باب ما جاء في إكراه اليتيمة على التزويج(2/370)
[1109] أشكل هذا الباب على الناس لأن حكم الولاية وعدمها على الصغيرة والكبيرة قد مر في الأبواب الأول، قال الطيبي شارح المشكاة: إن المراد من اليتيمة الكبيرة لا الصغيرة، وأطلق عليها لفظ اليتيمة على ما كانت قبل، ومعنى الباب أنهما لا يسارع في نكاحها ما لم تأذن فكأنه شرط بلوغها، فمعناه لا تنكح حتى تبلغ فتستأمر، وقال الشافعية: إن ولاية الإجبار ليست على البكر الصغيرة إلا للأب والجد، والثيب الصغيرة إذا مات أبواها فلا سبيل لنكاحها إلا بعد بلوغها لأنها لا تجبر عليها لأن ولاية الإجبار على البكر، وأما السلطان فلا ولاية له أيضاً لأن ولي الصغيرة ليس إلا الأب(2/370)
والجد، وقال مالك: لا ولي إلا الأب. والمراد في حديث الباب من اليتيمة البالغة مات والدها أم لا، وقال الشافعية: إن المراد من اليتيمة من مات والدها أي المعنى اللغوي.(2/371)
باب ما جاء في نكاح العبد بغير إذن سيده(2/371)
[1110] نكاح العبد بغير إذن السيد باطل عند الكل، وولاية الإجبار على العبد والأمة للمولى في النكاح لا في الطلاق.(2/371)
باب ما جاء في مهور النساء(2/371)
[1111] أقل المهر عندنا عشرة دراهم، وعند مالك ربع الدينار كنصاب السرقة، وعند الشافعي ما اجتمع(2/371)
عليه الزوجان قلَّ أو كثر، وعند ابن حزم يصح النكاح على حبة شعيرة أيضاً وهو نصاب السرقة عنده، ودليل الشافعية حديث الصحيحين، وأما دليل الحنفية فأكثرنا يحتج بحديث الدارقطني: «لا مهر أقل من عشرة دراهم» أقول: إن في جميع طرقه حجاج بن أرطاة وهو متكلم فيه، وإني لا أتمسك به وإن حسن الترمذي رواياته بل صحح أيضاً في بعض المواضع، وأقول: إن الصحيح تمسكاً ما أخرجه في فتح القدير ص (417) باب الأكفاء بسند ليس فيه حجاج، وأخذ الشيخ متنه من شرح السنة للبغوي وما وجد فيه السند، قال: فجاء في بعض أصحابي بسنده من الحافظ شهاب الدين أبي الفضل ابن حجر العسقلاني وحسنه الحافظ فإذن صح استدلالنا فتتأول في الأحاديث التي فيها المهر أقل من عشرة ونحمله على المهر المعجل وأما الباقي فمؤجل، وهذا الحديث من ما زاد الشيخ على تخريج الزيلعي بحث أصولي بأن زيادة عشرة دراهم في حكم النكاح زيادة بالخبر الواحد على نص القرآن وذلك غير جائز، فيقال: إنه ليس زيادة الركن والشرط بل زيادة الحكم ولكن الحق إن الزيادة على القاطع بخبر الواحد في مرتبة الظن جائز لا في مرتبة القطع أعم من أن يكون شرطاً أو حكماً، ولا بد من هذا وإن لم يذكره أرباب الأصول فإذن لا يرد، واشتراط عشرة دراهم في سرقة النصاب فإنه ثابت بالخبر الواحد ولا يرد اشتراط المصر في إقامة الجمعة وككل اشتراط ستر العورة في الحج وكذلك مسائل أخر، وأما إذا صار خبر الواحد قطعياً فيجوز به زيادة الركن أيضاً أي في مرتبة القطع ويكون قطعياً إذا كان محفوفاً بالقرائن.(2/372)
قوله: (وهبتُ نفسي إلخ) قال الشافعي: لا يصح النكاح إلا بلفظين النكاح والتزويج، وأما عند أبي حنيفة فيصِح بكل لفظ يدل على التمليك المؤبد، وقال الشافعية: إن صحة النكاح بلفظ الهبة مخصوص به لآية {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50] وقال الأحناف: إن الخصوصية في النكاح بلا مهر، وأما تزويجه إياه فإما أن يقال: إنه صار وكيل تلك المرأة، أو يقال: إنه ولي المؤمنين والمؤمنات لآية: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] إلخ، ولكن ولايته مجملة تكون في بعض الأمور لا في البعض الآخر.
واعلم أن للمهر في اللغة تسعة أسماء.
قوله: (إلا إزاري إلخ) في بعض الروايات أنه قال: يكون بيني وبينها، فبوب الطحاوي في(2/373)
مشكل الآثار على التهائي بحديث أن يكون الإزار بني وبينها والتهائي أن يكون الشيء مشتركاً بين الشخصين يستعمله كل واحد نوبة بنوبة.
قوله: (ولو خاتماً من حديد إلخ) في كتب الأحناف أن خاتم الحديد للرجال حرام، وأما للنساء ففي الجوهرة أنه مكروه للنساء أيضاً كما في رد المحتار، وفيه لا بأس بأن يتخذ خاتم حديد قد لوي عليه فضة. اه، والله أعلم، وفي الحديث: النهي عن خاتم الحديد.
قوله: (بما معك من القرآن إلخ) المشهور من مذهب مالك ورواية عن أحمد ومذهب أبي حنيفة أن تعليم القرآن لا يصلح مهراً، وقال الشافعي: يصلح للمهر، وقال في النهر: إن المتأخرين لما أفتوا بجواز الأجرة على القرآن يجوز أن يكون يصلح للمهر أيضاً، وأما الجواب عن حديث الباب عن جانب الجمهور فيقال: إن هذا كان تصاب العلم عندهم عند النكاح ولم يكن مهراً فيعبر عن حاصل الجواب بأن الباء للسببية لا للبدلية، ومثل هذا ما في الترمذي ص (113) ج (2) في فضائل القرآن عن أنس، فلا يكون تأويلاً بل شرحاً، وفي الزرقاني شرح الموطأ أن هذا من خصوصية هذا الرجل لحديث: «لا يكون لأحد بعدك مهر» إلخ، وأحاله إلى سنن سعيد بن منصور، أقول: أخرجه ابن السكن في معرفة الصحابة، وضعفه السيوطي في الخصائص الكبرى.
قوله: (ثنتي عشر أوقية إلخ) في الكتب ذكر النش أيضاً، وهو نصف الأوقية أي عشرون درهماً، وكان مهر أم حبيبة أربعة آلاف درهم وزوجها النجاشيُّ النبيَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.(2/374)
باب ما جاء في الرجل يعتق الأمة ثم يتزوجها(2/375)
[1115] سبيت صفية بنت حيي في غزوة خيبر واشتراها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأعتقها ثم تزوجها إلخ، قال أبو حنيفة ومالك والشافعية: إن العتق لا يصلح صداقاً، وروى الترمذي عن الشافعي، وفي كتبنا عن أبي يوسف أنه يصلح مهراً، وجواب الجمهور عن حديث الباب أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعتقها مجاناً وتزوجت إياه بلا مهر، ولم يكن العتق صداقاً فعبر الراوي هذه الواقعة بهذا التعبير، وفي كتبنا أنه إذا أعتق أمة على أن تتزوجه فلم توفِ فعليها ضمان قيمتها، وقال أبو عمرو بن الصلاح: إن الحديث هذا مثل حديث (الدنيا زاد من لا زاد له) وأقول مثله:
~ وخيل قد ولغت لهم بخيل ... تحية بينهم ضر بعد وجيع
ومثله آية {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82] ونظائر أخر، وقد أتى الطحاوي بنظير لطيف، وهو أن أبا طلحة خطب أم سليم فقالت: أنكح على أن تسلم، ولم يكن في ذلك الوقت مشرفاً بالإسلام فلا يقول أحد بأن الإسلام كان صداقاً، ثم ظاهر حديث الباب أنه لم يجدد والنكاح أيضاً بل كان العتق بمنزلة النكاح، ولكن سائر الأحاديث يدل على تجديد النكاح، منها حديث الباب الآتي، ولم يذهب أحد إلى أن العتق يكون بمنزلة النكاح بلا تجديد النكاح.(2/375)
باب ما جاء في الفضل في ذلك(2/375)
[1116] قوله: (أجرين إلخ) أي أجران على فعلين، ولا يقال: إن الأجرين على فعلين لا ندرة فيه، لأن(2/375)
الصور المذكورة في الحديث فيها خفاء فذكرّها وذلك كأجرين له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصلاة قاعداً، لا أنه كان يوعَك كما يوعك رجلان منا.
قوله: (رجل آمن بالكتاب الأول. . إلخ) ها هنا إشكال، وأذكر جوابه في البخاري، وصورة الإشكال أن حكم الأجرين حكم القرآن، واتفقوا على أن الآية نزلت في عبد الله بن السلام وكان يهودياً ولم يؤمن بعيسى، وقال العلماء: أن يهودياً إذا آمن بموسى ولم يؤمن بعيسى ثم آمن بمحمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنه له أجر واحد.(2/376)
باب ما جاء فيمن يتزوج المرأة ثم يطلقها(2/376)
[1117] قال الجمهور: إن بين نكاح الأم والبنت فرقاً يشترط الدخول في أحدهما لا في أخراهما، وقال بعض السلف منهم علي: إن الدخول مشروط في الأم والبنت، ومبنى الخلاف تفسير الآية: [النساء: 23] إلخ قيد الأم والبنت وقيد إحداهما.(2/376)
باب ما جاء فيمن يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها آخر إلخ(2/377)
[1118] لا تجوز هذه المرأة لزوجها الأول إلا بعد دخول الزوج الثاني، وهذا مذهب الأمة المرحومة إلا سعيد بن المسيب كما نسب إليه، واختلف في أن الزوج الثاني يهدم ما دون الثلاث أم لا، قال محمد: لا يهدم، خلاف شيخيه، والصحابة أيضاً مختلفون في هذا.
قوله: (عبد الرحمن بن زَبير إلخ) بفتح الزاء المعجمة، وسوى هذا في تمام ذخيرة الحديث الزُّبير بضم الأول.(2/377)
باب ما جاء في المحل والمحلّل له(2/377)
[1119] صنف ابن تيمية جلداً كاملاً في مسألة الباب وغرضه أن النكاح، بنية التحليل وبشرط التحليل باطل، ولا تحل للأول ولا تترتب عليه أحكام النكاح، وهاهنا دقيقة ذكرها صاحب الدر أيضاً أن بين التعليق بالشرط والتقييد به فرقاً، فإن امرأة إذا نكحت، وقالت: نكحت إن كنت عالماً فهذا تعليق(2/377)
بالشرط، وإن قالت: نكحتك على أن تكون عالماً، وهذا تقييد بالشرط، وفي الصورة الأولى إن لم يكن عالماً لا يصح النكاح، وفي الصورة الثانية يصح النكاح، والمشهور عندنا أن الشرط معصية وإثم؛ والنكاح صحيح، وإن لم يشترط في اللفظ فإن كان الرجل معروفاً بهذا الفعل فمكروه تحريماً كما في فتح القدير، وفي بعض كتبنا أنه إذا لم يشترط في اللفظ فالمِحل له ثواب لأنه نفع أخيه المسلم، وفي رواية عن محمد أنه إذا اشترط يصح النكاح ولا تحل للأول، وفي رواية عن أبي يوسف أن النكاح أيضاً باطل، أقول: يحمل حديث الباب على الاشتراط عند أبي حنيفة بالتفقه، ولأبي حنيفة ما أفتى عمر بسند لعله جيد، ولعله في الكنز ص (170) ج (5) وفتاوى الحافظ: ابن تيمية ص (200) أن رجلاً نكح امرأة للتحليل فقال له عمر: لا تفارق امرأتك وإن طلقتها فأعزرك، فدل هذا على صحة النكاح للتحليل، ولابن تيمية بحث في أن النهي يقتضي البطلان، ومر الكلام مني بقدر الضرورة.(2/378)
باب ما جاء في تحريم نكاح المتعة(2/379)
[1121] ذكر ابن همام بين النكاح المؤقت ونكاح المتعة فرقاً بأن في المتعة يكون لفظ التمتع ولا يكون بحضور الشاهدين ولا بتعيين مدة بخلاف المؤقت، وأما في المؤقت فالتوقيت باطل والنكاح مؤبد، ونسب صاحب الهداية جواز المتعة إلى مالك بن أنس، وينكره المالكية صراحة، وأجمعوا على أن نكاح المتعة حرام، ثم أكثر العلماء إلى أن المتعة كانت جائزة ثم نسخت، وأجمعوا على حرمة وعدم جوازه في آخر عهد التابعين، وأما لو وطئ امرأة بنكاح المتعة فهل عليه حدّ أم لا؟ فقيل: لا حدَّ لأنها كانت مختلفة في صحتها في عهد الصحابة كما نسب إلى ابن عباس أنه يقول بجواز المتعة، وكذلك نسب إلى ابن مسعود، فقيل في حق ابن عباس كلمات منكرة كما قال علي: إنك رجل تائه إلخ، وذكر الحازمي في كتاب الناسخ والمنسوخ قيل لابن عباس: قد اضطرب الناس بفتوتك، وأنشدوا عليه أشعاراً منها:
~ قد قلت للشيخ لما طال صحبة ... يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس
~ أهل لك في رخصة الأطراف آنسة ... تكون مثوى لك حتى مصدر الناس
فقال ابن عباس: سبحان الله ما قلت إلا أنه كالخنزير والميتة، أي جوازها عند شدة الشبق والاضطرار ولكن الجواز عند الاضطرار أيضاً مذهب ابن عباس لا غيره، فإنه يمكن له دفع الشهوة بالصوم وغيره، ثم قال حذاق المحدثين: إن في فتح مكة كانت جائزة إلى ثلاثة أيام ثم نسخت، وأما الموسعون فقالوا بجوازها في فتح مكة وخيبر وغزوة تبوك وحجة الوداع، ويشير إلى هذا بعض ألفاظ الروايات وأقول: إن مدار جوازها في خيبر مبني على رواية الباب، وقال المحدثون: إن النهي عن لحم الحُمرُ كان في خيبر، وأما النهي عن المتعة المبني على أنها كانت ثم نسخ فواقعة فتح مكة وخلط الراوي بينهما بوهمِه، وقال ابن قيم: كيف تكون جائزة في فتح خيبر مع أن النساء كلها كانت يهودية وما كانت أحدها مسلمة؟ وأما رواية جوازها في غزوة تبوك فغير قوية، وأما في حجة الوداع فالمتعة فيها ليست متعة النكاح بل التمتع المقابل للقران والإفراد، وأما أنا فأتردد في جواز المتعة في زمان ما في الإسلام، وأما ما في فتح مكة فكان نكاحاً بمهر قليل بنية أن يؤبد النكاح وهذا جائز الآن أيضاً، ومستندي في هذا حديث ابن عباس اللاحق.(2/379)
باب ما جاء في النهي عن نكاح الشغار(2/380)
[1123] قال أبو حنيفة: إن النكاح صحيح ويلزم مهر المثل، وقال بعض الأئمة: إن النكاح باطلُ، والسلف أيضاً مختلفون.
قوله: (لا جلب ولا جنب إلخ) هذان اللفظان قد يستعملان في الرهان، وقد يستعملان في الزكاة أيضاً، وأما المذكور فى حديث الباب فعندي أن يضم بما في الزكاة كما يشير حديث أبي داود ص (225) بسند قوي: «لا جلب ولا جنب، ولا تؤخذ الصدقات إلا في دورهم» ، ويشير شعر الحماسي أيضاً إلى أن الجلب والجنب يكونان في الزكاة.(2/380)
باب ما جاء لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها»(2/381)
[1125] هذه المسألة قد أجمع عليها ونقح أبو حنيفة في مناط [النساء: 23] بأن كل امرأتين إذا فرضت إحداهما ذكراً تحرم على الأخرى لا يجوز الجمع بينهما، ومر ابن قيم على هذا في أعلام الموقعين وقال: إنكم أنكرتم الزيادة على القاطع وهاهنا زيادة بخبر الواحد على القاطع واعترض على ضابطتنا هذه اعتراضات، أقول: قول ابن قيم في هذه المسألة في غاية التساهل فإنه لا زيادة بخبر الواحد على القاطع بل تنقيح المناط في الآية، وأيضاً مسألة الباب لم يثبت بخبر الواحد بل بالخبر المشهور، فإن المشهور عند الفقهاء ما تلقاه الأمة بالقَبول، وتلقى الأمة هذه المسألة بالقبول فتكون الزيادة بالمشهور وذا جائز وإن اقتصر الشهرة والتواتر على تواتر الإسناد فقط للزم كون القرآن العظيم غير متواتر وهذا باطل بداهة، وأيضاً الزيادة المحذورة ما فيها زيادة ركن أو شرط.
قوله: (ولا الصغرى على الكبرى. . إلخ) هذا بيان الجملة السابقة وفي رواية أبي داود(2/381)
ص (283) إشكال فإن فيها: «نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الجمع بين العمتين والخالتين. .» إلخ، وتكلف الشارحون والمحشون فيها فأخرجوا صورة العمتين والخالتين، وظني أن الحديث لا يتعرض إلى النوادر وإنما وجه الحديث أن فيه تغليباً والمراد الخالة وبنت الخالة والعمة وبنت العمة ولا بعد في هذا أصلاً، وهذا مثل أن يقال: إن فلاناً وفلاناً ابنا خالة، والقياس ابنا خالتين.(2/382)
باب ما جاء في الشرط عند عقدة النكاح(2/382)
[1127] الشروط التي لا تنافي النكاح جائزة ويوفى ديانة، ولا تلزم قضاء عند أبي حنيفة رحمه الله.
حكاية: حكي أن أعرابياً دخل على القاضي شريح ولعله كان ضعيف البصر فقال الأعرابي: أين أنت؟ قال القاضي: بينك وبين الجدار، قال: أتسمع مني؟ قال: للاستماع جلست، قال: تزوجت امرأة قال: بالرفاء والبنين، قال: بشرط أن لا أخرجها من البلد، قال: والشرط أملك، قال: أريد أن أخرج بها، قال: بسم الله، قال: على من قضيت؟ قال: على ابن أمك، قال: بشهادة من؟ قال: بشهادة ابن أخت خالتك، وكان القاضي يجيبه ولا يفهمه الأعرابي.(2/382)
باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده عشرة نسوة(2/383)
[1128] مذهب الشافعي رحمه الله وأحمد ومالك رحمه الله ومحمد رحمه الله أن الرجل يخيّر، يختار أيتهن شاء، وقال أبو يوسف رحمه الله وأبو حنيفة: إنه يختار أولاهن نكاحاً، تمسك الجمهور بحديث الباب، وأجاب الشيخان بما أجاب الطحاوي ص (149) وحاصله أن الكفار مخاطبون بالفروع مثل النكاح، وأما المسألة التي ذكر الشيخان تكون في الأنكحة التي تنعقد بعد ورود النهي عن الزائد على مثنى وثلاث ورباع، وأما الأنكحة التي قبل ورود الشريعة بهذه المسألة فكانت صحيحة فإذا أسلم فأنكحته صحيحة ويختار أيتهن شاء، فالحاصل أن الخلاف في الأنكحة التي بعد ورود النهي، وأما ما مضى قبل ورود الشريعة فلا تبديل فيها، وأما نظير عدم التبديل فيما كان في الجاهلية فما أخرجه أبو داود ص (309) باب الادعاء بولد الزنا ليس له مما قسم من الميراث إلخ، وشرح حديث أبي داود ولم أجد لطيفاً إلا في فتاوى ابن تيمية ضمناً، وحديث أبي داود قوي أخرجه عبد الرزاق في مصنفه بسند أقوى مما في أبي داود ففيه كثير من الأحكام لعلها تبلغ مائة، وأخرجه أحمد رحمه الله في مسنده، وفيه قال أحمد: كنا عند عبد الرزاق لتحصيل العلم وكان الماء منه على مسافة ثلاثة أميال فكنا نأتي بالماء كل يوم من تلك المسافة، وأما جواب حديث: «من أسلم وتحته أختان» فعلى منوال جواب الطحاوي في حديث الباب، أي اختيار أوليهما فيمن تزوج بعد نزول شريعة: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] إلخ ولا يجب علينا جواب حديث: «من أسلم وتحته أختان» لأنه ضعيف من قبل ابن لهيعة، وإنما اكتفيت على الأجوبة وأما الأدلة فمذكورة في موضعها.(2/383)
قوله: (قال محمد رحمه الله إلخ) غرض البخاري بيان أن الراوي أوهم وضم متن حديث بسند حديث آخر، ومرَّ على هذا عبد الملك بن قطان المغربي في كتاب الوهم والإيهام واستوفى الكلام واستقر رأيه على صحة الحديثين، أي واقعة رجل في عهده، وواقعة رجل في عهد عمر، وأتى بالمتابعات والشواهد ثم قال: إن صاحب الواقعة في عهده وصاحب الواقعة في عهد عمر واحد، وإن التقفي هو غيلان بن سلمة، وقال: إن غيلان أراد في عهد عمر أن يطلق نسوته ويتبتل ويتجرد فنهاه عمر، وأما قصة أبي رغال فمعروفة.(2/384)
باب ما جاء في الرجل يشتري جارية وهي حامل(2/384)
[1131] قال أبو حنيفة: يجب استبراء الأمة المشتراة بكراً كانت أوثيباً، وقال الشافعي رحمه الله في الاستبراء في البكر، ويذكر في كتب أصول الشافعية أن تخلف الحكم عن العلة مثل السفر لقصر(2/384)
الصلاة فغير جائز، ويجوز تخلف الحكم من الحكمة مثل المشقة في السفر، ويكفي وجود الحكمة في نوع الحكم فقط، ثم قالوا: إن النوع المنضبط لا يخلو من الحكمة، ويجوز خلو النوع المنتشر من الحكمة، فإذن حكمة الاستبراء عندنا مفقودة في البكر، وأقول: قال في فتاوى قاضيخان: إن البكر يمكن علوقها بوصول الماء إلى الرحم بلا دخول رجل، فإذن لم يفقد حكمة الاستبراء في البكر أيضاً.
اطلاع ضروري: في سند الباب اللاحق عثمان التبتي وذكر الخطيب البغدادي في بعض تصانيفه الألفاظ المنكرة في حق أبي حنيفة، وذَكر أن أبا حنيفة ذكر مسألة عند رجل فقال الرجل: إن النبي يقول هكذا، قال أبو حنيفة: ينبغي للنبي أن يتبعني. أقول: هذا القول لا يمكن من أدنى المسلمين، وكيف يقول بهذا من هو إمام المسلمين من الأمة المحمدية؟ والحق أن هذا ليس النبي بل هو عثمان التبتي ووقع التصحيف من الكاتب فأخذ الخطيب ونقله عن أبي حنيفة بدون أن يتدبر في حقيقة الحال، فجاء الخوارزمي ورد على الخطيب البغدادي ثم جاء ملك حنفي الملك المعظم فتصدى إلى جواب الخطيب وصنف السهم المصيب في كبد الخطيب، وهذا السلطان كان يعمل بما روي عن أبي حنيفة فقط، وأخرج جميع مسائل أبي حنيفة وأفرزها في كتاب كان يداوم عليه في مسائل الفقه، وأما في الحديث فكان أمر بتبويب مسند أحمد على أبواب الفقه وكان يدارسه وترجمته مذكورة في تاريخ ابن خلكان.(2/385)
باب ما جاء في كراهية مهر البغي(2/386)
[1133] حرام عند الكل ذكر أخي يوسف لپي في حاشية شرح الوقاية أن أجرة المزنية في الإجارة الفاسدة طيبة لها، واعترض رجل من غير المقلدين وقال: إن أبا حنيفة يجعل أجرة البغي طيبة وهذا خلاف نص الحديث وإجماع الأمة، وأجاب مولانا المرحوم الگنگوهي أن صورة المسألة أن يستأجر رجل امرأة لعمل ما من الطحن (حكي ميسينا) أو الخبز أو غيرهما واشترط معهما أنه يزني بها فإذن أجرة عملها طيبة ألا يرى إلى أنهم يذكرونها في باب الإجارة الفاسدة.
واعلم لپي بمعنى مولانا، وفي اللسان الرومي يكون النعت متأخراً ومعنى أخي (صوفي) في الرومية.
قوله: (ثمن الكلب إلخ) قال الشافعي: إن الكلب نجس عين ويرد عليه جواز اقتنائه للزرع أو للصيد، ونجس العين الذي تكون المستثنيات من الشعر والعظم وغيرهما منه نجسة، والمشهور عندنا أنه نجس اللحم لا العين، وفي قاضيخان رواية عن أبي حنيفة في كونه نجس العين قد صححهما أرباب المطولات والمبسوطات، ثم في الهداية: جواز بيع الكلب المعلم وغيره، وقال السرخسي شيخ صاحب الهداية جواز البيع منحصر في المعلم، أقول: ثبت استثناء الكلب المعلم في الأحاديث أخرج النسائي ص (701) عن جابر: «إلا كلب صيد» إلخ، وأنكره النسائي وقال: إنه منكر، والرجال ثقات والله أعلم، وقال العيني: أخرج أحمد في مسنده: «نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ثمن الكلب إلا كلباً معلماً» . ويمكن جواب عموم حديث الباب، ورواية أيضاً بأن المراد أن لا يجعل الكلب مملوكاً بل يترك مباح الأصل، فلا تنافي بين الحديث والجزئيات المجازة ومثل هذا ما قال الخطابي في شرح أبي داود في باب الهرة إن النهي عن جعل الهرة مملوكة، ولنا أيضاً ما في الطحاوي أن رجلاً قتل كلب رجل فأخذ عثمان ضمانه وأعطى مالك الكلب.
قوله: (وحلوان الكاهن إلخ) ويندرج في الكاهن الرمال والجفار وعالم النجوم وغيرهم.(2/386)
باب ماجاء في العزل(2/388)
[1136] وهو أن يطأ امرأته ويخرج العضو عند الإنزال وينزل خارج الفرج.
قال الفقهاء: لا يجوز العزل في الحُرة إلا بإذنها، ولا في الأمة بغير إذن وليِّها، هذا كله قضاءً، وأما ديانة فلم يرض به الشريعة وتدل الأحاديث على الكراهة، ما يدل حديث الباب على عدم الكراهة، فإن جوابه هذا لرد زعم اليهود ورد كليتهم وإن كان لقولهم في ما نحن فيه بعض اتجاه، وهذا شبيه حديث الرجلين الذين لم يدخلا في صلاة الصبح خلفه، وحديث أن طفلاً من أطفال المسلمين مات فقالت عائشة: طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما أدراك؟ وإنكاره كان على تسارع عائشة وإلا فأطفال المسلمين في الجنة إجماعاً، وفي الحديث أنه قال رجل: أأعتزل يا رسول الله؟ فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله يخلق ما يشاء تعتزل أم لا» ثم جاء الرجل بعد مدة وقال: كنت اعتزلت وحبلت امرأتي فقال: «قد كنت قلت: إن الله يخلق ما يشاء» فالخارج من الأحاديث قبح العزل، منها حديث الباب اللاحق.(2/388)
باب ما جاء في القسمة للبكر والثيب(2/389)
[1139] يقيم عند البكر الجديدة سبعة أيام، وعند الثيب الجديدة ثلاثة أيام، ثم هذه الأيام تكون زائدة على القسمة بين القديمات والجديدات عند الحجازيين، وعندنا تكون هذه الأيام معدودات في أيام القسمة أي يقيم بعده عند القديمات أيضاً سبعة أو ثلاثة، وقال مولانا عبد الحي في شرح موطأ محمد: إن الحديث للحجازيين، ويرد على أبي حنيفة، أقول: ما من لفظ دال على أن هذه الأيام تكون فاضلة على أيام القسمة ليكون الحديث يرد على أبي حنيفة، وأتى الطحاوي ص (16) ، ج (2) برواية تدل على أن هذه الأيام لا تكون فاضلة ومتمحضة للجديدة ووجه الاستدلال أن أم سلمة تزوجها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأقام عندها ثلاثة أيام فاستزادت فقال: «لو سبعت لك لأقوم عند غيرك أيضاً سبعة أيام» فتسبيعه لهن أيضاً يدل على أن هذه الأيام ليست متمحضة للجديدة، وتأولوا فيه بأنها إذا استزادت بطل حقها الأول أيضاً، لكن هذا تأويل، وحديث الطحاوي قوي رواه بثلاث طرق قوية.(2/389)
باب ما جاء في الزوجين المشركين أسلم أحدهما(2/390)
[1142] قال أبو حنيفة: إذا أسلم أحدهما يعرض الإسلام على الآخر فإن أسلم فبها وإلا ففرق، ومثل هذا روى الطحاوي عن عمر الفاروق وهذا إذا كانا في دار الإسلام، وأما في دار الحرب فإذا أسلمت تنتظر ثلاث حيض ثم تبين، وقال البعض: تبين في الحال ولكنها تعتد، وقال الحجازيون: إن(2/390)
أسلم قبل مضي العدة فالزوجة لها، وإن أسلم بعد العدة فلا، واختصر الترمذي في بيان مذهبه اختصاراً مخلاً.
قوله: (بنكاح جديد إلخ) كانت بناته على الفطرة وتحت الكفار إلا فاطمة، وكانت زينب تحت أبي العاص، وأما حديث بنكاح جديد فنقول: أولاً بأن في سند الحديث حجاج بن أرطاة، وثانياً بأن أبا العاص كان بمكة وتبائن الدارين سبب الفرقة.
قوله: (بعد ست سنين إلخ) هذا الحديث يخالف الحديث السابق في تجديد النكاح، وللحنفي أن يقول: إنه ما عرض الإسلام على أبي العاص، ووقع في بعض الروايات: ردت عليه بعد سنتين، وعلى التقديرين يشكل الأمر على الشافعية، فإن الظاهر انقضاء العدة في هذه المدة، وأقول: إن الروايتين صحيحتان، والواقعة أن أبا العاص جاء أسيراً في غزوة بدر، فأرسلت زينب قلادتها للفدية فلما رآها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عرفها وبكى وسالت دموعه، فقال: لو شئتم تركتم أبا العاص مجاناً فتكروه مجاناً فوعده النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرسل زينب إلى المدينة، فأوفى العهد فأرسل زينب إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم جاء أبو العاص أسيراً بعد بدر بسنتين فزعمت زينب أنه سيقتل فجاءت والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي فقالت: أنا بنت رسول الله وأمنت أبا العاص، فقال: «ذمة المسلمين يسعى بها أدناهم» ثم ذهب بعد هذا وجاء بعد سنتين مسلماً. فيحمل ست سنين على ما بعد الهجرة، وأربع سنين بعد بدر وسنين بعد أسر ثانياً، فإذن ادعاء الشافعية عدم انقضاء عدتها في هذه المدة بعيد جداً، ونقول: إنه لم يعرض عليه الإسلام، وذكر في الطحاوي ص (150) ج (2) عن أبي توبة عن محمد بن حسن بما حاصله أن نهي التناكح بين المسلمين والكافرين نزل في السنة السادسة كما يدل حديث البخاري أن نزول النهي في السنة السادسة أي عام الحديبية حين طلق عمر زوجته، فإذن لا احتياج إلى احتمال أنه عرض عليه الإسلام أم لا،(2/391)
وقيل: إن نزول الآية في مكة ولكن قول هذا القائل يخالف ما في البخاري، ثم قال الشافعي: إن المؤثر في التفرقة هو السبي، وقال أبو حنيفة: إن المؤثر هو تباين الدارين كما في الهداية ص (330) وظاهر آية {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] له، فإن الآية تشير إلى أن المؤثر الملك وذلك يكون بالسبي من دار الحرب. والله أعلم.(2/392)
كتاب الرضاع(2/394)
باب ما جاء يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب(2/394)
[1146] هكذا المسألة عندنا إلا في بعض مستثنيات ذكرها الأكثرون إحدى وعشرين صورة، وجعلها صاحب البحر أربعة وثمانين صورة، ثم قال: لا انحصار في هذا بل يجب ضابطة، ثم قالوا: إن هذا استثناء ليس بالعقل بل ليس التحقيق والاستثناء في الواقع بل صورة، فإن المعنى المحرم مفقود في هذه المستثنيات وذكر صاحب الدرر في جمع الصور السبعة شعرين:
~ يفارق النسب الإرضاع في صور ... كأم نافلة أو جدة الولد
~ وأم أخت وأخت ابن وأم أخ ... وأم خال وعمة ابن اعتمد
أقول: يقيم شعر آخر لتكميل السبع وهو مني:
~ وأم أخت ابن أم أو بنت عمة ... فخذهما في تمام السبع واقتصد
ويعلم أن الحرمات تسعة، منها حرمة النسب، فالمحرمات بالنسب في القرآن سبع، وقصرها صدر الشريعة في النقاية على أربع، وهي الأصول والفروع وفروع الأصل القريب أي الأب والأم وصلبيات الأصل البعيد، ومنها حرمة المصاهرة، وهي في أربعة فإن أصول الواطئ وفروعه تحرم على الموطوءة نفسها، وأصول الموطوءة وفروعها على الواطئ نفسه، وها هنا إشكال من الشيخ ابن الهمام وهو أن الشريعة تحيل الرضاع على النسب لا على المصاهرة، فإذن لا يحرم بالرضاع ما هو نظره حرام بالصهر، فإذن يرد أن زوجة الأب رضاعاً حرام على الولد وزوجة الابن رضاعاً حرام على الأب(2/394)
إجماعاً، والحال أن الحرمة في زوجة الأب أو الابن ليسا بسبب الصهر وما أجاب الشيخ عن الاعتراض، وأقول: لا إشكال فإن الحرمة في زوجة الابن أو الأب نسباً ليست من جهة الصهر فقط بل النسب أيضاً دخيل فيها كما يدل لفظ الأب والابن، ومنشأ الإشكال ذكر الفقهاء الصورتين المذكورتين في باب المصاهرة لا النسب فالإشكال منحل.(2/395)
باب ما جاء في لبن الفحل(2/395)
[1148] قال بعض السلف: إن الرجل الذي لبن المرأة منه لأجله ليس أب الرضيع فلا تكون الحرمة من جانب الأم خلاف الفقهاء الأربعة فإن لبن الفحل عندهم معتبر، وفي حديث الباب إشكال بضم حديث آخر وهو أن في الروايات أن رجلاً دخل بيت حفصة فشكت عائشة إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن رجلاً أجنبياً دخل على حفصة فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنه عمها رضاعاً» فإذن إن كان شكوى عائشة مقدمة على واقعة الباب فالسؤال في واقعة الباب على غير محله فإنها علمت المسألة من قبل، وإن كانت الشكوى متأخرة فشكواها على غير محلها لأنها عالمة المسألة، وحل الإشكال أن للعم رضاعاً ثلاث صور فعلمت صورة لا أخرى.(2/395)
قوله: (كرهوا لبن الفحل إلخ) أي أثبتوا به الحرمة.(2/396)
باب ما جاء لا تحرم المصة ولا المصتان(2/396)
[1150] المصة فعل الرضيع والإملاجة فعل المرضع، قال أبو حنيفة ومالك: ثبت الحرمة بلبن وصل إلى الجوف قل أو كثر، وفي بعض كتب المالكية أن هذا مذهب جمهور السلف، وقال ابن تيمية في فتاواه مثل ما نقل هذا البعض، وقال أحمد: لا تحرم المصة والمصتان بل ثلاث مصات فظاهر حديث الباب له، وقال الشافعي رحمه الله: ثبوت الحرمة إنما هو بخمس مصات وفي بعض كتب الشافعية: أن المحرم خمس رضعات مشبعات في خمسة أوقات جائعات، وتمسك الشافعي رحمه الله بالحديث الآتي في الباب ولنا ظاهر القرآن، ونقول: نسخ أولاً عشر مصات ثم سائرها تدريجاً، ثم قال الأحناف: إن ظاهر حديث عائشة أن حكم خمس رضعات من القرآن ولا نجده في المصاحف، فقال الشافعية: لعلها نسخت تلاوته سيما إذا روي عن عائشة قالت: كان هذا الحكم في مصحفي فأكلته الشاة. وقال الأحناف: إن الآية ليست بمتواترة وكان حكمها أولاً ثم نسخ وصار ثلاث مصات ثم نسخت هذه أيضاً، وقال ابن جرير الطبري الحنفي معاصر ابن جرير الطبري صاحب التفسير: إن استدلال الشوافع أكلته الشاة.(2/396)
قوله: (وجبن عنه إلخ) إن كان صيغة الماضي فتكون مقولة الترمذي، وإن كان مصدر فمقولة أحمد، وهذا أفصح عندي، ومثل هذا اللفظ عن أحمد في ابن ماجه أيضاً، ويمكن لأحد أن يقول: إن مَيلان البخاري إلى الجمهور فإنه وضع التراجم على الرضاع ولم يخرج حديث الشافعي وأحمد.(2/397)
باب شهادة ما جاء في المرأة الواحدة في الرضاع(2/398)
[1151] شهادة الرضاع عندنا كشهادة المال أي رجلان أو رجل وامرأتان، وأما شهادة امرأة فالعبارات فيها منتشرة ومفهوم ما في باب المحرمات والرضاع في قاضي خان أنها تقبل قبل النكاح لا بعدها، وأما شهادة امرأة واحدة كما في حديث الباب فحمله ابن همام على التورع، وإني وجدت في حاشية البحر للرملي أن شهادتها تقبل ديانة لا قضاء.(2/398)
باب ما جاء أن الرضاعة لا تحرّم إلا في الصغر دون الحولين(2/398)
[1152] مدة الرضاعة عند الشافعي رحمه الله وأحمد رحمه الله وصاحبي أبي حنيفة سنتان، وعند أبي حنيفة سنتان ونصفها، وعند مالك الزائد على الحولين وأقل من ثلاثين شهراً، ويحول هذا إلى من(2/398)
ابتلي به وأكثر المصنفين قصروا في هذه المسألة، قال صاحب الهداية: متمسكناً {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} [الأحقاف: 15] وكان مقتضى الآية أن يكون الحمل أيضاً سنتين ونصفها إلا أن عائشة قالت: إن الحمل لا يزيد على سنتين. أقول: هل يقبل أحد هذا القول؟ فإنه كيف نسخ آثر عائشة نص القرآن؟ ورد ابن الهمام ما قال صاحب الهداية ثم اختار مذهب الصاحبين، أقول: الوجه ليس ما قال صاحب الهداية بل الوجه ما ذكره الزمخشري في الكشاف، النسفي في المدارك أن الحمل الحمل على الأيدي لا الحمل في البطن، وقال الجمهور: إن المذكور في آية: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} [الأحقاف: 15] مدة الحمل في البطن والفطام فإن أقل مدة الحمل ستة أشهر، أقول: كيف يحمل نص القرآن على الأشذ الأندر؟! والحال أن عادة الشريعة أخذ الحكم الكلي أو الأكثري لا الأندر، وإن قيل: إن أقل مدة الحمل عند أبي حنيفة أيضاً كذلك. قلت: لا ضير فيه فإنه لا يحمل الآية على الأشذ، وأما آية: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] إلخ فليست بصدد بيان مدة العظام والمذكور فيها أن المرأة إذا طلقت فاستأجرها الزوج للرضاع فيجوز لها أخذ الأجرة إلى الحولين لا بعدهما والمذكور في هذا الركوع جميعه حكم الأجرة وغيرها ليراجع أحكام القرآن لأبي بكر الرازي فإنه وجه المذهب.(2/399)
باب ما جاء يذهب مذمة الرضاع(2/399)
[1153] بكسر الذال الحق
قوله: (غرة عبد إلخ) قال التفتازاني: إن الغرة بياض جبهة الفرس قدر الدرهم، والمراد هاهنا العبد، والغرة من أسماء العبيد كما يقال في الفارسية (يك شاخ گوسپند ويك رأس قلبه گأو (وهكذا) ؛ ووقع في الصحيحين: قال أبو بكر: والله لأقاتلهم ولو منعوني عقالاً، فقيل: إن ذكر العقال مبالغة،(2/399)
وقيل: إن موالك المواشي كانوا يعطون مواشي الصدقات مع عقالهم، وقيل: العقال زكاة العروض، وقيل: العقال زكاة الحول، أقول: يمكن أن يكون العقال اسم الحيوانات مثل الغرة للعبد، وثبت المعنى في اللغة.
قوله: (هذه كانت أرضعت إلخ) اسمها حليمة السعدية والواقعة أنه أقام بحنين حين فرغ من غزوة حنين ليأتوه مسلمين ويرد إليهم أموالهم فجاؤوا وجاءت حليمة السعدية أيضاً فبسط النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لها رداءه، واختلف أهل معرفة الصحابة في إسلامها والأرجح الغالب أنها أسلمت.(2/400)
باب ما جاء في الأمة تعتق ولها زوج(2/400)
[1154] قال الحجازيون: لو عتقت فلها الخيار ولو عتق فلا خيار، وقال أبو حنيفة: إن لها خياراً في الصورتين، والواقعة واقعة مغيث وبريرة، فقال راوٍ: إنه كان عبداً يوم عتقت، وقال راوٍ آخر: إنه كان حراً يوم عتقت، والرواة كبار أجلة، وقال بعض الحنفية: إن المراد أنه كان عبداً ثم عتق فاجتمع(2/400)
الروايتان، وللحافظين هاهنا كلام، فقال ابن حجر: إن قطعة: كان زوجها حراً إلخ منقطعة وقول الأسود. أقول: إن في حديث الباب لفظ قالت. . إلخ صيغة المؤنث، ونقول أيضاً: إن بعض الروايات تصريح قول عائشة كما روي، قال علقمة والأسود سمعنا عائشة تقول: كان زوجها حراً حين عتقت صحح إسناده أخرجه أبو بشر الدولابي في كتب الأسماء والكنى، وفي سنده أبو معشر وهو زياد بن كليب، وقال العيني: إنه لا يخالفنا إلا قول ولو كان عبداً لم يخبرها إلخ، وذلك قول عروة كما هو مصرَّح في النسائي، وكذلك قال الطحاوي، وأما تفقه التخيير فذكره في الهداية بما ردّه ابن قيم شديداً وأقول: والوجه ما ذكره الطحاوي من أن الأمة كانت قبل عتقها عليها ولاية الإجبار، وأما إذا اعتقت فلا بدّ من أن تكون مختارة فترتفع ولاية الإجبار، وأما قول ابن عباس إنه عبد أسود إلخ فلا يدل على كونه عبداً في الحال بل باعتبار ما كان، ولي بحث في أن ابن عباس جاء إلى المدينة مع أبيه في السنة التاسعة وأنها عتقت قبلها وكانت تخدم عائشة، فإنه سألها عن شأن عائشة في قصة الإفك، وأقول: إن كونه عبداً أو كونه حراً لا يضرنا أصلاً فإنا نقول بالتخيير في الحالين حر وعبد.(2/401)
باب ما جاء أن الولد للفراش(2/402)
[1157] ظاهر الحديث أن الحديث يوافق ما قال أبو حنيفة، وقال النووي: إن أبا حنيفة جمد على ظاهر حديث الباب، واعلم أن الفراش عندنا ثلاثة أقسام، القوي: وهو فراش المنكوحة فإن نفي ولدها لا يمكن إلا باللعان، والمتوسط: وهو فراش أم الولد كان أقر قبل الولد الثاني وما بعده لا ينتفي إلا بالنفي ويثبت النسب بالسكوت، والضعيف: وهو فراش أمة حين ولدت أول مرة فإنه لا يثبت إلا بالدعوة والإقرار، وبناءً على هذه المسألة قلنا: إن رجلاً شرقياً تزوج امرأة غربيةً فأتت بالولد بعد ستة أشهر ولا يتصور الجمع بينهما فالولد عند أبي حنيفة للفراش أي للزوج المشرقي، واستبعده النووي، وقال: إن أبا حنيفة جمد على محض ظاهر الحديث، ولما زعم ابن الهمام أنه مستبعد تعرض إلى التقييد فقال: إنه لعله استخدم أو كانت له كرامة وتبعه صاحب الدر المختار في باب ثبوت النسب (قيل: إن كل معجزة تصح كرامة للولي، وقيل: إن الكلية غير صحيحة والحق أن بعض المعجزات تكون مختصة بالأنبياء ولا تصلح كرامة للولي، أقول: الأرجح هو الثاني وهو مذهب الأستاذ أبي القاسم القشيري صاحب الولاية) ، أقول: إن من استبعد مسألة أبي حنيفة فقد غفل عن باب مستقل في الفقه وهو باب اللعان، فنقول: إن ولدت المغربية ولم ينف المشرقي ولده، فكيف يمكن لأحد أن ينفي الولد، وإذا علم الزوج أنه ليس من نطفتي فعليه أن يلاعن، وروي عن أبي حنيفة أن الرجل إذا علم أن الولد ليس من نطفتي فعليه أن يلاعن وجوباً عليه ديانة، نعم لا حق للقاضي في الاستفسار قبل رفع الأمر إليه، ومسألة وجوب اللعان ذكره في الدر المختار ص (267) ، الإقرار بالولد الذي ليس منه حرام كالسكوت إلخ فإذن امتناعه عن اللعان يوجب لحوق الولد بأبيه وثبوت نسبه منه شرعاً، وروي عن أبي حنيفة في رد المحتار أن المولى إذا علم أن ولد أمته من نطفته فيحرم عليه السكوت والامتناع عن الدعوة والإقرار
ديانة، وأما قضاءً فلا يثبت النسب إلا بالإقرار والدعوة فصار حاصل المسألة أنه إذا علم أن الولد ليس منه فيحرم عليه الكف عن اللعان ديانة وإذا لم يلاعن فليس لأحد أن ينفي ولده، والعجب من الشافعية أنهم استبعدوا هذه المسألة والحال أنهم يقولون بمثل هذا في مسألة أخرى لهم، وهي أن مذهب مالك أن المرأة ترجم بالإقرار أو البينة أو الحبل إذا لم تكن تعلم نكاحها ومذهب الأحناف والشافعية أن الرجم لا يكون إلا بالبينة أو الإقرار لا بالحبل، ثم قال الشافعية: إن المرأة إذا حبلت ولا نعلم نكاحها بأحد فكيف ترجم؟ فإنها لعلها نكحت خفية، وهل يجب علينا استفسار أنها(2/402)
نكحت أم لا قبل رفع القضية إلينا بالإقرار أو البنية؟ فإذن لم يبق في مسألة أبي حنيفة استبعاد شيء.
قوله: (وللعاهر الحجر إلخ) العاهر الزاني، والحجر قيل: الرجم، وقيل: المراد الذلة والخيبة.(2/403)
باب ما جاء في كراهية إتيان النساء في أدبارهن(2/405)
[1164] أي الإيلاج في الدبر وهو حرام بإجماع الأمة لا يشذ عنهم شاذ، وجوزه الروافض الملاعنة. وقالوا: إن هذا الفعل ليس في الحيوانات أيضاً إلا في الحمار والكلب والله أعلم، وهاهنا مغلظة شديدة تخرب البلاد وتدعها بلاقع، فإنه نسب إلى ابن عمر جواز الإدبار في النسوان وهذه نسبة ما تدع البلاد بلاقع، وقد ذكر الإمام الهمام البخاري أيضاً في هذه المسألة حيث روى عن نافع عن ابن عمر وذكر: (ويأتيها في. .) ولم يذكر مدخول (في) أقول: إن هذه النسبة إليه محض افتراء عليه، ومنشأ الغلط أنه يجوز أن يأتي الزوج من جانب الدبر والحال أن غرضه أن يكون الإيلاج في القبل لا في الدبر، وقد صرح ابن عمر خلاف ما نسب إليه كما رواه الطحاوي ص (23) ، ج (2) باب وطئ النساء في أدبارهن إنحمض لهن، قال ابن عمر: وما التحميض؟ فذكرت الدبر، فقال ابن عمر: وهل يفعل من المسلمين. . . إلخ.(2/405)
باب ما جاء في كراهية أن تسافر المرأة وحدها(2/407)
[1169] واعلم أن الحديث في السفر غير سفر الحج وأما العلماء فيذكرون مسألة سفر الحج تحت هذه الأحاديث، وكذلك الطحاوي وغيره فعل مثل هذا أي ذكر سفر الحج تحت هذه الأحاديث، ثم ورد في الأحاديث: «لا تسافر المرأة فوق ثلاثة أيام» ، وفي بعض الروايات سفر يوم، وفي بعض الروايات سفر يوم وليلة وغيرها من الألفاظ، ومذهب أبي حنيفة أن سفر الحج إن كان ثلاثة أيام فلا تسافر إلا ومعها محرم، وإذا كان أقلَّ من ثلاثة أيام فيجوز لها السفر، فيقال: إن الأحاديث ترد على أبي حنيفة، أقول: لا ترد على أبي حنيفة، فإن الأحاديث ليست بواردة في سفر الحج بل في غيره من الأسفار، والمحقق فيها أن يدار الأمر على الفتنة وعدمها ويحول الأمر إلى رأي من ابتلي به ولا يكون فيه تحديد الأيام، وهذا ما تحقق لي من المذهب وإن لم يصرح به أحد.(2/407)
باب حدثنا نصر بن علي الخ(2/408)
[1172] قال الغزالي: إن الشيطان يدخل في بدن الإنسان ويسري فيه، وقال ابن حزم الأندلسي: إنه يلقي الوساوس على الإنسان من الخارج بلا سراية، أقول: إن القرآن يؤيد ما قال ابن حزم الأندلسي كما في آية: {يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275] إلخ، وأما في حديث الباب فهذا مثل:
~ وقد كنت أجري في حشاهن مرة ... كجري معين الماء في قصب الآس
واعلم أن الجن والشيطان من نوع واحد وتأثيرهما في الإنسان بطريق واحد.
قوله: (فأسلم إلخ) في رواية «أسْلَمُ» أقول: يمكن أن يُسلم الشيطان وأن تُركَّب الشهوة في المَلَك، وقال البيضاوي والرازي: إِن هاروت وماروت ما كانا ملكين بل هذا تمثيل النفس والبدن. أقول: إن قصة هاروت وماروت مروية بحديث، قال الحافظ: إنه ليس بلا أصل، فأقول: لا يلتفت إلى غيره.(2/408)
كتاب الطلاق واللعان(2/410)
باب ما جاء في طلاق السّنّة(2/410)
[1175] الطلاق على ثلاثة أقسام: الأحسن: أن يطلق في الطهر الذي لم يجامع فيه واحدة ولا يراجع، وطلاق السنة ثلاث طلقات في ثلاث أطهار، وطلاق البدعة: ثم هذا عندنا إما من حيث العدد وإما من حيث الوقت، أما من حيث العدد ثلاث طلقات في طهر واحد، وأما من حيث الوقت فالطلاق في الحيض، وأما عند الشافعية فلا بدعة من حيث العدد، وعندنا لا طلاق بدعة من حيث الوقت في حق الحامل فإنها لا تحيض، ووقوع طلاق البدعة عند الفقهاء الأربعة والبخاري محقق خلاف ابن تيمية، أما تمسك الأحناف والحنابلة على أن البدعة من حيث العدد أيضاً فبالآية: [البقرة: 229] إلخ أي مرة بعد مرة، أي تفريقاً، وأما إذا طلق ثلاث طلقات فلا تقع عند داود الظاهري وابن تيمية، وكذلك نسب إلى ابن عباس إلا طلقة واحدة، وقال: إن الطلاق المنهي عنه لا يترتب عليه الأحكام، وعندي في خلافه نصوص كثيرة، وقال: إن رجلاً إذا وكل رجلاً بأن ينكح فأنكح الوكيل نكاحاً فاسداً لا ينفذ النكاح في حق الموكل، وكذلك وكل الله تعالى عباده بالطلاق فلا ينفذ الطلاق المنهي عنه عنده تعالى.
أقول: لو التفت ابن تيمية إلى كلام الطحاوي لم يقل ما قال.
قوله: (أن يراجعها إلخ) لنا في الرجوع قولان؛ قيل: واجب، وقيل: مستحب، ورجح صاحب الهداية الأول.(2/410)
قوله: (فَمَهْ، أرأيت إلخ) قال ابن تيمية: إن طلاقه باطل، والشرح عنده: أرأيت أن الأحكام تتبدل إن عجز واستحمق بل ولا تقع الطلقة، أقول: إن في مه (ما) استفهامية، والهاء بدل الألف، وقد صرح ابن حاجب بأن الألف قد تتبدل بالهاء، والشرح عند الجمهور: فما تقول، أتتعطل الأحكام الشريعية؟ أقول: كيف ينكر ابن تيمية وقوع الطلاق والحال أن في كثير من طرق مسلم ص (476) تصريح الطلقة الواحدة، والفاء الداخلة على (مه) تلغو على شرح ابن تيمية لا شرح الجمهور، ويدل بعض طرق الحديث على أن ما استفهامية كما في مسلم (476) : فما يمنعني؟ إلخ، وأما المراجعة ففي بعض الروايات أنه يطلق في الطهر اللاحق وفي بعض الروايات أن يطلق في الطهر الذي بعد الطهر اللاحق، ولنا أيضاً قولان مثل الروايتين، وأبدى حكمته ابن رشد في قواعده.
قوله: (ثم يطلقها طاهراً أو حاملاً إلخ) الحامل لا تحيض، عندنا، وقال الشافعية: تحيض، وتمسكوا بحديث الباب أي التقابل بين الطاهر والحامل، ونقول: إنه لا تمسك لكم فيه، ونقول: إن الطاهر على قسمين حامل، وحائل، وإني سألت من أهل التجربة هل تحيض؛ أم لا؟ فقالوا: قد تحيض ومثل هذا التأييد لأهل الطب، روي عن ابن عباس في مسند الدارمي: أن الحامل إذا حاضت تزيد الأيام على وضع حملها قدر ما حاضت، فأقول: إنها تحيض لكن الأحكام لم تفرد لها لأن بناء الأحكام على الأغلب، وحيض الحامل أندر وحجتنا على أن الحامل لا تحيض هي مسألة استبراء الأمة المشتراة، فإنها لو حاضت حالة الحمل أيضاً. فأي جدوى في الاستبراء؟ فلعل الدم الذي تراه الحامل دم لمرض لحقها.
قوله: (أحمد إلخ) أقول ليس مذهب أحمد هذا بل مذهبه مذهبنا.
مسألة: هل الطلقة الواحدة البائنة بدعة أم لا؟ فقيل: بدعة لأنها فاضلة عن الحاجة، وقيل: ليست ببدعة، والقولان مذكوران في المبسوطات، واتفقوا على أن الخلع وإن كان طلاقاً بائناً لكنه ليس ببدعة.(2/411)
باب ما جاء في الرجل يطلق امرأته ألبتة(2/412)
[1177] يحتمل أن يكون هذا حكاية طلاقه بلفظ (ألبتة) أو حكاية الطلاق ثلاثاً، وقال أبو حنيفة: يصح نية الواحدة البائنة والثلاث في ألبتة، وقال الشافعي: يصح نية الثنتين أيضاً، وأما الواقعة ففي أكثر الطرق أنه طلق بلفظ ألبتة، وفي بعضها أنه طلق ثلاثاً كما في أبي داود ص (298) ، ص (306) باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث رواه ابن جريج، ورجح المحدثون أنه طلق بألبتة، أقول: إن كان طلق ثلاثاً فأمره بالمراجعة فيحمل على جزئية في كتب الشافعية والحنفية كما في الدر المختار ص (139) أنه لو أراد التأكيد لا التأسيس يصدق ديانةً وكان سؤاله لعلم أنه أراد الواحدة أو الثلاث، وأما لو كان طلق بألبتة فيشكل الأمر على الحنفي، فإنه يقول: إن الكنايات بوائن، وقال الشافعي: إنها رواجح، فأمره بالمراجعة عندنا مشكل فنحمل المراجعة على المراجعة حساً أي بنكاح جديد.
واعلم أن مسألة الديانة يفتي بها المفتي، ومسألة القضاء يحكم بها القاضي، ولا يجوز للمفتي الحكم بمسألة القضاء ولا للقاضي الحكم بمسألة الديانة، ثم الافتاء الذي جرى في زماننا فإنهم يفتون كأنهم قضاة غير جائز لهم فإن المفتي يجب عليه الحكم بمسألة الديانة ولا يجوز الحكم بمسألة القضاء بعكس حال القاضي، والفرق بين الفتوى والقضاء قد يكون فرق الحلال والحرام وقد يكون فرق الاحتياط، وأما ما قلت من وجوب الحكم بالفتوى والديانة على المفتي فيؤخذ من عبارات كتبنا، منها ما في الكنز: قال لامرأته: إن ولدتِ غلاماً فأنتِ طالق واحدة، وإن ولدتِ جاريةً فطالق بثنتين، فأتت بهما ولم يدر الأول، تقع واحدة قضاء وثنتين ديانة، وقد صرحوا بأن الفتوى بثنتين ليس حكم الاستحباب والاحتياط بل حكم واجب وفي فتح القدير أن الإقالة في العزر الفعلي واجبة ديانة لا محض استحباب، وهاهنا بحث وهو أنه إذا رفع الأمر إلى القاضي فحكم القاضي بمسألة القضاء فهل لهذا الرجل بعد القضاء أن يعمل بالفتوى بخيرته أم لا؟ وظني أنه لا يجوز له العمل بالفتوى بعد قضاء(2/412)
في هذه الجزئية، وهذا يجري في كثير من المسائل منها إذا وهب شيئاً ثم عاد إليه بقضاء القاضي والحال أن العودة في الهبة مكروه تحريماً ديانة فهل يرفع القضاء هذه الكراهة أم لا؟ وكذلك إذا حكم القاضي بكون المغصوب للغاصب فهل يكون له هذا الشيء حراماً أو حلالاً بعد أن قضى القاضي؟ وكذلك مسائل أخر، وأما ما ذكرت من ظني أنه لا يبقي الخيرة في الديانة فشبيه ما يقال: إن قضاء القاضي نافذ ظاهراً وباطناً، ووجدت جزئية عن محمد تؤيده وهي أن رجلاً شافعياً مثلاً طلق امرأته الحنفية مثلاً بلفظ الكناية فيريد الرجل الرجوع ولا ترضى به فرفعا القضية إلى القاضي، فإذا حكم القاضي بحكم لا يمكن لأحدهما الخلاف في هذه الجزئية أصلاً ولا لأحد أن يحكم خلاف حكم هذا القاضي شرقاً وغرباً، وفي الهداية أن القضاء بمجتهد فيه صار في حكم المجمع عليه في هذه الجزئية، ولا يمكن لأحد أن يفسخه ثم كل مسألة من مسائل الشافعية مثلاً مجتهدة فيها عندنا إلا ما عدد بعض المسائل لا تزيد على عدد الأصابع، ولكن يظهر من الكتب كون هذه المسائل المستثناة مجتهدة فيها أيضاً، فتكون كل مسألة من المذاهب الأربعة مجتهدة فيها، ثم قضاء القاضي المشهور أنه في المعاملات لا في العبادات، أقول: قد يكون في العبادات، أيضاً كما ذكرت أولاً، وأما دليل أن فرق القضاء والديانة كان في السلف أيضاً مما أخرجه الطحاوي ص (250) ج (2) عن أبي يوسف عن عطاء عن شريح استفتى رجل شريحاً فقال شريح: إنما أقضي لا أفتي إلخ، ثم يرو هاهنا أنه كان قاضياً لا مفتياً فكيف أجاز له الرجوع حين طلق ثلاث؟ أقول: إنه قاض ومفت.(2/413)
باب ما جاء في أمرك بيدك(2/414)
[1178] قال الفقهاء: إن لفظ «أمرك بيدك، واختاري نفسك، وأنت طالق إن شئت» ألفاظ التوكيل لا التطليق وإنما تقع الطلاق بعد اختيار المرأة الطلاق، وذكرها في الكنايات يوهم أنها من الكنايات وأنها ألفاظ التوكيل، واختلف أبو حنيفة والشافعي في إرادة الثنتين في هذه الألفاظ.
قوله: (فالقول قوله إلخ) واعلم أنهم إذا ذكروا القول قول فلان يراد باليمين في كل موضع.(2/414)
باب ما جاء في الخيار(2/415)
[1179] مذهبنا أنه يشترط لفظ النفس في كلام المرأة، واختيارة بالتاء، وقال علي: إذا خيرها فتقع طلقة واحدة إذا لم تختر وليس هذا مذاهب الأربعة، وواقعة الباب واقعة أنه آلى إلى شهر ثم خيرهن فاخترن إياه.(2/415)
باب ما جاء في المطلقة ثلاثا لا نفقة لها ولا سكنى(2/415)
[1180] هذه مسألة المبتوتة الحائل، قال أبو حنيفة لها النفقة والسكنى، وقال أحمد: لا نفقة ولا سكنى كما في ظاهر حديث الباب، وقال الشافعي ومالك: لها السكنى لا النفقة.
طرق حديث الباب كثيرة، وتعبير المسألة أن المبتوتة الحائل تستحق النفقة والسكنى أم لا؟ وتمسك بعض الأحناف بقول عمر على عدم الزيادة على القاطع بالخبر الواحد، أقول: إنه ليس بنافع فيه.(2/415)
قوله: (فاطمة بنت قيس إلخ) فاطمة هذه وراوية حديث جساسة واحدة غير ما في أبواب المستحاضة وتلك فاطمة بنت أبي حبيش ويسمى بقيس أيضاً.
قوله: (كتاب الله إلخ) نقلوا أن أحمد بن حنبل كان يضحك ويقول: أين في كتاب الله، وغرضه أن هذا من اجتهاد عمر وأما سنة نبيكم فأخذ الأحناف بالعضّ وقالوا: إن عند عمر نصاً صريحاً منه وليس هذا محض اجتهاده فيكون إحالة إلى حديث مرفوع، وقال الدارقطني: إن لفظ سنة نبينا إلخ وهم الراوي، أقول: إن هذا اللفظ مروي في طرق مسلم صراحة فلا يمكن الإنكار، وتأول بعض الحنابلة بأن عمر لا نص عنده بل هذا اجتهاده، أقول: قد روى عمر ألفاظه المرفوعة كما أخرجه في معاني الآثار ص (39) ج (2) بسند لا ينحط عن الحسن، قال عمر: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لها النفقة والسكنى» إلخ، وفيه خصيب ابن ناصح ولعله من رواة الحسان، وفي سنده حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة، وقالوا: لم يخرج عنه البخاري، أقول: إنه أخرج عنه لكنه في نسخة غير متداولة بيننا، ومر عليه بعض الحفاظ أيضاً، ومر الحافظ على ما في الطحاوي في الفتح وقال: لم يسمع إبراهيم عن عمر، وقال ابن قيم: إني أشهد أنه لم يقل به رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أقول: كيف مثل هذا التجاسر بعد حسن السند؟ وأما ما قال الحافظ من الانقطاع فقد مر أن النخعي لا يرسل إلا صحيحاً كما في أوائل التمهيد، ولهم ما في مسلم تقول فاطمة بنت قيس: إن نفي السكنى والنفقة موجود في القرآن، فإن في القرآن قيداً بالحمل فالحائل لا يكون لها النفقة والسكنى، وأيضاً في القرآن {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} [الطلاق: 1] (الآية) قالت: إن الأمر هو الرجعة فلا يكون النفقة للمبتوتة، نقول: إن الآيات عامة في سياقها وإن كان الأمر هو الرجعة فلا علينا إلا بيان النكتة في القيد، وأجاب الطحاوي عن تمسك فاطمة، وأما ما قلت: إن سياق الآية عام وإن كان العجز خاصاً فله نظائر في القرآن العظيم أيضاً، أقول: من جانب
الأحناف ما هذا لي فأراجع إلى قياس جلي وهو أنه ثبت بالأحاديث وتلقاه الأمة بالقبول أن المتوفى عنها زوجها لا يجوز لها الخروج من بيت العدة، وأقول: كذلك حال المطلقة بلا فرق شيء فيكون للمطلقة السكنى، ثم قال أبو حنيفة: إذا كانت لها(2/416)
السكنى تكون النفقة أيضاً فالمسألة قوية والقياس جلي لا يمكن العدول عنها أصلاً، ومذهبنا في المتوفى عنها زوجها أن تعتد في بيت العدة ولا سكنى لها ولا نفقة ولها إرث فتكون كراية البيت التي اعتدت فيها عليها ولا يجوز لها الخروج منها، وذكر الطحاوي ص (40) الاستنباطات من الآيات منها الآية: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] إلخ وفيه اختلاف المفسرين أنها للمطلقة الرجعية أو البائنة، ووافق البخاري ص (803) أبا حنيفة والشافعي وما وافق أحمد، وحديث الباب لما كان يخالف الشافعية أيضاً فقالوا: إن نزاع فاطمة كان في النفقة لا في السكنى، أقول: إن في بعض الأحاديث الصحاح ذكر نزاعها في السكنى أيضاً، منها ما في حديث الباب، أقول: إن خروجها من بيت العدة كان لمعاذير مروية في الأحاديث كما في مسلم أنها كانت تطيل اللسان على أحمائها فكان لها السكنى، ولكنها خرجت من بيت العدة لمعاذير، وأما نفي النفقة في حديث الباب فلا بد من القيد في الحديث عندنا، فقال الطحاوي بالإلزام على الشافعية أنها خرجت من بيت العدة لكونها طويلة اللسان على أحمائها، فإذا خرجت تكن ناشزة ولا نفقة للناشزة، وفيه نظر، فإنها خرجت بإجازته فلا بد من عذر آخر من نفي النفقة، وقد مر العذر عن نفي السكنى، وذكر الشافعية أيضاً معاذير نفي السكنى لأنهم يقولون بنفي النفقة لا السكنى فأقول مجيباً عن نفي النفقة: إن النفي نفي الزائد الذي كانت تطلبها فإن أصل النفقة قد أعطيت كما في الروايات وأصحها أنها أعطاها زوجها عشرة آصوع كما مر في الترمذي، وفي بعض الروايات أنه أعطاها أزيد من عشرة آصوع
كما في الطحاوي، فكان المراد لا نفقة أي الفاضل على ما كان أعطاها وكنت جعلت قرينة أخرى على أنها كانت تطلب أزيد مما أعطيت وكانت أعطيت أصل النفقة، وهي ما أخرجه الطحاوي ص (38) ، ج (2) عن أبي عمرو قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليست لك نفقة ولكن متاع بالمعروف» إلخ، أي بالقدر المعروف لكني رأيت في مشكل الآثار أن الطحاوي حمل متاع بالمعروف على متعة الثبات للمطلقة فإنه جره تحت باب متعة النساء فلما حمله الطحاوي على هذا ترك هذه القرينة وتمسك بالروايات الدالة أنها أعطيت النفقة، ثم أقول: إن الروايات في موت زوج فاطمة وحياته مختلفة، فإن مسلماً أخرج في صحيحه في حديث جساسة ص (404) ج (2) : إن زوجي أشهد وخطبني أبو معاوية ومر عليه الحافظ واختار أنه لم يمت بل طلقها وهو حي، ولو كان زوجها مات فلا نفقة لها ولا سكنى عندنا أيضاً، ولكن الحافظ أعله وقال: إنه وهم الراوي، فإنه عاش إلى عهد عمر، فإن عمر حين عزل خالد بن الوليد وخطب فقام هذا الرجل وكلم في عزله خالداً، ويخالفه كلام الحافظ في كنى التقريب حين جزم بأنه مات، فإذن لا سكنى ولا نفقة لها عندنا، وإن الخطيب السائل عمر رجل آخر بهذا الاسم ولكن علماء معرفة الصحابة والبخاري في تاريخه قالوا: إنه عاش إلى عهد عمر فصار حال هذا الرجل متردداً فيه، وأما إذا قيل: إنه طلق ثم مات فأقول: لم أجد في كتبنا مسألة هذه المرأة، هل تكون لها السكنى(2/417)
والنفقة أم لا؟ وفي النظم: ويسقط بالتطليق والموت وانقضاء عدتها المعلوم لا يتقرر، وأما اسم هذا الرجل ففيه اختلاف قيل: إنه أبو عمرو بن حفص بن مغيرة وهذا مختار المحدثين، وفي باب الروايات أنه أبو حفص بن مغيرة، وفي بعضها حفص بن أبي عمرو بن مغيرة، ولنا ما أخرجه دارقطني في سننه ص (432) ج (2) عن جابر مرفوعاً وسند رجاله ثقات وفيه: «المطلقة ثلاثاً لها النفقة والسكنى» وفي سنده قوة إلا أبو قلابة عبد الملك بن محمد، وأخرج عنه ابن ماجه، وقيل: إنه اختلط في آخر عمره، وقال أبو داود: إنه أمين مأمون أخذت عنه. واعلم أن الراوي عنه عند الدارقطني أخذ قبل الاختلاط أو بعده، وأما البخاري فلم يخرج حديث: «لا نفقة ولا سكنى» وما أخرج ما يخالفه من فتوى عائشة وعمر وبعض التابعين، والإنصاف أنه وافق الشافعي ومالكاً لا أبا حنيفة.
قوله: (ثلاثاً إلخ) لنا وللحنابلة أن نحمل الثلاث على تفرقة، سيما إذا كان في مسلم تصريح الثلاث تفرقة، والمسألة مختلفة فيها في السلف أيضاً، هذا والله أعلم.(2/418)
باب ما جاء لا طلاق قبل النكاح(2/418)
[1181] مذهب أبي حنيفة أنه إذا أضاف الطلاق إلى المِلك وإلى سببه يقع الطلاق بعد المِلك وتحقق الشرط، وخالفنا سائر الأئمة إلا أن مالكاً فَصَّلَ بأنه إن كان قيد فمثل أبي حنيفة، وإن أطلق مثل إن قال: دخلت الدار فكل امرأة أتزوج طالق، فلا أثر مثل الشافعي، والسلف أيضاً مختلفون، وأطنب الحافظان، ولعل أكثر السلف إلى الحجازيين، وأتى الحافظ بآثار عليها ما أخرج أن وليد بن عبد الملك كتب الاستفتاء إلى البلاد فأجاب العلماء بعدم الطلاق، ولنا أيضاً آثار كما ذكر مالك في موطئه ص (214) أسامي بعض الصحابة والتابعين، ولنا فتوى عمر أخرجه الحافظ في الفتح أن(2/418)
الظهار المعلق يقع بعد النكاح، وتكلم الحافظ في سنده من قبل عبد الله العمري، أقول: قد أخرجه مالك في موطئه ص (203) عن القاسم بن محمد عن عمر وكان أفتى عمر في الظهار المضاف وأجريناه إلى الطلاق أيضاً، فكيف أغمض الحافظ عن هذا الأثر القوي؟
قوله: (لا طلاق فيما لا يملك إلخ) قال صاحب الهداية بقول بالموجب، والمراد بالقول بالموجب هو مصطلح الأصوليين لا مصطلح أهل المعاني، وهذا هو شرح الزهري كما في التخريج.
قوله: (في المنصوبة إلخ) الأصح المنسوبة بالسين أي التقييد بالبلدة أو القبيلة أو غيرهما لا الإطلاق.(2/419)
قوله: (قال ابن المبارك: إن كان يرى إلخ) هذا القول يخالف ما قال ابن عابدين: يجوز أن يعمل بمذهبين في واقعتين متضادتين، وأقول: إن هذا لا نظير له من أقوال السلف، وقد قلت:
~ وليس رجوعه عما قضاه ... ولا تخيير شيء والنقيض
~ وكانوا يسألون من ارتضوه ... ولا يرجى خلاف من مفيض
~ ومن أفتى بمسألة لغير ... فسلسلة على عرض عريض
وهذه المسألة طويلة الذيل لا يسع ذكرها بالمقام وبعض تفصيلها مر أولاً.(2/420)
باب ما جاء أن طلاق الأمة تطليقتان(2/420)
[1182] اختلف في أن الاعتبار في الطلاق والعدة للرجال أو النساء، قال أبو حنيفة رحمه الله بالثاني، وفي كتب الشافعية أن العبرة للرجال، وحديث الباب «عدتها حيضتان» إلخ يفيدنا في أن المراد من الأقراء الحيضات لا الأطهار.(2/420)
باب ما جاء فيمن يحدث نفسه بطلاق امرأته(2/421)
[1183] قوله: (ما حدثت به نفسها إلخ) نفسها فاعل أو مفعول، ورجح الطحاوي النصب في مشكل الآثار، وفي حديث الباب إشكال وهو أن ظاهر حديث الباب أن معاصي القلب لا إثم عليها ما لم يعمل بها أو تكلم حتى أن الكفر أيضاً من أمور القلب، والحال أن الأمة المحمدية اتفقت على أن البغض والحسد والكبر من أعلى المعاصي، وتفرد البعض بأن معاصي القلب لا إثم عليها إلا إذا عمل أو تكلم، أقول: إن هذا القول لا يحتاج إلى أن يبطل فإن شريعتنا والشرائع السماوية اتفقت على ترتب العقاب على معاصي القلب، وقال رجل: إن مراتب ما في النفس خمسة، الهاجس والخاطر وحديث النفس والهم والعزم وغيرها، والهم معتبر في الطاعة لا المعصية، ولا إثم على أربعة منها وإنما الإثم على العزم، وقريب من هذا كلام الغزالي، أقول: إن مدلول الحديث أن كل ما قبل العمل والكلام حديث النفس، فأجوبة الإشكال عديدة، أقول: إن المراد التصميم كناية وإنه لا إثم ما لم يصمم، والكناية ليس بمجاز لما حررت أولاً، وأقول: إنه إذا صمم إرادة المعصية ثم مُنِعَ لعارض عن تلك المعصية فهل عليه إثم أم لا؟ أقول: إنه مأخوذ وعليه إثم، وأما إذا امتنع عن المعصية بقدرته وخيرته بعد تصميم الإرادة فلا وزر عليه، هل هو مأجور؟ كما في مسلم ص78: «وإن تركها اكتبوه له حسنة وإنما تركها من جراي» إلخ، وأما ما فيه «فأنا أغفر له ما لم يعملها» إلخ فلا يرد علي، فإنه ليس بعام في ما يكون بعمل اختياري واضطراري بل ما يكون تركه بخيرته.(2/421)
باب ما جاء في الجد والهزل في الطلاق(2/421)
[1184] الجد أن يتلفظ بلفظ يريد إيقاع حكمه، والهزل أن يتلفظ بلفظ لا يريد إيقاع حكمه، وعندنا عدة أشياء يكون الجد والهزل فيه سواء مثل الطلاق والعتاق واليمين والنكاح وغيرها، وتنقيح المناط أن كل تصرف يمين ففيه الجد والهزل سواء، والمراد من اليمين التزام التصرف بذمته وصرح الشيخ في فتح(2/421)
القدير أن الهزل بكلمة الكفر كفر أقول: إن الكفر، ليس بمقتضى الكلمة بل بسبب ارتكابه الهزل بكلمة الكفر والهزل بكلمة الكفر، حرام وكفر.(2/422)
باب ما جاء في الخلع(2/422)
[1185] في رواية عن الشافعي الفسخ، والمشهور عنه أنه طلاق وهو مذهب أبي حنيفة وفي الحديث: «عدة الخلع حيضة» وليس هذا مذهب أحد إلا رواية عن أحمد، وأطنب ابن تيمية وقال: إن الطمث الواحد حكم منصوص وخلافه خلاف النص، ومر عليه الحافظان وقال بعض المدرسين في جواب حديث الباب: إن في الحديث حيضة وهذا اسم جنس يطلق على القليل والكثير، ومراده أن يكون العدة بالحيض لا بالأشهر فلا يدل على وحدة الحيضة، أقول: إنه تأويل سيما إذا كان في النسائي تصريح الواحدة أيضاً، أقول: إن حق الجواب أن تعتد حيضة واحدة في بيت العدة فيدل الحديث على أن خرجت من بيت العدة، لا يدل على نقصان العدة، وأما وجه هذا الحمل فما أخرجه النسائي ص (552) باب عدة المطلقة عن محمد بن عبد الرحمن أن الربيع بنت عفراء إلخ، وفي الروايات أن زوجها ضربها وكسر ذراعها فهذا عذر خروجها، وحديث صحيح صححه الذهبي سنداً ومتناً وقال: رجاله ثقات، وفي سنده حمدون وهو غير مشهور لكن الذهبي وثقه، وأما واقعة خلع هذا الرجل أن الربيع بنت عفراء كانت جميلة وكان ثابت بن قيس بن شماس زوجها قصير القد فرأته يوماً في جماعة رجال طوال وهو قصير، فلما دخل عليها بزقت على وجهه فبلغ الأمر إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال لها، فقالت: إني لا كلام لي في دينه وأمره ولكني لا أرضى بالكفر في الإسلام، فأمرَه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالخلع، فخلع فخروجها من بيت العدة كان لعذر، وأيضاً أقول: إن في سنن الدارقطني أمرها أن تعتد حيضة ونصفها إلخ، وليس هذا مذهب أحد فدل على أن المراد أن تحيض بقدر ما أمرها في(2/422)
بيت العدة ثم تلحق بأهلها، ولنا دليل على أن الخلع طلاق أخرجه النسائي في صغراه ص (548) باب الخلع «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة» إلخ أخرجه البخاري أيضاً.(2/423)
باب ما جاء في طلاق المعتوه(2/424)
[1191] المعتوه مغلوب العقل. قوله: (تسريح بإحسان) إلخ التفسير المشهور أنه تركها بلا رجعة، والمشهور أن الخلع طلاق وفي رواية عن الشافعي أن الخلع فسخ لأن الخلع عنده لو كان طلاقاً يكون الطلاق الثالث في قول الله عز وجل: لا جناح عليكم فيما افتدت به فيكون قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ} [البقرة: 23] إلخ طلاقاً فقال الحنيفة: إن الخلع داخل في قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] ، ثم بينه أن الطلاق إما على مال أو بغير مال فبين أولاً طلاقاً بلا مال، ثم بين الطلاق على مال بقوله: «لا جناح» إلخ، هذا ما قال المفسرون، أقول: يرد على المفسرين ما أخرجه أبو داود أنه: «قال أو تسريح بإحسان» طلاق ثالث حين سأله رجل يا رسول الله في قوله عز وجل: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] ، طلاقان فأين الثالثة؟ قال: «تسريح بإحسان» . أقول: قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ} [البقرة: 23] إنه إعادة اسم ما استؤنف عنه ليجري الحكم عليه كما قال أرباب المعاني، وإن لم يعتد بالرواية فالقول الذي اختاره المفسرون صحيح أيضاً، وإنما قلت: إن لم يعتد بالرواية لأن الرواية لا تصير حسنة إلا باللهم، ورعاية سياق القرآن وسباقه أولى من رعاية أمثالها.(2/425)
باب ما جاء في عدة المتوفى عنها زوجها(2/427)
[1195] زينب هذه ليست بأم المؤمنين بل ربيبة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنت أم سلمة، وأبو سفيان والد معاوية.
قوله: (إلا على زوجها إلخ) دل الحديث على أن الإحداد على من مات من الأقارب جائز لثلاثة أيام، وقد روي عن محمد في النوادر يجوز الإحداد على بعض الأقارب إلى ثلاثة أيام ولا بد من اعتداد هذه الرواية وإلا فلا جواب عن الحديث، وفي القصص المذكورة في حديث الباب كلام طويل وأما في قصة زينب بنت جحش فإشكال ذكره الحافظ في الفتح بأن إخوتها كانوا ثلاثة، مات أحدهم نصرانياً بحبشة، والثاني مات صحابياً قبل نكاحها بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والثالث عاش بعدها وعندي في دفع الاضطراب كلام.
قوله: (أفنكحلها إلخ) يجوز الاكتحال للعذر عندنا ويحمل قوله على حال لم تبلغ مرتبة الضرورة، والإحداد عندنا وعند غيرنا واجب للمتوفى عنها زوجها وفي المطلقة المبتوتة اختلاف عليها الإحداد عندنا ولا شيء في مذهبنا فيه مرفوعاً وموقوفاً إلا أثر في معاني الآثار، ومر ابن الهمام على مسألة الإحداد وقال: إن الإحداد ليس بزيادة على القاطع فإن الزيادة إنما تكون لو قلنا بعدم أداء العدة(2/427)
إذا لم تحد، نعم تكون مرتكبة الكراهة تحريماً، أقول: ولا ريب في جواز الزيادة بخبر الواحد على القاطع في مرتبة الظن كما قلت أولاً.(2/428)
باب ما جاء في المظاهر يواقع قبل أن يكفر(2/428)
[1198] اختلفوا في أن هذا الرجل والذي مر حديثه أولاً في الصوم واحد أو اثنان وأن هذا غير ذاك، وأما اتحاد سطحي الحديثين فلأن الحكم واحد. اختلفو في مراد آية: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] إلخ وأتى الإمام داود الظاهري بشيء عجيب فإنه قال: العود قولي، وهو أن يقول مرة ثانية: أنت علي كظهر أمي، وقال أتباع الأربعة: إن العود لما قال يكون بمعنى نقض قول السابق، أو المراد أن يعود إلى الحل الذي قبل الظهار، وفي هذه المسألة مناظرة بين الطبراني ومحمد بن داود الظاهري مذكورة في الكتب.(2/428)
باب ما جاء كفارة الظهار(2/429)
[1200] قوله: (خمسة عشر صاعاً إلخ) هذا لا يكفي في أداء الكفارة عندنا، وفي الروايات ألفاظ كثيرة منها ما في كتاب الطحاوي أتى له بمكتلين في كل منهما خمسة عشر صاعاً، قال العلماء: لا بد في الظهار من التشبيه وإذا قال: أنت أمي لا يكون ظهاراً بل لغواً، أقول: لا بد من أن يكون طلاقاً بائناً عند النية وقد روي عن أبي يوسف كما في العمدة.(2/429)
باب ما جاء في الإيلاء(2/429)
[1201] من الآلية الحلف وفي اصطلاح الفقهاء: هو حلف على ترك قربان المرأة أربعة أشهر فصاعداً، وإن حلف بترك القربان بأقل من أربعة أشهر، يكون يميناً ولا تبين المرأة أن تبر، وقال أبو حنيفة(2/429)
وبعض السلف منهم زيد بن ثابت وابن مسعود: إن المرأة تبين بعد مضي أربعة أشهر بلا تفريق القاضي، وقال الحجازيون وجمهور السلف: لا تبين إلا بحكم القاضي وفي اللعان عكس هذا، وأما وجه التفرقة بين الإيلاء واللعان عندنا فهو ما ذكره أن اللعان لما كان من أوله إلى آخره بمحضرة القاضي يكون التفريق أيضاً من القاضي، وأما الإيلاء فهذه وختمه ليس عند القاضي فلا يكون التفريق من القاضي، واستنبط ابن قيم عشرة استنباطات من القرآن على مذهب الحجازيين، وفي كتاب الأسماء والكنى للدولابي أثر صحابي موافقاً للحجازيين رواه بسند أبي حنيفة وأما وجه إيلائه ففي الصحيحين: أنه أكل العسل من عند زينب فقالت بعض أزواجه: إن في فيك رائحة مغافير، وفي سنن النسائي قصة مارية القبطية وأنه حرمها على نفسه لإرضاء حفصة، وفي رواية صحيحة أن أزواجه طلبن النفقة، ورجح الحافظ في النخبة ما في النسائي على ما في الصحيحين، وهاهنا مسألة أخرى وهي أن الشافعي ومالك بن أنس يقولان: إن تحريم الطعام وتحريم اللباس ليس له حكم بل هذا التحريم لغو، وقال أبو حنيفة: إن هذا التحريم يمين وله أيضاً أحكام، وتمسك بأن في القرآن سمى الله تعالى تحريم الحلال يميناً، وقال النووي: إن اليمين ليس تحريم الحلال بل كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلفظ بلفظ والله ونقول أن لفظ (والله) وإن كان في القصة والواقعة لكن ذكره ليس في القرآن وسمى القرآن باليمين ما هو مذكور فيه، وقوى ابن قيم قول الأحناف في زاد المعاد، وقال: إن تحريم الحلال يمين وهذه رواية عن أحمد بن حنبل وهاهنا إشكال للحافظ، وهو إن ترك القربان وإن كان أقل من أربعة أشهر إثم
ومنهي عنه فكيف ارتكبه؟ وما أجاب الحافظ، وقد أشار في فتح القدير إلى جوابه.
قوله: (اليمين كفارة إلخ) إن قيل: إنه برّ من إيلائه فكيف الكفارة؟ قلت: إنها كفارة التحريم الذي هو يمين ولي هاهنا كلام مستنبط من القرآن، وهو في مقابلة ابن تيمية بأنه تعالى يقول: إلخ {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] ثم فرع الكفارة عليه ففرع الله الأحكام على تحريم الحلال الذي هو غير جائز وهو أن الظهار وتحريم الحلال من وادٍ واحد فتكون الكفارة فيهما، ويذكر في عامة كتبنا أن الكفارة بعد الحنث ولكني لا أجد أن الرجل إذا حرم الشيء الحلال على نفسه فهل يصير حراماً أم لا؟ فما وجدت في كتبنا مع التتبع الكثير إلا ما نقل ابن قيم من الحنفية أن يحرم الشيء ثم يحل عند العزم بالحنث.(2/430)
باب ما جاء في اللعان(2/431)
[1202] حقيقة اللعان عندنا الشهادات المؤكدات بالأيمان، وقال الشافعية: إن حقيقة الأيمان المؤكدات بالشهادات فشرط العراقيون كون الزوجين أهلاً للشهادة، ولم يشترط الحجازيون.
قوله: (بالله إنه لمن إلخ) قال الرضي: المقتضى فتح «إن» إلا أنه بعد الشهادة وهي بمعنى الحلف ويكون بعد الحلف الكسر، وغرض اللعان أشار إليه حديث الباب: «إن سكت لسكت على أمر عظيم» ، وأما اللعان فالتفريق فيه عندنا من القاضي خلاف الحجازيين، وذكرت تفقهنا في الباب السابق من قواعد ابن رشد ومن أحكام اللعان أن تكون المرأة محصنة بعده، ومذهب أبي حنيفة أنه إذا لاعن بالقذف بالزنا تكون المرأة بعد اللعان محصنة حتى لو أن هذا الزوج الذي بانت عنه أو الأجنبي إن قذفها بعد يحد، وأما لو لاعن على نفي الولد فلا تكون محصنة بعد اللعان لأن هاهنا شبهة بسبب الولد فلا حدَّ على القاذف، وما ذكرنا من هذه التفرقة يخالفه ما أخرجه أبو داود ص (307) وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ولا ترمى ولا يرمى ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد إلخ لعل المراد به التعزير وما توجه إليه.
قوله: (فلان بن فلان إلخ) قيل: عُوير العجلاني، وقيل: هلال بن أمية.
في كتب الحنفية أن اللعان في حقه قائم مقام حد القذف وفي حقها مقام حد الزنا.(2/431)
قوله: (فالحق إلخ) حديث الباب يخالفنا فإنا نقول: إنه إذا لاعن بنفي الولد قبل الولادة صح اللعان ولا ينتفي الولد ويكون نسبه منه لأنا لا نعلم بالقطع أنها حاملة لأنها لعلها نفخ بطنها لمرض لحقها، وهذا الإشكال على تقدير إن لاعَنَ رجل حالة حبلها، وتفصيل مذهبنا أنه إن أراد نفي الولد وقطع نسبه منه فعليه أن يلاعن بعد الولادة متصلاً، ولو تأخر زماناً أو لاعَنَ قبل الولادة لا ينقطع النسب، وأجاب صاحب الهداية عن حديث الباب بأنه لعله علم كونها حاملة بالوحي: أقول: لعله أراد دعاءه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: «اللهم بين» وبوب الطحاوي على هذا وعندي جواب طويل.
مسألة: في كتب الحنفية أن قضاء القاضي بشهادة الزور من الشاهدين في العقود والفسوخ لا الأملاك المرسلة إذا كان المحل قابل الإنشاء نافذ ظاهراً وباطناً بشرط أن لا يكون القاضي آخذ الرشوة فيحل في هذه الصورة للمرأة فيما بينها وبين الله أن تمكن الرجل منها، وقد قرر الطحاوي هذه المسألة، وفي فتح القدير أن إثم الكذب ووزره مسلط على الناكح والشاهدين في الآخرة، وأنكر الناس على أبي حنيفة هذه المسألة ومنهم البخاري، أقول: لا وجه للإنكار على هذا وله نظائر من السلف، وصنف العلامة قاسم بن قطلوبغا في هذه المسألة كتاباً مستقلاً، ومن مبلغات محمد في الأصل ذكره في رد المحتار عن علي ما قال أبو حنيفة: فإن رجلاً ادعى عند علي أن هذه زوجته وشهد الشاهدان عليها فقضى أمير المؤمنين فقالت بعد النكاح: إني أعلم أن هذا الرجل كاذب فقضيت به فأنكحني به يا أمير المؤمنين كيلا يأثم في وقاعه علي، فقال علي: شاهداك زوجاك، وكذا عن الشعبي في المبسوط، فقال أبو حنيفة في هذه الصورة: إن قضاء القاضي نكاح ولذا قال بعض المشائخ بأن شهود الشاهدين وقت القضاء واجب بخلاف سائر الأقضية وهذا خلاف أكثر المشائخ، والقاضي له ولاية على المؤمنين والمؤمنات من وجه حتى قال الشافعي: يفرق القاضي بين الزوجين بسبب الأعذار الخمسة في الزوجة أو الأعذار في الزوج فيكون كذلك له ولاية الضم فيما بينهما، وتدل مسائل التفريق أن القضاء ثبت من وجه وليس مظهراً محضاً كما ذكره في رد المحتار من تعريفه عن بعضهم، وكذلك جعلوه مثبتاً في المسائل المجتهد فيها أو أثبتوا الحكم اقتضاء، وفي الرجوع عن الشهادة لم يفسخوا الحكم، وراجع الفتح ص (302) ، (12) ولكن في القياس على اللعان تردد لأن اللعان انتقل فيه إلى حكم آخر وهو التفريق من ولاية الحاكم بخلاف القضاء بشهادة الزور فإنه قضاء بعين ما شهدوا به وليس انتقالاً، ثم إن جعله حلالاً للمقضي عليه أبداً دون
المقضي له والمعاملة واحدة في الإشكال، وقال الطحاوي ص (227) ، ج (2) : إن أحد الزوجين كاذب قطعاً ولا يمكن تعيين كذب أحدهما، فيحكم القاضي بحكم الثالث وهو التفريق، ثم قال الطحاوي: لا باطن للعقود والفسوخ بل الظاهر(2/432)
فقط وليراجع إلى الطحاوي، أقول: ثبت محكي عنه للأملاك المرسلة، وأما العقود والفسوخ فليس لها محكي عنه حتى إن قال الشافعية: إن العقود والفسوخ إنشاءات محضة، وأما عندنا فإنها إخبارات وثبوت العقد فباقتضاء النص، ورأيت في الهداية في أول أبواب البيوع ما يومي إلى أنه اختار مذهب أصولي الشافعية، ثم رأيت أنه اختار بعض مشائخنا ثم رأيت في المبسوط من ص (180) صرح بكونه إنشاءً دفعاً للزنا كما صرحوا بمثله فيما إذا وطئ جارية ابنه، وادعى الولد، وهو في نكاح الرقيق من رد المحتار، وكذا فيما إذا اشترى المضارب أمة فولدت فادعاه يحمل على أنه تزوجها ثم اشتراها حبلى منه، وكون الفعل واحداً كما إذا أقر بالزنا وأنكره الأمة أخر لا حد فيه على المقر.(2/433)
باب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها؟(2/433)
[1204] لا نفقة ولا سكنى عندنا، وتعتد في بيت العدة ولا تخرج منه إلا بعذر مبيح، ويجوز الخروج نهاراً للاكتساب، ويجوز لها الانتقال من بيت العدة بالمعاذير كما في الدر المختار، وأما المطلقة فلا يجوز لها الخروج للاكتساب لأن نفقتها على زوجها.(2/433)
قوله: (للمرأة أن تعتد حيث شاءت إلخ) هذا مذهب علي وابن عباس والله أعلم.(2/434)
كتاب البيوع(3/5)
البيع على عدة أقسام بيع الصرف ما يكون فيه النقدان، وبيع السلم، وبيع مطلق، وبيع المقايضة ما يكون فيه العروض من الطرفين، ذكر في البحر قال رجل لمحمد: ما صنفت في التصوف؟ قال محمد بن حسن: صنفت في البيوع؛ كان غرضه أن التصوف هو العلم بالحل والحرمة.(3/5)
باب ما جاء في ترك الشبهات(3/5)
[1205] الحديث جزيل، وشرحه خارج عن قدرتنا وكان الأولى فيه الشرح من أئمة الاجتهاد، وأعلى ما قيل في هذا ما قال ابن دقيق العيد في شرح عمدة الأحكام للشيخ عبد الغني المقدسي وذلك ليس بمحتضر لي فلا أذكر إلا حل الألفاظ، فأقول: إنه إما في المقلد أوفي المجتهد ولكنه ليس في المقلد فإن المجتهد قد فصل له الأحكام ولم يدع حكماً إلا حكم بالحل أو الحرمة فلا مشتبه في حقه، نعم المقلد يكون جاهلاً عن الوقائع لا المسائل، فقالوا: إن الجهل عن المسألة ليس بعذر والجهل عن الواقعة عذر على الاطراد ويذكر في آخر كتب الأصول أن الجهل عن ضروريات الدين ليس بعذر والجهل عن المسائل الاجتهادية عذر إطلاقاً، فعلى هذا يرد ذخيرة من الاعتراضات، أقول: إن الحكم المذكور إنما هو في دار الآخرة لا دار الدنيا، وللحديث رجوع إلى مسألة أصولية أيضاً وهي أن الحق في موضع الاجتهاد لا في ضروريات الدين واحد دائر أو متعدد، ونسب إلى الأئمة الأربعة وحدة الحق وأنه دائر غير معلوم، واشتهر هذا في المصنفين والرواية الغير المشهورة عنهم تعدد الحق، وقيل: إن هذا مذهب صاحبي أبي حنيفة، وعن الأشعري روايتان ورجح البعض غير المشهورة، ويقول أهل الأصول في تمهيد المسألة: هل لكل واقعة حكم واحد أو مناسبة أم لا؟ والمشهور أنه(3/5)
واحد ووجد بعضهم لا البعض الآخر، ومن وجده فهو مصيب ومن أخطأ فهو مخطئ وللأول أجران وللآخر أجر واحد، ونسب إلى الصاحبين قول: إن في كل واقعة مناسبة حكم أي شيء مناسب بحيث لو جاء الحكم فجاء مثل هذا، وقال جماعة: لا يجب في كل واقعة بل ما سنح للمجتهد فهو حكم، وفي هذه المسألة أشياء كثيرة والمسألة طويلة ولا يجوز لأحد أن يترك تحقيقه في مسألة ويتبع الرخص ويقع في التناقض كما ذكره الترمذي في مسألة التسمية في الوضوء والطلاق المضاف.
قوله: (مشتبهات إلخ) في بعض الألفاظ من التفاعل، وفي بعضها من الافتعال، وفي بعضها من التفعيل، ومقتضى الأول كونها غير معلومة المراد مثل متشابهات القرآن، ومقتضى الثاني عدم علم الحكم، ومقتضى الثالث الإشارة إلى قياس الفقهاء، والتقسيم في الحديث إما ثنائي أو ثلاثي وإشارة بعض الألفاظ إلى الثنائي، وإشارة بعضها إلى الثلاثي، وأما حكم فمن تركها إلخ فإما أنه حكم أو تخليص الرقبة، أقول: إن كان الحديث في المجتهد فالمشبهات تعارض الأدلة، قال قائل: إن المشبهات المباحات، فإنه إذا أصر على المباح يقع في المكروه، وإذا أصر على المكروه صار حراماً، ونقلوا أن المتورع من تجنب من المباحات أيضاً.
قوله: (الحمى إلخ) هل اتخاذ الحمى جائز للملك أم لا؟ فهذه المسألة ليست في فقه الحنفية نفياً وإثباتاً، وتعرض إليه الشافعية وجوزوا الحمى للملك لمواشي الزكاة أو الجهاد أي مواشي بيت المال، وثبت اتخاذ الحمى عن عمر فإنه اتخذ الربذة حمىً وكان فيها أربعون ألفاً من الفرس.(3/6)
باب ما جاء في أكل الربا(3/6)
[1206] قيل آكل الربا المباشر لمعاملة الربا وإن لم يأكل، وعندي الآكل والموكل على ظاهرهما وإن لم يباشرا في الكسب، وفي بعض الروايات اللعنة على تسعة رجال.(3/6)
باب ما جاء في التغليظ في الكذب والزور ونحوه(3/7)
[1207] في تفسير الكبائر أقوال كثيرة ذكرها الحافظان، وأما عدد الكبائر ففي الصحاح يبلغ إلى سبعة أو ثمانية إذا ضمت الحسان فيزيد، وروي عن ابن عباس أنها تبلغ إلى سبعمائة، وصنف ابن حجر المكي في الكبائر رسالة، وكذلك صنف صاحب البحر.(3/7)
باب ما جاء في التجار وتسمية النبي - صلّى الله عليه وسلّم - إياهم(3/7)
[1208] دل الحديث على جواز الدلالة والسمسرة، وفي كتبنا أن الدلال يجوز له أن يأخذ الأجرة من المشتري أو البائع أو من كليهما أن كان العرف كذلك، واختلف في المفاضلة بين التجارة والزراعة، ومختارنا أن التجارة أفضل.(3/7)
قوله: (قيس بن أبي غرزة إلخ) سها الحافظ في اسم هذا الصحابي في لسان الميزان، وزعم أنه عرزة بن أبي قيس وأنه ليس بصحابي.(3/8)
باب ما جاء فيمن حلف على سلعة كاذبا(3/8)
[1211] المنان قيل: من وهب وأتبعه منَّه وإحسانه، وقيل: من ينقص الكيل والوزن، وهذا أصح.
قوله: (مسبل الإزار إلخ) قال الشافعية: من أسبل بدون التبختر ليس له وعيد وزعموا قيد خيلاء احترازياً، وأما الأحناف فيذكرون المسألة بلا قيد وزعموا القيد واقعياً، فإذن لا يتبدل الحكم وإن اختاره الصلحة.(3/8)
باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل(3/9)
[1213] يجوز البيع بثمن مؤجل أو معجل، والبيع المعجل أن يقع البيع على معين، ويلزم أداء ما وقع عليه العقد خاصة ولا يجوز أداء مثله بدله، ويكون مشاراً إليه أي معيناً لا أن يكون حاضراً في المجلس مشاهداً بل يكون أداء ذلك المعين متى طولب وإن قبضه بعد سنين، والبيع المؤجل ما هو خلافه وليتدبر هذا فإنه قد يغفل عنه، وأما القبض بالبراجم فليس عند أبي حنيفة إلا في بيع الصرف فإنه يجب القبض في المجلس ورأس المال في السلم ولكن فيه توسع أنه يجوز القبض بالبراجم ما لم يتفرقا أبداناً وإن تفرقا مجلساً، فيجوز عند أبي حنيفة بيع الحنطة بالحنطة بحسب التعيين وإن لم يقبض، واشترط الشافعي القبض في الحنطة بالحنطة وغيرها من الربوية.
قوله: (قطريين إلخ) القطري هو الأبيض ذو جداول حمر.(3/9)
قوله: (ما أمسى آل محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلخ) روى أن أهل نجران أتوه للمباهلة فخرج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسيدة النساء والحسنين فأبى أهل نجران من المباهلة ورضوا بالجزية، فأرسل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا عبيدة لأخذ الجزية فأتى بمائة ألف درهم فوهبها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقسم على الناس حتى لم يبق إلى الإشراق عنده درهم.
قوله: (سنخة إلخ) في مشكل الآثار إذا سنخ وأنتن الجامد يحرم بخلاف المائع مثل الدهن والثمن والإهالة، وحديث الباب دليل له.(3/10)
باب ما جاء في كتابة الشروط(3/11)
[1216] ليس المراد هو المتعارف فيما بيننا بل كتابة المحاضر، والسجلاّت ومثلها ويسمى كاتبها شروطياً، وأساليب كتابتها مذكورة في الهندية (عالمگيرية) ، وللطحاوي في هذا كتاب وكان شروطياً ظاهر حديث الباب أنه كان بائعاً، وظاهر حديث البخاري أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان مشترياً والعداء بائعاً، والأوفق بالمراد والألفاظ عندي أنه كان بائعاً فإن الكتابة تكون من البائع.(3/11)
باب ما جاء في بيع من يزيد(3/11)
[1218] أي (نيلام) ولا يتوهم فيه أنه انتقال من بيع إلى بيع.(3/11)
قوله: (الحلس إلخ) ليس معناه () بل أصل اللغة ما نسج بالأحبال المفتولة من أشعار المعز.(3/12)
باب ما جاء في بيع المدبّر(3/12)
[1219] المدبر مطلق ومقيد، المطلق من قال له مولاه: أنت حر عن دبر موتي، والمقيد أن يقول: لو مُتُّ في هذا المرض أو مُتُّ من هذا السفر فأنت حر، ولا يجوز بيع المطلق ويجوز بيع المقيد قبل تحقق شرط، وقال الحجازيون: يجوز بيع المطلق وكل تصرف فيه قبل موت المدبر، والرِّق ضعف شرعي يعطل من التصرفات الشرعية كالقضاء والشهادة، فالرقة باعتبار المسلمين جميعهم، والملك باعتبار المالك خاصة، ومقابل الرقبة العتق، والمتجزئ عند أبي حنيفة الملك لا العتق والقِن الذي ليس فيه استحقاق الحرية، فلا يكون المدبر والمكاتب وأم ولدٍ قناً، قال بعض الحنفية: إن بيع المدبر المطلق غير مجتهد فيه، ولكني وجدت رواية أو قولاً لكل ما يذكرونه تحت غير المجتهد فيه لكونه مجتهداً فيه، وذكر الشافعي في كتاب الأم عن أبي يوسف أنه باع المدبر المطلق وليس له لقاء أبي يوسف.
قوله: (أنصارياً إلخ) اسم المولى أبو مذكور واسم العبد يعقوب.
قوله: (مات إلخ) ظاهر أنه مات المولى، وهذا مخالف لكل مذهب، وأما حمله على المقيد فغير صحيح لما في مسلم ص (322) تصريح «عن دبر» إلخ، وقيل في الجواب: إنه لم يبعه بل إجاره وقد ثبت البيع بمعنى الإجارة في لغة المدينة كما ذكر الشيخ العيني في غير هذا الموضع أن البيع(3/12)
في لغة المدينة بمعنى الإجارة، والمجاورة بمعنى الاعتكاف، والمخابرة بمعنى المزارعة ثابت في لغات المدينة، أقول: إن هذا الجواب نافذ ويؤيده ما في سنن الدارقطني مرسلاً عن محمد الباقر أنه كان يؤجر المدبرين، ويؤيده ما أخرجه الزيلعي في نصب الراية ص (62) ج (2) ، أخرج من مصنف عبد الرزاق عن زياد الأعرج عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه أعتق عبده عند الموت قال: يستسعى العبد في قيمته. . إلخ، ثم أخرج عن علي مثله إلخ، ولكن الزيلعي لم يصرح بأن الواقعة واقعةُ الباب أو غيرها وعندي قطع أنها واقعة الباب، ولي في هذا قرائن أخر، وقال مولانا قدس سره: إنه ردّ تدبيره وهذا مخصوص به لا يجوز الرد لغيره، أقول: يؤيد قول مولانا أن البخاري وضع على حديث الباب ترجمة بيع المدبر وترجمة الحجر فأشار إلى أن واقعة الباب كان فيها الحجر ورد التدبير، أقول: لا يمكن استخراج الترجمتين من الحديث كما فعل البخاري بل لا يمكن إلا أحدهما، وأقول: إن لقول مولانا قدس سره نظائر، منّها ما في أبي داود: أن عبداً شكا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن مولاي يضربني وآذاني شديداً فدعى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مولاه فلم يأتي فأعتقه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال العبد: من لي حامياً إن أخذني مولاي؟ قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الله ورسوله، ومنها ما في الطحاوي ج (2) حديث سُرَّق أنه أمر رجلاً أن يبعه، والحال أن سُرَّق كان حرّاً، فهذا مخصوص به، وأصل قصته أن سُرَّق اشترى الإبل من أعرابي، فقال للأعرابي: جئ معي أعطيتك الثمن، فجاء معه الأعرابي، فدخل سُرَّق في بيته وخرج من طرف آخر، فذهب الأعرابي بعد الانتظار الشديد فلقيه بعد مدة وجاء به إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقص حاله، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «بعه في السوق» ، فأخذ الأعرابي يبيعه فاتفق أمره بمشتري، فقال الأعرابي للمشتري: ما تفعل به؟ قال المشتري: أعتقه لِلّه، فقال الأعرابي: فأنا أحق به فتركه الأعرابي وأعتقه، وحديث سُرَّق ذكره أرباب معرفة الصحابة أيضاً، ومنها ما أخرجه أبو داود أنه أعتق أمة جار عليها مولاها، فهذه الروايات مختصة به، ثم ليعلم أن حديث الباب يدل على أن المولى مات، وأعله الشافعي والحافظ والبيهقي والزيلعي، فإن في سائر الطرق تصريح أنه كان حيّاً كما في مسلم ص (332) ، ج (1) عن جابر، أقول: يمكن توجيه لفظ مات أيضاً بأن يقال: إن الضميرات راجع إلى العبد، وذكر الراوي موته مقدماً فإن في حديث الباب تصريح أنه مات عامة الأول، فقدم الراوي ذكر موته بعد الواقعة، هذا والله أعلم.(3/13)
باب ما جاء في كراهية تلقي البيوع(3/14)
[1220] قال أبو حنيفة: إن كراهية تلقي الجلب ليس في جميع الأحوال بل في بعضها، وإنما قصرها على بعض الأحوال فإن الوجه أجلى، وأما في صورة الكراهة فبيعه صحيح ويكون مرتكب المكروه تحريماً، ثم إن غرّر المتلقي قولاً فللبائع الفسخُ قضاءً، وإن غرَّرَ فعلاً فيجب الفسخ والإقالة ديانةً، وأما الاغترار ففيه اختلاف العبارات.
الجَلَب: اسم جمع للجالب.(3/14)
باب ما جاء لا يبيع حاضر لباد(3/14)
[1222] صورته أن يريد البادي البيع فقال الحاضر لا تبع الآن وضعه عندي ووكلني، سأبيعه في حالة الغلاء، وأما بيع حاضر لباد بأن يكون البادي مشترياً وقال الحاضر: سأشتريه لك حالة الرخص فذلك جائز له، ويؤخذ من قوله: دعوا الناس يرزق الله بعضهم ببعض، إنه لا يراعي الضرر الداخل في الإبهام والانتشار، وإنما يراعي المتشخص المتعين.(3/14)
باب ما جاء في النهي عن المحاقلة والمزابنة(3/15)
[1224] المحاقلة بيع الحنطة بالزرع، والمزابنة من الزبن بتقديم الزاء معجمة وبعدها ياء موحدة الدفع، وهو بيع الثمار على رؤوس الأشجار بالتمر المجذوذ، وقيل: المحاقلة المزارعة فيكون الحديث حجة لأبي حنيفة للنهي عن المزارعة.
قوله: (بالسلت إلخ) يقال له في الهندية (پغيبري جو) ، ولا تكون ذات أشعار ويجوز بيع الحنطة بالسلت متفاضلاً لأنهما نوعان إلا عند مالك لأنهما نوع واحد كما قال سعد.
قوله: (اشتراء التمر بالرطب إلخ) قالوا: إن التمر هو المجذوذ، والرطب ما دام على الأشجار،(3/15)
أقول: يطلق الرطب ما دام لم يصلح للادخار وإن قطع، ولم يجوز الشافعي ومالك وأحمد وصاحبا أبي حنيفة بيع التمر بالرطب وجوزه أبو حنيفة، وحديث الباب يخالفه فأجاب الطحاوي ص (199) ج (2) عن سعد بن أبي وقاص، وفيه قيد إلى أجل إلخ، فيكون المنهي عنه البيع نسِئَة، وحديث الطحاوي أخرجه أبو داود أيضاً، ثم هاهنا أسئلة وأجوبة؛ قيل: إذا كان البيع نِسئَة تحت النهي فأيّ فائدة في سؤاله «أينقص الرطب» ؟ إلخ، فإن علة عدم الجواز هو النِسئَة، قال الفاضل بهاء الدين المرجاني صاحب الحاشية على التلويح: بأن سؤاله كان تبرعاً أي زائداً على الضرورة، والوجه النسيئة ثم تبرع، أي؛ أيُّ فائدة في هذا البيع إذا تنقص الرطب؟ ثم لي شبهة أخرى وهي أن نقصان الرطب بعد اليبس بديهي يعلمه كل واحد فما وجه سؤاله عن أمر بديهي؟ وقول: إنه استفهام تقريري لا يشفي ما في الصدور، ولعل المراد ينقص بعدما جف أي هل حال ذلك الرطب أن ينقص؟ فسأل عن حال الجزئي ولم يسأل عن القاعدة. ذكر شراح الهداية أن أبا حنيفة دخل ببغداد فوقع مناظرته بالعلماء في مسائل، منها مسألة بيع التمر بالرطب فقال: جائز، فروى أحدهم عنده حديث الباب، فقال أبو حنيفة: إن زيداً أبا العياش مجهول، ثم قال: إن التمر والرطب جنس واحد أو جنسان، فإن كانا جنسين فيجوز التفاضل أيضاً وإن كانا من جنس واحد فيجوز التساوي، فقال ابن حزم: إن أبا العياش معروف عند أهل الصناعة وإن لم يعرفه أبو حنيفة فإنه أخرج عنه مالك في موطئه، أقول: إن قول هذا من أبي حنيفة إنما كان بلاغة، ولا يتوهم أن قابل النص بالقياس، فإنه لا يفعله العامي أيضاً فضلاً عن إمام المسلمين والمجتهدين، وغرضه أنه محمول على البيع نسئة.(3/16)
باب ما جاء في كراهية بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها(3/16)
[1226] بدو الصلاح عندنا إلا من العاهات، وعند الشافعية ظهور الحلاوة، وذكر الشيخ في الفتح أن المسألة على ست صور لأنه إما وقع البيع بشرط القطع أو بشرط الإبقاء أو بإطلاق، ثم في الحالين إما قبل بدو الصلاح أو بعده، فقال الشافعي: يجوز البيع بعد بدو الصلاح في الصور الثلاثة لا قبله، فاعتبر البدو وعدمه فقالوا: أخذنا الحديث مفهوماً ومنطوقاً، ومذهبنا أن البيع بشرط القطع جائز في الحالين، وبشرط الإبقاء غير جائز فيهما، وفي الإطلاق جائز في الحالين، لكنه يفرغ الأشجار عند(3/16)
طلب البائع فليس الفرق عندنا قبل البدو وبعده، والحال أن في كثير من الأحاديث قيد قبل البدو، وجوابنا عن الحديث بوجهين ذكرهما الطحاوي؛ أحدهما أن البيع المذكور في الحديث بيع السلم لا المطلق ويجب فيه بدو الصلاح عندنا أي يكون المعقود عليه في السلم موجوداً من حال العقد إلى وقت الأداء في الأسواق، ووجوده في الأسواق إنما يكون بعد الأمن من العاهات، وأما دليل التقييد بالسلم فما في الصحيحين وغيرهما: أنه لما دخل المدينة وجد الناس يسلمون إلى سنة وسنتين فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فليسلم أحدكم إلى أجل معلوم في كيل معلوم» في عدد معلوم في وزن معلوم» فدل على أن بدو الصلاح في السلم شرط فتحمل الأحاديث الساكتة على الناطقة، والجواب الثاني تسليم أن البيع بيع مطلق لكنه بشرط القطع، وأما النهي قبل البدو فنهي شفقة، وأخرج الطحاوي على هذا حديث زيد بن ثابت أخرجه البخاري أيضاً، ثم أقول: إن حديث النهي محمول على ما كان بالإطلاق لا شرط القطع، فإن الأصوب حمل الحديث على ما هو أكثر، وأما شرط القطع فنادر، وأيضاً عامة الحديث خالية عن ذكر أنه كان البيع على شرط الإبقاء أو فلا بد من أن يكون البيع بالإطلاق بلا شرط القطع والإبقاء، وذلك جائز عند أبي حنيفة قبل البدو على ما قال في قاضيخان من عامة مشائخنا بأنهم يقولون: لا يجوز قبل بدو الصلاح إذا لم يكن فيه جدوى، فلا يتمشى على عموم الهداية هذا ما حصل مني، وأجاب أكثر الأحناف بأن المفهوم عندنا غير معتبر أقول: إنه معتبر لكنه لا يصير دليلاً شرعياً بل تخرج النكات، وأما البيع مطلقاً فذكر في الهداية جوازه واعترض ابن عابدين بأن المعروف بالعرف كالمشروط بالشرط فلا يصح البيع مطلقاً، وكنت متردداً في هذا حتى أن وجدت في فتاوى ابن تيمية عن أبي حنيفة والثوري أنهما أجازا البيع مطلقاً إذا أجاز البائع الترك على الأشجار، فإذن لما وجدت عن أبي
حنيفة فلا أبالي. فالحاصل إذا لم يشترط الإبقاء في صلب العقد يصح البيع وإن كان معروفاً بالعرف، هذا ما حصل لي، والله أعلم وعلمه أتم.(3/17)
باب ما جاء في بيع حبل الحبلة(3/18)
[1229] قيل: أن يكون حبل الحبلة مبيعاً، وقيل يكون أجل أداء الثمن.(3/18)
باب ما جاء في كراهية بيع الغرر(3/18)
[1230] في القصة أن الغرر القولي يجب فيه الفسخ قضاءً، أو الفعلي يجب فيه الفسخ ديانة كما في الفتح في الإقالة، وأما الاغترار فلا اعتبار فيه، وأما تفسير بيع الحصاة فمعروف أي يكون فيه إلقاء الحصاة لتعيين المبيع أو لقطع الخيار، وكذلك المنابذة.(3/18)
قوله: (بيع السمك إلخ) السمك إذا كان سهل الأخذ فالبيع جائز وإلا فلا.(3/19)
باب ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعة(3/19)
[1231] نقل صاحب المشكاة عن الخطابي تفسير بيعتين في بيعة مثل ما ذكر الترمذي عن الشافعي وهو المختار وهو تفسير أبي حنيفة في كتاب الآثار.(3/19)
باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك(3/19)
[1232] لا يجعل بيع السلم معارض حديث الباب فإنه باب مستقل ولا يعارض باب باباً.(3/19)
قوله: (بيع السلف إلخ) ليس المراد من السلف السلم بل المراد الدين.
قوله: (شرطان إلخ) قال أحمد: مراده أن الشرط الفاسد إذا كان واحداً متحمل أي شرط كان ولا يتحمل شرطان فاسدان، وقال الثلاثة: المراد أن الشرطين أي ملائماً وغير ملائم غير متحملان والواحد متحمل أي الشرط الملائم.
قوله: (ولا ربح ما لم يضمن إلخ) معنى الضمان أن المبيع لو هلك فلمن هلك فلمن كان في ضمانه يحل له ربحه، وتتفرع على هذا مسائل؛ منها أن المشتري إذا اشترى عبداً ثم أجاره ثم اطلع على العيب فرده بخيار عيب فهل تحل له الربائح التي كسبهما العبد المشتري أم لا؟ فإن كان في ضمانه تحل له المنافع وإلا فلا، وأما زوائد المغصوب أي الأعيان ومنافعه أي الأعمال لا تجوز للغاصب.
قوله: (قال إسحاق كما) إلخ أي قال إسحاق بن راهويه كما قال أحمد.
مسألة: التصرف في المبيع قبل القبض عند الشيخين جائز إذا كان المبيع عقاد إلا في المنقولات، وعند محمد لا يجوز في شيء، وقال الثلاثة أي الحجازيون يجوز التصرف في كل شيء إلا الطعام، والله أعلم.(3/20)
ما جاء في باب كراهية بيع الولاء وهبته(3/21)
[1236] الولاء عندنا ولاء العتاقة وولاء الموالاة، وعند الشافعية ولاء العتاقة فقط، ولا تنتقل الولاء بالبيع أو الهبة أو المعاوضة وأما ولاء الموالاة إن جاء رجل من دار الحرب وأسلم على يد رجل وقال له:(3/21)
إن مت فمالي لك وإن جنيت فعليك العقل، وقال السرخسي: لا يجب أن يجيء من دار الحرب بل يشترط أن لا يعرف أقاربه وورثته، وحكم الموالاة أنه ما لم يأخذ الأرش يجوز الفسخ وإذا أخذ فلا، ولنا على ولاء الموالاة حديث تميم الداري، أقول: إن ولاء الموالاة كان ذائعاً في المتقدمين وكثيراً ما ينسب الرجل إلى المولى بالموالاة، مثل البخاري يقال له: الجعفي، وليس بجعفي صلبية بل ولاءً فدل على أن ولاء الموالاة لها حق وثبوت من السلف، وحق الولاء ليس بقابل للبيع والانتقال، وأما مسألة جر الولاء المذكورة في كتبنا فليس بمخالف لحديث الباب فإنها ثبتت بالحديث لكن الحديث متكلم فيه ولكنه باب مستقل فلا يخالف باب باباً، وحديث الباب يسمى بالمسلسل بالأئمة فإنه مروي عن الأئمة فإنه رواه أحمد عن الشافعي عن محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة، ثم قيل: رواه أبو حنيفة عن مالك، ولقد صنف السيوطي رسالة مستقلة في المسلسل بالأئمة، وقال الأحناف: لم يرد أبو حنيفة بل أخذ عنه حال المذاكرة، وأما ما روى مالك عن أبي حنيفة فحمله المالكية على أخذه حال المذاكرة، أقول: لا تنقيص في رواية أحدهما عن الآخر ليتأول فيه، وعندي أنهما روى كل واحد منهما عن الآخر، وعندي ثلاث أحاديث رواها أبو حنيفة عن مالك، وقال علاء الدين المغلطائي الحنفي: روى أبو حنيفة عن مالك بلا ريب.(3/22)
باب ما جاء في كراهية بيع الحيوان بالحيوان نسيئة(3/22)
[1237] قال أبو حنيفة وجمهور الصحابة: إن بيع الحيوان بالحيوان نِسئَةً غير صحيح وإن لم يكن الحيوان من الأشياء الربوية، وقال الحجازيون: إنه جائز والمنهي عنه ما يكون النسأ فيه من الطرفين. وحديث الباب لأبي حنيفة حسن السند، وتصدى الحافظ إلى الإعلال ولكنه ليس كذلك، ولا يثبت عندنا في الذمة إلا ما يكون من قبيل المكيلات أو الموزنات أو المزروعات أو المعدودات المتقاربة،(3/22)
ويصح السلم في هذه المذكورة، لا ما قال بعض من لاحظ له في العلم: أن السلم لا يصح عندنا إلا في الربوية، قال مولانا المرحوم: إن الحديث لأبي حنيفة، وأما ما قال الحجازيون من أنه نهى عن ما فيه النسأ من الطرفين فيصير مآل حديث الباب مصداق حديث: «نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الكالئ بالكالئ» ، فكيف يحمل أحد الحديثين المتغائرين مضموناً على الآخر؟ فإنه إذن يخرج الحديث عن مدلوله.(3/23)
باب ما جاء في شراء العبد بالعبدين(3/23)
[1239] لا اختلاف في بيع عبد بعبدين يداً بيد بل الخلاف في النسئة، وهاهنا إشكالان أحدهما أن العبد المهاجر ظاهره أنه أسلم لأنه بايع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سيما عند الأحناف، فإنا نقول: إنه إذا هاجر إلينا صار حراً، فإذا كان أسلم صار حراً فكيف اشتراه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ والإشكال الثاني أن العبدين الأسودين إن كانا مسلمين فلا يجوز دفعهما إلى دار الحرب، فلم يتعرض أحدنا إلى الجواب، فيدعي العبدين أنهما كانا(3/23)
كافرين ويدعي في العبد أنه لعله كان عبد قبيلة حليفة، بينه وبينها كان عهد، وفي كتبنا إذا أسلم العبد أو الأمة وهما ملك كافر عُتِقا، ودليل مسألتنا أنه قال عند محاصرة هوازن: من نزل فهو حر فنزلوا منهم نفيع بن حارث أبو بكرة الطائفي، وجعله النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حراً من غير إعتاق، ويقال: مولى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مجازاً، وأما دليلنا على أن العبد المهاجر إلينا قد عتق أثر أخرجه البخاري في الجزء الثاني من النكاح.(3/24)
باب ما جاء في أن الحنطة بالحنطة مثلا بمثل وكراهة التفاضل فيه(3/24)
[1240] قوله: (يداً بيدٍ إلخ) قال أبو حنيفة: إن النقدين يجب القبض بالبراجم فيهما وأما سائر الأشياء الربوية فيكفي التعيين فيها، وأما ما في حديث الباب من لفظ يداً بيد فمراده التعيين لما في مسلم: (عيناً بعين) ، وأما النقدان فلا تعيين فيهما إلا بالقبض بالبراجم في المجلس، وأما قبض رأس المال في السلم فأيضاً ضروري عندنا لكنه لا يجب في مجلس العقد بل قبل تفرق الأبدان.(3/24)
قوله: (قول مالك بن إلخ) لعل قوله في السلت بالحنطة لا في الحنطة بالحنطة، فإنه كيف يقول خلاف الحديث الصريح؟(3/25)
باب ما جاء في بيع الصرف(3/25)
[1241] ما يكون فيه الثمن والمبيع النقدان ويجب القبض من الطرفين بإجماع الأمة، ونسب إلى ابن عباس أنه كان يقول بجواز التفاضل في الربوية، وتمسك بحديث البخاري: «لا رَبواً إلا في النسئة» ، وقال الجمهور: إن معناه لا ربواً الذي يخرب البلاد أي أشد الربا إلا في النسئة فإن الربا متفاضلاً نادراً أندر، ثم روي أن ابن عباس رجع عن مختاره حين بلغه إجماع الأمة واستغفر الله تعالى.
واعلم أن العبرة في بيع الصرف للوزن لا للضرب، فلا يؤخذ غير المضروب بما هو أقل منه مضروباً.(3/25)
قوله: (الورق بالورق ربَواً إلخ) لفظ ربَواً بالألف والواو في الكتابة، وبالتنوين على الباء في القراءة، وأما وجه كتابة الواو فلأن في مثل الزكاة، والربا، والصلاة، لغة: صَلَوْةٌ، وزَكَوْة، ورِبَوْ، بالواو السكونة للجهولة في عرف العجم قراءة.
قوله: (فأبيع بالدنانير. . إلخ) أي التصرف في الثمن قبل القبض، وهذا جائز عندنا، وأما التصرف في المبيع قبل القبض ففي غير المنقول جائز عند الشيخين لا عنده، ولكن التميز بين المبيع والثمن متعذر سيما في الصرف والمبيع المقايضة، وإني قد جمعت جزئيات من كتب الفقه ونظمتها، ومنها هذين الشعرين مرابحة:
~ تعرّف المثلى صاح ثمناً ... مدخول باء وكذا معيناً
~ وهو في النقد بيع فاعتن ... كغير مدخول ولا معين
وذكرها الفقهاء أن الثمن مدخول الباء ولكن هذه الضابطة لا تجدي ولزومها من العوام متعذر، وأما الضابطة التي نظمتها في الأشعار فأخذتها من مرابحة رد المحتار وغيرها.
قوله: (هاء إلخ) اسم فعل بمعنى خذ.(3/26)
باب ما جاء في ابتياع النخل بعد التأبير والعبد وله مال(3/27)
[1244] قال الشافعي: إن الثمرة قبل التأبير للمشتري وبعده للبائع فعمل بالمفهوم والمنطوق، وقال أبو حنيفة: إن الثمرة للبائع في الحالين إلا إذا صرح المشتري بأنها لي، وأجاب أكثر الأحناف بأن المفهوم عندنا غير معتبر ولكن هذا الجواب لا يعلق بالقلب، وأما قول إنها إذا كانت للبائع بعد التأبير، يكن له قبل التأبير بالأولى فلأحد أن يمنعه بأن البائع عمل في الثمرة إذا كان البيع بعد التأبير، وأما في صورة البيع قبل التأبير فلم يعمل بشيء وتصدى العيني إلى المعارضة، أقول: إن معارضة الخاص بالعام لا يقبله الذوق السليم، والصحيح في الجواب من جانب أبي حنيفة ما ذكر الطيبي وأبو عمر في التمهيد بأن التأبير كناية عن ظهور الثمرة، فمفهومه أن يكون الثمرة قبل الظهور للمشتري أي في عام البيع وبعد هذا العام فلا يذهب الوهم إلى نزاع، وهكذا مذهب أبي حنيفة فصار الحديث لطيفاً على مذهبنا أيضاً.(3/27)
باب ما جاء البيعان بالخيار ما لم يتفرّقا(3/28)
[1245] قال مالك وأبو حنيفة: ليس خيار المجلس إذا انعقد البيع، قال الشافعي وأحمد بخيار المجلس.
قوله: (ما لم يتفرقا أو يختارا إلخ) أو إما عاطفة، أو بمعنى إلا أن، أو إلى أن، فإذا كانت عاطفة يعطف على يتفرقا تحت النفي، وإذا كانت بمعنى إلى أن أو إلا أن يكون استثناءً أو غاية وفي يختار تفاسير أحدها ما قال الشافعية أن يقول المتبايعان: اختر اختر قبل ختم المجلس لختم الخيار فلا يمتد الخيار إلى آخر المجلس، وثانيها خيار الشرط، وخيار الشرط عندنا أيضاً معتبر، وهذا إلى ثلاثة أيام عند أبي حنيفة ولا تحديد عند الصاحبيين، وأما قول: (البياعان بالخيار ما لم يتفرقا) فقال الشافعي وأحمد: إنه خيار المجلس وأما شرح أبي يوسف فهو أن التفرق هو تفرق الأبدان كما قال الشافعي وأحمد، والغرض من الحديث أن المجلس جامع المتفرقات فيضم القبول بالإيجاب ويكون المراد أن المشتري له أن يقبل أو لا يقبل، وللبائع قبل القبول أن يرجع عن إيجابه فالاختيار هو هذا ما ذكره الطحاوي، وشرح محمد كما في موطئه ص (340) قال: ما لم يتفرقا من منطق البيع، ثم في شرح قول محمد أقوال؛
أحدها: إن للتفرق أقوالاً هو الفراغ عن الإيجاب والقبول، فإذن لا خيار وإن كان المجلس باقياً، وهذا أحسن فإنه يكون من حيث اللفظ، والأعلى تفرق الأبدان ومن حيث الحكم مراداً به تفرق الأقوال، أي تفرق الأبدان كناية عن تفرق الأقوال أي الفراغ عن الإيجاب والقبول، والوجه أن في الفراغ عن الإيجاب والقبول تمكن تفرق الأبدان.
والشرح الثاني لقول محمد شرحُ ابن همام، والأرجح في شرح قول الهداية ما قال ملا الهدا والجونپوري، وقال الشافعية: إن شرحنا راجح على شرح محمد فإن التفرق من التفعل يكون في الأبدان والافتراق من الافتعال يكون في الأقوال، أقول: إن في شرح أبي يوسف وأحد شرحي محمد تفرق الأبدان وأيضاً باقي التفرق في الأقوال كما في أحد لفظي حديث: «ستفرق أمتي إلى بضع وسبعين فرقة» فإن في لفظ منه من الافتعال وفي لفظ من التفعل وليس فيه إلا تفرق الأقوال، وفي القرآن العزيز: في تفرق الأقوال، والأحسن شرح أبي يوسف وهو ألطف، وقال فاضل حنفي: إن شرح هو بعين ما قال الشافعية، ويكون الخيار خياراً مستحباً لا واجباً، واختاره مولانا قدس سره، أقول: يؤيده ما في ابن ماجه والبخاري لفظ: أو يقول اختر ثلاثاً، وحمله الشافعية أيضاً على الاستحباب فإن التثليث عندهم ليس بضروري، وقول ذلك الفاضل ليس بمخالف لمسائل الأحناف فإن في إقالة الهداية استحباب الإقالة في كل وقت إن ندم أحدهما وقال بعض الشافعية أن ابن عمر راوي المرفوع وفعله هو موافق لمذهبنا، وأما شرح ذلك الفاضل فنقله الحافظ ولم يرض به(3/28)
ولكنه لم يرده أيضاً، أقول: أن مذهب الشافعية أن العبرة لما روي لا لما رأى فكيف يستدل عندهم بفعل ابن عمر؟ وأيضاً أقول: إن فعل ابن عمر ترك الواجب عندهم المستحب عندنا فإن مذهبهم أن لا يقوم من المجلس خشية أن يستقيله، وهذا الحق لازم عندنا، هذا الحق مستحب، فإذن الأقرب هو قولنا أو قولهم، حكي أنه وقع المناظرة في المسألة بين مالك وابن أبي ذئب فقيه المدينة، فقال مالك بن أنس: حديث الباب ليس عليه عملنا فعارضه ابن أبي ذئب، فقال مالك: اخرج عني، فقال ناقل القصة: إن مالكاً لم يحمد على ذلك ذكره الموالك في كتبهم، وبعد اللتيا والتي الألطف شرح أبي يوسف.
قوله: (لا أراكما تفرقتما إلخ) تمسك الشافعية بهذا، وأصل قصَّتِهما ما ذكر الطحاوي بأنهما كانا في السفينة فتبايعا أول الليل ثم عند الفجر أراد أحدهما الفسخ، فإذن ادعاء أنهما لم يتحركا عن مجلسهما ادعاء بعيد، وذكر البيهقي في السنن الكبرى أن ابن عينية بلغ كوفة وروى حديث الباب فبلغ الخبر أبا حنيفة، فقال أبو حنيفة: ليس بشيء، أرأيت إذا كانا في السفينة، فقال رجل: إن الله يسأل أبا(3/29)
حنيفة. أقول: ما أراد أبو حنيفة معارضة الحديث بقياسه والعياذ بالله، بل مراده أن شرح الحديث مثل ما قال أبو يوسف أو غيره.
قوله: (ولا يحل له أن يفارق إلخ) قال الشافعية: إن هذا يفيدنا، وقال الحنفية: إن لفظ خشية أن يستقيله يفيدنا فإن الإقالة لا يكون إلا بعد صحة العقد، وطلب الإقالة من سين الاستفعال يدل على أن المشتري أو البائع ليس بمستبد فإن المستقيل لا بد من أن يقول لمتبائعه: أقلني فيصدق الاستقالة في هذا وإن كان الفسخ بخيرية، وأيضاً قوله: (ولا يحل له أن يفارقه) اه؛ ليس تفسيراً لما قبله بل جملة مستقلة.
وليعلم أن الإقالة عندنا أيضاً مستحبة عند ندم أحدهما، ومسألة أخرى لنا وهي أن الرجل إذا باع أو اشترى ثم لقي الآخر بعد مدة طويلة فقال له: أنت بالخيار ففي هذا يكون خياراً قبل تفرق الأبدان ومفتقراً على المجلس ولكن هذه المسألة بعد العقد وأما إذا قال هذا القول في صلب العقد يصير مفسداً للبيع، وإذا قال بعد الفراغ فهي مختلفة بين صاحب البحر وابن همام ولكن ظاهر الحديث على الخيار من جانب الشارع وفيما ذكرت التخيير من جانب المكلف.(3/30)
قوله: (خير أعرابياً. . إلخ) تمسك به الحجازيون، أقول تفصيل الحديث: إنه اشترى الإبل ثم قال له عليك أن تدبر في صفقتك، إن أردت استرجع، ثم بلغ الأعرابي بعد مدة طويلة عنده فقال: هل عرفتني يا رسول الله؟ قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نعم. فأقول: إن قوله كان من مروته ومصداق خلقه العظيم لا أنه حق شرعي.(3/31)
باب ما جاء فيمن يخدع في البيع(3/31)
[1250] اسم هذا الرجل حبان بن منقذ، قال أبو حنيفة: لا حَجْر إلا على ثلاثة، وعند صاحبيه على خمسة وهو قول الصاحبين.
قوله: (فنهاه إلخ) أي نهى عن البيع لا أنه حَجَره، واعلم أن الحَجْر إنما يكون من الأقوال لا في الأفعال.
قوله: (لا خلابة إلخ) قبل: إنه ليس عليه حكم شرعي بل كان يقول عند البيع لأن الناس كانوا متدينين، وقيل: إنه مدار الحكم الشرعي ويكون لهذا الرجل خاصة أن رد البيع إن لم يرض وهذا مختار الشافعي وأشار إليه محمد في موطئه، وفي مستدرك الحاكم زيادة: «لا خلابة ولي الخيار ثلاثة أيام» إلخ فإذن يكون هذا خيار الشرط.(3/31)
فائدة: أخرج مسلم حديث حبان بن منقذ وفيه أن في لسانه كانت لكنة، فدل على أن المدار على المقاصد وإن كانت الألفاظ قاصرة قصور شيء.(3/32)
باب ما جاء في المصرّاة(3/32)
[1251] قال الشافعي وأحمد ومالك وأبو يوسف: إن في المصراة يجوز رد المبيع وصاع تمر، بدل اللبن، وعن أبي يوسف روايتان تحت وفاقه إياهم بأنه إما أن يرد المبيع وقيمة اللبن وإما أن يرده وصاع تمر، إحدى الروايتين في شرح أبي داود ومعالم السنن للخطابي، وثانيتهما في شرح مختصر الطحاوي للاسبيجابي، وقال أبو حنيفة: لا يجوز الرد، وأول من أجاب الطحاوي فعارض الحديث وأتى بحديث الخراج بالضمان وسنده قوي، أقول: إن هذا الجواب ليس بذاك القوي فإن في مسألة خيار العيب ثمانية أقسام، فإن الزيادة إما متولدة من المبيع أو غير متولدة، ثم إما منفصلة أو متصلة، وكلاهما إما قبل القبض أو بعده، وأما مصداق حديث «الخراج بالضمان» عندنا فهي الزيادة غير المتولدة وأما ما نحن فيه فالزيادة منفصلة متولدة فلا يجدي في الجواب، واتبع المتأخرون الطحاوي وأما الزيادة المتولدة المنفصلة أو عكس هذه الصورة فلا يرد البيع فيهما، وفيما نحن فيه من الصورة الأولى، فأقول: إن المذكور في عامة كتبنا هو حكم القضاء وأما ديانة فالرد واجب فيحمل الحديث على الديانة والحكم يكون وجوباً، وأما حكم الرد ديانة فمذكور في الوجيز والتهذيب والحاوي القدسي، وجمعت هذا المضمون في البيتين:
~ بزيادة المنفصل المتولد ... أو عكسه متعيب لم يردد(3/32)
ثم في التهذيب والوجيز والحاوي الجواز بالتراضي يحمل فصار الخلاف في أنه حكم قضاءٍ أو ديانةٍ، والفرق في الديانة والقضاء عند الشافعية أيضاً، فإن في الصحيحين أن زوجة أبي سفيان استغاثت عنده بأنه لا يعطيني النفقة وأنه رجل شحيح، فأمره النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن تأخذ من ماله قدر نفقتها ونفقة العيال، فقال بعض الشافعية: أمْرُه فتوى، وقال بعضهم: إنه حكم القضاء، وأما وجه ما ادعيت من وجوب الرد ديانة فما في الفتح أن الفسخ في الغرر الفعلي واجب، وحمل مولانا الحديث على الاستحباب على أن الإقالة مستحبة إذا ندم أحدهما وأما ما ذكر صاحب المنار وغيره من أن حديث المصراة يرويه أبو هريرة وهو غير فقيه، ورواية الذي ليس بفقيه غير معتبر إذا كانت خلاف القياس، والقياس يقتضي بالفرق بين اللبن القليل والكثير، ولبن الناقة أو الشاة أو البقرة وغيرها من الأقيسة، فأقول: إن مثل هذا قابل الإسقاط من الكتب فإنه لا يقول به عالم وأيضاً هذه الضابطة لم ترد عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ولكنها منسوبة إلى عيسى بن أبان، وذلك صنف كتاباً في بيع المصراة فذكر فيه كلاماً وزعمه الناس ضابطة فلا يقبل نسبتها إلى عيسى بن أبان أيضاً.
حكي أنه وقع مناظرة بين حنفي وشافعي في مسجد رصافة في بغداد في مسألة المصراة، فقال الحنفي: لم يكن أبو هريرة قابل الاجتهاد ولم يكن فقيهاً إذ أسقطت عليه حية سوداء، فكان الحنفي يعدو لا تدعه الحية، فقيل له: استغفر من قولك، فاستغفر فتركته الحية، والله أعلم.(3/33)
باب ما جاء في اشتراط ظهر الدابة(3/33)
[1253] الشرط المفسد غير متحمل عند الثلاثة ومتحمل عند أحمد إذا كان واحد، وفي الهداية أن الشرط الذي فيه نفع أحد المتعاقدين أو المبيع وهو من أهل الاستحقاق غير جائز، وواقعة الباب واقعة ليلة البعير وأكثرهم إلى أنها في غزوة ذات الرقاع، وفي السير أنها في السنة الرابعة أو الخامسة، واختلفت الروايات في قيمة البعير ذكرها البخاري ولا يمكن التوفيق بينهما، وتحمل على اختلاف الأوقات، فإن تكرار البيع في الطريق ثابت، وأجاب الطحاوي بأن الشرط لم يكن في صلب العقد بل بعده، أقول: إن في المسألة تفصيلاً بأن الشرط إن كان في مجلس العقد فيلحق الشرط بالعقد، وإن كان بعده فلا، فإذن لعل شرطه أو استدعاءه كان بعد العقد، أقول: يفصل في المسألة بأنه إن كان(3/33)
المراد إلحاق الشرط بالعقد يكون فاسداً وإلا فلا، وإن كان الشرط في صلب العقد فإنه كالمواعيد، لا كالشروط، ذكر في جامع الفصولين أنه إذا اشترى حمل حطب واشترط نقله إلى بيته صح البيع ويجب عليه نقله، فإنه كالوعد، وأداء الوعد في المعاوضات واجب، أقول: إن في المسألة زيادة تفصيل، فإن في رواية أن الشرط يلحق بالعقد، وفي رواية أنه لا يلحق، وفي قول إنه إن كان قبل تبدل المجلس فيلحق وإلا فلا يلحق، وفي الهداية جواز الاشتراط بشروط متعارفة أقول: إن الحديث لم يخالفنا إذا فصلنا المسائل بهذا التفصيل وأقول أيضاً: إن غرضه لم يكن البيع حقيقة بل صورة وإيصال النفع إلى جابر كما تدل القصة أنه أعطاه الثمن وزاد فيه ورد عليه الإبل، فإذن لم تكن بيعاً واقعياً يتحمل فيه بعض التحمل، حكي أنه اجتمع أبو حنيفة وابن شبرمة وابن أبي ليلى الكوفيون في حج مكة فجاء رجلٌ فسأل أبا حنيفة عن مسألة الباب فقال: إن الشرط والبيع باطل، ثم بلغ إلى ابن شبرمة فسأله فقال: إن الشرط والبيع صحيحان ثم بلغ إلى ابن أبي ليلى: فقال ابن أبي ليلى البيع صحيح والشرط باطل، ثم عاد الرجل على أبي حنيفة فقص ما قالا، فقال: لا أعلم ما زعما فروى حديث أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى عن بيع وشرط» ، ثم عاد على ابن شبرمة فقال ما قال، فروى ابن شبرمة حديث الباب، ثم عاد على ابن أبي ليلى فقال ما قال فقال: لا أعلم ما زعما فروى حديث بريرة، أقول: إن المطابق بالسؤال هو جواب أبي حنيفة وأما ابن أبي ليلى فعمل بالقياس، وأما ابن شبرمة فالكلام في استدلاله مر منَّا، ولم يكن سؤال الرجل إلا عن بيع وشرط، وما ورد فيه إلا حديث: نهى عن بيع وشرط.(3/34)
باب ما جاء في الانتفاع بالرهن(3/34)
[1254] قال الثلاثة لا يجوز الانتفاع بالمرهون، وقال أحمد: يجوز الانتفاع، وقال أبو حنيفة: إن منافع المرهون وزوائدها مرهونة، وأما أجرة حفظه وبيته فما كان له دخل في إبقاء المرهون فهو على الراهن(3/34)
وأما غيره من الذي ليس بدخيل في بقائه فعلى المرتهن، ويجوز الانتفاع عندنا إذا أجاز الراهن ولا تكون الإجازة أو الانتفاع مشروطاً أو معروفاً.
قوله: (وعلى الذي يركب إلخ) قد أطنب الحافظ ابن تيمية الكلام أن من محاسن الشريعة الغراء إجازة الانتفاع من المرهون، وأجاب بعض المحشين بأن المراد من الذي يركب أو يشرب هو الراهن، أقول: كيف يجري هذا وقد صرح الراوي بالمرتهن في بعض الروايات؟ أقول: يمكن لنا أن نجيب بأن هذا إذا لم يكن مشروطاً أو معروفاً ويمكن أن يقال: إن المرهون ليس هو مصطلح الفقهاء بل المراد المنيحة، وقد ثبت في القاموس الراهن بمعنى المانح، ولينظر إلى ما في الطحاوي ص (253) ، ج (2) وما في حديث أبي داود من الزكاة قريب من حديث أبي هريرة، وليراجع إلى ما في تخريج الزيلعي فإنه يجدي شيئاً آخر.(3/35)
باب ما جاء في شراء القلادة وفيها ذهب وخرز(3/35)
[1255] قال الثلاثة: لا يجوز هذا البيع إلا عند تفصيل الذهب من القلادة، وقال أبو حنيفة: يجوز البيع بلا فصل أيضاً إذا علم أن البدل أزيد في القلادة فإنه يصير الذهب مقابل الذهب، والزائد بدل القلادة، وأما شرط الزيادة فلكيلا يلزم الربا، وقال النووي: إن أبا حنيفة خالف النص، أقول: لا ينبغي مثل هذه الأقاويل، فإنه إذا أدار الحكم على الوجه الذي هو أجلى فأي بعد وأي خلاف من النص(3/35)
باب ما جاء في اشتراط الولاء والزجر عن ذلك(3/36)
[1256] من المجمع عليه أن انتقال حق الولاء غير جائز، وأما جر الولاء فباب آخر ولا يجوز بيع المكاتب عند أبي حنيفة، وأما في واقعة الباب فلعلها عجزت ويجوز البيع عند التعجيز عن أداء بدل الكتابة.(3/36)
باب حدثنا أبو كريب إلخ(3/37)
[1257] في حديث الباب حجة لنا على الشافعي على جواز بيع الفضولي، ولنا في صحة نكاح الفضولي حديث: «أن جاريةً جاءت إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقالت: إن أبي زوجني ولم يستأمِرْني فخيَّرها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: إني راضية بنكاحِ أبي، وإنما أردت أن للنساء أمراً» . فإذن هذه الجارية إما ثيب فيلزم إنكاحها بدون استيمارها وذلك غير جائز عندهم، وإما بكر فلزم أن لا يكون ولاية الإجبار عليها.(3/37)
باب ما جاء في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي(3/38)
[1259] أشكل الحديث على العلماء فإنه يدل على تجزئ هذه الأشياء، ولا يقول به أحد.
قوله: (أصاب حد إلخ) أي يكون العبد جانياً، لا كما قال المحشي فإنه غلط.
قوله: (أو ميراثاً إلخ) أي حصل له الميراث، دل الحديث على أن العبد عتق بحصة ما أدى، وليس هذا مذهب أحد، بل قالوا: إن العبد عبد ما دام عليه درهم.
قوله: (يُوْدَى المكاتب إلخ) مثال وادى من الدية وليس بمهموز، ويكون العبد في هذه الصورة مجنياً عليه، وحديث الباب قوي، وأما حديث عمرو بن شعيب فضعيف من قبل يحيى بن أنيسة وهو سيء الحفظ، وأما الحديث الأول فقوي ووارد وما أجاب أحد عنه وإنما أتى بالاستدلالات، ولي هاهنا شيء أذكره وسيفيد للجواب إن شاء الله تعالى، وهو أن بحساب ما عتق إلخ وإن كان ظاهره العتق بقدر ما أدى ولكن المراد أنه حر من زمان أداء بدل الكتابة، وهذا المعنى محتمل في اللغة، وأما جملة يودي المكاتب ديته حر وعبد فلا تدل على أنه عتق بعضه بل فيها تشبيه بدية حر وعبد، والمراد أنه إذا جنى على المكاتب فعلى الجاني أرش وأرشه يكون قيمته، ثم في تقويم الأرش تعتبر شائبة الحرية والعبدية، وهذا يظهر مما أذكر مسألة مفصلة ففي كتبنا أن المدبر قيمته ثلثا قيمة القن كما في الهداية لفقدان أحد المنافع الثلاثة، وفي القن المنافع الثلاثة أي البيع والاستخدام والوطي موجودة، ثم يذكرون في الجنايات أن دية العبد قيمته، ويذكرون العبد هاهنا بلا تقييد القن أو المكاتب، والمروي عن أبي حنيفة أن دية العبد قيمته، وإذا زادت قيمته على دية الحر تنقص منها عشر دراهم، ودية الأمة قيمتها وإن زادت على خمسة آلاف تنقص منها خمسة دراهم، روي عن أبي يوسف أن دية العبد قيمته بالغة ما بلغت وقدوتنا في المسألة ابن مسعود، ثم يذكرون في التدبير أن قيمة المكاتب نصف قيمة القن، وقيل: ثلثها فنقصت قيمته من قيمة القن فإذا أودِيَ يودى بالنظر إلى جانب
الحرية والعبدية لأنه قريب الحرية، فإن نقصت قيمته فتكون الدية أيضاً ناقصة، فعلم تشبيه دية بدية حر وعبد للشبهتين وليس فيه الحكم بحرية قدر ما أدى فلا يخالف الحديث مذهب الأربعة، ويكون دية حر وعبد إلخ منصوباً مثل: له صراخ صراخ الثكلى، وإنما شرح الجملتين متفرقاً، وقطعت في نظم الحديث فإن الجملتين حديثان مستقلان لما في النسائي ص (722) ، فتدل حديث النسائي على تعدد الحديثين، وأما(3/38)
دليل ما ذكرت في الجملة الأولى وحملتها على الزمان فإن ابن عباس راوي حديث الباب يفتي موافق الفقهاء الأربعة كما أخرجه الطحاوي ص (64) ج (2) فإنه قال بعد رواية المرفوع: ويقام على المكاتب حد المملوك إلخ.
قوله: (فلتحتجب إلخ) ظاهر حديث أنه إذا اجتمع عنده بدل الكتابة صار حراً قبل أدائه وليس مذهب أحد، فيقال: إنه على التورع، وهاهنا مسألة أخرى مختلفة فيها، قال الشافعي: إن الموليات لا يحتجبن عن عبيدهن وقال أبو حنيفة: إن بينهن وبينهم حجاب، وظاهر حديث الباب يفيد الشافعي، فحمل الأحناف الحديث على زيادة الاحتجاب، وذكر الطحاوي في مشكل الآثار محمل الحديث لطيفاً وهو أن الاحتجاب في الصورة التي اجتمع عنده بدل الكتابة، ولا يؤديه تعنتاً كيلاً تنقطع التعلقات التي بينه وبين مولاته فأمر الشارع بالاحتجاب قبل أداء بدل الكتابة لسد الذرائع، ومثل هذا ثبت أن أم سلمة كان لها عبد فكاتبه فأدى بعض النجم (قسط) ثم أتى بالباقي للأداء، وكانت أم سلمة في الهودج فاحتجبت، فقال: ماذا تفعلين؟ قالت: هكذا حكم الشريعة فبكا وأراد أن لا يؤدي، فقالت: أد أم لا ولكن حكم الشريعة قد جرى، وقال العيني: إن معنى فلتحتجب أن تهيأ للاحتجاب.(3/39)
باب ما جاء إذا أفلس للرجل غريم فيجد عنده متاعه(3/40)
[1262] قال أبو حنيفة: إن البائع قبل قبض المبيع يجوز له أن يحبس المبيع، وأما بعد القبض فهو وسائر الغرماء سواسية، وقال الحجازيون: يجوز له أن يأخذ شيئه إذا كان على حاله بدون تصرف فيه، ونقول: إن في العارية والمغصوب حق أخذ الرجل شيئه، وحديث الباب الصحيح ظاهره للحجازيين، وأما محمل الحديث عندنا فقال الأحناف: إنه محمول على الغصوب والعواري والأمانات، أقول: كيف يجري هذا الجواب والحال أن في مسلم تصريح البيع؟ فأقول: إن حكم حديث الباب محمول على الديانة لا القضاء أي يعطي المديون الدائن شيئه إذا كان موجوداً عنده بعينه لتعلق حق له به كما ذكر وفي فرس عاد إلى دار الحرب ثم أصابه المسلمون ما أحق المالك الأصلي بعدما قسمه الغانمون، كما في مسلم والترمذي: إن رجلاً من بني إسرائيل كان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا ويمهلوا الناس إذا أعسروا فتجاوز الله عنه لهذه الحسنة، وإذا قصته الشريعة علينا ولم تنكره يكون ذلك الحكم في شريعتنا أيضاً. فلا بد من حمل الحديث على الديانة.(3/40)
باب ما جاء في النهي للمسلم أن يدفع إلى الذمي الخمر ليبيعها له(3/40)
[1263] المسألة التي في الترجمة صحيحة عندنا، والمسألة ليست في حديث الباب بل مستنبطة من الحديث، وفي الهداية مسألة أخرى أنه إذا وكل المسلم الذمي ليشتري له الخمر ويبيع له فاشترى(3/40)
الخمر يثبت الشراء في حق الموكل هذا عند أبي حنيفة خلاف صاحبيه، وحديث الباب لا يضره وله فتوى عمر رضي فيما إذا أمر الذمي على العاشر بالخمر، ذكروها في شروح البخاري.(3/41)
باب أد الأمانة إلى من ائتمنك(3/41)
[1264] هذه المسألة مسألة الظفر، والصورة إن كان لأحد حق على الآخر فظفر المستحق على حقه فعند الشافعي يجوز له أخذ ذلك الشيء وإن كان بسرقة ومن أي جنس كان، وقال أبو حنيفة: إنه إذا وجد جنس حقه يجوز له وإلا فلا، والنقدان عنده في هذه المسألة جنس واحد، وأفتى أرباب فتوانا بما قال الشافعي.(3/41)
باب أن العارية مؤادة(3/42)
[1265] قال الشافعي وغيره من الحجازيين: إن في العارية ضماناً هلكت أو استهلكها.
قال أبو حنيفة: الضمان في الاستهلاك ولا يرد الحديث علينا أصلاً، فإن العارية مؤداة أي إذا كانت موجودة، قال الشافعي: إن في العارية إباحة المنفعة، وقال أبو حنيفة: إن فيها تمليكاً.
قوله: (قال قتادة ثم نسئ إلخ) زعم الراوي أن بين القولين تعارضاً، أقول: لا تعارض بل يفسر أحدهما الآخر.(3/42)
باب ما جاء في الاحتكار(3/42)
[1267] من الحكرة المنع والمراد، حبس الشيء عن بيعه ليباع في الجدب غالياً، والمنهي عنه هو حبس قوت الإنسان، وروي عن أبي يوسف في قوت الحيوان أيضاً، وأما إذا ادخر الغلة الخارجة من أرضه وحبسه عن البيع فذلك جائز، وفي كل باب مستثنيات.(3/42)
باب ما جاء إذا اختلف البيّعان(3/44)
[1270] قال الشافعي: القول قول البائع وإلا فتخالفا وترادّا، قال أبو حنيفة: إن العبرة للتخالف والتراد عند كون المبيع قائماً، والحديث عندنا أيضاً محمول به.(3/44)
باب ما جاء في بيع فضل الماء(3/44)
[1271] الماء ثلاثة أقسام؛
أحدها: الماء الذي لا صنع فيه لأحد كالنهر الجاري ويجوز فيه لكل واحد أن ينصب الرحى.(3/44)
والثاني: أن تحفر جماعة نهراً صغيراً فيجوز منه سقي الدواب ولا يجوز سقي الأرض ونصب الرحى.
والثالث: الماء المحرز في الأواني ويجوز منه الشرب، ويجوز أخذه بالقتال أيضاً عند الاضطرار، وفيه أثر عمر فإنه قال حين ذكروا القصة: أفلا وضعتم فيهم السيف.(3/45)
باب ما جاء في كراهية عسب الفحل(3/45)
[1273] واعلم أن حديث الباب حديث أنس قوي وجزيل يفيد في أن الألفاظ دخيلة في اصطلاح الحكم خلاف ما قال ابن تيمية: إن العبرة للمقاصد لا للألفاظ، وفي هذا أدلة منها الآية الدالة على أن المتوفى عنها زوجها لا تخطب تصريحاً، ويجوز الكناية فالغرض واحد والاختلاف في التعبير.(3/45)
باب ما جاء في كراهية ثمن الكلب(3/46)
[1275] قال صاحب الهداية: يجوز بيع الكلب وإن لم يكن معلماً، وقال شيخه السرخسي: إن جواز البيع منحصر على الكلب المعلم، والراجح ما قال السرخسي ووقع استثناء الكلب المعلم في الأحاديث منها ما في مسند أحمد بسند قوي، ومنها ما في النسائي ص (195) ، ج (2) . باب الرخصة في بيع كلب الصيد فإن فيه تصريحاً لا يجوز بيع الكلب إلا بيع كلب صيد، وأعلَّه البعض، وقيل: إن الحديث ثابت بأسانيد قوية، وصورة الإعلال بأن «إلا كلب صيد» ليست قطعة هذا الحديث بل حديث نهي اقتناء الكلب، ولنا ما في الطحاوي أن عثمان ذا النورين أوجب على رجل قتل كلب رجل قيمته وافرة، وأما حديث الباب وما يضاهيه فيمكن فيه أن يقال بعين ما قال الخطابي: إن حديث النهي عن(3/46)
بيع الهرة إنما معناه أن لا تجعل الهرة مملوكة بل تمهل مباحة، ومذهب الشافعية أن بيع الهرة جائز، وفي الدر المختار باب البيع: المكروه: أن بيع القردة للهو واللعب غير جائز.(3/47)
باب ما جاء في كسب الحجام(3/47)
[1277] أجرة الحجامة غير مرضية، وتصير في ملك الحجام، ولو بملك الحجام، ولو بملك فيه خبث وهذا يكون خلاف المرؤة، ومثله: «إن الله يحب أعالي الأمور ويكره سفا سفها» ، وإن قيل: إن الحجامة من ضروريات الدنيا، فلم جعلت أجرتها غير مرضية؟ قلت: أجاب الغزالي عن هذا في كتاب الضرورة من الإحياء.
قوله: (لرقيقك إلخ) دل الحديث على أن للحلال أيضاً مراتب ولا يخالفه ما في كتبنا من أن ما لا يجوز للإنسان لا يؤكل دوابه، وفي نظم ابن وهبان:
~ وما مات لا تطعمه كلباً فإنه ... حرام خبيث نفعه متعذر
وقال ابن الشحنة: إن هذا فيما يقطع لحم الميتة ويؤكل كلبه، وأما إذا مر عند ميتة بكلبه فوقع الكلب عليه فلا وزر عليه، وقول ابن الشحنة هذا ينظر فيه.(3/47)
باب ما جاء فيمن يشتري عبدا فيستعمله ثم يجد به عيبا(3/49)
[1285] قال الأحناف: إن حديث الخراج بالضمان محمول على الزيادة المنفصلة غير المتولدة فإذن لا يعارض حديث الباب حديث المصراة كما قال الطحاوي في المعارضة، والواقعة ليست بمذكورة في(3/49)
طريق الباب ولكنها مذكورة في سائر الطرق وهي أن رجلاً اشترى عبداً فاستعمله ثم رده بعيب فرفع القضية إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «الخراج بالضمان» .(3/50)
باب ما جاء في الرخصة في في أكل الثمرة للمارّ بها(3/50)
[1287] قال العلماء: إن هذا الحديث وحديث: حلب اللبن للمار بها، دائر على عرف الناس فما كان وقيعاً وعزيزاً عند المالك لا يجوز أكله بلا إجازة.(3/50)
باب ما جاء في النهي عن الثنيا(3/51)
[1290] الثنيا الاستثناء، قال العلماء: إن استثناء الأشجار من الأشجار المبيعة جائز، وأما استثناء بعض الثمار فإما أن يستثني الأرطال المعلومة أو المجهولة، فإن كانت معلومة أو استثناء الجزء الشائع مثل النصف أو الربع ففيه لنا روايتان، وإن كانت مجهولة فالمبيع غير جائز، وأما في استثناء الأرطال المعلومة فاختار صاحب الهداية ص (14) عدمَ الجواز، ودرُّ المختار الجوازَ، واختاره الطحاوي فإنه يؤيده الحديث الصريح وقد اختاره محمد في موطئه.
قوله: (المخابرة إلخ) قيل: المزارعة فيكون الحديث دليل أبي حنيفة للنهي عن المزارعة وقيل: المخابرة هو عمله بأهل خيبر، ولكن الأرجح هو القول الأول.(3/51)
باب ما جاء في كراهية بيع الطعام حتى يستوفيه(3/52)
[1291] قال الحجازيون: لا يجوز بيع الطعام قبل القبض والطعام عندهم عن الأشياء الربوية، وقال الشيخان: لا يجوز التصرف قبل القبض في المبيع إلا العقار، وقال محمد: لا يجوز التصرف في بيع ما قبل القبض، وأما القبض في الطعام عند أبي حنيفة فيكون بمحض التخلية، وأما تعريف التخلية فمتعذر ومحصله ما ذكره المصنف أن يرفع البائع ملكه عن المبيع بحيث يتمكن المشتري من القبض ولا يجب القبض بالبراجم، وأما ما في الأجناس الناطفي من أن يقول قد خليت فغير ضروري، وقال الشافعي: إن القبض بالنقل، وأما الحديث ففيه ذكر الطعام فنقح فيه الشيخان المناط وقرر المناط أن يكون الشيء منقولاً، وقصر الحجازيون الحكم على الطعام، وقال محمد وابن عباس: إن قيد الطعام اتفاقي والحكم حكم كل مبيع، وأما ألفاظ الحديث فثلاثة: (حتى يستوفيه) (حتى ينقله) (يقبضه) فزعم الشافعية أن الأصل (حتى ينقله) والآخران يحملان عليه، وقال الأحناف: إن الكل صور القبض أو كناية عن القبض.(3/52)
باب ما جاء في بيع الخمر والنهي عن ذلك(3/53)
[1293] إن كان الخمر مبيعاً فالثمن إن كان نقداً فالبيع باطل، وإن كان عروضاً فالبيع فاسد وإن كان الخمر ثمناً فالبيع فاسد، وقال أبو حنيفة: إن التخليل والتخلل جائز، وقال الشافعي: لا يجوز التخليل وتفصيل مذهبه أن التخلل جائز والتخليل إن كان بلا إلقاء شيء ففيه قولان، وإن كان بإلقاء شيء فغير جائز، وحديث أنس يخالفنا في التخليل، وفي الحديث كلام، فإن حديث الباب يدل على أنه اشترى الخمر حين نزول الآية، والحديث السابق المار يدل على أنه كان الخمر عنده موجوداً قبل نزول الآية، وأجاب الزيلعي شارح الكنز من حديث الباب: أنتخذ الخمر خلاّ؟ إلخ أن معناه أنجعل الخمر بدل الخل للإدام ونأكله؟ أقول: إن هذا الجواب لا يعلق بالقلب وتمسك الأحناف بحديث، وذلك مروي بسندين ضعفهما الزيلعي في التخريج، وتأول فيه البيهقي بأن خل الخمر في نفسه الحجاز العنب، أقول: يتمسك بما أخرجه الدارقطني أنه جوز التخليل ورجاله ثقات إلا مغيرة بن زياد وضعفه الدارقطني، أقول: إنه من رجال السنن، وأما في خارج الصغرى للنسائي فقال مرة: إنه متروك، وقال مرة: إنه حسن، وأكثر أرباب الجرح والتعديل لهم فيه قولان وعن أحمد أيضاً قولان، فإذن أقول: إنه حسن بحسب الضابطة فيمكن تحسين الحديث وإن كان الكلام في خصوص هذا الحديث فلا أعلمه، ولنا ما في كامل ابن عدي عن أم سلمة أنه قال: «يطهر الخمر بالتخليل كما يطهر الجلد بالدباغة» ولا أعلم حال سند حديث كامل إلا أنه من عادته إخراج الحديث في كامله ما لا يكون حسناً ولا صحيحاً بل ما يكون فيه الوهم، وأما وجود الخمر عند المسلم فلا سبيل له إلا أن يكون غصب، أو كافر وعنده خمر فأسلم، وأما اشتراط الخمر فغير جائز عندنا، وفي الدر المختار من ملتقى الأبحر: إن النظر إلى الخمر على سبيل التلهي حرام، وفي الدر المختار إذا أتلف أحد خمر أخيه(3/53)
المسلم فلا ضمان، وفي كتبنا أن نقل دن الخمر إلى الخل غير جائز، ويجوز نقل دن الخل إلى الخمر.
قوله: (فأحملها إلخ) قال أبو حنيفة: إن الأجرة على نقل الخمر وحمله طيبة خلاف صاحبيه، وأشار في الهداية ص (123) إلى الجواب من جانب أبي حنيفة، والحديث محمول على المقرون بالقصد إلخ، أي قصد الشرب.(3/54)
باب ما جاء في بيع جلود الميتة والأصنام(3/55)
[1297] ظاهر حديث الباب يشير إلى بطلان بيع نجس العين، قال أبو حنيفة: شحم الميتة نجس ولا ينتفع به أصلاً، وأما السمن الذي سقطت الفأرة فيه، وماتت تنجس لمجاورة النجس وليس نجس عين، يجوز بيعه إذا أخبر المشتري بأنه سقطت الفأرة فيه، ويجوز الاستصباح به، وقال الشافعي: إن الاستصباح وطلي السفن بشحم الميتة جائز.
قوله: (الأصنام إلخ) من كسر الصنم فإن كان كسره بلا إجازة الإمام فعليه قيمة ما اتخذ منه لا قيمة الصنع، وإن كان كسره بإجازة الإمام فلا شيء أصلاً.
واعلم أن الخنزير لم يكن حلالاً في الشريعة خلاف ما قال في أول نور الأنوار، فإن في التوراة كان فيه حرمة كل ذي ظفر فاختلف علماء الإنجيل في دخول الخنزير في ذي ظفر، ولم يكن تصريح جوازه وحلته في شريعة ما.(3/55)
باب ما جاء في كراهية الرجوع عن الهبة(3/55)
[1298] قال الشافعية بظاهر ما في جملتي حديث الباب، وفي متون الحنفية أن الرجوع عن الهبة جائز عند فقدان الموانع السبعة وهي ما ذكرها النسفي في منظومته:(3/55)
~ يمنع الرجوع عن الهبة ... يا صاحبي حروف ومع خزفة
ثم يذكر في الكتب أن الرجوع عن الهبة لا يجوز إلا بتراضي الطرفين كما في الكنز، وفي الدر المختار أن الرجوع مكروه تحريماً أو تنزيهاً وإن فقدت الموانع، وهذا حكم الديانة فأقول: إن حديث الباب محمول على الديانة لا القضاء والرجوع ديانة مكروه تحريماً وتمسكوا بحديث ابن ماجه: «الواهب أحق بالهبة ما لم يثب منها» إلخ.
قوله: (إلا فيما يعطي الوالد إلخ) قال أبو حنيفة: إن الوالد لا يرجع عن هبته لولده، وأما حديث الباب فجوابه أن في مال الولد حقاً للوالد أيضاً، فإذا أخذ شيء ولده فليس برجوع عن الهبة في الواقع والحقيقة.(3/56)
باب ما جاء في العرايا والرخصة في ذلك(3/56)
[1300] البحث طويل الذيل ولا أذكر إلا نبذة من الكلام، العرايا جمع العرية، وهي من علم أو(3/56)
نصر، الأول لازم، والثاني متعد، وتفاسير العرية عديدة ذكرها في فتح الباري، قال الشافعي: العرايا بالأشجار التي أعطى صاحب البستان لأكل الرطب التي على رؤوس الأشجار خرصاً بدل التمر المجذوذ، فإن الرجل إذا كان عنده تمر مجذوذ ويشتهي قلبه أن يأكل الرطب في زمان النخيل فذهب عند صاحب البستان ليشتري الرطب بدل التمر فيجوز له ذلك البيع إلى خمسة أوسق لهذا الاشتهاء، فيكون هذا استثناءاً عن المزابنة أي يحرم بيع الثمار على رؤوس الأشجار بتمر مجذوذ إلا في خمسة أوسق، ثم قال الشافعي: يشترط الكيل في التمر والخرص في الرطب، فالعرايا هي الأشجار التي أفرز له صاحب البستان ليأكله، ثم قال الشافعية: إنه يجوز له أزيد من خمسة أوسق ولو ألف وسق في صفقات كل صفقة لا تزيد على خمسة أوسق ولمالك في العرية تفسيران أحدهما ما في موطئه، والثاني ما في كتاب الطحاوي وما ذكره الطحاوي، هو تفسير أبي حنيفة، فأحد تفسيريه أن لرجل نخيلاً كثيرةً في البستان ولرجل آخر عدة نخل في ذلك البستان، فذهب صاحب النخيل الكثيرة بعياله في البستان كما هو دأب العرب فضره إياب ذي النخيل القليلة وذهابه في البستان فقال لذي النخل القليلة: خذ عني تمراً بدل رطبك على تخيلك، فهذا البيع جائز لذي النخيل الكثيرة ولا يجوز لغير هذين الرجلين، فالعرايا هي الأشجار القليلة وفي هذا أيضاً يكون استثناءً من المزابنة. والتفسير الثاني للعرية عن مالك بن أنس أن يهب رجل صاحب البستان إعانة أو عارية بعض النخيل ثم ضرّه إياب الموهوب له وذهابه في البستان فيعطي الموهب له التمر المجذوذ بدل الرطب على رؤوس الأشجار، ويمنعه من الدخول في البستان، وهذا هو تفسير أبي حنيفة لفظاً بلفظ، والاختلاف في التخريج بأن معاوضة التمر والرطب عند مالك بيع فإنه إذا كان وهبه
الرطب ثبت ملك الموهوب له فإذا باعه بدل التمر يكون بيعاً، وقال أبو حنيفة: إنه إذا وهب بعض ثمر النخيل لم يثبت ملكه في ثمر النخيل بالتخلية فإن ملك الثمر لا يثبت إلا بقبض، ولا يثبت القبض إلا بالتخلية في صورة الهبة بخلاف بيع النخيل فإنه يثبت الملك فيه بالتخلية فقط، ففي هبة النخيل وبيع النخيل في ثبوت الملك فرق فإن الملك يثبت في البيع بالتخلية لا في الهبة ثم إذا أعطى مالك البستان التمر بدل الرطب على رؤوس الأشجار فلا يكون بيعاً بل استرداد وهبة وبدء هبة مستأنفة، وقال مالك: إنه بيع فليس الاختلاف إلا في التخريج، ومثل ما قال أبو حنيفة ومالك في تفسير العرية قال أحمد أيضاً، وهاهنا تفسير آخر عن أبي عبيد، وهو أن العرية هي الأوسق التي تخرج من مال الزكاة لأن يعطي من يشاء ولا يحملها إلى بيت المال وهي مصداق حديث: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» أي لا يحملها إلى بيت المال بل يتصدق بها على من يشاء بتعارفه هذه التفاسير التي يحتاج إلى ذكرها، وهذه التفاسير كلها مروية عن الصحابة بالأسانيد القوية بلا ريب، ثم يرد على تفسير الحنفية أنكم فسرتموها بالهبة، والحال أن في جميع طرق الأحاديث إما إطلاق البيع على العرية أو استثناء العرية من البيع، والأحاديث تبلغ إلى عدد من الطرق ثم هي على خمسة أنواع، وتحت كل نوع أفراد فإن في(3/57)
بعضها استثناء العرية من المزابنة، وفي بعضها عن أشياء أخر، وفي بعضها إطلاق البيع على العرية، فإذن يرد على الأحناف أن إطلاق البيع واستثناءها من البيع يخالف التفسير بالهبة فقال الأحناف: بأن في العرية صورة بيع، لا حقيقة بيع وتمشي الأحاديث على إطلاق البيع فإنها بيع مجازاً كما في الهداية ص (49) ج (2) وهو بيع مجازاً لأنه لم يملكه إلخ، أقول: قد ثبت تفسير أبي حنيفة من الصحابة بلا ريب، والعرية في اللغة الهبة كما صرح في الشعر:
~ وليست بسنها ولا رجبية ... ولكن عرايا في السنين الجوائح
ذكره في معاني الآثار ص (113) ج (2) أيضاً، وقد نص علماء اللغة أن الهبة على أنواع العرية والمنيحة وغيرهما فلا ريب في كون تفسيرنا موافقاً للغة، ثم أقول من جانب الشافعية: إن عند أهل اللغة العرية هي الأشجار التي توهب للغير لأكله، ثم توسِّع وأطلق على كل شجرة منتخبة لأن يأكل ثمارها بنفسه أو يعطي غيره فإذن قرب تفسير الشافعية إلى اللغة، وأقول في الجواب من الأحناف من الحديث الدال على البيع بعد ثبوت تفسيرنا من اللغة: إن بيع العرية صورته أن يقول: اشتريت خمسة أوسق، من ثمار هذه الشجرة بدل هذا التمر ويكون المبيع خمسة أوسق، وأما إذا قال: اشتريت ثمار هذه الشجرة التي هي خمسة أوسق بدل هذه التمر ويكون المبيع ثمار الشجرة ثم البائع لا يضمن أن تخرج قدر خمسة أوسق أم لا، فهذه صورة أخرى فالصورة الأولى جائزة وهي صورة العرية عندنا، والصورة الثانية غير جائزة عند أبي حنيفة إلا أن في الصورة الأولى تخرص الخمسة الأوسق على الأشجار في الحال وإنما يكون البيع بالكيل فإنه كلما جناها يكيلها فالكيل يكون بعد الجني لا في الحال والبيع لا يكون بالخرص بل بالكيل فصدق لفظ البيع حقيقة وكون الرطب على رؤوس الأشجار وبدل التمر وبصورة الخرص في الحال وإن كان البيع بالكيل فإذن صار مذهبنا عين ظاهر الأحاديث، هذا ما حصل لي في توفيق المذهب بالحديث، وأما وجه خمسة أوسق فإما أن يقال: إن البيع يكون بالكيل والكيل لم يكن في الرطب حالة الرطب بل المعروف الكيل في التمر فإذا اختار بنفسه الكيل الذي غير معروف يقتصر على ما يقتضي به الحاجة، وحاجة الأكثرين يقتضي بخمسة أوسق وهذا أوسط الأحوال، وإما أن يقال بحمل خمسة أوسق على ما حملتُ حديث: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) فيقتصر الحكم على خمسة أوسق بحكم الشرع لا بالعادة.
قوله: (بمثل خرصها إلخ) قال الشافعية: إن الباء باء البدلية، والمخروص الرطب، والمثل هو التمر المجذوذ، وأما من جانب الحنفية فأقول: إن الباء باء التصوير أي يبيع بصورة الخرص هذا، والله أعلم، والبحث أطول.(3/58)
باب ما جاء في الرجحان في الوزن(3/60)
[1305] زيادته إما هبة وإما زيادة في الثمن، فإن كانت زيادة في الثمن فيلحق بالثمن لما في الهداية، وإن كانت هبة فلا يقال: إنها هبة مشاع، فإن الفضة لم تكن مضروبة بل كانت مكسورة فلا شيوع فمن أي باب كانت زيادته يعتبر فيه الشروط ذلك الباب، قيل: إن أول من أخرج الضرب هو عبد الملك كما قال الشافعية، أو عمر الفاروق كما قال الأحناف، وهذا الضرب هو في الإسلام، وأما ضرب غير المسلم فكان في عهده أيضاً.(3/60)
باب ما جاء في السلف في الطعام والتمر(3/62)
[1311] السلف السلم، في السلم عند أبي حنيفة فإنه سبع شروط، ولا يصح عندنا إلا في المكيلات والموزونات والمزروعات والمعدودات المتقاربة، فإنه لا يصح إلا فيما يثبت في الذمة، ولا يكون بيع صحيحاً إلا ما يكون المبيع فيه موجوداً إلا بيع السلم، ويلحقه فصل الاستصناع كما يذكرونه لاحق السلم، وفي متوننا: إن السلم لا يكون في أقل من شهر، وقال السرخسي: إن العبرة لما وقع عليه العقد ولا يجب تعيين شهر، والسلم في الحيوان غير صحيح عندنا.
قوله: (إلى أجل معلوم إلخ) قال الشافعي: إن أجَّل يجب التعيين، وإن سلم المسلم فيه في المجلس فلا يجب تعيين الأجل، وعندنا يجب تعيين الأجل، وشرح جميع الجمل في حديث الباب على شاكلة ونسق واحد على ما قال أبو حنيفة خلاف الشافعية.(3/62)
باب ما جاء في المخابرة والمعاومة(3/63)
[1313] المخابرة المزارعة، والمزارعة على النقدين جائزة اتفاقاً، وأما المزارعة بجزء معين فغير جائزة اتفاقاً، وأما بجزء مشاع فمختلفة فيها؛ قال أبو حنيفة بعدم الجواز، وقال مالك وأحمد وصاحبا أبي حنيفة بالجواز، وقال الشافعي: إن كانت المزارعة بتبعية المساقاة فجائزة وإلا فلا، والمساقاة تكون في الثمار وهي جائزة عند الشافعي لا عند أبي حنيفة، وأما أرباب فتوى أهل المذهبين فأفتوا بالجواز خلاف الإمام، وأما الأحاديث ففي الجواز وعدمه صحاح وحمل المجوزون النهي على الشفقة، وطرق الطحاوي بالروايات واختار مذهب الصاحبين، وأما أرباب التصنيف فيذكرون في أول الباب أن المزارعة عند أبي حنيفة باطلة خلاف صاحبيه ثم بعده يذكرون خلاف الفروع بينهم، وأقول: إذا فقد باب المزارعة عند أبي حنيفة فكيف يذكر الخلاف في الفروع؟ فقال شراح الهداية: إن ذكر أبي حنيفة الفروع بناءً على فرض صحة المزارعة، أقول: إن هذا لا يجدي بل مثله يجري في كل باب ثم رأيت في الحاوي القدسي قال: إن أبا حنيفة إنماكرهها ولم ينه عنها أشد النهي إلخ، فانحل الإشكال،(3/63)
ومراده أن أبا حنيفة لم يقل ببطلان المزارعة بل كرهها، ذكر بعض الشافعية أن البذر إن كان من ربّ الأرض فمزارعة وإلا فمخابرة، ولم أجد هذا الفرق في غير كتبهم.
قوله: (سعّر لنا إلخ) روي عن أبي يوسف أن الغلو والمظلمة إذا انتهى يعين الإمام السعر بنفسه ويدخل في ترخيص الأشياء.(3/64)
باب ما جاء في كراهية الغش في البيع(3/64)
[1315] ذكر في الفتح أن البيع ذا غرر قولي يجب فسخه قضاء، وذا غرر فعلي يجب فسخه ديانة، وكل بيع مكروه تحريماً يجب فسخه ديانة.(3/64)
باب ما جاء في استقراض البعير أو الشيء من الحيوان إلخ(3/65)
[1316] قال أبو حنيفة: لا يجوز القرض إلا في المثلي أي المكيل أو الموزون، وقال الشافعي: يجوز استقراض الحيوان كالسلم ويعين كل تعيين كيلا يقع النزاع بعد، وللشافعي حديث الباب، ولنا ما مر من التشريع العام (نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسئة) ، وحديث الباب واقعة حال، وإن قيل: إن حديث المار في البيع لا القرض، أقول: إن مناطهما واحد، ومحمل واقعة الباب عندي أنه اشترى البعير بثمن مؤجل ثم أعطى إبلاً بدل ذا الثمن فعبَّرَ الراوي بهذا، ومثل هذه المعاملة تكون في عصرنا كثيرة.(3/65)
قوله: (استلف إلخ) أي اشترى بثمن مؤجل، ومثل هذا ما في الصحيحين: «أنه استسلف الطعام ورهن درعه» ولم تكن الدرع ثمناً بل رهناً بدل الثمن.(3/66)
باب النهي عن البيع في المسجد(3/66)
[1319] يجوز للمعتكف بلا إحضار سلعة، وقال ابن وهبان في منظومته: إن اعتياد المرور بمسجد فسق والتعليم للأطفال فيه غير جائز، وقال الشارح: هذا إذا كان يعلم على الأجرة وإلا فلا:
~ ويفسق معتاد المرور بجامع ... ومن علّم الأطفال فيه ويؤزر(3/66)
كتاب الأحكام(3/68)
لا نجد كتاب الأحكام في كتب الفقه بل نجد في كتب الحديث، ويذكر تحته مسائل مثل مسائل القضاء في الفقه(3/68)
باب ما جاء في القاضي يخطئ ويصيب(3/69)
[1326] قال الشاه ولي الله رحمه الله في عقد الجيد: إن حديث الباب في حق القاضي لا في حق المفتي أو المجتهد والقاضي الحاكم يحتاج إلى معرفة المسائل والوقائع أيضاً بخلاف المفتي.
قوله: (أجران إلخ) في مسند في رواية بسند ضعيف أن للمصيب عشرة حسنات.(3/69)
باب ما جاء كيف يقضي القاضي؟(3/70)
[1327] حديث الباب يفيد في القياس وأخذه أرباب الأصول وتكلم فيه المحدثون لأن الراوي عن معاذ مبهم، أقول: إن الراوي عنه جماعة من أصحاب معاذ، وأصحاب معاذ ثقات فلا ضير والحديث قوي، وقال البيهقي: إن الحديث وإن هو منقطع لكنه مروي عن أصحاب معاذ فيكون حجة وأخذ أرباب القياس حديث الباب، أقول: إن الاجتهاد الذي أعم من القياس الذي قسيم الكتاب والسنة والإجماع لا ينكره داود الظاهري ولا يقال: إن داود الظاهري منكر القياس وليس بمجتهد، وإن أشار إليه في الهداية لكن الحق أنه مجتهد، والاجتهاد يشتمل على تقييد المطلق وتخصيص العام وتفسير المجمل وتقديم النص على الظاهر ومثل هذه الأبحاث، هذا والله أعلم، وراجع تخريج الهداية من أحاديث الاجتهاد من القضاء.(3/70)
باب ما جاء لا يقضي القاضي وهو غضبان(3/72)
[1334] لأن القضاء ينبغي أن يكون حالة الاعتدال، وثبت قضاؤه حالة الغضب لكنه لا يقاس عليه سائر أناس أمته.(3/72)
باب ما جاء في هدايا الأمراء(3/72)
[1335] قال أرباب متون الحنفية: إن القاضي لا يجيب دعوة رجل إلا أن يكون من متعلقيه أو كان يدعوه قبل نصبه على منصب القضاء، والهدية على أربعة أقسام، وبحث ابن عابدين في جواز الدعوة المفتي وعدم الجواز.(3/72)
باب ما جاء في الراشي والمرتشي إلخ(3/72)
[1336] الرشوة في اللغة إدلاء الدلو في البير، وقال فقهاؤنا: يجوز إعطاء الرشوة إذا كان مظلوماً، وإن كان ظالماً أو كان له غرض فاسد فلا يجوز، والراشي المعطي، والمرتشي الآخذ، ووقع في بعض(3/72)
كتب اللغة حديث: «لعن الله الراشي والمرتشي والرائش» إلخ، والرائش الوكيل بين الراشي والمرتشي، وأحاديث أرباب اللغة لا تكون بلا أصل، وذكر العسكري إمام اللغة في كتاب الأمثال قريب ألف حديث ليست بلا أصل.(3/73)
باب ما جاء في التشديد على من يقضى له بشيء ليس له أن يأخذه(3/74)
[1339] قالوا: إن حديث الباب يرد على الحنفية حين قالوا: إن القضاء نافذ ظاهراً وباطناً، وأنكره البخاري في كتاب الحيل أشد الإنكار، أقول: ليست المسألة أن ينكر ذلك الإنكار فإن عنوان المسألة هذا قضاء القاضي بشهادة الزور في العقود والفسوخ لا في الأملاك المرسلة إذا كان المحل قابل الإنشاء ولا يأخذ القاضي الرشوة نافذ ظاهراً وباطناً وقيود أخر أيضاً، وأما الأملاك المرسلة فهي أن يدعي أن هذا الشيء لي ولا يذكر سبب ملكه فإنه قضاء ظاهراً لا باطناً، وأما وجه عدم نفاذه باطناً فذكر صاحب الهداية أن الشيء يتملك بأسباب عديدة فإذا قضي فالقضاء يكون بدل السبب، ولا وجه ترجيح بعض الأسباب على بعض فيكون ترجيحاً بلا مرجح، والوجه إلى أن العقود والفسوخ في يد القاضي وقدرته بخلاف الأملاك المرسلة، فعلى ما ذكر قلنا: إنه إذا ادعى رجل نكاح امرأة وشهد شاهدان فحكم القاضي بنكاحه حل له الاستمتاع، وزعم خصومنا أنا أخبرنا هذا الارتكاب بلا نكير، والحال أن هذا الزعم فاسد وعلى المدعي والشاهدين وزر الآخرة كما قال الشيخ في الفتح، وخلاف العراقيين والحجازيين في أن النكاح صحيح أم لا؟ والمرأة منكوحة أم لا؟ فقال الحجازيون: إنها تقوم عنده ولا تمكنه من نفسها، وقلنا: إنها تمكنه من نفسها، ثم قال جماعة منا: إن القضاء بمنزلة النكاح حتى قالوا: إنه يجب عند هذا القضاء شاهدان مثل ما يكون الشاهدان في النكاح، وقيل: لا يجب الشاهدان لأن القضاء ليس بنكاح صريح بل النكاح في ضمنه، واتفقنا على أن القضاء قائم مقام النكاح، وأما حديث الباب فلا يرد علينا فإنه في من هو ألحن بحجته، ولا نقول بأن القضاء نافذ بمحض ذلك اللحن بل يجب الشاهدان وغيره من الشروط، ونقول أيضاً: إن الحديث في الأملاك المرسلة فإنه في الميراث لما أخرجه أبو داود ص (148) ج (2) ، وقد يدور بالبال أنه مع الحل باطناً من النار لا في الكذب ابتداءً
فقط بل مستمراً، ونظيره ما ذكره في رد المحتار في نكاح الرقيق فيما وطئ جارية ابنه وادعى الولد، والأسهل أن يقال: إنه قطع له من النار من جهة السبب فهو في نفس الدفع لا بعده فالسبب تحقق ابتداءً والاتصاف مستمر كما قال بعض أرباب الفنون. إن التحقق مرة يكفي للصدق بإطلاق العام مستمراً أو أنه حكم من جهة السبب وبمثله قالوا في حديث عمار: «تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» . وأما حجتنا فذكر الطحاوي حين بوب على المسألة وأتى بشيء لطيف من باب التفقه ويذكر أرباب تصنيفنا واقعة علي أنه ادعى عنده رجل نكاح امرأة وشهد شاهد الزور فحكم علي بالنكاح، فقامت المرأة فقالت: واللهِ أعلم أنه كاذب، فأنكحني به(3/74)
يا أمير المؤمنين كيلا يأثم، فقال علي: شاهداك زوّجاك إلخ، ذكره محمد في الأصل، ولا يذكرون سند هذه الواقعة ولم أجد السند وظني أنها لا تكون بلا أصل، ومر الحافظ على هذا الأثر ولم يرده زيادة الرد ولم يقبله أيضاً، فدل على أنه ليس بلا أصل.(3/75)
باب ما جاء في أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه(3/75)
[1340] قال أبو حنيفة: إن فصل الأمور بطريقين: البينة على المدعي أو اليمين من المنكر؛ ولا ثالث، وقال الشافعية بالثالث أي الشاهد الواحد واليمين من المدعي، وحديث الباب لنا أي البينة على المدعي واليمين على من أنكر ولا ثالث، وسيأتي حديث للحجازيين ولعل البخاري وافقنا فإنه لم يخرج حديث الحجازيين.(3/75)
قوله: (عن ابن عباس إلخ) حديث ابن عباس: «ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر» إلخ أخرجه النووي: في أربعينه وصححه، وابن حبان صححه في صحيحه، ورواه البيهقي في السنن الكبرى وسنده صحيح، وأخرج البخاري قطعة منه في تفسير سورة البقرة، لكن معرفة المدعي والمدعى عليه متعذرة لا يدركها كل واحد، ولذا صرح الفقهاء في جميع الجزئيات بأن المدعي فلان والمدعى عليه فلان.(3/76)
باب ما جاء في اليمين مع الشاهد(3/76)
[1343] حديث الباب حديث الحجازيين وحجة علينا، وأجاب الحنفية بأوجه منها أن الحديث لا يدل على أن اليمين كان على المدعي بل يمكن مراد أن يقال: إن الشاهد على المدعي واليمين للمنكر ومنها أن المراد أن فصل الخصومات في عهده كان بسببين إما بالبينة أو باليمين والشاهد اسم جنس يطلق على الواحد والكثير ولا يدل على الشاهد الواحد، وقال الجمهور: إن اسم الجنس لا يكون في المشتقات لكن الزمخشري قال بأنه قد يكون مشتق أيضاً اسم جنس كما قال تحت آية: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِم} [الفرقان: 27] الآية، فدل الحديث على أن يكون فصل الأمر بالبينة لكن البينة عام من أن يكون رجلين أو رجلاً وامرأتين أو امرأة واحدة أو رجل واحد أو أربعة شهداء لكن هذا الوجه للجواب يرده سائر طرق الحديث، وحديث الباب أخرجه مسلم في صحيحه، ونقل المحقق ابن أمير(3/76)
الحاج إعلال ابن معين حديث الحجازيين بجميع طرقه لكن الجمهور إلى تصحيح الحديث، فأقول: ولينظر إلى أصل الواقعة، فأقول: إنه كان صلحاً لا فصل الأمر بالقضاء لما أخرجه أبو داود ص (508) أنه: قضى بشاهد واحد إلخ، وفيه: «اذهبوا فقاسموهم أنصاف المال» إلخ، فدل على أنه مصالحة فإنه لو كان قضاءً بشاهد واحد ويمين فكيف يكون التصنيف فليس إلا صلحاً، وعبره الراوي بالقضاء بشاهد ويمين فإذن لا حاجة إلى الجوانب، والمسألة مختلفة فيها في السلف.
قيل: إن أول من قضى بشاهد ويمين معاوية، ولكنه قال باقر: قضى جدي علي بيمين وشاهد، وسنده قوي رواه أبو يوسف في مسنده، تأليف ابن عروبة الحراني تلميذ أبي جعفر الطحاوي وهو في كنز العمال، ورأيت في تمهيد أبي عمر أنه روى مذهبنا ثم رد عليه أشد الرد، ولم يكن هذا الإنكار دأبه فإنه نقل عن محمد بن حسن أنه خبر الواحد خلاف كتاب الله تعالى، ثم توجه إلى أن يأتي بنظائر فيها الزيادة بخبر الواحد على القاطع ثم نقل عن محمد أنه إذا قضى قاضي بشاهد ويمين يجوز لقاضٍ آخر أن يفسخه، ثم غضب أبو عمر وقال: أليس مذهبنا مجتهداً فيه أيضاً، أقول: قول: إن محمد إنه خلاف الكتاب، فإن الكتاب قد تعرض إلى هذه المسألة في مواضع وليس فيها ذكر الطريق الثالث للفصل، وأما ما نقل عن محمد أن القاضي الثاني يجوز له أن يفسخه، فأقول: إن هاهنا دقيقة وهي أنه قد يكون القضاء مختلفاً فيه وقد تكون المسألة مختلفة فيها وإذا لحق القضاء مسألة مختلفة فيها مجتهدة فيها صارت مجمعة علينا، وأما إذا كان المختلف فيه قضاءً فإذا لحقه قضاء قاضٍ لا يصير مجمعاً عليه، وإلا إذا لحقه قضاء قاضٍ ثان فيصير مجمعاً عليه، فقول محمد في القضاء لا في المسألة فلا وجه للغضب.(3/77)
باب ما جاء في العبد يكون بين رجلين فيعتق أحدهما نصيبه(3/78)
[1346] أي إذا كان العبد مشتركاً بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه، فقال أبو يوسف ومحمد: إن العبد حر ثم أن كان المعتق موسراً فيضمن قيمة شريكه وإن كان معسراً فيستسعي العبد. قال الشافعي: إن المعتق إن كان موسراً فيضمن شريكه ولا يتجزئ العتق، وإن كان معسراً فيتجزئ العتق ولا يقول بالاستسعاء، بل يقول: يتخذ منه الشريك الثاني يوماً ويدعه يوماً إلى الأبد، وقال أبو حنيفة: إن كان المعتق معسراً فإما إن يستسعى أو يعتق وإن كان موسراً فإما ضمان أو استسعاء أو اعتاق والعتق يتجزئ عند أبي حنيفة في كل حال ولا يتجزئ عند صاحبيه في حال، وقال الشافعي: يتجزئ في بعض الأحوال لا في البعض الآخر، وقال النووي: إن وفاق الأحاديث للشافعي أقول: كيف وقد أخذ الشافعي، بحديث الضمان وأمهل حديث الاستعساء مع صحته؟ والإنصاف من حيث الحديث ما قال الطحاوي من أنه اختار مذهب الصاحبين، وأقول: إن مذهب أبي حينفة قوي تفقهاً فإن الإعتاق لازم الضمان والاستعساء المذكورين في الأحاديث، ووافق البخاري رحمه الله أبا حنيفة من الأول إلى الآخر.(3/78)
قوله: (فهو عتيق إلخ) قال أبو حنيفة: معناه أنه لا يبق رقيقاً وإن لم يعتق كله في الحال.
قوله: (عتق منه ما عتق إلخ) قال أبو حنيفة: معناه أن هذا إعتاق المعتق الأول وأما الباقي فيعتق في المآل بعد الضمان أو الإعتاق أو الاستسعاء، وقال بعض الشافعية في الاستسعاء بأن المراد به أن يخدم مولاه يوماً ويترك يوماً، ويبقى على هذا إلى الأبد، أقول: إن هذا يخالفه قوم قيمة عدل إلخ، وأذكر مستدلات أبي حنيفة؛ منها أثر عمر أخرجه الطحاوي ص (63) ج (2) سنده قوي فيه: فقال عمر: أعتقوا أنتم وإذا بلغ عبد الرحمن فإن رغب فيما رغبتم وإلا فضمنكم إلخ، ولأبي حينفة حديثان صحيحان أحدهما في مصنف عبد الرزاق، والثاني في مسند أحمد ورجاله ثقات، وصحح حافظ من الحفاظ أحدهما.(3/79)
واعلم أن ما يذكر في كتبنا أن العتق عند أبي حنيفة متجزئ فيه مسامحة، والحق أن يقال: إن إزالة الملك متجزية فإن إزالة الملك بمنزلة السبب للعتق، وكذلك الملك سبب الرقية فإن العتق هو قبول شهادته وكونه أهل الولاية وغيرهما، ولا يكون هذا إلا بعد إزالة الملك كله، فبين الرق والملك فرق وكذلك في ضدهما، ولذا قال النسفي في الكنز: إن الولد يتبع أمه في الملك والرق إلخ فإنه عطف الرق على الملك فيكونان مفترقين، وعلى هذا يقال: إن العبد مملوك زيد ورقيق في حق كل أناسي الدنيا، وكذلك إزالة الملك، حق المولى، والعتق في حق كل رجل، هذا والله أعلم.(3/80)
باب ما جاء في العمرى(3/80)
[1349] هي إعطاء الدار ويقال للمعطي: المُعَمِّر، والمعطى له: المُعَمَّر له، ثم عند الثلاثة تكون الدار للمُعَمَّر له ولعقبه إذا قال: لك ولعقبك، وإذا لم يصرح بهذا فكذلك أيضاً، وإذا اشترط العدم فيلغوا الشرط، وقال الموالك: إنه ليس بهبة وتمليك بل عارية وألفاظ الأحاديث تؤيد الثلاثة.
وأما الرقبى فقال أبو حنيفة ومحمد: إنه عارية وليس بتمليك، وقال أبو يوسف: إنه هبة. قالا: إنه من الارتقاب الانتظار، وقال: إنه من الرقبة، وأما الأحاديث فبعضها يفيده مثل ما في الباب اللاحق: «الرقبى جائزة لأهلها» إلخ، وكذلك ما في ابن ماجه، ويقال من جانبها: إن المدار على العرف ولعل عرف أهل كوفة وعرف عهده متبدل.(3/80)
قوله: (مالك بن أنس والشافعي إلخ) المذكور في كتب الشافعية ما ذكرت لا ما نقله الإمام المصنف رحمه الله تعالى.(3/81)
باب ما ذكر في الصلح بين الناس(3/81)
[1352] يجوز الصلح عندنا في الإقرار والسكوت والإنكار، وقال الشافعية: لا يجوز إلا في الأول.
قوله: (كثير بن عبد الله إلخ) صحح المصنف هاهنا حديثه وحسن في باب تكبيرات العيدين، وقال أحمد: إنه لا يساوي درهماً ولكنه متحمل عند البخاري وابن خزيمة وضعفه الجمهور.(3/81)
باب ما جاء في الرجل يضع على حائط جاره خشبة(3/82)
[1353] يجوز له ديانةً ولا جبر قضاء.
قوله: (أن يغرز خشبة إلخ) قال النووي في شرح المسلم: إن في عامة الطريق خشبة، بالتاء المعجمة، وفي مشكل الآثار للطحاوي خشبة بهاء الضمير، وأخذه النووي عن القاضي عياض فإنه ليس عنده مشكل الآثار.
قوله: (لأرمين بها إلخ) مرجع الضمير إما كلمة أو خشبة.
حكي في تذكرة أبي حنيفة أن رجلاً كانت له حائط فأراد كوة فيها فسأل أبا حنيفة عن الغرفة فأجاز له ومنعه جاره، وجاء ابن أبي ليلى فلم يجز له الكوة، فجاء الرجل الأول عند أبي حنيفة وأخبره بما قال ابن أبي ليلى، فقال له أبو حنيفة: أهدم جدارك، فلما أراد ذلك ذهب الجار عند ابن أبي ليلى وأخبره بما قال أبو حنيفة، فقال ابن أبي ليلى: ما أفعل فإنه جدره يفعل به ما شاء.
قوله: (وبه قال الشافعي إلخ) لعل قول الشافعي ديانة، وقول مالك قضاء فلا خلاف.(3/82)
باب ما جاء أن اليمين على ما يصدقه صاحبه(3/82)
[1354] أي العبرة في نية الحلف للحالف والمستحلف، وفي كتبنا أن الحالف إن كان ظالماً فالعبرة لنية المستحلف، وإن كان مظلوماً فالعبرة لنية الحالف، والمذكور في الحلف في محكمة القضاء الذي عليه(3/82)
مدار فصل الأمر ولا الذي يكون فيما بينهم ولا يدور عليه فصل الأمور، حكي أن حجاجاً مبير الأمة أرسل رجلاً إلى واحد من السلف ليأتي به عنده، فأتى الرجل باب سفيان ونادى وكان سفيان في بيته فبدل مجلسه الذي كان فيه وقال ولأمته: قولي: إنه ليس هاهنا (في الموضع الذي جلس فيه أولاً) ، وكذلك يذكر قصة الشافعي بين يدي المأمون في مسألة خلق القرآن.(3/83)
باب ما جاء في الطريق إذا اختلف فيه كم يجعل؟(3/83)
[1355] قال الأحناف: إن طول الطريق وعرضه، كطول الباب وعرضه، المراد بهذا الطول هو الارتفاع، والمراد بالارتفاع أنه لا يجوز لأحد أن يكشف غرفة في حد الارتفاع، ولا يخالفنا حديث الباب، وقال الطحاوي في مشكل الآثار: إن الحديث في الطريق الجديد، وأما القديم فيترك على ما عليه سابقاً، وأشار البخاري إلى هذا ولا خلاف في الحديث ومسألتنا زيادة.(3/83)
باب ما جاء في تخيير الغلام بين أبويه إذا افترقا(3/84)
[1357] أي إذا طلق امرأته وفارقته بوجه آخر فبمن يلحق الولد؟ ومذهبنا أنه يكون في حضانة الأم إن لم تنكح، ومدة الحضانة في الغلام سبع سنين وفي الجارية تسع سنين، وأما أصل مذهبنا فمدة الحضانة إلى التميز حتى يأكل بنفسه ويستنجي بنفسه كما قرأه خصاف رحمه الله، وقال الحنابلة: إن الغلام والجارية يتخيران في الاختيار فيلحق بمن شاء، وحديث الباب يخالفنا سيما إذا كانت الواقعة واقعة مسلم وكافر فإنه لا يتخير له في المسلم والكافر، والواقعة في أبي داود وابن ماجه: أن أحد الزوجين كان مسلماً والآخر كافراً فخير النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فانحرف الولد إلى الكافر فدعا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يلتحق بالمسلم فلحق به، وهذه واقعة خاصة به لأنه مستجاب الدعوات ولعل غرضه من التمييز حساً رفع حجة الكافر لئلا يتوهم الكافر أنه راعي للمسلم.(3/84)
باب ما جاء أن الوالد يأخذ من مال ولده(3/84)
[1358] الحديث معمول به وتفصيل أنه يأخذ من ماله المنقول، لا من غير المنقول، أو أنه يأخذ جنس النفقة بلا إذن القاضي وما ليس من جنسها بإذن القاضي يطلب من النفقة، وفي بعض طرق حديث الباب قيد النفقة لعله في الجامع الكبير للسيوطي لكنه لعله موقوف على عمر.(3/84)
باب ما جاء فيمن يكسر له الشيء ما يحكم له من مال كاسره؟(3/85)
[1359] قال الطحاوي في المشكل: إن الإناء من ذوات القيم لا من المثليات، فكيف يكون الإناء بإناء؟ أقول: إن بعض الأواني يكون مثلياً بل في زماننا أكثر الأواني مثلية، وكذلك بعض الثياب كما نقل في الهداية عن العتابي أن الكرباس مثلي، ويمكن أن يقال: إنه ليس بمفصل الأمر على الضوابط بل هو صلح كما وقع مصالحته في واقعة أخرجها في أبي داود ص (509) «وفيه: فقام نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال للرجل: «رد على هذا زريبة أمته التي أخذت منها» فقال يا نبي الله إنها خرجت من يدي قال: «فاختلع نبي الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سيف الرجل وأعطانيه، وقال للرجل: «اذهب فزده آصعاً» إلخ، فإن هذا صلح لا قضاء.(3/85)
باب ما جاء في حد بلوغ الرجل والمرأة(3/86)
[1361] البلوغ حقيقي وحكمي، وظهور العانة ليس علامة البلوغ، والروايات في الفقه في البلوغ الحكمي مختلفة، ولعل اختلاف الروايات بحسب اختلاف الأحوال.
قوله: (بين الذرية والمقاتلة إلخ) الذرية أولاد المجاهدين، وليحفظ هاهنا قصة علي وعمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز.(3/86)
باب فيمن تزوج امرأة أبيه(3/86)
[1362] أي حليلة الأب كان هذا النكاح في الجاهلية، وجعل أبو حنيفة النكاح شبهة دارئة للحد خلاف(3/86)
غيره، وكذلك فعل في النكاح بالمحارم، وقال: إنه ليس بزنا فلا يحد، وإن كان أشد من الزنا مثل اللواطة، والمسألة طويلة الذيل متعلقة بالنصوص والفقهيات، وأما حديث الباب فلا يرد على أبي حنيفة فإنه قتل، والقتل ليس بحد فإن الحد الجلد أو الرجم، وأيضاً قال الطحاوي: إن الذي يقيم الحد لا يعطي لواءً، وهذا الرجل قد أعطاه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لواءً في يده كقتل أهل الجاهلية.(3/87)
باب ما جاء في الرجلين يكون أحدهما أسفل من الآخر في الماء(3/87)
[1363] قيل: إن الرجل القائل: بأن كان ابن عمك منافق، أقول: إن لفظ الأنصار لفظ المدح ولا يطلق إلا على المخلصين، وقيل: إنه أطلق عليه توسعاً، أقول: أطلق عليه لفظ البدري، في البخاري: وللبدريين وعد عظيم، وقيل: إنه حضر البدر لا أنه مسلم مخلص، وقيل: إن قوله هذا وإن كان يوجب الإكفار فإنه نسبة الجور إلى ختم المرسلين لكنه عنه بسبب الغضب، وجرى هذا اللفظ على لسانه، أقول: ليس هذا اللفظ موجب التكفير فإنه من المحاورات ومراده أنك فعلته يا رسول الله تحت حد الجواز لكنه بسبب رعاية القريب، ومثل هذه الكلمات تختلف باختلاف الأحوال، وأما غضبه فقد غضب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على معاذ حين إلحان القراءة، وغضب على صحابي آخر كما في البخاري ص (19) باب الغضب في الموعظة، وأما قول الباري عز اسمه {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء: 65] الآية فتلقي المخاطب بما لا يترقب مثل قوله في حق نبيٍ {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87] الآية، وأما الحكم المذكور في حديث الباب فالحكم الأصلي هو الثاني في(3/87)
قوله: «يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى» إلخ، وحديث الباب يخالف ما في عامة كتبنا من أن يسقي الأسفل أولاً ثم الأعلى فالأعلى، لم يجب أحد منا حديث الباب، وأقول: إن في غاية البيان على الهداية للشيخ قوام الدين عن محمد بن حسن أن ما في كتبنا في ما لم يتعارف تقديم الأعلى، وإذا تعورف فوفاق ما في الحديث، وإلى هذا وجدت إشارات الكتب منها ما في موطأ محمد ص (358) قال محمد: وبه نأخذ لأنه كذلك الصلح بينهم إلخ، وفيه: لكل قوم ما اصطلحوا عليه إلخ، فدل على أن العبرة لعرف الناس فإنهم يتمشون على عرفهم.(3/88)
باب ما جاء فيمن يعتق مماليكه عند موته وليس له مال غيرهم(3/88)
[1364] قال الثلاثة أن يقرع الإمام في مثل هذه الصورة، وقال أبو حنيفة: لا حكم للقرعة، فإنه قال: إن القرعة ليست مدار الحكم الشرعي بل لتطييب الخاطر، وقال الطحاوي: إن القرعة كانت ثم نسخت وواقعة الباب لعلها حين ثبوت القرعة، أقول: إن قول الطحاوي مؤيد بالروايات منها ما في مسند أحمد: أنه أرسل علياً إلى اليمن عاملاً أنه عمل بالقرعة، في واقعة أن رجالاً حضروا زبية أي حبالة الأسد فسقط فيها رجل وأخذ رجلاً آخر عند سقوطه والآخر ثالثاً فاختلفوا في الدية فأقرع علي فبلغ الفصل إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكان يضحك على فصل علي، وأما دليل النسخ فهو أن(3/88)
علياً عرضته واقعة في عهده فلم يعمل فيها بالقرعة والواقعة ذكرها الطحاوي في باب أم الولد فلا عبرة للقرعة، وأما صورة الباب فالعبيد كلهم معتق البعض عند أبي حنيفة فيعتق ثلث كل واحد ويستسعي في ثلثيه، ومحمل الحديث عند أبي حنيفة أن الراوي ذكر الحساب الحاصل فإن حصص العبيد ثماني عشرة وعتقت ستة منها وبقيت ثنتا عشر في الرِّقيَّة، فالستة مثل عبدين، وثنتا عشر مثل أربعة أعبد، فذكر الراوي حاصل الحساب ولا بعد في هذا، وأما مراد فأقرع بينهم إلخ فأقول: إن القرعة لم تكن على الحرية والرِّقيَّة بل للتهائي في العمل والاستخدام، فإن في الاستخدام صوراً مثل أن يقول المالك الوارث: اخدموني من ستة أيام أربعة أيام واجعلوا يومين في أمركم للاستسعاء، أو يقول: اخدموني أربعة أشهر من ستة أشهر ويقول: اخدموني أربع وأستسعي عبدان منكم، ومثل هذه الأمور، فالقرعة في هذه الأمور، لكن ما قلت غير متبادر، وأما وجه تغييري خلاف التبادر وهو أن ألفاظ الحديث مضطربة، فإن في بعض الطرق أنه أعتق واحداً، وفي بعضها أنه أعتق ستة، وفي بعضها أنه دبّر عبيده، فالحديث مضطرب، وأما أدلة أبي حنيفة على تجَزُّئ العتق فمنها حديث مصنف عبد الرزاق الذي أخرجه الزيلعي وذكرته في بيع، المدبر، ومنها ما في فتح الباري: أن رجلاً دبّر فمات فاستسعى العبد في الثلثين، ومنها ما في لسان الميزان ووثقه الحافظ: أن رجلاً أعتق بعض عبده فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تعتق في عتقك وترق في رقك» ، ومنها ما في مسند أحمد عن سعيد بن عاص رحمه الله: أن صحابياً أعتق بعض عبده، وفي سنده راو مبهم لا أعلمه وثقه عبد الرزاق في مسنده والكل مرفوعات وقوية.(3/89)
باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم(3/90)
[1365] قال أبو حنيفة: من ملك وذا رحم محرم عتق عليه، وقال الشافعي من كان ذا قرابة الولاء عتق عليه أصلاً وفرعاً.
قوله: (محرم إلخ) قال علماء اللغة: إن الجرَّ جرُّ الجوار، ورجال حديث الباب ثقات، ولا أعلم وجه كف المصنف لسانه عن التحسين أو التصحيح؟ والحديث حجة لنا.(3/90)
باب ما جاء فيمن زرع في أرض قوم بغير إذنهم(3/90)
[1366] قال أبو حنيفة: إن الزرع تبع البذر فإذا زرع في أرض مغصوبة فالغاصب له الخارج بملك خبيث وعليه كراء الأرض، والغصب هذا في معناه اللغوي فإن الغصب الشرعي لا يكون إلا في المنقول عند أبي حنيفة خلاف محمد بن حسن، وحديث الباب للحجازيين ويخالفنا، وأما الطحاوي فروى دليلنا ولم يذكر محمل حديث الباب، أقول: المحمل لطيف بعد ذكر تفصيل المسألة، والمسألة مذكورة في(3/90)
الهداية وهي أنه إذ غصب أرض رجل فالخارج يملكه الغاصب بملك خبيث، وإذا أعطى مالك الأرض كراء الأرض من هذا الخارج فهو له طيب، فإن الخبث كان لتعلقه وأما الخارج قدر أجرة الأرض فله مملوك بملك طيب، فتعرض الحديث إلى الحلة والحرمة.
قوله: (وليس له من الزرع إلخ) أي لا يطيب له ديانةً وأما قضاءً فمملوكه بملك خبيث يجب تصدقه ويطيب بقدر ما أنفق.
قوله: (وله نفقته إلخ) أي يطيب له قدر ما أنفق، وأما دليل أبي حنيفة فما أخرجه الطحاوي ص (264) ، ج (2) : فجعل الزرع لصاحب البذر وجعل لصاحب الأرض أجراً معلوماً إلخ بسند جيد أرسله مجاهد، ومراسيله تقبل عند الجمهور.(3/91)
باب ما جاء في النّحل والتسوية بين الولدان(3/91)
[1367] قال بعض المحدثين: إنه إذا فضل بعض ولده على البعض الآخر بلا فضل فالوصية باطلة خلاف(3/91)
أكثر الفقهاء، فإن الهبة عندهم صحيحة مع الكراهة تحريماً، وقال الأحناف: يجوز الترجيح عند الفضل والرجحان، ولا يقال: إن الحديث سيخالفنا فإن الوجه جليُّ.
قوله: (الذكر والأنثى إلخ) قال أبو يوسف: إن التسوية هو للذكر مثل حظ الأنثيين.(3/92)
باب ما جاء في الشفعة(3/92)
[1368] الشفعة عند أبي حنيفة إما في نفس المبيع أو في حق المبيع أو في حق الجوار، وخالف الحجازيون في الثالث، والبخاري وافقنا فإنه أخرج حديث العراقيين ولا يمكن إدراجه في الشفعة لو كان ما تأول خصمنا، ولنا حديث صريح نعم حديث يوهم إلى خلافنا، وسأذكر محمله ومراده، وتأول الشافعية في حديثنا بأن المراد البر والإحسان لاحق الشفعة، وقال بعضهم: إن المراد من الجار الشريك في نفس المبيع لكن التأويلين تأويلان، ولنا: (جار الدار أحق بالدار) .(3/92)
باب ما جاء في الشفعة للغائب(3/93)
[1369] للغائب حق الشفعة وعليه ثلاث طلبات: طلب المواثبة، وطلب الإشهاد، وطلب الخصومة.
قوله: (تكلم شعبة إلخ) مر ابن قطان في كتاب الوهم والإيهام على كلام شعبة فقال ما كان شعبة فقيهاً بل حافظ الحديث ثم ذكر منشأ كلام شعبة وردّه.(3/93)
باب ما جاء إذا حدّت الحدود ووقعت السّهام فلا شفعة(3/93)
[1370] حديث الباب يوهم إلى نفي شفعة الجوار، أقول أوّلاً: إن نفي حق الجوار مفهوم حديث الباب، ولنا حديث صريح فنطالب بالنكت، وجواب حديث الباب ما قال المحشون مذكور في الحاشية، والجواب عندي أن الفرق بين الحديث والفقه ليس إلا في التلقيب بأن الحديث يسمى الشفيع(3/93)
في حق الجوار بالجار وسماه الفقهاء بالشفيع، ولا ينفي حديث الباب حكم شفعة الجوار، ودليلنا في حق الجوار ما أخرجه البخاري في صحيحه ص (300) .
قوله: (فلا شفعة إلخ) أي ما يسمى بالشفعة وهو القسمان الأولان للشفعة بل حق الجوار.
قوله: (عمر وعثمان) في هذا نظر دائر فإن في البخاري إعطاء حق الجوار في قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه فإنه لم يكن ثمة إلا شفعة الجوار وكان ذلك في عهد عمر والظن الغالب أن يكون بإجازة عمر.
قوله: (في كل شيء إلخ) لا شفعة في المنقولات عند الأربعة خلاف بعض العلماء فلا بد من التخصيص أو التأويل في لفظة «كل» والحديث أيضاً ساقط السند.(3/94)
باب ما جاء في اللّقطة وضالة الإبل والغنم(3/95)
[1372] أصل اللغة أن اللقطة في غير الحيوانات، وفي المبسوط عن محمد أن مدة التعريف وقدر المال محولان إلى رأي من ابتلي به، وقال السرخسي: إنه أقرب إلى مذهب أبي حنيفة، وهكذا قال السرخسي في تفسير العمل الكثير في الصلاة، والوجه أن القياس لا يجري في الحدود وزعموا أن المراد بالحدود الزواجر، أقول: إن المراد بالحد هو ما يقع بين شيئين متجانسين ومختلفين حكماً لما قد صرح السرخسي في مواضع أن أبا حنيفة لا يحدد ولا يؤقت بالرأي، فدل على أن الحد معناه ما ذكرت.
قوله: (فادفعها إلخ) لا يجب الدفع قضاء بلا بينة وأما ديانة فيردها.
قوله: (فاستمتع إلخ) قلنا: إنه إن كان فقيراً يستمتع بها وإلا فلا، وقال الشافعية: إنه يستمتع بها وإن كان غنياً، وقالوا: إن أبي بن كعب كان من المياسير، وقال في الهداية ص (593) ج (1) وانتفاع(3/95)
أبي كان بإذن الإمام وهو جائز إلخ، وأيضاً قال: إن الغنى يتبدل وقتاً فوقتاً ولا شيء يدل على كونه من المياسير حالة الاستمتاع بها، وأما ما قال: إنه كان استمتاعه بالإذن فقال في العناية: إن الاستمتاع بها للغني مجتهد فيه فإذا حكم به القاضي صار مجمعاً عليه، أقول: هذا ليس مراد الهداية أنه مذهبنا وإلا فكيف يصح جواباً وليس مراده أنه مذهب غيرنا.
قوله: (فضالّة الإبل إلخ) تمسك الشافعية بهذا على عدم التقاط الإبل، ومذهبنا أن يلتقط الإبل، وأما عهد السلف وكان عهد الأمانة بخلاف زماننا فإنه زمان الجناية فيلتقط فالاختلاف باختلاف الأعصار.
قوله: (وكان علي لا تحل له الصدقة إلخ) الواقعة مذكورة في سنن أبي داود، وغرض الترمذي أنه انتفاع به لا تصدق، ونقول: إنه صدقة نافلة وهي جائزة لأهل البيت عند أكثرنا وإن تردد فيه فخر الدين الزيلعي وابن همام، ولذا قلنا بجواز اللقطة على الفروع والأصول فافترق الزكاة والتصدق باللقطة.
قوله: (وإن جاء صاحبها وردها إلخ) قال الكرابيسي: إنه إذا عرف إلى المدة ثم استمتع بها فجاء المالك فلا شيء على الملتقط، ويرد عليه حديث الباب وبوّب البخاري موافق الكرابيسي لعله وافقه والله أعلم.(3/96)
باب ما جاء في الوقف(3/97)
[1375] قال الأئمة الثلاثة وأبو يوسف ومحمد: إن الوقف حبس الشيء على ملك الله تعالى والمشهور(3/97)
أن أبا حنيفة يقول: إن الوقف حبس الشيء على ملك الواقف والتصدق بالمنافع حتى قيل: إن الوقف عنده لا شيء فإن التصدق بالمنافع يتحقق بلا وقف أيضاً، وما أوجد الوقف شيئاً آخر، وكذلك قال السرخسي أيضاً، وقالوا: إن الوقف عنده باطل، أقول: إن في الحاوي القدسي أن الوقف عنده نذر بالتصدق بالمنافع والرجوع عنه مكروه تحريماً، ويكون على ملك الواقف إلا في صور أربعة، أي وقف المسجد أو علقه بموته أو خرج مخرج الوصية أو قضى بخروجه عن الملك قاضٍ، ففي هذه الأربعة لا يمكن الرجوع أصلاً، أقول: لا حاجة إلى ذكر الصورة الرابعة فإن هذا الحكم في كل مسألة، وقال ابن همام: إن أوقاف الصحابة باقية إلى الآن، أقول: إذا كان الرجوع مكروه تحريماً فكيف الرجوع عنهم؟ واختار الشيخ والطحاوي قول الصاحبين، وذكر الطحاوي حجة أبي حنيفة في معاني الآثار ص (250) ج (2) وقف عمر وهذا الوقف أول الأوقاف في الإسلام، وتعقب الحافظ على اختيار الطحاوي مذهب الجمهور ثم إتيانه تمسك أبي حنيفة وتصدى الحافظ إلى التأويل في حجتنا، فقال: إن عمر لم يقف بل شاور معه، أقول: إن في الأحاديث تصريح أنه وقف في الحال وكتب كتاباً بعض ألفاظه في النسائي منها ما في الترمذي وفي بعض معتبراتنا ونسيت تعينه لعله شرح صدر الشهيد على الجامع الصغير أن أبا يوسف رجع عن مذهب أبي حنيفة حين رجع من المدينة ورأى أوقاف الصحابة.
قوله: (حبست أصلها إلخ) ظاهره لأبي حنيفة.
قوله: (أو يطعم صديقاً الخ) هذا لفظ كتاب عمر، والوقف يكون في غير المنقول، وروي عن محمد بن حسن وقف المنقول، إذا كان متعارفاً مثل سرير الميت، وصنف محمد بن عبد الله المثنى الأنصاري حفيد أنس كتاباً في الوقف موافق أبي حنيفة، وهو من أخص تلامذة زفر، وأخذ منه مصنفونا ويعبرونه بالأنصاري.
قوله: (لا يباع الخ) أي لا يجوز لا أنه لا ينفذ.(3/98)
باب ما ذكر في إحياء أرض الموات(3/100)
[1378] ويشترط عندنا إذن الإمام لا عند الحجازيين، ونقول: إن الأراضي تحت تصرف الإمام فمن أخذ بظاهر الحديث لم يشترط الإذن ومن ضم الحديث والنفقة اشترط الإذن.
قوله: (وليس لعرق ظالم إلخ) قيل: تركيب إضافي، وقيل: توصيفي، وهو غرس الشجرة في أرض الغير بلا إذنه، وأصل مذهبنا أن يقلع مالك الأرض الأشجار قل قيمة الأرض من الأشجار أو كثر، ونظر أرباب الفتوى إلى قلة القيمة وكثرتها وإذا رضي صاحب الشجرة بالقيمة تقوم مقلوعة لا مغروسة، ولكن في طبقات الشافعية مناظرة الشافعي ومحمد في المسألة وتلك تدل على التفصيل في المسألة.(3/100)
باب ما جاء في القطائع(3/101)
[1380] جمع قطيعة وتفسيرها في عرف المتأخرين هو العفو الدائم عن الخراج (جاگير) ، ويقال لها في التركية: (سيرغال) ووضع البخاري ترجمة على القطائع ولم يفسرها الشارحون أيضاً ولعله أراد أن يأذن الإمام بإحياء أرض الموات، وذكر أبو يوسف أيضاً لفظ القطيعة في كتاب الخراج ولم يفسرها واستعملها في الدر المختار ولعله أراد بها المقاطعة (تحطيكه) ، وأما العفو الدائم عن الخراج فقيل: إنه جائز، وقيل: لا يجوز، واتفقوا على عدم جواز عفو العشر، وأما إقطاع المعدن فعندنا غير جائز، والمقطوع له غير ظالم في ما أخذ، وإنما الظلم في منعه غيره عن الأخذ.(3/101)
باب ما ذكر في المزارعة(3/102)
[1383] قد مر ذكرها بالأقسام الثلاثة، قيل: إن المعاملة في لغة المدينة بمعنى المساقاة، وحديث الباب وارد على أبي حنيفة والشافعي، وأجاب الشافعي بأن هذه المزارعة تبع المساقاة، واعترض القدوري بأن أكثر أراضي خيبر كانت مكشوفة، وما كانت الأشجار حاوية على جميع الأراضي، وأما جواب أبي حنيفة فأجاب صاحب الهداية بأنه خراج المقاسمة لا المزارعة وهو تقسيم ما خرج من الأرض، وأخذه المرغيناني عن شيخه السرخسي، وقيل: إن جميع الهداية مأخوذ من مبسوط السرخسي، وكنت أتوهم أن جواب الهداية مناقض لكلامه في موضع آخر فإنه ذكر في السير أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتح خيبر عنوة وقسمها بين الغانمين، فإذن تكون الأراضي في ملك الغانمين ومزارعة، وقال في جواب حديث الباب: إنه خراج بالمقاسمة فتكون أراضي خيبر على ملك يهود الكفار فتدافع بين كلاميه، وما توجه إلى دفعه شارح من الشراح، ثم رأيت في مبسوط السرخسي فأطنب الكلام على أوراق تزيد على ثلاثين ورق. وكلامه يفيد دفع التدافع، وأجاب خواهر زاده في مبسوطه نقله العيني في العمدة، وذلك أيضاً مستبعد جداً.(3/102)
كتاب الديات(3/104)
باب ما جاء في الدية كم هي من الإبل(3/104)
[1386] اتفقوا على أن الدية مائة إبل والاختلاف في أنها أرباعاً أو أثلاثاً، والدية مغلظة ومخففة، ولا يظهر الغلظة والشدة إلا في الإبل لا في الدراهم، ولنا رواية ابن مسعود موقوفة عليه بسند صحيح، والقتل على أقسام عديدة مذكورة في الفقه، وظني أن في الأحاديث صوراً فاخترنا صورةً واختاروا صورة، وحديث الباب لنا، وقال الخصوم: إن خشف بن مالك مجهول، وقلنا: إنه ليس بمجهول فيكون الحديث حجة.(3/104)
قوله: (قرابة الرجل إلخ) مذهبنا أن في العرب عبرة النسب فإن الأنساب فيهم محفوظة، أفي العجم على أهل الديوان، والتفصيل في الفقه.
قوله: (إن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا إلخ) هذا يخالفنا، فإنا نقول بعدم التخيير خلاف الشافعية فنضيف في هذا قيداً.
قوله: (ثلاثون إلخ) هذا حجة الشافعي ونحمله على أنه بحسب التقويم، والحق أنه أيضاً صورة ثابتة، والمسلك الترجيح فقهاً.(3/105)
باب ما جاء في الدية كم هي من الدراهم(3/105)
[1388] قال الشافعي: اثنا عشر ألف درهم، وقلنا بعشرة آلاف درهم، وقال محمد للشافعي: إن اثنا عشرة من وزن الستة يكون عشرة آلاف من وزن السبعة، والمختار تسليم ثبوت الصورتين ثم مسلك الترجيح فقهاً.(3/105)
باب ما جاء في دية الأصابع(3/106)
[1391] هكذا مذهبنا ومذهب غيرنا في نقل صحيح أن عمر كان يفتي أن دية الإبهامة أقل من دية سائر الأصابع فإن للإبهامة مفصلين وفي سائرها ثلاثة مفاصل حتى رأى في كتاب عمرو بن حزم أن في كل إصبع صغيرة وكبيرة عشرة من الإبل، واعلم أن دية أعضاء الإنسان قد تزيد على دية الكل كأن وُدِيَ أولاً في الأصابع ثم في الرجلين ثم في اليدين، وروي صحيحاً أن عمر أخذ ثلاث ديات سوالم لرجل جرح ثم بقي حيّاً.(3/106)
باب ما جاء فيمن رضخ رأسه بصخرة(3/107)
[1394] هاهنا مسألتان؛ أحدهما: أن اليهودي رضخ الرأس بصخرة فيكون فيه شبهة العمد عند أبي حنيفة فلا قصاص عنده، فإن القصاص في العمد وهو القتل بالأحد لا بالمثقل، ولكنه عمد عند صاحبيه.
وثانيتهما: أن في الحديث مماثلة ولا مماثلة عندنا، وجواب الأول أن اليهودي قطع الطريق أيضاً فيكون من قطاع الطريق ويقتل قاطع الطريق كيف ما قتل، ثم في متوننا أن قطع الطريق، في المصر في النهار ليس بقطع الطريق، لكن في المبسوطات أنه أيضاً قطع الطريق، فجواب الطحاوي(3/107)
نافذ بلا ريب ويمكن حمل الحديث على السياسة وباب السياسة موجود عند الكل إلا أنه وسيع عندنا، وصنف عبد البر بن الشحنة في السياسة وذكر فيها مسائل كثيرة، وصنف ابن تيمية أيضاً وسماه بالسياسة الشرعية، وغرضه في ذلك الكتاب الرد على من يقول: إن مسائل الإسلام لا تكتفي نظام العالم، وبحث فيه من جانب الشريعة لا من جانب مذهب من المذاهب، ثم ظني أن باب التعزير غير باب السياسة، والله أعلم.
وجواب الثاني أيضاً الحمل على السياسة والمماثلة عند الشافعية في كل شيء إلا عمل لوط والإحراق.
حكي أن أبا العلاء إمام اللغة سأل أبا حنيفة عمن قتل بحجر كبير عظيم هل يكون قتلاً بشبهة العمد؟ قال أبو حنيفة: ولو ضرب بأبا قبيس (اسم جبل) ، فاعترض بعض الجهلة بأن أبا حنيفة عارٍ عن معرفة اللغة حيث قرأ أبا قبيس بالألف بعد دخول الباء الجارة عليه، أقول: إن هذا الاعتراض من قلة المعرفة وكثرة الجهل، وحقيقة الأمر أن في لغة فصيحة من لغات العرب أن إعراب الأسماء الستة بالألف في الأحوال الثلاثة:
~ إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد منتهاها(3/108)
باب ما جاء لا يحل دم امرأ مسلم إلا بإحدى ثلاث(3/110)
[1402] بعض الكلام في حديث الباب مر ولكن الكلام فيه أطول من حيث إدخالُ ما في الفقه من جواز قتل غير ما في حديث الباب، من قطاع الطريق ومن تارك الصلاة عند غيرنا مثل الشافعية والحنابلة، لكن القتل عند الحنابلة ارتداداً وفي كتاب لنا أن يقتل تارك الصلاة، وفي عامة كتبنا أنه يضرب حتى يسيل الدم من بدنه، فقيل في وجه إلحاق مثل هذين بما في الحديث بأنهم داخلون تحت النعت أي المفارق لجماعة، وقيل بإدخالهم تحت المنعوت أيضاً أي التارك لدينه، وورد في المعجم للطبراني: «من ترك الصلاة فقد كفر جهاراً» إلخ، وهو متمسك الحنابلة وتمسك النووي بحديث فيه المقاتلة على قتل تارك الصلاة، والحال أن بين القتال والقتل بوناً بعيداً حتى أن القتال قد يكون على ترك السنة أيضاً.(3/110)
باب ما جاء في حكم ولي القتيل في القصاص والعفو(3/111)
[1405] قال الحجازيون: إن في الدية والقصاص تخييراً، وقلنا: إن التخيير بعد رضاء ولاة القتيل والصلح، وليس في حديث الباب ما يرد علينا فإن المذكور فيه التخيير بين القصاص والعفو لا بين الدية والقصاص.(3/111)
قوله: (قتل رجل في عهد إلخ) أصل القصة ما في مسلم أن رجلين خرجا محتطبين فتنازعا فضرب أحدهما بفأسه على رأس الآخر فيكون عند أبي حنيفة القتل بالسلاح ولا عبرة فيه للإرادة وعدمها فيقال من جانبه: لعله ضربه بخشبة لا بالمحدد، والله أعلم، أو يقال: إن حكمه هذا حكم الديانة لا حكم القضاء.(3/112)
باب ما جاء في النهي عن المثلة(3/113)
[1408] أي قتل الأعضاء صبراً، وفي النسائي قال صحابي: ما سمعت خطبة من خطبته بعد نزول الآية إلا وحث فيها على الصدقة ونهى عن المثلة، وروي بسند صحيح، قال ابن سيرين: إن حديث العرنيين قبل النهي عن المثلة.(3/113)
باب ما جاء لا يقتل مسلم بكافر(3/114)
[1412] قال الحجازيون: لا يقتل مسلم بكافر أيُّ كافر كان، وقال أبو حنيفة يقتل المسلم بدل الذمي، وفي الحربي المعاهد دية، وفي المستأمن روايتان وذكر الحافظ في فتح الباري أن رجلاً قال لزفر رحمه الله: إن الحد عندكم يندرء بالشبهة وأية شبهة أعلى من شبهة كفره، فقال زفر رحمه الله: كن شاهداً على أني رجعت مما قال أبو حنيفة.
قوله: (لا يقتل مسلم بكافر إلخ) قال الشافعية: أن لا يقتل مسلم بكافر ولكن قتل الذمي وذي عهد حرام، وإن قتلا فلا قصاص بل الدية، وقالوا: إن معنى القطعة الثانية أي «ولا ذو عهد في عهده» غير مصداق الأولى، وقال الطحاوي: إن مرادها أن لا يقتل ذو عهد في عهده بدل كافر فصار حاصل الحديث لا يقتل مسلم بحربي أقول: يتمشى على معنى ما قاله الشافعية أي «لا يقتل ذو عهد في عهده» وأما لو تصدى أحد إلى قتل ذي عهد فيقتص منه فإن المعاهد محقون الدم إجماعاً فيكون(3/114)
حكمه حكم سائر الدماء، وحصل أن لا يقتل مسلم بدل حربي، وقال العيني في العمدة: إن حديث: «لا يقتل مسلم بكافر» ليس متعرضاً إلى ما نحن فيه بل غرضه بهذا وضع دماء الجاهلية أي لا يقتل بعد الإسلام بدل ما كان دم الجاهلية، ولقوله شواهد أيضاً منها أنه خطب في حجة الوداع كما في مسلم، وقال فيها: «ألا وإن دماء الجاهلية موضوعة تحت قدمي» إلخ ثم في حديث مسلم كلام فإن فيه ذكر حجة الوداع، وفي سائر الطرق ذكر أنه خطب في فتح مكة والرجحان إلى أنه خطب في فتح مكة بتعدد الخطبة فإذن صار شرح الجملة الأولى لطيفاً ألطف، لكن الجملة الثانية «ولا ذو عهد في عهده» وصارت ركيكة وعلى شرح الطحاوي يكون المراد بالكافر الحربي ونطالب وجه التخصيص بالحربي، ولي شيء آخر لا ركة فيه ولا تخصيص وهو أن يقال: إن الذمي في حكم المسلم فإن حقن دمه مستفاد من حقن دماء المسلمين فصار شرح «لا يقتل مسلم بكافر» أي لا يقتل مسلم وذمي بدل كافر، وليس ذلك إلا الحربي، ثم أقول: إن مستدلنا ما أخرجه الطحاوي ص (112) ج (2) بسند قوي: أن عمر أمر بأن يقتص من مسلم بكافر ثم أمر أن لا يقتص بل يودى، وزعم الشافعية أن عمر رجع عن القول الأول، وقال الطحاوي: إن الرجوع بعيد وحقيقة الأمر أنه أمر أولاً بالمسألة ثم صالح بالدية، ونقل علاء الدين المارديني أنه قتل مسلماً بكافر ولكني لم أجد تفصيل تلك الواقعة ولعله يجدي فيها ما أخرجه أبو داود ص (274) باب القسامة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه قتل بالقسامة رجلاً من بني نضر بن إلخ» ، إلا أن في سنده وليد بن مسلم المدلس ولأن فيه ذكر القسامة أيضاً فلم أجد تفصيل ما رواه المارديني في كتب السير أيضاً، ولنا مرسل آخر أخرجه الطحاوي ص (111) ج (2) لكن في سنده عبد الرحمن البيلماني وهو متكلم فيه ومع ذلك من رجال السنن، وفيه ذلك المرسل بسند آخر، وسيأتي بعض التفصيل في
البخاري، وأما دية الذمي فعندنا ديته ودية المعلم كاملة، وعند الشافعية نصفها والآثار من الطرفين، وثبت دية الذمي نصف دية المسلم وكلها وثلثها، ولعل الاختلاف اختلاف الصور وودي الذمي بصور في عهده، ونحمل الناقصة على معاذير وحمل الكاملة على معاذير الشكل من حمل الناقصة على معاذير، وفي تخريج الزيلعي أن دية الذمي في عهد الخلفاء الأربعة كانت دية المسلم وسنده قوي، وإنما قلت في عهد معاوية.(3/115)
باب ما جاء في الحبس في التهمة(3/117)
[1417] الحديث عندنا معمول به، وفي لسان الحكام لابن شحنة: من خرج من بيت خال وفيه مقتول وسيف الخارج متلطخ بالدم يقتص صاحب السيف الذي خرج، والله أعلم.(3/117)
باب ما جاء في من قتل دون ماله فهو شهيد(3/117)
[1418] في الدر المختار: من تعدى على محارم رجل يجوز له قتله وإن لم يجد البينة فيقتص في أحكام الدنيا، ولا حرج عليه في أحكام الآخرة.(3/117)
باب ما جاء في القسامة(3/119)
[1422] من وجد قتيلاً في موضع ولا يدري قاتله، فقال مالك بن أنس: إن كان لولاة القتيل لوث فينتخبون الذين عليهم لوث ويحلف ويقسم خمسون رجلاً من ولاة القتيل إن فلاناً قاتل قتيلنا فإن أقسموا يقتص المدعي عليه، وقال الشافعي: لا قصاص في صورة بل يقسم خمسون رجلاً من المدعين فإن أقسموا فيودى، وإلا فالقسم على ولاة القاتل فإن أقسموا بأنه لم يقتل فلا دية ولا قصاص، وقال أبو حنيفة: لا قسم على المدعين وإنما القسم على المنكرين أي خمسون رجلاً من المنتخبين مما حول موضع القتل يحلفون بالله ما علمنا قاتله وما قتلناه، وفائدة القسم درء القصاص وإن علموا بالقاتل أعلموا، ومذهب عمر الفاروق موافق لمذهب أبي حنيفة وسأل سائل عمر عن القسم قال: إنه يرفع القصاص، ويمكن لأحد أن يقول: إن البخاري موافق لنا فإنه أخرج قسامة أبي طالب في الجاهلية وقسامته موافق قسامتنا، ولعله يشير البخاري إلى أن تلك القسامة باقية على ما كانت في الجاهلية، والواقعة في عهده واحدة والخلاف في تخريجها.
قوله: (كبّر الكبر إلخ) كان عبد الرحمن ومن معه بنو أعمام، والمدعي إنما هو عبد الرحمن، وأما سؤاله عن الكبر ليس لكونه ممن ادعى عليه بل تفسير القصة ومعرفتها، ونقول في حديث الباب: إن غرضه من استحلاف المدعين هو ليس حكم الشريعة وضابطتها بل غرضه استفسار ما في ضميرهم لينكلوا عن الحلف، ولذا قالوا: كيف نحلف ولم نشهد؟ ونظير استفسار ما في القلب ما في الصحيحين: قالت بنت أبي سفيان أم المؤمنين: تزوج أختي يا رسول الله، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أتريدين» ؟ فمراده استفسار ما في قلبها، فقالت: أريد أن تكون أختي شريكتي في الخير، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا، فإن الله حرم جمع أختين» ونقول أيضاً: إن راوياً قال بعد رواية الحديث: ليس العمل على هذا رواه أبو داود وأيضاً في أبي داود ص (622) باب ترك القود بالقسامة، قال: إن سهيلاً ـ والله ـ أوهم، الحديث أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلخ فصار الحديث معلولاً(3/119)
قوله: (أعطه عقله إلخ) في البخاري: وهي يومئذ صلح، أي كان معهم عهداً، وقال محمد بن إسحاق في السيرة: إن هذه القصة بعد فتح خيبر، وفي بعض الصور عندنا الدية من بيت المال، وأدلتنا في مسألة الباب محصاة في موضعها كما في التخريج، وذكرها الشيخ علاء الدين المارديني أيضاً.(3/120)
كتاب الحدود(3/121)
باب ما جاء في الستر على المسلم(3/122)
[1425] في كتب الحنفية من رأى رجلاً يزني بغير محارم، الرائي لا يرفع الأمر إلى الحاكم، بل يستر عليه إلا إذا علم أنه يعتاده.(3/122)
باب ما جاء في التلقين في الحد(3/123)
[1427] يستحب للإمام أن يلقن المعترف، ولا تلقين فيمن قام عليه البينة، وثبت تلقنيه رجلاً.
قوله: (أربع شهادات إلخ) هذا حجة لأبي حنيفة في الاعتراف أربع مرات في أمكنة، وقال أبو يوسف: يكفي الإقرار مرتين، وقال الحجازيون: يكفي مرةً واحدةً، وفي أبي داود وغيره: أنه أقر مرة فأعرض عنه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم أقرَّ فأعرض، ثم أقرَّ فأعرض، ثم أقر وتمسك الحجازيون ببعض المبهمات التي ليس فيها ذكر أربع شهادات ونحمل الساكت على الناطق.(3/123)
باب ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع(3/123)
[1428] يجوز الرجوع في صورة الاعتراف لا في حالة إقامة البينة عليه، وهكذا عندنا وعند غيرنا.(3/123)
قوله: (مر برجل إلخ) قيل: إنه أبو بكر الصديق، وقيل غيره.
قوله: (هلاّ تركتموه إلخ) قال الموالك: إذا فرّ المعترف بالزنا في أثناء إقامة الحد عليه فيسأل إن كان فراره لألمٍ يحد، وإن كان رجوعاً فيترك ويسقط الحد والاستفسار لازم، وقال الشافعية: إذا هرب فلا يسقط الحد إلا إذا رجع صراحة، وفي كتبنا: أنه إذا فرّ فعلاً أو قولاً سقط الحد، واعترض على الموالك بأنهم إذا سألوا استفساراً فيلزم الدية على الصحابة رضوان الله عليهم، فاعترض الموالك بمعاذير، والحديث وارد على الكل ولكن أكثر ألفاظ الحديث أقرب إلى قول الموالك، منها لفظ الباب: «هلاّ تركتموه» وفي أبي داود ص (259) «هلا تركتموه لا تثبت» إلخ، وفيه لعله «يتوب فيتوب الله عليه» إلخ، وأقول لا بد من التفصيل في المسألة هاهنا، ولا بد من أن يقال: إنه إن فرّ من الألم الفوري فلا يسقط الحد، ثم رأيته في البدائع قال: فر ولم يرجع، ويقال إن ما عزاً فرَّ من الألم كما في الصحيحين: «فلما وجد مس الحجارة فرّ» إلخ، وفي أبي داود أنه قام بعد فرارٍ يسير.
قوله: (لم يصلِّ عليه إلخ) الروايات في الصلاة عليه مختلفة، وقيل في الجمع بأنه لم يصل وأمر غيره بالصلاة عليه ثم دعا له بعد عدة أيام، وصلى على الغامدية وامرأة أخرى لتوبتهما كما في أبي داود، وسيأتي في الترمذي.
قوله: (أحصنت إلخ) الإحصان له شروط عندنا في الزنا وحد القذف، واستخراج هذه الشروط عندنا متعذر، وبوّب عليه في المبسوط، ولعل الحنفية أخذوا بجميع إطلاق المحصن في القرآن فإن إطلاقات المحصنات كثيرة منها؛ الحرائر، ومنها المنكوحات، ومنها المسلمات ومنها العفائف، وظني أن المذكور والمسؤول في الحديث الإحصان بمعنى النكاح، فإن هذا ركن ركين من أركان الإحصان.
(مغلطة) قد يذكر في كتبنا أن المحصن حر عاقل بالغ مسلم، نكح بنكاح صحيح ودخل بها(3/124)
ويكونان محصنين، وزعم بعض أرباب التصنيف أيضاً أن الإحصان هو إحصان الزاني والمزنية، والحال أن المراد بهما الزوجان، فإن الزاني إذا كان محصناً يرجم، والمزنية إذا كانت غير محصنة تجلد، فاستبصر ولا تخلط ولا تغلط.(3/125)
باب ما جاء في كراهية أن يشفع في الحدود(3/125)
[1430] يجوز الشفاعة قبل رفع القضية إلى القاضي لا بعده، هذا في الحدود، وأما في التعازير فتجوز في الحالين.
قوله: (سَرقَتُ إلخ) في أكثر الطرق أنها وجحدت العواري التي عندها، ولقد أطنب الحافظ وأقول: إن كان جحود العواري فلا قطع، وإنها لعلها سرقت جحدت العواري.
قوله: (لقطعت يدها إلخ) قالوا: يستحب بعد هذا كلمة: أعاذها الله عنها.(3/125)
باب ما جاء في تحقيق الرجم(3/126)
[1431] قيل: إن الخوارج أنكروا الرجم، لكن في قراءة ابن مسعود كان الرجم فإن في مصحفه: «الثيب والثيبة إذا زنيا فارجموهما نكالاً من الله» فتكون القراءة مشهورة، لكن الإمام أي مصحف عثمان خال عن حكم الرجم، وحكم الرجم موجود في التوراة أيضاً.
قوله: (الاعتراف إلخ) قال به الموالك، ولا ترجم عندنا إلا بالبينة أو الاعتراف ولا عبرة للحبل، وهو مذهب الشافعية، وقال النووي: إذا حبلت ولا ندري نكاحها فكيف ترجم؟ لعلها نكحت وهل يجب علينا تحقيق أسرار المخلوق؟ أقول: يجب الجواب عن قول عمر فإنه قال به بمحضر من الصحابة، فقال الحافظ. إن عمر كان يقول بالرجم بالحبل في بعض الصور لا في كلها، وفاق الموالك، وأقول: يمكن أن يقال: إن أمر الحبل لا يبقى كذلك بل يبلغ إلى الاعتراف أو البينة فإن عادة للدنيا إنهم لا يدعونها مهملة بل يرفعون أمرها، فإما أن تدعي نكاح السر أو تعترف أو يقام البينة عليها، ولا مرفوع يدل على الرجم بالحبل وظني أن حقيقة الحال أن مراد عمر أن لا يبقى أحد في دار الإسلام غير منتسب ومهمل النسب، بخلاف أبي حنيفة والشافعي فإن جماعة من قطان دار الإسلام تبقى غير منتسبين إلى أحد، فإنا نقول: إن الأمة إذا ولدت أولاً ولم يدِّع مولاها فيبقى ولدانها بلا نسب، وأما عند الشافعية فمثل من أتي به حبلى لا نعلم نكاحها فإن أولادها تكون بلا انتساب، وأما المذكور منا فحكم القضاء، وأما باعتبار الديانة فلا يبقى بلا نسب لما ذكرت أولاً من وجوب الدعوة ديانة إذا علم أن نطفة أمته منه، وظني أن نهي عمر عن بيع أم الولد أيضاً من فروع هذه المسألة، فإن السلف كانوا مختلفين في بيع أم الولد ثم منع عمر، وأخذه أرباب المذاهب الأربعة.
قوله: (ولولا أني إلخ) هاهنا إشكال وهو أن حكم الرجم إما من القرآن أو ليس منه، فإن كان(3/126)
حكم القرآن فلا يجوز لعمر ترك كتابته، وإن لم يكن منه فلا يجوز له كتابته، وفي فتح الباري بسند قوي عن عمر رضي الله عنه: كتبتها في آخر القرآن.(3/127)
باب ما جاء في الرجم على الثيب(3/127)
[1433] الثيب المنكوحة.
قوله: (لما قضيت إلخ) لما بعنى إلا.
قوله: (المائة شاةٍ إلخ) بالجر عند الكوفيين.
قوله: (وتغريب عام إلخ) حمل الحنفية التغريب على السياسة، ولنا على هذا ما رواه الطحاوي أن عمر غرَّب رجلاً فلحق بأهل الشام فقال عمر: لا أغرِّب بعدُ ولو كان حدّاً، كيف كف عنه عمر؟ ولنا ما في البخاري: بإقامة حد وتغريب إلخ ودل العطف على أنه ليس بحد، ولا تغريب(3/127)
للأرقاء والنسوان عند الحنفية، ونقول: إن في مسلم وفي الترمذي في الصفحة الآتية الجمع بين الجلد والرجم وليس ذلك مذهب أحد، فقيل بالحمل على النسخ أو بالسياسة، فكذلك نقول هاهنا.
قوله: (خادماً إلخ) قال شارح: إن المائة شاة والخادم أعطي زوج المزنية.
قوله: (واغد يا أنيس إلخ) قيل: لا تفتيش على الحاكم في الحدود، فكيف أرسله النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فأجاب النووي بأن في الواقعة كان السؤال بسبب حد القذف فإنه من حقوق العباد، ولم يكن التفتيش عن حد الزنا الذي من حقوق الله، ولا يقال: إن أحدهما إذا أقر بالزنا وأنكره الآخر فلا حد على المقر، وفي كتبنا أن الإمام يسأل الزاني بمن زنيت وأين زنيت وما الزنا؟ وهاهنا كيف ما دعا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المزنية وانتظر سؤالها؟ فإنا نقول: إن هذا إنما يرد لو كانت حاضرة وإذا كانت غائبة يقام عليه الحد، وكذا لو أقر بالزنا بمن لا يعرفها وما لو أطلق وقال: زنيت.
قوله: (فإن زنت في الرابعة فبيعوها إلخ) إن قيل: لا يجوز له أن يرفع الكل عن نفسه ووضعه على رأس أخيه المسلم، قلنا: إنه ليس وضعه على معين فإن المشتري يجوز له أن يبيعها ثم هكذا.(3/128)
باب ما جاء في رجم أهل الكتاب(3/130)
[1436] ذيل المسألة طويل وذخيرتها كثيرة
قال أبو حنيفة رحمه الله: لا يرجم أهل الكتاب، وقال الشافعي: يرجم أهل الكتاب ووافقه أحمد، وقال مالك رحمه الله: لاحد على الحربي أصلاً، ثم قال الموالك: إن كل قضية الذمي إذا رفعت إلى الحاكم فهو مخير بين أن يحكم بالشريعة الغراء أو يعرض عنه وتمسك بالآية، وقال الثلاثة: لا تخيير بل يحكم بما في الشريعة الغراء، وادعينا نسخ ما في الآية، ثم ظاهر حديث الباب للشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى، وأجاب الطحاوي واعترض عليه الحافظ، أقول: إن في جواب الطحاوي اختصاراً فإنه قال: إن حكم الرجم كان بحكم التوراة وأذكر احتمالات مراد الطحاوي منها: أنهم جعلوا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حكماً، فإذن يحكم بما في شريعتهم، نعم يبحث أنه هل له أن يحكم بشريعة حقة غير كتابه أم لا؟ ومنها: أن الإسلام لم يكن شرط الإحصان في التوراة بل كان الرجم على المحصن وغيره، ويقال على هذا: إن اشتراط الإسلام في الإحصان في شريعتنا ما مأخذه؟ ويطلب منا إثبات التسوية بين المحصن وغيره في التوراة، وقال الحافظ: لا تسوية بين المحصن وغيره في التوراة فإن في أبي داود ص (263) ج (2) : أنه سأل عن إحصانهما وعدمه، أقول: إن الإحصان في أبي داود ص (263) بمعنى التزوج لا بمعنى الإسلام، لما قلت أولاً: إن الإحصان المذكور في الأحاديث بمعنى التزوج، ومن تلك الاحتمالات أنه ألزم ما يعملونه من شريعتهم وإلزامه إياهم بما يلتزمونه ليس ببعيد، وأما دليل اشتراط الإسلام في الإحصان مما في الهداية بسند عبد الباقي بن قانع الحنفي بينه وبين أبي داود واسطة واحدة رواه عن ابن عمرو، وفي الجوهر النقي من باب من يلاعن من الأزواج، وعن ابن عمر: من أشرك بالله فهو غير محصن إلخ، ورجال السند ثقات أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده، واختلف في رفعه ووقفه وظني الغالب أنه مرفوع، وتأول
الشافعية بأنه في حد القذف لا في الزنا، واختلف في وقت واقعة الباب، ففي أكثر الروايات أنها في المدينة وفي بعضها أنها واقعة في خيبر، وفي أسباب النزول للسيوطي أنها واقعة في الفدك، وورد في الروايات: أن اليهود تشاوروا وتناجوا. أن نذهب إلى هذا النبي ونبتليه فإن حكم(3/130)
بالرجم كما في التوراة فهو نبي وإلا فليس بنبي، وأدعي أن آية الجلد بعد هذه الواقعة وكذلك آية الرجم: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما» ولي في هذه الدعوى ذخيرة كثيرة، وقال الحافظ: إن واقعة الباب في السنة الثامنة، وما أتى بما يشفي، وتمسك بأن ابن عباس شهد الواقعة وهجرته إلى المدينة المنورة في السنة الثامنة مع أبيه عباس، أقول: إن ابن عباس راوي الحديث وما من لفظ يدل على أنه شهد الواقعة، وكذلك تمسك الحافظ بأن عبد الله بن حارث بن جزء راوي الواقعة، وأتى المدينة في السنة الثامنة مع أبيه، أقول: لم أجد في كتاب من الكتب حارث بن جزء اسم صحابي من الصحابة، ولم يذكر الحافظ أيضاً صحابياً في الإصابة باسم حارث بن جزء، وقد سلمت أن عبد الله بن حارث أتي المدينة في السنة الثامنة لكن ما من رواية تدل على شهود الواقعة إلا ما أتى بسند ضعيف ما أخرجه الطبراني، أقول: إنه وهم الراوي فإن [من] أتي المدينة مع أبيه عبد الله بن عباس كما في مسلم لا عبد الله بن حارث، ثم أقول: إن في سيرة محمد بن إسحاق بسند صحيح أن اليهود امتحنوه حين دخل المدينة وعدّ الأشياء الممتحنة فيها وعدّ منها واقعة الباب أيضاً، وذكر القسطلاني أن الواقعة واقعة السنة الرابعة ولا مأخذ عنده، وعندي روايات دالة على تقدم الواقعة منها أن في واقعة الباب: «كان ثلاثة من اليهود وقد قتلوا في قرب أحد منهم كعب بن أشرف» ، أقول: كان للحافظ أن يستدل بما في تفسير ابن جرير عن أبي هريرة ما يدل على أنه شهد الواقعة ولكنه لم يأخذه، أقول: إن في أبي داود ص (263) ،
ج (2) عن أبي هريرة يخالف ما في تفسير ابن جرير فيكون ما في تفسير [ابن جرير] وهم الراوي فلا تكون القصة إلا قبل حكم الآية، وليحفظ هاهنا أنه كان يؤمر بالحكم بالتوراة لما في آية: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} [المائدة: 44] إلخ، وفي أبي داود أنه أيضاً داخل فيه، وفي الأحاديث أنه كان يحب العمل بما في التوراة قبل نزول الشريعة الغراء لما في البخاري ص (503) : كان يحب العمل بالكتاب ما لم ينزل فيه حكم الله إلخ، وقال حافظ من الحفاظ: إن ابتداء خلاف أهل الكتاب كان بعد فتح مكة ولا أعلم مأخذه، وذكر ابن العربي المالكي في أحكام القرآن أن ما في الواقعة إلزام على اليهود بما في كتابهم، أقول: إن مدلول الآيات والأحاديث أن اليهود معاقبون على تركهم ما في التوراة كما يعاقبون على ترك الإيمان(3/131)
بمحمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولنا على مسألة الباب في باب المكاتبة في الزيلعي أن محمد بن أبي بكر الصديق كان عاملاً على مصر في عهد علي وكتب إلى علي أن مسلماً زنى بذمية، فقال. علي: حول الذمية إلى الذميين وارجم المسلم، فدل على عدم رجم الذمية.
واعلم أن في أبي داود ص (610) عن أبي هريرة ما يدل على قبول شهادة الكافر، ولا يجوز ذلك عند الشافعي، وجائز عندنا في بعض الصور.(3/132)
باب ما جاء أن الحدود كفارة لأهلها(3/133)
[1439] في كتب أصولنا أن الحدود زواجر، وعند الشافعية سواتر وكفارات، ولم أجد عن أئمتنا ومشائخنا أن الحدود زواجر فقط لا كفارات، لكن المحقق أن الحدود كفارات بعض الكفارة وعلى هذا عندي نُقول، فإن في جنايات الحج من ملتقط الفتاوى وهو من المعتبرات: أنه إذا جنى وفدى فمغفرة إلا إذا أصّر بحيث يجني ويكفر، ويجني ويكفر ومثله في التيسير تفسير الشيخ نجم الدين عمر النسفي معاصرالزمخشري وهو غير أبي البركات النسفي صاحب الكنز، وكذلك في الهداية ص (201) كتاب الصيام نقل عن الشافعي وقال: عُلِم أن التوبة ليست بمكفرة للجنايات إلخ، أي الحدود أيضاً دخيلة في المغفرة، وإليه يشير كلام الطحاوي ص (323) ، ووجدت في تعزير البدائع تصريح أن الحدود كفارات بعض الكفارة، وللحافظين كلام في شرح البخاري، وأما الأحاديث ففي الصحيحين: «أن الحدود كفارات» ، وفي مستدرك الحاكم عن أبي هريرة قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا أدري أن الحدود كفارات أم لا» والسند قوي باعتراف الحافظ، وأبو هريرة متأخر عن عبادة فالعبرة له، وقال الحافظ: إن حديث عبادة متأخر عن حديث أبي هريرة، وقال: إن عند عبادة حديثين أحدهما في ليلة العقبة والثاني في وقت نزول سورة الممتحنة، وللحافظين هاهنا كلام طويل وقال العيني: إن الحديث واحد، أي في ليلة بيعة العقبة، وله قرائن أعلاها أن في مثل حديث الباب لفظ: أنه كان مع رهط من أصحابه ولا يطلق الرهط على ما فوق الأربعين، وأما في وقت نزول سورة الممتحنة فكان كثير من الصحابة والصحابيات، ثم لنا ما أخرجه الطحاوي ص (286) ج (2) عن محمد بن ثوبان، ثم قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تب إلى الله» إلخ، فدل على أن قطع اليدين فقط لم تكن كفارة كل كفارة.
قوله: (كفارة له إلخ) التنوين أيضاً مفيد لنا في المسألة ولا يدريه إلا من كانت له حذاقة في علم المعاني، قال التفتازاني في المطول: إن تنوين الخبر لا فائدة فيه، أقول: ربما تكون فيه فوائد وسيما إذا وقع لفت له فخرج من أن يكون وصفاً إلى أن يكون ذاتاً، وكما في البخاري أيضاً: «إيمان بالله ورسوله» إلخ، أي شيء إيمان بالله ورسوله.(3/133)
باب ما جاء في إقامة الحدود على الإماء(3/134)
[1440] قال العراقيون: لا يقيم الحد إلا الحاكم، وقال الحجازيون: يجوز للمولى أن يقيم الحد، ومراد حديث الباب عندنا أن لا يخفي المولى الحد، وليس المراد أن يقيم الحد بنفسه، ولنا آثار ثلاثة من التابعين أخرجها الزيلعي: أن الجمعة والفيء وإقامة الحد للإمام السلطان، وهذه الآثار تفيدنا في مسألة الجمعة، ولنا أثر صحابي أيضاً بسند قوي: «أن إقامة الحد حق الإمام» ، رواه الطحاوي في أحكام القرآن، وقال الطحاوي لا نعلم خلاف هذا عن الصحابة، وقال ابن حزم: إن إقامة الحد من الصحابة على أرقائهم ثابت منها ما أخرجه مالك في موطئه.(3/134)
باب ما جاء في حد السكران(3/135)
[1442] قال الشافعي: إن حد الخمر أربعون جلداً، وقال أبو حنيفة: إن الحد ثمانون جلداً، وكلامهم يشير إلى نفي ثمانين في عهده، أقول: إن حد الخمر في عهده كان بصور عديدة وما كان مقرراً ومؤقتاً وإنما وقته عمر، وأقول: إن التوقيت في مثل هذا جائز لعمر كما وقت في الصاع، والمسألة طويلة متعلقة بالاجتهاد وأشار في الهداية ص (229) باب المعاقل إنه جائز لعمر، فإنه قال: وليس ذلك نسخاً بل تقرير معنى لأن العقل كان على أهل إلخ، أقول: إن إيماء الشافعية إلى نفي ثمانين في عهده غير صحيح كيف وذلك ثابت برواية البخاري والطحاوي ص (88) ؟ والعجب على إغماض الحافظ عن هذه الرواية، والحال أن جلد ثمانين مصرح في البخاري ص (522) في مناقب عثمان: فأمر أن يجلد فجلده ثمانين إلخ، وفيه قال علي: وكلٌّ سنَّة وهذا أحب إليّ إلخ، فدل لفظ السنّة على رفع ثمانين، وقال: هذا أحب إليّ وزعم الشافعية أن إشارة هذا إلى أربعين أقول: الإشارة إلى ثمانين وإنما وقف علي على أربعين وقد صح جلده ثمانين في تلك الواقعة بلا ريب لما ذكرت من البخاري والطحاوي، وقال بعض الشافعية: إن أربعين حدٌ وأربعين سياسةٌ، ومرَّ البيهقي على بعض روايات ثمانين، وتأول فيه بأن الجلد كان ذا فرعين وجلد أربعين وعده الراوي(3/135)
بثمانين، أقول: يلزم على هذا التأويل أن يقال في حديث الباب: إنه جلد عشرين وعدّه الراوي أربعين، فالحاصل أن نفي ثمانين في عهده غير صحيح.(3/136)
باب ما جاء «من شرب الخمر فاجلدوه وإن عاد في الرابعة فاقتلوه»(3/136)
[1444] الحديث صحيح، وقالوا: ليس عليه عمل أحد من الأربعة، وقال السيوطي في قوت المغتدي: إني أقول به وإن لم يعمل به أحد من الأئمة، أقول الحديث معمول به عندنا أي الأحناف ونحمله على التعزير، ويجوز القتل عندنا تعزيراً كما يجوز قتل المبتدع تعزيراً، ذكر الشيخ عبد الرزاق المناوي في شرحه على الجامع الصغير للسيوطي: أن السيوطي ادعى الاجتهاد فكتبوا إليه تسعة مسائل من مسائل الشافعية يسألونه عن ترجيحها ومواضع تلك المسائل، فقال السيوطي: لا أقدر على هذا، ثم قال المناوي: والعجب ممن يدعي الاجتهاد ولا يقدر على ترجيح مسائل مذكورة وبيان مواضعها، وحكي في الطبقات الشافعية أن أبا محمد الجويني أراد أن يكتب تصنيفاً ويخرج عن تقليد الشافعي، فكتب(3/136)
إليه البيهقي: إني سمعت إرادتك فاعلم أنك لست أهل الاجتهاد فلا تخرج عن تقليد الشافعي فترك أبو محمد الجويني ما أراد.(3/137)
باب ما جاء في كم يقطع يد السارقّ؟(3/137)
[1445] المذاهب في مسألة الباب تبلغ عشرين، قال ابن حزم: يقطع في سرقة حبة شعيرة أيضاً، وقال مالك رحمه الله: يقطع في ثلاثة دراهم، وقال الشافعي: يقطع في ربع الدينار، وقال أبو حنيفة رحمه الله والثوري رحمه الله: لاقطع في أقل من عشر دراهم، وأصح ما في الباب حديث الحجازيين فإنه حديث الصحيحين، وتكلم الطحاوي في المسألة وأتى بالاستدلالات ولم يذكر محمل حديث الحجازيين وتكلم الحافظ في المسألة وقال في آخر كلامه: إن حديث العراقيين لا يخالفنا فإنه لا ينفي القطع في أقل من عشرة دراهم، ثم أتى برواية دالة على نفي القطع في أقل من عشرة دراهم أخرجها ابن ماجه والطحاوي وضعفها الحافظ، أقول: محمل حديث الحجازيين أنه محمول على السياسة لكني(3/137)
لم أجد في كتبنا القطع في أقل من عشرة دراهم سياسةً إلا أن للقطع سياسةً نظائر، منها ما في الدر المختار ص (215) أن القطع ثالثاً جائز سياسة، وقد ثبت في كتبنا القتل سياسة وهو أشد من القطع أيضاً وإنه كان هناك صور ما انتهى الأمر إلى عشرة دراهم، وفرق بين المنسوخ والمتروك وهذا المحمل أعلى المحامل عندي، وقال الأحناف: إن قيمة المجن مختلفة فيها، في بعض الروايات عشرة دراهم، وفي بعضها ثلاثة دراهم، وفي بعضها اختلاف آخر، فيؤخذ بالأحوط فإن الحدود تندرء بالشبهات، وأما أدلتنا من الحديث مما روى الطحاوي من حديثين، وقال الحافظ: إنهما مضطربان وفي سندهما محمد بن إسحاق وهو قد يروي عن ابن عباس وقد يروي عن ابن عمرو بن العاص، أقول: أخرجهما أبو داود والنسائي ص (240) عن ابن عباس وابن عمرو بن العاص أقول: إن عند محمد بن إسحاق حديثين وهما حسنان لذاتهما، ووثق البخاري محمد بن إسحاق وهو من رجال مسلم، ولنا حديث ثالث أخرجه النسائي ص (240) عن عطاء عن أيمن بسند قوي، وفيه بحث طويل، فإن أيمن اختلف في أنه صحابي أو تابعي، والحديث على الأول منقطع وعلى الثاني مرسل، وقال النسائي: ما أحسب أنه له صحبة إلخ، فيكون مرسلاً وإذا كان صحابياً فليس لعطاء لقاء أيمن، لأن أيمن استشهد في غزوة حنين، وقال الطحاوي في أحكام القرآن: إن أيمن صحابي وعاش إلى ما بعد عهده والحديث متصل لكنه لم يذكر مأخذه، وقال محمد بن إسحاق في سيرته: إنه شهد غزوة حنين واستشهد، وذكر في كتاب الأم للشافعي أنه سأل محمد بن حسن دليل عشرة دارهم؟ فروى محمد حديث أيمن، فقال الشافعي: إنه منقطع فإنه شهد غزوة حنين قبل ولادة مجاهد، وقال شريك بن عبد الله في الطحاوي: إن أيمن صحابي، وقال الحافظ: إن كثيراً سيء الحفظ، أقول: إن أبا أيمن عُبَيْدٌ، وفي بعض الروايات تصريح أنه ابن أم أيمن، وفي الطحاوي ص (93) ج (2) حديث النسائي عن أيمن
الحبشي، والحال أن أبا أيمن الصحابي اسمه عُبَيدُ وهو يمني، ويذكر في كتب معرفة الصحابة أيضاً أيمن الحبشي ويذكر أيمن بن عُبَيد اليمني أيضاً، ولا يؤقتون موت الحبشي والله أعلم، وأقول: إن المذكور في الطحاوي هو ابن أم أيمنُ، والحبشة قبيلة من قبائل اليمن، هذا فاعلم والله(3/138)
أعلم، ولنا فتوى عمر لكنه ثبت عنه القطع في أقل من عشرة دراهم أيضاً، وفتوى عمر أخرجه الزيلعي بسند قوي، وروي عن ابن مسعود أيضاً القطع في خمسة دراهم كما في النسائي ص (739) أقول: إن حقيقة الأمر أن الاعتماد على قيمة المجن ولعل قيمته أولاً كانت أقل من عشرة دراهم ثم غلت وصارت عشرة دراهم في آخر عهده فيبحث في أن العبرة لقيمة الأولى أو الآخرة والعمل بالآخرة ليس بنسخ، وشبيه هذا ما في ديات أبي داود ص (279) أن الدية كانت أربعمائة درهم ثم غلت الإبل فصارت الدية ثمانمائة درهم، ثم خطب عمر وقدر الدية عشرة آلاف دراهم، ولقد وجدت إلى ما قلت إشارت كتبنا كما في الهداية ص (516) ، ج (1) : وأقل ما نقل في تقديره ثلاثة دراهم إلخ، وهذا ما سنح لي من جانب الحنفية وهو قوي إن شاء الله تعالى.(3/139)
باب ما جاء في الرجل يقع على جارية امرأته(3/140)
[1451] قال أبو حنيفة: لا حد على هذا الرجل وجعله شبهة دافعة للحد، والشبهة عنده على ثلاثة أقسام، وشبهة في العقد، شبهة في المحل، وشبهة الاشتباه.(3/140)
قوله: (أحلتها له إلخ) أي أحلت له الوقاع بلا هبة أو نكاح أو تمليك، وهذا حرام باتفاق الفقهاء خلاف الروافض الملاعنة، وحديث الباب محمول عندنا على التعزير، ثم في متوننا أن التعزير لا يزاد على الحد والحد أربعون سوطاً، وفي الحاوي القدسي وغيره عن أبي يوسف أن التعزير يجوز إلى خمسةٍ وسبعين، وفي مشكل الآثار: ومعاني الآثار: يعزّر بالغاً ما بلغ ولا تقييد إلى حد، أقول: الأرجح هو هذا فإن فتاوى عمر ووقائعه تؤيده رواها الشاه ولي الله رحمه الله في إزالة الخفاء، منها أن عمر كتب إليه أن فلاناً يسأل دقائق القرآن تعنتاً فقال عمر: أرسلوه إليّ، فأرسل إليه، فضرب عمر في رأسه حتى انفجرت الدم من رأسه وحبسه، ثم جيء به فضربه في اليوم الثاني ثم حبسه، ثم جيء به يوماً ثالثاً فأراد عمر الضرب فقال ذلك الرجل: لم تعذبني يا أمير المؤمنين إن شئت فاقتلني، فقال عمر أَخَرَجَ من رأسك ما كان؟ قال: نعم خرج، فتركه فما اعترض على القرآن، وروي أن عليّاً ضرب شارب الخمر مائة وعشرين سوطاً، فالحاصل أني أقول بما في معاني الآثار ص73 ج (2) : إن قال قائل: أي يجوز التعزيز بمائة قيل له: نعم عزر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في. . إلخ، وأحمل ما في المتون على أنه لسدّ ذرائع أرباب المظلمة من سلاطين الجور.(3/141)
باب ما جاء في المرأة استكرهت على الزنى(3/142)
[1453] قوله: ولم يذكر أنه جعل لها مهراً إلخ، فإن الحد والمهر لا يجتمعان.
قوله: (فأمر به إلخ) أي تصدى إلى الأمر لا أنه أمر، فإنه كيف يقام الحد قبل الاعتراف والبينة؟ فإنه ليس مذهب أحد، واعلم أن لحم البهيمة المزنية ليس بحرام.(3/142)
باب ما جاء في حد اللوطي(3/143)
[1456] قال الحجازيون: إن اللواطة مثل الزنا جلداً ورجماً، وقال العراقيون: لاحد عليه وإن كان أشد من الزنا فإنه ليس بزنا ويعزر الإمام بما بدا له من الإحراق أو هدم الحائط عليه، وكان مأخذه في القرآن من تدمير قوم لوط وحديث الباب لنا فإنه قتل، والقتل ليس بحد، فإن الحد الجلد أو الرجم وحديث الباب قوي عند المحدثين بطريق غير طريق الباب.(3/143)
قوله: (أهل الكوفة إلخ) ليس هذا مذهب أهل الكوفة، بل المذهب ما ذكرت وثبت الإحراق والهدم وغيرهما عن الصحابة، وإحراق أبي بكر الصديق رجالاً، وسيأتي مسألة الإحراق.(3/144)
باب ما جاء في المرتد(3/144)
ّ(3/144)
[1458] قلنا من ارتد عياذاً بالله يكشف شبهته ويعرض عليه الإسلام ويحبس ثلاثة أيام فإن رجع فبها وإلا فيقتل، وأما المرأة فتحبس عندنا وتقتل عند الحجازيين، وفي المسألة حديثان عامان معارضان فيقاسم في الأصول، نعم أخرج الحافظ حديثاً قوياً صريحاً خاصاً في قتل المرتدة، وما أجابه أحد من الحنفية وتخصصه ولكنه يقتضي جواباً شافياً عنه.
قوله: (حرّق قوماً إلخ) وهؤلاء الذين اعتقدوا سراية الألوهية في علي عياذاً بالله وكان رأسهم عبد الله بن السبأ رأس الروافض، وزعم أكثر الشارحين أنه أحرقهم وهم حيوان، لكن في تمهيد(3/144)
أبي عمر أنه أحرقهم بعد قتلهم وروى عليه رواية، وأما مسألة الإحراق فمأخذ من قال بعدم الجواز رواية أبي هريرة قال: بعثنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «إن وجدتم فلاناً وفلاناً ـ لرجلين من قريش ـ فأحرقوهما بالنار» ثم قال إلخ، وأصل الواقعة أنه لما خلّص أبا العاص وأخذ منه الوعد بأنه يرسل زينب إلى المدينة فأرسل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زيد بن حارثة لقتل جبار بن أسود كان آذى زينب، فأرسل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصحابه في أثره ليحرقوه ثم منع عن الإحراق، وزعم بعض أنه اطلع على الخطأ في حكم الإحراق، أقول: لا داعي إلى هذا بل هذا إمهال في دار الدنيا ومسامحة ليؤخذ في الآخرة أشد الأخذ، ولا يدل على منع الإحراق، وثبت الإحراق عن الصحابة أيضاً، وفي الدر المختار ص (334) : جواز إحراق اللوطي، وروي عن أحمد بن حنبل جواز إحراق الحيوانات المؤذية من القمل والزنابير وغيرها وبه أخذ عنه عدم البدّ منه.(3/145)
باب الغالّ ما يصنع به؟(3/146)
[1461] أي يُقطع يد سارق مال الغنيمة أم لا؟
قوله: (فأحرق متاعه إلخ) يدل حديث الباب على إحراق المال تعزيراً، وفي عامة كتبنا نفي التعزير بالمال وأنه منسوخ، ووجدت في الحاوي القدسي جواز التعزير بالمال عن أبي يوسف.(3/146)
باب ما جاء في التعزير(3/147)
[1463] حديث الباب حديث الصحيحين وغربه المصنف لأن طريقه غريب، وقالوا: إن حديث الباب صحيح وليس عليه عمل أحد من الفقهاء فإن التعزير عند الكل زائد على عشرة جلدات، وفتاوى الصحابة تخالف المرفوع، والمرفوع أيضاً صحيح، وقال ابن دقيق العيد: بلغنا من بعض حفاظ العصر أنه يقول: إن المراد بالحدود ليست حدود الفقه بل حدود القرآن، أي مناهي الشرع فمراد الحديث أن لا يعزر على أشياء حقيرة صغيرة أزيد من عشر جلدات، أقول: إن المراد بهذا البعض هو ابن تيمية أقول: يمكن أن يكون مراد وحديث الباب سد مظالم الجائرين أي المنع عن التعزير على أمور محقرة، والله أعلم.(3/147)
كتاب الصيد(3/148)
باب ما جاء ما يؤكل من صيد الكلب وما لا يؤكل(3/148)
[1464] تفصيل الكلب المعلم والبازي المعلم مذكور في الفقه، والمختار عندنا أين يجرح الكلب ولا يخنق، فإذا خنق فقد حرم الصيد وأما صيد البندق فحرام عند الثلاثة بلا تزكية فإن فيه الدفع لا الحد، وفيه خلاف مالك بن أنس.(3/148)
باب ما جاء الرجل يرمي الصيد فيغيب عنه(3/150)
[1468] في المسألة قيود سبعة عندنا ما استقصاها إلا الزيلعي شارح الكنز؛ منها: أنه لا يجلس عن طلبه.
قوله: (إن سهمك قتله إلخ) في هذا عندنا تفصيل فإذا رماه فوقع على الأرض فذهب ثم وقع فمات لا يحل، وإذا رماه فوقع على الأرض ولم يذهب ومات فحلال.(3/150)
كتاب الأطعمة(3/153)
باب ما جاء في ذكاة الجنين(3/154)
[1476] قال الثلاثة وأبو يوسف ومحمد: إن الجنين حلال بلا ذكاته فإنه تبع أمه، وقال أبو حنيفة: إن خرج حيّاً فيجب تذكيته وإن خرج ميتاً فحرام، والمشهور ذكاة الجنين ذكاة أمه بالرفع، وقيل من الحنفية: إنه بالنصب فيظهر صحته على مذهب أبي حنيفة، وقيل على تقدير الرفع: إنه تشبيه بليغ مثل ما قال:
~ وعياش صپناها وجيدش جيدها ... ولكن عظم الساق منش دقيق
ولقد تكلموا علماء الطرفين في حديث الباب، وقال أبو الفتح بن الجني الحنفي: إن المراد إن كان الاتحاد الذكاة لكان حق العبارة: ذكاة الأم ذكاة الجنين، وفي موطأ مالك ص (182) أثر ابن عمر محتمل لتأيد الطرفين وفيه: ذكاة ما في بطنها ذكاة أمها إذا تم خلقه ونبت شعره، وإذا خرج من بطن أمه ذبح إلخ، فهذا يصلح أن يكون لهم أو لنا، وإن قيل: إن كان مراد الحديث ما قال أبو حنيفة فأي فائدة في ذكره؟ قلت: هذا القول لغو، فإنه إذا لم يبين الشارع الأحكام فمن يبين؟ وأيضاً بعض الطبائع يتنفرون عنه فتصدى الشارع إلى بيان حلّته.(3/154)
باب ما جاء ما قطع من الحيّ فهو ميت(3/155)
[1480] ذكر في الهداية تفصيلاً دقيقاً في المسألة، وقال: إن مقتضى الحديث أن المبان فرع والمبان عنه أصل، فإذا صلح الأصل قابلاً للأصلية فالمبان حرام، وإذا كان القطع نصفين فهما حلالان وفي المسألة تفصيل الفروع، وأشار صاحب الهداية إلى حديث آخر: «وما أُبِين من الحي فهو ميت» إلخ.(3/155)
باب ما جاء في الذكاة في الحلق واللبّة(3/156)
[1481] الحلق الحلقوم، واللبة (هنسلي يعني نبرگرون) .
قوله: (لو طَعنتَ في فخذها إلخ) هذه ذكاة اضطرارية، وأما الاختيارية فتجب أن تكون في الحلقوم واللبة وإذا تأنس الوحش فذكاته اختيارية وإذا توحش الإنسي فذكاته اضطرارية، مثل: إن سقط الحيوان في البير وقرب الموت أو تعلقت الدجاجة على شجرة وكادت الموت.(3/156)
كتاب الأحكام والفوائد(3/157)
باب ما جاء في قتل الحيات(3/157)
[1483] ورد في الأحاديث تحريج العوامر، وقال بعض: إن التحريج منسوخ
أقول: قد يضر العوامر كما تدل قصة أخ فخر الإسلام ذكرها في شرح الجامع الصغير، وقصة الشاه أهل الله الدهلوي رحمه الله فتحرج، وفي أبي داود: وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنا بريّ ممن يخاف من الثار» إلخ وزعمه بعض ناسخاً.
قوله: (ذا الطفيتين إلخ) قيل: ذا نقطتين على الرأس، وقيل: ذا خطين من الرأس إلى الذنب وبلغني من بعض وهو عندي ثقة أني رأيت حية ذات قرنين.(3/157)
باب من أمسك كلبا ما ينقص من أجره(3/159)
[1487] قوله: (ليس بضار إلخ) من الضري ناقصاً، والكلب المجاز اقتناؤه مستثنىً عن حديث الباب، والاختلاف في دخول ملائكة الرحمة.
قوله: (إن أبا هريرة له زرع إلخ) هذه ظرافة وبيان حال لا الطعن على أبي هريرة.(3/159)
باب ما جاء في الذكاة بالقصب وغيره(3/160)
[1491] يجب الذبح بما هو أحدّ، ويستحب السهل في الذبح كيلاً يتألم الحيوان.
قوله: (لم يكن سنّ إلخ) قال أبو حنيفة: يجوز الذبح بالسن المقلوع خلاف الشافعي وحديث الباب له، ويمكن لأبي حنيفة تخصيص الحديث بالوجه الفقهي، وأقول أيضاً: إن قوله: السن عظم إلخ إن كان المراد أن المناط كونه عظماً فقط فلا نسلمه مناطاً، وإن كان المراد أن النهي لكونه غير صالح للذبح، فأقول: إن أبا حنيفة أيضاً يفصل في المسألة بأنه إن صلح للذبح بحيث يكون ذا حدّ ومقلوعاً فالذبح به جائز وإلا فلا، فلا يرد عليه الحديث المرفوع هذا. والله أعلم وعلمه أتم.(3/160)
كتاب الأضاحي(3/162)
باب ما جاء في الأضحية بكبشين(3/162)
[1494] أضحية الكبش عندنا أولى.
قوله: (أملحين إلخ) الأملح مختلط السواد والبياض وهذا المعنى في هذا الموضع، وتختلف معانيه بحسب اختلاف المواضع مثل لفظ الأشهل.(3/162)
قوله: (أحدهما عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلخ) الأضحية عن الميت إثابة جائزة ولا تنوب إلا بالوصية، وإذا أوصى فيلزم وإلا حكمها حكم أضحية الحي، قال ابن وهبان في منظومته:
~ وعن ميت بالأمر الزم تصدقاً ... وإلا فكُلْ منها وهذا المحرّر.(3/163)
باب ما لا يجوز من الأضاحي(3/164)
[1497] قوله: (التي لا تنقى إلخ) النقية المخ، إذا ذهب بعض العضو فالعبرة عندنا للثلث أو الربع أو النصف والمختار لعله النصف ويطلب التفصيل في الفقه.(3/164)
باب ما يكره من الأضاحي(3/164)
[1498] قوله: (بمقابلة ولا مدابرة إلخ) قيل: المقابلة التي قطع الطرف العالي من أذنها، والمدابرة التي قطع الطرف السافل وتغير آخر أيضاً.(3/164)
باب ما جاء في الجذع من الضأن في الأضاحي(3/165)
[1499] تصح عندنا الثني وهوابن حول من المعز، وابن حولين من البقر، وابن خمس من البعير، وابن فوق ستة أشهر من الضأن بشرط أن يشبه ابن سنة وأما قيد الألية في الضأن ابن ستة فقيد اتفاقي ذكره بعض المصنفين، وما إرادة ابن فوق ستة أشهر الجذع فخلاف اللغة، ونقول: يؤيدنا توارث السلف.
قوله: (فبقي عتوداً وجَدي إلخ) العتود ابن أربعة أشهر، والجدي ابن ستة، ودلت الروايات أن هذا من خصوصية الرجل.(3/165)
باب ما جاء أن الشاة الواحد تجزئ عن أهل البيت(3/167)
[1505] قال مالك: تنوب أضحية واحدة عن أهل بيت واحد وإن كان أهل بيت خمسين نفساً، وفي مذهب الشافعي تفصيل، وقلنا: لا تجزئ شاة إلا عن واحد، وتمسك مالك بحديث الباب، ونقول: إن المراد الاشتراك في اللحم لا الاشتراك في أداء الأضحية، وهذا شائع في عرفنا أيضاً، وتجوز في بقرة سبع أنفس ويجب نصوح النية للقربة لا اتحاد النية، فيجوز أن ينوي رجل الأضحية وآخر العقيقة.(3/167)
باب ما جاء في الذبح بعد الصلاة(3/168)
[1508] يضحي من عليه الجمعة بعد الصلاة، ومن لا جمعة عليه بعد صبح يوم العيد.
قوله: (هذا يوم اللحم فيه مكروه إلخ) قيل: إن المعنى أن سؤال اللحم مكروه، وقال النووي: إن اللحَم بفتح الوسط بمعنى الحرص، أي حرص اللحم مكروه.(3/168)
باب ما جاء في العقيقة(3/170)
[1513] نسب إلى أبي حنيفة أنه لا يقول بالعقيقة والموهم إليه عبارة محمد في موطئه، والحق أن مذهبنا استحبابها لسابع بعد يوم الولادة أو للرابع عشر أو الحادي وعشرين، ويسميه في ذلك اليوم، وراجع الناسخ والمنسوخ للخامس فقد ذكر عبارة عن محمد رحمه الله.
قوله: (مكافئتان إلخ) المراد إما التساوي في السن، وإما بلوغهما إلى سن الأضحية، وعملنا بما في الحديث من الغلام والجارية، وصدقة الفضة قدر أشعار رأس الولد.(3/170)
باب الأذان في أذن المولود(3/170)
[1514] يستحب الأذان في الأيمن والإقامة في الأيسر، وفي عمل اليوم والليلة لابن السني: أن الأذان يدفع مرض أم الصبيان عن الولد، وقال الشاه عبد العزيز: إن الآذان أذان الصلاة، والصلاة صلاة الجنازة بعد الموت.(3/170)
باب من العقيقة(3/173)
[1522] قوله: (الغلام المرتهن بعقيقته إلخ) في شرح هذه الجملة أقوال، والأرجح ما قال أحمد: بأن الولد إذا مات ولم يعق عنه فلا يشفع في الوالدين، ولفظ المرتهن على صيغة المجهول، ولا يزعم أنه لازم سيما إذا كان بعده باء كما قال امرء القيس:
~ عميد القلب مرتهناً ... بذكر اللهو والطرب
قوله: (يجزئ في العقيقة إلخ) أي الأجزاء المستحب، ولم يقل أحد بوجوبها.(3/173)
باب ترك أخذ الشعر لمن أراد أن يضحى(3/173)
[1523] للعلماء في الحديث كلام وحسنه الترمذي، ومسألة حديث الباب مستحبة والغرض التشاكل بالحجاج، وأما حديث عائشة فلا يعارض ما ذكرت لأنه بعث الهدي في غير ذي الحجة وما ذكر ما في ذي الحجة.(3/173)
كتاب النذور والأيمان(3/175)
العلماء يجمعون بين النذر واليمين في بعض الأحيان وهو مفهوم من الحديث.(3/175)
باب ما جاء لا نذر في معصية(3/175)
[1524] النذر عندنا مشروط بشروط خمسة، منها: أن يكون القربة مقصودة، ومنها أنه عمل اللسان لا القلب فقط، وصيغته صيغة الشرط والجزاء، أو لله عليّ، ويفهم من مبسوط السرخسي: أن لفظ علَيَّ فقط أيضاً يكفي للنذر، ومنها أن يكون شيء من جنسه واجباً، أقول: إن أصل مذهبنا أنه لو نذر بمعصية فلا وفاء ولا كفارة، ونقل الشيخ في الفتح عن الطحاوي إذا قال: لِلّه عليّ أن أقتل فلاناً ففيه كفارة ولا يوفي، وإني متردد في أنه مذهب الطحاوي فقط، أو مذهب أئمتنا الثلاثة أيضاً ولعله ليس إلا مذهبه. وما في موطأ محمد ص (327) قال محمد: وبه نأخذ، (من نذر نذراً في معصية ولم يسم فليطع الله وليكفر عن يمينه) ، وبه قال أبو حنيفة إلخ، ينظر فيه وكذا ما في الطحاوي والفتح والموطأ، وفي كتبنا: من نذر أن يذبح ابنه فعليه شاة فهذا تحرير المذهب، وأما الحديث فحمله الأحناف على الظاهر على ما حررت في المذاهب، وحمله الشافعي ومالك على نذر اللجاج، وهو ما يكون على شاكلة الشرط والجزاء بأن قال: إن كلمت فلاناً فعلي كذا ففي هذا يجب الحنث عندهم ويكفر، وأما النذر الذي يكون على شاكلة التنجيز بأن قال: لا أكلم أبي فلا كفارة ولا وفاء.
وأما حديث الباب فرجاله ثقات إلا أنه قال الترمذي: إن بين الزهري وأبي سلمة راويين يحيى بن أبي كثير وسليمان بن أرقم فأسقط الحديث أكثر المحدثين، وقال النسائي: إن مدار الحديث على سليمان بن أرقم وهو متروك وهو في أكثر الطرق، وفي طريق عمران بن حصين قال الزهري: أخبرنا أبو سلمة فلا يكون راوٍ ساقطاً ولا أدري أن هذا الطريق صحيح أو معلول وقال النووي: إن(3/175)
الحديث ضعيف اتفاقاً، وقال الحافظ في التلخيص: صححه الطحاوي وابن السكن فلا يصح قول النووي، أقول: لا أعلم مأخذ نقل الحافظ تصحيح الحديث عن الطحاوي فإنه ضعفه في المشكل، نعم أخذ المسألة المذكورة في الحديث وأتى الطحاوي في المشكل على مسألته بحديث عائشة برجال ثقات ووافقه في تصحيح السند عبد الحق الإشبيلي في كتاب الأحكام وابن قطان في كتاب الوهم والإيهام وقال ابن قطان: إن قطعة (وكفارته كفارة اليمين) ، مدرجة أو مرفوعة فلا أدريها وجاء الطحاوي بما أخرجه أحمد في مسنده عن سمرة بن جندب، وعمران بن حصين أن عبد رجل فرّ ونذر الرجل إن وجدت أقطع يده، فسأل عمران وكان عنده سمرة فأمر أن يكفر ولا يقطع اليد فعلم أن في الحديث قوة شيء، ومثله عمل بعض الصحابة وبه قال أحمد بن حنبل، وكلام ابن تيمية يفيد أن أحمد أسقط الحديث، والله أعلم أسقطه أحمد أم لا؟ وأخرج الطحاوي ص (24) ج (2) عن عقبة بن عامر بسند صحيح: نذرت امرأة أن تمشي إلى كعبة حافية كاشفة رأسها فقال: «تستر رأسها وتركب وتكفر» وزعم الطحاوي أن الكفارة كفارة يمين، أقول: إن الكفارة بدل الجزاء، وفي حديث صحيح: نذر رجل أن يصوم ويجلس في حر الشمس، وقال: «إنه يصوم ولا يجلس في الحر» وليس فيه ذكر الكفارة، وقال ابن تيمية من نذر نذراً حسناً فهو مخير بين الكفارة والوفاء، ثم أقول: إن المذكور يدل على خلاف ما قال ابن تيمية في مسألة أن النهي يدل على بطلان حكم المنهي عنه، وكذلك يخالفه ما روي عن ابن عباس أخرجه محمد في موطئه ص (327) قال ابن عباس: أرأيت أن الله تعالى قال: إلخ {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِم} [المجادلة: 3] ثم جعل فيهم الكفارة إلخ، وأقول يرد عليه أن الشارع ربما يغضب على أمر ولا يبطن بمحض غضبه حكم ذلك الأمر وله نظائر منها وصال الصوم، ومنها أن رجلاً أعتق ستّة عبيده ثم مات فصلى عليه النبي - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قال بعد الصلاة: «لو دريت أنه أعتقهم لما صليت عليه» وكذلك أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حجة الوداع بفسخ الإحرام، وتأخروا في الفسخ ولم يبطل إحرامهم بمحض غضبه بل بفسخهم، وكذلك أمر في الحديبية بالحلق فما حلقوا وغضب فلم يبطل إحرامهم بمحض الغضب بل بالحلق، وأمثال أخر أيضاً، هذا فاعلم وادر.(3/176)
باب ما جاء لا نذر فيما لا يملك ابن آدم(3/177)
[1527] الخلاف في النذر مثل الخلاف في الطلاق قبل النكاح.(3/177)
باب ما جاء في الكفارة قبل الحنث(3/178)
[1530] التكفير قبل الحنث جائز عند الشافعية لا عندنا، وجواب حديث الباب أن في حديث الترمذي عكس ما في الصحيحين فإن فيهما: الحنث ثم الكفارة.(3/178)
باب ما جاء في الاستثناء في اليمين(3/179)
[1531] تفصيل الاتصال والانفصال في الاستثناء مذكور في الأصول والفقه، وفي التخريج عن ابن عباس جواز الاستثناء منفصلاً أيضاً، وفي المسألة حكاية محمد بن إسحاق وأبي حنيفة في حضرة الخليفة.(3/179)
باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله(3/180)
[1533] قوله: (ذاكراً أو أثراً إلخ) قيل: معناه عامداً وناقلاً، وقيل: عامداً وناسياً، واعلم أن بعض الروايات والوقائع تخالف حكم حديث الباب، منها ما في الصحيحين في قصة أعرابي قال: أفلح وأبيه إن صدق إلخ ففيه حلفه بغير الله، فقيل فيه أصله: أفلح والله إن صدق فصحف للتشابه الخطي وصار أفلح وأبيه، وهذا أمر مستبعد، وقيل: بتقدير المضاف أي: أفلح ورب أبيه وهذا أيضاً غير مقبول، وقيل: إن الحديث في ما كان فيه تعظيم المقسم به، وأما ما في الصحيحين ففيه صورة القسم لا حقيقة القسم بل فيه تأكيد وهذا أصوب، ومنها ما في حديث الإفك لعمري إلخ، وهكذا في خطبة الدر المختار، وكذلك في خطبة المطول، فقال حسن لپي محشيه: إن هذا قسم صورة وتأكيد حقيقة وليس بقسم حقيقة، وكلامه هذا صواب، ومنها ما في أوائل البخاري في قصة أضياف أبي بكر الصديق: وقرة عيني إلخ، فالجواب في الكل واحد أي صورة القسم والتأكيد لا حقيقة قسم، وكذلك كل ما في القرآن ليس بقسم حقيقة بل تأكيد وشهادة على المضمون الآتي، ومثل هذا قال ابن قيم في كتابه أقسام القرآن، وأما ما في حديث الباب: «فقد كفر» فسيأتي تفصيله في ابتداء البخاري.
قوله: (واللات والعزى إلخ) أي تبادر به لسانه، قد أخطأ النووي في نقل مذهب أبي حنيفة خطأ(3/180)
مفسداً، فإنه نقل من قال: واللات والعزى انعقد الحلف عند الحنفية، والحال أن المذكور في كتبنا أن من قال وحلف بهذا فقد كفر، ومنشأ غلط النووي ما في كتبنا أن قول: إن فعلت كذا فيهودي حلف، والحال أن هذا من وادٍ آخر فإن فيه ليس تعظيم اليهودية بل يزعمها قبيحاً وسبب الاحتراس، ثم إن فعل الفعل في هذه الصورة فإن زعم أنه يكفر بالفعل فكافر وإن لم يزعم فلا كفر، وإني أتعجب على العيني أنه نقل عبارة النووي وما ردّها، ولعل في عبارة العمدة سقماً وسقطاً.(3/181)
باب ما جاء فيمن يحلف بالمشي ولا يستطيع(3/181)
[1535] من نذر المشي إلى بيت الله فهذا قربة ونذر فإن ركب فعليه الهدي، وأما الأحاديث ففي بعضها ذكر الهدي، وفي بعضها ذكر صيام ثلاثة أيام، وفي بعضها ذكرهما، وقال الطحاوي: لعلها، نذرت وحلفت، أقول: إن الواجب الهدي وأما صيام ثلاثة أيام فبدل الهدي لا كفارة اليمين، ويؤيد الطحاوي ما في أبي داود عن ابن عباس ذكر اليمين أيضاً، وعندي أنه من اجتهاد ابن عباس لأنه لم يسأل عن اليمين أصلاً فإنه ليس ذكره في الروايات.(3/181)
باب في كراهية النذور(3/182)
[1536] النذر المعلق غير مرضي وإن كان النذر قربة ولو نذر لزم، وأما النذر المنجز فحسن ومرضي.(3/182)
باب ما جاء في وفاء النذر(3/183)
[1538] قال الحنفية: من حلف في حالة الكفر ثم أسلم لا يجب وفاء ذلك النذر، وقال الشافعية بوجوب الوفاء، وتمسكوا بحديث الباب، ونقول: الكلام في الوجوب، ولا ننفي الاستحباب ولا نص على وجوبه.
قوله: (لا اعتكاف إلا إلخ) قال الشافعية: لا يجب الصوم في الاعتكاف، وتمسكوا بحديث الباب بأن فيه اعتكاف الليالي ولا صوم في الليالي، أقول: لا يجب الصوم على مختار صاحب البحر في اعتكاف النفل ويقال من جانب الشيخ ابن همام: إن في رواية البخاري لفظ اليوم أيضاً في حديث الباب.(3/183)
باب ما جاء في كراهية الحلف بغير ملة الإسلام(3/184)
[1542] المتبادر من حديث الباب الحلف باليهودية والنصرانية، لا بأنه إن فعل كذا فهو يهودي كما قال المصنف.(3/184)
قوله: (كاذباً إلخ) أي لا بالعقيدة، ومذهبنا أن من حلف إن فعل كذا فهو يهودي؛ فإن زعم أنه يتهود بالفعل فهو كافر وإلا فلا، وهذا إذا أتى بذلك الفعل.
قوله: (فهو كما قال إلخ) يحول حكم إكفاره إلى الفقهاء(3/185)
قوله: (تعال أقأمرك فليتصدق إلخ) زعم الأكثر أن مراده أن القائل بهذا القول آثم فليتصدق، وقال الطحاوي في مشكل الآثار: إن المراد أنه لم لا يتصدق بمال القمار، فعلى هذا التصدق بدل القمار لا كفارة الإثم والمعصية.(3/186)
كتاب السّير(3/187)
يذكر في أبواب السير ما نقل عنه في الجهاد والغزوات، وله فن مستقل صنفت فيه الكتب.(3/187)
باب ما جاء في الدعوة قبل القتال(3/187)
[1548] قال الطحاوي: إن كانت أمارات أن الدعوة قد بلغتهم فإبلاغها قبل القتال مستحب، وإلا فواجب، والتفصيل يطلب من كتب فقه.
قوله: (فلكم مثل الذي علينا إلخ) هذا الحديث يصلح للدليل في أن يقتص من المسلم للذمي
قوله: (سلمان الفارسي إلخ) من أبناء ملوك الفارس، اتفقوا على أن عمر سلمان لم يكن أقل من(3/187)
مائتين وخمسين، وقيل: عمره أزيد من ذلك، وقد أدرك وصي عيسى كما في صحيح البخاري.(3/188)
باب ما جاء في الغنيمة(3/189)
[1553] الغنيمة ما حصل بإيجاف الخيل، والفيء غيره كما قال السرخسي في المبسوط، واتفقوا على أن في الغنيمة خمساً ولا خمس في الفيء إلا عند الشافعي، واختلف في فتح مكة وخيبر أنه فتح صلحاً أو عنوةً وحله وتأويله مني متعذر، كما أن تأويل قول السرخسي: إن حصل بإيجاف الخيل والركاب فغنيمة وإلا ففيء إلخ لم أدركه، وقد قال العلماء: إن فتح بني نضير عنوة، وفي الروايات أنهم حاصروهم أياماً، وفي القرآن إطلاق الفيء عليه.(3/189)
قوله: (بست إلخ) في بعض الرويات أشياء أخر ذكرها الحافظ في فتح الباري في التيمم.
قوله: (جوامع الكلم إلخ) قد صنفت فيه الكتب، ونظائره، البينة على المدعي واليمين على من أنكر» ومثله.
قوله: (طهوراً إلخ) هذا إن كان صيغة مبالغة الطاهر فلا يصلح بمعنى المطهر نعم إذا كان بمعنى الآلة فيصلح له.(3/190)
باب في سهم الخيل(3/190)
[1554] قال أبو حنيفة: للفارس سهمان، وللراجل سهم، وقال الثلاثة وأبو يوسف رحمه الله ومحمد رحمه الله: للفارس ثلاثة أسهم سهمان للفرس وللراجل سهم، وحديث الباب لهم، وقال في الهداية: إن الفرس، بمعنى الفارس، وأقول: إن روايات ابن عمر بطريق أخرجها الزيلعي، وفي بعض طرق الفرس، وفي بعضها الفارس، ولا يجري تأويله إلا في الثاني ورجال الطرق ثقات له، أقول: يحمل الحديث على الظاهر، ويقال: إنه يتنفل لأسهم والتنفيل ثابت عند الكل ثم عند أبي حنيفة التنفيل من رأس الغنيمة قبل النقل إلى دار الإسلام، ومن الخمس بعد النقل ومن خمس الخمس عند الشافعي، وأما عند أحمد رحمه الله فمن الأخماس الأربعة، ولا ينفل من خُمِس الله، وقال أبو حنيفة: إني لا أفضل البهيمة على الإنسان، وقال بعض الخصوم: إنه قياس في مقابلة النص، وقيل: إن القياس أيضاً ليس بقياس، وقال الحافظ في الفتح: لا شبهة في أن القياس أجلى لكنه خلاف النص،(3/190)
أقول: إن أعلى النصوص لنا ما أخرجه أبو داود ص (325) ، ج (2) فقسمها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ثمانية عشر سهماً وكان الجيش ألفاً وخمسمائة فيهم ثلاثمائة فارس، فالحساب لا يستقيم إلا على إعطاء الراجل سهماً وإعطاء الفارس سهمين، ولكن الروايات مختلفة في جيش خيبر، ويمكن التوفيق بأن بعض الرواة عد جميع من كان، وعد بعضهم المعتدِّين بلا تعداد خدمهم.(3/191)
باب ما جاء في «قتل قتيلا فله سلبه»(3/194)
[1562] السلب ما على الرجل من الثياب والسلاح لا الفرس، وحديث الباب عند أبي حنيفة رحمه الله ومالك رحمه الله في النفل، وعند أحمد رحمه الله والشافعي رحمه الله تشريع كلي، فالخلاف في الغرض وقوله: «من قتل قتيلاً فله سلبه» في غزوة حنين.(3/194)
باب ما جاء في قتل الأسارى والفداء(3/196)
[1567] قوله: (عن عبيدة عن علي إلخ) عبيدة بفتح الأول على فعيلة.(3/196)
قوله: (خيّرهم يعني أصحابك إلخ) هاهنا إشكال وهو أن أسارى بدر قد شور في حقهم فقال عمر: يقتلون ويقتل كل قريب قريبه، وقال أبو بكر الصديق: بالفداء واختاره النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم نزل العتاب كما في الروايات، قال: «كان العقاب على رأس هذه الشجرة» ، لو لم يكن عمر: فإذا كان الله تعالى قد خيّر فكيف العتاب؟ والجواب باللهم إن العتاب لعله على اختيار الشق المرجوع.
قوله: (فدى رجلين مسلمين إلخ) الأسارى عندنا تقتل أو تسترق، وفي المفاداة بالنفس أو المال تردد، وعندي أنهما جائزان كما روي عن محمد بن حسن، وفي الدر المختار ص (219) وحرم منهم، أقول: إن أكثر أرباب التصنيف إلى نسخ المنّ بالآية: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة: 191] وفي السير الكبير لمحمد بن حسن: أن المنَّ جائز بشرط أن يرى الإمام مصلحة، والتمسك بحديث ثمامة وحديث آخر.
قوله: (مرسلاً إلخ) إذا كان مرسلاً فذكر عليّ ليس في موضعه كما وجد في النسخ.(3/197)
قوله: (يقتل من شاء ويفدي من شاء إلخ) أقول: الأصوب يفادي من شاء من المفاعلة.(3/198)
باب ما جاء في قبول هدايا المشركين(3/200)
[1576] قوله: (إن كسرى أهدى له إلخ) أقول: لم أجد متى أهدى إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقبل هديته، فإنه خرق كتابه حين كتب إليه، وأرسل أحشاءه إلى المدينة ليأتوا بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فعندي أنه وهم الراوي قطعاً، وهاهنا مصداق قول الشافعي: أخذ فلان طريق المجرة إلخ، أي (كاهكشان) كان يقولها الشافعي فيمن يغلط.(3/200)
باب ما جاء في سجدة الشكر(3/201)
[1578] روى مشائخنا عن أبي حنيفة أن سجدة الشكر ليست بشيء، ومثله روي عن مالك ثم في شرح قول أبي حنيفة قيل: إنه مكروه، وقيل: ليس بشكر كامل، والكمال في الركعتين، واختاره ابن عابدين والحموي محشي الأشباه وهو المختار لصحة الأحاديث، وقال في الدر المختار: سجدة الشكر مستحبة وبه يفتى.(3/201)
باب ما جاء في أمان المرأة والعبد(3/201)
[1579] لكل مسلم حق في أمان الكافر ويصير الكافر مأموناً، نعم لو رأى الإمام عدم المصلحة فله نبذه ويعذر من آمن، ولا يجوز تعرضه قبل النبذ بسوء.(3/201)
قوله: (ذمة المسلمين. . إلخ) أفتى بعض أرباب الفتوى أن أناس العصر لو خالفوا نصارى العصر فغدر ونقض العهد وتمسكوا بحديث الباب، أقول: إنه قياس علماء العصر فإن الحديث في صورة المحاربة وإني لا أتكلم إلا في أن المسألة ليست في كتب الفقهاء نفياً ولا إثباتاً، وإن كان الحكم ما قالوا، وظني أن معاهدة أناس العصر تنحصر عليهم ولا تسري إلى الغير.(3/202)
باب ما جاء في أخذ الجزية من المجوسي(3/204)
[1586] قال الشافعي: إن الجزية على الكتابي ومثله المجوسي فإنه كان ذا كتاب قد فقد، وقال أبو حنيفة: إن في مشركي العرب والمرتدين سيفاً أو إسلاماً والجزية على العجم، وتمسك الطحاوي في مشكل الآثار بحديث: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي طالب: «لو قلتم كلمة يطيعكم بها العرب وتؤدي الجزية العجم» إلخ، وقلنا: إن قيد الكتابي والمجوسي قيد اتفاقي، وإن قيل: إن تردد عمر يفيد الشافعية قلت إن تردد عمر بسبب أنه زعم المجوسي من أهل الكتاب وفقد ولكنه لما رأى أن المجوسي يناكحون بمحارمهم زعم أنهم تركوا كتابهم فأراد أن يردهم إلى كتابهم فوجه التردد هذا لا في أخذ الجزية وأراد أن لا يبقي بالجزية من ينكح محارمه لا يعاهد معهم، والله أعلم.(3/204)
باب ما يحل من أموال أهل الذمة(3/205)
[1589] قال العلماء: إن محمل حديث الباب أنه عاهد بالذميين أن يطعموا إذا أتاهم المسلمون، وهذا مفهوم من كتبه التي أخرجها الزيلعي في آخر التخريج.(3/205)
باب ما جاء في الهجرة(3/205)
[1590] الهجرة إلى دار الإسلام من دار الحرب مختلفة في المتأخرين، وليست المسألة في كتب الأحناف نعم تعرض هاهنا الشافعية، وقال الشاه عبد العزيز في بعض رسائله باستحباب الهجرة وهو المختار، وقال بعض العلماء بالوجوب، وتدل الأحاديث والآيات على الاستحباب؛ منها ما أخرجه(3/205)
الترمذي ص (195) عن بريدة لما فيه أنهم «يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم» إلخ، وقالوا: كانت واجبة على أهل مكة، وقد تجب في بعض الأحوال.(3/206)
باب ما جاء في بيعة النساء(3/207)
[1597] تجوز بيعة النسوان بأخذ الرداء وهو ثابت، ولا تجوز المصافحة أصلاً ولم تثبت.(3/207)
باب ما جاء في إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب(3/210)
[1606] الكافر لا يقيم في جزيرة العرب، نعم يجوز المرور، واختلف في أن الحكم لجميع جزيرة العرب أو لبعضها، وأشار إلى الأول الطحاوي في مشكل الآثار واختصر محمد في موطئه ص (372) .(3/210)
باب ما جاء في تركة النبي - صلّى الله عليه وسلّم -(3/210)
[1608] كان حائط فدك بين مدينة وخيبر.
قوله: (لا نورث إلخ معروف أو مجهول إلخ) قال الروافض الملاعنة: إن الشيخان ظلما عياذاً بالله، والحال أن عليّاً وعثمان أيضاً تمشيا على ما فعله الشيخان.(3/210)
حكي أن رافضياً ذهب عند السفاح الخليفة العباسي، وقال: إني مظلوم فأجرني، قال الخليفة: من ظلمك؟ قال: أبو بكر وعمر في تركة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فسأل الخليفة عند من الفدك؟ قال: عند عثمان قال: ثم عند مَنْ، قال: عند علي، وهكذا، قال الخليفة: فأي خصوصية أبي بكر وعمر، فسكت الرافضي الملعون، فأمر الخليفة بقطع رأسه فقطع، وقد تكلم شراح البخاري في حديث الباب، وقال السيد السمهودي: إن نزاع فاطمة لم يكن في تحصيل التركة وتملكها بل في تولي الوقف، وفي كتب الفقه أن الأولى بتولي الوقف أولاد الواقف، وقول السمهودي ألطف.(3/211)
باب ما جاء في الطّيرة(3/213)
باب ما جاء في الطِّيَرَة (بدغالي)(3/213)
[1614] نهي الشريعة عن الطيِّرَةَ لا الفأل، وليسا بمؤثرين في الأمور، بل التفاؤل يورث ظن الخير في الله، وفي الحديث: «أنا عند ظن عبدي بي» إلخ، وثبت تفاؤله بالأسامي، وروي عن عائشة رواه الحافظ في التلخيص بسند أئمة النحاة وهم ثقات وهو بمسلسل بالنحاة قالت: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ هذا الشعر أحياناً:
~ تفاءل بما تهوى يكن فلقلما ... يقال الشيء كان إلا تحققا
وقال الحافظ في بعض تصانيفه: إن قطعة حديث الباب «وما منا» إلخ مدرجة من الراوي، واعلم أنه نسب انشاد الشعرين إلى أبي حنيفة ونسب إليه قصيدة أيضاً، ولكن عبارة هذه القصيدة ركيكة ولم تذكر هذه النسبة بالسند فلا أصل لها، وكان الشافعي في أعلى ذروة الشعر، ولم أجد عن مالك إنشاد شعر ونسب إلى البخاري أيضاً إنشاد بعض الأشعار.(3/213)
كتاب فضائل الجهاد(3/215)
باب ما جاء في فضل الصوم في سبيل الله(3/216)
[1622] لعله أراد بالصوم «في سبيل الله» الصوم في الجهاد، وكلام البخاري أيضاً يشير إلى ما أراد الترمذي، والوجه أن لفظ «في سبيل الله» ، في عرف الشريعة يستعمل في الجهاد، واختلف أئمتنا في تفسير سبيل الله ولو لم يخرج الحديث تحت هذه الأبواب يزعم أن المراد به الصوم بنية ناصحة خالصة.(3/216)
باب ما جاء في فضل من ارتبط فرسا في سبيل الله(3/220)
[1636] في بعض طرق حديث الباب أنه له أجر وإن لم ينو التفصيل، وفي مسلم زيادة: «ولم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها» إلخ في حديث الباب، وهي تفيدنا في زكاة الخيل، وقد أتى بها الزيلعي.(3/220)
باب ما جاء في ثواب الشهيد(3/221)
[1640] قوله: (في طير خضر إلخ) قيل: إن حديث الباب يدل على التناسخ، وأجابوا بأن التناسخ، هو تدبير الروح الخارج من جسم في جسم، وأما ما نحن فيه من الحديث فالمراد به أن أرواح المؤمنين في طير خضر كالظروف فيها مثل الماء في الآنية، أقول: لا يحتاج إلى هذه التوجيهات بل يستقر الأحاديث، وفي موطأ مالك ص (84) عن كعب بن مالك: «إنما نسمة المؤمنين طير يعلق في شجر(3/221)
الجنة حتى يرجعه الله في جسده يوم القيامة» إلخ فدل على أن الأرواح مثل طير خضر في العيش وسرعة السير والطيران لا أنها في طير خضر، فيكون الحاصل تشبيه الأرواح بالطيور، ووجه الشبهة ما ذكرت.
واعلم أن أرواح بعض المؤمنين غير الشهداء أيضاً طير خضر في الجنة، وفي حديث ضعيف السند أن الطير الخضر زرزور (مينا) .
قوله: (عفيف متعفف إلخ) واعلم أن الأخلاق تكون جبلية وطبعية ويدل عليه نصوص الشريعة كما في حديث وفد عبد القيس حين أتوا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.(3/222)
باب ما جاء في فضل الشهداء عند الله(3/222)
[1644] غرض المصنف رحمه الله ظاهر قوله: (فصدق الله إلخ) من المجرد لا المزيد، ومعناه (راست(3/222)
گفت) ، وكذلك الكذب، والمجرد قد يكون متعدياً، مثل كذب فلان فلاناً.
قوله: (سهم غرب إلخ) تركيب إضافي أو توصيفي وبينهما فرق، فإن معنى أحدهما سهم راميه غير معلوم، ومعنى الآخر سهم جهته غير معلومة.(3/223)
باب ما جاء في غزوة البحر(3/223)
[1645] البحر ما يكون ماؤه مالحاً هذا أصل اللغة.
قوله: (تفلي رأسه إلخ) كانت أم حرام أخت أم أنس وهي من محارمه.
قوله: (ركبت أم حرام إلخ) في عهد عثمان بن عفان وكان معاوية عامله.(3/223)
كتاب الجهاد(3/230)
باب ما جاء في الرخصة لأهل العذر في القعود(3/230)
[1671] قال العلماء: إن مراد القرآن صحيح، والآية كاملة بلا ذكر {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] أيضاً فإن في القرآن القاعدون لا المقعدون، والقاعد بعذر مقعد لا قاعد.(3/230)
باب ما جاء في الرخصة في الكذب إلخ(3/231)
[1675] لا يجوز الكذب إلا في مستثنيات، وهي أيضاً ليست بكذبات بل تورية، والمستثنيات عندنا أربعة ذكرها ابن وهبان في نظمه:(3/231)
~ وللصلحِ جازَ الكذب أو دفع ظالمٍ ... وأهلٍ لتَرضَى أو قتالٍ ليظفَروا
وتؤيدنا بعض الأحاديث المتوسطة في استثناء الأربعة، ولقد قرب الغزالي رحمه الله إلى رفع القبح من الكذب بل حسنه بحسن ما فيه، وقبحه بقبح ما فيه.
قوله: (الحرب خدعة إلخ) هذا خبر لا تشريع، وقيل: إنه تشريع أي تجوز التدبيرات العملية في الحرب، وأفصح الروايات خَدَعة بفتحتين مبالغة اسم فاعل، ومراده قيل: إنه خَدَعة لا يدري لمن تكون عاقبته.(3/232)
باب ما جاء في غزوات النبي - صلّى الله عليه وسلّم - وكم غزا(3/232)
[1676] الغزوة في اصطلاح المحدثين ما كان فيه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والسرية ما لا يكون فيه، والغزوات سبع وعشرون، والسريات سبعون.(3/232)
باب ما جاء يستحب من الخيل(3/237)
[1695] تحسينه هذا ليس بالتشريع بل بالتجربة.
قوله: (في الشقر إلخ) الأشقر الذي يكون الشعار ذنبه ورقبته ولون بدنه أحمر، والمحجل طلق اليمين ما يكون إحدى قوائمه مخالفة اللون للأخرى.(3/237)
باب ما يكره من الخيل(3/237)
[1698] مداره أيضاً على التجربة لا أنه تشريع وإخبار.(3/237)
قوله: (الشكال إلخ) في تفسيره اختلاف الأقوال والأصوب الذي يكون إحدى رجليه ويديه من خلاف بلون واحد والأخريان بلون غيره.(3/238)
باب ما جاء في الرهان والمسابقة(3/238)
[1699] ويطلق على المال المقرر في مسابقة الخيل، والمسألة أن المال لو كان من جانب فجائز وإلا فلا، وأما إذا كان من الجانبين فلجوازه صورة أن يدخل الثالث المحلل ويقول: إن سبقت فآخذ منكما وإلا فلا أعطي ويشترط في المحلل أن يحتمل فرسه أن يسبق، ودليل التحليل ما أخرجه أبو داود وجه جواز الشرط من الجانبين عند دخول المحلل مذكور في الزيلعي شرح الكنز، ولقد تعرض إليه ابن تيمية أيضاً وذكر فروعه في بعض تصانيفه.
قوله: (لا سبق إلا في الخيل إلخ) السبق بسكون الوسط مصدر بمعنى الرهان، وأما بفتحه فهو(3/238)
المال المقرر ويدل حديث الباب على قصر الشرط على ما ذكر في حديث الباب لكن الفقهاء ألحقوا به أشياء أخر.(3/239)
باب ما جاء في كراهية أن تنزى الحمر على الخيل(3/239)
[1701] نزو الحمار على الفرس غير مرضي، وقال الطحاوي: إن النهي نهي إرشاد وشفقة كيلا يكون تقليل آلة الجهاد فإن الفرس يعمل ما لا يعمل البغل، فالحاصل أن تحصيل البغال ليس غير جائز.(3/239)
باب ما جاء في الاستفتاح بصعاليك المسلمين(3/239)
[1702] الصعاليك الغرباء، وبمثل هذا الحديث تمسك بعض أهل العصر على التوسل بالصالحين المتعارف في زماننا، وصنف ابن تيمية كتاباً في عدم جواز التوسل بالصالحين المتعارف في زماننا أي الدعاء بمثل أن يقول: اللهم اقبل دعائي بحق فلان وتوسله، والحال أن ذلك لم يأت إليه ولم يستدع(3/239)
منه دعاء وإنما هو توسل لساني فقط، ولكن للشوكاني في رسالة في الجواز، ولقد أتى ابن تيمية بنقول العلماء من المذاهب الأربعة ونقل من الحنفية عن تجريد القدوري ما في التتار خانية معزيا إلى المنتقى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، وكره قوله بحق أنبيائك ورسلك وأوليائك، ولينظر في مراده.(3/240)
باب ما جاء في كراهية الأجراس على الخيل(3/240)
[1703] أعلم أن مدلول الحديث جواز المعازف وجوزها بعض الصوفية مثل جلال الدين الدواني، والعجب أن الحافظ ابن حزم أيضاً جوزها، وأسقط جميع الأحاديث الدالة على عدم الجواز، وكان في صحيح البخاري قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يكون في أمتي من يحلون المعازف والحرير» وقال ابن حزم: إن في البخاري تعليقاً والسند معنعن، والحال أن المحدثين أوصلوه وأثبتوا السماع.
واعلم أن المعازف ما يضرب بالفم، والملاهي ما يضرب بالأيدي، وذهب جمهور الأئمة وأهل المذاهب الأربعة إلى التحريم واستثنوا الطبل والدهل للتسحير أو الوليمة أو لغرض صحيح آخر ثم سند حديث الباب على شرط مسلم، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي من مقرونات البخاري ص (76) ، وفي موضع في تفسير سورة الجمعة هو راوٍ مستقل بلا قران، وقال الحافظ: إن في تفسير سورة الجمعة هو عبد العزيز بن محمد بن أويس الدراوردي، أقول: إنه إما من سهو القلم أو من نسخ الكاتب وأحاديث أخر تدل على عدم الجواز وهي صحاح، وما في تذكرات المشائخ (ال شتية) مثل اقتباس أنوار من أن بعض المتقدمين من الصوفية ارتكبوا السرود، وأقول: إن السرود لفظ فارسي ولا يطلق على ضرب المعازف بل على سماع الأشعار فقط، ويجب أن يعلم أن الصوفية المتقدمين لم يثبت عنهم سماع المعازف.(3/240)
باب ما جاء من يستعمل على الحرب(3/240)
[1704] قوله: (فأخذ منه جارية إلخ) لعله أخذه بإذن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال الطحاوي: إن الإمام إذا أجاز القسمة للعامل تجوز له القسمة ثمة.(3/241)
باب ما جاء في طاعة الإمام(3/242)
[1706] قد مر أن الإمام إذا أمر بشيء مباح يصير ذلك واجباً، وإذا نهى عنه صار حراماً، وراجع فيه شرح الجامع الصغير للعزيزي.
قوله: (عبد حبشي إلخ) قيل: إن الإمامة مشروطة بأن يكون الإمام حرّاً وقرشياً، وأجيب بأنه يصلح أن يصير العبد عاملاً، وأما شرط كون الإمام قريشياً فعن أبي حنيفة وإمام الحرمين الشافعي خلاف ونقله نور الدين الطرابلسي عن أبي حنيفة كما في القول المختار، والمشهورة عن أبي حنيفة والشافعي وأحمد ومالك شرط القرشي، وقد ينقل الإجماع أيضاً.(3/242)
باب ما جاء في كراهية التحريش بين البهائم والضرب والوسم في الوجه(3/242)
[1708] أي في وجوه الحيوانات وثبت الوسم على الفخذ عن عمر الفاروق وكان في قالبه الوقف(3/242)
لله، وفي الفتاوى البزازية وقعت عبارة عجيبة وهي هذه: ويخاصم ضارب الدابة بغير وجهها لا بوجهها إلا بوجهها.(3/243)
باب ما جاء في المشورة(3/245)
[1714] أصل معنى المشُورة أخذ العسل، والغرض هو الرجوع إلى القلب.
قوله: (قصة طويلة إلخ) والقصة أنه قال عمر أن يقتل الأسارى، وكان رأي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر الصديق المفاداة، فتمشى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على رأيه ورأي الصديق الأكبر فعاتب الله، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كان عذاب الله على رأس هذه الشجرة ولو نزل لم ينج إلا عمر» ، قوله: وهذا حديث حسن إلخ، حسن الحديث مع أنه منقطع، وقد اشترط المصنف في كتاب العلل في الحديث الحسن الاتصال فعلم أنه لم يعتبره هاهنا، بل تمشى على حسنه بالمتابعات والشواهد.(3/245)
باب ما جاء لا تفادى جيفة الأسير(3/245)
[1715] قوله: (ابن أبي ليلى إلخ) عبد الرحمن بن أبي ليلى والد، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ولد، والولد فقيه وسيء الحفظ، وأبوه من رجال الصحيحين وتابعي جليل القدر وفي ربا في فتح القدير أن مسلماً إن أعطى كافراً خنزيراً أو خمراً في دار الحرب فثمنه طيب للمسلم، ويجوز عند أبي حنيفة الربا في دار الحرب، وله تمسك في الحديث في مشكل الآثار وذكر التفقه أيضاً، وأقول: إن الشيخ ابن همام ترك شيئاً وهو أن الخبث عندنا خبث الكسب وخبث السبب وخبث العوض، وخبث السبب مثل: السرقة والنهبة والغضب، ولا يجوز سرقة مال حربي ولا نهبه ولا غصبه، فإنه وإن كان مباحاً لكنه يكون مباحاً في الحرب لا بلا حرب، وللإباحة شروط مذكورة في الفقه، والناس عنه غافلون، وأما خبث العوض فمثل: الخمر والخنزير في دار الإسلام وإن كان بتراضي الطرفين فإن(3/245)
الشريعة تفسخ العقد بطريق النيابة، وأما إذا أخذ المسلم ثمنها في دار الحرب فلا خبث في السبب ولا في العوض فإن الشريعة ليست بنائبة في دار الحرب تفسخ العقد، والخبث إنما هو في الكسب فإن تعاطي الخمر والخنزير وتداوله في الأيدي حرام، وغرضي أن الفقهاء يذكرون المسائل المتعلقة بباب في ذلك الباب ولا يذكرون شروطها وقيودها ثمة بل في موضع آخر، ويجب التنبيه على هذا، ويأخذ السفهاء مسألة بلا قيود وشروط ويعترضون علينا، فاعترضوا بما في الفتح مغمضين عما يذكر في كتبنا من حرمة تعاطي الميتة والخنزير والخمر، قال ابن وهبان في منظومته:
~ وما مات لا تطعمه كلباً فإنه ... حرام خبيث نفعه متعذر(3/246)
باب ما جاء في الفيء(3/247)
[1719] الغنيمة ما حصلت بركض الخيل والركاب وما حصل بدونه فهو فيء، ولي هاهنا إشكال وهو أن نص القرآن يدل على أن أموال بني النضير لم تحصل بإيجاف الخيل فيكون فيئاً، والحال أن المسلمين حاصروا بني نضير أياماً فيكون فيه إيجاف خيل، كما في كتب السير فتعارض الأمر، وإن قيل: ما وقع الحرب بل صالح بنو النضير فإنهم قالوا: إن الأموال المنقولة لنا وغير المنقولة لكم، فيكون فيئاً لأن آخره الصلح، قلت: لا يشفي هذا ما في الصدور فإن الصلح في الآخر يكون في الغزوات كلها ولا يكون العبرة لذلك الصلح فالإشكال على حاله، واختلف الشافعية والحنفية في فتح مكة قلنا: إن فتحها كان غلبة وعنوة، وقالوا: إن فتحها كان صلحاً، وأدلتنا قوية حتى أن عجز الشافعية عن الجواب، ولعل الشافعي قال: إن آخر أمر فتح مكة وقوع الصلح وإن لم يكن في أوله، والله أعلم.(3/247)
كتاب اللباس(3/248)
باب ما جاء في الحرير والذهب للرجال(3/248)
[1720] قال الحنفية: إن استعمال أواني الذهب غير جائز للرجال والنساء، ويجوز الحرير للرجال قدر أربع أصابع، والعبرة لأصابع اللابس ولبس الثوب الذي لحمته وسداه حرير حرام، والذي لحمته غير حرير جائز والعكس غير جائز، ولو كان الحرير مطرزاً فكذلك التفصيل الطراز السنجاف والمنسوج (كشيده) إن كان مفرقاً وقدراً زائداً على أربعة أصابع فلا يجوز، وإن كان غير مفرق فيحول إلى رأي من يراه بعيداً فإنه لو وجده مفرقاً لا يجوز وإلا فيجوز، والنعل المزركش إن كان مفرقاً فلا يجوز وإلا فيجوز.
قوله: (خطب بالجابية إلخ) اعلم أن خطبة عمر في الجابية طويلة وتوجد قطعاتها في كتب الحديث ولا توجد بجميعها في الكتب.(3/248)
باب ما جاء في الرخصة في لبس الحرير في الحرب(3/249)
[1722] قال أبو حنيفة: يجوز في الحرب ما كان سداه شيئاً أو لحمته حريراً في الحرب لا في غيره، ويجوز العكس في الحرب وغيره، ولا يجوز في الحرب الحرير الخالص.
قوله: (فرخص لهما إلخ) في بعض الروايات أنهما كانا مبتليين في الحكة (خارش) وهذا الحديث نظير التداوي بالأبوال.
قوله: (حدثنا أبو عمار إلخ) .
في هذا الحديث شيئان أحدهما أن مرسل الثوب ليس لسعد بل رجل آخر، اللهم إلا أن يُقرأ بُعثَ مجهولاً، وثانيهما أنه لم يلبسه أصلاً.(3/249)
باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت(3/250)
[1727] في كتب الشافعية أن الجلد يطهر بالدباغة، وذكر في الطبقات الشافعية مناظرة الشافعي وأحمد، وتدل المناظرة على عدم الطهارة بالدباغة عند الشافعي رحمه الله، وأحمد رحمه الله، وقال أبو حنيفة: كل إهاب إذا دبغ فقد طهر إلا جلد الآدمي والخنزير، خلاف مالك رحمه الله وأما الاختلاف في الكلب فقد مر في البخاري.(3/250)
قوله: (النضر بن شميل إلخ) إطلاق الإهاب على كل شيء كان قبل الدباغة مشهوراً عن ابن شميل، وما ذكر المصنف والله أعلم مأخذه، وفي الحديث نزاع طويل والحديث ليس بأقل من الحسن.(3/251)
باب ما جاء في كراهية جر الإزار(3/252)
[1730] في كتب الحنفية النهي عن جر الإزار بلا تقييد، وفي كتب الشافعية أن النهي عن جر الإزار خيلاء، وقال الحنفية: إن قيد خيلاء واقعي، وقال الشافعية: إنه احترازي ويجوز جر الإزار للنسوان.(3/252)
باب ما جاء في لبس الصوف(3/253)
[1733] حديث الباب أنكره المصنف، وبسند آخر في حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني.(3/253)
باب ما جاء في العمامة السوداء(3/253)
[1735] كانت عمامته في أكثر الأحيان ثلاثة أذرع شرعية، وفي الصلوات الخمس سبعة أذرع وفي الجُمع والأعياد اثنا عشر ذراعاً، وفي بعض الروايات: أنه أمّم رجلاً وسدل له عذبتين، وقال(3/253)
ابن تيمية: إن سدل عذبته ثابت في ليلة رأى فيها رؤيا حين وضع الله تعالى يده على كتفيه، وتجلى له ما بين السموات والأرض، وسيجيء هذا الحديث.(3/254)
باب ما جاء في خاتم الفضة(3/255)
[1739] يجوز خاتم الفضة للرجال بقدر معروف في الفقه.
قوله: (وكان فصه حَبَشِياً إلخ) قيل: إنه كان من عقيق حبشة، وقيل: إنه كان من الفضة على صنع الحبشة، وما قلت: إن خاتم الفضة جائز بشرط أن لا يزيد على مثقال فمذكور في الدر المختار وغيره، وله حديث أخرجه الترمذي ص (210) ج (2) .(3/255)
باب ما جاء في لبس الخاتم في اليمين(3/255)
[1741] لبس الخاتم في اليمين واليسار ثابت منه والخلاف في الأولوية.(3/255)
قوله: (محمد بن إسماعيل. . إلخ) البخاري صحح حديث محمد بن إسحاق في هذا الموضع وأما تحسينه ففي مواضع، ولكنه لم يرو عنه في صحيحه.(3/256)
باب ما جاء في نقش الخاتم(3/257)
[1747] قوله: (ثلاثة أسطر إلخ) قيل: صورة السطور هذه وقيل: هذه والله أعلم.
قوله: (لا تنقشوا عليه إلخ) لأنه كان لخوف الالتباس في عهده، وأما الآن فلا نهي، وفي فتح القدير أن التعويذ لو كان مشتملاً على القرآن وغيره ويكون مستوراً ففي الذهاب به في الخلاء بعض توسيع، وحديث الباب يصلح لأن يعرض دليلاً له.(3/257)
باب ما جاء في الخضاب(3/258)
[1752] الخضاب في اللغة اللون ولا يجب أن يكون سواداً، وفي الحديث النهي الشديد عن الخضاب الأسود الذي لا يميز به بين الشيخ والشاب، وأما اختلاط الحناء والكتم فجائز، وزعم الناس أن الكتم الوسمة المتخذة من النيل، وهكذا قال المحشي، والحق أن الكتم تجلب من اليمن وتشدد الأحمرية، لا السواد والوسمة إذا لم تكن أسوداً شد السواد ويتميز بين الشيخ والشاب فجائزة، كما في موطأ محمد.(3/258)
باب ما جاء في الجمة واتخاذ الشعر(3/259)
[1754] قوله: (ربعة إلخ) (ميانه قد) ومع هذا صرح علماء السير أنه كان إذا مشى بين الرجال يرى أطول منهم معجزة.
قوله: (أسمر اللون إلخ) هو الأحمر المائل إلى البياض، والفرق بين آدم وأسمر أن آدم مائل إلى الحمرية، والأسمر إلى البياض.
قوله: (ليس بجعد إلخ) الجعد ضد المرسل، والسبط المرسل، وأشعاره كانت متوسطة، وقال صاحب التحفة في وصف أشعاره:
~ موئي نبي بودنه جعد قطط ... خيراً مور آمده مر وسط
~ رنگ نبي سرخ وسپيد آمده ... جاي يكي ضددو وقيد آمده
قوله: (يتكفأ إلخ) التكفؤ على قسمين؛ تكفؤ المختال والتكفؤ حسن بحيث لا يتمارت في المشي، وتكفؤه كان حسناً كما في الشمائل لفظ يتقلّع.(3/259)
قوله: (فوق الجمّة إلخ) أي فوق موضع الجمة ودون موضع الوفرة.(3/260)
باب ما جاء في الاكتحال(3/260)
[1757] الكحل على قسمين أبيض وأسود وكلاهما جائزان، والإثمد الأسود، ويقول أرباب اللغة بتعبير (ترمه أصفهاني) وليس هذا نوعاً خاصاً بل كل كحل الأسود.(3/260)
باب ما جاء في مواصلة الشعر(3/261)
[1759] تفسيرها مذكور في أبي داود عن أحمد بن حنبل، والمواصلة من الأشعار منهية عنها لا من الغزل، وما في عصرنا فليست بممنوعة، وفي كتب الحنفية أن موضع الوشم نجس فإن الدم خرج من مستقره وانجمد تحت الجلد وهو نجس.(3/261)
باب ما جاء في القميص(3/262)
[1762] كان أحب القطع عنده القميس وأحب الأجناس البرد وأحب الألوان البياض.
قوله: (أسماء بنت يزيد بن السكن إلخ) في مسلم في حديث يزيد بن الثكل وهو وهم.(3/262)
باب ما جاء شد الأسنان بالذهب(3/264)
[1770] في كتبنا شد السن بالفضة جائز، وأما بالذهب ففيه اختلاف العبارات، وصرح الطحاوي بالجواز وهو كاف، ويخرج من كلامه أن الجواز مذهب الأئمة الثلاثة. والله أعلم.
قوله: (يوم الكلاب إلخ) في غاية البيان شرح الهداية للأمير الكاتب الإتقاني: أن كُلاب بضم الكاف، وقال: إنه اسم الماء، ووجه أمره أن الفضة تنتن سرعة بخلاف الذهب.
قوله: (قال بن مهدي مسلم بن زرين إلخ) وليس هذا بمختص بهذا الحديث، بل كان يقرأ في كل حديث مسلم بن زرين بالنون كما استفيد من بعض الكتب.(3/264)
باب ما جاء في ترقيع الثوب(3/266)
[1780] الترقيع سُنة، وفي الإحياء للغزالي أن في ثوب عمر كانت بضع عشرة رقعة.(3/266)
باب دخول النبي - صلّى الله عليه وسلّم - مكة(3/267)
[1781] الغدائر من المغادرة وهو الترك والإرسال، والضفائر جمع ضفيرة من الضفر الفتل (تافتن) ، وقيل: يشترط في الضفيرة أن تكون الأشعار ثلاث حصص، وقيل: إن كون الضفيرة عريضة أيضاً شرط، وفي الحديث إشكال وهو أن عادته في الأشعار الجمة واللمة والوفرة، ولم يثبت الضفر وأما ثلاث حصص فلعل الراوي رأى تحت عمامته، وكانت ثلاثة بسبب العمامة في فتح مكة ومر الحافظ على هذه الرواية ولم يقل بشيء، وفي الفتاوى الهندية في باب الحظر والإباحة أن الضفائر للرجال مكروهة وأما الإرسال فلم أجد كراهة.(3/267)
باب العمائم على القلانس(3/268)
[1784] الغرض ظاهر، وقالوا: إن ركانة هذا كان مصارعاً ذا قوة شديدة، وصارعه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث مرار لإظهار المعجزة فأسلم ركانة.(3/268)
كتاب الأطعمة(3/270)
باب ما جاء في أكل الأرنب(3/270)
[1789] الأرنب حلال عند الكل ونسب إلى الروافض تحريمه، والله أعلم.(3/270)
باب ما جاء في أكل الضب(3/271)
[1790] يقال له في الفارسية: (سوسمار وفي الهندية گوه) وهذه مكروهة عندنا، وقال فقهاؤنا بكراهة تحريمة، ومحدثونا بكراهة تنزيهة، وقال الشافعي وغيره: إنها حلال، ونقول: إنه كان متوقفاً في أول الزمان ثم استقر رأيه على تركه، وقال الشافعية: إن النهي كان أولاً ثم أجاز النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأقول: الأحاديث الصحاح في الإجازة والنهي موجودة والخلاف في الترتيب، ويكفينا ما ذكره مسلم في كتابه فإنه ذكر النهي آخراً وفي مسلم أنه أتى عنده ضبّ فعد أصابعه فقال: «لا آكله فإن قوماً من بني إسرائيل قد فقدوا» ، لعل التردد هو هذا.(3/271)
باب ما جاء في أكل الضبع(3/271)
[1791] يقال له في الهندية (هندار) وفي الفارسية (كفتار) وهو عندنا حرام، وعند الشافعي حلال وأما ما ذكر والد مولانا عبد الحي أن الضبع (بّجو) فسهو، وحديث الشافعية قد أعله الطحاوي في مشكل الآثار نقلاً عن يحيى بن سعيد القطان، وأطنب الطحاوي كلاماً وهذا التعليل لم أجده في غيره، وفي مسند أحمد أن أحداً من الشيوخ أفتى عند سعيد بن المسيب بحرمة أكله فقبل ابن المسيب فتواه ولبعض الكلام في هذه المسألة مر سابقاً في الحج.(3/271)
قوله: (حديث ابن جريج أصح إلخ) ليس هذا قول يحيى بن سعيد بل هو قول الترمذي كما في مشكل الآثار.(3/272)
باب ما جاء في أكل لحوم الخيل(3/272)
[1793] الخيل عندنا مكروه، والمختار الكراهة تنزيهاً، ونقل في الدر المختار رجوع أبي حنيفة عن هذا قبل الموت في مرض موته، وفي بعض كتبنا أنه لو قرب الموت تذبح وإلا فلا لكونه آلة الجهاد، وفي(3/272)
كتب الموالك إنه مكروه أشد الكراهة قريب الحرمة، وقد وقع مناظرة في المسألة بين فخر الإسلام البزدوي الحنفي والغزالي الشافعي وسكت الغزالي.(3/273)
باب ما جاء في لحوم الحمر الأهلية(3/273)
[1794] الحمار الأهلي حرام عند الأربعة، ونسب حلته إلى ابن عباس، ونهى عنه في فتح خيبر، واختلفوا في مثار النهي.(3/273)
باب ما جاء في كراهية أكل الثوم والبصل(3/277)
[1806] أجمعت الأئمة على إباحته، نعم فيه رائحة كريهة فيكون مكروهاً عند أوقات الأذكار، وكذلك حال التتن (تمباكو) ، وما قيل: إنه حرام فإنه إنما كان الملوك منعوا الناس عنه وقد ذكرت أن الشيء المباح يصير حراماً بمنع خليفة وإمام، ولم يقل بتحريم الثوم إلا ابن حزم، وقد تعسر عليه الأمر فقهاً وحديثاً.(3/277)
باب ما جاء في الرخصة في أكل الثوم مطبوخا(3/277)
[1808] واقعةً حين كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في دار أبي أيوب الأنصاري قبل بناء المسجد النبوي والحجرات، وحكاياته عجيبة منها أن أبا أيوب أقام النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السفل، وأقام بنفسه وأهله العلو ثم خطر بباله أن في إقامته في السفل إساءة الأدب، مجلس في ناحية المكان كل الليلة، فلما أصبح نقل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى العلو، ومنها أنه حين كان في السفلى صب بعض ولدانه الماء في داخل البيت فشق ذلك على أبي أيوب فأخذ عمامته وجذب الماء بها كيلا يقطر عليه، فلله درهم الصحابة إنهم يسنح لهم ما لا يسنح لغيرهم.(3/277)
باب ما جاء في تخمير الإناء وإطفاء السراج والنار عند المنام(3/278)
[1812] دل الحديث على أن للشيطان قدرة على فتح الأبواب إلا إذا أغلق بالتسمية، وفي مسلم رواية أن في السنة ليلة تنزل فيها البلاء من السماء.(3/278)
باب ما جاء أن المؤمن يأكل في معيّ واحد إلخ(3/280)
[1818] قيل: إن أحوال الأناسي مختلفة فإن بعض المسلمين يأكل كثيراً وبعض الكفار يأكل قليلاً، فما مراد الحديث؟ وأجيب بأن المذكور في الحديث الابتغاء أي ينبغي أن يكون هكذا، وليس بخبر ثم في الحديث إشكال وهو أن الحديث يدل على أن الأمعاء سبعة، واتفق الأطباء على أنها ستة فلم أجد جوابه إلا ما قال الطحاوي أن المعي السابع المعدة وأدرجها الحديث في المعاء.(3/280)
باب ما جاء في أكل لحوم الجلاّلة وألبانها(3/282)
[1824] الجلالة الحيوان التي تأكل القذرات والأرواث والأزبال، وقال الحنفية وقريب منه قول الشافعية: إن الجلالة لو وجدت رائحة كريهة فيها يحرم لبنها ولحمها حتى تترك ثلاثة أيام لتزول الرائحة الكريهة، أقول: إن الحديث لأبي حنيفة والشافعي في نجاسة أزبال ما يؤكل لحمه وغيره بأن الشريعة منعت عن لحم الجلالة ولبنها، والجلالة من الجلّة (يگنى) وهي روثة الغنم والإبل وغيرهما ولم يتبادر ذهن أحد إلى هذا الدليل.(3/282)
باب ما جاء في كراهية الأكل متكئا(3/284)
[1830] قال الخطابي: إن الاتكاء هو الجلوس مطمئناً، أقول: إن المستحسن عند الأكل الجلوس جاثياً على ركبيته، أو مقيعاً، وأما التربيع فجلوس قبيح.(3/284)
باب في ترك الوضوء قبل الطعام(3/288)
[1847] قوله: (كان سفيان الثوري يكره إلخ) اعلم أن أصح ما في باب غسل اليدين قبل الطعام حديث النسائي لكنه فيه قيد الجنب.(3/288)
باب ما جاء في التسمية على الطعام(3/289)
[1848] اعلم أن الثابت بالأحاديث في التسمية بسم الله فقط.
قوله: (فإن نسي في أوله إلخ) في بعض الأحاديث أنه لو لم يسم على الطعام يشترك معه الشيطان وإذا قرأ التسمية في الوسط قاء الشيطان، ومدّ صاحب البحر هذا البحث إلى أن من ترك التسمية في أول الوضوء هل يفيد التسمية في وسط أم لا؟ ، والله أعلم وعلمه أتم.(3/289)
كتاب الأشربة(3/293)
باب ما جاء في شارب الخمر(3/293)
[1861] أقول: إن هذه المسألة لم أجد فيها ما يشفي الصدور ونقل أن الكرخي صنف في هذه المسألة كتاباً مستقلاً لكنا ما وجدناه.
الخمر عند أبي حنيفة وأبي يوسف عصير العنب إذا غلى (جوش مارا) واشتد (تيزهوا أدرائها) وقذف بالزبد، فأحكامه عشرة مذكورة في الهداية، منها أن مستحلها كافر، وأنها نجسة غليظة، وأن قليلها وكثيرها حرام وإن شاربها محدود أسكر أم لا، وسواها أشربة ثلاثة قليلها وكثيرها حرام، وفي رواية: «نجسة خفيفة» ، وفي رواية: «غليظة أحدها الطلماء» وهو عصير العنب المطبوخ الذي لم يطبخ ثلثاه واشتد والخمر لا يطبخ، وللطماء تفسير آخر وثانيها المسكر، والثالث النقيع، وهذه الثلاثة والخمر تسمى بالأشربة الأربعة، ويكون قليلها وكثيرها حراماً، ولا يطلق لفظ الخمر إلا على الأول من الأربعة، وأما سواها فيتخذ النبيذ من كل شيء من الحبوب والثمار والألبان وتسمى هذه الأقسام بالأنبذة وحكمها ما ذكروا أن القليل أي القدر غير المسكر منها حلال إذا كان بقصد التقوي على العبادة، وحرام بقصد التلهي، والكثير أي القدر المسكر منها حرام وهذا مذهب الشيخين للأحناف ومعه وكيع بن جراح وسفيان الثوري ولكنه لعله رجع سفيان عنه، وفي الهداية عن الأوزاعي أيضاً وفاق أبي حنيفة في الجملة وبعض الصحابة أيضاً وإن تأولت الخصوم أقوالهم وأئمة آخرون أيضاً موافقون للشيخين في الجملة، وأما الشافعي وأحمد ومالك ومحمد بن حسن وجمهور الصحابة فذهبوا إلى أن المسكر المائع من كل شيء يحرم قليله وكثيره أسكر أم لم يسكر، والمسكر الجامد ليس(3/293)
بخمر، وأفتى أرباب الفتوى منا بقول محمد بن حسن، وأما أرباب اللغة فيشيدون أقوال أئمتهم ذكر صاحب القاموس الشافعي معنى الخمر موافق الجمهور، وذكر مذهب أبي حنيفة بقيل، وذكر الزمخشري معنى قول أبي حنيفة وقال: ليس في اللغة إلا هذا، ومن المعلوم أن الزمخشري أعلى من صاحب القاموس لأنه إمام اللغة، أقول: عندي أن أصل معنى الخمر لغة ما قال أبو حنيفة ولكنه مستعمل في معنى الحجازيين أيضاً، والمعنيان على الحقيقة ويمكن للجمهور أن يقولوا: إذا ذكر الشارع حكم ما زعمتموه خمراً وحكم غيره واحد فأي اعتراض.
تنبيه: قد يذكر الزمخشري في أساس اللغة معنى اللفظ ثم بعده يقول: ومن المجاز إلخ، وليس مراده المجاز المتعارف في ما بينا، بل مراده استعماله في المشتقات والتوسعات، فإن اللفظ الواحد يشتق منه ألف مشتقات بل أزيد، ونظير استعمال الخمر في المعنيين حقيقة أن في الفارسية معنى (گل پهول گلاب) إذا استعمل مطلقاً، ولو كان مقيداً فالاعتبار للقيد نحو (گل ترگس) أو غيره، والاستعمالان حقيقيان هذا ما بدا من شواهد أبي حنيفة من اللغة ما قال المتنبي:
فإن في الخمر معنى ليس في العنب
وقال أبو الأسود الدؤلي أستاذ الحسنين:
~ دع الخمر يشربها الغواة فإنني ... أخذت أخاها مغيناً بمكانها
~ فإن لم تكنه أو يكنها فإنه ... أخوها غذته أمه بلبانها
ويقول شاعر آخر متدين:
~ وإني لأكره تشديد الرواة لنا ... فيه ويعجني قول ابن مسعود
قال ابن مسعود بمثل ما قال أبو حنيفة، ثم أقول مغيراً عبارتهم لا غرضهم وذلك يجدي شيئاً، قالوا: إن ما سوى الأشربة الأربعة حلال قليله على قصد التقوي على العبادة، ويحرم على قصد التلهي، وأقول مغيراً عبارتهم: إن ما سوى الأربعة حرام إلا قدر قليل بقصد التقوي على العبادة، والفرق أن عبارتهم تشعر أن الأصل الإباحة والحرمة بعارض التلهي، وعلى ما قلت تشعر بأن الأصل الحرمة وإنما الحلال قدر قليل بقصد التقوي على العبادة، فإذن يكون التقوي مثل التداوي فيحول الأمر إلى باب التداوي، ولا تكون الأحاديث الوافرة مخالفة لأبي حنيفة وهذا يكون شبيه قولنا: إن الميتة حرام إلا عند الاضطرار فيكون التقوي على العبادة مخصوصاً، ومستثنى ونطالب دليل التخصيص فسأبينه فيكون جميع أحاديث المسكر حرام على ظاهرها، مثل أن يقال: إن الميتة حرام، وفي كتب الحنفية: إن شرب الماء على حكاية شرب الخمر حرام، ووجدت لقولهم هذا دليل قول أبي هريرة مثل قولنا في مدخل ابن الحاج المالكي، وقال بعض الحنفية: إن كل محرم يكون بعض جنسه(3/294)
حلالاً فيكون النبيذ حلالاً من جنس الخمر الذي حرام، والنظائر الحرير أنه حرام ويجوز قدر أربعة أصابع للرجال، وكذلك الذهب والفضة ووجدت لقولهم دليلاً من قول بعض السلف عن بعض أهل البيت أنهم ذكروا مثل ما ذكر بعض الأحناف، وقال: إن نهر طالوت كان كثيره حراماً وقليله حلالاً فعلم أن لقول ذلك البعض من الحنفية أصلاً، وأما أدلة الحنفية فمنها ما أخرجه أبو داود ص (164) ج (2) باب الأوعية: «فإن اشتد فاكسروه بالماء وإن أعياكم فأهرقوه» إلخ وسنده جيد، وقيل في الجواب: إن الاشتداد الغلظة لا الإسكار، وهذا مهمل لأن الاشتداد المستعمل في المسكرات والأنبذة بمعنى المسكر كما في مسلم ص (167) ج (2) : «ينبذ حتى يشتد» إلخ، قيل: إن المراد بالاشتداد الحموضة، وأقول: أي فائدة في الإهراق في هذه الصورة فإن دفع الحموضة ممكن بالماء أيضاً، والماء المختلط بالنبيذ يكون أصلح من الماء القراح، فأي نفع في الإهراق؟ ولأبي حنيفة آثار عمر في موطأ مالك ص (258) : طبخوا حتى ذهب ثلثاه وبقي الثلث إلخ، وفيه قال عبادة بن الصامت: أحللتها والله إلخ، وله أثر ابن عمر في البخاري في كتاب المغازي ص (627) وله أيضاً ما في الطحاوي ص (326) ج (2) أثر عمر الفاروق عن فهد نا عمر بن حفص نا أبي نا الأعمش إلخ: أن نبيذاً له عرام فذكر شدة لا أحفظها إلخ بسند صحيح، وفي الطحاوي لفظ وله غرام بالغين المعجمة وهو غلط، والصحيح بالعين أدلتنا المهملة كما قال النحاس في كتاب الناسخ والمنسوخ تلميذ الطحاوي وهو الذي أجاب عن أدلتنا جميعها من جانب الجمهور، وقال الحافظ: إن هذا أصح الآثار وفيه ص (327) حدثنا روح بن خرج نا عمرو بن خالد إلخ: فشربت من نبيذه وكان أشد النبيذ إلخ، وفيه ص (326) حدثنا ابن أبي داود نا أبو صالح ثني الليث إلخ، وأسانيد الكل صحاح وفي سند الثالث معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان الليفي وهو سهو الكاتب والصحيح
التيمي وله آثار أخر في كتاب الآثار لمحمد بن حسن قوية السند، وأجاب الجمهور، بعض الأجوبة نافذ لا البعض الآخر، وأجاب الحافظ عما أخرجه أبو داود في الفتح بأن الاشتداد لم يكن واقعاً بل كان خوف الاشتداد، ولقوله نفاذ سيما إذا كان في الدارقطني عن أبي هريرة لفظ خشية الاشتداد، وأما جواب أثر الموطأ فنقول: إن ذكر الإسكار ليس فيه، فالجواب أن مراد عبادة أن نبيذ التمر أو العنب لا يكون دائم البقاء إلا أن يصير خمراً أو خلاً، وإذا طبخ فيصير دائم البقاء فإما يصير خلًّا وهو حلال أو خمراً فيكون حراماً، والناس يشربونه على إفتائك ويكون حلواً فالحاصل أنه يصير مسكراً بعد مدة يسيرة فيشربه الناس ويزعمون أنه حلو ويسكرهم هذا، فهذا الأثر لم يتعرض إليه الحافظ لكنه تعرض إلى آثار الطحاوي، والجواب بأن المراد من الشدة الحموضة فبعيد، وأما قول: إن الشدة شدة الحلاوة فخلاف ما يستعمل الاشتداد في المسكرات، فالحاصل أن الحافظ لم يتيسر له الجواب من آثار الطحاوي، وأقول: إن الباب باب النصوص من القرآن والأحاديث وضروريات الدين فلا بد من محامل تلك الآثار، ولكنها تكفي الاعتذار من جانب أبي حنيفة، وما في النسائي عن راوٍ أن نبيذ عمر كان صار(3/295)
خلًّا فإنما هو رأيه، وأقول: إن عصير العنب والتمر لو كان مزاً وقارصاً فلا منع فيه، والله أعلم، ولا يمكن قول الحافظ في المرفوع محملاً لآثار الطحاوي عن عمر فإن في الألفاظ تصريح أنه صار مشتداً لا أنه قرب الاشتداد، ولأبي حنيفة أثر آخر أيضاً وهو أن رجلاً شرب النبيذ من سخية الفاروق الأعظم وأسكر فحدَّ فقال: يا أمير المؤمنين إني شربت من شنتك، فقال عمر: حددتك من الإسكار، أخبرنا عبد الرزاق ثنا ابن جريج قال: أخبرني إسماعيل إن رجلاً عب في شراب لعمر بن الخطاب بطريق المدينة فسكر فتركه عمر حتى أفاق فحده ثم أوجعه عمر بالماء فشرب منه. قال: ونبذ نافع بن عبد الحارث لعمر بن الخطاب المزاد وهو عامل له على مكة، فاستأخر عمر حتى عد الشراب طوره فدعا عمر فوجده شديداً فصنعه في الجفان فأوجعه بالماء ثم شرب وسقى الناس، وأعلى الأشياء من جانب أبي حنيفة اعتذاراً ما أخرجه الطحاوي مرفوعاً ص (327) ج (2) قال: اشربا ولا تسكرا إلخ، ويمكن أن يقال: إن المراد باشربا الأنبذة لا الماء أو اللبن أو غيرهما لكن في الطحاوي والنسائي: «ولا تسكرا» فلا حجة لنا، وقال النسائي: إن لفظ ولا تسكرا وهم الراوي، والفرق بين لا تسكرا ولا تشربا مسكراً إلخ واضح ولكن حكم النسائي بأنه وهم الراوي غير متيقن، وأطنب الطحاوي في المسألة ما لم أجد ذلك التفصيل في غيره من الروايات، ورأيت في كتاب أن النسائي قد رمي في النبيذ بأنه كان يشرب على مذهب العراقيين لعله أطنب لهذا الاتهام ولم أجد الشفاء، فيما ذكر أهل كتبنا لكن في عقد الفريد كتاب الأدب شيء زائد على ما في كتبنا، ونقل التوسيعات في النبيذ من السلف الكبار وإني لم أجد رواية عن الشيخين موافق محمد، ولو وجدت لقطع بها وإن كانت شاذة ولكن لم أجد مع التتبع الكثير، وأما ما وقع في نظم ابن وهبان فزعمه بعض العلماء أنه مروي عن الشيخين موافق محمد والحال أنه ليس مراده ما زعموه بل
مراده إن وقوع الطلاق مروى عن الثلاثة لا حكم النهي عن قدر قليل من الأشربة فادره فإنه زل فيه الأقدام، وشعر نظم ابن وهبان هنا:
~ ويمنع عن بيع الدخان وأوقعوا ... طلاقاً لمن من مسكر المحب يسكر
~ وعن كلهم يروى وأفتى محمد ... بتحريم ما قد قل وهو المحرر
وزعموه أن المروي عن الكل تحريم ما قد قل، والحال أن المروي هو وقوع الطلاق. (واقعة) في شرح الهداية أن أبا حفص الكبير أفتى بحرمة النبيذ فقيل له: خالفت أبا حنيفة، فقال: ما خالفته فإنه يحرم إذا كان للتلهي، وأناس الزمان يشربونه على التلهي.
واعلم أن ما ذكرت جميعه كان أكثر مما ذكره مصنفونا، ومع ذلك أعترف أنه كان على طريق الكلام والمناظرة بالخصم ويجب العمل بما قال الجمهور ومحمد بن حسن، وأعلى ما وجدت عن أبي حنيفة وأبي يوسف أن ما في شروح الهداية قال أبو حنيفة: لو أعطيت جميع ما في الدنيا ومثلها لأشرب قطرة نبيذ فلا أشربه فإنه مختلف فيه، ولو أعطيت جميع ما في الدنيا لأحرم النبيذ لا أحرمه(3/296)
لأنه مختلف فيه، هذا على ما في الباب وأعلى ما يشفى الصدر، وعن أبي يوسف ما رواه أبو جعفر النحاس في كتاب الناسخ والمنسوخ قال أبو يوسف، وفي نفسي في هذه الفتيا كأمثال الجبال ولكن عادة البلد أي كوفة، هذا والله أعلم وعلمه أتم، وراجع المبسوط من الرابع والعشرين.
قوله: (من تاب لم يتب الله عليه إلخ) التوبة الناصحة الخالصة تقبل في أي مرة كانت في أي حين كان لكنه لما عاد في المرة الرابعة يدل صنيعه على أنه لم يتب توبة نصوحة.(3/297)
باب ما جاء كل مسكر حرام(3/297)
[1863] قال صاحب الهداية: إن ابن معين قدح في هذه الجملة، قال الزيلعي: لم أجد قدح ابن معين ومر عليه الحافظ، وقال: إن الحافظ جمال الدين الزيلعي أكثرهم تتبعاً وهو يعترف بأنه لم يجد قدح ابن معين، وأقول: أنا أيضاً لم أجد قدح ابن معين، نعم قدح إبراهيم النخعي موجود في كتاب الآثار لمحمد بن حسن إلا أني رأيت في مسند الخوارزمي وله مهارة كاملة واطلاع تام ورد على الخطيب البغدادي، وفيه نقل قدح يحيى بن معين لكنه لم يذكر مأخذه لو ذكره لكان أولى وأفيد.(3/297)
باب ما جاء في الحبوب التي يتخذ منها الخمر(3/300)
[1872] اعلم أن للخمر إطلاقين عمومي وخصوصي، فلا يخالف حديث الباب أبا حنيفة في أن الخمر هو عصير العنب، وأخذت الإطلاقين من كلام الطحاوي ص (324) ج (2) ، وأما قول أنس: (وإنها لخمرنا يومئذ) فيحتمل أن يكون أراد بذلك ما كنا نخمر إلخ، وفي روايات عديدة صراحة الإطلاقين.(3/300)
باب ما جاء في النهي عن الشرب قائما(3/301)
[1879] النهي إنما هو إرشاد وشفقة كما يدل ما في الرخصة فيه، وقوله: نأكل على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن نمشي في الباب اللاحق، ليس معناه الأكل قائماً بل المراد أن تلقي اللقمة في فمك في ختم الطعام وتمشي وتلقمها وتختمها ماشياً، وإلا فالأكل ماشياً كما هو ظاهر اللفظ خلاف المروة.(3/301)
باب ما جاء في الشرب بنفسين(3/303)
[1886] في بعض الأحاديث ذكر النفسين وفي بعضها ذكر الثلاثة، والجمع وهو الأصل أن النفس الثالث بعد الفراغ عن الشرب ذكره بعض الرواة لا البعض الآخر، ولم يثبت التنفس في الإناء بل إخراج النفس في وسط الشرب يدفع الإناء عن الفم لا في الإناء.(3/303)
كتاب البر والصلة(3/307)
باب ما جاء في برّ الخالة(3/309)
[1904] اعلم أن حديث الباب: (الخالة الأم إلخ) يصلح دليلاً لنا على إرث ذوي الأرحام، وتمسكنا بالآية الكريمة أيضاً.(3/309)
باب ما جاء في قطيعة الرحم(3/310)
[1907] قوله: (شققت لها من اسمى إلخ) اعلم أنهم اختلفوا في واضع اللغات، وقيل: إن الواضع هو الله تعالى ويفيدهم حديث الباب، واعلم أن بعض الأسماء أسماء الذات مثل الرحمن وهو مثل الله في أنه اسم الذات هذا مذهب البعض، وقال الشيخ الأكبر: إن لأسماء الله تعالى حضرات، لكل اسم حضرة لا دخل فيها لغيره، وذكر أن سيد الطائفة جنيد رحمه الله قيل له: ما مراد آية: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً} [مريم: 85] إلخ والحال أن المتقين كانوا قبل أيضاً عند الرحمن، فلم يذكر جنيد جواباً، وقال الشيخ الأكبر: والعجب من عدم سنوح الجواب لسيد الطائفة، والجواب أنهم كانوا قبل ذلك في حضرة أخرى أي حضرة المنتقم ثم يؤتون إلى حضرة الرحمن.(3/310)
باب ما جاء في صلة الرحم(3/311)
[1908] قوله: (لا يدخل الجنة إلخ) في هذه الجملة محامل وتوجيهات ولي هاهنا ظرافة تجري في أكثر المواضع، وهي أن قاطع الرحم لا يدخل الجنة ما دام قاطعاً وإذا عذب وتكافأ النكال فيدخل الجنة، ولا يكون إذن قاطعاً فإنه رفع عنه ما كان على رقبته، وكذلك أقول في تارك الصلاة، وهذا نظير مزاحه لبعض العجائز أن العجائز لا يدخلن الجنة فبكت، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يدخلن إلا وهن شواب» .(3/311)
باب ما جاء في رحمة الولد(3/312)
[1911] قوله: (من ريحان الله) معناه (نازبو) ويأتي بمعنى الرزق أيضاً.(3/312)
باب ما جاء في رحمة الصبيان(3/314)
[1919] المعروف ما يكون معروف الشريعة فيكون حسناً، والمنكر ما ينكره الشرع ويكرهه فيكون قبيحاً، ولا يختص الأمر والنهي بالإمام بل لكل واحد من المسلمين، والتعزيز مختص به، وما دام الإنسان مرتكباً في معصية يكون لكل مسلم حق زجره وضربه ومنعه، وإذا فرغ فلا حق للتعزير إلا للإمام.(3/314)
باب ما جاء في رحمة الناس(3/315)
[1922] قوله: (من لم يرحم الناس لا يرحمه الله إلخ) هذا الحديث يسمى بمسلسل الأولين كانوا يسمعونه أول الشروع في سماع العلم، وقد كانوا يسمعونه في أول الملاقاة إذا أتوه أو أتى من سفر فالأولوية إذن إضافية وتمام الحديث ما في الباب عن عبد الله بن عمرو.(3/315)
باب ما جاء في مواساة الأخ(3/318)
[1933] من الأسوء مهموز اللام بمعنى المواساة.
قوله: (آخا رسول إلخ) كانت المواخات سبب التوارث، ولم يكن بينهم توارث النسب في ذلك الحين.
قوله: (مهيم) هذه كلمة يمنية بمعنى أي شيء.(3/318)
باب ما جاء في الغيبة(3/318)
[1934] الغيبة تعريفها في الحديث أي ذكرك أخاك بما يكره لو اطلع عليه، وفي الفقه مستثنيات، ولا غيبة للفاسق ويجوز ذكر فعله الشنيع ليحترز الناس عنه وعن فعله.(3/318)
باب ما جاء في حق الجوار(3/320)
[1942] هذا حق الجوار ثابت عند الشافعي أيضاً وإنما يمنع شفعة الجوار.(3/320)
باب ما جاء في الإحسان إلى الخدم(3/321)
[1945] قوله: (سيء الملكة إلخ) أي الملكة بمعنى الملك ويمكن أن يكون بمعنى الخلق لكنه لم يثبت من اللغة.
قوله: (ونبيُّ التوبة) لقب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.(3/322)
باب ما جاء في البخل(3/326)
[1962] قوله: (المؤمن غرٌّ كريم إلخ) أي ساذج، ويخالفه ما في الصحيحين: أن رجلاً أسر في البدر وأتى عنده فاعتذر وألح، فخلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبيله، ثم ذهب إلى أهله، وقال: إني خادعت محمداً ثم جاء أسيراً فاعتذر وألح، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» إلخ، ولم يتركه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والجمع بين الحديثين أن مراد الأول أنه ليس بداهٍ ليكون يخرج الطرق والسبل قبل وقوع الأمر عليه، ومراد الثاني أنه يتعظ بما يقع عليه ولا يعود إلى ما صدر عنه مرة كالشطار.(3/327)
باب ما جاء في اللعنة(3/330)
[1976] اللعنة (پهنكار ونفرين) ولا يلعن معين، وتجوز على طائفة مثل المشركين أو الكافرين أو المرتدين أو الفلاسفة ولا يلعن رجل خاصة إلا من علم كونه محل للعنة بالشرع كالقادياني، وفي الروايات أن امرأة لعنت ناقتها ففرق النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الناقة عن القافلة، وقال: «لا ينبغي معنا الملعونة» ، وأما اللعن على يزيد فذكر عَنْ أحمد لا عن الثلاثة، ونقله الغزالي عن أبي حنيفة كما في ابن خلكان من الكيا، ولكن في الفقه عدم جوازه.(3/330)
باب ما جاء في الشتم(3/331)
[1981] الشتم من القذف، وصرح الفقهاء بجواز قصاص الشتم وتدل عباراتهم على أن ينقل ألفاظ الشاتم ولو زاد يعزّر.(3/331)
باب ما جاء في المزاح(3/334)
[1989] بكسر الميم (خوش طبعي) . قوله: (يا أبا عُميرُ ما فعل النُغير إلخ) هذا مزاح لأن الصغير لم يكن والد أحد، وقيل له: أبا عُمير، وتمسك الطحاوي بحديث الباب إن حرم المدينة ليس كحرم مكة فإن أبا عُمير أخذ النغير (لال رط يا) من المدينة، وقال الشافعي ومالك: إن حرم المدينة كحرم مكة. . . .(3/334)
باب ما جاء في المداراة(3/335)
[1996] من الدرء مهموز اللام.
قوله: (بئس ابن العشيرة إلخ) هكذا وقع فإنه ارتد بعد إسلامه، وعياذاً بالله.(3/335)
باب ما جاء في الكبر(3/336)
[1998] قال الغزالي في الإحياء: إن ادعاء شيء لا يوجد في غيره ليس بداخل في الكبر، وإنما الكبر نفخ بسببه يزعم الإنسان غيره حقيراً وفي صيام فتح القدير: أن الجمال من الأخلاق الحسنة والزينة من أخلاق الشيطان، وروي عن أبي حنيفة: أن الكبر والظلم يجازان تباً في الدنيا والعقبى، ويجب للمؤمن أن يختار حالة متوسط لا ترتفع إليه الأصابع زينة أو قبحاً، واعلم أن خلقه عليه السلام في التوراة مثل خلقه في حديث اللاحق في باب خلقه.(3/336)
باب ما جاء في حسن العهد(3/341)
[2017] في مسند أحمد أنه كان يذكر خديجة أم المؤمنين، فقالت عائشة يوماً: ما تذكرها يا رسول الله كانت عجوزاً ماتت ورزقك الله حسنى منهما، فغضب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غضباً شديداً وقال: «والله ما عندي مثلها» فاستفعت عائشة.(3/341)
باب ما جاء في الصبر(3/343)
[2024] قال العلماء: إن الصبر على قسمين؛ صبر على الشيء أي المكروه، وصبر عن الشيء أي المرغوب، وذكر الأستاذ أبو القاسم القشيري: أن واحداً من أولياء الله الكبار أنه قال: ما فرحت مثل فرحتي في ثلاثة وقائع؛ أحدها: أني ذهبت وكنت في السفر فمرضت بالحمى الشديدة فوقعت في مسجد ولم أقدر على المشي، فجاء رجل مؤذن أذن وسألني: من أنت؟ قلت: مسافر فأخذ برجلي يجرني حتى ألقاني خارج المسجد، والثانية: أني كنت على شط نهر فبال رجل وقع كله عليّ وكان تعليني من الحيوانات، والثالثة: أني كنت جالساً في السفينة فكان شرطي يذكر قصة جهاد وكنت أبلاهم ثياباً فأخذ بذوابتي وفؤادي وحركني يقول: هكذا كنا نحرك الكفار.(3/343)
باب ما جاء في إن من البيان لسحرا(3/344)
[2028] قيل: إن قوله هذا في معرض الذم، وقيل: لا بل في معرض المدح.(3/344)
كتاب الطّبّ(3/347)
باب ما جاء في الدواء والحثّ عليه(3/348)
[2038] قال الغزالي: إن المريض لو علم بالقطع الشفاء ثم لم يداو به فهو عاص مثل الجائع الذي عنده طعام، ولو كان الشفاء مظنوناً فهو في حد الجواز، ولو كان موهوماً فترك ذلك الدواء أحسن وهو توكل.(3/348)
باب ما جاء في الحبة السوداء(3/349)
[2041] الحبة السوداء بكسر الأول (كلونجي) ، ويقال لها في الفارسية (سياه وان) ، واعلم أن في الهندية (سياه وانه) اسم حب النيل وهو من السميات فلا يختلط، وذكر ابن سينا فوائد الحبة السوداء أزيد من أربعين.(3/349)
باب ما جاء فيمن قتل نفسه بسمّ أو غيره(3/349)
[2043] قوله (خالداً مخلداً فيها أبداً إلخ) اعلم أن شأن حديث الباب غير شأن سائر الحديث، ويؤيد(3/349)
قول المعتزلة فتأول فيه شراحنا والتأويلات مذكورة في المنهاج للنووي على صحيح مسلم، وأعمل المصنف الحديث ولكنه أخرجه مسلم ص (72) في صحيحه، أقول: إن مراد الحديث أن فعله هذا أبدي ما دام في جهنم لا أن قيامه في جهنم أبدي قال عبده الحقير محمد جراغ قال شيخنا مد ظله العالي في بعض دروسه: إن طبقات عصاة المؤمنين تفنن، وقوله ذلك لعله يفيد في حديث الباب.(3/350)
باب ما جاء في السعوط وغيره(3/351)
[2047] السعوط ما يلقى في الأنف مائعاً كان أو جامداً، واللّدود ما يصب في أحد جانبي الفم، قالوا: إنه لما أغشي عليه زعموا أنه مبتلى بذات الجنب فأرادوا اللدود فلما أفاق منع عنه، ثم لما أغشي قالوا لدوه وإنما منعه ليس إلا لأن المريض لا يرضى للدواء فلدّوه فأمر بلدودهم حتى أن لدت بعض أمهات المؤمنين أيضاً مع كونهن صائمات وما لدَّ عباس فقيل: إنه لم يكن في مشاورة الصحابة بلدوده، وقيل: إنه لم يلدّ أدباً فإن العم صنو الأب، وأما وجه لدوده الصحابة إنه لعله لو لم ينتقم عنهم لعلهم يقعون في أشد منه.(3/351)
باب ما جاء في كراهية التداوي بالكي(3/351)
[2049] الكي نوعان ناري، وغير ناري والكي جائز غير مرضي، واعلم أن في قول عمران بن حصين(3/351)
إشارة إلى قصة وهي أنه ابتلي في مرض الباسور (بواسير) ، فاكتوى وكان الملائكة يسلمون عليه فإذا الكتوى كفوا عن التسليم فتأسف عمران عليه.(3/352)
باب ما جاء في الحجامة(3/352)
[2051] قوله: (في الأخدعين إلخ) الأخدعان العرقان، قال ابن سينا في قانونه: إن الحجامة يفيد في النصف الأخير من الشهر، فإن الرطوبات الصالحة تكون في الظاهر والفاسدة في الباطن في النصف الأول، وفي النصف الأخير يعكس الأمر.(3/352)
باب ما جاء في كراهية الرقية(3/354)
[2055] الرقية (أفسون) إن اشتملت على ما هو غير جائز فلا تجوز، وإلا فتجوز كما يدل الباب الآخر أن بعض الرقى جائزة. . .(3/354)
باب ما جاء في الرقية من العين(3/355)
[2059] الحمة (نيش عقرب) ثم المراد أعم من لدغ العقرب أو الحية.
قوله: (العين إلخ) وفي الطب دواؤه وذكروا إحراق ما يقال له في لساننا: (اسپند) ، وأنكر بعض الأطباء العين.
قوله: (لسبقته العين إلخ) لو: في الحديث امتناعية، وليس المراد أن الرقية أو العين أو الدعاء يرد القدر بل هي أيضاً من القدر، فإن القدر يحتوي على كل شيء، وللعين غُسل مذكور في موطأ مالك ترتيب الغسل، وكذلك في حاشية الباب اللاحق، وذكروا سر ذلك الغسل ليوافق الطب، أقول: لو يطلب السر فأقول ما قال بعض الحذاق: إن الله وضع دافع السم مع ذلك السم كما قالوا: إن في رأس الحية حبة تفيد في دفع سمها، وفي الحديث: «إن في إحدى جناحي الذباب دواء وفي ثانيهما دواء» ، وكذلك قالوا: إن أخبث سموم المعدنيات سم الألماس دفيعة معه ياقوت وكذلك أخبث السموم هيش (ب هناك) ومعه رفيقه جدوار (ناربسي) .(3/355)
باب ما جاء في أخذ الأجر على التعويذ(3/356)
[2063] لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن عند أبي حنيفة، وجوزه المشائخ وبعض التفصيل مر سابقاً، وتجوز الأجرة على التعويذ كما صرح به الشيخ في عمدة القاري وقال الشاه عبد العزيز في(3/356)
تفسيره تحت آية: {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} [البقرة: 41] ما حاصله: إنه إذا كان ختم البخاري أو القرآن العزيز لحاجة دنيوية تجوز الأجرة، وإذا كان لأمر دنيوي وقيد المكان والزمان تجوز الأجرة، وقال ابن عابدين في شفاء العليل: إن الأجرة حرام إذا كان لإيصال الثواب وأتى بالنقول الكثيرة، وقال بعض جاهلي العصر: إن عدم الجواز إنما إذا كانت الأجرة أقل من أربعين درهماً وأحاله إلى المبسوط والحال أنه لا لفظ في المبسوط، وإن هو إلا كذاب مفتر.(3/357)
باب ما جاء في الكمأة والعجوة(3/358)
[2066] الكمأة في الفارسية (سماروغ) وجمعه كماً بلا تاء، والعجوة نوع تمر المدينة.
قوله: (المن إلخ) في الجلالين: أن المن الترنجبين، واعلم أن هذا المذكور في الحديث قريب المن، لا عين المن في القرآن.(3/358)
باب ما جاء في كراهية التعليق(3/360)
[2072] تجوز التعليق (بأعوذ بكلمات الله التامة. . إلخ) كما ثبت عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وفي مسند أحمد عن أم سلمة: من ألقى وَدعة في عنق الصبي فالله بريء عنه إلخ، وسنده حسن عند ابن تيمية، الودعة الخرزة، ولعل تعليق ما هو مجرب بالطب جائز.(3/360)
باب ما جاء في تبريد الحمّى بالماء(3/360)
[2073] قال الأطباء: إن الماء أنفع للحمى، لكنه مقيد ببعض أقسام الحمى، وذكر السيوطي: كنت أشفي بالماء من كل نوع الحمى.(3/360)
باب ما جاء في دواء ذات الجنب(3/362)
[2078] اعترض بعض الأطباء من غير المسلمين بأن القسط البحري مضر أشد الهلاك لذات الجنب، أقول: ذات الجنب حقيقي وغير حقيقي، وإنما الإفادة لغير الحقيقي وهو احتقان الرياح في الجنب.(3/362)
باب ما جاء في السنا(3/363)
[2081] قوله: (بالشبرم إلخ) هو حب النيل (سياه وانه) ، وهذا مسهل مع السمِّية.
واعلم أنه قد صنفت الكتب في الطب النبوي. [30] كتاب الفرائض عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -(3/363)
كتاب الفرائض(3/365)
باب ما جاء في تعليم الفرائض(3/365)
[2091] قوله: (تعلموا الفرائض إلخ) قيل: إن الفرائض في الحديث هي الأحكام المفروضة وتسمية هذا الفن بالفرائض محدث، أقول: كيف يقال أنه محدث؟ أقول: كيف يقال إنه محدث؟ والحال أنه قال: «إن زيد بن ثابت أفرضكم» .(3/365)
باب ما جاء في ميراث الجد(3/368)
[2099] قال أبو حنيفة: إن الجَد كالأب يحرم الإخوة، وقال صاحباه: الإخوة والجد يرثون جميعاً بمقاسمة، والسلف أيضاً مختلفون وأبو بكر الصديق مع أبي حنيفة.(3/368)
باب ما جاء في ميراث الخال(3/369)
[2103] قلنا: إن ذوي الأرحام يأخذ المال إذا لم يكن من قبلهم، وقال الشافعي: لاحظَّ لهم وإنما يوضع المال في بيت المال، ولنا حديث الباب، وتعرضوا إلى تعليل الحديث لكن تعليلهم ليس بشيء.(3/369)
باب ما جاء في الذي يموت وليس له وارث(3/370)
[2105] أفتى أرباب الفتوى بأن بيوت الأموال انعدمت فيدفع الوراثة إلى من يدلي إلى الميت رضاعاً، وأفتى صاحب مجمع الأنهر بوضعها في المدارس الإسلامية وهذا يوافق أهل العصر ويفيد أرباب الفتوى ما في باب ميراث المولى الأسفل، فإن المولى الأسفل لا يرث وإنما يرث الأعلى في بعض الأحيان، وفي الحديث: «يعطى الأسفل المال» فدل الحديث على إعطاء الأبعد عند عدم كون من يأخذ التركة.(3/370)
باب ما جاء أن الميراث للورثة والعقل للعصبة(3/372)
[2111] اعلم أن معنى الغرة في اللغة معروف، وعند الفقهاء خمسمائة درهم، والشراح مختلفون في شرح الحديث قيل: إن المتوفية كانت جانية، وقيل: كانت مجنية.
قوله: (على عصبتها إلخ) المرجوع إما الجانية أو المجنية.(3/372)
باب ما جاء في ميراث الذي يسلم على يدي الرجل(3/373)
[2112] هذه القرابة تسمى بالموالاة وفيها وراثة عندنا لا عند غيرنا، وصورتها أن حربياً أسلم على يد مسلم واشترط أن يكون أرشه وارثه من الجانبين، ولو أعطى أحدهما أرشاً لا يمكن الفسخ ويجوز قبل أداء أرش وقال السرخسي في المبسوط: لا حاجة إلى قيد الحربي وأدلتنا محصاة في موضعها فليراجع إليها في كتب الحديث.(3/373)
كتاب الوصايا(3/375)
باب ما جاء أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - لم يوص(3/376)
[2119] أي لم يوصِ في أمر الدنيا والمال، بل في أمور الدين مثل استخلاف أبي بكر، وبعث أسامة وإخراج اليهود من جزيرة العرب.
قوله: (أوصى بكتاب الله إلخ) قيل: معناه أوصى موافق كتاب الله وقيل: أوصى بحفظ كتاب الله، وعدم تضييعه وثبت خطبته في مرض الموت، وقالوا: إن الخطبة كانت تلافي ما يريد أن يكتب في القرطاس مثل استخلاف أبي بكر وإخراج المشركين من جزيرة العرب.(3/376)
كتاب الولاء والهبة(3/379)
باب ما جاء فيمن تولى غير مواليه أو ادعى إلى غير أبيه(3/380)
[2127] قوله: (ما بين العير إلى ثور إلخ) العير يقال له في هذا الزمان العائر، وفي الحديث: «أن العائر جبل النار» ، وقال صاحب القاموس: إني تحيرت في أن ثوراً في مكة لا المدينة حتى لقيت أعرابياً فسألته فقال: إن جبل ثور في المدينة خلف جبل أحد على ثلاثة أميال من المدينة.
قوله: (فعليه لعنة الله والملائكة إلخ) من قال بجواز لعن يزيد احتج بحديث الباب، ومن الثابت أن جماعة الصلاة في فتنة يزيد تركت في المدينة ثلاثة أيام، وقال سعيد بن المسيب: كنا نسمع صوت الأذان والإقامة من قبره عليه الصلاة والسلام، وقال ابن المسيب: إني تجنبت في أيام الفتنة لآمن شر يزيد.(3/380)
باب في ما جاء القافة(3/381)
[2129] قال الشافعي: إن القافة معتبرة وبحيث لو ادعى المولان نسب ولد جارية فالعبرة لما قال القائف، وقال أبو حنيفة: إن الولد لهما.
قوله: (زيد بن حارثة إلخ) كان أسامة أسود وزيد آدم، فقال: الكفار إن أسامة ليس من زيد فمر هذا القائف عليهما، وقال: هذه الأقدام بعضها من بعض، وكان هذا القائف كافراً فسُر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مسألة الرجوع في الهبة مرت سابقاً.(3/381)
كتاب القدر(3/383)
القدر تحت صفة الإرادة لا صفة العلم، وزعمت المعتزلة اندراجه تحت العلم وهو خلاف نصوص الشرع والإجماع، والإرادة مؤثرة في وجود المراد لا العلم في وجود المعلوم، وقال أرباب المعقول: إن علم الباري مؤثر لا علم الكائنات، وقال علماء الإسلام: إن من شأن العلم انجلاء المعلوم متى وقع كيف ما وقع، وزعمت المعتزلة أن في الإنسان اختياراً مستقلاً، ونقول: إن فيه اختياراً لكنه ليس بمستقل بل صورة في الحالة الراهنة، ويطلق عليه لفظ المختار حقيقة لا مجازاً لكنه في الحقيقة غير مختار، والاختيار وصف موضوع في الممكن يفعل به الأشياء أو يتركها من إرادته، ثم ذلك الوصف مستند إلى الاضطرار، وأما التأثير فإنما هو للفاعل الحقيقي، وإنما الإنسان مجبور محض في قبول ذلك الوصف، فالحاصل أن الإنسان مثل آلات المركب الدخاني كما يدل عليه لفظ الحديث في الصفحة (37) وهو يستعمله إلخ، إن قيل: أي فائدة في خلق العالم كما قال إبليس؟ قلت: إن في خلق العالم ثلاث احتمالات فإنه ممكن أو محال أو واجب، ومن البداهة أنه ليس بمحال وإلا فكيف يُخلق؟ والحال أنه مخلوق فيكون ممكناً؟ فإذا كان ممكناً فهل يقول أحد: إن إيجاده ليس بمستحسن؟ كيف يقول وفيه إظهار عجائب بارئ النسم وبدائعه، وإن قيل: يرفع الثواب والعقاب قلت: إن هذا يستلزم رفع الحسن من الحسن والقبح من القبيح ولا يقول به أحد فيكون جزاء مرتكب الحسن حسناً ومستحسناً، وكذلك جزاء مرتكب القبيح قبيحاً وهو إلقاؤه في النار وإدخال المطيع في الجنة، ثم إن قيل: لم خلق الله القبيح من الأمور ولم لم يخلق جميع مخلوقه حسناً؟ فيقال: إن خلق القبيح نظراً إلى الخالق حسن وإن كان نظراً إلينا قبيحاً، فإنه أيضاً كمال الخالق وإن من القانون في مخلوقاته في الدنيا تقليل الحسنات وتكثير القبيحات لأن الحسن يقتضي الاعتدال في الأنحاء والأنواع، ومن المعلوم أن الأقل شروطاً أكثر وجوداً والأكثر
شروطاً أقل وجوداً، وفي الاعتدال شروط كثيرة، ولقد صنفت نظماً في مسألة القدر وأذكره نبذة منه:
~ يا صاحبي إن الكلام بقدرتك ... طويل وتحرير الخلاف يطول(3/383)
~ لعلها أضحى لنا منا على اختيارنا ... ولكنه نحو القدير يؤول
~ ففيك اختيار ليس منك وذلك ... لجبر اختيار لا يكنك ذهول
~ وهذا هو الكسب الذي كلفوا به ... وفيه اقتصاد فليكنك قبول
~ وأما اختيار مستقل فإنه ... محال فلا يسألك عنه سؤول
~ ويثمر شرشر ما ينبغي له ... فيزعمه الظلم الصريح جهول
~ كإيراث خبث البذر خبث نباته ... طباعاً ولا يأتيه قال يقول
~ ولا يستوي الميزان إلا بخصلة ... تفوت بأدنى ميلة فيعول
أقول: إن عصيان العاصي سبب لدخوله جهنم من قبيل التسبيب والتسبيب لا من قبيل الانتقام، وقد قلت فيما مر أن في الأفعال تأثيرات كما في الأدوية فإذا أكل أحدهم الفأر ومات لا يقول أحد: إنه مظلوم بل يطعن عليه وكذلك في الأفعال القبيحة.(3/384)
باب ما جاء في التشديد في الخوض في القدر(3/384)
[2133] يجب للمسلم الاعتقاد بالقدر، ولا يجعل القدر عذراً لترك الأوامر وارتكاب النواهي، فإن صرفه اختياره إلى المرمر محسن في إرادته لكنه يعتقده أنه أيضاً من القدر، ولو فرض أن أحداً اطلع على شقاوته الأبدية قطعاً فلا يسقط عنه أحكام دار التكليف مثل الصوم والصلاة فلا يصح التقدير عذر في دار التكليف.(3/384)
باب ما جاء في حجاج آدم وموسى عليهما السلام(3/385)
[2134] اسمع على طور النكتة أن مسألة التقدير مذكورة في سورة البقرة فإنه تعالى قال لآدم: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} فأخطأت الملائكة وقالوا: {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: 30] . لكنهم لم يصروا على الخطأ فخلق الله آدم وأمر الملائكة بالسجود، وكان الغرض من السجود تسليم خلافة آدم فسلمت الملائكة خلافته، وخالف إبليس وارتدّ وحاج مع خالق المخلوق تبارك وتعالى ولا يجرئ أحد من المخلوق على المحاجة مع الخالق وإن هذا إلا كفر وظلم صريح، ولم يتب الملعون عن خطئه، فعلّم الله آدم التلكيف والتشريع وستر عنه التقدير، وأخذ أهل السنة والجماعة بالتشريع والتقدير ووفقهم الله الجمع بينهما، وقال الجبرية بالتقدير وذهب عنهم التشريع وقال المعتزلة بالتشريع لا بالتقدير، ثم اعلم أن التشريع والتكليف أيضاً في إحاطة التقدير، فعلم الله آدم أمراً ونهيا ونهى عن قرب الشجرة لكنه نسي وأكل وبكى على نسيانه مدة، ولم يصر على ما ارتكبه فتاب الله عليه، كما كان الأليق في المخلوق وخالقه فاستخلفه الله على الدنيا إلى أبد الدهر، فعلم من هذا أن الإنسان أفضل فإنه خلق فيه الخير والشر وكلف بالخير وهو في إحاطة التقدير، ومقتضى العقل أيضاً أفضلية الإنسان على الملك، ثم اصطفى الله موسى، للمناظرة مع آدم وكان موسى حديد الطبع فحج آدم موسى وكان إذن مقابلة مخلوق بمخلوق والعالم وراء عالم التشريع كما قال ابن همام في المسائرة فلا يعتذر في عالم التشريع بعالم التقدير، ولم يناظر آدم مع الرب تبارك وتعالى موقوع الأمر بينهما أمر الخالق والمخلوق وكان الدار دار التكليف، وقال الحافظ ابن تيمية: إن التمسك بالقدر كان في المصيبة لا عذراً في المعصية.(3/385)
باب ما جاء في الشقاء والسّعادة هما أزليتان ومن القدر(3/386)
[2135] قوله: (فيما قد فرغ منه يا ابن الخطاب إلخ) قوله هذا من أعلى الإعجاز فإن حل العقيدة الوثيقة بمثل هذا المختصر من الكلام لا يحصل إلا لصاحب النبوة، ولا يحصل بعد تحصيل الفنون العقلية والنقلية مدة الأعمار والسنين، ويكفي لذوي الألباب في مسألة التقدير ما ثبت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مختصر من الأقوال المباركة، ومعنى «كُلٌّ مُيْسَرٌ إلخ» أن كل واحد سهل له ما قدر له وليس الفعل والترك أيضاً مستأنفاً بل هو أيضاً مفروع عنه لا يخرج كل ما في الكون عن حيطة القدر.
قوله: (ينكث في الأرض إلخ) هذه واقعته وهو في المقبرة وكان الميت يدفن.(3/386)
باب ما جاء أن الأعمال بالخواتيم(3/386)
[2137] قوله: (أربعين يوماً إلخ) في مسلم خمسة وأربعين يوماً، ولعل الاختلاف باختلاف الأحوال(3/386)
والأشخاص، وفي علم الطب أن رحم المرأة إذا ضعف تطول مدة الحمل.
قوله: (وعمله شقي أو سعيد إلخ) هذا شيء واحد والشقاوة والسعادة تفسير الحمل، وأما الشيء الرابع فليس بمذكور هاهنا، وهو أن الحمل ذكر أو أنثى وليعلم أن الأعمال قبل الموت أمارات الشقاوة والسعادة.(3/387)
باب ما جاء كل مولود يولد على الفطرة(3/387)
[2138] الحديث طويل الذيل سيأتي بحثه في جنائز البخاري، وكتب ابن قيم عدة أوارق في شفاء العليل على حديث الباب، والمسألة هاهنا مسألة نجاة أولاد المشركين والتوقف فيهم.(3/387)
باب ما جاء لا يردّ القدر إلا الدعاء(3/388)
[2139] الدعاء أيضاً غير رادٍّ للقدر فإنه أيضاً من القدر إلا إن القدر مستور عنّا.(3/388)
باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن(3/388)
[2140] قوله: (من أصابع الله إلخ) مرَّ الغزالي في إحياء العلوم على حديث الباب وهو من المتشابهات ولم يرض بقول التفويض إلى الله تعالى، ونقل أن أحمد بن حنبل لا يتأول في متشابه إلا هذا الحديث، وأقول: لعله لم يتأول فيه أيضاً إلا أنه حكي أن ابنه عبد الله كان يدرس الحديث فجاء أحمد بن حنبل في وقت درسه، وحديث الباب تحت الدرس وكان يحرك عبد الله أصابعه فغضب الإمام وقال: مه لعل الناس يزعمون أن أصابع الرحمن مثل أصابعك هذه، فلعل الغزالي أخذ من هذا، والله أعلم. ثم هذه الألفاظ الثابتة مثل اليد والأصبع واليمين والوجه والحقوة والقدم والساق فلم أجد نقلاً من السلف في إطلاق اسم مشترك على هذه، وأطلق المتكلمون لفظ الصفات وهو موهم للزيادة(3/388)
على الذات وإخلاء للفظ عن موضوعه، وأطلق البخاري لفظ النعوت وهو وصت عليه الخص.(3/389)
باب ما جاء أن الله كتب كتابا لأهل الجنة وأهل النار(3/389)
[2141] قوله: (ما هذان الكتابان إلخ) الشراح مترددون في الكتابين، وعندي يمكن أن يكون هو البياض المحض والغرض التمثيل.
قوله: (سدّدوا وقاربوا إلخ) من السداد بفتح الأول، وأما السداد في الاعتقاد فعدم التعرض إلى التناقض بين نصوص الشريعة والنهي عن كونه مجادلاً، وأما في الأعمال فاختيار الأعمال المتوسطة والبلوغ إلى منتهاها بدون إفراط وتفريط.
قوله: (فريق في الجنة إلخ) اعلم أن جواباته في مسألة التقدير كافية وافية لمن له فهم سليم وذوق صحيح ولقد كتبت نعته ومنه:
~ آدم بصف محشر وذريت آدم ... درزير لواءت كه خطيبي وأميري(3/389)
~ يكتاكه بود مركزهر دائره يكتا ... تامركز عالم تواي لي مثل ونظيري
~ وحق است وممتاز زباطل ... آن دين نبي هست اگر صاف ضميري
~ آيات رسل بوده همه بهتر وبرتر ... آيات توقرآن همه وأني همه گيرى
~ آن عقده تقدير كه ازكسب نشد حل ... حرفي توكشا يدكه خبيري وبصيري
~ كانراكه جزاگفته آن عين عمل هست ... بكزرز حفاف ونگران هـ پذيرى
~ أي ختم رسل أمت توخير أمم بود ... ون ثمره كربا شد همه وردور أخيري
~ كس نيست أزين أمت توانكه وانور ... باروئ سياه آمده وموئ زرئيرى(3/390)
باب ما جاء في القدرية(3/392)
[2149] المفهوم من أقوال المتكلمين أن مرجئة أهل البدعة قائلون بأن معصية من المعاصي لا تضر، وذكر التوربشتي أن المرجئة هم الجبرية، وهو الحافظ، وفضل الله التوربشتي حاذق في الكلام، وكذلك مقتضى ظاهر الحديث من التقابل بين القدرية والمرجئة، وقال القدرية بأن أفعال العباد بخلق العباد وأنكر التقدير.(3/392)
قوله: (وهو عمران القطان إلخ) في مسند أحمد رواية صلاته بالليل تسع ركعات وثلاث ركعات منها وتر وفي إسنادها عمران، وفي نسخة مسند أحمد عمران العطار، وكنت متردداً فيه مدة وراجعت إلى النسخ القلمية وفيها أيضاً العطار حتى أن وجدت في البخاري في ذات الرقاع عمران، وفي الحوض عمران القطان، وفي الهوامش العطار فحصل لي أنهما واحد.(3/393)
باب ما جاء في الرضا بالقضاء(3/393)
[2151] اعلم أن القضاء إجمال والقدر تفصيل، والكلام بين الإرادة والمشيئة سيجيء في البخاري إن شاء الله.
قوله: (أو مسخ إلخ) أي مسخ الصورة، وورد في الحديث: «لا مسخ في أمتي» وقيل: إن حديث الباب محمول على المسخ القليل، وما ورد في الحديث فهو محمول على المسخ العام.(3/393)
قوله: (أول ما خلق الله إلخ) في بعض الروايات: أن أول المخلوقات نور النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ذكره القسطلاني في المواهب بطريق الحاكم والترجيح لحديث النور على حديث الباب.(3/394)
قوله: (إلى الأبد إلخ) الأبد عند الشارحين القيامة، لأن علم الباري غير متناهٍ بالفعل ولا يسع في المتناهي، وأقول: إن الأبد يحمل على معناه اللغوي إلا أن في كتابة العلم إجمالاً وفي علم الله تفصيلاً، وهكذا أقول فيما سيجيء: إني رأيت ربي في المنام، ووضع يده بين كتفي فتجلى لي ما بين السماوات والأرض بأن علم البشر يكون بما في الأرض، والإعجاز أن يكون له علم ما في السماوات، ولا يجب أن يكون ذلك بكل شيء وبالتفصيل بل يكفي العلم الإجمالي، ولما كان خارجاً عن قدرة البشر كفى فيه الجنس ولا حاجة إلى الاستغراق ببعض الأشياء لا الاستغراق، فالاستدلال بذلك الحديث على إثبات علم الغيب له عليه الصلاة والسلام وتساوي علم النبي والباري غير صحيح، وأما الشراح فقالوا: إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علم ما في السموات والأرض ما شاء الله وغرضهم إبطال التمسك المذكور بذلك الحديث، وأيضاً التجلي هو عرض لا تفصيل.(3/395)
كتاب الفتن(3/396)
باب ما جاء في إشارة المسلم إلى أخيه بالسلاح(3/397)
[2162] من حمل السلاح على أخيه أو تعرض لماله يجوز للآخر الذي حُمِلَ عليه قتل الحامل المتعرض ديانة كما في كتب المذاهب الأربعة.(3/397)
باب ما جاء في لزوم الجماعة(3/398)
[2165] إذا تحققت الإمامة الكبرى لأحد فلا يجوز لأحدٍ البغاة الخروج عليه، ويجب اتباعه وتعبر الشريعة هذا الاتباع بلزوم الجماعة، وفي حديث: «لا تخرجوا على الإمام إلا أن تروا كفراً بواحاً» إلخ.
قوله: (ولا يستحلف إلخ) في أصل مذهبنا المنع عن الاستحلاف، وجوز أرباب الفتوى للشاهدين.(3/398)
باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(3/400)
[2169] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، ولو تيقن عدم النفع فيجوز الترك لكن العمل بالعزيمة أولى، وإذا خشي الأذية والضرر فيترك.(3/400)
باب ما جاء أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر(3/401)
[2174] في جامع الفصولين لمحمود بن قاضي سماوة: أن قوماً بغت يسبب ظلم الإمام عليهم لا يحامي القوم ولا الإمام لأن الجور صدر عن الإمام، وأما إذا جاهد الإمام مع الكفار أو بلا مظلمة فيجب حماية الإمام إجماعاً، وزعم بعض الجاهلين مسألة جامع الفصولين على غير ما هي فأفتوا وضلّوا فأضلّوا.(3/401)
باب ما جاء في رفع الأمانة(3/403)
[2179] هذه الأمانة في القرآن العزيز: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأحزب: 72] وذكر بعض تفصيلها في البخاري أي لون للقلب تمهيد للإيمان وبسببه يراعي الإنسان مواجب الناس وحقوقهم.
قوله: (مثل الوَكت إلخ) حديث الباب يدل على زيادة الإيمان ونقصانه كما قلنا.(3/403)
باب ما جاء في انشقاق القمر(3/404)
[2182] انشق القمر في عهده ولا يمكن إنكاره كما أنكر بعض الملاحدة، وما نسب إلى بعض كبارنا إنكاره فلم يدرك من نسب إليهم مراد كبارنا فإن مرادهم أنه كان من أشراط قرب القيامة، وفيه الإعجاز أيضاً لا نفي الإعجاز رأساً والعياذ بالله، وادَّعت جماعة من المحدثين أن ثبوته بالتواتر، وفي مشكل الآثار أيضاً روايات كثيرة.(3/404)
باب ما جاء في الخسف(3/405)
[2183] قوله: (طلوع الشمس من مغربها إلخ) يوم طلوع الشمس من المغرب يوم خروج الدابة، ويكون لتلك الدابة عصى وخاتم ترسم المؤمنين بالعصى يظهر منه لفظ (المؤمن) ، ويرسم الكفار بالخاتم ويظهر لفظ (الكافر) ، هكذا قال العلماء ولقولهم روايات أيضاً، وفي رواية ضعيفة السند أن الشمس تدور على دور القطب، وذكر الشيخ الأكبر لطيفة وهي أن المدور إذا دوّرت فإذا ختمت حركته يرجع، وكذلك الشمس تدور فإذا ختمت حركتها ترجع وتطلع من المغرب.
قوله: (نار تخرج من قعر عَدَن إلخ) قال النووي: إن هذه النار خرجت فيما مضى، وقال جماعة من المحدثين: إن قطعة الحديث: «تسوق الناس وتحشر الناس» وهم الراوي وأنها قطعة الحديث الذي فيه ذكر النار التي قريب القيامة لا النار التي وقعت، واعلم أنه وقع في الروايات أن الحشر والحساب يكون في الشام.(3/405)
باب ما جاء في خروج يأجوج ومأجوج(3/407)
[2187] سدّ يأجوج ومأجوج نحو البلاد الشرقية الشمالية، وأما ما تقول الملاحدة من أهل العصر أن ما من بقعة من بقع الأرض إلا ومُسِحَت ولم يوجد له بها يأجوج ومأجوج وليس بموجود فغلط محصن، فإن في الإفريقية أرض في أربعين منزلاً لم يطئه قدم واطئ، فإذن قولهم كذب بحت، وذكر يأجوج ومأجوج في التوراة أيضاً.
قوله: (الأثرة إلخ) ترجيح أحد على الآخر بلا وجه وجيه.(3/407)
باب ما أخبر النبي - صلّى الله عليه وسلّم - أصحابه بما هو كائن إلخ(3/408)
[2191] ليس المراد به إخبار جميع ما يكون إلى القيامة وكل جزئيته، بل المراد الجنس مثل أخبار الفتن.(3/408)
باب ما جاء في أشراط الساعة(3/412)
[2205] الأشراط جمع شَرَطَ بفتح الوسط، والشروط جمع الشَرْط بسكون الوسط.(3/412)
قوله: (الله الله إلخ) قال العلماء: إن روح الدنيا لا إله إلا الله، فإذا خرج الروح تفسد الدنيا، وأقول: هذا يدل على أن الله الله مفرد أيضاً ذكر، وكذلك في القرآن العزيز {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام: 91] الآية، وقال الحافظ ابن تيمية: إن الله مفرداً ليس بذكر، وتأول في مثل هذا بالحذف أو التقدير.(3/413)
قوله: (لكع بن لكع إلخ) لعين بن لعين.
قوله: (تقئ الأرض إلخ) يفهم من الروايات أن نهر الفرات ينتقل من موضعه وتخرج منه دفينة عظيمة فلا يأخذونها، لعل وجه عدم أخذهم إنقراض ما في الدنيا عن قريب.
قوله: (ريحاً حمراء إلخ) الريح التي تشتمل على البلاء والأمراض.(3/414)
باب ما جاء في قتال الترك(3/416)
[2215] في الحديث نهي عن المقاتلة بالترك وتأذيهم، وفي الحديث: «واتركوا الترك ما تركوكم» وهذه إشارة إلى فتنة التاتار والتيمور، اعلم أن في الدنيا قومين لا يوجد رجل منهم كافر، وهم الأتراك والعرب.(3/416)
باب ما جاء في ثقيف كذاب ومبير(3/417)
[2220] ثقيف حي من قبائل طائف، المبير هو حجاج بن يوسف ظالم هذه الأمة، والكذاب هو مختار بن أبي عبيد وأخته صفية بنت أبي عبيد زائدة زوجة ابن عمر، ويروى عن أحمد بن حنبل أن حجاجاً كافر.(3/417)
باب ما جاء في القرن الثالث(3/418)
[2221] زعم أكثر العلماء أن مصداق القرن الأول من عهده والثاني عهد الصحابة والثالث عهد التابعين، وأقول: لعل هذا الأمر مستمر أي كل ماضٍ خير من مستقبل إلا ما شاء الله والخير والشر أمران إضافيان، وفي مسلم: «أنا بعثت لي خير القرون» فقرنه خير القرون الأولى والأخرى، والقرن في اللغة النسل أي ناس زمان وعصر واحد.(3/418)
باب ما جاء في الخلفاء(3/418)
[2223] المراد باثني عشر أميراً عند أهل السنة والجماعة هم الخلفاء الأربعة، وحسن وعمر بن(3/418)
عبد العزيز ومعاوية، ومثل المهدي والمستعصم ونقلوا أن المستعصم كان شهيداً في حرب تاتار وهو صائم وغيرهم من الصلحة، لا ما زعم المتشيعون من الأئمة اثني عشر من أهل البيت لأن عند أهل السنة كل من كان إماماً منهم فهو إمام ولا يحصرون والمراد هاهنا الأمراء.(3/419)
باب ما جاء في الخلافة(3/419)
[2225] قوله: (الخلافة في أمتي ثلاثون سنة إلخ) خلافة أبي بكر الصديق ثنتان مع بعض الأشهر، وخلافة عمر الفاروق عشرة سنين مع بعض الشهور، وخلافة ذي النورين اثنا عشر سنة وخلافة علي أمير المؤمنين أربعة سنين، وخلافة حسن سبط النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عدة أشهر.
قوله: (بنو الزرقاء إلخ) زرقاء امرأة من جداتهم، ثم كون الخليفة قريشياً عند الجمهور واجب، وعند إمام الحرمين وذكر الطرابلسي عن أبي حنيفة الاستحباب.(3/420)
باب ما جاء في المهدي(3/421)
[2230] يعلم من الأحاديث أن أكثر حروب تقع بين المسلمين والنصارى فينزل عيسى لإصلاح النصارى، ويكون نبياً ويعمل بشريعة محمد بن عبد الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي سن عمره روايات كثيرة ولكن الصحيحة أن يكون عمره في الدنيا بعد النزول أربعين سنة، وأتى الحافظ بالتوفيق بين الروايات في الأطراف، ويبعث المهدي لإصلاح المسلمين فبعد نزول عيسى يرتحل المهدي من الدنيا إلى العقبى.(3/421)
باب ما جاء في نزول عيسى ابن مريم(3/422)
[2233] قوله: (يضع الجزية إلخ) حكم وضع الجزية لعيسى من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي الأحاديث الصحاح أن نزول عيسى في المغرب، فما حال الملعون القادياني يدعي أنه ابن مريم؟ والحال أن الملعون ابن وهل هو دجال خرج من المشرق.(3/422)
باب ما جاء علامات خروج الدجال(3/424)
[2238] قوله: (في سبعة أشهر إلخ) في أبي داود ص (590) رواية تخالف رواية الباب، فإن فيها ستة سنين، ويمكن أن يقال: إن ست سنين تمضي في الحروب ثم بعدها تمضي سبعة أشهر في سائر الأمور ولكني ما وجدت النقل، وفي أبي داود ص590: عمران بيت المقدس خراب يثرب وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال انتهى، ولا يتوهم اتصال جميع هذه الأشياء بل يمكن الفصل الطويل بين علامتين فإن صاحب الشريعة جمع في عدد العلامات.(3/424)
باب ما جاء في فتنة الدجال(3/424)
[2240] قوله: (سورة أصحاب الكهف إلخ) لأنهم أيضاً ابتلوا في فتنة فنجاهم الله عنها بفضله اللهم أنجنا آمين.
قوله: (يوم كسنة إلخ) قيل: إنه تصوير لشّدة الابتلاء وليس في الواقع سنة، وقيل: إن في ذلك الزمان يكون تكاثف السحب والأمطار والظلمة ولا يرى النهار، ولا ريب أن القحط أيضاً يكون في ذلك الزمان كما في بعض الروايات، وقيل: يكون يوم سنة في الواقع وقرينة لفظ (ولكن اقدروا. إلخ) لفظ حديث الباب، وتمسك ابن همام على أن صلوات أهل بلغار خمس بهذا الحديث، وفي بلغار يطلع الصبح حين غيبوبة الشفق بعد غروب الشمس ومختار الشيخ ابن همام، واختاره شمس الأئمة الحلواني، واختار البقالي الأربع، ولما بلغ الحلواني ما اختاره البقالي أرسل الحلواني رجلاً إلى البقالي فبلغ الرجل والبقالي يعظ الناس فقال الرجل: ما حال من أسقط خامسة الصلوات؟ فقال: حاله كمن يتوضأ وسقط يده فسكت الرجل وذهب إلى الحلواني وبلغه ما ورد به. أقول: إن الصلوات عليهم خمس، ولكن حال الصلاة وحال رمضان عليهم كيف يكون حكمه ولم يتوجه إلى هذا أحد إلا الشوافع توجهوا إلى الصلاة، ويقولون: إن أهل بلغار يمرون على حساب من قريب منهم ويجدون وقت العشاء، وأما ابن بطوطة السياح صاحب الرحلة قال: بلغت بلغار وصمت ثمة معهم ولم أجد شيئاً من الكلفة على نفسي: وأما بعض البلاد مثل قاذان فلا يوجد الشفق الأحمر أيضاً بل إذا غربت الشمس طلعت الفجر، وكان فيهم ملا بهاء الدين الحنفي المرجاني وهو ذكي الطبع وله حواشي على الكتب، وصنف رسالة فيما نحن فيه ولم أجدها، ونقل النواب في رسالة عبارة الشيخ رفيع الدين الدهلوي رحمه الله.(3/425)
قوله: (أن حَوِّز عبادي إلى الطور إلخ) هذا الحكم في التوراة أيضاً.(3/426)
باب ما جاء في الدجال لا يدخل المدينة(3/427)
[2242] قوله: (إن شاء الله إلخ) هذا لعله قيد الطاعون، وينظر في التواريخ هل دخل الطاعون في المدينة أم لا؟ وأما الوباء فقد دخلها، وذكر الشراح ما بدا لهم، وفي البخاري ص (1056) ج (2) أولاً الطاعون إن شاء الله، فبالجملة لو توهم نقض قاعدة الحديث يقال: إن عدم الدخول معلق بمشيئة الله تعالى فليتدبر.(3/427)
باب ما جاء في ذكر ابن صياد(3/428)
[2246] كان مختلط الأحوال ويخبر عن المغيبات تكون بعضها صحيحة وبعضها كاذبة، وكان كاهناً فطرة وحلف بعض الصحابة بأنه دجال، ثم قيل: إنه غاب في وقعة الحرة مع يزيد، وقيل: إنه غاب في الحروب القادسية كان أولاً بالمسلمين ثم التحق باليهود.(3/428)
قوله: (إن تميم الداري إلخ) هذا من خصوصية تميم الداري بأنه حدث عنه قائماً على المنبر، وقد ثبت ذهاب ابن الصياد إلى مكة مع أبي سعيد في حديث الباب، وثبت بسند صحيح أن ابن عمر غضب على ابن صياد وضربه بالعصا، وقالت حفصة: لم ضربته يا ابن عمر فإنه حدث أن سبب خروج الدجال غضبة فِلم أغضبته؟ .
قوله: (لا تحل له مكة إلخ) قيل: إن المراد به عدم دخوله مكة والمدينة هو بعد خروجه دجالاً، ويجوز دخوله قبل الخروج ولكن الأرجح أن ابن الصياد ليس بالدجال الكبير الموعود، نعم أحواله مختلطة ومشبهة مع أحوال الدجال الكبير ولعله دجال صغير.
قوله: (وهو الدُّخُّ إلخ) قيل: إنه قرأ الدخان في نفسه وسمعه الشيطان وأبلغه إلى ابن الصياد، أقول: من راجع إلى مقدمة ابن خلدون لا يحتاج إلى هذا، فإنه ذكر تفسير الكهانة وأنها قد تكون جبلياً وإنما أضمر هذه الآية لأن ابن صياد كان يرى دخاناً.
قوله: (فاضرب عنقه إلخ) قيل: إنه كان واجب القتل لأنه ادعى النبوة، وقيل: إنه كان صبيّاً فلا يقتل.
قوله: (تنام عيناه إلخ) هذه علامة الكاهن.
قوله: (له همهمة إلخ) هذه أيضاً من علامات الكهانة.(3/430)
باب حديث تميم الداري في الدجال(3/431)
[2253] هذا من خصوصية تميم الداري، وكان نصرانياً ثم أسلم، واعلم أن الرجل المذكور حاله هو الدجال الكبير.(3/431)
كتاب الرؤيا(4/5)
باب أن رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة(4/5)
[2270] قوله: (اقترب الزمان إلخ) قيل: اقتراب زمان القيامة، وقيل: إن معنى اقتراب الزمان استواء الليل والنهار في حين خاص ترى من اختلاف الليل والنهار طولاً وقصراً واستوائهما، وقيل: إن المراد ارتفاع البركة، والألزق بالقلب هو الأول فإن في قرب الساعة تكون خوارق.
قوله: (الرؤيا ثلاث إلخ) تعين مصاديق الرؤيات الثلاثة في شرح السنة للبغوي.(4/5)
باب ما جاء في قول النبي - صلّى الله عليه وسلّم - «من رآني في المنام فقد رآني»(4/7)
[2276] تفصيل المسألة والحديث سيجيء في البخاري.(4/7)
باب ما جاء في تعبير الرؤيا(4/7)
[2278] قال جماعة من العلماء: إن الرؤيا تابعة لتعبير المعبر ولا تستقر حقيقتها إلا بالتعبير ويفهم من البخاري أنه لا تعبير بل لها أصل وحقيقة، فإن وافق التعبير الحقيقة فصادق وإلا فكاذب وهو المختار، وأما جواب حديث الباب فالمعنى أن مصداق الرؤيا غير معلوم لا نفي أصل المصداق، والحقيقة ومصداق الرؤيا قد يتأخر إلى ثلاثين سنة أيضاً، والمعبر المشهور محمد بن سيرين، ويقولون أنه أخذ هذا العلم من أبي بكر الصديق بالوسائط أخذتْ أسماء بنت أبي بكر عن أبي بكر، وأخذ(4/7)
عنها محمد بن سيرين بواسطة، وله حكايات كثيرة أنه سئل عمن رأى في منامه أنه يختم على أفواه الناس أعضاءهم المخصوصة؟ فقال محمد: إن ذلك الرجل هو المؤذن في غير وقته وأما في عصرنا فسمعنا تعبيرات مولانا رشيد أحمد الگنگوهي رحمه الله عجيبة ومشهورة.(4/8)
باب ما جاء في رؤيا النبي - صلّى الله عليه وسلّم - الميزان والدّلو(4/10)
[2287] قوله: (والله يغفر له إلخ) قيل: إن قوله قول بعد التيقظ، وقيل: إنه رأى هذا القول أيضاً في المنام.
قوله: (يفري فرية إلخ) الفرية في اللغة إصلاح الأديم والغرض الإصلاح.(4/10)
قوله: (أحدهما مسلمة إلخ) المشهور مسيلمة بالياء بعد السين قبل اللام ادعى النبوة وأقر بنبوته أيضاً، وكتب إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ينصف له الأرض، فكتب النبي الكريم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جوابه مختصراً كافياً شافياً وفيه: عن محمد رسول الله إلى مسليمة الكذاب أما بعد: «فإن الأرض لِلّه يورثها من يشاء من عباده» ، وتسمح النووي في قصة مسيلمة الكذاب، فإنه قال: إن الأكثر ارتدوا والحال أن المرتدين عياذاً بالله عند مسيلمة الكذاب الملعون كانوا قليلاً، كما قال ابن حزم في كتاب الملل والنحل، وأخذت هذا من أشعار العرب، وقتل مسيلمة الكذاب حين اجتمع الصحابة على المحاربة وحشي وجعله كفارة لما مضى عنه قتل سيد الشهداء حمزة.
قوله: (والعنسي إلخ) هذا هو الأسود العنسي قتله فيروز الديلمي حين كان عاملاً، واطلع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على قتله بالوحي وفرح بذلك، أقول: أخذت من هذا أن مدعي النبوة كافر إجماعاً وواجب القتل، وشأن الملعون القادياني بعينه شأن مسلمة الكذاب بأنه ادعى النبوة، ولم ينكر رسالة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونبوته.(4/11)
قوله: (أصبت أم أخطأت إلخ) هذا أيضاً من متمسكات البخاري.(4/12)
كتاب الزّهد(4/17)
الزهد في الدنيا الرغبة عن الدنيا وقالوا: إن ذرة من الزهد خير من عبادة الثقلين، والعبادة شيء وجودي يشتهر والورع شيء عدمي يحتمل.(4/17)
باب ما جاء «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه»(4/19)
[2309] كان كالحديث سهل المراد، وإنما أشكل بسبب سؤال عائشة الصديقة وجوابه وأقول إن معنى الحديث الآن أيضاً ما هو الظاهر المتبادر سهل الوصول، وأما جوابه فكان على طريق القول بالموجب، والقطعة المشكلة ليست بمذكورة في طريق الباب.(4/19)
باب في قول النبي - صلّى الله عليه وسلّم - «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا»(4/20)
[2312] قوله: (لَوِددت أني كنت إلخ) قال المحدثون: إن هذه القطعة ليست بمرفوعة بل قول أبي ذر. قال أبو العتاهية الشاعر المسلم: كان شريباً ثم زهد وتورع:
~ إذا أبقت الدنيا على المرء دينه ... فما فاته منها فليس بضائر
وصنف كتاباً مستقلاً في الزهد ونظم فيه الأحاديث والآيات مشتمل على أربعين ألف شعر، وذكر ابن قيم في كتاب الروح قال أحمد بن حنبل: ليس التوكل ترك الأسباب بل التوكل أن يأتي بالأسباب، ولا يعتقد حصول الرزق من تلقاء الأسباب، وهو عين ما روى عمر بن الخطاب في الترمذي ص (58) : «لو أنكم كنتم توكلون على الله حق التوكل لرزقتم كما ترزق الطير» إلخ.(4/20)
باب ما جاء في الكفاف والصبر عليه(4/29)
[2347] قوله: (عُجِّلَت إلخ) ما مر من الحديث: «خير الناس من طال عمره وحسن عمله» إلخ في ص (59) يخالف حديث الباب، فإن مقتضى حديث الباب تحسين قصر العمر خلاف ما مر، والجواب أن الممدوح ليس هو طول العمر بل الممدوح ذهاب الإنسان من الدنيا وهو خال من الأوزار الهالكة له مع طول عمره.(4/29)
باب ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم(4/30)
[2350] قوله: (بخمسمائة عام إلخ) يوم الحشر في آية {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4] وذكر المفسرون وجه التوفيق، وأقول: إن في الحديث أن الحساب يختم إلى نصف النهار ويكون خروج عصاة المؤمنين من النار قبل اختتام ذلك اليوم، واستخرج الشاه رفيع الدين الدهلوي من الروايات أن الشفاعة وإخراج العصاة من النار وجميع الأحوال يكون في يوم واحد، وفي الفتح عن تفسير ابن عيينة أن السلف كانوا يقولون: إن عمر الدنيا خمسون ألف سنة، وعندي هذا النقل أعلى مما يروى عن ابن عباس أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة ولكنه مختلف فيه في الوقف والرفع كما قال السيوطي في اللآلئ المصنوعة، وحكم عليها ابن الجوزي بالوضع وذكر السيوطي بأسانيد قوية، بعض قوة ولعل رواية ابن عباس موقوفة ولعله أخذ من كتب العهد العتيق أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة.(4/30)
باب ما جاء في معيشة أصحاب النبي - صلّى الله عليه وسلّم -(4/33)
[2365] قوله: (بنو أسد إلخ) في الحاشية عن مجمع البحار أنه من بني الزبير بن العوام وهو غلط، والصحيح أنه بني أسد بن خزيمة بن مدركة، وأسد متحرك الوسط كما يفهم من البخاري ص (104) وهو الشاكي من سعد بن أبي وقاص في عهد عمر الفاروق، ومن البخاري ص (528) في مناقب سعد بن أبي وقاص.(4/33)
بابما جاء في الرياء والسمعة(4/38)
باب (ما جاء في الرياء والسمعة)(4/38)
[2381] قوله: (جُبِّ الحزن إلخ) هذه دركة عصاة المؤمنين لا الكفار، فإن المؤمن والكافر، كيف يستويان؟ وحال العالم المرائي أيضاً كقارئ مرائي، وفي رواية عبد الله بن عمرو بن العاص أن يوماً يكون جهنم خالياً ويدخله الهواء من الجوانب، وعند الشيخ الأكبر يدخل الكفار جهنم ثم بعد مدة طويلة متمادية، يدعون الله من أبواب جهنم، وكان ظواهرهم وبواطنهم في التعب والمشقة وتأكلهم النار ظاهراً وباطناً فبعد مدة الدعوة نتخلص بواطنهم وتأكلهم النار ظواهرهم، ثم بعد مدة طويلة يتخلص ظواهرهم أيضاً ويكونون في النار، ويتلذذون بالنار بسبب اعتيادهم وصيرورة طبعهم نارية،(4/39)
ولعله يستدل برواية مسند أحمد لكن دعواه واستدلاله مخالف النصوص الشرعية، وما في مسند أحمد هو نار عصاة المؤمنين.(4/40)
باب ما جاء أن المرء مع من أحب(4/40)
[2385] اعلم أن الدخل في دخول النار والجنة هو الكفر والإيمان، وأما الأعمال الصالحة فأثرها دافع العذاب بشرٍ أشره، ولذا يكون الكافر مخلداً في النار والمسلم مخلداً في الجنة، وظني أن قرب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكون على درجات التوسل به، ومعدن الجنة هي الوسيلة وهي موضعه وهذا عندي مراد حديث الباب أي التفاوت في قربه في الجنة بتفاوت درجات التوسل، ويحتمل أن يكون هكذا حال كل نبي مع أتباعه، وفي الأحاديث أنه يكون له لواء يوم القيامة وتحته متبعوه،(4/40)
ويكون لكل واحد أيضاً لواء نفسه ويخطب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحت لواء ومما قلت فيه:
~ آدم بصف محشر وذريت آدم ... وازير لواءت كه خطيبي وأميري(4/41)
باب ما جاء في حسن الظن بالله تعالى(4/41)
[2388] قال العلماء: إن الأولى للمسلم أن يحسن ظنه بالله في كل حال، وقال الغزالي: المرء في الصحة بين الخوف والرجاء، وفي المرض له رجاء محض.
(فائدة) : الشريعة تحكم باتباع الغير واتباعه وتقليده مثل حديث مضمونه أنه ينبغي في السفر أن تجعلوا رجلاً أميركم، وكان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أراد الخروج من المدينة لأمر يستخلف رجلاً خلفه، وكان(4/41)
السلف يقتدون ويأتمرون بما يقول، ويأمر أمير المؤمنين حتى أن رجلاً لو ذكر رأيه في عهد أمير من أئمة المؤمنين لا يأخذ الأمير برأيه، ثم إذا صار ذلك الرجل أميراً يمضي على رأي نفسه كما نشاهد من خلافة الأربعة المهديين؛ كان أبو بكر يعطي الجدة السدس، ثم الفاروق الأعظم مضى على رأي نفسه في عهده، وفي موطأ مالك: أن عائشة أرسلت رجلاً إلى عثمان بن عفان وهو أمير المؤمنين تسأل مسألة ثم مضت على ما أفتى عثمان، ولا يقول أحد: إن عائشة انسدت عن الاجتهاد وليس ما ذكر إلا حاصل التقليد، فما قال بعض الناس من أن تقليد إمام من الأئمة بدعة هو سفاهة، وخلاف الشريعة وأنه لم توجد جزئية من جزئيات أبي حنيفة رحمه الله من المسائل المتعلقة بالحديث إلا ومعه بعض من السلف الصالح.(4/42)
باب ما جاء في صحبة المؤمن(4/44)
[2393] قوله: (لا يأكل طعامك إلا إلخ) أي في الصدقة على المسلم التقي زيادة الأجر والثواب، وإلا ففي السير الكبير لمحمد بن حسن: أن الصدقة على الكافر ولو كان حربياً توجب الأجر والثواب.(4/44)
باب ما جاء في الصبر على البلاء(4/44)
[2395] في حديث الباب لفظ الأنبياء، وذكر الداودي شارح البخاري زيادة المؤذنين أيضاً كما في حياة الحيوان.(4/44)
باب ما جاء في حفظ اللسان(4/47)
[2404] قوله: (هذا حديث حسن إلخ) حسن الترمذي حديث الباب مع أن لسنده عبيد الله بن زِحر، وهو في سند حديث مسند أحمد: أن معاذاً أفتى في الشام بوجوب الوتر ضعفه الشافعية، والعجب من أنهم يضعفون رجلاً في موضع ويحسنونه في موضع آخر!(4/47)
كتاب صفة القيامة والرقائق والورع(4/51)
باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص(4/52)
[2418] قوله: (حتى تُقاد الشاةُ الجلحاء إلخ) قيل: إن القصاص والقود إنما يكون في المكلفين وليست الحيوانات بمكلفة، فقال أبو الحسن الأشعري: إنه تمثيل ولا حساب من الحيوانات، وقال الحافظ أبو الخطاب بن دحية المغربي: إنها تحاسب ويوافقه ظاهر الحديث.(4/52)
باب ما جاء في شأن الحشر(4/54)
[2423] قوله: (مرتدين على أعقابهم إلخ) مصداق هؤلاء الناس عند البخاري الخوارج، ولعلهم هم المبتدعون لأن للأعمال تكون تماثيل مبصرة في المحشر، وتمثال السنة النبوية الحوض؛ والشريعة في اللغة بمعنى الحوض أي موضع الشرب وفي الحديث: «إن لكل نبي حوضاً» إلخ، لكن حوضه طويل عريض مثل ما بين المدينة الطيبة والشام، ومن المعلوم أن المبتدعين يطردون من الحوض، وضد السنة البدعة، وأيضاً الأحداث في الشريعة المتبادر عنها البدعات، وفي حديث الباب لفظ الإحداث، وقيل: إن المراد هم الذين ارتدوا في عهد الصديق الأكبر، ومنشأ هذا القائل لفظ أصحابي في حديث الباب، وأقول: لا يجب أن يكون المراد بالأصحاب أصحاب رؤية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بل المراد من يزعم إدخاله في شريعته.
قوله: (أنت قلت للناس إلخ) هذا الحساب يكون قبل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وذكر المفسرون أن عيسى يقوم في موضعه على رجليه عند سؤال الله تعالى مائة سنة ثم يلهمه الله الجواب فيجيب، والله أعلم أقوال المفسرين لها سند أم لا؟(4/54)
باب ما جاء في الصور(4/56)
[2430] قال الشيخ الأكبر: إن الأفلاك إحدى عشر، وقال السماوات السبع والأرضين وجميع ما في الدنيا في صور إسرافيل، وقال: إن الصور على الهيأة المخروطية (كاجر) وقال: إن جميع ما أحاطه به الفلك السابع في جهنم إلا بعض الأشياء المستثناة، وقال: إن السماوات السبع مركبة من العناصر الأربعة والثامن والتاسع من طبيعة خامسة ولم يذكر تركيب العاشر والحادي عشر، وقال: إن الجنة خارجة عن السابع.(4/56)
باب ما جاء في شأن الصراط(4/57)
[2432] ذكر الغزالي في الدرة الفاخرة في أحوال الآخرة أن الصراط تمثال الصراط المستقيم في الدنيا، من استقام عليه استقام عليه ومن زل هاهنا زل ثمة.
قوله: (أول ما تطلبني على الصراط إلخ) في بستان المحدثين: أن الأول حوض كوثر ثم الميزان ثم الصراط، وأجاب عن حديث الباب أنه يكون له إياب وذهاب على هذه المواضع ولا ترتيب في حديث الباب.(4/57)
باب ما جاء في الشفاعة(4/58)
[2434] قال العلماء: إن الشفاعة على نوعين كبرى وصغرى؛ فالكبرى التي فيها يذهب الناس إلى آدم مستشفعين فيعتذر، ثم إلى الأنبياء الآخرين فيعتذرون، ثم إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ختم المرسلين فيشفع، ويقع ساجداً عند الرب تبارك وتعالى سبعة أيام، ثم يجيب الله الدعوة فيشفع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم بعدها شفاعات كثيرة صغرى من العلماء والصلحاء والحفاظ وغيرهم.
قوله: (خلقك الله بيده إلخ) معناه أنه خلقه على طريق غير معروف أي بغير التولد.
قوله: (أول الرسل إلى أهل الأرض إلخ) قيل له أول الرسل لأن ظهور الكفر قُبَيل عهد نوح، ولم يظهر في الأنبياء الصلبيين لآدم وظهر الكفر في ولد قابيل بن آدم ولقب نوح نبي الله.(4/58)
قوله: (ثلاث كذبات إلخ) اتفق العلماء على أن الثلاثة توريات لا كذبات صريحة.
قوله: (ولم يذكر ذنباً إلخ) الأشعريون ذهبوا إلى أن الصغيرة يجوز ارتكاب الأنبياء إياها، ولم يجوز الماتريدية، ولم يقل أحد بارتكاب الكبيرة من الأنبياء ووافقنا تقي الدين السبكي وفي بعض الروايات ذكر اعتذار عيسى أيضاً، والعذر هو اتخاذ الناس بعده إياه وأمه إلهين من دون الله.
قوله: (غُفِر لك ما تقدّم إلخ) لا خصوصية في المغفرة بل الخصوصية في الاطلاع في الدنيا لأن الغرض من هذا شفاعته عند الرب تبارك وتعالى في المحشر، وورد في الحديث: «إني لا أعلم المحامد التي يعلمني الله إياها وقت الشفاعة وإنما أطلع عليها في الحشر» ، فما شأن جهل من يقول بعلم الغيب الكلي للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذرة ذرة، واعلم أن الحمد من أرفع المقامات العبدية، ومنه اشتق اسم محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمقام المحمود يكون في يده لواء الحمد وانفتح القرآن بالحمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والحمد أقوى الذرائع إلى الدعوة إلى الله تعالى.(4/59)
باب منه(4/60)
[2435] قوله: (شفاعتي لأهل الكبائر إلخ) استدل التفتازاني بحديث الباب على أن ترك السنة كبيرة، لأن في الحديث: «من ترك سنتي لا يرد على حوضي ولم ينل شفاعتي» والشفاعة تكون لأهل الكبائر.
قوله: (مع كل ألف سبعون ألفاً إلخ) لعل السبعين ألف الأولين الأئمة والتابعون هم المقتدون بهم، فإن الحديث يقتضي التبعية والمتبوعية، وأما زيادة مع كل ألف سبعون ألفاً ليست في الصحيحين ولا يتوهم الخطأ فإن الحافظ عماد الدين ابن كثير أخرجها بطرق عديدة في تفسيره.(4/60)
باب ما جاء في صفة الحوض(4/62)
[2442] الحوض مثل ما بين المدينة والشام كما يدل حديث الباب اللاحق من عدن إلى عمان البلقاء، وهذا العمَّان بتشديد الميم موضع بالشام وبتخفيف الميم موضع بالبحرين، ومنبر المسجد النبوي يوضع على الحوض في المحشر، واخترت في شرح حديث: «ما بين روضتي ومنبري روضة من رياض الجنة» إن هذه القطعة الآن قطعة الجنة، وفي وقت المرور على الصراط لا تكون هناك مستقراً إلا الصراط أو الجنة والنار فيمرون على الصراط.(4/62)
باب حدثنا أبو حصين الخ(4/63)
[2446] قوله: (تِنيناً إلخ) قال بعض: إن جبريل وغيره من الملائكة قوى كما اختار الشيخ الأكبر ومراد الشيخ أن في الإنسان جزءاً من عالم جبريل، وليس مراده أن جبريل وغيره أوهام، ولقد صنف الشبلي كتاب مستقلاً وهو على مشرب الفلاسفة الملاعنة خلاف الشريعة.(4/68)
قوله: (فمن أخذ بسخاوة نفس بورك إلخ) قال أهل اللغة: إن السخاء يستعمل في المعطي والآخذ.(4/69)
قوله: (فأتينا البحر فإذا نحن بحوت إلخ) قال الشافعية: إن هذا العنبر نوع من حيوانات البحر، وقالت الأحناف: إنه حوت وسمك وينكره الشافعية، والحال أن في أكثر الألفاظ لفظ الحوت، ولا يقال: إنها كانت طائفة فلا تكون حلالاً على مذهب أبي حنيفة أيضاً لأنه قذفه البحر كما في الحديث، وقالوا: إن ثلاثة عشر رجلاً قعدوا في عين ذلك الحوت.(4/72)
قوله: (من ترك اللباس تواضعاً إلخ) ويخالفه ما مر في الترمذي «وليرد عليك من مالك» إلخ، والجمع بينهما أن أثر المال وإظهاره حسن ولو ترك اللباس تواضعاً فهو أحسن، واختلفوا في أن الفقير الصابر أفضل أم الغني الشاكر؟ أقول: مدلول الأحاديث أن الأفضل الفقير الصابر.(4/74)
قوله: (خرج رجل ممن كان قبلكم إلخ) هذا الرجل هو قارون الملعون ظلم ما لم يظلم غيره، وهو كان ابن عم موسى، وجاء عنده وطلب المال فدعا له موسى فأغناه الله فطلب موسى زكاة المال فأنكر، وكان موسى يعظ يوماً وقال قارون الظالم لامرأة أن تقول بمحضر من الرجال: إن موسى زنى بها والعياذ بالله، فاعترت المرأة قول الخبيث، فدعا(4/76)
موسى فنزل عليه من الله سل ما تشاء على قارون فخسفه الله في ذلك الحين، ويخسف في الأرض إلى يوم القيامة.(4/77)
قوله: (من عير أخاه إلخ) بين التعيير والنهي عن المنكر فرق فإن التعيير يكون من الكبر ويكون فيه براءة لنفسه، والنهي عن المنكر يكون لكون الشيء منكراً في الشريعة ويكون لله لا للتكبر.(4/80)
قوله: (عن أبي الحوراء السعدي، وقال: قلت لحسن بن علي إلخ) هذا الحديث صححه الترمذي، ودل الحديث على أن لأبي الحوراء سماعاً عن الحسن بن علي، وأما حديث أبي الحوراء عن الحسن بن علي في قنوت الوتر فتصدى الشافعية إلى جعله منقطعاً، وكيف يجعلونه منقطعاً وصححه الترمذي، وفيه تصريح السماع فإنه قال هاهنا وقلت للحسن بن علي إلخ، فيجب الاعتدال في الاحتجاج والجواب.(4/84)
كتاب صفة الجنة(4/86)
قال السيوطي في إتمام الدراية: إن الجنة فوق السماء السابع والعرش على الجنة، وهكذا في الصحيحين، والمشهور عند أهل العرف أن الجنة في السماء الرابع، وأما جهنم ففي كتاب الملل والنحل كما ذكر ابن حزم: أن رجلاً سأل علي بن أبي طالب أن فلاناً اليهودي يقول: إن جهنم في البحر، قال أمير المؤمنين: ما أراه إلا أنه صدق، والله أعلم بحال السند وما مراد علي رضي الله، وفصله السفاريني في عقيدته.(4/86)
باب ما جاء في صفة الجنة ونعيمها(4/87)
[2526] مسألة الباب واضحة.
قوله: (كي يذنبوا فيغفر لهم إلخ) يدل الحديث على أن الخلق كله لا يصير اختياراً وقد قلت تحت مسألة التقدير: إن الاعتدال في دار التكليف أي الدنيا قليل كما هوسنة الله تعالى، وأما غير دار التكليف فالاعتدال فيه كثير مثل دار السماء ودار الملائكة، وذكر الشيخ الأكبر عالمين منها عالم يسمى بأرض مقدسة متخذ مما بقي من طين آدم وذلك أوسع من هذا العالم، قال: ذهبت ثمة وأقمت ونكحت وولد لي أولاد وأنا أعرف أبنتيه وأمكنته.(4/87)
باب ما جاء في صفة أهل الجنة(4/90)
[2537] قوله: (لا يتغوطون. . إلخ) في تذكرة يحيى بن أكثم أنه كان راكباً، وقال رجل من اليهود: كيف لا يتغوط أهل الجنة؟ فقال يحيى بن أكثم: كم تأكل وكم تتغوط؟ فذكر أكله أكثر من غائطه، فقال يحيى: إن القادر على إذهاب بعض قادر على إذهاب كله فيك، فأفحم الملحد.(4/90)
باب ما جاء في صفة ثياب أهل الجنة(4/91)
[2539] (ارتفاعها لكما بين السماء إلخ) هذا بيان مسافة بين درجتين وليس المراد بيان ارتفاع درجة واحدة بقدر هذا، وإن كان ذلك أيضاً ممكناً في نفسه، وهكذا التفسير من بعض أهل العلم كما في الترمذي؛ اعلم أن المكان غير متناه بالفعل، وكذلك معلومات الله تعالى غير متناهية بالفعل، وإنكاره ليس إلا لحمق وغباوة.(4/91)
باب ما جاء في خلود أهل الجنة وأهل النار(4/97)
[2557] قال جماهير أهل السنة والجماعة: إن للفريقين دواماً وخلوداً أبدياً، وقال الشيخ الأكبر: إن أهل النار إذا صاروا ذوي طبائع نارية لا يشق عليهم النار ولا عذاب لهم ولا يفني جهنم، وقال الحافظ ابن تيمية وابن قيم: إن جهنم كفار وأهلها يفنون بعد مدة متمادية، وقالا وهو مذهب الفاروق الأعظم وأبي هريرة وابن مسعود، لعلهما وجدا الأسانيد قوية وإلا فكيف يخالفان جمهور السلف والخلف؟ وقالوا: إن الخلود المذكور في الآيات والأحاديث ما دام بقيت جهنم، وإذا فنت يفنى أهلها أيضاً، أقول: حصل لي أثر الفاروق الأعظم لكنه ليس فيه تصريح الكفار، وعندي أنه محمول على عصاة المؤمنين كما قلت في المرفوع عن ابن عمرو بن العاص من مسند أحمد ثم نكات عقلية.
قوله: (فيتبعون ما كانوا إلخ) هذا الاتباع يكون تكوينياً لا تكليفياً.(4/97)
باب ما جاء «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات»(4/99)
[2559] عامة الشراح والعلماء ذهبوا إلى أن جهنم والجنة في داخل الشهوات والمكاره، وقال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي: إن الجنة خارج المكاره وكذلك جهنم خارج الشهوات، أي جعلت الجنة حفاف المكاره وجعلت النار حفاف الشهوات وأنكر على الشرح الأول أشد الإنكار.(4/99)
باب ما جاء في صفة أنهار الجنة(4/102)
[2571] قوله: (أبو بكر بن عياش كثير الغلط إلخ) هذا هو الذي في سند الطحاوي في حديث رفع اليدين، وهو من رواة البخاري في مواضع كثيرة منها ما في ص (186) (1) .(4/102)
كتاب صفة جهنم(4/103)
باب ما جاء أن للنار نفسين إلخ(4/108)
[2592] بعض شرح الحديث مر في أبواب الصلاة، وقلت: إن النار تخرج النفس إلى موضع، وتجذب من جانب آخر، وبسبب هذا اختلاف الحرارة والبرودة.(4/108)
قوله: (ذرة مخففة إلخ) هذا من تصحيف سبعة، وفي مقدمة مسلم أن المصحف فيه أبو بسطام، والله أعلم.(4/109)
كتاب الإيمان(4/113)
باب ما جاءأمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله(4/113)
باب ما جاء (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)(4/113)
[2606] قوله: (كفر من كفر إلخ) قال النووي نقلاً عن الخطابي: إن كثيراً من العرب ارتدوا ولكنه غلط، والصحيح ما قال ابن حزم: إن المرتدين كانوا قليلاً بل أقل، وكان بعضهم بغاة وزعموا أن الواجب أداء الزكاة إلى كل واحد من أمرائهم، أي لا يجب حملها إلى أمير المؤمنين ولم ينكروا من أصل الزكاة.(4/113)
قوله: (قد شرح صدر أبي بكر إلخ) تعرض العلماء إلى بيان المناظرة بين الشيخين، فقيل: إن عمر تمسك بعموم النص، وأما أبو بكر الصديق فعمل بالقياس، وأقول: لا يجب اندراج مناظرتهما تحت ضوابط بل يوافق الضوابط لأفعالهم.(4/114)
باب ما جاء في استكمال الإيمان وزيادته ونقصانه(4/116)
[2612] تفصيل المذاهب بقدر الضرورة ذكرت في البخاري.(4/116)
قوله: (رضيع لعائشة إلخ) أي الأخ رضاعاً.
قوله: (الثلاث والأربع لا تصلي إلخ) هذا الحديث المرفوع يفيدنا في أقل مدة الحيض وأما الآثار فللطرفين.
قوله: (بضع وسبعون باباً إلخ) اعلم أن الروابط ثلاثة: رابطة العرض مع العروض كالسواد مع الثوب، ورابطة الأصل مع الفرع كالشجرة وغصونها، ورابطة أخرى وهي أن الشيء الواحد تكون له ظهورات مختلفة في مواطن مختلفة، وقالوا: إن رابطة الإيمان والأعمال كالبياض والأبيض، ولعل الرابطة كالشجرة وأغصانها.(4/117)
باب ما جاء فيمن رمى أخاه بكفر(4/123)
[2636] قوله: (فقد باء بها أحدهما إلخ) لو كان المرمي محلاً قابلاً لتلك الكلمة فقد باء بها وإلا فترجع إلى القائل بحيث لا يصير كافراً.(4/123)
باب ما جاء في افتراق هذه الأمة(4/125)
[2640] قوله: (ما أنا عليه وأصحابي إلخ) مصداقه أهل السنة والجماعة، واشتهر أن الظاهرية ينكرون القياس وأنهم لا ينكرون الجلي بل الخفي، والفرق والتميز بين الجلي والخفي أمر ذوقي لا يمكن(4/125)
ضبطه وتحديده، ونُسب إلى الظاهرية أنهم لا يحتجون بأقوال الصحابة، وأقول: هذه النسبة إليهم في معرض الخفاء فإن ابن حزم الأندلسي من كبار الظاهرية وهو يتمسك في كتابه المجلى والمحلى بأقوال الصحابة كما نتمسك بأقوالهم، وفي قول من الشافعي أيضاً عدم الاحتجاج بأقوال الصحابة ولا ريب في أنه يتمسك بها في تصانيفه، فالحاصل أن الكلية مدخولة وبالجملة الآن مصداق الحديث اتباع المذاهب الأربعة والظاهري، وطريق معرفة ما أنا عليه وأصحابي توارث السلف وتعاملهم وإذا اختلفوا في شيء فالحق إلى الطرفين، والله أعلم.(4/126)
كتاب العلم(4/127)
باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدعة(4/135)
[2676] البدعة ما لا يكون في الكتاب والسنة واجتهاد مجتهد مسلم الاجتهاد، فإن كان مما لا يلتبس بالأمور الشرعية مثل ركوب العروس على الفرس يوم عرسه فليس ببدعة، وإن كان الأمر لغواً وإن كان مما يلتبس بالأمور الشرعية مثل الثالثة والأربعينية بعد موت ميت فهو بدعة، وقد صنفت في رد(4/135)
البدعات تصانيف، ومن تصنيف الموالك مدخل ابن الحاج، ومن الحنابلة تصانيف ابن تيمية الذي حامل لواء رد البدعة، ومن الأحناف مجالس الأبرار، وبعض تصانيف علامة قاسم بن قطلوبغا والألطف والأعلى لمعرفة أصول رد البدعات الاعتصام بالكتاب والسنة للشاطبي المالكي في مجلدين.(4/136)
باب ما جاء في عالم المدينة(4/137)
[2680] دهب الجمهور إلى أن الحديث في حق الإمام مالك بن أنس إمام المدينة، وذهب البعض إلى أنه في حق العمري، أقول: يمكن أن الحديث عام، ومن المعلوم أن المشتق قد يكون عاماً كما ذكر العلامة جار الله الزمخشري الحنفي.(4/137)
كتاب الاستئذان والآداب(4/140)
باب ما جاء في كراهية إشارة اليد بالسلام(4/142)
[2695] قالوا: إن الاكتفاء بإشارة اليد في السلام من صنيع اليهود والنصارى، نعم إذا كان الرجل المسلم بعيداً تجوز الإشارة ولا بد من التكلم باللسان أيضاً، ولا يكتفي بإشارة اليد فقط ويجوز التسليم على النساء عند عدم خشية الفتنة.(4/142)
باب ما جاء في التسليم إذا دخل بيته(4/143)
[2698] قوله: (علي بن زيد بن جدعان إلخ) هذا من رواة مسلم مقروناً مع الغير، وفي مسند أحمد(4/143)
رواية بسند علي بن زيد بن جدعان في الوضوء بالنبيذ وعلي بن زيد هذا أعلى من شهر بن حوشب بمراتب، والبخاري قوى أمر شهر بن حوشب كما في الباب السابق، وقالوا: يجوز التسليم على الكافر عند الضرورة وإلا فلا.(4/144)
باب ما جاء في الاستئذان قبالة البيت(4/146)
[2707] قوله: (ففقأ عينيه إلخ) لو فقأ أحد عين الآخر في نحو صورة الباب ففي معراج الدراية وجوب الأرش وفي القنية عدمه.(4/146)
باب ما جاء في المصافحة(4/151)
[2727] المصافحة إفضاء صفحة اليد بصفحة اليد وفي الأحاديث التي أسانيدها متوسطة ذكر سنية المصافحة باليد، وتلاقى عبد الله بن المبارك وحماد بن زيد فتصافحا ويكفي هذا العمل فبيد واحدة تجزيء وباليدين أكمل وأخذه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يد ابن مسعود بين يديه وإن كان لتلقين التحيات ولكنه مأخوذ عن المصافحة فالجنس واحد، وأما الانحناء عند الملاقاة فمكروه تحريماً كما في فتاوى الحنفية، وأما التقبيل فمتحمل، والمعانقة جائزة بشرط الأمن عن الوقوع في الفتنة.(4/151)
باب ما جاء في قبلة اليد أو الرجل(4/153)
[2733] قبلة يد أو رِجل رَجل عالم متحملة.
قوله: (وعليكم خاصة اليهود إلخ) من كان يهودياً ولم يسلم لا ريب في كفره، ثم إن لم يعمل بكتابه أيضاً فهل هو معذب أم لا؟ فلم يتعرض إليه أحد من العلماء والحفاظ إلا أن الحافظ ابن تيمية لعله ذكر أنه لو لم يعمل بكتابه فهو معذب عليه وإلا فلا، ولا يقول: إنه ناج من النار لأنه كافر، وأقول: إن حديث الباب يدل على هلاكه إن لم يعمل بكتابه، ويفيدنا هذا فيما أجبنا به في رجم اليهود.(4/153)
كتاب الآداب(4/155)
باب ما جاء أن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب(4/158)
[2746] العطاس دال على النشاط والتثاؤب دال على الكسل.
قوله: (فإن الشيطان يضحك في جوفه إلخ) قال الغزالي: إن الشيطان يدخل في جوف الإنسان، وقال ابن حزم: إنه لا يدخل، وحديث: «الشيطان يجري مجرى الدم من الإنسان» يؤيد قول الغزالي، وحديث الباب وآية: يؤيد قول ابن حزم، والله أعلم ما الحقيقة.
قوله: (قال محمد بن عجلان إلخ) هذا تعليل في محمد بن عجلان وهو من رجال الشيخين(4/158)
وهو راوي حديث: «إذا قرأ فانصتوا» إلخ، ولكنه ليس عن محمد بن عجلان عن سعيد بل عن ابن عجلان عن راو آخر وهو صحيح بلا ريب فيه كما هو موجود في النسائي ص (152) ، فإنه عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم وصححه النسائي، وأشار إلى نفي القراءة خلف الإمام في الجهرية.(4/159)
باب ما جاء في كراهية قيام الرجل للرجل(4/160)
[2754] قال ابن قيم في الزاد: إن القيام على ثلاثة أقسام؛ الأول: أن يكون رجل مقتدى يذهب لحاجته إلى جانب آخر ولا يأتي إلى هذا الرجل القائم فهذا منهي عنه.
والثاني: أن يأتي مقتدى إلى هذا القائم فقيامه له جائز، وقيل: مستحب، أقول: عندي إنه غير مرضي إذا بولغ فيه.
والثالث: أن يكون المقتدى جالساً والناس قائمين فهذا طريق الأعاجم.(4/160)
باب ما جاء في تقليم الأظفار(4/161)
[2756] اعلم أن الفطرة عندي ليست هو الإسلام، ويدل عليه هذا الحديث عند من له تدبر وذوق ثم حديث الباب الدال على عشرة خصال من الفطرة المحدثون إلى تعليله، وإن أخرج مسلم أيضاً وصححوا رواية الخمس.
قوله: (قصّ الشارب إلخ) ألفاظ الأحاديث مختلفة فإن في بعضها قص الشارب، وفي بعضها إحفاء الشارب، والإحفاء يدل على الأخذ من الأصل لا القص، وأما لفظ الحلق فغير ثابت، وقال مالك بن أنس: إن الحلق مثلة، فالحاصل أنه غير مرضي، وقال الشيخ ابن همام في الفتح في باب الصيام: إن أخذ الشوارب بالمقص من أصولها قصر لا حلق، ونقل الطحاوي عن أئمتنا الثلاثة أنهم كانوا يحفون، وقال: لم أجد عن الشافعي إلا فعل خالي المزني. ولعله أخذه عن شيخه الشافعي وهو الإحفاء، وأما الحد من الطرفين فلم يثبت، وتؤخذ بقدر ما لا تؤذي عند الأكل والشرب، ولعل عمل السلف أنهم كانوا يقصرون السبالتين أيضاً، فإن في تذكرة الفاروق الأعظم ذكر أنه كان يترك السبالتين،(4/161)
واهتمام ذكر تركه السبالتين يدل على أن غيره لا يتركهما. والله أعلم، وأما أخذ اللحية فمرفوعاً فيخرجه المصنف رحمه الله ويضعفه، فإنه نقل عن البخاري أني سمعته أنه يقوِّي عمرو بن هارون ما دمت عنده ثم بلغني عنه بعدما ذهبت من عنده أنه يضعفه، وأما عمل السلف فآثار أجلها ما أخرجه البخاري: أن ابن عمر كان يأخذ من لحيته بعد الفراغ عن الحج، أي ما يزيد على القبضة ويأخذ من رأسه، وأما تقصير اللحية بحيث تصير قصيرة من القبضة فغير جائز في المذاهب الأربعة، وكذلك كل في الدر المختار في الصيام وترد شهادة مرتكب هذا الفعل، ولتراجع كتب المالكية، وأما الذي زائد مسترسل من القبضة فقيل: الأولى الترك، قيل: الأولى القصر، والمختار القصر ولي في هذا الأولوية عبارة محمد في كتاب الآثار، واللحية التي على اللحيتين، وأما الذي على العذار والحلقوم فيجوز أخذه لكن في الطب المنع عن نتف ما على العذارين، وأما نتف الإبط فقال الشافعي: إن في الحديث نتفاً، ولكنا لا نطيقه وهو يوجعنا فنحلق، وأما حلق العانة ففي القنية: في العانة التحمل إلى أربعين يوماً وبعدها الكراهة، ويفيده ما أخرجه مسلم.
قوله: (وانتقاص الماء إلخ) بالقاف المثناة، وفي نسخة أبي داود بالفاء، والانتفاص بالفاء قال في القاموس: إنه أخذ الماء إلخ مفرجاً أصابعه بين خلل الأصابع ويكون إذن حكم الرش ولو كان بالقاف فيكون الماء مفعولاً به وانتقاصه الاستنجاء به.(4/162)
باب قصة خبئه صلى الله عليه وسلم(4/177)
[2818] قوله: (خبأت لك هذا إلخ) كان القبأ مزوراً بأزرار الذهب كما في البخاري في كتاب اللباس، وتمسك به محمد في السير الكبير على جواز اتخاذ أزرار الذهب، أقول: لا ريب في جواز الأزرار المشرز بالثوب والتردد في ما ينفك عنه.(4/177)
باب ما جاء ما يستحب من الأسماء(4/181)
[2833] أحب الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، وفي رواية أن الأحب كل لفظ يضاف إلى اسم من أسماء الله تعالى، وفي رواية في المعجم الطبراني: «من سمى ولده محمداً أنا شفيعه» وصححها أحد من المحدثين وضعفه آخر.(4/181)
باب ما جاء في أسماء النبي - صلّى الله عليه وسلّم -(4/183)
[2840] أبلغ العلماء أسماءه إلى المائة، وفي التوراة اسمه فارق ليط أو بارق ليط أي الفارق بين الحق والباطل.(4/183)
باب ما جاء في إنشاد الشعر(4/184)
[2846] الإنشاد والإنشاء شيئان، والإنشاء منه لا يجوز لما في القرآن، وأما الإنشاد فمختلف فيه قيل بجوازه، وقيل بعدمه، ولمن قال بالجواز فله رواية أنه كان يقرأ شعر لبيد:
~ ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالإخبار من لم تزود
ولم يشبع دال تزود وفي رواية أنه قرأ: ويأتيك من لم تزود بالأخبار. فقال أبو بكر الصديق: ليس الشعر هكذا فتدل على أنه لا ينشد أيضاً، لكن إنشاد الشعر التام الصحيح ثابت لما روت عائشة أنه كان يقرء هذا الشعر:(4/184)
~ تفاءل بما تهوى يكن فلقلما ... يقال لشيء كان إلا تحققا
قوله: (وهذا أصح عند بعض أهل الحديث إلخ) قال الحافظ: والعجب من الترمذي مع وفور علمه أنه كيف يخطئ مثل هذا فإن غزوة مؤتة بعد عمرة القضاء، ولا يتوهم بأنه من سهو الكاتب لأنه يقول إن النسخ الحاصل لنا من الكروخي جميعها هكذا، وأقول: إن هذه الأشعار لا تناسب عمرة القضاء أيضاً بل تناسب فتح مكة، وإني وجدت روايته في حرب صفين كانت الأنصار جميعهم مع علي أمير المؤمنين ومعه عمار بن ياسر، فخرج عمار في الحرب ويقرأ هذه الأشعار وبدل لفظ الكفار ووضع لفظ تأويله موضع تنزيله، وكان لبيد صرف نصف عمره في الأشعار ثم أسلم ولم ينشئ شعراً:(4/185)
كتاب الأمثال(4/189)
جمع العسكري أحاديث الأمثال كثيرة(4/189)
باب ما جاء في مثل الله عز وجل لعباده(4/189)
[2859] قوله: (ولا تأخذوا عن إسماعيل بن عياش إلخ) قول الترمذي هذا ليس بمأخوذ عند المحدثين بل المأخوذ به أن رواياته عن الشاميين مقبولة لا عن الحجازيين.(4/189)
قوله: (إذا أنا برجال عليهم ثياب بيض إلخ) هذا الحديث يدل على أن رؤية الملائكة ممكنة، والعلماء مختلفون في إمكان رؤية البشر، والأحاديث دالة على الإمكان، وفي الحديث أن ابن عباس رأى جبرائيل والاختلاف في رؤيتهم على شكلهم الأصلي.(4/190)
باب مثل أمتي مثل المطر(4/193)
[2869] قوله: (لا يدري أوله خير أم آخره إلخ) لم يذهب إلى فضل من بعد الصحابة على الصحابة إلا أبو عمر في التمهيد بسبب هذا الحديث، وقال الجمهور: إن الحديث يدل على الفضل الجزئي وهو أن تكون في رجل أشياء كثيرة فاضلة وفي رجل شيء فاضل غير تلك الأشياء، وليست تلك الأشياء موجودة في هذا الرجل الآخر، ولا يقابل هذا الشيء بتلك الأشياء أصلاً وحمله الطيبي على نحو:
~ تشابه يوماً باسه ونواله ... فما نحن ندري أي يوميه أفضل
~ يوم نداه الغمر أم يوم بأسه ... وما منهما إلا أغر محجل(4/193)
باب ما جاء في مثل ابن آدم وأجله وأمله(4/194)
[2870] قوله: (من يعمل إلى نصف النهار إلخ) استدل محمد في آخر موطئه بحديث الباب على تأخير العصر، لعل التمسك بالألفاظ المذكورة في طريق الباب خفي ولكن نظر الإمام لعله إلى الألفاظ أخر ولا يبقي نظراً إلى هذه الأخر خفياً، وفي بعض الألفاظ عن ابن عمر أنه قال هذا القول حين كان ضياء الشمس على المكانات المرتفعة من الجبال والقلل، وقال: لم يبق من الدنيا إلا مثل هذا الوقت إلى الغروب إلخ.(4/194)
كتاب فضائل القرآن(4/196)
كتاب فضائل القرآن عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -(4/196)
باب ما جاء في فضل فاتحة الكتاب(4/196)
[2875] استدل الحافظ بحديث الباب على أن العمل بالخاص إذا تعارض العام والخاص، أقول: لا استدلال في هذا الحديث فإنا نقول: إن بين النصين عموماً وخصوصاًمن وجه فنقول بمقاسمة الأصول.
قوله: (سبع من المثاني والقرآن العزيز إلخ) في تفسير المثاني اختلاف قيل: إن المثاني هو السبع السور الأول الطول وسموا أجزاء القرآن بالسبع الطول، ثم المثاني والمئين وذوات البراء والمفصل، والمشهور أن سبعاً من المثاني سورة الفاتحة، وأما القرآن العظيم في حديث الباب فقيل: إن المراد في(4/196)
هذا الحديث سورة الفاتحة، وقال أبو عمر في التمهيد أن المراد به القرآن العزيز كله وإنما ذكر هاهنا استطراداً وليس مصداقه الفاتحة، والأقرب قول أبي عمر.(4/197)
باب ما جاء في فضل سورة البقرة وآية الكرسي(4/197)
[2876] قوله: (تجيء الغول فتأخذ منه إلخ) الغول نوع من الجن يتخبط منه الإنسان، وأما ما في الحديث من إنكار الشارع فإنما هو على ما يتوهمه العرب من الأوهام في الأوهام، وإسناد حديث الباب بعينه إسناد الحديث الذي أخرجه أبو داود ص (116) في ترك رفع اليدين، أو سقطه الشافعية والحال أن الترمذي يحسن هذا السند.(4/197)
باب ما جاء في سورة آل عمران(4/199)
[2883] قوله: (ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي إلخ) هذا الحديث غاية المسكة(4/199)
لمن يقول بخلق كلام الله، والحال أنه لا يدل على خلقه، ونظير الحديث: «ما مر من شخص أغير من الله» إلخ فإن الشخص هو الموضع المرتفع من الأجسام والله تعالى بريء عنه، ولا يدل على أنه تبارك وتعالى شخص عياذاً بالله كذا قال الخطابي والله أعلم.(4/200)
كتاب القراءات(4/213)
اعلم أن القراءات ليست بمنحصرة في السبع بل أزيد تبلغ عشر قراءات متواترة بل تزيد عليها أيضاً، ويدل حديث الباب على الوقف على كل آية، ويقال لهذه الأوقاف أوقاف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والوقف على هذه الأوقاف: مستحب، وذكر الجزري أن الوقف مستحب، وما من وقف واجب في القرآن العظيم، وذكر السيوطي في الإتقان عن أبي يوسف رحمه الله أن الوقف الذي في زماننا لا أصل له، وقيل: ليس الوقف في الحديث قطع النفس بل الوقف السكتة، وأجمع العلماء على أن ابتداء الآيات وختمها توقيفي من الشارع، واعلم أن ما تجد على حواشي القرآن العزيز من وقف لازم أو واجب فلا أصل له، وظني أن وصل الآيات أيضاً ثابت عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.(4/213)
قوله: (لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس إلخ) هاهنا قراأتان قراءة: {الم*غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 1 - 2] معلوماً ومجهولاً، وكان اشترط أبو بكر الصديق مع قريش حين حارب الروم وكسرى فلما(4/215)
غلبت الروم وصار كسرى غالباً أعطى أبو بكر الصديق مائة إبل، ولما كان يوم بدر فظهرت الروم على كسرى فأخذ أبو بكر ما أعطى وزائداً عليه، فعلم من هذا مسألة أبي حنيفة جواز الربا في دار الحرب في الأشياء الربوية من الكفار، وظهر من هاهنا أيضاً أن القراأتين تكونان في حكم الآيتين المستقلتين وهو مذهبنا.(4/216)
باب ما جاء أن القرآن أنزل على سبعة أحرف(4/218)
[2943] الإقوال في الحديث الباب تبلغ خمسة وأربعين ذكرها السيوطي في الإتقان، والصحيحة منها ثلاثة:
أحدها المنسوب إلى النحاة وهو أن القراءات السبعة باللغات السبع من لغة بني هذيل وبني تميم وبني قيس وغيرهم.
والقول الثاني: قول شارحي الحديث وهو أن الاختلاف في القراءات وليس اختلاف الحلال والحرام بل اختلاف المجرد والمزيد، واختلاف اللفظ بالبابين مثل أن يكون (يحسبون) بفتح السين في قراءة، وبكسر السين في قراءة، ومثل اختلاف (تعلمون) و (يعلمون) وذكر في الإتقان عن ابن مسعود أن الاختلاف كاختلاف الألفاظ المتقاربة مثل تعال وأقبل وهلم وعجل، ومنها ما في أبي داود: ومن قرأ موضع عزيزاً حكيماً غفوراً رحيماً فهو جائز، ما لم يضم آية الرحمة مع آية العذاب، أو آية العذاب(4/218)
مع آية الرحمة، ثم على الأقوال إشكالات ويشكل على ما نسب إلى النحاة بأن عثمان ذا النورين أقرأ المصاحف على لغة قريش، وأما لغات غير قريش فجائزة لهم بدون سمع أم لا؟ فإن كانت جائزة فلا بد من نقل عليه، وإن كانت غير جائزة بل تكون موقوفة على السمع فأي سهولة فإن السبع أنزلت للتسهيل، ويرد على قول الشراح مثل الطيبي أن التبديل اليسير لو كان مجازاً في لغة قريش فأي تنازع بين عمر الفاروق وهشام بن حكيم بن حزام مع كونهما قريشيين، والمرفوع أيضاً يشكل الأمر بأن المدار على السمع ولا تكون إجازة القلب، وأقول يجمع بين الأقوال الثلاثة، ويقال: إن المراد القراءات التي هي متواترة تنتهي إلى الإمام أي مصحف ذي النورين كيف ما كان جمع ذو النورين ما أتى به جبرائيل في العرضة الأخيرة من المجازات ونسخ ما كان التوسيع قبلها من المجازات، ولا تنحصر القراءات في السبع بل تزيد وأما الإشكال الذي كان على المنسوب إلى النحاة فزعموا أن السبع ممتازة امتيازاً بيناً، والحال أن المراد الاختلاف اليسير فالاختلاف ليس اختلاف المادة مثل الجلمود والصخر بل المادة متحدة والاختلاف في الباب وفي المجرد والمزيد، وهذه لغات متعددة. هذا والله أعلم.(4/219)
باب في كم أقرأ القرآن(4/220)
[2946] قوله: (قال: اختمه في خمس إلخ) هذا باعتبار جمهور الأمة والسلف وثبت عنهم الختم في يوم واحد أيضاً، كما ختم عثمان في ركعة واحدة للوتر، وكذلك كان تميم الداري يختم في ليلة واحدة، وكذلك ختم أبو حنيفة في ليلة واحدة، وثبت عن بعض السلف ختم القرآن خمس مرات في يوم وليلة، وعن البعض سبع مرات وهذه النقول قوية، وفي كنز الدقائق: لا يختم في أقل من ثلاثة أيام ولا يزيد على أربعين يوماً.(4/220)
كتاب تفسير القرآن(4/222)
أخذ البخاري والترمذي أبواب التفسير، وكذلك الطحاوي في مشكل الآثار فإنه أيضاً جامع.(4/222)
باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه(4/222)
[2950] واعلم أن معرفة التفسير بدون الرأي، وأنه ما التفسير بالرأي أمر ذوقي لذوي ذوق سليم، ولا ضابطة له، يعرفه من تعانى التفسير أن التفسير ما هو والرأي ماذا.(4/222)
باب ومن سورة فاتحة الكتاب(4/223)
[2953] قوله: (قال من صلى صلاة إلخ) استدل بعض الشافعية بهذا الحديث على القراءة خلف الإمام، ونقول: إن مذهب عائشة وأبي هريرة مذكور في السنن الكبرى وكتاب القراءة للبيهقي وهو القراءة في السرية لا الجهرية، والتمسك بجوابه تعالى لقارئ الفاتحة على القراءة خلف الإمام إنما هو ليس بحجة بل حكمة وستر، ولو نتعرض للحكم والأسرار فأقول: إن في رواية أن الملائكة يسجدون صامتين ساكتين حين نزول الوحي، ويكون أولهم رافعاً رأسه جبريل، فدل على أن الحكم الصوت والسكوت عند نزول كلام الله، وقراءة كلامه والإمام يكون حاكياً عن كلام الله تعالى عند قراءة الفاتحة والسورة، بخلاف التأمين والثناء فإن الأذكار ليست بكلام الله، وألفاظه لكن الحق أن النكات لا تجدي شيئاً.(4/223)
باب ومن سورة النساء(4/243)
[3015] قوله: (لا بدّلت وأنى له التوبة إلخ) ليس مذهب ابن عباس خلاف الجمهور، وإنما قال به سداً للذرائع، وإلا فالتوبة عنده مقبولة وإن كان قاتل النفس كذا يفهم من الأدب المفرد.(4/247)
باب ومن سورة المائدة(4/252)
[3043] قوله: (قال تميم: فلما مات أخذنا ذلك الجام إلخ) الأكثر إلى أن السارق هو تميم الداري الذي من مخلصي الصحابة وارتكب هذا الفعل قبل إسلامه، أقول: إن السارق هو غير تميم الداري المعروف من مخلص الصحابة بل هو رجل آخر؛ فإن تميم الداري المعروف كان غنياً قبل الإسلام أيضاً وكان يهدي إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الهدايا قبل الإسلام، وشاور معه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في وضع المنبر قبل إسلامه فكيف يخون؟ وعندي رواية أنه أسلم في مكة ثم ذهب إلى الشام ثم أفشى إسلامه بعد مدة طويلة، وكانت عنده كتاب كتب له النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرض الشام المسماة بجيرون وعليه خاتمه وخاتم الخلفاء، واختلف في الحلف في واقعة الباب قال الشافعية: إنه حلف على المدعيين، وقال الأحناف: إن المدعيين صاروا مدعى عليهم فحلفوا به، قاله صاحب المدارك.(4/257)
باب ومن سورة الأنعام(4/259)
[3064] قوله: (من زعم أن محمداً رأى ربه) اعلم أن رؤيته ثابتة لكنها لا بالعين بل بالقلب، والرؤية بالقلب والعلم مفترقان ولي في هذا الدعوى رواية صحيح ابن خزيمة، وأما آية: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ} [الإسراء: 60] المراد بها الرؤية بالقلب في المعراج لا أن المعراج كان في المنام كما زعمه الجهلة، وفي رواية حسنة عن ابن عباس أن هذه الآيات وآيات سورة النجم: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] واقعته مع الله لا مع جبريل، وقالت عائشة: إن الحال هذا مع جبرائيل، وما قال ابن عباس هو مقتضى نظم القرآن العزيز.(4/260)
قوله: (أو كسبت في إيمانها خيراً إلخ) استدل المعتزلة بتخليد الفاسق في النار، وأجاب علماء أهل السنة والجماعة بأجوبة عديدة أعلاها ما قال الطيبي شارح المشكاة في حاشية الكشاف: إن مراد الآية أن الأعمال بعد طلوع الشمس غير مفيدة إذا لم يكن من قبل؛ أي فائدة الأعمال لا أن إيمان السابق الخالي عن الأعمال أيضاً غير مفيد فائدة الإيمان أيضاً، وقد قلنا بما يستفاد من الآية.(4/261)
باب ومن سورة الأعراف(4/262)
[3074] قوله: (فسقط من ظهره كل نسمة وهو خالقها) في سقوط الذرية من ظهر آدم قولان؛ قيل: تخرج الأرواح بلا واسطته من ظهر آدم نفسه، وقيل: تخرج من ظهر آدام أرواح أولاده الصلبية ثم تخرج الأرواح من أولاده ومنهم أولادهم هكذا، أي الخروج بالواسطة.
قوله: (سَمِيُّه عبد الحارث فسمته عبد الحارث إلخ) قيل: إن الله عبره بالشرك، ونسب الإشراك إلى حواء وكيف يتوهم في حق زوجة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ والجواب أنه ليس بإشراك لأن حواء، لم تكن تعلم أن الحارث اسم إبليس عليه اللعنة إلى يوم القيامة، ولكن خطاب الله مع أنبيائه وخواصه يكون شديداً واعلم أن أحسن الأسماء ما فيه إضافة العبد إلى إسم من أسماء الله تعالى، وأما الاسم بإضافة العبد إلى غير الله الذي يعبد عند غير أهل الإسلام فشرك، وإضافة العبد إلى غير الله الذي لا يعبد إلا أنه(4/263)
يلتبس أحياناً بالمعبود فمكروه مثل عبد النبي وعبد الرسول، ويذكر في كتب اللغة أن للعبد معنيين المخلوق والمملوك فلا يكون في عبد النبي وعبد الرسول شرك، وقد قيل: إن الحديث موقوف وليس بمرفوع ذكره في آكام المرجان وتفسير ابن كثير.(4/264)
قوله: (إلا سهيل بن بيضاء إلخ) واعلم أن سهيلاً مصغراً مشكل والظاهر سهل بن بيضاء مكبراً.(4/265)
باب ومن سورة التوبة(4/266)
[3086] قوله: (ثم تلا هؤلاء الآيات إلخ) قال النحاة. إن لفظ هؤلاء لا يستعمل إلا في ذوات العقول، أقول: إنه مستعمل هاهنا في غير ذوي العقول وكذلك استعمل في:
~ والعيش بعد أولئك الأيام ...(4/272)
قوله: (مع خزيمة بن ثابت) {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128] إلخ) قيل: إن هذه الآية غير متواترة، والقرآن متواتر فالجواب أن الآية لم توجد مكتوبة إلا عند رجل، وأما حفظاً فقد حفظها كثير من الصحابة، وفي رواية الباب خزيمة بن ثابت، وفي الرواية التالية أبي خزيمة، قال الحافظ في الجمع بين الروايتين: إن آية كانت عند خزيمة وآية عند أبي خزيمة.
تنبيه: اعلم أن سبع قراءات وسبعة أحرف مفترقان، وبينهما عموم وخصوص من وجه من زعم اتحادها فقد جهل واغتفل.(4/273)
باب ومن سورة يونس(4/274)
[3105] قوله: (في فرعون الطين خشية إلخ) قال الزمخشري: إن هذا الحديث غلط فإن جبرائيل كيف يصير مانعاً من الإيمان والتوحيد؟ ولا نقول بما قال الزمخشري، وأما جواب الحديث فصنف ملا محمد يعقوب البنباني اللاهوري رسالة في هذا الحديث وما أتى بما يشفي، وأقول: إني وجدت عن أبي حنيفة مسألة واستخرجت عنها الجواب الشافي وهي أنه نقل الشيخ السيد محمود الآلوسي عن مبسوط الشيخ خواهرزاده عن أبي حنيفة أن أحداً لوكان كافراً مؤذياً للمسلمين إيذاءاً شديداً فدعاء موته والرضا بأن يموت كافراً ليعذب بالنار لما يؤذي المسلمين لا بأس به، فكذلك يقال في قصة جبرائيل مع فرعون وقال الشيخ الأكبر: إن فرعون مات طاهراً لكنه يعذب في النار فإنه آمن بالله حين غرغرة الموت كما أن الكفار يؤمنون في المحشر حين ينظرون الله ومع ذلك يعذبون في النار.(4/275)
باب ومن سورة هود(4/275)
[3109] قوله: (في عماءٍ ما تحته هواء إلخ) في ما تحته وما فوقه، قيل: موصولة، وقيل: إنها نافية، وصنف العارف الجامي في هذا الحديث رسالة، أقول: الأولى التفويض إلى الله، فإنه أسلم، وقال الصوفية: إن عماء صفته تعالى وجلّ شأنه هو الصادر الأول ويسمى وجوداً منبسطاً، ويقولون: إن الصفات زائدة لا عين الذات كما نسب إليهم من لا يدري مذهبهم، وقالوا: إن الصادر الأول صدر بالإيجاب وهو قديم، وحاصل الحديث عندهم: كان الله ولم يكن شيء، لأن العماء وغيره من الصفات ليست بغير الله، وقال الشيخ محب الله أبادي الصوفي: إن الوجود المنبسط هو مستقر كل شيء ويتصور عليه الأشياء وتستقر وإنه غير متناهٍ، وقال الصوفية: إن صفات الله لا عين ولا غير كما صرح به الشيخ الأستاذ أبو القاسم القشيري، وصرح صاحب التعرف الحنفي وغيرهما مما نسب إليهم بعض المصنفين فغلط.(4/276)
باب من سورة الكهف(4/288)
[3149] قوله: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ} [الكهف: 109] إلخ اعلم أن العلم يتعلق بكل شيء حتى إنه(4/288)
يتعلق بالمعدوم أيضاً، والقدرة يتعلق بكل مخلوق، وظني أن كلام الباري هو الذي يتكلم به الباري تعالى بنفسه وأماما يلقيه ويلهمه إلى جبريل أو الأنبياء بدون أن يتكلم بنفسه فليس بكلام له، مثل الأذكار الواردة في الأحاديث، والمراد بكلمات الله ليس هو القرآن فقط بل الأعم والذي كان مع موسى فهو أيضاً كلامه تعالى، وعندي أن السمع والبصر علم كالمشاهدة والشفاه بخلاف العلم فإنه كالغياب، والبصر يتعلق بالقلبيات أيضاً بخلاف السمع فإنه لا ينسب في القرآن إلا إلى ما يتعلق بالأصوات.(4/289)
قوله: (إلى المسجد الأقصى إلخ) في بعض الروايات أنه صلى في بيت المقدس ذاهباً وفي البعض أنه صلى آتياً، وأقول: الروايتان صحيحتان فإنه لعله صلى النافلة ذاهباً والفريضة صلاة الفجر آتياً.(4/291)
باب ومن سورة طه(4/293)
[3163] قوله: (مثل صلاته في الوقت إلخ) قال محمد بن حسن الشيباني في كتاب الآثار عن أبي حنيفة عن إبراهيم النخعي مرسلاً: أنه صلى القضاء بالجهر في ليلة التعريس الفجر، ويفيدنا هذا في جهر ما يقضي الجهرية، ولم أجده إلا في كتب الآثار، ومراسيل إبراهيم النخعي مقبولة.(4/293)
باب من سورة النور(4/298)
[3177] قوله: (لا ينكح إلا زانية إلخ) قيل: إن هذه الآية منسوخة ويجوز نكاح الزانية بغير الزاني، وقيل: إنها ليست بمنسوخة وإنما هي محمولة على الانبغاء، وفي الآية قصر عن وجهين وكلام تقي الدين السبكي فيه طويل، وتكلم الحافظ ابن تيمية طويلاً في حكم الآية وغرضه أن الآية غير منسوخة بل محكمة ولا يجوز نكاح الزانية بغير الزاني وأتى بأشياء كثيرة وأجاد فيه في بيان القرآن، ومذهب أبي حنيفة أن نكاح الزانية جائز بكل واحد، وإن كانت حبلى إلا أنها لا تجامع قبل وضع الحمل، إلا ممن منه الحمل واعلم أن ما قال ابن تيمية قال في من اشتهرت بالزنى وداومت عليه ولو نكحت قبل الزنا لا يفسد نكاحها نعم لا يجوز بعفيف آخر.(4/299)
باب سورة ص(4/317)
[3232] قوله: (تؤدي إليهم العجم الجزية إلخ) استدل الطحاوي بهذا على الجزية على كل كافر عجمي، في مشكل الآثار تفصيله وقد صحح المصنف حديث الباب.(4/317)
باب ومن سورة الزمر(4/320)
[3236] قوله: (فلا أدري أرفع رأسه قبلي أو كان ممن استثنى إلخ) قيل: إن موسى قد مات فكيف يكون ممن استثني لأن المستثنى من لم يمت؟ فقال قائل: لعله لم يمت، ولكن هذا خلاف ما في البخاري في كتاب الجنائز من تصريح موته، والجواب ما ذكره الدواني عن شيخه في أنموذج العلوم وذكره القرطبي: أن النفخات ثلاثة، وأما نفخة صعق ففيها موت الأحياء، وأما الذين ماتوا قبلها فقيل: إنهم يصيرون مغشياً عليهم فيكون موسى مستثنى ممن يغشى عليها لما غشي على جبل الطور.(4/322)
باب ومن سورة محمد - صلّى الله عليه وسلّم -(4/326)
[3259] قوله: (لتناوله رجال من فارس إلخ) وقال السيوطي: إن هذا الحديث أحسن ما يعد في مناقب أبي حنيفة مرفوعاً باعتبار الطريق الذي فيه لفظ رجل من فارس إلخ وفي الأحاديث أنه سأل جبرائيل هل استفدت مني شيئاً؟ قال: نعم فإني علمت حسن عاقبتي ونجاتي حين نزل عليك القرآن، وفيه ذكر نجاتي إلا أن إسناد هذه الرواية ليس بذلك القوي.(4/327)
باب ومن سور النجم(4/331)
[3276] قوله: (فكبر حتى جاوَبَتهُ الجبال إلخ) زعم الناس أن وجه تكبير كعب بأعلى صوته التعجب على رؤية الرب تبارك وتعالى والإنكار على رؤيته، وعندي نقل صحيح بأن كعباً قائل برؤية النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ربه ولعل تكبيرته كانت للفرحة ووجدان شيء عجيب يوافقه.(4/332)
باب ومن سورة القمر(4/334)
[3285] قوله: (فانشق القمر بمكة مرتين إلخ) ليس المراد بالمرتين تكرار شق القمر بل المراد أنه صار شقين ونصفين في واقعة واحدة، وقد أكثر الطحاوي في مشكل الآثار بالروايات الدالة على شق القمر، ولقد أخطأ مولانا عبد الحليم حيث نسب إلى الشاه ولي الله إنكار شق القمر معجزة منه، فإن مراد الشاه ولي الله رحمه الله أن في شق القمر غرضين: الدلالة على قرب الساعة، وبيان معجزته، ويعني أن انشقاق القمر المذكور في القرآن من علامات الساعة وفي ضمنه إثبات المعجزة على النبوة فليتدبر.(4/334)
باب ومن سورة التحريم(4/345)
[3318] قوله: (فجعل له كفارة اليمين إلخ) إن قيل: إنه قد أتم إيلاءه فمن أين الكفارة؟ فأقول لعل الكفارة كانت لتحريم العسل لا بتحريم المارية القبطية.(4/346)
باب ومن سورة الحاقة(4/347)
[3320] قوله: (إما واحدة وإما اثنان أو ثلاث وسبعون سنة إلخ) قد مر في الرواية السابقة خمسمائة سنة، فالتوفيق أن الراوي ترك في حديث الباب ذكر المائات وذكر الكسر ثم رأيته في كتاب العلو للذهبي.
قوله: (ثمانية أوعال إلخ) ذكر ابن جرير الطبري وأتى بآثار أن ثمانية أوعال تكون في المحشر وأما في الدنيا فحامل قوائم العرش أربعة، وفي معاني الآثار ص (337) ، وكذلك في سند الدارمي أن(4/347)
حامل قوائم العرش نسر وأسد وثور وحوت، فإن رجلاً قرأ أشعار أمية بن أبي الصلت عنده وكانت مشتملة على هذا المضمون أي حوامل العرش أربعة حيوانات نسر وأسد وحوت وثور، وصدق النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلك الأشعار.(4/348)
باب ومن سورة الضحى(4/356)
[3345] قوله: (هل أنت إلا أصبع دميت إلخ) لا يتوهم من هذا جواز إنشاء الشعر منه فإن علماء العروض صرحوا بأنه لو اتفق انسجام الموزون بدون الإرادة وانطبق على أوزان العروض لا يكون شعراً بل نثراً، فإنهم صرحوا بأن كلاً من البحور مستخرج من القرآن، ولا يقول أحد إن القرآن العزيز شعر، ثم قال أمير خسرو رحمه الله: إن خروج الوزن بدون الإرادة متحمل من الإنسان لا من الباري تعالى، وأقول: يمكن أن يقال: إن الله تعالى لا يريد الانسجام الوزني أولاً وبالذات، وقيل: إن هذا الشعر أي بل أنت إلا أصبع دميت إلخ لصحابي أنشده النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا إنشاءه، فبالجملة ليس فيه خلاف قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [يس: 69] .(4/356)
كتاب الدعوات(4/364)
باب حديث في أسماء الله الحسنى(4/403)
[3506] قوله: (من أحصاها دخل الجنة إلخ) قال أرباب التصوف: إن المراد بالإحصاء مطابقة الأخلاق بالأسماء الإلهية، وذهب أرباب الحديث إلى أن المراد حفظهما على اللسان، وفي مشكل الآثار وشرح تحرير ابن همام لابن أمير الحاج عن أبي حنيفة: أن الاسم الأعظم هو لفظ الله إذا قلته من أصل قلبك وأنت صاف عن غير الله، وفي الأسماء الحسنى كثير اختلاف، وأما حديث الباب فعللوه من وجوه منها؛ أن الأسماء ليست بموجودة في الصحيحين مع أن الرواية موجودة فيها فتكون مدرجة من الراوي، وأيضاً راوي الحديث وليد بن مسلم وهو يدلس تدليس التسوية وأيضاً في المذكورة في الترمذي والمروية في ابن ماجه اختلاف شيء، وقالت جماعة من المحدثين: الأولى أن يستقرأ القرآن العظيم ويستخرج منه الأسماء، واستقرأ ابن حزم الأندلسي ذكرها الحافظ في تلخيص الحبير وصوّب رأيه، وقال الشيخ عبد القادر الجيلي: إنَّ «هو» من الأسماء الحسنى، وذكر الحافظ الأسماء المستخرجة من القرآن عن ابن حزم وضم بها ما استخرجه بنفسه وأتمها وهي هذه الإله، الرب، الواحد، الله، الرب، الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الحي، القيوم، العلي، العظيم، التواب، الحليم، الواسع، الحكيم، الشاكر، العليم، الغني، الكريم، العفو، القدير، اللطيف، الخبير، السميع، البصير، المولى، النصير، القريب، المجيب، الرقيب، الحسيب، القوي، الشهيد، الحميد، المجيد، المحيط، الحفيظ، الحق، المبين، الغفار، القهار، الخلاق، الفتاح،(4/403)
الودود، الغفور، الرؤوف، الشكور، الكبير، المتعال، المقيت، المستعان، الوهاب، الحفي، الوارث، الولي، القائم، القادر، الغالب، القاهر، البر، الحافظ، الأحد، الصمد، المليك، المقتدر، الوكيل، الهادي، الكفيل، الكافي، الأكرم، الأعلى، الرزاق، ذو القوة، المتين، غافر الذنب، قابل التوب، شديد العقاب، ذو الطول، رفيع الدرجات، سريع الحساب، فاطر السماوات والأرض، بديع السماوات والأرض، نور السماوات والأرض، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام.(4/404)
باب في فضل الوضوء والحمدلة والتسبيح(4/407)
[3517] قوله: (الوضوء شطر الإيمان إلخ) الوضوء هذا هو المستجمع لجميع أبواب الطهارة والنظافة.
مسألة: ذكر الحلبي شارح المنية أن لبس الثوب النجس خارج الصلاة أيضاً مكروه، وذكر ابن تيمية في فتاواه اختلاف العلماء في هذه المسألة.(4/407)
باب في فضل التوبة والاستغفار ما ذكر من رحمة الله لعباده(4/412)
[3535] قوله: (يقبل التوبة العبد ما لم يغرغر إلخ) قالت العلماء: إن التوبة عن الكفر حالة الغرغرة غير مقبولة، والتوبة عن المعاصي مقبولة.(4/413)
باب في دعاء الحفظ(4/423)
[3570] هذا الحديث وما فيه يفيد الحفظ، وقال الذهبي: إنه منكر، وقال: ولقد حيرتني جودة إسناد الحديث، وأقول: إن سند الحديث صحيح غاية الصحة.(4/423)
باب في التوجه لإلى الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم(4/426)
[3578] قوله: (حدثنا محمود بن غيلان نا عثمان بن عمر إلخ) استدل القائلون بالتوسل بالصالحين بحديث الباب ومر ابن تيمية على هذا وتركه بأنه لا مساس له بغرضهم، وأتى بنقول المذاهب الأربعة الدالة على النهي عن التوسل المعروف في هذا الزمان، وأتى بنقل أبي حنيفة من تجريد القدوري وذلك موجود في الدر المختار أيضاً عن أبي يوسف عن أبي حنيفة بل هذا هو مراده، وأما التوسل في السلف فكان بأن يدعو من يتوسل به في حضرة الله كما توسلوا بالعباس في عهد عمر الفاروق، وأقول: إن المذكور في حديث الباب هو بيان التوسل المتعارف بين السلف في حضرة الله تعالى، وللشوكاني رسالة في جواز التوسل المعروف في هذا العصر.(4/426)
كتاب المناقب(5/5)
باب في فضل النبي(5/6)
[3609] قوله: (متى وجبت لك النبوة؟ قال: وآدم بين الروح والجسد إلخ) أي كان النبي (ص) نبياً وجرت عليه أحكام النبوة من ذلك الحين بخلاف الأنبياء السابقين، فإن الأحكام جرت عليهم بعد البعثة كما قال مولانا الجامي أنه كان نبياً قبل النشأة العنصرية.(5/6)
باب ما جاء في بدء نبوة النبي صلى الله عليه وسلم(5/7)
باب ما جاء في بدء نبوة النبي (ص)(5/7)
[3620] قوله: (إلا خرّ ساجداً إلخ) لعل السجدة بمعنى التعظيم كما مال ظل الشجرة إليه (ص) ولو كان ظاهراً لرآه غير بحيرا أيضاً.(5/9)
باب ما جاء في مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلخ(5/10)
أخرج الطحاوي في مشكل الآثار وجزم بها أن عمره كانت ستين سنة لأنه قال قريب موته لسيدة النساء: إن عمر النبي يكون نصف عمر النبي السابق وكان عمر عيسى مائة وعشرين سنة، ولكن الروايات في عمره مختلفة قيل بستين سنة وقيل: بثلاث وستين سنة، وقيل: بخمسة وستين سنة، وأما الرواية التي أخرجها في مشكل الآثار فمر عليها الحافظ في الأطراف، وقال: لعل المراد بها أن عمر زمان النبوة يكون نصف عمر زمان نبوة النبي السابق، ونبوة عيسى أربعون سنة وزمان نبوته عشرون سنة.(5/10)
باب ما جاء في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -(5/14)
[3637] قوله: (تكفأ تكفياً إلخ) التكفؤ في اللغة هو حركة الفلك يميناً وشمالاً وهذا المشي من طريق المتكبرين فيكون المراد بالحديث المشي مائلاً إلى القدام كما فسرها رواية أخرى: يتقلع تقلعاً إلخ، وأما ما سيجيء في الصفحة اللاحقة التفسير بأشكل العينين فذلك غلط محض، وإنما معناه أن يكون الجداول الحمر في بياض العينين.(5/14)
باب في مناقب أبى بكر وعمر رضى الله عنهما كليهما(5/22)
[3663] قوله: (فاقتدوا بالذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر وعمر إلخ) هذه إشارة إلى خلافتهما، وقال أرباب المعاني: إن الموصول يقتضي العهدية من قبل فيكون قوله هذا تصريحاً بخلافتهما، وأقول: إن المراد باتباعهما الاقتداء قولاً وفعلاً فيدل على أن عمل الشيخين لا يحتاج إلى طلب ثبوته مرفوعاً كما هو دأب أبي حنيفة، وليس المراد بالاقتداء اتباع روايتهما فإن اتباع رواية الراوي لا يختص بهما بل شامل لكل صحابي، ويدل على ما قلت رواية الترمذي الآتية.
قوله: (إني كنت نذرت إن ردّك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدُّف إلخ) دل الحديث على أن فيه النذر باللغو أيضاً. وفاء كما في نذر المباح ولا يجب في إيفاء النذر أن يكون من جنسه واجب.(5/22)
باب قوله صلى الله عليه وسلم إنّ الشّيطان ليخاف منك يا عمر(5/30)
[3691] قوله: (فإذا حبشية تزفن والصبيان إلخ) ثم ظني أن هذا وهم فإن اللاعبين كانوا الحبشة لا نسوانهم كما في الصحيحين.(5/30)
باب حديث الطير(5/39)
هذا حديث الطير مشهور بين العلماء في الاختلاف صححه الحاكم في مستدركه، وحكم ابن الجوزي بوضعه، وصنف محمد بن سعيد بن عقدة جلداً كاملاً في جمع طرق حديث الطير وهو حافظ.(5/39)
باب مناقب أنس بن مالك(5/66)
[3831] قوله: (يعقوب بن إبراهيم نا حبان بن إلخ) هذا الحديث يفيدنا في الوتر ومتنه مذكور في تاريخ ابن العساكر بأنه صلى الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة، وأما الراوي ميمون بن أبان الهذلي فقد وثقه ابن حبان في كتاب الثقات وحسن له الترمذي في مواضع وذكر في التقريب وذكره في رمزه أبا داود وفي أبي داود ذكر ابن عبد الله ولكنه غلط، والصحيح ما وقع في الترمذي أبو عبد الله وهو إن كان هو الذي حسنه الترمذي في مواضع فيفيدنا بلا ريب وإلا فقد وثقه ابن حبان، هذا وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.(5/67)
كتاب العلل(5/98)
هذا الكتاب يسمى بالعلل الصغرى وللترمذي كتاب آخر يسمى بالعلل الكبرى.
قوله: (جميع ما في هذا الكتاب من الحديث هو معمول به إلخ) هذا قول المصنف دال على أن الأعلى في باب الدين تعامل السلف، واعلم أن الحديثين معمولان بهما عندنا على ما حررت سابقاً فإن المذكور في الحديث هو الجمع الفعلي وذلك جائز عندنا بلا عذر، وأما قتل شارب الخمر في المرة الرابعة فجائز عندنا تعزيراً.(5/98)
قوله: (الزعفراني عن الشافعي) وهذا الفقه يسمى به الفقه الزعفراني، وظني أن الشافعية تأثر في العراق عن محمد بن حسن لأنه تلميذ محمد، وقال: أخذت عن محمد حملي وقري بعير من العلم، وتأثر في مصر عن ليث بن سعد.
قوله: (عن الربع عن الشافعي) الربيع اثنان الربيع الجيزي تلميذ الشافعي شيخ الطحاوي، والربيع بن سليمان المروزي تلميذ الشافعي شيخ الطحاوي.(5/99)
في قوله: (أصحاب غفلة وكثرة خطأ) الغفلة عندي أن يكون الرجل مغفلاً في أخذ الرواية وإبلاغها، ولا يجب أن يكون سيء الحفظ، ولا يجب فيه وقوع الغلط بل يكفي شأن عادته وتتوهم الغلط لأن يحكم عليه بالمغفل والغافل، وأما كثرة الخطأ فهي أن يغلط في الرواية وإن كان يروي بالاحتياط وجمع الخاطر ولا يكون يروي في الغفلة، ولا يحكم بأن فلاناً كثير الخطأ إلا بعد وقوعها منه.
قوله: (يحيى بن سعيد القطان) حنفي مثل ليث بن سعد، ويحيى هذا أول من صنف كتاب الجرح والتعديل.(5/100)
قوله: (الحسن بن عُمارة) في صفحة هذا، هذا قاضي كوفة غاسل الإمام أبي حنيفة رحمه الله.
قوله: (إبراهيم بن محمد الأسلمي) شيخ الشافعي رحمه الله وعنده ثقة لا عند غيره.
قوله: (وكثرة خطئه) ذكر في شرح النخبة أن كثرة الخطأ أن لا يغلب صوابه خطأه وليس هذا عند أحد من المحدثين فإن عملهم خلافه، فإن الراوي مثلاً روى مائة رواية وأخطأ في ثلاثين فينبغي(5/101)
على ذلك القول أن لا يضعف لأن صوابه غالب، والحال أنه ضعيف عند الكل، وعندي أنها أمر وجداني ذوقي ليس بأمر إضافي بل يحكم كل واحد على وجدانه وذوقه، وحكي أنه ذهب ابن معين وأحمد بن حنبل إلى أبي نعيم وقال ابن معين: إني أمتحن أبا نعيم وألقنه ومنعه أحمد فلم يمتنع فلما بلغا عنده، روى ابن معين حديثاً وخلط في سنده فغلطه أبو نعيم ورواه بما هو صحيح ثم روى ابن معين رواية أخرى كذلك فأصلحها وزعم أنه يبتليني ثم روى ابن معين رواية ثالثة كذلك فغضب أبو نعيم وضرب رجله في صدر ابن معين فخر ابن معين وقال: أتزعمني كأني غافل ملقن، فذهبا، فقال أحمد: ألم أمنعك من الامتحان؟ قال ابن معين: والله لقد فرحت بضربه أشد فرحة، وروي عن أحمد بن حنبل كان يقول: ما وقع عليه اجتماع أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف ومحمد رحمه الله لا يسمع خلافه، فإن أبا حنيفة أقيسهم، وأبا يوسف أعلمهم بالآثار، ومحمد أعلمهم بالعربية.(5/102)
قوله: (فأما من أقام الإسناد وحفظه إلخ) تعرض إلى بيان الرواية بالمعنى وفصلتها في أوائل البخاري، ومذهب أبي حنيفة عدم جواز رواية الحديث ما لم تكن الألفاظ محفوظة، وكذلك روى أبو يوسف عن أبي حنيفة في بعض أماليه نقله ابن معين، ويظهر من مسند أحمد أن أحمد لا يجوز الرواية بالمعنى ومنهم أبو هريرة، وأما الشافعي فموسع ومعه أنس بن مالك، وكان الصحابة على ثلاثة أنواع كما قلت في البخاري في كتاب العلم.(5/104)
قوله: (وقال يحيى: وكان شعبة أعلم بالرجال فلان إلخ) غرضه أن شعبة أحفظ ومحدث وليس بأفقه، وسفيان الثوري أفقه، وذكر الزيلعي في كتاب الشفعة عن ابن قطان أن شعبة ربما يروي بالمعنى فيغلط في المعنى لكونه غير فقيه.(5/106)
قوله: (وقال أبو عيسى: ما ذكرنا في هذا الكتاب حديث إلخ) الفرق بين رواة الحسن والصحيح ليس إلا في الحفظ، فإن رواة الصحيح أعلون حفظاً من رواة الحسن، وأما الترمذي فلم يذكر الحفظ وقد مر الكلام بقدر الحاجة في الابتداء، وأقول: إن الحسن المستعمل في كتابه الحسن لذاته أو لغيره وتعريفه هاهنا يشتمل الضعيف أيضاً، وإذا أجمع الصنف بين الحسن والغريب فعندي أنه مستثنى من تعريفه هاهنا، كما يقول في بعض المواضع: لا نعلم إلا عن فلان.
قوله: (وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث غريب إلخ) حاصل كلامه أن للغريب ثلاثة معان: الأوّل: أنه قد يكون السند فرداً واحداً، والثاني أن يكون الحديث مروياً بأسانيد مثلاً مروي بعشر أسانيد، ثم لم نروه عن آخر، فوجدنا عمن لم نروه عنه فيسمى بالغريب من هذا الوجه، والثالث: أن تكون قطعة من حديث معروفة عند المحدثين، فأتى راوٍ بزيادة قطعة أخرى أو جملة أخرى وهو ثقة، فهو غريب من تلك الجملة ويسمى بالغريب النسبي.(5/111)
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على مجتباه سيد المرسلين وخاتم النبيين، ولقد فرغ من تبييضه العبد المبيض محمد راغ بيض الله وجهه يوم الفراغ، ووقاه عما زاغ من قطان كورة وهكر من مضافات حجيرات بوستة ونگه يوم الاثنين للرابع والعشرين من جمادى الأولى من السنة 1338 الهجرية على صاحبها ألف ألف تحيات، وجعله عرضة لشيخه واسمه المنيف الأعلى محمد أنورشاه من قطان ناحيه كشمير ودار إفاضته وإرشاده وهدايته بلدة دويوبند مديرية سهارنفور واعلم أن ما اطلعت على الخطأ والسهو على ما حررت فأصلحه لكاتبه اللهم آمين ولا تنسبه إلى الشيخ بل إلى كاتبه الراجي رحمة ربّه القوي. تمت بالخير(5/114)