حكم رد السلام بصوت منخفض عند عدم الرغبة في استقبال المستأذن
السؤال
هل في الحديث دليل على أنه إذا استأذن أحد وأنت لا تريد أن يدخل فترد عليه السلام بصوت خفي؟
الجواب
إذا كنت لا تريد أن يدخل يمكن أن تخرج إليه وتعتذر.
وإن لم تفعل فلا شك أن كون الإنسان يرد عليه رداً خفياً هو الذي ينبغي، لكن كونه يخرج إليه ويعتذر ويطلب منه أن يأتي في وقت آخر يتفقان عليه أولى.(588/14)
حكم الاكتفاء بالسلام عند الاستئذان
السؤال
هل يدل هذا الحديث على الاكتفاء بالسلام دون أن يقول: أأدخل؟
الجواب
نعم.
هو يكفي كما سبق أن مر، والأولى الجمع بينهما، ولكن السلام يكون أولاً، فإذا حصل رد السلام يستأذن بالدخول.(588/15)
حكم لبس الثياب المزعفرة
السؤال
مر في حديث قيس بن سعد: (ثم ناوله ملحفة مصبوغة بزعفران أو ورس فاشتمل بها)، وهذا يخالف أحاديث النهي عن الثوب المزعفر؟!
الجواب
سبق أن مر في بعض الأحاديث أن التزعفر هو لبس الثياب المزعفر والمعصفر، وقد جاءت الأحاديث في ذلك، وهنا جاء فيه ذكر المزعفر، فلعل هذا قبل أن يحصل تحريم المزعفر.(588/16)
جواز التنشف بعد الغسل
السؤال
هل يستفاد من الحديث جواز التنشيف بعد الطهارة؛ لأن هناك من يكره تنشيف الأعضاء بعد الطهارة؟
الجواب
نعم هو يدل على الجواز، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينفض الماء بيده ويكتفي، والتنشيف جائز.(588/17)
شرح حديث (كان رسول الله إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني في آخرين قالوا: حدثنا بقية بن الوليد حدثنا محمد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن بسر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول: السلام عليكم، السلام عليكم، وذلك أن الدور لم تكن عليها يومئذ ستور)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا جاء إلى بيت فإنه لا يستقبل الباب، وإنما يكون في ركنه الأيمن أو الأيسر ويقول: السلام عليكم، السلام عليكم، ثم قال: وبيوتهم ليس عليها ستور، يعني: الستور التي تكون في الأبواب، فإذا كان الباب مفتوحاً وعليه ستر فإنه يمنع من البصر ومن النظر إلى ما في الداخل، فإذا كان ليس فيه ستر والباب مفتوح فإن الإنسان يرى ما أمامه.
قوله: [(والأبواب يومئذ ليس عليها ستور)] وهذا شاهد للحديث الذي سبق أن مر من قوله صلى الله عليه وسلم: ولكن هكذا وهكذا! يعني: أنه يكون على الجوانب، فهذا من فعله وذاك من قوله صلى الله عليه وسلم.
وهذا من الآداب الجميلة والأخلاق الكريمة، يعني: كون الإنسان لا يستقبل الباب؛ لأنه إذا استقبل الباب قد يرى من في الداخل، ولكنه إذا كان على اليمين أو الشمال يكون بعيداً عن أن يقع بصره على أمر لا يريد صاحب المكان أن ينظر إليه أو يطلع عليه.(588/18)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه)
قوله: [حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني في آخرين].
مؤمل بن الفضل، صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[في آخرين].
يعني: ومعه غيره، أي: جماعة، ولكنه ذكر واحداً منهم وأشار إلى الباقين بقوله: (في آخرين).
[قالوا: حدثنا بقية بن الوليد].
بقية بن الوليد، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا محمد بن عبد الرحمن].
محمد بن عبد الرحمن بن عرق، وهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن عبد الله بن بسر].
عبد الله بن بسر رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهذا من الرباعيات عند أبي داود، وهي أعلى ما يكون عنده من الأسانيد.(588/19)
شرح سنن أبي داود [589]
إن من الآداب الإسلامية التي حث عليها الإسلام أدب استئذان المرء على أخيه المسلم وعلى أهل بيته، وبذلك حفظ الله عورات المسلمين من التكشف، ويشرع للمستأذن الدق على الباب إذا كان المكان بعيداً، وإلا فإن السلام أولى، ويكره للمستأذن إذا دق أن يقول: أنا، أنا وإنما عليه ذكر اسمه أو كنيته أو لقبه، ودعوة الرجل لأخيه إذنٌ لمن دُعي ومجيئه مع الرسول، والصبي يستأذن في ثلاث عورات.(589/1)
ما جاء في الرجل يستأذن بالدق(589/2)
شرح حديث (أنا أنا! كأنه كرهه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يستأذن بالدق.
حدثنا مسدد حدثنا بشر عن شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه: (أنه ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في دين أبيه، فدققت الباب فقال: من هذا؟ قلت: أنا.
قال: أنا أنا.
كأنه كرهه)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب الاستئذان بالدق، يعني: دق الباب وطرقه، وهذا يمكن أن يكون فيما إذا كان المكان بعيداً قد لا يصل إليه الصوت، والدق هو الذي يصل، وإلا فإن السلام هو الأولى، وإذا دق الباب فإنه يحصل به المقصود من جهة أنه صاحب المكان يتنبه فيأتي لمن طرق الباب.
فالرسول صلى الله عليه وسلم لما سمع الطرق قال: من هذا؟ فقال جابر: أنا، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أنا أنا.
كأنه كره ذلك؛ لأن هذا لا تحصل به فائدة؛ لأن (أنا) لا يفيد التعيين؛ لأن كل واحد يصدق عليه أن يقول: أنا، ولكن كونه يعين نفسه إما باسمه أو بكنيته أو بنسبته أو ما إلى ذلك فهذا هو الذي يحصل به المقصود والفائدة، أما كونه يقول: أنا، فإن هذا ما حصل به المقصود؛ لأن (أنا) يمكن أن تكون مع المشاهدة والمقابلة.
وأما مع المشاهدة فيكفي (أنا) مثلما جاء في حديث أبي بكر الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لجماعة من أصحابه فيهم أبو بكر: (من منكم أصبح اليوم صائماً؟ فقال أبو بكر: أنا.
قال: من منكم عاد اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا.
قال: من منكم شهد جنازة؟ قال أبو بكر: أنا) فكلمة (أنا) مع المشاهدة واضحة، وأما مع عدم المشاهدة وأن الإنسان من وراء الجدار أو من وراء الباب فلا يحصل بها المقصود، والإبهام لا يزال قائماً، وإنما الإيضاح والبيان يكون بذكر ما يعرف به الشخص من اسم أو كنية أو لقب.
وفي هذا دليل على أن الاستئذان يكون بالطرق أيضاً، ولكنه بالسلام أولى، ويمكن أن يكون بالطرق إذا كان المكان بعيداً وكان السلام لا يصل، وأن الطرق هو الذي يصل.(589/3)
تراجم رجال إسناد حديث (أنا أنا! كأنه كرهه)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا بشر].
بشر بن المفضل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن المنكدر].
محمد بن المنكدر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو أحد الصحابة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(589/4)
شرح حديث (خرجت مع رسول الله حتى دخل حائطاً فقال لي أمسك الباب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن أيوب -يعني: المقابري - حدثنا إسماعيل -يعني: ابن جعفر - حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن نافع بن عبد الحارث رضي الله عنه قال: (خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت حائطاً، فقال لي: أمسك الباب.
فضرب الباب فقلت: من هذا؟ وساق الحديث).
قال أبو داود: يعني: حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال فيه: (فدق الباب)].
أورد أبو داود حديث نافع بن عبد الحارث رضي الله عنه قال: (خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت حائطاً فقال لي: أمسك الباب فضرب الباب فقلت: من هذا؟) وساق الحديث.
قوله: [(أمسك الباب)] يعني: حتى لا يدخل أحد إلا بإذن.
قوله: [فطرق الباب فقلت: من هذا؟] وساق الحديث، يعني: كما في قصة أبي موسى الذي جاء وقال: لأكونن بواباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء أبو بكر وطرق الباب قال: من؟ قال: أبو بكر، فقال: على رسلك، فذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: أبو بكر يستأذن؟ فقال: ائذن له وبشره بالجنة، حتى جاء عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما، وكل منهما بشره بالجنة، إلا أنه قال في عثمان: بشره بالجنة على بلوى تصيبه، ومحل الشاهد منه أنه قال: (دق الباب).
يعني: أن الذي جاء من الخارج دق الباب، فهذا يدل على أن الاستئذان يكون بدق الباب.(589/5)
تراجم رجال إسناد حديث (خرجت مع رسول الله حتى دخل حائطاً فقال لي أمسك الباب)
قوله: [حدثنا يحيى بن أيوب يعني: المقابري].
يحيى بن أيوب المقابري، هو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأبو داود والنسائي في مسند علي.
قوله: [يعني: المقابري] هذه قالها غير أبي داود؛ لأن أبا داود الذي هو تلميذه لا يحتاج إلى أن يقول: يعني؛ لأن التلميذ ينسب شيخه كما يريد، إن أراد التطويل في نسبته طول، وإن أراد الاختصار في نسبته اختصر، ولكن الذي يحتاج إلى ذلك هو من دون التلميذ، وعلى هذا: فالذي قال: (يعني) هو من دون أبي داود، وهو أحد الرواة الذين رووا عن أبي داود، فهذا مما يبين أن الزيادة قد تكون من غير المؤلف.
وكلمة (يعني) هذه فعل مضارع لها قائل ولها فاعل، ففاعلها ضمير مستتر يعود إلى التلميذ، وفاعلها الذي قال: يعني (هو) يرجع إلى أبي داود الذي هو التلميذ، وقائلها هو من دون أبي داود، أراد أن يوضح هذا الشخص، وأنه المقابري فأتى بكلمة (يعني) حتى لا يفهم أنها من كلام أبي داود؛ لأنه لو لم يذكر كلمة (يعني) لصارت من كلام التلميذ، فلما أتى بها عرف أن فاعل (يعني) ضمير يرجع إلى أبي داود، وقائلها هو من دون أبي داود.
[حدثنا إسماعيل يعني: ابن جعفر].
إسماعيل بن جعفر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد بن عمرو].
محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة].
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع بن عبد الحارث].
نافع بن الحارث رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[قال أبو داود: يعني: حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال فيه: (فدق الباب)].
حديث أبي موسى الأشعري الذي فيه قصة الطرق والاستئذان.(589/6)
ما جاء في الرجل يدعى أيكون ذلك إذنه؟(589/7)
شرح حديث (رسول الرجل إلى الرجل إذنه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يدعى أيكون ذلك إذنه؟ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حبيب وهشام عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رسول الرجل إلى الرجل إذنه)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في الرجل يدعى أيكون ذلك إذنه؟ أي: إذن له في الدخول، يعني: كون شخص ذهب يدعوه وجاء به فيدخل بناءً على أنه مأذون له؛ لأنه جاء مع الرسول الذي أرسل لدعوته، فيكون ذلك إذناً له.
وقد جاء في حديث آخر عن أبي هريرة: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره بأن يدعو أهل الصفة، فذهب ودعاهم، وجاءوا واستأذنوا) فقيل: إنه يستحب أن يستأذنوا، وإن دخلوا بدون استئذان فإن ذلك سائغ؛ لأن الأحاديث وردت في ذلك عن رسول صلى الله عليه وسلم، ومعنى ذلك أنه يكون هناك استئذان، وهناك عدم استئذان واكتفاء بمجيئه مع الرسول الذي أرسل إليه.
قوله: [عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رسول الرجل إلى الرجل إذنه)].
يعني: دعوته إذن له بالدخول ما دام أنه جاء هو والرسول الذي ذهب يستدعيه ويطلب منه الحضور؛ لأنه أرسل إليه وجاء هو والداعي.(589/8)
تراجم رجال إسناد حديث (رسول الرجل إلى الرجل إذنه)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
حماد بن سلمة بن دينار البصري، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن حبيب].
حبيب الشهيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وهشام].
هشام بن حسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد].
وهو: ابن سيرين، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة قد مر ذكره.(589/9)
شرح حديث (إذا دعي أحدكم إلى طعام فجاء مع الرسول فإن ذلك له إذن) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حسين بن معاذ حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعي أحدكم إلى طعام فجاء مع الرسول فإن ذلك له إذن)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة أيضاً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعي أحدكم إلى طعام فجاء مع الرسول فإن ذلك له إذن) وهذا مثل الذي قبله، يعني: مجيئه مع الرسول إذن له.
قوله: [حدثنا حسين بن معاذ].
حسين بن معاذ، ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا عبد الأعلى].
عبد الأعلى بن عبد الأعلى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد].
سعيد بن أبي عروبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي رافع].
أبو رافع نفيع الصائغ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة رضي الله عنه قد مر ذكره.
[قال أبو علي اللؤلؤي: سمعت أبا داود يقول: قتادة لم يسمع من أبي رافع شيئاً].
أورد هذا الكلام اللؤلؤي، وهو راوي السنن: أن أبا داود قال: لم يسمع قتادة من أبي رافع شيئاً، وقد روى بالعنعنة هنا، فإذاً: هو مرسل، وعلى هذا فيكون فيه انقطاع، ولكن الحديث الذي قبله شاهد له.(589/10)
الاستئذان في العورات الثلاث(589/11)
شرح أثر ابن عباس (لم يؤمر بها أكثر الناس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الاستئذان في العورات الثلاث.
حدثنا ابن السرح قال: حدثنا ح وحدثنا ابن الصباح بن سفيان وابن عبدة، وهذا حديثه، قالا: أخبرنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد، سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: لم يؤمر بها أكثر الناس آية الإذن، وإني لآمر جاريتي هذه تستأذن علي].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في الاستئذان في العورات الثلاث، أي: في الأوقات الثلاثة التي يكون فيها التكشف، وهي قبل صلاة الفجر، وذلك في آخر الليل حين يكون الناس في آخر نومهم، وعندما يضعون ثيابهم من الظهيرة للقيلولة، ومن بعد صلاة العشاء الذي هو أول النوم، فهذه أحوال يكون الرجل متكشفاً مع أهله، فلا يدخل عليه من يطوف عليه كالخدم والصبيان إلا بإذن، حتى لا يقع بصرهم على شيء في هذه الأوقات الثلاثة.
قوله: [لم يؤمر بها أكثر الناس آية الإذن، وإني لآمر جاريتي هذه تستأذن علي].
لم يؤمر بها أكثر الناس يعني: آية الإذن، وفي بعض الألفاظ: (لم يؤمن بها أكثر الناس).
أي: لم يعمل.
وقد جاء في بعض الروايات أنهم كانوا في أول الأمر وليس في البيوت ستور، وبعد ذلك كثرت الستور، فكان كثير من الناس لا يحتاج إليها؛ لأن هناك ستوراً لا يتجاوزها الداخلون، فلا يقعون على شيء من العورات.
وفي بعض الألفاظ التي وردت أنه لم يؤمن بها -يعني: لم يعمل بها- مما يبين أن العمل من الإيمان، وأنه داخل في الإيمان، وهنا قال: لم يؤمر بها أكثر الناس، والرواية الثانية: (يؤمن) أوضح، والأمر موجود ولكنه كما هو معلوم أنه هنا للخدم وللأولاد الذين لم يبلغوا الحلم، وأما غيرهم فإنهم يستأذنون في جميع الأوقات كما جاء ذلك بالنسبة للأجانب، فإنهم يستأذنون كما جاء في أول سورة النور.
قوله: [وإني لآمر جاريتي].
معناه: أنها تستأذن، ولو حصل فيما بعد أن وجد ستور، ولا شك أن هذا أكمل وأحوط، فيستأذن الصبي بالكلام بحيث يعرف حتى ينتبه له، ومعناه أنه يتكلم ويسلم أو يحصل منه شيء يجعل الناس يعرفونه حتى يواروا عنه ما يحتاج أن يوارى.(589/12)
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس (لم يؤمر بها أكثر الناس)
قوله: [حدثنا ابن السرح].
أحمد بن عمرو بن السرح، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[قال: حدثنا ح وحدثنا ابن الصباح بن سفيان وابن عبدة].
أتى بالتحويل قبل ذكر الشيخ لهؤلاء؛ لأن الأول قال: حدثنا والآخران قالا: أخبرنا، والحديث ساقه على لفظ الشيخ الثالث الذي هو أحد الاثنين اللذين قالا: أخبرنا.
[قال: ح وحدثنا ابن الصباح بن سفيان].
محمد بن الصباح بن سفيان، وهو صدوق، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[وابن عبدة].
وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[قال: وهذا حديثه قالا: أخبرنا سفيان].
أي: وهذا حديث أحمد بن عبدة.
وسفيان هو: ابن عيينة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن أبي يزيد].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو داود: وكذلك رواه عطاء عن ابن عباس يأمر به].
يعني: يأمر به جاريته.
[قال أبو داود: وكذلك رواه عطاء].
عطاء بن أبي رباح، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
يقول في العون: قال في فتح الودود: والمراد أنهم لا يعملون بها، فكأنهم لا يؤمنون بها، وكأنه رضي الله عنه كان يرى أولاً ذلك ثم رجع عنه.
معنى (لا يؤمنون) يعني: لا يعملون بها، هذا هو معنى (لا يؤمنون بها) الذي جاء في بعض الروايات.(589/13)
أثر ابن عباس (إن الله حليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - عن عمرو -يعني: ابن أبي عمرو - عن عكرمة: أن نفراً من أهل العراق قالوا: يا ابن عباس! كيف ترى في هذه الآية التي أمرنا فيها بما أمرنا ولا يعمل بها أحد؟ قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} [النور:58] قرأ القعنبي إلى: {عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور:58].
قال ابن عباس: إن الله حليم رحيم بالمؤمنين، يحب الستر، وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حجال، فربما دخل الخادم أو الولد أو يتيمة الرجل والرجل على أهله، فأمرهم الله بالاستئذان في تلك العورات، فجاءهم الله بالستور والخير، فلم أر أحداً يعمل بذلك بعد].
وهذا يبين الذي جعلهم لا يعملون؛ لأنه قبل ذلك لم يكن هناك ستور ولا أماكن يكون فيها التحرز والاختفاء، فلما جاءهم الله بالخير واتخذوا الستور، وصار هناك حجاب يوضع ولا يتجاوز لم يكونوا يعملون بالآية؛ لأن الذي يحذر قد أمن، فصار الرجل لا يمكن الوصول إليه من وراء الستر، ومع ذلك فإذا سلم أو استأذن حتى يعرف وينتبه له لا شك أن هذا هو الأولى.
ثم أيضاً الآية هي خاصة بملك اليمين الذين هم في خدمة الإنسان، وكذلك الأولاد الذين لم يبلغوا الحلم، وهذه الآية هي الدليل على أن الصبيان مأمورون؛ لأنه قال: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ} [النور:58] فهذا أمر للصبيان، فهي الدليل الذي فيه التنصيص على حصول الأمر للصبيان، وإلا فإن الروايات والأحاديث الأخرى الدالة على أمر الصبيان هي موجهة لآبائهم: مروا أبناءكم، وكذلك: مره فليراجعها، والآباء مأمورون بأمر الصبيان بالصلاة وهم أبناء سبع، لأنهم الذين يتولون تأديبهم، ويتولون الإشراف عليهم، لكن هذه الآية الأمر فيها للصبيان مباشرة؛ لأنه قال: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ} [النور:58].(589/14)
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس (إن الله حليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة].
عبد الله بن مسلمة القعنبي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن عبد العزيز يعني: ابن محمد].
عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو يعني: ابن أبي عمرو].
عمرو بن أبي عمرو، وهو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة].
عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس قد مر ذكره.
[قال أبو داود: حديث عبيد الله وعطاء يفصل هذا الحديث].
قال أبو داود: حديث عبيد الله وعطاء أي: السابق الذي فيه الأمر بالاستئذان، يفصل هذا الحديث أي: يضعفه؛ لأن هذا فيه أنهم كانوا لا يستأذنون، وذاك فيه الاستئذان، ولكنه بالنسبة لـ ابن عباس رضي الله تعالى عنه كان يأمر جاريته أن تستأذن مطلقاً، ومعنى ذلك أن كثيراً من الناس ما كانوا يستأذنون لأنهم اكتفوا بوجود الستور والحجاب والذي حصل، وأما ابن عباس فرأى أن ذلك يكون مستمراً، وأن الأولى هو حصول الاستئذان ولو وجدت الستور.(589/15)
الأسئلة(589/16)
آية الاستئذان عامة للمزوجين وغيرهم
السؤال
هل آية الاستئذان هذه خاصة بالمتزوجين أو تشمل غيرهم؛ لأن العلة هو ما يجري بين الأزواج؟
الجواب
تشمل حتى غير المتزوجين؛ لأن الإنسان قد يكون متكشفاً أو عنده شيء من التكشف، ولكنه إذا كان معه أهله فلا شك أن هذا أعظم وأولى.(589/17)
معنى قوله: (وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة)
السؤال
قوله: {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ} [النور:58] هل المراد به قبل صلاة الظهر أم بعده؟
الجواب
المقصود من ذلك القيلولة، ومعلوم أنهم كانوا يقيلون قبل الظهر؛ لأنه كما جاء في حديث (ما كنا نقيل إلا بعد الجمعة) لأنهم كانوا يبكرون فلا يتمكنون من القيلولة لتبكيرهم إلى الصلاة.
معناه: أن هذا خلاف الشيء الذي اعتادوه من أجل أنهم يبكرون إلى صلاة الجمعة.(589/18)
شرح سنن أبي داود [590]
إن من أسباب المحبة بين المسلمين إفشاء السلام، وإفشاء السلام من أسباب زيادة الإيمان ودخول الجنة؛ ولذلك جعله النبي صلى الله عليه وسلم من خير الإسلام، والبدء بالسلام سنة ورده واجب، والذي يبدأ بالسلام أفضل من المجيب، ويستحب للمجيب أن يزيد في لفظ السلام على الذي بدأ.(590/1)
ما جاء في إفشاء السلام(590/2)
شرح حديث (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أبواب السلام.
باب في إفشاء السلام.
حدثنا أحمد بن أبي شعيب حدثنا زهير حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في إفشاء السلام، وإفشاء السلام هو إظهاره وإشاعته، وأن يسلم المرء على من عرفه ومن لم يعرفه، فيفشى السلام ويشاع ويحرص الناس عليه؛ لأن ذلك هو دعاء، ومن أسباب المودة والمحبة.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم).
قوله: [(والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة)].
هذا ليس نهياً وإنما هو إخبار، والأصل أن تكون النون موجودة فيقول: (لا تدخلون الجنة) لأن (لا) هذه ليست ناهية، فيكون هذا من قبيل الخبر الذي هو بمعنى النهي، كما يأتي عكسه وهو أن يكون النهي بمعنى الخبر مثل: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} [البقرة:197] يعني: فلا يرفث ولا يفسق؛ لأنه خبر بمعنى النهي.
والحديث يدلنا على فضل إفشاء السلام، وعظم شأنه، وأنه من أسباب المحبة، وفيه الدعاء للمسلمين بعضهم لبعض.
وقد سبق أن مر بنا الحديث الذي فيه أن سعد بن عبادة رضي الله عنه لم يرد على الرسول صلى الله عليه وسلم جهراً، يريد أن يكثر الرسول صلى الله عليه وسلم من السلام عليه، لأنه دعاء.(590/3)
تراجم رجال إسناد حديث (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا)
قوله: [حدثنا أحمد بن أبي شعيب].
أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا زهير].
زهير بن معاوية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأعمش].
سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح].
هو ذكوان السمان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة قد مر ذكره.(590/4)
شرح حديث (تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: (أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي الإسلام خير؟) يعني: أي خصال الإسلام أو أعمال الإسلام أفضل من بعض؟ لأن كلمة (خير) هنا بمعنى أخير التي هي من صيغ التفضيل؛ لأن (خير) تأتي اسماً في مقابل الشر، وتأتي أفعل تفضيل بمعنى: أخير، وهي هنا بمعنى: أخير وأفضل.
وتأتي (خير) اسماً في مقابل الشر مثل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:7 - 8].
وقد جمع الله عز وجل بين هذين اللفظين الدالين على معنيين مختلفين في آية في سورة الأنفال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ} [الأنفال:70]، ((إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا)) هذه مقابل الشر، ((يُؤْتِكُمْ خَيْرًا)) بمعنى: أفعل التفضيل يعني: أخير وأفضل.
وهذا يدل على حرص الصحابة على معرفة تفاوت الأعمال حتى يأتوا بالأفضل، وحتى يقدموا على ما هو أفضل، وحتى يحصلوا على الأفضل، ولهذا قال: (أي الإسلام خير؟) أي: أي خصال الإسلام خير؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (تطعم الطعام)، يعني: لكل من هو محتاج إليه سواء كانوا ضيوفاً أو غير ضيوف.
(وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) تسلم على كل من تعرف ومن لم تعرف، ولا يكون السلام للمعرفة فقط، فالإنسان يسلم على من يعرف ومن لا يعرف إلا إذا تحقق أنه كافر فإنه لا يبدؤه بالسلام.(590/5)
تراجم رجال إسناد حديث (تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث].
الليث بن سعد المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن أبي حبيب].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الخير].
وهو مرثد بن عبد الله المزني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمرو].
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(590/6)
ما جاء في كيفية السلام(590/7)
شرح حديث (جاء رجل إلى النبي فقال السلام عليكم فرد عليه السلام ثم جلس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف السلام؟ حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا جعفر بن سليمان عن عوف عن أبي رجاء عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه السلام ثم جلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عشر.
ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه فجلس فقال: عشرون.
ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس فقال: ثلاثون).
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب كيف السلام؟ يعني: صيغته والكيفية التي يكون عليها، وهي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهذا هو الأكمل.
فحده الأدنى: السلام عليكم، والدرجة الثانية: ورحمة الله، والثالثة التي هي الأكمل: ورحمة الله وبركاته, فيروي عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أصحابه، فجاء رجل وسلم فقال: السلام عليكم ثم جلس، فرد عليه السلام وقال: عشر.
ثم جاء آخر وقال: السلام عليكم ورحمة الله.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: عشرون.
ثم جاء آخر وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقال: ثلاثون.
لأن الحسنة بعشر أمثالها، يعني: كل واحدة لها حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، فيكون بقوله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثلاثون، وإذا قال: السلام عليكم عشر، وإذا قال: السلام عليكم ورحمة الله عشرون.
فإذاً: كيفية السلام وصيغته الكاملة هي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(590/8)
تراجم رجال إسناد حديث (جاء رجل إلى النبي فقال السلام عليكم فرد عليه السلام ثم جلس)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير].
محمد بن كثير العبدي، ثقة، أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا جعفر بن سليمان].
وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عوف].
عوف بن أبي جميلة الأعرابي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي رجاء].
وهو العطاردي عمران بن ملحان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمران بن حصين].
عمران بن حصين أبو نجيد رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(590/9)
شرح حديث (جاء رجل إلى النبي فقال السلام عليكم، فرد عليه السلام ثم جلس) من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسحاق بن سويد الرملي حدثنا ابن أبي مريم قال: أظن أني سمعت نافع بن يزيد قال: أخبرني أبو مرحوم عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه زاد: (ثم أتى آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال: أربعون.
قال: هكذا تكون الفضائل).
أورد أبو داود حديث معاذ بن أنس بعد حديث عمران بن حصين، وهو مثل الذي قبله، إلا أنه قال: جاء رابع بعد الثالث وقال: السلام عليكم ورحمة وبركاته ومغفرته.
فزاد (ومغفرته) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أربعون) ثم قال: (هكذا تكون الفضائل) يعني: أنه كلما أتى بالزيادة كثر الفضل، فالذي قال: السلام عليكم حصل على عشر، والذي قال: ورحمة الله حصل على عشرين، والذي قال: وبركاته حصل على ثلاثين والذي قال: ومغفرته حصل على أربعين.
والثابت هو السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأما مغفرته فهذه غير ثابتة.(590/10)
تراجم رجال إسناد حديث (جاء رجل إلى النبي فقال السلام عليكم، فرد عليه السلام ثم جلس) من طريق ثانية
قوله: [حدثنا إسحاق بن سويد الرملي].
إسحاق بن سويد الرملي، ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا ابن أبي مريم].
وهو: سعيد بن أبي الحكم بن أبي مريم المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: أظن أني سمعت نافع بن يزيد].
نافع بن يزيد، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[قال: أخبرني أبو مرحوم].
وهو صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة.
[عن سهل بن معاذ بن أنس].
وهو لا بأس به -بمعنى صدوق- أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبيه].
معاذ بن أنس، وهو صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
والإسناد فيه قول سعيد: أظنه ولم يجزم.(590/11)
ما جاء في فضل من بدأ بالسلام(590/12)
شرح حديث (إن أولى الناس بالله تعالى من بدأهم بالسلام)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في فضل من بدأ بالسلام.
حدثنا محمد بن يحيى بن فارس الذهلي حدثنا أبو عاصم عن أبي خالد وهب عن أبي سفيان الحمصي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أولى الناس بالله تعالى من بدأهم بالسلام)].
أورد أبو داود هذه الترحمة، وهي: باب في فضل من بدأ بالسلام؛ لأن الذي يبدأ بالسلام أفضل من الذي يجيب، وهذه من المسائل التي قالوا فيها: إن السنة أفضل من الواجب؛ لأن السنة البدء بالسلام، ورده واجب، ومع ذلك فالذي يفعل السنة أفضل من الذي يأتي بالواجب, لأن هذا هو الذي بدأ بالخير وبدأ بهذا الدعاء، فيكون أفضل وأولى من غيره.
وقد أورد أبو داود حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أولى الناس بالله تعالى من بدأهم بالسلام) يعني: من يبدأ إخوانه بالسلام بأن يسبق إلى السلام، ومعلوم أن هذا فيما إذا كانوا متماثلين، أما إذا كان رجل جالساً وآخر مشى من عنده، فالسنة جاءت بأن يسلم الراكب على الماشي، والماشي على الجالس، والقائم على القاعد.(590/13)
تراجم رجال إسناد حديث (إن أولى الناس بالله تعالى من بدأهم بالسلام)
قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس الذهلي].
محمد بن يحيى بن فارس الذهلي، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا أبو عاصم].
وهو الضحاك بن مخلد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي خالد وهب].
وهب بن خالد الحميري وهو ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبي سفيان الحمصي].
أبو سفيان الحمصي ترجمته موجودة في تهذيب الكمال فلا أذكر اسمه.
[عن أبي أمامة].
وهو صدي بن عجلان الباهلي، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(590/14)
تضعيف حديث (زارنا رسول الله في منزلنا فقال السلام عليكم ورحمة الله، فرد سعد رداً خفياً)
بالنسبة للحديث الذي سبق عن قيس بن سعد: (زارنا رسول الله في منزلنا فقال: السلام عليكم ورحمة الله فرد سعد رداً خفياً إلخ).
وفيه رواية محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن قيس بن سعد رضي الله عنهما.
محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة من السادسة كما في التقريب وتوفي سنة ستين، ومعنى هذا أنه لم يلق أحداً من الصحابة.
وقيس بن سعد توفي سنة أربع وعشرين، فهو إذا كان ليس بمعمر فلا شك أن بينهما انقطاعاً، فإذا كان الزهري نفسه لم يلقه وهو من الطبقة الخامسة ومات سنة مائة وأربع وعشرين فهو مثله في وقت الوفاة فالأمر يرجع إلى كونه ما أدركه، وإذا كان أدركه إدراكاً لا يمكن الاجتماع معه فيكون فيه انقطاع.
وبين وفاتيهما أربع وستون سنة فـ قيس توفي في ستين وذاك توفي في مائة وأربعة وعشرين، وإذا لم يكن من المعمرين فهو ما أدركه، وعلى هذا إذا كان يوجد انقطاع فهذا هو العلة في تضعيف الحديث، لكن ينظر في ترجمة محمد بن عبد الرحمن هذا هل أرسل عن فلان أو لا؟! والحافظ ما جزم بموت قيس فهو يقول: مات سنة ستين تقريباً، وقيل: بعد ذلك، لكن إذا كان الزهري الذي توفي سنة مائة وأربع وعشرين وهو من صغار التابعين لم يلقه، وإنما لقي بعض صغار الصحابة كـ أنس بن مالك فلأجل ذلك جعله من الخامسة فكذلك محمد بن عبد الرحمن لم يلق قيساً.(590/15)
الأسئلة(590/16)
حال حديث (من قال في الصباح والمساء اللهم أجرني من النار) سبع مرات لا تمسه النار
السؤال
هل هناك حديث صحيح بأن من قال سبع مرات في الصباح والمساء: (اللهم أجرني من النار لا تمسه النار)؟
الجواب
الذي ورد في المغرب والفجر وفيه كلام، وأما هذا فلا أدري عن صحته شيئاً.(590/17)
الاستدلال بحديث قيس بن سعد (زارنا رسول الله في منزلنا) على مشروعية رفع اليدين بالدعاء بعد الطعام
السؤال
حديث قيس بن سعد (زارنا رسول الله في منزلنا) هل فيه دلالة على مشروعية رفع اليدين بالدعاء بعد الطعام لصاحب الطعام؟
الجواب
ليس فيه دليل على هذا؛ لأن الدعاء كان قبل الطعام.(590/18)
حال حديث (ليس لي صديق اسمه أنا)
السؤال
ما حال حديث: (أن رجلاً دق الباب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من؟ فقال: أنا؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ليس لي صديق اسمه أنا).
الجواب
ما سمعت بهذا، ولفظه فيه نكارة.(590/19)
حكم من يدق جرس البيت أكثر من ثلاث مرات
السؤال
ما حكم من يدق جرس البيت أكثر من ثلاث مرات بدعوى أن أهل البيت ربما لم يسمعوا فيريد أن يؤكد وصول صوت الجرس؟
الجواب
إذا كان يسمع صوت الجرس فلا ينبغي له أن يزيد، وإن كان ما يسمع ولكن قد يكون الجرس فيه خراب أو خلل فليطرق الباب.(590/20)
حكم قياس الاتصال بالهاتف على دق جرس الباب
السؤال
وهل يقاس العدد في الاستئذان على الاتصال بالهاتف، بأنه إذا قفل الخط ثلاث مرات فلا يتصل؟
الجواب
الهاتف قد يكون الشخص قريباً منه وقد يكون بعيداً، لكن الإنسان ليس بلازم أن يدق ثلاث دقات، بل يمكن أن يدق الهاتف حتى ينقطع، ولو رجع مرة ثانية فلا بأس.
ورنين الهاتف ليس من قبيل الاستئذان؛ لأن الاستئذان فيه دخول وفيه نظر، وهذا ليس فيه نظر ولا دخول، فالأمر في ذلك واسع، سواء كثر أو قلل لأنه ليس له دخل في الاستئذان.
والله تعالى أعلم.(590/21)
توجيه عبارة عمر لأبي موسى (سلم ما شئت ولا تستأذن)
السؤال
توجيه لعبارة عمر: (سلم ما شئت ولا تستأذن) هل ممكن أن توجه بأن يقال: إن عمر رضي الله عنه علم بالحديث فرأى أنه يسلم ولا داعي للاستئذان؛ لأنه ربما يسمعه ولكن لا يريده أن يدخل عليه، فلما فرغ من شغله دعاه؟
الجواب
ليس بمستقيم هذا التوجيه، والذي يبدو أنه غير مستقيم؛ لأن القضية معناها أنه كان مشغولاً وقد فرغ من شغله، وإنما الذي يبدو أنه ما سمعه عندما جاء يستأذن، وقد واعده، وإلا فإنه يمكنه أن يخرج ويقول له: ائتني في وقت آخر، ولو كان قد علم بأنه أتاه لما قال له هذا الكلام وعاتبه أنه لم يأته على الموعد.
وإن قيل: ألا يكون معنى (سلم ما شئت ولا تستأذن): أنه يكرر السلام أكثر من ثلاث مرات، أي: لا يحسب ويقتصر على الاستئذان ثلاث مرات فقط؟
الجواب
لا، هو قال: ولا تستأذن، كأن معناه: أنه لو أتى بالسلام فإنه يغني عن الاستئذان.(590/22)
توجيه حول مسألة الغضب من الشخص إذا لم يفتح الباب أو اعتذر أنه مشغول
السؤال
في هذا الزمان يسلم عليك الزائر، فإذا أجبته بالسلام فإنه يغضب إذا لم تخرج إليه، أو إذا لم تأذن له بالدخول، وربما صارت بينهما مشاحنة؟
الجواب
الإنسان يعامل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به، وهو إذا كان يعلم من نفسه أنه إذا كان مشغولاً لا يمكن غيره من أن يدخل عليه، فكذلك يعتبر غيره مثلما يعتبر نفسه، فكما أنه إذا كان مشغولاً ولا يوجد عنده الاستعداد للاستقبال؛ لأن عنده شغلاً شغله، ولا يتمكن من استقبال الناس، كذلك الناس أنفسهم يعذرهم إذا عملوا معه مثلما يعمله مع غيره.(590/23)
حكم استئذان الرجل في بيته إذا كان عند زوجته نساء
السؤال
ذكرتم أن صاحب البيت لا يستأذن وإنما يفتح الباب ويدخل، فكيف لو تأكد أن عند زوجته ضيوفاً من النساء؟
الجواب
على كل هو يتكلم، وإذا كان عندها ضيوف فستقوم وتعمل الاحتياطات اللازمة، ثم أيضاً هذا نادر، والغالب أنه لا يوجد أحد.(590/24)
حكم التورية عند الاستئذان
السؤال
إذا استأذن أحد وكان الشخص في بيته في داخل مكتبته، فهل يجوز لأهله أن يقولوا: إنه غير موجود، ومرادهم أنه موجود في المكتبة وليس موجوداً عندهم؟
الجواب
المناسب أن يبلغوه وهو بعد ذلك إما أن يأذن بالدخول أو يعتذر.(590/25)
حكم المقاطعة للمنتجات الأجنبية
السؤال
كثيراً ما نسمع بما يسمى بالمقاطعة للمنتجات الأجنبية، فهل هذا العمل جائز؟
الجواب
إذا كانت هذه المقاطعة سيترتب عليها فائدة ومصلحة للناس فما فيها بأس، لكن إذا كانت لا يترتب عليها مصلحة فلا حاجة إليها.(590/26)
معنى قول البخاري (فلان مقارب الحديث)
السؤال
يقول الإمام البخاري في بعض الرواة: فلان مقارب الحديث فما معناه؟
الجواب
( مقارب الحديث) معناه في الأصل: أن حديثه قريب من القبول، وأنه يعتضد به ويفيد في الاعتضاد، ولا أدري ما يقصد البخاري.(590/27)
حكم إلزام الناس بشراء البيوت بالتقسيط
السؤال
في بلد من بلدان الكفر إذا أردت أن تشتري بيتاً يجب أن تشتريه بالتقسيط - بالقرض - فهل يجوز أن يشترى بهذه الطريقة لأنه من باب الضرورة؟
الجواب
التقسيط أصلاً لا يصار إليه إلا عند عدم القدرة على شراء البيت نقداً، وإذا كانت القيمة موجودة والإنسان يريد أن يدفع القيمة فما الذي يمنعه؟ فلا أدري عن صحة هذا الخبر هل هو صحيح أو غير صحيح؟ ثم إذا كان صحيحاً فما هي الحكمة من وراء هذا؟ مع أن الكفار من أحرص الناس على الدنيا، ومعلوم أن وصول المال إليهم بسرعة من صالحهم.(590/28)
أبو هريرة أكثر الصحابة حديثاً
السؤال
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب) رواه البخاري والترمذي، فهل يدل هذا على أن عبد الله بن عمرو أكثر رواية من أبي هريرة؟
الجواب
الواقع أن أبا هريرة أكثر رواية من عبد الله بن عمرو ومن غيره، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، ومعلوم أن كثرة حديث أبي هريرة لها أسباب منها: كونه لازم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تأخر إسلامه؛ لأنه أسلم في عام خيبر في السنة السابعة، ولكنه لازم النبي صلى الله عليه وسلم فصار يأخذ عنه، وغيره يشتغلون في أشغالهم، وأما هو فلازم النبي صلى الله عليه وسلم يأكل مما يأكل ويتابعه ويأكل من طعامه، فمن أجل ذلك صارت عنده هذه الكثرة.
ثم أيضاً الدعوة التي دعا بها الرسول صلى الله عليه وسلم له بالحفظ.
وأيضاً: كونه كان مقيماً في المدينة والناس يفدون إلى المدينة ويصدرون عنها، ومن المعلوم أنهم إذا جاءوا إلى المدينة وفيها أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم يحرصون على لقيه والأخذ عنه، وإعطائه ما عندهم، يحدثونه بما عندهم من الأحاديث، ويأخذون ما عنده من الأحاديث، فمن أجل ذلك كثر حديثه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
وأما الكثرة التي أشار إليها فهي من جهة الكتابة، وأنه كان يكتب، وهو ما كان يكتب ولكنه كان يحفظ.
وأما من حيث الواقع فـ أبو هريرة هو أكثر من غيره؛ لأن السبعة المعروفين بكثرة الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أكثرهم على الإطلاق أبو هريرة رضي الله عنه.(590/29)
حكم الرسوم المتحركة التي فيها صور حيوانات
السؤال
ما رأي فضيلتكم في الرسوم المتحركة للصغار وربما سميت بالإسلامية؟
الجواب
الرسوم التي فيها صور حيوانات لا يجوز استعمالها لا للصغار ولا لغير الصغار.(590/30)
حكم التسبيح بالمسبحة لمن ينسى العدد
السؤال
إنني أنسى عدد التسبيحات فلذلك أستخدم السبحة في التسبيح حتى لا أنسى؟
الجواب
الشيء المشروع له أن يأتي به ويعده بأصابعه مثلما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعد بالأصابع، ولا يحتاج إلى سبحة، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يستعمل السبحة، والصحابة ما كانوا يستعملون الحصى، ولا ما يسمى بالسبحة، وكانوا يسبحون بأصابعهم، والله تعالى يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21].
الناس يكفيهم ما كفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وليسوا بحاجة إلى أن يأتوا بشيء ما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يسبحون بأصابعهم مثلما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، فإذا كان الشيء يحتاج إلى عدد فإنه يعد بالأصابع، وإذا كان شيئاً مطلقاً فإنه يسبح بدون حساب، والله تعالى يحصيه ولا يضيع منه شيء عند الله عز وجل.(590/31)
حكم الدخول إذا دعا صاحب البيت شخصاً وترك الباب مفتوحاً
السؤال
البعض إذا دعاك يجعل الباب مفتوحاً في الوقت الذي ستأتيه فيه، فهل تدخل أم تطرق الباب؟
الجواب
اطرق الباب؛ لأنه قد يكون الباب انفتح أو فتحه صبي ولم يكن مفتوحاً من أجل أن من جاء يدخل، وإنما يستأذن ولا يدخل إلا باستئذان.
لكن إذا جاء مع الرسول الذي ذهب يستدعيه ودخل معه فهذا هو الإذن الذي يدل عليه الحديث المذكور في بابه.(590/32)
شرح سنن أبي داود [591]
من آداب الإسلام: أن يسلم الصغير على الكبير، والراكب على الماشي، والماشي على الجالس حتى وإن كانوا صبياناً، ويجوز السلام على النساء المجتمعات من غير المحارم إن أمنت الفتنة، وأما أهل الذمة فإنهم لا يبدءون بالسلام، ويجزئ في السلام والرد عن المجموعة أحدهم.(591/1)
ما جاء في من أولى بالسلام(591/2)
شرح حديث: (يسلم الصغير على الكبير)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من أولى بالسلام؟ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير)].
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله سبحانه وتعالى: [باب من أولى بالسلام؟].
سبق ذكر أن خير المتلاقيين الذي يبدأ بالسلام، وأن كل واحد يحرص على أن يكون سابقاً بالخير، لكن هناك أحوال يكون السلام فيها من بعض الناس أولى من البعض الآخر، أي: يكون السلام من أصحاب حالة وهيئة معينة على أصحاب حالة وهيئة معينة؛ كأن يكون أحدهما ماشياً والثاني جالساً، فإن الماشي هو الذي يسلم على الجالس لا العكس، ولهذا قال: [من أولى بالسلام؟] يعني: أن هناك أحوالاً للناس إذا مر بعضهم على بعض أن يكون بعضهم هو الأولى بأن يسلم وليس من شأن الجالس أن يسلم على الماشي، وإنما الماشي هو الذي يسلم على الجالس، هكذا جاء في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن إذا حصل نسيان، أو أن الماشي كان ذاهلاً فإذا سلم الجالس عليه ونبهه على ما قد حصل له من الذهول فهذا شيء طيب، وأما أن الجالس ينتظر القادم ثم يسلم عليه قبل أن يصل من أجل أن يسبق؛ فقد خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً: يسلم الصغير على الكبير، والراكب على الماشي، والماشي على الجالس، فهذه أحوال وهيئات لبعض الناس يكونون فيها هم أولى بأن يحصل السلام منهم على غيرهم: فيسلم الصغير على الكبير ويحترمه ويوقره، وإذا حصل التلاقي وسلم الكبير على الصغير فلا بأس، وكذلك يسلم الراكب على الماشي، والماشي على الجالس.
فهذا هو الأصل كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجوز عكسه؛ ولكنه -بالنسبة للجالس- إذا كان هناك ذهول من الماشي فكونه يسلم عليه الجالس وينبهه أو يريد أن يتكلم معه ويسلم قبل الكلام، فهذا هو الذي ينبغي، والصغير يوقر الكبير، ويعوّد على الأخلاق الكريمة، والآداب الحميدة فيما يتعلق بآداب السلام وغيره.
قوله: (والقليل على الكثير).
يعني: إذا كانت هناك جماعة كثيرة فالقليلون هم الذين يسلمون على الكثيرين.(591/3)
تراجم رجال إسناد حديث (يسلم الصغير على الكبير)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرزاق].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر].
هو ابن راشد الأزدي البصري ثم اليماني وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن همام بن منبه].
همام بن منبه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.(591/4)
صحيفة همام بن منبه وكيفية رواية الأئمة لأحاديثها
هذا الإسناد هو إسناد الصحيفة المشهورة بـ: صحيفة همام بن منبه التي يرويها عن أبي هريرة، وهي تشتمل على مائة وأربعين حديثاً، وقد أوردها الإمام أحمد بكاملها في مسند أبي هريرة من هذا الطريق، والإمام أحمد يروي عن عبد الرزاق، وعبد الرزاق يروي عن معمر، ومعمر يروي عن همام، وهمام يروي عن أبي هريرة، وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم أخرج لهم أصحاب الكتب الستة.
والبخاري ومسلم أخرجا منها أحاديث، واتفقا جميعاً على إخراج أحاديث، وقد أوردها الإمام أحمد في مسند أبي هريرة بإسناد واحد، ويفصل بين كل حديث والذي يليه بـ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وقال رسول الله كذا، وهكذا تكرر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدد الأحاديث؛ لأن إسنادها واحد، وقد استخرج البخاري منها أحاديث، وأبو داود كذلك وغيرهما من الأئمة، لكن طريقة البخاري أنه يذكر الإسناد، ثم في بعض الأحيان يذكر الحديث الأول الذي يتصل به الإسناد، ثم يقول وقال كذا، ويأتي بالحديث الذي يريد، وأول حديث في الصحيفة: (نحن الآخرون الأولون يوم القيامة)، فـ البخاري أحياناً يذكر الإسناد، ثم يذكر: (نحن الآخرون الأولون)؛ لأنه هو الذي يتصل بالإسناد، ثم يأتي بالذي يريد منها، وأحياناً يأتي بالحديث الذي يريد بعد الإسناد مباشرة.
وأما الإمام مسلم رحمه الله فله طريقة جميلة، فهو عندما ينتهي من الحديث يقول: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله، ثم يأتي بالحديث الذي يكون في وسط الصحيفة، أو في آخرها، أو في أثنائها.
وهذه الصحيفة يتضح منها تماماً أن البخاري ومسلم لم يقصدا استيعاب كل حديث صحيح؛ لأنهما لو قصدا ذلك للزم أن يأتيا بالصحيفة كلها من أولها إلى آخرها، وهما لم يفعلا ذلك بل انتقيا منها.(591/5)
شرح حديث (يسلم الراكب على الماشي) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي أخبرنا روح حدثنا ابن جريج أخبرني زياد أن ثابتاً مولى عبد الرحمن بن زيد أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يسلم الراكب على الماشي)، ثم ذكر الحديث].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة وفيه: (يسلم الراكب على الماشي)، ثم ذكر الحديث الذي تقدم، وهو: (القليل على الكثير، والصغير على الكبير، والماشي على القاعد).
قوله: [حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي].
يحيى بن حبيب بن عربي ثقة، حديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن.
[أخبرنا روح].
روح بن عبادة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني زياد].
زياد بن سعد الخرساني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن ثابتاً مولى عبد الرحمن بن زيد].
ثابت مولى عبد الرحمن بن زيد ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
وهو مولى زيد بن أسلم وزيد بن أسلم مولى عمر، وعبد الرحمن أيضاً مولى عدوي؛ لأنه منسوب إليه ولاءً، وهو نسب عمر رضي الله عنه؛ لأن عمر نسبه عدوي، وأما هنا فقال: مولى عبد الرحمن بن زيد يعني: مولى مولى.
[عن أبي هريرة].
مر ذكره.
قوله في الترجمة: [باب من أولى بالسلام] الذي يبدو أنه للاستحباب وليس للوجوب؛ لأنه لو سلم الكثير على القليل أو عكسه لصح، لكن الأولى أنه يكون بهذا الترتيب وبهذه الهيئة.
كذلك إذا كان المار هو الكبير والجالس هو الصغير، فإنه يسلم الكبير على الصغير لأن الماشي هو الذي يسلم على الجالس، وأما إذا حصل التلاقي فكما في الحديث: (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)، وأما من كان جالساً فإن الماشي هو الذي يسلم عليه، ويسلم القليل على الكثير، ويسلم أحدهم ولا يلزم أن يسلموا كلهم.(591/6)
ما جاء في الرجل يفارق الرجل ثم يلقاه أيسلم عليه(591/7)
شرح حديث (فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه أيضاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يفارق الرجل ثم يلقاه أيسلم عليه؟ حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني معاوية بن صالح عن أبي موسى عن أبي مريم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار، أو حجر، ثم لقيه فليسلم عليه أيضاً).
قال معاوية: وحدثني عبد الوهاب بن بخت عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثله سواء].
أورد أبو داود: [باب في الرجل يفارق الرجل، ثم يلقاه أيسلم عليه؟].
أي: أنهم كانوا يمشون، ثم افترقوا لغرض من الأغراض، وقد يكون حال أو فرق بينهم شيء، ثم تلاقوا فيما بعد، فإنه مطلوب منهم أن يسلم بعضهم على بعض ولا يكتفى بالصحبة والرفقة التي كانت موجودة من قبل، ولا يقال: بأنه حديث عهد به، بل عليه أن يسلم فالسلام دعاء، والمسلمون بحاجة إلى أن يدعو بعضهم لبعض ولو تكرر ذلك.
وأورد أبو داود حديث أبي هريرة وهو موقوف عليه في الطريق الأولى، وأما الثانية فمرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واللفظ واحد كما قال: [مثله سواء].
قال: (إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار، أو حجر، ثم لقيه فليسلم عليه أيضاً).
قوله: (فإن حالت بينهما شجرة أو جدار، أو حجر)، أي: صخرة كبيرة فرقت بينهم، لا الحجر الصغير، أو الشيء النازل، وإنما شيء يحجب بعضهم عن بعض، أو يبعد بعضهم عن بعض كأن تكون صخرة كبيرة، أو شيء على مقدار الإنسان أو أقل منه، وأما إذا كان شيئاً في الأرض ثم حصل بينهما مفارقة بسبب أن هذا مشى عن يمين الحصاة وهذا عن شمالها، فهذا لا يحتاج إلى سلام؛ لأنها لم تفصل الفصل الذي يتميز به أحدهما عن الآخر وتحصل به المفارقة، فالمقصود بالحجر الحجر الكبير مثل الجدار، (فإذا لقيه فليسلم عليه) أي: فليسلم عليه مرة أخرى، وهذا يدلنا على أن الإنسان يكرر السلام إذا خرج وإذا دخل، فالمفارقة قد حصلت، وعندما يمشيان وتفرق بينهما شجرة، أو جدار، أو صخرة كبيرة، أو ما إلى ذلك فليسلم أحدهما على الآخر.
والسلام غير المصافحة التي تحدث عند التلاقي أول مرة.(591/8)
تراجم رجال إسناد حديث (فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه أيضاً)
قوله: [حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني].
أحمد بن سعيد الهمداني صدوق أخرج له أبو داود.
[حدثنا ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني معاوية بن صالح].
معاوية بن صالح بن حدير صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي موسى].
أبو موسى مجهول، أخرج له أبو داود.
[عن أبي مريم].
أبو مريم ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والترمذي.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
وهذا الإسناد موقوف، وفيه هذا المجهول، لكن الطريق الثانية المرفوعة صحيحة.
[قال معاوية: وحدثني عبد الوهاب بن بخت].
هذه طريق أخرى عن معاوية بن صالح، وعبد الوهاب بن بخت ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبي الزناد].
هو عبد الله بن ذكوان المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو المرفوع، والإسناد صحيح، وأما الأول ففيه الوقف، وجهالة أبي موسى.(591/9)
شرح حديث (أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربة له فقال يا رسول الله السلام عليكم أيدخل عمر) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عباس العنبري حدثنا أسود بن عامر حدثنا حسن بن صالح عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه: (أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في مشربة له فقال: يا رسول الله! السلام عليكم أيدخل عمر؟)].
أورد أبو داود حديث عمر رضي الله تعالى عنه، وفيه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربة له، وهي غرفة أو مكان مرتفع، فقال له: (يا رسول الله، السلام عليكم أيدخل عمر؟)، فجمع بين الاستئذان والتسليم، وتسمية نفسه؛ وهذا فيه تعريف به؛ لأنه من وراء الباب، والحديث لا يستقيم إلا إذا كان لقي النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل إلى هذه المشربة، وإلا فإنه لا يناسب الترجمة.
قوله: [حدثنا عباس العنبري].
عباس بن عبد العظيم العنبري ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا أسود بن عامر].
أسود بن عامر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عن حسن بن صالح].
حسن بن صالح بن حي وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
صالح بن صالح بن حي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سلمة بن كهيل].
سلمة بن كهيل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جبير].
سعيد بن جبير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
[عن عمر].
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.(591/10)
ما جاء في السلام على الصبيان(591/11)
شرح حديث (أتى رسول الله على غلمان يلعبون فسلم عليهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في السلام على الصبيان.
حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان -يعني: ابن المغيرة - عن ثابت قال: قال أنس رضي الله عنه: (أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على غلمان يلعبون فسلم عليهم)].
ثم أورد أبو داود [باب في السلام على الصبيان].
والسلام هو اسم مصدر بمعنى: التسليم، والتسليم هو المصدر، فهو اسم المصدر، مثل: الكلام والتكليم، والبيان والتبيين، فهذا مصدر، وهذا اسم مصدر، واسم المصدر -السلام- يستعمل كثيراً بمعنى التسليم.
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على غلمان يلعبون فسلم عليهم).
وهذا يدل على التسليم على الصبيان؛ وفيه تواضع الكبير في السلام على الصبيان، وفيه أيضاً تعويد الصبيان وتأنيسهم وتفريحهم بإلقاء السلام عليهم، وفي ذلك فائدة للجهتين: فالكبير يحصل منه التواضع، وتعليم الصغار، وتعويدهم السلام، والصغار يحصل لهم الاستئناس والفرح والابتهاج بحصول ذلك من الكبار لهم.
وفي ذلك أيضاً تعويد لهم على الحرص على السلام وإلقائه، وعدم التهاون فيه، وأيضاً كونهم يلعبون لا يمنع في السلام عليهم؛ لأن الصبيان شأنهم اللعب، فحصول السلام عليهم سواء كانوا يلعبون أو لا يلعبون أمر مطلوب.(591/12)
تراجم رجال إسناد حديث (أتى رسول الله على غلمان يلعبون فسلم عليهم)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة].
عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا سليمان -يعني: ابن المغيرة -].
سليمان بن المغيرة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ثابت].
ثابت بن أسلم البناني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى ما يكون عند أبي داود من الأسانيد.
وهذا الحديث لا يعارض ما سبق من أن الصغير هو الذي يسلم على الكبير؛ لأن هذا يمشي، وهؤلاء واقفون يلعبون.(591/13)
شرح حديث (انتهى إلينا رسول الله وأنا غلام في الغلمان فسلم علينا) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن المثنى حدثنا خالد -يعني: ابن الحارث - حدثنا حميد قال: قال أنس رضي الله عنه: (انتهى إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا غلام في الغلمان فسلم علينا، ثم أخذ بيدي فأرسلني برسالة، وقعد في ظل جدار، أو قال: إلى جدار حتى رجعت إليه)].
ثم أورد أبو داود حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى عليهم وهو مع الغلمان فسلم عليهم -وهذا محل الشاهد- ثم أخذ بيد أنس وأرسله في حاجة، وجلس في ظل جدار ينتظره.
قوله: [حدثنا ابن المثنى].
محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بـ: الزمن، ثقة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[عن خالد -يعني: ابن الحارث -].
خالد بن الحارث ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة [يعني] هذه التي جاءت للتعريف بـ خالد بن الحارث قائلها هو أبو داود، أو من دون أبي داود؛ والمقصود منها أن الشيخ مازاد على كلمة خالد، ولكن أبا داود أو من دون أبي داود هم الذين أضافوا ابن الحارث من أجل أن يتضح لمن يطلع على الإسناد أن هذا ليس من كلام التلميذ، وفاعل كلمة (يعني) ضمير مستتر يرجع إلى التلميذ، وقائلها هو من دون التلميذ، فهي من أبو داود أو من دون أبي داود.
[عن حميد].
حميد بن أبي حميد الطويل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
وقد مر ذكره، وهذا أيضاً من الرباعيات عند أبي داود.(591/14)
ما جاء في السلام على النساء(591/15)
شرح حديث (مر علينا النبي في نسوة فسلم علينا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في السلام على النساء.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي حسين سمعه من شهر بن حوشب يقول: أخبرته أسماء بنت يزيد رضي الله عنها: (مر علينا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في نسوة فسلم علينا)].
أورد أبو داود: [باب في السلام على النساء]، والسلام على النساء إذا كنّ محارم وأقارب أمره واضح لا إشكال فيه، وأما إذا كنّ أجنبيات فلا يكون ذلك إلا مع أمن الفتنة؛ لأن السلام مطلقاً قد يتوصل به بعض الرجال إلى بعض النساء التي قد تكون من جنسه، وذلك بأن يكون عنده سوء وعندها سوء، فيكون السلام مدخلاً إلى ذلك، لكن إذا كانت الفتنة مأمونة، أو كن النساء مع أهله، أو مع أقاربه وسلم على الجميع، أو كن نساء كبيرات فلا يكون معهن فتنة، وعلى كل حال يشترط أن تؤمن الفتنة، وألا يكون هناك محذور، ومتى أمنت الفتنة فإن ذلك سائغ له، وأما مع احتمال الفتنة واحتمال الضرر، فلا يسلم الرجال على النساء، والنساء كذلك لا يسلمن على الرجال، وعندما يتلاقى الرجل والمرأة في الطريق لا يسلم الرجل على المرأة، والمرأة لا تسلم على الرجل.
(قالت أسماء بنت يزيد: مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا).
وفي بعض الروايات: (كنت في نسوة من النساء في المسجد جلوس، فألوى بيده بالتسليم)، يعني: كأنه بعيد وأشار باليد مع السلام.(591/16)
تراجم رجال إسناد حديث (مر علينا النبي في نسوة فسلم علينا)
قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة].
أبو بكر بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا سفيان بن عيينة].
سفيان بن عيينة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي حسين].
عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعه من شهر بن حوشب].
شهر بن حوشب صدوق كثير الإرسال والتدليس أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.
[أخبرته أسماء بنت يزيد].
أسماء بنت يزيد رضي الله عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وشهر بن حوشب هنا له متابع ولم يأت الحديث من طريقه فقط.(591/17)
السلام على الأقارب من النساء
مسألة: السلام على الأقارب من النساء: النساء إذا كن أقارب مثل ابنة عم، وابنة خال، أو ابنة خالة، والفتنة مأمونة وأراد أن يلقي السلام إلقاءً فلا بأس بذلك إذا كان عنده أهله، أو كان معه أهله، سواء كن جالسات مع أهله فسلم عليهن، أو تكلم معهن وأمنت الفتنة فلا بأس بذلك.(591/18)
ما جاء في السلام على أهل الذمة(591/19)
شرح حديث (لا تبدءوهم بالسلام)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في السلام على أهل الذمة.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة، عن سهيل بن أبي صالح قال: خرجت مع أبي إلى الشام فجعلوا يمرون بصوامع فيها نصارى فيسلمون عليهم، فقال أبي: لا تبدءوهم بالسلام، فإن أبا هريرة رضي الله عنه حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا تبدءوهم بالسلام، وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيق الطريق)].
أورد أبو داود [باب السلام على أهل الذمة]، وقد سبق أن مر بنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان يكاتب الملوك ويقول: (السلام على من اتبع الهدى)، فإذا حصل سلام عليهم بهذه الطريقة فلا بأس بذلك؛ لأنه سلام على من اتبع الهدى، ودعاء لمن اتبع الهدى، فهم إذا اتبعوا الهدى كانوا من أهل هذا السلام، وكذلك الذين وفقهم الله عز وجل للدخول في الإسلام هم ممن اتبع الهدى، فالسلام إنما هو عليهم.
وأما السلام الذي هو المخاطبة: (السلام عليكم)، فهذه لا يجوز للمسلمين أن يسلموا بها على الكفار وعلى أهل الكتاب ولا يبدءوهم به، ولكن إذا قالوا: السلام على من اتبع على الهدى فلا بأس بذلك.
وقد سبق أن مر هذا في باب الكتابة إلى أهل الذمة (من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم)، وفيه: (السلام على من اتبع الهدى)، فـ أبو هريرة يحدث عن رسول الله أنه قال: (لا تبدءوهم بالسلام، وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيق الطريق)، يعني: إذا كان مزدحماً فإنهم يجعلون في حافة الطريق ولا يتركون في وسطه؛ لأنهم ليسوا أهلاً للتكريم وللاحترام والتوقير، وأما إذا كان الطريق واسعاً فكل يمشي في الطريق بدون ضرورة إلى أن يضيق على أحد.(591/20)
تراجم رجال إسناد حديث (لا تبدءوهم بالسلام)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهيل بن أبي صالح].
سهيل بن أبي صالح صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة والبخاري أخرج عنه مقروناً.
[عن أبيه].
أبو صالح السمان وهو ذكوان أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.(591/21)
شرح حديث (إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم فإنما يقول السام عليكم) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن مسلم - عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم فإنما يقول: السام عليكم، فقولوا: وعليكم)].
أورد أبو داود حديث ابن عمر أن اليهود إذا سلموا يقولون: السام عليكم ولا يقولون: السلام عليكم، والسام هو الموت، وهذا دعاء على من يخاطبونه، وليس دعاءً له، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فقولوا: وعليكم)، يعني: هذا الذي قلتموه هو عليكم.
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن مسلم -].
عبد العزيز بن مسلم ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن عبد الله بن دينار].
عبد الله بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمر].
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا الإسناد من الأسانيد الرباعية عند أبي داود.
[قال أبو داود: وكذلك رواه مالك عن عبد الله بن دينار، ورواه الثوري عن عبد الله بن دينار قال فيه: (وعليكم)].
هذه طريق أخرى قال فيها: (وعليكم)، وفي بعض الروايات قال: (عليكم) بدون واو.
[قال أبو داود: وكذلك رواه مالك عن عبد الله بن دينار].
مالك مر ذكرهما.
[ورواه الثوري عن عبد الله بن دينار].
الثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(591/22)
شرح حديث (قولوا وعليكم) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس أن أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورضي الله عنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن أهل الكتاب يسلمون علينا فكيف نرد عليهم؟ قال: قولوا: وعليكم)].
أورد أبو داود حديث أنس أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: (إن أهل الكتاب يسلمون علينا، فكيف نرد عليهم؟ فقال: قولوا: وعليكم)، وهذا مثل الذي قبله.
قوله: [حدثنا عمرو بن مرزوق].
عمرو بن مرزوق ثقة له أوهام، أخرج له البخاري وأبو داود.
[أخبرنا شعبة].
شعبة مر ذكره.
[عن قتادة].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
أنس رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره، وهذا أيضاً من الرباعيات.
[قال أبو داود: وكذلك رواية عائشة، وأبي عبد الرحمن الجهني، وأبي بصرة يعني: الغفاري رضي الله عنهم أجمعين].
أشار إلى أن الحديث جاء عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم غير أنس وهو كما جاء في حديث أنس بلفظ: (وعليكم).
[قال أبو داود: وكذلك رواية عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
[وأبي عبد الرحمن الجهني].
وأبو عبد الرحمن الجهني أخرج حديثه ابن ماجة.
[وأبي بصرة يعني: الغفاري].
أبو بصرة الغفاري هو حميل بن بصرة.
وهو صحابي ذكره الحافظ وقال: حميل بن بصرة، وهناك بصرة بن أبي بصرة الغفاري صحابي ابن صحابي، والمحفوظ أن الحديث لوالده أبي بصرة، واسمه حميل بن بصرة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائي.(591/23)
ما جاء في السلام إذا قام من المجلس(591/24)
شرح حديث (فإذا أراد أن يقوم فليسلم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في السلام إذا قام من المجلس.
حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: حدثنا بشر -يعنيان: ابن المفضل - عن ابن عجلان عن المقبري -قال مسدد: سعيد بن أبي سعيد المقبري - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة)].
أورد أبو داود باب في السلام عند الانصراف، يعني: عندما يريد الإنسان أن ينصرف من جماعة هو جالس معهم فإنه يسلم عليهم، وذلك أن السلام دعاء، وفيه أيضاً تنبيه للإنسان حتى يعلم انصرافه وقيامه؛ لأن بعض الحضور قد يريد منه حاجة، فقد ينصرف ولم يدر به لكن إذا سلم تنبه له، فالسلام مطلوب عند القدوم وعند الانصراف.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، وإذا أراد أن ينصرف فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة)، يعني: أن الأولى مطلوبة وهي الأصل، والثانية أيضاً مطلوبة.(591/25)
تراجم رجال إسناد حديث (فإذا أراد أن يقوم فليسلم)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
أحمد بن حنبل مر ذكره.
[ومسدد].
مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي، والنسائي.
[حدثنا بشر].
بشر بن المفضل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهنا قال: (يعنيان) أي: أن اللذين حدثا عنه اثنان، وكلاهما ذكراه بدون ذكر أبيه، فقال: يعنيان، وإذا كان مفرداً قال: يعني، إذاً فالفاعل الضمير هنا يرجع إلى التلميذين، والذي قال: (يعنيان) هو أبو داود أو من دون أبي داود.
[عن ابن عجلان].
هو محمد بن عجلان صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن المقبري].
المقبري اثنان: سعيد , وأبوه أبو سعيد، وكل منهما يروي عن أبي هريرة، فلما كان كل منهم يروي عن أبي هريرة قال ما قال.
[قال مسدد: سعيد بن أبي سعيد].
مسدد قال: سعيد بن أبي سعيد فهذا في رواية مسدد دون رواية أحمد بن حنبل، فتبين أنه الابن، وكل منهما يروي عن أبي هريرة مباشرة.
[عن أبي هريرة].
مر ذكره.
إذاً: فعند الانصراف الأصل أنه يلقي السلام ويمشي ولا يشغل الناس بالمصافحة لاسيما إذا كانوا مشتغلين بشيء ما، وإذا كان شخصاً واحداً بعينه وأراد أن يصافحه فلا بأس بذلك، لكن كونه يصافح الناس كلهم فالذي يبدو أن غيره أولى.(591/26)
ما جاء في كراهية أن يقول: عليك السلام(591/27)
شرح حديث (لا تقل عليك السلام؛ فإن عليك السلام تحية الموتى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كراهية أن يقول: عليك السلام.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر عن أبي غفار عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي جري الهجيمي رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: عليك السلام يا رسول الله! قال: لا تقل: عليك السلام؛ فإن عليك السلام تحية الموتى)].
أورد أبو داود باب لا يقل: عليك السلام، وإنما يقول: السلام عليكم، وأورد أبو داود حديث أبي جري الهجيمي أنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: عليك السلام، قال: لا تقل: عليك السلام؛ فإن عليك السلام تحية الموتى)، ومعلوم أن الموتى يسلم عليهم بأن يقال: (السلام عليكم -كما جاء في السلام على أهل البقيع- أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) ولا نعلم شيئاً يدل على غير ذلك، وهنا قال: (عليك السلام تحية الموتى)، وقد جاء في الشعر شيء من هذا، كما جاء في قيس بن عاصم التميمي المنقري الذي رثاه شخص من بني تميم وقال فيه: عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما ثم قال: وما كان قيس هُلْكُه هُلْكَ واحد ولكنه بنيان قوم تهدما فبدأ بقوله: عليك السلام، ولا أدري هل كان هذا في الجاهلية وأنهم لا يبدءون إلا بهذا؟ والمعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما يسلم أنه كان يقول: (السلام عليكم أهل الديار)، ولا يقول: عليكم السلام أهل الديار، وهذا هو الذي كان يسلم به الرسول صلى الله عليه وسلم على أهل البقيع.(591/28)
تراجم رجال إسناد حديث (لا تقل عليك السلام؛ فإن عليك السلام تحية الموتى)
[حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر].
هو سليمان بن حيان، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي غفار].
هو غفار الغفاري ضبط بالتخفيف، وهو ليس به بأس، أي: صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن أبي تميمة الهجيمي].
هو طريف بن مجالد ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن أبي جري الهجيمي].
أبو جري الهجيمي صحابي أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.(591/29)
ما جاء في رد الواحد عن الجماعة(591/30)
شرح حديث (ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في رد الواحد عن الجماعة.
حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الملك بن إبراهيم الجدي حدثنا سعيد بن خالد الخزاعي قال: حدثني عبد الله بن المفضل حدثنا عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه -قال أبو داود: رفعه الحسن بن علي - قال: (يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم)].
أورد أبو داود [باب في رد الواحد عن الجماعة]، يعني: إذا سلم مسلم على جماعة جالسين فرد واحد منهم فإن ذلك يجزئ عنهم، وكذلك لو كانوا ماشيين جماعة وسلم واحد منهم أجزأ.
وأورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم).
ومعنى ذلك: أنه لا يلزم الجميع أن يسلموا، ولا أن يلزم المسلَّم عليهم أن يردوا السلام جميعهم، بل إذا سلم واحد من الجميع الماشيين على القاعدين أو على القاعد فإن ذلك يجزئ، ولو كان الماشون عدد وحصل السلام ورد واحد من الجالسين، فإن ذلك يكفي عن الجالسين، فالإجزاء بواحد حاصل من الجهتين، سواء في إلقاء السلام أو في رده.(591/31)
تراجم رجال إسناد حديث (ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم)
قوله: [حدثنا الحسن بن علي].
الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا عبد الملك بن إبراهيم الجدي].
عبد الملك بن إبراهيم الجدي صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا سعيد بن خالد الخزاعي].
سعيد بن خالد الخزاعي ضعيف، أخرج له أبو داود.
[حدثني عبد الله بن الفضل].
الصواب الفضل، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبيد الله بن أبي رافع].
عبيد الله بن أبي رافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علي].
علي رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
والحديث في إسناده ضعيف، ولكن له شواهد.(591/32)
الأسئلة(591/33)
عدم جواز بدأ أهل الكتاب بالسلام
السؤال
هل يجوز أن نقول لليهود والنصارى: السام عليكم؟
الجواب
لا نبدأهم بالسلام، ولا نقول لهم: السام عليكم، بل نقول: السلام على من اتبع الهدى أو نسكت، وإذا سلموا نقول: وعليكم.(591/34)
التسوية بين الكتابة والمشافهة في السلام
السؤال
مقولة: السلام على من اتبع الهدى كانت في كتابة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ذلك منه مشافهة، فلماذا لا يفرق بين الكتابة والمشافهة؟
الجواب
لأن الكتابة مثل المشافهة، والسلام الذي منعنا منه هو: ألا نقول السلام عليكم، ولكن السلام على من اتبع الهدى هذا عام، ونحن ممن اتبع الهدى، فنحن نسلم على أنفسنا، وعلى غيرنا.(591/35)
حكم بدء صاحب البدعة بالسلام
السؤال
ما حكم بدء السلام على المبتدع الذي بدعته غير مكفرة؟
الجواب
لا بأس بذلك، لكن إذا كان داعية إلى بدعته فيترك ويبتعد عنه، ويحذر منه، وتظهر له الكراهية والبغض إذا ترتب على ذلك فائدة، وهذا طيب، وأما من كانت بدعته مكفرة فهو مثل الكفار الذين لا يبدءون بالسلام.(591/36)
صيغة رد السلام على الكافر
السؤال
إذا سلم علينا الكافر ففهمنا منه كلمة: السلام عليكم، فبم نجيبه؟
الجواب
نقول: وعليكم.(591/37)
حكم من سلم على مبتدع دون العلم بحاله
السؤال
من سلم على شخص وهو لا يعرفه، ثم تبين له بأنه مبتدع، فما الحكم؟
الجواب
الأصل السلامة، وسلامه وقع في محله، وإذا كان مبتدعاً ومعروفاً بالسوء، وكان من الدعاة إلى بدعته فلا يسلم عليه، وإذا جهل حاله ولم يعرفه لم يضره؛ لأن هذا شيء قد مضى.(591/38)
حكم استرجاع السلام
السؤال
ما رأيكم فيما ذكره صاحب العون فقال: وقال الطيبي: المختار أن المبتدع لا يبدأ بالسلام، ولو سلم على من لا يعرفه فظهر ذمياً أو مبتدعاً يقول: استرجعت سلامي؟
الجواب
هذا غير مستقيم.(591/39)
كيفية السلام على مجلس فيه مسلمون وكفار
السؤال
إن كان يجتمع في المجلس أهل كتاب مع مسلمين، فكيف يسلم الداخل عليهم؟
الجواب
يسلم على المسلمين، كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يسلم على الجماعة الجالسين وفيهم المنافقون، وذلك لما كان راكباً على الحمار، وكان عبد الله بن أبي يتكلم بالكلام القبيح مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه سلم على أناس من أصحابه ومعهم بعض المنافقين.(591/40)
سنة تضييق الطريق على الكافرين
السؤال
كيف نضيق الطريق عليهم؟
الجواب
إذا كان الطريق مزدحماً فلا يترك يمشي في وسطه، بل يضطرونه إلى أن يذهب إلى حافته، وأما إذا كان الطريق فارغاً، فالكل يمشي كما يريد، لكن إذا كان الطريق ضيقاً، فلا يذهب الناس للحافات ويتركون له وسط الطريق؛ لأن في هذا إكراماً له، وهو لا يكرم وإنما يهان.(591/41)
حكم بدء الكافر بالسلام
السؤال
إذا اضطر أحد لابتداء الكافر بالسلام فهل يجوز له أن يقول بدلاً عن السلام: صباح الخير، أو مساء الخير أو نحوها؟
الجواب
لا ينبغي أن يقول له كلاماً فيه احترام أو توقير، ولا يبدأهم بشيء.(591/42)
حكم السلام
السؤال
ما الدليل على أن إلقاء السلام مستحب فقط، خصوصاً وأن ألفة المسلمين وتماسكهم واجب شرعي، وعدم إلقاء السلام يولد العداوة والفرقة، وسوء الظن، وقد ذكر أن شيخ الإسلام ابن تيمية في الاختيارات ذهب إلى وجوب إلقاء السلام؟
الجواب
المشهور أنه مستحب ورده واجب، ويقولون: بأن هذا من قبيل ما كان فيه السنة أفضل من الواجب.
وفي الأدب المفرد للبخاري ما يدل على الحكم بالاستحباب، يقول: حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن هشام عن الحسن قال: (التسليم تطوع، والرد فريضة)، قال عنه الشيخ: صحيح الإسناد.(591/43)
جواز الإفراد في لفظ السلام
السؤال
ما حكم السلام بالإفراد فيقول: السلام عليك، ويرد عليه يقول: وعليك السلام؟
الجواب
لا بأس به.(591/44)
حكم تقبيل رأس غير المحارم
السؤال
امرأة عجوز من أقاربي وليست لي بمحرم، ولكني أسلم على رأسها فهل هذا جائز؟
الجواب
لا ينبغي للإنسان أن يصافح الأجنبية، ولا أن يقبل لا رأساً ولا غيره.(591/45)
حكم الإشارة باليد مع التسليم
السؤال
زيادة الإشارة باليد ضعيفة؛ لأن زيادة الإلواء باليد في حديث أسماء بنت يزيد عند الترمذي تفرد بها شهر بن حوشب، واختلف عليه فيها، فهذه الزيادة ضعيفة مع ثبوت الأصل، وهذا الذي ذهب إليه الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه: جلباب المرأة المسلمة.
الجواب
نعم إذا كانت ما جاءت إلا من طريق شهر بن حوشب، وليس لها ما يقويها، لكن أذكر أن هناك بعض الروايات بهذا اللفظ، وعندما يكون الإنسان بعيداً فإنه يسلم ويشير بيده مع السلام حتى ينتبه الشخص فيرد عليه السلام، ولا بأس بذلك.(591/46)
حكم الكلام قبل السلام
السؤال
هل ثبت حديث: (السلام قبل الكلام)؟
الجواب
لا، لكن هذا هو الأصل، فلا يكون كلام قبل السلام.(591/47)
صيغة رد السلام على أهل الكتاب
السؤال
فائدة: إذا اتضح من أهل الكتاب أنهم قالوا: السلام عليكم، فإن المسلم يرد عليهم: وعليكم السلام ورحمة الله، لعموم الآية: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} [النساء:86]، أفاده الشيخ الألباني في الصحيحة، وهو اختيار ابن القيم.
الجواب
نعم بعض أهل العلم قال هذا، لكن الأحاديث التي مرت كلها فيها: (إذا سلم عليكم أهل الكتاب، فقولوا: وعليكم)، وهذه لفظة مطلقة.(591/48)
حكم المصافحة باليدين معاً
السؤال
بعض الناس في بلادي اعتادوا أن المصافحة تكون باليدين كلتيهما فما حكم ذلك؟
الجواب
الأصل أن المصافحة بيد واحدة، وأما أن توضع اليد الثانية على ظهر اليد المسلَّم بها فلا نعلم أصلاً لهذا، وليس عندي علم بها.(591/49)
حكمة السلام على الأموات
السؤال
لماذا نسلم على الأموات وهم لا يسمعوننا؟
الجواب
السلام دعاء، والدعاء ينفع، وقضية كونهم يسمعون أو لا يسمعون الله تعالى أعلم بها، والذي ورد فيما يتعلق بالسماع فإنه يثبت، والباقي يمسك عنه، ويقال: الله أعلم!(591/50)
حكم الفرار من الطاعون
السؤال
اتصل أحد الإخوة من الصين ويقول: في المدينة التي ندرس فيها انتشر وباء خطير قاتل اسمه: الالتهاب الرئوي، فهل يجوز لنا الرجوع إلى المملكة، أم نجلس حتى لا يكون هذا فراراً من الوباء قياساً على الطاعون؟
الجواب
إذا كان هذا يدخل تحت اسم الطاعون فليس للإنسان أن يخرج فراراً منه، ولكنه إذا كانت مدة دراسته قد انتهت والخروج هو لانتهاء الدراسة فهذا ليس فيه إشكال، لكن لو كان هذا من جنس الطاعون الذي يعتبر وباء ويدخل تحت عموم الحديث، فلا، وإذا كان ليس كذلك فلا بأس منه.(591/51)
شرح سنن أبي داود [592]
إذا التقى المسلمان فتصافحا غفر لهما، وأول من جاء بالمصافحة هم أهل اليمن، وقد جاءت السنة النبوية ببيان المواطن التي تسوغ فيها المعانقة والتقبيل وغير ذلك من صور التحية، وقد كان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يقوم إلى فاطمة رضي الله عنها فيقبلها ويجلسها مكانه وهي تصنع مثل ذلك معه.(592/1)
ما جاء في المصافحة(592/2)
شرح حديث (إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله عز وجل واستغفراه غفر لهما)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المصافحة.
حدثنا عمرو بن عون أخبرنا هشيم عن أبي بلج عن زيد أبي الحكم العنزي عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا التقى المسلمان فتصافحا، وحمدا الله عز وجل واستغفراه غفر لهما)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في المصافحة].
لما ذكر الأبواب المتعلقة بالسلام ذكر المصافحة التي هي متممة له، وتابعة له، وهي لا تكون بدون سلام.
والمصافحة هي: أن يضع كل واحد يمينه في يمين الآخر، وقيل لها مصافحة؛ لأنها مأخوذة من صفحة اليد، ولأن كل واحد يمد صفحة يده إلى الآخر، فيكون كل منهما أخذ بصفحة يد غيره.
وقد جاءت السنة في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وجاء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وكان الصحابة إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا، وقد أورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا التقى المسلمان فتصافحا، وحمدا الله عز وجل واستغفراه غفر لهما) وهذا فيه إثبات المصافحة، وأنهما إذا تلاقيا وتصافحا غفر لهما مع السلام.
والمصافحة جاءت في أحاديث متعددة منها هذا الحديث، لكن القيد الذي جاء فيه هو: الحمد والاستغفار، وهي لا تخلوا من كلام، وأما ما يتعلق بالمصافحة، فإنه جاء فيها أحاديث أخرى.
قوله: [وحمدا الله عز وجل واستغفراه]، هذا القيد هو الذي جاء من هذه الطريق وفيه كلام، وأما قضية المصافحة من أصلها فقد جاءت في هذا الحديث وغيره.
(غفر لهما).
وقد جاءت أحاديث أخرى تدل على المغفرة.(592/3)
تراجم رجال إسناد حديث (إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله عز وجل واستغفراه غفر لهما)
قوله: [حدثنا عمرو بن عون].
عمرو بن عون ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا هشيم].
هو هشيم بن بشير الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بلج].
أبو بلج هو يحيى بن سليم، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب السنن.
[عن زيد أبي الحكم العنزي].
زيد أبو الحكم العنزي مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن البراء بن عازب].
البراء بن عازب رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(592/4)
حديث (إذا التقى المسلمان فتصافحا) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد وابن نمير عن الأجلح عن أبي إسحاق عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا)].
أورد أبو داود حديث البراء بن عازب من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله، ولكن ليس فيه ذكر الحمد والاستغفار، وفيه أنه يغفر لهما قبل أن يفترقا.
قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة].
أبو بكر بن أبي شيبة هو عبد الله بن محمد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا أبو خالد].
هو أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وابن نمير].
ابن نمير هو عبد الله بن نمير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأجلح].
صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن أبي إسحاق].
هو أبو إسحاق السبيعي، وهو عمرو بن عبد الله الهمداني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن البراء].
هو البراء بن عازب رضي الله عنه مر ذكره.(592/5)
حديث (قد جاءكم أهل اليمن وهم أول من جاء بالمصافحة) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا حميد عن أنس بن مالك قال: (لما جاء أهل اليمن قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: قد جاءكم أهل اليمن، وهم أول من جاء بالمصافحة)].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قد جاءكم أهل اليمن، وهم أول من جاء بالمصافحة) وقد ذكر أن هذه الأولية مدرجة وليست من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن سلمة، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا حميد].
هو حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
عن [أنس بن مالك].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه خادم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا من الأسانيد العالية عند أبي داود وهي الرباعيات.(592/6)
ما جاء في المعانقة(592/7)
شرح حديث أبي ذر في التزام النبي له
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المعانقة.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا أبو الحسين -يعني خالد بن ذكوان - عن أيوب بن بشير بن كعب العدوي عن رجل من عنزة: (أنه قال لـ أبي ذر حيث سير من الشام: إني أريد أن أسألك عن حديث من حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذاً أخبرك به إلا أن يكون سراً قلت: إنه ليس بسر، هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيته قط إلا صافحني، وبعث إلي ذات يوم ولم أكن في أهلي، فلما جئت أخبرت أنه أرسل إلي، فأتيته وهو على سريره فالتزمني فكانت تلك أجود وأجود)].
أورد أبو داود باباً في المعانقة.
فهو لما ذكر السلام، ثم ذكر المصافحة، ذكر بعد ذلك المعانقة، فجمع بين ثلاثة أمور: السلام، والمصافحة، والمعانقة، وقد جاء عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا، وعلى هذا فلا تكون معانقة بدون مصافحة، ولا يكونان بدون سلام، بل يجمع بين الأمور الثلاثة.
أورد أبو داود حديث أبي ذر رضي الله عنه لما سير من الشام فلقيه رجل وقال له: إني سائلك عن حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إذاً أخبرك به إلا أن يكون سراً.
يعني: من الأشياء التي ليس من المناسب إشاعتها وإظهارها، ومن المعلوم أن هناك أشياء يمكن أن تخفى، مثل ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم مع معاذ بن جبل رضي الله عنه حيث قال: (لا تبشرهم فيتكلوا) وكذلك أيضاً فيما يتعلق بحديث أبي هريرة لما ذهب الصحابة يبحثون عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولقيه أبو هريرة في حائط، فأعطاه نعليه، وخرج إلى الناس يخبرهم ويبشرهم بالبشارة التي أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبشرهم بها، فطعنه عمر رضي الله عنه في صدره، وطلب منه ألا يخبر الناس بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن مثل هذه الأشياء إذا ذكرت تؤثر على الناس، وتحملهم على الاتكال عليها، وتجعلهم لا يعملون، فمثل ذلك إذا كان يترتب على نشره مثل هذه المفسدة فإنه لا ينشر.
فقال: إنه ليس بسر، وسأله عن المصافحة، وأخبره أبو ذر أنه ما لقي رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا صافحه، وجاء إليه مرة والتزمه.
والحديث في إسناده ضعف، ولكن المعانقة جاءت عن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الذي ذكرته من أن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا، والمعانقة هي: كون الإنسان يخالف بين عنقه وعنق الآخر بحيث يكون عنق واحدهم على عاتق الآخر.
قوله: [قلت: إنه ليس بسر].
يعني: هذا السؤال ليس بسر فهو يتعلق بالمصافحة.
قوله: [هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: (ما لقيته قط إلا صافحني، وبعث إلي ذات يوم ولم أكن في أهلي، فلما جئت أخبرت أنه أرسل لي، فأتيته وهو على سريره، فالتزمني فكانت تلك أجود وأجود)].(592/8)
تراجم رجال إسناد حديث أبي ذر في التزام النبي له
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، أخبرنا أبو الحسين -يعني خالد بن ذكوان -].
خالد بن ذكوان صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب بن بشير بن كعب العدوي].
أيوب بن بشير مستور، يعني: مجهول الحال، أخرج له أبو داود.
[عن رجل من عنزة].
وهو مجهول مبهم غير مسمى.
قال الحافظ في المبهمات: هو عبد الله ولا يعرف، أخرج له أبو داود.
يعني: أنه عرف اسمه، ولا يعرف شيئاً عنه.
ففيه شخصان متكلم فيهما.
[عن أبي ذر].
أبو ذر هو جندب بن جنادة رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(592/9)
شرح حديث (قوموا إلى سيدكم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في القيام.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبي سعيد الخدري: (أن أهل قريظة لما نزلوا على حكم سعد أرسل إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاء على حمار أقمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم، أو إلى خيركم، فجاء حتى قعد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)].
أورد أبو داود باباً في القيام، والقيام يكون للرجل، ويكون إلى الرجل، ويكون على الرجل، فله أحوال ثلاثة: القيام للرجل: بأن يقوم احتراماً له بلا مصافحة ولا معانقة وإنما هو محض قيام وجلوس، وهذا هو الذي لا يسوغ، وهذا هو الذي كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعلونه لما يعلمون من كراهيته صلى الله عليه وسلم له، وأما إذا كان لاستقباله أو لمعانقته أو لمصافحته فإن ذلك سائغ؛ لأنه قيام إليه وليس قياماً له، ومن ذلك هذا الحديث الذي أورده أبو داود في قصة سعد بن معاذ رضي الله عنه سيد الأوس، لما نزل بنو قريظة على حكمه وجاء على حمار، قال عليه الصلاة والسلام: (قوموا إلى سيدكم أو قوموا إلى خيركم) فهذا قيام إليه، إما لمساعدته في النزول أو لمرافقته أو لاستقباله، وليس هذا قياماً له؛ لأن القيام له هو قيام احترام وتوقير فقط بدون سلام أو بدون استقبال أو أنه يكرمه بذلك، وأما القيام على الرجل فهو القيام على رأسه وهو جالس، وهذا جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية حيث كان المغيرة بن شعبة واقفاً على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم يحرسه ومعه السيف، فهذا قيام سائغ إذا دعت الحاجة إليه وحصل أمر يقتضيه، مثلما حصل في هذه القصة، وعلى هذا فالقيام له ثلاثة أحوال، والذي في الحديث هو الحالة الثانية التي هي القيام إليه، فالقيام إليه سائغ، والقيام له غير سائغ، والقيام عليه سائغ عندما تدعو الحاجة إليه.(592/10)
تراجم رجال إسناد حديث (قوموا إلى سيدكم)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد بن إبراهيم].
سعد بن إبراهيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف].
أبو أمامة بن سهل بن حنيف اسمه أسعد له رؤية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري].
أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام مشهور بكنيته أبو سعيد ومشهور بنسبته وهي الخدري، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(592/11)
حديث (قوموا إلى سيدكم) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة بهذا الحديث، قال: (فلما كان قريباً من المسجد قال للأنصار: قوموا إلى سيدكم)].
ثم أورد المصنف الحديث من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم.
قوله: [حدثنا محمد بن بشار].
محمد بن بشار الملقب بندار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد بن جعفر].
محمد بن جعفر الملقب غندر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة بهذا الحديث].
شعبة مر ذكره.(592/12)
شرح حديث قيام النبي لفاطمة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال حدثنا الحسن بن علي وابن بشار قالا: حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا إسرائيل عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن عائشة بنت طلحة عن أم المؤمنين عائشة قالت: (ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً وهدياً ودلاً -وقال الحسن: حديثاً وكلاماً، ولم يذكر الحسن السمت والهدي والدل- برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فاطمة، كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين الذي تبين فيه أنها ما رأت أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم في مشيته وهيئته من فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنها، وكانت إذا جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس (قام إليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه) يعني: أوسع لها وأجلسها معه في مجلسه، وهذا فيه التقبيل، وفيه القيام إلى الرجل أو إلى المرأة؛ لأن هذا قيام إليها، وهذا يدل على أن الإنسان إذا وجد في مجلس وكان في المجلس مصافحة أو معانقة فإنه يقوم؛ لأنه هنا قام إليها وقبلها، فمثل ذلك المعانقة والمصافحة، وكذلك إذا جاء إليها في منزلها قامت إليه وقبلته وأجلسته في مجلسها، يعني: معها في مجلسها، وبالمكان الذي جلست فيه بحيث جلسا متجاورين.(592/13)
تراجم رجال إسناد حديث قيام النبي لفاطمة
قوله: [حدثنا الحسن بن علي].
هو الحسن بن علي الحواني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[وابن بشار].
ابن بشار مر ذكره.
[حدثنا عثمان بن عمر].
عثمان بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا إسرائيل].
إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ميسرة بن حبيب].
ميسرة بن حبيب صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن المنهال بن عمرو].
المنهال بن عمرو صدوق أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن عائشة بنت طلحة].
عائشة بنت طلحة ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[عن أم المؤمنين عائشة].
أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.(592/14)
ما جاء في قبلة الرجل ولده(592/15)
شرح حديث (من لا يرحم لا يرحم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قبلة الرجل ولده.
حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة: (أن الأقرع بن حابس أبصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقبل حسيناً فقال: إن لي عشرة من الولد ما فعلت هذا بواحد منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من لا يرحم لا يرحم)].
أورد أبو داود باباً في قبلة الرجل لولده.
ومعلوم أن الرجل ذكره ليس له مفهوم، فالأم أيضاً تقبل ولدها، وإنما لكون الأحكام غالباً تكون مع الرجال، والخطاب مع الرجال، وقد جاء ذلك في التبويب للمحدثين، وكذلك جاء في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الغالب أن الكلام والخطاب للرجل، ومن أجل ذلك يأتي الكلام بذكر الرجل والمرأة تكون في الحكم مثله، والأصل التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام إلا إذا وجد شيء يميز ويفرق بأن يكون الرجل له حكم والمرأة لها حكم، مثل: النضح من بول الغلام والغسل من بول الجارية، ومثل: الوقوف عند رأس الرجل ووسط المرأة في صلاة الجنازة، ومثل: الأمور الخمسة التي تكون المرأة فيها على النصف من الرجل، وهي: الدية؛ لأنها على النصف من الرجل، والشهادة كما في آية الدين، والعقيقة؛ لأن الغلام له شاتان والجارية شاة واحدة، والعتق؛ فمن أعتق شخصاً كان فكاكه من النار، وإذا أعتق جاريتين كانتا فكاكه من النار، الميراث؛ لأن للذكر مثل حظ الأنثيين، فهذه أمور جاء الشرع بالتفريق فيها بين الرجال والنساء في الأحكام، وإلا فإن الأصل هو التساوي.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن الأقرع بن حابس أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقبل الحسين رضي الله تعالى عنه فقال: إن لي عشرة من الولد ما أقبلت واحداً منهم، فقال عليه الصلاة والسلام: من لا يرحم لا يرحم)؛ لأن التقبيل رحمة؛ وهو من العطف والحنان على الصغار ففيه رحمة من الوالد وإيناس وتفريح للصبي بمعاملته هذه المعاملة.(592/16)
رجال إسناد حديث (من لا يرحم لا يرحم)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا سفيان].
سفيان هو ابن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.(592/17)
شرح حديث (قومي فقبلي رأس رسول الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا هشام بن عروة عن عروة أن عائشة قالت: (ثم قال: -تعني النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أبشري يا عائشة فإن الله قد أنزل عذرك، وقرأ عليها القرآن، فقال أبواي: قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: أحمد الله عز وجل لا إياكما)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها لما نزلت براءتها مما رميت به من الإفك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم تألم وتأثر وجعلها تذهب إلى أهلها وتبقى عندهم، وكان لا يعلم الحقيقة والواقع، وهو عليه الصلاة والسلام لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، ولهذا لم يكن يعرف حقيقة ما حصل لـ عائشة، ولهذا قال لها عليه الصلاة والسلام: (يا عائشة! إن كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفريه)، إذ لو كان يعلم الغيب لم تكن هناك حاجة إلى أن يقول لها هذا الكلام، وإنما بمجرد ما يأتيه الناس الذين قالوا ما قالوا في عائشة، يقول: أنا أعلم الغيب وما حصل هذا الشيء، لكنه تألم وتأثر واستشار في طلاقها، وقال لها هذه المقالة: (إن كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفريه)، ومكثت مدة حتى أنزل الله براءتها، ثم جاء وبشرها بالآيات التي نزلت في براءتها مما رميت به، فقال لها أبواها: (قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أحمد الله عز وجل لا إياكما)].
أي: أن الله هو الذي مَنَّ عليّ وهو الذي أظهر وأنزل براءتي، وكانت رضي الله عنها وأرضاها تقول: إنها كانت تتمنى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرئها الله بها، ورؤيا الأنبياء وحي، ثم قالت رضي الله عنها من تواضعها وتهوين شأنها في نفسها وبعدها عن التكبر: (ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله في آيات تتلى)، يعني: أنا لا أستحق أن ينزل في قرآن.
وابن القيم رحمه الله لما ذكر في كتابه: جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام، عند ذكر الصلاة على الآل ذكر ترجمة مختصرة لكل واحدة من أمهات المؤمنين أشار فيها إلى شيء من مناقبها وفضائلها، وكان مما ذكره في عائشة: تواضعها وأنه لما نزل فيها القرآن قالت: (ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله في آيات تتلى)، وهذا شأن أولياء الله يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، فهي في المنزلة الرفيعة والمنزلة العالية، ومع ذلك تقول عن نفسها: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله في آيات تتلى.
ولهذا يقول ابن القيم: فأين هذا ممن يصوم يوماً أو يصلي ركعات، ثم يقول: أنا عملت كذا وكذا أو أنا كذا وكذا وهي هذه حالها وهذا شأنها ومع ذلك تقول هذه المقالة.
والحديث فيه جواز تقبيل الرأس لأنه قال: (قبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم).
والحديث فيه دليل على تقبيل الزوجة رأس زوجها ولكن لا يدل على أن على كل من يبشر بأي شيء يسر أن يقبل رأس البشير، وإنما جاء هذا في حق الرسول صلى الله عليه وسلم لمنزلته ولعلو مكانته، وقد يكون المبشر صغيراً والمبشر كبيراً فالعكس هو المناسب.(592/18)
تراجم رجال إسناد حديث (قومي فقبلي رأس رسول الله)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد عن هشام بن عروة عن عروة].
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وعروة ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
عن عائشة رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.(592/19)
ما جاء في قبلة ما بين العينين(592/20)
حديث (أن النبي تلقى جعفر بن أبي طالب فالتزمه وقبل ما بين عينيه) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قبلة ما بين العينين.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا علي بن مسهر عن أجلح عن الشعبي: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلقى جعفر بن أبي طالب فالتزمه وقبل ما بين عينيه)].
أورد أبو داود باب تقبيل ما بين العينين، وأورد هذا الحديث عن الشعبي وهو مرسل: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تلقى جعفر بن أبي طالب فالتزمه وقبل ما بين عينيه) والحديث مرسل كما هو معلوم؛ لأن الشعبي تابعي لم يدرك تلك الحادثة.
قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن علي بن مسهر].
علي بن مسهر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أجلح عن الشعبي].
أجلح مر ذكره، والشعبي هو عامر بن شراحيل الشعبي وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وتقبيل الجبهة عموماً هو من الرأس، وإذا قبل جبهة الرسول صلى الله عليه وسلم فمعناه أنه قبل رأسه؛ لأن الجبهة من الرأس، لكن هذا الحديث مرسل وليس بثابت.(592/21)
ما جاء في قبلة الخد(592/22)
أثر (رأيت أبا نضرة قبل خد الحسن بن علي) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قبلة الخد.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا المعتمر عن إياس بن دغفل قال: رأيت أبا نضرة قبل خد الحسن بن علي رضي الله عنهما].
أورد أبو داود باباً في تقبيل الخد، وأورد أثر أبي نضرة أنه قبل خد الحسن بن علي رضي الله عنهما، وهذا المتن صحيح مقطوع؛ لأن المتن ينتهي إلى تابعي، والمتن الذي ينتهي إلى التابعي يقال له: مقطوع.
قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا المعتمر].
المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إياس بن دغفل].
إياس بن دغفل ثقة، أخرج له أبو داود.
[عن أبي نضرة].
أبو نضرة هو المنذر بن مالك بن قطعة، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.(592/23)
أثر تقبيل أبي بكر لعائشة في خدها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن سالم حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق عن البراء قال: دخلت مع أبي بكر أول ما قدم المدينة فإذا عائشة ابنته مضطجعة قد أصابتها حمى، فأتاها أبو بكر فقال لها: كيف أنت يا بنية؟ وقبل خدها].
أورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن أبا بكر قدم المدينة وكانت ابنته عائشة قد أصابتها حمى فجاء وقبل خدها، وقال: كيف أنت يا بنية؟ يعني: كيف حالك، والمقصود من ذلك: أنه قبل خدها؛ لأن الباب معقود لتقبيل الخد.
قوله: [حدثنا عبد الله بن سالم].
عبد الله بن سالم ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي وابن ماجة.
[حدثنا إبراهيم بن يوسف].
إبراهيم بن يوسف صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن أبيه].
هو يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق عن البراء].
أبو إسحاق والبراء مر ذكرهما.(592/24)
ما جاء في قبلة اليد(592/25)
شرح حديث (فدنونا من النبي صلى الله عليه وسلم فقبلنا يده)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قبلة اليد.
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا يزيد بن أبي زياد أن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه وذكر قصة قال: (فدنونا -يعني: من النبي صلى الله عليه وسلم- فقبلنا يده)].
أورد أبو داود باباً في تقبيل اليد، وتقبيل اليد جاء ما يدل عليه، لكن لا ينبغي أن يتخذ ذلك عادة؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى اغترار الشخص الذي يحصل له ذلك، وكذلك أيضاً الغلو في الشخص مثل ما يحصل الآن عند بعض الصوفية حين يعطي الناس يده ويتعاقبون عليها وكأنهم يتعاقبون على أمر مطلوب التعاقب عليه.
وأصل التقبيل جائز وجاء ما يدل عليه، وقد أورد أبو داود حديث ابن عمر، وفيه قصة، ثم قال: (فقبلنا يده) وهذا هو محل الشاهد.(592/26)
تراجم رجال إسناد حديث (فدنونا من النبي صلى الله عليه وسلم فقبلنا يده)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس].
أحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير].
هو زهير بن معاوية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يزيد بن أبي زياد].
يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[أن عبد الرحمن بن أبي ليلى].
عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن عبد الله بن عمر].
عبد الله بن عمر رضي الله عنه الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث في إسناده هذا الرجل، وقد ضعفه الألباني، ولكن له شواهد، ومنه الحديث الذي سيأتي، والذي فيه تقبيل اليد والرجل؛ فإن تقبيل اليد شاهد له، وأما تقبيل الرجل الذي انفرد به فذاك الحديث معلول.(592/27)
ما جاء في قبلة الجسد(592/28)
شرح حديث (فاحتضنه، وأخذ يقبل كشحه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قبلة الجسد.
حدثنا عمرو بن عون أخبرنا خالد عن حصين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير -رجل من الأنصار- قال: (بينما هو يحدث القوم -وكان فيه مزاح- بينا يضحكهم فطعنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خاصرته بعود فقال: أصبرني، فقال: اصطبر، قال: إن عليك قميصاً وليس علي قميص، فرفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قميصه فاحتضنه، وأخذ يقبل كشحه، قال: إنما أردت هذا يا رسول الله)].
أورد أبو داود باباً في قبلة الجسد، يعني: كونه يقبل جسد إنسان.
عن أسيد بن حضير رضي الله عنه أنه جاء إليه النبي صلى الله عليه وسلم وطعنه في خاصرته بعود، فقال: أصبرني -معناه: أريد أن أستقيد منك بأن أفعل بك مثل ما فعلت بي- وهو لا يريد ذلك، وإنما يريد شيئاً آخر، فقال له: (اصطبر) يعني: استقد وافعل، (فقال: إن عليك قميصاً وأنا ليس علي قميص، فرفع النبي عن قميصه فاحتضنه وأخذ يقبل كشحه صلى الله عليه وسلم)، هذا هو المقصود من قوله: تقبيل الجسد، ومعلوم أن ذلك من التبرك بالرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبركون بجسده صلى الله عليه وسلم، ويتبركون بعرقه وبمخاطه وبفضل وضوئه وبشعره، وهذا من الخصائص المتعلقة بجسد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابة ما فعلوا هذا مع أحد بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام لا مع أبي بكر ولا مع غيره، وإنما كان هذا خاصاً به عليه الصلاة والسلام.(592/29)
تراجم رجال إسناد حديث (فاحتضنه، وأخذ يقبل كشحه)
قوله: [حدثنا عمرو بن عون].
عمرو بن عون مر ذكره.
[أخبرنا خالد].
خالد هو ابن عبد الله الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حصين].
هو حصين بن عبد الرحمن السلمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير].
عبد الرحمن بن أبي ليلى مر ذكره، وأسيد بن حضير صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والكشح هو: الخاصرة إلى الضلع الخلفي، وكأنه جاءه من الخلف.(592/30)
ما جاء في قبلة الرجل(592/31)
شرح حديث (فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قبلة الرجل.
حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع حدثنا مطر بن عبد الرحمن الأعنق حدثتني أم أبان بنت الوازع بن زارع عن جدها زارع وكان في وفد عبد القيس قال: (لما قدمنا المدينة فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورجله، قال: وانتظر المنذر الأشج حتى أتى عيبته فلبس ثوبيه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال له: إن فيك خلتين يحبهما الله: الحلم والأناة، قال: يا رسول الله! أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: بل الله جبلك عليهما، قال: الحمد الله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله)].
أورد أبو داود: باباً في تقبيل الرجل، يعني: رجل الإنسان، وقد أورد أبو داود حديث الزارع بن عامر العبدي رضي الله عنه: أنه جاء في وفد عبد القيس حتى جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتبادروا إليه وجعلوا يقبلون يده ورجله صلى الله عليه وسلم، وكان فيهم الأشج وكان رجلاً حليماً، فذهب إلى عيبته، والمقصود بالعيبة الوعاء الذي فيه الثياب، فلبس ثيابه وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (إن فيك لخلتين يحبهما الله: الحلم والأناة، فقال: أجبلت عليهما أم تخلقت بهما؟ قال: بل جبلت عليهما، قال: الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله صلى الله عليه وسلم).
والمقصود من ذلك أنهم قبلوا يده ورجله، لكن الحديث فيه ضعف، وفيما يتعلق باليد فإن الحديث الذي سبق يكون شاهداً له، وأما الرجل فلم تأت إلا في هذا الحديث وفي إسناده ضعف.
أما فيما يتعلق بتقبيل الزوجة لرجل زوجها، فإن قضيه النساء مع الرجال مختلفة؛ لأنها تفعل الشيء الذي يكون فيه الأنس والمودة، وما أعلم شيئاً يدل على منعه لو فعلت، والحديث ضعفه الشيخ الألباني.(592/32)
تراجم رجال إسناد حديث (فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع].
محمد بن عيسى بن الطباع ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا مطر بن عبد الرحمن الأعنق].
مطر بن عبد الرحمن الأعنق صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود.
[حدثتني أم أبان بنت الوازع بن زارع].
أم أبان مقبولة، أخرج لها البخاري في الأدب المفرد وأبو داود.
[عن جدها زارع].
جدها زارع صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود.(592/33)
الأسئلة(592/34)
حكم المعانقة قبل السفر
السؤال
ما قولكم في المعانقة عند توديع المسافر هل هو سائغ؟
الجواب
الذي يبدو أنه لا بأس به، ولا تكون المعانقة عند كل لقاء، وإنما إذا حصل التلاقي تكون المصافحة، وأما المعانقة عند السفر وعند القدوم من السفر فلا بأس بها؛ لأن هذا السلام يعقبه فراق.(592/35)
حكم معانقة الوالدين
السؤال
ما حكم معانقة الوالدين؟
الجواب
الأولى للإنسان أن يقبل رأس والديه، ولا تكون هناك معانقة، وإنما يكون هناك شيء أكثر من ذلك وهو توقيرهما واحترامهما وتقبيل رأسيهما.(592/36)
حكم معانقة المحارم
السؤال
هل يجوز معانقة ذوات المحارم عند اللقاء مثل الأخت؟
الجواب
لا بأس بذلك.(592/37)
حكم تكرار السلام على جماعة يصافحهم
السؤال
إذا كانوا جماعة وصافحهم فهل يسلم على كل واحد؟
الجواب
الذي يبدو أنه على كل واحد.(592/38)
حكم المعانقة لمن طال غيابهما عن بعض
السؤال
هل المعانقة خاصة بالقدوم من سفر أم تشرع إذا غاب الرجل عن أخيه حتى لو كانا في نفس البلد؟
الجواب
الأثر الذي جاء عن الصحابة أنهم كانوا إذا قدموا من سفر، وإذا كان الإنسان افتقد أخاه لمدة طويلة وكان كل واحد منهما يحسب للآخر أنه قدم من سفر أو أنه مسافر، فليس في ذلك بأس.(592/39)
حكم المعانقة بعد صلاة العيدين
السؤال
ما حكم المصافحة والمعانقة بعد صلاة العيدين، فهذه العادة توجد في منطقتنا حيث يتصافحون ويعانق بعضهم بعضاً بعد صلاة العيد مباشرة؟
الجواب
هذا هو الذي يجري دائماً لكونها مناسبة طيبة فيها تهنئة وفرح، ويبدو أنه لا بأس بذلك.(592/40)
حكم المصافحة بعد الصلوات
السؤال
ما حكم المصافحة بعد الصلوات خصوصاً بعد صلاة الصبح والعصر؟
الجواب
المصافحة بعد الصلاة لا نعلم لها أصلاً، وإنما تكون المصافحة عند اللقي، وإذا كان الشخصان متلاقيين قبل الصلاة وسلم بعضهما على بعض، وحصلت المصافحة، ثم قاموا إلى الصلاة، وحصل السلام من الصلاة فلا يصافح من أجل الصلاة؛ لأن التلاقي كان موجوداً من قبل، وأما إذا جاء الإنسان والصلاة قد أقيمت، ثم صف بجوار إنسان، ولما سلم من الصلاة سلم عليه؛ لأن هذا أول لقائه به فلا بأس به؛ لأن هذا سلام من أجل اللقاء، وليس من أجل الصلاة، والمحذور أن يكون من أجل الصلاة.(592/41)
جواز تقبيل الأب لابنته
السؤال
كيف يقبل الأب بنته؟
الجواب
يمكن أن يقبلها في خدها.(592/42)
حكم القيام للمدرس عند دخوله الفصل
السؤال
يوجد عندنا في المدرسة الحكومية أنه إذا دخل الأستاذ قاموا له بدون معانقة ولا مصافحة، فهل الفعل صحيح؟
الجواب
هذا غير سائغ، وهو الذي جاء في الحديث: (من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار)، لكن لعلهم يأخذون ذلك من قول الشاعر: قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا وهذا ليس بحجة، فالحجة فيما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم, وأما الاحتجاج بمثل هذا البيت الذي يعرفه كثير من الطلاب ويعملون به فهذا غير صحيح.(592/43)
حكم الوقوف في الصف عند الحديث
السؤال
في المدرسة يأمر المدرس الطالب إذا أراد أن يتكلم أو أن يجيب أن يقف، فهل هذا يدخل في الفعل الجائز أو المحرم؟
الجواب
هذا لا بأس به؛ لأن هذا يقوم حتى يظهر ويراه الطلاب، وهذا ليس من القيام للداخل أو للقادم، وإنما يقوم حتى يكون الكل سواء المدرس والطلاب، وحتى يكون بارزاً وكأنه واقف على منصة.(592/44)
حكم القيام للمصافحة
السؤال
ما هو الأولى: القيام للمصافحة أم المصافحة حال الجلوس؟
الجواب
الأولى القيام للمصافحة، حتى لو كان القادم يعرف الحكم مثل طالب علم أو شيخ.(592/45)
حكم القيام على رءوس الرجال لصب القهوة
السؤال
ما حكم قيام الرجل على رأس الرجال ليصب لهم القهوة؟
الجواب
هذا لا يدخل في المنع، وهذه عادة إكرام الضيوف، فنحن لا نستطيع أن نطلب منه أن يجلس في مكانه وهم يأتون إليه ليأخذوا منه، ولكن هذا يصح إذا كانوا عدداً، وأما إذا كان واحداً فإنه يجلس بجواره ولا يكلفه الوقوف على رأسه.(592/46)
حكم تقبيل الميت بين عينيه
السؤال
ألا يستدل على جواز تقبيل ما بين العينين بفعل أبي بكر رضي الله عنه لما قبل بين عيني النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاته؟
الجواب
إذا كان قبل بين عينيه فهو دليل على ذلك.(592/47)
حكم تقبيل المحارم والأطفال في الخد
السؤال
هل يقال: إن تقبيل الخد عموماً للمحارم ليس خاصاً بين الأب وابنته؟
الجواب
الحديث دليل لما يكون بين الأب وابنته، أما ما يخشى منه وقوع محذور في حق بعض المحارم فالامتناع عنه مطلوب.
أما في حديث إياس بن دغفل عن أبي نضرة فهو كان طفلاً صغيراً، والأطفال الصغار الأمر فيهم واسع وليس فيهم إشكال.
أما الرجل فلا يقبل خد الرجل، والذي يبدو أن المعانقة هي التي وردت.(592/48)
توجيه رؤية البراء لعائشة وهي مضطجعة
السؤال
كيف رأى البراء عائشة وهي مضطجعة؟
الجواب
سواء كانت مضطجعة أو غير مضطجعة فالرؤية ليس فيها إشكال؛ لأن والدها نزل عليها وانحنى حتى قبلها، فهو رأى الفعل الذي قد حصل، ثم إن هذا كان قبل الحجاب؛ لأنه كان في أول الهجرة.(592/49)
حكم تقبيل رجل الوالد
السؤال
أبي أحياناً يأمرني بتقبيل رجله مازحاً؟
الجواب
لا مانع من أن تقبلها.(592/50)
حكم العمل بالحديث الضعيف
السؤال
إذا لم يصح الحديث في تقبيل الرجل، وكذلك بعض الأحاديث التي مرت، فهل يؤخذ منها البقاء على الجواز -ولا يقال: على الاستحباب-؟
الجواب
كون الناس يتقيدون بما ورد لا شك أنه هو الذي ينبغي لهم.(592/51)
الصورة الصحيحة للمعانقة
السؤال
من المعلوم أن المعانقة في هذا العصر تختلف باختلاف الجنسيات والعادات، فما هو النوع الصحيح من هذه المعانقات الموجودة؟
الجواب
المعانقة نوع واحد وهي المخالفة بين العنقين وهي شيء واحد غير متعدد.
أما وضع خد مع خد فليس هذا معانقة، فالمعانقة مخالفة العنقين، وهي مأخوذة من العنق لا من الخد، فهي ليست بمخاددة ولكن معانقة.(592/52)
حكم تقبيل المرأة لرجل زوجها
السؤال
ألا نستشهد بحديث: (لو كنت آمراً أحداً بالسجود لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) على جواز تقبيل رجل الزوج؟
الجواب
إذا فعلت المرأة هذا مع زوجها وكان فيه استئناس أو أنس فلا بأس به، ولا أعلم شيئاً يمنعه.(592/53)
ما تحصل به المعانقة
السؤال
المعانقة هل تكون مرة أو ثلاث مرات؟
الجواب
ما نعلم تحديداً لذلك، سواء كانت مرة أو مرتين، وأما كونها تكرر وتردد فلا أعلم فيها شيئاً، لكن تحصل بمرة أو مرتين.(592/54)
الصورة الصحيحة للمصافحة
السؤال
في السودان يكون السلام بأن يضع أحدنا كفه الأيمن على الكتف أو الصدر الأيسر للشخص الآخر ثم يصافحه بعد ذلك، فهل هذه الكيفية تجوز؟
الجواب
الأصل المصافحة مباشرة بدون وضع اليدين على الصدر.(592/55)
يبدأ في السلام بالمصافحة ثم المعانقة
السؤال
بأي الإثنين يبدأ: بالمصافحة أو المعانقة أم أن الأمر واسع؟ الشيخ: كما هو معلوم المصافحة أولاً بأن يضع يده في يده ثم يتعانقان.(592/56)
حكم السلام بالإشارة فقط
السؤال
هل يجوز السلام بالإشارة فقط من بعيد؟
الجواب
لا يكون السلام بالإشارة وإنما بالسلام، ولكن إذا أشار من أجل أن ينبه الشخص أنه يسلم عليه فليس هناك بأس، وحتى يعرف الإنسان أنه ألقى عليه السلام.(592/57)
حكم المصافحة باليدين
السؤال
هل من السنة المصافحة باليدين؟
الجواب
لا أعلم دليلاً على هذا، والمصافحة تكون بيد واحدة، لكن في عون المعبود ذكر أن حماداً صافح ابن المبارك ووضع يده على يديه، ولا أدري عن ثبوته، ولا نعلم دليلاً عليه.(592/58)
حكم تقبيل الأنف
السؤال
ما حكم تقبيل الأنف عند اللقاء؟
الجواب
هذا من جنس تقبيل ما بين العينين، لكن الحديث الذي فيه ذكر تقبيل ما بين العينين فيه ضعف.(592/59)
حكم تقبيل الميت قبل الصلاة عليه
السؤال
ما حكم تقبيل الميت قبل الصلاة عليه؟
الجواب
ليس فيه بأس؛ لأن أبا بكر قبل الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يصلى عليه.(592/60)
حكم المصافحة مع الانحناء
السؤال
ما حكم المصافحة مع الانحناء من أحد الطرفين أو منهما جميعاً؟
الجواب
لا يجوز أن ينحني أحد لأحد.(592/61)
حكم تقبيل اليد ووضعها على الجبهة
السؤال
ما حكم من يقبل اليد ثم يضعها على جبهته؟
الجواب
لا نعلم لهذا أساساً، وهو عمل منكر.(592/62)
حكم المعانقة عند كل لقاء
السؤال
أصبحت العادة في قومنا المعانقة عند كل لقاء، بحيث لو تركت هذه العادة قد يحصل في نفس المقابل شيء، فما حكم ذلك؟
الجواب
ينبغي أن يتعودوا على خلاف هذه العادة ويتقيدوا بالمصافحة فقط، وأن يتذكروا ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كانوا إذا تلاقوا تصافحوا, وإذا قدموا من سفر تعانقوا.(592/63)
حكم تقبيل يد الوالد والزوج
السؤال
ما حكم تقبيل الابن ليد والده، وتقبيل المرأة ليد زوجها؟
الجواب
لا بأس به، وتقبيل اليد ثابت.(592/64)
حكم القيام للمعلم عند دخول الصف الدراسي
السؤال
بالنسبة لقيام الطلبة للمعلم عندنا أمر لازم من الحكومة ولا نستطيع أن نتركه، فما العمل؟
الجواب
إذا اتفقوا مع المعلم، فالحكومة لن تأتي وتؤاخذهم، فعليهم أن يتفاهموا مع المعلم على أنهم يتبعون السنة.(592/65)
حكم الصور التلفزيونية
السؤال
الصور التلفزيونية هل تدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة)؟
الجواب
هذه الصورة تذهب وتأتي وليست ثابتة، ولكن استعمال الصور سواء كانت ثابتة أو غير ثابتة ليس للإنسان أن يشغل نفسه بها، وإنما عليه أن يبتعد عن هذا وهذا.(592/66)
حكم خطبة الجمعة بغير اللغة العربية
السؤال
في بلادنا أكثر الناس لا يعرفون اللغة العربية، والخطيب يخطب ويقرأ من الكتاب، والناس لا يعرفون ما يقرأ عليهم، فما الحكم لو خطب الخطيب بلغة أهل البلد المتعارف عليها؟
الجواب
هذا هو المطلوب، ولكن إذا كان هناك من يفهم العربية فينبغي أن يكون بعضها بالعربية وبعضها بلغة القوم، وإذا أتي بها باللغة العربية وهم لا يفهمونها فلن تحصل لهم فائدة، وإنما ستكون -وكما يقولون- صيحة في واد.(592/67)
شرح سنن أبي داود [593]
جاءت السنة النبوية المطهرة بآداب عظيمة في الخطاب بين الناس، وما يجوز من الألفاظ وما يكره، ومن ذلك ما يجوز من التفدية للغير بالنفس أو بالأبوين، وكيفية إبلاغ السلام والرد عليه والدعاء بالحفظ ونحوه، والإجابة بلبيك وسعديك، وغير ذلك.(593/1)
ما جاء في الرجل يقول: (جعلني الله فداك)(593/2)
شرح حديث (يا أبا ذر! فقلت لبيك وسعديك يا رسول الله وأنا فداك)
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يقول جعلني الله فداك.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ح وحدثنا مسلم حدثنا هشام عن حماد -يعنيان ابن أبي سليمان - عن زيد بن وهب عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يا أبا ذر! فقلت: لبيك وسعديك يا رسول الله! وأنا فداك)].
قال أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في الرجل يقول جعلني الله فداك.
أي: في بيان حكمه وأن ذلك سائغ.
وقد أورد أبو داود حديث أبي ذر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه، وقال له: (يا أبا ذر! فقلت: لبيك وسعديك يا رسول الله! وأنا فداك).
يعني: وأنا فداء لك.
وهذا جواب حسن من أبي ذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام عندما يناديهم يقول الواحد منهم: (لبيك يا رسول الله وسعديك)، كما جاء في حديث معاذ بن جبل لما كان رديفه على حمار، وبعد ذلك بين له حق الله على العباد وحق العباد على الله عز وجل.
وكلمة: (لبيك وسعديك) هي من الكلمات التي يجيب بها الإنسان بجواب حسن عندما ينادى ويدعى، وهي من الأدب في القول والأدب في الجواب عند النداء.
و (لبيك) تعني: إجابة بعد إجابة، وأنه مجيب له ومستمر على ذلك.
(وسعديك) أيضاً تعني: إسعاداً بعد إسعاد.
(وأنا فداؤك) تعني: أنا أفديك بنفسي.
هذا هو معنى هذه الكلمات التي أجاب بها أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من الجواب الحسن، وكان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يقولون: (فداك أبي وأمي)، أو (بأبي أنت وأمي)، أي: أنت مفدى بأبي وأمي، وهذا من أدبهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومحبتهم له عليه الصلاة والسلام.
وكونهم يفدونه بأرواحهم وأنفسهم ويرخصون كل شيء في محبته؛ وذلك أن النعمة التي ساقها الله عز وجل للمسلمين على يديه هي أعظم وأجل نعمة، وهي أعظم من النعمة التي حصلت من الوالدين وهي الإحسان إلى الإنسان وتنشئته وتربيته؛ لأن نعمة الإسلام لا تماثلها نعمة ولا تعادلها نعمة، وقد جاء الله تعالى بها للمسلمين على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم.(593/3)
تراجم رجال إسناد حديث (يا أبا ذر! فقلت لبيك وسعديك يا رسول الله وأنا فداك)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن سلمة بن دينار، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ح وحدثنا مسلم].
ح: هي للتحول من إسناد إلى إسناد، ومسلم هو ابن إبراهيم، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام].
هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حماد].
حماد بن أبي سليمان صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[يعنيان ابن أبي سليمان].
يعني: أن شيخي شيخي أبي داود وهما حماد بن سلمة وهشام الدستوائي لم يزيدا على قولهما: حماد فأتى أبو داود أو من دون أبي داود بكلمة (يعنيان)، وكلمة (يعنيان) الفاعل فيها ألف المثنى التي ترجع إلى شيخي شيخي أبي داود وهما حماد بن سلمة وهشام الدستوائي.
فكلمة (يعنيان) قائلها أبو داود أو من دون أبي داود، وفاعلها ضمير متصل يرجع إلى شيخي شيخي أبي داود.
[عن زيد بن وهب].
زيد بن وهب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي ذر].
هو جندب بن جنادة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(593/4)
حكم تفدية غير الرسول وإجابته غيره بـ (لبيك وسعديك)
يمكن أن يفدى غيره عليه الصلاة والسلام إذا كان له منزلة ومكانة، فالتفدية لا بأس بها، لكن التفدية بالأب والأم لا تناسب ولا تصلح إلا للرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يفدي الإنسان بأبويه أحداً من الناس؛ لأن الأبوين لهما حق عليه، ولكن حصل ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن النعمة التي حصلت على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم من النعمة التي حصلت على يدي الأبوين.
وتفدية الرسول صلى الله عليه وسلم هي من تعظيمه عليه الصلاة والسلام وسلوك مسلك الأمم السابقة الصحابة سلف هذه الأمة، ومعلوم أنهم كانوا يقولون هذه الكلمة وآباؤهم غير موجودين، وإنما هذا كله لتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وبيان عظيم منزلته، فالصحابة كانوا يقولونها وآباؤهم وأمهاتهم قد ماتوا.
أما لفظة: (لبيك وسعديك) فيمكن أن تقال في حق الله وفي حق الرسول صلى الله عليه وسلم وفي حق كل الناس.
وسعديك تابعة للبيك ولا تأتي وحدها، فهي لفظ تابع للفظ ولا يأتي وحده مستقلاً بل يأتي تابعاً لغيره، فيمكن أن يقال هذا في الجواب الحسن عندما ينادى الإنسان، وأما جعلني الله فداك، فهي لا تصلح لكل أحد.(593/5)
ما جاء في الرجل يقول أنعم الله بك عيناً(593/6)
شرح حديث (كنا نقول في الجاهلية: أنعم الله بك عيناً وأنعم صباحاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يقول أنعم الله بك عيناً.
حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة أو غيره أن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: (كنا نقول في الجاهلية: أنعم الله بك عيناً، وأنعم صباحاً، فلما كان الإسلام نهينا عن ذلك).
قال عبد الرزاق: قال معمر: يكره أن يقول الرجل: أنعم الله بك عيناً، ولا بأس أن يقول: أنعم الله عينيك أو عينك].
أورد أبو داود باباً في الرجل يقول: أنعم الله بك عيناً.
وأورد فيه حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما الذي فيه: أنهم كانوا في الجاهلية يقولون: أنعم الله بك عيناً، وأنعم صباحاً.
وهذه من التحيات التي كانت في الجاهلية، فجاء الإسلام وصاروا يستعملون آداب الإسلام وأمروا بأن يأتوا بآداب الإسلام وبتحية الإسلام التي هي السلام، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتركوا ما كانوا يستعملونه في الجاهلية، وقد نقل أبو داود هذا الأثر عن عمران بن حصين.
قوله: [فلما كان الإسلام نهينا عن ذلك.
قال عبد الرزاق: قال معمر: يكره أن يقول الرجل: أنعم الله بك عيناً، ولا بأس أن يقول: أنعم الله عينيك أو عينك].
قوله: أقر الله عينك، هذه دعوة له، وأنعم الله بك عيناً دعوة لغيره، وأن تقر عين غيره به فإن المعنى يكون مستقيماً، ولكن كما هو معلوم تحية الإسلام يؤتى بها، وإذا أتي بهذا يقال: أقر الله عينك بكذا، يعني إذا أراد أن يدعو له بمناسبة أو بولد أو بشيء يسره وأما الأشياء التي كانت في الجاهلية فتركها والإتيان بما هو سائغ سواها هو المطلوب.
والفرق بين أقر الله عينك وأنعم الله عينك وبين: أقر الله بك عيناً: أن الأخير معناه الدعاء لغيره، وأن تقر عين غير المخاطب، وأما أقر الله عينك فهو دعاء للمخاطب.(593/7)
تراجم رجال إسناد حديث (كنا نقول في الجاهلية أنعم الله بك عيناً وأنعم صباحاً)
قوله: [حدثنا سلمة بن شبيب].
سلمة بن شبيب ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا عبد الرزاق].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر].
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة أو غيره].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد شك هل هو عنه أو عن غيره.
[عن عمران بن حصين].
وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والحديث ضعيف؛ لأن فيه انقطاعاً بين قتادة وبين عمران بن حصين.(593/8)
ما جاء في الرجل يقول للرجل حفظك الله(593/9)
شرح حديث (حفظك الله بما حفظت به نبيه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يقول للرجل حفظك الله.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح الأنصاري قال: حدثنا أبو قتادة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان في سفر له فعطشوا، فانطلق سرعان الناس، فلزمت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلك الليلة، فقال: حفظك الله بما حفظت به نبيه)].
أورد أبو داود باباً في الرجل يقول للرجل: حفظك الله، أي: يدعو له بأن يحفظه الله، وأورد فيه حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فذهبوا يبحثون عن الماء وبقي أبو قتادة مع الرسول صلى الله عليه وسلم يحرسه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (حفظك الله بما حفظت به نبيه).
يعني: أنه حصل منه الجلوس معي لحراسته، فدعا له بأن يحفظه الله جزاء حفظه رسوله صلى الله عليه وسلم، والجزاء من جنس العمل؛ لأن العمل حفظ الرسول صلى الله عليه وسلم وحراسته، والشيء الذي دعا له به أن يحفظه الله عز وجل.(593/10)
تراجم رجال إسناد حديث (حفظك الله بما حفظت به نبيه)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت البناني].
ثابت البناني هو ثابت بن أسلم البناني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن رباح الأنصاري].
عبد الله بن رباح الأنصاري ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا أبو قتادة].
أبو قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.(593/11)
ما جاء في قيام الرجل للرجل(593/12)
شرح حديث (من أحب أن يمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قيام الرجل للرجل.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حبيب بن الشهيد عن أبي مجلز قال: خرج معاوية رضي الله عنه على ابن الزبير وابن عامر رضي الله عنهم، فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير، فقال معاوية لـ ابن عامر: اجلس فإني سمعت رسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من أحب أن يمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار)].
أورد أبو داود باباً في قيام الرجل للرجل، وسبق أن مرت ترجمة بعنوان: باب القيام، وهي مطلقة، وهذه مقيدة بأنها قيام له، وهناك أورد تحتها القيام إليه، وذكرنا أن القيام له ثلاث حالات: الأولى: القيام له، والثانية: القيام إليه، والثالثة: القيام عليه.
وذكرنا أن القيام إليه سائغ، بأن يكون قيامه إليه ليستقبله أو ليعانقه أو ليصافحه أو ليرافقه في الدخول، وكذلك القيام عليه إذا كان هناك حاجه تدعو إلى ذلك، كما حصل من المغيرة بن شعبة حين وقف على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم في وقت كتابة صلح الحديبية بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش، وهذا فيه إظهار احترام الإمام والحرص عليه وتوقيره.
وأما القيام له احتراماً ثم يجلس فهذا لا يجوز.
والذي جاء في حديث معاوية رضي الله عنه أنه لما دخل على ابن الزبير وابن عامر قام ابن عامر ولم يقم ابن الزبير، فـ معاوية رضي الله عنه قال: اجلس، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أحب أن يمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار)، فهذا يدل على أنه لا يجوز القيام الذي هو مجرد قيام وجلوس للاحترام وليس قياماً إليه.
والحديث يدل أيضاً على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من بيان السنن والتحذير مما فيه مخالفة ولو كان في ذلك احترام للإنسان؛ لأن ابن عامر قام وابن الزبير جلس، وأمر معاوية الذي قام أن يجلس، ثم ساق الحديث مع أن ابن عامر قام احتراماً له، لكنه لما كان مخالفاً للسنة لم يسكت على ذلك، بل أمره بأن يجلس.
وفيه أيضاً إتباع القول بالدليل؛ لأن معاوية رضي الله عنه قال له: (اجلس) ثم ذكر له الدليل، الذي هو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام يذكرون الحكم ودليله، وهذا فيه ذكر الحكم ودليله، الحكم الذي هو الجلوس، والدليل الذي هو: (من أحب أن يمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار).(593/13)
تراجم رجال إسناد حديث (من أحب أن يمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حبيب بن الشهيد].
حبيب بن الشهيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي مجلز].
أبو مجلز هو لاحق بن حميد، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معاوية].
معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أمير المؤمنين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(593/14)
شرح حديث (لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير عن مسعر عن أبي العنبس عن أبي العدبس عن أبي مرزوق عن أبي غالب عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم متوكئاً على عصاً، فقمنا إليه، فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضاً)].
أورد أبو داود حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهو يتوكأ على عصاً فقاموا إليه، فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضاً).
يعني: أنهم يقومون ويجلسون تعظيماً، وقد جاء في الحديث أنه لما حصل له السقوط من فرس، وجحش شقه، صلى وصلى الناس وراءه، وكانوا قياماً، فأشار إليهم أن اجلسوا فجلسوا، ثم قال عليه الصلاة والسلام لما فرغ من الصلاة: (كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على رأس ملوكهم وهم جلوس).(593/15)
تراجم رجال إسناد حديث (لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضاً)
قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة].
أبو بكر بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا عبد الله بن نمير].
عبد الله بن نمير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسعر].
مسعر بن كدام، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي العنبس].
أبو العنبس مقبول أخرج له أبو داود.
[عن أبي العدبس].
أبو العدبس مجهول، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن أبي مرزوق].
أبو مرزوق لين أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن أبي غالب].
أبو غالب صدوق يخطئ أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن أبي أمامة].
أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذا الإسناد أكثره بالكنى، وليس فيه إلا ابن نمير ومسعر بن كدام والباقون كلهم مذكورون بكناهم، وثلاثة من الرواة متوالون فيهم كلام؛ فيهم المقبول والمجهول واللين، فهو غير ثابت.(593/16)
الكلام على أحاديث القيام للرجل
أما ما يتعلق بكون الأعاجم يقومون على رءوس ملوكهم وهم جلوس فإن هذا ثابت في الحديث الصحيح: (كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم جلوس) وأما الحديث الذي بين أيدينا فهو بهذا الإسناد فيه هؤلاء الثلاثة، ولكن هذا الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم فيه مخالفة الفرس والروم ولا يعارض قصة وقوف المغيرة بن شعبة على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك ليس دائماً وأبداً، وإنما هو في حالة مجيء الكفار وإظهار احتفاء المسلمين بالنبي صلى الله عليه وسلم، فيكون مستثنى من الذي أنكره الرسول في الحديث الصحيح الذي جاء في الصلاة وقال: (لقد كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على رأس ملوكهم وهم جلوس)، لأن فيه إظهار الاحترام والتوقير للإمام أمام الكفار الذين يأتون لأمر ما ويلتقون بالإمام.
أحياناً يكون القيام للرجل لمعانقته ومصافحته وذلك عند وصول الرجل إلى مكانه أو يكون القيام عند دخوله، وقد يكون الجمع كبيراً؛ فإذا دخل أول المجلس قام الجميع، فإذا كان سيلتقي به أو يستقبله ويتحرك من مكانه لاستقباله فلا بأس، أو كان الناس يقومون ويتحركون من أماكنهم، أو كان يمشي ويدور عليهم وهم واقفون فلا بأس أيضاً؛ لأنه قيام للمصافحة.(593/17)
ما جاء في الرجل يقول فلان يقرئك السلام(593/18)
شرح حديث (إن أبي يقرئك السلام)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يقول فلان يقرئك السلام.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل عن غالب قال: إنا لجلوس بباب الحسن إذ جاء رجل فقال: حدثني أبي عن جدي قال: (بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ائته فأقرئه السلام، قال: فأتيته فقلت: إن أبي يقرئك السلام، قال: عليك وعلى أبيك السلام)].
أورد أبو داود باباً في قول الرجل: فلان يقرئك السلام، أي: أن نقل السلام أو تحميل السلام من إنسان وإيصاله إلى إنسان سائغ، وأن المرسل إليه السلام يقول: عليك وعليه السلام، أو يقول: عليه السلام، ولكن كونه يجمع بينهما هذا هو الأولى، لأن ذلك مرسل السلام وهذا مبلغ السلام فكلهم يرد عليهم السلام فيقول: عليك وعليه السلام.
أورد أبو داود حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم غير معروف، وأنه أرسل ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: (قل له إن أبي يقرئك السلام، فلما ذهب إليه وقال: إن أبي يقرئك السلام، قال: عليك وعلى أبيك السلام)، والحديث في إسناده ضعف؛ لأن فيه رجلاً مبهماً، وهو ابن ابن المرسَل، وأما الابن المرسَل فهو الصحابي الذي ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.(593/19)
تراجم رجال إسناد حديث (إن أبي يقرئك السلام)
قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل].
إسماعيل هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـ ابن علية، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن غالب].
غالب بن خطاف صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن رجل].
لم أقف عليه.(593/20)
شرح حديث (إن جبريل يقرأ عليك السلام)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن زكريا عن الشعبي عن أبي سلمة أن عائشة رضي الله عنها حدثته أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها: (إن جبريل يقرأ عليك السلام، فقالت: وعليه السلام ورحمة الله)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها في كون النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها بأن جبريل يقرئها السلام، فأخبرها رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقالت: وعليه السلام ورحمة الله، وهذا فيه الدليل على أنه يمكن أن يقول الذي أبلغ السلام: وعليه السلام، وإن أتى بعليك وعليه السلام فلا شك أن هذا فيه دعاء للاثنين: المبلغ والذي بلغ عنه.(593/21)
تراجم رجال إسناد حديث (إن جبريل يقرأ عليك السلام)
قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان].
عبد الرحيم بن سليمان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زكريا].
زكريا بن أبي زائدة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الشعبي].
عامر بن شراحيل الشعبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة].
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن عائشة رضي الله عنها].
هي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(593/22)
ما جاء في الرجل ينادي الرجل فيقول: لبيك(593/23)
شرح حديث (لبيك وسعديك وأنا فداؤك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل ينادي الرجل فيقول: لبيك.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا يعلى بن عطاء عن أبي همام عبد الله بن يسار أن أبا عبد الرحمن الفهري رضي الله عنه قال: (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حنيناً فسرنا في يوم قائظ شديد الحر، فنزلنا تحت ظل الشجرة، فلما زالت الشمس لبست لأمتي وركبت فرسي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في فسطاطه، فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته قد حان الرواح؟ قال: أجل! ثم قال: يا بلال قم، فثار من تحت سمرة كأن ظله ظل طائر، فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك، فقال: أسرج لي الفرس، فأخرج سرجاً دفتاه من ليف ليس فيه أشر ولا بطر، فركب وركبنا) وساق الحديث.
قال أبو داود: أبو عبد الرحمن الفهري ليس له إلا هذا الحديث، وهو حديث نبيل جاء به حماد بن سلمة].
أورد أبو داود باباً في الرجل ينادي الرجل فيقول: لبيك، يعني أنه يجيب إذا نودي وقيل له: يا فلان، فيقول لبيك، وقد سبق مثل هذا في باب قول الرجل: جعلني الله فداءك، وهو بمعنى ذاك الحديث المتقدم، في أنه يأتي بقول: لبيك وسعديك، وجعلني الله فداك، أو وأنا فداؤك.
وأورده أبو داود من أجل اشتماله على هذا الجواب، ومن أجل الإجابة على النداء بقوله: لبيك.
فإذاً: لبيك وسعديك، وجعلني الله فداك، أو أنا فداؤك.
يجاب بها أو ببعضها عند النداء، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: لبيك وسعديك، وفي هذا الحديث والذي قبله أنه قال: وجعلني الله فداءك.
قال: (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حنيناً فسرنا في يوم قائظ شديد الحر، فنزلنا تحت ظل الشجرة، فلما زالت الشمس لبست لأمتي وركبت فرسي)].
هذا أبو عبد الرحمن الفهري يحكي أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في ظل شجرة، وأنه جاء إليه وقد لبس لأمته وركب فرسه، وقال: يا رسول الله الرواح، يعني: الانتقال، والرواح هو الذهاب؛ لأن الغدو يكون في أول النهار والرواح يكون في آخر النهار بعد منتصفه، أي بعد الزوال.
فقال: أجل! ثم دعا بلالاً وكان بلال تحت شجرة، فقام مسرعاً كأن ظله ظل طائر، قيل معناه بأنه ضعيف، وقيل: كان تحت ظل شجرة ظلها قليل غير ظليل فقد كان شيئاً يسيراً يكفي طائراً يستظل به، ومعنى ذلك أن الظل الذي كان يستظل به بلال يسير جداً كظل يستظل به طائر.
مبالغة في قلته.
(فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك، فقال: أسرج لي الفرس، فأخرج سرجاً دفتاه من ليف).
(أسرج لي الفرس)، يعني: اجعل السرج عليه، والسرج هو الغطاء الذي يكون على ظهر الفرس يركب عليه الراكب بدلاً من أن يكون راكباً على الفرس وهو عري ليس عليه سرج.
(دفتاه من ليف).
يعني حاشيتاه وطرفاه من ليف، والليف هو ليف النخل.
(ليس فيه أشر ولا بطر).
يعني: ليس فيه تكبر أو ليس فيه مبالغة كما يحصل من المتكبرين، ولكن ليس معنى ذلك أن كل من يكون غير ذلك فهو متكبر، لكن من شأن أهل التكبر التفاخر والظهور بمظهر فيه غلو ومبالغة.(593/24)
تراجم رجال إسناد حديث (لبيك وسعديك وأنا فداؤك)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا يعلى بن عطاء].
يعلى بن عطاء ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي همام عبد الله بن يسار].
أبو همام عبد الله بن يسار مجهول أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي.
[أن أبا عبد الرحمن الفهري].
أبو عبد الرحمن الفهري رضي الله عنه صحابي أخرج له أبو داود.
وهذا الحديث فيه ضعف.
وكذلك إسناد حديث: (جعلني الله فداك) موسى بن إسماعيل عن حماد فيه حماد بن أبي سليمان.
يعني: ذلك يشهد لهذا من ناحية الإجابة، (لبيك وسعديك وأنا فداؤك).
[قال أبو داود: أبو عبد الرحمن الفهري ليس له إلا هذا الحديث، وهو حديث نبيل جاء به حماد بن سلمة].
المقصود أن يعلى بن عطاء جاء بحديث.
وجاء به حماد بن سلمة يرويه عنه، فالنبل وصف للرجل وهو يعلى بن عطاء، مثل أبي عاصم النبيل.(593/25)
ما جاء في الرجل يقول للرجل أضحك الله سنك(593/26)
شرح حديث (أضحك الله سنك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يقول للرجل أضحك الله سنك.
حدثنا عيسى بن إبراهيم البركي وسمعته من أبي الوليد الطيالسي وأنا لحديث عيسى أضبط، قال: حدثنا عبد القاهر بن السري -يعني: السلمي - حدثنا ابن كنانة بن عباس بن مرداس عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: (ضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له أبو بكر أو عمر رضي الله عنهما: أضحك الله سنك) وساق الحديث].
أورد أبو داود باب قول الرجل للرجل أضحك الله سنك.
يعني: عندما يضحك يقال له ذلك، وهذا كلام يخاطب به من ضحك عندما يراد أن يدعى له.
أورد أبو داود حديث عباس بن مرداس (أنه ضحك رسول صلى الله عليه وسلم فقال له أبو بكر أو عمر: أضحك الله سنك)].
والحديث في إسناده ضعف، ولكن هذا الدعاء جاء في بعض الأحاديث الصحيحة مثل حديث عمر المشهور: (لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش مرتفعة أصواتهن فلما سلم حصل خفضهن لأصواتهن، فدخل عمر فرأى الرسول الله يضحك، فقال: أضحك الله سنك، قال: أضحك لهؤلاء النسوة كن كذا وكذا فلما سمعن صوتك خفضن أصواتهن، فقال: يا عدوات أنفسهن! تهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم) والحديث صحيح.
فقوله: (أضحك الله سنك) هذه ثابتة، فقد قالها عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما هذا الحديث ففي إسناده ضعف، ولكن معناه ثابت في حديث آخر وهو الذي أشرت إليه.(593/27)
تراجم رجال إسناد حديث (أضحك الله سنك)
قوله: [حدثنا عيسى بن إبراهيم البركي].
عيسى بن إبراهيم البركي صدوق ربما وهم أخرج له أبو داود.
[قال: وسمعته من أبي الوليد الطيالسي].
أبو الوليد هذا شيخ آخر لـ أبي داود وقال: وأنا لحديث عيسى أضبط يعني: أشد إتقاناً.
وأبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد القاهر بن السري -يعني السلمي -].
عبد القاهر بن السري مقبول، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[حدثنا ابن كنانة بن عباس بن مرداس].
ابن كنانة بن عباس بن مرداس هو عبد الله وهو مجهول، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن أبيه].
مجهول، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن جده].
وهو صحابي أخرج له أبو داود وابن ماجة.
ففي السند مجهولان ومقبول، والحديث كما ذكرت معناه ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(593/28)
الأسئلة(593/29)
حكم إقراء السلام
السؤال
ما حكم إقراء السلام؟
الجواب
إقراء السلام سائغ، كما جاء في حديث عائشة.(593/30)
حكم من يُحمل السلام
السؤال
ما حكم من يُحمل السلام؟
الجواب
إذا حمل يتحمل ويبلغ.
لكن من الأشياء التي ينبغي أن ينبه عليها بالنسبة لتحميل السلام: ما يفعله بعض الناس إذا كان قادماً إلى المدينة حيث يوصيه من يوصيه فيقول: أبلغ سلامي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن مثل ذلك لا نعلم له أصلاً ثابتاً يعتمد عليه، ولكن الذي ينبغي للإنسان عندما يحمل السلام أو يطلب منه إبلاغ السلام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينبهه إلى ما وردت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أن يكثر من الصلاة والسلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام، والملائكة تبلغه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام)، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره عيداً، وهو التردد والتكرار للصلاة والسلام عليه، وقد أرشد إلى ما يقوم مقام ذلك بقوله: (وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني) أي: بواسطة الملائكة حيث كنتم، كما بين ذلك الحديث الذي أشرت إليه: (إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام).(593/31)
تبيين المبهم في حديث (إن أبي يقرئك السلام)
السؤال
في الحديث الأول: إنا لجلوس بباب الحسن إذا جاء رجل فقال: حدثني أبي عن جدي قال بعثني أبي، هل هو رجل أو رجلان؟
الجواب
الرجل المبهم هو هذا الذي يخبر عن أبيه، وأبوه هو الشخص المرسل، وجدُّ الرجل المبهم هو من أرسل أبا الرجل المبهم، والرجل المبهم صحابي وأبو المبهم كذلك؛ لأنه قال: أرسلني أبي.
والجد الذي أرسله لا دخل له في الرواية، إذ الجد المبهم هو الذي أرسل إلى الرسول؛ إذاً: المسألة فيها شخصان مبهمان: الأب والجد.
وقد حسن الشيخ الألباني هذا الحديث للشواهد، وما بعده هو شاهد له.(593/32)
الفرق بين تحية الأموات ورد السلام على حامله
السؤال
مر بنا أنه لا يجوز أن يقال: عليك السلام؛ لأنها تحية الموتى؟
الجواب
هذا لا يتنافى؛ لأن (عليك وعليه السلام جواب)، وليس ابتداء سلام، فإذاً: لا إشكال، الإشكال فيما إذا بدأ المسلم يقول: عليك السلام.(593/33)
حكم من تحمل السلام ولم يبلغه عمداً
السؤال
ما حكم من تحمل السلام ولم يبلغه عمداً؟
الجواب
ينبغي له أن يقول: قد لا يتيسر لي، أو يعتذر بعذر يجعل صاحبه يبحث عن آخر، وأما إذا تعمد الكذب عليه، وأوهمه بأنه سيبلغ ولا يحتاج إلى أن يبحث عن شخص آخر فلا، والأولى أن يعتذر بجواب حسن إذا كان لا يريد أن يبلغ ويقول: أنا قد لا يتيسر لي ذلك، قد لا يتيسر لي أن ألقاه، أو أخشى أنني أنسى، فيعتذر إليه بعذر مناسب ولا يترك الأمر بدون أن يعطي الذي حمله جواباً يجعله يحرص على أن يحمل غيره.(593/34)
حكم رد السلام على المرسل والمبلغ به
السؤال
نقل صاحب العون عن الحافظ في فتح الباري، قال: ولم أر في شيء من طرق حديث عائشة أنها ردت على النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه -أي: الرد على المبلغ- غير واجب، فما معنى ذلك؟
الجواب
أي أن عائشة اكتفت بقولها: (وعليه السلام ورحمه الله) ورد السلام واجب كما هو معلوم، لكن الرد هو على المسلم، والمسلم هو الأصل الذي أرسل السلام، فإذاً: ما دام أنه لم يأت في هذا الحديث أو في طرق أخرى له أن عائشة قالت: عليك وعليه السلام، فمعناه: أن الرد على المبلغ ليس بواجب؛ لأنها لما اكتفت بعليه السلام فمعناه: أن الرد على المسلم الذي أرسل السلام واجب، ومن بلغه لم يحصل له رد في حديث عائشة فليس بواجب؛ لأنه لو كان واجباً لما تركت عائشة إضافة ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم كان أيضاً سيعلمها بأن تقول: عليك وعليه السلام.
هذا هو معنى كلام الحافظ.(593/35)
حكم الانحناء لتقبيل اليد أو السلام
السؤال
عندنا عادة قديمة هي: حينما تأتي العروس تنحني وتقبل أيدي النساء احتراماً لهن، فما الحكم؟
الجواب
الانحناء سواء كان من الرجال أو النساء لا يجوز، كما جاء في الحديث: (أينحني له؟ قال: لا)، لكن إذا كن جالسات وهي انحنت لأنها تسلم عليهن وهن جالسات فهذا شيء آخر، وأما كونها تأتي وتنحني وهن واقفات، ولم يكن هناك أمر يقتضي الانحناء، فهذا هو الذي لا يسوغ.(593/36)
حكم تفدية الرجل السيئ
السؤال
ما حكم من يقول لرجل سيئ: أفديك، كأن يقول: بالروح بالدم أفديك يا فلان؟
الجواب
مثل هذا الكلام لا يستقيم، وقد يكون الفادي من جنس المفدى.(593/37)
حكم قول (زارتنا البركة) لمن زاره ضيف
السؤال
هل يجوز قول: زارتنا البركة، إذا قدم عليك الضيف؟
الجواب
لا بأس بذلك، ولعله دعاء بأن تزورنا البركة، وليس إخباراً.(593/38)
حكم الألفاظ العامة المشتملة على الدعاء
السؤال
هل: أنعم الله بك عيناً، مثل الألفاظ الجارية المنتشرة: صباح الخير، صباح النور، مساء الخير، مساء النور؟
الجواب
ليس مثل هذا؛ لأن صبحك الله بالخير دعاء، ولا بأس بذلك، ومثل أقر الله عينيك لا بأس بها.(593/39)
حكم من قال (عاش من شافك)
السؤال
هل يلحق بأنعم الله بك عيناً ما يذكر في بلادنا إذا رآه يقول: (عاش من شافك)؟
الجواب
هذا يدعو لنفسه وما دعا للمخاطب، ومثل هذا غير مستقيم.(593/40)
الفرق بين الرعاية والحفظ
السؤال
ما الفرق بين حفظك الله ورعاك الله؟
الجواب
الرعاية قد تكون أعم من الحفظ.(593/41)
الفرق بين التفدية بالنفس والتفدية بالأب والأم
السؤال
أشكل علينا أنكم قلتم: التفدية بالأب والأم لا تليق إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقلتم بأن قول الرجل: جعلني الله فداك لمن له مقام رفيع يجوز، ونعلم أن الفداء بالأنفس أعظم من الفداء بالأب والأم، فأفيدونا؟
الجواب
الإنسان يفدي بنفسه؛ ولا يرخص أباه وأمه وكونه يهون من شأن نفسه أهون من تهوينه من شأن أبويه.(593/42)
حكم القيام للنشيد الوطني
السؤال
في بلادنا إذا أنشد النشيد الوطني فواجب على كل من سمعه أن يقوم له، فهل في هذا محظور؟
الجواب
أي نعم فيه محذور، وهو شيء محظور.(593/43)
حكم القيام للداخل لإجلاسه في المكان
السؤال
إذا قام الرجل ليعطيه مكانه فهل هذا يجوز؟
الجواب
جاء في الحديث: (ولكن تفسحوا)، وكان ابن عمر رضي الله عنه إذا قام أحد له لا يجلس مكانه، ولكن يفسح له كما هو صنيع الرسول صلى الله عليه وسلم فيحصل المقصود بدون مخالفة، وإذا كان الرجل كبيراً والجالس صغيراً وأراد أن يظهر له براً والأماكن غير كافية؛ فلا شك أن من توقير الكبير أن يجلس، فالصغير أهون من الكبير في مثل ذلك.(593/44)
توجيه قول النبي لسعد (ارم فداك أبي وأمي)
السؤال
جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ سعد بن أبي وقاص: (ارم فداك أبي وأمي)، فكيف يوجه؟
الجواب
هذا الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فداك أبي وأمي) لـ سعد، وأبوه وأمه ليسا مسلمين، وهذه من الأمور التي كانوا اعتادوها وألفوها، لكن الإنسان لا يخص أبويه عند أحد من الناس فيقول: أبي وأمي فداء لك، وإنما يجعل نفسه فداء له إذا أراد، وأما كونه يرخص أبويه فلا؛ لأن لهما عليه فضل الولادة والإحسان والتربية والتنشئة، فلا يرخصهما لأحد من الناس، ولا أدري هل جاء عن أحد من السلف أنهم كانوا يقولون لبعضهم مثل هذا الكلام؟(593/45)
حكم قول (الله يسلمك ويسلمه) لمبلغ السلام
السؤال
في بلادنا عادة وهي: إذا قيل: إن فلاناً يسلم عليك.
يرد المسلَّم عليه بقوله: الله يسلمك ويسلمه؟
الجواب
هذا ليس مطابقاً للسنة، وإنما يقول: عليك وعليه السلام، وإن كان: الله يسلمك ويسلمه دعاء له بالسلامة، ولكن (عليك وعليه السلام) هي السنة، والإنسان يأتي بالوارد أفضل.(593/46)
حكم التوكؤ على العصا
السؤال
ما حكم التوكؤ على العصا وهل هو سنة؟
الجواب
إذا كان لحاجة يتوكأ عليها، وأما إذا كان لغير الحاجة فلا حاجة إلى ذلك.(593/47)
حكم رد السلام على حامله
السؤال
بالنسبة لحديث عائشة رضي الله عنها أنها لما ردت السلام على جبريل: وعليه السلام، ولم تقل: وعليك، أليس لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حاضراً عندها فلذلك لم تحتج لأن تقول (وعليك) بخلاف الذي جاء يبلغ السلام، فإنه كان غائباً عن المسلم عليه؟
الجواب
لا.
قد يكون الجالس قد جلس مع شخص آخر، ثم يقول له بعد أن يتذكر: فلان يقرئك السلام.
فلا فرق بين من يبلغ السلام سواء كان داخلاً أو جالساً من قبل.(593/48)
حكم القيام للسلام على الذمي
السؤال
هل يجوز القيام للسلام على ذمي؟
الجواب
الذمي لا يستحق الاحترام والتوقير ولا يبدأ بالسلام، ولكنه إذا مد يده يمكن أن تمد يدك، وأما كونك تقوم من أجل أن تسلم عليه، فلا تسلم عليه ولا تصافحه ولا تبدأه بالسلام، ولكن إذا سلم عليك فرد عليه، وإن مد يده مد يدك.(593/49)
حكم القيام لمصافحة الداخل
السؤال
سمعنا أنه إذا دخل رجل ويريد المصافحة أن يبقى الجالس على مكانه ويصافح وهو في مكانه من غير قيام، وأن هذا أفضل من القيام له؟
الجواب
القيام إليه لا بأس به، فأن يقوم إليه ليصافحه أو يعانقه وهو قائم أحسن من أن يعانقه وهو جالس، ويكون مساوياً له.(593/50)
حكم تقبيل يد غير ذوات المحارم
السؤال
ما حكم تقبيل يد العجائز من كبار السن من غير ذوات المحارم؟
الجواب
ليس للإنسان أن يقبل غير ذوات المحارم، لا عجائز ولا غير عجائز، فلا مصافحة ولا تقبيل للأجنبيات.(593/51)
حكم الانحناء الزائد عن الحاجة للاحترام
السؤال
عندنا أن المرأة إذا جاءت لتقديم الماء للرجل تنحني أو تهوي بركبتيها احتراماً له، فهل ذلك جائز؟
الجواب
لا يجوز فعل شيء غير الأمر الذي يقتضيه الانحناء في طبيعة الإنسان، فعندما تناول من كان جالساً لا يجوز أن تعمل شيئاً زائداً عن الحاجة من أجل الاحترام، وهذا داخل في الانحناء الممنوع، وأما الانحناء الذي يقتضيه وضع الإنسان القائم على الجالس فهو شيء طبيعي وجبلي.(593/52)
حكم تخصيص زيارة القبور في أيام معينة
السؤال
هل تسن زيارة أحد كل خميس والبقيع يوم الجمعة؟
الجواب
لا يوجد ما يدل على تخصيص أيام معلومة بالزيارة للقبور، لا خميس ولا جمعة ولا أي يوم آخر.(593/53)
صحة حديث (الدنيا ملعونة)
السؤال
ما حال حديث: (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله)؟
الجواب
هذا حديث صحيح.(593/54)
صحة حديث (الدعاء هو العبادة)
السؤال
أي اللفظين صحيح: (الدعاء مخ العبادة)، أو (الدعاء هو العبادة)؟
الجواب
( الدعاء هو العبادة) وأما (الدعاء مخ العبادة) فضعيف.(593/55)
حكم الدعاء بصيغة كثر الله من أمثالك
السؤال
ما حكم الدعاء بصيغة: كثر الله من أمثالك؟
الجواب
يبدو أنه لا بأس به إذا كان طيباً ويدعى أن يكثر من أمثاله الطيبين.
فهذا شيء طيب.(593/56)
حكم قول هذا من بركاتك
السؤال
هل يجوز أن يقول الرجل للرجل: هذا من بركاتك؟
الجواب
الأولى ألا يقال ذلك.(593/57)
تفضيل الرسول لأحد أصحابه في علم من الشريعة لا يدل على أن الصواب معه دائماً
السؤال
إذا صرح النبي صلى الله عليه وسلم بتفضيل أحد الصحابة في علم ما، فهل هذا دليل على اعتبار قوله إذا خولف في مسألة من هذا العلم، كقوله صلى الله عليه وسلم: (أفرضكم زيد)؟
الجواب
لا أعرف عن ثبوت هذا الحديث شيئاً، وهذا الحديث مشهور، لكن هل هو ثابت أو غير ثابت لا أدري، لكن لا يعني ذلك أن يكون الصواب معه في كل شيء؛ لأن الإنسان قد يكون متمكناً كثيراً، لكن لا يعني ذلك أن يكون الصواب معه في كل شيء.(593/58)
عدم محرمية أم زوجة أبيه
السؤال
أم زوجة أبي هل هي محرم لي؟
الجواب
أم زوجة أبيك محرم لأبيك، وأما أنت فإنك أجنبي عنها.
وللإنسان أن يتزوج أم زوجة أبيه، ويصير عنده الكبيرة وأبوه عنده الصغيرة.(593/59)
جواز تفدية الرسول بالآباء والأمهات
السؤال
في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب وقال: (إن عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده، فبكى أبو بكر وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا) وهذا كان بعد إسلام أبي قحافة فإنه خطب بهذه الخطبة قبيل وفاته صلى الله عليه وسلم بقليل؟
الجواب
التفدية بالأبوين للرسول صلى الله عليه وسلم ليس فيها إشكال، فإن الرسول يفدى بالآباء والأمهات؛ لأن النعمة التي ساقها الله على يديه أعظم من النعمة التي سيقت على أيدي الآباء والأمهات، ولهذا يجب أن تكون محبته فوق محبة الأب والأم، (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) وليست القضية أنهما إذا كانا كافرين يفدى بهما، وإذا كانا مسلمين لا يفدى بهما بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم يفدى بالآباء والأمهات مطلقاً.(593/60)
حكم نهي الداخل القائمين للسلام عليه عن القيام
السؤال
الداخل على مجلس هل الأولى له أن يقول: امكثوا مكانكم ولا تقوموا أم لا؟
الجواب
لا بأس إذا قال ذلك حتى لا يكلفهم ولا يتعبون، ولا يحتاج الأمر إلى أن يقوموا لمصافحته.(593/61)
حكم قول (سلم على كل من لقيت والسلام قبل الكلام)
السؤال
فائدتان: الفائدة الأولى: بعض الناس اليوم يقول للمسافر: سلم على الذي تراه، فالشيخ ابن عثيمين رحمه الله يقول: هذا قد يوقع الرجل في الحرج، فينبغي أن يقول له: سلم على من يسأل عنا.
حتى لا يوقع أخاه في الحرج؟
الجواب
لا شك أن قوله لكل من لقي: فلان يسلم عليك، سواء كان يعرفه أم لا يعرفه، فيه حرج، ولكن من يسأل إذا قال: كيف حال فلان؟ يقال: طيب يسلم عليك.
فهذا طيب لا بأس به، وهذا كلام صحيح.
الفائدة الثانية: قبل أيام سئلتم عن السلام قبل الكلام، وهو حديث رواه الترمذي برقم (2170) عن جابر رضي الله عنه مرفوعاً، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود وفي الصحيحة رقم (816).(593/62)
حالات القيام
السؤال
نرجو أن تعيدوا حالات القيام الثلاثة؟
الجواب
الحالات الثلاث هي: قيام للرجل معدى باللام، وقيام إليه معدى بـ: إلى، وقيام عليه معدى بـ: على.
فالقيام له هو الذي جاء في حديث معاوية الذي مر: (من أحب أن يمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار)، وهو قيام وجلوس فقط.
وأما القيام إليه فلما جاء في حديث: (قوموا إلى سيدكم)، وقيام الرسول صلى الله عليه وسلم لـ فاطمة وقيام فاطمة إليه.
وكذلك القيام عليه جاء فيه قيام المغيرة بن شعبة على رأسه وهو جالس عندما جاء الكفار للصلح مع الرسول صلى الله عليه وسلم عام الحديبية: هذه ثلاث حالات: قيام له.
وهو غير سائغ، وقيام إليه.
وهذا سائغ، وقيام عليه.
يسوغ في بعض الأحيان ولا يسوغ في بعض الأحيان، فيسوغ في مثل الحالة التي جاءت عن الرسول صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، ولا يسوغ في غير ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: (كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على رءوس ملوكهم وهم جلوس)].(593/63)
شرح سنن أبي داود [594]
جاء الإسلام لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وحثهم على عمارة الآخرة والاهتمام بها والتزود لها، وكره لهم التكالب على الدنيا والتطاول فيها والتفاخر ببنيانها وعمارتها.
ومما جاء به الإسلام حث أتباعه على البعد عن مضرة الناس وإيذائهم في أماكن جلوسهم وظلهم وطرقهم، فأمر بإماطة الأذى عن الطريق ومنع اقتراف ما يؤذي الناس، وما ترك الإسلام من شيء فيه نفع إلا وحثنا عليه، أو سوءاً إلا وحذرنا منه.(594/1)
ما جاء في البناء(594/2)
شرح حديث (مر بي رسول الله وأنا أطين حائطاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في البناء.
حدثنا مسدد بن مسرهد قال حدثنا حفص عن الأعمش عن أبي السفر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (مر بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أطين حائطاً لي أنا وأمي، فقال: ما هذا يا عبد الله؟! فقلت: يا رسول الله! شيء أصلحه، فقال: الأمر أسرع من ذلك)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باباً فيما جاء في البناء.
والمقصود من ذلك بنيان البيوت وغيرها، والمقصود من ذكر هذه الترجمة ذكر ما ورد من الأحاديث المتعلقة بالبناء، والحاجة إلى البنيان أمر معلوم، والناس لابد لهم من البنيان واتخاذ الأماكن التي يتخذونها سكناً، والمحذور هو الذي يكون فيه مفاخرة وتكبر أو ما إلى ذلك.
وقد أورد أبو داود عدة أحاديث أولها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو يطين حائطاً له هو وأمه، والمقصود بالتطيين: أنه يبني شيئاً بالطين، فقال: ما هذا؟ قال: شيئاً نصلحه، يعني: أنه فيه خلل فيصلحه.
قال: (الأمر أسرع من ذلك) يعني: أن الموت قريب.
وهذا لا يدل على المنع من ذلك، بل فيه بيان ذهاب وفناء الدنيا، وأن الإنسان لابد أن يغادر هذه الحياة الدنيا، وأن عليه أن يعتني بعمارة الدار الآخرة، وإذا فعل ما يحتاج إليه من البنيان في هذه الحياة الدنيا فلا بأس بذلك، ولهذا كان بعض العلماء قد وعظ البعض وعظاً عظيماً كبيراً، ونصحه بنصيحة قيمة وموعظة بليغة، وكان مما قاله فيها: فاعمر قبرك كما عمرت قصرك.
إشارة إلى الاستعداد للدار الآخرة، وأن الإنسان يعمل الأعمال الصالحة التي يجد فيها السلامة والنجاة في القبر وما بعد القبر، أما وقد حصلت العناية في أمور الدنيا فلا بد أن تكون العناية بما هو أهم وأعظم من أمور الآخرة.
والرسول صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة نزل ضيفاً على أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وكان بيته مكوناً من دورين، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في الدور الأسفل، وكان هو في الدور الأعلى، فجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يتحول من الأسفل إلى الأعلى، وقال: لا أحب أن أكون فوقك يا رسول الله، فانتقل عليه الصلاة والسلام إلى الدور الأعلى.
فالبنيان المحتاج إليه لا بأس به، وهذا أمر لا بد منه، وهو من الأمور الضرورية للناس، وهذا الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ليس منعاً، وإنما هو تنبيه إلى ما هو الأهم والأعظم، وأن الإنسان يستعد للموت، والاستعداد للحياة لا يحتاج إلى أن يوصى الإنسان به فهو مستعد بدون أن يوصى، ولكن الاستعداد للآخرة هو الذي يحتاج إلى تنبيه ووصية.(594/3)
تراجم رجال إسناد حديث (مر بي رسول الله وأنا أطين حائطاً)
قوله: [قال حدثنا مسدد بن مسرهد].
مسدد بن مسرهد ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا حفص].
حفص بن غياث ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي السفر].
أبو السفر هو سعيد بن يحمد وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمرو].
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(594/4)
شرح حديث (ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة وهناد المعنى قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش بإسناده بهذا قال: (مر علي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونحن نعالج خُصاً لنا وهى، فقال: ما هذا؟ فقلنا: خص لنا وهى فنحن نصلحه، فقال رسول الله عليه وعلى آله وسلم: ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو من طريق أخرى، وفيه أنه قال: (خصَّا)، والخص قيل هو: البنيان أو الشيء المتخذ من الخشب والقصب، وهناك قال: (نطين) فإما أن تكون القصة قصتين أو أنها واحدة، ولكنه يعالجه بالبنيان بأن يبني في أسفله حتى يثبت فيه الخشب والقصب، فإذا كانت القصة واحدة فلا تنافي بينهما، فالتطيين لا ينافي إصلاح أو معالجة ما هو متخذ من الخشب والقصب، وذلك لأن الأساس في الأصل إنما يكون بالطين، حيث تبنى جوانبه بالطين حتى يتماسك.(594/5)
تراجم رجال إسناد حديث (ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[وهناد].
هناد بن السري أبو السري ثقة أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا أبو معاوية].
هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
الأعمش مر ذكره.(594/6)
شرح حديث (أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس قال حدثنا زهير حدثنا عثمان بن حكيم قال: أخبرني إبراهيم بن محمد بن حاطب بن القرشي عن أبي طلحة الأسدي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج فرأى قبة مشرفة فقال: ما هذه؟ قال له أصحابه: هذه لفلان.
رجل من الأنصار، قال: فسكت وحملها في نفسه حتى إذا جاء صاحبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسلم عليه في الناس أعرض عنه.
صنع ذلك مراراً حتى عرف الرجل الغضب فيه والإعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه، فقال: والله إني لأنكر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قالوا: خرج فرأى قبتك قال: فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض، فخرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم فلم يرها، قال: ما فعلت القبة؟ قالوا: شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها، فقال: أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا.
يعني: ما لابد منه)].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً ورأى قبة مشرفة، يعني: أنها عالية، فقال: لمن هذه؟ قالوا: لفلان، فكان ذلك الرجل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يظهر له انبساطاً، فتأثر هذا الرجل، فأخبر بعض الصحابة بالذي رآه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه فهم أن في نفسه شيئاً عليه، فقالوا له: إنه سأل عن القبة وإنه ذكر القبة، فذهب وهدمها، فلقيه بعد ذلك فأخبره أنه هدمها فقال: (إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا.
يعني: إلا ما لا بد منه)، يعني الشيء الذي لا يحتاج إليه الإنسان فإنه يكون ضرراً على صاحبه، ولعله اتخذ القبة وجعلها مشرفة، فكان هذا فيه شيء من الصفات الغير حميدة التي قد يفهم منها شيئاً من التكبر أو الترفع، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال.
والحديث ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود، ولكنه أشار إلى أن إسناده جيد أظنه في (الضعيفة)، وفيه رجل وصفه الحافظ بأنه مقبول، والذهبي قال في الكاشف: إنه صدوق، وهو ابن حاطب هذا.
والحديث على حسب ما جاء عن الذهبي أن فيه رجلاً صدوقاً، معناه أن الإسناد جيد، وأما الحافظ فقد قد قال عنه في (التقريب) مقبول، ولا أدري ما وجه قوله عنه: مقبول.
(خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى قبة مشرفة فقال: ما هذه؟ قال له أصحابه: هذه لفلان.
رجل من الأنصار، قال: فسكت وحملها في نفسه حتى إذا جاء صاحبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسلم عليه في الناس أعرض عنه، صنع ذلك مراراً حتى عرف الرجل الغضب فيه والإعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه، فقال: والله إني لأنكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: خرج فرأى قبتك، قال: فرجع الرجل إلى).
يعني: يراه متغيراً متأثر، وأنه كان يعرض عنه فلم يكن كما كان من قبل، فظن أن في الأمر شيئاً، فسأل بعض الصحابة فأخبروه عن قصة القبة.
(فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم فلم يرها، قال: ما فعلت القبة؟ قالوا: شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها، فقال: أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا.
يعني: ما لابد منه) أي ما لابد منه، وهذا فيه حذف اسم لا وخبرها، ويحذف أحياناً الاسم والخبر، وأحياناً يحذف الاسم دون الخبر، مثلما جاء في قول الله عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [الزلزلة:7] إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
يعني: حذف كان واسمها وبقي الخبر، وكذلك أيضاً هنا حذف اسم لا النافية للجنس وخبرها، وكذلك قول الله عز وجل في سورة الطلاق: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:4] حذف المبتدأ والخبر.
وقوله: ((وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ)) أي: فعدتهن ثلاثة أشهر مثل الذي قبله.(594/7)
تراجم رجال إسناد حديث (أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس].
أحمد بن يونس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير].
زهير بن معاوية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عثمان بن حكيم].
عثمان بن حكيم ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[أخبرني إبراهيم بن محمد بن حاطب القرشي].
إبراهيم بن محمد بن حاطب قال عنه في التقريب: صدوق أخرج له أبو داود.
[عن أبي طلحة الأسدي].
أبو طلحة الأسدي مقبول أخرج له أبو داود، وفي الكاشف قال عنه الذهبي صدوق.
[عن أنس].
أنس رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(594/8)
ما جاء في اتخاذ الغرف(594/9)
شرح حديث (فارتقى بنا إلى علية فأخذ المفتاح من حجرته ففتح)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في اتخاذ الغرف.
حدثنا عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي حدثنا عيسى عن إسماعيل عن قيس عن دكين بن سعيد المزني رضي الله عنه قال: (أتينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألناه الطعام، فقال: يا عمر اذهب فأعطهم، فارتقى بنا إلى علية فأخذ المفتاح من حجرته ففتح)].
أورد أبو داود باباً في اتخاذ الغرف.
والغرف: هي التي تكون عالية مثل الدور الثاني، وقال الله: {غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ} [الزمر:20] فهذا هو المقصود بها.
وأورد هذا الحديث الذي فيه أنه قال: سألنا الرسول الطعام فقال: (أعطهم يا عمر)، فخرج وذهب بهم إلى علية يعني: غرفة عالية، وأخذ المفتاح من غرفته ففتح.
وقد مر الحديث الذي أشرت إليه من كون بيت أبي أيوب الأنصاري كان مكوناً من دورين، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم سكن في الطابق الأسفل، وبعد ذلك طلب منه أن يتحول إلى الأعلى، وقال: إنه لا يريد أن يكون فوق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتحول.(594/10)
تراجم رجال إسناد حديث (فارتقى بنا إلى علية فأخذ المفتاح من حجرته ففتح)
قوله: [حدثنا عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي].
عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي ثقة أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا عيسى].
عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إسماعيل].
إسماعيل بن أبي خالد، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قيس].
قيس بن أبي حازم، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقيس هذا مخضرم، وقيل بأنه اتفق له أن روى عن العشرة المبشرين بالجنة.
[عن دكين بن سعيد المزني].
دكين بن سعيد المزني صحابي أخرج له أبو داود.(594/11)
ما جاء في قطع السدر(594/12)
شرح حديث (من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قطع السدر.
حدثنا نصر بن علي أخبرنا أبو أسامة عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن حبشي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار).
سئل أبو داود عن معنى هذا الحديث، فقال: هذا الحديث مختصر، يعني: من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثاً وظلماً بغير حق يكون له فيها صوب الله رأسه في النار].
أورد أبو داود باباً في قطع السدر.
والسدر: هو الشجر الذي ينبت في الفلاة ويكون كبيراً، والناس يتخذونه ظلاً يستظلون به من الشمس، أو يقيلون تحته في أثناء الطريق، وقد مر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل وأصحابه في البر يستظلون بالشجر، وقد مر قريباً أن بلالاً كان في ظل شجرة كأن ظله ظل طائر، وهذا هو المراد بالنهي عن قطع السدر، وأنه لا يقطع إلا إذا كان هناك حاجة إلى قطعه ولم يكن هناك حاجة إليه، وإلا فإن الحطب يؤخذ من هذه الأشجار، وكذلك الأبواب تتخذ من هذه الأشجار.
ولكن إذا كان القطع عبثاً أو لغير فائدة أو أن ذلك يؤدي إلى إفناء تلك الأشجار التي يستظل بها الناس، أو الإتيان إلى الشجر الكبير الذي له ظل كبير ثم يقطع ويتضرر الناس به، هذا هو الذي فيه المحذور، وإلا فإن الشجر الذي لا يترتب على قطعه ضرر لا بأس بقطعه؛ لأنه يتخذ حطباً وأبواباً وغير ذلك من الأغراض التي يتخذه الناس لها.
أورد أبو داود حديث عبد الله بن حبشي رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم (من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار).
هذا بيان لذنبه، وأنه يستحق عذاب النار، ولكن هذا قيل: إنه في شجر الحرم، وقد جاء في بعض الروايات أنها من شجر الحرم.
وقال أبو داود وغيره: إن المقصود من ذلك الشيء الذي يحتاج إليه الناس مثلما جاء في الذي يبول ويتغوط تحت الشجر، وأن هذا يؤذي الناس ويحرمهم من الاستظلال، فيكون من جنس هذا، فهو ممنوع من أجل حاجة الناس إلى ذلك، فإذا لم يكن هناك حاجة إليها وكان الشجر قصيراً أو صغيراً يحتاج الناس إليه للحطب لاسيما إذا كان يابساً، فإنه لا محذور في ذلك ولا بأس به، ولكن الشيء الذي يستفاد منه ويحتاج الناس إليه يمنع من قطعه.
قوله: (صوب الله رأسه في النار) يعني: نكسه وألقاه على رأسه.(594/13)
تراجم رجال إسناد حديث (من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار)
قوله: [حدثنا نصر بن علي].
نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا أبو أسامة].
أبو أسامة حماد بن أسامة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عثمان بن أبي سليمان].
عثمان بن أبي سليمان ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم].
سعيد بن محمد بن جبير مقبول أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن عبد الله بن حبشي].
عبد الله بن حبشي رضي الله عنه صحابي أخرج له أبو داود والنسائي.
والحديث صححه الألباني وفيه هذا المقبول، ويمكن أن يكون له شواهد، ولعل الذي بعده يشهد له.(594/14)
شرح حديث (من قطع سدرة) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مخلد بن خالد وسلمة -يعني ابن شبيب - قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن عثمان بن أبي سليمان عن رجل من ثقيف عن عروة بن الزبير يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه].
وهذا من طريق أخرى، وهي تكون متابعة للرواية السابقة، والرواية السابقة فيها مقبول، والثانية فيها مبهم، والمبهم غير المذكور؛ لأن المبهم قيل: إنه من ثقيف، وأما ذلك فهو من بني نوفل، فهذا غير هذا، ولا يقال: إن هذا هو هذا، بل هذا طريق آخر، والشخص غير الشخص، فهذه الطريق التي فيها هذا المبهم تكون فيها متابعة لتلك الطريق التي فيها الرجل الذي قيل عنه مقبول، وهو الذي يعتضد حديثه إذا جاء من طريق أخرى.
قوله: [حدثنا مخلد بن خالد].
مخلد بن خالد الشعيري وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود.
[وسلمة -يعني: ابن شبيب -].
سلمة بن شبيب ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا عبد الرزاق].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر].
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عثمان بن أبي سليمان عن رجل من ثقيف عن عروة بن الزبير].
عثمان بن أبي سليمان مر ذكره في الإسناد السابق.
وعروة بن الزبير ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
تنبيه: يلحق بالسدر غيره من الأشجار التي يستظل الناس بها؛ لأن النهي ليس من أجل كونه سدراً، وإنما من أجل الاستفادة منه، وأما بالنسبة للحرم فكل شجر الحرم لا يقطع إلا الشيء الذي استغرسه وزرعه الناس فإنهم يقطعونه.(594/15)
شرح حديث (لعن رسول الله من قطع السدر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة وحميد بن مسعدة قالا: حدثنا حسان بن إبراهيم قال: سألت هشام بن عروة عن قطع السدر وهو مستند إلى قصر عروة، فقال: أترى هذه الأبواب والمصاريع إنما هي سدر عروة، كان عروة يقطعه من أرضه وقال: لا بأس به.
زاد حميد فقال: [هيه يا عراقي جئتني ببدعة، قال: قلت: إنما البدعة من قبلكم، سمعت من يقول بمكة: (لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قطع السدر) ثم ساق معناه].
أورد أبو داود حديث حسان بن إبراهيم وهو مرسل مقطوع.
يقول حسان: [سألت هشام بن عروة عن قطع السدر، وهو مستند إلى قصر عروة، فقال: أترى هذه الأبواب والمصاريع إنما هي سدر عروة، كان عروة يقطعه من أرضه، وقال: لا بأس به، زاد حميد فقال: هيه يا عراقي جئتني ببدعة، قال: قلت: إنما البدعة من قبلكم].
أي: كان هشام مستند إلى البيت الذي فيه تلك الأبواب والمصاريع، وسأله حسان بن إبراهيم عن قطع السدر، فقال: هذه الأبواب وهذه المصاريع هي من السدر.
ومعناه أن ذلك جائز، فكأنه كلم أن ذلك لا يجوز، وهذا يخالف ما قاله له من أن هذه الأبواب من السدر، وأن ذلك جائز.
فقال: جئتني ببدعة، قال: البدعة من جهتكم حدثني رجل: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن قاطع السدر).
يعني: هذا الكلام الذي قاله حسان وكان يخاطب به هشام بن عروة وقال له: جئتني ببدعة، يخالف ما قاله من أن الأبواب تتخذ من السدر، وأن ذلك سائغ وجائز، فذكر هذا الحديث.
ومعلوم أن حساناً متأخر ففيه انقطاع؛ لأن حساناً من الطبقة الثامنة مات سنة ست وثمانين وله مائة سنة، أي أنه مولود في القرن الأول، ولعله لقي أحد الصحابة لأن أنساً توفي سنة مائة وعشرة فلعله أدركه، فيمكن من ناحية الزمن أن يكون أدركه، ولكنه من حيث الطبقة متأخر جداً.
هنا قال: [هيه يا عراقي! جئتني ببدعة، قال: إنما البدعة من قبلكم].
يعني هذا الذي جئت به أو الذي قلته هو منكم.
قوله: [فقد سمعت من يقول هذا بمكة].
يعني أنه ليس من العراق بل من مكة.
فـ هشام بن عروة يقول: إن هذه الأبواب من السدر، فكأن ذاك قال له: إن هذا لا يجوز، ثم قال: جئتني ببدعة، قال: البدعة من قبلكم فقد حدثني بهذا رجل من الحجاز وليس من جهة العراق.(594/16)
تراجم رجال إسناد حديث (لعن رسول الله من قطع السدر)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة].
هو القواريري، وهو ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[وحميد بن مسعدة].
صدوق أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا حسان بن إبراهيم].
حسان بن إبراهيم صدوق يخطئ أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود.
[عن هشام بن عروة].
هشام بن عروة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.(594/17)
ما جاء في إماطة الأذى عن الطريق(594/18)
شرح حديث (في الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في إماطة الأذى عن الطريق.
حدثنا أحمد بن محمد المروزي قال: حدثني علي بن حسين قال: حدثني أبي قال: حدثني عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي بريدة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (في الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاً، فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منه بصدقة، قالوا: ومن يطيق ذلك يا نبي الله؟ قال: النخاعة في المسجد تدفنها، والشيء تنحيه عن الطريق، فإن لم تجد فركعتا الضحى تجزئك)].
أورد أبو داود باب إماطة الأذى عن الطريق.
يعني: الذي يؤذي الناس من حجر أو شوك أو زجاج أو غير ذلك يماط عن الطريق، وهي من شعب الإيمان كما في حديث شعب الإيمان: (أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) فهي من جملة الأعمال التي هي داخلة في مسمى الإيمان.
أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاً).
يعني: مثل مفاصل الأصابع والكف والمرفق والإبط.
(فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منه بصدقة).
فرأوا أن ذلك شاق فقالوا: من يطيق؟ وظنوا أن ثلاثمائة وستين عملاً لا بد أن تعمل، وأن ثلاثمائة وستين صدقة لا بد أن تدفع فيكون كثيراً وشاقاً، والرسول صلى الله عليه وسلم بين لهم أن هناك أموراً وأعمالاً تقوم مقام هذا العدد فقال: (النخاعة في المسجد تدفنها، والشيء تنحيه عن الطريق).
وهذا محل الشاهد، وذلك أن الإنسان عندما ينحي أو يميط فهو يفعل ذلك بيديه وبحركته، ومعلوم أن تلك المفاصل تشتغل وتتحرك.
ثم قال: (فإن لم تجد فركعتا الضحى تجزئك).
يعني تجزئك عن هذه: لأن ركعتي الضحى هي حركات وقيام وركوع وسجود، والأعضاء والمفاصل كلها تتحرك بسبب هذا الفعل، فيكون قد أدى هذه الصدقات، ولكن العمل الذي فيه الصدقة متعد لأن إماطة الأذى عن الطريق صدقة منه على غيره، وصدقة منه على نفسه، وكون الإنسان يدفن النخاعة ويزيلها هو نفع متعد؛ لأن الناس يرون هذا الذي يستقذرونه في المسجد، وبعد ذلك إن لم يجد ما يتعدى نفعه فيجزئه عن ذلك ركعتا الضحى، ومعلوم أن نفع الركعتين قاصر وليس متعدياً.
وكل ذلك فيه عمل هذه المفاصل، فيكون الإنسان تصدق على نفسه وعلى غيره فيما نفعه متعد، وتصدق على نفسه فيما إذا كان النفع قاصراً وليس متعدياً كالصلاة.
ونص على ركعتي الضحى لأنها ليست متعلقة بفرائض فتكون جبراً؛ لأن النوافل التي تكون قبل الفرائض وبعدها هي سياج لها وتكون جبراً لها، وقد جاء في الحديث (أن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة فيقال: انظروا هل لعبدي من صلاة نفل فيتمم به صلاة الفرض) يعني: يتمم به ما نقص من صلاة فرضه، فتكون تلك النوافل جوابر، وأما ركعتا الضحى فليس لهما علاقة بالفرائض بل هي مستقلة.
ثم أيضاً هي في وقت يطول فيه الفصل بين الصلوات؛ لأن ما بعد صلاة الفجر إلى الزوال لا توجد إلا الضحى، فيكون الإنسان في هذا الوقت قد أتى بهذا العمل في هذا الوقت الطويل الذي كان آخر عهده بالعبادة في صلاة الفجر، وبعد ذلك سيأتي وقت صلاة الظهر والنوافل التي قبلها بعد الزوال.(594/19)
تراجم رجال إسناد حديث (في الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاً)
قوله: [حدثنا أحمد بن محمد المروزي].
أحمد بن محمد بن ثابت المروزي هو ابن شبويه، وهو ثقة أخرج له أبو داود.
[حدثني علي بن حسين].
علي بن حسين بن واقد صدوق يهم أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[حدثني أبي] وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثني عبد الله بن بريدة].
عبد الله بن بريدة بن حصيب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت أبي].
أبوه هو بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.(594/20)
شرح حديث (وإماطته الأذى عن الطريق صدقة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد ح وحدثنا أحمد بن منيع عن عباد بن عباد -وهذا لفظه وهو أتم- عن واصل عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة: تسليمه على من لقي صدقة، وأمره بالمعروف صدقة، ونهيه عن المنكر صدقة، وإماطته الأذى عن الطريق صدقة، وبضعته أهله صدقة، قالوا: يا رسول الله! يأتي شهوة وتكون له صدقة، قال: أرأيت لو وضعها في غير حقها أكان يأثم، قال: ويجزئ من ذلك كله ركعتان من الضحى).
قال أبو داود: لم يذكر حماد الأمر والنهي].
أورد أبو داود حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي قال: (يصبح على كل سلامى من الناس صدقة) والسلامى هي بمعنى المفاصل، مثل مفاصل اليدين، وقيل: هي جميع المفاصل، وهو مثل الذي قبله.
ثم ذكر جملة من الأعمال تكون من الصدقة قال: (تسليمه على من لقي صدقة).
يعني: صدقة منه على نفسه وعلى غيره؛ على غيره لأنه دعا له، وعلى نفسه لأنه بدأ بالسلام فهو مأجور ومثاب على ذلك، وهو محسن إلى نفسه وإلى غيره.
(وأمره بالمعروف صدقة).
كونه يأمر بمعروف، ويرشد إلى خير ويدل عليه، وينبه على فعل مأمور ليفعل هي صدقة منه على نفسه وعلى غيره، صدقة منه على غيره لأن غيره يأخذ بهذا الأمر ويستفيد فيفعل المعروف، وهذا كان سبباً في إفادته ودعوته فيكون مأجوراً على ذلك.
قوله: (ونهيه عن المنكر صدقة).
كما أن الأمر بما هو معروف صدقة فكذلك النهي عما هو منكر والتحذير من أمر محرم صدقة، أو أنه يخشى أن يقع غيره فيه فينبهه على ذلك فيكون صدقة منه على نفسه وعلى غيره.
قوله: (وإماطته الأذى عن الطريق صدقة).
وإماطته الأذى عن الطريق صدقة منه على نفسه وعلى غيره.
(وبضعته أهله صدق).
يعني: مجامعة أهله صدقه على نفسه وعلى غيره.
(قالوا: يا رسول الله! يأتي شهوة وتكون له صدقة، قال: أرأيت لو وضعها في غير حقها أكان يأثم؟) يعني: أنه يستفيد منه، ومنفعته عائدة إليه ويكون له فيها أجر، قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان يأثم؟ قالوا: نعم.
قال: فكذلك إذا وضعها في حلال، فإنه يؤجر، لأنه يعف نفسه ويعف غيره.
وهذا فيه دليل على إثبات القياس؛ لأنه قاس حالاً على حال، فالمقيس عليه هو وضعها في حرام وأنه يأثم، فيقاس عليه أنه إذا وضعها في حلال فإنه يؤجر.
قوله: (ويجزئ عن ذلك كله ركعتان من الضحى).
وهذا مثلما في الحديث الذي قبله.(594/21)
تراجم رجال إسناد حديث (وإماطته الأذى عن الطريق صدقه)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد مر ذكره.
[حدثنا حماد بن زيد].
حماد بن زيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا أحمد بن منيع].
أحمد بن منيع ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عباد بن عباد].
عباد بن عباد ثقة ربما وهم أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن واصل].
[واصل بن عيينة وهو واصل مولى أبي عيينة صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن يحيى بن عقيل].
يحيى بن عقيل صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن يحيى بن يعمر].
يحيى بن يعمر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي ذر].
هو جندب بن جنادة رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[قال أبو داود: لم يذكر حماد الأمر والنهي].
يعني حماد بن زيد الذي في الطريق الثانية المقابلة لطريق عباد بن عباد.
وقد ساقه على لفظ عباد وقال: إنه أتم، وقال: إن حماد بن زيد لم يذكر الأمر والنهي، يعني قوله: (أمره بمعروف صدقة، ونهيه عن منكر صدقة).(594/22)
شرح حديث (وإماطته الأذى عن الطريق صدقة من طريق ثانية)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا وهب بن بقية أخبرنا خالد عن واصل عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلي عن أبي ذر رضي الله عنه بهذا الحديث، وذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وسطه].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وقال: بهذا الحديث وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في وسطه.
معناه: أنه جاء في أثناء الحديث، ويوضح ذلك الجماعة الذين جاءوا إلى رسول الله وقالوا: ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي وكذا وكذا، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم كذا وكذا، فيكون معنى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في وسطه: أنه ما جاء ذكر النبي في أوله كما في الأحاديث الأخرى التي يقول فيها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما فيه كلام ثم جاء ذكر النبي في وسطه.
وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في وسطه إخبار عن الحالة الواقعة، وهي أن النبي مذكور في الوسط، ولكنه في عون المعبود قال: إن ذكر النبي هنا فاعل.
يقول: وذكر النبي صلى الله عليه وسلم بالرفع فاعل، ذكر أي: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث في وسطه بفتح الواو وسكون السين، أي: في وسط كلامه، فالضمير المجرور يرجع إلى كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
لأن الظاهر أن كلمة (ذكر النبي) تماثل: وذكر النبي في وسطه، أي: الرواي، أو أن الذي ساق الحديث ذكر النبي في وسطه وما جاء ذكر النبي في أوله وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكر شيئاً ثم جاء ذكر النبي في أثنائه.(594/23)
تراجم رجال إسناد حديث (وإماطته الأذى عن الطريق صدقة) من طريق ثانية
قوله: [حدثنا وهب بن بقية].
وهب بن بقية الواسطي ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[أخبرنا خالد].
خالد بن عبد الله الطحان الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن واصل عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلي].
وقد مر ذكرهم، وأما أبو الأسود الديلي فهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي ذر].
مر ذكره.(594/24)
شرح حديث (نزع رجل لم يعمل خيراً قط غصن شوك عن الطريق)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عيسى بن حماد أخبرنا
عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (نزع رجل لم يعمل خيراً قط غصن شوك عن الطريق، إما كان في شجرة فقطعه وألقاه، وإما كان موضوعاً فأماطه؛ فشكر الله له بها فأدخله الجنة)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن رجلاً نزع غصناً في طريق، وكان رجلاً لم يعمل خيراً قط؛ فشكر الله له ذلك فأدخله الجنة.
(إما كان في شجرة فقطعه وألقاه، وإما كان موضوعاً فأماطه).
إما كان في شجرة فقطعه لأن الشجرة تؤذي المارة وتعترضهم وتؤذيهم، فقطع ذلك الغصن حتى إذا مر الناس لا يؤذيهم ذلك الغصن، أو أنه كان موجوداً في الطريق فأزاله عن الطريق الذي يمر به الناس، وهذا يدل على فضل إماطة الأذى عن الطريق.
وقوله: (لم يعمل خيراً قط) لا يعني ذلك أنه لم يكن فعل شيئاً من الأعمال مثل الصلاة وغيرها، فإن تلك أمور لا بد منها.(594/25)
تراجم رجال إسناد حديث (نزع رجل لم يعمل خيراً قط غصن شوك عن الطريق)
قوله: [حدثنا عيسى بن حماد].
عيسى بن حماد هو الملقب زغبة وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[أخبرنا الليث].
الليث بن سعد المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عجلان].
محمد بن عجلان صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن زيد بن أسلم].
زيد بن أسلم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح].
أبو صالح السمان وهو ذكوان وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
والرجل يراد به رجلاً من الأمم السابقة، ويحتمل كونه من هذه الأمة.(594/26)
ما جاء في إطفاء النار بالليل(594/27)
شرح حديث (لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في إطفاء بالنار بالليل.
حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه رواية، وقال مرة: يبلغ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون)].
أورد أبو داود باباً في إطفاء النار بالليل.
يعني: إذا نام الناس والنار موجودة في البيت فإنها تطفأ، كالسرج أو كالنار التي أوقدها الناس بالحطب؛ فقد ينام الناس وينتقل اللهب، أو ينتقل شيء منها على فرشهم فيكون الحريق، وكذلك السراج إن كان له فتيلة وكان يوقد بالزيت فقد تحركه الفأرة فينقلب، ويتصل بشيء فيه احتراق فيحدث بسبب ذلك الاحتراق.
وفي هذا الزمان توجد الكهرباء ويمكن أن يترتب عليها خلل، وأن يحصل فيها التماس، فعند ذلك تطفأ، وإذا كان يغلب عليها السلامة والناس بحاجة إليها فلا بأس، وإن لم يكونوا بحاجة إلى نور عند النوم فإنهم يطفئونه، وإذا كانوا بحاجة إلى النور ويعرفون من العادة المستمرة عندهم أن مثل هذه الإضاءة تكون مفتوحة ومع ذلك لا يترتب عليها شيء من الضرر فإنه لا بأس بذلك.
أورد أبو داود حديث ابن عمر قال: (لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون).
يعني: لا تتركوها مشتعلة، فاعملوا على إطفائها قبل أن تناموا.
وهذا من أدلة سد الذرائع، لأنه نهى عن هذه الوسيلة من أجل أنها تؤدي إلى غاية ضارة أو يخشى أن تؤدي إلى غاية ضارة.(594/28)
تراجم رجال إسناد حديث (لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون)
قوله: [أحمد بن محمد بن حنبل].
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان عن الزهري].
سفيان بن عيينة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم].
سالم بن عبد الله بن عمر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
عبد الله بن عمر، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
[قال مرة: رواية، وقال مرة: يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم].
لأن هذا من الألفاظ التي بمعنى (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أو (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وأحياناً قول الصحابي (رواية) يعني أنه يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو يقول: (يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم) فهي كلها من الألفاظ التي يؤتى بها لإفادة أن الحديث مرفوع؛ لكن يمكن أن يكون الراوي إنما يأتي بها لأنه لم يتيقن الصيغة التي حصلت، هل هي: (سمعت) أو هي: (قال).
ويكون الراوي عن الصحابي يقول: (رواية) أو (يبلغ به النبي) أو (ينميه إلى النبي)؛ وكلها عبارات تفيد الرفع، ولكنها تحمل على أن الراوي الذي دون الصحابي ما ضبط الصيغة التي قالها الصحابي فأتى بشيء يدل عليها، وهي كلمة (رواية) أو (يرويه) أو (ينميه) أو (يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم).(594/29)
شرح حديث (إذا نمتم فأطفئوا سرجكم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن عبد الرحمن التمار حدثنا عمرو بن طلحة حدثنا أسباط عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعداً عليها، فأحرقت منها مثل موضع الدرهم، فقال: إذا نمتم فأطفئوا سرجكم؛ فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتحرقكم)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس أن فأرة جرت الفتيلة التي في السراج فوقعت على الخمرة، وهي الفراش الذي كان يجلس عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فأحرقت منها مقدار الدرهم، ومعناه: أن الإحراق حصل في هذا الموضع من هذه الخمرة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نمتم فأطفئوا سرجكم، فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتحرقكم).
يعني هذه الفأرة يدلها الشيطان على مثل هذا العمل فتحرق عليكم متاعكم وأثاثكم أو بيوتكم.(594/30)
تراجم رجال إسناد حديث (إذا نمتم فأطفئوا سرجكم)
قوله: [حدثنا سليمان بن عبد الرحمن التمار].
سليمان بن عبد الرحمن التمار صدوق أخرج له أبو داود.
[حدثنا عمرو بن طلحة].
عمرو بن طلحة صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة في التفسير.
[حدثنا أسباط].
أسباط بن نصر وهو صدوق كثير الخطأ أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سماك].
سماك بن حرب وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عكرمة].
عكرمة مولى ابن عباس وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(594/31)
الأسئلة(594/32)
شرح حديث (كل شيء يؤجر عليه ابن آدم إلا في البنيان)
السؤال
هل يوجد حديث: (كل شيء يؤجر عليه ابن آدم إلا في البنيان)؟
الجواب
( يؤجر ابن آدم على كل شيء إلا البنيان) ذكره البخاري معلقاً في كتاب الطب لما زاروا خبيباً رضي الله عنه وهو يصلح بنياناً له فقال لهم: (كل شيء يؤجر فيه إلا البنيان).
وإذا صح الحديث فيحمل على الشيء الذي لا حاجة إليه، أو على ما كان من أجل التكبر أو ما إلى ذلك.(594/33)
حكم القبب الموجودة على البنيان
السؤال
القبب الآن الموجودة على كثير من العمارات والبنيان ما حكمها؟
الجواب
الذي يبدو أنه لا بأس بها إلا إذا كان المقصود به التكبر، وأيضاً تركها لا شك أنه أولى؛ لأن فيها تضييع الأموال وفيها تكلفاً، الأمر الثاني: أن فيها تضييعاً للسطح وعدم الاستفادة منه مثلما هو مشاهد في المسجد القديم فسطحه لا يمكن أن يستفاد منه لأنه كله قبب، فهو شيء ضائع.(594/34)
معنى قوله (يسلم عليه في الناس ثم يعرض عنه)
السؤال
قول الراوي: (يسلم عليه في الناس ثم يعرض عنه) هل النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد عليه السلام؟
الجواب
لعله كان يرد عليه السلام ثم يعرض عنه.(594/35)
ملازمة النصيحة للهجر
السؤال
هل يوجد دليل على جواز الهجر من غير نصيحة؟
الجواب
النصح مطلوب؛ لأن الإنسان قد يُهجَر وهو لا يدري ما سبب الهجر، ولكن لعل الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مع صاحب القبة من أجل أن يتنبه وأن يحصل له التأثر، فيسأل عن الشيء الذي حصل بسببه التأثر من أجله، لكن معلوم أن النصح مطلوب، وأن الإنسان لا يهجر إلا وقد نصح، فلا يقال: إن الإنسان يهجر بدون أن ينصح.
ثم أيضاً الهجر يكون ممن ينفع هجره مثل الرسول صلى الله عليه وسلم إذا هجر، أو من له منزلة، وأما إذا هجر إنسان آخر، ولا يترتب على الهجر فائدة فليس من وراء ذلك فائدة، بل عليه أن يكثر من مناصحته ومن الاتصال به، والعمل على هدايته واستقامته، وأن يزوده بما يوضح ذلك الشيء الذي هو منتقد عليه إذا كان ذلك الانتقاد صحيحاً.(594/36)
حكم ترك السلام على الواقع في معصية
السؤال
وهل يستفاد من حديث صاحب القبة ترك السلام على من فعل المعصية؟
الجواب
نعم.
الذي هو متلبس بمعصية لا يسلم عليه.(594/37)
الجمع بين سعة المجالس وسعة البنيان
السؤال
كيف نوفق بين هذه الأحاديث وبين ما جاء في بعض الأحاديث من الترغيب في سعة الدار وأن ضيقها شؤم؟
الجواب
سعة المجالس غير سعة البنيان الذي لا حاجة له، كما قال: (إلا ما لا) أي: ما لابد منه، أما المجالس فقد قال صلى الله عليه وسلم: (خير المجالس أوسعها) لأن المجلس الواسع يجلس فيه الناس، ويكون فيه مجال لاستماع الناس إذا جاءوا؛ فلا يرجع بعضهم لأنه ما وجد مكاناً، فإذا كان المكان واسعاً حصل فيه الاستفادة واستيعاب الزائرين أو الضيوف، بخلاف ما إذا كان ضيقاً فإنه قد يترتب على ذلك أن ينصرف بعض الناس؛ لأنه ما وجد مكاناً، فيحمل ما جاء على الشيء الذي لا حاجة إليه، وأما الشيء الذي له حاجة فإن ذلك لا بأس به ولو كان واسعاً، وهو أمر مطلوب، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (خير المجالس أوسعها).(594/38)
حكم عدم إطفاء الدفاية الكهربائية ليلاً
السؤال
ما حكم إطفاء الدفاية الكهربائية في أيام الشتاء، لأنها ربما تترك شغالة؟
الجواب
وهذه هي التي يمكن احتراقها بسبب الإهمال لها وطول مدة التشغيل قد تسبب شيئاً من الضرر.(594/39)
حكم قول: (شكر الله لك)
السؤال
في الحديث قال: (شكر الله له الرجل) أي: الذي نحى غصن الشوك، فهل يصلح هذا دليلاً لقول بعضهم إذا عملت له معروفاً: شكر الله لك؟
الجواب
في القرآن: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14].(594/40)
عدم وجوب الصدقة عن كل سلامى
السؤال
في الحديث: (على كل سلامى صدقة) وفي آخر (فعليه) فهل هذه الألفاظ تدل على الوجوب؟
الجواب
الذي يبدو أن مثل هذا لا يدل على الوجوب؛ لأنه قال: (يجزئ عن ذلك ركعتان من الضحى) ومعلوم أن ركعتي الضحى ليستا واجبتين.(594/41)
حكم إماطة الأذى عن الطريق
السؤال
إماطة الأذى عن الطريق هل هي واجبة أو مستحبة؟
الجواب
الذي يبدو أنها واجبة؛ لأن الناس يلحقهم ضرر بها.(594/42)
حكم إماطة الأذى عن الطريق في بلاد الكفر
السؤال
من كان في بلاد الكفر، فهل يميط الأذى عن الطريق؟
الجواب
نعم.
يميط الأذى عن الطريق ولو كان في بلاد الكفر.(594/43)
حكم رمي الأذى في الطريق
السؤال
ما حكم من يرمي الأذى في الطريق؟
الجواب
كونه بدلاً من أن يرفعه يلقيه في الطريق لا شك أنه آثم، وهذا مثل الذي يتبول، لكن قوله: (اتقوا اللعانان) مقصود به الذي يتخلى في الطريق وفي ظل الناس الذي يستظلون به.(594/44)
نقص إيمان من يرمي الأذى في الطريق
السؤال
هل ممكن أن يقال عن هذا الذي يرمى الأذى في الطريق إنه ناقص الإيمان؟
الجواب
نعم.
لا شك أنه ناقص الإيمان؛ لأن هذا فيه إيذاء وإضرار بالناس.(594/45)
استحباب المداومة على صلاة الضحى
السؤال
كيف نجمع بين قوله: (فعليه أن يتصدق عن كل مفصل، وتجزئ من ذلك ركعتان من الضحى) وهو صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم على صلاة الضحى بل كان يصليها أحياناً؟
الجواب
جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلاها، وهي مما أوصى به عليه الصلاة والسلام، فالمداومة عليها لا بأس به، وجاء في حديث أبي هريرة: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث وذكر صلاة الضحى والوتر قبل النوم وصيام ثلاثة أيام من كل شهر)، فكون الإنسان يداوم على صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وعلى ركعتي الضحى، ويوتر قبل أن ينام إذا كان لا يتمكن من الوتر في آخر الليل، هو ما أوصى به النبي أبا هريرة وقال أبو ذر يقول: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بهذه الثلاث).(594/46)
ضعف حديث (من تعلم لغة قوم أمن مكرهم)
السؤال
ما صحة حديث: (من تعلم لغة قوم أمن مكرهم)؟
الجواب
ما نعلم أنه ثبت بهذا حديث، وأيضاً مجرد تعلم لغة القوم لا يؤمن من مكرهم، بل يمكن أن يمكروا به وهو يعرف لغتهم ويجيدها.(594/47)
حكم التصدق على النفس بلقطة
السؤال
من وجد خاتم ذهب صغير في أحد شوارع المدينة النبوية بين لابتيها، فهل يجوز له أن يتصدق بثمنه على نفسه لأنه فقير محتاج وعليه ديون؟
الجواب
كونه يتصدق على غيره هو الأسلم له، وهذا الخاتم لا يسدد له الديون.(594/48)
شرح سنن أبي داود [595]
قد يبتلى المرء فيجد في بيته حية، فعندئذ يتردد هل يقتلها أم يتركها؛ لأنها قد تكون من الجن، وقد وردت الأحاديث في كيفية التعامل معها.(595/1)
ما جاء في قتل الحيات(595/2)
شرح حديث (ما سالمناهن منذ حاربناهن)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قتل الحيات.
حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا سفيان عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما سالمناهن منذ حاربناهن، ومن ترك شيئاً منهن خيفة فليس منا)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في قتل الحيات.
وهنا لفظ الحيات مطلق يشمل الحيات التي تكون في البراري والفلوات والتي تكون في البيوت، وقد جاءت الأحاديث في هذا وفي هذا.
فجاء في حيات البيوت أن الإنسان يحذرها قبل أن يقتلها، ويكون ذلك لمدة ثلاثة أيام أو ثلاث مرات، كما جاءت بذلك الأحاديث التي ذكرها أبو داود، وأما التي في غير البيوت، فتقتل من أول وهلة، ومتى تمكن الإنسان يبادر إلى قتلها.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما سالمناهن منذ حاربناهن) يعني أن العداوة موجودة بين الإنسان وبين الحيات، وأنه لا يكون بينه وبينها مسالمة، ومعنى ذلك: أن من الأصل وطبع الإنسان أنه محارب لها وهي محاربة له، هي عدوة له يحصل منها ما يحصل من الضرر، وهو كذلك عدو لها لما يخشى من ضررها، فهو يقتلها ويبادر إلى قتلها إذا كانت في غير البيوت، وأما إذا كانت في البيوت فإنه لا يقتلها إلا بعد تحذيرها كما سيأتي في الأحاديث.
قوله: (ومن تركهن خيفة فليس منا).
وهذا يدل على أن الإنسان يحرص على قتل الحيات إذا وجدهن، وأنه كان مأذوناً بقتلهن من أول وهلة، وأن لا يتهاون في ذلك؛ لأن في ذلك قضاء على الشر وعملاً على التخلص من الشر، حتى لا تتمكن من إيذاء أحد؛ لأن بقتلها تحصل السلامة منها.
ذكر صاحب العون بأن المراد العداوة التي بينها وبين آدم عليه السلام على ما يقال: إن إبليس قصد دخول الجنة.
ولا نعلم ورود شيء من ذلك، وهذه أمور غيبية لا يقال بها إلا إذا ثبتت، ولا نعلم شيئاً يدل على ثبوتها.(595/3)
تراجم رجال إسناد حديث (ما سالمناهن منذ حاربناهن)
قوله: [حدثنا إسحاق بن إسماعيل].
إسحاق بن إسماعيل ثقة أخرج له أبو داود.
[حدثنا سفيان].
سفيان بن عيينة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عجلان].
هو محمد بن عجلان المدني صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
وهو لا بأس به -وهو بمعنى صدوق- أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.(595/4)
شرح حديث (اقتلوا الحيات كلهن)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري عن إسحاق بن يوسف عن شريك عن أبي إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اقتلوا الحيات كلهن، فمن خاف ثأرهن فليس مني)].
أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقتلوا الحيات كلهن، فمن خاف ثأرهن فليس مني)، يعني كل حية، ولكن -يخرج- من ذلك حيات البيوت كما سيأتي.
(فمن خاف ثأرهن) يعني: خاف أن يحصل ثأر منهن، أو أن تناله بأذى إذا أقدم على قتلها، أو أذى من غيرها ممن هو مثيل لها إذا أقدم على قتلها، فليس منا.(595/5)
تراجم رجال إسناد حديث (اقتلوا الحيات كلهن)
قوله: [حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري].
هنا السكري قيل نسبة إلى بيع السكر، وهناك شخص يقال له أبو حمزة السكري، ولكنه ليس منسوباً إلى السكر، وإنما هي نسبة إلى غير ما يتبادر إلى الذهن، لأنه كان حلو المنطق، وكان كلامه جميلاً فهو مثل السكر، فقيل له السكري، فهي نسبة إلى غير ما يتبادر إلى الذهن.
أما هذا فنسبته نسبة إلى بيع السكر، وذاك نسبته إلى أنه حلو المنطق وفصيح اللسان، وحسن الكلام، فكان يقال له السكري، وهذا من جنس يزيد بن صهيب الملقب بالفقير، والمتبادر إلى الذهن أنها نسبة إلى الفقر، ولكنه منسوب إلى فقار ظهره، فقد كان يشكو فقار ظهره فقيل له الفقير، فهي نسبة إلى غير ما يتبادر إلى الذهن.
ومثل ذلك خالد الحذاء لم يكن حذاء لا من حيث الصناعة ولا من حيث البيع، ولكنه كان يجالس الحذاءين فقيل له الحذاء.
وأبو حمزة هو محمد بن ميمون المروزي السكري ثقة فاضل، أخرج له أصحاب الكتب.
[عن إسحاق بن يوسف].
إسحاق بن يوسف الأزرق، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شريك].
شريك بن عبد الله النخعي الكوفي، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي إسحاق].
أبو إسحاق السبيعي وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قاسم بن عبد الرحمن].
قاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
عبد الرحمن بن عبد الله وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن مسعود].
[عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وابنه عبد الرحمن هذا هو الذي كني به؛ لأن كنيته أبو عبد الرحمن.(595/6)
شرح حديث (من ترك الحيات مخافة طلبهن فليس منا) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن النمير حدثنا موسى بن مسلم، قال: سمعت عكرمة يرفع الحديث فيما أرى إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من ترك الحيات مخافة طلبهن فليس منا، ما سالمناهن منذ حاربناهن).
أورد أبو داود حديث ابن عباس، وفيه مثل الذي تقدم من النهي عن ترك قتل الحيات مخافة طلبهن، أو ثأرهن، وهو الذي مر في الحديث السابق، والمقصود بالثأر كونهن يطلبنه.
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي إلا النسائي فأخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا عبد الله بن النمير].
عبد الله بن النمير، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا موسى بن مسلم].
موسى بن مسلم لا بأس به، أخرج له أبو داود والنسائي في خصائص علي وابن ماجة.
[سمعت عكرمة].
عكرمة هو مولى ابن عباس، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
وهو صحابي جليل، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(595/7)
شرح حديث (فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهن)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن منيع حدثنا مروان بن معاوية عن موسى الطحان قال: حدثنا عبد الرحمن بن سابط، عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنا نريد أن نكنس زمزم، وإن فيها من هذه الجنان -يعني: الحيات الصغار- فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقتلهن)].
أورد أبو داود حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يريد أن يكنس زمزم وينظفها، وأن فيها من هذه الحيات الصغار، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهن.
ومعلوم أن الحيات اللاتي في العمران، قد جاءت الأحاديث بتحذيرهن لمدة ثلاثة أيام كما سيأتي، وهنا ذكر الحيات الصغار اللاتي يقال لها الجنان وهي في زمزم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهن.
والحديث في إسناده انقطاع؛ لأن الذي يروي عن العباس قيل إن في سماعه منه نظراً، ولهذا قال الشيخ الألباني: صحيح إن كان سمع منه عبد الرحمن بن سابط.(595/8)
تراجم رجال إسناد حديث (فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهن)
قوله: [حدثنا أحمد بن منيع].
أحمد بن منيع، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا مروان بن معاوية].
مروان بن معاوية الفزاري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي يقال عنه بأنه مشهور بتدليس الشيوخ؛ لأن التدليس نوعان: تدليس إسناد وتدليس شيوخ.
تدليس الإسناد: هو رواية الراوي عن بعض شيوخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم للسماع كعن أو قال، وإذا كان الشيخ معروفاً بالتدليس فإنه يعول على حديثه إذا وجد التصريح بالسماع في موضع آخر، وأما ما كان في الصحيحين من العنعنة من المدلسين فإنها محمولة على الاتصال؛ لأنهما إنما أدخلا في صحيحيهما من الأحاديث ما كان صحيحاً، فما أخرجاه عن المدلس فهو صحيح عندهما.
وأما تدليس الشيوخ فهو أن يذكر الراوي شيخه بلفظ غير مشهور به، كأن يذكره باسمه وكنية أبيه، أو يذكره منسوباً إلى جد من أجداده، فلا يكون معروفاً، ولهذا يكون في الوصول إليه وعورة، وقد يقال: إنه مجهول وغير معروف، وقد يقول الراوي: لم أقف له على ترجمة، مع أن له ترجمة وأنه معروف، ولكنه ذكر بغير ما اشتهر به.
[عن موسى الطحان].
موسى الطحان هو موسى بن مسلم الذي مر في الإسناد السابق.
[عن عبد الرحمن بن سابط].
عبد الرحمن بن سابط ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي في عمل اليوم والليلة، وابن ماجة.
[عن العباس بن عبد المطلب].
العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وموسى بن مسلم الطحان، قال عنه أبو حاتم: مات خلف المقام وهو ساجد.
وبعض العلماء ذكر عنه أنه مات وهو ساجد، أو وهو في الصلاة، وقالوا في ترجمة زرارة بن أوفى: إنه كان يصلي بالناس الفجر، وإنه قرأ سورة المدثر فلما جاء عند قوله: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر:8]، بكى وغشي عليه ومات.
وكذلك أيضاً جاء عن حميد بن أبي حميد الطويل أنه مات وهو يصلي، فهذه آجال كتبها الله عز وجل في أحوال معينة، وقد مات هؤلاء في الصلاة.
وهل للمرء أن يدعو الله بمثل هذه الخاتمة؟ لا.
لكن يسأل الله عز وجل أن يختم له بخاتمة السعادة بدون أن يحدد هذا الشيء.(595/9)
شرح حديث (اقتلوا الحيات وذا الطفيتين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (اقتلوا الحيات، وذا الطفيتين والأبتر، فإنهما يلتمسان البصر ويسقطان الحبل)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (اقتلوا الحيات وذا الطفيتين والأبتر).
وهذا من عطف الخاص على العام، فقد ذكر الحيات عموماً ثم عطف عليها بعض أنواعها، وخصها لشدة ضررها، فيكون هذا الخاص قد ذكر مرتين، مرة مندرجاً تحت العام، ومرة منفرداً، وتنصيصه على الخاص من أجل الاهتمام به، أو لخطره وشدة ضرره، ولهذا قال: (فإنهما يلتمسان البصر ويسقطان الحبل)، يعني: حمل المرأة، أي أن فيهما من الشر والبلاء أن المرأة إذا نظرت إليهما، أو نظرا إلى المرأة يحصل منها سقوط الحمل الذي في بطنها، وكذلك أيضاً العين يصيبها الضرر بالنظر إليها، فلهما تأثير على نظر الإنسان وحصول الضرر له، وهذا بقدرة الله عز وجل.
وقيل: إن معنى ذلك أنهما يقفزان إلى العين، وأنهما يلسعانها.
وقيل: إن المعنى الأول هو الأظهر، وذلك لخاصية جعلها الله عز وجل فيهما مثلما يكون بالنسبة للعائن الذي ينظر إلى شيء ثم يحصل الضرر بنظره، فهذا من جنس نظر العائن.
(وذا الطفيتين) أي: أن فيه خطين على ظهره مثل الخوص، وهو ورق النخل، وقال في الشرح: ورق المقل، وهو نوع من الأشجار يقال له المقل، وثمره كبار.
يعني: أن ثمرته تكون قطعة كبيرة، وتوجد في بعض النساء اللاتي يبعن هذه الأشياء في المدينة النبوية، ويسمى الدوم، وبين شجره وشجر النخل فرق، وثمره هو الذي يسمونه الدوم.
والأبتر: هو حية ذنبها صغير.(595/10)
تراجم رجال إسناد حديث (اقتلوا الحيات وذا الطفيتين)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد البصري، ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا سفيان عن الزهري].
سفيان هو ابن عيينة.
والزهري محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم].
سالم بن عبد الله بن عمر، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد الصحابة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(595/11)
حكم قتل الحيات ذوات البيوت
[قال: وكان عبد الله يقتل كل حية وجدها، فأبصره أبو لبابة أو زيد بن الخطاب رضي الله عنهما وهو يطارد حية فقال: إنه قد نهي عن ذوات البيوت].
كان عبد الله بن عمر يقتل كل حية بناءً على ما جاء في هذا الحديث: (اقتلوا الحيات، وذا الطفيتين والأبتر)، فكان يقتل كل حية لقيها، فأبصره أبو لبابة وهو رفاعة بن عبد المنذر الأنصاري، أو زيد بن الخطاب الذي هو عمه فقال: إن الرسول نهى عن قتل ذوات البيوت، يعني: عوامر البيوت، واللاتي يكن في البيوت، فدل هذا على أن ذوات البيوت مستثناة من هذا العموم، ولكن قتلهن يكون بعد الإيذان والتحذير، وأما غيرهن فيقتلن من أول وهلة.
وأبو لبابة هو رفاعة بن عبد المنذر وهو صحابي أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة.
وزيد بن الخطاب أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأبو داود.(595/12)
شرح حديث (أن رسول الله نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن أبي لبابة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت، إلا أن يكون ذا الطفيتين والأبتر، فإنهما يخطفان البصر، ويطرحان ما في بطون النساء).
أورد أبو داود حديث أبي لبابة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الحيات اللاتي تكون في البيوت إلا ذا الطفيتين والأبتر، وبين أنهما يخطفان البصر، ويسقطان ما في بطون النساء، وعلى هذا يستثنى من ذوات البيوت هذا الصنف وهذا النوع من الحيوان الذي يكون هذا ضرره.
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
وهو ابن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي لبابة] أبو لبابة رضي الله عنه مر ذكره.
والإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود.(595/13)
شرح أثر (فأمر بها فأخرجت إلى البقيع) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما وجد بعد ذلك -يعني ما حدثه أبو لبابة رضي الله عنه- حية في داره، فأمر بها فأخرجت إلى البقيع].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر، أنه وجد حية بعد ما حدثه أبو لبابة بالنهي عن قتل حيات البيوت، فأمر بإخراجها إلى البقيع، يعني أنه لم يقتلها، ولكنه عمل على إخراجها فذهبت.
قوله: [حدثنا محمد بن عبيد].
محمد بن عبيد بن حساب، وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا حماد بن زيد].
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب].
أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع أن ابن عمر].
نافع وابن عمر مر ذكرهما.
[بعدما حدثه أبو لبابة].
أبو لبابة مر ذكره.
وليس الأثر عن أبي لبابة، إنما هو عن ابن عمر ولكن كان ذلك بعد قصة أبي لبابة لما وجده يتتبع حية فأخبره بالنهي.(595/14)
شرح أثر (ثم رأيتها بعد في بيته) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن السرح وأحمد بن سعيد الهمداني قالا: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني أسامة عن نافع في هذا الحديث، قال نافع: ثم رأيتها بعد في بيته].
أورد أبو داود الأثر عن نافع وقال: إنه أخرجها إلى البقيع، ثم قال بأنه وجدها بعد في بيته، أي: في بيت عبد الله بن عمر، رجعت من البقيع ودخلت فيه.
قوله: [حدثنا ابن السرح].
هو أحمد بن عمرو بن السرح، وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[وأحمد بن سعيد الهمداني].
أحمد بن سعيد الهمداني، صدوق أخرج له أبو داود.
[حدثنا ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني أسامة].
أسامة بن زيد الليثي صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن نافع].
نافع مر ذكره.(595/15)
شرح حديث (فمن رأى في بيته شيئاً فليحرج عليه ثلاث مرات)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن محمد بن أبي يحيى قال: حدثنا أبي أنه انطلق هو وصاحب له إلى أبي سعيد رضي الله عنه يعودانه، فخرجنا من عنده فلقينا صاحباً لنا وهو يريد أن يدخل عليه، فأقبلنا نحن فجلسنا في المسجد، فجاء فأخبرنا أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الهوام من الجن، فمن رأى في بيته شيئاً فليحرج عليه ثلاث مرات فإن عاد فليقتله؛ فإنه شيطان).
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
قوله: (إن الهوام من الجن) قيل: المقصود بها الحيات، وقيل: هي أعم من ذلك.
والمقصود من ذلك أنها تتلون وتتحول، وتنقلب من هيئتها إلى هيئة الحيوانات كالحيات وغيرها كما تتحول على صورة الإنسان، لما جاء في قصة صاحب أبي هريرة الذي كان يأخذ من الطعام، وفيها أنه علمه أن يأتي بآية الكرسي، وأنه لا يقربه شيطان، وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق وهو كذوب).
فالجن يتشكلون على هيئة حيوان من حيات أو غير حيات، ومعلوم أن الملائكة تتشكل على صورة الإنسان، والجن يتشكلون على صورة الإنسان وعلى صورة الحيوان.
قوله: (إن الهوام من الجن، فمن رأى في بيته شيئاً فليحرج عليه ثلاث مرات).
معناه: أنه يؤذنها ويقول لها: أحذرك إن لم تخرجي فسأقتلك، أو اذهبي وإلا قتلتك، فيأتي بكلام ويخاطبها، فإن خرجت قبل ثلاث فإنها تسلم، وإن بقيت بعد ثلاث فإنه يقتلها فهي شيطان.
(فإن عاد فليقتله، فإنه شيطان).
يعني: شيطاناً من شياطين الجن جاء على صورة حية.
وإذا لم تخرج فإنها تقتل، وقد تكون حية عادية، وإن خرجت بعد الإيذان فهي شيطان فلذلك قال: (فإنه شيطان) فقيد أنه إذا بقي بعد الثلاث بأنه شيطان، وقد تكون حية عادية، فإذا لم تخرج بعد التحذير فلأنها ليست من الجن فلم تفهم.
على كل بعد مضي ثلاث يقتل سواء كان متشكلاً من هيئته إلى هيئة الحية، أو أنها حية، فهي مقتولة على كل حال، ومأذون له بقتلها مطلقاً.(595/16)
تراجم رجال إسناد حديث (فمن رأى في بيته شيئاً فليحرج عليه ثلاث مرات)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى].
مسدد مر ذكره.
ويحيى هو ابن سعيد القطان، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن أبي يحيى].
محمد بن أبي يحيى صدوق أخرج له أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[حدثني أبي].
أبوه لا بأس به أخرج له أصحاب السنن.
[عن رجل عن أبي سعيد].
أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث ضعيف بهذا الإسناد، لكنه جاء ما يدل على معناه، وفيه زيادة: (إن الهوام من الجن).
والألباني ضعف الحديث بسبب هذا الرجل المبهم؛ لكن الإيذان جاءت به أحاديث أخرى.(595/17)
شرح حديث (فحذروه ثلاث مرات، ثم إن بدا لكم بعد أن تقتلوه فاقتلوه بعد الثلاث)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يزيد بن موهب الرملي حدثنا الليث عن ابن عجلان، عن صيفي أبي سعيد مولى الأنصار عن أبي السائب قال: أتيت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، فبينا أنا جالس عنده سمعت تحت سريره تحريك شيء، فنظرت فإذا حية فقمت، قال أبو سعيد: ما لك؟ قلت: حية هاهنا، قال: فتريد ماذا؟ قلت: أقتلها، فأشار إلى بيت في داره تلقاء بيته، فقال: إن ابن عم لي كان في هذا البيت، فلما كان يوم الأحزاب استأذن إلى أهله، وكان حديث عهد بعرس، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأمره أن يذهب بسلاحه، فأتى داره فوجد امرأته قائمة على باب البيت، فأشار إليها بالرمح، فقالت: لا تعجل حتى تنظر ما أخرجني، فدخل البيت فإذا حية منكرة، فطعنها بالرمح ثم خرج بها في الرمح ترتكض، قال: فلا أدري أيهما كان أسرع موتاً الرجل أو الحية، فأتى قومه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقالوا: ادع الله أن يرد صاحبنا، فقال: (استغفروا لصاحبكم، ثم قال: إن نفراً من الجن أسلموا بالمدينة، فإذا رأيتم أحداً منهم فحذروه ثلاث مرات، ثم إن بدا لكم بعد أن تقتلوه فاقتلوه بعد الثلاث)].
أورد أبو داود قول أبي السائب: أتيت أبا سعيد الخدري، فسمعت صوتاً تحت السرير، فنظرت فإذا حية، فقمت فقال: ما لك؟ قال: حية، قال: وماذا تصنع بها؟ قال: أقتلها، فأشار إلى دار مقابلة لداره، وقال: إن ابن عم له كان فيها، وإنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، وإنه كان حديث عهد بعرس، واستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يذهب إلى أهله، فأذن له وأمره أن يذهب بسلاحه معه، حتى إذا لقيه أحد من اليهود، أو أحد يريد أن يناله بأذى يستطيع أن يدافع بسلاحه عن نفسه، فلما جاء وجد امرأته بالباب، فغضب فأهوى إليها بالرمح، وأراد أن يقتلها بسلاحه، فقالت: انتظر حتى تنظر ما في البيت، فدخل فإذا حية، فضربها بالرمح الذي معه، فجعلت تضطرب في الرمح، فقال: لا أدري أمات قبلها أو ماتت قبله، معناه: أنه مات بسرعة، وأنه حصل موته كما أنه حصل موتها.
فجاء أصحابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: ادع الله أن يعيده، فقال: (استغفروا لأخيكم) ثم قال: (إن نفراً من الجن أسلموا بالمدينة، فإذا رأيتم أحداً منهم فحذروه ثلاث مرات).
يعني: إذا رأيتم حيات فقد تكون من هؤلاء الذي أسلموا في صورة حيات، فحذروه ثلاث مرات، فإن عاد بعد أن حذرتموه فاقتلوه.
وهذا يدل على أنه يكون هناك إيذان وتحذير، وأنه إن بقي بعد ثلاث فإنه يقتل.
وورد هنا ثلاث مرات، وسيأتي ثلاثة أيام، ولكن يمكن أن يجمع بينهما: أن في اليوم يحذر مرة، وإن حذره ثلاث مرات في يوم واحد لكنه لا يقدم على قتله إلا بعد ثلاثة أيام، ويمكن أن يحذر في أول الأمر ثلاث مرات، ثم يترك ثلاثة أيام ويقتل بعد ذلك.(595/18)
تراجم رجال إسناد حديث (فحذروه ثلاث مرات، ثم إن بدا لكم بعد أن تقتلوه فاقتلوه بعد الثلاث)
قوله: [حدثنا يزيد بن موهب الرملي].
يزيد بن موهب الرملي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا الليث].
الليث بن سعد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عجلان عن صيفي أبي سعيد].
ابن عجلان مر ذكره.
وصيفي ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن أبي السائب].
أبو السائب ثقة، أخرج البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي سعيد الخدري].
مر ذكره.(595/19)
شرح حديث (فليؤذنه ثلاثاً فإن بدا له بعد فليقتله فإنه شيطان) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن عجلان بهذا الحديث مختصراً قال: (فليؤذنه ثلاثاً، فإن بدا له بعد فليقتله فإنه شيطان)].
وهذا مثل الذي قبله، فإنه يؤذنه، والإيذان هو الإعلام، ويقول له: إن لم تخرج خلال ثلاثة أيام فسوف أقتلك.
قوله: [حدثنا مسدد عن يحيى عن ابن عجلان].
كل هؤلاء مر ذكرهم.(595/20)
شرح حديث (فآذنوه ثلاثة أيام) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني مالك عن صيفي مولى ابن أفلح، قال: أخبرني أبو السائب مولى هشام بن زهرة أنه دخل على أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فذكر نحوه وأتم منه، قال: (فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان)].
وهذا فيه تنصيص على ثلاثة أيام، وبعد ثلاثة أيام فاقتلوه فإنما هو شيطان.
قوله: [حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك عن صيفي مولى ابن أفلح أخبرني أبو السائب عن أبي سعيد].
كلهم مر ذكرهم.(595/21)
شرح حديث (أنشدكن العهد الذي أخذ عليكن نوح)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سعيد بن سليمان عن علي بن هاشم قال: حدثنا ابن أبي ليلى عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، سئل عن حيات البيوت، فقال: إذا رأيتم منهن شيئاً في مساكنكم فقولوا: أنشدكن العهد الذي أخذ عليكن نوح، أنشدكن العهد الذي أخذ عليكن سليمان، ألا تؤذونا.
فإن عدن فاقلتوهن)].
أورد أبو داود حديث أبي ليلى والد عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم منهن شيئاً في مساكنكم).
يعني إذا رأيتم حيات في مساكنكم.
(فقولوا: أنشدكن) وهذا فيه بيان الكيفية التي يكون فيها التحذير.
(العهد الذي أخذه عليكن نوح وسليمان) وذكر نوح يمكن أن يكون على اعتبار أنهم كانوا معه في السفينة ونجوا من الغرق، وسليمان سخر الله له الجن والإنس والطير، وعلمه منطق الطير، ولكن الحديث في إسناده مقال، وهو غير صحيح.
ويكون التحذير بغير هذه الصيغة، يقول: أحذركن إن لم تخرجن قتلتكن، بدون أن يأتي بهذه الصيغة.(595/22)
تراجم رجال إسناد حديث (أنشدكن العهد الذي أخذ عليكن نوح)
قوله: [حدثنا سعيد بن سليمان].
سعيد بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علي بن هاشم].
علي بن هاشم صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن أبي ليلى].
هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو صدوق سيئ الحفظ جداً، يعني: ليس سهلاً وخفيفاً، وإنما هذا السوء الذي في حفظه شديد وكثير، وهو سبب ضعف الحديث، أخرج له أصحاب السنن.
[عن ثابت البناني].
ثابت البناني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن أبي ليلى].
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبو ليلى وهو صحابي أخرج له أصحاب السنن.(595/23)
شرح أثر (اقتلوا الحيات كلها إلا الجان الأبيض)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عون أخبرنا أبو عوانة عن مغيرة عن إبراهيم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: اقتلوا الحيات كلها إلا الجان الأبيض الذي كأنه قضيب فضة].
أورد أبو داود هذا الأثر عن ابن مسعود قال: [اقتلوا الحيات كلها إلا الجان الأبيض الذي كأنه قضيب فضة].
وذلك من شدة بياضه، وهذا أثر عن ابن مسعود ولكنه غير ثابت من جهة الانقطاع بين إبراهيم النخعي وابن مسعود، ومن جهة أن المغيرة بن مقسم يدلس ولا سيما عن إبراهيم، وهذا الحديث من روايته عن إبراهيم.
وإبراهيم النخعي، لم يدرك عبد الله بن مسعود؛ وذلك أن ابن مسعود توفي سنة (32هـ)، وإبراهيم توفي سنة (97) وعمره خمسون سنة تقريباً، ومعنى ذلك أنه ولد بعد وفاة ابن مسعود بمدة فلم يدركه، ففيه انقطاع.
[قال أبو داود: فقال لي إنسان: الجان لا ينعرج في مشيته، فإذا كان هذا صحيحاً كانت علامة فيه إن شاء الله].
هذا يوجد في بعض النسخ، قال: الجان لا ينعرج في مشيته، معناه: أنه لا يتلوى في مشيته؛ لأن الحيات تتلوى ولا تمشي باستقامة، وإنما يحصل فيها التلوي، فإذا كان الجان الذي هو على هيئة الحيوان فمن علامته أنه لا ينعرج في مشيته بل يمشي في استقامة، وأما الذي يتلوى فليس مما جاء على صورة الجان أو على هيئته.
قوله: [فإذا كان هذا صحيحاً، كانت علامة فيه إن شاء الله].
يعني إن كان الكلام صحيحاً فهذه علامة أن ما لم يكن يتلوى فإنه ليس بجان.(595/24)
تراجم رجال إسناد أثر (اقتلوا الحيات كلها إلا الجان الأبيض)
قوله: [حدثنا عمرو بن عون].
عمرو بن عون، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا أبو عوانة].
أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مغيرة].
مغيرة بن مقسم الضبي الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم].
إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن مسعود].
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مر ذكره.
والشيخ الألباني صحح الحديث، ولكن كما هو واضح فيه انقطاع.(595/25)
شرح سنن أبي داود [596]
علمنا الإسلام كيف نتعامل مع أصناف الحيوانات والهوام الموجودة على الأرض، من ذلك أنه دعانا إلى قتل الوزغ، وقتل كل ما تحقق أنه يسبب ظرراً على الإنسان، ولكنه نهانا عن القتل بطريق الإحراق بالنار، وعدم إيذاء الحيوان الذي ليس فيه ضرر.(596/1)
ما جاء في قتل الأوزاغ(596/2)
شرح حديث (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الوزغ وسماه فويسقاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قتل الأوزاغ.
حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن الزهري، عن عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنه قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الوزغ وسماه فويسقاً)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في قتل الأوزاغ، والأوزاغ: جمع وزغ وهو هذه الدويبة التي يقال لها وزغ، أو برص، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه لما ألقي إبراهيم عليه الصلاة والسلام في النار كانت تنفخ عليه النار، فهي عدوة، فقد كانت تنفخ النار وتريد أن تضطرم وتشتد حرارتها، وقد جاء حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم في فضل قتلها، وأن من قتلها في أول مرة فإنه أفضل ممن يقتلها في المرة الثانية والثالثة، وذلك فيه إشارة إلى أهمية الحرص على قتلها والتخلص منها.
وأورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأوزاغ وقال: (إنها فويسقة)، وقد ذكر أبو داود وغيره في قتل الأوزاغ أحاديث وهذا منها، وفيه بيان فضل من قتلها من أول وهلة، ومن المعلوم أنها ليست أشد ضرراً أو أخطر من الحيات والعقارب، ولا شك أن الحرص على قتلها والتخلص من شرها ومن أذاها فيه فضل عظيم وثواب جزيل من الله سبحانه وتعالى.(596/3)
تراجم رجال إسناد حديث (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الوزغ وسماه فويسقاً)
قوله: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل].
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة بمذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عامر بن سعد].
عامر بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(596/4)
شرح حديث (من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا إسماعيل بن زكريا عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة، ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة أدنى من الأولى، ومن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة أدنى من الثانية).
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة، ومن قتلها في المرة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى، ومن قتلها في المرة الثالثة فله كذا وكذا دون الثانية) فمعنى ذلك أن المبادرة والتخلص منها من أول وهلة أجره أعظم، وذلك فيه إرشاد إلى الحرص والمبادرة إلى التخلص منها، وقد جاء في بعض الأحاديث ذكر الأجور التي تكون لأول وهلة وكذا لغيرها، وهنا لم يرد التنصيص على الحسنات وإنما فيه الإشارة إليها بـ: كذا وكذا، ولم يذكر العدد، ولكن كني عنها بكذا وكذا.(596/5)
تراجم رجال إسناد حديث (من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة)
قوله: [حدثنا محمد بن الصباح البزاز].
محمد بن الصباح البزاز ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إسماعيل بن زكريا].
إسماعيل بن زكريا صدوق يخطئ قليلاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهيل].
هو سهيل بن أبي صالح، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة، ورواية البخاري له مقرونة.
[عن أبيه].
أبوه هو أبو صالح ذكوان السمان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.(596/6)
شرح حديث (في أول ضربة سبعين حسنة) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا إسماعيل بن زكريا عن سهيل قال: حدثني أخي أو أختي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (في أول ضربة سبعين حسنة)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى وفيه: (في أول ضربة سبعين حسنة).
يعني: وما بعد ذلك فهو دونها، وهذا فيه بيان القاعدة المشهورة وهي: (الأجر على قدر النصب، وعلى قدر المشقة)، فهذا المثال مما استثني من هذه القاعدة وهذه الطريقة، وذلك أن من قتل في ثلاث مرات فقد حصل له جهد ونصب، فقد ضرب في الأولى ولم يتمكن، ثم ضرب في الثانية فلم يتمكن، ثم ضرب في الثالثة فتمكن، فيكون في ذلك نصب، والأصل أن الأجر على قدر النصب، وكلما زاد النصب زاد الأجر، لكن هذا مستثنى من هذا العموم، وأن الأجر الأعظم يكون في بعض الأحيان في الشيء الذي هو أقل، وذلك فيه ترغيب في الحرص على التخلص منها من أول وهلة، فيكون من أصابها بضربة واحدة فله سبعون، ومن أصابها في الضربة الثانية يكون له أقل مع أن النصب أزيد؛ إذ إنه ضرب في الأول وهذا عمل، ثم ضرب في الثانية وهذا عمل، ثم إذا لم يستطع في الثانية ضرب في الثالثة وهذا أيضاً عمل ويكون الأجر أقل، فهذا مستثنى من القاعدة التي جاءت في الأحاديث (أجرك على قدر نصبك)، كماء جاء في حديث عائشة رضي الله عنها في قصة العمرة.
قوله: [حدثنا محمد بن الصباح البزاز عن إسماعيل بن زكريا عن سهيل قال: حدثني أخي أو أختي].
هنا قال: أخي أو أختي، وأخوه أو أخته مبهمان وغير معروفين، ولكن مسلماً رحمه الله أخرج هذا من طريق سهيل عن أبيه عن أبي هريرة وفيه ذكر العدد في أول مرة.(596/7)
ما جاء في قتل الذر(596/8)
شرح حديث (نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قتل الذر.
حدثنا قتيبة بن سعيد عن المغيرة -يعني ابن عبد الرحمن - عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة، فأمر بجهازه فأخرج من تحتها، ثم أمر بها فأحرقت، فأوحى الله إليه فهلا نملة واحدة؟!)].
أورد أبو داود باباً في قتل الذر، والذر: هو صغار النمل، وإذا كان مؤذياً فإنه يقتل؛ لأن كل ما آذى فإنه يجوز قتله، وإذا لم تكن مؤذية فإنها تترك، ولا يتعرض لها، لكن إن وجد منها الإيذاء فإنها تقتل.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن نبياً نزل تحت شجرة فلدغته نملة، فأحرق القرية التي فيها تلك النملة، فأوحى الله إليه: هلاَّ نملة واحدة؟) يعني: هلا حصلت العقوبة لهذه النملة الواحدة التي حصل منها الإيذاء، وألا يعاقب غيرها بعقوبتها؟! وكان ذلك بالإحراق، ففيه أن التعذيب بالنار غير محرم في تلك الشريعة؛ لأنه إنما أنكر عليه عقابه لغيرها، ولم ينكر عليه أنه فعل ذلك بالنار، وأنه أحرقها، وإنما أنكر عليه أن الحق غيرها بها وعاملها معاملتها.
ومن المعلوم في هذه الشريعة أن الأمر منوط بالضرر، فإذا كان الذر أو النمل يحصل منه إيذاء للناس فلهم أن يقتلوه، وإذا لم يكن مؤذياً فإنهم يتركونه، وهكذا سائر الحيوانات التي يعرف إيذاؤها بطبعها، والتي لم يرد نص في قتلها مثل الوزغ الذي مر قتله، والحيات والعقارب التي أمر بقتلها، فالدواب والحيوانات التي لا تعرف بالأذى لا تقتل، وإنما إن وجد منها الأذى فتقتل بسبب أذاها.
قوله: (نزل نبي تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجهازه فأخرج من تحتها).
جهازه أي: متاعه الذي كان تحت الشجرة، وهذا كقوله تعالى: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} [يوسف:70]، أي: متاعهم والميرة التي باعهم إياها، فأخذ متاعه الذي كان تحت الشجرة وأزاله حتى لا يصيبه الحريق حينما أحرق النمل (ثم أمر بها فأحرقت) أي: أمر بها فأحرقت هي وغيرها، (فأوحى الله إليه: فهلا نملة واحدة؟) أي: فهلا أحرقت نملة واحدة وهي التي حصل منها اللدغ؟!(596/9)
تراجم رجال إسناد حديث (نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن المغيرة -يعني ابن عبد الرحمن -].
المغيرة بن عبد الرحمن ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزناد].
هو عبد الله بن ذكوان المدني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج].
هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.(596/10)
شرح حديث (أن نملة قرصت نبياً من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أن نملة قرصت نبياً من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه: أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح!)].
هذا حديث أبي هريرة من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله، إلا أنه واضح في أنه قتل القرية التي هي مسكن تلك النمل، فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة أهلكت أمة تسبح! ومعنى ذلك: أن الذي لا يحصل منه أذى فإنه يترك؛ لأنه يسبح الله عز وجل، وإذا كان مؤذياً فإنه يقتل للسلامة والتخلص من أذاه.(596/11)
تراجم رجال إسناد حديث (أن نملة قرصت نبياً من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
أحمد بن صالح المصري ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا عبد الله بن وهب].
عبد الله بن وهب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني يونس].
هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
ابن شهاب مر ذكره.
[عن أبي سلمة].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[وسعيد بن المسيب].
وهو ثقة من فقهاء المدينة السبعة متفق على عده فيهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
مر ذكره.(596/12)
شرح حديث (إن النبي نهى عن قتل أربع من الدواب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد)، وأولها النملة، ومعلوم أنها لا تقتل إلا إذا آذت، ولهذا مر في الحديث السابق أنها تسبح، فإذا كان لا يحصل منها الأذى فإنها تترك، وإن حصل منها أذى فإنها تقتل، فالنهي في الأصل من أجل عدم الإيذاء، أما إذا وجد إيذاء فإن الذي يؤذي يقتل من أجل دفع أذاه والتخلص من أذاه، ومعلوم أن الصائل إذا لم يمكن دفعه إلا بإيذائه بالضرب أو بالقتل فلا بأس، فكذلك تلك الدواب التي هي غير معروفة بأذاها كالحية والعقارب إن وجد منها الأذى فإنه يتخلص منها بالقتل، وإن لم يوجد منها أذى فإنها تترك، ولهذا نهى الرسول عن قتلها.
والنحلة نهي عن قتلها من أجل أن فيها منفعة وفائدة وهي حصول العسل، بالإضافة إلى كونها أمة من الأمم، وأنها تسبح الله، وكل شيء يسبح الله سبحانه وتعالى.
والهدهد من الطيور، والنهي عن قتله يدل على تحريم أكله.
وكذلك الصرد، وهو من الطيور، التي قيل: إن رأسه كبير وله منقار، وقيل: إنه يأكل الطيور الصغيرة، فيكون من قبيل ما هو مفترس من الطيور، فكذلك أيضاً لا يجوز قتله ولا يجوز أكله، وما لا يجوز أكله لا يقتل إلا إذا وجد منه الضرر، وإذا كان يجوز أكله فيقتل إذا كان الإنسان بحاجة إلى أكله، وأما إذا كان ليس بحاجة إلى أكله فإنه يتركه ولا يقتله عبثاً، وإنما إذا كان محتاجاً إليه ويريد أكله، أما إن كان يقتله عبثاً ولا حاجة له فيه فذلك غير سائغ.(596/13)
تراجم رجال إسناد حديث (إن النبي نهى عن قتل أربع من الدواب)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة].
مر ذكر هؤلاء، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ثقة، وهو من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب].
هو ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(596/14)
شرح حديث (ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال: من حرق هذه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن أبي إسحاق الشيباني عن ابن سعد، قال أبو داود: هو الحسن بن سعد، عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش، فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها، ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: من حرق هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار)].
أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، وكان أحدهم قد أخذ أفراخ حمرة، وهي طائر من الطيور، فرآها تعرش، أي: تضطرب وتصيح وتقرب من الناس وتحوم حولهم، وكانت أيضاً تقع في الأرض وتفرش جناحيها، فعرف الرسول صلى الله عليه وسلم أنها مفجوعة، وأنهم أخذوا منها شيئاً، فقال: (من فجع هذه بولدها؟ فقال رجل: أنا، فقال: ردوا ولدها إليها).
(ورأى قرية نمل قد حرقناها) أي: مسكن النمل، فإنه يقال له: قرية، فقال: (من فعل هذا؟ قلنا: نحن، قال: إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار)، أي: أنه لا يجوز في هذه الشريعة التعذيب بالنار، وإنما قال بعض أهل العلم: إنه يمكن أن يحرق من قتل بالتحريق، أي أنه يعامل بمثل ما عامل به غيره، وأنه يقتص منه بنفس الطريقة التي حصلت منه، قالوا: فيكون ذلك مستثنى؛ لأنه عومل بالشيء الذي عامل به، والقصاص يكون بالمماثلة، ومعروف قصة اليهودي الذي قتل جارية بين حجرين، فأمر برض رأسه بين حجرين؛ حتى يقتل كما قتل، وكذلك قصة العرنيين الذين قتلوا الراعي، ومثلوا به، فأمر بقتلهم والتمثيل بهم كما فعلوا بذلك بالراعي، فالقصاص يكون من جنس العمل، إلا أن يكون في أمر محرم لا يسوغ تعاطيه، فإنه يقتل بغير الطريقة المحرمة.(596/15)
تراجم رجال إسناد حديث (ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال من حرق هذه)
قوله: [حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى].
أبو صالح محبوب بن موسى صدوق أخرج له أبو داود والنسائي.
[أخبرنا أبو إسحاق الفزاري].
هو إبراهيم بن محمد بن الحارث، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق الشيباني].
هو سليمان بن أبي سليمان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعد قال أبو داود: هو الحسن بن سعد].
الحسن بن سعد ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن عبد الرحمن بن عبد الله].
عبد الرحمن بن عبد الله ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.(596/16)
الأسئلة(596/17)
شمول الإيذان لحيات المدينة وغيرها
السؤال
هل إيذان الحيات خاص بحيات المدينة؟
الجواب
ليس خاصاً بحيات المدينة، وإنما هو للمدينة وغير المدينة؛ لأن الأحاديث جاءت عامة فهي تشمل المدينة وغير المدينة.(596/18)
رواية إبراهيم النخعي عن ابن مسعود بواسطة
السؤال
ثبت عن إبراهيم النخعي أنه قال: ما حدثتكم عن ابن مسعود فقد سمعته من غير واحد عن ابن مسعود، فكيف يوجه؟
الجواب
يعني: أنه يوجد واحد بينه وبينه أو أكثر؛ ولابد من هذا فهو لم يدركه؛ لأن ابن مسعود توفي سنة اثنتين وثلاثين، وهذا توفي سنة خمس وتسعين وعمره خمسون سنة تقريباً، ومعنى ذلك وجود مدة بين ولادة هذا ووفاة هذا، ومعنى قوله: ما حدثتكم عن ابن مسعود فقد سمعته من غير واحد عن ابن مسعود، أنه سمعه من عدد، ولعل الشيخ ناصراً يصححه بناء على اعتبار أنه يرويه عنه بسماعه من عدد.
لكن يبقى تدليس المغيرة، وحتى كونه سمعه عن عدد، فإنه مسلم به، وكما هو معلوم أن الراوي إذا حدث عن شخص يصفه بأنه ثقة، ويقول: حدثني الثقة، فلا يعتمد ولا يعول عليه؛ لأنه قد يكون ثقة عنده ومجروحاً عند غيره؛ لأنه في هذه الحالة مبهم.(596/19)
الخروج من البيت خلال فترة تحذير الحية
السؤال
خلال هذه الأيام الثلاثة التي يحرج بها على الحية هل يخرج الرجل وعائلته من البيت أم ماذا يفعل؟
الجواب
ليس بلازم أن يخرج، بل يمكنه أن يبقى ولكن يكون على حذر، لكن إن خاف وأراد أن يخرج فيخرج.(596/20)
حكم إخراج الحية من البيت دون إيذانها
السؤال
هل يجوز إخراج الحيات التي في البيوت دون إيذانها ولا قتلها؟
الجواب
قد أخرجها ابن عمر، فلا بأس أن يخرجها.(596/21)
سبب أمر النبي للأنصاري الذي قتل الحية أن يأخذ سلاحه
السؤال
لماذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الصحابي الذي عاد أن يأخذ معه سلاحه؟
الجواب
لعله أن يلقاه بعض اليهود فيحاولون النيل منه بأذى فيكون معه السلاح، وليس من أجل حيات البيوت، فهن لا يقتلن إلا بعد الإيذان.(596/22)
تحذير الحية بغير اللغة العربية
السؤال
شخص لا يستطيع أن يحذر الحية باللغة العربية، فهل يمكن أن يحذرها بلغته؟
الجواب
أجل، يحذرها بلغته، فهو إذا كان جاناً وهو في بلده فلعل لغته تتفق مع لغته.(596/23)
حكم قتل حيات القبور
السؤال
يذكر أن بعض الناس حفروا قبراً فوجدوا فيه حية، فهل تقتل؟
الجواب
القبور لا يقال لها بيوت، فيبدو أنه لا مانع من قتلها.(596/24)
حكم إيذان هوام البيوت من غير الحيات
السؤال
هل يجوز مخاطبة سائر الهوام في البيت، أو إيذانهن لمدة ثلاثة أيام؟
الجواب
الحديث ورد في الحيات ولم يرد في غيرهن، ومعلوم أن الحيات هن اللاتي ضررهن كبير، ويخشى منهن، وأما الحيوانات الأخرى فليس من شأنها أن تؤذي، والحيات هي التي يخشى منها.(596/25)
حكم قراءة آية الكرسي تعوذاً من الحيات
السؤال
هل يجوز التعوذ بآية الكرسي من هذه الحيات؟
الجواب
ينبغي لكل إنسان أن يقرأها عند النوم، وقد جاء في الحديث أنه لا يقربه شيطان، وكما جاء في قصة الشيطان الذي كان مع أبي هريرة، وكان يأخذ من الطعام، فقال له: إني سأذهب بك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: دعني ولا أعود، وبعد ذلك قال له: أقرأ هذه الآية ولا يقربك شيطان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقك وهو كذوب).(596/26)
عدم تخصيص حيات المدينة بالإيذان
السؤال
ألا يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم: (إن بالمدينة جناً قد أسلموا) أن الإيذان والتحذير خاص بحيات المدينة؟
الجواب
لا يدل على ذلك؛ لأن الأحاديث جاءت عامة في قتل الحيات، وهو خطاب عام للمسلمين، وهذا من قبيل الحكم على بعض أفراد العام بحكم العام، فلا يخصص العام؛ لأن هذا من جزئيات العام.(596/27)
حكم الاحتفاظ بالحيات وتربيتها
السؤال
ما رأيكم فيمن هوايتهم جمع الحيات وتخليصها من السم واللعب بها؟ وآخر يقول: لأخي في بلدي حية كبيرة تعيش معه ويربيها، وتمشي معه أينما ذهب وتنام معه، فهل في هذا محذور؟
الجواب
نعم فيه محذور؛ لأنه يخيف الناس، وأيضاً فيه لهو وانشغال بشيء لا حاجة إليه، ففيه إخافة وإزعاج للناس، فالناس إذا رأوه حصل لهم انزعاج وتأثر، وقد يحصل لبعضهم شيء من الضرر بسبب رؤيته لهذه الحيات.(596/28)
حكم الحيات التي توجد في مخيمات الرحلات البرية
السؤال
في رحلة برية وجدنا حية في خيمتنا فهل لها حكم حيات البيوت؟
الجواب
ليس لها حكم حيات البيوت؛ لأن رحلتكم طارئة ولستم مستقرين، وليس هذا بيتاً، ومعلوم أن التي في البيت موجودة ومستقرة، وأما الخيمة فهي مكشوفة، فهذه ليست مقيمة فيها من قبل، وإنما هي طارئة عليها.(596/29)
صيغة التحريج على الحيات
السؤال
ذكر عن الإمام مالك أن التحريج يكون بأن يقول: أحرج عليك بالله واليوم الآخر، فهل هذه الصيغة أفضل صيغ التحريج؟
الجواب
لا نستطيع أن نقول بأن هذه هي أفضل صيغة ما دام أنه لم يرد فيها نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يحصل التحريج بأي صيغة يحصل بها المقصود.(596/30)
كيف تفهم الحيات خطاب البشر
السؤال
كيف تعقل الحيات كلام البشر؟
الجواب
إن الله عز وجل على كل شيء قدير، وكما هو معلوم فإن الله عز وجل أعطى سليمان منطق الطير، وسخر له الجن والإنس والطير، وكان يفهم خطابها وتفهم خطابه.(596/31)
حكم إنذار النمل
السؤال
بعض الناس ينذر النمل وبالتجربة وجد أنه يخرج، فهل يستفاد من هذا جواز إنذار باقي الهوام؟
الجواب
لا نعلم شيئاً في الإنذار إلا للحيات.(596/32)
حكم القراءة على الماء وصبه على حيات البيوت
السؤال
هل يجوز أن يقرأ الرجل في الماء ثم يفرغه على الحية التي في البيت؟
الجواب
القراءة في الماء وصبه على الحية ليس له أصل ولا وجه؛ لأن هذا من قبيل الرقية.(596/33)
حكم قتل الحشرات بالماء الحار
السؤال
في بيتنا حشرات كثيرة، وقد جربنا معها أنواعاً من المبيدات فلم تنته، فأصبحنا نقتلها بالماء الحار، فهل في هذا محذور؟
الجواب
لا يجوز التعذيب بالنار.(596/34)
حكم بيع الحيات للتداوي
السؤال
في بلادنا تباع الحيات للعلاج، فما حكم استعمالها كدواء شعبي مجرب؟
الجواب
لا يجوز؛ لأن الحرام لا يتعالج به.(596/35)
مناسبة ذكر قتل الحيات والوزغ في أبواب الأدب
السؤال
ما مناسبة ذكر قتل الحيات والوزغ في أبواب الأدب والسلام؟
الجواب
لأنه من جملة الآداب في التعامل مع هذه الحيوانات.(596/36)
أجر قتل الحيات
السؤال
لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الحية فهل يقال: إن في قتلها أجراً؟
الجواب
لا شك أن فيه أجراً؛ لأن فيه تخليصاً للناس من الضرر الذي يحصل بسببها، وإماطة الأذى عن الطريق فيها أجر، فقتل الحيات فيه أجر عظيم؛ لأن فيه تخليصاً من الشر.(596/37)
جواز قتل كل الحيات
السؤال
هل كل حية أجدها في الطريق أقتلها؟
الجواب
نعم تقتل كل حية إلا حيات البيوت.(596/38)
حكم قتل الحيات في أماكن منفصلة عن البيت
السؤال
هل قتل حيات البيوت يشمل الحيات التي تكون في البدروم، أو في غرفة صغيرة بجانب البيت؟
الجواب
كلها في داخل البيوت.(596/39)
حكم قتل الحيات في المسجد
السؤال
هل يجوز قتل الحيات في المسجد؟
الجواب
يبدو أن الحكم واحد، وكونها تكون في المسجد أو في البيت معناه أنها في البناء الذي يكون فيه الناس، ويبدو أنه يحسن إيذانها.(596/40)
حكم إحراق الحيات وأكلها بالنار
السؤال
ما حكم الذين يحرقون الحية وهي حية ويأكلونها؟
الجواب
لا يجوز التعذيب بالنار، لا للحيات ولا غيرها.
وأما عن أكلها فحتى الكلاب والخنازير تجد من يأكلها، وهذا الطعام يعجب أشباه الخنازير.(596/41)
حكم حيات البحر
السؤال
حيات البحر هل تدخل في الأمر بالقتل والنهي عن الأكل؟
الجواب
الذي يبدو أن حيات البحر تختلف عن حيات البر.(596/42)
حكم قتل الهوام المؤذية في البيوت
السؤال
إذا كانت الهوام مؤذية كالنمل والصراصير وغيرها فهل تقتل في البيوت؟
الجواب
لا تقتل، ولكنه أولاً يعمل شيئاً لكي يزيلها، هذا إذا كانت مؤذية، أما إذا كانت غير مؤذية فلا يتعرض لها، فإذا وجد ما يذهبها، وإلا فإنه يجوز قتلها؛ لأن كل ما آذى يجوز قتله.(596/43)
عدم صحة ما يقال أن من نذر ولم يف يرسل الله عليه حية
السؤال
هل صحيح أن الذي نذر لله ولم يف بنذره يرسل الله عليه حية؛ وهذا يقول: لي أخت كلما نذرت لم تف بنذرها، فيرسل الله لها حية تلاحقها في المنام، وعندما تستيقظ ترى ذلك في الحقيقة؟
الجواب
لا نعلم شيئاً يدل على أن من كذب فإنه يعاقب في الحياة الدنيا بهذا، وهذه كلها أوهام أو تصورات في اليقظة وتأتي في النوم، وإلا فما معنى كون إنسان ينذر ولا يفي فإنه يرى حية؟!(596/44)
حكم لبس الأحذية المصنوعة من جلود الحيات
السؤال
ما حكم لبس الأحذية المصنوعة من جلد الحية؟
الجواب
حكمها حكم جلود السباع، أو أسوأ من السباع؛ فلا يجوز استعمالها؛ لأنها لا تطهر بالدبغ، والذي يطهر بالدبغ هو ما كان مباح التذكية، وأما الذي لا يذكى فإن مذكاه مثل ميتته، ولهذا كان الذي يدبغ هو مأكول اللحم، وقد جاءت أحاديث تدل على تحريم استعمال جلود السباع لهذا السبب، وجلود الحيات مثلها.(596/45)
حكم قتل الحشرات في المدينة
السؤال
زرت بيت أحد المشايخ في المدينة فوجدت في بيته بعض الحشرات، فسألته فقال: أنا لا أقتل الحشرات في المدينة، فهل لهذا وجه؟
الجواب
إذا كانت لا تؤذي فلا تقتل، وأما إن آذت فله أن يقتلها.(596/46)
أجر من صلى جالساً لعجز
السؤال
من صلى جالساً لمرض أو عجز فهل يكتب له الأجر كاملاً؟
الجواب
نعم، إذا كان لعجز أو مرض فله كل الأجر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم)، أخرجه البخاري.
وإنما الذي له نصف الأجر فهو في النافلة إذا كان يقدر على القيام وأراد أن يصلي جالساً فيجوز له أن يصلي جالساً وله نصف الأجر، كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما كون الإنسان لا يصلي قائماً لعدم قدرته على القيام فإنه معذور، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم).(596/47)
حكم الرمي قبل الزوال
السؤال
حججت وعند رمي الجمرة الأخيرة رميت قبل الزوال، وبعدها طفت طواف الوداع، فهل هذا جائز؟
الجواب
الرمي قبل الزوال لا يجوز ولا يجزئ، ومن فعل ذلك فعليه فدية، وهي شاة تذبح بمكة وتوزع على فقراء الحرم، وإن لم يستطع صام عشرة أيام.(596/48)
جواز التصرف في أموال العقار في أي جهة تجارية
السؤال
اشتريت أرضاً بغرض أن أبيعها وأستثمر مالها، ثم أخبرني بعض الإخوة أن مال الأرض لا يستثمر إلا في العقار، فهل هذا كلام صحيح؟
الجواب
من أين هذا الكلام؟ المال يستعمله الإنسان في كل ما هو سائغ، وكل ما هو مباح، وليس منه شيء يختص بالعقار، بل يمكن أن يتحول من عقار إلى حديد ومن حديد إلى عقار، أو من حديد إلى سيارات أو إلى أسمنت أو غير ذلك، فالإنسان يحول تجارته من هنا إلى هنا ولا حرج عليه.(596/49)
حكم رؤية المخطوبة بدون إذن أبيها
السؤال
أريد أن أخطب امرأة، وطلبت من أبيها النظرة الشرعية فرفض ذلك، فهل يجوز لي أن أرى هذه المرأة دون إذن أبيها أو حتى معرفته، بأن تأتي عندنا في المنزل فأراها من فتحة الباب؟
الجواب
إذا كان موافقاً على خطبته وممانعاً من الرؤية فإذا تمكن من أن يراها على هيئة غير محذورة فلا بأس؛ لأن الإنسان قد يبحث عنها على هيئة لا يناسب أن ترى عليها، لكن يتفق مع بعض أقاربها أن يمكنه من رؤيتها على هيئة سائغة لا على هيئة لا يليق أن ينظر إليها وهي عليها، وإذا كان أبوها لم يوافق وأخوها مكنه من ذلك فلا بأس؛ لأن هذا أولى للإنسان حتى يقدم على بينة أو يحجم على بينة، وهذا خير من أن يترك الأمر بدون أن يرى ثم بعد ذلك إذا تزوجها ورآها طرأ له رأي آخر، فإن الفراق قبل الدخول وقبل حصول الزواج أسهل من الفراق بعد أن يحصل الزواج.(596/50)
حكم إيذان الوزغ في البيوت
السؤال
هل يؤذن الوزغ في البيوت؟
الجواب
لم يأت شيء يدل على إيذانه، وإنما يبادر إلى قتله، ومن قتله بأول وهلة فله أجر أكثر مما لو لم يتخلص منه في المرة الأولى وتخلص منه في الثانية، فإن التخلص منها من أول وهلة أكثر أجراً، وليس فيه إيذان كالحيات.(596/51)
أجر من ضرب الوزغ فهربت عليه
السؤال
من ضرب الوزغ ولم يقتلها من ضربة أو ضربتين وهربت فهل له أجر؟
الجواب
هو مأجور على فعله، ولكن الأجر الذي جاء في الحديث لا يحصله إلا من قتله؛ لأن الأجور الثلاثة التي جاءت كلها في القتل.(596/52)
صفة الضربة الأولى لقتل الوزغ
السؤال
الوزغ سريع الروغان، فإذا أردنا قتله نرشه بالماء فيغمى عليه ثم نقتله، فهل يعد هذا قتلاً بالضربة الأولى؟
الجواب
هل مجرد الرش بالماء يجعلها يغشى عليها أو يغمى عليها؟ لا أدري عن هذا، لكن كون الإنسان يضربها ويتخلص منها بالضربة الأولى هذا هو الذي يحصل به الأجر.(596/53)
حكم استخدام الوزغ للدواء
السؤال
يستخدم عندنا الوزغ كدواء فهل يجوز؟
الجواب
لا يجوز، فهو كالحيات.(596/54)
حكم رد فرخ الطير
السؤال
هل رد فرخ الطير واجب أم مستحب؟
الجواب
واجب.(596/55)
سبب تحريم قتل الدواب الأربع الواردة في الحديث وإلحاق غيرها بها
السؤال
ما ميزة الدواب الأربع التي نهي عن قتلها إذا كان غيرها مما لا يؤذي حكمه كحكمها؟
الجواب
جاءت هكذا في الحديث، وبعضها فيه منفعة، فلا تقتل من أجل منفعتها مثل النحلة، وبعضها من أجل أنه محرم أكله فلا يجوز قتله، ولعل في ذلك تنبيهاً إلى أمثالها ونظائرها مما يكون مثلها، فيكون ذكر الهدهد من أجل أنه حرام أكله، فيكون كل ما يحرم أكله لا يجوز قتله، إلا إذا كان فيه ضرر.(596/56)
حكم استخدام النار في استخراج العسل من بيوت النحل
السؤال
إذا أردنا أن نخرج العسل استخدمنا ناراً لكي نتمكن من الحصول على العسل دون أن يؤذينا النحل، فما الحكم؟
الجواب
إذا كانت النار يحصل بسببها هروب النحل، فهذا لا بأس به، وأما إذا كان يحصل بها هلاك النحل فلا يجوز.(596/57)
حكم استخدام الهدهد في التداوي
السؤال
ما حكم استخدام الهدهد في التداوي؟
الجواب
لا يجوز.(596/58)
حكم لحم الهدهد والصرد
السؤال
هل توافقون الخطابي بأن لحم الهدهد والصرد حرام؟
الجواب
نعم لا شك، ولهذا نهي عن قتله، وكذلك الضفدع.(596/59)
حكم قتل النمل المؤذي بالسم
السؤال
يوجد في بعض حقول الفلاحين بيوت نمل فتفسد عليهم زروعهم، فيقوم بعضهم بوضع السم عليها، فما الحكم؟
الجواب
إذا كانت مؤذية وتفسد الزرع فيجوز لهم أن يقتلوها بالسم أو غيره، لكن بغير النار.(596/60)
قتل النمل المؤذي
السؤال
ذكرتم -حفظكم الله- أن الذر إذا كان مؤذياً فإنه يجوز قتله، مع أن الله تعالى أنكر على ذلك النبي إحراقه وقتله للنمل، وقد حصل منه الإيذاء حين قرصه، فما تعليقكم؟
الجواب
معلوم أن الذر الذي يدخل في الأواني على هذه الطريقة يجوز قتله، وليست القضية قضية ذرة واحدة، وإنما قضية مجموع من الذر، فإذا كان من شأنه أن يفسد الأطعمة ويدخل فيها ويفسدها على أهلها فيجوز قتله، وأما أن تؤذيه ذرة واحدة فيقتل الجميع، فلا يجوز هذا، وهذا يكون نادراً، والمعروف أن الذر الذي يؤذي ويفسد الأطعمة يكون عدداً كبيراً، وليس ذرة واحدة فقط.(596/61)
حكم البول في جحر النمل
السؤال
ما تقولون -أعزكم الله- فيمن يبول في جحر النمل؟
الجواب
لا يجوز للإنسان أ، يبول في الأجحار، فقد تخرج عليه حية أو عقرب ثم يهرب ويلوث نفسه.(596/62)
ضابط الأذية التي يجوز بها القتل
السؤال
ما هو ضابط النمل المؤذي؟ وهل كل الحشرات الصغيرة لها نفس الحكم؟
الجواب
كل شيء يؤذي فإنه يقتل، وكل شيء لا يؤذي فإنه لا يقتل، سواء في ذلك النمل وغير النمل.
والنمل فيه الصغار والكبار.(596/63)
ما جاء في قتل الضفدع(596/64)
شرح حديث (أن طبيباً سأل النبي عن ضفدع يجعلها في دواء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قتل الضفدع.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن عثمان رضي الله عنه: (أن طبيباً سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء، فنهاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قتلها)].
أورد أبو داود باباً في قتل الضفدع.
أي: أن ذلك لا يجوز.
وقد أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن عثمان: (أن طبيباً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء فنهاه عن قتلها).
ومعناه: أن اتخاذها دواء لا يحصل إلا عن طريق قتلها، فلما كان أكلها محرماً وغير سائغ دل على أنها لا تقتل؛ لأن القتل إنما يكون لمباح الأكل عند الحاجة إلى أكله، وأما إذا قتل من غير حاجة إلى قتله فهذا إتلاف وإيذاء، وإزالة لشيء من غير حاجة إليه، وأما إذا كان هناك حاجة إلى قتله فيقتل وكان فيه دواء فلا بأس؛ لأنه مباح، وقتله مباح، وأما إذا كان محرم الأكل فإنه لا يقتل من أجل أن يؤخذ منه دواء، وعلى هذا فلا يؤخذ الدواء من مثل هذه الأشياء التي لا يؤكل لحمها.(596/65)
تراجم رجال إسناد حديث (أن طبيباً سأل النبي عن ضفدع يجعلها في دواء)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير].
هو محمد بن كثير العبدي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي ذئب].
هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن خالد].
سعيد بن خالد صدوق أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن سعيد بن المسيب].
سعيد بن المسيب مر ذكره.
[عن عبد الرحمن بن عثمان].
عبد الرحمن بن عثمان صحابي أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.(596/66)
شرح سنن أبي داود [597]
إن من رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم بالمخلوقات أن نهى عن الخذف؛ لأن فيه عبثاً وتعذيباً بلا فائدة، وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الإنهاك في ختان النساء، وأمر النساء بآداب المشي في الطريق، وذلك بأن يمشين في حافة الطريق لا في وسطها، وكل ذلك من حرص الإسلام على حماية المرأة.(597/1)
ما جاء في الخذف(597/2)
شرح حديث (نهى رسول الله عن الخذف)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الخذف.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن قتادة عن عقبة بن صهبان عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخذف قال: إنه لا يصيد صيداً، ولا ينكأ عدواً، وإنما يفقأ العين ويكسر السن)].
أورد أبو داود باباً في الخذف، والخذف: هو رمي الحصاة بالإصبع، إما بالسبابتين، بأن تستعمل كلتا السبابتين في إطلاق الحصى، أو بالسبابة والإبهام، وقيل لهما سبابتان تغليباً للسبابة على الإبهام التي بجوارها.
والخذف يكون بحصيات صغيرة، ولهذا كانت حصى الجمرات بمقدار حصى الخذف، أكبر من الحمص قليلاً، فهذا هو الذي يقال له حصى الخذف، ويكون الخذف بين أصبعين، سواء كان من يدين، بواسطة السبابة من كل واحدة، أو بين السبابة والتي تليها وهي الإبهام، وذلك بأن تكون الحصاة على الإبهام، ثم ترسلها السبابة فتندفع بقوة، أو بين السبابتين، بأن يجعلها على السبابة اليسرى، ثم بعد ذلك يجعل اليمنى تنطلق منها بقوة الدفع.
فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال: (إنه لا يصيد صيداً، ولا ينكأ عدواً، وإنما يفقأ العين ويكسر السن) ففيه مضرة، وليس فيه نكاية.(597/3)
تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله عن الخذف)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عقبة بن صهبان].
عقبة بن صهبان ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة.
[عن عبد الله بن مغفل].
عبد الله بن مغفل رضي الله عنه صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.(597/4)
ما جاء في الختان(597/5)
شرح حديث (أن أمرأة كانت تختن بالمدينة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الختان.
حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي وعبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي قالا: حدثنا مروان قال: حدثنا محمد بن حسان قال عبد الوهاب: الكوفي عن عبد الملك بن عمير عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها: (أن امرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا تنهكي؛ فإن ذلك أحظى للمرأة، وأحب إلى البعل)].
أورد أبو داود: باب ما جاء في الختان، والختان يكون للرجل والمرأة، وهو للرجل لأن فيه حصول الطهارة، وذلك أنه إذا لم يختن فإن البول عندما يخرج من الذكر يبقى في الغلفة المغطية للذكر، فيكون فيه عدم السلامة من البول؛ لأنه موجود في خارج محله، وهو هذا الغشاء أو الغطاء الذي يغطي رأس الذكر، فلا تحصل للإنسان الطهارة بدون ختان.
وأما المرأة فهو مستحب في حقها، وأحظى لها وأنفع.
وقد أورد أبو داود حديث أم عطية: (أن امرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: لا تنهكي) أي: لا تستأصلي الموضع بالقطع، لكن اقطعي الطرف، أي: أبقي شيئاً قليلاً، (فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب للبعل)، هذا هو وجه التعليل لكونها لا تنهك؛ لأنه أنفع للمرأة وأحب إلى الزوج.(597/6)
تراجم رجال إسناد حديث (أن امرأة كانت تختن بالمدينة)
قوله: [حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي].
سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي صدوق يخطئ، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[وعبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي].
عبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي صدوق، أخرج له أبو داود.
[حدثنا مروان].
هو مروان بن معاوية الفزاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد بن حسان].
محمد بن حسان مجهول، أخرج له أبو داود.
[قال عبد الوهاب: الكوفي].
يعني: محمد بن حسان الكوفي، أي: أن أحد شيخي أبي داود زاد في التعريف بـ محمد بن حسان بأنه الكوفي، وأما الشيخ الآخر فلم يذكر هذه الزيادة.
[عن عبد الملك بن عمير].
عبد الملك بن عمير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أم عطية].
أم عطية رضي الله عنها صحابية أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[قال أبو داود: روي عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بمعناه وإسناده].
عبيد الله بن عمرو هو الرقي، وهو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وبهذا يكون عبد الملك متابعاً لـ: محمد بن حسان.
[قال أبو داود: ليس هو بالقوي، وقد روي مرسلاً].
يعني: هذا الحديث ليس بالقوي، وقد روي مرسلاً، والألباني صححه أو حسنه لوجود شواهد له.
[قال أبو داود: ومحمد بن حسان مجهول، وهذا الحديث ضعيف].
وهنا يذكر الحديث المشهور الذي في الصحيحين: (إذا التقى الختانان) أي: ختان رجل مع ختان المرأة، فيدل هذا الحديث على وجود الختان للرجل والمرأة.(597/7)
ما جاء في مشي النساء مع الرجال في الطريق(597/8)
شرح حديث (استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في مشي النساء مع الرجال في الطريق.
حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد - عن أبي اليمان عن شداد بن أبي عمرو بن حماس عن أبيه عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه رضي الله عنه: (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق)].
أورد أبو داود باباً في مشي النساء مع الرجال في الطريق.
يعني: أن من آداب مشي النساء مع الرجال في الطريق ألا يمشين في وسط الطريق حيث يكون فيه الرجال، وإنما يمشين في الجوانب، ووسط الطريق يكون للرجال، بحيث لا تزاحم النساء الرجال، وتكون بعيدة عن مزاحمتهم في حافات الطريق وجانبيه، ولا تمشي في وسطه، فالوسط إنما هو للرجال، فهذا من الآداب التي جاء بها الإسلام، وأنه عند وجود النساء مع الرجال في الطريق لا يختلطن أو يمتزجن معهم، وإنما يسلكن الجوانب وهم في الوسط.
وقد أورد أبو داود حديث أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال: (استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق).
(استأخرن) أي: عن الرجال، (فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق) أي: أن تمشين في وسطه، (عليكن بحافات الطريق) وهي جوانبه، فكانت المرأة تلتصق بالجدار وتقرب من الجدار حتى إن ثوبها يعلق بالجدار من شدة قربها منه، والتصاقها به.(597/9)
تراجم رجال إسناد حديث (استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة].
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد -].
هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي اليمان].
أبو اليمان هو كثير بن اليمان، وهو مستور أخرج له أبو داود.
[عن شداد بن أبي عمرو بن حماس].
شداد بن أبي عمرو بن حماس مجهول أخرج له أبو داود.
[عن أبيه].
أبوه مقبول أخرج له أبو داود.
[عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري].
حمزة بن أبي أسيد صدوق أخرج له البخاري وأبو داود وابن ماجة.
[عن أبيه].
هو أبو أسيد، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والحديث في إسناده عدة رجال فيهم المقبول وفيهم المجهول وفيهم المستور، والألباني صححه لشواهده.(597/10)
شرح حديث (أن النبي نهى أن يمشي الرجل بين المرأتين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة عن داود بن أبي صالح المزني عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمشي -يعني: الرجل- بين المرأتين)].
أورد أبو داود حديث ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمشي الرجل بين المرأتين)، والحديث غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن فيه داود بن أبي صالح وهو ضعيف، قال عنه في التقريب: منكر الحديث.
وقيل: معناه: عندما تكون المرأتان في الطريق فيأتي ويفرق بينهما، أو يدخل بينهما وأما إذا كان الرجل يمشي مع محارمه وهن عن يمينه وشماله فلا بأس بذلك، والحديث غير صحيح.(597/11)
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي نهى أن يمشي الرجل بين المرأتين)
قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس].
هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي، وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة].
أبو قتيبة سلم بن قتيبة صدوق أخرج له البخاري وأصحاب السنن، وهو الشعيري، واسم أبيه يوافق كنيته؛ لأنه أبو قتيبة وأبوه قتيبة، وهذا النوع من أنواع علم الحديث فائدته: ألا يظن التصحيف فيما لو ذكر اسمه مع كنيته، فمن لا يعرفه يظن أن (أبو) صحفت عن (ابن)، ولكن من يعرف أن كنيته موافقة لاسم أبيه لا يخطئ سواء قيل: سلم أبو قتيبة فهو صحيح، أو قيل: سلم بن قتيبة فهو صحيح، والذي لا يعرف هذا يظن أنه إذا وجد (أبو) بدل (ابن) يظن ذلك تصحيفاً.
وقد قال يحيى بن سعيد القطان عن سلم هذا: ليس من الجمال التي تحمل المحامل، وهذا توهين له، يعني: ليس من الجمال التي تحمل الأثقال وذات القدرة على ذلك.
[عن داود بن أبي صالح].
داود بن أبي صالح منكر الحديث أخرج له أبو داود.
وهو مذكور بلقب المدني في ترجمته في التهذيب والتقريب، ولا يضر ذلك، ولعله يوجد تصحيف، ويحتمل أن يكون مدنياً، وأن يكون مزنياً، فينسب إلى بلد وإلى قبيلة.
[عن نافع عن ابن عمر].
نافع هو مولى ابن عمر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وابن عمر هو عبد الله بن عمر بن الخطاب أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(597/12)
الأسئلة(597/13)
حكم استخدام الضفدع في معامل التشريح
السؤال
هل يجوز تشريح الضفدع، علماً بأنه مطلوب في أغلب الكليات العملية، سواء في الطب أو قسم الحيوان؟
الجواب
يجوز ذلك إذا كان من أجل تعلم الطب، لكن لا يكون بذلك معذباً، ولا يحصل تعذيبه، وقتله غير سائغ؛ لأن الرسول نهى عن قتله، لكن إذا كان تشريحه بعد موته من أجل تعلم الطب وما إلى ذلك فلا بأس، لكن لا يؤخذ منه دواء وإنما يتعلم به، فلا بأس.(597/14)
حكم بيع الضفدع لمن يأكله
السؤال
هل يجوز بيع الضفدع للكفار حيث أن بعضهم يأكله؟
الجواب
لا يجوز للإنسان أن يبيع لهم شيئاً هم يأكلونه، مثل الخمر، فلا يجوز أن يبيع لهم الخمر.(597/15)
حكم أكل الضفدع
السؤال
الضفدع نوعان: ضفدع برمائي، وضفدع مائي، فهل يجوز أكل الضفدع المائي، لعموم قول صلى الله عليه وسلم: (الحل ميتته)؟
الجواب
الضفدع كما هو معلوم يعيش في الماء، وإن خرج من الماء فلا يهلك، وإنما هو دائماً في الماء، لكنه يكون في البحر ويكون في غير البحر.(597/16)
درجة حديث (أن النبي نهى أن يمشي الرجل بين المرأتين)
السؤال
الحديث الأخير بم حكم عليه الشيخ الألباني؟
الجواب
قال: إنه موضوع؛ لأن فيه داود بن أبي صالح، قال في ترجمته عند ابن حبان: يروي الموضوعات، ولعله من أجل هذا قال: إنه موضوع؛ لأن صاحبه متهم بالوضع، ولكن الحافظ ابن حجر في التقريب قال: منكر الحديث يروي الموضوعات عن الثقات، حتى كان يتعمد لها، وذكر ابن حبان له هذا الحديث.(597/17)
حكم أطفال الأنابيب
السؤال
ما حكم الولادة عن طريق الأنابيب، بحيث يتم تلقيح البويضة خارج الرحم، ثم إعادتها إلى الرحم، فهل هذه الطريقة صحيحة وشرعية؟
الجواب
الذي أراه ألا تسلك هذه الطريقة؛ لأن مثل ذلك قد يكون من الشيء الذي يخالف الواقع، فقد يحصل التلقيح من غيره، فالذي أرى أن الإنسان يستعمل العلاج، وإن رزقه الله شيئاً من الأولاد بسبب العلاج فالحمد لله، وأما هذه الطريقة فالأولى ألا يستعملها.(597/18)
سن ختان الولد والبنت
السؤال
ما هو السن المناسب لختان الولد وكذلك البنت؟
الجواب
المناسب أن يكون في حال الصغر؛ لأنه مع الكبر يتأذى، ويكون فيه مشقة، ولكن في حال الصغر أمره سهل.(597/19)
كيفية جمع فوائد الشروح
السؤال
لعل الكثير من الطلاب لهم فوائد مدونة، وأنا منهم، فقد كنت أدون بعض الفوائد في الصفحات في أول كل مجلد، فلو طلب من أحد أن يجمع هذه الفوائد ويقارن بينها ويحررها حتى نشترك في الأجر؟
الجواب
لا شك أن الفوائد التي تدون شيئاً فشيئاً في النهاية تظهر كمية لها أهمية ولها قيمة، وتكون مجتمعة ويستفاد منها، ومعلوم أن كثيراً من الطلاب يسجلون وقد يتفاوتون في التسجيل، وقد يتفاوتون في الحضور، فمنهم من هو ملازم، ومنهم من يسجل باستمرار ومنهم من يغيب فيفوته الشيء الكثير، ولا شك أن كل إنسان يجمع الفوائد لنفسه ويفيد غيره بها أن هذا شيء جيد، لكن مع هذا ينبغي أن يكون هناك اتصال بين الطلاب؛ حتى يتحقق من بعض الأمور التي قد يحررونها وموضوعها واحد، وقد يحصل بينهم اختلاف، فقد يكون أحدهم قد وهم، أو لم ينتبه تماماً فيتذكر من تدوين أخيه بما دونه، فيصحح بعضهم لبعض، والفوائد التي أشرت إليها إن شاء الله سأطلع عليها، وأصحح ما يحتاج إلى تصحيح، وبعد ذلك تكون مقرة مني، ويمكن بعد ذلك طبعها لكي يستفاد منها، ويرجع إليها، ولكن الذي أريد أن أقوله لمجموع الإخوان الذين كتبوا: الذي يناسب أن كل واحد يتصل بزميله من أجل المقابلة والمراجعة فيما اتفقا في تدوينه؛ لأنه قد تظهر مع المراجعة الأخطاء، ويتبين الخطأ من الصواب، أو يكون الأمر ملتبساً فيرجع إلي في ذلك حتى أبيِّن.(597/20)
المماثلة في القصاص في القتل العمد
السؤال
بالنسبة للقتل بالمثل، حديث العرنيين جاء أنه منسوخ، ثم إن المماثلة قد تكون غير ممكنة كالمقتول بالسم مثلاً، أو بحادث سيارة، فما قولكم؟
الجواب
كما هو معلوم ما دام أن القضية قضية قتل، وأن الحادث حدث بسببه وهو متعمد، فلا يمكن أن يماثل في هذه الحالة، وأما قضية السم فالنتيجة واحدة، فكونه قتل بالسم فيقتل بالسم، فلا إشكال في قضية المماثلة، بل المماثلة موجودة.(597/21)
حكم قتل الهدهد في غير شريعتنا
السؤال
قول سليمان عليه السلام عن الهدهد: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ} [النمل:21]، وقد مر معنا في الحديث النهي عن قتل الهدهد فكيف يوجه ذلك؟
الجواب
النهي موجود في شريعتنا، وذلك كان في شريعة سليمان عليه السلام، ونحن نهينا عن القتل.(597/22)
ضعف حديث (الختان سنة للرجال مكرمة للنساء)
السؤال
حديث: (الختان سنة للرجال مكرمة للنساء) ما صحته؟
الجواب
فيه ضعف، وفي (عون المعبود) ذكر أن طرقه كثيرة، وما حسنه إلا السيوطي، وكثير من العلماء ضعفوه ولم يحسنوه.(597/23)
أجر ضارب الوزغ في المرة الأولى
السؤال
جاء في بعض الأحاديث كما في (سلسلة الأحاديث الصحيحة): (أن الضربة الأولى للوزغ بمائة حسنة)؛ فكيف يجمع بين هذا وبين أن الأجر في الضربة الأولى يكون سبعين حسنة؟
الجواب
لا يوجد تنافي بينهما فالحديث في سنن أبي داود فيه أن الأجر سبعون حسنة، فقد يكون أخبر بذلك ثم بعد ذلك جاء الوحي بالزيادة، أو أن الأصغر داخل في الأكبر.(597/24)
حكم قتل النمل وأخذ بيضه
السؤال
جرت العادة عندنا في القرية إذا وجدوا بيت نمل في بيوتهم فإنهم يضعون الزيوت في بيوت النمل ليقتلوها، وإذا أرادوا أن يصيدوا السمك فإنهم يأخذون بيض النمل من على الأشجار بعد قتل النمل، فهل هذا الفعل جائز؟
الجواب
من أين يجدون بيض النمل؟ النمل صغير فكيف ببيضه؟ وكونهم يصطادون به السمك لا بأس به.(597/25)
حكم قتل الفئران بماء ساخن
السؤال
هل يجوز قتل الفئران في المزارع وغيرها بأن يسكب الماء الساخن في جحورها حتى تموت؟
الجواب
لا يجوز؛ لأن هذا تعذيب بالنار، لكن يمكن أن يصبوا عليها ماء غير حار حتى تظهر ثم يقتلونها.(597/26)
حكم زيارة النساء للقبور
السؤال
قال العياشي في رحلته: روى الحاكم عن علي أن فاطمة كانت تزور عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده؟
الجواب
كلمة (تصلي) أي: تدعو، ولا يراد به الركوع والسجود، وزيارة النساء للقبور فيها اختلاف بين أهل العلم، فمنهم من أجازها ومنهم من منعها، والمنع أظهر، وقد أوضحت ذلك في كتاب: فضل المدينة وآداب سكناها وزيارتها، وذكرت أن القول بالمنع أولى من القول بالجواز، ولو أن المرأة تركت ولم تزر لما حصل شيء إلا أنها تركت سنة، ولا يؤاخذ الإنسان بترك السنة، وأما على القول بالمنع فإنها تترك ذلك وهذا هو الذي يقتضيه المنع، وأما إذا فعلت فإنها تكون قد تعرضت للعنة، لحديث: (لعن الله زوارات القبور)، فهي في حال تركها -على القول بالجواز- فاتتها سنة، والسنة: يثاب فاعلها، ولا يعاقب تاركها، ولكن إذا فعلت فمعناه أنها تعرضت للعنة، فهذا يبين أن الترك أولى من الفعل.
وقد ضعف الشيخ الألباني حديث علي الذي ذكر فيه عن فاطمة أنها كانت تذهب إلى البقيع، وذلك في أحكام الجنائز.(597/27)
شرح سنن أبي داود [598]
إن الله تعالى هو المتصرف في الكون، فما من صغيرة ولا كبيرة تحصل فيه إلا وهي بعلمه سبحانه وإذنه؛ لذا كان من الخطأ أن يسب الدهر (الليل والنهار) فما هما إلا مصرّفان يقلبهما الله تعالى كيف يشاء، وليس لهما من الأمر شيء حتى يسبا، وساب ذلك في الحقيقة هو ساب لله تعالى؛ لأن المؤثر والمتصرف في ذلك هو سبحانه.(598/1)
ما جاء في الرجل يسب الدهر(598/2)
شرح حديث (يقول الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يسب الدهر.
حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان وابن السرح قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار).
قال ابن السرح: عن ابن المسيب مكان سعيد، والله أعلم].
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يسب الدهر].
وهذا الباب هو آخر باب في كتاب سنن أبي داود، وهو مشتمل على هذا الحديث، وهو آخر حديث في سنن أبي داود.(598/3)
خطاب الشرع للرجال خطاب للنساء في عموم النص
التعبير بالرجل في النصوص ليس له مفهوم؛ لأن الأصل أن الرجال والنساء لا فرق بينهم في الأحكام، ولا يميز بين الرجال والنساء ولا يفرق بينهم إلا بدليل، فالدليل الذي يميز أن الرجال لهم حكم كذا والنساء لهن حكم كذا، وأما الأمور التي لا تميز فيها بين ما يخص الرجال وما يخص النساء فإنها مشتركة بين النساء والرجال، وعلى هذا فقول أبي داود هنا هو نظير ما تقدم كثيراً أن الغالب أن الخطاب والكلام يكون مع الرجال، وكذلك المرأة قد تسب الدهر فلا فرق بين الرجل والمرأة، وإنما ذكر الرجال لأنهم الذين يكون معهم الخطاب غالباً، وقد جاءت كثير من الأحاديث والخطاب فيها للرجال وهذا لا يخص الرجال، وإنما هو مشترك بين النساء والرجال، لكن لمقتضى الحال، مثل قوله: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين، إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه) وكذلك المرأة، وقوله: (من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من الغرماء)، وكذلك المرأة إذا كانت مفلسة والمبيع عندها، فالحكم يشمل الرجال والنساء إلا إذا وجد التفريق بينهما كما جاء في حديث (الغسل من بول الجارية والنضح من بول الغلام)، وحديث: (الوقوف عند رأس الرجل ووسط المرأة في صلاة الجنازة)، وكذلك الأمور الخمسة التي تكون النساء فيها على النصف من الرجال، وهي: الميراث، والدية، والعقيقة، والعتق، والشهادة، فهذه أمور خمسة جاءت الشريعة بالتفريق والتمييز بين الرجال والنساء، وأن النساء على النصف من الرجال.(598/4)
خصائص الحديث القدسي
أورد أبو داود حديث أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر)، وهذا حديث قدسي، والحديث القدسي هو الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مضيفاً إياه إلى ربه، وذلك بأن تكون الضمائر فيه لله عز وجل وليست للرسول صلى الله عليه وسلم.
فقوله: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر) ضمير المتكلم هو لله عز وجل، وهو مثل قوله: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي) فالذي يقول: يا عبادي! هو الله عز وجل، ولا يصح أن يقول ذلك إلا هو سبحانه وتعالى، فالضمائر فيه تعود لله عز وجل، وهو مثل قوله: (الصوم لي وأنا أجزي به)، فكل تلك الضمائر ترجع إلى الله عز وجل.
والحديث القدسي له صيغتان: الأولى: قال الله عز وجل، أو يقول الله عز وجل، والثانية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه.
والحديث النبوي غير الحديث القدسي، فالقدسي معناه من الله وكلامه من الرسول صلى الله عليه وسلم، والشريعة كلها من الله، إلا أن القرآن متعبد بتلاوته والعمل به، وأما السنة فمتعبد بالعمل بها.
والحديث القدسي من كلام الله سبحانه وتعالى، كما هو موجود في الضمائر، (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي) ولا أحد يقول: يا عبادي! إلا الله سبحانه وتعالى، فحتى الرسول لا يقول: يا عبادي! وإنما يحكي كلام الله عز وجل.
وهل اللفظ من الله عز وجل كما أن المعنى منه؟ إن لم تكن هناك رواية بالمعنى، وكان اللفظ لم يأت بعدة صيغ، فهذا الكلام مضاف إلى الله سبحانه وتعالى، لكن إذا دخلت الرواية بالمعنى فعندها لا يقال: إن اللفظ من الله عز وجل، لكن الكلام مضاف إلى الله عز وجل؛ لأن الضمائر إنما هي له، والمتكلم هو، لكن هل هذا الكلام نفسه كلام الله؟ لو لم تدخل الرواية بالمعنى يصير اللفظ والمعنى من الله عز وجل، وإن دخلت الرواية بالمعنى فإن اللفظ لا يقال: إنه من الله، فقد عبر الراوي بالمعنى الذي فهمه عندما لم يتمكن من ضبط اللفظ.
فهذا هو معنى الحديث القدسي.(598/5)
معنى قوله (يؤذيني ابن آدم)
قول الله عز وجل في هذا الحديث: (يؤذيني ابن آدم) ابن آدم هنا عام مراد به الخصوص، ولا يقال: إن كل بني آدم يصدر منهم هذا الإيذاء، وإنما يحصل هذا من البعض، فهو عام يراد به خصوص بعض بني آدم الذين يضيفون الأمور إلى الدهر ويسبون الدهر، فهذا إيذاء لله عز وجل.
والإيذاء يحصل من العبد بأن يفعل ما لا يسوغ كمحرم، فإن هذا يقال له: إيذاء لله عز وجل، وهو سبحانه لا تضره معاصي العاصين، ولا تنفعه طاعات المطيعين، بل هو سبحانه وتعالى النافع الضار، ولكن كونه يحصل ما يسخطه ويغضبه فإن هذا يقع من العبد، لكن الله جل وعلا لا يتضرر بهذا الإيذاء الذي صدر من العبد، فهو لا تضره معصية العاصين، ولا تنفعه طاعة المطيعين، ولهذا ينسب إلى العبد فيقال: إنه آذى الله أو يؤذي الله، ولكن لا يقال: إن الإنسان أضر الله عز وجل أو نفع الله، فلا يضاف النفع أو الضر إلى العباد، ولكن جاء في القرآن وفي السنة ذكر الإيذاء، وأنه يصدر منهم الإيذاء لله عز وجل، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [الأحزاب:57]، وقد فسر معنى ذلك بأنهم يحصل منهم الأذى بارتكابهم المعاصي وتركهم الأوامر، فهذا هو الإيذاء، لكن لا تضره هذه المعصية كما أن الطاعة لا تنفعه، وإنما تضر المعاصي أصحابها، وتنفع الطاعات أصحابها، والله عز وجل لا يصل إليه ضر ولا نفع، فلا تنفعه طاعة المطيعين، ولا تضره معاصي العاصين سبحانه وتعالى، بل هو النافع الضار.(598/6)
معنى قوله (يسب الدهر)
قوله: (يسب الدهر وأنا الدهر) الدهر هو: الزمان (الليل والنهار)، ولهذا جاءت السنة بعدم جواز صيام الدهر، والنهي عن صيامه أي: صيام السنة باستمرار.
إذاً: هو أن يسب الإنسان الدهر ويضيف الأمور إليه فيقول قائلهم: يا خيبة الدهر، أو يقول: عضنا الدهر بنابه، أو يقول: عادت علينا عوائد الدهر، أو غير ذلك من العبارات التي يضيفونها إلى الدهر، مع أن الدهر -وهو الزمان- ليس متصرفاً ولا فاعلاً، بل الفاعل والمتصرف هو الله عز وجل، فهو الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأما الدهر فهو زمان، ولهذا جاء بعد ذكر الدهر (أقلب الليل والنهار)، فإذاً الدهر هو الليل والنهار وهو المقلَّب، ومعلوم أن من سب المقلَّب فإنما ترجع مسبته إلى المقلِّب وهو الله سبحانه وتعالى.
مثلاً: لو أن إنساناً سب جداراً فإن الجدار لم يبن نفسه، وإنما بناه إنسان، فترجع المسبة للباني الذي بناه، فكذلك إذا سب الدهر والدهر زمان ليس فاعلاً ولا متصرفاً، ترجع مسبة الساب إلى الله عز وجل، ولهذا قول الله عز وجل: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر) يعني: من سب الدهر فقد سبني؛ لأن الدهر ليس فاعلاً.
وقوله: (أنا الدهر) ليس معناه أن الله عز وجل يقال له الدهر، أو أن من أسمائه الدهر، فهذا غير صحيح، وإنما أسماء الله عز وجل كلها مشتقة، وليس فيها اسم جامد، وهذا اسم جامد، فأسماء الله مشتقة تدل على معان بألفاظها، مثلاً: الرحمن يدل على الرحمة، والعزيز يدل على العزة، والحكيم يدل على الحكمة، واللطيف يدل على اللطف، والسميع يدل على السمع، والبصير يدل على البصر وهكذا أسماء الله عز وجل يشتق منها صفات، وتدل على معاني في الصفات، وأما الدهر فهو اسم جامد، فليس من أسماء الله، وقد قيل: إن ابن حزم قال: إنه من أسماء الله بدليل هذا الحديث، ولكن هذا الاستدلال غير صحيح كما ذكر ذلك العلماء، وقالوا: إن الدهر ليس من أسماء الله، وإنما قوله: (أنا الدهر) يعني: من سب الدهر فقد سبني، ومن سب المقلَّب فقد رجعت مسبته إلى المقلِّب، ومن سب البناء رجعت مسبته إلى الباني؛ لأن الجدار لم يبن نفسه، وإنما الذي بناه إنسان، وهذا الإنسان هو الذي يصل إليه سب من سب الجدار، فمن سب الزمان -والزمان ليس فاعلاً ولا متصرفاً- فمسبته ترجع إلى الله عز وجل؛ لأن الله عز وجل هو الذي يقلب الليل والنهار، ولهذا قال: (بيدي الأمر أقلب الليل والنهار)، فكل شيء بيد الله عز وجل، وكل شيء بقضاء الله وقدره، وكل شيء تحت تصرفه سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
وقوله: (أقلب الليل والنهار) يوضح معنى كون الله عز وجل هو المقلب للدهر، والدهر هو الزمان، ولهذا قال: (أقلب الليل والنهار) أي: الدهر، فمن سبه فقد سب الله عز وجل، ومن حصل منه الذم له رجع ذلك الذم وذلك السب إلى الله سبحانه وتعالى.(598/7)
معاني أسماء النبي صلى الله عليه وسلم
كما أن أسماء الله مشتقة ليس فيها اسم جامد كذلك أسماء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مشتقة ليس فيها اسم جامد، فمحمد وأحمد كلاهما يدل على معاني الحمد، وأما ما يذكر أن من أسمائه (يس وطه) فهذا غير صحيح؛ لأن هذه حروف مقطعة في أوائل السور، وقد جاء بعدها الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام، لذا فإن وبعض الناس قد يظن أنها من أسماء للرسول صلى الله عليه وسلم، وليس الأمر كذلك، بل (يس وطه) حرفان من الحروف المقطعة، فقد جاءتا في أول هاتين السورتين كما جاءت حروف مقطعة في سور أخرى أحادية وثنائية وثلاثية ورباعية وخماسية، وطه ويس هي مما جاء على حرفين، وقد جاء في {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:1 - 2]، وربما بعض الناس لما رأى أن الخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم بعد (طه) ظن أن (طه) اسم للنبي صلى الله عليه وسلم، ((طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ)) يعني: يا طه ما أنزلنا عليك، وهذا غلط ليس بصحيح، وكذلك (يس) ليس بصحيح، وإنما هي حروف مقطعة، وقد جاء أيضاً خطاب النبي صلى الله عليه وسلم بعد حروف أخرى مقطعة مثل: {المص * {كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ} [الأعراف:1 - 2]، وكذلك إبراهيم: {الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} [إبراهيم:1]، ففيه خطاب للمسلمين بعد: (الر)، وخطاب بعد ((المص)).
إذاً: فأسماء الله عز وجل كلها مشتقة وليس فيها اسم جامد، والدهر ليس منها، وأسماء الرسول صلى الله عليه وسلم مشتقة وليس فيها اسم جامد، وما جاء من ذكر (طه ويس) فليس من أسمائه وإنما هي حروف مقطعة في أوائل السورة.
وبالانتهاء من الكلام على هذا الحديث نكون قد انتهينا من شرح هذا الكتاب العظيم الذي هو أحد كتب السنة المشهورة، وأحد الكتب الستة المعروفة، وهي: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجة، فهذه كتب اشتهرت بأنها الأمهات والأصول؛ وذلك لأنها جمعت من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الشيء الكثير، واختصت بالتأليف فيما يتعلق برجالها ومتونها وأطرافها، وذلك لاشتمالها على الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، اللهم إنا نحمدك ونشكرك على ما وفقتنا لإتمام شرح هذا الكتاب العظيم في مسجد رسولك الكريم صلى الله عليه وسلم، ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعل ما علمنا حجة لنا لا علينا، وأن يوفقنا جميعاً لتحصيل العلم النافع، والعمل به، إنه سبحانه وتعالى جواد كريم.(598/8)
تراجم رجال إسناد حديث (يقول الله عز وجل يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر)
قوله: [حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان].
محمد بن الصباح بن سفيان صدوق أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[وابن السرح].
هو أحمد بن عمرو بن السرح، ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[قالا: حدثنا سفيان].
هو ابن عيينة، وهو مهمل، وإذا جاء سفيان يروي عن الزهري فالمراد به ابن عيينة؛ لأن سفيان ليس معروفاً بالرواية عن الزهري بحيث يأتي مهملاً، فإذا روى عن الزهري فالمراد به ابن عيينة، وسفيان بن عيينة المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد].
سعيد بن المسيب ثقة أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
وقد جاء في أحد الطريقين ذكر سعيد باسمه فقط، وجاء في الطريقة الثانية عن الشيخ الثاني ابن المسيب بدل سعيد، أي: أن أحد الشيخين جاء في الإسناد عنده سعيد، وجاء في إسناد الثاني ابن المسيب.
[قال ابن السرح: عن ابن المسيب مكان سعيد.
] يعني: أن أبا داود ساق الحديث على رواية ابن الصباح، ولهذا لما ساقه قال: سعيد، ثم نبه على أن ابن السرح قال: ابن المسيب بدل سعيد.
وهذا من أمثلة دقة العلماء في المحافظة على الألفاظ التي يأتي بها الرواة، وأنهم يأتون بها كما جاءت ولا يزيدون ولا ينقصون، ولو حصلت زيادة من أجل التنبيه والتوضيح لما قد يكون مهملاً فإنهم يأتون بكلمة تبين ذلك مثل: يعني ابن فلان، أو هو ابن فلان، وإلا فإنهم يحافظون على الألفاظ.
ولهذا أبو داود رحمه الله في هذا الإسناد ساقه على لفظ ابن الصباح وقال: سعيد، وأشار إلى لفظ الشيخ الثاني وهو ابن السرح فقال: قال ابن السرح: ابن المسيب بدل سعيد.(598/9)
فوائد متفرقة في شرح سنن أبي داود
فوائد من دروس الشيخ العلامة عبد المحسن بن حمد العباد البدر حفظه الله تعالى ومتع المسلمين به وبأمثاله في سنن أبي داود السجستاني رحمه الله تعالى، جمع وترتيب محمد محمدي بن محمد جميل النورستاني.(598/10)
فوائد متفرقة في الرواة
فائدة: أبو عبيد القاسم بن سلام ثقة إمام، ومع ذلك لم يخرج له الشيخان، مما يدل على أنهما لم يرويا لكل ثقة، كما أن الشيخين لم يلتزما بإخراج جميع الأحاديث الصحيحة في صحيحيهما، وعلى هذا فلم يستوعبا جميع الأحاديث الصحيحة، ومن أوضح الأدلة على ذلك صحيفة همام بن منبه، فقد اتفق الشيخان على إخراج أحاديث منها، وانفرد البخاري منها بأحاديث، وانفرد مسلم منها بأحاديث أخر، وتركا معاً إخراج ما بقي منها، فلا يستدرك عليهما عدم إخراجهما كثيراً من الأحاديث الصحيحة، ولا عدم روايتهما لكثير من الثقات.
فهذه الفائدة تتعلق بكون الشيخين لم يخرجا لكل ثقة، ولا كل حديث صحيح، بل رويا أحاديث صحيحة كثيرة، ورويا عن ثقات كثيرين، ولم يخرجا لكل ثقة، ولم يخرجا كل حديث صحيح، ولا يعني ذلك أن الشيخين إذا لم يخرجا الحديث فإنه يكون فيه كلام، ولا أن الراوي يكون فيه كلام؛ لأنهما لم يلتزما أن يخرجا لكل ثقة، ولا أن يخرجا كل حديث صحيح، ومن أوضح الأدلة على هذا فيما يتعلق بالثقات: أبو عبيد القاسم بن سلام، وهو رجل عظيم ومن كبير المحدثين، وليس له رواية عند البخاري ومسلم؛ لأنهما لم يلتزما أن يخرجا لكل ثقة، كما أن هناك أحاديث صحيحة كثيرة جداً لا توجد في الصحيحين، ولا يقدح فيها لكونها غير موجودة في الصحيحين؛ لأن الإمامين البخاري ومسلم ما التزما أن يخرجا كل حديث صحيح، ومن أوضح الأدلة على هذا صحيفة همام بن منبه فهي تشتمل على مائة وأربعين حديثاً تقريباً، وهي بإسناد واحد، وقد أوردها الإمام أحمد رحمه الله في مسنده بكاملها في مسند أبي هريرة، وبين كل حديث وحديث يقول: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكررها هكذا مائة وأربعين مرة، لكي تفصل بين حديث وحديث وهي بإسناد واحد.
والبخاري رحمه الله من طريقته أنه ينتقي الحديث الذي يريده ثم يأتي بالإسناد الأول، ويركب الحديث على ذلك الإسناد، وأبو داود كذلك أيضاً، وأما مسلم رحمه الله فإنه يسوق الإسناد حتى نهايته ثم يقول: وذكر أحاديث عن أبي هريرة، قال: هذا ما حدثنا به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: وذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فيكون معنى ذلك أن الحديث الذي أتى به ليس هو الذي يلي الإسناد، وهذا من تفنن الإمام مسلم رحمه الله وعنايته في المحافظة على الألفاظ، ولهذا يقول الحافظ ابن حجر في ترجمة الإمام مسلم في تهذيب التهذيب: وقد حصل له حظ عظيم مفرط، وهي محافظته على الألفاظ وسياقها، وحسن ترتبيها، وعدم الرواية بالمعنى، وأثنى عليه وذكر جملة محاسن صحيح الإمام مسلم، وهذا من دقته ألا يأتي بالمتن المتأخر ويجعله تالياً للإسناد الذي سيقت به الصحيفة كلها، وإنما إذا جاء إلى نهايتها قال: فذكر أحاديث منها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.
إذاً: فهذه من الفوائد التي تتعلق بالصحيحين وتتعلق بالرواية عن الثقات، وبتخريج الأحاديث الصحيحة، وأن الشيخين لم يخرجا كل حديث صحيح، ولم يخرجا لكل ثقة.
فائدة: أبو بكر بن أبي شيبة أكثر عنه الإمام مسلم، وهو الأول من حيث كثرة الرواية عن شيوخه، فقد روى عنه ألف وخمسمائة حديث، ويليه في الترتيب من حيث كثرة رواية الإمام مسلم: عنهم زهير بن حرب أبو خثيمة، فقد روى عنه مسلم ألف ومائتي حديث.
وهذا مما يتعلق بشيوخ مسلم، أن مسلماً رحمه الله روى عن أبي بكر بن أبي شيبة أكثر من ألف وخمسمائة حديث وهو أكثر الشيوخ الذين روى عنهم، وهناك عدد من الرواة أكثر عنهم الإمام مسلم، وقد ذكرتهم في مقدمة كتاب عشرون حديثاً من صحيح مسلم، وذكرتهم بالترتيب على حسب الكثرة.
ومما ينبغي أن يعلم: أن الحافظ ابن حجر في كتابه تهذيب التهذيب ينقل من كتاباً يقال له الزهرة عدد الأحاديث التي رواها البخاري ومسلم واتفقا عليها أو انفرد أحدهما بها، فعندما يترجم لكثير من شيوخ الشيخين يقول: روى عنه البخاري ومسلم كذا حديث، اتفقا على كذا، وانفرد البخاري بكذا، ومسلم بكذا، وهذا يأتي غالباً في آخر ترجمة الراوي من تهذيب التهذيب، وقد أشرت إلى هذه الفائدة المتعلقة بكتاب الزهرة في كتاب الفوائد المنتقاة، وهي آخر فائدة في كتاب الفوائد المنتقاة برقم ستمائة وخمسة وخمسين.
فائدة: حكم الإمام النسائي على عبد الرحمن بن يزيد بن تميم بأنه متروك، ومع ذلك روى له في سننه، واستغربه منه الإمام الذهبي في الميزان في ترجمة عبد الرحمن المذكور، والفائدة مذكورة في الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى.
فهذه فائدة تتعلق بسنن النسائي، فقد روى عن شخص قال عنه: متروك، وهذا عجيب أن يروي عن متروك!! فائدة: ليس في الكتب الستة سليم بفتح السين إلا سليم بن حيان وما سواه سُليم بضم السين، وهو كثير، وهو الجادة كما يقال.
فائدة: مالك مقدم على سفيان بن عيينة في الحفظ، وطريقة التعرف على ذلك بين الحفاظ عد الأغلاط.
وينبغي التحقق من ذلك من كتاب الحازمي؛ فهو الذي ذكر هذا في شروط الأئمة الخمسة، وذكر أن طريقة المحدثين في معرفة الأوثق، وأنهم إذا أرادوا أن يميزوا بين شخصين كل منهما في غاية الثقة: فإنهم يحسبون أغلاط هذا وأغلاط هذا، والأغلاط هنا قليلة، لكن من كان غ طه أقل جعلوه مقدماً، وجعلوه أوثق من الثاني، وكل منهما في غاية الثقة، وأنا الآن لا أتذكر بالضبط هل هو سفيان بن عيينة أو سفيان الثوري لكن يرجع إلى كتاب شروط الأئمة الخمسة للحازمي.
وبالمناسبة فالإمام الحازمي هذا هو صاحب كتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، وقد توفي وعمره خمسة وثلاثون عاماً، وقد ذكره الذهبي في كتابه من يعتمد قوله في الجرح والتعديل وقال: مات شاباً طرياً، عمره خمس وثلاثون سنة، وهذا يبين لنا أن من العلماء من كان سنه صغيراً ولم يعمر طويلاً، ومع ذلك نفع الله تعالى به، وخلف من العلم والتأليف ما نفع الله تعالى به، ومن أمثلة ذلك في هذا الزمان: الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله فقد مات وعمره خمس وثلاثون سنة، ومع ذلك ألف كثيراً في العقيدة المص لح والحديث والفقه شعراً ونثراً، فله مؤلفات كثيرة منها المنظوم والمنثور، وكتاباته قيمة ومفيدة، وشعره جيد، ومثل ذلك النووي، فقد مات وعمره خمس وأربعون سنة، ومع ذلك له مؤلفات كثيرة ضخمة منها كتاب المجموع، وهو أوسع كتب الفقه التي تعنى بفقه الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم، وكذا المغني لـ ابن قدامة، فهذان كتابان واسعان عظيمان في الفقه.
وكذلك الاستذكار لـ ابن عبد البر فهو من أحسن الكتب ولكنه دونهما، وقد سبق لي أن سألت شيخنا الشيخ الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه، وكان يذكر هذين الكتابين وسعتهما، فقلت له: ما هو الكتاب الذي يماثلهما من كتب المالكية؟ قال: لا أعرف إلا كتاب الاستذكار، فيمكن أن يكون أحسن شيء فيما يتعلق بهذا الموضوع.
فائدة: يرى المنذري أن سعيد بن المسيب لم يسمع من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد رد عليه ابن القيم رحمه الله تعالى عند الحديث رقم خمسة آلاف وثلاثة عشر.
وهذا مر بنا قريباً في تهذيب السنن لـ ابن القيم، والحقيقة أن تهذيب السنن لـ ابن القيم كتاب نفيس يشتمل على درر وفوائد، ومع ذلك لم يوجد من يخدم هذا الكتاب ويعتنى به؛ لكي يبرز ويستفاد منه الفائدة الكبيرة، ولكن لو أبرز وخدم خدمة تناسبه فإنه مشتمل على علم وفوائد جمة، وبعض الأحاديث يصلح أن تكون جزءاً؛ لأنه يتوسع ويستطرد فيها ويجعل البحث فيها مستفيضاً، ولا يستغني عن الرجوع إليها طالب العلم، ولكنه لا يهتدى إليها، ولا يتفطن لها، وسبق أني عرضت هذا على كثير من طلبة العلم أن يعنوا به، وبإخراجه وبتحقيقه وبإبرازه، ولكني ما رأيت حتى الآن من اعتني به، وهو كتاب نفيس، وفيه درر وفوائد، ومنها هذه الفائدة التي مرت بنا قريباً.
فائدة: من كبار مشايخ أبي داود: أحمد بن منيع، فهذا من كبار مشايخه الذين روى عنهم في أواخر حياتهم، وهو في أول عمره، أي: أنه أدركهم وهم كبار وهو في صغره، فهو من كبار شيوخه، وأما صغار الشيوخ فهم الذين أدرك مدة طويلة من حياتهم مثل ما مر بنا في شيوخ البخاري، فثلاثة من شيوخ البخاري هم من صغار شيوخه، وماتوا في سنة واحدة، وقد ماتوا قبله بأربع سنوات، وهم: محمد بن بشار الملقب بندار، ومحمد بن المثنى الملقب بـ الزمن، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهؤلاء ثلاثة هم من صغار شيوخ البخاري، وقد ماتوا قبله بأربع سنوات، فهو توفي في سنة ست وخمسين ومائتين، وأما هؤلاء الثلاثة فقد ماتوا سنة مائتين واثنين وخمسين، وهؤلاء الثلاثة أيضاً هم شيوخ لأصحاب الكتب الستة.
فائدة: من منهج الإمام البخاري رحمه الله تعالى أنه يسوق لفظ الأخير إذا روى عن شيخين، ولا يبين ذلك، فقد ذكر ذلك الحافظ ابن(598/11)