس" لا يعرف اسمه، وهو من ثقات التابعين "مولى عائشة أم المؤمنين أنه قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً" بتثليث الميم مِصحف ومُصحف ومَصحف، لكن الضم أشهر "ثم قالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني" أي أعلمن وأخبرني {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} [(238) سورة البقرة] يعني الخمس {والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة] من عطف الخاص على العام للاهتمام بشأن الخاص والعناية به {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] مطيعين وهو دوام الطاعة أو ساكتين؛ لأنها لما نزلت {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] نهوا عن الكلام، واللفظ محتمل.(22/31)
"فلما بلغتها آذنتها" بلغتُ الآية أذنت عائشة أي أخبرتها "فأملت علي: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين} كذا بالواو وصلاة العصر، كذا بالواو في حديث عائشة بدون خلاف، وأما في حديث حفصة فالرواة مختلفون هل فيه واو أو بدون واو؟ طيب وصلاة العصر في النصين، يعني على فرض ثبوتها في حديث حفصة، وأما في حديث عائشة فهي ثابتة، فهل الصلاة الوسطى على هذا هي العصر أو ليست العصر؟ لماذا؟ لأن العطف يقتضي المغايرة، منهم من يقول: إن المراد من هذا النص أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، ووجود هذه الواو وحذفها على حدٍ سواء كما قرره أهل العلم، وبهذا يستدل على أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، ولذا ترجم في صحيح مسلم، وإن كانت الترجمة ليست من مسلم الترجمة: باب: الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.
"وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عمرو بن رافع -العدوي مولاهم- أنه قال: كنت أكتب مصحفاً لحفصة أم المؤمنين فقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني -أي أعلمني- {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] فلما بلغتها آذنتها" يعني كما تقدم في حديث عائشة "فأملت" من الإملاء "عليّ: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر} وفي رواية: بالواو "وصلاة العصر" يعني روي بالواو وروي بحذفها، وزعم بعضهم أن حذفها وإثباتها على حدٍ سواء، وهو له وجه، قد يقول قائل: هل لأمهات المؤمنين الزيادة في كتاب الله؟ إذا بلغتها آذنا واكتب، والحديث في الصحيح، حديث عائشة في صحيح مسلم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن. . . . . . . . . هي موجودة في المصحف الآن؟ طيب، يعني سمعتها لا على أنها قرآن، وإنما سمعتها على أنها أساس أنها تفسير وتوضيح، إذاً كيف تثبتها في أصل المصحف وهي قراءة تفسيرية؟
طالب:. . . . . . . . .(22/32)
اكتبها يعني في الحاشية لا في أصلها، وهذا معروف أنه المصحف الذي جمع الجمع الأول في عهد أبي بكر، أما المصحف الذي اتفق عليه، وأجمع عليه الصحابة إجماعاً ملزماً قطعياً الذي لا يقبل الزيادة ولا النقصان فلا يوجد في مثل هذا التفسير، يقول الباجي: يحتمل أنها سمعتها على أنها قرآن ثم نسخت، ويحتمل أنها سمعتها على أساس أنها تفسير، وعلى كل حال القرآن المحفوظ من الزيادة والنقصان هو ما بين الدفتين الذي تولى الله -جل وعلا- حفظه، الذي تولى حفظه وصانه من الزيادة والنقصان {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر] يعني لا يقول .. ، لا يشكك في الزيادة والنقصان من القرآن إلا من يشكك في هذه الآية، {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر]، الذي يشكك في الزيادة والنقصان من القرآن يشكك في هذه الآية؛ لأن الله -جل وعلا- تولى حفظه.
هناك قصة يرويها البيهقي وغيره أن يحيى بن أكثم دعا يهودياً إلى الإسلام فرفض، وبعد تمام الحول جاء مسلماً ليحيى بن أكثم، فقال له .. ، يعني ما الذي دعاك إلى هذا؟ دعوناك العام الماضي ما أسلمت، والآن جئت طائعاً مختاراً، قال: لما دعوتني ذهبت فنسخت نسخاً من التوراة وحرفت فيها وزدت ونقصت فأتيت بها إلى السوق فاشتريت مني، وصار الناس يقرؤونها على ما كتبت، ثم نسخت نسخاً من الإنجيل وفعلت مثل ما فعلت بالتوراة وجلبتها في السوق فاشتريت وصار الناس يقرؤونها على ما كتبت، فنسخت نسخاً من المصحف وغيرت تغييراً يسيراً جداً، فلما عرضتها على السوق كل من رأى المصحف رماه في وجهي ما قبل ولا نسخة منه، فلما أخبر يحيى بن أكثم وحج يحيى ابن أكثم في هذه السنة، والتقى بسفيان بن عيينة قال: يا أخي ما نحتاج إلى يهودي هذا منصوص عليه في كتاب الله، هم استحفظوا على كتبهم فما حفظوها، ونحن .. ، وكتابنا تولى الله -جل وعلا- حفظه فحفظ.(22/33)
"وحدثني عن مالك عن داود بن الحصين عن ابن يربوع المخزومي -عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع نسب إلى جده هو تابعيٌ ثقة- أنه قال: سمعت زيد بن ثابت يقول: الصلاة الوسطى صلاة الظهر" جزم بذلك زيد لحديثٍ، لحديث: كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي الظهر بالهاجرة، ولم تكن صلاة أشد على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها، فنزلت: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة] رواه أبو داود؛ ولأنها تقع في وسط النهار.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس كانا يقولان: الصلاة الوسطى صلاة الصبح" ابن جرير رواه عن ابن عباس بإسناد متصل من طريق عوف الأعرابي، عوف بن أبي جميلة عن أبي رجاء العطاردي عنه، وأما علي فالمعروف عنه أنها العصر، كما روى ذلك مسلم عنه في الصحيح "قال مالك: وقول علي وابن عباس أنها الصبح أحب ما سمعت في ذلك" وبه قال الشافعي أيضاً، والصحيح عند الحنابلة والحنفية أنها العصر، والمعروف عن أكثر الصحابة والتابعين، واختاره أكثر الشافعية أنها العصر، فالأكثر على أن الصلاة الوسطى صلاة العصر، وجاء ما يدعم ذلك من النصوص: ((حبسونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر)) وحديث عائشة، حديث حفصة على الاحتمال مع وجود الواو، المقصود أن النصوص الواردة في صلاة العصر أكثر مما ورد في غيرها ((من ترك صلاة العصر حبط عمله)) ((من فاتته العصر كأنما وتر أهله وماله)) النصوص التي جاءت في صلاة العصر أكثر من النصوص التي جاءت في غيرها؛ ولأن قبلها صلاتين نهاريتين، وبعدها صلاتين ليلتين، فهي وسطى بالنسبة للوقت، إضافة إلى ما جاء في النصوص.
منهم من يقول: الصبح؛ لأن قبلها صلاتين بالليل وبعدها صلاتين بالنهار فهي وسطى، منهم من يقول: الوسطى المغرب بالنسبة لعدد الركعات وسطى بين الرباعية وبين الثنائية فهي وسطى، وعلى كل حال المسألة خلافية، والراجح ما يختاره أكثر الصحابة والتابعين وأكثر أهل العلم من أنها صلاة العصر.
سم.
"باب: الرخصة في الصلاة في الثوب الواحد:(22/34)
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة -رضي الله عنه- أنه رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في ثوب واحد مشتملاً به في بيت أم سلمة واضعاً طرفيه على عاتقيه.
عن مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن سائلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة في ثوب واحد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أو لكلكم ثوبان)).
عن مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال: سئل أبو هريرة -رضي الله عنه- هل يصلي الرجل في ثوب واحد؟ فقال: نعم، فقيل له: هل تفعل أنت ذلك؟ فقال: نعم، إني لأصلي في ثوب واحد، وإن ثيابي لعلي المشجب.
عن مالك أنه بلغه أن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- كان يصلي في الثوب الواحد.
عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن محمد بن عمرو بن حزم كان يصلي في القميص الواحد.
عن مالك أنه بلغه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من لم يجد ثوبين فليصل في ثوب واحد ملتحفاً به، فإن كان الثوب قصيراً فليتزر به)) قال مالك -رحمه الله-: أحب إلي أن يجعل الذي يصلي في القميص الواحد على عاتقيه ثوباً أو عمامة".
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: الرخصة في الصلاة في الثوب الواحد"
"حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة" -عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، عمر بن أبي سلمة هذا ربيب النبي -عليه الصلاة والسلام- يذكر "أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي في ثوب واحد مشتملاً به" حال كونه مشتملاً "في بيت أم سلمة" في بيت أمه زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- "واضعاً طرفيه على عاتقيه" يقول الباجي: يريد أنه أخذ طرف ثوبه تحت يده اليمنى ووضعه على كتفه اليسرى، وأخذ الطرف الآخر تحت يده اليسرى فوضعه على كتفه اليمنى، وهو نوعٌ من الاشتمال يسمون التوشيح، وهو مباحٌ في الصلاة وغيرها، وأداره على كتفه اليسرى، ثم الطرف الآخر تحت اليسرى أداره على اليمنى.(22/35)
"وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن سائلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يقول ابن حجر: "لم أقف على اسمه" ويقول السرخسي صاحب المبسوط: أن اسمه ثوبان، من أين جاءت التسمية هذه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ((أو لكلكم ثوبان)) وهم هذا وهم، "أن سائلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة في ثوب واحد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أو لكلكم ثوبان)) " استفهام إنكاري، وهو يتضمن الإخبار عما هم عليه من قلة الثياب، يعني حياتها كلهم مبنية، هذا عيشهم، قلة في الثياب، قلة في الأكل، قلة في الفراش، صغر في البيوت، المقصود أن هذا عيشهم، يدخر لهم الأجر كامل يوم القيامة، من أراد أن يعتبر يقرأ في عيش النبي -عليه الصلاة والسلام- وما جاء في صحيح البخاري وغيره ((أو لكلكم ثوبان)).
"وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال: سئل أبو هريرة هل يصلي الرجل في ثوب واحد؟ فقال: نعم" ثوب واحد يكفي، يعني لو قدر أن الإنسان عليه قميص وليس تحته سراويل ولا فنايل ولا شيء ولا فوقه شماغ ولا طاقية، إيش يصير؟ ساتر عورته، لكن كل ما كثر الستار أفضل، يصلي في ثوبين أفضل من واحد، لكن الواحد مجزئ ما دام يستر العورة "هل يصلي الرجل في ثوبٍ واحد؟ فقال: نعم، فقيل له: هل تفعل أنت ذلك؟ " تصلي في ثوب واحد؟ "فقال: نعم، إني لأصلي في ثوب واحد وإن ثيابي" مجموعة من الثياب وهذا متى؟ هو تأخر بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- ما يقرب من نصف قرن بعد الفتوح، وبعد أن توسع الناس "إني لأصلي في ثوب واحد" لبيان الجواز "وإن ثيابي لعلى المشجب" المشجب كمنبر بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الجيم فموحدة عيدان تضم رؤوسها هكذا، تضم رؤوسها، ويفرج بين قوائمها، توضع عليها الثياب، تعلق عليه الأسقية والقرب، وما أشبه ذلك، القرب، وهي معروفة إلى وقتٍ قريب، يعني الآن الشماعة تقوم مقامها، لكن المشجب يعرفه بعضكم.(22/36)
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن جابر بن عبد الله كان يصلي في الثوب الواحد، وقال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي في ثوبٍ واحد" رواه البخاري، فالصلاة في الثوب الواحد الذي يستر العورة الصلاة مجزئة، يعني ما يستر العورة مجزئ، ويبقى -هذا شرط- ويبقى القدر الزائد على ذلك سنة إلا ما يتعلق بالعاتق فيجب ستره ((لا يصل أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) فستر العاتق واجب، وستر العورة شرط، وما عدا ذلك مستحب نعرف الفرق؟ يعني ستر العورة شرط لصحة الصلاة، ستر العاتق واجب، يأثم بتركه لكن الصلاة صحيحة، ما عدا ذلك يعني ثوب ثاني يعني لكونه أكمل هذا مستحب.
"وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن محمد بن عمرو بن حزم كان يصلي في القميص الواحد" مراده بذلك أن العمل تواطأ على هذا، واستمر عليه من عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى عهد الصحابة الذين تأخرت وفاتهم إلى عهد التابعين فلم ينسخ.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من لم يجد ثوبين فليصلي -إشباع- في ثوب واحد ملتحفاً به)) يعني متوشحاً به كما تقدم شرحه ((فإن كان الثوب قصيراً فليتزر به)) إن كان الثوب قصير يتزر به، يعني يستر العورة، ولا يلزم أن يستر عالي البدن، كما في التوشيح المتقدم، التوشيح لأنه ثوب واسع، يستوعب العورة ويستوعب عالي البدن، لكن إذا كان لا يستوعب العورة لا يستوعب الجميع فتستر العورة ((فإن كان قصيراً فليتزر به)) لأن ستر العورة شرط لصحة الصلاة.
"قال مالك: "أحب إلي أن يجعل الذي يصلي في القميص الواحد على عاتقيه ثوباً أو عمامة" لحديث: ((لا يصل أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه)) في رواية: ((عاتقيه منه شيء)) وهذا مخرج في الصحيح.
طالب:. . . . . . . . .(22/37)
شفاف؟ يصف العورة؟ يصف ما يكفي، لا بد أن يكون يستر، شيء ليس .. ، نكرة في سياق النفي أدنى شيء، يكفي شيء؛ لأن ((ليس على عاتقه)) نكرة في سياق النفي ينصرف إلى أدنى شيء، على الخلاف في الفخذ هل هو عورة وإلا ليس بعورة؟ في حديث جرهد الفخذ عورة ((غطِ فخذك فأن الفخذ عورة)) وفي حديث أنس: "حسر النبي -عليه الصلاة والسلام- عن فخذه" ولا شك أن حديث أنس أقوى، ولكن حديث جرهد أحوط، أيضاً منهم من يحمل حديث جرهد على الصلاة، وحديث أنس على خارج الصلاة.
"باب: الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار:
عن مالك أنه بلغه أن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تصلي في الدرع والخمار.
عن مالك عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه أنها سألت أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-: ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ فقالت: تصلي في الخمار والدرع السابغ إذا غيب ظهور قدميها.
عن مالك عن الثقة عنده عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن عبيد الله بن الأسود الخولاني، وكان في حجر ميمونة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ميمونة كانت تصلي في الدرع والخمار ليس عليها إزار.
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن امرأة استفتته فقالت: إن المنطق يشق علي أفأصلي في درع وخمار؟ فقال: نعم، إذا كان الدرع سابغاً".
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار" الدرع يشبه القميص، والخمار ما يغطي الرأس، وترجم بذلك لرد قول مجاهد: لا تصلي المرأة في أقل من أربعة ثياب، درع وخمار وملحفة وإزار، لا يكفي ما يغطي جميع البدن حتى تجتمع عليها هذه الأربع، ولم يقله غيره كما قال الحافظ ابن حجر، وعلى كل حال إذا غطت المرأة جميع بدنها سترت جميع بدنها في الصلاة إلا الوجه إذا لم تكن بحضرة أجانب صحت صلاتها اتفاقاً، فإن كشفت يديها مع الوجه صحت صلاتها عند قوم، انكشفت القدمين ظهور القدمين صحت عند الحنفية، والجمهور على خلاف ذلك، فعورة المرأة في الصلاة كلها عورة إلا الوجه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(22/38)
الكفين الخلاف فيهما قوي، شيخ الإسلام يرى أن الكفين ليسا بعورة، ويستروح في بعض أقواله إلى قول الحنفية أن القدمين ليس بالعورة في الصلاة.
هذا بالنسبة للصلاة، بالنسبة لعورتها عند الرجال الأجانب كلها عورة، والنصوص الصحيحة الصريحة تدل على ذلك، ولسنا في مقام بسط المسألة؛ لأنها تحتاج إلى وقت، وأدلتها تحتاج إلى سرد، عورتها عند المحارم غير عورتها عند الأجانب، فعورتها عند المحارم كشف ما يظهر غالباً كالشعر وأطراف الساعدين والقدمين، ومثله عورتها عند النساء، يعني ما يظهر غالباً كما يظهر عند محارمها؛ لأن النساء عطفن على المحارم، وهذا خلافاً لما يقوله بعضهم أن عورة المرأة عند المرأة كعورة الرجل عند الرجل، وتعلمون أن هذه الفتوى أو هذا القول ترتب عليه آثار من نزعٍ لجلباب الحياء، وتفسخ، واسترسل الناس في ذلك حتى بدت السوءات نسأل الله السلامة والعافية، فالمرجح في عورة المرأة عند المرأة أنها كعورتها عند محارمها، النص واضح يعني في آيتي النور وآية إيش؟ الأحزاب، عطف النساء على المحارم، فكيف نقول: إن عورة المرأة عند المرأة مثل .. ؟ يعني معناه أنك تبطل .. ، ما عدا السرة والركبة يخرج عند النساء، ثم إذا .. ، خطوات الشيطان نتبع خطوات الشيطان في المسألة، يفتى بهذا القول ثم يأتي من يتساهل فينزل أو يرتفع، ثم بعد ذلك ننتهي، وليس في هذا ما يدل على القول الآخر، وإن قال به من قال به من أهل العلم، لكن النص صحيحٌ صريح قطعي في أن عورة المرأة عند المرأة كعورتها عند محارمها لا فرق.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تصلي في الدرع والخمار" يعني خلافاً لما يقوله مجاهد، خمار بزنة كتاب ثوب تغطي به المرأة رأسها إذا .. ، ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) يعني من بلغت سن المحيض المكلفة لا تصلي إلا بخمار، مفهومه أن المرأة أو البنت إذا لم تبلغ سن المحيض أنها يخفف في أمرها، فلا يحتاج أن تغطي رأسها، هم يقولون: الدرع الذي يلبس من الثياب مذكر، أما درع الحديد فمؤنث، هذه مما ذكروه من اللطائف.(22/39)
يقول: "وحدثني عن مالك عن محمد بن زيد بن قنفذ" بلفظ الحيوان المعروف التيمي "عن أمه" أم حرام واسمها: آمنة "أنها سألت أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-: ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ فقالت: تصلي في الخمار والدرع -الذي هو القميص- السابغ -الساتر- إذا غيب ظهور قدميها" وهذا فيه حجة للجمهور الذين يرون أن ستر القدم لا بد منه بالنسبة للمرأة خلافاً للحنفية.
"وحدثني عن مالك عن الثقة عنده" العلماء يقولون مثل هذا، حدثني الثقة، حدثني من لا أتهم، طيب يكفي أن يكون ثقة عند مالك ولو لم نعرف عينه؟ نعم من يقلد مالك يكفي عنده؛ لأنه فرع من فروع التقليد، لكن الذي يريد أن يقف على حقائق الأمور بنفسه لا يقلد مالك، وإن اجتهد أهل العلم فبينوا المراد بالثقة، وقالوا هنا هو الليث بن سعد كما ذكره الدارقطني، لكن إذا أطلق وقال: حدثني الثقة، نعم يغلب على الظن أنه ثقة؛ لأن مالك من أهل التحري، لكن حصل ما حصل من الخلل، ولذا يقول الشافعي -رحمه الله-: "حدثني من لا أتهم" حدثني الثقة يريد بذلك إبراهيم بن أبي يحيى وهو ضعيف بالاتفاق، فلا يكفي أن يقول الإمام: حدثني الثقة، لا يكفي لتقليده في ذلك حتى يصرح باسمه، فينظر هل هو بالفعل ثقة عند الناقد نفسه إن كان من أهل النظر أو عند الأكثر على الأقل؟
"عن بكير بن عبد الله بن الأشج -مولى بني مخزوم- عن بسر بن سعيد -المدني- عن عبيد الله بن الأسود الخولاني وكان في حجر ميمونة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ميمونة كانت تصلي في الدرع والخمار ليس عليها إزار" لأن ذلك جائز، وإن كان الأفضل أن يكون تحت الثوب مئزر؛ لأنه أبلغ في الستر، لكن لا يعني أنه شرط أو لازم.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن امرأة استفتته فقالت: إن المنطق -كمنبر ما يشد به الوسط- يشق علي أفأصلي في درع وخمار؟ فقال: نعم إذا كان الدرع سابغاً" كما تقدم في حديث أم سلمة، سابع بمعنى أنه يغطي ظهور القدمين، ساتراً لظهور القدمين، وذهب أبو حنيفة -رحمه الله- إلى أنه لا يجب ستر القدمين، وشيخ الإسلام يستروح إلى مثل هذا لأن الخبر في ثبوته كلام.(22/40)
يقول أبو عمر بن عبد البر: المنطق والحقو والإزار والسراويل بمعنىً واحد، بمعنى أنها كلها تصل إلى منتصف البدن، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الملحفة ما يغطى به مثل الجلال ومثل .. ، تلتحف به، أقرب ما تكون الجلال، إيه نعم زيادة.
طالب:. . . . . . . . .
وش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
ثوب يليق بالنساء لا يكون تفصيله مثل تفصيل الرجال لكنه ثوب، ما يلزم؛ لأنه يصير تشبه لو صار مثله، لكنه ثوبٌ يناسب النساء، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(22/41)
الموطأ - كتاب قصر الصلاة في السفر (1)
شرح: باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر، وباب: ما يجب فيه قصر الصلاة، وباب: صلاة المسافر ما لم يجمع مكثاً
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
تفاجئ بعض الإخوة بتغيير الجدول، وهذا مطلب له أكثر من خمس سنوات؛ لأننا عندنا كتب درس واحد في الأسبوع منها ما له بضع عشرة سنة، يعني بدون مبالغة إذا كان بعض الدروس له ثلاثة عشر سنة، ومنها ما له عشر سنوات، ومنها ما له ثمان سنوات، فعلى سبيل المثال: صحيح البخاري له الآن ثمان سنواتـ ولا أنجزنا الثلث، صحيح مسلم كذلك ولا أنجزنا إلا الثمن من صحيح مسلم، نعم الروض المربع قطعنا فيه شوط كبير، ما بقي إلا الشيء اليسير، المتون الصغيرة أنهينا عدد كبير منها ولله الحمد، يبقى أن الكتب المطولة تحتاج إلى تركيز، والطلب منذ خمس سنوات أن يقتصر في الجدول كله على كتابٍ واحد بحيث ينتهي هذا الكتاب خلال سنة أو سنتين أو ثلاث مهما كان طوله، فالطالب الذي يأتي إلى الرياض، ويدرس أربع سنوات يحضر كتاب كامل، إنما على الطريقة القديمة التي سلكناها يأتي ويجلس أربع سنوات ويذهب ببابٍ أو كتاب من صحيح البخاري وأبواب من صحيح مسلم ونصف سورة من تفسير القرطبي، ونصف جزء من الروضة وهكذا، فكونه يذهب بكتابٍ كامل أفضل بكثير من كونه يذهب بأبواب أو ورقات من عدة كتب.
وكان الطلب منذ خمس سنوات أو أكثر ملح، لكني متردد نظراً للإخوة الذين ارتبطوا معنا بكتب معينة لاحظناهم حقيقة، لا سيما المتقدمين منهم، ثم لما أخذنا شهر كامل في الموطأ، وقطعنا فيه شوط كبير سدس الكتاب شجعنا على أن نسلك الطريقة التي طلبت سابقاً، فالآن نركز على الموطأ خلال هذا الفصل -إن شاء الله- ننهي المجلد الأول -إن شاء الله تعالى-، المقرر أن ينتهي المجلد الأول في نهاية الفصل الأول -إن شاء الله تعالى-.(23/1)
المجلد الثاني الفصل الذي يليه مع شهر بعد .. ، مثل الشهر الذي فات بعد رمضان -إن شاء الله تعالى- وبهذا ينتهي كتاب، كتاب أصل من أصول السنة، بعد ذلك إذا انتهينا منه نبدأ بالبخاري، البخاري من ثمان سنوات ولا أنهينا إلا الثلث، وإذا قلت: إن الربع ما سجل فلم أبالغ، نعم سجل تسجيلات فردية لا ندري أين أصحابها؟ لكن ما سجل، الإيمان ما سجل، العلم ما سجل، الطهارة والصلاة ما سجلت، من أهم الأبواب، وعلى هذا سيكون البدء -بإذن الله تعالى- بعد الموطأ من صحيح البخاري من أوله -إن شاء الله تعالى-، وسوف يكون له جميع الأيام ما عدا العصر يوم الاثنين وعصر الجمعة وعشاء الجمعة.
لا شك أنه لا بد من التضحية في مثل هذه التصرفات، قد يقول شخص: أنا لي كتاب في عشاء الاثنين وين راح؟ أنا لي كتاب في عشاء الجمعة أين ذهب؟ قد لاحظنا النقص في أعداد الطلاب لا سيما في الكتب التي طال أمدها، سبل السلام على سبيل المثال بدأنا بجمعٍ غفير استمر سنتين ثلاث، ثم بعد ذلك أخذوا ينقصون، ولذلك المقرر أن لا يقرأ شرح مطلقاً في الدروس، نقتصر على المتون، يبقى عاد النظر في المتون الصغيرة التي وقتها يوم الثلاثاء المغرب يسأل عنها في وقتها -إن شاء الله تعالى- إذا انتهت الآجرومية.
هل نستمر على هذه الطريقة أو نجعل الكتاب الذي هو محور الدروس بديلاً عن هذه المختصرات، فأرجو أن لا أكون قد أسأت إلى أحد في هذا التصرف، والطلب مثل ما ذكرت قديم، واستشرنا بعض الإخوان لا سيما الكبار من الطلاب، وقالوا: هذا إجراء طيب، والحاجة ملحة، واستشرنا أيضاً بعض الشيوخ؛ لأنه كونه ينتهي كتاب واحد كامل مثل الموطأ أفضل بكثير من أن نجلس سنين ننهي باب أو بابين من كل كتاب.(23/2)
الروض المربع -إن شاء الله- ينتهي، ويبقى النظر في البديل في وقته -إن شاء الله تعالى-، ثم بعد الموطأ -بمشيئة الله تعالى- نبدأ بصحيح البخاري يسجل من أوله، الأبواب الأخيرة من صحيح البخاري التي هي في نظر كثيرٍ من طلاب العلم ليست أهميتها مثل الأبواب الأولى سوف تكمل بدورات -إن شاء الله-، وفي أوقات تكون دروس طارئة، وقد أنهينا كتاب الرقاق فيما يقرب من عشرين شريط، وكتاب الفتن في ثمانية أشرطة، وسوف نسير على هذا المنوال -إن شاء الله تعالى- في هذه الأبواب ليختصر علينا الوقت، ليبقى الإيمان وهو من أهم المهمات، العلم وحاجة طالب العلم إليه لا تخفى، الأبواب العبادات الطهارة والصلاة والزكاة والحج والصيام إلى آخره، ثم المعاملات أيضاً تشرح شرح في شيء من البسط والتوضيح ويسجل -إن شاء الله تعالى- ليكون الكتاب كاملاً، وعلى هذا -إن شاء الله تعالى- سوف نسير، وأعتذر مرةً ثانية للإخوة الذين ارتبطوا بكتب ولم يتيسر إدراجها في الجدول، بقي عندنا كتاب واحد وهو مهمٌ جداً هو زاد المعاد في عشاء الجمعة إن كان له حضور مناسب يحضر صاحبه ويقرأ -إن شاء الله تعالى- إضافة إلى الموافقات وسبل السلام لتكون ثلاثة كتب في عشاء الجمعة -إن شاء الله تعالى-.
نعم وجهة نظر بعض المشايخ أن العلم يحتاج إلى صبر، ويحتاج إلى طول نفس، والكتاب لو أنجز في عشرين ثلاثين سنة ويش المانع؟ لكن مشكلة الآن الملل، الملل يدب إلى النفوس، يعني إيش معنى أن كتاب ينهى بثلاثة عشر سنة، كم يتعاقب عليه من جيل هذا؟ هذا ممل.
تفضل.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.
قال الإمام يحيى عن الإمام مالك: "كتاب: قصر الصلاة في السفر، باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر:
عن مالك عن داود بن الحصين عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك.(23/3)
ع ن مالك عن أبي الزبير المكي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام تبوك فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قال: فأخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً، ثم قال: ((إنكم ستأتون غداً -إن شاء الله- عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئاً حتى آتي)) فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان والعين تبض بشيء من ماء، فسألهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل مسستما من مائها شيئاً؟ )) فقالا: نعم، فسبهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال لهما: ما شاء الله أن يقول، ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلاً قليلاً حتى اجتمع في شيء ثم غسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه وجهه ويديه، ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير، فأستقى الناس، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جناناً)).
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا عجل به السير يجمع بين المغرب والعشاء.
عن مالك عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر، قال مالك -رحمه الله-: أرى ذلك كان في مطر.
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم.
عن مالك عن ابن شهاب أنه سأل سالم بن عبد الله: هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ فقال: نعم، لا بأس بذلك ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة؟.
عن مالك أنه بلغه عن علي بن حسين أنه كان يقول: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يسير يومه جمع بين الظهر والعصر، وإذا أراد أن يسير ليله جمع بين المغرب والعشاء".(23/4)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "كتاب: قصر الصلاة في السفر" قَصْر مصدر قصَر تقول: قصرتُ الصلاة كما تقول: قصرتَ الصلاة بفتحتين مخففاً قصراً، وقصرتها بالتشديد تقصيراً، وأقصرتها إقصاراً، والأول الأشهر في الاستعمال، الذي هو القصر مصدر قصرتَ وقصرتُ، والمراد به التخفيف من الصلاة الرباعية والاقتصار منها على ركعتين، وهذا خاصٌ بالرباعية: الظهر والعصر والعشاء، ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع على أن القصر لا يدخل صلاة الصبح ولا صلاة المغرب، وقد جاء استثنائهما في حديث عائشة الآتي: "فرضت الصلاة ركعتين وأقرت صلاة السفر وزيد في الحضر، إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الفجر فإنها تطول فيها القراءة" وسيأتي -إن شاء الله تعالى-.
وشذ من شذ فقال: بقصر المغرب، وهذا ينسب لابن دحية، لأبي الخطاب بن دحية، ينسب له هذا القول، وهو قولٌ شاذ لا يعول عليه، فالإجماع منعقد على أن المغرب لا يدخلها القصر وكذلك الصبح.
يقول النووي: ذهب الجمهور إلى أنه يجوز القصر في كل سفرٍ مباح، وذهب بعض السلف إلى أنه لا يشترط في القصر الخوف في السفر، وبعضهم .. ، ذهب بعض السلف إلى أنه يشترط؛ لأن قول عامة أهل العلم على أنه لا يشترط، فكيف يخصه ببعض السلف؟ على ما سيأتي، وذهب بعض السلف إلى أنه .. ، كأنه يرى إلى أنه اشترط الخوف في السفر لجواز القصر، وهو منطوق الآية: {إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] وهذا الكلام سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
يقول: وذهب بعضهم إلى اشتراط كون السفر سفر حج أو عمرة أو جهاد، وكأنه أخذ ذلك من أسفاره -عليه الصلاة والسلام-، وأنه لم يسافر إلا هذه الأسفار حج أو عمرة أو جهاد.(23/5)
واشترط بعضهم كونه سفر طاعة، على كل حال السفر المباح جماهير أهل العلم على جواز القصر فيه، سفر نزهة مثلاً، وسفر تجارة يجوز القصر فيه، لكن لا بد أن يكون مباحاً على أقل الأحوال، وإذا كان سفر طاعة فمن باب أولى، الإمام أبو حنيفة وسفيان الثوري يقولون: يجوز القصر في كل سفر سواءً كان سفر طاعة أو مباح أو معصية، والجمهور لا يجيزون القصر في سفر المعصية؛ لأن القصر وجميع الرخص رخص السفر إنما شرعت للتخفيف على المسافر، فهذا المسافر العاصي في سفره ينبغي أن لا يعان على معصيته؛ لأن شخص خرج قاطع طريق مثلاً أو خرج إلى انتهاك محرمات وجرائم مثل هذا ينبغي أن يشدد عليه ويضيق عليه.
الله -جل وعلا- لما ذكر تحريم الميتة {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [(3) سورة المائدة] هذا الأصل، ثم أباحاها للمضطر {فَمَنِ اضْطُرَّ} لكن بقيد، هل الكلام فمن اضطر فليأكل كذا؟ {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} [(173) سورة البقرة] فدل على أن العاصي لا يترخص، وإذا كان هذا في الأكل من الميتة عند الضرورة فالمنع من الترخص بقصر الصلاة والجمع بين الصلاتين والمسح ثلاثة أيام من باب أولى ألا يرخص له، لا يخفف عليه من أجل أن يرتكب أكبر قدر ممكن من معصيته في سفره هذا، هذا عاصي يضيق عليه ولا يرخص له، هذا قول جمهور أهل العلم، ويرى أبو حنيفة والثوري إلى أن القصر وجميع الرخص مرتبطة بوصف مؤثر وهو السفر، وجد الوصف إذاً يوجد الحكم.
القصر رخصة؛ لأن الأصل في الصلاة الإتمام، والجمع أيضاً رخصة؛ لأن الأصل التوقيت، والرخصة عند أهل العلم ما ثبت على خلاف دليلٍ شرعي لمعارض راجح، الأصل أن الصلاة في أوقاتها التي حددت بالنصوص الصريحة {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [(103) سورة النساء] جاز تقديم إحدى الصلاتين أو تأخيرها لمعارض راجح وهو السفر الذي من لازمه المشقة في الأصل، لكن هذا اللازم ليس بلازم؛ لأن النصوص علقت ذلك بالسفر، ولذا لو سافر شخص من غير مشقة نقول: يترخص، يجمع ويقصر ويفطر ويمسح ثلاثة أيام بلياليها ولو لم يدرك مشقة.(23/6)
ولذا أهل العلم الفقهاء لما حددوا المسافة قالوا: ولو قطعها في ساعة هو مستحيل يقطعها في ساعة في وقتهم لكن في وقتنا تقطع في أقل، بعض الناس. . . . . . . . . نصف ساعة، لكنها رخصة، اقبلوا من الله رخصته.
يختلف أهل العلم في الأفضل هل القصر أو الإتمام؟ الجمع أو التوقيت؟ والأكثر على أن القصر أفضل من الإتمام ((صدقة تصدق الله بها فاقبلوا صدقته)) يرى أبو حنيفة أن قصر الصلاة في السفر واجب وعمدته في ذلك حديث عائشة وسيأتي.
يقول -رحمه الله-: "باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر" الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر، الجمع بين الصلاتين في الحضر يأتي فيه حديث ابن عباس، النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بالمدينة بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوفٍ ولا سفر هذا في الحضر، والجمع في السفر بقية النصوص، بقية أحاديث الباب.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن داود بن الحصين -المدني- عن الأعرج -عبد الرحمن بن هرمز- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك" يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك، تبوك في الجهة الشمالية من جزيرة العرب، ممنوع من الصرف لوزن الفعل وزنها: تقول، تبوك زنتها تقول، إضافة إلى التأنيث إن أردنا البقعة والعلمية أيضاً، اللي هو علمٌ على تلك البقعة.(23/7)
في سنن أبي داود ومسند أحمد وغيره في هذا الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم إن ارتحل بعد زوال الشمس، وجمع تأخير إن ارتحل قبل الزوال، وهذا الحديث كما يقول ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- اختلف فيه على يحيى بن يحيى في إسناده، فروي عنه مرسلاً، وكذلك هو عند جمهور رواة الموطأ مرسل، وقد روي عن يحيى مسنداً عن الأعرج عن أبي هريرة، هو عند أكثر رواة الموطأ مرسل وابن عبد البر يقول: حتى في رواية يحيى اختلف فيه عليه، منهم من رواه مرسل، ومنهم من رواه مسنداً، يقول: وقد روي عن يحيى مسنداً عن الأعرج عن أبي هريرة، والذي يظهر أنه في الأصل في رواية يحيى مسند، لكن بعض الرواة لما رآه في أكثر الروايات مرسل أرسله في رواية يحيى كما قال بعض الشراح، وعلى كل حال الحديث لا إشكال فيه.
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن أبي الزبير -محمد بن مسلم بن تدرس- المكي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة" ولد عام أحد، وله رؤية وهو صحابي، وعمّر إلى أن مات سنة عشرٍ ومائة على الصحيح، وهو آخر من مات من الصحابة فيما قاله الإمام مسلم وغيره.
حديث: ((ما من نفسٍ منفوسة على وجه الأرض يأتي عليها مائة عام))، ((رأيتكم ليلتكم هذه فإنه ما من نفسٍ منفوسة على وجه الأرض يأتي عليها مائة عام)) وهذا قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- في آخر عمره، وكان آخر من مات من الصحابة سنة عشر ومائة، يعني بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- بعد مقولته تلك بمائة سنة عمر طويلاً.
وبعضهم يضعف حديث الجساسة بهذا الحديث، وأن الدجال موجود على عهده -عليه الصلاة والسلام- كما في حديث تميم عند مسلم، ويبي يأتي عليه مئات الأعوام حتى يخرج في آخر الزمان، ولا شك أن هذا الحديث صحيح في صحيح مسلم، ولا أدنى إشكال فيه، وهو خاص، وأيضاً هو في البحر ليس على وجه الأرض، ويرد أيضاً وجود الخضر في قول الأكثر أنه باقي، وإن كان القول المحقق الصحيح عند المحققين من أهل العلم أنه قد مات.(23/8)
"عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل أخبره" معاذ بن جبل الأنصاري من أعيان الصحابة من أعلمهم بالحلال والحرام "أنهم" يعني الصحابة "خرجوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام تبوك، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قال: فأخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً -يعني جمع تأخير- ثم دخل"، "ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً ثم دخل" خرج من إيش؟ ودخل أي شيء؟ الخباء؟ خرج من خبائه ودخل فيه بعد الصلاة، وهو من أقوى الأدلة على جواز الجمع في السفر ولو كان نازلاً لم يجد به السير، خلافاً لمن يشترط ذلك "ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً" بعضهم حمل هذا الجمع على الجمع الصوري، وتعقبه الخطابي، يعني رأي الحنفية في الجمع أنه لا يجوز إلا في عرفة ومزدلفة، ويحملون ما جاء من النصوص مما يدل على جواز الجمع بين الصلاتين أنه جمع صوري، الخطابي وابن عبد البر تعقبا من قال بالجمع الصوري بأن الجمع رخصة وتيسير وتسهيل على الأمة لوجود هذا السبب، فلو كان الجمع صورياً لكان أعظم ضيقاً، وأشد حرجاً من الإتيان بكل صلاةٍ في وقتها، يقولان: لأن العلم بأوائل الأوقات وأواخرها بدقة مما يخفى على كثير من الخاصة فضلاً عن العامة، يعني مراقبة أوائل الأوقات وأواخر الأوقات أمرٌ شاق، ولا يكلف عموم الناس بمثل هذا الشيء الدقيق؛ لأن الفاصل شيء دقيق، ومسألة .. ، الصلاة تؤدى بخمس دقائق، ولا شك أن الفاصل بين الوقتين يحصل في زمنٍ يسير جداً، فكون المكلف يراقب هذه الأوقات أشق عليه من أن يصلي كل صلاة في وقتها، والمراد بالجمع الصوري أن يؤخر الصلاة الأولى إلى آخر وقتها، ويقدم الصلاة الثانية إلى أول وقتها.(23/9)
فمثلاً: صلاة المغرب اليوم وصلاة العشاء، يؤذن لصلاة العشاء في السابعة وبضع عشر دقيقة، يعني يبونك تصلي الآن صلاة المغرب فإذا انتهيت منها وقد انتهى وقت المغرب تصلي مباشرة العشاء، وتكون حينئذٍ صليت كل صلاة في وقتها، عملت بأدلة التوقيت، وأنت من جهة أخرى باعتبارك جمعت الصلاتين في مدة واحدة يسيرة وتأهبت للصلاتين تأهباً واحداً فيه تيسير من هذه الحيثية، خروجك إلى محل الصلاة واحد، تأهبك للصلاة واحد، فالحنفية يحملون ما جاء من نصوص الجمع على هذا، لكن هذا فيه .. ، لا نتصور أن جميع الظروف وجميع الأحوال وجميع الأزمان عندهم مثل ما عندنا من الساعات الدقيقة، ومن التقاويم التي تحدد الأوقات بدقة، يعني افترض نفسك من غير ساعات ومن غير توقيت تقويم كيف تصنع؟ وأنت مطالب بأن توقع المغرب في وقتها في آخر وقتها كما أنك مطالب بأن تكون تكبيرة الإحرام لصلاة العشاء بعد دخول وقتها، فلو تأخرت يسيراً أو تقدمت يسيراً وقع إشكال كبير على هذا القول، ولا شك أن هذا القول فيه من الحرج ما فيه، والنصوص تدل على أنه جمع بين الصلاتين، التأخير لا إشكال فيه في الصحيحين، والتقديم ثبت عند الحاكم والإسماعيلي وغيرهما، وإن تكلم الحاكم نفسه في روايته.
على كل حال إذا أمكن حمل جمع التأخير على الجمع الصوري فإنه لا يمكن بحال جمع التقديم على الجمع الصوري، وعلى هذا فالمرجح قول الجمهور في جواز الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما تقديماً وتأخيراً، والأوزاعي يجيز جمع التأخير دون جمع التقديم وهو رواية في مذهب أحمد، من غير أن يجد به السير؛ لأن عندنا في هذا الحديث نص: "ثم خرج ثم دخل" وين خرج؟ وين دخل؟ كونه يكون له خباء يدخل فيه ويخرج منه هذا جادٌ به السير؟ فلا يلزم أن يجد به السير، وإن كان القول بأنه لا يجمع إلا إذا جد به السير كما قرره ابن القيم وقبله شيخ الإسلام ورواية عن مالك -رحمه الله تعالى-، وعلى كل حال المسافر بصدد أن يرخص له، وقد جاء الترخيص له دون المقيم الحاضر.(23/10)
من الرخص الجمع كما سمعنا، القصر، المسح ثلاثة أيام، الفطر في رمضان، المسألة التي أثيرت في الدروس السابقة من جواز التيمم للمسافر ولو كان واجداً للماء استدلالاً بآية المائدة: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} [(6) سورة المائدة] قالوا: القيد يعود إلى الجملة الأخيرة، مع أنه نقل الإجماع أكثر من واحد على أنه لا يجوز لواجدِ الماء القادر على استعماله أن يتمم حاضراً كان أو مسافراً نقل الإجماع على هذا، فلا وجه لمن فهم من الآية جواز التيمم مع وجود الماء للمسافر.
ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: ((إنكم ستأتون غداً -إن شاء الله-)) هذا الاستثناء للتبرك من جهة، وامتثالاً لقول الله -جل وعلا-: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ} [(23 - 24) سورة الكهف] ((إنكم ستأتون غداً -إن شاء الله- عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار)) حتى يضحى النهار يعني: يرتفع ارتفاعاً قوياً ((فمن جاءها)) يعني قبله -عليه الصلاة والسلام- ((فلا يمس من مائها)) ((فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئاً حتى آتي)) يعني حتى يجيء النبي -عليه الصلاة والسلام-، يقول: "فجئناها" معاذ "فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان" في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من جاءها فلا يمس من مائها شيئاً)) يقول الباجي: فيه أن للإمام أن يمنع من الأمور العامة إذا ترتب على هذا المنع مصلحة، يعني كالماء والكلأ إذا ترتب على هذا المنع مصلحة جاز له ذلك.(23/11)
"وقد سبقنا إليها رجلان والعين تبص" بالصاد، أو تبضُ بالضاد، وتبص من البصيص وهو البريق واللمعان، وتبض بالضاد يعني تقطر وتسيل، ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- يقول: الرواية الصحيحة المشهورة في الموطأ بالضاد المنقوطة، يعني المعجمة، وعليها الناس، "بشيء -يعني قليل- من ماء، فسألهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل مسِستما -بكسر السين على الأفصح- من مائها شيئاً؟ )) فقالا: نعم" يقول الباجي: الاحتمال أنهما لا يعلما بنهيه -عليه الصلاة والسلام-، أو نسياه، أو حملاه على الكراهة، هذا إن كانا مؤمنين، وروي أنهما كانا من المنافقين، فسبهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال لهما ما شاء الله أن يقول من ألفاظ السب لمخالفتهما أمره -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن مخالف الأمر النبوي متعرض أو معرضٌ نفسه للعقوبة {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [(63) سورة النور] فينتبه الإنسان لمثل هذا، لا يستخف بالأوامر الشرعية "ثم غرفوا بأيديهم من العين" يعني بعد أن أذن لهم النبي -عليه الصلاة والسلام- "غرفوا بأيديهم من العين قليلاً قليلاً"
طالب:. . . . . . . . .(23/12)
يعني الجاهل ما يمكن أن يسب؟ طيب وإذا حمله على الكراهة ما يستحقون السب؟ لأن الأمر المواجه غير الأمر غير المواجه، وقد فوّتا أمراً يعلمه النبي -عليه الصلاة والسلام- "ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلاً قليلاً حتى اجتمع -يعني الماء الذي غرفوه- في شيء -يعني من الأواني- ثم غسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه -أي في الماء المجتمع- وجهه ويديه" لتنزل البركة في هذا الماء التي جعلها الله -جل وعلا- في نبيه -عليه الصلاة والسلام- "ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير" في صحيح مسلم: "بماءٍ منهمر" أو قال: غزير "فأستقى الناس" شربوا، وسقوا دوابهم، وهم جيش كبير "ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يوشك -أي يقرب ويسرع- يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جناناً)) معاذ -رضي الله عنه- مات سنة ثمان عشرة بالشام في طاعون عمواس، يعني إن طالت بك حياة يا معاذ هو طول نسبي بعده -عليه الصلاة والسلام- أقام سبع سنوات، ((ورأيت)) يعني هذا المكان، ولا شك أن معاذ استوطن الشام ومات بها، وقد رأى ما أخبره به النبي -عليه الصلاة والسلام- ((أن ترى ما هاهنا قد ملئ جناناً)) تمييز جمع جنة، أي يخصب المكان فيكون بساتين ذات أشجار كثيرة، وثمار، وفيه معجزة وعلم من أعلام النبوة حيث أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ذلك المكان الذي لا شيء فيه، وما يكون فيه بعد سنين، والآن تبوك وضعها الزراعي هاه؟ في أحد من أهل تبوك؟ أقول: فيها شركات زراعية نعم، فيها شركات زراعية، فيها بساتين، وفيها جنان، فهذا من معجزاته -عليه الصلاة والسلام-، وقد أدخل مسلم -رحمه الله تعالى- هذا الحديث في كتاب الفضائل في معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم-.(23/13)
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا عجل به السير" والمراد في السفر كما صرح بذلك في رواية البخاري "يجمع بين المغرب والعشاء" وقد تعلق بهذا الحديث من اشترط الجد في السير، لكن ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- يقول: هذه حكاية حال في سفرةٍ من السفرات، أو في حالٍ من الأحوال، أو في ظرفٍ من الظروف، المقصود أنه تقدم ما يدل على جواز الجمع للمسافر وإن كان نازلاً.
طالب:. . . . . . . . .
نعم الأولى عدم الجمع، الأولى تركه لوجود الخلاف فيه، وإن قيل بأن الأولى الأرفق بالمسافر تحقيقاً للهدف الشرعي من الترخيص له كان أجود.
ثم قال: "حدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر" في رواية: "صلى ثمانياً وسبعاً بالمدينة من غير خوفٍ ولا سفر" يقول مالك -رحمه الله تعالى-: أُرى -يعني أظن- أن ذلك كان في مطر، مع أنه في صحيح مسلم من طريق الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوفٍ ولا مطر، فما يظنه مالك -رحمه الله تعالى- جزم غيره بأنه غير موجود، فإذا انتفى الخوف والمطر والسفر فما المبرر للجمع بالمدينة؟ يعني هل نقول: إن المدينة أصيبت بوباء فمرض الناس كلهم فصلى النبي -عليه الصلاة والسلام- جمعاً؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- كما قال ابن عباس ألا يحرج أمته، هذا في جميع الروايات -روايات الحديث- يسأل ابن عباس عن السبب فقال: أراد ألا يحرج أمته -عليه الصلاة والسلام-.(23/14)
بعضهم حمل الجمع في هذا الحديث على الجمع الصوري، حمل بعضهم الجمع في هذا الحديث على الجمع الصوري، ويؤيد ذلك ما ذكره مسلم عن أبي الشعثاء قال: أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء هذه هي حقيقة الجمع الصوري، ولا بد منه في مثل هذا الحديث؛ لأنه لا يوجد سبب للجمع إذا انتفى الخوف والمطر والسفر لا مبرر للجمع، فيحمل هذا على الجمع الصوري، وقاله بعض رواة الحديث، النووي ضعف هذا الجمع، لكن قواه غيره، ويلجأ إليه لتوجيه مثل هذا النص.
الترمذي في علل جامعه أخبر أنه لا يوجد في جامعه حديث اتفق العلماء على ترك العمل به إلا هذا الحديث وحديث قتل مدمن الخمر حديث معاوية ((فإن شرب في الرابعة فاقتلوه)) لا يوجد حديث أجمع العلماء على ترك العمل به إلا هذا وحديث قتل من تكرر منه شرب الخمر مع أنه وجد من يقول بمفاد هذا الحديث ويحمله على الجمع الصوري، ويحمله أو يحمله على وجود المشقة، قد يوجد مشقة في الحضر تدعو إلى الجمع مثل المطر ومثل زحام شديد يمسك الناس لا يستطيعون أن يتركوا سياراتهم ولا يستطيعون أن يؤدوا الصلاة في وقتها، الحرج لا شك أنه منفي في شريعة الإسلام.
وجد أيضاً من يقول بقتل المدمن مطلقاً إذا شرب في الرابع يقتل، ومنهم وهو قول شيخ الإسلام ويرجحه ابن القيم والسيوطي منهم من يقول: له تعزير إذا رأى الإمام الناس لا يردعهم الحد -حد الشرب- يقتل، حتى يقطع دابر هذه الجريمة، يقول: هذا تعزير وليس بحد، هذا كلام شيخ الإسلام وابن القيم والسيوطي وجمع من أهل العلم.(23/15)
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم" عبد الله بن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم، ابن عمر من أهل التحري، والمعروف عنه أنه لا بد أن يخرج من عهدة الواجب بيقين، والأمراء لا سيما أمراء بني أمية لهم وضعٌ خاص في تأخير الصلوات، والتساهل في الأوقات، كان يجمع معهم -رضي الله عنه-؛ لأنه يرى أن الخلاف في مثل هذه الأمور شر، ولا يترتب عليه المصلحة؛ ولأن الجماعة تحقق من المصلحة أكثر ما يحققه انفراده، لكن لا يعني هذا أنه إذا جمع إمام المسجد لأدنى سبب وقد لا يكون السبب مبرراً للجمع أن الناس يوافقونه على هذا، نعم إذا نزلت الرخصة عمت، لكن يبقى التحقق من نزول هذه الرخصة ويحصل تساهل كثير من بعض الأئمة، مجرد ما يأتي رش خفيف مع أنه لا يشق الحضور إلى المساجد يجمعوا، أما إذا وجد الحرج فالشريعة مبناها على التيسر، ((إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه)).(23/16)
ثم قال -رحمه الله-: "وحدثني عن مالك عن بن شهاب أنه سأل سالم بن عبد الله -يعني ابن عمر أحد الفقهاء السبعة-: هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ فقال: نعم لا بأس بذلك" يعني يجوز هذا بلا كراهة "ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة؟ " يعني يجمعون بين الظهر والعصر جمع تقديم "ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة؟ " ابن شهاب سأل سائل هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ قد يقول قائل: كيف يخفى على ابن شهاب ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه جمع وهو الإمام الحافظ المكثر من الرواية يسأل ابن عمر "هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ فقال: نعم لا بأس بذلك" وهل استدل له سالم استدل لما ذهب إليه بفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ إنما قال له: "ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة؟ " أقول: الإشكال في كون ابن شهاب وهو إمام مكثر حافظ يسأل عن الجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ يعني هذا الاحتمال أن يكون قبل أن يطلع على الأحاديث، قبل أن يروي ما يروي من الأحاديث؟ يعني في مبدأ أمره؟ هذا احتمال؟ إذاً كيف يسأل عن الجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ وهل يخفى مثل هذا على ابن شهاب؟ أو على الخوف؟ لا سيما إذا كان في بلدٍ يكثر فيه من لا يجيز الجمع، إذا وجد في بلد من ينكر أمر ولو كان مستفيض بين الناس يرد مثل هذا السؤال، ما كان السؤال يرد إطلاقاً قبل سنين على التكبير المطلق والمقيد، ثم صار الناس يسألون، يعني لو واحد سأل قبل عشرين سنة عن التكبير المقيد هو بدعة وإلا سنة؟ يمكن يضحكون عليه الناس؛ لأنه ما يوجد من ينكره، لكن لما وجد صار الناس يسألون، فإذا وجد في بلد ينكر أو مثلاً يخالف أهله ما تقرر عند الشخص يسأل ((شفاء العي السؤال)).
طالب:. . . . . . . . .
هو يقول: هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ لو الجواب: نعم، الجواب في جمع تقديم، لكن الإحالة على جمع لصلاة الناس بعرفة.
طالب:. . . . . . . . .(23/17)
أنا أقول: إحالة سالم –السائل- ودعمه الجواب بفعل الناس بعرفة لماذا لم يحله إلى النصوص الثابتة؟ ليبين أن هذا الحكم باقٍ بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا مما يتفق عليه الناس كلهم الجمع بعرفة، لا سيما مع وصف السفر، يعني للمسافرين، والخلاف في جمع المكي بعرفة ومزدلفة معروف سيأتي -إن شاء الله تعالى-، يعني بعضهم يجعله للنسك، وهذا قول أبي حنيفة، فعلى هذا الذي لم يتلبس بنسك لا يجوز له أن يجمع، وبعضهم يقول: سببه السفر وهو قول الأكثر، وعلى هذا من كان مسكنه دون مسافة قصر من عرفة أو مزدلفة لا يجوز له أن يجمع، ستأتي في بابها -إن شاء الله تعالى-.
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه عن علي بن حسين -زين العابدين بن علي بن أبي طالب- أنه كان يقول: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يسير يومه جمع بين الظهر والعصر" واللفظ محتمل لأن يكون جمع تقديم، لا سيما إن سار بعد الزوال، أو جمع تأخير إن سار قبله "وإذا أراد أن يسير ليله جمع بين المغرب والعشاء"، "عن علي بن حسين أنه كان يقول: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذا مرسل؛ لأن زين العابدين تابعي -رحمه الله-، يقول ابن عبد البر: وهذا الحديث يتصل برواية مالك من حديث معاذ بن جبل وابن عمر، وهو عند جماعة من الصحابة مسنداً.
على كل حال الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء لوجود الوصف الذي علق عليه الجمع وهو السفر محل اتفاق بين أهل العلم باستثناء الحنفية الذين لا يجيزونه إلا بعرفة ومزدلفة، أو يجيزونه جمعاً صورياً على ما ذهبوا إليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: قصر الصلاة في السفر" هذه الرخصة الثانية للمسافر، وهذا من التيسير والتسهيل؛ لأن المسافر الذي الأصل في سفره المشقة، السفر قطعة من العذاب كما في الحديث الصحيح، بصدد أن يخفف عنه أردف القصر بالجمع لما يجمعهما من أن كل منهما رخصة للمسافر.(23/18)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد" هو أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين على الأفصح، وضبط بالتصغير "أنه سأل عبد الله بن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن -وهذه كنيته- إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة السفر" نجد صلاة الخوف في القرآن: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ} [(102) سورة النساء] هل المراد بها صلاة الخوف أو صلاة المسافر الخائف فيقصر؟ {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] يعني قصر الصلاة للمسافر الخائف هذا موجود في القرآن، ولا نجد صلاة السفر بالنسبة للمسافر الآمن، صلاة الحضر موجودة في القرآن: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [(103) سورة النساء] يعني مفروضاً في الأوقات المحددة "ولا نجد صلاة السفر" يعني قصر الصلاة في السفر الآمن {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ} [(101) سورة النساء] يعني رفع الجناح هل هذا يفهم منه وجوب القصر أو إباحة القصر؟ {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ}؟ الوجوب؟
طالب:. . . . . . . . .(23/19)
إيه لا المسألة طرد وعكس، ما تجي، طرداً وعكساً ما تجي، الحنفية يقولون: بالوجوب، وجاء في القصر هذا الأسلوب، ولا يقولون بوجوب السعي وجاء فيه نظير هذا الأسلوب: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(158) سورة البقرة] الجمهور يقولون: بأن السعي ركن من أركان الحج والعمرة، وجاء فيه: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ} [(158) سورة البقرة] ولا يقولون بوجوب القصر وجاء فيه: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [(101) سورة النساء] ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ يعني المحاورة التي حصلت بين عائشة -رضي الله عنها- وعروة واحتجاج عائشة بسبب النزول على أن السعي لا بد منه للحاج والمعتمر معروف، لكن لفظ الآيتين هل يؤخذ منهما وجوب السعي؟ رأيها أنها لو كانت تدل على ما ذهب إليه عروة من رفع الإثم فقط أن يكون التعبير قد جاء "فلا جناح عليه أن لا يطوع" لكن رفع عنه الجناح لأنه تأثم، الجناح: هو الإثم الذي تصوره من مشابهة الكفار في سعيه بين الصفا والمروة؛ لأنهم كانوا يسعون بين الصفا والمروة للصنمين المعروفين، فهذا الجناح وهذا التأثم رفع بالآية، ويبقى أن الاستدلال المرجِح هو الأدلة الأخرى، يعني لو لم يكن في الموضعين إلا هاتين الآيتين احتجنا إلى المرجح؛ لأن مجرد رفع الجناح لا يقتضي الوجوب.(23/20)
نأتي إلى آيةٍ قريبة من هذا: {وَاذْكُرُواْ اللهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} خلوكم معي يا الإخوان {فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] كيف؟ أيهما الأولى بأن يذكّر بالتقوى المتعجل وإلا المتأخر؟ أيهما أكمل؟ المتأخر، كيف المتأخر يقال له: {لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] والمتعجل لا يقال له: {لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة]؟ أو لمن اتقى راجعة إلى الاثنين؟ وهل يكتفي الحاج الذي تردد على بيت الله الحرام مراراً يرجو المغفرة وأن يعود كما ولدته أمه ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) هل يكتفي بأن يكون لا إثم عليه سواءً تقدم أو تأخر؟ يكفيه أنه لا إثم عليه؟ ما يكفيه لأنه إذا ربطنا {فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} [(203) سورة البقرة] في التقدم والتأخر في الموضوعين.
طالب:. . . . . . . . .
هو يقول: لا إثم سواء بقيت زيادة يوم أو تعجلت. . . . . . . . . تعجل؛ لأنه لا مزية للتأخر، نقول: التأخر له مزية لفعله -عليه الصلاة والسلام-، و {لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] راجع إلى الأمرين، ويكون المعنى حينئذٍ لا إثم عليه ارتفع عنه الإثم بالكلية، يعني مما اقترفه في عمره إن اتقى في حجه، ويكون نظير حديث: ((رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) لأن الحاج الذي تجشم المتاعب والمصاعب يعني هل ذهب ليكون لا إثم عليه في حجه؟! لا، ليرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وتكون دلالة الآية مثل دلالة الحديث، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟(23/21)
يقول: "إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة السفر -يعني مع الأمن- فقال ابن عمر: يا ابن أخي إن الله -عز وجل- بعث إلينا محمداً -صلى الله عليه وسلم- ولا نعلم شيئاً، فإنما نفعل كما رأيناه يفعل" لا شك أن لهم {فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [(21) سورة الأحزاب] فبين له أن القصر في سفر الأمن ثابت بالسنة؛ لأنه في الآية مشروط بالخوف {إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] والقصر في سفر الأمن ثابت بالسنة كما بينه ابن عمر، فبين له أن القصر في سفر الأمن ثابت بالسنة لا بالقرآن، ويكون هذا الحكم حينئذٍ مما شرع لعلة، هذا الحكم شرع لعلة ارتفعت العلة وبقي الحكم.
الرمل في الطواف سببه وعلته قول المشركين: يأتي محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، فرمل النبي -عليه الصلاة والسلام- في الأشواط الثلاثة الأولى لكي يخلف ظن المشركين، ويريهم خلاف ما اعتقدوا، ولذا لما رأوهم يرملون قالوا: شبهوهم بالغزلان، الآن الرمل مشروع وإلا غير مشروع؟ مشروع، في أحد يقول: إن المسلمين يأتون وإلا ما فيه؟ ما فيه، ارتفع السبب وبقي الحكم.(23/22)
السبب في القصر السفر مع الخوف، ارتفع الخوف وبقي الحكم، في صحيح مسلم عن يعلى بن أمية قال: قلتُ لعمر: إنما قال الله {إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] وقد أمن الناس، فقال: عجبتُ مما عجبت منه فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((صدقه تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته)) يقول ابن عبد البر -رحمه الله-: لم يقم مالك إسناد هذا الحديث، يعني لإبهام الرجل المذكور؛ ولأنه أسقط منه راوٍ من الرواة، يقول أيضاً. . . . . . . . .: هكذا يروي مالك هذا الحديث عن ابن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد، وسائر أصحاب ابن شهاب يروونه عن ابن شهاب عن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد عن ابن عمر، يقول: وهذا هو الصواب في إسناد هذا الحديث، ومن طريق الليث أخرجه النسائي وابن ماجه، المقصود أن الحديث متصل، واستدلال ابن عمر -رضي الله عنه- في مكانه، ما دام فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو آمن، والسنة حجة ومصدر تشريعي مستقل لا يطلب لها موافقة القرآن، ففيها كثير من الأحكام التي لا توجد في القرآن، ولولا السنة لما عرفنا كيف نحج؟ ولا كيف نصلي؟ إنما عرفنا الصلاة من فعله -عليه الصلاة والسلام- وقوله: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) والحج عرفناه ببيانه -عليه الصلاة والسلام- قولاً وفعلاً وقوله: ((خذوا عني مناسككم)).
يقول:: "وحدثني عن مالك عن صالح بن كيسان" المدني مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز، طلب العلم متأخر جداً وأدرك خيراً كثيراً، يروي "عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: فرضت الصلاة ركعتين" وعائشة أدركت الفرض وإلا ما أدركت؟ أدركت الإسراء وإلا ما أدركت؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لم تدرك الإسراء، فهذا مرسل صحابي، مرسل الصحابي حجة عند العلماء، بل نقل عليه الاتفاق.
أما الذي أرسله الصحابي ... فحكمه الوصل على الصوابِ(23/23)
ولذا خرجه الشيخان البخاري ومسلم "أنها قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر" وكررت ركعتين لتفيد عموم التثنية لكل صلاة، ركعتين ركعتين، لكل صلاة ركعتين، لأنها لو قالت: فرضت الصلاة ركعتين في الحضر والسفر لفهم منه أنها في اليوم والليلة ركعتين، لكن لما قالت: ركعتين ركعتين .. ، لو قال مثلاً: أعطِ الطلاب ألفاً، جاب ألف ووزع على الطلاب، لكن لما يقال: أعطِ الطلاب ألفاً ألفاً مقتضاه أن يكون كل طالب له ألف، وهنا فرضت الصلاة ركعتين، لو قالت: ركعتين يعني في اليوم والليلة، لكن لما قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين يعني الخمس فرضت إلا ما استثني في رواية أحمد وغيره: "إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الفجر فإنها تطول فيها القراءة"، في الحضر والسفر يعني إلا ما استثني، يبقى الظهر والعصر والعشاء ركعتين ركعتين "فأقرت صلاة السفر" يعني على الفرض الأول أبقيت على ما فرضت عليه ركعتين "وزيد في صلاة الحضر" حتى صارت أربعاً، وجاء الاستثناء في رواية أحمد وغيره: "إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة".
"فرضت" الجمهور على أن معنى (فرضت) قدرت صلاة السفر أو الصلاة عموماً في أول الأمر عموماً ركعتين ركعتين أقرت صلاة السفر على الفرض الأول وزيد في صلاة الحضر حتى صارت أربعاً، فمعنى (فرضت) قدرت على رأي الجمهور الذين لا يقولون بوجوب القصر على خلافٍ بينهم في الأفضل من القصر والإتمام، وعلى هذا فالقصر في السفر رخصة، وعرفنا فيما تقدم الفرق بين الرخصة والعزيمة، وعند الحنفية معنى (فرضت) وجبت، فالقصر عندهم واجب قصر الصلاة في السفر القصر واجب، وعند الجمهور رخصة وليس بواجب، هو أفضل من الإتمام عند أكثر من يقول بقول الجمهور، والإتمام عند بعضهم أفضل، وعلى كل حال ما دام رخصة الله -جل وعلا- يحب أن تؤتى رخصه، وكلٌ من الفريقين يتمسك بالحديث "فرضت" ويؤيد تأويله بأدلة أخرى.
طيب هل القصر فرض عند الحنفية أو واجب؟ واجب وليس بفرض، إذاً كيف يتم لهم الاستدلال بقول عائشة: "فرضت" لماذا لا يقولون: إنه فرض؛ لأنه ثبت بدليل ظني وليس بدليل قطعي فليس بفرض، وإن كان لفظ الصحابي: "فرضت".(23/24)
مما يرد على الحنفية أن عائشة خالفت هذا الحديث فأتمت في السفر، وتأولت كما تأول عثمان -رضي الله عنه-، والحنفية عندهم إذا اختلفت الرواية مع الرأي إذا اختلفت رواية الراوي مع رأيه فالعبرة بما رأى لا بما روى، وهنا رأي عائشة -رضي الله عنها- أن القصر ليس بواجب، وهي التي تقول: "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين" فخالف الحنفية قاعدتهم في هذا، وإن كان الجمهور عندهم أن العبرة بما روى، العبرة بما ثبت مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقول الصحابي فرض كذا أو أوجب أو أبيح لنا أو رخص لنا أو حرم علينا كذا له حكم الرفع؛ لأن الذي يفرض والذي يوجب، والذي يبيح، والذي يرخص هو الشارع، يعني من له ذلك، فإذا قال الصحابي: فرض علينا، أو أبيح لنا، أو رخص لنا فله حكم الرفع.
عائشة هل أدركت فرض الصلاة لما فرضت الصلاة ليلة الإسراء؟ عائشة لم تدرك فرض الصلاة، وعلى كل حال الاحتمال أنها سمعت ذلك من النبي -عليه الصلاة والسلام- كما سمعت خبر بدء الوحي، ولو قدر أنها لم تسمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مرسل صحابي، ومرسل الصحابي حجة عند جماهير أهل العلم، ونقل عليه الاتفاق.
أما الذي أرسله الصحابي ... فحكمه الوصل على الصوابِ(23/25)
وعرفنا لماذا كررت: "ركعتين ركعتين" تقول: "في الحضر والسفر" وقد ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس قال: "فرضت الصلاة في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين" ويمكن التوفيق بينهما بأن كلام عائشة في أول الأمر وكلام ابن عباس في آخر الأمر "إلا المغرب فإنها وترُ النهار" وتر لأنها تقع في آخر جزء من النهار بل بعده، وتختم بها صلوات النهار فكانت كالوتر "وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة" هذه سمتها، ولطولها أطلق على الصلاة -صلاة الفجر- قرآن الفجر؛ لأنه أطول أركانها، {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [(78) سورة الإسراء] يعني صلاة الفجر، ومعنى هذه الشهادة وأهميتها وقيمتها مما يجعل المسلم يحرص على إدراك جميع صلاة الفجر، واستماع قراءة الصلاة من أولها بحضور قلب، هذا الشهود الذي يجعل المسلم لا سيما طلب العلم يحرص على هذا أشد الحرص بينه ابن القيم -رحمه الله تعالى- في طريق الهجرتين، ابن القيم -رحمه الله- لما بين المنهج الذي يسير عليه أصحاب اليمين أو المنهج الذي يسير عليه المقربون هذه خطة لهؤلاء، وهذا منهج يسير عليه هؤلاء، وعلى طالب العلم أن يطلع على الطريقتين في طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن القيم كتاب لا يستغني عنه طالب علم.
صلاة الصبح تطول فيها القراءة ومع الأسف نجد أو نسمع من يقرأ بقصار السور في صلاة السبح.
على كل حال الخلاف في مسألة القصر وحكمه خلافٌ معروف مشهور عند أهل العلم، يقول الحنفية بوجوبه، والجماهير على أنه رخصة على خلافٍ بينهم في الأفضل، وعرفنا أن المسافر هو المتلبس بالسفر بعد مفارقة عامر البلد له أن يترخص فيجمع بين الصلاتين ولو كان نازلاً، وإن كان الأفضل بالنسبة للجمع أن يصلي كل صلاة في وقتها كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في منى، وأما بالنسبة للقصر فالأفضل له أن يقصر ما دام مسافراً ما لم يجمع الإقامة على ما سيأتي.(23/26)
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال لسالم بن عبد الله: ما أشد ما رأيت أباك أخر المغرب في السفر؟، "عن يحيى بن سعيد أنه قال لسالم بن عبد الله -يعني ابن عمر-: ما أشد ما رأيت أباك أخر المغرب في السفر؟ " لأن المغرب ينبغي أن تعجل، والمقصود في الحضر، وفي السفر إذا لم يرد الجمع؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها لما غاب القرص في اليومين في حديث إمامة جبريل، فالأفضل تعجيلها "فقال سالم: غربت الشمس ونحن بذات الجيش فصلى المغرب بالعقيق" وبين ذات الجيش والعقيق اثنا عشر ميلاً، يعني كم كيلو؟ عشرين، عشرين كيلو بين غروب الشمس وبين صلاة المغرب، والعشرين الكيلو تقطع في؟ الكيلو الواحد يحتاج إلى عشر دقائق على الأقدام، جري وإلا مشي؟ لا، لا، أنتم ما شاء الله عليكم عاد متعودين على المشي لا يحتاج إلى وقت، على كل حال هي على الدواب، والعشرين الكيلو ربع مسافة القصر التي تقطع في يومين، على كل حال الواحد يختلف ظرفه عن ظرف الجماعة، فإذا كان جماعة محملة تسير فوضعها يختلف عن وضع الواحد، والدواب تختلف، والأشخاص يختلفون.
في بعض الشروح شروح الموطأ نقلاً عن ابن وهب أن السبب في تأخير ابن عمر لصلاة المغرب أنه أخرها ليلتمس الماء التماساً للماء، وهذا يدل على أن ابن عمر لا يتيمم في أول الوقت إذا رجا الماء، هل يحتمل أن يكون ابن عمر مسافر وأراد أن يجمع المغرب مع العشاء؟ أذن المغرب غربت الشمس وهو بذات الجيش على بريد من المدينة، البريد قريب من عشرين كيلو، ثم أخرها عشرين أخرى هل هذا الاحتمال قائم"
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو يبعد عن المدينة الآن هو ليس .. ، في هذا لا يقرب من المدينة إذا غربت الشمس وهو بذات الجيش صلى المغرب بالعقيق؛ لأنه إذا قلنا: ذات الجيش بعيدة عن المدينة والعقيق أقرب وذات الجيش على بريد من المدينة عشرين كيلو والعقيق بينها وبين ذات الجيش اثنا عشر ميل عشرين كيلو إذاً دخل المدينة، ذات الجيش بين العقيق وبين المدينة.
طالب:. . . . . . . . .
نعم قد يكون هذا في جهة وهذا في جهة، وكلها قرب المدينة ما يبعد هذا.
سم.
"باب: ما يجب فيه قصر الصلاة:(23/27)