تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة (علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم)
قوله: [حدثنا هشام بن عمار].
هشام بن عمار صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا صدقة بن خالد].
صدقة بن خالد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا زيد بن واقد].
زيد بن واقد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن خالد بن عبد الله بن حسين].
خالد بن عبد الله بن حسين مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.(420/12)
معنى قوله صلى الله عليه وسلم (هذا شراب من لا يؤمن بالله)
قوله: (هذا شراب من لا يؤمن بالله) لا يدل على الكفر، وإنما نفى الإيمان الكامل أو الإيمان الواجب، وليس النفي لأصل الإيمان، وإن أريد به أنه حكاية عن الكفار الذين هذا شرابهم وأنهم يشربون وهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ذلك فهذا واضح، ولكن المسلم إذا شربه لا يقال: إنه كافر، وإنما يقال: إنه عاصٍ مرتكب كبيرة من أعظم الكبائر، فإن أريد به أن هذا شراب الكفار فهو على بابه، فهم كفار غير مؤمنين، وإن أريد به التحذير منه وأن من يفعله ليس عنده الإيمان فالمراد نفي الإيمان الواجب الذي يحصل معه الامتناع والارتداع والابتعاد عن ذلك الشيء الذي هو محرم.
والحاصل: أنه إذا أريد به المؤمن أو المؤمنون أو المسلمون فإنه لا يكون كفراً، إلا مع الاستحلال، فالاستحلال يكون كفراً مخرجاً من الملة.
وهذا الحديث فيه مقبول، ولكن من ناحية تحريم النبيذ الذي وصل إلى حد الإسكار ففيه أحاديث كثيرة، كقوله صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر حرام).
وقول أبي هريرة: (تحينت فطره بنبيذ صنعته) أبو هريرة رضي الله عنه لم يرد أنه يأتي بشيء مسكر، ولكنه لما وصل به إذا فيه هذا الوصف، فهو لم يأت به على أساس أنه أتى بشيء مسكر، ولكنه أتى به على أساس أنه سليم ثم تبين أنه غير سليم لوجود هذه العلامة.(420/13)
شرح سنن أبي داود [421]
جاءت هذه الشريعة من عند الله كاملة متكاملة محكمة، لم تترك خيراً إلا ودلت الأمة عليه، ولا شراً إلا وحذرت الأمة منه، فجاءت ببيان الواجبات والمحرمات والمستحبات والمكروهات والمباحات، ومما جاءت ببيانه أحكام الشرب وبيان آدابه وما يستحب فيه وما يكره.(421/1)
ما جاء في الشرب قائماً(421/2)
شرح حديث (نهى أن يشرب الرجل قائماً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الشرب قائماً.
حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا هشام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب الرجل قائماً)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة بعنوان: باب في الشرب قائماً، أي: في حكمه، وهل هو سائغ أو غير سائغ؟ والمعروف من عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يشرب وهو جالس، وشربه وهو قائم حصل منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه بقلة.
وقد جاء النهي عن الشرب قائماً، وجاء أنه صلى الله عليه وسلم شرب قائماً في بعض الأحوال، فمن العلماء من رأى أن هذا النهي الذي جاء عن الشرب عن قيام محمول على كراهة التنزيه، وأن فعله صلى الله عليه وسلم دال على الجواز، وجاء أيضاً ما يدل على ذلك من فعل الصحابة كفعل علي رضي الله عنه الذي سيأتي أنه شرب قائماً وقال: (إن رجالاً يكره أحدهم أن يشرب قائماً وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائماً)، فيكون الجمع بين هذه النصوص هو أن الأصل الشرب عن جلوس وهو الذي ينبغي أن يحرص عليه، وإن شرب الإنسان قائماً في بعض الأحيان لحاجة دعت إلى ذلك فلا بأس به.
وأورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب الرجل قائماً)، وذكر الرجل هنا لا مفهوم له، فمثله المرأة، ولكن كما ذكرنا أن الغالب هو الخطاب مع الرجال، وإلا فإن المرأة حكمها حكم الرجل، والأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، ولا يفرق بينهما إلا بدليل يفرق بينهما، وعلى هذا فذكر الرجل في قوله: (نهى أن يشرب الرجل) لا مفهوم له؛ فإن المرأة كذلك منهية عن أن تشرب قائمة كما أن الرجل منهي عن أن يشرب قائماً.(421/3)
تراجم رجال إسناد حديث: (نهى أن يشرب الرجل قائماً)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام].
هشام الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
قتاده بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
أنس رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود.(421/4)
شرح حديث (أن علياً شرب قائماً وقال إن رجالاً يكرهون أن يشرب الرجل قائماً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن مسعر بن كدام عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة: (أن علياً رضي الله عنه دعا بماء فشربه وهو قائم ثم قال: إن رجالاً يكره أحدهم أن يفعل هذا، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل مثلما رأيتموني أفعله)].
أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه أنه شرب قائماً وقال: (إن رجالاً يكرهون أن يشرب الرجل قائماً وإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل مثلما رأيتموني أفعل) يعني: أنه شرب قائماً، ولكن كما هو معلوم هذا ليس هو المعتاد من فعله صلى الله عليه وسلم، بل المعتاد من هديه أنه كان يشرب جالساً، وإنما كان شربه قائماً في بعض الأحيان، فيكون الشرب جالساً هو الأصل وهو الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان، وإن شرب قائماً في بعض الأحيان لحاجة دعت إلى ذلك فلا بأس بذلك.(421/5)
تراجم رجال إسناد حديث: (أن علياً شرب قائماً وقال إن رجالاً يكرهون أن يشرب الرجل قائماً)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى].
يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسعر بن كدام].
مسعر بن كدام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الملك بن ميسرة].
عبد الملك بن ميسرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن النزال بن سبرة].
النزال بن سبرة ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[أن علياً رضي الله عنه].
علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه.(421/6)
حكم الأكل قائماً
والأكل قائماً إذا كان هناك حاجة تدعو إليه لا بأس به.(421/7)
الشرب قائماً ليس من خوارم المروءة
يقول بعضهم: إذا شرب طالب العلم قائماً فهل هذا يعتبر من خوارم المروءة؟
و
الجواب
أنه لا يعتبر من خوارم المروءة، لكن الأولى به أن يفعل ما هو الأفضل وما هو الأولى، وإذا حصل أمر يقتضيه فلا بأس بذلك.(421/8)
تقديم تحية المسجد على الشرب قائماً
إذا دخل الرجل المسجد ولم يصل التحية فلا يشرب قائماً ولا يشرب جالساً، بل يصلي التحية ثم يجلس ويشرب.(421/9)
مدى صحة القاعدة التي تقول النهي في باب الآداب يحمل على التنزيه
هناك قاعدة تقول: النهي في باب الآداب يحمل على التنزيه وليس على التحريم.
وهذا ليس على إطلاقه، فلا يقال: إن هذا في كل شيء.(421/10)
الجمع بين النهي عن الشرب قائماً مع شربه صلى الله عليه وسلم قائماً
إن قال قائل: كيف يحمل النهي على التنزيه مع ما ورد في صحيح مسلم: (من شرب قائماً فليستقئ)؟
و
الجواب
هذا الذي فعله الرسول من الشرب قائماً دل على الجواز، وهذا الذي جاء في صحيح مسلم وفي غيره يقال: فيه زجر، يعني: أنه يدل على تأكيد أن يشرب الإنسان من جلوس، لكن إذا حصل أن شرب قائماً لأمر يقتضي ذلك فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل عليه، وجاء عن علي رضي الله عنه أنه فعله مقتدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم.(421/11)
الحكمة في النهي عن الشرب قائماً
قد يقول قائل: هل حكمة النهي عن الشرب قائماً معلومة؟
و
الجواب
من العلماء من قال: إنه إذا كان عن جلوس فهو أفضل وفيه فائدة فيما يتعلق بالصحة وفيما يتعلق بالمروءة، ويكون فيه ميزات على كونه يشرب وهو قائم، فبعض العلماء ذكر أنه إذا كان جالساً فإنه يحصل فيه من الفائدة للجسم ومن عدم المضرة عليه ما لا يحصل في حال القيام.(421/12)
ما جاء في الشرب من في السقاء(421/13)
شرح حديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من في السقاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الشراب من في السقاء.
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من في السقاء، وعن ركوب الجلالة والمجثمة).
قال أبو داود: الجلالة التي تأكل العذرة].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب الشرب من في السقاء، يعني: أن يشرب الإنسان من فم السقاء، فلا يصب في إناء ثم يشرب منه، وإنما يشرب من فمه، والأصل الذي لا شك فيه هو أنه يصب في إناء ويشرب منه؛ لأنه إذا صب في الإناء تبين له ما في الإناء ونظافته أو وساخته أو ما فيه من أشياء مستقذرة أو أشياء محذورة؛ أما إذا كان يشرب من في السقاء فقد يكون فيه شيء من القذر والوسخ فيذهب إلى جوفه دون أن يشعر؛ لأنه لا يرى الذي يخرج.
ثم أيضاً قد يكون فيه تقذير لغيره ممن يحتاج إلى أن يشرب من هذا السقاء، فيكون ذلك سبباً في أن يكرهه ولا يرغب فيه، فالحكمة في ذلك إما الخوف من أن يكون فيه شيء من الوسخ أو شيء من حيوانات الماء مثل العلق وغيره من الأشياء التي تكون في الماء فتذهب إلى جوفه وهو لا يراها.
والشيء الآخر أنه إذا كان معه من يشاركه في ذلك فإنه قد يكون ذلك سبباً في استقذاره وعدم الشرب منه.
وأورد المصنف حديث ابن عباس: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من في السقاء) والسقاء هو القربة، وقيل: إنه يطلق على ما كان صغيراً من الجلود، وما كان كبيراً يقال له: قربة.
وقوله: (وعن ركوب الجلالة) الجلالة هي الناقة التي تأكل العذرة، والعذرة هي رجيع الإنسان، والرجيع هو المستقذر النجس، فيكون أكلها وركوبها فيه مضرة، أما الأكل فلكون اللحم فيه هذا المأكول الذي هو نجس، فإنه يكون متعلقاً باللحم فترة من الزمان؛ وكذلك بالنسبة للركوب يمكن أن يصل إلى ثيابه أو إلى جسده فمها وفيه هذا الوسخ الذي قد يكون فيه شيء من النجاسة، فيترتب على ذلك مثل هذه الأضرار.
وقوله: (والمجثمة) هي الحيوان الذي يحبس ثم يتخذ هدفاً، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، يعني: نهى عن اتخاذ الشيء الذي فيه روح هدفاً يرمى إليه ويعمل على إصابته، فالهدف لا يكون من الحيوانات وإنما يكون من الجمادات أو من الأشياء التي لا يترتب عليها مضرة أو إتلاف في غير فائدة ولا مصلحة.(421/14)
تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من في السقاء)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
حماد بن سلمة بن دينار البصري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[أخبرنا قتادة].
قتادة مر ذكره.
[عن عكرمة].
عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(421/15)
حكم الشرب من فم القارورة الشفافة
النهي عن الشرب من في السقاء هو في الذي يشرب منه أو يستخدمه أكثر من واحد، وأما بعض المشروبات التي تكون في قارورة فيشربها الشخص وحده فهذه ليس فيها بأس، وهي في الغالب سليمة ونظيفة، وأيضاً هي غالباً شفافة يرى ما في داخلها؛ ولو كان فيها شيء من الأجسام التي تحذر ويخشى منها أو شيء من الوسخ فإنه قد يتبين من الداخل، فإذا كان الإنسان يشرب القارورة وحده فهذا ليس فيه بأس؛ لأنه يشرب منها ولا يقذر الشراب على أحد ما دامت خاصة به.
وقد ذكر الإمام الشوكاني في نيل الأوطار عن بعض العلماء أنه لو كان هذا السقاء شفافاً بحيث يعرف ما بداخله فلا بأس أن يشرب منه، وذلك لأنه يأمن خروج شيء من الحيوانات عليه.
ولكن يبقى موضوع المشاركة وكون بعض الناس قد يحتاج إلى أن يشرب منه فيستقذره بسبب شرب غيره منه، وهذا ليس مثله القدح الذي يشرب منه؛ لأن القدح يكون واسعاً، وقد يشرب الإنسان من جهة لم يحصل منها ملامسة شفتي الشارب الأول، لكن السقاء يكون فمه ضيقاً، وغالباً أنه يكون مع أسفله الذي يجيء الماء معه، فيكون مكان الشرب واحداً، فكونه تتوارد عليه الشفاه يجعل بعض الناس إذا سبقه أحد إلى هذا لا يعجبه ذلك.(421/16)
حكم الشرب من فم الصنبور ونحوه
وأما الشرب من الحنفية أو الصنبور أو البرادات الكبيرة فليس من هذا القبيل؛ لأن المحذور في الغالب غير موجوداً في الصنابير؛ لأن الماء فيها يكون غالباً نظيفاً؛ لكن إذا كانت الصنابير فيها وسخ ويخرج منها أشياء قذرة فليس للإنسان أن يشرب منها، وفي الغالب أنها إذا كانت كذلك يصب في يده ويشرب ويتبين له، ولا يضع فمه في الصنبور؛ لأن الصنبور نازل إلى تحت، وهو في الغالب يضع يده ويشرب.(421/17)
حكم الدجاج والنعامة التي تأكل من عذرتها
الدجاجة والنعامة قد تأكل من عذرتها، ولا يضر هذا؛ لأن ما يؤكل لحمه روثه طاهر، فمثل الإبل والبقر والغنم روثها طاهر ليس بنجس.(421/18)
ما جاء في اختناث الأسقية(421/19)
شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن اختناث الأسقية)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في اختناث الأسقية.
حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري أنه سمع عبيد الله بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن اختناث الأسقية)].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في اختناث الأسقية.
واختناث الأسقية هو: أن يثنى طرفها مثل كفت الكم بحيث ترجع أطرافه إلى وراء فيكون الذي ثني من خارج السقاء، هذا هو اختناث الأسقية؛ فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ قيل: الحكمة في ذلك أنه يكون سبباً في الإنتان.
ومن ناحية الشرب هو مثل الشرب من فم السقاء، فالنتيجة واحدة من ناحية الشرب، ولكن هذه الهيئة أيضاً يترتب عليها شيء آخر وهو أن يصير لها رائحة مع طول المكث وطول المدة.
والمقصود من ثنيه بهذه الطريقة أنه يصير أسهل للشرب، ولا يتدفق عليه بقوة؛ خاصة إذا كان في طرف الجلد خشونة.
أما الشرب من فم السقاء فقد جاء النهي عنه باختناث أو بعدم اختناث.(421/20)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن اختناث الأسقية)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد مر ذكره.
[حدثنا سفيان عن الزهري].
سفيان هو ابن عيينة المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أنه سمع عبيد الله بن عبد الله].
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري].
أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان رضي الله تعالى عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(421/21)
شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بإداوة يوم أحد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن علي حدثنا عبد الأعلى حدثنا عبد الله بن عمر عن عيسى بن عبد الله رجل من الأنصار عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بإداوة يوم أحد فقال: اخنث فم الإداوة ثم اشرب من فيها)].
هذا الحديث عكس الذي قبله، فهذا معناه: أنه يثني فم القربة ويشرب من فيها، فهو يخالف ما قبله؛ فبعض العلماء قال: إن هذا يدل على الجواز، وإن ذاك يدل على المنع، فيحمل هذا على الجواز وذاك يحمل على التنزيه.
ومنهم من قال: إن هذا ضعيف؛ فإذاً: ذاك باقٍ على النهي الذي جاء فيه؛ وأيضاً كما هو معلوم أن من جملة الآداب في الشرب عدم الشرب من فم السقاء لما فيه من أمور يخشى منها.(421/22)
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بإداوة يوم أحد)
قوله: [حدثنا نصر بن علي].
نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الأعلى].
عبد الأعلى بن عبد الأعلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الله بن عمر].
عبد الله بن عمر العمري ضعيف، أخرج له مسلم مقروناً وأصحاب السنن، وفي بعض النسخ عبيد الله بن عمر المصغر وهو ثقة.
[عن عيسى بن عبد الله رجل من الأنصار].
عيسى بن عبد الله مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن أبيه].
أبوه عبد الله بن أنيس وهو صحابي، أخرج له أبو داود والترمذي.
وإذا كان الذي في السند هو عبيد الله المصغر فالحمل في الحديث على شيخه الذي هو مقبول، وإن كان عبد الله المكبر ففيه علتان، ولكن عبد الله أضعف من المقبول.(421/23)
الشرب من ثلمة القدح(421/24)
شرح حديث (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من ثلمة القدح)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الشرب من ثلمة القدح.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني قرة بن عبد الرحمن عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من ثلمة القدح، وأن ينفخ في الشراب)].
أورد أبو داود باب النهي عن الشرب من ثلمة القدح، وثلمة القدح هي الكسر الذي يكون في أحد جوانبه من أعلاه الذي توضع عليه الشفاه للشرب؛ فإذا انكسر تحصل فيه ثلمة في بعض الجوانب ولم يبق على هيئته المستقيمة بحيث يكون أعلاه متساوياً ومستقيماً، فإذا حصل فيه ثلمة -وهي كسرة سقطت منه- يصير فيه هذا العيب وهذا النقص.
وأورد أبو داود حديث أبي سعيد: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من ثلمة القدح) وقيل في تعليل ذلك: إن الإنسان إذا شرب من الثلمة لا يسلم من كون الماء ينساب ويخرج؛ لأن الشفاه لا تمسك في الثلمة مثلما تمسك في الجوانب، فقد يخرج شيء من تحت الشفة ويتساقط على ثوب الإنسان وعلى لحية الإنسان.
وأيضاً قيل: إنه لا يحصل تنظيفها كما يحصل تنظيف الباقي فتجتمع فيها الأوساخ.
ويمكن أيضاً أن يقال: إنه قد يكون فيها شيء حاد فيجرح الإنسان، بخلاف فوهة القدح المستوية، فليس فيها شيء حاد، فالحاصل: أن النهي عن الشرب من الثلمة هو لما يترتب عليه من شر، فالذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم يحصل فيه عدة أمور محذورة.
قوله: (وأن ينفخ في الشراب) يعني: أنه لا ينفخ في الشراب لا سيما إذا كان الشراب مشتركاً، فكون الإنسان ينفخ فيه يقذره على غيره.(421/25)
تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من ثلمة القدح)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا عبد الله بن وهب].
عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني قرة بن عبد الرحمن].
قرة بن عبد الرحمن صدوق له مناكير، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي سعيد الخدري].
هؤلاء قد مر ذكرهم.(421/26)
حكم الشرب من فنجان القهوة والشاي
فنجان القهوة والشاي إذا كان فيه كسر خفيف في حوافه يدخل في هذا النهي، والإنسان لا يشرب من الثلمة، بل يشرب من الجهة الثانية ولا يتخير هذا المكان المنثلم.(421/27)
حكم النفخ في الشراب
النفخ في الشراب جاء النهي عنه في هذا الحديث؛ ولعل الحكمة في ذلك: أن فيه تقذيراً له إذا كان مع النافخ أحد يشاركه؛ وإذا كان الشراب يخص الإنسان مثل كأس الشاي واحتاج إلى النفخ فيه ليبرده فلعله لا بأس بذلك إن شاء الله؛ لأنه ليس فيه تقذير، ثم أيضاً النافخ هو الذي سيشرب هذا الشيء؛ لأنه خاص به.
وأما النفخ في الطعام فإذا كان من الطعام المشترك فليس لأحد أن ينفخ فيه، واللقمة قد يتسامح فيها، لكن كما هو معلوم أن الفم يتحمل من الحرارة ما لا تتحمله اليد، ولهذا إذا كان عند الإنسان فنجان فيه قهوة لا يستطيع أن يغمس إصبعه فيه، لكنه قد يصبه في فمه ولا يحس به كما تحس الأصبع.(421/28)
الشرب في آنية الذهب والفضة(421/29)
شرح حديث: (نهى عن الحرير والديباج)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الشرب في آنية الذهب والفضة.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى قال: (كان حذيفة رضي الله عنه بالمدائن فاستسقى، فأتاه دهقان بإناء من فضة فرماه به، وقال: إني لم أرمه به إلا أني قد نهيته فلم ينته؛ وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير والديباج، وعن الشرب في آنية الذهب والفضة وقال: هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب الشرب في آنية الذهب والفضة، أي: أن ذلك لا يجوز، وأنه حرام، وذلك في حق الرجال والنساء، فالنساء يجوز لهن التجمل بالذهب، والرجال لا يجوز لهم التجمل به، والكل لا يجوز لهم الشرب بآنية الذهب والفضة.
وقد أورد أبو داود حديث حذيفة رضي الله عنه أنه لما كان على المدائن استسقى، يعني: طلب من يسقيه ماءً ليشرب، فجاء دهقان بإناء من فضة، فرماه به حذيفة.
ثم اعتذر حذيفة عن كونه رماه فقال: إني لم أرمه به إلا أني قد نهيته فلم ينته، وهذا يفيد بأن من حصل منه تكرار المخالفة يغلظ عليه بالقول ويعامل بما لا يعامل الذي حصل منه الخطأ في الابتداء، فهو رماه به منكراً صنيعه، وقد سبق له أن منعه من ذلك فلم يمتنع، فاعتذر حذيفة رضي الله عنه بذلك ثم قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرير والديباج)]، والديباج هو نوع من الحرير، فالحرير عام والديباج خاص؛ لأنه نوع من أنواع الحرير.
وقوله: [(وعن الشرب في آنية الذهب والفضة)].
هذا محل الشاهد، وعلل ذلك فقال: (هي لهم في الدنيا) أي: للكفار (ولنا في الآخرة) وليس معنى ذلك أنها مباحة ومحللة لهم في الشريعة، بل هي محرمة في الشريعة على كل أحد، فلا يقال: إن هذا فيه دليل على أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة وإن لهم أن يشربوا فيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (هي لهم) لم يقل: إنها حلال لهم، وإنما هذا إخبار بالواقع وأنهم يستعملونها في الدنيا؛ لأنهم لا يحرمون ما حرم الله.
وهي لنا في الآخرة؛ لأننا نتركها في الدنيا من أجل امتثال ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذا تكون لنا آنية في الدار الآخرة.
إذاً: قوله: (هي لهم في الدنيا) ليس معناه أنها حلال لهم، وإنما هذا بيان للواقع.(421/30)
تراجم رجال إسناد حديث: (نهى عن الحرير والديباج)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
شعبة بن حجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحكم].
الحكم بن عتيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي ليلى].
عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: كان حذيفة].
حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(421/31)
باب في الكرع(421/32)
شرح حديث (إن كان عندك ماء في شن وإلا كرعنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الكرع.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد حدثني فليح عن سعيد بن الحارث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم ورجل من أصحابه على رجل من الأنصار وهو يحول الماء في حائطه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان عندك ماء بات هذه الليلة في شن وإلا كرعنا؟ قال: بل عندي ماء بات في شن)].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في الكرع، والكرع هو الشرب من الحوض أو من الماء الكثير أو من الماء الجاري أو من الساقية التي تمشي أو من بركة كبيرة بدون إناء، وذلك بأن يضع فمه في الماء ويشرب.
وأورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل ومعه رجل من أصحابه على رجل من الأنصار وكان يحول ماءه، يعني: أنه كان يعدله من جهة إلى جهة حتى يعم الشرب من نخلة إلى نخلة ومن حوض إلى حوض، فإذا امتلأ ذلك الحوض أغلقه ثم جعل ماء الساقية يذهب إلى حوض آخر أو إلى نخلة أخرى وقال: (إن كان عندك ماء في شن وإلا كرعنا) يعني: شربنا من الماء الجاري؛ فقال: بل عندي.
وقوله: (إن كان عندك شن) يعني: فائتنا به، أو فإننا نريده، والشن هو القربة، وفي الغالب أنها تكون قديمة، والمقصود من ذلك أن الماء يكون بارداً إذا كان في شن، وإن لم يكن فإنهم يشربون ويكرعون من هذا الماء الجاري؛ هذا هو معنى الحديث.(421/33)
تراجم رجال إسناد حديث (إن كان عندك ماء في شن وإلا كرعنا)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا يونس بن محمد].
يونس بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني فليح].
فليح صدوق كثير الأوهام والخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن الحارث].
سعيد بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله].
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(421/34)
ما جاء في الساقي متى يشرب(421/35)
شرح حديث (ساقي القوم آخرهم شرباً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الساقي متى يشرب؟ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن أبي المختار عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ساقي القوم آخرهم شرباً)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: باب في الساقي متى يشرب؟ أي: أن الذي يسقي الناس هل يشرب أولهم أو وسطهم أو آخرهم؟ والسنة جاءت بأنه يكون الآخر، ولا يشرب في الأول؛ لأن الشرب في الأول يكون فيه استئثار، وفيه أيضاً شيء من عدم الأدب والخلق الكريم، فالساقي يكون هو الآخر ولا يكون هو الأول، ولهذا جاء الحديث عن عبد الله بن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ساقي القوم آخرهم شرباً).
وجاء في صحيح مسلم عن أبي قتادة أنه قال: (إن ساقي القوم آخرهم شرباً).
فالحاصل: أن الساقي لا يشرب في الأول ولا في الوسط، وإنما يشرب في النهاية، وهذا فيه الأدب، وفيه عدم الاستئثار وعدم الشره.(421/36)
تراجم رجال إسناد حديث: (ساقي القوم آخرهم شرباً)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي المختار].
أبو المختار هو سفيان بن المختار، كنيته توافق اسم أبيه، وهو مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن عبد الله بن أبي أوفى].
عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(421/37)
شرح حديث (الأيمن فالأيمن)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر رضي الله عنه فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال: الأيمن فالأيمن)].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وهذا لا علاقة له بهذا الباب الذي هو باب في الساقي متى يشرب؟ لأنه ليس فيه شيء يتعلق بالآخر.
وإنما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلبن قد شيب بماء فشرب منه وأعطى الذي بجواره من اليمين وهو أعرابي، وكان عن يساره أبو بكر وقال: (الأيمن فالأيمن).
أي: أن الذي يشرب من الماء أو اللبن يدفعه إلى من كان عن يمينه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما شرب أعطاه الذي عن يمينه وقال: (الأيمن فالأيمن).
وهذا يدل على أن الأيمن أولى ولو كان أقل رتبة من الذي يكون عن الشمال؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه هو أفضل هذه الأمة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام، وكان عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم، والذي كان عن يمينه أعرابي، فأعطاه للأعرابي وقال: (الأيمن فالأيمن).
فدل هذا على أن الأحق بدفع الماء أو غيره مما يشرب بعد الشارب من كان عن يمينه.(421/38)
تراجم رجال إسناد حديث: (الأيمن فالأيمن)
قوله: [حدثنا القعنبي عبد الله بن مسلمة].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
وهذا الحديث فيه رواية الزهري -وهو من صغار التابعين- عن أنس بن مالك وهو من صغار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.(421/39)
جواز إعطاء من على اليسار إذا أذن من على اليمين بذلك
قوله: (الأيمن فالأيمن) قاعدة عامة، وإذا كان في المجلس أناس فيهم شخص له منزلة ومكانة وغيره تابع له، فإنه يبدأ به ثم يعطى بعد ذلك من كان على يمين ذلك الشخص، مثلما كانوا يأتون بالشيء ويعطونه للنبي صلى الله عليه وسلم ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيه لمن كان على يمينه.
وعلى كل إذا قدم بعضهم بعضاً في الشرب أو الكلام أو في الأكل وقال الذي على اليمين: أعطه لفلان؛ يعطى له ولا إشكال.
والرسول صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن وكان يعطي الأيمن فالأيمن؛ لأن الأيمن هو صاحب الحق، لكن إذا أذن الشخص الذي له الحق أو أعطى هذا الحق لغيره فإن له ذلك.(421/40)
شرح حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب تنفس ثلاثاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن أبي عصام عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب تنفس ثلاثاً وقال: هو أهنأ وأمرأ وأبرأ)].
أورد أبو داود حديث أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب تنفس ثلاثاً وقال: إنه أهنأ وأمرأ وأبرأ).
والمقصود: أنه يتنفس ثلاثاً خارج الإناء، ولا يتنفس في الإناء، ولكنه يشربه في ثلاثة أنفاس ولا يشربه في نفس واحد أو نفسين، وإنما يجعله في ثلاثة أنفاس بحيث يشرب ثم ينحي الإناء عن فمه ثم يعيده فيشرب الثانية ثم يعيده فيشرب الثالثة، هذا هو المقصود بكونه إذا شرب تنفس ثلاثاً، أي: أن شربه يكون في ثلاثة أنفاس وليس في نفس واحد، وتلك الأنفاس إنما تكون خارج الإناء، فينحيه عن فمه ثم يعود إليه وهكذا.
فكان صلى الله عليه وسلم إذا شرب تنفس ثلاثاً وقال: (إنه أهنأ وأمرأ وأبرأ) يعني: أن هذه الصفات الموجودة فيه يكون فيها هناءة وفيها نفع وفيها مراءة بحيث يكون الشرب سهلاً في استعماله وفي فائدته وأبرأ من حصول ضرر أو حصول شيء غير محمود، وذلك إذا حصل بهذه الطريقة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم.(421/41)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب تنفس ثلاثاً)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام].
هشام هو هشام الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عصام].
أبو عصام مقبول، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن أنس بن مالك].
أنس بن مالك رضي الله عنه قد مر ذكره.
وهذا الإسناد والذي قبله رباعيان، وهكذا الذي قبلهما، وعلى هذا فإن أحاديث هذا الباب الثلاثة كلها رباعية، وهي من أعلى الأسانيد عند أبي داود.(421/42)
شرح سنن أبي داود [422]
من الآداب الشرعية التي على المسلم والمسلمة مراعاتها ذكر الله عز وجل والبدء باسمه عند الأكل والشرب، وحمده سبحانه والثناء عليه عند الانتهاء من ذلك؛ فإن الأكل والشرب من نعم الله عز وجل على العبد التي يجب أن يشكره عليها، ومن شكره عليها ذكر اسمه تعالى عند البدء وحمده عند الانتهاء.
كما أن على المسلم أن يذكر الله عز وجل في كل أحيانه وعند جميع تصرفاته؛ فإنه بذلك يُحفظ من شياطين الجن والإنس.(422/1)
ما جاء في النفخ في الشراب والتنفس فيه(422/2)
شرح حديث (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النفخ في الشراب والتنفس فيه.
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا ابن عيينة عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه)].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب في النفخ في الشراب والتنفس فيه.
يعني: النفخ في الشراب بفمه بحيث يطلق عليه الريح من فمه، والتنفس فيه يكون بأن يشرب ويتنفس وهو يشرب فيخرج نفسه وهو مواصل للشرب، فيكون ذلك في الشراب.
فجاء النهي عن ذلك؛ لأن النفخ قد يكون فيه الريق فيقع في الشراب.
وكذلك فإن الهواء الخارج من أنفه يقع في الشراب فيكون فيه استقذار له، وسواء كان له أو لغيره؛ لأن هذا شيء غير مرغوب فيه، وسواء كان في حقه أو في حق غيره فإنه مذموم ومنهي عنه، فكونه يظهر شيء من فمه ويقع في الشراب ويشربه هذا ليس بجيد.
وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن ينفخ في الإناء وأن يتنفس فيه.
فلا ينفخ فيه ولا يتنفس فيه وإنما يكون التنفس خارجه.
والذي يظهر أن النهي عن النفخ في الإناء والتنفس فيه يحمل على التنزيه، وأنه من الأدب ومن الأشياء التي فيها فائدة وفيها مصلحة له ولغيره، وعدم مضرة عليه وعلى غيره.(422/3)
تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي].
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا ابن عيينة].
سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الكريم].
هو عبد الكريم بن مالك الجزري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة].
عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(422/4)
شرح حديث (اللهم بارك لهم فيما رزقتهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن عبد الله بن بسر رضي الله عنهما من بني سليم قال: (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي فنزل عليه، فقدم إليه طعاماً، فذكر حيساً أتاه به، ثم أتاه بشراب فشرب فناول من على يمينه، وأكل تمراً فجعل يلقي النوى على ظهر أصبعيه: السبابة والوسطى، فلما قام قام أبي فأخذ بلجام دابته فقال: ادع الله لي؟ فقال: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنهما.
وليس فيه مناسبة للترجمة التي هي النفخ في الشراب والتنفس فيه؛ لأنه ليس فيه شيء يتعلق بالشراب وبالتنفس فيه؛ اللهم إلا أن يكون مما اختصر؛ لأن الحديث فيه اختصار كما هو واضح من لفظه، وأما اللفظ الموجود فليس فيه شيء يدل على الترجمة.
وفيه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء إلى أبيه وهو بسر وأنه قدم له طعاماً.
وقوله: (فذكر حيساً أتاه به) يعني: أتاه بهذا النوع من الطعام.
والحيس هو خليط التمر والأقط والسمن، وقد يكون فيه شيء من الدقيق، فهذه الأمور مجتمعة يقال لها: حيس.
ويضرب المثل بالحيس في شدة الاختلاط، فيذكر اختلاط الحيس عند ذكر شدة الاختلاط؛ وهناك أبيات وردت في هذا منها قول الشاعر: واختلط الناس اختلاط الحيس وادعت الروم أباً في قيس يعني: أنه حصل الاختلاط والامتزاج تشبيهاً باختلاط الحيس لشدة امتزاجه ببعضه؛ وهو مكون من هذه الأشياء الثلاثة التي هي التمر والأقط والسمن أو الدقيق.
وقوله: [(ثم أتاه بشراب، فشرب فناول من على يمينه)].
هذا مثل الذي قبله فيما يتعلق بالذي أعطاه حيث قال: (الأيمن فالأيمن).
وقوله: [(وأكل تمراً فجعل يلقي النوى على ظهر أصبعيه: السبابة والوسطى)].
يعني: كأن النوى كان يقع من فمه على ظهر أصبعيه السبابة والوسطى، فكأنه كان يمسك التمر بداخل يده ويضع النوى على خارج الأصبعين فيرميه أو يلقيه.
وقوله: (فلما قام قام أبي).
والده هو بسر.
قال: (فأخذ بلجام دابته وقال: ادع الله لنا، فقال: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم).
وهذا دعاء، والرسول صلى الله عليه وسلم قاله بعد الأكل، فدل هذا على أنه يدعى به لصاحب الطعام اقتداءً برسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.(422/5)
تراجم رجال إسناد حديث (اللهم بارك لهم فيما رزقتهم)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير].
شعبة مر ذكره ويزيد بن خمير صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن بسر].
عبد الله بن بسر رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهذا الإسناد رباعي أيضاً؛ وهذا من الأسانيد العالية عند أبي داود.(422/6)
مناسبة حديث (اللهم بارك لهم فيما رزقتهم)
قال: العظيم آبادي: ومطابقة الحديث للباب أنه لم يلق النوى الذي خالطه الريق ورطوبة الفم في إناء التمر؛ لئلا يختلط بالتمر فتستقذره النفس، فكيف ينفخ في الشراب والطعام؟! لأن النفخ لا يخلو من بزاق وغيره مما تستقذره النفس.
وهو ألقاه خارج الإناء، ولكن أظن أنه لا يلزم أنه لا يضعه إلا في الإناء، بل يمكن أن يضعه في مكان آخر غير الإناء.
فيمكن أن يكون له وجه لكنه ليس بواضح؛ لأن النوى كما هو معلوم لا يوضع مع التمر وإنما يوضع خارج التمر؛ ولا شك أنه إذا وضع معه فيه استقذار، ويكون فيه شبه بمسألة النفخ، فإذا كان من هذه الناحية فقد يكون له وجه.(422/7)
ما يقول إذا شرب اللبن(422/8)
شرح حديث (إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل اللهم بارك لنا فيه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يقول إذا شرب اللبن.
حدثنا مسدد حدثنا حماد -يعني: ابن زيد - ح وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد -يعني: ابن سلمة - عن علي بن زيد عن عمر بن حرملة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كنت في بيت ميمونة رضي الله عنها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه خالد بن الوليد رضي الله عنه، فجاءوا بضبين مشويين على ثمامتين، فتبزق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال خالد: إخالك تقذره يا رسول الله؟! قال: أجل! ثم أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن فشرب؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه، وإذا سقي لبناً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه؛ فإنه ليس شيء يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن).
قال أبو داود: هذا لفظ مسدد].
أورد أبو داود باب ما يقول إذا شرب لبناً، أي: أنه يقول: (اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه) وهذا اختص به اللبن عن غيره لأنه يجزئ عن الطعام والشراب فإنه غذاء يغني عن غيره.
وأورد أبو داود حديث ابن عباس قال: (كنت في بيت ميمونة) وهي أم المؤمنين ميمونة خالة ابن عباس؛ لأن أمه لبابة بنت الحارث الهلالية وهي لبابة الصغرى ولبابة الكبرى هي أم خالد بن الوليد ولبابة الصغرى هي أم أولاد العباس.
وكان خالد بن الوليد عند خالته ميمونة فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بضبين مشويين على ثمامتين، والثمامة هي أعواد، يعني: كأنهما يحملان بالعود الذي قد غرز في كل منهما، هذا الذي يبدو أنه المقصود بكونهما على ثمامتين، وليس معنى ذلك أنهما شويا على عودين، وإنما المعنى أنه قد أتي بهما كل واحد في عود.
وقوله: [(فتبزق رسول الله صلى الله عليه وسلم)].
يعني: لأنه لم يألفه، ففهم ذلك خالد بن الوليد منه وقال: (إخالك تقذره يا رسول الله؟ قال: أجل) يعني: نعم؛ ولكنه قد جاء أنه أذن بأكله وأن خالداً أكله بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وعند خالته ميمونة، كما جاء ذلك في حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنه ليس بأرض قومي فأنا أعافه) والشيء الحلال المباح قد تألف النفوس شيئاً منه وتكره شيئاً، وتميل إليه نفوس وتميل عنه نفوس أخرى؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يألف ذلك فتركه ولم يأكله، ولكنه أكل بين يديه، فدل ذلك على أن أكله سائغ وجائز ولا محذور فيه ولا مانع.
وقوله: [(ثم أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن فشرب، فقال: إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه، وإذا سقي لبناً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه؛ فإنه ليس يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن)].
وهذا يدل على مشروعية هذا الدعاء عند شرب اللبن، وهو الذي ترجم به المصنف حيث قال: باب ما يقول إذا شرب اللبن؛ أي أنه يقول: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، يعني: بارك لنا في هذا الذي شربنا، وزدنا منه.
فهذا يدل على ميزة اللبن وعلى تفضيله على غيره، وعلل ذلك بقوله: (فإنه ليس يجزئ عن الطعام والشراب إلا اللبن).(422/9)
تراجم رجال إسناد حديث (إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل اللهم بارك لنا فيه)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا حماد يعني: ابن زيد].
حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا موسى بن إسماعيل].
ح للتحول من إسناد إلى إسناد، وموسى بن إسماعيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد يعني: ابن سلمة].
حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن علي بن زيد].
علي بن زيد بن جدعان ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عمر بن حرملة].
عمر بن حرملة مجهول، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي في عمل اليوم والليلة.
[عن ابن عباس].
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب قد مر ذكره.
الحديث فيه ضعيف ومجهول.
وفيما يتعلق بأكل الضب ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح عن ميمونة وأنه أتي بضب وأن خالد بن الوليد أكله بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم.
وما يتعلق بالنسبة للبن جاء ما يشهد لذلك، وقد ذكر ذلك الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة رقم (2320) وذكر شواهد لهذا الحديث.(422/10)
الفرق بين اللبن والحليب
اللبن في الأصل يطلق على الحليب ويطلق على اللبن المخيض، ولهذا لبن المرأة هو حليب المرأة، ولكن في الغالب أن اللبن يطلق على المخيض الذي مخض وأخرجت زبدته، وقبل أن يمخض وتخرج زبدته يقال له: حليب، ويقال للحليب: لبن، فيقال: شرب لبن المرأة، يعني: حليبها.(422/11)
الجمع بين كراهية النبي صلى الله عليه وسلم للضب وبين كونه ما عاب طعاماً قط
قد يستشكل فيقال: كيف يجمع بين حديث (ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً قط) وبين قوله هنا: (إنه تبزق من لحم الضب، وقال له خالد أتكره ذلك؟ قال: أجل)؟
و
الجواب
أنه عليه الصلاة والسلام إذا أتاه الطعام فاشتهاه أكله وإلا تركه، وهنا لما وجد في الرسول صلى الله عليه وسلم عدم الارتياح له قال له: كأنك تكره ذلك يا رسول الله؟! فقال: أجل! فهذا فيه بيان أنه شيء مباح ولكن نفسه تعافه، ومعلوم أن النفوس تختلف، فقد يعجب هذا الطعام أناساً ولا يعجب آخرين، ومن الناس من يعجبه -مثلاً- لحم الغنم، ومنهم من يعجبه لحم الإبل، ومنهم من يعجبه لحم البقر، ومنهم من لا يأكل هذا ويأكل هذا، ومنهم من يأكل الدجاج ومنهم من لا يأكل الدجاج، فالناس متفاوتون وكله حلال وكله مباح.
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقدم له شيء فسبه وعابه، لكنه لما تركه قيل له: كأنك تعافه؟! فقال: نعم، وجاء في اعتذاره أنه قال: (إنه ليس بأرض قومي، فأجدني أعافه).(422/12)
إيكاء الآنية(422/13)
شرح حديث (أغلق بابك واذكر اسم الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في إيكاء الآنية.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن ابن جريج أخبرني عطاء عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أغلق بابك واذكر اسم الله؛ فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله، وخمر إناءك ولو بعود تعرضه عليه، واذكر اسم الله، وأوك غطاءك واذكر اسم الله)].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في إيكاء الآنية، يعني: تغطيتها، فإذا كان هناك سقاء أو قربة فيوكأ بحيث إنه يربط بخيط أو بحبل؛ وإذا كان هناك قدر أو قدح فإنه يغطى، فالإيكاء في الغالب يكون للشيء الذي يكون مثل السقاء أو القربة أو ما إلى ذلك.
وأما تغطية الشيء بأن يوضع عليه شيء يغطيه فهذا لا يقال له إيكاء؛ لأن لفظ الإيكاء يتعلق بالأسقية والقرب وأشباهها.
وقد أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: (أغلق بابك واذكر اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً) لأنه ذكر اسم الله، فالإنسان يفعل السبب ويذكر اسم الله عز وجل على ذلك، فيكون في ذلك التخلص من الشيطان.
فإذا أغلق الإنسان بابه فهذا فيه السلامة من شياطين الإنس؛ لأن شياطين الإنس قدرتهم وتمكنهم هي على الشيء الموجود المحسوس أمامهم، والشيطان يطرده ذكر الله عز وجل، ومجرد إغلاق الباب لا يطرد الشيطان وإنما يطرده ذكر الله.
فشياطين الإنس يسلم منهم الإنسان بإذن الله بإغلاق الأبواب، وشياطين الجن يسلم منهم بذكر الله عز وجل.
وقوله: (فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً) يعني: باباً ذكر اسم الله عليه.
ولهذا جاء في الحديث: (إن الإنسان إذا دخل بيته وذكر اسم الله قال الشيطان لأتباعه: لا مبيت لكم، وإذا دخل وأكل وسمى قال: لا طعام لكم)، وإذا لم يحصل ذكر اسم الله عند الدخول ولا عند الأكل قال: أدركتم المبيت والعشاء.
فهو يشارك في الدخول ويشارك في الأكل.
والمراد بالباب هنا: الباب الخارجي.
وقوله: [(وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله)].
المصباح كان فيما مضى يُجعل فيه الزيت أو شيء يشتعل به وإذا انكفأ حصل احتراق بسببه، والفويسقة كما جاء في بعض الأحاديث تضرم أو تفسد على أهل الناس بيتهم، فتكفأ السراج فيحصل احتراق.
فكان إطفاء السراج من أجل ألا تأتي مثل الفويسقة التي هي الفأرة فتقلبه فيحصل بسببه حريق؛ هذا هو الذي كان موجوداً في ذلك الزمان، أما الآن فتوجد اللمبات المضيئة والكهرباء، والناس بين أمرين: من الناس من يرتاح لإغلاق الأنوار ويبيت في الظلام، ومن الناس من يعجبه أن يبيت في الضياء وأن يكون عنده ضياء بحيث إنه لو استيقظ ينظر إلى الساعة ولا يحتاج إلى أن يقوم من منامه ليفتح النور، والمحذور الذي كان فيما مضى من ناحية إطفاء السراج هو الإحراق وليس بموجود، إلا أنه يمكن أن يوجد فيما إذا كان حصل تحمل في بعض اللمبات وتأثر وحصلت سخونة وطال المكث، فإنه قد يحصل التماس بسبب ذلك فيترتب على ذلك أمور ضارة مثلما هو مشاهد ومعاين في بعض الأحايين، حيث تجد بعض المفاتيح يحصل لها التماس بسبب ذلك فتحصل مضرة.
فإذا خشي شيئاً من هذا القبيل فيتخلص من المحذور، وإذا كان الناس يحتاجون إلى فتح لمبة وقد ألفوا أنه ليس فيها شيء من الخلل فالأمر في ذلك واسع؛ لأن المحذور الذي خشيه رسول الله صلى الله عليه وسلم غير موجود في مثل هذه الحال.
وقوله: [(وخمر إناءك ولو بعود تعرضه عليه واذكر اسم الله)].
التخمير هو التغطية؛ وقيل للخمار خمار لأنه يغطي الوجه والرأس، وقيل للخمر خمر لأنها تغطي العقل؛ فقيل للغطاء خمار لأنه يغطي الشيء الذي يراد تغطيته.
قوله: (خمر إناءك) يعني: غطه، وتغطيته فيها فائدة من جهة ألا تأتيه حشرات أو حيوانات كدواب تشرب منه ثم تمج فيه وقد تكون من ذوات السموم فيختلط سمها بما فيه فيفسده، فتغطية الأواني فيها مصالح وفيها فوائد.
وعندما يغطيه يذكر اسم الله عز وجل؛ لأنه إذا ذكر اسم الله عز وجل حفظه الله من الشيطان.
وقوله: (ولو بعود تعرضه عليه) قال الحافظ ابن حجر: لعل الحكمة في ذلك أن الإنسان يذكر اسم الله على شيء قد فعله، يعني: ذكر اسم الله يكون على فعل؛ والفعل هو التغطية، وإن لم تكن هناك تغطية فلا أقل من أن يعرض عليه عوداً؛ فعرضه هذا العود فعل من الأفعال يأتي معه بذكر اسم الله فيقول: باسم الله.
ويبدو أيضاً أن الإنسان إذا عود نفسه أن يعرض عوداً إذا لم يجد غطاءً يتعود على ألا يترك الإناء خالياً دون أن يغطى؛ لأنه إذا لم يجد غطاءً وعمل شيئاً فإن ذلك يجعله يألف أن يغطيه ويحرص على ذلك، لأن من يألف الشيء يستمر عليه، فيحصل بذلك استمراره على هذا الشيء وعنايته واهتمامه به.
وقد جاء في بعض الأحاديث في صحيح مسلم أنه توكى الأسقية وتخمر الآنية وقال: (إن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يترك شيئاً مفتوحاً إلا دخله) فيكون في إيكاء الأسقية وتغطية الأواني السلامة من وقوع هذا البلاء فيها، وهذا هو الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقوله: [(وأوك سقاءك واذكر اسم الله)].
يعني: بربطه بالخيط الذي يربط به، وربطه به فيه مصلحة ألا تدخل فيه حشرات ولا أشياء مستقذرة، وأيضاً يسلم مع ذكر الله عز وجل من الشيطان.(422/14)
تراجم رجال إسناد حديث (أغلق بابك واذكر اسم الله)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
أحمد بن حنبل مر ذكره.
[حدثنا يحيى].
يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عطاء عن جابر].
عطاء بن أبي رباح ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وجابر رضي الله عنه قد مر ذكره.(422/15)
صيغة الذكر الذي يقال عند غلق الأبواب وتغطية الآنية
قوله هنا: (واذكر اسم الله) المراد أن تقول: باسم الله؛ لأن ذكر الله على الطعام يكون كذلك، وكذلك عند دخول الإنسان البيت يقول: باسم الله، وإذا أكل يقول: باسم الله، فيمنع الشيطان من المشاركة، فهذا عندما يقول: باسم الله فيه طرد الشيطان، ويكفي أن يقول: باسم الله.(422/16)
اعتبار باب الثلاجة غطاءً للآنية
إذا كان الإناء مكشوفاً لكنه في الثلاجة أو في دولاب فهو يعتبر مغطى، لكن الأولى أن يكون مغطى بغطاء خاص؛ وإن لم يغط فإن الثلاجة تعتبر غطاءً، وهذا مثل الطعام الذي يكون بغير إناء ويوضع في الثلاجة؛ فإن الغطاء موجود وهو غطاء الثلاجة.(422/17)
حكم تغطية الآنية إذا لم يكن فيها شيء
الآنية إذا لم يكن فيها شيء لا تغطى، وإنما تغطى إذا كان فيها شيء، أما إذا لم يكن فيها شيء فعلام تغطى؟! فليس فيها محذور؛ لأنه ليس هناك شيء يخشى منه.(422/18)
الأسباب التي تدفع الشياطين
فإن قيل: هل يحتاج الشيطان إلى فتح باب إذا أراد الدخول وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم؟ ف
الجواب
أنه يمنعه ذكر الله، فمجرد إغلاق الباب بدون ذكر الله لا يمنع من الشيطان، وإنما يمنع من شياطين الإنس؛ لأنهم هم الذين تنفع فيهم الأسباب الظاهرة.
أما شياطين الجن فلا تمنعهم جدران ولا أبواب كما قال تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27]، وقال صلى الله عليه وسلم: (الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)، ولكن الذي يمنع شياطين الجن هو ذكر الله عز وجل.
وأما شياطين الإنس فيعاملون كما قال عز وجل: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34]، فهذا هو الذي ينفع مع شياطين الإنس، وهو كون الإنسان يعامل غيره معاملة طيبة ويقابل السيئة بالحسنة فإن هذا من الأسباب التي تجعل المسيء يندم على إساءته.
وأما شياطين الإنس فأرشد الله عز وجل إلى ما يخلص منهم بقوله: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت:36].
وأما هل يمنع شياطين الإنس من فتح الباب بذكر اسم الله؟ ف
الجواب
أن شياطين الإنس قد يكسرون الأبواب، ولاشك أن ذكر الله عز وجل ينفع، ولكن الله عز وجل إذا شاء فإنه يحصل من شياطين الإنس ما يحصل وقد يدخلون بكسر الباب.(422/19)
تحديد الليلة التي ينزل فيها البلاء في السنة
في رواية مسلم التي فيها: (في ليلة من الليالي ينزل الداء) قال الليث: فإن الأعاجم عندنا يتقونه في كانون الأول.
وهذا التاريخ لا يعمل به، بل الإنسان يوكي ويغطي طول السنة، ولا ينظر إلى الذي عند الأعاجم ويفعله في شهر من الشهور ويتركه في باقي الشهور؛ لأن هذا لا يعرف تحديده، فما دام لم يأت تحديده في السُّنة فلا يلتفت إلى كلام أعاجم ولا غير أعاجم.(422/20)
طريق أخرى لحديث (أغلق بابك واذكر اسم الله) وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر وليس بتمامه قال: (فإن الشيطان لا يفتح باباً غلق، ولا يحل وكاءً، ولا يكشف إناءً، وإن الفويسقة تضرم على الناس بيتهم أو بيوتهم)].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى ومنها: (إن الشيطان لا يفتح باباً غلق) يعني: أن شيطان الجن يطرده ذكر الله عز وجل، وإذا لم يذكر الله عز وجل فيمكن أن يدخل الشيطان، وشياطين الإنس هم الذين تمنعهم الأبواب؛ وقد يحصل بإذن الله أنهم يكسرون الأبواب ويفتحونها ويصلون إلى ما يريدون.
وقوله: [(وإن الفويسقة تضرم على الناس بيتهم أو بيوتهم)].
الفويسقة هي الفأرة، وهي تضرم على الناس بيوتهم بكونها تكفأ السراج الذي فيه الزيت والنار، حيث تكون النار في أعلى الفتيلة فإذا انكفأ الزيت اشتعلت النار، ولذا جاءت السنة بإطفاء السراج؛ لئلا يحصل بسبب الفويسقة شيء تعود مضرته على أهل البيت، كما سبقت الإشارة إليه في أول الحديث.
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي].
عبد الله بن مسلمة مر ذكره.
[عن مالك عن أبي الزبير].
أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله].
جابر بن عبد الله مر ذكره.
وهذا إسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود.(422/21)
سبب تسمية الفويسقة بهذا الاسم
سميت الفويسقة بهذا الاسم لأن الفسق موجود فيها وهو من صفاتها، وذلك أنها تسيء إلى الناس وتفسد بيوتهم وطعامهم ولباسهم وغير ذلك من الأشياء.(422/22)
التحذير من خطر الدفايات الكهربائية
الدفايات التي يستعملها الناس في الشتاء قد يترتب على تركها مفتوحة مضرة من الالتماس ونحوه، والضرر فيها أكثر مما يحصل من ضرر الإضاءة.(422/23)
شرح حديث (واكفتوا صبيانكم عند العشاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد وفضيل بن عبد الوهاب السكري قالا: حدثنا حماد عن كثير بن شنظير عن عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما رفعه قال: (واكفتوا صبيانكم عند العشاء، وقال مسدد: عند المساء، فإن للجن انتشاراً وخطفة)].
أورد أبو داود حديث جابر وفيه قال: (واكفتوا صبيانكم عند العشاء أو عند المساء فإن للجن انتشاراً وخطفة) يعني: ضموهم في أول الليل، فأول ما يأتي الليل يكفت الصبيان، يعني: أن أهلهم يضمونهم إليهم ولا يتركونهم منتشرين، فإذا مضى شيء من الوقت فلهم أن يتركوهم.
وعلل ذلك بقوله: (فإن للجن انتشاراً وخطفة) يعني: يحصل منهم أذى بسرعة، فكما يحصل خطف الشيء من صاحبه بسرعة، أي يحصل من الشياطين أو من الجن إيذاء الأطفال إذا انتشروا في أول الليل.(422/24)
تراجم رجال إسناد حديث (واكفتوا صبيانكم عند العشاء)
قوله: [حدثنا مسدد وفضيل بن عبد الوهاب السكري].
فضيل بن عبد الوهاب السكري ثقة، أخرج له أبو داود.
[قالا: حدثنا حماد عن كثير بن شنظير].
كثير بن شنظير صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[عن عطاء عن جابر].
عطاء بن أبي رباح وجابر قد مر ذكرهما.(422/25)
شرح حديث (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فاستسقى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن جابر رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فاستسقى، فقال رجل من القوم: ألا نسقيك نبيذاً؟ قال: بلى! قال: فخرج الرجل يشتد فجاء بقدح فيه نبيذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا خمرته ولو أن تعرض عليه عوداً؟).
قال أبو داود: قال الأصمعي: تعرضه عليه].
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى، يعني: طلب ماءً ليشربه؛ فقيل له: ألا نسقيك نبيذاً؟ يعني: بدل الماء، قال: نعم؛ فذهب القائل يشتد مسرعاً فجاء بقدح فيه نبيذ وقال: (ألا خمرته؟ ولو أن تعرض عليه عوداً).
وهذا هو المطابق للترجمة فيما يتعلق بإيكاء الأسقية وتغطية الآنية، وهو مثل الذي قبله.
[قال أبو داود: قال الأصمعي: تعرضه عليه].
يعني: على الإناء، والأصمعي قال: تعرضه بالضم، وغيره يقول: تعرضه بالكسر، والأصمعي إمام من أئمة اللغة.(422/26)
تراجم رجال إسناد حديث (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فاستسقى)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فأخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا أبو معاوية].
أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأعمش].
الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح].
أبو صالح هو ذكوان السمان اسمه ذكوان ولقبه السمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
جابر قد مر ذكره.
والأصمعي هو عبد الملك بن قريب قال عنه الحافظ: صدوق سني، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم في المقدمة وأبو داود والترمذي.
وكلمة (سني) عندما يؤتى بها في الترجمة معناها أن الراوي من أهل السنة وليس من المبتدعة أو ليس منسوباً إلى بدعة؛ وقد ذكر الحافظ في ترجمته في تهذيب التهذيب نقلاً عن الحربي أنه قال: علماء اللغة في البصرة هم من أهل الأهواء إلا أربعة وهم: أبو عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد ويونس بن حبيب والأصمعي.
ولهذا قال عنه الحافظ: صدوق سني، يعني: ليس من أهل الأهواء.(422/27)
شرح حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعذب له الماء من بيوت السقيا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سعيد بن منصور وعبد الله بن محمد النفيلي وقتيبة بن سعيد قالوا: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعذب له الماء من بيوت السقيا) قال قتيبة: هي عين بينها وبين المدينة يومان].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعذب له الماء من بيوت السقيا) يعني: يطلب له الماء العذب أو يؤتى له بالماء العذب من بيوت السقيا، وبيوت السقيا قال عنها قتيبة: هي عين بينها وبين المدينة يومان، يعني: كان يؤتى له بالماء من هناك.
وهذا الحديث ليس فيه ذكر إيكاء الآنية، ولكنه معلوم أن الغالب أن يؤتى بالماء في أسقية أو قرب ومعنى ذلك أنه مطلوب إيكاؤها.(422/28)
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعذب له الماء من بيوت السقيا)
قوله: [حدثنا سعيد بن منصور].
سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعبد الله بن محمد النفيلي وقتيبة بن سعيد].
عبد الله بن محمد النفيلي مر ذكره، وقتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد العزيز بن محمد].
عبد العزيز بن محمد الدراوردي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام عن أبيه].
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وأبوه عروة بن الزبير ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(422/29)
الأسئلة(422/30)
حكم الصلاة بعد طلوع الشمس بثلاث دقائق
السؤال
صليت صلاة الإشراق بعد طلوع الشمس بثلاث دقائق فهل علي شيء؟
الجواب
لا ينبغي أن يصلي الإنسان بعد طلوع الشمس بثلاث دقائق، بل يتريث مقدار عشر دقائق أو نحو ذلك؛ لأن الثلاث دقائق هي في نفس وقت طلوع الشمس.(422/31)
حكم شرب ساقي القوم آخرهم
السؤال
حديث (ساقي القوم آخرهم شرباً) هل هو خبر بمعنى النهي أم لا؟
الجواب
كأنه أمر، يعني: ليكن ساقي القوم آخرهم، أو كأنه إرشاد إلى أن يكون آخرهم.(422/32)
حكم تقديم الضيف على الأيمن عند الشرب
السؤال
إذا كان الجالس على الشمال هو الضيف فهل يبدأ به؟
الجواب
يبدأ بالضيف ولا يبدأ بغيره، إلا أن يكون الشخص الذي يبدأ به له مكانة وله منزلة ولا يتقدم الضيف عليه فإنه يبدأ به ثم يكون الدور على اليمين، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الأيمن فالأيمن).(422/33)
عدم تبويب أبي داود لبعض الأحاديث التي ليست لها مناسبة
السؤال
مرت بعض الأحاديث وليس لها مناسبة للترجمة، فإذا كان هناك حديث ليس له مناسبة فلماذا لا يبوب له أبو داود تبويباً جديداً، ولماذا يورده في غيره مظنته والمقصود من السنن الترتيب على الأبواب؟
الجواب
الغالب أنه يحصل الترتيب، ولكن قد تحصل أشياء يسيرة وقليلة جداً بلا ترتيب، ولا شك أنه كان مناسباً أن يبوب لها بشيء يظهرها أو تكون الترجمة أوسع أو يكون فيها إشارة بأن يقول: وغيره؛ لأن كلمة (وغيره) يكون فيها مجال لأن يدخل شيئاً لم ينص عليه.(422/34)
حكم التنفس في الإناء عند الرقية
السؤال
في حالة القراءة على الماء للمريض، هل يقرأ بحيث يكون نفسه في الماء أو ينحي الماء عن فمه؟
الجواب
النفس إنما يكون ممن يشرب، فالذي يشرب هو الذي يقع نفسه في الماء؛ لأن النفس يخرج من الأنف، ولكنه يقرأ ثم ينفث فيه، ولا يكون أنفه موجهاً للماء حتى يتنفس فيه، ولا يكون الإناء لاصقاً بفمه حتى لا يخرج نفسه من أنفه على الماء.(422/35)
حكم الشرب دفعة واحدة
السؤال
إذا كان الشراب قليلاً فهل يجوز أن يشرب الإنسان دفعة واحدة أو يشرب ثلاث مرات؟
الجواب
الذي ينبغي أنه يقسم الشراب ثلاثة أقسام ولو كان قليلاً، إلا إذا كان مثلاً يشرب كأساً ثم كأساً ثم كأساً فيصير ثلاثة، يعني: إذا شرب في إناء صغير، وكل إناء شربه في نفس؛ فهذا ليس فيه بأس، ولا يحتاج إلى أن يقسم شراب كل إناء ثلاثة أقسام.(422/36)
حكم طلب الدعاء من الغير
السؤال
ما حكم طلب الدعاء من الغير؟
الجواب
طلب الدعاء من الغير سائغ، لكن الأولى للإنسان أن يدعو لنفسه وأن يكون له صلة بالله عز وجل، ولا يكون شأنه أن يطلب الدعاء من الناس وهو يغفل عن الدعاء، والله عز وجل بابه مفتوح وليس بينه وبين أحد حجاب، والله تعالى يقول: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]، فيحرص الإنسان على أن يكون من الداعين الذين يدعون الله عز وجل، ويسألون الله، ولا يكون شأنه أن يسأل الناس: ادع لي ادع لي ادع لي؛ وإن كان في الأصل أنه جائز.(422/37)
حكم الشرب قائماً لمن لم يصل تحية المسجد
السؤال
أكون أحيانا ًعطشان وأدخل المسجد النبوي وأريد أن أشرب من ماء زمزم فإن شربت جالساً قبل أن أصلي وقعت في النهي وإن صليت قبل أن أشرب وقعت في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بحضرة طعام) وخاصة أن النفس مشغولة بهذا الشراب، وإن شربت قائماً وقعت في النهي، فماذا أفعل؟
الجواب
الإنسان إذا دخل المسجد وهو بحاجة إلى الشراب فمقدار ركعتين لا تفوت عليه حاجته، فالإنسان يصوم ويمسك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ولا يضره ذلك؛ فالحاجة للماء ليست مثل الحاجة للطعام، فالطعام هو الذي لو كان موجوداً تتعلق به النفوس، وأما الماء فأمره سهل، والله أعلم.(422/38)
شرح سنن أبي داود [423]
مما جاء الحث عليه في الشريعة الإسلامية الوليمة عند العرس، وعلى من دعي إلى وليمة أن يجيب الدعوة، فإن كان مفطراً فليطعم، وإن كان صائماً فليدع لصاحب الوليمة؛ ففي الاجتماع على الوليمة أنواع من التآزر والترابط والتآخي والتآلف ونحو ذلك.(423/1)
ما جاء في إجابة الدعوة وحكمها(423/2)
شرح حديث (إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أول كتاب الأطعمة.
باب ما جاء في إجابة الدعوة.
حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها)].
لما فرغ المصنف رحمه الله من ذكر ما يتعلق بالأشربة وما يحل منها وما يحرم، ثنَّى بذكر الأطعمة، وأورد الترجمة التي هي: [باب ما جاء في إجابة الدعوة] يعني: إجابة دعوة أخيك المسلم إذا دعاك لطعام، فإن كان طعام وليمة عرس، فمن العلماء من قال بوجوب الإجابة، وإذا كان لغير العرس فيستحب للإنسان أن يجيب الدعوة؛ لما في ذلك من إدخال السرور على الأخ المسلم.
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها)] أي: يجيب الدعوة.
والوليمة في الغالب تطلق على وليمة العرس؛ وقد تطلق الوليمة على ما هو أعم من ذلك.
وقوله: [باب ما جاء في إجابة الدعوة] يعني: إجابة الداعي لطعام، وهو يشمل وليمة الزواج والنكاح وغيرها من الدعوات الأخرى.(423/3)
تراجم رجال إسناد حديث (إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها)
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
هو نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله].
هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله.(423/4)
وجه تقديم أبي داود كتاب الأشربة على كتاب الأطعمة
إن قيل: ما وجه تأخير كتاب الأطعمة عن كتاب الأشربة، مع أن الأكل مقدم على الشرب عادة؟ فالجواب أننا نجد كثيراً في سنن أبي داود أبواباً أو كتباً كان الأنسب أن تكون في مكان آخر، فمثلاً أخر الصوم وجعله بعد النكاح وبعد عدة كتب أخرى، وكان من المناسب أن يأتي به مع العبادات بعد الزكاة وقبل الحج، كما هو المشهور عند العلماء من المحدثين والفقهاء، وكما جاء ذلك مرتباً في حديث جبريل وغيره: (أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت)، فهو يأتي أحياناً بالكتاب في غير المكان المناسب من ناحية الترتيب، ويمكن أن مقصوده من تقديم الأشربة على الأطعمة هو أن الماء لا يستغنى عنه، وهو الذي تكون به الحياة، وجعل الله من الماء كل شيء حي، وقد يستغني الإنسان عن الطعام ولا يستغني عن الماء، فقد يكون هذا هو وجه تقديم الأشربة على الأطعمة.(423/5)
شرح حديث: (فإن كان مفطراً فليطعم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مخلد بن خالد حدثنا أبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه، زاد: (فإن كان مفطراً فليطعم، وإن كان صائماً فليدع)].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله، بمعناه وفيه زيادة: (فإن كان مفطراً فليطعم) يعني: يأكل.
قوله: (وإن كان صائماً فليدع) يعني: يدعو لأهل الزواج ولأهل الوليمة، يدعو لهم بالتوفيق، وأن يجمع الله بين الزوجين على خير، فيكون حضوره فيه إدخال السرور وحصول الدعاء.
ومعنى هذا: أن الأكل ليس بلازم، ولكن الحضور هو الذي أمر به، وإجابة الدعوة هو الذي أمر به، أما الأكل فليس مأموراً به، فيمكن للإنسان أن يحضر وقد لا يشتهي الطعام، وقد يكون صائماً، وقد يكون هناك شيء يجعل الإنسان لا يشتهي الطعام.(423/6)
تراجم رجال إسناد حديث: (فإن كان مفطراً فليطعم)
قوله: [حدثنا مخلد بن خالد].
مخلد بن خالد ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا أبو أسامة].
هو أبو أسامة حماد بن أسامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله].
هو عبيد الله بن عمر العمري المصغر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع عن ابن عمر].
نافع وابن عمر قد مر ذكرهما.(423/7)
شرح حديث (إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرساً كان أو نحوه) وترجمة رجال الإسناد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرساً كان أو نحوه)].
أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى وفيه: [(إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرساً كان أو نحوه)] يعني: سواءً كان دعوة زواج أو نحوه، مثل: دعاء العقيقة أو غيرها من الدعوات فليجب، ولكن كما هو معلوم أن وليمة الزواج تختلف عن غيرها.
قوله: [حدثنا الحسن بن علي].
هو الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع عن ابن عمر].
نافع وابن عمر قد مر ذكرهما.(423/8)
طريق أخرى لحديث (إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرساً كان أو نحوه) وترجمة رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن المصفى حدثنا بقية حدثنا الزبيدي عن نافع بإسناد أيوب ومعناه].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم.
قوله: [حدثنا ابن المصفى].
هو محمد بن المصفى وهو صدوق له أوهام، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا بقية].
هو بقية بن الوليد وهو صدوق يدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا الزبيدي].
هو محمد بن الوليد الزبيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.(423/9)
شرح حديث (من دعي فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من دعي فليجب، فإن شاء طعم، وإن شاء ترك)].
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: [(من دعي فليجب، فإن شاء طعم وإن شاء ترك)] يعني: أن إجابة الدعوة هي المطلوب، وإذا حضر فليس بلازم أن يأكل؛ وذلك لقوله: (فإن شاء طعم وإن شاء ترك)، وكما عرفنا فيما مضى إن لم يأكل يدعو: (إن كان مفطراً فليأكل وإن كان صائماً فليدع) وهنا إن شاء أكل وإن شاء ترك حتى لو كان مفطراً، فإذا لم يشته الطعام أو أن الطعام كان في وقت غير مناسب له، وعادته ألا يأكل في مثل هذا الوقت، فإنه يحضر ويدعو وليس بلازم أنه يأكل.(423/10)
تراجم رجال إسناد حديث (من دعي فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير].
هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود.(423/11)
شرح حديث (من دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد قال: حدثنا درست بن زياد عن أبان بن طارق عن نافع قال: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله، ومن دخل على غير دعوة دخل سارقاً وخرج مغيراً)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(من دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله)].
يعني: أن عدم إجابة الدعوة فيها معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا في حق من دعي، وأما من لم يدع وجاء من غير دعوة فإنه كما في الحديث: [(ومن دخل على غير دعوة دخل سارقاً وخرج مغيراً)] أي: يدخل مثل السارق الذي يدخل بخفية وتستر وعدم بروز وظهور، ثم إنه بعد ذلك يظهر وكأنه ظفر بالشيء الذي يريده، فيكون مثل الذي أغار واكتسب شيئاً وخرج به، ولكن الحديث ضعيف فيه من لا يحتج به، وهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(423/12)
تراجم رجال إسناد حديث (من دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا درست بن زياد].
درست بن زياد وهو ضعيف، وحديثه أخرجه أبو داود وابن ماجة.
[عن أبان بن طارق].
أبان بن طارق وهو مجهول الحال، أخرج له أبو داود.
[عن نافع قال: قال عبد الله بن عمر].
نافع وعبد الله بن عمر قد مر ذكرهما.
[قال أبو داود: أبان بن طارق مجهول].(423/13)
شرح أثر (شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك المساكين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: (شر الطعام طعام الوليمة، يدعى لها الأغنياء ويترك المساكين، ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (شر الطعام طعام الوليمة) يعني: من شأنه أنه يدعى إليه الأغنياء ويترك الفقراء، مع أن الأغنياء ليسوا بحاجة إلى الطعام، والفقراء بحاجة إلى الطعام، فيدعى من لا يحتاج إليه، ويترك من هو بحاجة إليه! قوله: (ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله) والمقصود بذلك طعام الوليمة كما عرفنا؛ لأن الوليمة عندما يأتي إطلاقها يراد بها وليمة العرس.(423/14)
تراجم رجال إسناد حديث (شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك المساكين)
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب].
القعنبي ومالك مر ذكرهما، وابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج].
هو عبد الرحمن بن هرمز المدني ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق.(423/15)
الأسئلة(423/16)
وجه الاستدلال بقوله (وإن كان صائماً) في كون الوليمة تكون في النهار
السؤال
هل قوله: (وإن كان صائماً) يدل على أن الوليمة تكون في النهار؟
الجواب
لا، ليس بلازم، وإنما فيه إشارة إلى أنه إذا جاء الإنسان وكانت الوليمة في النهار فهو إما أن يكون صائماً وإما أن يكون مفطراً، والمهم أن توجد الوليمة، سواء كانت في النهار أو في الليل.(423/17)
حكم إجابة الوليمة في الليل مع تأخرها كثيراً
السؤال
كما هو معلوم أن إجابة دعوة الوليمة واجبة، لكن الآن ربما لا يضعون العشاء إلا في وقت متأخر من الليل فماذا يفعل الإنسان إذا دعي إليها؟
الجواب
هذا غير مناسب؛ لأنه قد يذهب أكثر الليل أو قسم كبير من الليل، فمثل هذا له أن يعتذر عن الحضور، أو يحضر ليدعو لهم ويرجع قبل أن يأتي الطعام وقبل أن يجتمع الناس.(423/18)
صيغة الدعاء لأهل الوليمة لمن حضرها
السؤال
قوله: (وإن كان صائماً فليدع)، هل هناك نص معين في الدعاء أو يدعو بما تيسر؟
الجواب
ليس هناك نص معين في الدعاء لمن حضر الوليمة، ولكن يدعو للزوجين بالدعاء المعروف: (بارك الله لهما، وبارك عليهما، وجمع بينهما في خير) وله أن يدعو لهم بدعاء آخر كأن يقول: جزاكم الله خيراً وما إلى ذلك، والمهم هو الدعاء بالتوفيق في الزواج الذي فعلت الوليمة من أجله.(423/19)
حكم إجابة دعوة المبتدع والكافر
السؤال
قوله: (إذا دعا أحدكم أخاه) ما المقصود بالأخوة هنا؟ وهل تجاب دعوة المبتدع؟ ومن دعي إلى وليمة كافر وهو قريب له أو زميل وفي الوليمة أشياء فيها شرك فهل يأتيها أم يتركها؟
الجواب
إذا كان فيها محظور شرعي فلا يأتها سواء كانت لمسلم أو لكافر، فالشيء الذي فيه محظور لا يجوز له أن يحضره ولا يجلس مع أهله، ولكن الكلام فيما إذا كان سليماً.
والأخوة هنا هي الأخوة في الإسلام، وإذا كان الداعي مبتدعاً وكان في إجابته فائدة من ناحية استمالته، وكونها سبباً في هدايته؛ فلا بأس بحضور وليمته، وإن كان لا يترتب على ذلك فائدة فالأولى له ألا يذهب.(423/20)
استحباب الوليمة عند النكاح(423/21)
شرح حديث (ما رأيت رسول الله أولم على أحد من نسائه ما أولم عليها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في استحباب الوليمة عند النكاح.
حدثنا مسدد وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا حماد عن ثابت قال: (ذكر تزويج زينب بنت جحش رضي الله عنها عند أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولم على أحد من نسائه ما أولم عليها، أولم بشاة)].
يقول المصنف رحمه الله: [باب في استحباب الوليمة عند النكاح] أي: أن وضع وليمة بمناسبة النكاح لإظهار الفرح والسرور، وشكر الله عز وجل على هذه النعمة والفضل الذي هو حصول الزواج من الأمور المستحبة.
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: [(ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم على أحد من نسائه ما أولم على زينب، أولم بشاة)]، وزينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها أولم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة لكونها حصل تزويجها من الله عز وجل، حيث زوجه إياها من فوق سبع سماوات، وهذا شيء تميزت به عن غيرها، وكانت تفتخر به رضي الله عنها، فتكون هذه الوليمة شكراً لله عز وجل على هذا الزواج، أو أنه حصل اتفاقاً؛ لأنه كان متيسراً في ذلك الوقت فأولم بشاة.
فالوليمة مستحبة والرسول صلى الله عليه وسلم أولم باللحم وبغير اللحم كما سيأتي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عبد الرحمن بن عوف: (أولم ولو بشاة) وهذا الأمر للاستحباب، وليس بواجب على المتزوج أن يعمل وليمة.(423/22)
تراجم رجال إسناد حديث (ما رأيت رسول الله أولم على أحد من نسائه ما أولم عليها أولم بشاة)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد مر ذكره.
[وقتيبة بن سعيد].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ثابت].
هو ثابت بن أسلم البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ذكر تزويج زينب بنت جحش عند أنس بن مالك].
أنس بن مالك رضي الله عنه هو راوي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا من الأسانيد الرباعية عند أبي داود، وقتيبة بن سعيد ومسدد شيخا أبي داود فلا يقال: إنه خماسي؛ وذلك لأنهما في طبقة واحدة، ووجودهما كوجود الشخص الواحد من حيث الرتبة ومن حيث الدرجة.(423/23)
شرح حديث (أن النبي أولم على صفية بسويق وتمر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حامد بن يحيى حدثنا سفيان حدثنا وائل بن داود عن ابنه بكر بن وائل عن الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو لم على صفية رضي الله عنها بسويق وتمر)].
أورد المصنف رحمه الله حديث أنس رضي الله عنه [(أن النبي صلى الله عليه وسلم أو لم على صفية بسويق وتمر)]، وجاء: (أنه أو لم بحيس) فيمكن أن يكونا مجتمعين ولم يولم بلحم، وإنما أو لم بسويق، وكذلك جاء أنه حيس مخلوط بسويق وتمر، وهذا فيه أن الوليمة لا يلزم فيها اللحم، بل يمكن أن تكون بغير لحم على حسب ما يتيسر للإنسان.(423/24)
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي أولم على صفية بسويق وتمر)
قوله: [حدثنا حامد بن يحيى].
حامد بن يحيى ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا سفيان].
هو سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا وائل بن داود].
وائل بن داود ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن ابنه بكر بن وائل].
بكر بن وائل صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
وهذا من رواية الأكابر عن الأصاغر، ومنه رواية الآباء عن الأبناء، والمشايخ عن التلاميذ، وهو على خلاف الأصل، والأصل أن الأبناء يأخذون عن الآباء، والتلاميذ يأخذون عن المشايخ، وقد يوجد العكس بأن يكون الشيخ يأخذ عن تلميذه والأب عن ابنه، فيكون من قبيل النوع المعروف عند المحدثين: رواية الأكابر عن الأصاغر، وفائدة معرفته ألا يظن القلب في الإسناد؛ لأن الأصل أن الابن هو الذي يروي عن الأب، والتلميذ هو الذي يروي عن الشيخ.
[عن الزهري عن أنس].
الزهري وأنس قد مر ذكرهما.(423/25)
حكم تكرار الوليمة(423/26)
شرح حديث (الوليمة أول يوم حق والثاني معروف واليوم الثالث سمعة ورياءَ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كم تستحب الوليمة.
حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عفان بن مسلم حدثنا همام حدثنا قتادة عن الحسن عن عبد الله بن عثمان الثقفي عن رجل أعور من ثقيف، كان يقال له معروفاً -أي: يثنى عليه خيراً- إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان رضي الله عنه فلا أدري ما اسمه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الوليمة أول يوم حق، والثاني معروف، واليوم الثالث سمعة ورياء) قال قتادة: وحدثني رجل: أن سعيد بن المسيب دعي أول يوم فأجاب، ودعي اليوم الثاني فأجاب، ودعي اليوم الثالث فلم يجب، وقال: أهل سمعة ورياء].
يقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في كم تستحب الوليمة].
يعني: أنها تكون مرة أو أكثر من مرة، والمعروف أنها تكون مرة واحدة، وهل تكون أكثر من ذلك؟ جاء في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك.
وهذا الحديث الذي معنا فيه شخص لا يحتج به من حيث قبول روايته، والأصل في ولائم الزواج أن يكون فيها التيسير وفيها التخفيف، وألا يكون فيها التكلف، لاسيما مثل ما يحصل في هذا الزمان من كثرة الأطعمة والتكلف فيها، وكونه لا يستفاد منها، فالاقتصاد وعدم التكلف هو الذي ينبغي وهو الذي يليق، وأما تكرار الولائم في مناسبة الزواج، وكذلك فيما يتعلق بالتوسع في الوليمة حتى تزيد عن قدر الحاجة ثم لا يستفاد من ذلك؛ فهذه من الأمور التي لا ينبغي للناس أن يتعاطوها، بل عليهم أن يحذروها، والزواج يراد فيه التسهيل والتيسير، ومن التسهيل والتيسير عدم التكلف في الزواج، وعدم المغالاة في المهور.
أورد أبو داود حديث رجل يحتمل أن يكون صحابياً ويحتمل أن يكون غير صحابي.
قوله: [عن عبد الله بن عثمان الثقفي عن رجل أعور من ثقيف كان يقال له معروفاً - أي: يثنى عليه خيراً -، إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري ما اسمه].
يعني: زهير بن عثمان قيل: إنه صحابي، فإن كان صحابياً فيكون الحديث متصلاً وإن كان غير صحابي فيكون زيادة في التوهين والتضعيف؛ لضعف رجل في أثناء الإسناد هو سببه، حتى وإن كان صحابياً فالضعف حاصل بذاك الضعيف.
قوله: [(الوليمة أول يوم حق، والثاني معروف واليوم الثالث سمعة ورياء)] يعني: أنها في اليوم الأول لازمة، واليوم الثاني إحسان وفضل، واليوم الثالث أهلها أهل رياء وسمعة.(423/27)
تراجم رجال إسناد حديث (الوليمة أول يوم حق والثاني معروف واليوم الثالث سمعة ورياء)
قوله: [حدثنا محمد بن المثنى].
هو محمد بن المثنى أبو موسى العنزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عفان بن مسلم].
هو عفان بن مسلم الصفار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا همام].
همام بن يحيى العوذي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن].
هو الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عثمان الثقفي].
عبد الله بن عثمان الثقفي مجهول، أخرج له أبو داود والنسائي.
والضعف في هذا الشخص الذي هو عبد الله بن عثمان الثقفي، وهو يروي عن رجل من ثقيف، ويحتمل أن يكون هو زهير بن عثمان ويحتمل أن يكون صحابياً وأن يكون غيره، فإن كان صحابياً فلا إشكال، وإن كان غير صحابي فيكون فيه علتان.
[إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان] زهير بن عثمان صحابي، أخرج له أبو داود والنسائي، له حديث الوليمة.
[قال قتادة: وحدثني رجل: أن سعيد بن المسيب دعي أول يوم فأجاب، ودعي اليوم الثاني فأجاب، ودعي اليوم الثالث فلم يجب وقال: أهل سمعة ورياء].
يعني: مثل ما جاء في هذا الحديث، اليوم الأول حق، والثاني معروف، والثالث سمعة ورياء.
وسعيد بن المسيب ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(423/28)
أثر ابن المسيب أنه دعي اليوم الثالث فلم يجب وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن سعيد بن المسيب بهذه القصة قال: فدعي اليوم الثالث فلم يجب وحصب الرسول].
أورد المصنف طريقاً عن سعيد بن المسيب فيه: أنه لم يجب في اليوم الثالث بل حصب الرسول ورماه بالحصباء.
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام].
هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة عن سعيد بن المسيب].
قتادة وسعيد بن المسيب قد مر ذكرهما.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في البلوغ أن هذا الحديث له شاهد عند الترمذي عن ابن مسعود، وقال: رجال إسناده رجال الصحيح، لكن لاشك أن عدم التكلف هو الذي ينبغي.(423/29)
الأسئلة(423/30)
حكم إقامة الوليمة مرة في دار الزوج ومرة في دار الزوجة
السؤال
هل تجوز الوليمة مرة في دار الزوج، ومرة في دار الزوجة؟
الجواب
الذي ينبغي أن تكون مرة واحدة في أي مكان، في دار هذا أو في دار هذا.(423/31)
حكم إقامة الوليمة يوم العرس واليوم الرابع واليوم السابع
السؤال
في بلادنا تكون وليمة النكاح على ثلاث مراحل: يوم العرس واليوم الرابع واليوم السابع فما الحكم؟
الجواب
الجواب كما سبق، الذي ينبغي أن تكون مرة واحدة، وأن يترك التكلف.(423/32)
حكم تكرار الوليمة مع اختلاف المدعوين لها
السؤال
إذا اختلف المدعوون بأن يعمل في اليوم الأول وليمة ثم يدعو أناساً، ويعمل في اليوم الثاني وليمة أخرى ويدعو أناساً آخرين غير الأولين، فهل هذا جائز؟
الجواب
كونها تصير مرة واحدة ويجمع الذين يريد أن يدعوهم هو الذي ينبغي.(423/33)
حكم ذكر الرجل بما فيه من العاهة
السؤال
قوله في الحديث: (عن رجل أعور) هل فيه جواز ذكر الرجل بما فيه من العاهة؟
الجواب
إذا كان للتعريف وليس للتعيير فلا بأس، مثل: الأعرج والأعمش.(423/34)
الإطعام عند القدوم من السفر(423/35)
شرح حديث (لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة نحر جزوراً أو بقرة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإطعام عند القدوم من السفر.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن شعبة عن محارب بن دثار عن جابر رضي الله عنه قال: (لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة نحر جزوراً أو بقرة)].
يقو المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الإطعام عند القدوم من السفر] يعني: كون المرء يصنع طعاماً ويدعو الناس إليه عند القدوم من السفر جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لما جاء في هذا الحديث: (أنه لما قدم المدينة ذبح جزوراً أو بقرة) يعني: على الشك إما هذا وإما هذا، وهذا يدل على جواز مثل ذلك، وأن الإنسان إذا قدم من سفر له أن يذبح شيئاً شكراً لله عز وجل على كونه وصل سالماً، ومن أجل أن يلتقي بالناس ويحصل اللقاء بينه وبينهم ويأكلون من طعامه، ولكن لا يصح أن يتكلف الناس بحيث إنهم كلما حصل سفر فعلوا ذلك؛ لأنه ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك في كل سفراته، وأنه كلما قدم من سفر فعل ذلك، ولكن هذا الفعل يدل على الجواز وعلى أن ذلك سائغ، لكن لا يقال: إنه مستحب ومن لم يفعل ذلك فقد ترك أمراً مستحباً.
قوله: [عن جابر رضي الله عنه قال: (لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة نحر جزوراً أو بقرة)].
لا أدري متى كان هذه القدوم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قدم المدينة مهاجراً، ثم بعد ذلك كان يخرج مجاهداً أو حاجاً أو معتمراً، ثم يقدم المدينة، وهذه المرة لا ندري هي في أي قدمة قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم.(423/36)
تراجم رجال إسناد حديث (لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة نحر جزوراً أو بقرة)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا وكيع].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محارب بن دثار].
محارب بن دثار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو جابر بن عبد الله وقد مر ذكره.(423/37)
(شرح سنن أبي داود [424]) للشيخ: (عبد المحسن العباد)
(عدد القراء 200)
عناصر الموضوع
1
ما جاء في الضيافة
2
الأسئلة
3
نسخ الضيف يأكل من مال غيره
4
طعام المتباريين
5
إجابة الدعوة إذا حضرها مكروه
6
الأسئلة
7
الأحق بالإجابة إذا اجتمع الداعيان
8
الأحق بالتقديم إذا حضرت الصلاة والعشاء
9
الأسئلة
الكل أسماء القراء أسماء المحاضرين عناوين المحاضرات نص المحاضرات مختارات من الأذان أسماء المنشدين عناوين الأناشيد أدعية مختارة استراحة التسجيلات
محور الحج
اختبر معلوماتك
فلاشات
رسائل جوال
صندوق الهدايا
مواقيت الصلاة
تحويل عملات
الأحوال الجوية
أكثر المواد استماعا على الشبكة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة السر(424/1)
شرح سنن أبي داود [425]
من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم العظيمة أنه كان يجيب الدعوة إلى الطعام وإن كان شيئاً يسيراً، ويأكل ما قدم إليه، كما أنه عليه الصلاة والسلام لم يعب أو يذم طعاماً قط، وإنما كان إذا اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه، فعلى كل مسلم أن يقتدي بنبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الأخلاق العظيمة الجليلة.(425/1)
حكم غسل اليدين عند الطعام(425/2)
شرح حديث: (إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في غسل اليدين عند الطعام.
حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج من الخلاء فقدم إليه طعام، فقالوا: ألا نأتيك بوضوء؟ فقال: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة)].
يقول المصنف رحمه الله: [باب في غسل اليدين عند الطعام].
غسل اليدين عند الطعام يستحب إن كان هناك أمر يقتضيه ويدعو إليه؛ بأن يكون فيهما وسخ، أو فيهما شيء يحتاج إلى تنظيف، وأما إذا لم يكن هناك أمر يدعو إليه، فإنه لا حاجة إليه.
أورد أبو داود حديث ابن عباس: [(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء فقدم إليه طعام، فقالوا: ألا نأتيك بوضوء؟ فقال: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة)] ثم أكل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فدل هذا على أن غسل اليدين ليس بلازم، إلا إذا كان هناك حاجة تدعو إليه.(425/3)
تراجم رجال إسناد حديث: (إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل].
إسماعيل هو ابن علية، إسماعيل بن إبراهيم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن أبي مليكة].
عبد الله بن أبي مليكة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عباس].
ابن عباس مر ذكره.(425/4)
حكم غسل اليد قبل الطعام(425/5)
شرح حديث: (بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في غسل اليد قبل الطعام.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا قيس عن أبي هاشم عن زاذان عن سلمان رضي الله عنه قال: (قرأت في التوراة: أن بركة الطعام الوضوء قبله، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده).
وكان سفيان يكره الوضوء قبل الطعام.
قال أبو داود: وهو ضعيف].
الباب الأول هو [باب في غسل اليدين عند الطعام]، وهذا [باب في غسل اليد قبل الطعام]، فالترجمتان متقاربتان؛ لأن غسل اليدين عند الطعام وقبل الطعام بمعنى واحد، يعني: كله من أجل الطعام، وكله استعداد للطعام، وفي بعض النسخ ليس فيه هذه الترجمة؛ لأنه لا فرق بينها وبين الترجمة السابقة؛ ولأن (عند الطعام) و (قبل الطعام) بمعنى واحد، ففي الحديث الأول أنه قيل له: (ألا نأتيك بوضوء؟ فقال: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة) وأكل صلى الله عليه وسلم، وهنا ذكر (قبل الطعام) وهو بمعنى (عند الطعام).
أورد أبو داود حديث سلمان الفارسي قال: (قرأت في التوراة) يعني: قبل أن يسلم.
قوله: (أن بركة الطعام الوضوء قبله)، يعني: أن تغسل الأيدي قبله، والوضوء هنا ليس هو الوضوء الشرعي، وإنما هو الوضوء اللغوي الذي هو من الوضاءة، وهي النزاهة والنظافة، وكونه ينظف يديه قبل الطعام وبعده.
قوله: (فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن بركة الطعام الوضوء قبله والضوء بعده) يعني: كون الإنسان يغسل يديه قبل الطعام وبعده، وهذا غير ثابت، ولكن التغسيل قبله يشرع إذا كان هناك حاجة، وأما إذا لم يكن هناك حاجة فلا داعي له، وأما بعده فإنه إذا كانت الأيدي فيها شيء تحتاج إلى إزالة مثل الدسم أو الزهومة، فهذا ينبغي أن يزال بغسله.
وذكر البركة في الطعام بالوضوء قبله هي بمعنى أن الإنسان ينظف يديه قبل الطعام فيأكل وليس فيها شيء مما لا ينبغي، ومما قد يكون فيه مضرة على الإنسان، وكذلك بعده يغسل الإنسان يديه ويقوم بإزالة ذلك، فإنه من أسباب البركة، لكن الحديث كما هو معلوم ضعيف وغير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أبو داود.(425/6)
تراجم رجال إسناد حديث: (بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا قيس].
موسى بن إسماعيل مر ذكره، وقيس بن الربيع هو صدوق تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة، والحديث ضعيف بسبب قيس هذا.
[عن أبي هاشم].
هو يحيى بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زاذان].
زاذان وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سلمان].
هو سلمان الفارسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(425/7)
ما جاء في طعام الفجاءة(425/8)
شرح حديث: (أقبل رسول الله وبين أيدينا تمر فدعوناه فأكل معنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في طعام الفجاءة.
حدثنا أحمد بن أبي مريم حدثنا عمي -يعني سعيد بن الحكم - حدثنا الليث بن سعد أخبرني خالد بن يزيد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من شعب من الجبل وقد قضى حاجته، وبين أيدينا تمر على ترس أو حجفة، فدعوناه فأكل معنا وما مس ماء)].
يقول المصنف رحمه الله: [باب في طعام الفجاءة]، الفجاءة هي التي تحصل اتفاقاً من غير دعوة ومن غير قصد، كأن يمر شخص على أناس وهم يأكلون فقالوا له: تفضل، فجاء وأكل معهم، هذا هو طعام الفجاءة، وهو مقابل الطعام الذي فيه دعوة، وأما هذا فجاء اتفاقاً، فقد تكون هذه الدعوة مجاملة أو على استحياء، وليس الإنسان صادقاً فيها أو راغباً فيها، وإنما دعاه على طريق المجاملة، وقد لا يكون راغباً أن يؤكل معه، فمن أجل ذلك أتى المصنف بهذه الترجمة، وفيها تفصيل: إذا كان الإنسان يعلم أن مثل هذا الشخص يسر بأكله معه، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرون بمشاركة النبي صلى الله عليه وسلم لهم في الأكل معهم، فهذا لا إشكال فيه، وأما إذا كان الطعام قليلاً وأصحابه بحاجة إليه، وقد يدعون من قابلهم على استحياء، فإجابته قد لا تكون محل رغبة عندهم، ولكنهم قالوا ذلك من باب المجاملة، وإذا عرف منهم ذلك أو رأى أن طعامهم قليل، فإنه يدعو لهم ولا يشاركهم في الأكل.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عن جابر رضي الله عنه قال: [(أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من شعب من الجبل)].
الطريق بين جبلين يقال له: شعب.
قوله: [(وقد قضى حاجته وبين أيدينا تمر على ترس أو حجفة)] أي: كان معهم طعام على ترس وهو مثل الوعاء.
قوله: [(فدعوناه فأكل معنا وما مس ماء)].
يعني: دعوه فجاء عليه الصلاة والسلام فأكل معهم ولم يغسل يديه قبل أن يأكل.
والحجفة: هي الترس، وفي عون المعبود بتقديم الجيم على الحاء (الجحفة).(425/9)
تراجم رجال إسناد حديث: (أقبل رسول الله وبين أيدينا تمر فدعوناه فأكل معنا)
قوله: [حدثنا أحمد بن أبي مريم].
هو أحمد بن سعد بن الحكم بن أبي مريم وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا عمي يعني سعيد بن الحكم].
هو سعيد بن الحكم بن أبي مريم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث بن سعد].
هو الليث بن سعد المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني خالد بن يزيد].
خالد بن يزيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله].
جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما مر ذكره.(425/10)
كراهية ذم الطعام(425/11)
شرح حديث: (ما عاب رسول الله طعاماً قط إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كراهية ذم الطعام.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (ما عاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طعاماً قط إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه)].
يقول المصنف رحمه الله: [باب في كراهية ذم الطعام].
ذم الطعام هو عيبه، بأن يقال إنه مالح، أو فيه كذا وفيه كذا، ويذكر شيئاً فيه عيب الطعام، ويدخل في ذلك عدم الارتياح لصاحبه والإيذاء لصاحبه.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة (ما عاب طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه) دون أن يذمه، وهذا من كمال أخلاقه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ وذلك لأنه إذا ذم الطعام فإنه يتأذى بذلك صاحبه إذا سمع أن طعامه يذم، ومن الأخلاق الكريمة التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم إذا قدم له طعام إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه، وهذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من كمال أخلاقه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.(425/12)
تراجم رجال إسناد حديث: (ما عاب رسول الله طعاماً قط إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير].
هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان].
هو سفيان الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
هو سليمان بن مهران الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي حازم].
هو سلمان الأشجعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق.(425/13)
الضابط في كراهية ذم الطعام
أما إذا كان صاحب البيت يريد أن يعلم أهله فيقول: هذه المرة الملح زائد فليكن في المرة الثانية الملح أخف, فهذا لا بأس به إذا كان من باب الإرشاد حتى لا يتكرر الخطأ.
وما سبق عن النبي صلى الله عليه وسلم في قضية الضب الذي قدم بين يديه, معلوم أنه ظهر عليه التأثر؛ لكنه لم يتكلم، وإنما قيل له: (كأنك تكرهه يا رسول الله؟ فقال: نعم) وقد بين ذلك بقوله: (إنه ليس بأرض قومي وأجدني أعافه) فلا ينافي ما جاء هنا.(425/14)
الاجتماع على الطعام(425/15)
شرح حديث: (اجتمعوا على طعامكم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الاجتماع على الطعام.
حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي حدثنا الوليد بن مسلم حدثني وحشي بن حرب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: (أن أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع، قال: فلعلكم تفترقون؟ قالوا: نعم، قال: فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه)].
يقول المصنف رحمه الله: [باب في الاجتماع على الطعام].
والاجتماع على الطعام من أسباب البركة، والأكل على سبيل الانفراد وعلى سبيل الاجتماع كل ذلك سائغ، كما جاء في الآية: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأكلوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} [النور:61] فالاجتماع والانفراد في الأكل سائغ، ولكن الاجتماع فيه فائدة، وهي للاجتماع والتلاقي والتآنس بين أهل البيت، وأيضاً فيه زيادة البركة كما جاء في الحديث: (طعام الاثنين كاف للثلاثة، وطعام الثلاثة كاف للأربعة) إلى آخر الحديث، يعني: أن الطعام عندما يوضع لعدد معين ثم يأتي زيادة على ذلك العدد فإنه يكون كافياً لهم.
أورد أبو داود حديث وحشي بن حرب رضي الله عنه: [(أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله! إنا نأكل ولا نشبع قال: فلعلكم تفترقون؟ قالوا: نعم، قال: فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه)] يعني: اجتمعوا على الطعام فإنه يكون من أسباب البركة؛ لأنه كما هو معلوم إذا وضع لكل واحد طعام بالتساوي فقد يكون بعضهم يحتاج إلى شيء قليل، وبعضهم يحتاج إلى شيء كثير، فهذا يأكل حقه ويكون بحاجه إلى زيادة، وذلك يترك بعض حقه، فالناس متفاوتون، فإذا كان الطعام بين أيديهم كل يأكل من هذا الطعام الذي بين أيديهم, فمنهم من يأكل قليلاً حسب حاجته، ومنهم من يأكل كثيراً، بخلاف ما لو أنه قسم بينهم ووضع لكل واحد مقدار، فإن بعضهم قد يأكل ويبقى شيء، والثاني قد يأكل ولا يكفيه ذلك الذي قدم له، لكن إذا وضع بين يدي الجميع فكل يأخذ حاجته.(425/16)
تراجم رجال إسناد حديث: (اجتمعوا على طعامكم)
قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي].
إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الوليد بن مسلم].
الوليد بن مسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني وحشي بن حرب].
وحشي بن حرب مستور، ومعناه مجهول الحال، أخرج له أبو داود وابن ماجة [عن أبيه].
وهو حرب بن وحشي وهو مقبول، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن جده].
هو وحشي بن حرب رضي الله عنه، أخرج له البخاري وأبو داود وابن ماجة.
والحديث في إسناده مستور بمعنى مجهول الحال ومقبول، لكن الحديث له شواهد تدل عليه؛ فلهذا صحح الشيخ الألباني هذا الحديث.
[قال أبو داود: إذا كنت في وليمة، فوضع العشاء، فلا تأكل حتى يأذن لك صاحب الدار].
يعني: أن الإذن للآكلين يكون من صاحب الدار، وهذا من الفقه الذي يذكره أبو داود في سننه، وهو قليل جداً.(425/17)
الأسئلة(425/18)
حقيقة الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم: (اجتمعوا على طعامكم)
السؤال
قوله: (فاجتمعوا على طعامكم) على ماذا يحمل الأمر؟
الجواب
الأمر للندب والاستحباب، وليس للوجوب.(425/19)
بيان المراد بالاجتماع على الأكل
السؤال
ما المراد بالاجتماع على الأكل؟ هل المراد أن يكون الطعام في سفرة واحدة، أو المراد أن يجتمعوا في المكان الواحد وكل له إناء خاص به يضع به الطعام الذي يشتهيه؟
الجواب
المهم أن يكونوا جميعاً، وأن يكون الطعام لهم جميعاً، وسواء أكلوا من الصحفة أو الوعاء الذي يكون بين أيديهم أو أن كل واحد يغرف لنفسه في صحن خاص على مقدار حاجته كل ذلك لا بأس به؛ لأن هذا كله داخل تحت الاجتماع على الطعام, أما أن يقدم لكل واحد طعام خاص فهذا ليس باجتماع على الطعام؛ لأن هذا يأكل، ويغلق صحنه، وهذا يبقى عنده شيء، وذاك بحاجة إليه، فلا يستطيع أن يقول: أعطني إياه حتى آكله.(425/20)
الحرص على عدم تضييع الأوقات عند الاجتماع على الأكل
السؤال
إذا ترتبت مفسدة على الاجتماع، مثل: طلبة العلم إذا اجتمعوا للأكل ضاع الوقت في الطعام، وذلك مشاهد عند كثير منهم، أما إذا أكل كل واحد على انفراده أكل في وقت قصير ثم استغل وقته؟
الجواب
إذا قدم الطعام فعلى طالب العلم أن يأكل ويمشي، ولا يجلس معهم حتى يفرغوا، بل يستأذن ويقوم.(425/21)
حكم تكرار العمرة أكثر من مرة في اليوم الواحد
السؤال
هل يجوز للمسلم أن يؤدي أكثر من عمرة لنفسه متتالية، وكل مرة يحسب له عمرة؟
الجواب
العمرة المستحبة هي التي يأتي بها الإنسان من المواقيت، مثلاً: يخرج من المدينة ويذهب إلى مكة ويطوف ويسعى ويقصر ويتحلل من عمرته، ثم إذا تيسر له أن يأتي المدينة مرة أخرى فيأتي بعمرة، فهذا شيء مستحب، وأما قضية الترداد بين التنعيم وبين الكعبة، ويأتي في اليوم الواحد بعدة عمر خمس أو ست أو سبع أو ما إلى ذلك، فهذا ليس معروفاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما فعل هذا ولا أصحابه، وإنما أذن لـ عائشة لظرف خاص لها، فالإنسان ينبغي له أن يأتي بالعمرة المشروعة المستحبة التي فعلها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان يفعلها أصحابه، وهو أنهم يأتون مسافرين من أجل أن يأتوا بالعمرة، ولم يكونوا يترددون بين الكعبة والتنعيم، ويأتون في اليوم بعدة عمر؛ لأن هذا ليس من هديه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.(425/22)
حكم الهرولة للمرأة في السعي
السؤال
هل يجوز للمرأة أن تهرول في السعي مثل الرجل؟
الجواب
لا، المرأة لا تهرول لا في السعي ولا في غيره.(425/23)
حكم تأدية العمرة عن الحي
السؤال
هل يجوز أداء عمرة عن شخص حي؟
الجواب
إذا كان ذلك الحي هرماً كبيراً لا يستطيع السفر ولا الركوب فيمكن أن يعتمر عنه، أو كان مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه فيمكن أن يعتمر عنه، وأما إذا لم يكن لا هذا ولا هذا فإنه لا يعتمر عنه وهو حي.(425/24)
وجه كراهية سفيان للوضوء قبل الطعام وبيان قصده
السؤال
هل سبب كراهية سفيان للوضوء قبل الطعام بمعنى الوضوء الشرعي؟
الجواب
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الأكل لم يغسل يديه ولم يتوضأ، وإنما جاء وأكل ولم يفعل شيئاً من ذلك.(425/25)
وجه الإذن المذكور في آية النور بالأكل من بيوت الأقارب والأصدقاء
السؤال
الإذن بالأكل من بيوت المذكورين في الآية التي في آخر سورة النور هل هو مطلق وإن لم يأذنوا أم هو متوقف على إذنهم؟
الجواب
كما هو معلوم بالنسبة للأقارب وللآباء وللأمهات لهم أن يأكلوا من الطعام الموجود في بيت قريبهم، ولا حرج عليهم في ذلك، ولو لم يؤذن لهم.(425/26)
وجه عدم ذكر الأبناء في آية النور
السؤال
في آية النور لم يذكر بيوت الأبناء فلماذا؟
الجواب
قيل: إن المقصود ببيوتكم بيوت الأبناء، وهذا مثل ما جاء في الحديث: (أنت ومالك لأبيك)، فأكل الأب في بيت ابنه هو من الأكل في بيته.(425/27)
الفرق بين طعام المتباريين وغيره
السؤال
طعام المتباريين هل يدخل فيه ما يقع الآن عند الناس كأن يقوم شخص ويخبر بأمر ويقوم الآخر وينفيه، فيقول أحدهما: عليك وليمة، أو عليك حج إن كنت مخطئاً؟
الجواب
هذا ما يصلح، هذا غلط، وهذا ليس من التباري، التباري هو أن كل واحد يريد أن يسبق الآخر في الطعام، وأما هذا فهو شبيه بالقمار؛ لأنه يؤدي إلى أن الواحد يقدم على الشيء وهو كاره له، فهذا ليس من قبيل المتباريين.(425/28)
حكم الذهاب إلى وليمة العرس وفيها ضرب للدفوف عند الرجال
السؤال
إذا دعيت إلى وليمة عرس، وأنا متأكد بأن هناك ضرباً للدفوف عند الرجال، وهذا هو الغالب في وليمة العرس، فهل أجيب الدعوة أم لا؟
الجواب
إذا كنت ستنصح وسترشد فافعل وإلا فلا تحضر، فإذا كنت تعرف أن هذا سيوجد فلا تقدم عليه، ولو ذهبتَ وحصل ذلك بعد ذهابك فعليك أن تغادر ذلك المكان.(425/29)
شرح سنن أبي داود [426]
من الآداب الشرعية التي على المسلم التخلق بها أن يذكر الله عز وجل عند دخوله المنزل وعند خروجه، وأن يسمي الله عز وجل عند أكله وشربه، وأن يأكل بيمينه ويأكل مما يليه، وأن يجتنب الاتكاء عند الأكل.
كما أن عليه أن يأمر من له عليه ولاية بهذه الأخلاق والآداب العظيمة.(426/1)
التسمية على الطعام(426/2)
شرح حديث (إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التسمية على الطعام.
حدثنا يحيى بن خلف حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول (إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، فإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء)].
يقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب التسمية على الطعام] أي: ذكر اسم الله عليه، بأن يقول: باسم الله، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، وبعضهم قالوا: إنه يقول: باسم الله، وقوله: (سم الله)، يحتمل أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، أو باسم الله، لكن جاء في بعض الأحاديث توضيح ذلك وتفسيره بأنه يقول: باسم الله، كما سيأتي في بعض الأحاديث عند أبي داود، فإن قال: بسم الله الرحمن الرحيم فذلك صحيح، وإن قال: باسم الله فإن ذلك كاف، وهو الذي جاء في بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سيذكره المصنف.
أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أن الرجل إذا دخل بيته وذكر اسم الله فإن الشيطان يقول لأصحابه ولأتباعه: لا مبيت لكم، وإذا ذكر اسم الله عند طعامه بأن قال: باسم الله، فإن الشيطان يقول: لا مبيت لكم ولا عشاء، ومعلوم أن ذكر الله هنا المراد به التسمية بأن يقول: باسم الله عند الدخول، وباسم الله عند الأكل.
وإذا دخل ولم يذكر اسم الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يسم الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء.
وهذا يدلنا على أن التسمية عند الطعام مطلوبة، وأن الإنسان يسمي الله في أوله، فيقول: باسم الله، أو بسم الله الرحمن الرحيم، وذلك يطرد الشيطان، ولا يجعل الشيطان يشاركه في طعامه، حتى يكون في طعامه البركة والفائدة.(426/3)
تراجم رجال إسناد حديث (إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء)
قوله: [حدثنا يحيى بن خلف].
يحيى بن خلف صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[حدثنا أبو عاصم].
هو الضحاك بن مخلد النبيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني أبو الزبير].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما وهو صحابي جليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(426/4)
شرح حديث (إن الشيطان ليستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه)
قول المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن خيثمة عن أبي حذيفة عن حذيفة رضي الله عنه قال: (كنا إذا حضرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طعاماً لم يضع أحدنا يده حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنا حضرنا معه طعاماً فجاء أعرابي كأنما يدفع، فذهب ليضع يده في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم جاءت جارية كأنما تدفع، فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيدها، وقال: إن الشيطان ليستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه، وإنه جاء بهذا الأعرابي يستحل به فأخذت بيده، وجاء بهذه الجارية يستحل بها فأخذت بيدها، فوالذي نفسي بيده! إن يده لفي يدي مع أيديهما)].
أورد أبو داود هذا الحديث عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه، وفيه أن الصحابة إذا كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وحضر الطعام، فإنهم كانوا لا يمدون أيديهم إلا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يبدأ، وهذا يدلنا على أن البدء في الطعام يكون لأهل الفضل، فهم الذين يبدءون كما كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يبدأ، وكانوا لا يبدءون قبله، وإنما يأكلون بعده صلى الله عليه وسلم، وهذا من أدبهم مع النبي عليه الصلاة والسلام، فجاء أعرابي كأنه يدفع ومد يده، فالرسول صلى الله عليه وسلم قبض يده قبل أن يمس الطعام، ثم جاءت جارية صغيرة كأنها تدفع فمدت يدها إلى الطعام فمسك يدها، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: [(إن الشيطان ليستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه)] وقد سبق في الحديث أنه إذا لم يسم على الطعام يقول الشيطان لأصحابه: أدركتم العشاء، فهو يستحل الطعام إذا لم يسم الله عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم قبض يد الأعرابي والجارية وقال: [(فوالذي نفسي بيده! إن يده لفي يدي مع أيديهما)] أي: أن يد الشيطان مع أيديهما يريد أن يأكل بأكلهما؛ لأنهما لم يسميا الله عز وجل عليه، فبين عليه الصلاة والسلام أن ذكر الله عز وجل يكون في أول الطعام، وأن ذلك يطرد الشيطان، وأن الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله تعالى عليه، وأنه يدفع من يبادر إلى الأكل دون تسمية، ليجد الشيطان السبيل إلى أن يأكل معه، كما جاء في هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن يده مع أيديهما في يديه صلى الله عليه وسلم.
وهذا من الإيمان بالغيب، وعلى المسلم أن يصدق بكل ما يخبره به النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يكون إيمانه مبنياً على المشاهدة والمعاينة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الشيطان يده مع أيديهما، وأن الشيطان قد حضر وأنه يريد أن يشارك في الطعام، والناس لا يرون الشياطين ولا يرون الجن، والشياطين والجن يرون الناس كما قال الله عز وجل: {إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ و َقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27]، فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله وسلم من أمور الغيب، كحضور الملائكة والناس لا يشاهدونهم، وحضور الشياطين والناس لا يشاهدونهم.
إذاً: يجب على المؤمن التصديق والاستسلام والانقياد بكل ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أثنى الله على المتقين وجعل من أول صفاتهم أنهم يؤمنون بالغيب، كما قال عز وجل: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة:1 - 3].(426/5)
تراجم رجال إسناد حديث (إن الشيطان ليستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا أبو معاوية].
هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خيثمة].
هو خيثمة بن عبد الرحمن وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي حذيفة].
هو سلمة بن صهيب وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
وهنا كلمة أبي حذيفة تصحفت إلى (ابن حذيفة)؛ لأن كلمة أبي قريبة من ابن، ومن علوم الحديث معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأنه يحصل التصحيف بين ابن وأبي، فمن لا يعرف يظن أن ابناً مصحفة عن أبي، وأبي مصحفة عن ابن، مثل الأوزاعي أبو عمرو وعبد الرحمن بن عمرو ومثل هناد بن السري وهناد أبو السري، فإذا جاء هناد بن السري يكون صحيحاً، وإذا جاء هناد أبو السري يكون صحيحاً، والذي لا يعرف يظن أن ابناً تصحفت عن أبي، ويأتي التصحيف بين ابن وأبي كما هنا، وهو ليس ابن حذيفة بن اليمان، وإنما هو شخص آخر.
[عن حذيفة].
هو حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(426/6)
تعليم الصغير التسمية عند الأكل
في هذا الحديث على أن الصغير غير المكلف يعلّم أن يسمي الله على الأكل، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في حديث عمر بن أبي سلمة قال: (يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك)، فالصبيان يعلمون ويعرفون بالآداب الشرعية عند الطعام وغير ذلك.
كذلك الجارية التي أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديها، هي صغيرة وليست بجاريه كبيرة، وليس فيه دليل على لمس الرجل للمرأة الأجنبية، وإنما هي جارية صغيرة.(426/7)
شرح حديث (إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل باسم الله أوله وآخره)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل عن هشام -يعني ابن أبي عبد الله الدستوائي - عن بديل عن عبد الله بن عبيد عن امرأة منهم يقال لها: أم كلثوم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى، فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل: باسم الله أوله وآخره)].
أورد أبو داود حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى)] يعني: عند أكله وقبل البدء بالأكل يذكر اسم الله، فيقول: باسم الله، فان نسي فإنه يمكنه التدارك بأن يقول: باسم الله أوله وآخره، وهذا يدلنا على المحافظة على ذكر اسم الله حتى وإن نسي فإنه يمكن التدارك بأن يقول: باسم الله أوله وآخره.(426/8)
تراجم رجال إسناد حديث (إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل باسم الله أوله وآخره)
قوله: [حدثنا مؤمل بن هشام].
مؤمل بن هشام ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا إسماعيل].
هو إسماعيل بن إبراهيم بن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام يعني: ابن أبي عبد الله الدستوائي.
هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بديل].
هو بديل بن ميسرة وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن عبيد].
عبد الله بن عبيد وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن امرأة منهم يقال لها: أم كلثوم].
أم كلثوم وهي تابعية، والألباني صحح الحديث وقال: هي أم كلثوم الليثية، أخرج لها أبو داود والترمذي والنسائي في عمل يوم الليلة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة حديثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم.(426/9)
شرح حديث (ما زال الشيطان يأكل معه، فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني حدثنا عيسى -يعني ابن يونس - حدثنا جابر بن صبح حدثنا المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي عن عمه أمية بن مخشي رضي الله عنه وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالساً ورجل يأكل، فلم يسم حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة، فلما رفعها إلى فيه قال: باسم الله أوله وآخره، فضحك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: ما زال الشيطان يأكل معه، فلما ذكر اسم الله عز وجل استقاء ما في بطنه)].
أورد أبو داود حديث أمية بن مخشي رضي الله عنه: أن رجلاً كان يأكل طعاماً فلما لم يبق منه إلا لقمة واحدة سمى الله وقال: باسم الله أوله وآخره، وكان الشيطان يأكل معه فاستقاء الشيطان كل ما كان في بطنه مما أكله قبل ذلك.
وهذا الحديث في إسناده رجل مستور أي مجهول الحال وهو المثنى بن عبد الرحمن وأما كونه يقول في أثناء الأكل إذا تذكر: باسم الله أوله وآخره، فإنه دل عليه الذي قبل هذا، وأما ما يتعلق بكون الشيطان قاء ما في بطنه فقد جاء في هذا الحديث، وهذا الحديث فيه هذا الرجل المستور، فهو يعتبر شاهداً للحديث الأول فيما يتعلق بكونه يسمي الله عز وجل إذا نسي في الأول، ويكون موافقاً لذاك ومتفقاً معه.(426/10)
تراجم رجال إسناد حديث (ما زال الشيطان يأكل معه، فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه)
قوله: [حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني].
مؤمل بن الفضل الحراني صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا عيسى يعني ابن يونس].
هو عيسى ين يونس بن أبي إسحاق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا جابر بن صبح].
جابر بن الصبح وهو صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي].
المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي وهو مستور بمعنى مجهول الحال، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن عمه أمية بن مخشي].
أمية بن مخشي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي.
[قال أبو داود: جابر بن صبح جد سليمان بن حرب من قبل أمه].
يعني: جده من جهة أمه، وهذا بيان لهذه القرابة بينه وبين سليمان بن حرب، وسليمان بن حرب مشهور يروي عنه أبو داود كثيراً، وهو من رجال الكتب الستة، وهو يروي كثيراً عن حماد بن سلمة وحماد بن زيد، وإذا جاء حماد غير منسوب فالمراد به حماد بن زيد، ومثل هذا ابن أبي عاصم النبيل أحمد بن عمرو بن أبي عاصم فجده من جهة أبيه أبو عاصم النبيل وجده لأمه موسى بن إسماعيل التبوذكي وهو الذي يأتي ذكره كثيراً في رواية أبي داود، وابن أبي عاصم هو الإمام المعروف المشهور صاحب كتاب السنة والكتب المتعددة.(426/11)
الأسئلة(426/12)
حكم التسمية على الطعام
السؤال
ما حكم التسمية على الطعام؟
الجواب
الذي يظهر أن الأمر بها للوجوب؛ لأنه جاء أن الشيطان يشارك في الأكل، ومعلوم أن الإنسان مطلوب منه أن يبعد الشيطان عن مشاركته، وذلك بالتسمية عند الأكل، فهي تطرد الشيطان.(426/13)
لزوم التسمية عند الدخول إلى المنزل وعند الطعام على كل واحد
السؤال
التسمية على الطعام والتسمية عند الدخول إذا قالها واحد من أهل البيت أو من الجالسين هل يكفي؟
الجواب
ما يكفي، كل واحد يسمي إذا دخل، ما يقال: إن واحداً منهم يوكل إليه التسمية والباقين لا يفعلون، بل كل واحد منهم يعود نفسه أن يسمي، حتى إذا أكل وحده فإنه يكون ملتزماً بذلك ولا يكون معتمداً على غيره، ولا يبني على أن غيره يكفي، بل كل واحد يسمي، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم قال لربيبه عمر بن أبي سلمة: (يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك).(426/14)
ضرورة التسمية مع السلام عند الدخول إلى المنزل
السؤال
هل يكفي عند دخول البيت السلام أو يسلم ويسمي؟
الجواب
لا، بل كما جاء في هذا الحديث يسمي ويسلم.(426/15)
وجه قول الغزالي التسمية لكل لقمة
السؤال
ما ذكره الإمام الغزالي من التسمية لكل لقمة هل له أصل من السنة؟
الجواب
التسمية تكون في أول الأكل فقط، أما التسمية لكل لقمة فلا نعلم شيئاً يدل على هذا.(426/16)
حكم التسمية بعد الفراغ من الأكل لمن نسي أن يسمي الله عند الأكل
السؤال
إذا ذكر التسمية بعد الفراغ من الأكل هل له أن يقول: باسم الله أوله وآخره؟
الجواب
الذي يبدو أنه لا يقول التسمية بعد الانتهاء من الأكل؛ لأن التسمية تكون عند الأكل، والأكل قد انتهى، لكن يحمد الله.(426/17)
ما جاء في الأكل متكئاً(426/18)
شرح حديث (لا آكل متكئاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الأكل متكئاً.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن علي بن الأقمر قال: سمعت أبا جحيفة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم (لا آكل متكئاً)].
يقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الأكل متكئاً]، الاتكاء هو أن يتمايل الإنسان على أحد جانبيه وأحد شقيه، هذا يقال له: اتكاء، ومنه حديث أبي بكرة في قصة شهادة الزور: (وكان متكئاً فجلس) يعني: بدل ما كان متكئاً أو معتمداً على شي جلس، فهذا يفيد بأن الاتكاء يكون بالاعتماد على شيء، قالوا: وليس الاتكاء مقصوراً على التمايل عند الأكل، وإنما يكون أيضاً بالجلوس متربعاً، فهو من الاتكاء؛ لأن ذلك مدعاة لكثرة الأكل والتوسع فيه، وإنما يجلس الإنسان مستوفزاً، أو يجلس على رجله اليسرى وينصب الرجل اليمنى، بحيث لا يكون متكئاً متربعاً.
أورد أبو داود حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي رضي الله تعالى عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(لا آكل متكئاً)] وأمته تبع له، وقد قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] وكما أنه صلى الله عليه وسلم لا يأكل متكئاً، فكذلك على أمته ألا يأكلوا متكئين.(426/19)
تراجم رجال إسناد حديث (لا آكل متكئاً)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير].
هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان].
هو سفيان الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علي بن الأقمر].
علي بن الأقمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: سمعت أبا جحيفة].
هو وهب بن عبد الله السوائي رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وهذا من الأسانيد العالية عند أبي داود فهو من الرباعيات.(426/20)
شرح حديث (ما رئي رسول الله يأكل متكئاً قط ولا يطأ عقبه رجلان)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت البناني عن شعيب بن عبد الله بن عمرو عن أبيه رضي الله عنه أنه قال (ما رئي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأكل متكئاً قط ولا يطأ عقبه رجلان)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما رئي متكئاً قط، وهذا يوضح ما تقدم من قوله عن نفسه: (لا آكل متكئاً)، وهنا أخبر عنه أصحابه بأنهم لم يروه أكل متكئاً صلى الله عليه وسلم، ولا وطِئَ عقبه رجلان، بمعنى أنهم يمشون وراءه، وإنما كان يمشي وسطهم أو وراءهم صلى الله عليه وسلم؛ تواضعاً منه عليه الصلاة والسلام.(426/21)
تراجم رجال إسناد حديث (ما رئي رسول الله يأكل متكئاً قط ولا يطأ عقبه رجلان)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن سلمة بن دينار ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ثابت البناني].
هو ثابت بن أسلم البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعيب بن عبد الله بن عمرو].
هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وفي جزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
أبوه هو عبد الله بن عمرو والمقصود بأبيه جده، وقد صح سماعه من جده عبد الله بن عمرو كما سبق أن عرفنا في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأن المقصود بالجد هو عبد الله بن عمرو الذي هو جد شعيب، وكذلك هو جد عمرو بن شعيب؛ لأن جد أبيه جده، ويقال للجد: أب؛ لأن الجد هو من جملة الآباء، فقوله: عن أبيه المقصود عن جده.(426/22)
شرح حديث (بعثني النبي فرجعت إليه فوجدته يأكل تمراً وهو مقع)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا وكيع عن مصعب بن سليم قال: سمعت أنساً رضي الله عنه يقول: (بعثني النبي صلى الله عليه وسلم فرجعت إليه فوجدته يأكل تمراً وهو مقع)].
أورد أبو داود حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في حاجة فرجع إليه فوجده يأكل تمراً وهو مقع، يعني: أنه جلس على مقعدته وقد نصب قدميه، ولم يكن متربعاً، وإنما كان مقعياً متمكناً من الأرض، وقدماه على الأرض منصوبتان، هذا هو المقصود بالإقعاء هنا.(426/23)
تراجم رجال إسناد حديث (بعثني النبي فرجعت إليه فوجدته يأكل تمراً وهو مقع)
قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي].
إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا وكيع].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مصعب بن سليم].
مصعب بن سليم صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي.
[قال: سمعت أنساً].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث إسناده رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود.(426/24)
الأسئلة(426/25)
حقيقة الاتكاء المنهي عنه عند الأكل
السؤال
ما هو الإتكاء؟
الجواب
الاتكاء على أحد الجنبين أو التمكن من الجلوس على الأرض، وهو من جملة الاتكاء الذي ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله عند الأكل.(426/26)
صفة التربع المنهي عنه عند الأكل
السؤال
بالنسبة للتربع هل يشترط فيه أن يكون على فراش وثير، وإذا كان جالساً على بساط على الأرض فليس بتربع؟
الجواب
التربع هو هذه الجلسة التي يجلسها من يريد أن يستكثر من الطعام، لكن إذا كان على فراش وثير، فإنه يكون متمكناً ولا يحتاج إلى أن يتحرك ويتقلب، ولكن قد يكون متربعاً وإن لم يكن على فراش وثير، بحيث يتقلب ويتوسع في الأكل، فهذه الهيئة مدعاة للتوسع.(426/27)
حكم الاستناد إلى جدار أو كرسي عند الأكل
السؤال
هل يعد من الاتكاء الاستناد إلى جدار في حالة الأكل؟
الجواب
الذي يبدو أنه لا يعد من الاتكاء، يعني: كون الإنسان يكون مستنداً على جدار على ظهره، أو مستنداً على الكرسي، لا يعد ذلك من الاتكاء.(426/28)
حكم الاتكاء عند الشرب
السؤال
هل النهي عن الاتكاء حال الأكل يشمل الشرب؟
الجواب
الذي يبدو أنه كذلك، فالإنسان لا يشرب وهو متكئ، لا على جنبه ولا وهو متربع؛ لأن الذي يبدو أن الحكم واحد؛ لأنه يشتمل على الإكثار والتوسع، وهو أيضاً جلسة المتكبرين الذين عندهم كبرياء.(426/29)
ما جاء في الأكل من أعلى الصحفة(426/30)
شرح حديث (إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يأكل من أعلى الصحفة ولكن ليأكل من أسفلها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الأكل من أعلى الصحفة.
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يأكل من أعلى الصحفة، ولكن ليأكل من أسفلها؛ فإن البركة تنزل من أعلاها)].
يقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الأكل من أعلى الصحفة] الصحفة هي التي يكون فيها طعام، وغالباً يكون الطعام أعلاها في وسطها، ويكون فيه انسياب لجهة الأطراف، فالإنسان يأكل مما يليه ولا يأكل من وسط الصحفة.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: [(إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يأكل من أعلى الصحفة ولكن ليأكل من أسفلها)] يعني: أنه لا يمد يده إلى وسط الطعام ويأكل منه، وإنما يأكل مما يليه، كما قال عليه الصلاة والسلام لـ عمر بن أبي سلمة: (يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك).
قوله: [(فإن البركة تنزل من أعلاها)] يعني: الذي هو وسطها، فالإنسان يأكل شيئاً فشيئاً من أطرافها، فإن ذلك من أسباب البركة ومن أسباب النفع، وأما الأكل من الوسط فهو مخالف للأدب؛ لأن كون الإنسان تطيش يده وتتجاوز إلى مكان غير الذي يليه، يجعل الناس يشمئزون وينفرون منه.(426/31)
تراجم رجال إسناد حديث (إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يأكل من أعلى الصحفة ولكن ليأكل من أسفلها)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن السائب].
عطاء بن السائب وهو صدوق اختلط، وشعبة ممن سمع منه قبل الاختلاط فسماعه صحيح، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن.
[عن سعيد بن جبير].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(426/32)
حكم الأكل من وسط الصحفة عند اختلاف الطعام
إذا كان الطعام في الصحفة يختلف عما في حواليها، وليس نوعاً واحداً، مثل أن يكون في أعلى الصحفة لحم وفي الجوانب أرز؛ فهو يأكل من الأرز مما يليه ويأخذ من اللحم مما يليه.
أما إذا كان الطعام كله نوعاً واحداً، فإنه يأكل مما يليه.
وإذا كان الإناء كله لحم، فإنه يأكل مما يليه من اللحم، ووسطه يتركه.(426/33)
شرح حديث (كلوا من حواليها ودعوا ذروتها يبارك فيها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي حدثنا أبي حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن عرق حدثنا عبد الله بن بسر رضي الله عنهما قال: (كان للنبي صلى الله عليه وسلم قصعة يقال لها: الغراء، يحملها أربعة رجال، فلما أضحوا وسجدوا الضحى أتي بتلك القصعة، يعني وقد ثرد فيها، فالتفوا عليها، فلما كثروا جثا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أعرابي: ما هذه الجلسة؟! قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله جعلني عبداً كريماً، ولم يجعلني جباراً عنيداً، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا من حواليها ودعوا ذروتها يبارك فيها)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنهما، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان له قصعة، وكان يحملها أربعة رجال، وأنه أتي بها فالتف الناس حولها، ولما ازدحموا جثا الرسول صلى الله عليه وسلم على ركبتيه؛ حتى يوسع في المكان، فقال أحد الحاضرين: ما هذه الجلسة؟ يعني: كأنه يريد أنها جلسة لا تليق بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأنها جلسة ليست مناسبة في حقه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إن الله جعلني عبداً كريماً ولم يجعلني جباراً عنيداً)] يعني: هذا من تواضعه صلى الله عليه وسلم، حيث يكون على هذه الهيئة، فيجثو على ركبتيه، ويكون معتمداً على ركبتيه؛ لأن هذا يكون أسهل وأخف وأوسع للحاضرين، بحيث لا يضيق المكان عليهم.
وقوله: [(كلوا من حواليها ودعوا ذروتها يبارك فيها)] هذا مثل حديث ابن عباس المتقدم.
قوله: [(سجدوا الضحى)] يعني: صلوا الضحى، والصلاة يقال لها: سجود، ويقال للركعة: سجدة، من باب تسمية الشيء باسم بعضه.(426/34)
تراجم رجال إسناد حديث (كلوا من حواليها ودعوا ذروتها يبارك فيها)
قوله: [حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي].
هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا أبي].
هو عثمان بن سعيد الحمصي وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن عرق].
محمد بن عبد الرحمن بن عرق وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا عبد الله بن بسر].
عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنهما وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ورجال الإسناد عمرو بن عثمان عن أبيه عن محمد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن بسر، وهذا إسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود.(426/35)
الأسئلة(426/36)
حكم أكل المنفرد من وسط الصحفة أو أعلاها
السؤال
إذا كان الشخص يأكل لوحده فهل له أن يأكل من وسط الصحفة أو أعلاها؟
الجواب
الذي ينبغي له أن يأكل مما يليه، ويكون معوداً نفسه على ذلك حتى تكون هيئته باستمرار على هذه الطريقة؛ ولأنه قد يأتي أحد يريد أن يأكل من الطعام فتكون الجهة التي لا تليه لم يمسها أحد، فيأكل منها غيره وهو مطمئن.(426/37)
وجه الجمع بين الأحاديث التي تذكر أن البركة في وسط الطعام وآخر الطعام
السؤال
ما هو الجمع بين الأحاديث التي تذكر أن البركة في وسط الطعام وآخر الطعام؟ الشيخ: لا تنافي بينها؛ لأن آخر ما يؤكل من الطعام هو الذي في الوسط، وهو يعتبر آخره.(426/38)
حكم تسمية الأواني
السؤال
هل من السنة تسمية الأواني كما ورد أن قصعة النبي صلى الله عليه وسلم تسمى الغراء؟
الجواب
يمكن تسمية الأواني بأسماء، وليس هناك مانع، لكن لا يقال: إن ذلك من السنة.(426/39)
حكم الأكل مما يلي الآخرين إذا تنوع الطعام في الإناء الواحد
السؤال
الفاكهة تتنوع في الإناء الواحد فهل له أن يختار من غير الذي يليه؟
الجواب
إذا كانت كل قطعة على حدة، والجهة التي تليه فيها ما في الجهة الثانية، فإنه يأخذ منها، لكن لو كانت كل قطعة مستقلة فله أن يأخذ مما يلي غيره، والذي ينبغي للإنسان المسلم أن يعود نفسه أن يأكل مما يليه ولو كان ذلك فاكهة، أما من يأكل مما يليه حتى ينتهي منه ثم يأكل من أمام الآخرين فهذا لا يليق، لكن لو أنهم وضعوا الفاكهة في صحن واحد وجعلوا كل نوع في جهة، فإن له أن يأخذ من الجهات الأخرى، أما إذا كانت مختلطة فالذي يليه أنواع، كما أن الذي يلي غيره أنواع.(426/40)
ما جاء في الجلوس على مائدة عليها بعض ما يكره(426/41)
شرح حديث (نهى رسول الله عن مطعمين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الجلوس على مائدة عليها بعض ما يكره.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن مطعمين: عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، وأن يأكل الرجل وهو منبطح على بطنه)].
[باب ما جاء في الجلوس على مائدة عليها بعض ما يكره] أي: أنه لا يجلس على مائدة مشتملة على محرم، فلا يحضرها ولا يشارك فيها.
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: [(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مطعمين: عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، وأن يأكل الرجل وهو منبطح على بطنه)].
هاتان الهيئتان غير سائغتين، يعني: كون الإنسان يأكل وهو منبطح غير سائغ، وكونه يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر غير سائغ، فلا يجوز لا هذا ولا هذا، ومحل الشاهد من الترجمة قوله: [(نهى عن مطعمين: عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر)] وأما كون الإنسان يأكل وحده وهو منبطح وليس عنده أحد فهذه الهيئة غير صحيحة، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنها وعابها كما جاء في هذا الحديث.(426/42)
تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله عن مطعمين)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
مر ذكره.
[حدثنا كثير بن هشام].
كثير بن هشام ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن جعفر بن برقان].
جعفر بن برقان وهو صدوق يهم في روايته عن الزهري، وهذا من حديث الزهري، وجاء في الرواية التي بعدها أنه قال: بلغني عن الزهري، وهذا يفيد أن هناك واسطة بينهما وأنه لم يسمع منه، وقد أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم].
هو سالم بن عبد الله بن عمر وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] هو عبد الله بن عمر وقد مر ذكره.
وهذا الحديث فيه جعفر بن برقان المتكلم في روايته عن الزهري، لكن الحديث له شواهد تدل عليه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس في مائدة يدار فيها الخمر).
[قال أبو داود: هذا الحديث لم يسمعه جعفر من الزهري وهو منكر].
لأنه قال: بلغني كما سيأتي الآن.(426/43)
طريق أخرى لحديث (نهى رسول الله عن مطعمين) وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا أبي حدثنا جعفر أنه بلغه عن الزهري بهذا الحديث].
قوله: [حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء].
هارون بن زيد بن أبي الزرقاء صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا أبي].
أبوه ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا جعفر أنه بلغه عن الزهري].
قد مر ذكرهما.(426/44)
الأسئلة(426/45)
مراد أبي داود من قوله في الترجمة (عليها بعض ما يكره)
السؤال
قال في الترجمة: عليها بعض ما يكره، فهل مراد أبي داود من الكراهة التحريم؟
الجواب
نعم، فالخمر محرمة وليست مكروهة.(426/46)
حكم الأكل في المطعم الذي يبيع أصحابه فيه الخمر
السؤال
هل يجوز الأكل في مطعم يبيع أصحابه الخمر، ولكن ليس على الطاولة المأكول عليها خمر؟
الجواب
لا ينبغي للمسلم أن يأكل في هذا المطعم الذي يباع فيه الخمر، ولو كان ليس على الطاولة التي عليها طعامه، وإنما عليه أنه يأخذ الطعام ويذهب به إلى مسكنه ويأكله، بدلاً من الجلوس مع هؤلاء الذي يشربون الخمر، وهذا إذا لم يجد غيره، فيأخذ ما أحل الله ويترك ما حرم الله.(426/47)
حكم الأكل حال الانبطاح على البطن
السؤال
ذكرتم أن التحسين لحديث: (نهى رسول الله عن مطعمين: عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر) لأجل الشواهد للقسم الأول، فهل هناك شاهد للقسم الثاني للحديث وهو: (وأن يأكل الرجل وهو منبطح على بطنه)؟
الجواب
ما أذكر، ولكن كما هو معلوم أن هذه الهيئة كريهة وليست مستساغة، يعني: كون الإنسان يأكل وهو منبطح غير مستساغ، اللهم إلا إذا كان هناك حاجة، وقد جاء أن النوم على البطن منهي عنه.(426/48)
حكم الأكل باليمين(426/49)
شرح حديث (إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأكل باليمين.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان عن الزهري أخبرني أبو بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن جده ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله)].
يقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأكل باليمين] يعني: على الإنسان عندما يأكل أن يأكل بيمينه ولا يأكل بشماله.
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله)] يعني: لا يكون المسلم مشابهاً للشيطان، وإنما يكون على هيئة بعيدة عن مشابهة الشيطان.
وهذا يدلنا على وجوب الأكل باليمين، وقد جاء فيه أحاديث، ومنها الحديث الذي صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أن رجلاً كان يأكل بشماله فقال: (كل بيمينك قال: لا أستطيع، فقال: لا استطعت، ما منعه إلا الكبر، فما رفع يده إلى فيه بعد) أي: أن الرسول دعا عليه؛ لأنه فعل ذلك على سبيل الاستكبار، ولهذا قال: (لا استطعت، ما منعه إلا الكبر، فما رفع يده إلى فيه).
والحديث يدل على أن على المسلم أن يأخذ بيمينه ويعطي بيمينه، ويدل على أن الشيطان له يمين وشمال، وعلى أنه يأكل ويشرب.(426/50)
تراجم رجال إسناد حديث (إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان].
هو سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
الزهري مر ذكره.
[أخبرني أبو بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر].
أبو بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن جده ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر وقد مر ذكره.(426/51)
شرح حديث (ادن بني فسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سليمان لوين عن سليمان بن بلال عن أبي وجزة عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ادن بني فسم الله، وكل بيمينك، وكل مما يلي)].
أورد أبو داود حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: [(ادن بني فسم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك)] يعني: أمره بثلاثة أمور: أن يسمي الله عند الأكل، وأن يكون أكله باليمين، وأن يكون أكله مما يليه، فهذه آداب ثلاثة أرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ربيبه عمر بن أبي سلمة رضي الله تعالى عن الجميع.
قوله: [(ادن يا بني)] هذا يدل على أن الإنسان له أن يقول لغيره ممن هو دونه: يا بني وإن لم يكن ابنه، وهذا من اللطف ومن الرحمة والشفقة، كما أن الصغير يحترم الكبير ويقول له: يا عم، وإن لم يكن عمه من النسب، كما جاء ذلك في أحاديث، منها: حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه في قصة غزوة بدر، فإنهم لما صفوا قال: كان عن يميني شاب من الأنصار وعن يساري شاب من الأنصار، فغمزني الذي على يميني وقال: يا عم! أتعرف أبا جهل؟ وعبد الرحمن بن عوف من المهاجرين وهذا الشاب من الأنصار فقال: أتعرف أبا جهل؟ فقلت: ماذا تريد منه؟ قال: إنه يسب النبي صلى الله عليه وسلم، فلأن رأيته فلن يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا! يعني: إذا رأيته لا أفارقه حتى يموت الأول منا إما أنا وإما هو، فمحل الشاهد أنه قال: يا عم.(426/52)
تراجم رجال إسناد حديث (ادن بني فسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك)
قوله: [حدثنا محمد بن سليمان لوين].
محمد بن سليمان لوين، لوين لقب لـ محمد بن سليمان وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن سليمان بن بلال].
سليمان بن بلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي وجزة].
هو يزيد بن عبيد ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن عمر بن أبي سلمة].
عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذا من أعلى أسانيد أبي داود؛ لأنه رباعي.(426/53)
الأسئلة(426/54)
حكم الأكل والشرب باليدين
السؤال
ما حكم الأكل والشرب باليدين؟
الجواب
إذا كان الشيء يحتاج إلى مسكه باليدين من أجل التمكن، أو لأنه كبير فلا بأس، والمهم أن تكون اليمين موجودة، ولا تكون الشمال وحدها.(426/55)
حال حديث (والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) ومعناه
السؤال
حديث: (والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) هل هو صحيح أو ليس بصحيح؟ وهل هناك وقت محدد يحتاجه المقيم للصبر على شظف العيش بها؟
الجواب
هذا الحديث ثابت في الصحيحين أو في أحدهما: (والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) يعني: من صبر على لأوائها وشدتها، بحيث يستمر المسلم في البقاء فيها، ولو حصل له ما حصل من الشدة، فإن ذلك محمود العاقبة.(426/56)
حكم الخروج من المدينة لمن يعمل بها
السؤال
هل يأثم من خرج من المدينة النبوية لعدم اتفاقه مع صاحب العمل؟
الجواب
الإنسان له أن يخرج من المدينة، إذا كان خروجه منها فيه مصلحة وفيه فائدة، ولكن لا يخرج رغبة عنها، وإنما يكون خروجه لمصلحته ولفائدته، ولا بأس بذلك.(426/57)
شرح سنن أبي داود [427]
من الآداب التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم آداب أكل اللحم، وما يحل من اللحم وما يحرم، وجاء عنه أنه كان يعجبه الثريد والدباء والتعرق في أكل اللحم، ونهى عن لحوم الجلالة وألبانها والركوب عليها.(427/1)
ما جاء في أكل اللحم(427/2)
شرح حديث (لا تقطعوا اللحم بالسكين فإنه من صنيع الأعاجم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أكل اللحم.
حدثنا سعيد بن منصور حدثنا أبو معشر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقطعوا اللحم بالسكين؛ فإنه من صنيع الأعاجم، وانهسوه فإنه أهنأ وأمرأ).
قال أبو داود: وليس هو بالقوي.
] يقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أكل اللحم] هذه التراجم التي مرت في كتاب الأطعمة هي من آداب الطعام، وابتداءً من هذا الباب فهو يتعلق بموضوع أصل الكتاب الذي هو كتاب الأطعمة.
وبدأ باللحم؛ لأن اللحم له تميزه في الأطعمة؛ ولأن الأطعمة في الغالب إنما يراد بها الذبائح، بخلاف الأشياء التي هي من الحبوب والزروع وما إلى ذلك، فهذه وإن كانت من الأطعمة، إلا أن التي لها أحكاماً تخصها هي الذبائح واللحم.
ولهذا جاء في القرآن إحلال طعام أهل الكتاب لنا؛ والمقصود من ذلك الذبائح، فليس المقصود من ذلك الحبوب؛ لأن تلك لا إشكال فيها وهي تحل من كل من جاءت منه، حتى من المجوس ومن عبدة الأوثان؛ لأنه لا تعلق فيها بذكر الله عز وجل، الذي هو مطلوب في الذبائح.
أورد أبو داود حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها: [(لا تقطعوا اللحم بالسكين، فإنه من صنيع الأعاجم، وانهسوه فإنه أهنأ وأمرأ)] النهس: هو الأخذ والقطع بأطراف الأسنان.
والحديث ضعيف؛ لأنه من رواية أبي معشر نجيح المدني وهو ضعيف، وقد جاء الحديث في جواز قطع اللحم بالسكين، كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام (أنه كان يحتز اللحم بالسكين) يعني: كان يقطعه بالسكين، ومعلوم أن السكين إذا احتيج إليها لكون اللحم ليس بنضيج، وكونه نيئاً لم يستو تماماً، وكان قطعه باليد فيه صعوبة، فإنه يقطع بالسكين، وكذلك إذا كان حاراً والأيدي يصعب عليها أن تمسه وهو شديد الحرارة، فإنه أيضاً يقطع بالسكين.
فالحاصل أن قطعه بالسكين للحاجة إليه لا بأس به، وقد جاءت السنة بذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأما هذا الحديث الذي فيه النهي عن قطع اللحم بالسكين، فإنه حديث ضعيف غير ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام.(427/3)
تراجم رجال إسناد حديث (لا تقطعوا اللحم بالسكين فإنه من صنيع الأعاجم)
قوله: [حدثنا سعيد بن منصور] سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو معشر].
هو نجيح المدني وهو ضعيف، أخرج له أصحاب السنن.
[عن هشام بن عروة] وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي أم المؤمنين عائشة خالته رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو داود: وليس هو بالقوي] يعني: الحديث ليس بالقوي، وهو ضعيف.(427/4)
شرح حديث (كنت آكل مع النبي فآخذ اللحم بيدي من العظم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عيسى حدثنا ابن علية عن عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الرحمن بن معاوية عن عثمان بن أبي سليمان عن صفوان بن أمية رضي الله عنه قال: (كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فآخذ اللحم بيدي من العظم، فقال: أدن العظم من فيك فإنه أهنأ وأمرأ).
قال أبو داود عثمان لم يسمع من صفوان، وهو مرسل].
أورد أبو داود حديث صفوان بن أمية رضي الله عنه قال: [(كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فآخذ اللحم بيدي من العظم)] يعني: أنه كان يستخرج اللحم الذي على العظم بيده، ثم يضعه في فمه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أن ينهس أو يأخذ اللحم الذي على العظم بأسنانه، ومعلوم أن هذا فيما إذا كان اللحم الذي على العظم قليل، وكان سيستنفذه ويأكله، وليس معنى ذلك أنه ينهسه ثم يتركه، وإنما يأخذ منه على قدر ما يستفيد منه، ولا يأخذ شيئاً أكثر من حاجته ثم يلقيه فلا يستفاد منه؛ لأنه إذا استعمله بفيه ونهس منه استقذره الناس.
قوله: [(أدن العظم من فيك فإنه أهنأ وأمرأ)] يعني: قرب العظم من فيك وانهس اللحم الذي عليه، والنهس: هو الأخذ بأطراف الأسنان، بخلاف النهش، فإنه التمكن بالأسنان.
قوله: [(فإنه أهنأ)] يعني: هنيئاً.
قوله: [(وأمرأ)] يعني: أنه سائغ محمود العاقبة.(427/5)
تراجم رجال إسناد حديث (كنت آكل مع النبي فآخذ اللحم بيدي من العظم)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى] هو محمد بن عيسى الطباع ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ابن علية] هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـ ابن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن إسحاق] عبد الرحمن بن إسحاق وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الرحمن بن معاوية].
عبد الرحمن بن معاوية وهو صدوق سيئ الحفظ، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن عثمان بن أبي سليمان] عثمان بن أبي سليمان ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل، والنسائي وابن ماجة.
[عن صفوان بن أمية] صفوان بن أمية رضي الله عنه، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.(427/6)
معنى قول أبي داود (عثمان لم يسمع من صفوان وهو مرسل)
[قال أبو داود: عثمان لم يسمع من صفوان وهو مرسل.
] وقوله هنا: (وهو مرسل)، هذا في المعنى العام للمرسل.
فرواية الراوي عمن عاصره ولم يسمع منه هو المرسل الخفي.
والمرسل المشهور عند المحدثين: ما قال فيه التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.
وهذا الذي معنا من كون عثمان لم يسمع من صفوان هو من قبيل الانقطاع وعدم الاتصال، والإرسال بهذا المعنى يأتي في جميع طبقات الإسناد، وهذا هو المرسل بالمعنى العام الذي هو الانقطاع، ولهذا قال: يرسل عن فلان، أو أرسل عن فلان، وليس المقصود أنه أضاف الحديث للرسول عليه الصلاة والسلام.
وما فيه من كون الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى النهس، هذا جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يعجبه أن ينهس اللحم الذي على العظم، وكان يفعل ذلك صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.(427/7)
شرح حديث (كان أحب العراق إلى رسول الله عراق الشاة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا أبو داود عن زهير عن أبي إسحاق عن سعد بن عياض عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كان أحب العُرَاق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عُرَاقُ الشاة)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود: [(كان أحب العراق إلى رسول الله عراق الشاة)] والعراق قيل: إنه جمع عرق، والعرق: هو العظم الذي عليه بقية لحم.
وقد كان عليه الصلاة والسلام يأخذ ذراع الشاة وعليه بعض اللحم فيأكل منه، ومعلوم أن أخذه عليه الصلاة والسلام إنما هو للشيء الذي يحتاج إليه، فالذي ينبغي أن يأخذ الآكل من العظم على قدر حاجته، لا أن يأخذ قطعة كبيرة ويأكل منها قليلاً ثم ينزك ما بقي منها ويلقيه.
إذاً: فالحديث الذي مر والذي فيه إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه ينهس من اللحم الذي على العظم، يشهد له حديث ابن مسعود هذا الذي معنا، والذي فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان أحب العراق إليه عراق الشاة، أي: العظم الذي عليه بقية اللحم.
والعراق هو العظم الذي عليه بقية اللحم، وقد جاء في الحديث: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ثم قال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)، يعني: لو يعلم المنافق أن في المسجد لحماً يوزع أو يؤكل ولو كان ذلك اللحم يسيراً؛ لجاء إلى العشاء من أجل أن يحصل على ذلك اللحم؛ لأنه يريد الدنيا ولا يريد الآخرة.(427/8)
تراجم رجال إسناد حديث (كان أحب العراق إلى رسول الله عراق الشاة)
قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله].
هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا أبو داود].
هو سليمان بن داود الطيالسي ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن زهير].
هو زهير بن معاوية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد بن عياض].
سعد بن عياض صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي.
[عن عبد الله بن مسعود].
هو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وسماع زهير من أبي إسحاق فيه نظر، لكن هذا الحديث والحديث الذي قبله كل واحد منهما شاهد للآخر.
والمتابعات تكون إذا كان الصحابي واحداً، والشواهد إذا كان الصحابي مختلفاً.
إذاً: هذا من الشواهد؛ لأن الاتفاق نسبي، أي أن الاختلاف في أوله، أما الباقي فكله متفق عليه، ومعلوم أن الكلام الذي فيه إنما هو في كونه قال فيه: وهو مرسل.(427/9)
شرح حديث (كان النبي يعجبه الذراع وسم في الذراع) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو داود بهذا الإسناد قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الذراع قال: وسم في الذراع، وكان يرى أن اليهود هم سموه)] أورد أبو داود حديث ابن مسعود من طريق أخرى وفيه ذكر الذراع، والذراع هو الذي يكون فوق الأكارع، وهو الذي عليه لحم كثير، بخلاف الكراع فإنه ليس عليه شيء من اللحم.
قوله: [(كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الذراع قال: وسم في الذراع)] يعني: أن السم وضع له في الذراع؛ لأنها كانت تعجبه، فوضعوه في الشيء الذي يعجبه.
قوله: [(وكان يرى أن اليهود هم سموه)] يعني: أن اليهود هم الذين سموه.
قوله: [حدثنا محمد بن بشار] محمد بن بشار الملقب بـ بندار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
قوله: [حدثنا أبو داود بهذا الإسناد] أبو داود مر ذكره(427/10)
الأسئلة(427/11)
الاقتداء بالرسول بفعل المحبوب إليه طلباً للأجر والثواب
السؤال
هل هذا الحب شرعي يسن الاقتداء به، كما في حديث: (كان أحب اللباس إليه القميص) وهل يثاب على هذا الفعل؟
الجواب
لا شك أن ما كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يكون محبوباً للمسلم، كما جاء عن أنس أنه قال: (فما أحببت الدباء إلا يومئذٍ) أي: لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحب الدباء ويحرص عليه، فأحبها أنس وكان يحرص عليها، ولا شك أن المرء يثاب على ذلك، ولكل امرئ ما نوى.(427/12)
حكم النهس من العظم الذي عليه اللحم
السؤال
هل يقال إن النهس سنة، وإن كان مستقبحاً في بعض الجهات والأعراف؟
الجواب
ليس هناك خير وأفضل من نبينا محمد عليه الصلاة والسلام الذي كان هذا فعله وهذا إرشاده، فقد نهس بنفسه وأرشد غيره إلى ذلك، ومعلوم أن الخير كل الخير في السير على منواله، ومعلوم أن أخذ اللحم من العظم الذي عليه شيء قليل منه لا بأس به إذا اختص به الآكل، أما لو أن إنساناً أخذ عظماً كثير اللحم ونهس منه قليلاً ثم ترك باقيه، فإن النفوس لا تقبله، وإن رماه في الأرض أتلفه على الناس، لكن يأخذ اللحم الخفيف الذي على العظم، بحيث يستوعبه الإنسان ويستنفده، وقد كان شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه يحرص على أن ينهس من العظم.(427/13)
رواية النهس من صحيح مسلم
السؤال
جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعت إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة) فهل يعتبر هذا شاهداً لما تقدم من ذكر النهس؟
الجواب
هو نفس القصة هذه، التي حصل فيها السم، فهو عندما نهس من الذراع نهسة تكلم الذراع وأخبره بأنه مسموم.(427/14)
ما جاء في أكل الدباء(427/15)
شرح حديث أنس (فرأيت رسول الله يتتبع الدباء من حوالي الصحفة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أكل الدباء.
حدثنا القعنبي عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (إن خياطاً دعا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لطعام صنعه، قال أنس: فذهبت مع رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى ذلك الطعام، فقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزاً مع شعير، ومرقاً فيه دباء وقديد، قال أنس: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتتبع الدباء من حوالي الصحفة، فلم أزل أحب الدباء بعد يومئذٍ).
] يقول المصنف رحمه الله: [باب في أكل الدباء] والدباء هو القرع، وقد مر بنا قريباً الأوعية التي كان ينتبذ بها، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء، وعرفنا فيما مضى أنهم كانوا ينقرون النخل ويستخرجون اللب الذي في وسطه، ثم ينبذون فيه الأنبذة.
فالدباء هو القرع، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحبه، وقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه خياط لطعام صنعه له، فذهب معه أنس.
وذهاب أنس مع النبي صلى الله عليه وسلم إما لكونه كان خادمه، أو لكونه تابعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، وصاحب الطعام يعجبه أن يحضر النبي صلى الله عليه وسلم ومن يحضر معه.
فقدم لهم خبزاً من شعير ومرقاً فيه دباء وقديد، وكان عليه الصلاة والسلام يتطلب الدباء من جوانب الصحفة، أي: من الجهة التي تليه، فلما رآه أنس يأخذ من اليمين والشمال في الجهة التي تليه من الجوانب علم بأنه يعجبه.
وقد جاء عند البخاري وفيه زيادة: (فجعلت ألقيه إلى جانبه) يعني: أن أنساً كان يأخذ الدباء ويلقيه في جانب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ من جوانب الصحفة، فعلم بأنه يعجبه.
قوله: [(فلم أزل أحب الدباء بعد يومئذ)] يعني: أنه عندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الدباء صار يعجبه هو أيضاً.
والقديد هو اللحم الذي قد جعل عليه ملح، ويبس في الشمس وادخر؛ لأنهم كانوا يدخرون اللحوم بهذه الطريقة.
والقد هو القطع بالطول حتى يصير مثل الحبل، ثم ينشرونه على الحبال حتى ييبس، وإذا صار يابساً جمعوه في كيس، ثم يستخرجون منه عند الحاجة، فيطبخونه ويأكلونه.(427/16)
تراجم رجال إسناد حديث أنس (فرأيت رسول الله يتتبع الدباء من حوالي الصحفة)
قوله: [حدثنا القعنبي] هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك] هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، محدث فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة] إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة هو ابن أخي أنس بن مالك لأمه؛ لأن عبد الله بن أبي طلحة أخو أنس بن مالك لأمه، فـ أنس عم لـ إسحاق من جهة الأم؛ لأن أبا طلحة تزوج أم سليم، وأتت له بأولاد ومنهم عبد الله، ومن أولاد عبد الله إسحاق.
فإذاً أنس هو عمه لأمه، فهو يروي عن عمه لأمه أنس بن مالك رضي الله عنه.
وإسحاق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أنه سمع أنس بن مالك] أنس بن مالك رضي الله عنه الصحابي الجليل، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عنده أبي داود.(427/17)
الأسئلة(427/18)
عدم الفرق بين القرع والدباء
السؤال
هل هناك فرق بين القرع والدباء؟
الجواب
ما أعلم فرقاً بينهما؛ لأن الدباء أنواع وليس نوعاً واحداً، ويقال له: اليقطين، كما في قوله تعالى: {وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} [الصافات:146] فاليقطين من فئة الدباء والقرع.
وكل نوع من الدباء يقال له قرع، لكنه ليس على هيئة واحدة وعلى شكل واحد.(427/19)
حكم ذهاب المرء مع مدعو إلى الطعام
السؤال
يقول أنس (إن خياطاً دعا الرسول صلى الله عليه وسلم لطعام صبغة فذهبت معه) فما حكم الذهاب مع المدعو إلى الطعام؟
الجواب
إذا كان صاحب الطعام يفرح بمجيئه فإنه لا بأس بذلك، وإلا فإنه يستأذن كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض المناسبات، فإنه استأذن لبعض من كان معه ممن لم يُدْعَ.(427/20)
وجه أكل النبي صلى الله عليه وسلم من حوالي الصحفة كما في حديث تتبعه للدباء
السؤال
هل فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيه دليل على الأكل من جوانب الصحفة، إذا أعجبه شيء منه؟
الجواب
قوله: (من حوالي الصحفة) يعني: الجوانب التي تليه؛ وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لأن عددهم قليل، وليس هناك أحد مشارك غير أنس، ولا ندري هل أكل صاحب الطعام معهما أم لا؟ لكن إذا كان المدعوون قليلين وأخذ من الجوانب التي تليه فلا بأس، وأما إن كانوا كثيرين ومتراصين، فكل يأخذ من جهته ولا يتعدى إلى جهة غيره.(427/21)
ما جاء في أكل الثريد(427/22)
شرح حديث (كان أحب الطعام إلى رسول الله الثريد من الخبز والثريد من الحيس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: (باب في أكل الثريد.
حدثنا محمد بن حسان السمتي حدثنا المبارك بن سعيد عن عمر بن سعيد عن رجل من أهل البصرة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الثريد من الخبز، والثريد من الحيس).
قال أبو داود: وهو ضعيف].
أورد أبو داود هذا الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: [(كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الثريد من الخبز، والثريد من الحيس)].
والثريد هو اللحم مع الخبز، أي: أن الخبز يفت حتى يكون قطعاً صغيرة، ثم يطبخ ويكون معه اللحم، فهذا هو الثريد الذي هو من خير الأطعمة.
والحديث الذي أورده أبو داود هنا ضعيف، ولكنه قد جاء ما يدل على تفضيل الثريد على غيره، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) وهذا يدل على تفضيله وعلى تميزه على غيره.(427/23)
تراجم رجال إسناد حديث (كان أحب الطعام إلى رسول الله الثريد من الخبز والثريد من الحيس)
قوله: [حدثنا محمد بن حسان السمتي] محمد بن حسان السمتي هو صدوق لين الحديث، وحديثه أخرجه أبو داود.
[حدثنا المبارك بن سعيد].
هو المبارك بن سعيد بن مسروق الثوري وهو صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن عمر بن سعيد] عمر بن سعيد وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن رجل من أهل البصرة عن عكرمة] الرجل الذي من أهل البصرة مبهم.
وعكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(427/24)
ما جاء في كراهية التقذر للطعام(427/25)
شرح حديث (لا يتحلجن في صدرك شيء ضارعت فيه النصرانية)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كراهية التقذر للطعام.
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا سماك بن حرب حدثني قبيصة بن هلب عن أبيه رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسأله رجل فقال: إن من الطعام طعاماً أتحرج منه فقال: لا يتحلجنَّ في صدرك شيء ضارعت فيه النصرانية)] قال المصنف رحمه الله: [باب في كراهية التقذر للطعام] يعني: كون المرء يقذر بعض الأطعمة أو يتقذر منها أو يتحرج منها، وهي مما أحل الله، وذلك إذا كانت النفس لا تعافها، أما إذا كانت النفس تعاف ذلك، فقد قال عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286]، فلا يلزم الإنسان يأكل الشيء الذي يكرهه ولا تميل إليه نفسه؛ لأن من الناس من إذا أكل شيئاً لا تريده نفسه يتقيأ؛ لأنه لا يرتاح له، فليس كل طعام تشتهيه النفوس وترغب فيه؛ لأن النفوس متفاوتة، وقد مر بنا وكذلك سيأتي أن الرسول صلى الله عليه وسلم عافت نفسه أكل الضب، وأكله خالد بن الوليد رضي الله عنه بين يديه؛ لكن الذي أورده أبو داود ليس من قبيل أن النفس تعافه، أو لا تقبله.
أورد أبو داود حديث هلب الطائي رضي الله عنه قال: [(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأله رجل فقال: إن من الطعام طعاماً أتحرج منه)] يعني: كونه من المباح والحلال.
فقال: [(لا يتحلجن في صدرك شيء ضارعت فيه النصرانية)] يعني: لا يكون في نفسك ضيق أو حرج منه؛ لأنك إن فعلت ذلك ضارعت فيه النصرانية وشابهتهم وما ثلتهم في تشددهم وفي تعنتهم، وكما قال الله عز وجل: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} [الحديد:27].(427/26)
تراجم رجال إسناد حديث (لا يتحلجن في صدرك شيء ضارعت فيه النصرانية)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي] عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا زهير حدثنا سماك بن حرب] سماك بن حرب صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثني قبيصة بن هلب] وهو مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبيه].
هلب رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.(427/27)
النهي عن أكل الجلالة وألبانها(427/28)
شرح حديث (نهى رسول الله عن أكل الجلالة وألبانها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن أكل الجلالة وألبانها.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبدة عن محمد بن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أكل الجلالة وألبانها).
] يقول المصنف رحمه الله: [باب النهي عن أكل الجلالة وألبانها] الجلالة هي الدابة مباحة اللحم، وهي التي تأكل العذرة، والعذرة هي النجاسات، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن أكلها وعن ألبانها، ولكنها تحبس وتعلف علفاً طيباً، وإذا طاب لحمها فإنها تؤكل.
أورد أبو داود حديث ابن عمر: [(نهى رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها)] وذلك لأنها أكلت النجاسة، ويكون فيها هذا القذر، وهذا فيما إذا كان أكثر طعامها ذلك الشيء، وأما إذا كان طعامها طيباً، ولكنه حصل أن أكلت شيئاً قذراً، وهو شيء قليل مغمور في ذلك الطعام الطيب، فإن ذلك لا يؤثر، ولا يقال لها: جلالة.(427/29)
تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله عن أكل الجلّالة وألبانها)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فأخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا عبدة] هو عبدة بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن إسحاق] هو محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن أبي نجيح] هو عبد الله بن أبي نجيح هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد] هو مجاهد بن جبر المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعنعنة ابن إسحاق لا تضر؛ لأن الحديث جاء من طرق أخرى.(427/30)
شرح حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبن الجلالة) وترجمة رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن المثنى حدثني عبد الملك بن عمرو العقدي أبو عامر حدثنا هشام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن لبن الجلالة)] أورد أبو داود حديث ابن عباس: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبن الجلالة)]، يعني: أن اللحم واللبن كليهما سواء في النهي.
قوله: [حدثنا ابن المثنى] هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثني أبو عامر].
هو عبد الملك بن عمرو العقدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام].
هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة] هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة عن ابن عباس] عكرمة وابن عباس وقد مر ذكرهما.(427/31)
شرح حديث (نهى رسول الله عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها أو يشرب من ألبانها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن أبي سريج أخبرني عبد الله بن جهم حدثنا عمرو بن أبي قيس عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها، أو يشرب من ألبانها)] أورد أبو داود حديث ابن عمر: [(نهى رسول الله عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها، أو يشرب من ألبانها)] وهذا فيه النهي عن ركوب الجلالة وشرب لبنها، واللحم قد سبق أن مر ما يتعلق به.
ووجه النهي عن ركوب الجلالة أن العرق يصيب الإنسان عندما يتصبب من جلدها.
ومن العلماء من قال: ليس النهي للتحريم بل هو للكراهة؛ وذلك لكونها أكلت هذه المادة النجسة.
فالنهي عن الركوب هو من أجل العرق؛ لأن الحمر الأهلية تركب وهي مع ذلك لا تؤكل.(427/32)
تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها أو يشرب من ألبانها)
قوله: [حدثنا أحمد بن أبي سريج] أحمد بن أبي سريج ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[أخبرني عبد الله بن جهم].
وهو صدوق، أخرج له أبو داود.
[حدثنا عمرو بن أبي قيس] وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن.
[عن أيوب السختياني] هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع] هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر] وقد مر ذكره.(427/33)
حقيقة الجلالة ومدة حبسها حتى يطيب لحمها
البهائم التي تأكل الأوراق لا تعتبر جلالة؛ لأن الأوراق ليست نجسة، وإنما الجلالة التي تأكل العذرة فقط، أو كان الغالب عليها أكل العذرة، وأما إذا كانت تأكل علفاً وتأكل شيئاً يسيراً من العذرة، فهذا لا يؤثر.
أما الدجاج فعذرته طاهرة، فلا يضره أن يأكل منها؛ لأن كل ما يؤكل لحمه فروثه وبوله طاهر، وإنما النجاسة في عذرة الإنسان، وعذرة الدواب التي لا يؤكل لحمها.
أما عن مدة حبس الجلالة حتى يطيب لحمها فتترك ثلاثة أيام ثم تؤكل، وقيل: تترك مدة حتى يطمئن إلى طيب لحمها، ويقول الخطابي: فكره ذلك أبو حنيفة وأصحابه، والشافعي وأحمد بن حنبل، وقالوا: لا تؤكل حتى تحبس أياماً، وتعلف علفاً غيرها، فإذا طاب لحمها فلا بأس بأكله.
وقد روي في حديث: (أن البقر تعلف أربعين يوماً، ثم يؤكل لحمها)، وكان ابن عمر رضي الله عنه يحبس الدجاجة ثلاثاً ثم يذبحها.
وقال إسحاق بن رهوايه: لا بأس أن يؤكل لحمها بعد أن يغسل غسلاً جيداً، وكان الحسن البصري لا يرى بأساً بأكل لحوم الجلالة، وكذلك قال مالك بن أنس.(427/34)
شرح سنن أبي داود [428]
اختلفت آراء العلماء في أكل لحوم الخيل بين مبيح ومحرم والراجح هو ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة وهو جواز أكلها، وقد ورد ذلك عن جملة من الصحابة، ولا بأس بأكل لحم الأرنب.(428/1)
أكل لحوم الخيل(428/2)
شرح حديث (نهانا رسول الله يوم خيبر عن لحوم الحمر وأذن لنا في لحوم الخيل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أكل لحوم الخيل.
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خبير عن لحوم الحمر، وأذن لنا في لحوم الخيل)] يقول المصنف رحمه الله: [باب في أكل لحوم الخيل] يعني: أن ذلك سائغ مباح، وقد جاءت الأحاديث في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت أحاديث في عدم أكلها، ولكن الصحيح هو الأحاديث التي جاءت في أكلها، فإنها ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: [(نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خبير عن لحوم الحمر، وأذن لنا في لحوم الخيل)] أي: أن الحمر الأهلية لا يجوز أكل لحمها، وأن الخيل يجوز أكل لحمها، وأنه مباح لا بأس به.
ومن العلماء من قال بعدم أكلها؛ لأنه جاء ذكرها في القرآن مقرونةً بالبغال والحمير، قال: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل:8] فجمع بينها وبين البغال والحمير، والبغال والحمير يحرم أكلها.
لكنه إنما ذكر في الآية الركوب، وأنه يكون لهذه ولهذه، وليس فيها تعرض للحم، وقد جاءت أحاديث صحيحة تدل على حل لحوم الخيل وحرمة لحوم الحمر الأهلية، أما الحمر الوحشية فأكلها حلال.(428/3)
تراجم رجال إسناد حديث (نهانا رسول الله يوم خيبر عن لحوم الحمر وأذن لنا في لحوم الخيل)
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب] سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد] هو حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن دينار] هو عمرو بن دينار المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن علي] هو محمد بن علي بن الحسين الباقر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله] جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره.(428/4)
شرح حديث (ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير فنهانا رسول الله عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (ذبحنا يوم خبير الخيل والبغال والحمير، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن البغال والحمير، ولم ينهنا عن الخيل)] أورد أبو داود حديث جابر؛ أنهم ذبحوا يوم خبير الخيل والبغال والحمير، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير ولم ينههم عن الخيل، فدل على تحريم البغال والحمير وعلى إباحة الخيل.(428/5)
تراجم رجال إسناد حديث (ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير فنهانا رسول الله عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي الزبير] هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله] جابر رضي الله عنه وقد مر ذكره.
وهذا من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود.(428/6)
شرح حديث (أن رسول الله نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سعيد بن شبيب وحيوة بن شريح الحمصي قال حيوة: حدثنا بقية عن ثور بن يزيد عن صالح بن يحيى بن المقدام بن معد يكرب عن أبيه عن جده عن خالد بن الوليد رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير، زاد حيوة: وكل ذي ناب من السباع).
قال أبو داود: وهو قول مالك.
قال أبو داود: لا بأس بلحوم الخيل، وليس العمل عليه.
قال أبو داود: وهذا منسوخ؛ قد أكل لحوم الخيل جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، منهم: ابن الزبير وفضالة بن عبيد، وأنس بن مالك، وأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم، وسويد بن غفلة، وعلقمة، وكانت قريش في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تذبحها.
] أورد أبو داود حديث خالد بن الوليد رضي الله عنه: [(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير)] هذا فيه إلحاق الخيل بالبغال والحمير، لكن الحديث ضعيف غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء الإذن في لحوم الخيل كما سبق أن مر في الأحاديث الصحيحة، وأما هذا فهو حديث غير صحيح.
زاد حيوة: [(وكل ذي ناب من السباع)] هذا ثابت، فكل ذي مخلب من الطير وناب من السباع، قد جاء ما يدل على تحريم لحومها، وكذلك الخيل والبغال جاء ما يدل على تحريم لحومها، وإنما الإشكال فيما يتعلق بالخيل، فالأحاديث التي مرت تدل على جواز أكل لحوم الخيل وأنه لا بأس به، وهذا الحديث يدل على عدم الأكل ولكنه حديث ضعيف.
[قال أبو داود: وهو قول مالك] يعني: تحريمها.
[قال أبو داود: لا بأس بلحوم الخيل، وليس العمل عليه] يعني: وليس العمل على هذا الحديث الذي فيه النهي عن لحوم الخيل، والصواب أنه لا بأس بلحوم الخيل.
[قال أبو داود: وهذا منسوخ، قد أكل لحوم الخيل جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم] يعني: إذا كان الحديث ثابتاً فقد أكلها جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولحديث: (ذبحنا يوم خيبر الخيل).
وقد جاء أكل لحوم الخيل عن عدد من الصحابة، وذكر أربعة من الصحابة واثنين من التابعين، وهم: ابن الزبير، وفضالة بن عبيد، وأنس بن مالك، وأسماء بنت أبي بكر، وسويد بن غفلة، وعلقمة.(428/7)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير)
قوله: [حدثنا سعيد بن شبيب].
وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[وحيوة بن شريح الحمصي] حيوة بن شريح الحمصي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[قال حيوة: حدثنا بقية] هو بقية بن الوليد وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن، وهو يدلس.
[عن ثور بن يزيد] ثور بن يزيد ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن صالح بن يحيى بن المقدام بن معد يكرب] وهو لين الحديث، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبيه] وهو مستور؛ أي مجهول الحال، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن جده] هو المقدام بن معد يكرب رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن خالد بن الوليد] خالد بن الوليد رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.(428/8)
ترجمة الصحابة والتابعين الذين ذكروا ممن أكلوا لحوم الخيل
قوله: [منهم: ابن الزبير] هو عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، وهو أول مولود ولد بعد الهجرة؛ لأنه ولد في قباء أول ما قدموا إلى المدينة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[وفضالة بن عبيد] فضالة بن عبيد صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.
[وأنس بن مالك] أنس بن مالك: مر ذكره.
[وأسماء بنت أبي بكر] أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[وسويد بن غفلة] سويد بن غفلة تابعي مخضرم، وقيل: إنه قدم المدينة في اليوم الذي دفن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو من المخضرمين، قيل: إنه عاش مائة وثلاثين سنة، وذكر في ترجمته أنه كان يصلي بالناس التراويح في رمضان وعمره مائة وعشرون سنة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعلقمة] هو علقمة بن قيس النخعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وكانت قريش في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تذبحها] يعني: أن هذا كان موجوداً في الجاهلية، وأقره الإسلام.(428/9)
أكل الأرنب(428/10)
شرح حديث (كنت غلاماً حَزورا فصدت أرنباً فشويتها)
قال المنصف رحمه الله تعالى: [باب في أكل الأرنب.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كنت غلاماً حزورا وصدت أرنباً فشويتها، فبعث معي أبو طلحة رضي الله عنه بعجزها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأتيته بها فقبلها)] يقول المصنف رحمه الله أورد أبو داود باباً: في أكل الأرنب.
الأرنب هي من الصيد.
أورد أبو داود حديث أنس قال: [(كنت غلاماً حزورا)]، أي: أنه كان ماهراً حاذقاً، ولهذا صاد هذه الأرنب.
فأرسل عجزها أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلها، والعجز: هو المؤخر الذي فيه الوركان والرجلان.
قوله: [(فشويتها)] يعني: أنضجت الأرنب عن طريق الشواء.
قوله: [(فبعث معي أبو طلحة رضي الله عنه بعجزها إلى النبي صلى الله عليه وسلم)] وأبو طلحة هو زوج أم سليم التي هي أم أنس رضي الله عنهم.
قوله: [(فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم فقبلها)] أي: فقبل هذه الهدية.(428/11)
تراجم رجال إسناد حديث (كنت غلاماً حزورا فصدت أرنباً فشويتها)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن هشام بن زيد] هشام بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك] أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود.(428/12)
شرح حديث (قد جيء بالأرنب إلى رسول الله فلم يأكلها ولم ينه عن أكلها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن خلف حدثنا روح بن عبادة حدثنا محمد بن خالد قال: سمعت أبي خالد بن الحويرث يقول: (إن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما كان بالصفاح-قال محمد: مكان بمكة- وإن رجلاً جاء بأرنب قد صادها، فقال يا عبد الله بن عمرو! ما تقول؟ قال: قد جيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا جالس فلم يأكلها ولم ينه عن أكلها.
وزعم أنها تحيض)] أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه جاءه رجل قد اصطاد أرنباً فقال له: ما تقول؟ قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بأرنب فلم يأكلها ولم ينه عن أكلها، وزعم أنها تحيض، وهذا فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأكلها ولم ينه عن أكلها، والحديث الذي مر فيه أنه قبلها، أي: الهدية التي أهداها له أبو طلحة، والحديث الثاني الذي فيه أنه لم يأكلها ولم ينه عنها حديث ضعيف غير ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام.
فالحديث الثابت هو الأول الذي فيه أنه قبلها صلى الله عليه وسلم.(428/13)
تراجم رجال إسناد حديث (قد جيء بالأرنب إلى رسول الله فلم يأكلها ولم ينه عن أكلها)
قوله: [حدثنا يحيى بن خلف] يحيى بن خلف صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[حدثنا روح بن عبادة] روح بن عبادة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد بن خالد] وهو مستور، يعني مجهول الحال، أخرج له أبو داود.
[قال: سمعت أبي خالد بن الحويرث].
خالد بن الحويرث مقبول، أخرج له أبو داود.
[يقول: إن عبد الله بن عمرو] هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
في الحديث هذان الشخصان، وهما: محمد بن خالد، وهو مجهول الحال، وأبوه: مقبول، فالحديث غير ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام.(428/14)
الأسئلة(428/15)
مدى صحة حيض الأرنب
السؤال
قوله: (وزعم أنها تحيض) أي الأرنب كما في حديث ابن عمرو، فما مدى صحة حيض الأرنب؟
الجواب
لا أدري من قاله، ولعله عبد الله بن عمرو، لكن ما أدري هل الأرنب تحيض أو لا تحيض؟(428/16)
عدم ورود شيء في فضل ليلة النصف من شعبان
السؤال
هل ورد في فضل ليلة النصف من شعبان فضل خاص؟
الجواب
م يثبت في فضلها شيء يخصها، وشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه كتب في ذلك مقالاً طبع مع مقالات أخرى بعنوان: (التحذير من البدع) وهي تتعلق بليلة النصف من شعبان، وليلة الإسراء والمعراج، وكذلك المولد، وكذلك الرؤيا التي زعم خادم الحجرة المسمى بالشيخ أحمد أنه رآها.(428/17)
معنى قول أبي داود في حديث خالد بن الوليد (وليس العمل عليه)
السؤال
ما مدى صحة الاستدلال بكون الحديث ليس عليه العمل كما قال أبو داود في حديث خالد الذي فيه تحريم الخيل؟
الجواب
إذا كان الحديث ضعيفاً فليس هناك إشكال؛ لأنه مثل ما قال أبو داود هنا: وليس العمل عليه، يعني: هذا الحديث ضعيف، وإنما العمل على الحديث الصحيح الذي فيه جواز أكل لحوم الخيل.(428/18)
حكم تتبع الطعام من حوالي الصحفة
السؤال
شرح بعض العلماء قوله: (يتتبع الدباء من حوالي الصحفة) فقال: إن هذا الطعام كان خاصاً له، وله أن يأكل من أي جهة شاء، فما تعليقكم؟
الجواب
لقد كان معه أنس بن مالك يؤاكله، وحتى لو كان الطعام يخص الإنسان وحده، فإنه يأكل من جهته، ويترك الباقي دون أن يمسه.(428/19)
حكم تقذر الطعام
السؤال
جاء في الترجمة كراهية تقذر الطعام، فهل هذه الكراهة للتحريم؟
الجواب
الذي يبدو أنه يتفاوت؛ فهناك أشياء تكون واضحة، وأشياء فيها خفاء، فإذا كان المقصود بالتقذر للواضحات أنه يعافها وهي مباحة، فهذا شيء يعذر فيه الإنسان، وأما إذا كان شيئاً مباحاً وشيئاً حلالاً، ثم يتقذره من جهة أنه يذمه ويعيبه، فهذا يختلف عن الشيء الذي فيه خفاء.(428/20)
حكم فتح محلات الإنترنت
السؤال
رجل يريد أن يفتح محلاً (للإنترنت) فهل يجوز له ذلك، مع العلم بأن (الإنترنت) يستخدم في الخير والشر؟
الجواب
ما دام يستعمل في الخير والشر فيمكن أن يجيء ناس فيستعملونه في الشر، ويكون من باب التعاون على الإثم والعدوان.(428/21)
حكم الماء النجس الذي تم معالجته بمواد حتى صار مثل الطاهر
السؤال
الماء النجس إذا عولج بمواد فأصبح مثل الماء الطاهر من حيث الصفات، فما حكمه؟
الجواب
في هذا الزمان يقولون: إنه يكون طيباً ويكون طاهراً إذا حصل شيء يجعله يتحلل ويتحول إلى شيء آخر، ولكن الشيء المعروف أن أصله نجاسة فإن النفوس لا تقبله.(428/22)
حكم جمع القراء لقراءة القرآن عن الميت بأجرة أو بغير أجرة
السؤال
من يجمع القراء لقراءة القرآن عن الميت بأجرة أو بدون أجرة، هل يستفيد الميت من هذا الفعل؟
الجواب
كل ذلك غير مشروع، لا يجمعهم لا بأجرة ولا بغير أجرة؛ لأن هذا عمل غير صحيح، والأعمال التي تصل إلى الأموات ينبغي أن يقتصر فيها على ما ورد في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك مثل الصدقة عنه، والدعاء له، والحج والعمرة.(428/23)
حكم النبات الذي يسمد بنجاسة أو يسقى بها
السؤال
هل يقاس على الجلالة النبات إذا سمد بسماد نجس، أو سقي بماء المجاري مثلاً؟
الجواب
نعم، مياه المجاري كله نجس، لكن كونه يسمد بشيء نجس ثم بعد ذلك يأتيه الماء مرة بعد أخرى حتى يتغير السماد ويذهب، فهو ليس مثل النجاسة التي يسقى بها دائماً وأبداً.(428/24)
حكم الاقتداء بكل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم
السؤال
هل يجوز الاقتداء بكل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم، كمثل الخاتم والعمامة والإزار، أم هناك تفصيل؟
الجواب
معلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستعمل الخاتم إلا لما قيل له إن الكفار لا يقبلون الكتاب إلا إذا كان مختوماً؛ فاتخذه، فالذي يحتاج إليه مثل ما احتاج إليه النبي صلى الله عليه وسلم له أن يفعل ذلك.
أما مسألة العمامة ومسألة اللباس فالأمر في ذلك واسع، والمهم ألا يخرج الإنسان عن الهيئة التي يكون عليها أهل البلد إذا كانت صحيحة؛ لأنه إذا خالف أهل بلده فقد يساء به الظن.(428/25)
شرح سنن أبي داود [429]
لقد جاءت الأحاديث في حل أكل لحم الضب، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكله، وعدم أكله له لا لكونه حراماً، وإنما لأن نفسه تعافه؛ لأنه لم يكن بأرض قومه، وقد أكل على مائدته صلى الله عليه وسلم.(429/1)
حكم أكل الضب(429/2)
شرح حديث (أكل الضب على مائدة رسول الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أكل الضب.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن خالته أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمناً وأضباً وأقطاً، فأكل من السمن ومن الأقط وترك الأضب تقذراً، وأكل على مائدته، ولو كان حراماً ما أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
] يقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أكل الضب] والضب هو من دواب البر، وجاءت الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام في حله، حيث أقر وأذن بأكله صلى الله عليه وسلم، ولم يأكله عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لم يكن بأرض قومه، فكان يعافه، ونفسه لا تشتهيه ولا تقبله، لأنه لم يألف ذلك، ولكنه حلال مباح؛ لأن خالد بن الوليد أكله بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لا يقر على باطل، فلو كان غير حلال لما أذن فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولما أقر على أكله بين يديه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: [(أن خالته أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمناً وأضباً وأقطاً، فأكل من السمن ومن الأقط وترك الأضب تقذراً)].
يعني: أنه ما قبلته نفسه وما اشتهاه، ومعلوم أن النفوس تتفاوت، فيكون الشيء تكرهه بعض النفوس وتحبه بعض النفوس وتشتهيه، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم ما أكله، وخالد رضي الله عنه أكله بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(وأكل على مائدته، ولو كان حراماً ما أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم)] يعني: لو كان حراماً ما أكل على مائدته؛ لأنه لا يقر على باطل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ومن المعلوم أن السنة هي كل قول قاله رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكل فعل فعله رسول الله، وكذلك ما فعل بحضرته وأقره وسكت عليه ولم ينكره، فإن هذا يفيد أنه سائغ وجائز؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لا يقر على باطل.(429/3)
تراجم رجال إسناد حديث (أكل الضب على مائدة رسول الله)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بشر].
هو جعفر بن إياس بن أبي وحشية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جبير].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وابن عباس وخالد بن الوليد ابنا خالة؛ لأن عبد الله بن عباس أمه لبابة الكبرى أم الفضل، وأما خالد فأمه لبابة الصغرى، وهما ابنا الخالة، وميمونة أم المؤمنين خالة ابن عباس وخالة خالد.(429/4)
شرح حديث أكل خالد للضب ورسول الله ينظر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنهما عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن خالد بن الوليد رضي الله عنه (أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيت ميمونة رضي الله عنها، فأتي بضب محنوذ، فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده، فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يريد أن يأكل منه، فقالوا: هو ضب، فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده، قال: فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه، قال خالد: فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينظر)].
أورد أبو داود حديث خالد بن الوليد رضي الله عنه، أنه دخل مع الرسول صلى الله عليه وسلم بيت خالته ميمونة أم المؤمنين، وقدم له ضب فأهوى إليه بيده، فبعض النسوة اللاتي في البيت قلن: أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل، فأخبروه بأنه ضب؛ فكف يده عليه الصلاة والسلام، ولما كف يده قال خالد: [(أحرام هو؟ قال: لا، ولكنه ليس بأرض قومي فأجدني أعافه)] يعني: ما ألفه وما اعتاده، ولم يكن بأرضه، ونفسه تكرهه وما تميل إليه.
قال خالد: [(فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر)]، فدل هذا على أنه مباح وحلال؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: إنه حرام، ثم أيضاً كون خالد بن الوليد أكله بين يديه صلى الله عليه وسلم، كل ذلك دال على حله وعلى إباحته، وأنه لا مانع منه.
قوله: [(ولم يكن بأرض قومي)] يعني: مكة وليس المدينة؛ لأن الضب يوجد بالمدينة.(429/5)
تراجم رجال إسناد حديث أكل خالد للضب ورسول الله ينظر
قوله: [حدثنا القعنبي].
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
مالك إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي أمامة سهل بن حنيف].
أبو أمامة سهل بن حنيف اسمه أسعد وله رؤية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عباس].
عبد الله بن عباس مر ذكره.
[عن خالد بن الوليد].
خالد بن الوليد رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
قوله: [(فأتي بضب محنوذ)].
المحنوذ هو المشوي، قال عز وجل: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود:69] أي: مشوي، كما في قصة إبراهيم مع ضيوفه.(429/6)
شرح حديث (كنا مع رسول الله في جيش فأصبنا ضباباً فشويت منها ضباً فأتيت رسول الله فوضعته بين يديه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عون أخبرنا خالد عن حصين عن زيد بن وهب عن ثابت بن وديعة رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جيش فأصبنا ضباباً، قال: فشويت منها ضباً، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوضعته بين يديه قال: فأخذ عوداً فعد به أصابعه، ثم قال: إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواباً في الأرض، وإني لا أدري أي الدواب هي، قال: فلم يأكل ولم ينه)].
أورد أبو داود حديث ثابت بن وديعة رضي الله تعالى عنه: أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جيش، في سفر، فأصابوا ضباباً وصادوها، فشوى ضباً منها، وقدمه للنبي صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم أخذ عوداً وجعل يعد أصابع الضب، فقال: [(إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواباً، ولا أدري من أي الدواب هي، فلم يأكل ولم ينه)].
أي: لم يأكله ولم ينه عن أكله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنهم اصطادوها، وصيدهم إياها يدل على أنها مباحة وأنها ليست بحرام، وفي الأحاديث التي مرت عن خالد بن الوليد دلالة على أنها مباحة وأنها ليست بحرام، وأنها أكلت بين يديه صلى الله عليه وسلم، وهو لا يقر على باطل ولا على حرام صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [(إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواباً فلا أدري من أي الدواب هي)]، هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل أن يعلم بأن الذين مسخوا لا يكون لهم نسل، فقد ثبت في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله لم يجعل لأمة مسخت نسلاً)، ومعنى هذا أن الأمة التي تمسخ تموت دون أن تتناسل، وعلى هذا فإن هذه الدواب وهذه الحيوانات لا يقال: إنها نتيجة مسخ سابق، وإنها متناسلة ممن مسخ سابقاً؛ لأنه ثبت في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله لم يجعل لأمة مسخت نسلاً)، وعلى هذا فقوله هنا: [(فلا أدري من أي الدواب هي)] يدل على أنه قاله قبل أن يوحى إليه أن الأمم التي تمسخ تموت وتنقرض دون أن يكون لها نسل.(429/7)
تراجم رجال إسناد حديث (كنا مع رسول الله في جيش فأصبنا ضباباً فشويت منها ضباً فأتيت رسول الله فوضعته بين يديه)
قوله: [حدثنا عمرو بن عون].
هو عمرو بن عون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا خالد].
هو خالد بن عبد الله الواسطي الطحان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حصين].
هو حصين بن عبد الرحمن وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد بن وهب].
زيد بن وهب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ثابت بن وديعة].
ثابت بن وديعة رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.(429/8)
شرح حديث (أن رسول الله نهى عن أكل لحم الضب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عوف الطائي أن الحكم بن نافع حدثهم حدثنا ابن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن أكل لحم الضب)].
أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه، وفيه: [(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحم الضب)] وقد عرفنا في الأحاديث السابقة أنه أذن بأكله، وأنه أُكِلَ بين يديه، فيحمل ما جاء من النهي على أنه للتنزيه، وليس للتحريم.(429/9)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله نهى عن أكل لحم الضب)
قوله: [حدثنا محمد بن عوف الطائي].
هو محمد بن عوف الطائي وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي في مسند علي.
[أن الحكم بن نافع].
الحكم بن نافع هو أبو اليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن عياش].
هو إسماعيل بن عياش وهو صدوق روايته عن الشاميين معتبرة، وهو مخلط في غيرهم، وهذا من روايته عن الشاميين، وحديثه أخرجه البخاري في رفع اليدين وأصحاب السنن.
[عن ضمضم بن زرعة].
ضمضم بن زرعة وهو صدوق يهم، أخرج له أبو داود وابن ماجة في التفسير.
[عن شريح بن عبيد].
شريح بن عبيد وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبي راشد الحبراني].
أبو راشد الحبراني وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن عبد الرحمن بن شبل].
عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
والحديث لا يقل عن رتبة الحسن فهو ثابت.(429/10)
حكم أكل لحم الحبارى(429/11)
شرح حديث (أكلت مع رسول الله لحم حبارى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أكل لحم الحبارى.
حدثنا الفضل بن سهل حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي حدثني بريه بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: (أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحم حبارى)].
يقول المصنف رحمه الله: [باب: في أكل لحم الحبارى] والحبارى نوع من الطيور، وليست من ذوات المخالب، وهي مباحة وحلال، وهذا الحديث الذي ورد فيها ضعيف، ولكنها ليست من قبيل الطيور التي لها مخلب، فهي مباحة وحلال.(429/12)
تراجم رجال إسناد حديث (أكلت مع رسول الله لحم حبارى)
قوله: [حدثنا الفضل بن سهل].
الفضل بن سهل هو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي].
إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي صدوق له مناكير، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثني بريه بن عمر بن سفينة].
بريه بن عمر بن سفينة بريه لقب، واسمه إبراهيم، وهو مستور، يعني مجهول الحال، أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن أبيه].
هو عمر بن سفينة وهو صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن جده] سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن.(429/13)
ما جاء في أكل حشرات الأرض(429/14)
شرح حديث (صحبت النبي فلم أسمع لحشرة الأرض تحريماً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أكل حشرات الأرض.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا غالب بن حجرة حدثني ملقام بن تلب عن أبيه رضي الله عنه قال: (صحبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلم أسمع لحشرة الأرض تحريماً)].
قوله: [باب: في أكل حشرات الأرض] حشرات الأرض هي الدواب التي منها: القنفذ ومنها: الضب، ومنها غير ذلك، ومعلوم أن منها ما جاءت السنة بحله كالضب، ومنها أشياء ممنوعة؛ لما فيها من فساد وضرر مثل ذوات السموم وغيرها، ومنها: ما هو مسكوت عنه، أما الضفدع والسلحفاة فلا أعرف عنهما شيئاً.
أورد أبو داود حديث تلب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [(صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أسمع لحشرة الأرض تحريماً)] يعني: لم يسمع فيها شيئاً من التحريم، وهذا إخبار عما يعلمه، وهذا لا ينافي أن يكون غيره علم شيئاً وأخبر به؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يحضرون مجالسه صلى الله عليه وسلم، فيحضره من يحضر، ويغيب عنه من يغيب، ويحصل في أحد المجالس بيان حكم شيء وبيان تحريمه، فيكون الذي لم يحضر لا يعلم شيئاً ولم يسمع شيئاً بالتحريم، ويكون الذي حضر علم بالتحريم، فأخبر الذي لم يحضر عن علمه بأنه لم يسمع، وأما غيره فإنه وقف على ما لم يقف عليه غيره، أو اطلع على ما لم يطلع عليه غيره، ومما يوضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحصل منه الحديث، فيعلمه واحد من أصحابه ولا يعلمه كثير من الصحابة الحديث الذي فيه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما ذهب إلى الشام، وفي أثناء الطريق لقيه أبو عبيدة وأمراء الأجناد، فقالوا: إن الطاعون وقع بالشام، وانقسموا إلى قسمين: منهم من يقول: ارجع بالناس ولا تدخل على الطاعون، ومنهم من يقول: ادخل، فـ عمر رضي الله عنه استشار المهاجرين والأنصار ومسلمة الفتح، فقال: ادعوا لي المهاجرين، فدعوا المهاجرين فسألهم ولم يكن عندهم علم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال بعضهم: نرى أنك تدخل وأنك جئت لأمر فلا ترجع دونه، وقال بعضهم: معك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعرضهم للموت فتدخل بهم على الطاعون، فقال: ارتفعوا عني، وادعوا لي الأنصار، فأتي بالأنصار فاستشارهم، وصار جوابهم مثل جواب المهاجرين، منهم من قال: ادخل، ومنهم من قال: ارجع، ثم قال: ادعو لي مشيخة قريش من مسلمة الفتح، فدعوا له، فاتفق رأيهم على أنه يرجع ولم يختلفوا، ولم يكن عند جميعهم نص عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وإنما اجتهاد.
ثم عمر رضي الله عنه لما أخذ ما عند هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء، عزم على أن يرجع، وأداه اجتهاده إلى أنه يرجع، فقال: إني مصبح على ظهر، فقال له أبو عبيدة: تفر من قدر الله يا أمير المؤمنين؟ وكان ممن يرى ألا يرجع، فقال له: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، وكان عبد الرحمن بن عوف متغيباً في بعض حاجته، فلما جاء وعلم بالذي حصل قال: عندي علم في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: (إذا وقع الطاعون وأنتم في بلد فلا تخرجوا فراراً منه، وإن وقع في بلد فلا تدخلوا عليه) فبلغ ذلك عمر فسر؛ لأن اجتهاده وافق ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشاهد: أن عبد الرحمن بن عوف هو الذي كان عنده علم بهذه السنة، وكل هؤلاء الحاضرين ما عندهم علم بها.
وقوله هنا: [(صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أسمع لحشرة الأرض تحريماً) هذا على حسب ما علمه، ولكن ذلك لا ينفي ولا يمنع أن يكون غيره علم ما لم يعلم.
وقوله: (لم أسمع) لا شك أن هذا من الأدب؛ لأن كون الإنسان يحكم على شيء لم يحط به علماً هذا خطأٌ.(429/15)
تراجم رجال إسناد حديث (صحبت النبي فلم أسمع لحشرة الأرض تحريماً)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا غالب بن حجرة].
عن غالب حجرة مجهول العين، أخرج له أبو داود.
[حدثني ملقام بن تلب].
ملقام بن تلب مستور يعني مجهول الحال، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن أبيه].
هو تلب صحابي، أخرج له أبو داود والنسائي.
والحديث كما هو معلوم فيه مجهول العين، ومجهول الحال، فهو غير ثابت.(429/16)
شرح حديث (القنفذ خبيثة من الخبائث)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن خالد الكلبي أبو ثور حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عيسى بن نميلة عن أبيه قال: (كنت عند ابن عمر رضي الله عنهما فسئل عن أكل القنفذ، فتلا: ((قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً)) [الأنعام:145] الآية، قال: قال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: ذكر عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: خبيثة من الخبائث، فقال ابن عمر: إن كان قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا فهو كما قال، ما لم ندر)].
أورد أبو داود حديث ابن عمر أنه سئل عن أكل القنفذ، فتلا هذه الآية: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} [الأنعام:145] يعني: أن القنفذ ليس من الأشياء التي ذكرت، فهو باقٍ على الأصل وعلى الإباحة، ومعلوم أن العلماء اختلفوا هل الأصل في هذه الأشياء الإباحة أو الحظر؟ من العلماء من قال: إن الأصل فيها الحظر، والإباحة تحتاج إلى دليل، ومنهم من قال بالعكس: الأصل هو الإباحة، والحظر هو الذي يحتاج إلى دليل، وهذا الذي جاء عن ابن عمر فيه إشارة إلى أن الأصل هو الإباحة، وأن الحظر هو الذي يحتاج إلى دليل، ولكن الحديث ضعيف.
قوله: [(إنها خبيثة من الخبائث)]، إذا كانت من الخبائث فهي محرمة؛ لأن الله تعالى ذكر من صفات نبيه في التوراة والإنجيل: أنه يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، فـ ابن عمر رضي الله عنه عندما سمع هذا الكلام قال: (إن كان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فهو كما قال)] يعني: أن قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يعول عليه، فإن قال: إنه خبيث من الخبائث فهو كما قال.
قوله: [(ما لم ندر)] يعني: ما لم ندر الحكم، ويفهم منه أنه ما صدق بهذا الكلام؛ لأنه قال: [(إن كان قاله فهو كما قال)] يعني: إن ثبت أنه قاله، فالأمر كما قال، لكن الحديث غير صحيح.(429/17)
تراجم رجال إسناد حديث (القنفذ خبيثة من الخبائث)
قوله: [حدثنا إبراهيم بن خالد الكلبي أبو ثور].
إبراهيم بن خالد الكلبي هو ثقة، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[حدثنا سعيد بن منصور].
سعيد بن منصور وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد العزيز بن محمد].
هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عيسى بن نميلة].
عيسى بن نميلة هو مجهول، أخرج له أبو داود.
[عن أبيه].
أبوه نميلة مجهول، أخرج له أبو داود.
[قال: قال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة].
أبو هريرة رضي الله عنه هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً.
والشيخ الذي روى عن أبي هريرة يحتمل أن يكون تابعياً ويحتمل أن يكون صحابياً، وإذا كان صحابياً فجهالته لا تؤثر، وإن كان تابعياً فغير الصحابة يحتاج إلى معرفة حاله وجهالته تضر، ولكن نفس الإسناد فيه هذان المجهولان وهما: عيسى بن نميلة، وأبوه نميلة.(429/18)
حكم ما لم يذكر تحريمه(429/19)
شرح حديث (كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذراً فبعث الله نبيه وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما لم يذكر تحريمه.
حدثنا محمد بن داود بن صبيح حدثنا الفضل بن دكين حدثنا محمد -يعني ابن شريك المكي - عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذراً، فبعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وأنزل كتابه، وأحل حلاله وحرم حرامه، فما أحل فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، وتلا: ((قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا)) [الأنعام:145] إلى آخر الآية)].
قوله: [باب ما لم يذكر تحريمه].
يعني: ما لم ينص على تحريمه، وهذا فيه إشارة إلى أن الأصل هو الإباحة، ولهذا قال: [ما لم يذكر تحريمه]، وهذا على أحد القولين في المسألة، وهو أن الأصل في المأكولات وفي الحيوانات الإباحة حتى يأتي التحريم.
أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس: [(أن أهل الجاهلية كانوا يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذراً)] يعني: من دواب الأرض ومن حيوانات الأرض.
قوله: [(فأرسل الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه الكتاب، فما أحل فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، وتلا: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} [الأنعام:145])] أي: ما جاء التنصيص على أنه حلال فهو حلال، وما جاء التنصيص على أنه حرام فهو حرام، وما كان مسكوتاً عنه فهو معفو عنه، فللإنسان أن يأكله مادام أنه لم يأت دليل على التحريم، ثم تلا الآية التي فيها بيان ما هو محرم، وفيه إشارة إلى أن الأصل هو الحل وليس التحريم.(429/20)
تراجم رجال إسناد حديث (كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذراً فبعث الله نبيه وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه)
قوله: [حدثنا محمد بن داود بن صبيح].
محمد بن داود بن صبيح ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا الفضل بن دكين].
الفضل بن دكين أبو نعيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد يعني ابن شريك المكي].
محمد بن شريك المكي ثقة، أخرج له أبو داود.
[عن عمرو بن دينار].
هو عمرو بن دينار المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الشعثاء].
أبو الشعثاء جابر بن زيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس قد مر ذكره.(429/21)
حكم أكل الضبع(429/22)
شرح حديث (سألت رسول الله عن الضبع فقال هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أكل الضبع.
حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي حدثنا جرير بن حازم عن عبد الله بن عبيد عن عبد الرحمن بن أبي عمار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الضبع فقال: هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم).
يقول المصنف رحمه الله: [باب في أكل الضبع] أورد فيه حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال: إنه صيد وفيه كبش للمحرم يعني فيه فدية؛ لأنه من الصيد، ولو كان بخلاف ذلك ما أبيح أكله، ولم يجعل فيه فدية، فلما كان الأمر أن المحرم إذا صاده فيه كبش -لأن الكبش مشابه له- دل على أنه صيد وأنه مباح وليس بحرام.(429/23)
تراجم رجال إسناد حديث (سألت رسول الله عن الضبع فقال هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم)
قوله: [حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي].
هو محمد بن عبد الله بن عثمان الخزاعي وهو ثقة، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[حدثنا جرير بن حازم].
جرير بن حازم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عبيد].
هو عبد الله بن عبيد بن عمير وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الرحمن بن أبي عمار].
عبد الرحمن بن أبي عمار وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن جابر بن عبد الله].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(429/24)
أقوال أهل العلم في حكم أكل الضبع
الأحاديث التي ستأتي في الباب الذي بعد هذا تتعلق بتحريم كل ذي ناب من السباع، فمن العلماء من قال: إن الضبع مستثنى من السباع، ومنهم من قال: ليس من السباع، لكنه ذو ناب كما قاله ابن القيم، والحديث إنما جاء في تحريم من له الوصفان: كونه من السباع، وكونه له ناب، والضبع لا يوصف أنه من السباع، فلم يجتمع فيه الأمران، وبعض أهل العلم قال: إنه من السباع ولكنه مستثنى بهذا الحديث.
أما التفريق بين الضبع الذي يأكل الحشائش والنباتات والضبع الذي يأكل اللحوم ويفترس فلا نعلم فيه وجهاً وما دام أنه يقال له: ضبع فهو مباح.(429/25)
شرح سنن أبي داود [430]
الأصل في أشياء الإباحة إلا ما ورد الشرع بتحريمه مثل تحريم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ولحوم الحمر الأهلية وهناك أشياء اختلف العلماء في حكم أكلها كالقنفذ والضبع.(430/1)
النهي عن أكل السباع(430/2)
شرح حديث (أن رسول الله نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن أكل السباع.
حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السبع)].
يقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن أكل السباع] والسباع هي الحيوانات المفترسة كالأسد والذئب والنمر وغير ذلك.
أورد أبو داود عدة أحاديث منها حديث أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله عنه: [(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السبع)] يعني: كل ذي ناب من السباع، فإن أكله يكون حراماً، وهذه قاعدة جاءت في هذا الحديث، يعني: كل ذي ناب من السباع فهو حرام.(430/3)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع)
قوله: [حدثنا القعنبي].
القعنبي مر ذكره.
[عن مالك].
مر ذكره.
[عن ابن شهاب].
مر ذكره.
[عن أبي إدريس].
أبو إدريس الخولاني اسمه عائذ الله، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من كبار التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي ثعلبة الخشني].
أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(430/4)
شرح حديث (نهى رسول الله عن أكل كل ذي ناب من السبع وعن كل ذي مخلب من الطير)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أكل كل ذي ناب من السبع، وعن كل ذي مخلب من الطير)] أورد أبو داود حديث ابن عباس: [(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السبع، وعن أكل كل ذي مخلب من الطير)]، وهذا فيه بيان أن ما كان ذا مخلب من الطيور يفترس به كالصقر والباز وغيرها فإنه يكون حراماً، والجزء الأول جاء في حديث أبي ثعلبة، يعني تحريم أكل كل ذي ناب من السباع، أي: أن الحيوانات المفترسة محرمة سواء كانت من السباع ولها ناب أو من الطيور ولها مخلب، وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا جاء عن بعض الصحابة أنه قال: [توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يطير يقلب جناحيه في السماء إلا وذكر لنا عنه علماً].(430/5)
تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله عن أكل كل ذي ناب من السبع وعن كل ذي مخلب من الطير)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا أبو عوانة].
هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بشر].
هو جعفر بن إياس مر ذكره.
[عن ميمون بن مهران].
ميمون بن مهران ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن عباس].
ابن عباس وقد مر ذكره.(430/6)
شرح حديث (ألا لا يِحل ذو ناب من السباع ولا الحمار الأهلي)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المصفى الحمصي حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن مروان بن رؤبة التغلبي عن عبد الرحمن بن أبي عوف عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ألا لا يحل ذو ناب من السباع ولا الحمار الأهلي، ولا اللقطة من مال معاهد إلا أن يستغني عنها، وأيما رجل ضاف قوماً فلم يقروه، فإن له أن يعقبهم بمثل قراه)].
أورد أبو داود حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله تعالى عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: [(ألا لا يحل ذو ناب من السباع ولا الحمار الأهلي)] وهذا مطابق لما جاء في حديث جابر وحديث جرثوم بن ناشر المتقدمين.
قوله: [(ولا الحمار الأهلي)] هذا جاء من هذا الطريق ومن طرق أخرى، من ذلك ما جاء في الحديث (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر).
قوله: [(ولا اللقطة من مال معاهد)] المعاهد هو الذي له عهد من أهل الكتاب من الكفار.
قوله: [(إلا أن يستغني عنها)] يعني: إلا إذا تركها وزهد فيها.
قوله: [(وأيما رجل ضاف قوماً فلم يقروه فإن له أن يعقبهم بمثل قراه)] يعني: له أن يأخذ منهم بمثل ما يستحقه، وهذا سبق في باب الضيافة في هذا الكتاب كتاب الأطعمة، كما في بعض الأحاديث الدالة على هذا.(430/7)
تراجم رجال إسناد حديث (ألا لا يحل ذو ناب من السباع ولا الحمار الأهلي)
قوله: [حدثنا محمد بن المصفى الحمصي].
محمد بن المصفى الحمصي صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا محمد بن حرب].
محمد بن حرب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزبيدي].
هو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن مروان بن رؤبة التغلبي].
مروان بن رؤبة التغلبي وهو مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن عبد الرحمن بن أبي عوف].
عبد الرحمن بن أبي عوف وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن المقدام بن معد يكرب].
هو المقدام بن معد يكرب الزبيدي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن.(430/8)
شرح حديث (نهى رسول الله يوم خيبر عن أكل كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير) وترجمة رجال الإسناد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار عن ابن أبي عدي عن ابن أبي عروبة عن علي بن الحكم عن ميمون بن مهران عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر عن أكل كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس: [(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن أكل كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير)] وهو موافق لما تقدم.
قوله: [حدثنا محمد بن بشار] محمد بن بشار الملقب بـ بندار البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي عدي].
هو محمد بن إبراهيم ابن أبي عدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي عروبة].
هو سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علي بن الحكم].
علي بن الحكم وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن ميمون بن مهران عن سعيد بن جبير عن ابن عباس].
قد مر ذكر الثلاثة.(430/9)
شرح حديث خالد (وحرام عليكم حمر الأهلية وخيلها وبغالها وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا محمد بن حرب حدثني أبو سلمة سليمان بن سليم عن صالح بن يحيى بن المقدام عن جده المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه عن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: (غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر، فأتت اليهود فشكوا أن الناس قد أسرعوا إلى حظائرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها، وحرام عليكم حمر الأهلية وخيلها وبغالها، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير)].
أورد أبو داود حديث خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه غزا مع الرسول صلى الله عليه وسلم يوم خيبر، وأنهم أسرعوا إلى الحظائر التي لليهود، والحظائر هي الأماكن التي تحاط وتكون فيها البقر والغنم لحفظها ولحمايتها من الانفلات، أو من أن يحصل لها برد أو ما إلى ذلك.
قوله: [(وحرام عليكم حمر الأهلية وخيلها وبغالها)].
الحمر والبغال وكل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير كل هذه صح وثبت حرمتها، لكن حرمة الخيل غير صحيح؛ لأن الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث أنها مباحة وأنها حلال، والأحاديث التي فيها تحريمها فيها ضعف، وهذا منها؛ لأن هذا في إسناده صالح بن يحيى بن المقدام وهو ضعيف.(430/10)
تراجم رجال إسناد حديث خالد (وحرام عليكم حمر الأهلية وخيلها وبغالها وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير)
قوله: [حدثنا عمرو بن عثمان].
هو عمرو بن عثمان الحمصي صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا محمد بن حرب حدثني أبو سلمة سليمان بن سليم].
سليمان بن سليم هو ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[عن صالح بن يحيى بن مقدام].
صالح بن يحيى بن مقدام وهو لين، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن جده المقدام بن معد يكرب عن خالد بن الوليد].
المقدام وخالد مر ذكرهما.(430/11)
وجه حضور خالد بن الوليد فتح خيبر
ذكر شهود خالد بن الوليد غزوة خيبر فيه إشكال؛ لأن من العلماء من قال: إن خالداً رضي الله عنه أسلم عام الفتح، ومنهم من قال: إنه أسلم بين الحديبية والفتح، وهذا هو الذي اختاره ابن حجر، وخيبر بين الحديبية والفتح، فيكون حضوره خيبر ممكناً، فالفتح كان سنة ثمان، وخيبر كانت في سنة سبع، والحديبية في سنة ست، فيحتمل أنه حضر فتح خيبر.(430/12)
شرح حديث (أن النبي نهى عن أكل الهر وأكل ثمنها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل ومحمد بن عبد الملك قالا: حدثنا عبد الرزاق عن عمر بن زيد الصنعاني أنه سمع أبا الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الهر)، قال ابن عبد الملك: (عن أكل الهر، وأكل ثمنها)].
أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الهر) قال ابن عبد الملك: (نهى عن أكل الهر وأكل ثمنها)].
يعني: أن شيخي أبي داود الأول قال: [(نهى عن ثمن الهر)]، والثاني قال: [(نهى عن أكل الهر وأكل ثمنها)] والحديث ضعيف، لكن جاء في صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ثمن الكلب والهر فزجر عنه)، وهذا الحديث يدل على هذا الحديث الذي معنا، ومعنى ذلك أنه مثل الكلب لا يجوز أكله، ثم إيراد أبي داود له في باب السباع يشعر بأنه من السباع، ومنهم من قال: إن الهر من ذوات الأنياب، ومعلوم أن الهر يأكل الفأر.(430/13)
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي نهى عن أكل الهر وأكل ثمنها)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومحمد بن عبد الملك].
هو محمد بن عبد الملك بن زنجويه وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمر بن زيد الصنعاني].
عمر بن زيد الصنعاني وهو ضعيف، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[أنه سمع أبا الزبير].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله].
قد مر ذكره.(430/14)
الأسئلة(430/15)
وجه صحة قول الشافعية كل ما استحسنته العرب فهو حلال وكل ما استخبثته العرب فهو حرام
السؤال
هل هذه القاعدة التي قررها الشافعية: كل ما استحسنته العرب فهو حلال، وكل ما استخبثته العرب فهو حرام، صحيحة أخذاً من آية تحريم الخبائث وتحليل الطيبات؟
الجواب
العرب يتفاوتون وليسوا على حد سواء، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يأكل الضب وخالد رضي الله عنه أكل الضب وهما من العرب، فبعض النفوس تستحسن شيئاً وتميل إليه وتشتهيه، وبعضها لا تستحسنه ولا تميل إليه وتكرهه.(430/16)
وجه صحة قاعدة كل ما أُمر بقتله مثل الفأرة وما حرم قتله مثل الضفدع فلا يجوز أكله
السؤال
ما صحة هذه القاعدة: كل ما أمر بقتله مثل الفأرة وما حرم قتله مثل الضفدع لا يجوز أكله؟
الجواب
الفأرة أمرها واضح، والضفدع جاء حديث في النهي عن قتله، وهو يفيد تحريمه؛ لأنه لو كان مباحاً لم ينه عن قتله.(430/17)
معنى قوله (وما سكت عنه فهو عفو)
السؤال
ما معنى قوله: (وما سكت عنه فهو عفو)؟
الجواب
معناه: أنه مباح.(430/18)
وجه إثبات صفة السكوت لله في قوله (وما سكت عنه فهو عفو)
السؤال
هل في هذا الحديث فيه إثبات صفة السكوت لله وهو قوله: (وما سكت عنه فهو عفو)؟
الجواب
السكوت معناه: أنه لم يبين أشياء ولم يذكر فيها حكماً، والله تعالى يتكلم متى شاء كيف شاء أنى شاء، لكن هل يوصف بأنه يتصف بالسكوت؟ لا أدري.(430/19)
حكم أكل بيض الضب
السؤال
هل يؤكل بيض الضب؟
الجواب
نعم، فإذا جاز أكل الضب جاز أكل بيضه.(430/20)
عدم دلالة قوله تعالى (وجاء بكم من البدو) على كون يعقوب بدوياً
السؤال
جاء في سورة يوسف: {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} [يوسف:100] هل يعقوب عليه السلام بدوي؟
الجواب
الأنبياء والرسل كلهم من الحضر ومن أهل القرى، كما قال الله عز وجل في السورة نفسها في آخرها: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يوسف:109]، وفي هذه الآية الكريمة بيان أنهم رجال وليسوا نساءً، وأنهم من أهل القرى وليسوا من البادية، وما جاء في سورة يوسف من قوله: {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} [يوسف:100] لا يدل على أنهم من أهل البادية، وإنما يحمل على أنهم حاضرة وذهبوا للبادية فجلسوا فيها مدة وجاءوا منها، كما أن البدوي لو جاء إلى الحاضرة وجلس في الحاضرة مدة ثم رجع إليها لا يقال: إنه حضري، والحضري لو خرج إلى البادية وجلس في البادية مدة ثم رجع لا يقال: إنه بدوي.(430/21)
عدم جهر يوسف بقوله (أنتم شر مكاناً)
السؤال
جاء في سورة يوسف: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} [يوسف:77] هل يوسف عليه السلام بذلك صراحة أم قالها في نفسه؟
الجواب
الذي يبدو أنه قالها في نفسه؛ لأنه لو قال ذلك صراحة وأسمعهم لتبين لهم أنه يوسف ولعرفوه.(430/22)
عدم نبوة إخوة يوسف عليه السلام
السؤال
هل إخوة يوسف أنبياء؟
الجواب
ليسوا بأنبياء، وقد ذكر ذلك ابن كثير وغيره، ومعلوم أن الصفات التي ذكرها الله عنهم في القرآن تدل على أنهم ليسوا بأنبياء.(430/23)
عدم نبوه مريم عليها السلام
السؤال
هل مريم تعتبر من الأنبياء؟
الجواب
لا، هي صديقة.(430/24)
حكم شرب الدواء المستخرج من الضفادع
السؤال
أثبت الطب الحديث أن للضفادع دوراً في صناعة الأدوية، وأن كثيراً من الأدوية فيها شيء من الضفادع، فهل يجوز شرب هذا الدواء؟
الجواب
هي محرمة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تتداووا بحرام).(430/25)
وجه قول المالكية إن الأمر بالوضوء من أكل لحوم الإبل محمول على الوضوء اللغوي
السؤال
تقول المالكية: إن الأمر بالوضوء من أكل لحوم الإبل محمول على الوضوء اللغوي، فهل هذا صحيح؟
الجواب
ليس بصحيح؛ لأن الأصل في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم هو المعنى الشرعي؛ لأن قيل له: (أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: لا) ولو كان المقصود به الوضوء الشرعي الذي هو تغسيل اليدين فهم يغسلون أيديهم من لحوم الغنم، ولا يتركون أيديهم بدون تغسيل، فغسل الدسومة والشيء الذي يعلق باليد من آثار الأكل يكون من لحم الغنم ولحم الإبل، ولكن المقصود بالوضوء هو الوضوء الشرعي.(430/26)
حكم سنية ما كان منه صلى الله عليه وسلم قبل البعثة
السؤال
هل يدخل في السنة ما كان منه صلى الله عليه وسلم قبل البعثة؟
الجواب
لا؛ لأن التشريع كله كان بعد البعثة، فقد نزل الوحي عليه صلى الله عليه وسلم خلال ثلاث وعشرين سنة، لكن كان صلى الله عليه وسلم قبل البعثة متصفاً بالأخلاق الكريمة، أما التشريع كله فقد كان بعد البعثة.(430/27)
حكم ما هم به صلى الله عليه وسلم ولم يفعله
السؤال
ما هم به عليه الصلاة والسلام ولم يفعله هل يدخل في السنة؟
الجواب
همه بالشيء وعدم فعله يدل على تحريمه، وأنه شيء غير سائغ، مثل ما جاء في قوله: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق إلى أناس لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) فهو عليه الصلاة والسلام هم بالتحريق ولم يفعل ذلك، فدل على تحريمه.(430/28)
حكم أكل الثعبان وغيره من ذوات السموم
السؤال
هل أكل الثعبان محرم، حيث إن في بعض التدريبات العسكرية يعتبر أكل الثعبان من تدريب الجنود؟
الجواب
هذه الحشرات كالعقارب والحيات والثعابين خبيثة لا تؤكل.(430/29)
حكم صيام كفارة القتل الخطأ عن غير المسلم
السؤال
حصل من شخص حادث سيارة، وتوفي في الحادث ثلاث نساء: واحدة مسلمة واثنتان مسيحيتان، فهل يصوم عن الثلاث كلهن أم عن المسلمة فقط؟
الجواب
قال الله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء:92] فهذه الآية فيها بيان أنه إذا لم يجد رقبة فإنه يتحول إلى الصيام، فهذا الرجل يصوم ستة أشهر، ولكن الأشهر الستة ليس بلازم أن تكون متوالية، فله أن يصوم شهرين ثم يفصل بمدة، ثم بعد ذلك يصوم شهرين وهكذا، لكن الكفارة الواحدة لابد فيها من التتابع، أما الكفارات المتعددة فلا يلزم تتابعها، بل يمكن أن يأتي بكل واحدة على حدة ويفصل بينها بالمدة التي يستجم بها ويستريح.(430/30)
حكم جلود السباع وسؤرها
السؤال
هل جلود السباع وسؤرها نجس؟
الجواب
جلود السباع لا يجوز استعمالها؛ لأنه جاء ما يدل على منع ذلك وعلى تحريمه، وسؤرها نجس، وإذا كان الماء قليلاً فإنه يتأثر، وأما إذا كان الماء كثيراً فلا تؤثر فيه النجاسة.(430/31)
جواز الجمع بين الصلاة والسلام لغير النبي من الأنبياء والمرسلين
السؤال
هل يجمع لغير النبي صلى الله عليه وسلم من الأنبياء بين الصلاة والسلام؟
الجواب
لا أعلم شيئاً يمنع من أن يصلى ويسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى غيره من الأنبياء والرسل.(430/32)
حكم ذبح القنفذ ووضع دمه في أنف المصروع
السؤال
في بعض البلدان إذا كان الشخص به مرض الصرع فإنهم يذبحون القنفذ ويأخذون الدم الذي يخرج منه حين الذبح، ثم يضعونه في أنف المصروع أو يشربه وهو نافع جداً؟
الجواب
كونهم يذبحون القنفذ ويضعون الدم في أنف المصروع هذا غير صحيح؛ لأن هذا الذبح يمكن أن يكون فيه شيء يتعلق بالتقرب للشياطين.(430/33)
حكم صلاة ركعتين قبل السفر
السؤال
هل من السنة صلاة ركعتين قبل السفر؟
الجواب
لا أعلم، لكن ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر أتى المسجد وصلى فيه ركعتين.(430/34)
معنى تسوية الصفوف والمحاذاة فيها
السؤال
هل المعتبر في تسوية الصفوف طرف الرجل أو الكعب؟
الجواب
أن المعتبر هو المحاذاة بالكعاب؛ لأن الأرجل تتفاوت في الطول والقصر، ولأن الرجل الذي رجله قصيرة إذا أراد أن يحاذي من رجله طويلة يكون متقدماً، ولكن المحاذاة تكون بالكعاب.(430/35)
حكم أكل لحوم الحمر الأهلية(430/36)
شرح حديث (نهى رسول الله يوم خيبر عن أن نأكل لحوم الحمر)
قال المصنف يرحمه الله تعالى: [باب في أكل لحوم الحمر الأهلية.
حدثنا إبراهيم بن حسن المصيصي حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار أخبرني رجل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم خيبر عن أن نأكل لحوم الحمر، وأمرنا أن نأكل لحوم الخيل) قال عمرو: فأخبرت هذا الخبر أبا الشعثاء، فقال: قد كان الحكم الغفاري فينا يقول هذا، وأبى ذلك البحر، يريد ابن عباس رضي الله عنهم].
يقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أكل لحوم الحمر الأهلية] لحوم الحمر الأهلية أكلها حرام، وقد حرم ذلك عام خيبر، وجاء فيها أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم عام خيبر لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل، فدل هذا على تحريم لحوم الحمر الأهلية، وعلى إباحة أكل لحوم الخيل.
وقد جاءت الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام في تحريم لحوم الحمر الأهلية عن عشرين صحابياً ذكرهم ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن.
وذكر المصنف رحمه الله طريقاً أخرى فيها أن الحكم الغفاري جاء عنه مثل ما جاء عن جابر رضي الله عنه.
وقوله: [وأبى ذلك البحر، يريد ابن عباس] قيل: لعل ذلك كان منه قبل أن تبلغه الأحاديث في ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والحمر الأهلية حرمت، وجاء في تعليل تحريمها أنها رجس، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث.(430/37)
تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله يوم خيبر عن أن نأكل لحوم الحمر)
قوله: [حدثنا إبراهيم بن حسن المصيصي].
إبراهيم بن الحسن المصيصي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا حجاج].
هو حجاج بن محمد المصيصي الأعور وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عمرو بن دينار].
هو عمرو بن دينار المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني رجل].
قد جاء في صحيح البخاري وغيره أنه محمد بن علي بن الحسين المعروف بـ الباقر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال عمرو: فأخبرت هذا الخبر أبا الشعثاء].
أبو الشعثاء هو جابر بن زيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[فقال: قد كان الحكم الغفاري فينا يقول هذا].
أي: هذا الذي جاء في هذا الحديث من تحريم الحمر الأهلية جاء عن الحكم، والحكم الغفاري صحابي، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[وأبى ذلك البحر].
البحر لقب به ابن عباس؛ وذلك لسعة علمه رضي الله تعالى عنه، وهو أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(430/38)
شرح حديث (أطعم أهلك من سمين حمرك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن أبي زياد حدثنا عبيد الله عن إسرائيل عن منصور عن عبيد أبي الحسن عن عبد الرحمن عن غالب بن أبجر رضي الله عنه قال: (أصابتنا سنة، فلم يكن في مالي شيء أطعم أهلي إلا شيء من حمر، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم لحوم الحمر الأهلية، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله! أصابتنا السنة ولم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان الحمر، وإنك حرمت لحوم الحمر الأهلية، فقال: أطعم أهلك من سمين حمرك، فإنما حرمتها من أجل جوال القرية، يعني الجلالة)].
قال أبو داود عبد الرحمن هذا هو ابن معقل.
قال أبو داود: روى شعبة هذا الحديث عن عبيد أبي الحسن عن عبد الرحمن بن معقل عن عبد الرحمن بن بشر عن ناس من مزينة: أن سيد مزينة أبجر أو ابن أبجر سأل النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا محمد بن سليمان حدثنا أبو نعيم عن مسعر عن ابن عبيد عن ابن معقل عن رجلين من مزينة أحدهما عن الآخر، أحدهما عبد الله بن عمرو بن عويم، والآخر غالب بن الأبجر، قال مسعر: أرى غالباً الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث].
أورد أبو داود حديث غالب بن أبجر الذي فيه: أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إنك حرمت لحوم الخيل، وليس عندي ما أطعم أهلي إلا سمان هذه الحمر، فقال: أطعم أهلك من سمان الحمر فإنما حرمتها من أجل أنها جوال القرية، وال القرية هي الجلالة التي تأكل العذرة، ومعلوم أن المنع من أكل الجلالة هو مؤقت، وقد جاءت الأحاديث في أن الجلالة من الإبل والبقر والغنم تحبس مدة وتطعم علفاً طيباً ثم بعد ذلك تؤكل، فالتحريم للحمر الأهلية ليس من أجل الجوال وإنما من أجل أنها رجس، كما جاء ذلك مبيناً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث هذا فيه اضطراب، وهو ضعيف لكونه مضطرباً؛ لأنه جاء من وجوه مختلفة وعلى أوجه مختلفة، وأيضاً هو مخالف للتعليل الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بأنها رجس، أما التعليل بأنها جوال فمعنى ذلك أن الحكم يكون منوطاً بكونها جوالاً، ولكن الصحيح أنها حرمت من أجل أنها رجس، والحديث كما عرفنا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (أصابتنا السنة) السنة القحط والجدب.(430/39)
تراجم رجال إسناد حديث (أطعم أهلك من سمين حمرك)
قوله: [حدثنا عبد الله بن أبي زياد].
عبد الله بن أبي زياد هو صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[حدثنا عبيد الله].
هو عبيد الله بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إسرائيل].
هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور].
هو منصور بن المعتمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد أبي الحسن].
هو عبيد بن الحسن أبو الحسن، فكنيته توافق اسم أبيه، وهذا من أنواع علوم الحديث التي هي معرفة من وافقت كنيته اسم ابيه، وفائدة معرفتها ألا يظن التصحيف بين الابن وأبيه، فهو إن جاء عبيد أبي الحسن فهو صحيح، وإن جاء عبيد بن الحسن فهو صحيح، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود وابن ماجة.
[عن عبد الرحمن].
هو عبد الرحمن بن معقل وهو ثقة، أخرج له أبو داود.
[عن غالب بن أبجر].
غالب بن أبجر رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أبو داود.
[قال أبو داود عبد الرحمن هذا هو ابن معقل].
قال أبو داود: روى شعبة هذا الحديث عن عبيد أبي الحسن عن عبد الرحمن بن معقل عن عبد الرحمن بن بشر عن ناس من مزينة: أن سيد مزينة أبجر أو ابن أبجر سأل النبي صلى الله عليه وسلم].
[روى شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد أبي الحسن عن عبد الرحمن بن معقل عن عبد الرحمن بن بشر].
عبد الرحمن بن بشر هو مقبول، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن ناس من مزينة: أن سيد مزينة أبجر أو ابن أبجر سأل النبي صلى الله عليه وسلم].
وهذا من الاضطراب الذي فيه.
[حدثنا محمد بن سليمان].
هو محمد بن سليمان الأنباري وهو ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا أبو نعيم].
هو أبو نعيم الفضل بن دكين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسعر].
هو مسعر بن كدام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عبيد].
في شيوخ مسعر رجل اسمه ثابت بن عبيد الأنصاري، لكنه غير مذكور في تلاميذ ابن معقل، وهذا من الاختلاف والاضطراب الذي في هذه الأسانيد.
[عن ابن معقل عن رجلين من مزينة أحدهما عن الآخر، أحدهما عبد الله بن عمرو بن عويم].
عبد الله بن عمرو بن عويم ما وجدت له ترجمة.
[والآخر غالب بن الأبجر، قال مسعر: أرى غالباً الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث].
يعني: أنه هو الصحابي الذي في نهاية الإسناد الذي تقدم.
[عن رجلين من مزينة أحدهما عن الآخر].
يحتمل أن يكون غالب بن الأبجر هو الذي يروي عن عبد الله بن عمرو بن عويم، ويحتمل أن يكون الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم هو غالب.(430/40)
شرح حديث (نهى رسول الله يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سهل بن بكار حدثنا وهيب عن ابن طاوس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وعن الجلالة عن ركوبها وأكل لحمها)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال: [(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية)] يعني: عن أكلها.
قوله: [(وعن الجلالة: عن ركوبها وأكل لحمها)].
يعني: وعن الجلالة أكلها وركوبها، وسبق أن مرت الأحاديث فيما يتعلق بالجلالة في النهي عن أكلها وركوبها.(430/41)
تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية)
قوله: [حدثنا سهل بن بكار].
سهل بن بكار هو ثقة ربما وهم، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا وهيب].
هو وهيب بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن طاوس].
هو عبد الله بن طاوس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن شعيب].
عمرو بن شعيب هو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن جده].
هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(430/42)
شرح سنن أبي داود [431]
جاءت الأحاديث الصحيحة بجواز أكل الجراد، وجواز أكل ما تقلص عنه ماء البحر وقت الجزر فمات، فميتة البحر حلال، وميتة البر حرام، لكن يجوز أكلها للمضطر، ولا بأس بالجمع بين لونين من الطعام، وكذلك أكل الجبن، والخل وقد مدحه النبي صلى الله عليه وسلم.(431/1)
حكم أكل الجراد(431/2)
شرح حديث (غزوت مع رسول الله ست أو سبع غزوات فكنا نأكله معه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أكل الجراد.
حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن أبي يعفور قال: (سمعت ابن أبي أوفى رضي الله عنهما وسألته عن الجراد فقال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ست أو سبع غزوات فكنا نأكله معه)].
يقول المصنف رحمه الله: [باب في أكل الجراد]، والجراد هو من الحيوانات التي تحل ميتتها، كما جاء في الحديث: (أحلت لنا ميتتان ودمان: أما الميتتان فهما السمك، والجراد) والجراد من الحيوانات التي لا دم فيها، وجاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في حل أكل الجراد وإباحته، ومنها: حديث عبد الله بن أبي أوفى الذي أورده المصنف هنا أنه قال: [(غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست أو سبع غزوات فكنا نأكل الجراد معه)] صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على إباحته وعلى حله.(431/3)
تراجم رجال إسناد حديث (غزوت مع رسول الله ست أو سبع غزوات فكنا نأكله معه)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر النمري].
حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة عن أبي يعفور].
شعبة مر ذكره، وأبو يعفور هو وقدان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت ابن أبي أوفى].
هو عبد الله بن أبي أوفى وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهذا من أعلى الأسانيد عند أبي داود؛ لأنه رباعي.(431/4)
شرح حديث (سئل النبي عن الجراد فقال أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرمه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الفرج البغدادي حدثنا ابن الزبرقان حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان رضي الله عنه قال: (سئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الجراد، فقال: أكثر جنود الله، لا آكله، ولا أحرمه)].
أورد أبو داود هذا الحديث عن سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الجراد: [(أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرمه)]، وقد عرفنا أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حله وإباحته، وأن الصحابة أكلوه مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوات كثيرة، كما مر في الحديث السابق خلال ست غزوات أو سبع غزوات وهم يأكلون الجراد معه صلى الله عليه وسلم.
قوله: (أكثر جنود الله) يحمل على أنه أكثر جند الله في الأرض؛ لأن الملائكة هم الكثرة الكاثرة الذين لا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى، قال عز وجل: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31] فهم خلق كثير، وقد جاء في الأحاديث ما يدل على كثرتهم، كقوله صلى الله عليه وسلم: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع قدم إلا وفيها ملك راكع أو ساجد لله عز وجل)، وكذلك الحديث الذي فيه: (البيت المعمور في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة، ومن دخله لا يدخله مرة أخرى) وكل إنسان معه قرين من الجن وقرين من الملائكة.
وما ذكر في هذا الحديث أنه لا يحله ولا يحرمه غريب، فقد ثبت عنه أنه حلال وأنه غير محرم، وهذا الحديث فيه اختلاف في رفعه وإرساله كما سيذكره المصنف.(431/5)
تراجم رجال إسناد حديث (سئل النبي عن الجراد فقال أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرمه)
قوله: [حدثنا محمد بن الفرج البغدادي].
محمد بن الفرج البغدادي صدوق، أخرج له الإمام مسلم وأبو داود.
[حدثنا ابن الزبرقان].
هو محمد بن الزبرقان وهو صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا سليمان التيمي].
هو سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عثمان النهدي].
هو عبد الرحمن بن مل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سلمان].
هو سلمان الفارسي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[قال أبو داود: رواه المعتمر عن أبيه عن أبي عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر سلمان رضي الله عنه].
يعني: أنه مرسل، وهذا من رواية المعتمر عن أبيه الذي هو سليمان بن طرخان، والمعتمر بن سليمان بن طرخان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(431/6)
طريق أخرى لحديث (سئل النبي عن الجراد فقال أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرمه) وترجمة رجال الإسناد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن علي وعلي بن عبد الله قالا: حدثنا زكريا بن يحيى بن عمارة عن أبي العوام الجزار عن أبي عثمان النهدي عن سلمان رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل فقال مثله، فقال: أكثر جند الله) قال علي: اسمه فائد يعني: أبا العوام.
قال أبو داود: رواه حماد بن سلمة عن أبي العوام عن أبي عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر سلمان].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيها ذكر سلمان وعدم ذكره كالطريقتين السابقتين.
قوله: [حدثنا نصر بن علي].
هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعلي بن عبد الله].
هو علي بن عبد الله المديني وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير.
[حدثنا زكريا بن يحيى بن عمارة].
زكريا بن يحيى بن عمارة صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبي العوام الجزار].
أبو العوام الجزار اسمه فائد وهو مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبي عثمان النهدي عن سلمان].
قد مر ذكرهما.
[قال أبو داود: رواه حماد بن سلمة عن أبي العوام].
حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.(431/7)
حال حديث (سئل النبي عن الجراد فقال أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرمه)
هذا الحديث ضعيف؛ لأنه جاء مرسلاً ومتصلاً، والذين أرسلوه فيهم المعتمر بن سليمان عن أبيه، وذاك الذي شاركه في الرواية عن سليمان بن طرخان هو محمد بن الزبرقان وهو صدوق يهم، ثم هو مخالف للحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم من حديث ابن أبي أوفى.
والجراد ميتتها حلال، وهي أنواع، وكل أنواعها حلال، لكن من الجراد ما هو جيد ومنها ما هو غير جيد، وكله حلال.
أما الجواب عن كون الجراد من جند الله وعذب الله بها أقواماً، فكيف يحل لنا أن نأكلها وهي من جنود الله فأولاً الحديث لم يصح، ثم أيضاً كونه من جند الله فجنود الله أمم مختلفة الجراد وغير الجراد، وإنما جاء الإشارة إلى أن الجراد أكثر جند الله، وإلا فجنود الله عز وجل لا يحصيهم إلا الله عز وجل على مختلف أنواعهم وأصنافهم، وكما عرفنا الحديث غير ثابت، وكونه يعذب به بعض الأمم لا ينافي حله، هذا لو ثبت الحديث.(431/8)
حكم أكل الطافي من السمك(431/9)
شرح حديث (ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أكل الطافي من السمك.
حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا يحيى بن سليم الطائفي حدثنا إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه، وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه)].
يقول المصنف رحمه الله: [باب في أكل الطافي من السمك] الطافي هو السمك الذي يموت فيطفو على سطح البحر، هذا يقال له: الطافي.
أورد أبو داود حديث جابر مرفوعاً: [(ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه، وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه)] يعني: ما مات فيه وطفا ولم يلقه البحر ولم يجزر عنه فلا تأكلوه، لكن كما هو معلوم أن كل ذلك حلال؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أحلت لنا ميتتان ودمان: فأما الميتتان فالسمك والجراد) فعلى أي حالة مات وعلى أي وجه مات فإنه حلال، ولا فرق في ذلك بين أن يلقيه البحر أو يجزر عنه وبين أن يطفو على سطحه ويبقى على ظهره والناس يأخذوه من ظهره، وكل ذلك حلال ومباح ولا بأس به.
قوله: (ما ألقى البحر) يعني: قذفه حتى صار على البر وهو حي ثم مات.
قوله: (أو جزر عنه) يعني: أن البحر حسر ونقص إلى مكان ظهر فيه السمك وبقي في الأرض اليابسة ثم مات.
إذاً: سواء مات في البحر وطفا، أو قذفه البحر على البر ومات في البر، أو جزر عنه ومات في المكان الذي جزر عنه وخلي من الماء؛ كل ذلك حلال، وهذا الحديث الذي فيه تفصيل فيه ضعف.(431/10)
تراجم رجال إسناد حديث (ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه)
قوله: [حدثنا أحمد بن عبدة].
أحمد بن عبدة ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا يحيى بن سليم الطائفي].
يحيى بن سليم الطائفي صدوق سيئ الحفظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إسماعيل بن أمية].
إسماعيل بن أمية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير].
هو محمد بن مسلم بن تدرس وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله].
جابر مر ذكره.(431/11)
حال حديث (ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه) وذكر طرقه وترجمة رجال الإسناد
هذا الحديث أخرجه ابن ماجة وفيه عنعنة أبي الزبير وهو صدوق سيء الحفظ، ثم أيضاً هو مخالف لما جاء في حديث: (أحلت لنا ميتتان ودمان)، وحديث السرية التي أكلت من العنبر الكبير الذي كان على ساحل البحر، وأن البحر قذف ذلك العنبر الكبير الذي جلسوا عليه شهراً يأكلون منه.
[قال أبو داود: روى هذا الحديث سفيان الثوري وأيوب وحماد عن أبي الزبير، أوقفوه على جابر].
هذا يفيد أن هؤلاء الثقات الثلاثة رووه موقوفاً على جابر ولم يضيفوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون من قول جابر.
[وقد أسند هذا الحديث أيضاً من وجه ضعيف عن ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم].
يعني: أسند كما في الطريق الأولى.
قوله: [روى هذا الحديث سفيان الثوري].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأيوب].
هو أيوب السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وحماد].
هو حماد بن سلمة مر ذكره [عن أبي الزبير أوقفوه على جابر] قد مر ذكرهما.
[وقد أسند هذا الحديث أيضاً من وجه ضعيف عن ابن أبي ذئب].
هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير عن جابر].
أبو الزبير وجابر مر ذكرهما.(431/12)
حكم أكل المضطر للميتة(431/13)
شرح حديث الرجل الذي سأل الرسول في أكل ناقة ميتة فقال (هل عندك غنى يغنيك؟ قال لا، قال فكلوها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المضطر إلى الميتة.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما: (أن رجلاً نزل الحرة ومعه أهله وولده، فقال رجل: إن ناقة لي ضلت، فإن وجدتها فأمسكها، فوجدها فلم يجد صاحبها فمرضت، فقالت امرأته: انحرها فأبى، فنفقت، فقالت: اسلخها حتى نقدد شحمها ولحمها ونأكله، فقال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه فسأله، فقال: هل عندك غنى يغنيك؟ قال: لا، قال: فكلوها، قال: فجاء صاحبها فأخبره الخبر، فقال: هلا كنت نحرتها، قال: استحييت منك)].
قوله: [باب في المضطر إلى الميتة].
أي: أنه يأكل منها على قدر ما يزيل عنه الضرورة والحاجة التي دعته إلى ذلك.
أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما: (أن رجلاً نزل الحرة ومعه أهله وولده) الحرة هي الأرض التي فيها حجارة سوداء، والمدينة حولها حرار.
قوله: (فقال رجل: إن ناقة لي ضلت فإن وجدتها فأمسكها، فوجدها فلم يجد صاحبها فمرضت، فقالت امرأته: انحرها، فأبى، فنفقت) يعني: أوصاه إن وجد الناقة أن يبقيها عنده حتى يأتي ويأخذها.
قوله: (فنفقت) يعني: ماتت.
قوله: (فقالت: اسلخها حتى نقدد شحمها ولحمها ونأكله، فقال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه فسأله فقال: هل عندك غنى يغنيك؟ قال: لا، قال: فكلوها، قال: فجاء صاحبها فأخبره الخبر فقال: هلا كنت نحرتها، قال: استحييت منك).
يعني: أنه يباح له أن يأكل من الميتة عند الضرورة ما يدفع به اضطراره، لا أنه يأكلها كما يأكل غيرها ولا فرق بينها وبين غيرها، ومن العلماء من قال: إن المحتاج له أن يأكل الميتة ويتوسع في الأكل، ولكن الآية جاءت في قصر ذلك على الضرورة، وأن الإنسان يأكل على قدر الضرورة؛ لأن الميتة نجسة وخبيثة فلا يتناول من الخبيث إلا مقدار ما يسد به رمقه ويسد به جوعه، أما أن يتوسع في الأكل ويتفنن فيه ويكثر من الأكل من غير أن يكون هناك ضرورة لذلك فلا.
وكذلك ليس للإنسان أن يترك الأكل منها عند الاضطرار حتى يموت، وإذا فعل فهل يقال: إنه قاتل نفسه؟ لا أدري.
وإذا أمكنه أن يسأل غيره أو يستدين فذلك أولى من أكل الميتة.(431/14)
تراجم رجال إسناد حديث الرجل الذي سأل الرسول في أكل ناقة ميتة فقال (هل عندك غنى يغنيك؟ قال لا، قال فكلوها)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن سلمة.
مر ذكره.
[عن سماك بن حرب].
سماك بن حرب صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن جابر بن سمرة].
جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهذا الإسناد رباعي، وهو من الأسانيد العالية عند أبي داود.(431/15)
شرح حديث (ما يحل لنا من الميتة؟ قال ما طعامكم؟)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا الفضل بن دكين حدثنا عقبة بن وهب بن عقبة العامري قال: سمعت أبي يحدث عن الفجيع العامري رضي الله عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (ما يحل لنا من الميتة؟ قال: ما طعامكم؟ قلنا: نغتبق ونصطبح -قال أبو نعيم: فسره لي عقبة: قدح غدوة، وقدح عشية- قال: ذاك -وأبي- الجوع، فأحل لهم الميتة على هذه الحال).
قال أبو داود: الغبوق من آخر النهار، والصبوح من أول النهار].
أورد أبو داود حديث الفجيع العامري أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: [(ما يحل لنا من الميتة؟ قال: ما طعامكم؟ قلنا: نغتبق ونصطبح)] يعني: في الصباح وفي العشي، ثم وصف ذلك بأنه قدح في الغداة، وقدح في العشي من الحليب.
فقال: [(ذاك -وأبي- الجوع)] يعني: أن هذا الطعام لا يكفي، ثم إنه أباح لهم أن يأكلوا الميتة والحال هذه.
هذا الحديث غير صحيح، وفيه أن الحليب لا يجزئ عن الطعام، مع أنه قد مر بنا أنه ليس شيء يجزئ عن الطعام والشراب إلا اللبن، وقد جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه)، وقال في غيره: (اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه) وهذا يدل على أن اللبن يجزئ عن الأكل والشرب، ثم أيضاً كونه يقسم ويقول: [(وأبي)] فهو حلف بأبيه، فهذا مما يدل على نكارة المتن.
والغبوق هو: شرب الحليب أو اللبن في المساء، والاصطباح هو: شرب اللبن أو الحليب في الصباح.(431/16)
تراجم رجال إسناد حديث: (ما يحل لنا من الميتة؟ قال ما طعامكم؟)
قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله].
هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا الفضل بن دكين].
هو الفضل بن دكين أبو نعيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عقبة بن وهب بن عقبة العامري].
عقبة بن وهب بن عقبة العامري مقبول، أخرج له أبو داود.
[قال: سمعت أبي].
هو وهب بن عقبة العامري، وهو مستور، أخرج له أبو داود.
[عن الفجيع العامري].
الفجيع العامري رضي الله عنه، أخرج حديثه أبو داود.
والحديث ضعيف من حيث الإسناد، وأيضاً من حيث المتن فيه نكارة من جهة أن الحليب أو اللبن الذي يستعملونه في الصباح والمساء لا يكفي، وأنهم يأكلون لحم الميتة مع ذلك.(431/17)
حكم الجمع بين لونين من الطعام(431/18)
شرح حديث (وددت أن عندي خبزة بيضاء من برة سمراء ملبقة بسمن ولبن)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجمع بين لونين من الطعام.
حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة أخبرنا الفضل بن موسى عن حسين بن واقد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (وددت أن عندي خبزة بيضاء من برة سمراء ملبقة بسمن ولبن، فقام رجل من القوم فاتخذه فجاء به، فقال: في أي شيء كان هذا؟ قال: في عكة ضب.
قال: ارفعه).
قال أبو داود: هذا حديث منكر.
قال أبو داود: وأيوب ليس هو السختياني].
قوله: [باب في الجمع بين لونين من الطعام].
الجمع بين لونين من الطعام سائغ وجائز ولا بأس به، ومعلوم أن الثريد كان خير الطعام وأحب الطعام عندهم، وقد قال فيه عليه الصلاة والسلام: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) هو مكون من خبز ولحم، وهما نوعان ولونان، فالجمع بين ذلك لا بأس به.
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر قال: قال صلى الله عليه وسلم: [(وددت أن عندي خبزة بيضاء من برة سمراء ملبقة بسمن ولبن)].
يعني: قد صُبَّ عليها سمن ولبن فصارت لينة سهلة المذاق والأكل، ففعل ذلك أحد الصحابة وأتى به إليه وقال: إن السمن كان في عكة من جلد ضب، فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرفعه.
وهذا الحديث غير صحيح من جهة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا المقال: وددت أن يكون كذا وكذا؛ لأن مثل هذا يبعد أن يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يتمنى، مثل هذا التمني ويعلن ذلك لأصحابه، ومعلوم أن أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم يتنافسون على خدمته وعلى تقديم ما يقدرون عليه من تقديمه له صلى الله عليه وسلم، هذا من حيث المتن، وأما من حيث الإسناد ففيه من هو متكلم فيه.(431/19)
تراجم رجال إسناد حديث (وددت أن عندي خبزة بيضاء من برة سمراء ملبقة بسمن ولبن)
قوله: [حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة].
محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة هو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[أخبرنا الفضل بن موسى].
الفضل بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حسين بن واقد].
حسين بن واقد وهو ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أيوب].
أيوب هو متروك، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن نافع].
هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو داود: هذا حديث منكر].
يعني: هو منكر من جهة أن فيه هذا الرجل الذي هو أيوب وهو متروك، أما من جهة متنه فإنه منكر في كون النبي صلى الله عليه وسلم يتمنى هذا ويعلن هذا التمني للصحابة، ويجعل هذا الطعام مكوناً من كذا وكذا وكذا.
ومما يدل على جواز الجمع بين لونين الحديث الذي مر بنا قريباً، وهو حديث طعام الخياط الذي فيه دبا وفيه شعير وفيه مرق، يعني: ألوان عدة من الطعام، وكذلك ما مر في الثريد كما في حديث فضل عائشة.(431/20)
حكم أكل الجبن(431/21)
شرح حديث (أتي النبي بجبنة في تبوك فدعا بسكين فسمى وقطع)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب أكل الجبن.
حدثنا يحيى بن موسى البلخي حدثنا إبراهيم بن عيينة عن عمرو بن منصور عن الشعبي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أُتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجبنة في تبوك فدعا بسكين فسمى وقطع)].
قوله: باب أكل الجبن، أورد فيه المصنف حديث ابن عمر قال: [(أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في تبوك)] يعني: أُتي بقطعة من الجبن في غزوة تبوك.
قوله: [(فدعا بسكين فسمى وقطع)] يعني: ذكر اسم الله عز وجل وقطع الجبن بالسكين، فهذا يدل على أن الجبن من الأطعمة المباحة التي أحلها الله.(431/22)
تراجم رجال إسناد حديث (أتي النبي بجبنة في تبوك فدعا بسكين فسمى وقطع)
قوله: [حدثنا يحيى بن موسى البلخي].
يحيى بن موسى البلخي هو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا إبراهيم بن عيينة].
إبراهيم بن عيينة هو أخو سفيان بن عيينة، وهو صدوق يهم، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن عمرو بن منصور].
عمرو بن منصور صدوق يهم، أخرج له أبو داود.
[عن الشعبي].
هو عامر بن شراحيل الشعبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
ابن عمر قد مر ذكره.(431/23)
ما جاء في الخل(431/24)
شرح حديث (نعم الإدام الخل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الخل.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا معاوية بن هشام حدثنا سفيان عن محارب بن دثار عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (نعم الإدام الخل)].
يقول المصنف رحمه الله باب: في الخل، وأنه من الأدم، وأورد فيه حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نعم الإدام الخل)، وهذا مدح له؛ لأنه يسير ومفيد، وهو سهل التناول، ومع ذلك يحصل به استساغة الطعام ويشتهى بأن يغمس فيه أو يستعمل معه.
إذاً: هذا مدح من النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الإدام، الذي هو من أيسر الأدم وأسهلها.(431/25)
تراجم رجال إسناد حديث (نعم الإدام الخل)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا معاوية بن هشام].
معاوية بن هشام صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا سفيان].
هو سفيان الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محارب بن دثار].
محارب بن دثار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
جابر بن عبد الله مر ذكره.(431/26)
طريق أخرى لحديث (نعم الإدام الخل) وتراجم رجال الإسناد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي ومسلم بن إبراهيم قالا: حدثنا المثنى بن سعيد عن طلحة بن نافع عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نعم الإدام الخل)].
أورد المصنف رحمه الله الحديث من طريق أخرى عن جابر وهو مثل الذي قبله لفظاً ومعنى.
قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي].
هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومسلم بن إبراهيم].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا المثنى بن سعيد].
المثنى بن سعيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن طلحة بن نافع].
طلحة بن نافع صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله].
جابر بن عبد الله قد مر ذكره.
وهذا إسناد رباعي، وهو من الأسانيد العالية عند أبي داود، وأبو الوليد ومسلم في طبقة واحدة؛ لأنهما بمنزلة الشخص الواحد.(431/27)
الأسئلة(431/28)
المقصود بالحمر الأهلية وعلة تحريمها وحكم عرقها ولعابها
السؤال
ما المقصود بالحمر الأهلية اليوم؟ وما علة تحريمها؟ وما حكم عرقها ولعابها؟
الجواب
الحمر التي عند الناس الآن هي الحمر الأهلية، أما الحمر الوحشية فلا توجد إلا في البر.
أما علة التحريم فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فإنها رجس) وقد يكون المراد بالرجس النجاسة أو الخبث، فإن كانت بمعنى النجاسة فعرقها ولعابها مما تعم به البلوى وهو معفو عنه.(431/29)
حكم أكل السمك الطافي والفرق بينه وبين غيره
السؤال
يرى الإمام أبو حنيفة رحمه الله المنع من أكل السمك الطافي؛ لعلة أن السمك الطافي لا يطفو إلا وقد تحلل من داخله، وانقلبت منفعته إلى مضرة صحية فهل هذا صحيح؟
الجواب
الأصل هو عدم ثبوت ذلك، ودخوله في عموم الأحاديث، ولا فرق بين الطافي وغيره.(431/30)
حكم شرب الخل
السؤال
هل يستعمل الخل شراباً؟
الجواب
لا نعلم شيئاً يمنعه، وهو فيه حموضة، لكنه في الغالب يستعمل إداماً، وهو يجعل الطعام شهياً عندما يضاف إليه.(431/31)
معنى الإدام
السؤال
ما معنى الإدام؟
الجواب
الإدام هو الذي يستساغ به الطعام، مثل الخبز يغمس في مرق، أو في خل، أو غير ذلك.(431/32)
حقيقة الخل
السؤال
من أين يستخرج الخل؟ وهل الخل المصنَّع الآن له نفس المنفعة؟
الجواب
الخل كما هو معلوم هو هذا الذي فيه الحموضة، والذي يصنع الآن ما أعرف عنه شيئاً.(431/33)
وجه كلام الخطابي على حديث (أتي النبي بجبنة في تبوك)
السؤال
يقول الخطابي في التعليق على حديث: (أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في تبوك) إنما جاء به أبو داود من أجل أن الجبن كان يعمله قوم من الكفار لا تحل ذكاتهم، وكانوا يعقدونها بالأنافح، فهل هذا صحيح؟
الجواب
معلوم أن غزوة تبوك كان فيها غزو الروم، والروم هم من النصارى ممن تحل ذبائحهم، والأنافح هي قطعة مما في جوف الحيوان.(431/34)
حكم استعمال جلود السباع بعد دباغتها
السؤال
هل يجوز استعمال جلود السباع بعد دباغتها مثل جلد الثعلب؟
الجواب
لا، التي تحل بالدباغ هي ميتة ما يؤكل لحمه، أما ما لا يؤكل لحمه فجلده كميتته.(431/35)
شرح سنن أبي داود [432]
لقد جاء النهي باعتزال المساجد ومجامع الناس لمن أكل ثوماً أو بصلاً؛ وذلك لما فيهما من الأذية للناس، وكذلك لما في أكلهما من أذية الملائكة، فالذي ينبغي للمرء أن يجتنب أكلهما، وإن كان لابد من أكلهما فليأكلهما في وقت مبكر، بحيث لا يأتي وقت الصلاة إلا وقد ذهبت رائحتهما، أما التمر فقد ورد أنه من الأطعمة المهمة، فبيت لا تمر فيه جياع أهله، كذلك يجوز تفتيش التمر المسوس وأكله، أما الإقران في التمر عند الأكل فقد جاء النهي عنه.(432/1)
ما جاء في أكل الثوم(432/2)
شرح حديث (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا وليقعد في بيته)
قال المصنف يرحمه الله تعالى: [باب في أكل الثوم.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثني عطاء بن أبي رباح أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى عليه وآله وسلم قال: (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا -أو ليعتزل مسجدنا- وليقعد في بيته، وإنه أتي ببدر فيه خضرات من البقول فوجد لها ريحاً، فسأل، فأخبر بما فيها من البقول، فقال: قربوها إلى بعض أصحابه كان معه، فلما رآه كره أكلها قال: كل فإني أناجي من لا تناجي) قال أحمد بن صالح: ببدر، فسره ابن وهب: طبق].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أكل الثوم].
أورد أبو داود في أكل الثوم عدة أحاديث ترجع إلى أن أكل الثوم وحضور مجامع الناس وحضور المساجد فيه أذية للناس وللملائكة؛ وذلك لما فيه من الرائحة الكريهة.
وأورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا)] يعني: هذا شك من الراوي هل قال هذا أو قال هذا، وذكر المساجد والمجامع التي يكون فيها اجتماع الناس؛ لما يحصل فيها من الإيذاء، وقد جاء هذا الحديث في المنع منه، والدلالة على أن ذلك غير سائغ، وفي دخول المساجد بذلك أذية الملائكة كما جاء: (فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان).
والحاصل أن الروائح الكريهة التي تؤذي الناس ينبغي للإنسان أن يبتعد عنها؛ هذا ما كان مباحاً منها، وأما ما كان محرماً كالدخان فإنه لا يجوز له أن يتعاطاه أبداً، وأما الثوم والبصل وغيرهما من الأمور المباحة مما فيه رائحة كريهة، فإن على الإنسان أن يحذر من أن يؤذي الناس بهذه الرائحة، فإذا احتاج الأمر إلى أكلها فإنه يستعمل معها شيئاً يزيل أثرها، أو يأكلها في وقت مبكر، بحيث إذا جاء الوقت الذي يذهب فيه إلى المسجد تكون تلك الرائحة قد ذهبت، فلا يحصل الإيذاء بسبب أكل الثوم والبصل.
يقول الخطابي رحمه الله: إنما أمره باعتزال المسجد عقوبة له، وليس هذا من باب الأعذار التي تبيح للمرء التخلف عن الجماعة كالمطر والريح العاصف ونحوهما.
يعني: أن الإنسان لا يكون معذوراً إذا أكل الثوم وتخلف عن صلاة الجماعة، بل إن أمره بالاعتزال من العقوبات، ووجهها أنه يحال بينه وبين هذا الخير، وذلك أن أكل الثوم والبصل يمكن أن يكون على وجه لا يحصل معه التأخر عن الجماعة إذا احتاج إليه، بأن يكون ذلك في وقت مبكر، بحيث يأتي وقت الجماعة وليس هناك أثر لتلك الرائحة الكريهة.
قوله: [(وإنه أتي ببدر فيه خضرات)].
يعني: بطبق فيه أصناف من الخضروات والبقول.
قوله: [(فوجد لها ريحاً، فسأل، فأخبر بما فيها من البقول فقال: قربوها.
إلى بعض أصحابه كان معه، فلما رآه كره أكلها قال: كل فإني أناجي من لا تناجي)].
يعني: كرهها قدمها لبعض أصحابه، فلما رآه كرهها أمره بأن يأكل وأخبره أن امتناعه بسبب أنه يناجي الملائكة حين تأتيه بالوحي، وأيضاً يناجي الله عز وجل، ولكن الذي يختص به هو الملائكة الذين يأتون بالوحي، وقد جاء أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان.
ثم هو عليه الصلاة والسلام يكره الرائحة الكريهة ولا يحبها، ويحب الرائحة الطيبة، وقد سبقت قصة المغافير وأنه شرب عسلاً، فقالت بعض أمهات المؤمنين: إن فيه مغافير.
تعني: أن فيه رائحة مغافير، والمغافير هو النبات الذي ترعاه النحل ثم تظهر رائحته في عسله، فكان يكره الريح الخبيثة صلى الله عليه وسلم، ثم أيضاً مع كونه يكرهها فهو يناجي من لا يناجيه الناس، وهم الملائكة الذين يأتون بالوحي إليه صلى الله عليه وسلم.
قوله: [قال أحمد بن صالح: ببدر، فسره ابن وهب: طبق].
يعني: البدر هو الطبق.(432/3)
تراجم رجال إسناد حديث (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا وليقعد في بيته)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني يونس].
هو يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني عطاء بن أبي رباح].
هو عطاء بن أبي رباح المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن جابر بن عبد الله].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو أحد الصحابة السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(432/4)
شرح حديث (أنه ذكر عند رسول الله الثوم والبصل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو أن بكر بن سوادة حدثه أن أبا النجيب مولى عبد الله بن سعد حدثه أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه حدثه: (أنه ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الثوم والبصل، فقيل: يا رسول الله! وأشد ذلك كله الثوم أفتحرمه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلوه، ومن أكله فلا يقرب هذا المسجد حتى يذهب ريحه منه)].
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عنده الثوم والبصل، فقيل: [(يا رسول الله وأشد ذلك كله الثوم أفتحرمه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلوه، ومن أكله فلا يقرب هذا المسجد حتى يذهب ريحه منه)].
يعني: أنه صلى الله عليه وسلم أذن بأكله ولم يمنع منه، ولكن المنع من كونه يحصل على وجه مؤذٍ للناس، وذلك بأن يأتي آكله إلى المساجد، ومثلها مجامع الناس حيث يتأذى الناس برائحته في اجتماعه بهم وجلوسه معهم؛ لأن إيذاء المسلمين حرام، ولا يسوغ للمسلم أن يؤذي أخاه، ولكنه عندما يحتاج إليه يأكله في وقت مبكر حتى تزول رائحته، أو يستعمل معه شيئاً يزيل رائحته.(432/5)
تراجم رجال إسناد حديث (أنه ذكر عند رسول الله الثوم والبصل)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو].
هو عمرو بن الحارث المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن بكر بن سوادة].
وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[أن أبا النجيب مولى عبد الله بن سعد].
وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والنسائي.
[أن أبا سعيد الخدري].
هو سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهو في المعنى مثل الذي قبله، أي: أن الثوم والبصل مأذون فيه، وهو ليس من الأمور المحرمة، ولكن المحظور منه رائحته الكريهة التي يتأذى بها الناس.(432/6)
شرح حديث (من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفله بين عينيه ومن أكل من هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الشيباني عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن حذيفة رضي الله عنه أظنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفله بين عينيه، ومن أكل من هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا ثلاثاً)].
أورد أبو داود حديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفله بين عينيه، ومن أكل من هذه البقلة الخبيثة)] يعني: خبيثة الرائحة، وإلا فهي في الأصل من الطيبات ويستعملها الناس، لكن بإماتتها أو باستعمالها مع إزالة رائحتها.
قوله: [(فلا يقربن مسجدنا)] وقد جاء في بعض الأحاديث: (مساجدنا) فليس الأمر مقصوراً على مسجده صلى الله عليه وسلم، وإنما المقصود من ذلك المساجد التي هي محل اجتماع الناس وحضور الملائكة، وقد جاء في التعليل: (أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان) وهذا يدل على أن الإنسان لا يدخل المسجد وعنده هذه الرائحة ولو لم يكن فيه أحد من الناس؛ لأن التعليل ليس مقصوراً على الآدميين؛ بل الملائكة كذلك.(432/7)
تراجم رجال إسناد حديث (من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفله بين عينيه ومن أكل من هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا جرير].
هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الشيباني].
هو سليمان بن فيروز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عدي بن ثابت].
عدي بن ثابت وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زر بن حبيش].
زر بن حبيش وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حذيفة].
حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(432/8)
حكم التفل باتجاه القبلة ووجه وصف الثوم بالخبث
قوله: [(من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفله بين عينيه)].
هذا يدل على تحريم التفل إلى القبلة أو باتجاه القبلة، وأن على الإنسان أن يتفل إلى غير تلك الجهة، وهو عام في الصلاة وفي غير الصلاة، وفي المسجد أو في غيره.
قوله: [(من أكل من هذه البقلة الخبيثة)].
يعني: خبث الرائحة، وهو من جنس قوله (كسب الحجام خبيث) مع أنه مباح، وإنما هو كسب رديء، وليس معناه التحريم، وهذا ليس خاصاً بالبصل والثوم، بل يشمل غيرهما من الأطعمة ذات الرائحة الكريهة مما يؤذي الناس، فإنه يقاس عليه، لكن هناك شيء خبيث الرائحة ومحرم ألا وهو الدخان.
قوله: [(أظنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)].
يعني: أنه شك في كونه رفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والألباني صححه ولعله وجد شيئاً يفيد صحته، وأيضاً قوله: [(جاء يوم القيامة تفله بين عينيه)] لا يقال بالرأي وإنما هو من أمور الغيب.(432/9)
شرح حديث (من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن المساجد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن المساجد)].
أورد أبو داود حديث ابن عمر: [(من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن المساجد)] وهذا لفظ عام يشمل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، وهو يدل على أن ذكر مسجده صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات لا يدل على القصر عليه؛ لأن الحكم عام، والتعليل الذي حصل بكونها تؤذي الملائكة وتؤذي الآدميين يكون في مسجده صلى الله عليه وسلم وفي غير مسجده.(432/10)
تراجم رجال إسناد حديث (من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن المساجد)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله].
هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(432/11)
شرح حديث المغيرة (من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا حتى يذهب ريحها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا أبو هلال حدثنا حميد بن هلال عن أبي بردة عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (أكلت ثوماً فأتيت مصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد سبقت بركعة، فلما دخلت المسجد وجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ريح الثوم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاته قال: من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا حتى يذهب ريحها -أو ريحه- فلما قضيت الصلاة جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله! والله لتعطيني يدك، قال: فأدخلت يده في كم قميصي إلى صدري فإذا أنا معصوب الصدر، قال: إن لك عذراً)].
أورد أبو داود حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه أكل بصلاً وأنه جاء مسبوقاً وفاته بعض الصلاة فقام يقضي ما فاته، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: [(من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا)].
فلما قضى المغيرة بن شعبة صلاته جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يوقفه على السبب الذي جعله يأكل من هذه الشجرة، فإذا صدره معصوب، وأنه فعل ذلك على سبيل العلاج.
ومن العلماء من قال: إنه أكله من أجل الجوع.
لكن عندما يكون الجوع يعصب البطن وليس الصدر، وإنما يكون عصب الصدر من أجل العلاج.
قوله: [(قال: إن لك عذراً) يعني: في كونك أكلت، لكن كما هو معلوم إذا كان الإنسان مضطراً إلى العلاج، فإن عليه أن يستعمل ذلك في وقت مبكر حتى تذهب الرائحة.
قوله: [(فأدخلت يده في كم قميصي إلى صدري)].
يعني: كانت الأكمام واسعة، وفعل ذلك من أجل أن يوقفه على العصابة التي على صدره، فهو يريد أن يبين عذره وأنه مريض وأنه استعمله للعلاج.(432/12)
تراجم رجال إسناد حديث المغيرة (من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا حتى يذهب ريحها)
قوله: [حدثنا شيبان بن فروخ].
شيبان بن فروخ صدوق يهم، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبو هلال].
هو محمد بن سليم صدوق فيه لين، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن.
[حدثنا حميد بن هلال].
حميد بن هلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بردة].
أبو بردة بن أبي موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن المغيرة بن شعبة].
المغيرة بن شعبة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(432/13)
شرح حديث (أن النبي نهى عن هاتين الشجرتين وقال من أكلهما فلا يقربن مسجدنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عباس بن عبد العظيم حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو حدثنا خالد بن ميسرة -يعني: العطار - عن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن هاتين الشجرتين، وقال: من أكلهما فلا يقربن مسجدنا، وقال: إن كنتم لابد آكليهما فأميتوهما طبخاً.
قال: يعني البصل والثوم)].
أورد أبو داود حديث قرة بن إياس رضي الله تعالى عنه: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هاتين الشجرتين، وقال: من أكلهما فلا يقربن مسجدنا، إن كنتم لابد آكليهما فأميتوهما طبخاً)].
وهذا يفيد بأن الإنسان يستعملهما مطبوختين حتى لا يكون لهما رائحة، ومعلوم أن الثوم حتى مع الطبخ يكون فيه شيء من الرائحة، لكن ليست كالحالة التي يكون فيها قبل الطبخ.
والنهي عنهما ليس المقصود به تحريمهما، وإنما النهي عن استعمالهما على وجه يؤذي، وإذا كانوا لابد فاعلين فعليهم أن يميتوهما طبخاً، وكذلك لو أكلوهما وهم بحاجة إليهما بدون طبخ، فليكن في وقت مبكر بحيث تذهب الرائحة.(432/14)
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي نهى عن هاتين الشجرتين وقال من أكلهما فلا يقربن مسجدنا)
قوله: [حدثنا عباس بن عبد العظيم].
هو عباس بن عبد العظيم العنبري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو].
هو أبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا خالد بن ميسرة يعني العطار].
خالد بن ميسرة العطار صالح الحديث، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن معاوية بن قرة].
معاوية بن قرة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو قرة بن إياس رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.(432/15)
شرح حديث (نهي عن أكل الثوم إلا مطبوخاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا الجراح أبو وكيع عن أبي إسحاق عن شريك عن علي رضي الله عنه قال: (نهي عن أكل الثوم إلا مطبوخاً)].
أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: [(نهي عن أكل الثوم إلا مطبوخاً)] وهذا كما مر في الذي قبله: (إن كنتم لابد آكليهما فأميتوهما طبخاً) وكما عرفنا أن الأكل منهما غير مطبوخين سائغ، ولكن ينبغي أن يكون على وجه لا يحصل فيه إيذاء للناس.(432/16)
تراجم رجال إسناد حديث (نهي عن أكل الثوم إلا مطبوخاً)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا الجراح أبو وكيع].
هو الجراح بن مليح وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبي إسحاق].
هو أبو إسحاق السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شريك].
هو شريك بن حنبل وهو ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن علي].
هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(432/17)
شرح حديث عائشة (إن آخر طعام أكله رسول الله طعام فيه بصل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا ح وحدثنا حيوة بن شريح حدثنا بقية عن بحير عن خالد عن أبي زياد خيار بن سلمة (أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن البصل فقالت: إن آخر طعام أَكَلَهُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طعام فيه بصل)].
أورد أبو داود حديث عائشة أنها سئلت عن البصل فقالت: كان آخر طعام أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بصل، لكن الحديث في إسناده ضعف، وهو غير ثابت.(432/18)
تراجم رجال إسناد حديث عائشة (إن آخر طعام أكله رسول الله طعام فيه بصل)
قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى].
هو إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال أخبرنا ح وحدثنا].
التحويل جاء من أجل التفريق بين صيغة أخبرنا وحدثنا؛ لأن الشيخ الأول فقال: أخبرنا بقية، والشيخ الثاني قال: حدثنا بقية، فمن أجل ذلك جاء بالتحويل، وإلا كان بإمكانه أن يقول: أخبرنا فلان وفلان عن فلان، ولكنه أتى بهذا التحويل من أجل الإشارة إلى التفاوت في صيغة التحمل.
[ح وحدثنا حيوة بن شريح].
هو حيوة بن شريح الحمصي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
حيوة بن شريح الحمصي متأخر، وحيوة بن شريح المصري متقدم قليلاً عن هذا، والمصري خرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا خرج له بعضهم.
[حدثنا بقية].
هو بقية بن الوليد وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن بحير].
هو بحير بن سعد الحمصي وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
[عن خالد].
هو خالد بن معدان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي زياد خيار بن سلمة].
خيار بن سلمة مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي.
[أنه سأل عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(432/19)
الأسئلة(432/20)
حكم أكل الثوم قبل إتيان المسجد
السؤال
هل أكل الثوم قبل إتيان المسجد للصلاة يحمل على الكراهة أو الحرمة؟
الجواب
الذي يبدو أنه للتحريم؛ لأنه أولاً: يعرض نفسه للتخلف عن الجماعة، وصلاة الجماعة واجبة.
الأمر الثاني: إذا حضر سيؤذي الناس بهذه الرائحة الكريهة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فلا يقربن مسجدنا) فهو لاشك أنه آثم، لكن إذا أميت الثوم طبخاً ولم يكن له رائحة فلا بأس بذلك، أو يؤكل في وقت مبكر، بحيث يأتي وقت الصلاة وليس هناك ريح.
ومنعه من الصلاة ذكر الخطابي أنه عقوبة وليس عذراً، أي: أنه عوقب بمنعه من حصول هذا الخير الكثير له، وحتى لا يؤذي الناس.
إذاً: فالمطلوب منه ألا يأكله في وقت تكون الصلاة فيه قريبة، وإنما يأكله في وقت تذهب الرائحة مع مضي الوقت.(432/21)
وجه إلحاق الجوارب ذات الرائحة بالثوم في الحكم
السؤال
هل يلحق بالثوم رائحة الجوارب؟
الجواب
الجوارب إذا ظهر لها روائح تؤذي الناس فالواجب على الإنسان أن يزيلها، أو يأتي المسجد بدون جوارب، أو يأتي بجوارب نظيفة ليس فيها رائحة، والجوارب يمكن التخلص منها، أما البصل إذا أكل قرب وقت الصلاة فلا يمكن التخلص منه، اللهم إلا أن يوجد شيء يؤكل بعده فيزيل رائحته نهائياً.(432/22)
حكم قراءة القرآن ممن أكل الثوم والبصل
السؤال
ما حكم أكل الثوم والبصل لمن أراد أن يقرأ القرآن، فقد جاء في بعض الأحاديث: أن الملك يضع فاه على فم القارئ؟
الجواب
كون الإنسان يقرأ القرآن وهو على حالة طيبة، وبعيد من الروائح الكريهة، لا شك أن هذا مطلوب.(432/23)
ما جاء في التمر(432/24)
شرح حديث (رأيت النبي أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة وقال هذه إدام هذه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في التمر.
حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي عن محمد بن أبي يحيى عن يزيد الأعور عن يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله عنهما قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة، وقال: هذه إدام هذه)].
قوله: [باب في التمر] أورد فيه حديث يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله عنهما قال: [(رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة من خبز فوضع فيها تمرة، وقال: هذه إدام هذه)] يعني: أن الخبز إدامه التمر، والتمر معروف أنه ليس من الإدام وإنما هو من الأطعمة، وإنما الإدام مثل الزبد ومثل الخل وما إلى ذلك، ومعلوم أن التمر إدامه الزبد، حيث يغمس فيه.
وهذا الحديث الذي فيه الجمع بين الخبز والتمر غير صحيح.(432/25)
تراجم رجال إسناد حديث (رأيت النبي أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة وقال هذه إدام هذه)
قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله].
هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا عمر بن حفص].
عمر بن حفص ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا أبي].
هو حفص بن غياث وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن أبي يحيى].
وهو صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[عن يزيد الأعور].
وهو مجهول، أخرج له أبو داود والترمذي في الشمائل.
[عن يوسف بن عبد الله بن سلام].
يوسف بن عبد الله بن سلام صحابي صغير، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.(432/26)
شرح حديث (بيت لا تمر فيه جياع أهله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الوليد بن عتبة حدثنا مروان بن محمد حدثنا سليمان بن بلال حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (بيت لا تمر فيه جياع أهله)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(بيت لا تمر فيه جياع أهله)] وهذا يدلنا على أهمية التمر، وأنه غذاء وطعام.
قوله: [(بيت لا تمر فيه جياع أهله)] هذا في البلاد التي يكون فيها التمر، وليس معنى ذلك أن كل بيت لا يوجد فيه تمر يكون أهله جياعاً؛ لأن كثيراً من الناس عندهم أنواع من الأطعمة المتنوعة غير التمر وهم شباع، ولكن هذا في حق من يكون غذاؤهم التمر وقوتهم التمر، فإنهم إذا فقدوه كانوا جياعاً كما كان الحال في المدينة، بحيث تمضي عليهم مدة وليس عندهم إلا التمر والماء.(432/27)
تراجم رجال إسناد حديث (بيت لا تمر فيه جياع أهله)
قوله: [حدثنا الوليد بن عتبة].
الوليد بن عتبة ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا مروان بن محمد].
هو مروان بن محمد الطاطري ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا سليمان بن بلال].
سليمان بن بلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني هشام بن عروة].
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو عروة بن الزبير وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(432/28)
تفتيش التمر المسوس عند الأكل(432/29)
شرح حديث (أتي النبي بتمر عتيق فجعل يفتشه يخرج السوس منه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في تفتيش التمر المسوس عند الأكل.
حدثنا محمد بن عمرو بن جبلة حدثنا سلم بن قتيبة أبو قتيبة عن همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتمر عتيق فجعل يفتشه يخرج السوس منه)].
أورد أبو داود باباً في تفتيش التمر المسوس عند الأكل، يعني: التمر الذي يكون فيه سوس، والسوس هي الحيوانات التي تخلق وتوجد في وسط التمر عندما يمضي عليه وقت وهو مكشوف ليس مجموعاً بعضه إلى بعض، بحيث إنه يمتزج بعضه ببعض فلا يكون هناك مجال للسوس، فالتمر الذي على هيئته دون أن يلبد ودون أن يرص بعضه إلى بعض، ينشأ في وسطه وفي جوفه السوس.
والسوس ليس له نفس سائلة، ولهذا لا ينجس؛ ويجوز أكل التمر الذي فيه سوس؛ لأنه طاهر، لكن كونه يفتش التمر مثل ما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي ينبغي، ولكنه ليس بنجس؛ لأنه لا نفس له سائلة، يعني: ليس فيه دم.
قوله: [(أتي النبي صلى الله عليه وسلم بتمر عتيق فجعل يفتشه يخرج السوس منه)].
عتيق يعني: قديم، وهذا هو الذي يكون مظنة التسوس، وأما التمر الجديد والمرصوص بعضه إلى بعض لا يكون فيه سوس.
ولا يعاب من فتش التمر ليخرج منه السوس؛ لأن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم فعله.(432/30)
تراجم رجال إسناد حديث (أتي النبي بتمر عتيق فجعل يفتشه يخرج السوس منه)
قوله: [حدثنا محمد بن عمرو بن جبلة].
محمد بن عمرو بن جبلة صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا سلم بن قتيبة أبو قتيبة].
هو سلم بن قتيبة أبو قتيبة الشعيري وهو صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن، وكنيته توافق اسم أبيه، فلو قيل: سلم أبو قتيبة يكون صحيحاً، ولو قيل: سلم بن قتيبة لا فرق بينهما.
[عن همام].
هو همام بن يحيى العوذي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة].
إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
أنس وهو عم إسحاق أخو أبيه لأمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(432/31)
طريق أخرى لحديث (أن النبي كان يؤتى بالتمر فيه دود) وترجمة رجال الإسناد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يؤتى بالتمر فيه دود) فذكر معناه].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهي مرسلة ليس فيها ذكر أنس، وأما الأول ففيه ذكر أنس.
قوله: [حدثنا محمد بن كثير].
هو محمد بن كثير العبدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا همام عن إسحاق بن عبد الله].
وقد مر ذكرهما.(432/32)
الأسئلة(432/33)
وجه النهي في قوله (نهي أن يفتش التمر عما فيه) مع ثبوت تفتيش التمر
السؤال
علام يحمل النهي الذي ورد في حديث: (نهي أن يفتش التمر عما فيه) قال القاري: رواه الطبراني بإسناد حسن عن ابن عمر مرفوعاً؟
الجواب
لقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفتش التمر، وحديث النهي إذا ثبت فهو محمول على التمر الجديد دفعاً للوسوسة، ويحمل التفتيش على القديم، يعني: كل منهما له وجه صحيح.(432/34)
حكم إلقاء التمر المسوس بسبب أن النفس تعافه
السؤال
ما حكم إلقاء التمر إذا وجد به السوس، وقد تعافه النفس؟
الجواب
لا ينبغي للإنسان أن يلقيه، وإنما يعطيه لمن يحتاجه، وقد كانت نفس الرسول صلى الله عليه وسلم خير النفوس، وقد أكله عليه الصلاة والسلام، لكن لو عافت نفسه أكل التمر المسوس فليضعه ولا يلقه؛ لأنه قد يعطى لمسكين أو لأحد يستفيد منه، وله أن يأخذ غيره.(432/35)
الإقران في التمر عند الأكل(432/36)
شرح حديث (نهى رسول الله عن الإقران إلا أن تستأذن أصحابك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإقران في التمر عند الأكل.
حدثنا واصل بن عبد الأعلى حدثنا ابن فضيل عن أبي إسحاق عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإقران إلا أن تستأذن أصحابك)].
قوله: [باب الإقران في التمر عند الأكل] يعني: النهي عن أن يقرن المرء بين تمرتين يأكلهما معاً يضعهما في فمه، وإنما يأكل كل تمرة على حدة، والأكل بهذه الطريقة فيه شيء من الجشع، وعندما يستأثر المرء على غيره، ويحرص على أن يكثر من المأكول المشترك، فهذا دليل على خسة نفسه، ولكن إذا كان الشخص مستعجلاً، ويريد أن يمشي بسرعة واستأذن أصحابه الذين يأكل معهم فأذنوا له، فإنه لا بأس بأن يقرن بين التمرتين؛ لأنه جاء في هذا الحديث ما يدل على ذلك، وهو قوله: [(إلا أن تستأذن أصحابك)] أي: الذين يشاركونك في الأكل.(432/37)
تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله عن الإقران إلا أن تستأذن أصحابك)
قوله: [حدثنا واصل بن عبد الأعلى].
واصل بن عبد الأعلى وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا ابن فضيل].
هو محمد بن فضيل بن غزوان، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق عن جبلة بن سحيم].
أبو إسحاق مر ذكره.
وجبلة بن سحيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
ابن عمر مر ذكره.(432/38)
الأسئلة(432/39)
حكم الإقران في الأكل بالنسبة للعنب والزيتون
السؤال
في ترجمة الإقران خصص التمر، والحديث: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإقران إلا أن تستأذن أصحابك) فهل يقاس العنب والزيتون على التمر؟
الجواب
الذي يبدو أن العنب يختلف؛ لأن حباته صغيرة، فلو أكل الشخص مثلاً حبتين أو أكثر فليس هو مثل التمر.
أما الزيتون فهو يختلف عن العنب؛ لأن فيه نوى مثل التمر، وحجمه قد يختلف عن العنب وإن كان قد يساويه، لكنه ليس مثل العنب الذي قد يكون صغيراً.
إذاً: يجوز للإنسان أن يقرن بين الحبتين من العنب في الأكل؛ لأن الإنسان لو أكل واحدة واحدة، لأخذ منه مدة طويلة.(432/40)
حكم الإقران حال الانفراد
السؤال
هل يجوز الإقران حال الانفراد؟
الجواب
الذي يبدو أنه سائغ لا بأس به، لكن الأفضل أن يعود الإنسان نفسه على أن يأكل كل حبة على حدة؛ حتى لا يحصل منه خلاف ذلك عند اجتماع الناس فيكون قد ألفه، اللهم إلا أن يكون مستعجلاً.(432/41)
كلام العلماء في حكم القران
السؤال
يقول الخطابي رحمه الله: إنما جاء النهي عن القران لمعنى مفهوم وعلة معلومة، وهي ما كان عليه القوم من شدة العيش وضيق الطعام وإعوازه، وكانوا يتجوزون في المأكل، ويواسون من القليل، فإذا اجتمعوا على الأكل تجافى بعضهم عن الطعام لبعض، وآثر صاحبه على نفسه، غير أن الطعام ربما يكون مشفوها.
وفي القوم من بلغ به الجوع الشديد، فهو يشفق من فنائه قبل أن يأخذ حاجته منه، فربما قرن بين التمرتين، وأعظم اللقمة ليسد بها الجوع، ويشفى به القرم، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأدب فيه.
فهل يفهم منه أنه إذا صلح الحال وكثر الطعام جاز القران؟
الجواب
لاشك أن الذي ينبغي للإنسان حتى مع وجود السعة أن يأكل كل تمرة على حدة، وكون الإنسان يعود نفسه عدم الشره، وعدم الإكثار من الأكل على هذه الصورة، لاشك أنه أولى، لكن جاء في الحديث الأول: (إلا أن تستأذن أصحابك) يعني: أنه جائز في حال الاستئذان، لكن قال ابن القيم: وهذه الكلمة -وهي الاستئذان- قيل: إنها مدرجة من كلام ابن عمر، قال شعبة: لا أرى هذه الكلمة إلا من كلام ابن عمر -يعني الاستئذان- ذكره البخاري في الصحيح.
وقد روى الطبراني في المعجم من حديث يزيد بن زريع عن أبي خالد عن عطاء الخراساني عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن الإقران، وإن الله قد أوسع الخير فأقرنوا).
لكن يزيد بن زريع من طبقة شيوخ شيوخ أصحاب الكتب الستة، والطبراني بعدهم؛ لأنه توفي سنة (360هـ)، وولادته سنة (260هـ) فتوفي وعمره مائة سنة.
فإذاً: بين الطبراني وبين يزيد بن زريع أناس محذوفون.
يقول النووي: اختلفوا في أن هذا النهي على التحريم أو على الكراهة والأدب، والصواب التفصيل! فإن كان الطعام مشتركاً بينهم فالقران حرام إلا برضاهم، ويحصل الرضا بتصريحهم به، أو بما يقوم مقامه من قرينة حال، بحيث يغلب على الظن ذلك، وإن كان الطعام لغيرهم حرم، وإن كان لأحد وأذن لهم بأكل اشترط رضاه، ويحرم لغيره ويجوز له هو، إلا أنه يستحب أن يستأذن الآكلين معه.
أما القول بالنسخ فقد ذهبت طائفة منهم الحازمي إلى النسخ، وقد ادعوا أن حديث بريدة ناسخ لحديث ابن عمر، لكن لا يصار إلى النسخ إلا بعد معرفة التاريخ، وعدم إمكان التوفيق.
والظاهر أن هذا الحديث يضعفه ابن القيم؛ لأنه يقول: وهذا الذي قالوه إنما يصح إذا ثبت حديث بريدة ولا يثبت مثله؛ فإن الطبراني رواه من حديث محمد بن سهل قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا محبوب العطار عن يزيد بن زريع فذكره.(432/42)
شرح سنن أبي داود [433]
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأكل القثاء بالرطب وهذا جمع بين شيئين لمصلحة، وجمع بين لونين في الأكل، وبالنسبة للأكل في آنية أهل الكتاب ففيه تفاصيل ينبغي التنبه لها.(433/1)
الجمع بين لونين في الأكل(433/2)
شرح حديث (إن النبي كان يأكل القثاء بالرطب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجمع بين لونين في الأكل.
حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأكل القثاء بالرطب)].
يقول أبو داود [باب الجمع بين لونين في الأكل] أي: أنه يجمع بين الشيئين للمصلحة وللفائدة، وذلك كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأكل القثاء بالرطب؛ لأن القثاء بارد والرطب حار، فيجمع بينهما؛ لأن حرارة التمر تذهبها برودة القثاء.
وقد سبق أن عرفنا أن الجمع بين نوعين من الطعام بين يدي الإنسان سائغ؛ لأن الثريد كما قلنا فيما مضى هو خير الأطعمة عندهم، والثريد هو مجموع اللحم والخبز، وكذلك الطعام الذي صنعه الخياط للرسول صلى الله عليه وسلم ومعه أنس بن مالك وكان فيه شعير وفيه دباء وفيه مرق.(433/3)
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان يأكل القثاء بالرطب)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر النمري].
حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا إبراهيم بن سعد].
إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن جعفر].
عبد الله بن جعفر الصحابي رضي الله عنه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهذا إسناد رباعي.(433/4)
الفرق بين ترجمتي الجمع بين لونين من الطعام والجمع بين لونين في الأكل ومعنى القثاء
إن الفرق بين هذه الترجمة والترجمة السابقة: (الجمع بين لونين من الطعام) و (الجمع بين لونين في الأكل) أن هذه الأخيرة معناها أنه يأكلهما معاً حتى ينفع هذا مع هذا، وتكون الحاجة داعية إلى الجمع بينهما، من أجل أن حرارة التمر تذهبها برودة القثاء.
والقثاء هو الخيار المعروف عند الناس، إلا أن بعض الناس يفرق بينهما في هذا الوقت، فيجعل الخيار هو النوع الذي فيه خضرة، والقثاء هو الذي فيه السواد.
وكلاهما بمعنى واحد يقال له قثاء.(433/5)
شرح حديث (كان رسول الله يأكل البطيخ بالرطب فيقول نكسر حر هذا ببرد هذا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سعيد بن نصير حدثنا أبو أسامة حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأكل البطيخ بالرطب فيقول: نكسر حر هذا ببرد هذا، وبرد هذا بحر هذا)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها قالت: [(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل البطيخ بالرطب، فيقول: نكسر حر هذا ببرد هذا، وبرد هذا بحر هذا) وهذا من جنس أكل الخيار مع التمر، أعني أن البطيخ فيه برودة والتمر فيه حرارة، فحرارة التمر تكسر ببرودة البطيخ والعكس.
وفيه الجمع بين شيئين في الأكل، وكونه يتناولهما معاً من أجل أن ما في هذا من حرارة تذهب ببرودة الآخر.(433/6)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يأكل البطيخ بالرطب فيقول نكسر حر هذا ببرد هذا)
قوله: [حدثنا سعيد بن نصير].
سعيد بن نصير صدوق، أخرج له أبو داود.
[حدثنا أبو أسامة].
هو حماد بن أسامة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة].
هشام بن عروة وأبوه وعائشة قد مر ذكرهم.(433/7)
شرح حديث (دخل علينا رسول الله فقدمنا زبداً وتمراً وكان يحب الزبد والتمر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الوزير حدثنا الوليد بن مزيد قال: سمعت ابن جابر قال: حدثني سليم بن عامر عن ابني بسر السلميين رضي الله عنهم قالا: (دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقدمنا زبداً وتمراً، وكان يحب الزبد والتمر)].
أورد أبو داود حديث ابني بسر وهما: عبد الله وعطية رضي الله تعالى عنهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليهم فقدموا له زبداً وتمراً، وكان يحب الزبد والتمر، وهذا فيه الجمع بين لونين في الأكل.(433/8)
تراجم رجال إسناد حديث (دخل علينا رسول الله فقدمنا زبداً وتمراً وكان يحب الزبد والتمر)
قوله: [حدثنا محمد بن وزير].
محمد بن وزير ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا الوليد بن مزيد].
الوليد بن مزيد وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[سمعت ابن جابر].
هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني سليم بن عامر].
سليم بن عامر ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ابني بسر].
هما عبد الله بن بسر وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وأخوه عطية صحابي، أخرج له أبو داود وابن ماجة.(433/9)
الأسئلة(433/10)
وجه قول النبي صلى الله عليه وسلم (نكسر حر هذا ببرد هذا)
السؤال
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نكسر حر هذا ببرد هذا) هل من السنة أن يقال هذا عند أكل البطيخ بالرطب؟
الجواب
لا يقال ذلك، ولكن يفعل من أجل أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إليه، لكن يمكن أن يذكر الحديث وما جاء فيه، أما كونه سنة فلا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما قاله مبيناً فائدة الجمع بين هذين النوعين من الطعام.(433/11)
كيفية الجمع بين الرطب والقثاء عند أكلهما
السؤال
ما هي كيفية الجمع بين الرطب والقثاء، هل هي في لقمة واحدة؟
الجواب
ليس لازماً أن يكونا لقمة واحدة، وإنما يأكل من هذا لقمة ومن هذا لقمة، المهم أن يكون هذا مع هذا.(433/12)
حكم روايتي تفتيش النبي صلى الله عليه وسلم للتمر المرسلة والمتصلة
السؤال
حديث تفتيش النبي صلى الله عليه وسلم للتمر جاء من طريقين: الطريق الأولى: المتصلة، والثانية: المرسلة، أليس الإرسال أصح؛ لأن من أرسل أوثق ممن وصل؟
الجواب
لا؛ لأن الوصل زيادة من ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة.(433/13)
المقصود بحرارة الأطعمة وبرودتها
السؤال
ما المقصود بحرارة الأطعمة وبرودتها في قوله صلى الله عليه وسلم: (نكسر حر هذا ببرد هذا)؟
الجواب
هناك شيء فيه برودة على النفس وعلى الاستساغة، وبعضها يكون حاراً، فالتمر حار والبطيخ بارد، وكذلك الخيار بارد والرطب حار، والتمر يتفاوت فبعضه أشد حرارة من بعض.(433/14)
حكم حلق بعض شعر الرأس لأجل الحجامة
السؤال
ما حكم حلق بعض الرأس لأجل الحجامة، لكن البعض يحلقون شعرهم ليس بقدر المحجم أو أكبر منها بقليل، بل يحلقون الربع الأخير من شعر الرأس؟
الجواب
الحلق للحجامة لا يكون إلا على قدر الحاجة، لكن لو زاد عن مقدار الحاجة قليلاً فلا بأس بذلك، أما أن يحلق أكثر من الحاجة فهذا ليس له وجه.(433/15)
عدم صحة عبارة أول خليفة خرج عن البيعة واستولى على الحكم في الإسلام معاوية بن أبي سفيان
السؤال
هل يصح إطلاق هذه العبارة على معاوية رضي الله عنه: أول خليفة خرج عن البيعة واستولى على الحكم في الإسلام معاوية بن أبي سفيان؟
الجواب
هذا غلط ليس بصحيح، معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه اجتمع الناس على بيعته، والرسول صلى الله عليه وسلم قال عنها في حق الحسن: (سيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) فكلمة المسلمين اجتمعت فيها، والفرقة زالت بولايته رضي الله عنه وأرضاه، فلا يقال: إن هذا قد حصل منه.
ثم أيضاً كونه لم يبايع علياً ليس من أجل أنه أولى بالخلافة، وإنما امتنع حتى يقتص من القتلة الذين قتلوا عثمان وهو من أقربائه، فهو اجتهد ورأى هذا، وعلي رضي الله عنه اجتهد ورأى أن لابد أن تجتمع الكلمة أولاً، ويكون الناس على حد سواء تحت ولايته، ومعاوية رضي الله عنه رأى أنه يؤخر البيعة حتى يقتص من القتلة، وانتهى الأمر إلى ما انتهى إليه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن هذا الذي حصل على يد الحسن فيه مصلحة للمسلمين، وأن هذا من محاسن الحسن رضي الله تعالى عنه وأرضاه، حيث أصلح الله تعالى به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، وهما فئة أهل الشام، وفئة أهل العراق.(433/16)
حكم من أخذ أربع حبات من التمر فجعلها في يده وأكلها حبة حبة
السؤال
هل يدخل في القران ما إذا أخذ المرء ثلاث أو أربع حبات من التمر فجعلها في يده، ثم بدأ يأكل حبة حبة، يأخذ من يده اليسرى باليمنى ويأكل؟
الجواب
هذا شيء من الاستئثار، فمن يأخذ شيئاً من الطعام في يده يكون قد استأثر به، وجعله في حوزته لا يأكل منه غيره، بخلاف الذي في الوعاء فإن كل واحد يمكنه أن يأكل منه، وهذا في الحقيقة شبيه بالقران وهو بمعناه، فيكون محظوراً.(433/17)
كيفية تأدية العمرة بالنسبة للحائض
السؤال
امرأة حائض، وقد جاءت مع زوجها للعمرة، فماذا تفعل وهي حائض؟
الجواب
تحرم وتلبي بالعمرة وهي حائض، وتفعل ما يفعل المعتمرون، إلا أنها لا تدخل المسجد الحرام حتى تطهر وتغتسل، ثم تدخل وتطوف وتسعى وتقصر، وبذلك تكون قد انتهت عمرتها، كما تنتهي عمرة غيرها.(433/18)
وجه امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الثوم والبصل
السؤال
هل يفهم من أحاديث النهي عن الثوم والبصل وامتناع النبي صلى الله عليه وسلم من أكلها أنهما محرمة عليه خاصة؟
الجواب
إن عدم أكله للثوم والبصل كان لأن الوحي ينزل عليه باستمرار ويأتيه الملك دون أن يعلم بمجيئه، فكونه تركه من أجل هذا الشيء، فلا يقال إنه محرم عليه؛ لأنه مباح وأذن لغيره بالأكل منه، وإذنه محمول على أنه يؤكل في وقت مبكر، وأنه في الأصل جائز أكله.(433/19)
حكم صيام النذر في الأيام الأخيرة من شعبان
السؤال
ما حكم صيام النذر في الأيام الأخيرة من شعبان؟
الجواب
إذا نذر الإنسان أن يصوم هذه الأيام فله أن يصوم، لكنه لا يصوم يوم الشك ولا اليوم الذي قبله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين، إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه) يعني: إذا كان عليه قضاء فله أن يقضي في هذه الأيام؛ لأن هذا تخلص من واجب، كذلك إذا كان عليه نذر.(433/20)
حكم الأكل في آنية أهل الكتاب(433/21)
شرح حديث (كنا نغزو مع رسول الله فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم فنستمتع بها فلا يعيب ذلك عليهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأكل في آنية أهل الكتاب.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى وإسماعيل عن برد بن سنان عن عطاء عن جابر رضي الله عنه قال: (كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم فنستمتع بها، فلا يعيب ذلك عليهم)].
قال أبو داود رحمه الله تعالى: [باب الأكل في آنية أهل الكتاب]، والمقصود من ذلك استعمال آنية الكفار، وسواء كانوا أهل الكتاب أو غيرهم، والحكم فيها أنه إذا وجد ما يغني عنها فإنه يستعمل غيرها، وإن لم يوجد غيرها فإنها تغسل وتستعمل، وهذا في الشيء الذي استعملوه، وأما الشيء الذي لم يستعمل كالأواني التي ترد منهم وهي جديدة، فإنه لا يلزم غسلها، وإنما الذي يلزم غسله من الأواني هو ما عرف أنهم قد استعملوها؛ لأنهم لا يتنزهون من النجاسات، فإذا غسلت حصل الاطمئنان بكونها استعملت وهي نظيفة وطيبة، وليس فيها شيء من النجاسات التي كانوا يستعملونها.
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه أنهم كانوا يغزون مع النبي صلى الله عليه وسلم فيصيبون من آنية المشركين، فلا يعيب ذلك عليهم.
قوله: [(فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم)] الأسقية جمع سقاء، وكانوا يستمتعون بها ولا يعيب النبي عليه الصلاة والسلام ذلك عليهم.
وهذا الإطلاق مقيد بما جاء في الحديث الذي بعد هذا من أنهم إن وجدوا غيرها فإنهم يستعملون ذلك الذي وجدوه مما لم يكن من آنيتهم، وإن لم يجدوا إلا هي فإنهم يغسلونها ويستعملونها.(433/22)
تراجم رجال إسناد حديث (كنا نغزو مع رسول الله فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم فنستمتع بها فلا يعيب ذلك عليهم)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا الترمذي.
[حدثنا عبد الأعلى].
هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وإسماعيل].
هو إسماعيل بن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن برد بن سنان].
برد بن سنان صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
[عن عطاء].
هو عطاء بن أبي رباح المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(433/23)
شرح حديث (إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن عاصم حدثنا محمد بن شعيب أخبرنا عبد الله بن العلاء بن زبر عن أبي عبيد الله مسلم بن مشكم عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير، ويشربون في آنيتهم الخمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن وجدتم غيرها فكلوا فيها واشربوا، وإن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء وكلوا واشربوا)].
أورد أبو داود حديث أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: [(إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير، ويشربون في آنيتهم الخمر)]، يعني: هل نستعملها؟ قال: [(إن وجدتم غيرها فكلوا فيها واشربوا)] يعني: في غير آنية الكفار، (وإن لم تجدوا إلا هي فاغسلوها واشربوا فيها وكلوا)، فهذا يبين لنا أن استعمال آنية المشركين المستعملة عندهم جائز بشرط عدم وجود غيرها، وغسلها ثم استعمالها، وأما ما يرد منهم من أواني جديدة فهذه لا يحتاج إلى غسلها؛ لأن الأواني التي يستعمل فيها تلك النجاسات هي التي تحتاج إلى أن تغسل، وأما الشيء الذي يأتي وهو جديد ونظيف ولم يستعمل، فإنه لا يحتاج إلى غسل.
قوله: [(ولم تجدوا غيرها فارحضوها)].
يعني: اغسلوها.(433/24)
تراجم رجال إسناد حديث (إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر)
قوله: [حدثنا نصر بن عاصم].
نصر بن عاصم لين الحديث، أخرج له أبو داود.
[حدثنا محمد بن شعيب].
هو محمد بن شعيب بن شابور وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[أخبرنا عبد الله بن العلاء بن زبر].
عبد الله بن العلاء بن زبر ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن أبي عبيد الله مسلم بن مشكم].
أبو عبيد الله مسلم بن مشكم ثقة مقرئ، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبي ثعلبة].
هو أبو ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.(433/25)
حكم أكل دواب البحر(433/26)
شرح حديث جابر في قصة العنبر الذي وجدوه على ساحل البحر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في دواب البحر.
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمّر علينا أبا عبيدة بن الجراح نتلقى عيراً لقريش، وزودنا جراباً من تمر لم نجد له غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة، كنا نمصها كما يمص الصبي، ثم نشرب عليها من الماء فتكفينا يومنا إلى الليل، وكنا نضرب بعصينا الخبط، ثم نبله بالماء فنأكله، وانطلقنا على ساحل البحر فرفع لنا كهيئة الكثيب الضخم، فأتيناه فإذا هو دابة تدعى العنبر، فقال أبو عبيدة: ميتة ولا تحل لنا، ثم قال: لا، بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي سبيل الله، وقد اضطررتم إليه فكلوا، فأقمنا عليه شهراً ونحن ثلاثمائة حتى سمنا، فلما قدمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرنا ذلك له، فقال: هو رزق أخرجه الله لكم، فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا منه؟ فأرسلنا منه إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأكل)].
أورد أبو داود رحمه الله [باب: في دواب البحر] أي: حيوانات البحر، وقد مر ذكر السمك الطافي وبيان أنه حلال، وأن صيد البحر سواء كان صيده حياً أو وجد ميتاً؛ فإنه يكون حلالاً مباحاً، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالسمك والجراد) وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الوضوء من ماء البحر فقال: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)، فهذا عام في كل ما يخرج من البحر فإنه مباح، إلا أن يأتي شيء يدل على أن بعض الدواب فيها ضرر وتحقق من ذلك فإنها تترك من أجل الضرر الذي عرف أنه فيها، وإلا فإن الأصل هو الحل في كل شيء، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه يستثنى من ذلك الضفادع التي تعيش في الماء؛ لأنه جاء النهي عن قتلها، والنهي عن قتلها يدل على أنها ليست بحلال.
وأورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما وفيه: أنهم كانوا في سرية مع أبي عبيدة بن الجراح وكان هو أميرهم، وقد أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم لاعتراض عير لقريش، والعير هي الإبل التي عليها الأحمال وعليها البضائع، وكانت تأتي من الشام إلى مكة، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم باعتراضها، ثم إنه زودهم بجراب من تمر، والجراب هو الوعاء الذي يكون من جلد.
وكان أبو عبيدة يعطي كل واحد تمرة في اليوم، فيمصونها كما يمص الصبي، ويشربون عليها ما شاء الله من الماء، ثم إنهم كانوا يخبطون الشجر ويضربونه بالعصي حتى يتساقط الورق وهو رطب، ويبلونه بالماء ويأكلونه؛ لأنه ليس عندهم طعام غير هذه التمرة والماء، وهذا الخبط الذي يخبطونه بالعصي، فيتساقط الورق الأخضر فيبلونه بالماء ويأكلونه.
وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من قلة ذات اليد، وعدم السعة في الأموال، وكان ذلك في أول الأمر، ثم إن الله تعالى فتح عليهم الفتوحات وحصل الخير للمسلمين من الغنائم التي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها جعلت مصدر رزقه صلى الله عليه وسلم، حيث قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)، فقوله صلى الله عليه وسلم: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) هذا في بيان أن قوت ومأكل الرسول صلى الله عليه وسلم كان من الغنائم، أي: من خمس الغنيمة.
ثم إنهم لما ذهبوا إلى ساحل البحر وجدوا كهيئة الكثيب، والكثيب هو التل من الرمل الذي يرى مرتفعاً محدودباً من بُعد، فأعلاه بارز، وله جوانب تنحدر شيئاً فشيئاً، ولما وصلوا إليه وجدوه حوتاً يقال له: العنبر، والعنبر دابة كبيرة.
فقال أبو عبيدة: ميتة، وقد حرم الله علينا أكل الميتة، ثم قال: لا، بل نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن في سبيل الله، فاجتهد أولاً ورأى أن يتركها، ثم اجتهد مرة أخرى فرأى أن يأكلوا من تلك الدابة، وجلسوا عليها شهراً يأكلون منها حتى سمنوا، وكانوا ثلاثمائة، وهي دابة واحدة.
ومما جاء في الحديث الصحيح في قصتها أنهم وضعوا ضلعين من أضلاعها، فمر الراكب على بعيره بين الأضلاع؛ لضخامتها، وكذلك المكان الذي فيه العين جلس فيه عدد من الرجال، فهذا يدل على أنها دابة عظيمة من دواب البحر أخرجها الله عز وجل لهم، فأكلوا منها، وكان قوتهم قبل ذلك تمرة واحدة مع ورق الشجر الذي يخبطونه، ثم إن الله رزقهم هذا الرزق العظيم الكبير حتى سمنوا، وأخذوا منه إلى المدينة، ولما جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبروه أقرهم على فعلهم، وقال: [(هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا منه؟ فأرسلنا منه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل)] والرسول عليه الصلاة والسلام إنما سألهم شيئاً منه ليطيب خواطرهم ويطمئنهم على أنه حلال.
وهذا نظير ما سبق أن مر بنا في قصة الجعل الذي أخذوه على الرقية، وذلك عندما مروا بحي ولم يضيفوهم ولدغ سيدهم، فبحثوا له عن علاج فلم يجدوا، فسألوهم الرقية فرقاه واحد منهم، ثم أعطوهم جعلاً وتحرجوا من أكله، وقال عليه الصلاة والسلام: (اضربوا لي معكم بسهم)، فهو قال ذلك من أجل أن يطيب خواطرهم ويبين لهم حل ذلك الشيء الذي توقفوا وترددوا فيه.(433/27)
تراجم رجال إسناد حديث جابر في قصة العنبر الذي وجدوه على ساحل البحر
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي].
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا زهير].
هو زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو الزبير].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما وقد مضى ذكره، وهذا الإسناد رباعي وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله.(433/28)
شرح سنن أبي داود [434]
جاءت السنة النبوية بكل ما يعرض لنا في الحياة، ومن ذلك آداب الطعام وما ينبغي فعله في كثير من الحالات، فمثلاً إذا سقطت فأرة في السمن ووقع ذباب في الطعام أو سقطت لقمة، وكذلك في أكل الخادم مع المولى وفي لعق الأصابع، وما يقوله الرجل إذا طعم وفي غسل اليد من الطعام والدعاء لرب الطعام وغيرها.(434/1)
حكم الفأرة تقع في السمن(434/2)
شرح حديث: (أن فأرة وقعت في سمن فأُخبر النبي فقال: ألقوا ما حولها وكلوا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في الفأرة تقع في السمن.
حدثنا مسدد حدثنا سفيان حدثنا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة رضي الله عنهم: (أن فأرة وقعت في سمن فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ألقوا ما حولها وكلوا)].
أورد أبو داود [باب: في الفأرة تقع في السمن]، وأورد في ذلك حديث ميمونة رضي الله عنها: [(أن فأرة وقعت في سمن فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألقوا ما حولها وكلوا)].
يعني: كلوا السمن الذي وقعت فيه الفأرة وألقوا الفأرة وما حولها، وقال بعض أهل العلم -كما سيأتي في حديث بعد هذا- إنه إن كان جامداً فإنه تلقى وما حولها، وإذا كان مائعاً فإنه يراق ويتلف، ولكن هذا الحديث مطلق ولم يقيد فيه بالجامد، والحديث الذي بعده فيه كلام من ناحية الثبوت وإن كان ظاهره الصحة، فقد تكلم فيه العلماء والمحدثون، وقالوا: إن المعتمد هو رواية عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة رضي الله تعالى عنها أم المؤمنين، وأنها تلقى وما حولها سواء كان مائعاً أو جامداً، بخلاف الحديث الذي سيأتي بعد هذا، ففيه التفريق بين الجامد وغيره.
قوله: [(ألقوا ما حولها وكلوا)].
أي: وكلوا الباقي سواءً كان سائلاً مائعاً أو جامداً، وأما أن يعطى حكم الماء إذا وقعت فيه النجاسة: فإن كان قليلاً فتنجسه، وإن كان أكثر من قلتين فلا تنجسه فأقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن يلقى ما حولها ويؤكل الباقي، فهو وإن كان سائلاً إلا أن النجاسة إنما هي حولها، مما دام أنها في مكان مرتفع ولم تصل إلى أسفل فمعنى ذلك أن النجاسة إنما هي في المكان القريب، وليست عامة في الجميع؛ لأنه وإن كان السمن سائلاً إلا أنه ليس مثل الماء في الخفة، فهو كثيف بخلاف الماء.(434/3)
تراجم رجال إسناد حديث: (أن فأرة وقعت في سمن فأخبر النبي فقال: ألقوا ما حولها وكلوا)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا سفيان].
هو سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
.
[عن عبيد الله بن عبد الله].
هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[عن ميمونة].
ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.(434/4)
شرح حديث: (إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامداً فألقوها وما حولها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح والحسن بن علي واللفظ للحسن، قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا وقعت الفأرة في السمن: فإن كان جامداً فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوه)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة هذا الذي فيه التفصيل بين كونه جامداً ومائعاً، وأنه إن كان السمن جامداً ووقعت فيه فأرة فإنها تلقى وما حولها، وإن كان مائعاً فإنه لا يقرب ولا يستفاد منه.
وحديث أبي هريرة هذا -كما هو معلوم- إسناده ظاهره الصحة، ولكن قال جماعة من المحدثين: إنه خطأ، وإن المحفوظ هو الحديث الأول وهو حديث عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة.
وهذا الحديث يدور على معمر، ومعمر اختلف عليه فيه فمرة رواه كذا، ومرة رواه كذا، ولهذا قالوا: إن المحفوظ هي رواية الذين رووه عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة، وهي الرواية المطلقة التي لم تفصل بين الجامد والمائع.(434/5)
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامداً فألقوها وما حولها)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[والحسن بن علي].
هو الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[واللفظ للحسن].
أي: الشيخ الثاني.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
الزهري مر ذكره.
[عن سعيد بن المسيب].
سعيد بن المسيب ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق.
[قال الحسن: قال عبد الرزاق: وربما حدث به معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي صلى الله عليه وسلم].
يعني: مثل الحديث الأول.(434/6)
شرح حديث: (إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامداً فألقوها وما حولها) من طريق أخرى وتراجم رجال الإسناد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا عبد الرحمن بن بوذويه عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث الزهري عن ابن المسيب].
هذا إحالة على الطريقه الثانية التي فيها التفصيل بين الجامد والمائع.
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا عبد الرحمن بن بوذويه].
عبد الرحمن بن بوذويه مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة].
مر ذكرهم.(434/7)
حكم الذباب يقع في الطعام(434/8)
شرح حديث: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الذباب يقع في الطعام.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا بشر -يعني ابن المفضل - عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه؛ فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء، وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء، فليغمسه كله)].
قوله: [باب: في الذباب يقع في الطعام] أي: ماذا يصنع بالطعام؟ وماذا يصنع بالذباب؟ هل يخرج ويلقى، أو أنه يغمس في الطعام الذي وقع فيه؟ أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه)، أي: اغمسوه في الطعام أو الماء أو الإناء.
قوله: [(فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء، وهو يتقي بجناحه الذي به الداء) يعني: أنه يعتمد عليه إذا وقع في الطعام أو في الماء، ويرفع الجناح الذي فيه الشفاء، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بغمسه؛ حتى يبطل الدواء الداء، فأحد الجناحين فيه داء، وهو الذي يضعه على الطعام أو الماء، والثاني يرفعه فإذا غمس صار هذا مع هذا.
وهذا الحديث يدل على أن الذباب وغيره من الحشرات التي ليس فيها دم أنها لا تنجس الماء إذا ماتت فيه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى غمس الذباب في الإناء، وقد يكون حاراً ويترتب على حرارته أنه يموت، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأنه إذا غمس يخرج ثم يشرب الماء، أو يشرب الشيء السائل الذي وقع فيه.
واستنبط بعض العلماء أن كل ما لا نفس له سائلة لا ينجس في الماء إذا مات فيه؛ لأنه ليس فيها دم كثيف، مثل: الجراد والذباب وغيرهما من الحشرات التي ليس فيها دم.
وفيه أيضاً دليل على أن مثل الجراد يجوز أن يرمى في الماء الحار ثم يؤكل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مادام أنه أمر بغمس الذباب في الماء الحار، ويترتب على ذلك موته، فكذلك الجراد لا يحتاج إلى أنه يذبح؛ لأنه ليس فيه دم حتى يذبح.
وقد ذكر ابن القيم في كتابه (زاد المعاد) أن أول من عبر بعبارة: أن كل ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، هو إبراهيم النخعي الفقيه المحدث المشهور من التابعين، قال: وعنه تلقاها الفقهاء من بعده.
وقد جاء في كتاب الروح لـ ابن القيم أنه قال: وفي الحديث: (ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه)، مع أنه قال في (زاد المعاد): إن أول من عبر بهذه العبارة إبراهيم النخعي، وكونه يطلق على هذه العبارة أنها حديث هذا وهم؛ لأنه ما جاء في ذلك حديث، وإنما هذه من تعبيرات الفقهاء التي أخذوها من قصة الذباب وغمسه بالماء.(434/9)
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا بشر يعني ابن المفضل].
بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عجلان].
هو محمد بن عبد الله بن عجلان المدني وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سعيد المقبري].
هو سعيد بن أبي سعيد المقبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة وقد مر ذكره.(434/10)
حكم اللقمة تسقط(434/11)
شرح حديث: (إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في اللقمة تسقط.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث وقال: إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان، وأمرنا أن نسلت الصحفة، وقال: إن أحدكم لا يدري في أي طعامه يبارك له)].
قوله: [باب: في اللقمة تسقط] يعني: إذا سقطت اللقمة من الآكل فعليه أن يميط ما علق بها من تراب أو أعواد أو ما إلى ذلك، ثم يأكل ما سوى ذلك، اللهم إلا أن تكون الأرض نجسة فإنها تغسل حتى تذهب عنها النجاسة، ثم يأكلها الإنسان ولا يتركها للشيطان، وفي هذا دليل على أن الشيطان إذا ذكر اسم الله عز وجل لا يستطيع أن يشارك في الطعام، ولكنه إذا سقط ولم يتعرض له فإنه يأكله، وإذا أزيل ما اللقمة فيها من أذى واستعملها الإنسان فإنها لا تكون للشيطان، وإنما تكون لصاحبها.
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث)].
أي: أنه كان يأكل بأصابعه الثلاث، وهي: الوسطى والسبابة والإبهام، وكان يلعق هذه الأصابع التي يأكل بها، ولو احتاج الإنسان إلى أكثر من ثلاث أصابع فإنه لا بأس بذلك، وهذا في مثل الطعام الذي ينتثر كالأرز؛ لأنه لو أخذ بأصابعه الثلاث لا يأخذ إلا حبات قليلة، ويمكث على الطعام مدة طويلة ولا ينتهي.
فالحاصل أن الطعام الذي يستغنى فيه عما سوى الثلاث الأصابع فإنه يقتصر على الثلاث، وهذا مثل أن الإنسان يغمس الخبز في الإدام، أو يتناول طعاماً يتماسك بعضه ببعض بحيث لو أخذ قطعة يصير شيئاً على مقدار المضغة في الأصابع، أما الأشياء المتناثرة مثل الأرز فإنه لا يأخذ إلا شيئاً قليل جداً بالثلاث الأصابع، ويترتب عليه أنه يمكث مدة طويلة على الطعام ولا ينتهي منه.
قوله: [(قال: إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان، وأمرنا أن نسلت الصحفة)].
السلت: هو أن يُمر عليها الإصبع بحيث يعلق الباقي بالإصبع، فيأكل بقايا الطعام الذي يكون في الصحفة، ثم يلعق الإنسان أُصبعه، وعلل ذلك بقوله: [(إن أحدكم لا يدري في أي طعامه يبارك فيه)] أي: قد تكون البركة في آخر الطعام.
فالإنسان لا يتهاون بذلك، فعليه أن يلعق أصابعه ويسلت الصحفة كما جاء بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(434/12)
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن سلمة بن دينار ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ثابت].
هو ثابت بن أسلم البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا إسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود، وكل رجاله بصريون، فـ موسى بن إسماعيل بصري، وحماد بن سلمة بصري، وثابت البناني بصري، وأنس بن مالك بصري.(434/13)
حكم أكل الخادم مع مولاه(434/14)
شرح حديث: (إذا صنع لأحدكم خادمه طعاماً ثم جاءه به وقد ولي حره ودخانه فليقعده معه ليأكل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في الخادم يأكل مع المولى.
حدثنا القعنبي حدثنا داود بن قيس عن موسى بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا صنع لأحدكم خادمه طعاماً ثم جاءه به وقد ولي حره ودخانه فليقعده معه ليأكل، فإن كان الطعام مشفوهاً فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين)].
قوله: [باب: في الخادم يأكل مع المولى] يعني: أن المخدوم يجعل الخادم يأكل معه ويشاركه في الطعام، وهذا فيما إذا كان الطعام كثيراً، وأما إذا كان مشفوهاً -يعني: قليلاً- فليناوله لقمة أو لقمتين؛ لأنه هو الذي تولى حره وطبخه وصنعه.
قوله: [(فليضع في يده منه أكلة أو كلتين)].
يعني: لقمة أو لقمتين، فقيل: إن (أو) للتخيير، وقيل: إن (أو) بمعنى بل، يعني: أكلة بل أكلتين، وهذا للتأكيد، وهو مثل قوله عز وجل: {مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات:147] يعني: بل يزيدون، وكذلك قوله عز وجل: {كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74] يعني: بل أشد قسوة.(434/15)
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا صنع لأحدكم خادمه طعاماً ثم جاءه به وقد ولي حره ودخانه فليقعده معه ليأكل)
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا داود بن قيس].
داود بن قيس ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن موسى بن يسار].
موسى بن يسار ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة وقد مر ذكره.(434/16)
حكم استعمال المنديل بعد الطعام(434/17)
شرح حديث: (إذا أكل أحدكم فلا يمسحن يده بالمنديل حتى يلعقها أو يلعقها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المنديل.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا أكل أحدكم فلا يمسحن يده بالمنديل حتى يلعقها أو يلعقها)].
أورد أبو داود: [باباً في المنديل] يعني: أن استعماله بعد الطعام جائز ولكن بعد لعق الأصابع، فإنما يمسح بالمنديل ما يبقى بعد اللعق، وهي الزهومة والدسومة التي تكون من الطعام، فيخففها أو يزيلها بالمنديل، ولكن بعد اللعق.
قوله: [(إذا أكل أحدكم فلا يمسحن يده بالمنديل حتى يَلعقها أو يُلعقها)].
أي: أنه يجوز المسح بالمنديل للأصابع، ولكن لا يكون إلا بعد أن يلعقها هو بنفسه، أو يلعقها من لا يتبرم من ذلك كالزوجة أو من يرغب في ذلك.(434/18)
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أكل أحدكم فلا يمسحن يده بالمنديل حتى يَلعقها أو يُلعِقها)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء عن ابن عباس].
عطاء بن أبي رباح وابن عباس مر ذكرهما.(434/19)
شرح حديث: (أن النبي كان يأكل بثلاث أصابع ولا يمسح يده حتى يلعقها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا النفيلي حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن سعد عن ابن كعب بن مالك عن أبيه رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأكل بثلاث أصابع، ولا يمسح يده حتى يلعقها)].
أورد أبو داود حديث كعب بن مالك رضي الله عنه: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل بثلاث أصابع)]، وهذا يدلنا على ما دل عليه الحديث الأول الذي مر من أنه كان يأكل بالأصابع الثلاث.
قوله: [(ولا يمسح يده حتى يلعقها)]، فهذا دليل من فعله، وذاك الذي مر دليل من قوله صلى الله عليه وسلم، إذاً فهذه السنة جاءت من قوله وفعله صلى الله عليه وسلم.(434/20)
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يأكل بثلاث أصابع ولا يمسح يده حتى يلعقها)
قوله: [حدثنا النفيلي].
النفيلي مر ذكره.
[حدثنا أبو معاوية].
محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن عروة].
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن سعد].
عبد الرحمن بن سعد ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن ابن كعب بن مالك].
ابن كعب بن مالك هو إما عبد الله وإما عبد الرحمن، وعبد الرحمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وعبد الله ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن أبيه].
هو كعب بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا وتاب الله عليهم، ونزل في توبته وتوبة صاحبيه قرآن يتلى في آخر سورة التوبة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(434/21)
الفوائد المترتبة على لعق الأصابع
هنا فائدة ذكرها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في شرح رياض الصالحين قال: إن في لعق الأصابع بعد الطعام فائدتين: الأولى: شرعية، وهي أنها سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والثانية: طبية، وهي أن الأنامل تفرز إفرازات حين الأكل تساعد على الهضم، فإذا لعقها دخلت إلى جوفه، فساعدت على هضم الطعام.
أقول: إذا كان الأطباء قد اكتشفوا هذا، فهذا لاشك أنه من الأشياء التي سبق إليها الإسلام، ومما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنه يحصل في الطب اكتشافات ثم يتبين بأنها مطابقة لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قضية الذباب الذي مر بنا وأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء، فقد ذكروا واكتشفوا أن فيه هذا الأمر.
والأحاديث التي وردت في هذه الآداب إنما هي للاستحباب، وإنما تصير للوجوب إذا جاء شيء يدل على ذلك، كما جاء في الأكل باليمين، والأكل بالشمال، فالأكل باليمين واجب، ويحرم بالشمال.(434/22)
الأسئلة(434/23)
حكم من اعتمر وخرج من مكة ولم يقصر
السؤال
اعتمر شخص قبل شهرين ولم يقصر من شعره، وذلك على نية أنه سيقصر إذا خرج من المسجد، ولكنه خرج من مكة ولم يقصر فما الواجب عليه الآن؟
الجواب
عليه أن يذبح شاة في مكة ويوزعها على فقراء الحرم؛ لأنه ترك واجباً من واجبات العمرة وهو التقصير، وعمرته صحيحة.(434/24)
درجة حديث: (تحت كل شعرة جنابة)
السؤال
ما درجة حديث: (تحت كل شعرة جنابة)؟
الجواب
ليس بصحيح.(434/25)
حكم أكل الطعام الطيب في آنية أهل الكتاب مع وجود غيرها
السؤال
أكل النبي صلى الله عليه وسلم في آنية اليهود عندما قدموا له الطعام مع وجود غيرها في المدينة، فهذا يدل على جواز استعمال آنية الكفار من أهل الكتاب، فهل هذا صحيح؟
الجواب
نعم؛ لأنه كما هو معلوم أنه أكل الطعام الذي قدم له في آنيتهم، وهو طعام طيب، لكن الكلام عن استعمال الآنية التي يعرف من عادتهم أنهم يستعملون فيها الخنزير وغيره من النجاسات.(434/26)
حكم الأكل في مطاعم أهل الكتاب
السؤال
ما حكم الأكل في مطاعم أهل الكتاب، فهم يقدمون لنا ملاعق وصحوناً وأواني يستخدمونها؟
الجواب
لكنهم غالباً يقدمونها وهي مغسولة، وأما إذا كان هناك خمر أو شيء من المحرمات فلا يأكل في ذلك المكان.(434/27)
حكم الأكل من طعام الجار النصراني
السؤال
لي جار نصراني إذا جاءني بصحن فيه طعام فهل نأكل منه أو نطرحه؟
الجواب
كل منه، فليس هناك بأس.(434/28)
معنى اليسر في قوله صلى الله عليه وسلم (إن هذا الدين يسر)
السؤال
يقول شخص: أشكل علي قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)، وسيرة كثير من السلف في الاجتهاد في العبادة، وحمل النفس على تحمل المشاق أمر معروف، فما المقصود باليسر في هذا الحديث؟
الجواب
الذي ينبغي للإنسان ألا يتنطع وألا يتكلف ويأتي بأشياء فيها صعوبة ومشقة، فالله تعالى يسر على الناس فيما شرع، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (عليكم من العمل بما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل)، فكون الإنسان يكثر من العبادة ويأتي بشيء يجلب له المشقة والمضرة فقد يترتب على ذلك أنه يترك هذه العبادة.
إذاً: فهذا لا يصح ولا ينبغي؛ لأن أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل، وكما يقولون: قليل تداوم عليه خير من كثير تنقطع عنه.
وهذا بشر الحافي قيل له: إن أناساً يجتهدون في رمضان ويكثرون من العبادة، فإذا خرج رمضان تركوا، قال: بئس القوم؛ لا يعرفون الله إلا في رمضان.
فكون الإنسان يجهد نفسه في عمل ويزيد فيه، ثم يتسبب ذلك في الانقطاع والترك فهذا ليس بجيد، فالذي ينبغي للإنسان أن يحافظ على الشيء القليل ويستمر عليه، وهو خير من كثير ينقطع عنه؛ لأن الإنسان إذا داوم على عمل قليل فأي وقت يأتيه الأجل فإنه يكون مداوماً على العبادة ولو كانت قليلة، بخلاف الإنسان الذي يجتهد في بعض الأوقات ويهمل فقد يأتيه الموت في وقت الإهمال، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (وإن أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل).
وأما ما جاء عن بعض السلف من الاجتهاد في العبادة، ومن التعب ومن النصب، فإن منهم من أضر بنفسه، أو أضر بأمور أخرى مطلوبة منه، أو تعب وانقطع وترك ذلك الشيء الذي اشتغل فيه؛ بسبب أنه أجهد نفسه، فالذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم هو فعل القليل مع المداومة عليه، وهو خير من فعل الكثير مع الانقطاع عنه.(434/29)
معنى قولهم: اقتصاد في سنة خير من الاجتهاد في البدعة
السؤال
ما توجيه هذه المقولة: اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة؟
الجواب
أي: أن على الإنسان أن يقتصد ويأتي بالشيء الذي لا يشق عليه، وليس هناك تناسب بين الاجتهاد في البدعة وعدم الاجتهاد فيها؛ لأن البدعة مذمومة سواءً كانت قليلة أو كثيرة.
وأما الاقتصاد في السنة فهو أن على الإنسان ألا يتعب نفسه في أمور مشروعة ومستحبة بحيث أنه يفوت على نفسه خيراً كثير، أو يترتب على ذلك أن يترك تلك السنن التي اجتهد فيها، فعلى المرء بالاعتدال والتوسط وعدم الإفراط الذي يؤدي إلى الترك وإلى الضرر، أو التفريط الذي يؤدي إلى الإهمال.(434/30)
ما يقول الرجل إذا طعم(434/31)
شرح حديث: (كان رسول الله إذا رفعت المائدة قال: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يقول الرجل إذا طعم.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ثور عن خالد بن معدان عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا رفعت المائدة قال: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا)].
قوله: [باب: ما يقوله إذا طعم]، يعني: المسلم بعد الفراغ من الطعام.
وأورد أبو داود حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه: [(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفعت المائدة -يعني: إذا انتهى من الطعام- قال: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا)]، فهذا دعاء كان يدعو به الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الطعام، وهذا ثناء على الله عز وجل وحمد له على نعمه ومنها: نعمة الطعام الذي رزق الله إياه عباده، ووفق لتحصيله والاستفادة منه.
وقوله: [(غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا)] يعني: أن الله تعالى يستغني وغيره لا يستغني عنه، والله تعالى هو الكافي وغير الله تعالى هو الذي يكفيه، فقوله: (غير مكفي) مثل قوله عز وجل: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ} [الأنعام:14]، فهو الذي يكفي الناس سبحانه، قال عز وجل: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3] أي: كافيه.
قوله: (ولا مودع) يعني: ولا متروك؛ لأنه لا يستغنى عن الله عز وجل طرفة عين، فهو المنعم المتفضل الذي له الحمد على كل حال، وما من نعمة في الناس إلا وهي من الله، قال عز وجل: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ * وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم:33 - 34].
وقال عز وجل: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:3] يعني: ما تركك.
قوله: (ولا مستغنى عنه).
أي: أن الله لا يستغنى عنه طرفة عين، وهو غني عن الخلق، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15]، فكل من سواه فهو مفتقر إليه، والله تعالى غني عن كل أحد، وهذا هو معنى الصمد، أي: الذي تصمد الخلائق إليه بحوائجها؛ لأنه الغني عن كل من سواه، المفتقر إليه كل من عداه.(434/32)
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا رفعت المائدة قال: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ثور].
هو ثور بن يزيد وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن خالد بن معدان].
خالد بن معدان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي أمامة].
هو أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(434/33)
شرح حديث: (أن رسول الله كان إذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي هاشم الواسطي عن إسماعيل بن رياح عن أبيه أو غيره عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين)].
أورد أبو داود هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين)] فنعمة الإسلام هي أجل وأعظم نعمة أنعم الله تعالى بها على عبده المسلم؛ لأن بها يحصل سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، وبدون ذلك يشقى المرء في الدنيا والآخرة، كما قال الله عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124]، فهذا الدعاء عند الفراغ من الطعام.
وفي إسناد الحديث ضعف، لكن معناه صحيح، فالإنسان لا يفعله على أنه سنة، لكن لو أن إنساناً أتى بهذا الشيء فهو كلام صحيح، وعلى الإنسان أن يحرص ويأتي بالشيء الثابت، ولو أتى بشيء لم يثبت لا على أنه سنة، وإنما على أن هذا كلام حسن وجميل يثنى على الله عز وجل به، فلا بأس.(434/34)
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين)
قوله: [حدثنا محمد بن العلاء].
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب الهمداني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا وكيع].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هاشم الواسطي].
هو الرماني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إسماعيل بن رياح].
إسماعيل بن رياح مجهول، أخرج له أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي في عمل اليوم والليلة.
[عن أبيه].
أبوه ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة.
[عن أبي سعيد الخدري].
هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(434/35)
شرح حديث: (كان رسول الله إذا أكل أو شرب قال: الحمد لله الذي أطعم وسقى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن أبي عقيل القرشي عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أكل أو شرب قال: الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجاً)].
أورد أبو داود حديث أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل أو شرب قال: [(الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجاً)]، فهو المتفضل بالطعام والشراب، وهو الذي أنعم بعد وجوده بأن جعله سائغاً أكلاً وشرباً، وجعل له مخرجاً بعدما تستخلص فوائده ومنافعه في الجسم، وأما الشيء الرديء فإنه يخرج من السبيلين بولاً وغائطاً.(434/36)
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا أكل أو شرب قال الحمد لله الذي أطعم وسقى)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني سعيد بن أبي أيوب].
سعيد بن أبي أيوب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عقيل القرشي] هو زهرة بن معبد وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن أبي عبد الرحمن الحبلي].
هو عبد الله بن يزيد وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي أيوب الأنصاري].
هو خالد بن زيد رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(434/37)
غسل اليد من الطعام(434/38)
شرح حديث: (من نام وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومنّ إلا نفسه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في غسل اليد من الطعام.
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من نام وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه)].
قوله: [باب في غسل اليدين بعد الطعام]، أي: أنه مستحب؛ وذلك لإزالة الدسومة والشيء الذي علق باليد بعد الطعام فهو يغسله؛ لئلا يتعرض لما لا يحمد عاقبته، ولئلا يجعل هذه الرائحة التي في يده يشمها الناس الذين حوله، وقد يكون فيهم من هو فقير، فالفقير قد يشم أثر الطعام ويشتهيه فلا يحصل عليه لفقره.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(من نام وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه)]، والغمر هو الدسومة والزهومة التي تكون في اليد بعد الطعام؛ لأنه قد تأتي عليه الحشرات من ذوات السموم من أجل هذا الذي يجذبها برائحته، فيحصل له شيء لا تحمد عقباه، ولهذا قال: [(فلا يلومن إلا نفسه)] يعني: إذا لم يغسله فلا يلومن إلا نفسه؛ لأنه مفرط وقد تسبب في وصول هذا الأذى إليه.
وغسل اليدين يحتمل الوجوب، والنوم هنا مطلق سواءً كان في الليل أو في النهار.(434/39)
تراجم رجال إسناد حديث: (من نام وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس].
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير].
هو زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سهيل بن أبي صالح].
سهيل بن أبي صالح صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وروى البخاري عنه مقروناً.
[عن أبيه].
هو أبو صالح ذكوان السمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.(434/40)
ما جاء في الدعاء لرب الطعام إذا أكل عنده(434/41)
شرح حديث: (أثيبوا أخاكم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في الدعاء لرب الطعام إذا أكل عنده.
حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو أحمد قال حدثنا سفيان عن يزيد أبي خالد الدالاني عن رجل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (صنع أبو الهيثم بن التيهان رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم طعاماً فدعا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه، فلما فرغوا قال: أثيبوا أخاكم، قالوا: يا رسول الله وما إثابته؟ قال: إن الرجل إذا دخل بيته، فأكل طعامه، وشرب شرابه، فدعوا له فذلك إثابته)].
قوله: [باب: ما جاء في الدعاء لرب الطعام إذا أكل عنده].
يعني: يدعى للمضيف ومقدم الطعام.
وأورد فيه أبو داود حديث جابر قال: [(صنع أبو الهيثم بن التيهان للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً، فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما فرغوا قال: أثيبوا أخاكم)].
والإثابة هي الجزاء، فقد تكون في الخير وقد تكون في الشر؛ لأن الثواب يطلق في الخير وفي الشر، ومنه قول الله عز وجل في نهاية سورة المطففين: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين:36]، يعني: هل جوزي الكفار ما كانوا يعملون؟ والمقصود بالإثابة هنا الدعاء.
قوله: [(قالوا: يا رسول الله وما إثابته؟ قال: إن الرجل إذا دخل بيته، فأكل طعامه، وشرب شرابه، فدعوا له فذلك إثباته)].
ففسر الإثابة بأنهم يدعون الله عز وجل عند الفراغ من الطعام لصاحب الطعام بالدعاء المناسب، وسيذكر المصنف شيئاً من ذلك بعد هذا، وهذا الحديث فيه ضعف؛ لأن فيه رجلاً مبهماً غير مسمى، وأبو خالد الدالاني فيه كلام أيضاً.(434/42)
تراجم رجال إسناد حديث: (أثيبوا أخاكم)
قوله: [حدثنا محمد بن بشار].
هو محمد بن بشار الملقب بندار البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو أحمد].
هو أبو أحمد الزبيري ثقة يخطئ في حديث الثوري، وهذا من روايته عن الثوري، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان].
سفيان الثوري مر ذكره.
[عن يزيد أبي خالد الدالاني].
يزيد أبو خالد الدالاني وهو صدوق يخطئ كثيراً ويدلس، أخرج له أصحاب السنن.
[عن رجل عن جابر].
الرجل مبهم، وجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.(434/43)
شرح حديث: (أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مخلد بن خالد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ثابت عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء إلى سعد بن عبادة رضي الله عنه، فجاء بخبز وزيت فأكل، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة)].
أورد أبو داود حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى إلى سعد بن عبادة، وسعد بن عبادة هو سيد الخزرج من الأنصار، وسعد بن معاذ سيد الأوس، وقد مات بعد غزوة الخندق، وسعد بن عبادة عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأكل عنده، فقدم له زيتاً وخبزاً فأكل منه وقال: [(أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة)].(434/44)
تراجم رجال إسناد حديث: (أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة)
قوله: [حدثنا مخلد بن خالد].
مخلد بن خالد هو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ثابت].
هو ثابت بن أسلم البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(434/45)
كيفية الدعاء لصاحب الطعام ووقته
إن قوله: (أفطر عندكم الصائمون) يكون بعد الفراغ من الأكل عند المضيف في الصيام وغير الصيام، وذلك أن يقوم كل واحد يدعو على حدة، وأما أن يدعو شخص ويؤمن الباقون على دعائه فلا نعلم في ذلك سنة، وقد سبق أن مر بنا حديث الدعاء بعد أكل الطعام لصاحب الطعام عن عبد الله بن بسر من بني سليم قال: (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي فنزل عليه الصلاة والسلام فقدم إليه طعاماً، فذكر حيساً أتاه به، ثم أتاه بشراب فشرب فناول من على يمينه، وأكل تمراً فجعل يلقي النوى على ظهر إصبعيه السبابة والوسطى، فلما قام قام أبي فأخذ بلجام دابته فقال: ادع الله لي، فقال: اللهم! بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم).
وهذا حديث صحيح.(434/46)
شرح سنن أبي داود [435]
لقد جاء النبي عليه الصلاة والسلام بما فيه صلاح الدين والدنيا، ومن ذلك أنه أرشد إلى الأجسام؛ لأنها مطية العبد في قيامه بالأعمال، فحث على ما فيه صلاحها، ونهى عن كل شيء يفسدها، فأمر بالتداوي ورغب فيه، بل واحتجم صلى الله عليه وسلم.(435/1)
الرجل يتداوى(435/2)
شرح حديث: (تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الطب.
باب في الرجل يتداوى.
حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك رضي الله عنه أنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه كأنما على رءوسهم الطير، فسلمت ثم قعدت فجاء الأعراب من هاهنا وهاهنا فقالوا: يا رسول الله! أنتداوى؟ فقال: تداووا؛ فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم)].
أورد أبو داود كتاب الطب، والمراد به طب الأبدان، والطب طبان: طب القلوب، وطب الأبدان، وطب القلوب هو بطاعة الله عز وجل، والاستقامة على شرعه، والتزام أمره ونهيه، وهذا هو الذي فيه حياة القلوب، وفيه سعادة الدنيا والآخرة، ولا علاج للقلوب ولا شفاء لها إلا بما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن حياتها وسلامتها إنما هي بذلك، ومرضها وشقاؤها إنما يكون بخلاف ذلك، وأما علاج الأبدان فيكون بالقرآن وغير القرآن، بالرقية وغير الرقية، وأما القلوب فلا شفاء لها إلا بالقرآن وبما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، لا شفاء لها من أمراضها -سواءً أمراض الشهوات أو أمراض الشبهات- إلا بالالتزام والاعتصام بما جاء عن الله وعن رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والطب الذي يذكره المحدثون هو طب الأبدان، وهو العلم الذي يعرف به علاج الأبدان.
وقد أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في الرجل يتداوى، وذكر الرجل هنا لأن الغالب أن الخطاب مع الرجال، وإلا فإن الحكم للرجال والنساء، فالرجل والمرأة كل واحد منهما له أن يتداوى، فذكر الرجل لا مفهوم له، وقد جاء في بعض الأحاديث ذكر الرجل وليس المقصود به الاقتصار عليه دون المرأة؛ لأن الأصل في الأحكام أنها عامة للرجال والنساء، ولا تنفرد النساء بحكم إلا بدليل، ولا ينفرد الرجال بحكم إلا بدليل، وحيث لا دليل يفرق بين الرجال والنساء فالأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام.
أورد أبو داود حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه أنه قال: (جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أصحابه كأنما على رءوسهم الطير) وهذا إشارة إلى السكينة والهدوء، وأن كل واحد منهم متجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومقبل عليه يسمع حديثه، فإن الطير لا تقع إلا على شيء ساكن لا يتحرك، وقوله: (كأن على رءوسهم الطير) يضرب مثلاً للسكينة والهدوء وعدم الاضطراب والحركة.
قوله: [(فسلمت ثم قعدت فجاء الأعراب من هاهنا وهاهنا فقالوا: يا رسول الله! أنتداوى؟ فقال: تداووا)].
يعني: جاء الأعراب من جهات مختلفة فقالوا: يا رسول الله! أنتداوى؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (تداووا، فإن الله ما وضع داءً إلا وضع له شفاء، إلا داء واحد هو الهرم)، فكل شيء له علاج، (علمه من علمه، وجهله من جهله) إلا الهرم، وهو الضعف بسبب الشيخوخة والتقدم في السن، فإن هذا لا علاج له، فعلاجه بمعنى إرجاع الشباب وذهاب الهرم لا يمكن، فليس للهرم علاج، وضعف صاحبه هو نتيجة الهرم والتقدم في السن، وليس من الأعراض التي تطرأ على الإنسان من حال إلى حال، فيكون صحيحاً ثم يكون مريضاً، والهرم يشارك المرض في الضعف، ولكن الأمراض لها علاج، وهذا لا علاج له.
وهذا الحديث يدل على أن التداوي مباح.(435/3)
تراجم رجال إسناد حديث: (تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر النمري].
حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زياد بن علاقة].
زياد بن علاقة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أسامة بن شريك].
أسامة بن شريك رضي الله عنه، أخرج حديثه أصحاب السنن.
ورجال الإسناد أربعة، وهذا من أعلى الأسانيد عند أبي داود.(435/4)
الحمية(435/5)
شرح حديث أمر النبي علياً بالاحتماء من بعض المأكولات عند مرضه
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الحمية.
حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا أبو داود وأبو عامر -وهذا لفظ أبي عامر - عن فليح بن سليمان عن أيوب بن عبد الرحمن بن صعصعة الأنصاري عن يعقوب بن أبي يعقوب عن أم المنذر بنت قيس الأنصارية رضي الله عنها قالت: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعه علي رضي الله عنه وعلي ناقه، ولنا دوالي معلقة، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأكل منها، وقام علي ليأكل، فطفق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لـ علي: مه إنك ناقه، حتى كف علي رضي الله عنه، قالت: وصنعت شعيراً وسلقاً فجئت به، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي أصب من هذا فهو أنفع لك).
قال أبو داود: قال هارون: العدوية].
أورد أبو داود هذه الترجمة باب في الحمية، والحمية هي: الامتناع عن بعض المأكولات بسبب مرض من الأمراض، فهذه المأكولات تؤثر فيه، فهو يحتمي من شيء قد يعود عليه بالمضرة، ويأكل شيئاً لا يعود عليه بالمضرة.
وأورد المصنف حديث أم المنذر بنت قيس الأنصارية، وقال أحد الرواة: العدوية، قالت: دخل علي رسول صلى الله عليه وسلم، ومعه علي بن أبي طالب ولنا دوالي معلقة، أي: عذوق فيها بسر يعلقونه حتى يستوي فيأكلون منه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أكل منه، وعلي كان ناقهاً، والناقه هو الذي كان مريضاً وتماثل للشفاء، ولكنه لا يزال فيه أثر المرض، فأراد علي أن يأكل فالرسول صلى الله عليه وسلم طفق يقول له: (مه -يعني: أكفف- إنك ناقه) يعني: أنت في حالة قريبة المرض فتحتاج إلى الاحتماء من بعض الأطعمة التي قد تضرك، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أن يكف، فكف علي عن التناول منه، وصنعت لهم شعيراً وسلقاً، والسلق هو نبات يطبخ ويؤكل، فأكل منه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لـ علي (أصب من هذا، فإنه أنفع لك) يعني: هذا: لا يضرك، وذاك احتمي منه وامتنع من أكله؛ لأنه قد يكون فيه ضرر عليك، فهذا الحديث دليل على الحمية.(435/6)
تراجم رجال إسناد حديث أمر النبي علياً بالاحتماء من بعض المأكولات عند مرضه
قوله: [قال حدثنا هارون بن عبد الله].
هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا أبو داود].
سليمان بن داود أبو داود الطيالسي ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[وأبو عامر].
هو عبد الملك بن عمرو، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وهذا لفظ أبي عامر].
يعني: أحد شيخي شيخه، وهو الشيخ الثاني، فقد ساقه على لفظه، فالفرق بينهما في نسب الصحابية.
[وقال هارون: العدوية] في نسخة أخرى: [قال أبو داود: وقال أبو داود: العدوية] وهذا أوضح؛ لأنه ساقه على لفظ عبد الملك بن عمرو، ثم ذكر النسبة في رواية الشخص الثاني الذي لم يسقه على لفظه.
[عن فليح بن سليمان].
فليح بن سليمان صدوق كثير الخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب بن عبد الرحمن بن صعصعة].
أيوب بن عبد الرحمن بن صعصعة وهو صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن يعقوب بن أبي يعقوب].
يعقوب بن أبي يعقوب، وهو صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أم المنذر بنت قيس].
أم المنذر بنت قيس الأنصارية أو العدوية، وهي صحابية، أخرج لها أبو داود والترمذي وابن ماجة.
س(435/7)
الحجامة(435/8)
شرح حديث: (إن كان في شيء مما تداويتم به خير فالحجامة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الحجامة.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن كان في شيء مما تداويتم به خير فالحجامة)].
أورد أبو داود باباً في الحجامة، أي: التداوي بها، والحجامة هي استخراج الدم الفاسد عن طريق المحاجم، وهذا الحديث فيه بيان أن الحجامة مفيدة، وأنها من أنفع ما يتداوى به، وقد جاء في الحديث: (الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار).(435/9)
تراجم رجال إسناد حديث: (إن كان في شيء مما تداويتم به خير فالحجامة)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن عمرو].
محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة].
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
مر ذكره.(435/10)
شرح حديث: (ما كان أحد يشتكي وجعاً في رأسه إلا قال احتجم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي حدثنا يحيى -يعني: ابن حسان - حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي حدثنا فائد مولى عبيد الله بن علي بن أبي رافع عن مولاه عبيد الله بن علي بن أبي رافع عن جدته سلمى رضي الله عنها خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنها قالت: (ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجعاً في رأسه إلا قال: احتجم، ولا وجعاً في رجليه إلا قال: اخضبهما)].
أورد أبو داود حديث سلمى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يأتي إليه أحد يشتكي وجعاً في رأسه إلا قال: احتجم، ولا أحد يشتكي وجعاً في رجليه إلا قال: اخضبهما) يعني: يخضبهما بالحناء، وهذا فيه دليل على الحجامة، وعلى فائدتها، وهذا في الغالب، فليس كل وجع في الرأس يكون دواؤه الحجامة، وليس كل وجع في الرجلين يكون دواؤه الحناء، ولكن هذا يدل على أن فيهما شفاء وفائدة.(435/11)
تراجم رجال إسناد حديث: (ما كان أحد يشتكي وجعاً في رأسه إلا قال احتجم)
قوله: [حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي].
محمد بن الوزير الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا يحيى -يعني: ابن حسان -].
يحيى بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي].
عبد الرحمن بن أبي الموالي صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا فائد مولى عبيد الله بن علي].
وهو صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن مولاه عبيد الله بن علي].
قال عنه الحافظ: لين.
وصحح الشيخ الألباني هذا الحديث في (السلسة الصحيحة) وقال: جاء عن عبيد الله وعن غيره، وقال الترمذي: عن عبيد الله: ثقة، وفي ترجمته في (تهذيب التهذيب) عن ابن معين قال: لا بأس به، وهذا توثيق منه، وذكره ابن حبان في الثقات، ولم يذكر فيه شيئاً من الجرح، إلا أن أبا حاتم سأله ابنه عنه فقال: لا بأس به، فقال: أيحتج به؟ قال: لا، ولكنه شيخ، ولم يأت بشيء يعاب عليه، فقول الحافظ عنه: لين؛ فيه نظر، وقد أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن جدته سلمى].
سلمى رضي الله عنها، وحديثها أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة.(435/12)
موضع الحجامة(435/13)
شرح حديث: (أن النبي كان يحتجم على الهامة وبين كتفيه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في موضع الحجامة.
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي وكثير بن عبيد قالا: حدثنا الوليد عن ابن ثوبان عن أبيه عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه، قال كثير: إنه حدثه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحتجم على هامته وبين كتفيه، وهو يقول: من أهراق هذه الدماء فلا يضره ألا يتداوى بشيء لشيء)].
أورد أبو داود باب في موضع الحجامة، يعني: المكان الذي توضع فيه المحاجم، وأورد أبو داود حديث أبي كبشة: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجم على هامته وبين كتفيه)] الهامة هي أعلى الرأس، وبين كتفيه من الخلف، يعني: أنه يحتجم في هذين الموضعين، وليس معنى ذلك أنه يحتجم فيهما معاً، بل قد يحتجم بالهامة وحدها، وقد يحتجم بين كتفيه فقط.
قوله: [وهو يقول: (من أهراق هذه الدماء، فلا يضره ألا يتداوى بشيء لشيء)].
هذا يدل على عظم شأن الحجامة وإهراق هذه الدماء عن طريق الحجامة ليستخرج الدم الفاسد، ولا يضره بعدها أن يتداوى بشيء آخر.(435/14)
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يحتجم على الهامة وبين كتفيه)
قوله: [حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي].
عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي هو الملقب دحيم، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[وكثير بن عبيد].
كثير بن عبيد ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا الوليد].
الوليد بن مسلم الدمشقي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن ثوبان].
عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
ثابت بن ثوبان وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبي كبشة الأنماري].
أبو كبشة الأنماري صحابي، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.(435/15)
شرح حديث: (احتجم ثلاثاً في الأخدعين والكاهل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا جرير -يعني ابن حازم - حدثنا قتادة عن أنس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتجم ثلاثاً في الأخدعين والكاهل.
قال معمر: احتجمت فذهب عقلي حتى كنت ألقن فاتحة الكتاب في صلاتي، وكان احتجم على هامته)].
أورد أبو داود حديث أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم ثلاثاً في الأخدعين -وهما عرقان في جانبي العنق- والكاهل) وهو بين الكتفين مقدم الظهر من فوق، وهو الموضع الذي ذكر في الحديث الماضي: (بين كتفيه)، فيعبر بين الكتفين بالكاهل، والكاهل يكون بين الكتفين أعلى الظهر.
قوله: [قال معمر: احتجمت فذهب عقلي حتى كنت ألقن فاتحة الكتاب في صلاتي، وكان احتجم على هامته].
وقد احتجم النبي صلى الله عليه وسلم على هامته، قال بعض أهل العلم: يحتمل أن يكون حجم في مكان لا تصلح فيه الحجامة، أو حجم لمرض في رأسه لا تصلح فيه الحجامة؛ لأنه ليس كل وجع في الرأس يعالج بالحجامة.
قوله: فذهب عقلي حتى كنت ألقن الفاتحة، يعني: كان يخطئ فيها.(435/16)
تراجم رجال إسناد حديث: (احتجم ثلاثاً في الأخدعين والكاهل)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
مسلم بن إبراهيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جرير يعني ابن حازم].
جرير بن حازم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا قتادة].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
أنس رضي الله عنه قد مر ذكره.
وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود.(435/17)
أوقات استحباب الحجامة(435/18)
شرح حديث: (من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب متى تستحب الحجامة؟ حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء)].
أورد أبو داود هذه الترجمة متى تستحب الحجامة؟ يعني: ما هي الأيام التي ينبغي للإنسان أن يحتجم فيها؟ وأورد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاءً من كل داء)، وهذا معناه أن الحجامة مفيدة في هذه الأيام، وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم احتجم في هذه الأيام.(435/19)
تراجم رجال إسناد حديث: (من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء)
قوله: [حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع].
أبو توبة الربيع بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي].
سعيد بن عبد الرحمن الجمحي صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة].
[عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة].
وقد مر ذكر الثلاثة.(435/20)
شرح حديث النهي عن الحجامة يوم الثلاثاء
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرني أبو بكرة بكار بن عبد العزيز أخبرتني عمتي كبشة بنت أبي بكرة -وقال غير موسى: كيسة بنت أبي بكرة - (أن أباها رضي الله عنه كان ينهى أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء، ويزعم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يوم الثلاثاء يوم الدم، وفيه ساعة لايرقأ)].
أورد أبو داود حديث أبي بكرة أنه كان ينهى أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء، ويزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هو يوم الدم، وفيه ساعة لا يرقأ الدم فيها) يعني: لا ينقطع عن النزيف، والحديث ضعيف غير ثابت؛ لأن فيه هذه المرأة التي هي كيسة، وهي لا تعرف.(435/21)
تراجم رجال إسناد حديث النهي عن الحجامة يوم الثلاثاء
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرني أبو بكرة بكار بن عبد العزيز].
بكار بن عبد العزيز صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[أخبرتني عمتي كبشة بنت أبي بكرة، وقال غير موسى: كيسة بنت أبي بكرة].
مستورة، أي: مجهولة الحال، أخرج لها أبو داود.
[عن أبيها].
أبوها أبو بكرة رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(435/22)
شرح حديث: (أن رسول الله احتجم على وركه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احتجم على وركه من وثء كان به)].
أورد أبو داود حديث جابر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم على وركه -وهذا موضع آخر غير الكاهل والأخدعين والهامة- من وثء كان به)، قيل: هو مرض في اللحم دون العظم.
وهذا الحديث لا يطابق ترجمة الباب: متى تستحب الحجامة؟ وإنما تطابق ترجمة الباب السابق: موضع الحجامة.(435/23)
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله احتجم على وركه)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهشام هو الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
جابر رضي الله عنه وقد مر ذكره.
وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود.
وللإنسان وركان، وفي حال الجلوس للتشهد الأخير فإنه يخرج المصلي رجله اليسرى من تحت رجله اليمنى، ويجعل وركه على الأرض ويقعد عليه.
وقد احتجم النبي صلى الله عليه وسلم في وركه مع كونه من العورة؛ وذلك لأجل الضرورة، وكشف العورة للعلاج جائز.(435/24)
قطع العرق وموضع الحجم(435/25)
شرح حديث: (بعث النبي إلى أُبي طبيباً فقطع منه عرقاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قطع العرق، وموضع الحجم.
حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي طبيباً فقطع منه عرقاً)].
أورد أبو داود باب في قطع العرق، يعني: في العلاج، وقد أورد أبو داود حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى أبي بن كعب طبيباً فقطع منه عرقاً، وهذا هو محل الشاهد، يعني: كونه قطع منه عرقاً للعلاج.(435/26)
تراجم رجال إسناد حديث: (بعث النبي إلى أُبي طبيباً فقطع منه عرقاً)
قوله: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري].
محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود.
[حدثنا أبو معاوية].
أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
سليمان بن مهران الكاهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سفيان].
هو طلحة بن نافع صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
جابر بن عبد الله مر ذكره.(435/27)
الأسئلة(435/28)
معنى الاحتجام في سبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين
السؤال
هل يكفي الاحتجام في سبع عشرة أم لابد من الاحتجام في سبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين؟
الجواب
يكفي مرة وليس بلازم أن يحتجم ثلاث مرات في الأيام كلها، لكن يحتجم إما في هذه أو في هذه أو في هذه.(435/29)
حكم التداوي
السؤال
هل التداوي واجب لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولأمره؟
الجواب
لا، والأمر هنا لا يدل على الوجوب؛ لأنه قد جاء ما يدل على جواز الصبر، كما في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وذكر أنهم لا يسترقون.(435/30)
جواز صعود المعتدة إلى سطح المنزل
السؤال
امرأة معتدة عدة وفاة تقول: هل يجوز لي أن أصعد إلى سطح المنزل؟
الجواب
لا مانع أن تصعد وتنزل كما تشاء.(435/31)
حكم امرأة ترى طهرين من الحيض
السؤال
امرأة ترى طهرين الأول بياض به صفرة يسيرة، وبعده تأتي صفرة شديدة لمدة ستة أيام، ثم يأتي نقاء تام لا يخالطه شيء، فبأيهما تعتد في الطهر؟
الجواب
إذا كانت عادتها تنتهي عند انقطاع الدم الذي يعقبه هذه الفترة الطويلة، فإن عدتها تنتهي بذلك، ويكون ما بعده استحاضة، فهذا إذا كانت عدتها مستقرة وثابتة، وإذا كانت تعرف أن عادتها أنها تحيض ثم تطهر ثم يستمر معها الحيض، وكانت هكذا من حين بدأ الحيض، فهذا كله يكون حيض، وأما إن طهرت في أيامها المعلومة ثم رأت الصفرة أو الكدرة فلا تعتد بها، وتكون طاهراً بعد انتهاء وقت حيضها حتى وإن رأت صفرة أو كدرة.(435/32)
جمع الأدعية الواردة بعد الفراغ من الطعام
السؤال
هل يجوز الجمع بين الأدعية الواردة بعد الفراغ من الطعام في مكان واحد؟
الجواب
يجوز، ولو اقتصر على بعضها لكفى.(435/33)
حكم الأكل قائماً
السؤال
حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم قيس ومعه علي، فأكل من الدوالي وكانت معلقة) هل فيه دليل على جواز الأكل قائماً؟
الجواب
الحديث لا يدل على أنه كان قائماً، بل يحتمل أنه كان قائماً، ويحتمل أن يكون التمر معلقاً وهم يأخذونه وهم جلوس.(435/34)
حكم استخدام الحناء للرجال
السؤال
ما حكم استخدام الحناء للرجال سواءً كان في الرأس، أو في الرجلين، أو في اليدين، خاصة وأن في بعض البلدان تعورف عليه للرجال؟
الجواب
لا يصلح أن الرجال يتجملون بالحناء، فالتجمل بالحناء من خصائص النساء، ولكن كون الرجال يستعملونه لتغيير الشيب الأبيض إلى أحمر فهذا لا بأس به، وكذلك للعلاج، فقد جاء في الحديث: (أنه كان يأمر من يشتكي رجليه أن يخضبهما).(435/35)
حكم حلق بعض الرأس للحجامة
السؤال
ذكرتم -حفظكم الله- فيما مضى أن حلق جزءاً من الرأس للحجامة جائز للضرورة، لكن إن استطاع أن يحلق جميع رأسه للحجامة فهل يجوز أن يحلق جزءاً من شعره ولا يكون قزعاً مع استطاعته على حلقه كله؟
الجواب
هذا سائغ للحجامة، فإن أراد أن يحلق رأسه كله فله أن يحلق، وإن أراد أن يحلق مكان الحجم فلا بأس، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (احلقوه كله أو دعوه كله) أي: لا يحلق بعضه ويترك بعضه، ولكن إن حلق موضع الحجامة فقط فلا بأس.(435/36)
الفرق بين الحجامة والفصد
السؤال
ما الفرق بين الحجامة والفصد؟
الجواب
الفصد غير الحجامة، فالحجامة تكون عن طريق المحاجم، والفصد يكون بقطع في العرق بشيء حاد، فيخرج منه دم، ثم يعمل شيئاً يوقف النزيف.(435/37)
الكي(435/38)
شرح حديث: (نهى النبي عن الكي فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الكي.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت عن مطرف عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أنه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الكي فاكتوينا؛ فما أفلحنا ولا أنجحنا).
قال أبو داود: وكان يسمع تسليم الملائكة فلما اكتوى انقطع عنه، فلما ترك رجع إليه].
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في الكي، أي: الكي بالنار، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه سائغ، وأن فيه فائدة ومصلحة، وذلك في الحديث الذي يقول: (الشفاء في ثلاث: كية نار، ومذقة عسل، وشرطة محجم)، وجاء أيضاً ما يدل على أن تركه أولى كما في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ومن صفاتهم: (لا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون)، ومعلوم أن الكي فيه تشويه للجسم، والناس يقولون: آخر الطب الكي، أي: أنه يصار إليه عند الحاجة وعندما لا ينفع غيره، فهو مكروه لحصول التألم بالنار، وأيضاً فيه تشويه للجسم، وإذا احتاج الإنسان إليه فقد جاء ما يدل عليه، وإن استغنى عنه فهو خير له.
أورد أبو داود حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكي فاكتوينا؛ فما أفلحنا ولا أنجحنا).
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكي)، وقد جاء ما يدل على جوازه، فيكون المراد بالنهي كراهة التنزيه وأنه خلاف الأولى، فالأولى أن يستغنى عنه إذا أمكن، وإذا لم يستغن عنه فإنه سائغ، وقد جاءت الأحاديث الدالة على جوازه وأنه سائغ، وما جاء في هذا الحديث يحمل على كراهة التنزيه وليست الكراهة للتحريم.
وقول عمران: فاكتوينا؛ فما أفلحنا وما أنجحنا يحتمل أنه استعمله على وجه لا يصلح فيه الكي فحصل منه الضرر وعدم الفائدة، ولعل مما ترتب عليه من عدم الفائدة أنه كان يسمع تسليم الملائكة، وأنه لما اكتوى توقف عنه ذلك ثم عاد إليه، وقد أشار إلى هذا أبو داود.(435/39)
تراجم رجال إسناد حديث: (نهى النبي عن الكي فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
حماد بن سلمة بن دينار ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ثابت].
ثابت بن أسلم البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مطرف].
مطرف بن عبد الله بن الشخير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمران بن حصين].
عمران بن حصين أبو نجيد رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(435/40)
شرح حديث كي سعد بن معاذ من رميته
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كوى سعد بن معاذ من رميته)].
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ من رميته، أي: الرمية التي حصلت له في يوم الخندق، وأمر أن تضرب له خيمة في المسجد ليعوده، وفي هذا دليل على مشروعية الكي، وقوله: (كواه) يحتمل أنه كواه بنفسه، أو أمر أن يكوى، لكن جاء في صحيح مسلم أنه كواه بمشقص بيده، والمشقص حديدة.
فهذا الحديث يدل على أن الكي سائغ ولا بأس به عند الحاجة إليه، وقيل: إن هذا الكي من أجل إيقاف الدم، وحسم العرق حتى لا ينزف، والكي من الوسائل التي يوقف بها الدم.(435/41)
تراجم رجال إسناد حديث كي سعد بن معاذ من رميته
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أبي الزبير].
أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود.(435/42)
الأسئلة(435/43)
حكم الكي الكهربائي
السؤال
الكي الكهربائي الذي يكون بلا حرق، هل يدخل في هذا النهي؟
الجواب
الظاهر أن الكي الكهربائي من جنس التكميد، فهو مثل الماء الحار الذي يوضع في وعاء، ثم يوضع على الجسم فيعطيه حرارة، وليس فيه حرق، وهو أحسن من الكي إذا ترتب عليه فائدة؛ لأن الجسم يبقى على هيئته.(435/44)
الكي ينافي كمال التوكل
السؤال
رجل اكتوى وهو يعلم أن تركه سبب في دخول الجنة بغير حساب، ثم تاب بعد ذلك، فهل يدخل في حديث السبعين ألفاً؟
الجواب
هذه المنزلة عالية ورفيعة، والإنسان إذا وفقه الله لأن يكون ممن يدخل الجنة ولو لم يكن من هؤلاء؛ فقد ظفر بالسعادة التي هي الجنة وما فيها من النعيم، وأعلى شيء في ذلك رؤية الله سبحانه وتعالى، وكل مسلم سيدخل الجنة حتى ولو دخل النار، وإذا تجاوز الله عن الإنسان فإنه يدخل الجنة من أول وهلة.
والكي ينافي كمال التوكل، والأخذ بالأسباب سائغ والكي من الأسباب التي هي مظنة الشفاء، ومن اكتوى فقد أخذ بشيء سائغ، ولا يقال: إنه غير متوكل، ولكن ترك الكي من كمال التوكل.(435/45)
شرح سنن أبي داود [436]
لقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض الأدوية النافعة للجسم وحث عليها، كما أنه قد نهى وحذر من كثير من الأشياء الخبيثة التي تضر الإنسان ولا تنفعه، وهذا من الطب النبوي، وهذا الإرشاد من تمام نصحه وحبه للخير صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة.(436/1)
السعوط(436/2)
شرح حديث (أن النبي استعط)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في السعوط.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أحمد بن إسحاق حدثنا وهيب عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استعط)].
أورد أبو داود هذه الترجمة في السعوط، والسعوط مثل الوُضوء والوَضوء، والطُهور والطَهور، والوُجور والوَجور وغيرها من الكلمات التي تأتي مفتوحة ومضمومة، وهي في حال فتحها بمعنى الشيء الذي يستعمل كالماء، فالسَعوط المادة التي توضع في الأنف يستعط بها، وما كان بالضم فهو فعل الشيء، فالوَضوء اسم للماء الذي يتوضأ به، والوُضوء هو هيئة الوضوء، بأن يغسل الإنسان وجهه وغيره، فهذا الفعل يقال له: وُضوء، وكذلك السُعوط هو مباشرة الفعل، ووضع المادة بالأنف، وهي كلمات عديدة مثل الوَجور للدواء الذي يأتي عن طريق الفم، ومثل السَحور والسُحور، فبالفتح هو الطعام الذي يؤكل وقت السحر، وبالضم هو الأكل والتسحر بذلك الطعام.
أورد المصنف حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم استعط، أي: أنه وضع السعوط في أنفه.(436/3)
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي استعط)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا أحمد بن إسحاق].
أحمد بن إسحاق ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا وهيب].
وهيب بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن طاوس].
عبد الله بن طاوس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
طاوس بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة.(436/4)
النشرة(436/5)
شرح حديث (هو من عمل الشيطان)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النشرة.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق حدثنا عقيل بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه يحدث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن النشرة فقال: هو من عمل الشيطان)].
أورد أبو داود باب في النشرة، والنشرة هي: حل السحر عن المسحور، وإذا كانت بطرق غير شرعية - كحلها بالسحر أو بالرجوع إلى الكهان والمشعوذين- فإن ذلك حرام، وهو من عمل الشيطان، وأما إذا كان بالقرآن وبالأدعية المباحة وبالتعوذات؛ فهذا سائغ، وعلى هذا فالنشرة فيها تفصيل: إن كانت بالقرآن وبالتعوذات وبذكر الله عز وجل فإن ذلك سائغ ولا بأس به، وإن كانت بأمور يرجع فيها إلى السحرة والكهان وأشباههم؛ فإن ذلك لا يسوغ، وهو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (هي من عمل الشيطان)، فدل ذلك على تحريمها إذا كانت عن طريق المشعوذين والعرافين والكهان والسحرة، فإن ذلك من عمل الشيطان؛ لأن هذا العمل الذي يقومون به إنما يتأتى لهم باستخدام شياطين الجن.(436/6)
تراجم رجال إسناد حديث (هو من عمل الشيطان)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرزاق].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عقيل بن معقل].
عقيل بن معقل صدوق أخرج له أبو داود.
[سمعت وهب بن منبه].
وهب بن منبه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة ففي التفسير.
[عن جابر بن عبد الله].
جابر بن عبد الله مر ذكره.(436/7)
الترياق(436/8)
شرح حديث (ما أبالي ما أتيت إن أنا شربت ترياقاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الترياق.
حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثنا شرحبيل بن يزيد المعافري عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي قال: سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (ما أبالي ما أتيت إن أنا شربت ترياقاً، أو تعلقت تميمةً، أو قلت الشعر من قبل نفسي).
قال أبو داود: هذا كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة، وقد رخص فيه قوم، يعني: الترياق].
أورد أبو داود باب في الترياق، والترياق: هو علاج السم، وعلاج السم بشيء مباح لا بأس به، وأما إذا كان بأمور محرمة غير سائغة فإنه لا يجوز هو ولا غيره من الأدوية، فإن خلا من المحذور فلا بأس به كسائر العلاجات؛ لأن العلاجات مطلقاً إذا لم يكن فيها شيء محرم سائغة.
وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(ما أبالي ما أتيت إن أنا شربت ترياقاً، أو تعلقت تميمةً، أو قلت الشعر من قبل نفسي)].
ومحل الشاهد في الجملة الأولى: (ما أبالي ما أتيت إن أنا شربت ترياقاً)، والحديث ضعيف؛ ففي إسناده رجل ضعيف، فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.(436/9)
تراجم رجال إسناد حديث (ما أبالي إن أنا شربت ترياقاً)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة].
عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا عبد الله بن يزيد].
عبد الله بن يزيد المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد بن أبي أيوب].
سعيد بن أبي أيوب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شرحبيل بن يزيد المعافري].
شرحبيل بن يزيد المعافري صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي].
عبد الرحمن بن رافع التنوخي ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[سمعت عبد الله بن عمرو].
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(436/10)
حكم الترياق
[قال أبو داود: هذا كان للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وقد رخص فيه قوم، يعني: الترياق].
يعني: كونه لا يبالي إذا أتى شيئاً إن هو شرب ترياقاً، قال: وقد رخص فيه قوم، يعني: أنه يجوز أن يستعمل الترياق وهو علاج السم، والحديث ضعيف لا يحتج به، ولا يعول عليه.
قال في الحاشية: والترياق أنواع، فإذا لم يكن فيه لحوم الأفاعي فلا بأس بتناوله، وكأنهم كانوا يتخذون هذا العلاج للسم من الحيات، ويعالج سمها بشيء منها.(436/11)
الأدوية المكروهة(436/12)
شرح حديث (نهى عن الدواء الخبيث)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الأدوية المكروهة.
حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا محمد بن بشر حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن مجاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الدواء الخبيث)].
أورد أبو داود باب في الأدوية المكروهة، والمكروه كثيراً ما يطلق عند المحدثين وعند المتقدمين على كراهة التحريم، وفي اصطلاح الفقهاء يطلق على كراهة التنزيه، وهو ما نهي عنه وليس من قبيل المحرم، فهو يقابل المندوب في باب الأمر، والمندوب هو المأمور به بغير جزم.
أورد أبو داود عدة أحاديث في هذه الترجمة، أولها حديث أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدواء الخبيث) أي: سواء كان نجساً أو كان ضاراً، فيحتمل أن يكون من قبيل النجس، أو من قبيل ما يترتب عليه ضرر من استعماله، ولا شك أن ذلك كله من قبيل المحرم.(436/13)
تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن الدواء الخبيث)
قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله].
هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا محمد بن بشر].
محمد بن بشر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يونس بن أبي إسحاق].
يونس بن أبي إسحاق صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن مجاهد].
مجاهد بن جبر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، وهو أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه حديثاً على الإطلاق.(436/14)
شرح حديث نهى النبي عن قتل الضفدع
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن عثمان رضي الله عنه: (أن طبيباً سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء، فنهاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قتلها)].
أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن عثمان رضي الله تعالى عنه: (أن طبيباً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعله في دواء، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها)، والنهي عن قتلها يدل على تحريمها وعلى أنه لا يجوز استعمالها في الأدوية؛ لأنه لو كان يباح قتلها لأمكن استعمالها في الأدوية، والذي يجوز قتله واستعماله يجوز أن يستعمل في الأدوية، والذي لا يسوغ قتله لا يستعمل في الأدوية، ولا يجوز أكله، وهذا يدل على أن الضفادع لا تؤكل، وهي مستثناة مما يعيش في البحر، فالضفادع لا تؤكل؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها، إذ لو كانت مباحة الأكل لأذن بقتلها والاستفادة منها أكلاً وتداوياً، فلما نهى عن قتلها دل على أنها لا تؤكل، وأنه لا يتداوى بها.(436/15)
تراجم رجال إسناد حديث نهى النبي عن قتل الضفدع
قوله: [حدثنا محمد بن كثير].
محمد بن كثير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان].
سفيان الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي ذئب].
هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن خالد].
سعيد بن خالد صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن سعيد بن المسيب].
سعيد بن المسيب ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن عثمان].
عبد الرحمن بن عثمان رضي الله عنه، وحديثه أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.(436/16)
شرح حديث (من حسا سماً فسمه في يده يتحساه في نار جهنم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من حسا سماً فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)].
استعمال السم حرام؛ لأنه ضرر، وفيه قتل للنفس، وفي هذا الحديث: (أن من حسا سماً ومات به فإنه يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)، وهذا الخلود الأبدي نسبي وليس كخلود الكفار الذي ليس له نهاية، فكل من مات غير مشرك بالله عز وجل فأمره إلى الله: إن شاء عفا عنه ولم يعذبه، وإن شاء تعذيبه فإنه يعذبه ويطهره، ثم بعد ذلك يخرجه من النار ويدخله الجنة، ولا يبقى في النار أبد الآباد إلا الكفار الذين هم أهلها.
وهذا الحديث فيه أن الجزاء من جنس العمل، فكما استعمل السم في الدنيا فإنه يعذب به بأنه يتحساه في نار جهنم، ويكون على هذه الحال خالداً مخلداً أبداً، أي: خلوداً نسبياً، وليس خلوداً مؤبداً.(436/17)
تراجم رجال إسناد حديث (من حسا سماً فسمه في يده يتحساه في نار جهنم)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية].
أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأعمش].
سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح].
أبو صالح ذكوان السمان المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] مر ذكره.(436/18)
شرح حديث النهي عن التداوي بالخمر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن سماك عن علقمة بن وائل عن أبيه رضي الله عنه أنه ذكر طارق بن سويد أو سويد بن طارق رضي الله عنه: (سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الخمر فنهاه، ثم سأله فنهاه، فقال له: يا نبي الله! إنها دواء، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا، ولكنها داء)].
والمعنى: أن فيها إثماً وضرراً فلا يجوز التداوي بها، وهذا يدل على أن الحرام لا يجوز التداوي به، وإنما يبحث عن دواء طيب ليس بمحرم.(436/19)
تراجم رجال إسناد حديث النهي عن التداوي بالخمر
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سماك].
سماك بن حرب صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن علقمة بن وائل].
علقمة بن وائل صدوق أخرج له البخاري في رفع اليدين ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
وائل بن حجر رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[قال: ذكر طارق بن سويد أو سويد بن طارق].
هو صحابي، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
وعلقمة بن وائل ذكر الحافظ أنه لم يسمع من أبيه، ولكن الصحيح أنه قد سمع منه؛ لأن مسلماً روى عنه في صحيحه عن أبيه، ومسلم إنما يورد في كتابه الأحاديث المتصلة الصحيحة، وأما أخوه عبد الجبار فلم يسمع من أبيه.(436/20)
شرح حديث (إن الله أنزل الداء والدواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبادة الواسطي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا إسماعيل بن عياش عن ثعلبة بن مسلم عن أبي عمران الأنصاري عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء؛ فتداووا، ولا تتداووا بحرام)].
أورد أبو داود حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام)، وهذا يدل على أن الحرام لا يجوز التداوي به، وفيه أن لكل داء دواء علمه من علمه، وجهله من جهله، لكن يتداوى بما هو مباح، ولا يتداوى بما هو محرم، ولهذا قال: (ولا تتداووا بحرام)، فأرشد إلى التداوي، ونهى عن التداوي بالحرام.
وهذا الحديث في إسناده رجل مستور، ولكن معناه صحيح، ويشهد له ما جاء من الأحاديث التي تدل على عدم التداوي بالحرام، كحديث (إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها).(436/21)
تراجم رجال إسناد حديث (إن الله أنزل الداء والدواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام)
قوله: [حدثنا محمد بن عبادة الواسطي].
محمد بن عبادة الواسطي صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود وابن ماجة.
[حدثنا يزيد بن هارون].
يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا إسماعيل بن عياش].
إسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن الشاميين، ومخلط في غيرهم، أخرج له البخاري في رفع اليدين وأصحاب السنن.
[عن ثعلبة].
ثعلبة بن مسلم مستور، وهو من الشاميين، ورواية إسماعيل عن الشاميين مقبولة، ولكن المروي عنه مستور، أي: مجهول الحال، وقد أخرج حديثه أبو داود وابن ماجة في التفسير.
[عن أبي عمران الأنصاري].
وهو صدوق أخرج له أبو داود.
[عن أم الدرداء].
هي أم الدرداء الصغرى، واسمها هجيمة، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الدرداء].
أبو الدرداء هو عويمر رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(436/22)
الأسئلة(436/23)
حكم التداوي بالحرام
السؤال
هل يجوز التداوي بالحرام للضرورة كما يجوز أكل الميتة للمضطر؟
الجواب
هذا ليس من هذا القبيل؛ لأن الاضطرار للميتة يكون من أجل إنقاذ الحياة، فالأكل منها به قوام البدن، وأما المريض فلا يستعمل الدواء المحرم حتى ولو جرب أنه فيه شفاء، وإنما يبحث عن أدوية طيبة.(436/24)
حكم تشريح الضفدع في المختبر
السؤال
ما حكم تشريح الضفدع في المختبر، حتى يجرى عليها التجارب؟
الجواب
إذا لم يقتل فلا بأس به، ويخدر حتى لا يكون فيه إيذاء، وفي هذا فائدة ومصلحة، وليس فيه تداو ولا أكل.(436/25)
حكم استعمال السم للتداوي
السؤال
هل الحديث مناسب للباب؛ لأن المقصود من يستعمل السم للانتحار، وليس للتداوي؟
الجواب
الحديث جاء في استعمال السم، ومعلوم أن السم يقتل، لكن إذا كان يسيراً يتعالج به فإنه لا يصل إلى حد القتل، فيدخل تحت هذا الباب إذا كان يسيراً لا يؤدي إلى القتل، فالتعالج به محرم ولو لم يقتل نفسه.(436/26)
حكم الأدوية المستخرجة من الحيوانات المحرمة
السؤال
ما الحكم إذا عرف أن بعض الأدوية تستخرج من بعض الحيوانات المحرمة الأكل؟
الجواب
لا يجوز استعمالها، لحديث: (إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها)، وفي الحديث الآخر: (نهى عن قتل الضفدع) أي: ليجعل في الدواء.(436/27)
تمرة العجوة(436/28)
شرح حديث (ائت الحارث بن كلدة فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة)
قال المصنف رحمة الله تعالى: [باب في تمرة العجوة.
حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن سعد رضي الله عنه أنه قال: (مرضت مرضاً أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعودني، فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها على فؤادي، فقال: إنك رجل مفئود، ائت الحارث بن كلدة أخا ثقيف فإنه رجل يتطبب، فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة فليجأهن بنواهن ثم ليلدّك بهن)].
أورد أبو داود باب في تمرة العجوة، والعجوة نوع من تمر المدينة.
وهذا الحديث أورده أبو داود عن سعد بن أبي وقاص أنه مرض، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه يعوده، فوضع يده بين ثدييه، وقال: (إنك مفئود) هو وجع الفؤاد، مثل مبطون وجع البطن، ومرءوس وجع الرأس.
وقال: (ائت الحارث بن كلدة من ثقيف فإنه يتطبب، فليأخذ سبع تمرات من عجوة فليجأهن مع نواهن) أي: يخلطهن ويدقهن مع النوى، قال: (ثم ليلدّك بهن) واللدود هو ما يوضع في الفم من جنس السعوط، ويقال له أيضاً: الوجور.
وهذا الحديث غير ثابت؛ لأن فيه انقطاعاً بين مجاهد وبين سعد رضي الله عنه.(436/29)
تراجم رجال إسناد حديث (ائت الحارث بن كلدة فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة)
قوله: [حدثنا إسحاق بن إسماعيل].
ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا سفيان].
سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي نجيح].
عبد الله بن أبي نجيح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد].
مجاهد بن جبر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد].
هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(436/30)
شرح حديث (من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة حدثنا هاشم بن هاشم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر)].
أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص: (من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر)، وهذا يدل على فائدة أكل هذا التمر في كل يوم سبع تمرات، وذلك أنه إذا تصبح فإنه يجعلها أول شيء يأكله، ولا يأكل قبلها شيئاً في الصباح، فإن في ذلك وقاية بإذن الله من السم والسحر في ذلك اليوم.
وهذا الحديث أصل في باب الطب الوقائي، وهو أنه تستعمل أدوية من أجل الوقاية من شيء قد يحصل، وهذا مثل التطعيمات ضد الأمراض، فهذا الحديث يدل على أن مثل هذا العمل سائغ.
والعجوة معروفة، وتكون في المدينة وفي غير المدينة، فلا بأس بأكل عجوة غير المدينة، ومن تصبح بسبع تمرات ليست عجوة فيرجى أن تحصل له هذه الوقاية من السم والسحر.(436/31)
تراجم رجال إسناد حديث (من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
مر ذكره.
[حدثنا أبو أسامة].
أبو أسامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هاشم بن هاشم].
هاشم بن هاشم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عامر بن سعد].
عامر بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
سعد بن أبي وقاص وقد مر ذكره.(436/32)
العلاق(436/33)
شرح حديث (علام تذعرن أولادكن بهذا العلاق؟ عليكن بهذا العود الهندي)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في العلاق.
حدثنا مسدد وحامد بن يحيى قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أم قيس بنت محصن رضي الله عنها أنها قالت: (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بابن لي قد أعلقت عليه من العذرة، فقال: علام تدغرن أولادكن بهذا العلاق؟! عليكن بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب، يسعط من العذرة، ويلد من ذات الجنب).
قال أبو داود: يعني بالعود: القسط].
أورد أبو داود حديث أم قيس بنت محصن رضي الله تعالى عنها قالت: (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لي قد أعلقت عليه من العذرة)].
العذرة هو: داء يكون في أقصى الحلق، وكانت المرأة تدخل أصبعها في حلقه فترفعه بإصبعها، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (علام تدغرن أولادكن) يعني: بكونها ترفعه بإصبعها، وأرشد إلى استعمال العود الهندي الذي هو دواء، وقال: (فيه سبعة أشفية)، وذكر شيئين مما يتعلق بهذا المرض الذي يكون في الأطفال، وأنه يستعمل سعوطاً، وكذلك من ذات الجنب، وأنه يستعمل لدوداً يعني: من طريق الفم بالنسبة لعلاج ذات الجنب.
والعذرة ليست التهاب اللوز، بل هو مرض آخر يسمى السقوط.
[قال أبو داود: يعني بالعود: القسط].
القسط: هو العود الذي فيه رائحة طيبة، وهو الذي جاء ذكره في حديث غسل الحائض وأنها تجعل قسطاً يطهر المكان.(436/34)
تراجم رجال إسناد حديث (علام تذعرن أولادكن بهذا العلاق؟ عليكن بهذا العود الهندي)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[وحامد بن يحيى].
حامد بن يحيى ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا سفيان عن الزهري].
مر ذكره، والزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن عبد الله].
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أم قيس بنت محصن].
أم قيس بنت محصن رضي الله تعالى عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.(436/35)
الأمر بالكحل(436/36)
شرح حديث (إن خير أكحالكم الإثمد؛ يجلو البصر، وينبت الشعر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الأمر بالكحل.
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم، وإن خير أكحالكم الإثمد، يجلو البصر، وينبت الشعر)].
أورد أبو داود باباً في الكحل، يعني: في العلاج به لإصلاح العين وتقوية النظر.
قوله: (ينبت الشعر ويجلو البصر) يعني: يصفيه، ويقويه، وينبت شعر الأهداب التي تنبت في أجفان العين، فهذا فيه إرشاد إلى أن الاكتحال فيه فائدة للعين من ناحية جلاء البصر وقوته، وكذلك أيضاً كونه ينبت شعر أهداب العين.(436/37)
تراجم رجال إسناد حديث: (إن خير أكحالكم الإثمد؛ يجلو البصر، وينبت الشعر)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس].
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير].
زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم].
عبد الله بن عثمان بن خثيم وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سعيد بن جبير].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس مر ذكره.(436/38)
الأسئلة(436/39)
حكم الاكتحال بالكحل الأسود للرجال
السؤال
الاكتحال بالكحل الأسود هل يعد تشبهاً بالنساء؟
الجواب
إذا كان للاستشفاء ولاستفادة العين فلا بأس به، وأما أن يفعله للتزين فقد يكون فيه تشبهاً بالنساء.(436/40)
الاكتواء ينافي كمال التوكل
السؤال
كيف ينافي الاكتواء التوكل، والرسول صلى الله عليه وسلم قد أعان عليه؟
الجواب
هو ينافي كمال التوكل، ولا ينافي التوكل، ثم إن الحديث فيه: (لا يكتوون) ولم يقل: لا يستكوون كما قال في الاسترقاء: (لا يسترقون)، فالمراد نفي كونهم يحصل منهم فعل الكي.(436/41)
استحباب لبس البياض خاص بالرجال
السؤال
قوله: (البسوا من ثيابكم البياض)، هل يدخل فيه النساء، فيسن لهن لبس البياض؟
الجواب
لا، إنما هذا للرجال.(436/42)
حكم الاكتحال
السؤال
هل الاكتحال يعتبر سنة؟
الجواب
لا أعلم دليلاً يدل عليه.(436/43)
الحجامة للحفظ
السؤال
هل تشرع الحجامة لأجل الحفظ؟
الجواب
حديث ابن عمر الذي فيه: (يزيد في العقل وفي الحفظ) لعله لمن احتاج إلى الاحتجام؛ لوجود الدم الفاسد فيه، وإذا أزيل الدم الفاسد فلا شك أنه فيه فائدة من ناحية صفاء الذهن، وقوة الحفظ، ولكن هذا لا يعني أن كل إنسان يحتجم من أجل أن يحفظ وهو ليس بحاجة إلى الحجامة، فالذي عافاه الله لا يحتاج إلى الحجامة ولا إلى العلاج، والحجامة هي علاج.(436/44)
شرح سنن أبي داود [437]
لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم خطورة بعض الأمور وحذر منها، بل وأرشد إلى علاجها ومن ذلك العين، فهي تدخل الرجل القبر والجمل القبر، ونهى عن تعليق التمائم.(437/1)
ما جاء في العين(437/2)
شرح حديث (العين حق)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في العين.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه هذا ما حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العين حق)].
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في العين، أي: الإصابة بالعين، وهو ما يحصل لشخص من ضرر نتيجة نظر شخص إليه، فيحصل مع هذه النظرة بإذن الله ضرر بالمعين بسبب الحسد الذي يكون في العائن، وقد جاءت السنة بأن الإنسان إذا رأى شيئاً يعجبه يذكر الله ويدعو بالبركة لصاحبه، ويكون ذلك سبباً لعدم حصول الضرر منه بإذن الله.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العين حق) يعني: الإصابة بالعين من قبل ذلك العائن الذي يكون عنده شيء من الحسد، فيحصل من نظرته ضرر للمعين بقضاء الله وقدره، وكل ما يقع في الكون هو بقضاء الله وقدره، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وقد تؤدي به العين إلى الهلاك والموت.
وقوله: (العين حق) أي: حصول الضرر بها حق وصحيح، والوقاية من ذلك أن الإنسان يدعو بالبركة لمن رأى فيه صفة أعجبته، وإذا حصل الحسد فالعلاج أن يتوضأ للمحسود، ويصب عليه من ذلك الماء الذي توضأ منه، وهذا من أسباب سلامته من هذه الإصابة بالعين، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.(437/3)
صحيفة همام بن منبه
هذا الحديث من صحيفة همام بن منبه المشهورة التي تشتمل على أحاديث كثيرة، وكلها بإسناد واحد: عن عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة، وهي تشتمل على مائة وأربعين حديثاً تقريباً، والفاصل بين كل حديث وحديث: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ثم يذكر الحديث، ثم يقول: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، حتى ينتهي من هذا المقدار الكبير من الأحاديث بهذا الإسناد الواحد، وهذه الصحيفة صحيحة، وقد انتقى البخاري منها أحاديث، ومسلم انتقى منها أحاديث، وغيرهما كذلك رووا منها أحاديث كما عند أبي داود هنا، وكما سبق أن مر بنا بعض الأحاديث في ذلك.
والمحدثون عندما يروون من هذه الصحيفة فبعضهم يسوق الإسناد إلى أبي هريرة ثم يذكر الحديث الذي انتقاه، دون أن تكون هناك إشارة إلى ما قبلها، وكأنه حديث مستقل، فيسوق الإسناد من أوله إلى آخره عن همام قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يذكر الحديث من هذه المائة والأربعين حديثاً التي اشتملت عليها هذه الصحيفة، فيأتي بالحديث على هذا الإسناد، والإسناد في الحقيقة ليس مسوقاً له فقط، بل لكل الأحاديث، وأول حديث في الصحيفة: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)، ثم لا يكرر الإسناد في الأحاديث الأخرى، فـ أبو داود رحمه الله هنا أتى بالإسناد الذي في أول الصحيفة ثم أتى بالحديث الذي انتقاه، وهو: (العين حق)، وهو في أثناء الأحاديث الكثيرة.
وأما الإمام مسلم رحمه الله فإن له طريقة عجيبة، وهي تدل على دقته وعنايته وتميزه على غيره في تحرير الأسانيد، والمحافظة على الألفاظ والمتون، فإنه يسوق الإسناد، وكل ما في صحيح مسلم من أحاديث الصحيفة هو من طريق شيخه محمد بن رافع النيسابوري عن عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فيأتي بجملة: فذكر أحاديث منها، ثم يأتي بالحديث الذي يريد، وهذا في غاية الوضوح والدقة؛ لأن الذي يقرأ هذا الكلام يعرف أن هذا الحديث ليس تالياً للإسناد، وإنما بينه وبين الإسناد أحاديث، وقد عبر عن هذا بقوله: فذكر أحاديث منها.
وهذه الصحيفة مطبوعة مستقلة، وهي موجود في مسند الإمام أحمد في مسند أبي هريرة.
ورواية البخاري ومسلم لأحاديث منها من أوضح الأدلة الدالة على أن البخاري ومسلماً رحمهما الله تعالى لم يستوعبا الأحاديث الصحيحة، ولم يقصدا الاستيعاب، فالأحاديث الصحيحة التي لم يخرجاها كثيرة، وهما لم يريدا الاستيعاب حتى يستدرك عليهما، فكون البخاري أخرج منها أحاديث، ومسلم أخرج منها أحاديث، واتفقا على أحاديث، وتركا منها أحاديث، هذا يدل على أنهما ما أرادا الاستيعاب؛ لأنهما لو أرادا الاستيعاب لرويا جميع أحاديث صحيفة همام، ولم يتركا منها حديثاً؛ لأنها بإسناد واحد، وقد أخرجا منها أحاديث.(437/4)
تراجم رجال إسناد حديث (العين حق)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرزاق].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معمر].
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن همام بن منبه].
همام بن منبه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق.(437/5)
شرح حديث (كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يؤمر العائن فيتوضأ) يعني: إذا أصاب العائن بعينه فإنه يتوضأ ثم يغتسل منه المعين، وهو الذي أصابته العين والمرض بسبب العين، فيغتسل العائن، ويرش على المعين، فيبرأ بإذن الله، وهذا هو العلاج الذي جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء في قصة سهل بن حنيف رضي الله عنه أنه اغتسل ورآه عمرو بن ربيعة، وكان سهل جلده أبيض، فقال عمرو: ولا جلد عذراء، فسقط، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر عمراً أن يغسل وجهه ويديه وبعض أعضائه، ثم أمر أن يصب على سهل؛ فشفي وعاد إلى حاله.(437/6)
تراجم رجال إسناد حديث (كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا جرير].
جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم].
إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأسود].
الأسود بن قيس النخعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(437/7)
الغيل(437/8)
شرح حديث (لا تقتلوا أولادكم سراً، فإن الغيل يدرك الفارس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الغيل.
حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة حدثنا محمد بن مهاجر عن أبيه عن أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا تقتلوا أولادكم سراً، فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه)].
أورد أبو داود باب في الغيل، والغيل هو حصول الحمل من المرضع، فيكون اللبن غير مفيد، فيتضرر الصبي من رضاعه هذا اللبن.
عن أسماء بنت يزيد بن السكن أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقتلوا أولادكم سراً).
وهذا ليس قتلاً مباشراً، ولكنه يؤدي إلى الضعف والهزال؛ بسبب شربه هذا اللبن الذي حصل معه الحمل فيتغير ولم يعد صالحاً للشرب، فهو يؤثر على صحة الولد حتى بعد أن يكبر ويركب الفرس، فإن الغيل يؤدي إلى ضعفه وسقوطه.
ولكن هذا الحديث ليس بصحيح، وقد جاء ما يدل على جواز الغيل وأنه سائغ، ولكن إذا وجد الحمل فإنه يترك الرضاع؛ لأنه يؤدي إلى ضرر الطفل، فيجوز أن تجامع المرضع، وإن حصل حمل فإنها تترك الإرضاع؛ لأنه يضر الطفل، ويرضع بلبن آخر غير هذا اللبن الذي ينشأ عنه الضرر، والنساء تعرف هذا بالتجربة؛ ولهذا عندما تحمل المرأة تبادر إلى الامتناع عن إرضاع الطفل من ذلك اللبن الذي جاء معه الحمل.
قوله: [(لا تقتلوا أولادكم سراً، فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه)].
معناه: أنه يجعله يسقط؛ بسبب الهزال والضعف الذي أصابه من شرب ذلك اللبن.(437/9)
تراجم رجال إسناد حديث (لا تقتلوا أولادكم سراً، فإن الغيل يدرك الفارس)
قوله: [حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة].
الربيع بن نافع أبو توبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا محمد بن مهاجر].
محمد بن مهاجر ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن ماجة.
[عن أسماء بنت يزيد].
أسماء بنت يزيد رضي الله عنها، وهي صحابية، أخرج حديثها البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.(437/10)
شرح حديث (لقد هممت أن أنهى عن الغيلة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل قال: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن جدامة الأسدية رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يفعلون ذلك فلا يضر أولادهم).
قال مالك: الغيلة أن يمس الرجل امرأته وهي ترضع].
قوله: (لقد هممت أن أنهى عن الغيلة) يعني: جماع المرأة المرضع؛ حتى لا يحصل حمل فيتضرر به الولد، ثم أخبر أن أهل فارس والروم يفعلون ذلك فلا يضر أولادهم، فترك ذلك النهي، فدل أن للرجل أن يجامع امرأته وهي مرضع، ولكنه إذا حصل حمل فمعلوم بالتجربة أنه يؤثر، فإذا وجد حمل فإنه يرضع من جهة أخرى.(437/11)
تراجم رجال إسناد حديث (لقد هممت أن أنهى عن الغيلة)
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
مالك إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل].
محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة بن الزبير].
عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[عن جدامة الأسدية].
جدامة الأسدية وهي صحابية، أخرج لها مسلم وأصحاب السنن.(437/12)
تعليق التمائم(437/13)
شرح حديث (إن الرقى والتمائم والتولة شرك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في تعليق التمائم.
حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن يحيى بن الجزار عن ابن أخي زينب امرأة عبد الله عن زينب امرأة عبد الله عن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك.
قالت: قلت: لم تقول هذا؟ والله! لقد كانت عيني تقذف، وكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيني، فإذا رقاني سكنت، فقال عبد الله: إنما ذاك عمل الشيطان، كان ينخسها بيده فإذا رقاها كف عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً)].
أورد أبو داود باباً في تعليق التمائم، والتمائم هي: حروز من خرز أو شيء مكتوب يوضع في جلد أو في وعاء تعلق على الصبي أو غير الصبي؛ من أجل أن يدفع عنه العين أو غير ذلك، وهذا العمل محرم، فلا يجوز للإنسان أن يعلق أو يتعلق تميمة، وإنما يأتي بالرقية الشرعية مع البعد عن الرقى الشركية أو البدعية التي تشتمل على أمور محظورة، أو على أمور مجهولة لا يدرى ما هي، وإنما يرقى بآيات القرآن، وبالأذكار والأدعية المباحة، سواءً جاءت بها السنة أو غيرها، فالمهم أن يكون كلاماً مستقيماً لا محذور فيه، ولا يكون الكلام فيه أسماء مجهولة لا تعرف مما يكون من لغة أخرى غير اللغة العربية ثم استعمله العرب؛ فإن ذلك يؤدي إلى المحذور، وقد يكون فيه شيء من الأمور المحرمة.
والتمائم لا يجوز أن تعلق ولو كان فيها شيء من القرآن؛ لأن القرآن لا يعلق، ولم يأت دليل يدل جواز كتابته في شيء ثم يعلق على الصبيان وغير الصبيان، فهذا لا يجوز، ولم يثبت في ذلك سنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
أورد المصنف حديث عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك)، والرقى المقصود بها: المحرمة، وهناك رقى مشروعة، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً)، والمقصود بذلك الرقى التي تشتمل على الشرك، أو على أمور مجهولة لا يدرى ما هي، فهذه هي التي يبتعد عنها، وأما الرقية بالقرآن وبالأذكار والأدعية المباحة فلا بأس بها؛ ولهذا قال: (لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً).
والتمائم هي: الأشياء التي تعلق سواءً كانت من القرآن أو غير القرآن، وتعليق شيء من القرآن لا يجوز؛ لأنه من تعليق التمائم، ولأن فيه امتهاناً للقرآن إذا علق على الطفل، فالطفل يتعاطى النجاسات ولا يتنزه منها، فيعرض القرآن ويعرض كلام الله عز وجل للإهانة.
والتولة قيل: إنها شيء من السحر يكون به تحبيب المرأة إلى زوجها، أو تحبيب الرجل إلى زوجته، وكل هذا من عمل الشيطان، وهو لا يسوغ ولا يجوز.
قوله: [قالت زينب: لم تقول هذا؟ والله! لقد كانت عيني تقذف، وكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيني، فإذا رقاني سكنت].
تعني: أنه كان يخرج الدمع منها، وتخرج أشياء من عينها، فقال رضي الله عنه: إنما ذاك عمل الشيطان كان ينخسها بيده، فإذا رقاكِ سكنتْ، يعني: ليس الشفاء من هذا العمل، وإنما هو من عمل الشيطان فتنة للناس.
قوله: [(إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً)].
يعني: يكفيك أن تدعي بهذا الدعاء الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، (أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً).(437/14)
تراجم رجال إسناد حديث (إن الرقى والتمائم والتولة شرك)
قوله: [حدثنا محمد بن العلاء].
محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو معاوية].
أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأعمش].
مر ذكره.
[عن عمرو بن مرة].
عمرو بن مرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن الجزار].
يحيى بن الجزار صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن أخي زينب].
قال الحافظ: كأنه صحابي.
والشيخ الألباني صحح هذا الحديث، ولا أدري الشيخ الألباني على أي شيء بنى تصحيحه، وفيه هذا المبهم، والحديث لا إشكال فيه لكن القصة فيها شيء من الغرابة، وهي الذهاب إلى اليهودي، فذلك من أغرب الغرائب، وبماذا يرقي اليهودي؟ وكيف يرقي؟ فاليهود لا خير فيهم، وكل ينفق ما عنده، والظاهر عدم ثبوت هذه القصة، وأما الحديث المرفوع فهو صحيح، وكذلك الدعاء ثابت.
[عن زينب امرأة عبد الله].
زينب امرأة عبد الله رضي الله عنها، وهي صحابية، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله].
عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(437/15)
شرح حديث (لا رقية إلا من عين أو حمة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن مالك بن مغول عن حصين عن الشعبي عن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا رقية إلا من عين أو حمة)].
أورد أبو داود حديث عمران بن حصين: (لا رقية إلا من عين أو حمة)، والعين هي إصابة العين، وهذا فيه دليل على أن علاج العين يكون بالرقية، وهذا علاج آخر غير اغتسال العائن.
والحمة هي السم، والمراد حصول أذى من ذوات السموم كالعقرب والحية، فيعالج سمها بالرقية.
وليس المقصود من قوله: (لا رقية إلا من عين أو حمة) أن الرقية مقصورة على العين والحمة، بل تكون فيها وفي غيرها، ولكن هذا فيه الإشارة إلى أن الرقية لهذين الشيئين -وهما ما يتعلق بالعين والحمة- أولى وأنفع، لا أن الرقية لا تجوز في غير ذلك، فقد رقى الرسول صلى الله عليه وسلم من بعض الأوجاع التي حصلت لأصحابه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم من غير العين والحمة.
إذاً: فهذا الحديث من الحصر النسبي وليس نفياً عاماً، وهو مثل الحديث الذي صححه الشيخ ناصر: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) فهو لا يدل على نفي الاعتكاف في غيرها، وإنما المعنى: لا اعتكاف أتم وأكمل إلا فيها، وكذلك حديث: (إنما الربا في النسيئة) أي: إنما الربا الأشد، وإلا فربا الفضل لا يجوز أيضاً.(437/16)
تراجم رجال إسناد حديث (لا رقية إلا من عين أو حمة)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عبد الله بن داود].
عبد الله بن داود الخريبي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن مالك بن مغول].
مالك بن مغول ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حصين].
حصين بن عبد الرحمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الشعبي].
عامر بن شراحيل الشعبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمران].
هو عمران بن حصين أبو نجيد رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(437/17)
شرح سنن أبي داود [438]
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرقي نفسه من بعض الأمراض وعلم أمته ذلك، ووضع لذلك شروطاً حتى لا يخرج الأمر إلى الرقى الشركية التي كانت في الجاهلية.
وفي رقيته صلى الله عليه وسلم نفسه، وتعليمه أمته دليل على الأخذ بالأسباب، وذلك لا ينافي التوكل، بل هو من صميم التوكل.(438/1)
ما جاء في الرقى(438/2)
شرح حديث: (اكشف البأس رب الناس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الرقى.
حدثنا أحمد بن صالح وابن السرح قال أحمد: حدثنا ابن وهب وقال ابن السرح: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن عن عمرو بن يحيى عن يوسف بن محمد، وقال ابن صالح: محمد بن يوسف بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه عن جده رضي الله عنهما: (عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه دخل على ثابت بن قيس، قال أحمد: وهو مريض، فقال: اكشف البأس رب الناس عن ثابت بن قيس بن شماس، ثم أخذ تراباً من بطحان فجعله في قدح ثم نفث عليه بماء وصبه عليه).
قال أبو داود: قال ابن السرح: يوسف بن محمد، وهو الصواب].
أورد أبو داود باب في الرقى، والرقى منها ما هو سائغ ومنها ما هو غير سائغ، فالسائغ ما كان بالقرآن وبالأذكار والأدعية المباحة، وغير السائغ ما كان فيه شرك وتعلق بغير الله، أو فيه أمور مجهولة بلغة غير معروفة، أو بكلام غير معروف.
وأورد أبو داود حديث ثابت بن قيس بن شماس رضي الله تعالى عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه يعوده وهو مريض، فقال: اكشف البأس رب الناس عن ثابت بن قيس بن شماس)، وهذا دعاء.
قوله: [(ثم أخذ تراباً من بطحان فجعله في قدح، ثم نفث عليه بماء وصبه عليه)].
محل الشاهد قوله: (نفث عليه) يعني: نفث على الماء رقية، وصبه عليه، وهذا الحديث فيه دلالة على جواز النفث في الماء، وعلى الرقية في الماء واستعمال المريض لها، لكن هذا الحديث في إسناده ضعف؛ لأن فيه يوسف بن محمد وهو مقبول، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أثر صحيح في مصنف ابن أبي شيبة أنها كانت لا ترى بأساً أن يقرأ في الماء، ثم يسقى المريض أو يصب على المريض، وأما صب الماء على التراب فلم يأت إلا من هذه الطريق التي فيها يوسف، فيكون غير ثابت، والذي ثبت هو أثر عائشة أنها كانت ترى أن ينفث في الماء، ويشربه المريض أو يصب على المريض.(438/3)
تراجم رجال إسناد حديث (اكشف البأس رب الناس)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[وابن السرح].
أحمد بن عمرو بن السرح وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[قال أحمد: حدثنا ابن وهب، وقال ابن السرح: أخبرنا ابن وهب].
يعني: اختلفا في الصيغة، فالأول قال: حدثنا، والثاني قال أخبرنا، وكلاهما يروي عن ابن وهب، وهو عبد الله بن وهب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا داود بن عبد الرحمن].
داود بن عبد الرحمن وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن يحيى].
عمرو بن يحيى المازني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يوسف بن محمد، وقال ابن صالح: محمد بن يوسف].
محمد بن يوسف مقلوب، وقد رجح أبو داود أنه يوسف بن محمد، وهو مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن أبيه].
وهو محمد بن ثابت له رؤية، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن أبيه].
هو ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.(438/4)
شرح حديث: (لا بأس بالرقى مالم تكن شركاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني معاوية عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله! كيف ترى في ذلك؟ فقال: (اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً)].
أورد أبو داود حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقال عليه الصلاة والسلام: (اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً) فأتى بقاعدة عامة، وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم (لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً).
إذاً: فالرقى تنقسم إلى قسمين: الأول: أن تكون شركاً أو تشتمل على شيء مجهول لا يدرى معناه، وقد يكون مشتملاً على شرك، فهذا لا يجوز الإتيان به.
الثاني: ما كان فيه ذكر لله، وتلاوة القرآن، وأدعية مباحة، فهذا يجوز الرقية به.(438/5)
تراجم رجال إسناد حديث: (لا بأس بالرقى مالم تكن شركاً)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني معاوية].
معاوية بن صالح صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الرحمن بن جبير].
عبد الرحمن بن جبير بن نفير ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عوف بن مالك].
عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(438/6)
شرح حديث (ألا تعلِّمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي حدثنا علي بن مسهر عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن صالح بن كيسان عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن الشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها أنها قالت: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عند حفصة رضي الله عنها فقال لي: ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة)].
أورد أبو داود حديث الشفاء بنت عبد الله رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي عند حفصة فقال لها: (ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة؟)، والنملة قروح تكون في الجنب وتعالج بالرقى، ولعل هذه الرقية التي كانت عند الشفاء كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمها، ولم يكن فيها شيء محذور، وكانت علمت حفصة الكتابة، وفي هذا دليل على جواز تعليم النساء الكتابة وأنه لا بأس بذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم أقر ذلك في هذا الحديث.(438/7)
تراجم رجال إسناد حديث (ألا تعلّمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة)
قوله: [حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي].
إبراهيم بن مهدي المصيصي مقبول، أخرج له أبو داود.
[حدثنا علي بن مسهر].
علي بن مسهر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز].
عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن صالح بن كيسان].
صالح بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة].
أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن الشفاء بنت عبد الله].
الشفاء رضي الله عنها، وحديثها أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي.(438/8)
شرح حديث: (لا رقية إلا في نفس أو حمة أو لدغة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا عثمان بن حكيم حدثتني جدتي الرباب قالت: سمعت سهل بن حنيف رضي الله عنه يقول: (مررنا بسيل فدخلت فاغتسلت فيه فخرجت محموماً، فنمي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: مروا أبا ثابت يتعوذ، قالت: فقلت: يا سيدي! والرقى صالحة؟ فقال: لا رقية إلا في نفس أو حمة أو لدغة)].
قوله: [(مررنا بسيل فاغتسلت فيه، فخرجت منه محموماً، فنمي ذلك)] يعني: بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم أنه دخل في السيل، وأنه خرج محموماً قد أصابته الحمى.
قوله: (مروا أبا ثابت يتعوذ) أبو ثابت هي كنية سهل بن حنيف، ومعنى يتعوذ: يستعيذ بالله من الشيطان.
قوله: [(لا رقية إلا في نفس أو حمة أو لدغة)].
النفس هي العين، والحمة هي حصول اللدغ من ذوات السموم، واللدغة بمعنى الحمة.
وقول الرباب: (يا سيدي!) أي: أنها تخاطب سهل بن حنيف، وهي ليست صحابية، ويحتمل أن القائل: (يا سيدي) هو سهل يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام.
وقوله: (يتعوذ) لم يذكر الرقية، إلا أن يكون تعوذاً معه رقية.
والحديث في سنده الرباب وهي مقبولة، فالحديث ضعيف من أجلها.(438/9)
تراجم رجال إسناد حديث: (لا رقية إلا في نفس أو حمة أو لدغة)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد].
عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عثمان بن حكيم].
عثمان بن حكيم ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثتني جدتي الرباب].
الرباب مقبولة، أخرج لها أبو داود والنسائي.
[سمعت سهل بن حنيف].
سهل بن حنيف صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال أبو داود: الحمة من الحيات وما يلسع].
يعني: وما يلسع من غير الحيات.(438/10)
شرح حديث: (لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم يرقأ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود حدثنا شريك ح وحدثنا العباس العنبري حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا شريك عن العباس بن ذريح عن الشعبي، قال العباس: عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لارقية إلا من عين أو حمة أو دم يرقأ).
لم يذكر العباس العين، وهذا لفظ سليمان بن داود].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم يرقأ).
وقد تقدم تفسير العين والحمة، ومعنى (دم يرقأ): دم ينزف كالرعاف، فتكون الرقية ليرقأ، أي: ليقف.(438/11)
تراجم رجال إسناد حديث: (لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم يرقأ)
قوله: [حدثنا سليمان بن داود].
سليمان بن داود الزهراني أبو الربيع ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شريك].
شريك بن عبد الله النخعي الكوفي وهو صدوق يخطئ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ح وحدثنا العباس العنبري].
العباس العنبري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا يزيد بن هارون].
يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا شريك عن العباس بن ذريح].
العباس بن ذريح ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن الشعبي].
هو عامر بن شراحيل مر ذكره.
[عن أنس].
أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والشيخ الألباني ضعف هذا الحديث، ولا أدري وجه تضعيفه هل هو من جهة شريك أو لشيء آخر؟ وهذا الحديث يشهد له ما تقدم إلا قوله: (أو دم يرقأ).(438/12)
الأسئلة(438/13)
حكم أخذ فضلات العائن من الطعام والشراب
السؤال
هل يمكن أن يأخذ الإنسان نواة تمر أكلها العائن أو بقية شراب شربه العائن فيعطى للمعين؟
الجواب
لا بأس بهذا، وإذا أمكن ذاك الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم فهو الذي ينبغي، وإذا لم يمكن فله أن يأخذ شيئاً من فضلاته أو شيئاً من ثيابه التي أصابت جسده ويوجد فيها عرقه.(438/14)
معنى وضوء العائن
السؤال
هل المقصود بالوضوء من العين الوضوء الشرعي أو الوضوء اللغوي؟
الجواب
الوضوء الشرعي، مع زيادة غسل ركبتيه.(438/15)
الإصابة بالعين قد تكون من غير حسد
السؤال
هل تكون العين بدون حسد، بل بمجرد الإعجاب بالشيء وعدم التبريك عليه؟
الجواب
في الغالب أن العائن يكون فيه شيء من الحسد، ولكن قد تحصل الإصابة بالعين من صديق.(438/16)
علاج العين توقيفي
السؤال
هل علاج العين خاضع للتجربة أم هو توقيفي؟
الجواب
الذي جاءت به السنة توقيفي؛ لأن هذا تشريع وبيان من الرسول صلى الله عليه وسلم أن العلاج يحصل بهذه الطريقة.(438/17)
حكم قول يا سيدي
السؤال
هل يجوز أن يقول الإنسان لشخص آخر: يا سيدي؟
الجواب
نعم جائز، ولكن لا يصلح أن الإنسان يقوله كثيراً ولا يتلفظ إلا به؛ لأنه ما كان معروفاً عن الصحابة أنهم كانوا يخاطبون الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه المخاطبة، وإنما كما في كتب الحديث المختلفة التي تنتهي أسانيدها للرسول صلى الله عليه وسلم، يقول الواحد منهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أمر رسول الله، وما كانوا يقولون: سمعت سيدي رسول الله أو نهى سيدي رسول الله، ولاشك أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو سيد البشر وخير الناس وأفضلهم، وله كمال السؤدد البشري، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولكن السلف لم يكن هذا من شأنهم، وإذا قيل ذلك في بعض الأحيان فلا بأس.(438/18)
حكم رقية الرجل للمرأة
السؤال
هل يجوز أن يرقي الراقي النساء، ويضع يده على ناصيتهن؟
الجواب
لا يجوز له أن يمس أجسامهن، لكن يرقي من غير أن يمس.(438/19)
وجوب تبييت نية صيام القضاء
السؤال
امرأة عليها أيام من رمضان، ونوت أن كل صوم تصومه هو من ذلك القضاء، لكنها في يوم الصيام تنسى هذه النية، وأحياناً لا تنوي إلا بعد الفجر، فهل يحتسب من أيام القضاء؟
الجواب
لابد أن تنوي قبل طلوع الفجر من الليل.(438/20)
معنى يغسل داخلة إزاره
السؤال
ما معنى ما جاء في بعض الأحاديث: (يغسل داخلة إزاره)؟
الجواب
يعني: الذي يلي جسده؛ لأن الإزار له ظاهر وباطن، والباطن يلي الجسد، والخارج هو الذي لا يلي الجسد.(438/21)
إصابة الأعمى بالعين
السؤال
هل يصيب الأعمى بالعين؟
الجواب
لعله يصيب إذا سمع عن شيء أعجبه ولم يبرك عليه، والعين تكون من نفس الشخص العائن، ولكن في الغالب تكون بنظر العين، وقد يصيب الأعمى عندما يكون في قلبه شيء من الحسد، فإذا سمع بشيء فيحصل منه -بإذن الله- شيء يصل إلى المعين.(438/22)
حال حديث: (العين تدخل الجمل القدر)
السؤال
ما حال حديث: (العين تدخل الجمل القدر، والرجل القبر)؟
الجواب
لا أدري، لكن العين لاشك أنها أحياناً تؤدي إلى الوفاة.(438/23)
صيغة التبريك عند رؤية ما يعجب
السؤال
ما صيغة التبريك الذي نقوله عندما نخاف من العين؟
الجواب
يقول: ما شاء الله تبارك الله، بارك الله، اللهم بارك لي.(438/24)
حكم أخذ فضلات العائن بالخفية
السؤال
إذا رفض العائن إعطاء شيء من فضلاته فهل تؤخذ منه بالخفية؟
الجواب
يؤخذ منه بالخفية، وادعاء أن العين من هذا قد يكون غير صحيح؛ لأن بعض الناس قد يتهم وهو بريء، فلو كان كل من وقع في النفس أنه أصاب بعينه طلب منه ذلك لكان فيه شيء، فكونه يؤخذ منه شيء بالخفية هو الأولى؛ لأنه يحصل به المقصود من غير أن يكون فيه إيذاء له، لاسيما إذا حصل منه شيء.(438/25)
كيفية علاج المعين إذا لم يعلم من أصابه بالعين
السؤال
إذا لم يعرف الحاسد أو العائن فكيف يداوى المعين؟
الجواب
باللجوء إلى الله عز وجل وسؤاله، والله سبحانه وتعالى هو الذي بيده النفع والضر.(438/26)
جواز أخذ فضلات العائن لعلاج المعين
السؤال
ما الدليل على أن المعين يأخذ من فضلات العائن؟
الجواب
الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد أن يغتسل له، فمعنى ذلك أنه إذا أخذ شيء مسه جسده كسراويله أو قميصه أو طاقيته أو نوى التمر الذي أكله؛ فهذا من جنس ذلك الاغتسال الذي ينفع، فإذا لم يحصل الاغتسال أو كان الأمر ليس بواضح؛ فلا بأس أن يؤخذ منه بعض هذه الفضلات فيستعملها مع الماء.(438/27)
كيفية اغتسال المعين
السؤال
كيف يكون اغتسال المعين، وهل يبدأ من الأعلى أم يبدأ من الأسفل من الرجل؟
الجواب
يبدأ من الأعلى.(438/28)
حكم كتابة القرآن لشربه
السؤال
ما حكم كتابة القرآن في لوح ثم يغسل بماء ويشرب؟
الجواب
جاء هذا عن بعض السلف، وما أعلم دليلاً يدل عليه، فالأولى ألا يفعل.(438/29)
نبات لعلاج المعين
السؤال
في بلادنا نبات إذا وضع على النار وشمه المعين شفي من العين بإذن الله، وهو نافع جداً، فما رأيكم في هذا؟
الجواب
ما أدري ما صحة هذا، لكن إن ثبت أن هذا دواء عن طريق التجربة وليس عن طريق المشعوذين فلا بأس باستعماله.(438/30)
حكم من أقيمت صلاة العشاء وهو لم يصل الظهر والعصر والمغرب
السؤال
جاء رجل من السفر ولم يصل الظهر والعصر والمغرب، فماذا عليه إذا أقيمت صلاة العشاء وهو ما صلى هذه الصلوات؟
الجواب
عليه أن يبادر إلى أن يصلي ما أمكنه من الصلوات التي فاتت على الترتيب، وإذا أقيمت الجماعة، فيدخل معهم بنية الصلاة التي وقف عليها مما فاته، ثم بعد ذلك يصلي ما بقي عليه بعد الصلاة، وإن كانت التي سيصليها مع الإمام المغرب، فإنه لا يصلي معه أربعاً، بل إذا قام الإمام للرابعة فإنه يجلس، ثم يسلم معه.
وإذا صلى وحده يقصر، وإذا صلى مع الإمام يتم، وإذا كان عنده عزم على أن يبقى في المدينة أكثر من أربعة أيام فإنه يتم الصلاة من أول ما يصل.(438/31)
حكم أخذ نوى التمر الذي أكله العائن
السؤال
إذا كان الأمر في الرقية من العين توقيفي كما ذكرتم، ومعناه الاقتصار على ما ورد، فكيف يقال: يجوز أن يؤخذ شيء من نوى التمر الذي أكله؟
الجواب
لأنه مثل الاغتسال، فالمعنى واحد، من جهة أنه يغتسل شيئاً لامس جسده، فهذا الذي يؤخذ منه قد لامس جسده، فهو مثل الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم تماماً.(438/32)
حكم لبس دبلة الخطوبة
السؤال
هل لبس الدبلة عند الخطوبة من التولة؟
الجواب
ليس من التولة ولكنه من تقليد الكفار، ومن الأشياء الوافدة على المسلمين، وإنما التولة شيء يصنعه السحرة ويزعمون أنه يحبب الزوجة إلى زوجها، ويكون مفتوناً بها، وأما الدبلة فهي من تقليد الكفار، والمحظور فيها تقليد الكفار.(438/33)
قول ابن تيمية وابن القيم في كتابة الآيات للرقية
السؤال
ذكر ابن القيم وابن تيمية رحمهما الله جواز كتابة الآيات على عضو كالجبهة من أجل الرقية، فهل يصح هذا؟
الجواب
ابن تيمية وابن القيم أجازا أن يكتب القرآن في شيء ويغسل أو يمحى ثم يشرب، وهذا موجود في كتاب الطب من (زاد المعاد) لـ ابن القيم، وفي كتاب (توضيح الدلالة في عموم الرسالة) لشيخ الإسلام ابن تيمية.(438/34)
شرح سنن أبي داود [439]
للرقية فائدة عظيمة وكبيرة لمن فعل ذلك على الوجه الشرعي، والرقية هي دعاء عظيم مشتمل على الثناء على الله عز وجل بأن يذهب المرض والألم، وتكون الرقية لمن هو بحاجة إليه.(439/1)
كيفية الرقى(439/2)
شرح حديث (اللهم رب الناس، مذهب البأس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف الرقى؟ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب قال: قال أنس -يعني لـ ثابت -: ألا أرقيك برقية رسول صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: بلى، قال: فقال: (اللهم! رب الناس، مذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، اشفه شفاء لا يغادر سقماً)].
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب كيف الرقى؟ أي: بأي شيء تكون الرقية؟ وما هي الألفاظ التي يرقى بها؟ وذكر هذا الباب بعد الباب السابق الذي يدل على إثباتها، وبيان ما يجوز، وما لا يجوز، وأن ما كان شركاً أو بكلام غير معروف أو بأشياء مجهولة؛ لا يجوز، وما كان بالقرآن وبذكر الله عز وجل وبالأدعية، فإن ذلك سائغ، وبعد هذا ذكر هذه الترجمة التي هي في كيفية الرقية.
وأورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال لـ ثابت البناني ألا أرقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: بلى، فقال: (اللهم رب الناس، مذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، اشفه شفاءً لا يغادر سقماً).
والرقية هي الإتيان بالرقية لمن هو بحاجة إليها، وأما إذا كان تعليماً فلا يقال لها: رقية، فالظاهر أنه كان به وجع.
وهذا دعاء عظيم مشتمل على الثناء على الله عز وجل بين يدي الدعاء، وذلك بقوله: (اللهم رب الناس) فإنه توسل إلى الله عز وجل بربوبيته للناس أن يذهب البأس والمرض والوجع الذي ألم بالمرقي، ثم فيه ثناء على الله بأنه هو الشافي، وأنه لا شفاء إلا شفاءه، ويسأله أن يكون ذلك الشفاء الذي يحصل لا يغادر سقماً، يعني: لا يترك سقماً إلا أزاله، ويحصل منه الشفاء والعافية والصحة والسلامة التامة.(439/3)
تراجم رجال إسناد حديث (اللهم رب الناس مذهب البأس)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عبد الوارث].
عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد العزيز بن صهيب].
عبد العزيز بن صهيب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود؛ لأن فيه أربعة رجال: مسدد وعبد الوارث وعبد العزيز بن صهيب وأنس بن مالك.(439/4)
شرح حديث (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله القعنبي عن مالك عن يزيد بن خصيفة أن عمرو بن عبد الله بن كعب السلمي أخبره أن نافع بن جبير أخبره عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه: (أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم -قال عثمان: وبي وجع قد كاد يهلكني- قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: امسحه بيمينك سبع مرات وقل: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل ما كان بي فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم)].
أورد أبو داود حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبه وجع، فقال له: (امسحه بيمينك سبع مرات وقل: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد)، ومعنى ذلك أنه ينفث على نفسه مع اللمس والمسح، ويأتي بهذا الدعاء الذي جاء عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ففعل وبعد أن فعل هذا وجد الشفاء والعافية، فكان يأمر أهله وغيرهم بأن يصنعوا كما صنع؛ حتى يستفيدوا كما استفاد.(439/5)
تراجم رجال إسناد حديث (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد)
قوله: [حدثنا عبد الله القعنبي].
عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
مالك بن أنس المحدث الفقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن خصيفة].
يزيد بن خصيفة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن عبد الله بن كعب].
عمرو بن عبد الله بن كعب وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[عن نافع بن جبير].
نافع بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عثمان بن أبي العاص].
عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن.(439/6)
شرح حديث (ربنا الله الذي له ما في السماء تقدس اسمك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي قال: حدثنا الليث عن زيادة بن محمد عن محمد بن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (من اشتكى منكم شيئاً أو اشتكاه أخ له فليقل: ربنا الله الذي في السماء! تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء، فاجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين؛ أنزل رحمة من رحمتك، وشفاء من شفائك على هذا الوجع، فيبرأ)].
أورد أبو داود حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، وفيه صفة دعاء يرقى به، ولكن في إسناده زيادة، وهو ضعيف لا يحتج به، ولا يعول عليه.
قوله: [(من اشتكى منكم شيئاً أو اشتكاه أخ له)].
يعني: أنه يرقي نفسه أو يرقي غيره بهذا الدعاء.
قوله: [(فليقل ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك)].
المراد بالسماء العلو، وليس المراد بها السماء المبنية التي خلقها الله عز وجل، فإن الله تعالى فوق هذه المخلوقات، وهو فوق العرش، والعرش أعلى شيء في المخلوقات، والله تعالى فوقه مستوٍ عليه سبحانه وتعالى، فالمراد بالسماء العلو، وكل ما علا فإنه سماء، فما فوق العرش يقال له: سماء، والله تعالى في السماء، أي: فوق العرش.
إذاً: فالله سبحانه وتعالى فوق العرش، والله في السماء أي: في العلو، وليس المراد السماء المبنية، ولا يجوز أن يتصور ذلك، فالله عز وجل لا يحويه مخلوق، بل هو أجل وأعظم من أن يحل في مخلوق أو يحويه مخلوق سبحانه وتعالى، وهذا مثل قول الله عز وجل: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16] أي: أأمنتم من في العلو، وفي حديث الجارية التي سألها الرسول صلى الله عليه وسلم: (أين الله؟ قالت: في السماء) أي: في العلو، فلا يجوز أن يفهم أن المراد بالسماء السماء المخلوقة التي هي دون العرش، فالسموات السبع دون العرش وتحت العرش.
وبعض أهل العلم فسر (مَنْ فِي السَّمَاءِ) أي: على السماء، (ففي) بمعنى (على)، ومن أمثلة ذلك قوله عز وجل: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71] أي: على جذوع النخل، وليس المراد أنه يشق الجذوع ويدخلهم فيها، لكن تفسير السماء بالعلو أوضح.
قوله: (تقدس اسمك) أي: أنه ذو قداسة، فهو منزه، واسمه منزه، وصفاته منزهة عن كل نقص وعيب.
قوله: [(أمرك في السماء والأرض)].
يعني: أمر الله عز وجل نافذ في السماوات وفي الأرض، فله الخلق والأمر، وهو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فأمره في السماوات وفي الأرض؛ لأن الأمر أمره، والخلق خلقه.
قوله: [(كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض)].
أي: أن الله عز وجل رحمته في السماء وفي الأرض، ولكن الذين في السماء -وهم الملائكة- معصومون، ولا يحصل منهم إلا طاعة الله عز وجل، وأما الذين في الأرض ففيهم من يطيع الله، وفيهم من يعصي الله عز وجل، فسأل الله أن تكون رحمته في الأرض بأن يحصل الخير الكثير، والنفع العميم، وليس معنى ذلك أن الأرض يكون كل من فيها مهتدياً ومستقيماً، فإن الله تعالى قضى وقدر أن يكون الناس فريقين: فريقاً في الجنة، وفريقاً في السعير، ولو شاء الله عز وجل أن يكون الناس جميعاً مهتدين لفعل، كما قال الله عز وجل: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام:149]، وقال: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة:13]، والرحمة العامة تحصل لكل أحد، بمعنى: أن يغدق عليهم النعم، ويوسع عليهم النعم، فهذه رحمة للمؤمنين والكفار، لكن هذا العطاء والإنعام يكون ابتلاءً وامتحاناً، فالله تعالى يبلو بالخير وبالشر كما قال: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35].
قوله: [(اغفر لنا حوبنا وخطايانا)].
المقصود بالحوب الذنوب الكبيرة والعظيمة كما قال الله: {إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء:2]، والخطايا هي الصغائر، فجمع بين الحوب وبين الخطايا ليعم الكبيرة والصغيرة، يعني: يغفر لنا ما كان صغيراً وما كان كبيراً من ذنوبنا ومعاصينا.
قوله: [(أنت رب الطيبين)].
الله تعالى رب كل شيء ومليكه، لكن ذكر ربوبيته للطيبين مثل ربوبيته لجبريل وميكائيل وإسرافيل، فهو ثناء على الله عز وجل وتوسل بربوبيته لبعض خلقه.
قوله: [(أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع)].
أي: الذي يرقيه، ويدعو لحصول الشفاء منه.(439/7)
تراجم رجال إسناد حديث (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك)
قوله: [حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي].
يزيد بن خالد بن موهب الرملي ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا الليث].
الليث بن سعد المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زيادة بن محمد].
زيادة بن محمد، وقد يصحف إلى زياد؛ لأن اسم زياد هو الجادة المعروفة بخلاف زيادة فإن هذا الاسم غير مألوف، والتصحيف يكون من الشيء غير المألوف إلى الشيء المألوف، مثل نابت وثابت، فإن ثابتاً هو الجادة، ونابتاً على خلاف الجادة، وأحمد هو الجادة وأجمد بالجيم على خلاف الجادة، وأبا أناس على خلاف الجادة، وأبا إياس على الجادة، وهنا اسم زيادة غير مألوف وغير مشهور، والمشهور هو زياد.
وزيادة هذا منكر الحديث، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن محمد بن كعب القرظي].
محمد بن كعب القرظي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن فضالة].
فضالة بن عبيد وهو صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي الدرداء].
أبو الدرداء عويمر رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(439/8)
شرح حديث (كان يعلمهم من الفزع كلمات)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (كان يعلمهم من الفزع كلمات: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون).
وكان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يعلمهن من عقل من بنيه، ومن لم يعقل كتبه فأعلقه عليه].
ثم أورد أبو داود حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الفزع كلمات: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وأليم عقابه، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون)، وكلمات الله هنا هي الكونية والشرعية، فالكلمات الشرعية هي كلامه الذي تكلم به، ومن ذلك القرآن، وكلام الله عز وجل الذي لا يتناهى ولا ينحصر، والكلمات الكونية مقاديره التي قدر بها الأشياء بقوله: {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة:117]، فهذه كلمات كونية، وكلها في غاية التمام، والله تعالى لا راد لحكمه، ولا راد لقضائه وقدره، فإرادته نافذة، ومشيئته نافذة، ولا يتخلف ما أراد الله كوناً أن يكون، وكذلك كلمات الله عز وجل الشرعية تامة في أخبارها فكلها صدق، وفي أوامرها ونواهيها فكلها عدل وحكمة، قال الله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام:115] صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأحكام وفي الأوامر والنواهي.
قوله: (من غضبه وأليم عقابه) يعني: من كونه يغضب، فمن صفاته سبحانه وتعالى الغضب، وينتج عن الغضب العقاب.
(ومن همزات الشياطين وأن يحضرون) يعني: ما يحصل منهم من وسوسة، وأن يحضرون بأن يكونوا معه؛ لأنهم إذا ابتعدوا عن العبد فهو في خير، وإذا قربوا منه فهو في شر.
قوله: [وكان ابن عمرو يعلمها بنيه، ومن لم يعقل فإنه يكتبها ويعلقها عليه] يعني: من لا يعرف أن يتكلم لصغره يعلقها عليه، وهذا الذي جاء عن ابن عمرو مخالف لما جاء في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن تعليق التمائم، وبيان أنها من الشرك، وهذا الأثر لم يثبت عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما؛ لأن فيه عنعنة ابن إسحاق، ولكن هذا الدعاء جاء ما يدل عليه ويشهد له، وأما الأثر فليس بثابت، وهو مخالف لما جاء في الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم من النهي عن التمائم.
قوله في الحديث: (وأن يحضرون) مثل قوله تعالى: {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون:98] والنون من (يحضرون) مكسورة، وهي بدون ياء بعدها، ولكونها في آخر الآية يوقف عليها ولا يتنبه الإنسان إلى حركتها؛ لأن الحركة لا تعرف إلا عن طريق الوصل، فقد يظن الإنسان أنها مفتوحة، ومثل هذه الآية الآية التي في آخر سورة الذاريات: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ} [الذاريات:59] فالنون مكسورة، وقد يظن الإنسان أنها مفتوحة.(439/9)
تراجم رجال إسناد حديث (كان يعلمهم من الفزع كلمات)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
حماد بن سلمة بن دينار ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن إسحاق].
محمد بن إسحاق المدني صدوق يدلس، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عمرو بن شعيب].
عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القرءة وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
شعيب بن محمد وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن جده].
عبد الله بن عمرو بن العاص صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(439/10)
شرح حديث (رأيت أثر ضربة في ساق سلمة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن أبي سريد الرازي أخبرنا مكي بن إبراهيم حدثنا يزيد بن أبي عبيد قال: (رأيت أثر ضربة في ساق سلمة رضي الله عنه فقلت: ما هذه؟ فقال: أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتي بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنفث في ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتى الساعة)].
أورد أبو داود حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه رئي فيه مكان ضربة في رجله فسئل عنها، فقال: أصابتني في إحدى الغزوات مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: أصيب سلمة، فجيء به إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فنفث عليه ثلاث نفثات فشفي فلم يشتك بعد ذلك، وليس في الحديث ذكر المرقي به، ولكن ذكر كيفية الرقية وأنها بالنفث.(439/11)
تراجم رجال إسناد حديث (رأيت أثر ضربة في ساق سلمة)
قوله: [حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازي].
أحمد بن أبي سريج الرازي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[أخبرنا مكي بن إبراهيم].
مكي بن إبراهيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ البخاري الكبار الذين روى عنهم بعض الثلاثيات في صحيحة، فقد روى الثلاثيات عن بعض شيوخه الكبار المتقدمين الذين هم من أتباع التابعين، فـ البخاري إذا روى عن ثلاثة فهم صحابي وتابعي وتابع تابعي، فـ مكي بن إبراهيم من أتباع التابعين؛ لأنه يروي عن يزيد بن أبي عبيد وهو تابعي، ويزيد بن أبي عبيد يروي عن سلمة بن الأكوع وهو صحابي، فـ مكي بن إبراهيم أحد شيوخ البخاري الكبار الذين روى عنهم بعض الثلاثيات، والثاني أبو عاصم النبيل، والثالث محمد بن عبد الله الأنصاري.
[حدثنا يزيد بن أبي عبيد].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سلمة].
سلمة بن الأكوع رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(439/12)
شرح حديث (تربة أرضنا بريقة بعضنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد ربه -يعني ابن سعيد - عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول للإنسان إذا اشتكى، يقول بريقه ثم قال به في التراب: تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفي سقيمنا، بإذن ربنا)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى أحد يقول بريقه -أي: أنه يضع إصبعه على ريقه فيصيبه البلل- ثم يضعه على التراب، ثم يمسح به على المكان الذي فيه الوجع، والإصبع يكون فيها ببلل، والبلل علق به تراب من الأرض، ثم بعد ذلك ينفث مع تحريك الإصبع.
قوله: (تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفي سقيمنا، بإذن ربنا).
قوله: (تربة أرضنا) قيل المقصود بها: سائر الأرض، فهذا يفعل في كل مكان، ومنهم من يقول: المراد بها تربة المدينة، وتعميمه أظهر؛ لأنه لم يأت شيء يبين أن هذا خاص بالمدينة وأنه لا يستعمل إلا في المدينة.
قوله: (يشفي سقيمنا) أي: يشفي الله سقيمنا، فالفاعل هو الله، والسقيم هو المفعول به، وإن كان الضبط بالضم فالسقيم المشفي نائب فاعل، أي: يُشفى سقيمنا.(439/13)
تراجم رجال إسناد حديث (تربة أرضنا بريقة بعضنا)
قوله: [حدثنا زهير بن حرب].
زهير بن حرب أبو خيثمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا الترمذي.
[وعثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا سفيان بن عيينة].
سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد ربه يعني ابن سعيد].
عبد ربه بن سعيد هو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرة].
عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية وهي ثقة مكثرة من الرواية عن عائشة، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(439/14)
شرح حديث (خذها فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن زكريا قال: حدثني عامر عن خارجة بن الصلت التميمي عن عمه رضي الله عنه (أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم، ثم أقبل راجعاً من عنده فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد، فقال أهله: إنا حدثنا أن صاحبكم هذا قد جاء بخير، فهل عندك شيء تداويه؟ فرقيته بفاتحة الكتاب فبرئ، فأعطوني مائة شاة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته فقال: هل إلا هذا؟ وقال مسدد في موضع آخر: هل قلت غير هذا؟ قلت: لا، قال: خذها، فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق)].
أورد أبو داود هذا الحديث عن عم خارجة بن الصلت رضي الله تعالى عنه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم، ورجع فلقي قوماً عندهم رجل مجنون به مس موثق بالحديد، فقالوا إنك جئت من عند هذا الرجل فهل عندك من شيء تعالجه به؟ فقال: نعم، فرقاه بفاتحة الكتاب فشفي، فأعطوه مائة من الغنم، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (خذها، فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق)، وهذا يدل على مشروعية الرقية بفاتحة الكتاب، وأن أخذ شيء على الرقية سائغ؛ لأن هذا من قبيل العلاج، ومعلوم أن العلاج يكون بالقرآن وغير القرآن كالأدعية والأدوية التي أودع الله تعالى فيها الشفاء، علمها من علمها، وجهلها من جهلها، فأخذ الأجرة مقابل ذلك لا بأس به.
قوله: [فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: (هل إلا هذا؟)].
يعني: ألم يحصل منك غير هذا الذي قلته من الرقية بفاتحة الكتاب؟ قوله: [وقال مسدد في موضع آخر (هل قلت غير هذا؟ قلت: لا، قال: خذها)].
أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد التحقق من أن الرقية إنما كانت بهذا الأمر السائغ، وأنه ليس هناك شيء وراءه مما يحذر، فقد اقتصر على الرقية بفاتحة الكتاب، وفاتحة الكتاب من خير ما يرقى به؛ لأنها أم القرآن، وأم الكتاب، وفاتحة القرآن.
قوله: [(قال: خذها، فلعمري)].
وهذا فيه دليل على أن (لعمري) ليست قسماً، وإنما هي من ألفاظ التأكيد يؤتى بها لتأكيد الكلام، وهي مثل لا جرم وحقاً وغير ذلك من العبارات التي يؤكد بها الكلام وليست بقسم، وقد جاءت في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وفي كلام الصحابة، وجاءت في كلام من بعدهم من التابعين وغيرهم إلى زمننا هذا، وقد كان الشيخ محمد بن إبراهيم رحمة الله عليه في بعض مؤلفاته يستعملها فيقول: لعمري كذا، ولعمري كذا، وقد قالها في رده على ابن محمود رحمه الله قاضي قطر الذي ألف كتاباً في جواز الرمي أيام التشريق قبل الزوال، فالشيخ محمد بن إبراهيم رد عليه في رسالة سماها (تحذير الناسك مما أحدثه ابن محمود في المناسك)، وعائشة رضي الله عنها قالت: لعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة.
وهؤلاء القوم الذين مر بهم هذا الصحابي كفار، بدليل قولهم: صاحبكم هذا، فهي تدل على أنهم ليسوا مسلمين، فهذه العبارة يقولها من ليس بمسلم، وقد جاء عن مسليمة أنه قال: إن صاحبكم كذا، ويريد النبي صلى الله عليه وسلم.(439/15)
تراجم رجال إسناد حديث (خذها فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى].
يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زكريا].
زكريا بن أبي زائدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني عامر].
عامر بن شراحيل الشعبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خارجة بن الصلت التميمي].
خارجة بن الصلت التميمي مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن عمه].
هو علاقة بن صحار، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي.
والحديث في سنده راو مقبول، لكن يشهد له حديث أبي سعيد الذي سيأتي.(439/16)
شرح حديث الرقية بفاتحة الكتاب من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي قال: ح وحدثنا ابن بشار قال: حدثنا ابن جعفر قال: حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن خارجة بن الصلت عن عمه رضي الله عنه: (أنه مر، قال: فرقاه بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية، فلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل، فكأنما أنشط من عقال، فأعطوه شيئاً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم) ثم ذكر معنى حديث مسدد].
هذه طريق أخرى، وفيها أنه فعل ذلك ثلاثة أيام، يعني: أنه يرقيه بكرة وعشية، وأنه كلما ختم السورة نفث، أي: أنه يقرأ ثم ينفث، فيكون النفث بعد القراءة، وبعد أن يحرك لسانه بالقراءة.
قوله: [(فكأنما أنشط من عقال)] المقصود من ذلك سرعة قيامه، فالبعير إذا ربطت يده بالعقال وأراد أن يتحرك أو يقوم، فإن العقال يمنعه من ذلك، فإذا أحس بحل العقال ثار بسرعة؛ لأنه قد زال الشيء الذي كان يمنعه، فيضرب بهذا المثل لمن يقوم بسرعة ونشاط.(439/17)
تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث الرقية بفاتحة الكتاب
قوله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ].
عبيد الله بن معاذ ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبي].
معاذ بن معاذ ثقة، أخر له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا ابن بشار].
هو محمد بن بشار الملقب بندار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن جعفر].
هو محمد بن جعفر الملقب غندر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
شعبة بن حجاج الواسطي ثم البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن أبي السفر].
عبد الله بن أبي السفر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن الشعبي عن خارجة بن الصلت عن عمه].
مر ذكرهم.(439/18)
شرح حديث (أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله …)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه أنه قال: سمعت رجلاً من أسلم قال: (كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله! لدغت الليلة فلم أنم حتى أصبحت، قال: ماذا؟ قال: عقرب، قال: أما إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك إن شاء الله)].
أورد أبو داود حديث رجل من أسلم أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! لدغت الليلة فلم أنم حتى أصحبت يعني: أنه سهر بسبب وجع اللدغة حتى جاء الصباح، فقال: [(أما إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك إن شاء الله)] يعني: لم تضرك بمشيئة الله، وإذا شاء الله ذلك فإنه يقع.
وقوله: (لم تضرك) يحتمل أن يكون المراد أنه لا يحصل اللدغ أصلاً أو أنه قد تحصل اللدغة لكن لا يحصل الضرر؛ لأنه قد يوجد السبب ويتخلف المسبب وهو الضرر.(439/19)
تراجم رجال إسناد حديث (أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس].
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير].
زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أو عمرة طاف أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سهيل بن أبي صالح].
سهيل بن أبي صالح صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
ذكوان السمان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن رجل من أسلم].
هو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.(439/20)
شرح حديث (لو قال أعوذ بكلمات الله التامة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حيوة بن شريح حدثنا بقية حدثنا الزبيدي عن الزهري عن طارق -يعني ابن مخاشن - عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلديغ لدغته عقرب، فقال: لو قال: أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق لم يلدغ أو لم يضره)].
هذا الحديث مثل الحديث السابق عن رجل من أسلم، فيكون جاء عن أبي هريرة وعن رجل من أسلم، ولا يلزم منه أن يكون الرجل الأسلمي المذكور هو أبو هريرة؛ لأن أبا هريرة دوسي.(439/21)
تراجم رجال إسناد حديث (لو قال أعوذ بكلمات الله التامة)
قوله: [حدثنا حيوة بن شريح].
حيوة بن شريح الحمصي وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[حدثنا بقية].
بقية بن الوليد وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا الزبيدي].
محمد بن الوليد الزبيدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن الزهري].
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن طارق يعني ابن مخاشن].
طارق بن مخاشن مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.(439/22)
شرح حديث: (من أين علمتم أنها رقية؟)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رهطاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم انطلقوا في سفرة سافروها فنزلوا بحي من أحياء العرب، فقال بعضهم: إن سيدنا لدغ فهل عند أحد منكم شيء ينفع صاحبنا؟ فقال رجل من القوم: نعم والله إني لأرقي! ولكن استضفناكم فأبيتم أن تضيفونا، ما أنا براق حتى تجعلوا لي جعلاً، فجعلوا له قطيعاً من الشاء، فأتاه فقرأ عليه أم الكتاب ويتفل حتى برئ كأنما أنشط من عقال، قال: فأوفاهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقالوا: اقتسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنستأمره، فغدو على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكروا له، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من أين علمتم أنها رقية؟! أحسنتم، اقتسموا واضربوا لي معكم بسهم)].
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وقد سبق أن مر في باب الإجارة، وهو بمعنى الحديث الذي مر قريباً، والقصة هذه مثل تلك القصة، إلا أن في هذه القصة أن الرجل ملدوغ، وفي تلك القصة أنه مجنون.
والصحابي الذي رقى هو أبو سعيد نفسه، فللمتحدث أن يبهم نفسه، فيقول: قال رجل، وهو نفسه الذي قال، وهو صادق فيما يقول، ولكنه أبهم نفسه فبدلاً من أن يقول: قلت أو فعلت يأتي بالفاعل مبهماً.(439/23)
تراجم رجال إسناد حديث (من أين علمتم أنها رقية؟)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد مر ذكره.
[حدثنا أبو عوانة].
أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بشر].
هو جعفر بن إياس بن أبي وحشية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي المتوكل].
أبو المتوكل الناجي هو علي بن داود، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري].
أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(439/24)
شرح حديث (كل فلعمري من أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي ح وحدثنا ابن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن خارجة بن الصلت التميمي عن عمه رضي الله عنه أنه قال: (أقبلنا من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتينا على حي من العرب فقالوا: إنا أنبئنا أنكم قد جئتم من عند هذا الرجل بخير، فهل عندكم من دواء أو رقية فإن عندنا معتوهاً في القيود؟ قال: فقلنا: نعم، قال: فجاءوا بمعتوه في القيود، قال: فقرأت عليه فاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية كلما ختمتها أجمع بزاقي ثم أتفل فكأنما نشط من عقال، قال: فأعطوني جعلاً، فقلت: لا، حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: كُلْ، فلعمري من أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق)].
هذا الحديث تقدم بمعناه، إلا أنه فيه زيادة بعض الكلمات.
وكان المناسب أن يكون تابعاً للحديث السابق، لا سيما وإسنادهما واحد.(439/25)
شرح حديث (كان إذا اشتكى يقرأ في نفسه بالمعوذات وينفث)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا اشتكى يقرأ في نفسه بالمعوذات وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عليه بيده رجاء بركتها)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أصابه وجع يقرأ في نفسه -يعني: هو نفسه يقرأ وينفث- فلما ثقل كانت تقرأ عليه وتنفث في يده، ثم تمسح بها رجاء بركتها).
وقولها: (في نفسه) أي: هو الذي يتولى هذا، وليس معنى ذلك أنه يقرأ في نفسه حديث نفس ولا ينطق ولا يتكلم، بل يقرأ سراً لا جهراً، فإن القراءة في النفس لا تسمى قراءة، وإنما القراءة تكون بتحريك اللسان والشفتين، ولا تكون بأن يستعرض الإنسان القرآن في باله، فقراءة القرآن لابد فيها من تحريك اللسان؛ ولهذا جاء في القرآن: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة:16 - 17]، فكان النبي عليه الصلاة والسلام عندما يلقاه جبريل عليه السلام يحرك لسانه يخشى أن يفوته شيء، فالله عز وجل قال له: ((لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ)) , وإذا انتهى جبريل فإنه يكون قد حفظ ذلك الذي ألقي عليه، فلست بحاجة إلى تحريك اللسان، وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون وراءه في الصلاة السرية، ويعرفون قراءته باضطراب لحيته، واضطراب اللحية لا يكون إلا عن طريق تحريك اللسان، فهذه هي القراءة السرية، وأما حديث النفس فلا يقال له: كلام، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل).
قوله: [(فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عليه بيده؛ رجاء بركتها)].
يعني: كانت هي تقرأ وتمسح جسده بيده بدلاً من يدها؛ رجاء بركة يده صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.(439/26)
تراجم رجال إسناد حديث (كان إذا اشتكى يقرأ في نفسه بالمعوذات وينفث)
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب].
مر ذكرهم.
[عن عروة].
عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
مر ذكرها.(439/27)
شرح سنن أبي داود [440]
علم النجوم منه ما يباح ومنه ما يحرم، فالمباح هو العلم بها لمعرفة الأوقات والجهات، والمحرم هو أن يعتقد أن لها تأثيراً في المخلوقات، وهذا كفر بالله تعالى، وهو من السحر الذي هو من الموبقات.(440/1)
السِّمْنة(440/2)
شرح حديث عائشة: (أرادت أمي أن تسمنني لدخولي على رسول الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في السِّمْنة.
حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا نوح بن يزيد بن سيار حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (أرادت أمي أن تسمنني لدخولي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلم أقبل عليها بشيء مما تريد حتى أطعمتني القثاء بالرطب، فسمنت عليه كأحسن السمن)].
والمراد بالسمنة هنا: تعاطي الشيء الذي يكون به السِّمَن، والمراد السِّمَن المقبول الذي ليس فيه مضرة على صاحبه، فإن السِّمَن الشديد الذي يترتب عليه مضرة على صاحبه ليس بمحمود.
وأورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن أمها أرادت أن تسمنها تمهيداً لإدخالها على النبي صلى الله عليه وسلم وزفافها إليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فلم تقبل على الشيء الذي تعطيها إياه من أجل أن يسمنها، أي: لا توافق ولا ترضى بأنواع الأشياء التي تعطيها إياها لتسمن بها، فأعطتها القثاء والرطب فوافقت عليه، فسمنت أحسن ما يكون السمن، وهو السِّمَن الذي فيه منفعة دون مضرة.(440/3)
تراجم رجال إسناد حديث عائشة (أرادت أمي أن تسمنني لدخولي على رسول الله)
قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس].
هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي النيسابوري ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا نوح بن يزيد بن سيار].
نوح بن يزيد بن سيار ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا إبراهيم بن سعد].
إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن إسحاق].
محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن هشام بن عروة].
هشام بن عروة بن الزبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
وهو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(440/4)
ما جاء في الكاهن(440/5)
شرح حديث (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في الكاهن.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ح وحدثنا مسدد حدثنا يحيى عن حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من أتى كاهناً -قال موسى في حديثه- فصدقه بما يقول -ثم اتفقا- أو أتى امرأة، قال مسدد: امرأته حائضاً، أو أتى امرأة قال مسدد: امرأته في دبرها؛ فقد برئ مما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم)].
أورد أبو داود باب في الكاهن، والكاهن: هو الذي يدعي علم الغيب ويخبر عن المغيبات، وغالباً ما يكون ذلك باستخدام شياطين الجن، ومن المعلوم أن شياطين الجن ينتقلون بسرعة إلى أماكن مختلفة، ويقفون على ما يمكنهم الوقوف عليه، ولكنهم لا يعلمون الغيوب، ولا يعلم الغيب على الإطلاق إلا الله سبحانه وتعالى، لكن لخفة وسرعة انتقالهم من مكان إلى مكان قد يعرفون الشيء الذي يكون في المكان، لكنهم لا يستطيعون أن يعرفوا كل شيء، أو أن يقفوا على كل شيء، قال الله تعالى في كتابه العزيز في قصة سليمان في سورة سبأ: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ:14]، فالجن لا يطلعون على كل غيب، ولكنهم قد يطلعون على بعض الغيوب حينما ينتقلون من مكان إلى مكان فيرون الشيء لخفتهم وسرعة انتقالهم، وإلا فإن الغيب على الإطلاق لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65]، فالله تعالى هو الذي تفرد بعلم الغيب والشهادة سبحانه وتعالى.
وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول، أو أتى امرأته في دبرها، أو أتى امرأته وهي حائض فقد برئ مما أنزل الله على محمد) صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الحديث وعيد شديد في حق من يتعاطى ذلك أو يحصل منه ذلك، وأنه قد وقع في أمر فاحش خطير، وقد جاء في بعض الراويات: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)، فإذا اعتقد أن الكاهن يعلم الغيوب، وصدقه بما يقول فقد كفر والعياذ بالله؛ لأن علم الغيب على الإطلاق من خصائص الله سبحانه وتعالى وحده، وإتيان المرأة في دبرها أو وهي حائض من أعظم المعاصي، ومن استحل ذلك فقد كفر.(440/6)
تراجم رجال إسناد حديث (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن سلمة بن دينار ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ح وحدثنا مسدد].
حرف ح يستعمل للتحويل من إسناد إلى إسناد آخر، ومسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم].
حكيم الأثرم فيه لين، أخرج له أصحاب السنن.
[عن أبي تميمة].
هو طريف بن مجالد ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.(440/7)
ما جاء في النجوم(440/8)
شرح حديث: (من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النجوم.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومسدد المعنى، قالا: حدثنا يحيى عن عبيد الله بن الأخنس عن الوليد بن عبد الله عن يوسف بن ماهك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد)].
أورد أبو داود باب في النجوم، أي: في تعلم التنجيم، وعلم التنجيم حرام، ويكون كفراً وشركاً إذا اعتقد أن النجوم لها تأثير في المخلوقات وأنها فاعلة، وأما إذا أريد بعلم النجوم: معرفة الأوقات، ومعرفة الجهات كجهة القبلة، ومعرفة جهة السير في الليل؛ فإن هذا لا مانع منه، ولا بأس به، قال الله عز وجل: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:16]، وقال: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأنعام:97]، والناس يستدلون بالنجوم على جهات السير، وعلى جهة القبلة, وإذا حصل لهم أن ضاعوا في أسفارهم نظروا في مطالع النجوم ومغاربها، ونظروا إلى النجوم الثابتة التي تكون مستقرة، فيعرفون بذلك جهة القبلة، ويهتدون إلى جهة السير، وكذلك يعرفون الشمال من الجنوب والشرق من الغرب بالنجوم، فإن النجوم تطلع من الشرق، وتغرب في الغرب، ويعرف بذلك أيضاً الشمال والجنوب، فهذا تعلمه لا بأس به، وإنما المحذور تعلم العلم الذي فيه اعتقاد أن الكواكب والنجوم تؤثر في الكون، فهذا هو الأمر المحرم.
وأورد المصنف حديث ابن عباس: (من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد)، وهذا في علم النجوم المذموم، وكما أن السحر مذموم، فهذا أيضاً مذموم.
قوله: (زاد ما زاد) يعني: كلما زاد من هذا التعلم فإنه يزيد السحر.(440/9)
تراجم رجال إسناد حديث: (من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر)
قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة].
هو عبد الله بن محمد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[ومسدد].
هو مسدد بن مسرهد مر ذكره.
[حدثنا يحيى عن عبيد الله بن الأخنس].
يحيى القطان مر ذكره، وعبيد الله بن الأخنس صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الوليد بن عبد الله].
الوليد بن عبد الله ثقة، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن يوسف بن ماهك].
يوسف بن ماهك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(440/10)
شرح حديث زيد بن خالد: (أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أنه قال: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله وبرحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب)].
أورد أبو داود حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى لهم -أي: صلى بهم- صلاة الفجر في الحديبية على إثر سماء كانت من الليل -يعني: على إثر مطر حصل في الليل-، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب)، أي: أنه نسب الفضل إلى الله، وأقر أن النعمة من الله، قال الله: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم:34]، وقال: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ} [النحل:53]، فمن قال ذلك فقد أتى بالكلام الصحيح الصواب الحسن؛ لأنه نسب الفضل إلى المتفضل، ونسب النعمة إلى المنعم سبحانه وتعالى.
قوله: (وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي، مؤمن بالكوكب) وقول: مطرنا بنوء كذا وكذا فيه تفصيل، فإن أريد بالنوء -وهو النجم- أنه مؤثر، وأن ما يحصل من مطر فهو من تأثير النجوم؛ فهذا كفر بالله عز وجل، وأما إذا أريد بذلك أن الله تعالى قدر وقضى وجرت العادة بأن الأمطار تكون في الأوقات الفلانية، وأنها تكثر في وقت كذا، وتقل في وقت كذا، أو أنها إذا جاءت في الشتاء والربيع فلها نفع في الزراعة، وأما إذا جاءت في الصيف فبسبب شدة الحرارة لا يكون لها الفائدة الكبيرة في نبت النبات وكثرة المراعي، فهذا سائغ لا بأس به، ولكن كون الإنسان ينسب ذلك إلى تلك الأوقات، دون أن يضيف ذلك إلى الله عز وجل يعتبر نقصاً، ولكن من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته في الوقت الفلاني، أو في الزمن الفلاني، أو أن الله تعالى تفضل علينا وأنعم وجاد بالأمطار في هذا الموسم، أو في تلك المواسم، فهذا لا بأس به.(440/11)
تراجم رجال إسناد حديث زيد بن خالد: (أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر)
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن صالح بن كيسان].
صالح بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن عبد الله].
هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المدني ثقة فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد بن خالد].
هو زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(440/12)
ما جاء في الخط وزجر الطير(440/13)
شرح حديث: (العيافة والطيرة والطرق من الجبت)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الخط وزجر الطير.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا عوف حدثنا حيان، قال غير مسدد: حيان بن العلاء، حدثنا قطن بن قبيصة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (العيافة والطيرة والطرق من الجبت).
الطرق: الزجر، والعيافة: الخط].
أورد أبو داود باب في الخط وزجر الطير، أي: الخط في الأرض للتوصل إلى معرفة أمور مغيبة، وهذا عمل محرم باطل، ويكون ذلك باستخدام الشياطين، فالأمور المغيبة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، ولا تعلم بهذه الطرق الخبيثة السيئة، وزجر الطير هو من أجل أن يقدم الإنسان أو لا يقدم، فكانوا في الجاهلية إذا أراد الرجل سفراً زجر الطير، فإن طار إلى جهة اليمين تفاءل وأقدم على السفر، وإن طار إلى جهة الشمال تشاءم وامتنع من السفر.
قوله: [قال الرسول صلى الله عليه وسلم (العيافة والطيرة والطرق من الجبت)].
العيافة هي الخط في الأرض، والطرْق هو زجر الطير، فيقدم بذهابها إلى جهة، ويحجم إذا ذهبت إلى جهة.
والطيرة: هي التطير بالأشياء، فيتشاءم الإنسان ويتطير بالأشياء، فيقدم أو يحجم بناءً على أمر قد حصل له، ومن ذلك ما يحصل بالطير من زجرها وذهابها يميناً أو شمالاً، وقد يكون التطير بغير الطير كرؤية شيء لا يعجبه فيكون بذلك متشائماً، أو رؤية شيء يعجبه فيكون بذلك متفائلاً، فيترتب ذهابه وإيابه على ما يحصل له من زجر الطير أو التطير أو الخط بالأرض، وكل هذا محرم.
والحديث في إسناده رجل متكلم فيه، وهو حيان بن العلاء وهو مقبول.(440/14)
تراجم رجال إسناد حديث (العيافة والطيرة والطرق من الجبت)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا عوف].
عوف بن أبي جميلة الأعرابي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حيان، وقال غير مسدد: حيان بن العلاء].
حيان بن العلاء مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا قطن بن قبيصة].
قطن بن قبيصة بن المخارق، وهو صدوق أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن أبيه].
وهو قبيصة بن المخارق رضي الله عنه، وحديثه أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.(440/15)
تفسير عوف للعيافة والطرق
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن بشار قال: قال محمد بن جعفر: قال عوف: العيافة: زجر الطير، والطرق: الخط يخط في الأرض].
هذا تفسير من عوف بن أبي جميلة قال: العيافة: زجر الطير، والطرق: الخط يخط في الأرض، وهو عكس التفسير الذي جاء في المتن.
وهذا الأثر يسمى مقطوعاً في علم المصطلح، فالإسناد الذي ينتهي متنه إلى من هو دون الصحابي يقال له: مقطوع، وهذا غير المنقطع؛ لأن المقطوع من صفات المتون، وأما المنقطع من صفات الأسانيد، وإذا انتهى الإسناد إلى الصحابي يقال له: موقوف، وإذا انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: مرفوع.(440/16)
تراجم رجال إسناد تفسير عوف للعيافة والطرق
قوله: [حدثنا ابن بشار].
هو محمد بن بشار الملقب بندار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[قال محمد بن جعفر].
محمد بن جعفر هو الملقب غندر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال عوف].
مر ذكره.(440/17)
شرح حديث: (كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن الحجاج الصواف حدثني يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه أنه قال: (قلت: يا رسول الله! ومنا رجال يخطون؟ قال: كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك)].
أورد أبو داود حديث معاوية بن الحكم السلمي، وهو حديث طويل، ولكن أبا داود أورد هذه القطعة منه المتعلقة بالخط في الأرض؛ لأن الترجمة عن الخط وزجر الطير والعيافة، فأتى به من أجل الخط، والحديث بطوله في صحيح مسلم، وفيه أنه شمت عاطساً وهو في الصلاة، فجعل الناس ينظرون إليه ويضربون على أفخاذهم، ثم بعد أن سلم الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: (إن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي ذكر الله والتسبيح وقراءة القرآن)، فسأله أسئلة وكان منها: (أن أناساً يأتون الكهان؟ قال: فلا تأتهم، قال: ومنا رجال يخطون؟ قال: قد كان نبي يخط، فمن وافق خطه فذاك) يعني: أن نبياً من أنبياء الله عز وجل أوحى الله إليه أن يقوم بهذا الخط، وأما غيره فليس له ذلك، ولهذا علق ذلك على أمر لا يمكن الوقوف عليه ومعرفته فقال: (فمن وافق خطه فذاك)، ومن المعلوم أنه لا يمكن لأحد أن يوافق ذلك الخط، فدل على أن الخط غير سائغ، فيكون هذا الحديث متفقاً مع النصوص الأخرى الدالة على أنه لا يستعمل الخط في الأرض، وإنما هو إخبار عن أمر غيبي قد مضى، فهذا تعليق على شيء لا يمكن الوصول إليه والوقوف عليه، والنتيجة أنه لا يجوز للإنسان أن يخط في الأرض.(440/18)
تراجم رجال إسناد حديث: (كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن الحجاج الصواف].
الحجاج الصواف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني يحيى بن أبي كثير].
يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هلال بن أبي ميمونة].
هلال بن أبي ميمونة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن يسار].
عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معاوية بن الحكم السلمي].
معاوية بن الحكم السلمي صحابي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في (جزء القراءة) ومسلم وأبو داود والنسائي.(440/19)
الأسئلة(440/20)
حكم تطييب حجرة الرسول عليه الصلاة والسلام
السؤال
ما حكم تطييب حجرة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
لا يشرع ذلك؛ لأنه لم يرد عن السلف أنهم كانوا يفعلون هذا، ولا تقاس الحجرة على الكعبة المشرفة.(440/21)
مناسبة ذكر التطير في كتاب الطب
السؤال
ما هي مناسبة وضع الإمام أبي داود هذه الأبواب في كتاب الطب؟
الجواب
من هذه الأبواب ما له علاقة واضحة بالطب مثل العدوى، وأما الطيرة فهي من أمراض القلوب التي يكون لها تأثير على الأجسام، فذكرها في كتاب الطب مناسب.(440/22)
معنى حديث (ويكثر فيهم السِّمَن)
السؤال
جاء في الحديث: (ويكثر فيهم السِّمَن) فما المراد؟
الجواب
جاء هذا في حديث (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي أناس يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، ويظهر فيهم السمن)، والمقصود بالسمن الإقبال على الدنيا والانهماك والتوسع فيها حتى يحصل لهم السمن بسبب انشغالهم بالدنيا وافتتانهم بها.(440/23)
حال حديث عائشة: (أرادت أمي أن تسمنني فأطعمتني القثاء والرطب)
السؤال
ما حال حديث عائشة المتقدم: (أرادت أمي أن تسمنني فأطعمتني القثاء والرطب)؟
الجواب
صححه الألباني.(440/24)
حكم قراءة الأبراج في المجلات
السؤال
هل يدخل في إتيان الكهان قراءة المجلات التي فيها بروج الحظ؟
الجواب
كون الإنسان يقرؤها ويفتتن بها لا شك أنه من جنس إتيان الكهان، وقراءتها قد تؤثر فيه، فالابتعاد عنها فيه فائدة كبيرة للإنسان.(440/25)
حكم من أتى كاهناً ولم يصدقه
السؤال
ما الحكم إذا أتى الإنسان الكاهنَ ولم يصدقه، أو شك في كلامه؟
الجواب
مجرد إتيانه حرام، وقد جاء في الحديث: (أنه لا تقبل له صلاة أربعين يوماً)، وهذه خسارة كبيرة.(440/26)
حكم اغتيال الكهان في الدول الكافرة
السؤال
هل يجوز قتل الكهان في دول غير إسلامية؟ الإجابة: الاغتيالات لا تجوز؛ لأنه يترتب عليها مفاسد كثيرة، والكهان والسحرة يجب إحالتهم للقضاء، وتنفيذ ما يحكم به القاضي عليهم.(440/27)
ولي من أسلمت وتريد الزواج
السؤال
امرأة مسلمة أصلها من فرنسا أسلمت وليس لها ولي، فهل يجوز لأحد المسلمين أن يقوم مقام وليها؛ لأنها ترغب في الزواج؟
الجواب
لا يكون الإنسان ولياً لها، لكن إذا كان عندهم مركز إسلامي يرجع إليه المسلمون في شئونهم فهذا المركز يتولى التزويج، أو سفارة بعض الدول الإسلامية عندهم تتولى تزويجها وتثبته.(440/28)
حكم تسمية المطر بالنوء
السؤال
العامة يسمون المطر بالنوء، فيقولون: صب النوء، فما الحكم؟
الجواب
النوء هو النجم، فقد يكون هذا من باب تسمية الشيء باسم زمنه.(440/29)
من أدعية نزول المطر
السؤال
قول: (مطرنا بفضل الله وبرحمته) هل هو من أدعية نزول المطر؟
الجواب
نعم.(440/30)
حكم تعلم السحر دون العمل به
السؤال
ما حكم تعلم السحر دون العمل به؟
الجواب
لا يجوز أن يتعلم السحر لا للعمل به ولا لغير العمل به، بل يجب على الإنسان أن يحذره، ويحرق كتبه إذا وجدها ولا يحتفظ بشيء منها.
ولا شك أنه علم خبيث ومحرم، وإذا تعلمه وعمل به فهو شر إلى شر، فمن تعلمه ليعمل به أو اعتقد حله فلا شك أن هذا كفر، ومن تعلمه فقط فهو على خطر عظيم وإن لم يكفر.(440/31)
حكم من ذهب من المدينة إلى جدة لعمل ثم أحرم من جدة
السؤال
نحن نسكن في المدينة وأردنا العمرة، فتجاوزنا الميقات وذهبنا إلى جدة لبعض الأمور، ولما انتهينا من أغراضنا في جدة أحرمنا منها وذهبنا إلى مكة، فهل عمرتنا صحيحة؟
الجواب
هذا فيه التفصيل: إن كانت نية العمرة موجودة عندكم وأنتم في المدينة وكنتم عازمين على أن تعتمروا في هذه السفرة؛ فذهابكم إلى جدة للعمل لا يعفيكم من الإحرام من الميقات، فأنتم مخطئون في مجاوزته بلا إحرام، وأما إن كانت نية العمرة غير موجودة عندكم وأنتم في المدينة، ولكنها طرأت عليكم في جدة فلا بأس بذلك، وكذلك لو كان عندكم تردد إن تيسرت لكم العمرة اعتمرتم وإلا لم تعتمروا، ولم يحصل العزم؛ فلا بأس من العمرة من جدة.(440/32)
شرح سنن أبي داود [441]
الطيرة هي حصول التفاؤل أو التشاؤم في شيء ما، فيقدم عليه الإنسان إن حسناً ويحجم إن كان شراً، وهي تنافي التوكل على الله، والأخذ بالأسباب المشروعة، فعلى الأمر أن يعتمد على الله ويتوكل عليه ويأخذ بالأسباب المأمورة ويترك ما فيه شرك وإن جلب للإنسان خيراً فهو لا خير فيه، وإنما الخير والبركة في المشروع والمأمور به من الشارع.(441/1)
ما جاء في الطيرة(441/2)
شرح حديث: (الطيرة شرك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في الطيرة.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن عيسى بن عاصم عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الطيرة شرك، الطيرة شرك (ثلاثاً)، وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل)].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب في الطيرة، والطيرة هي حصول التشاؤم والتفاؤل، فالإنسان قد يقدم على شيء أو يحجم عنه بسبب هذا التطير.
وأورد أبو داود حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطيرة شرك، الطيرة شرك) ثم قال ابن مسعود: وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل، يعني: لا يسلم أحد أن يقع في ذهنه شيء من هذا، لكنه لا يكون بالتعويل على زجر الطير، أو الخط في الأرض أو ما إلى ذلك، فإن هذا محرم لا يسوغ، ولكنه قد ينقدح في ذهن الإنسان شيء مما يكون فيه مسرة أو مما يكون فيه مضرة، ولكن المسلم يعتمد على الله، ويضيف الأمور إلى الله عز وجل، ويتوكل عليه سبحانه وتعالى؛ فيزول ما ينقدح في ذهنه من الشيء الذي لا يريده ويبغضه، وذلك باعتماده على الله وتوكله عليه، وهذا الذي قد يعرض للإنسان ليس من قبيل التطير الذي ورد في الشرع بيان حرمته، من كون الإنسان يقدم أو يحجم بناءً على ما حصل له من زجر طير أو من رؤية شيء يسره أو يسوءه، فإن هذا لا يجوز للإنسان أن يبني عليه الإقدام أو الإحجام، وإنما يأخذ بالأسباب المشروعة، ويتوكل على الله سبحانه وتعالى، وما قدره الله وقضاه فلابد وأن يكون، فإن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.(441/3)
تراجم رجال إسناد حديث: (الطيرة شرك)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير].
محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سلمة بن كهيل].
سلمة بن كهيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عيسى بن عاصم].
عيسى بن عاصم وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن زر بن حبيش] زر بن حبيش ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن مسعود].
عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(441/4)
شرح حديث: (لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني والحسن بن علي قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة، فقال أعرابي: ما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها؟! قال: فمن أعدى الأول؟).
قال معمر: قال الزهري: فحدثني رجل عن أبي هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا يوردن ممرض على مصح، قال: فراجعه الرجل فقال: أليس قد حدثتنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا عدوى ولا صفر ولا هامة؟!) قال: لم أحدثكموه.
قال الزهري: قال أبو سلمة: قد حدث به، وما سمعت أبا هريرة رضي الله عنه نسي حديثاً قط غيره].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر)، فالعدوى المنفية هي اعتقاد أن الأمراض تنتقل بالاختلاط، وأنها معدية بطبعها، وهذا منفي بلا شك؛ لكن مخالطة المريض للصحيح قد يكون سبباً لانتقال المرض، ولكن ليس بلازم أن يكون ذلك، فقد يوجد السبب ويتخلف المسبب بإذن الله عز وجل، فاعتقاد أن العدوى حاصلة بالطبع وأنها شيء لازم، باطل وليس بصحيح، وأما اعتقاد أن مخالطة المريض للصحيح قد يجعله الله سبباً في انتقال العدوى فهذا صحيح، وقد يوجد الاتصال ولا توجد العدوى، ويبقى المريض مرضه فيه، ويسلم الصحيح من مرض المريض، فالأمر يرجع إلى مشيئة الله وإرادته، فإن شاء أن يعدي المريض أعدى، وإن شاء ألا يعدي لم يعد، لكن الأخذ بالأسباب مطلوب، وقد جاء في قصة عمر لما ذهب إلى الشام وقت الطاعون، فاستشار الصحابة في دخول الشام فاختلفوا، فمنهم من يقول: اقدم، ومنهم من يقول: لا تقدم، وانتهى أمره أنه لا يقدم، وبعد ذلك جاء عبد الرحمن بن عوف وأخبرهم بحديث: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه)، وجاء في الحديث: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) وفي الحديث الآخر: (لا يورد ممرض على مصح)، ولا تعارض بين الأحاديث؛ لأن المنفي غير المثبت، فالمنفي هو اعتقاد أن الأمراض مؤثرة بطبعها، والمثبت هو الأخذ بالأسباب والوقاية، وعدم التعرض لشيء قد يحصل بسببه شيء من المضرة، وقد يتخلف الضرر مع وجود الاتصال والاحتكاك بالمريض؛ ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام قال رجل: ما شأن الإبل تكون في الرمل كالظباء -يعني في صحتها، وقوتها، ونشاطها، وسرعة انتقالها وتحركها- ثم يكون معها البعير الأجرب فيحصل لها الجرب؟! فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب بجواب عظيم فقال: (فمن أعدى الأول؟!) يعني: أول بعير حصل له الجرب من الذي أعداه؟! فهو ما كان أجرب، ولكن الجرب حصل بتقدير الله عز وجل، بدون أن يكون هناك اتصال بين مريض وصحيح، وهذا يبين أن الأمور كلها ترجع إلى الله عز وجل، فالذي جعل البعير الأول يجرب بدون مخالطة بعير مريض هو الذي يجعل البعير إذا خالط الصحيح يمرض وقد لا يمرض؛ لأن الأمر كله يرجع إلى مشيئة الله سبحانه وتعالى، والأمر كله يرجع إلى الله سبحانه وتعالى، وكل شيء بيده سبحانه وتعالى.
قوله: [(لا عدوى ولا طيرة ولا هامة)] هذا هو محل الشاهد، فالتطير هو الإقدام والإحجام بناءً على التشاؤم، والهامة فسرت بأنها نوع من الطير يسمى البومة، فقد كانوا يتشاءمون منه إذا وقع على البيت، ويعتبرون هذا نذير بلاء يحل بأهل البيت، وهذه الأمور كلها من أعمال الجاهلية، ولا يؤثر إلا ما جعله الله مؤثراً.
قوله: [(ولا صفر)] فسر بأنه داء يكون في البطن، وهي ديدان معدية ومؤذية في البطن، وفسر بأن المراد به الشهر، وأنهم كانوا يتشاءمون بشهر صفر، أو أنهم كانوا يستحلون الأشهر الحرم، فينسئون المحرم إلى صفر، فيحلون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله، فيجعلون المحرم حلالاً فيتقاتلون فيه، ويجعلون صفر الذي ليس شهراً حراماً، والتفسير المناسب للمقام هو أنه مرض كانوا يتشاءمون منه.
قوله: [(لا يوردن ممرض على مصح)].
يعني: حتى لا يحصل بسبب ذلك شيء، فيترتب على ذلك تشوش الذهن، واعتقاد أن مجرد الاتصال يكون سبباً في المرض، مع أنه قد يحصل التخلف، فالأمر كله راجع إلى مشيئة الله وإرادته، وليس الأمر متعلقاً بالاختلاط، فقد يوجد السبب ولا يوجد المسبب كالزواج، فالإنسان إذا أراد الولد فإنه يتزوج، فهذا هو الطريق المؤدي إلى الولد، وإذا وجد الزواج فقد يوجد الولد وقد لا يوجد، فالإنسان يأخذ بالطريق المشروع، وإذا قدر الله شيئاً فإنه لا يقع إلا ما قدره الله، وإذا شاء الله ألا يحصل ذلك الشيء الذي حصل سببه فإن الأمر كله يرجع إلى الله سبحانه وتعالى.
قوله: [قال معمر: قال الزهري: فحدثني رجل عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يوردن ممرض على مصح)، قال: فراجعه الرجل فقال: أليس قد حدثتنا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا عدوى ولا صفر ولا هامة) قال: لم أحدثكموه، قال الزهري: قال أبو سلمة: قد حدث به، وما سمعت أبا هريرة رضي الله عنه نسي حديثاً قط غيره].
هذا ثناء على أبي هريرة بكمال حفظه رضي الله عنه؛ لأنه مع كثرة محفوظه وكثرة أحاديثه يقول عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف -وهو من أكثر الراوين عنه- ما علمت أن أبا هريرة نسي حديثاً قط إلا هذا الحديث، أي: مع كثرة حديثه لم ينس إلا حديثاً واحداً، فهذا دال على كمال حفظه وعلمه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.(441/5)
تراجم رجال إسناد حديث: (لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة)
قوله: [محمد بن المتوكل العسقلاني].
محمد بن المتوكل العسقلاني صدوق له أوهام كثيرة، أخرج له أبو داود.
[والحسن بن علي].
الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي، وهو قرين لـ محمد بن المتوكل، ولو لم يوجد ابن المتوكل فيكفي الحسن بن علي.
[حدثنا عبد الرزاق].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر].
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة].
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة وقد مر ذكره رضي الله عنه.(441/6)
شرح حديث: (لا عدوى ولا هامة ولا نوء ولا صفر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد - عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا عدوى ولا هامة ولا نوء ولا صفر)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وقد تقدم ذكر معنى العدوى والهامة، والنوء هو النجم، يعني: لا تعولوا على النجوم، ولا تعتقدوا أن لها تأثيراً، بل التدبير من الله وحده، فهو الذي يتصرف في الكون كيف يشاء، والمخلوقات لا تصرف لها في شيء دون الله عز وجل، ولكن قد يجعل الله الشيء يحصل في وقت من الأوقات كحصول المطر في الشتاء والربيع، ولكن لا يضاف ذلك إلى تلك الأوقات، بل المطر بمشيئة الله وإرادته وبفضله ورحمته، فلا يكون الإنسان غافلاً عن إضافة الأشياء إليه، وهو الذي كل شيء بيده، وكل نعمة وفضل منه سبحانه وتعالى.(441/7)
تراجم رجال إسناد حديث: (لا عدوى ولا هامة ولا نوء ولا صفر)
قوله: [حدثنا القعنبي حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد -].
عبد العزيز بن محمد الدراوردي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن العلاء].
العلاء بن عبد الرحمن الحرقي وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي هريرة].
مر ذكره.(441/8)
شرح حديث (لا غول)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن البرقي أن سعيد بن الحكم حدثهم قال: أخبرنا يحيى بن أيوب حدثني ابن عجلان حدثني القعقاع بن حكيم وعبيد الله بن مقسم وزيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا غول)].
أورد المصنف حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا غول)، والمقصود بالغول: الجن التي تظهر في الفلاة ويستوحش منها الناس، فهي لا تؤثر إلا بإذن الله عز وجل وبقدرته ومشيئته وإرادته.(441/9)
تراجم رجال إسناد حديث (لا غول)
قوله: [حدثنا محمد بن عبد الرحيم البرقي].
ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[أن سعيد بن الحكم حدثهم].
سعيد بن الحكم المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا يحيى بن أيوب].
يحيى بن أيوب صدوق وربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني ابن عجلان].
محمد بن عجلان المدني، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثني القعقاع بن حكيم].
القعقاع بن حكيم ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[وعبيد الله بن مقسم].
عبيد الله بن مقسم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[وزيد بن أسلم].
زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح].
ذكوان السمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
مر ذكره.(441/10)
تفسير مالك لحديث: (ولا صفر)
[قال أبو داود: قرئ على الحارث بن مسكين وأنا شاهد: أخبركم أشهب قال: سئل مالك عن قوله: (لا صفر) قال: إن أهل الجاهلية كانوا يحلون صفر عاماً ويحرمونه عاماً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا صفر)].
ذكر المصنف هذا الأثر عن مالك أنه سئل عن معنى: (لا صفر)، فقال: إن أهل الجاهلية كانوا يحلون صفر عاماً ويحرمونه عاماً، يعني: أنهم في سنة من السنوات يجعلون الشهر الحرام هو المحرم مع ذي القعدة وذي الحجة، فيكون صفر حلالاً، وعاماً ينسئون، يعني: إذا أرادوا أن يقاتلوا في المحرم فيؤخرون المحرم ويجعلون صفر مكانه، فإذا جاء صفر امتنعوا عن القتال، وأباحوا لأنفسهم أن يقاتلوا في المحرم، وهذا هو النسيء الذي هو زيادة في الكفر.
قوله: [قرئ على الحارث بن مسكين].
الحارث بن مسكين ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
[أخبركم أشهب].
أشهب بن عبد العزيز وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[سئل مالك].
مر ذكره.(441/11)
تفسير محمد بن راشد للهامة والصفر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن مصفى حدثنا بقية قال: قلت لـ محمد -يعني: ابن راشد -: قوله: (هام) قال: كانت الجاهلية تقول: ليس أحد يموت فيدفن إلا خرج من قبره هامة، قلت: فقوله: (صفر) قال: سمعت أن أهل الجاهلية يستشئمون بصفر؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صفر).
قال محمد: وقد سمعنا من يقول: هو وجع يأخذ في البطن، فكانوا يقولون: هو يعدي، فقال: (لا صفر)].
أورد أبو داود هذا الأثر الذي فيه بيان معنى الهامة، وأنها شيء كانوا يعتقدونه في الجاهلية، فيعتقدون أن من مات يخرج من قبره طائر، وأنهم كانوا يتشاءمون من صفر، أو أنه داء يكون في البطن يعدي.(441/12)
تراجم رجال إسناد حديث محمد بن راشد للهامة والصفر
قوله: [حدثنا محمد بن المصفى].
محمد بن المصفى صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا بقية].
بقية بن الوليد صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن راشد].
محمد بن راشد صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن.(441/13)
شرح حديث: (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح، والفأل الصالح: الكلمة الحسنة)].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح، والفأل الصالح: الكلمة الحسنة) أي أنه كان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يسر بالكلام الجميل وبالاسم الحسن، وقد جاء في صلح الحديبية أنه كلما جاء أحد كفار قريش فإنهم يذكرونه بما هو معروف به من الشدة أو الغلظة، ولما جاء سهيل بن عمرو قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سهل أمرنا) أي: أنه أخذ ذلك من اسم سهيل، وهو الذي تم إبرام الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينه نيابة عن المشركين، فصلح الحديبية كان على يديه، فتحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم عندما رآه: (سهل أمرنا).(441/14)
تراجم رجال إسناد حديث (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام].
هشام الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد رباعي وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود.(441/15)
شرح حديث (أخذنا فألك من فيك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن سهيل عن رجل عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سمع كلمة فأعجبته، فقال: أخذنا فألك من فيك)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع كلمة فأعجبته، فقال: أخذنا فألك من فيك) يعني: هذا الذي تكلم بهذه الكلمة، وهذا مثل الحديث الذي قبله أنه كان يعجبه الفأل الحسن، وهي الكلمة الطيبة.(441/16)
تراجم رجال إسناد حديث (أخذنا فألك من فيك)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب].
موسى بن إسماعيل مر ذكره، ووهيب بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتبة الستة.
[عن سهيل].
سهيل بن أبي صالح صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن رجل عن أبي هريرة].
هذا الرجل مبهم، ولكن جاء أنه أبوه أبو صالح السمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(441/17)
تفسير عطاء بن أبي رباح للهامة والصفر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن خلف حدثنا أبو عاصم حدثنا ابن جريج عن عطاء أنه قال: يقول الناس: الصفر وجع يأخذ في البطن، قلت: فما الهامة؟ قال: يقول الناس: الهامة التي تصرخ هامة الناس، وليست بهامة الإنسان، إنما هي دابة].
أورد أبو داود هذا الأثر في تفسير الصفر والهامة.
قوله: [وليست بهامة الإنسان]: هامة الإنسان رأسه، فبين أن الهامة التي تصرخ هي دابة.(441/18)
تراجم رجال إسناد تفسير عطاء بن أبي رباح للهامة والصفر
قوله: [حدثنا يحيى بن خلف].
يحيى بن خلف صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود وابن ماجة.
[حدثنا أبو عاصم].
هو الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن جريج].
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء].
عطاء بن أبي رباح وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(441/19)
شرح حديث: (ذكرت الطيرة عند النبي فقال: أحسنها الفأل ولا ترد مسلماً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبة المعنى، قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن عامر، قال أحمد: القرشي، قال: (ذكرت الطيرة عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: أحسنها الفأل، ولا ترد مسلماً، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم! لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك)].
هذا الحديث من جملة الأحاديث المتعلقة بالطيرة، قوله: (ذكرت الطيرة عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أحسنها الفأل) الفأل: هو الشيء الذي يتفاءل به ويحصل السرور به، مثل الكلمة الطيبة الحسنة يسمعها الإنسان، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يسر عندما يسمع الاسم الحسن، وقد ذكرنا أنه في صلح الحديبية لما أقبل سهيل بن عمرو قال عليه الصلاة والسلام: (سهل أمرنا) وأخذه من لفظة سهيل.
قوله: (ولا ترد مسلماً) يعني: أن الإنسان لا يكون إقدامه وإحجامه مبنياً على التطير، بل يمضي إلى الشيء الذي أراده معتمداً على الله ومتوكلاً عليه، ويحجم عن الشيء الذي لا يريده -إذا رأى المصلحة في الإحجام- متوكلاً على الله، ولا يكون التطير هو الذي يبعثه على ذلك.
وفي هذا الحديث أن من وجد شيئاً من ذلك يقول: (اللهم! لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك)، لكن هذا الحديث في إسناده ضعف، فراوي الحديث مختلف في صحبته، وفيه أيضاً حبيب بن أبي ثابت وهو مدلس ويرسل، وقد روى هنا بالعنعنة.(441/20)
تراجم رجال إسناد حديث: (ذكرت الطيرة عند النبي فقال: أحسنها الفأل، ولا ترد مسلماً)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتبة الستة.
[وأبو بكر بن أبي شيبة].
هو عبد الله بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتبة الستة إلا الترمذي، وهو أكثر الشيوخ الذين خرج عنهم مسلم في صحيحه، ولم يخرج في صحيحه عن شخص كما خرج عن أبي بكر بن أبي شيبة، إذ بلغت الأحاديث التي رواها عنه ألفاً وخمسمائة حديث.
[حدثنا وكيع].
وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سفيان].
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حبيب بن أبي ثابت].
حبيب بن أبي ثابت ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة بن عامر].
عروة بن عامر رضي الله عنه مختلف في صحبته، أخرج له أصحاب السنن.(441/21)
شرح حديث: (أن النبي كان لا يتطير من شيء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث عاملاً سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رؤي كراهية ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإن أعجبه اسمها فرح ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رؤي كراهية ذلك في وجهه)].
أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، وهو يدل على استحباب اختيار الأسماء الحسنة في كل شيء سواء بالنسبة للأولاد من الذكور والبنات، وكذلك أسماء الأماكن، فيختار الأسماء الحسنة ويبتعد عن الأسماء السيئة.(441/22)
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان لا يتطير من شيء)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام].
هشام الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن بريدة].
عبد الله بن بريدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(441/23)
شرح حديث: (إن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثني يحيى أن الحضرمي بن لاحق حدثه عن سعيد بن المسيب عن سعد بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقول: (لا هامة ولا عدوى ولا طيرة، وإن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار)].
أورد أبو داود حديث سعد بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وإن تكن الطيرة في شيء ففي المرأة والدار والفرس).
تقدم شرح أوله، وقوله: (وإن تكن الطيرة في شيء ففي المرأة والدار والفرس) يعني: إن كان هناك شؤم فإن ذلك يكون في هذه الأمور الثلاثة، وذلك لملازمتها للإنسان، فقد لا يطمئن الإنسان لداره أو لفرسه أو لامرأته، بل يبقى مشوش الفكر، والتخلص من ذلك وعدم الإبقاء عليه مما ينبغي؛ لأنها ليست من الأشياء التي تطرأ وتذهب ولا ارتباط لها بالإنسان، بل هي مرتبطة به بصفة دائمة، وهذا يدل على أن من حصل له شيء من ذلك في هذه الثلاث فإنه يتخلص منه؛ لعدم انشراح صدره لها وعدم اطمئنانه بها.(441/24)
تراجم رجال إسناد حديث: (إن تكن الطيرة في شيء ففي المرأة والدار والفرس)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبان].
أبان بن يزيد العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثني يحيى].
يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحضرمي بن لاحق].
الحضرمي بن لاحق لا بأس -أي: صدوق-، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن سعيد بن المسيب].
سعيد بن المسيب ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد بن مالك].
هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(441/25)
شرح حديث: (الشؤم في الدار والمرأة والفرس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي حدثنا مالك عن ابن شهاب عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الشؤم في الدار والمرأة والفرس)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما مرفوعاً: (الشؤم في الدار والمرأة والفرس)، وهو مثل الحديث الذي قبله إلا أن الذي قبله فيه: (إن يكن الشؤم)، والشيخ الألباني تكلم على هذا الحديث وقال عنه: شاذ، والمحفوظ: (إن يكن الشؤم)، وهذا الحديث فيه الجزم بحصول الشؤم في هذه الأشياء الثلاثة، وأما ذاك فأخبر أنه إن يكن الشؤم حاصل فإنه يكون في هذه الأشياء الثلاثة.
وذكر الخطابي أن شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها، وشؤم الفرس ألا يغزى عليها، وشؤم المرأة ألا تلد، وهذا من التفسيرات، وليس المعنى محصوراً في ذلك، فضيق البيت يجعل الإنسان غير مرتاح، وكذا الفرس التي لا يستفاد منها في الجهاد في سبيل الله، وكذا المرأة التي لا تلد، فهذا مما يجعل في النفس انقباض من هذه الأشياء، لكن لا يقال: إن الشؤم محصور فيها لهذا المعنى فقط.(441/26)
تراجم رجال إسناد حديث (الشؤم في الدار والمرأة والفرس)
قوله: [حدثنا القعنبي].
عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا مالك].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حمزة وسالم ابني عبد الله].
حمزة وسالم ابنا عبد الله بن عمر ثقتان، أخرج لهما أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمر].
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(441/27)
تفسير مالك لحديث (الشؤم في ثلاث) وتراجم رجال إسناده
[قال أبو داود: قرئ على الحارث بن مسكين وأنا شاهد: أخبرك ابن القاسم قال: سئل مالك عن الشؤم في الفرس والدار؟ قال: كم من دار سكنها قوم فهلكوا، ثم سكنها آخرون فهلكوا! فهذا تفسيره فيما نرى، والله أعلم].
أورد أبو داود أثراً عن مالك في تفسير الشؤم في الدار فقال: كم من دار سكنها قوم فهلكوا، ثم سكنها قوم فهلكوا! وهذا الشيء يجعل النفس لا تنشرح ولا ترتاح لسكنى تلك الدار.
قوله: [قرئ على الحارث بن مسكين وأنا شاهد].
الحارث بن مسكين ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
وابن القاسم هو عبد الرحمن بن القاسم ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود في المراسيل والنسائي.
ومالك مر ذكره، وهذا الأثر مقطوع؛ لأن سنده انتهى إلى مالك.(441/28)
شرح قول عمر: (حصير في البيت خير من امرأة لا تلد)
[قال أبو داود: قال عمر رضي الله عنه: حصير في البيت خير من امرأة لا تلد].
أتى أبو داود بهذا الخبر الذي أضافه إلى عمر بلا إسناد أنه قال: حصير في البيت خير من امرأة لا تلد، وهذا فيه الإشارة إلى ما تقدم من أن شؤم المرأة أنها لا تلد، لكن لا نعلم ثبوت هذا عن عمر، وهذا الأثر معلق بلا إسناد.(441/29)
شرح حديث (دعها عنك فإن من القرف التلف)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مخلد بن خالد وعباس العنبري قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن يحيى بن عبد الله بن بحير قال: أخبرني من سمع فروة بن مسيك رضي الله عنه قال: قلت: (يا رسول الله! أرض عندنا يقال لها: أرض أبين هي أرض ريفنا وميرتنا، وإنها وبئة، أو قال: وباؤها شديد، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: دعها عنك، فإن من القرف التلف)].
أورد أبو داود هذا الحديث عن فروة بن مسيك رضي الله تعالى عنه أنه قال: (إن لنا أرضاً فيها ريفنا وميرتنا) الريف: المزارع، قوله: (وميرتنا) أي: قوتنا وطعامنا، فالميرة هي الطعام.
قوله: (دعها عنك؛ فإن من القرف التلف)، القرف: مقاربة الشيء الذي يترتب عليه التأثر والتضرر، وقد يؤدي ذلك إلى التلف لكونه يقارب الوباء ويكون قريباً منه.
والحديث في إسناده رجل مبهم غير مسمى، والراوي عنه فيه كلام، فالحديث غير صحيح.(441/30)
تراجم رجال إسناد حديث: (دعها عنك فإن من القرف التلف)
قوله: [حدثنا مخلد بن خالد].
مخلد بن خالد ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[وعباس العنبري].
عباس بن عبد العظيم العنبري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا عبد الرزاق].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر].
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن عبد الله بن بحير].
يحيى بن عبد الله بن بحير وهو مستور، أخرج له أبو داود.
[أخبرني من سمع فروة بن مسيك].
فهنا رجل مبهم بين يحيى وبين فروة بن مسيك، وفروة بن مسيك رضي الله عنه صحابي، أخرج له أبو داود والترمذي.(441/31)
شرح حديث (ذروها ذميمة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن يحيى حدثنا بشر بن عمر عن عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رجل: (يا رسول الله! إنا كنا في دار كثير فيها عددنا، وكثير فيها أموالنا، فتحولنا إلى دار أخرى فقل فيها عددنا، وقلت فيها أموالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ذروها ذميمة)].
قوله: (دعوها ذميمة) يعني: دعوا الدار الثانية الذي حصل فيها قلة عددكم وأموالكم، وفيه الإشارة إلى الشؤم في الدار.(441/32)
تراجم رجال إسناد حديث (ذروها ذميمة)
قوله: [حدثنا الحسن بن يحيى].
الحسن بن يحيى صدوق، أخرج له أبو داود.
[حدثنا بشر بن عمر].
بشر بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة بن عمار].
عكرمة بن عمار وهو صدوق يغلط، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة].
إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
أنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(441/33)
شرح حديث: (أن رسول الله أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يونس بن محمد حدثنا مفضل بن فضالة عن حبيب بن الشهيد عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة وقال: كل ثقة بالله وتوكلاً عليه)].
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ يد مجذوم ووضعها معه في القصعة وقال: (كل ثقة بالله وتوكلاً عليه)، وهذا يدل أن الجذام والوباء لا ينتقل إلى الصحيح من حيث الطبع بمقاربة هذا لهذا، وإنما يرجع إلى الله سبحانه وتعالى، فقد يوجد السبب ويتخلف المسبب، والحديث في إسناده رجل ضعيف فهو غير صحيح.(441/34)
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا يونس بن محمد].
يونس بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا مفضل بن فضالة].
مفضل بن فضالة ضعيف، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن حبيب بن الشهيد].
حبيب بن الشهيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن المنكدر].
محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(441/35)
شرح سنن أبي داود [442]
من رحمة الله بالرقيق أن جعل لهم ما يستخلصون به من رقهم، ومنه: المكاتبة، وتكون بأن يتفق العبد مع سيده على مبلغ من المال منجماً مقابل حريته، فإن وفى فهو حر وإلا فهو عبد ما بقي عليه درهم، وإن باعه سيده انتقل إلى السيد الجديد بما كان له عند الأول، ويعتبر في الحرية الولاء، فهو لحمة كلحمة النسب، ويكون الولاء لمن أعتق، ومن اشترط الولاء دون أن يعتق فشرطه باطل.(442/1)
ما جاء في المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت(442/2)
شرح حديث (المكاتب عبد ما بقي من مكاتبته درهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب العتق.
باب في المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت.
حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا أبو بدر حدثني أبو عتبة إسماعيل بن عياش حدثني سليمان بن سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المكاتب عبد ما بقي من مكاتبته درهم)].
أورد أبو داود كتاب العتق، والعتق: هو إزالة الرق وتحول المملوك إلى الحرية، فبعد أن كانت منافعه مملوكة لغيره صارت منافعه مملوكة له، فيتصرف في نفسه كيف يشاء، وكان قبل ذلك لا يتصرف في نفسه بل منافعه ملك لسيده.
وأورد المصنف باباً في المكاتب يؤدي بعض كتابته ثم يعجز أو يموت.
أي: أن العبد يتفق معه سيده على أن يدفع له مقداراً من المال منجماً كأن يدفع له في السنة كذا، ثم إذا دفع ذلك المقدار الذي اتفق معه عليه فإنه يعتق بعد أن يؤدي الذي عليه، وإن أدى بعض ما عليه وعجز عن الباقي فإنه باق على عبوديته ورقه، وإن مات مات وهو رقيق، فالمال الذي وصل إلى سيده هو مال حصل عليه من عبده، ولم يصل العبد إلى الحرية بل إنه مات في أثناء ذلك، فمات وهو عبد.
وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المكاتب عبد ما بقي من مكاتبته درهم)، ومعناه: أنه لا تحصل له الحرية إلا إذا أدى كل ما عليه، فإذا أدى كل ما عليه حصلت له الحرية، وأما إن مات قبل أن يؤدي ما عليه فإنه يموت وهو عبد، أو يكون قد عجز ولم يستطع أن يسدد الشيء الذي عليه فإنه يبقى عبداً، وإنما تحصل له الحرية فيما إذا سدد الذي عليه ولم يعجز عن التسديد، وإلا فإنه يكون عبداً، فالمكاتب يعتبر عبداً ما بقي عليه درهم من مكاتبته، فإذا سدد آخر قسط، أو طلب المساعدة من غيره فجمع مالاً ودفعه لسيده فإنه يعتق بذلك.(442/3)
تراجم رجال إسناد حديث (المكاتب عبد ما بقي من مكاتبته درهم)
قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله].
هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا أبو بدر].
هو شجاع بن الوليد، صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني أبو عتبة إسماعيل بن عياش].
أبو عتبة إسماعيل بن عياش صدوق إذا روى عن الشاميين، وهذا من روايته عنهم، ومخلط في غيرهم، وحديثه أخرجه البخاري في رفع اليدين، وأصحاب السنن.
[عن سليمان بن سليم].
سليمان بن سليم شامي ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[عن عمرو بن شعيب].
عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
شعيب بن محمد وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(442/4)
شرح حديث (أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشر أواق فهو عبد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثني عبد الصمد حدثنا همام حدثنا عباس الجريري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشر أواق فهو عبد، وأيما عبد كاتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد).
قال أبو داود: ليس هو عباس الجريري، قالوا: هو وهم، ولكنه شيخ آخر].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله في أن من كاتب فلا يزال في الرق إلى أن يسدد ما عليه، إلا أن اللفظ الأول كان أشد مبالغة من الثاني ومعناهما واحد.
هذا قال: إذا كاتب على مائة دينار وبقي عليه عشرة -أي العُشر- وأما ذاك فهو أخص، لأنه قال: ما بقي درهم، وهو شيء قليل جداً، ولكن النتيجة واحدة والمؤدى واحد، وكلا الطريقين دال على أنه لا يكون حراً إلا إذا سدد الذي عليه.
مسألة: هل يجوز للسيد بيع المكاتب أثناء دفعه للأقساط؟
و
الجواب
نعم يجوز بيعه، ولكنه ينتقل إلى المشتري كما كان عليه عند البائع.(442/5)
تراجم رجال إسناد حديث (أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشر أواق فهو عبد)
قوله: [قال حدثنا محمد بن المثنى].
محمد بن المثنى أبو موسى العنزي الملقب بـ الزمن، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثني عبد الصمد].
عبد الصمد بن عبد الوارث، صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا همام].
همام بن يحيى العوذي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عباس الجريري].
عباس الجريري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده].
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، مر ذكرهم.
قال أبو داود: [ليس هو عباس الجريري، قالوا: هو وهم، ولكنه شيخ آخر].
وهذا يوجد في بعض النسخ، فإن كان الجريري فهو ثقة، وإن كان غيره فالحديث الذي قبله متابع له.(442/6)
شرح حديث (إذا كان لإحداكن مكاتب فكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا سفيان عن الزهري عن نبهان مكاتب أم سلمة، قال: سمعت أم سلمة رضي الله عنها تقول: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان لإحداكن مكاتب فكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه)].
أورد أبو داود حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان لإحداكن مكاتب فكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه)، وهذا يفيد أن المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي أن سيدته تحتجب منه ولم لم يكن قد أدى؛ لأن المرأة لا تحتجب من مملوكها، وقد جاء في القرآن استثناؤه مع من استثني: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور:31]، ولكنه إذا كوتب ثم أدى آخر ما عليه احتجبت منه؛ لأنه صار أجنبياً ولا علاقة له بها، وهذا مثل الرجل إذا تزوج المرأة وطلقها فإنها تحتجب منه؛ لأنه لا علاقة له بها، فكذلك المرأة لا تحتجب عن عبدها ولكنه إذا عتق فإنها تحتجب منه.
وهذا اللفظ يخالف ما تقدم لأنه لا يعتبر حراً أن الحرية إلا إذا سدد آخر ما عليه، ولهذا جاء في الحديث السابق: (عبد ما بقي عليه درهم)، ويمكن أن يقال: إن هذا الاحتجاب على سبيل الاحتياط، ما دام أنه في طريقه إلى التسديد، ولكن الحرية لا تحصل إلا بعد التسديد، وحصول الحرية هو الذي يجعل المولى والرقيق ليس داخلاً في ملك سيدته ومولاته، فلا يكون امتناعها من الاحتجاب عنه إلا إذا حصل التسديد الذي حصل به العتق.
والحديث في إسناده شخص متكلم فيه، وعلى هذا فما تقدم في الحديثين السابقين الدالين على أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم هو الراجح، وما دل عليه هذا الحديث مخالف للحديث المتقدم، والحديث المتقدم هو الصحيح، فيكون الاحتجاب إنما هو بعد حصول العتق وليس قبل ذلك.(442/7)
تراجم رجال إسناد حديث (إذا كان لإحداكن مكاتب فكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه)
قوله: [حدثنا مسدد بن مسرهد].
مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا سفيان عن الزهري].
سفيان بن عيينة، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، والزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نبهان مكاتب أم سلمة] نبهان مكاتب أم سلمة مقبول، أخرج له أصحاب السنن.
[عن أم سلمة] أم سلمة رضي الله عنها هند بنت أبي أمية أم المؤمنين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
* تنبيه: الكفالة الموجودة في الوقت الحاضر ليست مثل المكاتب كما يظن البعض؛ لأن الكفيل يطلب من المكفول دفع مبلغ معين كل سنة، وهذا ما ليس له علاقة بباب الرق والعتق، كما أن هذا العمل غير سائغ، فالإنسان عندما يكون كافلاً لأحد معناه أنه استقدمه ليشتغل عنده، ويحصل الأجر في مقابل عمله، فهذا هو الأمر السائغ، وأما أن يأتي به ويفلته ثم ذاك يكتسب ويعطي الكفيل بعض المال في مقابل كفالته فهذا غير صحيح، وليس هذا مما تقره الدولة عندما أذنت وسمحت باستقدام العمال، فإنه يؤتى به ليعمل تحت نظره وإشرافه، أو يعمل له ويحصل أجراً على ذلك، وأما كونه يأتي بأناس يكفلهم ثم يرسلهم ويعطونه في كل شهر أو في كل سنة مقداراً من المال، فهذا غير صحيح.(442/8)
ما جاء في بيع المكاتب إذا فسخت المكاتبة(442/9)
شرح حديث (ابتاعي فأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في بيع المكاتب إذا فسخت الكتابة.
حدثنا عبد الله بن مسلمة وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة: (أن عائشة رضي الله عنها أخبرته: أن بريرة رضي الله عنها جاءت عائشة تستعينها في كتابتها، ولم تكن قضت من كتابتها شيئاً، فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت، فذكرت ذلك بريرة لأهلها فأبوا، وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون لنا ولاؤك، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابتاعي فأعتقي؛ فإنما الولاء لمن أعتق، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال أناس يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له وإن شرطه مائة مرة، شرط الله أحق وأوثق)].
أورد أبو داود باباً في بيع المكاتب إذا فسخت الكتابة، ومعناه: أن بيع المكاتب سائغ لأنه عبد، والعبد يجوز بيعه، وهو عبد ما بقي عليه درهم.
وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها في قصة بريرة، ومكاتبة أهلها لها على تسع أواق، وأنها لم تقض منها شيئاً، وأنها جاءت إلى عائشة أم المؤمنين تطلب منها أن تعينها بمقدار من المال من أجل أن تدفعه لأهلها، فـ عائشة رضي الله عنه وأرضاها أرادت أنها تدفع المبلغ كله وتعتقها ويكون الولاء لها، فلما جاءت إلى أهلها وأخبرتهم قالوا: إن كانت تريد أن تساعدك وتحتسب الأجر على الله عز وجل فلها ذلك ويكون الولاء لنا وهذا معناه: أن الولاء يكون لهم وهم غير معتقين، فهي التي ستعتق وليسوا هم.
فهم أرادوا أن يكون لهم الولاء، وما كانوا يعرفون الحكم الشرعي في ذلك، وظنوا أنه ما دام حصلت المكاتبة من قبلهم، وأنها في طريقها للعتق، فهم من أعتقها، لكن الأمر ليس كذلك؛ لأن عائشة تريد أن تشتريها وأن تعتقها، ويكون ولاؤها لها، فأبوا، ولما أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بأن تبتاعها وأن تعتقها، وأن الولاء لها، لأن الولاء إنما يكون لمن أعتق، ولا يحصل الولاء شخص غير معتق؛ لأن الولاء مثل النسب لا يصير إلا لمن حصل منه العتق، ولا يباع ولا يوهب.
(وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون لنا ولاؤك، فذكرت ذلك لرسول صلى الله عليه وسلم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابتاعي فأعتقي).
يعني: اشتريها أنت وأعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق، فأنت لم تعطيها مساعدة من أجل أن تذهب بها إلى قومها ثم يعتقونها ويكون الولاء لهم، وإنما أنت دفعت كل المبلغ الذي طلبوه منها؛ لتتولي عتقها فيكون ولاؤها لك.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس، وبين لهم الأمر، وكان من عادته عليه الصلاة والسلام أنه إذا بلغه شيء عن أناس حصل منهم أمر لا يسوغ فإنه يخطب ويقول: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا)، ولا يسمي الذين حصل منهم، فيكون بذلك قد بين الحكم الشرعي لسائر الناس، والذين حصل منهم المخالفة يعرفون أنفسهم، ويعرفون أنه قد حصل منهم ذلك فيتركونه، وغيرهم ممن لم يكن له دخل في هذا الموضوع يعرف الحكم الشرعي، فكان هذا من هديه ومن طريقته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا من كمال خلقه عليه الصلاة والسلام، أنه ما كان يصرح ويعلن أسماءهم، وأنه حصل منهم كذا وكذا، وإنما أتى به بهذه الطريقة التي تفيدهم وتفيد غيرهم.
قوله: (ابتاعي فأعتقي؛ فإنما الولاء لمن أعتق) حصر للولاء فيمن حصل منه العتق، ولو كان امرأة، والنساء لا يرثن بعصوبة النفس إلا في باب الولاء فقط؛ لأن النساء إما عصبة بالغير، أو عصبة مع الغير، ولا يكن عصبة بالنفس، ولكن في باب الولاء تكون المعتقة عصبة بالنفس، ولهذا يقول الرحبي: وليس في النساء طراً عصبه إلا التي منت بعتق الرقبة أي: وليس في النساء جميعاً عصبة بالنفس إلا التي أعتقت، فإنها تكون عاصبة بنفسها.
قوله: (ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال أناس يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله).
المقصود من هذا كونهم قالوا: إن أرادت أن تحتسب الأجر عند الله بكونها تساعدك بهذا المبلغ ويكون الولاء لنا؛ لأننا قد كاتبناك ودخلنا معك في أمر يؤدي إلى العتق، فإذاً: يكون الولاء لنا.
قوله: (من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له وإن شرطه مائة مرة).
قوله: (في كتاب الله)، المقصود به حكم الله، وسواء كان ذلك في كتاب الله عز وجل أو سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، سواء في القرآن المتلو المتعبد بتلاوته والمتعبد بالعمل به، أو في السنة التي هي شقيقة القرآن، والتي هي مثل القرآن في وجوب العمل بها.
ويمكن أن يقصد بقوله: (في كتاب الله) القرآن، ولكن تدخل السنة في عموم قوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، ولهذا جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال لما ذكر النامصة والمتنمصة: (ما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله، فقالت امرأة: إنني قرأت المصحف من أوله إلى آخره فما وجدت فيه هذا الذي تقول، فقال رضي الله عنه: إن كنت قرأته فقد وجدته، قال الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]]، فكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مأمور به بالكتاب، إذاً فهذا من أوامر الكتاب ومما أمر به الكتاب.
فإما أن يكون المقصود به القرآن وتكون السنة داخلة في مثل هذا الأمر العام، أو أنه يراد به حكم الله؛ فيكون ذلك مشتمل على الكتاب وعلى السنة.
وقوله: (شرط الله أحق وأوثق)، يعني: هو الذي يعول عليه، وكل شرط لم يأت ثبوته وإقراره بالشرع، أو لم يأت في الشرع ما يمنع منه فإنه لا يعول عليه، وإنما يعول على ما ثبت في الشرع كتاباً أو سنة.(442/10)
تراجم رجال إسناد حديث (ابتاعي فأعتقي، فإنما الولاء لمن أعتق)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة وقتيبة بن سعيد].
عبد الله بن مسلمة مر ذكره.
وقتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قالا: حدثنا الليث].
الليث بن سعد المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
ابن شهاب مر ذكره.
[عن عروة].
عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(442/11)
من أحكام المكاتبة والولاء
جاء في ترجمة أبي داود للباب قوله: [إذا فسخت الكتابة]، ومعنى ذلك: إذا حصل الاتفاق على فسخها ثم حصل البيع، ومعلوم أنه يمكن أن تفسخ الكتابة فيما بين السيد والعبد ويمكن أن تبقى، ولكن يباع المكاتب ويدفع المبلغ، ويحل المشتري محل البائع، بمعنى: أنه يسدد له ثم يعتق، ويكون ولاؤه لمن أعتقه، أي: أنه في الحالين يمكن أن تفسخ المكاتبة بين السيد والعبد، فهي بهذه الطريقة التي حصلت بينها وبين عائشة لأنها ما سددت أي شيء من المبلغ، فكأن المكاتبة فسخت بينها وبينهم؛ لأن أولئك باعوها وأخذوا كامل المبلغ، وتلك اشترتها وأعتقتها، ويمكن أن يكون قد سُدِّد شيء ويتفق البائع مع المشتري على أنه يدفع له المبلغ، وهذا يحل محله بالتسديد، ثم يصير العتق بعد ذلك.
ثم ما هو الولاء؟ وماذا يستفيد المعتق من الولاء؟ الولاء كما قال العلماء: لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب، والفائدة فيه: أنه ينسب إلى مولاه، ولهذا يقال: فلان مولاهم، يعني: الذي كان عتيقاً لهم ينسب إليهم نسبة ولاء.
وكذلك يحصل الميراث، فلو مات ذلك العتيق وليس له بنون ولا أب، ولا أحد يرثه؛ فإن الذي أعتقه يرثه، ومعلوم أن الإرث بالولاء متأخر عن الإرث بالنسب؛ لأن الذين يرثون بالنسب مقدمون على الذين يرثون بالولاء، فمعنى ذلك: أن العبد أو العتيق إذا مات وليس له ورثة من نسبه فإن المعتق يستفيد أنه هو الذي يرثه، ولا يذهب ماله إلى بيت المال؛ لأن له وارثاً.(442/12)
شرح حديث (ابتاعي فأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق) من طريق أخرى، وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (جاءت بريرة رضي الله عنها لتستعين في كتابتها فقالت: إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني، فقالت: إن أحب أهلك أن أعدها عدة واحدة وأعتقك ويكون ولاؤك لي فعلت فذهبت إلى أهلها -وساق الحديث نحو الزهري، زاد في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم في آخره- ما بال رجال يقول أحدهم: أعتق يا فلان والولاء لي! إنما الولاء لمن أعتق)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله.
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل عن وهيب].
موسى بن إسماعيل مر ذكره، وهيب بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن عروة، عن أبيه].
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وأبوه وعائشة مر ذكرهما.(442/13)
شرح حديث (أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني حدثني محمد -يعني: ابن سلمة - عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: (وقعت جويرية بنت الحارث بن المصطلق رضي الله عنها في سهم ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه أو ابن عم له، فكاتبت على نفسها، وكانت امرأة ملاحة تأخذها العين، قالت عائشة رضي الله عنها: فجاءت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابتها، فلما قامت على الباب فرأيتها كرهت مكانها، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرى منها مثل الذي رأيت، فقالت: يا رسول الله! أنا جويرية بنت الحارث، وإنما كان من أمري ما لا يخفى عليك، وإني وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، وإني كاتبت على نفسي، فجئتك أسألك في كتابتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فهل لك إلى ما هو خير منه؟! قالت: وما هو يا رسول الله؟! قال: أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك، قالت: قد فعلت، قالت: فتسامع -يعني: الناس- أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد تزوج جويرية فأرسلوا ما في أيديهم من السبي، فأعتقوهم وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها، أعتق في سببها مائة أهل بيت من بني المصطلق).
قال أبو داود: هذا حجة في أن الولي هو الذي يزوج نفسه].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها في قصة جويرية بنت الحارث بن المصطلق رضي الله تعالى عنها وأنها وقعت في السبي، وكانت من سهم ثابت بن قيس بن شماس، وأنها كاتبته على نفسها، واتفقت معه على أنها تجمع مقداراً من المال، فإذا سددته فإنها تعتق، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستعين به على كتابتها كما حصل من بريرة مع عائشة عندما جاءت تستعين بها على كتابتها، وهذه جاءت تستعين بالنبي صلى الله عليه وسلم على كتابتها، أي: تطلب منه مقداراً من المال يساعدها في الوصول إلى ما تريد من العتق، وذلك بدفعه إلى ثابت بن قيس بن شماس رضي الله تعالى عنه.
قالت عائشة: (وكانت امرأة ملاحة) يعني: فائقة الجمال (تأخذها العين) أي: أن العين إذا وقعت عليها فإنها تعجب بها، وخشيت أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآها أنه يحصل منه مثل الذي حصل منها بكونها أعجبتها فتعجبه، فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم أمر كتابتها فقال: (هل لك ما هو خير من ذلك؟ قالت: وما هو؟! قال: أدفع عنك وأتزوجك، قالت: قد فعلت) فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها، فتسامع الناس وانتشر الخبر، فقال الناس: هؤلاء هم أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقوا ما بأيديهم إكراماً لأصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: (فما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها؛ أعتق في سببها مائة أهل بيت من بني المصطلق).
والمقصود من ذلك: أن المكاتب يتم بيعه ويتم إعتاقه، والولاء لمن أعتق.
ثم قال أبو داود: وفي الحديث دليل على أن الولي هو الذي يزوج نفسه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أعتقها وصار ولياً لها؛ لأن المعتق ولي ووارث، وليس هناك أحد يلي زواجها، فأبوها قيل إنه لم يسلم في ذلك الوقت، وإنما أسلم بعد الزواج، والرسول هو الولي فهو الذي يزوج نفسه، أي: هو الولي والزوج فيكون منه الإيجاب والقبول.(442/14)
تراجم رجال إسناد حديث (أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك)
قوله: [حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني].
عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثني محمد -يعني: ابن سلمة -].
محمد بن سلمة الحراني الباهلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن إسحاق].
هو محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن جعفر بن الزبير].
محمد بن جعفر بن الزبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة بن الزبير].
عروة بن الزبير مر ذكره.
[عن عائشة].
عائشة مر ذكرها.(442/15)
ما جاء في العتق على الشرط(442/16)
شرح أثر (أعتقك وأشرط عليك أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشتَ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في العتق على الشرط.
حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا عبد الوارث عن سعيد بن جمهان عن سفينة رضي الله عنه قال: كنت مملوكاً لـ أم سلمة رضي الله عنها، فقالت: أعتقك وأشرط عليك أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت، فقلت: إن لم تشترطي عليَّ ما فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقتني واشترطت علي].
أورد أبو داود رحمه الله باباً في العتق على شرط، أي: أن ذلك سائغ إذا كان شرطاً معلوماً، وكان شيئاً محدداً ليس شيئاً مبهماً أو شيئاً ليس له أمد، فإنه سائغ بأن يقول مثلاً: أعتقك على أن تخدم لمدة شهر أو لمدة سنة، لكن كونه يكون دائماً وأبداً فإن هذا ينافي مقتضى العتق، ولكن الذي ورد في الحديث شيء يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن مرافقة الرسول صلى الله عليه وسلم وملازمته شرف عظيم لمن يحصل له، وكان الصحابة يتنافسون في ذلك ويحرصون عليه، ويحبون كثيراً أن يخدموا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون لهم صلة وثيقة بالنبي صلى الله عليه وسلم عن طريق الملازمة، كأن يكون أحدهم مولاه أو خادماً له.
وإذا أعتق الإنسان عبداً على أن يخدمه ما عاش كان هذا منافياً لمقتضى العتق، وكأنه ما أعتقه، ولكن إذا حدد مدة سنة أو شهر أو أي زمن معلوم فإنه يعتق، قالوا: وإذا كان دائماً فإنه يشتري منه هذه الخدمة التي التزم بها، أي: يعتق ولكنه يدفع له مقابل هذا الذي لا يمكنه أن يأتي به، ولأنه ينافي مقتضى العتق؛ لأن معنى ذلك أنه سيخدمه ما عاش مثل الرقيق، إذاً: ما الفرق بينه وبين الرقيق؟ لكن الذي ورد فيه الحديث شرف كان يحرص عليه كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
أورد أبو داود حديث سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أعتقته أم سلمة رضي الله تعالى عنها واشترطت عليه أن يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إنني لا أفارقه حتى أموت، يعني: وإن لم يحصل ذلك فأنا يعجبني ويهمني أن أرافقه وأن ألازمه حتى أموت، فأعتقته واشترطت عليه خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.(442/17)
تراجم رجال إسناد أثر (أعتقك وأشرط عليك أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشتَ)
قوله: [حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا عبد الوارث].
مسدد بن مسرهد مر ذكره، وعبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جمهان].
سعيد بن جمهان صدوق له أفراد، أخرج له أصحاب السنن.
[عن سفينة].
سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن.(442/18)
الأسئلة(442/19)
انقطاع النكاح بالسبي
السؤال
هل قصة جويرية رضي الله عنها تدل على أن السبي يقطع النكاح السابق إثر وقوع السبي مباشرة؟
الجواب
السبي يقطع النكاح، ولكن إن م تكن حاملاً فإنه لابد من استبرائها بحيضة ويقطع النكاح السابق، كما حصل لـ مثل صفية رضي الله عنها، فقد سبيت عام خيبر، فتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم، فالسبي يقطع النكاح، ولكنها تستبرأ.
لكن إذا أسلم الزوجان لم ينقطع النكاح، ويبقيان على نكاحهما.(442/20)
جواز أن يكون العتق مهراً
السؤال وهل يكون العتق مهراً؟
الجواب
نعم.
يمكن أن يكون مهراً، فالرسول صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها، وهنا في قصة جويرية دفع مبلغاً من المال في مقابل عتقها؛ لأنه اشتراها شراء، وأما صفية فقد كانت له في السهام.(442/21)
حكم عتق الكافر ومكاتبته
السؤال
هل يجوز عتق الكافر ومكاتبته؟
الجواب
يجوز، لكن عتق المسلم أولى من عتق الكافر.(442/22)
توجيه رؤية الرسول لوجه جويرية
السؤال
هل في حديث جويرية دلالة على كشف الوجه والنظر إلى الأجنبية؟
الجواب
النظر إلى الأجنبية لا يجوز، ونظر الرسول صلى الله عليه وسلم على اعتبار أنه سيخطبها، ومعلوم أن الخاطب له أن ينظر إلى المخطوبة، أو أنه رآها لأول وهلة وبعد ذلك كف بصره.(442/23)
توجيه كون سفينة مولى للرسول والمعتق إنما هو أم سلمة
السؤال
كيف كان سفينة مولى لرسول صلى الله عليه وسلم والمعتق إنما أم سلمة؟
الجواب
الولاء لها، ولكن الفائدة والمنفعة والسبب في العتق هو خدمة الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: أنه مولاه في الخدمة، وأما من ناحية العتق فمعتقه هي أم سلمة.(442/24)
حكم تصدق المرأة من مالها بغير إذن زوجها
السؤال
هل يدل حديث بريرة على أن للمرأة أن تتصدق من مالها من غير إذن زوجها لفعل عائشة رضي الله عنها؟
الجواب
نعم يدل على ذلك، والحديث ليس فيه صدقة وإنما فيه بيع وشراء؛ لأن الذي حصل هو شراء، وإن كانت بريرة جاءت تستعين؛ وتطلب منها الصدقة والمساعدة لكن الذي أرادته عائشة هو أن تشتريها وتدفع المبلغ كله وتعتقها، ويكون الولاء لها.(442/25)
شرح سنن أبي داود [443]
من أسباب تكفير الذنوب والسيئات ورفعة الدرجات إعتاق الرقاب المؤمنة، وقد حث الشارع إلى إعتاق العبيد ورغب في ذلك، وتشوف الشارع إلى الحرية في حق الأرقاء، وإذا اعتق رجل نصيباً له في مملوك فإنه إن كان موسراً يستحب له أن يدفع ثمنه لشريكه حتى يكمل أجره ويكون العبد قد عتق كله، والعتق له أحكام جلية في الشريعة الإسلامية.(443/1)
ما جاء فيمن أعتق نصيباً له من مملوك(443/2)
شرح حديث (أن رجلاً أعتق شقصاً له من غلام)
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب فيمن أعتق نصيباً له من مملوك.
حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا همام /ح وحدثنا محمد بن كثير المعنى، أخبرنا همام عن قتادة عن أبي المليح -قال أبو الوليد - عن أبيه رضي الله عنه: (أن رجلاً أعتق شقصاً له من غلام، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ليس لله شريك).
زاد ابن كثير في حديثه: (فأجاز النبي صلى الله عليه وآله وسلم عتقه)].
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب فيمن أعتق نصيباً له من مملوك].
أي: أن المملوك إذا كان مشتركاً بين شخصين أو أكثر فأعتق أحدهم نصيبه، فإن ذلك العتق ينفذ، وعلى هذا المعتق أيضاً أن يقوم بعتق الباقي، وذلك بأن يدفع قيمة ما تبقى لشريكه فيعتق كله بذلك، حيث يكون الشخص المعتق موسراً فإنه يعتق سهمه، وعليه أن يقوم بدفع قيمة الجزء الباقي لشريكه حتى يكون بذلك قد عتق كله.
وهذا فيه تشوف الشرع إلى الحرية في حق الأرقاء، وأن الشرع جاء بالاهتمام والعناية بحصول الإعتاق، فإذا أعتق شخص سهماً له في عبد فإن عليه -إذا كان موسراً- أن يدفع قيمة جزئه الباقي لشريكه فيعتق بذلك كله، وهذا في حال كونه موسراً.
ومن المعلوم أن من بين الأمور التي يكفر بها عن المرء ذنوبه إعتاق الرقبة، بل إنها تُقدم في كثير من الكفارات كما في القتل الخطأ، وكما في الجماع في نهار رمضان والظهار، فإن العتق يكون أولاً ثم ينتقل بعده إلى صيام الشهرين، وإنما جاء التخيير بين العتق وبين غيره في كفارة اليمين، وإلا فإن كثيراً من الكفارات يبدأ فيها أولاً بالعتق، وهو مقدم على صوم الشهرين المتتابعين، وهذا كله يدل على الاهتمام والعناية من الشرع بالأرقاء والحث والترغيب وبيان الوسائل التي يكون بها الإعتاق.
وقد أورد أبو داود حديث أسامة بن عمير الهذلي رضي الله عنه قال: (أن رجلاً أعتق شقصاً له من غلام، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ليس لله شريك).
زاد ابن كثير في حديثه: (فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه).
قوله: (أن رجلاً أعتق شقصاً له في غلام)، يعني: عبداً مشتركاً، (فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ليس لله شريك) بمعنى: أنه أعتق بعضه وصار حراً لوجه الله، فإن الشرع جاء بإضافة الجزء الباقي إلى الذي عتق فيعتق كله ويكون كله خالصاً لله.
وهذا فيما إذا كان المعتق موسراً، وأما إذا كان معسراً فله حالة أخرى كما سيأتي في الأحاديث.
قوله: (فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه).
أي: أن العتق معتبر، ولكن الشيء الذي أضيف إلى هذا العتق هو قيام المعتق لجزء منه بدفع قيمة الجزء الباقي لشريكه؛ فيكون العبد كله حراً لوجه الله عز وجل.(443/3)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً أعتق شقصاً له من غلام)
قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي].
أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا همام].
عن همام بن يحيى العوذي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا محمد بن كثير].
محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا همام عن قتادة].
همام مر ذكره، وقتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي المليح].
أسامة بن عمير، قيل: اسمه عامر وقيل غير ذلك، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
عن أبيه أسامة بن عمير الهذلي رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب السنن.(443/4)
شرح حديث (فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه وغرمه بقية ثمنه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرني همام عن قتادة عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً أعتق شقصاً له من غلام فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه، وغرمه بقية ثمنه)].
حديث أبي هريرة مثل الذي قبله إلا أن فيه التنصيص على تغريمه أو قيامه بقيمة السهم الباقي لشريكه، فـ أبو هريرة يروي: (أن رجلاً أعتق شركاً له في مال فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه، وغرمه بقية ثمنه لشريكه)، بمعنى: أن الجزء الذي يملكه قد أعتقه، وعليه أن يقوم بإعتاق الباقي بأن يدفع قيمة الجزء الباقي لشريكه، فيكون كله حراً، ويكون ولاؤه له.(443/5)
تراجم رجال إسناد حديث (فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه وغرمه بقية ثمنه)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير أخبرني همام عن قتادة عن النضر بن أنس].
النضر بن أنس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بشير بن نهيك].
بشير بن نهيك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً رضي الله عنه وأرضاه.(443/6)
شرح حديث (من أعتق مملوكاً بينه وبين آخر فعليه خلاصه)، وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر ح وحدثنا أحمد بن علي بن سويد حدثنا روح قالا: حدثنا شعبة عن قتادة بإسناده عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من أعتق مملوكاً بينه وبين آخر فعليه خلاصه)، وهذا لفظ ابن سويد].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن أبي هريرة وهو مثل الذي قبله: (أن من أعتق شركاً له في عبد فعليه خلاص باقيه من شريكه)، وذلك بدفع ثمنه أو قيمة جزئه الباقي له، فيكون على المعتق الأول الذي أعتق الجزء الذي يملكه أن يعتق الباقي بأن يدفع قيمته لشريكه، ويكون كله حراً.
وفي الحديث أن الشريك في العبد المعتق بعضه يجبر على بيع نصيبه منه ليعتق.
قوله: [حدثنا محمد بن المثنى].
محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بـ الزمن، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثنا محمد بن جعفر].
محمد بن جعفر الملقب غندر البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا أحمد بن علي بن سويد].
ثم قال ح، وهي للتحول من إسناد إلى إسناد، وأحمد بن علي بن سويد صدوق أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا روح].
روح بن عبادة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة بإسناده].
قتادة بالإسناد المتقدم.(443/7)
شرح حديث (من أعتق نصيباً له في مملوك) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي.
ح وحدثنا أحمد بن علي بن سويد حدثنا روح حدثنا هشام بن أبي عبد الله عن قتادة بإسناده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أعتق نصيباً له في مملوك عتق من ماله إن كان له مال).
ولم يذكر ابن المثنى النضر بن أنس، وهذا لفظ ابن سويد].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم: أنه يعتق عليه باقيه إن كان له مال، بمعنى: أنه يلزمه أن يدفع قيمة الجزء الباقي لشريكه ويعتق بذلك.
قوله: [حدثنا ابن المثنى عن معاذ بن هشام].
معاذ بن هشام صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هشام بن عبد الله الدستوائي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا أحمد بن علي بن سويد حدثنا روح حدثنا هشام بن أبي عبد الله عن قتادة بإسناده.
ولم يذكر المثنى النضر بن أنس، وهذا لفظ ابن سويد].
أي: لم يذكر المثنى إحدى الطريقين وهي طريق النضر بن أنس الذي هو في الطريق السابقة قبل بشير بن نهيك.
وهذا لفظ ابن سويد الذي هو الشيخ الثاني.(443/8)
الأسئلة(443/9)
جواز الاشتراك في العبد سواء كان ذكراً أم أنثى
هل يجوز الاشتراك في العبد سواء كان ذكراً أو أنثى؟ نعم يمكن الاشتراك، وأيضاً الاشتراك أحياناً يحصل في الميراث، بحيث إنه لا مندوحة منه، فيمكن أن يكون الاشتراك فيه سواء بالشراء أو بالميراث.
وأما إن كانت جارية فلا يكون حق التسري لهما جميعاً، ويمكن أن تكون لواحد منهما.(443/10)
استسعاء العبد(443/11)
شرح حديث (وإلا استسعي العبد غير مشقوق عليه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من ذكر السعاية في هذا الحديث.
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان -يعني: العطار - حدثنا قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شقيصاً في مملوكه فعليه أن يعتقه كله إن كان له مال، وإلا استسعي العبد غير مشقوق عليه)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب من ذكر السعاية في هذا الحديث] يعني: من زاد السعاية، فالذي مر هو أن المعتق الذي أعتق شقصه إن كان له مال لزمه إعتاق الباقي، لكن إذا لم يكن له مال فقد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أنه يعمل أيضاً على العتق، وذلك بأن يستسعى العبد، بمعنى: أنه يسعى لتحصيل قيمة الجزء الباقي للشريك فيجمعها ويحصلها ثم تدفع إليه ويعتق، وهذه هي السعاية أو الاستسعاء.
والمعنى أنه: إذا كان الشريك الذي أعتق موسراً يلزمه عتق الباقي، وإن لم يكن موسراً سعى إلى تحصيل العتق بعد الرق، وذلك بأن يطلب من العبد أن يسعى في تحصيل قيمة الجزء الباقي ويدفعها للشريك الذي لم يعتق، ثم يعتق بعد ذلك.
قوله: (شقيصاً) مثل شقص، يعني جزءاً، والشقص السهم.
(في مملوكه) يعني: هو مشترك بينه وبين غيره فإن كان للمالك مال، قام بعتق الباقي ودفع المال للشريك، وإن لم يكن فإنه يستسعى العبد بأن يقوم قيمة عدل لا وكس ولا شطط ولا ارتفاع ولا انخفاض، وإنما هي القيمة التي لا زيادة فيها ولا نقصان، ويسعى العبد في تحصيل قيمة الجزء الباقي، ثم يدفع لمالكه الذي لم يحصل منه العتق.
يقول: (وإلا استسعي العبد غير مشقوق عليه)، فلا يكلف ولا يشق عليه في ذلك، يعني: أنه يقوم بهذا على حسب طاقته ووسعه.
والترجمة فيها إشارة إلى اختلاف الرواة؛ فمن العلماء من تكلم فيها وقال: إن هذه الزيادة ذكرها بعض الرواة دون بعض، لكن الصحيح أنها معتبرة وثابتة، وذلك أن صاحبي الصحيح أخرجاها في صحيحيهما، وجاءت عن جماعة من العلماء رووها واتفقوا على روايتها، فهي معتبرة، والأصل عدم الإدراج، وكون صاحبي الصحيح أثبتاها وأثبتها غيرهما بدون إدراج فإن هذا يدل على أنها من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها حكم من الأحكام الشرعية، وهي زيادة رواها ثقات، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.(443/12)
تراجم رجال إسناد حديث (وإلا استسعى العبد غير مشقوق عليه)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبان -يعني: العطار -].
أبان بن يزيد العطار، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة].
وقد مر ذكرهم.
تنبيه: إذا أعتق الشريكان العبد المشترك بينهما فإن الولاء يكون لهما جميعاً.(443/13)
شرح حديث (وإلا استسعي العبد غير مشقوق عليه) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن علي أخبرنا يزيد -يعني: ابن زريع.
ح وحدثنا علي بن عبد الله حدثنا محمد بن بشر -وهذا لفظه- عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من أعتق شقصاً له -أو شقيصاً له- في مملوك فخلاصه عليه في ماله إن كان له مال، فإن لم يكن له مال قوم العبد قيمة عدل، ثم استسعي لصاحبه في قيمته غير مشقوق عليه)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله.
قوله: [حدثنا نصر بن علي].
نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا يزيد -يعني: ابن زريع -].
يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا علي بن عبد الله].
هو ابن المديني، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير.
[حدثنا محمد بن بشر].
محمد بن بشر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن أبي عروبة].
سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة].
وقد مر ذكرهم.
قال أبو داود: [في حديثهما جميعاً: (استسعي غير مشقوق عليه) وهذا لفظ علي]، أي: الشيخ الثاني في الإسناد.(443/14)
شرح حديث (وإلا استسعي العبد غير مشقوق عليه) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى وابن أبي عدي عن سعيد بإسناده ومعناه].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وأحال على ما تقدم.
[حدثنا محمد بن بشار].
هو الملقب بندار البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى].
يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وابن أبي عدي].
هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بإسناده ومعناه].
وهو ابن أبي عروبة.(443/15)
ذكر الاختلاف بين الرواة في حديث أبي هريرة في الاستسعاء
قال أبو داود: [ورواه روح بن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة لم يذكر السعاية].
يعني: أنه وقف عند ذكر أن على صاحبه الذي أعتق شقصه خلاصه إن كان له مال.
ولم يذكر السعاية التي مرت في هذه الطرق.
[ورواه جرير بن حازم وموسى بن خلف جميعاً عن قتادة بإسناد يزيد بن زريع ومعناه، وذكرا فيه السعاية].
وهذا فيه أن جماعة من الرواة رووه أيضاً بإسناد آخر وذكروا فيه السعاية، وهؤلاء بالإضافة إلى الذين ذكروه من قبل ورووه عن سعيد بن أبي عروبة.
قوله: [ورواه جرير بن حازم].
جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وموسى بن خلف].
موسى بن خلف صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والنسائي.
ومن قال بأن هذه الزيادة مدرجة فالمعنى أنها ليست بلازمة، أعني السعاية أو الاستسعاء.(443/16)
من روى أنه لا يستسعى(443/17)
شرح حديث (وأعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن روى أنه لا يستسعى.
حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أعتق شركاً له في مملوك أقيم له قيمة العدل، فأعطى شركاءه حصصهم، وأعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب فيمن روى أنه لا يستسعى، ومعناه: أنه اقتصر على ذكر إلزام المعتق إن كان له مال أن يعتقه، وإلا فإنه قد عتق منه ما عتق، فليس هناك سعاية، أي فالذي عتق قد عتق والباقي باق على رقه ولم تذكر السعاية، فيكون مبعضاً: نصفه حر ونصفه عبد.
قوله: (أقيم عليه)، يعني: قوم قيمة معتدلة ليس فيها زيادة أو نقصان.
قوله: (فأعطى شركاءه)، أي: أن الذي أعتق الشرك أو الشقص يعطي شركاءه حصصهم من المال وعتق باقي العبد على المعتِق الأول، وإن لم يكن له مال فقد عتق من العبد ما عتق والباقي يبقى على رقه، أي: في ملك الشريك الثاني الذي لم يحصل منه العتق.
ولكن الاستسعاء ثابت في الصحيحين وفي غيرهما، فإذا احتيج إليه يصار إليه، وإن كان العبد لم يقم بالسعي فإنه يعتق ما عتق، ويكون العبد مبعضاً: نصفه حر ونصفه عبد.(443/18)
تراجم رجال إسناد حديث (وأعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق)
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمر].
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(443/19)
تعريف المبعض
المبعض: هو الذي نصفه حر ونصفه عبد، أو بعضه حر وبعضه عبد، ومنافعه لا يملكها الذي يملك جزأه، وإنما يملك بعض منافعه، بمعنى: أنه يوم له ويوم للثاني مثلاً، أو شهر له وشهر لنفسه، فهو يستفيد مما به من الحرية، فلا يملك إلا نصف منافعه ونصفها الآخر مملوك سيده.(443/20)
شرح حديث (وأعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مؤمل حدثنا إسماعيل عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه، قال: وكان نافع ربما قال: (فقد عتق منه ما عتق)، وربما لم يقله].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وقال بأن نافعاً ربما قال في روايته: (فقد عتق منه ما عتق) وهذا مثل ما في الرواية السابقة، وربما لم يقله وسكت عن هذه الجملة، ولم يتعرض لها لا إثباتاً ولا نفياً.
قوله: [حدثنا مؤمل].
هو ابن إهاب ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي].
[عن إسماعيل].
وهو ابن علية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب].
أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع، عن ابن عمر].
وقد مر ذكرهما.(443/21)
شرح حديث (وأعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذا الحديث، قال أيوب: فلا أدري هو في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو شيء قاله نافع: (وإلا عتق منه ما عتق)].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وذكر أيوب أن جملة: (وإلا عتق منه ما عتق) لا يدري هل هي من الحديث أو من كلام نافع.
قوله: [حدثنا سليمان بن داود العتكي].
هو أبو الربيع الزهراني، ثقة أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا حماد].
هو ابن زيد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر].
وقد مر ذكر الثلاثة.(443/22)
شرح حديث (وأعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى عليه وآله وسلم: (من أعتق شركاً من مملوك له فعليه عتقه كله إن كان له ما يبلغ ثمنه، وإن لم يكن له مال عتق نصيبه)].
أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى غير طريق نافع، وفيها ما في التي قبلها: (وإلا عتق منه ما عتق)، فتكون مطابقة للرواية الأولى التي صدر بها أبو داود رحمه الله الروايات التي جاءت عن ابن عمر، فإن رواية عبيد الله عن نافع مطابقة للرواية الأولى التي هي عن نافع عن ابن عمر.
قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي].
إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عيسى بن يونس].
عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبيد الله].
عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع، عن ابن عمر].
نافع وابن عمر مر ذكرهما.(443/23)
شرح حديث (وأعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مخلد بن خالد حدثنا يزيد بن هارون أخبرني يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعنى إبراهيم بن موسى].
أورد الحديث من طريق أخرى وهي إحالة على الطريق الأخيرة التي فيها ما في الطريق الأولى التي هي أنه عتق منه ما عتق.
قوله: [حدثنا مخلد بن خالد].
مخلد بن خالد ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا يزيد بن هارون].
يزيد بن هارون الواسطي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني يحيى بن سعيد].
يحيى بن سعيد الأنصاري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع عن ابن عمر].
وقد مر ذكرهما.
والأحاديث تدل على أن الذي أعتق نصيبه وهو موسر يجب عليه عتق نصيب غيره.(443/24)
شرح حديث (وأعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق) من طريق سادسة وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء حدثنا جويرية عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعنى مالك، ولم يذكر: (وإلا فقد عتق منه ما عتق)، انتهى حديثه إلى: (وأعتق عليه العبد) على معناه].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم.
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء].
عبد الله بن محمد بن أسماء ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا جويرية].
هو عمه جويرية بن أسماء، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن نافع عن ابن عمر].
وقد مر ذكرهما.(443/25)
شرح حديث (من أعتق شركاً له في عبد عتق منه ما بقي) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من أعتق شركاً له في عبد عتق منه ما بقي في ماله إذا كان له ما يبلغ ثمن العبد)].
أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى وهي طريق سالم والطرق التي مرت كلها من طريق نافع عن ابن عمر، وهذه من طريق ابنه سالم بن عبد الله بن عمر ولفظه: (من أعتق شركاً له في عبد عتق منه ما بقي في ماله إذا كان له ما يبلغ ثمن العبد)، فإذا كان للمعتق شقصه ما يبلغ ثمن العبد فإنه يعتق عليه في ماله.
قوله: [حدثنا الحسن بن علي].
الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا عبد الرزاق].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر].
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم].
سالم بن عبد الله بن عمر، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن فقهاء المدينة السبعة ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع مختلف فيه على ثلاثة أقوال: الأول: أنه سالم بن عبد الله بن عمر، والثاني: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والثالث: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
والستة الباقون متفق على عدهم في الفقهاء السبعة وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعروة بن الزبير بن العوام، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار.
[عن أبيه].
وقد مر ذكره.(443/26)
شرح حديث (إذا كان العبد بين اثنين) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه فإن كان موسراً يقوم عليه قيمة لا وكس ولا شطط ثم يعتق)].
وهذا مثل الذي قبله.
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان].
هو ابن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن دينار].
عمرو بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم عن أبيه].
وقد مر ذكرهما.
[يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم].
معناه: أنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويوصله إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ويحتمل أن يعبر بهذه العبارة عندما يكون الإنسان غير جازم بالصيغة التي قالها في إضافتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، هل قال: (سمعت) أو قال: (قال) أو قال: (عن)، فإن كلمة (يبلغ به) هذه تحتمل هذه الأمور كلها، ومعناها أنه يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.(443/27)
شرح حديث (أن رجلاً أعتق نصيباً له من مملوك) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن خالد عن أبي بشر العنبري عن ابن التلب عن أبيه رضي الله عنه: (أن رجلاً أعتق نصيباً له من مملوك فلم يضمنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم).
قال أحمد: إنما هو بالتاء، يعني: التلب، وكان شعبة ألثغ لم يبين التاء من الثاء].
أورد أبو داود حديث ابن التلب عن أبيه رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً أعتق نصيباً له من مملوك فلم يضمنه النبي صلى الله عليه وسلم).
قوله: (لم يضمنه) يخالف كل ما تقدم من الأحاديث السابقة التي فيها تضمينه وإلزامه بأن يدفع قيمة الجزء الباقي منه ويعتق عليه بذلك.
والحديث فيه رجل مستور، أي: مجهول الحال، فهو غير ثابت، لكن لو ثبت فإنه يحمل على أنه كان معسراً، فإنه لا يضمن إذا كان معسراً، وإنما يضمن إذا كان موسراً، لكن الحديث كما هو معلوم فيه مجهول الحال، وعلى هذا فلا يقاوم الأحاديث الكثيرة السابقة التي فيها التنصيص على أنه يعتق عليه، وأنه يلزمه قيمة الجزء الباقي لشريكه.
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن خالد].
خالد هو ابن مهران الحذاء، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بشر العنبري].
وهو الوليد بن مسلم، ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأبو داود والنسائي.
[عن ابن التلب].
عن ابن التلب أو الثلب واسمه ملقام، وهو مستور، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
[عن أبيه].
وهو صحابي أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
[قال أحمد: إنما هو بالتاء -يعني: التلب -، وكان شعبة ألثغ لم يبين التاء من الثاء].(443/28)
الأسئلة(443/29)
معنى الاستسعاء
السؤال
ما معنى: (إلا استسعي)؟
الجواب
أي أن العبد لا يكلف بأن يبحث ويسعى في تحصيل قيمة الجزء الباقي من قيمته ليدفعها للشخص الذي لم يحصل منه العتق، (وهو الشريك).(443/30)
حكم المكاتبة إذا طلبها العبد
السؤال
هل المكاتبة واجبة إذا طلبها العبد من سيده؟
الجواب
لا، ليست واجبة؛ لأن المكاتبة معناها حصول العتق ولزومه بها، والإنسان ليس ملزماً بأن يعتق مملوكه، وقوله: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور:33] ليس للوجوب.(443/31)
الولاء لمن أعتق
السؤال
إذا أعتق بعض العبد وبقي بعضه الآخر، فهل يكون الولاء لمن أعتق باعتبار ما أعتق منه؟
الجواب
نعم يكون الولاء والإرث له، لكن إن كان له أولاد أو أقارب من النسب فهم مقدمون، والولاء يكون آخر شيء، فالولاء يأتي عندما تنتهي جميع الجهات التي تكون من طريق النسب؛ لأنه آخر طبقة من طبقات الوارثين.(443/32)
صحة عتق بعض العبد وعبودية البعض الآخر
السؤال
ذكر كل هذه الروايات من أبي داود هل يريد من ورائها أن رواية: (فقد عتق منه ما عتق) مدرجة في الحديث؟
الجواب
لا يدل على هذا؛ لأن قوله: (وإلا عتق منه ما عتق) جاءت مجزوماً بها بدون تردد؛ لأن الذي حصل هو التردد أو الجزم، والجزم حصل من طريق نافع وسالم، ومعلوم أن العتق حصل لبعضه والبعض الثاني حيث لم يقم العبد بالسعاية، وكان معتق الشقص معسراً، فالآن ليس له إلا أن يعتق ما عتق، لأنه لا يمكن أن يلغى هذا الإعتاق، فهو ثابت، وكونه يعتق بعضه لا شك أنه أحسن من كونه يبقى كله مملوكاً، لأنه يملك بعض منافعه.(443/33)
حكم مكاتبة البعض للسيد الثاني
السؤال
إذا أعتق المعسر نصيبه فهل للعبد المكاتبة على الجزء الباقي للسيد الثاني؟
الجواب
له أن يكاتبه، وله أن يسعى.(443/34)
الفرق بين الشاذ والمنكر
السؤال
الحديث الأخير فيه مستور وهو مخالف للأحاديث الكثيرة السابقة، فهل يقال: بأنه منكر أو شاذ؟
الجواب
لا يقال: إنه شاذ، وإنما يقال: منكر؛ لأن مخالفة الضعيف للثقة أو الثقات هو المنكر، وأما الشاذ فهو مخالفة الثقة للثقات، وأما مخالفة غير الثقة للثقات يقال له: منكر.(443/35)
ميراث المبعض
السؤال
إذا أعتق بعض العبد فهل يرث، أم أن ما بقي فيه من رق يكون مانعاً له من الإرث؟
الجواب
يرث بقدر ما فيه من الحرية.(443/36)
معنى الولاء في حق العبد المعتق
السؤال
أشكل علي مما تقدم أن الولاء لمن أعتق، أليس يكون بذلك حراً أم ماذا؟ وما معنى الولاء هاهنا؟
الجواب
الولاء هو النعمة التي حصلت من المعتق على عتيقه، وهي نعمة العتق، فهذه يقال لها: ولاء، معنى ذلك أنه يكون كأنه مضافاً إليه في النسب، ولكنه متأخر عن النسب، ولهذا فالنسب لا يباع ولا يوهب، والولاء كذلك لا يباع ولا يوهب، لا يمكن أن يقول أحد: أنا أتنازل عن ولائي لفلان؛ لأنه مثل النسب، والنسب شيء ثابت لا يتصرف فيه، والولاء شيء ثابت لا يتصرف فيه، وهو خاص بمن حصل منه العتق أو ورثته الذين حلوا محله وقاموا مقامه.
وأما كون صاحب الولاء يبيعه ويأخذ ثمنه فليس له ذلك، أو يهبه ويأخذ في مقابله تعويضاً أو هدية ليس له ذلك؛ لأن هذا مثل النسب، ولهذا يقولون: الولاء لحمة كلحمة النسب، وسببها نعمته على عتيقه بالعتق.(443/37)
الفرق بين المكاتبة والاستسعاء
السؤال
ما الفرق بين المكاتبة والاستسعاء؟
الجواب
المكاتبة أن يبرم السيد مع العبد عقداً ويتفق معه على أنه يدفع كل شهر أو كل سنة كذا من النقود، وإذا دفع آخر قسط فإنه يعتق بذلك، وأما الاستسعاء فإنما يكون عندما يعتق بعضه، ويكون المعتق لا يملك قيمة الجزء الثاني، فإن للعبد أن يسعى لتحصيل قيمة الجزء الباقي.
والفرق بينهما: أن الاستسعاء إنما يكون مع عتق بعضه وعدم قدرة المعتق لبعضه على أن يدفع قيمة الباقي، وأما المكاتبة فهي اتفاق من البداية، وليس لها علاقة بإعتاق البعض، سواء كان عبداً خالصاً أو كان لأحد الأشخاص جزؤه الباقي ولم يحصل عتقه فإنه يتفق معه.(443/38)
تقويم العبد المبعض
السؤال
إذا أجبر الشريك على البيع ولم يرض بالبيع فما العمل؟
الجواب
القضية ليس فيها بيع، ولكن تقويم القيمة، فيقوم نصيبه الباقي ويعطى القيمة دون أن يفاوض أو يقال له: بكم تبيع؟ وإنما يقال له: الجزء الباقي قيمته كذا وكذا، وإن أعتقه هو فهذا خير، وإن لم يحصل منه فإن انتزاع حصته لحصول العتق لازم، وهذا من جنس انتزاع حصة الشريك بالشفعة.(443/39)
الفرق بين المبعض بالعتق وبالمكاتبة
السؤال
قلتم: إن بقي على العبد درهم واحد فهو باق على رقه وعبوديته، وإن أعتق أحد الشركاء شقصاً منه فإن منافعه تكون بينه وبين الشريك الآخر الذي لم يعتق، فما الفرق؟
الجواب
المقصود أنه ما حصلت له الحرية إذا بقي عليه شيء من مال الكتابة، أي أنه إذا كاتب سيده على مقدار من المال فإنه لا يزال عبداً إلى أن يدفع آخر درهم، ولا يقال: إنه كلما دفع شيئاً عتق بقدره، وإنما العتق هو بدفع المال بأكمله، وأما هذا الذي معنا فقد عتق بعضه وبقي بعضه، فصار بعضه حراً وبعضه مملوكاً.(443/40)
نقد مقولة (إن الإسلام جاء بإلغاء الرق)
السؤال
نجد عند بعض الكتاب المعاصرين مقولة: إن الإسلام جاء بإلغاء الرق تدريجياً، فهل هذا صحيح؟
الجواب
لم يأت الإسلام بإلغاء الرق أبداً، فالرق -كما هو معلوم- سببه الكفر وقتال المشركين وسبي ذراريهم ونسائهم، وهذا كان موجوداً من زمان، والآن بسبب أن المسلمين لا يغزون الكفار، لم يعد هذا الأمر موجوداً، بل الكفار هم الذين يغزون المسلمين، والمسلمون هم الذين يخافون من الكفار، بينما الكفار لا يخافون من المسلمين.
فأسباب الرق غير موجودة من كون المسلمين يغزون الكفار في بلادهم ويقاتلونهم في سبيل الله، فإما أن يدخلوا في هذا الدين، وإما أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، أو يستولوا عليهم بالقوة ويسترقون ذراريهم ونساءهم، والكبار كذلك أيضاً يسترقونهم.(443/41)
حكم صيام الثلاثين من شعبان إن وافق يوماً يصام من قبل
السؤال
إذا كان الرجل يعتاد أن يصوم الإثنين والخميس، فهل يجوز له أن يصوم يوم الخميس وإن وافق الثلاثين من شعبان؟
الجواب
نعم، فالذي من عادته أن يصوم الإثنين أو الخميس ثم وافق يوم الثلاثين من شعبان يوم الخميس أو الإثنين فإنه يصوم ذلك اليوم الذي اعتاده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه)، فمن كان يصوم الاثنين والخميس فلا حرج عليه في ذلك، لأنه لم يصم من أجل الاحتياط للشهر، وإنما صام على عادته.(443/42)
حكم تقديم صلاة الجنازة لمن فاتته الفريضة
السؤال
فاتتني الفريضة ولم أدرك إلا الصلاة على الميت فهل أصليها مع الإمام ثم أصلي الفريضة، أم يجب علي صلاة الفريضة أولاً؟
الجواب
صل على الجنازة ثم صل الفريضة، فما دام أن الجماعة قد فاتتك فأدرك هذا الفضل وهذا الأجر وهذا الدعاء للميت، ثم إن المجال عندك واسع، فصل على الجنازة ثم صل الفريضة، فلا تشتغل بالفريضة وتفوتك صلاة الجنازة، بل أد صلاة الجنازة وبعد ذلك صل الفريضة.(443/43)
حكم استخدام بطائق التهنئة للتهنئة بعيد الفطر
السؤال
هل في استخدام البطاقة الخاصة للتهنئة بمناسبة عيد الفطر تشبه بالكفار؟
الجواب
لا أعلم أن ذلك تشبه بالكفار، وكون الإنسان يرسل رسائل أو يكتب مثلاً بطاقات مختصرة فيها تهنئات بالعيد لا بأس به وليس فيه تشبه بالكفار.(443/44)
حكم الدعاء في الصلاة بغير العربية
السؤال
هل يجوز الدعاء في الصلوات بغير اللغة العربية؟
الجواب
على الإنسان أن يتعلم اللغة العربية ويأتي بالأذكار المشروعة باللغة العربية، وأما الأدعية العامة فإذا كان لا يستطيعها فله أن يدعو بغير العربية.(443/45)
أحكام تكفير المعين
السؤال
الأول: هل نطلق كلمة مشرك على شخص يعبد القبور ويسأل أهلها المطر والولد من دون الله، إذا بينت له التوحيد ودعوته إليه؟ وما الدليل على ذلك؟ وهل من يعبد البدوي أو يطوف بقبره يعتبر مشركاً، خصوصاً أن الدعوة إلى التوحيد أصبحت منتشرة؟ والثاني: كثيراً ما نسمع العلماء يقولون: لا يكفر المعين إلا إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، فما هي تلك الشروط والموانع؟
الجواب
من الشرك أن يدعو المرء غير الله، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لـ ابن مسعود عندما سأله: (أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك)، فالله سبحانه وتعالى تفرد بالخلق والإيجاد فكيف يشرك معه غيره في العبادة! فالذي يعبد غير الله ويدعو غير الله، سواء كان يدعو الأموات ويستغيث بهم، أو يدعو الملائكة، أو الجن، أو الأحجار، أو ما إلى ذلك فكل هذا شرك بالله عز وجل، وكل هذا كفر بالله عز وجل.
والإنسان الذي ابتلي بذلك عن جهل تقام عليه الحجة ويبين له، فإن تاب وأناب فذلك خير، وإلا فإنه يحكم بكفره، وهذا هو الشرك الأكبر، وهذا هو الكفر الأعظم الذي يخرج من الملة؛ لأن دعوة غير الله عز وجل وسؤاله ما لا يقدر عليه إلا الله هو الشرك بالله، وما معنى الشرك إذا لم يكن هذا شركاً؟ إن العبادة يجب أن تكون خالصة لله، وألا يشرك معه أحد فيها، فالذي يدعو الأموات أو الجن أو الملائكة ويستغيث بهم ويطلب منهم قضاء الحاجات مشرك بالله وكافر بالله.
وأما كون الدعوة انتشرت وكل الناس يسمعون بها، فهذا غير صحيح، فليس كل الناس يسمع الحقيقة، وأيضاً قد ابتلي العامة ابتلوا بأناس يشبهون عليهم، أو يقتدون بهم، وهم أنفسهم قدوة في الشر، لكن إقامة الحجة والإيضاح والبيان أمر مطلوب.(443/46)
الكتب التي ألفت في تكفير المعيّن
السؤال
هل يوجد كتاب تكلم عن تكفير المعين بوجود الشروط وانتفاء الموانع؟
الجواب
لا يوجد كتاب معين خاص بهذا الشيء، لكن الإنسان يمكن أن يرجع إلى الكتب التي ألفت في العقيدة والتوحيد ونقلت فيها أقوال أهل العلم وكلامهم في ذلك، وبه يتضح المطلوب.(443/47)
حكم المشرك إن مات على شركه
السؤال
إذا مات من يطوف بالقبور على هذا الشرك ونحن لم نقم عليه الحجة، فهل يحكم عليه بالكفر ولا يدفن في مقابر المسلمين؟
الجواب
لا شك أنه مات على غير التوحيد، ولكن كونه يبادَر إليه وهو حي أفضل حتى يبَّن له، لكن إن استمر ومات على هذا فإنه لا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يصلى عليه، ولا يعامل معاملة المسلمين؛ لأنه مات على الشرك بالله عز وجل.(443/48)
حكم التبرع بالعقيقة
السؤال
هل يجوز في العقيقة أن يقوم بها أحد أقرباء الطفل مع وجود أبيه تبرعاً؟
الجواب
يجوز للإنسان أن يتولى العقيقة عن صاحبه أو ولده أو قريبه، وله أن يعطيه القيمة ويشتري ذاك.
كل ذلك سائغ.(443/49)
حكم رفع اليدين في قنوت الفجر
السؤال
أكثر الأئمة عندنا يقنتون في صلاة فجر، فهل نرفع أيدينا معهم في القنوت، مع أننا نرى بدعية ذلك؟
الجواب
القنوت قنوتان: قنوت في النوازل، وقنوت في الوتر، والقنوت في النوازل جاء رفع اليدين فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقنوت في الوتر جاء عن عمر وأبي هريرة وبعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
والقنوت في الفجر بصفة دائمة ليس من السنة؛ لأنه لم تأت فيه سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما جاء القنوت في النوازل، ولم يأت بصفة مستمرة، فإذا صلى إمام وقنت في الفجر فعليك أن تصلي وراءه، ولا تترك الصلاة وراءه لأنه يقنت، لكنك لا ترفع يديك؛ لأن هذا القنوت غير مشروع، ولكن لك أن تستمر معه في الصلاة وتوافقه في الصلاة دون أن ترفع يديك.(443/50)
أحكام الرق المعاصر
السؤال
هل الرق الموجود الآن في بعض البلاد صحيح؟ وهل تجرى عليهم أحكام الرقيق؟
الجواب
إن كان مبنياً على توارث وتناسل من شيء قديم فيمكن أن يكون له وجه، وأما إذا كان سرقة أو شبه سرقة وما إلى ذلك فهذا اغتصاب وليس رقاً شرعياً، ولا أدري أنا عن الحقيقة.(443/51)
كيفية قيام الحجة على الشخص المبتدع
السؤال
لم يتضح لي الجواب فيمن لم نقم عليه الحجة أو عنده من علماء السوء من لبس عليه، هل لو مات نقول: إنه مشرك؟
الجواب
نعم يحكم عليه بهذا، لكنه في حياته لا يكفر بمجرد حصول ذلك منه ويؤاخذ عليه، لا وإنما تقام عليه الحجة، فإن تاب وأناب وإلا فإنه يعتبر مرتداً، ويعامل معاملة المرتد.(443/52)
من أمثلة مشركي اليوم
السؤال
إن بعض من ينتسب إلى الإسلام يدعون غير الله مثل أصحاب القبور، وإذا قيل لهم: إن هذا الفعل شرك بالله قالوا: إنه ليس يكون شركاً؛ لأننا لا نعتقد أن له الصمدية، فهل هذا صحيح؟
الجواب
الصمد من أسماء الله الخاصة به والتي لا تضاف إلى غيره ولا يسمى بها غيره، ومثله الرحمن، لكن دعاء غير الله هو شرك المشركين الذين قال الله فيهم: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3].(443/53)
حكم الخواطر السيئة التي ترد على الإنسان
السؤال
ما حكم الشرع في الخواطر التي تسيطر على الإنسان؟
الجواب
الأشياء التي تهجم على الإنسان وهي رديئة وغير طيبة، وهو يكرهها ولا يرضاها ويحاول التخلص منها، هو معذور فيها، ولكن الشيء الذي يولده الإنسان ويحييه ويذكيه بالاستسلام والانقياد له هو الذي يؤثر على الإنسان، ولهذا جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان لا يزال بأحدكم يقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول له: من خلق الله؟ فمن وجد شيئاً من ذلك فلينته وليقل: آمنا بالله).
فلا يجعل المرء هذه الأفكار تتولد وينشأ بعضها عن بعض، ويلد بعضها بعضاً، وإنما يصرف نفسه عنها، فإذا كرهها وصرف نفسه عنها فهو على خير، وإن أصر عليها وأبقاها ولم يصرف نفسه عنها بل استحسنها فهذا على شر.(443/54)
عدم اشتراط الخيرية في المكاتبة
السؤال
هل الشرط الذي جاء في القرآن من علم الخيرية في العبد المكاتب لازم، كما في قوله تعالى: ((فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا))؟
الجواب
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور:33]، الذي يبدو أنه ليس بلازم؛ لأن الإعتاق والمكاتبة -كما هو معلوم- تكون حتى مع غير مستقيم، فيجوز ذلك ولو كان فاسقاً، والآية فيها التأكيد على أنهم إذا كانوا على خير فيهم حقيقون بهذا الشيء، لكن لا يعني أن يكون ذلك مقصوراً عليهم لا يتعداهم إلى غيرهم، وأن من عنده شيئاً من المعاصي لا يكاتب، فليس الأمر كذلك.(443/55)
حكم المدني يحرم من الطائف لأمر عارض
السؤال
رجل أراد أن يؤدي العمرة من الطائف وهو من أهل المدينة، فذهب إلى الطائف مع أهله، وبعد قضاء حوائجه أحرم من الطائف، فما الحكم في ذلك؟
الجواب
إذا كانوا سيذهبون إلى الطائف ثم يأتون منها ويعتمرون فلا بأس بذلك؛ لأن دخولهم إلى مكة أولاً كان بغير قصد العمرة في هذه السفرة، وإنما كانوا يريدونها بعد مجيئهم من الجهة التي ذهبوا إليها، كأنهم ذهبوا إلى أبها أو الطائف وقالوا: إننا سنجعل العمرة آخر الأمر ولا نريد أن نعتمر من الآن ولكن سنعتمر إذا جئنا، فلهم ذلك؛ لأنهم ما دخلوا مكة واعتمروا، وإنما دخلوا مكة وخرجوا منها، فهم عابرو سبيل مروا بمكة ما دخلوها يريدون العمرة حتى تلزمهم فدية لو حصل منهم إحرام، فهؤلاء سيتجاوزون ويحرمون من مكان هو من المواقيت.(443/56)
الجمع بين طلب العلم وقراءة القرآن في رمضان
السؤال
هل طلب العلم في رمضان من العبادات المقربة إلى الله عز وجل؟ وهل الأفضل لطالب العلم التفرغ لقراءة القرآن فقط، أم يجمع بين ذلك وبين طلب العلم؟
الجواب
إذا وجد من يستفيد منه علماً فليستفد منه علماً، ويجمع بين قراءة القرآن والاشتغال بذكر الله وبين تعلم العلم؛ لأنه لن يستمر على قراءة القرآن في كل وقت في الغالب، فإذا وجد مجالاً لأن يحضر درساً من الدروس فهذا شيء طيب.(443/57)
شرح سنن أبي داود [444]
من ملك ذا رحم أو قريباً من أقربائه فإنه يعتق عليه بمجرد ملكه له، ومن وطئ أمة فحملت منه لم يجز له بيعها، وإن ولدت له أصبحت أم ولد له تعتق بعد موت سيدها، ومن دبر غلاماً ثم احتاج إلى المال جاز له بيعه؛ لأنه وصية، والوصية يجوز تغييرها أو إلغاؤها.(444/1)
ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم(444/2)
شرح حديث (من ملك ذا رحم محرم فهو حر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن ملك ذا رحم محرم.
حدثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال موسى في موضع آخر: عن سمرة بن جندب رضي الله عنه فيما يحسب حماد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من ملك ذا رحم محرم فهو حر)].
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب فيمن ملك ذا رحم محرم]، أي: فإنه يكون حراً بملكه إياه، وذلك بأن يملك قريبه أو من كان ذا رحم محرم.
وضابط ذي الرحم المحروم أن يفترض أحدهما أنثى فلا يجوز للآخر أن يتزوجها لوجود المحرمية فيما بينهما.
فكل من ملك ذا رحم محرم فإنه يعتق عليه بذلك، فلا يكون الملك في حق من يكون من محارمه وأقاربه.
وبعض أهل العلم قيد ذلك بالآباء والأبناء، ولكن الذي ورد في الحديث هو ما كان بهذا الوصف، فكل من كان كذلك فإنه بمجرد ملكه إياه يكون حراً ويعتق عليه، وذلك لأن مقتضى الملك أن يكون عبداً له وتكون منافعه له، فذو الرحم المحرم لا يليق في حقه إذلاله، وأن يكون بمنزلة المملوكين الذين يباعون ويشترون ويستخدمون، بل بمجرد ملكه إياه يعتق عليه.
وقد أورد أبو داود حديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ملك ذا رحم محرم فهو حر)، يعني: ذلك الذي يملكه ممن هو بهذا الوصف يكون حراً بمجرد ملكه إياه ويعتق، ولا تبقى العبودية إذا ملكه من هو من محارمه.
والحديث جاء عن الحسن عن سمرة مرفوعاً وجاء موقوفاً، ولكنه جاء من وجه آخر عن عبد الله بن عمر وهو يشهد لذلك، فيكون الحكم الذي دل عليه حديث سمرة معتبراً صحيحاً، وأن من ملك ذا رحم محرم فإنه يعتق عليه ويكون حراً، ولا يبقى رقيقاً لمن هو من محارمه.(444/3)
تراجم رجال إسناد حديث (من ملك ذا رحم محرم فهو حر)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وموسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد بن سلمة].
حماد بن سلمة بن دينار البصري، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن قتادة].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن].
الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سمرة].
سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[وقال موسى في موضع آخر: عن سمرة بن جندب فيما يحسب حماد].
يعني: أنه ظن.
قال أبو داود: [روى محمد بن بكر البرساني عن حماد بن سلمة عن قتادة، وعاصم عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك الحديث].
أورد أبو داود رحمه الله طرقاً معلقة فيها بيان وجود ذلك عن الحسن عن سمرة كما تقدم.
[محمد بن بكر البرساني].
محمد بن بكر البرساني صدوق قد يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حماد عن قتادة، وعاصم عن الحسن].
حماد وقتادة مر ذكرهما، وأما عاصم ففي ترجمة الحسن بن أبي الحسن ما وجدت أحداً اسمه عاصم يروي عنه، ولا أدري هل هو عاصم بن أبي النجود أو عاصم بن سليمان الأحول، وهؤلاء كما هو معلوم من رجال الكتب الستة، ولكنه ما ذكر في الرواة عن الحسن بن أبي الحسن من اسمه عاصم.
قال أبو داود: [ولم يحدث ذلك الحديث إلا حماد بن سلمة، وقد شك فيه].
أي قال: فيما أحسب، كما مضى.(444/4)
شرح حديث (من ملك ذا رحم محرم فهو حر) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: من ملك ذا رحم محرم فهو حر].
أورد أبو داود هذا الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: [من ملك ذا رحم محرم فهو حر]، وهذا أثر موقوف على عن عمر، وفيه انقطاع؛ لأن قتادة لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
قوله: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري].
محمد بن سليمان الأنباري، صدوق أخرج له أبو داود.
[حدثنا عبد الوهاب].
عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وفي بعض طرق هذا الحديث ذكروا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سعيد عن قتادة].
سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقتادة مر ذكره، وعمر بن الخطاب هو أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(444/5)
شرح حديث (من ملك ذا رحم محرم فهو حر) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سليمان حدثنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة عن الحسن قال: من ملك ذا رحم محرم فهو حر].
أورد أبو داود هذا الأثر وهو موقوف على الحسن: [من ملك ذا رحم محرم فهو حر].
قوله: [حدثنا محمد بن سليمان حدثنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة عن الحسن].
وقد مر ذكر هؤلاء جميعاً.(444/6)
شرح حديث (من ملك ذا رحم محرم فهو حر) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن سعيد عن قتادة عن جابر بن زيد والحسن مثله].
أورد أبو داود الأثر عن جابر بن زيد، وهو أبو الشعثاء، وعن الحسن مثل ما تقدم، أي: موقوف عليهما.
قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة].
هو عبد الله بن محمد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا أبو أسامة].
أبو أسامة هو حماد بن أسامة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد عن قتادة عن جابر بن زيد].
سعيد وقتادة مر ذكرهما، وجابر بن زيد هو أبو الشعثاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[والحسن مثله].
وقد مر ذكره.
[قال أبو داود: سعيد أحفظ من حماد].
يعني: في روايته عن قتادة، فهناك حماد يروى عن قتادة، وهنا سعيد يروي عن قتادة، وسعيد إنما جاء به موقوفاً على الحسن وعلى الحسن وجابر بن زيد.
والخلاصة: أن من ملك ذا رحم مثل أم زوجته فإنها تعتق عليه؛ لأنها من محارمه، وكذلك إذا ملكت المرأة أبا زوجها؛ لأنه من محارمها، وكذلك زوجة الأب إن كان الأب كافراً، وإن كان الكافر لا يكون تحته مسلمة، لكن يبدو أن الحكم عام؛ لأنه قال: (ذا رحم محرم)، فما دام أبوه قد عقد عليها وهو زوجها ولو كان ذلك في حال الكفر؛ لأنه لا يقال: إنها تحل لابنه.
وقوله: (ذا رحم محرم) يخرج به ابن العم وابن العمة؛ لأنهما ليسا من ذوي المحارم.(444/7)
ما جاء في عتق أمهات الأولاد(444/8)
شرح حديث (أعتقوها فإذا سمعتم برقيق)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في عتق أمهات الأولاد.
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن خطاب بن صالح مولى الأنصار عن أمه عن سلامة بنت معقل رضي الله عنها -امرأة من خارجة قيس عيلان- قالت: قدم بي عمي في الجاهلية فباعني من الحباب بن عمرو أخي أبي اليسر بن عمرو، فولدت له عبد الرحمن بن الحباب، ثم هلك، فقالت امرأته: الآن والله تباعين في دينه، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: (يا رسول الله! إني امرأة من خارجة قيس عيلان، قدم بي عمي المدينة في الجاهلية فباعني من الحباب بن عمرو أخي أبي اليسر بن عمرو، فولدت له عبد الرحمن بن الحباب، فقالت امرأته: الآن والله تباعين في دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ولي الحباب؟ قيل: أخوه أبو اليسر بن عمرو، فبعث إليه، فقال: أعتقوها، فإذا سمعتم برقيق قدم علي فائتوني أعوضكم منها، قالت: فأعتقوني، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رقيق فعوضهم مني غلاماً)].
أورد أبو داود باب في عتق أمهات الأولاد وأمهات الأولاد من الإماء اللاتي يحصل وطؤهن ثم تلد إحداهن لسيدها ولداً وهي أمة، فيقال لها: أم ولد.
وأمهات الأولاد اختلف العلماء في حكم بيعهن: هل يبعن أو لا يبعن؟ فمن العلماء من قال بجواز بيعهن، وأنهن مثل الإماء، ومنهم من قال: إن أمهات الأولاد لا يبعن، وإنما يبقين مع السادة حتى يموتوا، حتى يموت، وإذا ماتوا فإنهن يعتقن بمجرد موتهم، وقد وردت الأحاديث في بيعهن وعدم بيعهن، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم عندما يقسم عليهم السبي كانوا بحاجة إلى غشيان الإماء، ولكنهم كانوا يعزلون، وذلك من أجل ألا يحملن؛ لأنهن إذا حملن لم يتمكنوا من التصرف فيهن، لأنهن يصرن أمهات أولاد، وأمهات الأولاد لا يبعن ولا يستفيد الإنسان منهن من حيث البيع والشراء والإهداء والهبة وما إلى ذلك، وإنما تبقى وتعتق بعد موته، فكانوا إذا جامعوهن عزلوا لئلا يحملن؛ لأنهن يصرن به أمهات أولاد فلا يتمكنون من الاستفادة منهن بالتصرف، فالخلاف حاصل في هذه المسألة: فمنهم من أجاز البيع ومنهم من لم يجزه.
وقد أورد أبو داود جملة من الأحاديث في ذلك، منها: حديث: سلامة بنت معقل، فقد قدم بها عمها في الجاهلية وباعها على رجل يقال له الحباب أخو أبي اليسر، وولدت له ابناً اسمه عبد الرحمن، ومعنى ذلك: أنها صارت أم ولد، ثم إنه مات عنها، والحكم في أمهات الأولاد أنهن يعتقن، فقالت امرأته: لتباعين في دين عليه، أي: أنه كان عليه دين وأنت مملوكة له، فأنت تباعين وقيمتك تدفع ثمناً لسداد الدين الذي عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ولي الحباب؟ قالوا: أخوه أبو اليسر، فجاء إليه وأخبره وقال: أعتقوها وأعوضكم عنها من الفيء الذي سيأتي، فلما جاءه سبي أعطاهم مكانها غلاماًً.
وهذا فيه: عدم بيع أمهات الأولاد، وفيه أيضاً ما يدل على أنه قد حصل التعويض، وحصول التعويض يشعر بأن الحكم فيه شيء من ناحية أنه ليس هناك مجرد عتق لوجود التعويض، وقيل: إن هذا إكرام من الرسول صلى الله عليه وسلم.
والحديث ضعيف غير ثابت؛ لأن في إسناده امرأة مجهولة لا يعرف حالها، وابنها الذي يروي عنها مقبول، وهو خطاب بن صالح فالحديث غير صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.(444/9)
تراجم رجال إسناد حديث (أعتقوها فإذا سمعتم برقيق)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي].
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا محمد بن سلمة].
محمد بن سلمة الباهلي الحراني، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن، وهذا في طبقة شيوخ شيوخ أبي داود؛ وأبو داود يروي عن اثنين يمسى بمحمد بن سلمة: أحدهما في طبقة شيوخه، والثاني في طبقة شيوخ شيوخه، فإذا جاء محمد بن سلمة شيخ لـ أبي داود فالمراد به المرادي المصري، وإذا جاء محمد بن سلمة في طبقة شيوخ شيوخه يروي عنه أبو داود بواسطة فيراد به الحراني الباهلي، وهذا في طبقة شيوخ شيوخه، فهو الحراني الباهلي، وهو -كما قلت- ثقة أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن إسحاق].
محمد بن إسحاق المدني، صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن خطاب بن صالح].
خطاب بن صالح مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن أمه].
وهي لا تعرف، أخرج لها أبو داود.
[عن سلامة بنت معقل].
سلامة بنت معقل صحابية أخرج لها أبو داود.(444/10)
شرح حديث (بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن قيس عن عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأبي بكر رضي الله عنه، فلما كان عمر رضي الله عنه نهانا فانتهينا)].
أورد حديث جابر قال: (بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق، فلما كان عمر نهانا فانتهينا)، وهذا قيل فيه: لعل الأمر كان سائغاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حصل النهي عنه ولكنه لم ينتشر لقلته وندرته، ولكون عهد أبي بكر كان قصيراً ومدته وجيزة؛ لأنها سنتان وأشهر، ولما جاء زمن عمر رضي الله عنه حصل ذلك، فنهاهم عمر رضي الله تعالى عنه عن ذلك؛ لأنه قد جاء شيء يدل عليه، فانتهوا عن ذلك الذي كانوا يفعلونه من قبل.(444/11)
تراجم رجال إسناد حديث (بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن قيس].
قيس هو قيس بن سعد المكي وهو ثقة أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن عطاء].
عطاء بن أبي رباح المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(444/12)
أحكام أمهات الأولاد
الراجح في المسألة: أن أمهات الأولاد لا يبعن، ويدل لذلك أيضاً الحديث الذي أشرت إليه، وهو أنهم كانوا يعزلون من أجل ألا تحمل، ولو كان الأمران سيان ما احتاجوا إلى العزل، لكنهم كانوا يعزلون من أجل ألا تكون أم ولد، وهذا هو سبب العزل كما في حديث جابر: (كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيء ينهى عنه لنهانا عنه القرآن)، فكانوا يعزلون لئلا تحمل الإماء فيكن أمهات أولاد، وهذا قد جاء في بعض الأحاديث في السبي أنهم قسم عليهم السبي فكانوا يطئونهن ويعزلون؛ لئلا يحصل الحمل، فقوله: (كنا نعزل والقرآن ينزل) يدل على جواز العزل، وهم إنما فعلوا أمراً جائزاً، والرسول صلى الله عليه وسلم لم ينه عن العزل، وإنما أخبر أن العزل لا يرد شيئاً قدره الله؛ لأن الله إذا قدر الولد فإنه يحصل الحمل ولو وجد العزل، فقد تندفق نقطة وقطرة يكون بها الحمل من غير اختيار الإنسان، وقد جاء في صحيح مسلم في نفس أحاديث العزل: (ليس من كل المني يكون الولد)، معناه: أن الولد يكون بشيء يسير جداً قد يفوت ويتسرب فيكون منه الولد، ومعناه: أن الحمل قد يكون مع وجود عزل، بل إن شيئاً يسيراً جداً قد يحصل به فوات الحرص ويحصل به الحمل بإذن الله.
ولا تعتق الأمة بمجرد أن تلد لسيدها، بل تبقى في ملكه، وليس له أن يبيعها وهو يستمتع بها، وإذا مات عتقت عليه، ولا تعتق في الحال؛ ولو عتقت في الحال لم يبق مجال للبيع، ولكن كون هناك فترة موجودة بين ولادتها وبين موت سيدها فإنها لا تباع في هذه الفترة، وتعتق بموته.
ولا يجوز بيع الأمة وهي حامل، وأولاد الإماء تبع للإماء في الرق، فإذا كانت الأمة رقيقة فإن يكون ولدها يكون رقيقاً، إلا في بعض الأحوال المستثناة وهي: إذا تزوج الإنسان الحر أمة واشترط أن يكون ولده حراً، فهنا لا يكون تابعاً لها، فالحر يجوز له أن يتزوج الأمة إذا عجز عن الحرة ولم يستطع الطول الذي يتزوج به الحرة، ولكنه إذا اشترط حرية ولده فإن الولد يكون حراً.
وأما من حملت منه فهي أم ولد له، وليس له أن يبيعها، ومعنى أنه يبعها أن يبيع ولده؛ لأن الذي في بطنها ولد له، ولكن الكلام في ما إذا كانت متزوجة وقد حملت، فإن الذي يملكها يبيعها، ومعلوم أن ولدها إنما هو تابع لها في الرق إلا فيما استثني.
وهناك مسألة أخرى وهي: مسألة الغرر، وهذه ذكروها في مباحث الفرائض فيما يتعلق بموانع الإرث، وهي: الرق والقتل واختلاف الدين.
وقد ورد في سنن النسائي: (كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد والنبي صلى الله عليه وسلم حي لا يرى بذلك بأساً)، وهذا يجاب عليه بما مر عن جابر: أنهم كانوا يفعلون ذلك في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه نسخ، فقد جاء عن عمر أنه نهاهم عنه فيما بعد.(444/13)
ما جاء في بيع المدبر(444/14)
شرح حديث (أن رجلاً أعتق غلاماً عن دبر منه ولم يكن له مال غيره)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في بيع المدبر.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا هشيم عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء وإسماعيل بن أبي خالد عن سلمة بن كهيل عن عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن رجلاً أعتق غلاماً له عن دبر منه ولم يكن له مال غيره، فأمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبيع بسبعمائة أو بتسعمائة)].
أورد أبو داود رحمه الله: [باب في بيع المدبر]، والمدبر: هو الذي يعلق السيد عتقه على وفاته، فيقول: إنه حر بعد وفاته، ويوصي أو يكتب ذلك.
وقيل له: مدبر؛ لأن العتق علق على الموت، والموت دبر الحياة، أي: بعد الحياة، فالعتق لم يكن ناجزاً وإنما كان معلقاً بالموت، فلهذا قيل له: المدبر، والتدبير: هو العتق بعد الموت، والعتق بعد الموت يعتبر وصية، وللإنسان أن يرجع في هذه الوصية وأن يبقيها، ولكنها تحسب من الثلث، ويكون هذا الذي أعتق عن دبر بعد الموت من جملة الثلث.
وفي هذا الحديث: (أن رجلاً أعتق غلاماً له عن دبر بعد الموت ولم يكن له مال غيره، وكان بحاجة إلى مال، فالرسول باعه وأعطاه إياه، وقال: أنفقه على نفسك فأنت أولى به ما دمت فقيراً) فقيمته تنفقها على نفسك وتستفيد منها، وإذا علق الإنسان ذلك على الموت وهو بحاجة فإنه يبيع ذلك الغلام ويستفيد منه؛ لأن هذا من جملة الوصية، والوصية يمكن تغييرها، ويمكن الرجوع عنها، ويمكن تركها.(444/15)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً أعتق غلاماً عن دبر منه ولم يكن له مال غيره)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام، ثقة فقيه أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشيم].
هشيم بن بشير الواسطي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الملك بن أبي سليمان].
عبد الملك بن أبي سليمان، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عطاء].
عطاء بن أبي رباح، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وإسماعيل بن أبي خالد].
إسماعيل بن أبي خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سلمة بن كهيل].
سلمة بن كهيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء عن جابر].
وجابر هو ابن عبد الله مر ذكره.(444/16)
شرح حديث (أنت أحق بثمنه والله أغنى عنه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا جعفر بن المسافر حدثنا بشر بن بكر أخبرنا الأوزاعي حدثني عطاء بن أبي رباح حدثني جابر بن عبد الله بهذا، زاد: وقال -يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم-: (أنت أحق بثمنه، والله أغنى عنه)].
أورد أبو داود حديث جابر من طريق أخرى وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنت أحق بثمنه، والله أغنى عنه) المقصود: أن الإنسان يعتق وهو قادر متمكن، وأما أن يكون الإنسان بحاجة وهو فقير فهو أولى به.
ولو مات حسبت قيمة العبد من ثلث التركة كما سيأتي، ولكنه باعه وهو حي، وأعطاه قيمته وتخلص منه، ولم يقره على ذلك، بل باعه وأعطاه إياه، فدل هذا على جواز بيع المدبر؛ لأنه محتاج إليه.(444/17)
تراجم رجال إسناد حديث (أنت أحق بثمنه، والله أغنى عنه)
قوله: [حدثنا جعفر بن المسافر].
جعفر بن المسافر، صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا بشر بن بكر].
بشر بن بكر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[أخبرنا الأوزاعي].
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن أبي رباح حدثني جابر].
عطاء بن أبي رباح وجابر مر ذكرهما.(444/18)
شرح حديث (إذا كان أحدكم فقيراً فليبدأ بنفسه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا أيوب عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه: (أن رجلاً من الأنصار يقال له: مذكور، أعتق غلاماً له يقال له يعقوب عن دبر، ولم يكن له مال غيره، فدعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من يشتريه؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله بن النحام رضي الله عنه بثمانمائة درهم، فدفعها إليه، ثم قال: إذا كان أحدكم فقيراً فليبدأ بنفسه، فإن كان فيها فضل فعلى عياله، فإن كان فيها فضل فعلى ذي قرابته، أو قال: على ذي رحمه، فإن كان فضلاً فهاهنا وهاهنا)].
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه (أن رجلاً من الأنصار يقال له أبو مذكور) أعتق عبداً له عن دبر، ولم يكن له مال غيره، فالرسول صلى الله عليه وسلم باعه بثمانمائة درهم وأعطاه إياها، وقال: (إذا كان أحدكم فقيراً فليبدأ بنفسه، ثم على من يعول، ثم يفرق هاهنا وهاهنا إذا كان زائد).(444/19)
تراجم رجال إسناد حديث (إذا كان أحدكم فقيراً فليبدأ بنفسه)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم].
إسماعيل بن إبراهيم بن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أيوب].
أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير].
أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
جابر مر ذكره.(444/20)
الأسئلة(444/21)
حكم عتق العبد إذا أسلم وحسن إسلامه
السؤال
هل يجب إعتاق العبد إذا أسلم وحسن إسلامه؟
الجواب
الاسترقاق سببه الكفر، فقد يبقى العبد على كفره وقد يسلم، فأما عن الوجوب فلا يجب عتق العبد ولو أسلم، ولكن -كما هو معلوم- أن الشريعة جاءت بالترغيب في العتق وتسهيل الوصول إليه، وجاء ذكر الكفارات في ذلك، وأن الإعتاق مقدم في كثير من الكفارات.(444/22)
حكم الزواج بالأمة الموطوءة حال العتق
السؤال
إذا أعتق الحر أمة وقد وطئها قبل ذلك ثم أعتقها، فهل يجوز له أن يطأها أو لا بد من أن يعقد عقد نكاح لأنها صارت حرة؟
الجواب
إذا أعتقها ملكت نفسها، وإذا قبلت الزواج به فله أن يعقد عليها.(444/23)
درجة رواية الضحاك عن ابن عباس في التفسير
السؤال
ما درجة رواية الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما في التفسير؟
الجواب
لا أذكر، لكنني ذكرت في الفوائد المنتقاة، بعض الطرق عن ابن عباس في التفسير.(444/24)
حكم العزل
السؤال
ما حكم العزل؟
الجواب
العزل جائز؛ لحديث: (كنا نعزل والقرآن ينزل، ولو كان شيء ينهى عنه لنهانا عنه القرآن)، ولكنه لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها وبموافقتها.(444/25)
حكم الرجوع في الصدقة
السؤال
هل في الحديث الأخير الرجوع في الصدقة؟
الجواب
الحديث فيه الإقرار بأن الإنسان يتصدق على نفسه أولاً؛ فلا يوسع على غيره ويضيق على نفسه، فهو ومن يعول أولى.(444/26)
صورة عتق الأب
السؤال
كيف ينزل حديث: (من يشتري أباه فيعتقه)، كما جاء في الحديث؛ فهل بمجرد الشراء يكون حراً؟
الجواب
نعم، بمجرد دخوله في ملكه يكون حراً.(444/27)
كيفية بيع الذهب
السؤال
ما هي كيفية بيع الذهب؟
الجواب
إذا بيع ذهب بذهب فلا بد من التساوي، ولا بد من التقابض، ولا بد من التماثل في الوزن، ولو كان أحدهما جيداً والثاني رديئاً، فلا بد من التقابض في الحال، وأما إن باع الذهب بفضة أو بعملة من العمل فلا بد من التقابض، والتفاضل سائغ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)، وقوله: (إذا كان يداً بيد) يريد به التقابض، فالحاصل: أنه إن كان بيع ذهب بذهب فلا بد من التماثل والتقابض، وإن كان ذهب بغيره فلا بد من التقابض، والتفاضل لا بأس به.(444/28)
شرح حديث (رأيت ربي في أحسن صورة)
السؤال
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيت ربي في أحسن صورة)، هل يدل على أنه كان في اليقظة؟
الجواب
هذا الحديث في المنام، وأما اليقظة فلم ير النبي صلى الله عليه وسلم ربه، وفي ليلة المعراج سئل رسول الله عليه الصلاة والسلام: هل رأيت ربك؟ فلم يقل: نعم رأيته، ولو حصلت الرؤية لأخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن جاء عنه ما يدل على عدم الرؤية، لأنه قال: (رأيت نوراً)، وقال: (نور أنى أراه؟!)، يعني: كيف أراه وقد منعني النور من رؤيته، ورؤية الله عز وجل ادخرها الله عز وجل في الدار الآخرة لتكون أكمل نعيم يكون لأهل دار النعيم، ولم يشأ أن يرى في الدنيا؛ لأنه لو رئي في الدنيا لصار نعيم الآخرة في الدنيا قبل الآخرة، وقد جاء في صحيح مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا)، فالله شاء ألا يرى في الدنيا؛ لأن رؤية الله أكمل نعيم في الجنة، ولو حصلت الرؤية في الدنيا لكان نعيم الجنة جاء في الدنيا، ولهذا (لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الكسوف عرضت عليه الجنة والنار، فمد يده ليتناول عنقوداً من العنب من العناقيد المتدلية وهو يصلي، فلم يأخذ شيئاً، ولما فرغ من الصلاة قالوا: يا رسول الله! رأيناك مددت يدك كأنك تتناول شيئاً -فهم رأوا يده ممدودة إلى شيء وما رأوا ذلك الشيء الممدودة إليه يده صلى الله عليه وسلم، فقال: عرضت علي الجنة فرأيت عناقيد متدلية، فمددت يدي لآخذ عنقوداً، ولو أخذت منه لأكلتم ما بقيت الدنيا)، يعني: ولو أخذت منه عنقوداً لأكلتم من هذا العنقود إلى نهاية الدنيا، وهذا يبين عظم نعيم الجنة وعظم شأنه، وأن الله تعالى شاء ألا يأتي نعيم الجنة في الدنيا؛ حتى يتميز من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن بالغيب، فالذي يؤمن بالغيب ويصدق ذلك يجده في المستقبل، والذي لا يؤمن إلا بالمشاهدة والمعاينة لا يجده، فشاء الله تعالى ألا يشاهد نعيم الجنة في الدنيا حتى يتميز من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن بالغيب.(444/29)
حكم مكاتبة أم الولد
السؤال
هل تجوز مكاتبة أم الولد؟
الجواب
الذي يبدو أنه جائز؛ لأن هذا سبيل إلى المبادرة بعتقها.(444/30)
عتق الأمة بحملها وإن أسقطت
السؤال
قال ابن القيم: والمحفوظ في رواية سفيان الثوري عن أبيه عن عكرمة عن عمر أنه قال في أم الولد: أعتقها ولدها وإن كان سقطاً، فما معنى ذلك؟
الجواب
هذا يدل على أن السقط حكمه حكم المولود.(444/31)
زيارة القبر النبوي والسلام عليه عند الحجرة
السؤال
هل هناك فرق بين زيارة القبر النبوي وبين السلام عليه عند الحجرة؟
الجواب
زيارة القبر النبوي والسلام عليه عند الحجرة شيء واحد، فكونه يسلم عليه عند الحجرة هو نفس الزيارة، فهو يزور القبر ويسلم عند الحجرة، فلا فرق بين الشيئين المسئول عنهما.(444/32)
حكم تعبئة الكتب في كراتين السيجارة
السؤال
هل يجوز شراء الكراتين التي تعبأ فيها علب السيجارة من المحلات التي تبيع هذه السيجارة حتى توضع فيها الكتب عند إرسالها إلى البلاد الأخرى؟
الجواب
لا ينبغي أن تعبأ الكتب في كراتين السجاير، بل إن الإنسان إذا استعملها فإنه يتهم بأنه مورد سجاير، ويقولون عنه: إن معه دخاناً، وليس معه إلا كتب، ولكن المصيبة جاءت من الغلاف، فالإنسان لا ينبغي له أن يستعمل هذا الشيء، ولا تعبأ الكتب في أوعية الدخان.(444/33)
حكم ذبح الأضحية عن الميت
السؤال
هل يجوز أن أضحى عن الميت، أو أتصدق عنه فقط؟
الجواب
الأضحية جائزة، ولكن الأولى أن تكون من الحي عن نفسه وعن أمواته، وكونها تكون على الميت فقط لا نعلم دليلاً خاصاً بهذا، ولكن أن يكون تبعاً وأن الإنسان يضحي عن أحيائه وأمواته فإنه ينفعهم ذلك، وإن ضحى نرجو ألا يكون فيه محذور، لأن هذا من جملة الصدقة.(444/34)
حكم الدبلة في الأعراس
السؤال
عند الزواج توجد عندنا عادة منتشرة وهي: أنه إذ يشترط على من يريد أن يتزوج أن يأتي بخاتم يعرف بـ (الدبلة) فهل هذا يجوز؟
الجواب
على الخاطب أن يبين السنة ويقول: إن هذا أمر منكر ومحدث، ونحن مسلمون، والمسلمون يستسلمون لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، والرسول نهى عن التشبه بالكفار، وهذا من تقاليد الكفار، فيقنعهم بأن هذا غير سائغ، وأنه لا يفعل ذلك، فإن اقتنعوا وإلا فإنه يبحث عن أناس يتبعون السنة ولا يصرون على الأخذ بالبدعة.(444/35)
جواز مخالفة الوصية إن كانت للمضارة
السؤال
إذا أوصى أحد بألا يباع عبده إن هو مات، وكان أهله فقراء في حاجة إلى بيعه، فهل يباع ويخالفون الوصية؟
الجواب
ليس له ذلك، كيف يقول: لا يعتق أبداً؟ فالعتق مطلوب، وهو يملك ذلك في حياته، وأما بعد وفاته فليس له دخل.(444/36)
عدد ركعات صلاة التراويح
السؤال
إذا وجدنا مسجدين الأول تصلى فيه صلاة التراويح إحدى وعشرين ركعة، وأكثر الناس يصلون فيه، ولكن يوجد فيه بعض الأفعال البدعية مثل الصلاة على النبي وعلى الخلفاء الراشدين بصوت مرتفع، والثاني: تصلى فيه إحدى عشرة ركعة، ولكن لا يصلي فيه إلا عدد قليل من المسلمين، ففي أيهما نصلي؟
الجواب
أما قضية الصلاة إحدى وعشرين ركعة فمعلوم ليس هناك مانع يمنع منها، بل هي سائغة وجائزة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر له ما مضى)، فهذا يدلنا على أن الأمر في ذلك واسع، ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يقيد بإحدى عشرة ولا بثلاث عشرة، نعم هو فعل هذا ولكنه لم يقل: إنه لا يجوز الزيادة على ذلك، بل هذا الحديث يدل على جواز الزيادة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى).
أما عن فعل الصلاة على النبي وعلى الخلفاء الراشدين بصوت مرتفع والمأمومون يجيبون بالصلاة عليهم؛ فلا شك أن هذا من الأمور المبتدعة، والواجب قبل كل شيء هو تنبيههم على هذا الشيء، وأنه لا يقال مثل هذا، فأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الإنسان يصلي عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه بينه وبين نفسه، وأما أن يكون هناك أمور مبتدعة مثل هذا فالواجب هو تنبيههم، ولا شك أن المسجد الذي يصلى فيه وهو خال من البدع لا شك أنه الأولى، لكن إذا كان المسجد الذي يصلى فيه إحدى وعشرين ليس فيه أشياء محذورة والجماعة فيه كثيرة، فيكون مع هؤلاء الذين يصلون، ولا يقال: إن صلاة إحدى وعشرين ركعة خلاف السنة، بل هي من السنة، وهي داخلة فيما هو سائغ وجائز.(444/37)
أفضلية صلاة المرأة في بيتها
السؤال
أيهما أفضل للمرأة: أن تصلي التراويح في بيتها منفردة، أو في مسجد جماعة؟
الجواب
صلاة المرأة في بيتها أفضل في جميع الأحوال، في الفرائض والنوافل، وإن صلت في المسجد سواء فريضة أو تراويح فذلك جائز.
وكذلك بالنسبة لليلة القدر؛ فهي في العشر الأواخر لكن ليست معلومة التحديد، والإنسان الذي يجتهد في العشر الأواخر يكون متحرياً لها، فإذا جاءت فهو على عمل صالح.
فصلاة المرأة في بيتها أفضل في جميع الأحوال، سواء في العشر الأواخر أو قبلها أو بعدها، وإن جاءت المسجد في العشر أو في رمضان أو في سائر الشهور فإن ذلك جائز.(444/38)
حكم تناول المرأة لحبوب منع الحمل
السؤال
متى يجوز للمرأة أن تتناول حبوب منع الحمل؟
الجواب
إذا كانت المرأة مريضة والحمل يلحقها بها مضرة، أو أن الأولاد يتوالون فلا تستطيع القيام بهم، فلها أن تعمل شيئاً يؤخر الحمل ولا يقطعه، وأما قطع الحمل أصلاً فلا يجوز، ولكن كونها تحتاج إلى ذلك من أجل مرض فيها، أو من أجل توالي الأولاد وعدم قدرتها على القيام بهم؛ فإن لها أن تفعل ذلك مدة يسيرة.(444/39)
حكم استخدام كراتين السجارة
السؤال
بالنسبة لكراتين الدخان إذا أزيلت الدعاية من على ظاهرها هل يمكن استخدامها؟
الجواب
إذا أمكن أن تزال فلا بأس، لكن ما أدري هل يمكن أن تزال أو أنه تبقى الآثار والعلامة بينة، والذين يستعملون الدخان يعرفون أوعية الدخان، وننبه إلى أنه لا يصح أن يشتريها الإنسان أصلاً، لكن إذا وحدها وأراد أن يعبئها أي شيء وقد ذهبت الدعاية منها فلا بأس بذلك إن شاء الله، لكن إذا بقيت فيها علامات، أو أن أصحاب الدخان يعرفونها فما ينبغي للإنسان أنه يفعل هذا الشيء، وأما عن الشراء فلا؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان؛ لأن ذاك يبيع الدخان ويبيع كراتين الدخان.(444/40)
حكم الذبح عن الميت وجمع الأقارب لذلك
السؤال
هل يجوز ذبح ذبيحة في رمضان عن الميت وجمع الأقارب عليها، وتسمى (الذكيرة) عند العوام؟
الجواب
يمكن أن يتصدق عن الميت بلحم أو بأي شيء، وأما جمع الأقارب عليها فلا حاجة إليه؛ لأن الناس إذا أرادوا أن ينفعوا الأموات فإنهم يعطونها للفقراء والمساكين، ولا يأكلونها هم ثم يقولون: هذه عن الأموات، فهم يأكلون كل يوم، فالصدقة تكون للفقراء والمساكين ولا تكون لهم هم.(444/41)
حكم الغُسل من المني إن خرج بغير دفق
السؤال
خروج المني من غير دفق ولا لذة هل يوجب الغسل؟
الجواب
المعروف أن المني يخرج بدفق ولذة، ولعل هذا الخارج ليس بمني.(444/42)
رد النبي عليه الصلاة والسلام السلام على من سلم عليه
السؤال
حديث: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي)، هل فيه دلالة على حياته في قبره باستمرار؛ لأنه لا يخلو وقت من السلام عليه؟
الجواب
أمور الغيب لا يعلمها إلا الله عز وجل، والإنسان يصدق بكل ما جاء من أمور الغيب، ولا يقاس ذلك على ما هو معلوم ومدرك في أمور الحياة الدنيا؛ لأن أمور الآخرة والبرزخ تختلف عن الحياة الدنيا، فعلى الإنسان أن يصدق بالغيب، فالرسول صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء التي أخبر الله عنها في القرآن بقوله: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169]، بل إن المخلوقين من أصحاب القبور أحياء في قبورهم حياة برزخية ينعمون أو يعذبون، فالموفق منعم والمخذول معذب، والله تعالى أخبر عن النعيم وعن العذاب كما في القرآن: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46]، وهذا في عذاب القبر والحاصل لآل فرعون قبل يوم البعث والنشور، وفي حديث البراء بن عازب أنه يفتح -لمن وفقه الله- باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها، ويفتح لغيره باب إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها.(444/43)
حكم التصدق عن الدائن إذا لم يعثر عليه
السؤال
أقرضني شخص مبلغاً من المال وذهب عني فلم أجده ولا أعرف مكانه في البلدة، وأريد أن أخرج عنه صدقة، فهل يجوز أن أعطيها لمن هو محتاج من أرحامي؟
الجواب
إذا تمكنت من الوصول إلى هذا الشخص الذي هو صاحب الحق فعليك أن تدفعها إليه، وأما إذا يئست منه ولم تتمكن من معرفته فتصدق بها عنه، وأعطها لمن هو مستحق لها.(444/44)
ثبوت التحريم بالرضاع
السؤال
أرضعت امرأة في الستين من عمرها ابن ابنها، وكان زوجها قد توفي، فهو لبن ليس له صاحب، وقد بلغت المرأة من الكبر عتياً، فهل تثبت بهذه الرضاعة أي نوع من أنواع المحرمات؟
الجواب
إذا حصل الرضاع ووجد وكان محرماً فإنه يعتبر.(444/45)
شرح سنن أبي داود [445]
وردت السنة بأن من أعتق عبيداً وليس له مال غيرهم فإنه يعتق منهم الثلث فقط، ومن أعتق عبداً وله مال فإن مال العبد له إلا أن يشترط السيد.
كما استحب في العتق أكمل الناس خَلقاً وخُلقاً؛ إذ بكل عضو من العبد يعتق الله به عضواً من النار.(445/1)
ما جاء فيمن أعتق عبيداً له لم يبلغهم الثلث(445/2)
شرح حديث (أن رجلاً أعتق ستة أعبد عند موته ولم يكن له مال غيرهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن أعتق عبيداً له لم يبلغهم الثلث.
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين رضي الله عنهما: (أن رجلاً أعتق ستة أعبد عند موته، ولم يكن له مال غيرهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال له قولاً شديداً، ثم دعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء، فأقرع بينهم، فأعتق اثنين وأربعة)].
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [فيمن أعتق عبيداً له لم يبلغهم الثلث] أي: أنه أعتق عبيده ولم يكن ذلك العتق في حدود الثلث، وهذا إنما يكون في مرض الموت، فيكون حكمه حكم ما يكون بعد الموت، وأنه بمثابة وصية، فيعتبر ويقر منه ما كان في حدود الثلث، وما زاد على ذلك فإنه يبقى على ما كان عليه.
وقد أورد أبو داود حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: أن رجلاً أعتق في مرض موته ستة أعبد ليس له مال غيرهم، ومعنى هذا: أنه لو كان هؤلاء الستة يشكلون الثلث، وأن هناك شيئاً وراء هؤلاء الستة يعادل الثلثين؛ فإنه يمكن أن يعتبر ذلك، لكن ما دام أن هذا هو كل ماله وليس له مال سواه، فإنه يعتق منه في حدود الثلث.
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له في ذلك قولاً شديداً ولامه؛ وذلك أنه تصرف تصرفاً يكون فيه حرمان الورثة وعدم إبقاء شيء لهم، ثم إنه جزأهم ثلاثة أجزاء، وأقرع بينهم، فالذين خرجت لهم القرعة -وهم اثنان من الستة- اعتبروا أحراراً، والأربعة الباقون اعتبرهم أرقاء؛ لأن ما زاد على الاثنين خارج عن الثلث، فيكون للورثة، وفي هذا دليل على اعتبار الوصية بالثلث، وقد جاء في ذلك الحديث الذي فيه: (الثلث والثلث كثير).
ويدل أيضاً على أن هذا العتق الذي حصل يجمع ولا يفرق بحيث يكون الستة كلهم مبعضون، فيكون ثلث كل واحد منهم قد عتق ويبقى الثلثان، وإنما جزأهم وأقرع بينهم، ومن خرجت له القرعة وهم اثنان من الستة فيعتقان والباقون يبقون على الرق.(445/3)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً أعتق ستة أعبد عند موته ولم يكن له مال غيرهم)
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب].
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد بن زيد].
حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب].
أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي قلابة].
أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي المهلب الجرمي].
أبو المهلب الجرمي هو عم أبي قلابة وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
عن عمران بن حصين أبو نجيد رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(445/4)
شرح حديث (أن رجلاً أعتق ستة أعبد عند موته) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو كامل حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن مختار - حدثنا خالد عن أبي قلابة بإسناده ومعناه، ولم يقل: فقال له قولاً شديداً].
أورد أبو داود حديث عمران بن حصين من طريق أخرى، وهو بمعنى الذي قبله، وليس فيه: أنه قال له قولاً شديداً، وأغلظ له الكلام لكونه تصرف هذا التصرف الذي فيه حرمان الورثة.
قوله: [حدثنا أبو كامل].
أبو كامل الجحدري فضيل بن حسين، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن المختار -].
عبد العزيز بن المختار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خالد].
خالد بن مهران الحذاء، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي قلابة].
مر ذكره.
[بإسناده ومعناه].
يعني: إسناده عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين أبي نجيد.(445/5)
شرح حديث (أن رجلاً أعتق ستة أعبد عند موته) من طريق ثالثة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا وهب بن بقية حدثنا خالد بن عبد الله -هو الطحان - عن خالد عن أبي قلابة عن أبي زيد رضي الله عنه: أن رجلاً من الأنصار بمعناه، وقال -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم-: (لو شهدته قبل أن يدفن لم يدفن في مقابر المسلمين)].
وهذا الحديث من طريق أبي زيد أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عمرو بن أخطب، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذا الذي عمل هذا العمل: (لو شهدته قبل أن يدفن ما دفنته في مقابر المسلمين)، وهذا من إغلاظ القول في حقه، وفي الطريق الأولى قال: (فقال له قولاً شديداً)، وكأن هذا تفسير للإغلاظ الذي جاء مجملاً في الرواية السابقة في كونه قال له قولاً شديداً.
وهذا فيه بيان سوء فعله وأنه فعل قبيح، لكن لا يكون كافراً بذلك، وإنما هو جائر وغير عادل وغير محسن إلى ورثته، ولا يكون كافراً؛ لأن كل من لم يكن من أهل الشرك والكفر بالله عز وجل فهو من أهل الذنوب والمعاصي، وأهل الذنوب والمعاصي أمرهم إلى الله عز وجل، لكن هذا فيه تغليظ القول في حقه، وبيان أن عمله قبيح وسيئ.(445/6)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً أعتق ستة أعبد عند موته) من طريق ثالثة
قوله: [حدثنا وهب بن بقية].
وهب بن بقية الواسطي، ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا خالد بن عبد الله هو الطحان].
خالد بن عبد الله الطحان الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خالد عن أبي قلابة عن أبي زيد].
خالد وأبو قلابة مر ذكرهما، وأبو زيد هو عمرو بن أخطب، وهو صحابي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.(445/7)
شرح حديث (أن رجلاً أعتق ستة أعبد موته) من طريق رابعة، وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق وأيوب عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين رضي الله عنهما: (أن رجلاً أعتق ستة أعبد عند موته، ولم يكن له مال غيرهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرقّ أربعة)].
أورد أبو داود حديث عمران بن حصين من طريق أخرى، وهو مثل الطريق الأولى.
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق].
يحيى بن عتيق ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي.
[وأيوب].
أيوب مر ذكره.
[عن محمد بن سيرين].
محمد بن سيرين البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمران بن حصين].
عمران بن حصين مر ذكره.
يلاحظ أنه في حديث أبي زيد قال: (لو شهدته قبل أن يدفن)، ومعنى ذلك: أنه مات ودفن، بينما في الأحاديث الأخرى المتقدمة أنه قال له قولاً شديداً، ويجمع بينهما بأنه أغلظ عليه القول، ولما علم بموته وأنه دفن في مقابر المسلمين قال فيه هذا القول.(445/8)
ما جاء فيمن أعتق عبداً وله مال(445/9)
شرح حديث (من أعتق عبداً وله مال فمال العبد له إلا أن يشترط السيد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن أعتق عبداً وله مال.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة والليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر عن بكير بن الأشج عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من أعتق عبداً وله مال فمال العبد له إلا أن يشترطه السيد)].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب من أعتق عبداً وله مال]، ومعلوم أن العبد ماله لسيده وأما هو فلا يملك، وما بحوزته هو ملك لسيده، كما أنه أيضاً ملك لسيده، وقد سبق أن مر الحديث: (من ابتاع عبداً وله مال فماله لبائعه، إلا أن يشترط المبتاع).
قوله: (وله مال) يعني: في يد وحوزة ذلك العبد، أو مكن منه للانتفاع به، كأن يكون مثلاً أسكن في بيت وله أثاث يستفيد منه فهو لسيده.
قوله: (ما لم يشترط المبتاع)، فالعبد لا يملك، وملكه إنما هو ملك لسيده، فهو يكون للبائع إلا أن يشترط المبتاع، وهنا قال: (من ابتاع عبداً وله مال) يعني: بيده وبحوزته، (فماله له، إلا أن يشترط السيد)، يعني: المال للعبد، وقيل: إن المقصود بهذا الندب والاستحباب، وأنه كان ينبغي للسيد أن يسامحه وأن يحسن إليه عند إعتاقه؛ لأن كونه يخرج من الرق وبيده شيء قد أحسن إليه السيد به خير من كونه يعتقه ثم يخرج خالي اليدين وليس معه شيء، فمن تمام الإحسان أن يحسن إليه ويمتعه ويعطيه ما يستمتع به ويستفيد منه، فإذاً يكون: (فماله له) أي: للعبد على سبيل الندب للسيد.
قوله: (إلا أن يشترط السيد) بأن يقول: المال لي، ولا يوافق على إعطائه إياه، فإنه حينئذٍ يكون للسيد، ولكن كونه يصير للعبد يكون منحة من السيد، فهذا من تمام الإحسان، وهذا هو الذي ينبغي، وهو خير من كونه يعتقه ثم يذهب خالي اليدين وليس بيده شيء.(445/10)
تراجم رجال إسناد حديث (من أعتق عبداً وله مال فمال العبد له إلا أن يشترطه السيد)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
أحمد بن صالح المصري، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن وهب].
عبد الله بن وهب ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني ابن لهيعة].
ابن لهيعة صدوق اختلط، ورواية العبادلة الأربعة ومنهم عبد الله بن وهب معتبرة، فهم سمعوا منه قبل الاختلاط وقبل احتراق كتبه، فتكون رواية هؤلاء معتبرة.
وعبد الله بن لهيعة أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[والليث بن سعد].
الليث بن سعد ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن أبي جعفر].
عبيد الله بن أبي جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بكير بن الأشج].
بكير بن عبد الله بن الأشج، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(445/11)
ما جاء في عتق ولد الزنا(445/12)
شرح حديث (ولد الزنا شر الثلاثة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في عتق ولد الزنا.
حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا جرير عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ولد الزنا شر الثلاثة).
وقال أبو هريرة: لأن أمتع بسوط في سبيل الله عز وجل أحب إلي من أن أعتق ولد زنية].
أورد أبو داود: [باب في عتق ولد الزنا]، العتق كما هو معلوم يكون للمسلم وللكافر، ويكون للطيب والرديء، ويكون للصالح والطالح، وولد الزنا هو أحد هؤلاء، فقد يكون صالحاً ويحصل له العتق، وقد يكون فاسقاً ويحصل له العتق، والكافر أيضاً كذلك يعتق، فالمقصود: أن العتق يحصل على كل مسلم سواء كان صالحاً أو طالحاً.
وأورد المصنف حديث أبي هريرة قال: (ولد الزنا شر الثلاثة)، والثلاثة هم: الزاني والزانية والولد الذي تحدر منهما، فقيل: إن معنى شر الثلاثة إذا كان على طريقتهما وعلى منهجهما، وقيل: إنه شر لأنه حصل من ماء حرام ومن لقاء حرام، وتكون من نطفة خبيثة.
لكن كما هو معلوم أنه ليس مؤاخذاً على ما حصل وإنما المؤاخذة على الزاني والزانية، وأما الولد فلا دخل له ولا ذنب له ولم يكن متسبباً في شيء، وإنما هو نتيجة لأمر حرام، ولكن قد يكون حال من كان كذلك أنه يغلب عليه الخبث، لكن هذا لا يعني أن كل من كان كذلك فإنه يكون كذلك، فمن أولاد الزنا من يكون فيه خير وصلاح وتقى، ومنهم من يكون بخلاف ذلك.
إذاً: فالأصل أنه شر إذا كان مثل أبويه، وكان على طريقة أبويه واقتدى بهما وسار على منهاجهما في فعل الفاحشة؛ فإنه يكون شر الثلاثة، وقد ذكر صاحب عون المعبود حديثاً: (ولد الزنا شر الثلاثة إذا عمل عمل أبويه)، رواه أحمد في المسند، فلا أدري هل هذا اللفظ من الحديث أم لا؟ فإذا كان من الحديث فلا إشكال، وقد جاء عن بعض العلماء أنه قال هذا، فلا أدري هل هو ثابت أو مدرج، فإذا كان ثابتاً زال الإشكال ولا يحتاج إلى أن يبحث عن تفسيره وتأويله، ويحتمل أن يكون المعنى: أنه شر حيث ولد من نطفة خبيثة، ولكن هذه النطفة قد يكون صاحبها سليماً فلا يضره ذلك، وقد يكون خبيثاً فيكون ناشئاً ومتولداً من خبث.
وقيل أيضاً: بأن ولد الزنا ورد فيه حديث يتعلق بأنه لا يدخل الجنة، ولكن هذا يحمل على ما إذا كان ملازماً لهذا الشيء، ومتلبساً به لتمكنه منه، وذلك مثل ابن السبيل، فما سمي ابن السبيل كذلك إلا لملازمته إياه، وهذا لملازمته للزنا.
وقول أبو هريرة: [لأن أمتع بسوط في سبيل الله] يعني: يعطي ويعين أحداً يجاهد في سبيل الله بسوط خير من أن يعتق ولد الزنا، وفيه إشارة إلى قلة الفائدة من إعتاقه، وذلك فيما إذا كان على منهاج وطريقة أبويه؛ إذ يكون فيه الخبث، فإعتاقه لا تحصل منه الفائدة المرجوة الكبيرة، وأن سوطاً ينفق في سبيل الله ويجاهد به في سبيل الله خير من عتق من يكون هذا شأنه.(445/13)
تراجم رجال إسناد حديث (ولد الزنا شر الثلاثة)
قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى].
إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا جرير].
جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهيل بن أبي صالح].
سهيل بن أبي صالح صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبو صالح السمان ذكوان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً.(445/14)
من أحكام ولد الزنا
قد يتبادر إلى الذهن سؤال، وهو: أننا ذكرنا في قضية العتق جواز عتق حتى الكافر، وكذلك هنا بوب المصنف فقال: [باب في عتق ولد الزنا]، فهل هذا في الكفارة أم في عتق التطوع؟ والصحيح أنه في عتق التطوع، وأما ولد الزنا فهو موصوف بالإيمان، فيكون أيضاً في الكفارة، وإنما ذلك الكافر وأما ولد الزنا فهو مسلم، وحيث يكون مسلماً وليس بكافر فإن حكمه حكم المسلمين؛ لأن قوله: (رقبة مؤمنة)، أي: غير كافرة، وليس المقصود بذلك أنه يكون صالحاً تقياً، وأنه إن كان فيه فسق لا يعتق، وإنما هو مقابل الكافر، وشرط الإيمان يخرج الكافر لا الفاسق؛ لأن الفاسق مؤمن ناقص الإيمان.
وأما الدليل على جواز عتق الكافر، فما جاء من الإطلاق في العتق.(445/15)
ما جاء في ثواب العتق(445/16)
شرح حديث (أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في ثواب العتق.
حدثنا عيسى بن محمد الرملي حدثنا ضمرة عن إبراهيم بن أبي عبلة عن الغريف بن الديلمي قال: أتينا واثلة بن الأسقع رضي الله عنه فقلنا له: حدثنا حديثاً ليس فيه زيادة ولا نقصان، فغضب وقال: إن أحدكم ليقرأ ومصحفه معلق في يده فيزيد وينقص، قلنا: إنما أردنا حديثاً سمعته من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صاحب لنا أوجب -يعني: النار- بالقتل فقال (أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النا)].
ثم أورد أبو داود باب في ثواب العتق، وهو أن المعتق يجزيه الله عز وجل بأن يعتق منه من النار بكل عضو منه عضواً من أعضائه، ومعنى ذلك: أن ثوابه عظيم؛ لأن فيه النجاة والسلامة من النار، وأن كل عضو من أعضاء المعتق الذي حصل له الحرية في الدنيا يجازي الله عز وجل المعتق بأن يعتق كل عضو منه من النار, وهذا من باب الجزاء من جنس العمل، فكما أنه في الدنيا أعتق هذا الشخص واستفاد من حريته فإن الله عز وجل يجازي المعتق بأن يخلصه من النار، وأن يكون كل جزء منه قد سلم من النار في مقابل تلك الأجزاء التي هي في العبد الذي حرره وأعتقه, فهذا يدل على فضله.
وقد أورد أبو داود حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في صاحب لهم قد أوجب فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أعتقوا عنه يعتق الله به كل عضو من أعضائه من النار)، والحديث في إسناده ضعف؛ لأن فيه الغريف وهو مقبول، لكن العتق من النار بسبب الإعتاق جاء في أحاديث ثابتة عن رسول صلى الله عليه وسلم سيذكر المصنف بعضها.
قوله: [قال: أتينا الرسول صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا أوجب -يعني: النار- بالقتل] يعني: كأنه قتل عمداً وليس خطأ، ومعلوم أن القتل الذي جاء فيه الكفارة والدية هو القتل الخطأ, {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} [النساء:92]، ثم ذكر التفصيل في ذلك: بأن يكون مؤمناً قتل مؤمناً، أو قتل مؤمناً من قوم كفار محاربين، أو أنه قتل شخصاً من قوم معاهدين، أي: كافر من قوم كفار، فتلزم فيه الدية والكفارة {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:92].
وهو يقصد القتل العمد، والقتل العمد كما هو معلوم ليس مثل القتل الخطأ الذي يكون فيه دية مخففة، وأصحاب القتيل عمداً لهم أن يأخذوا الدية، ولهم أن يأخذوا ما يريدون ولو طلبوا مبلغاً كبيراً أضعاف الدية؛ لأن بيدهم القتل أو ما يقوم مقامه مما يرضون به ولو بلغ ما بلغ في الكثرة.(445/17)
تراجم رجال إسناد حديث (أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار)
قوله: [حدثنا عيسى بن محمد الرملي].
عيسى بن محمد الرملي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ضمرة].
ضمرة بن ربيعة الفلسطيني وهو صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن إبراهيم بن أبي عبلة].
إبراهيم بن أبي عبلة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن الغريف بن الديلمي].
الغريف بن الديلمي مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن واثلة].
واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذا الإسناد فيه ضعف.
فائدة: ذكر الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (2/ 308 رقم907) أن: الغريف لقب له، واسمه عبد الله، وقال: هي فائدة لا تجدها في كتب الرجال.
قوله: (يعتق الله بكل عضو منه عضواً من النار)، هذا في الرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة، وأما الرجل بالنسبة للنساء فإنه يكون فكاكه في إعتاق امرأتين، وإعتاق المرأة لرجل أو امرأة يكون فيه فكاكها.(445/18)
ما جاء في أي الرقاب أفضل(445/19)
شرح حديث (أيما رجل أعتق رجلاً مسلماً فإن الله جاعل وقاء كل عظم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب أي الرقاب أفضل.
حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن أبي نجيح السلمي رضي الله عنه قال: حاصرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقصر الطائف، قال معاذ: سمعت أبي يقول: بقصر الطائف بحصن الطائف كل ذلك، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول (من بلغ بسهم في سبيل الله عز وجل فله درجة) وساق الحديث.
وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول (أيما رجل مسلم أعتق رجلاً مسلماً فإن الله عزوجل جاعل وقاء كل عظم من عظامه عظماً من عظام محرره من النار، وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله جاعل وقاء كل عظم من عظامها عظماً من عظام محررها من النار يوم القيام)].
أورد المصنف: [باب أي الرقاب أفضل] يعني: أي الرقاب يكون عتقها أفضل، ومعلوم أن عتق الرجال فيه فائدة كبيرة تختلف عن النساء من جهة ما عندهم من القدرة والفائدة التي تحصل من الرجال في الأمور المطلوبة منهم، وأيضاً من ناحية أن الرجل إذا أعتق الرجل يكون فكاكه من النار، وأنه إذا اعتق امرأتين يكن فكاكه من النار، بمعنى: أنه لو أعتق امرأة لا يكون فيها فكاكه من النار، فتكون دون إعتاق الرجل، فهذا يدلنا على أن إعتاق الرجل أكمل وأفضل من إعتاق المرأة؛ لأنه جاء ما يدل على أن عتق امرأتين يعادل عتق رجل واحد, وهو يدل على تفضيل عتق الرجال على النساء.
وقد أورد أبو داود حديث أبي نجيح السلمي عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: [حاصرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصر الطائف أو حصن الطائف].
يعني: هذا أو هذا.
فقال: (من بلغ بسهم في سبيل الله)، يعني: بلغ الغاية والقصد من إرساله، بمعنى: أنه حصل فيه النكاية بالعدو، وأثر فيهم، فله درجة ومنزلة في الجنة.
[ثم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أيما رجل مسلم أعتق رجلاً مسلماً فإن الله عز وجل جاعل وقاء كل عظم من عظامه عظماً من عظام محرره من النا)].
يعني: أن الرجل إذا اعتق الرجل يكون فيه فكاكه من النار، وهذا فيه تنصيص على المسلم، بينما الحديث السابق فيه: (يعتق الله بكل عضو منه عضواً من النار).
ولا شك أن هذا العتق في حق المسلم، وأما الكافر فهل يكون له ذلك؟ لا شك أنه يؤجر، لكن هذا ورد فيه التقييد بأنه مسلم، وهو الذي نفعه أكمل، وعتقه أتم وأفضل.(445/20)
تراجم رجال إسناد حديث (أيما رجل أعتق رجلاً مسلماً فإن الله جاعل وقاء كل عظم)
[حدثنا محمد بن المثنى].
محمد بن المثنى أبو موسى العنزي الملقب بـ الزمن، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة, وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معاذ بن هشام].
معاذ بن هشام صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني أبي].
أبوه هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة [عن سالم بن أبي الجعد].
سالم بن أبي الجعد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معدان بن أبي طلحة اليعمري].
معدان بن أبي طلحة ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي نجيح السلمي].
أبو نجيح السلمي صحابي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.(445/21)
شرح حديث (من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بقية حدثنا صفوان بن عمرو حدثني سليم بن عامر عن شرحبيل بن السمط رضي الله عنه أنه قال لـ عمرو بن عبسة رضي الله عنه: حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول (من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداؤه من النار)].
أورد أبو داود حديث عمرو بن عبسة من طريق أخرى، وهناك ذكره بالكنية وهنا ذكره بالاسم، وهو صحابي واحد، وقد طلبوا منه أن يحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداؤه من النا)، ولفظ الرقبة عام فيشمل الذكور والإناث, لكن جاء فيما يتعلق بالإناث بأن إعتاق الرجل لاثنتين يكون بهما فكاكه من النار.
[حدثنا عبد الوهاب بن نجدة].
عبد الوهاب بن نجدة ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا بقية].
بقية بن الوليد صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[حدثنا صفوان بن عمرو].
صفوان بن عمرو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثني سليم بن عامر].
سليم بن عامر ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن شرحبيل بن السمط].
شرحبيل بن السمط قال له وفادة على النبي صلى الله عليه وسلم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن عمرو بن عبسة].
عمرو بن عبسة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.(445/22)
شرح حديث (أيما رجل أعتق رجلاً مسلماً) من طرق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن شرحبيل بن السمط أنه قال لـ كعب بن مرة أو مرة بن كعب رضي الله عنه: حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر معنى معاذ إلى قوله: (وأيما امرئ أعتق مسلماً، وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة) زاد: [وأيما رجل أعتق امرأتين مسلمتين إلا كانتا فكاكه من النار، يجزى مكان كل عظمين منهما عظم من عظامه.
قال أبو داود: سالم لم يسمع من شرحبيل، مات شرحبيل بصفين].
أورد أبو داود حديث كعب بن مرة أو مرة بن كعب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اعتق، مثل الأول ثم زاد: (وأيما رجل اعتق امرأتين مسلمتين إلا كانتا فكاكه من النار، يجزى بكل عضوين من أعضائهما عضواً له حتى يخلص من نار جهنم)) وهذه المسألة إحدى المسائل الخمس التي النساء فيها على النصف من الرجال, لأنه قد ورد في الكتاب والسنة أن النساء على النصف من الرجال في خمسة أمور, الأول: الميراث، فللذكر مثل حظ الأنثيين.
والثاني: العتق, فالرجل إذا اعتق امرأتين يكون فكاكه بذلك من النار, والثالث: الشهادة, فإذا لم يكن هناك رجلان فرجل وامرأتان, والرابع: الدية, فدية المرأة على النصف من دية الرجل, والخامس: العقيقة, فعن الغلام شاتان وعن الجارية شاة واحدة.
فهذه المسائل الخمس النساء فيهن على النصف من الرجال.
والحديث قال أبو داود فيه: إن سالم بن أبي الجعد لم يسمع من شرحبيل.
لكن قد جاء الحديث عند الترمذي عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه ذكره الحافظ في البلوغ، وفيه أن إعتاق جاريتين يكون بهما فكاك المعتق لهما من النار, فيكون هذا الذي أشار إليه أبو داود من ناحية الانقطاع وعدم السماع, وله شاهد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه.(445/23)
تراجم رجال إسناد حديث (أيما رجل أعتق رجلاً مسلماً) من طرق أخرى
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر النمري أخرج حديثه البخاري وأبي داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن مرة].
عمرو بن مرة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم بن أبي الجعد عن شرحبيل بن السمط أنه قال لـ كعب بن مرة أو مرة بن كعب].
كعب بن مرة أو مرة بن كعب صحابي أخرج له أصحاب السنن.(445/24)
ما جاء في فضل العتق في الصحة(445/25)
شرح حديث (مثل الذي يعتق عند الموت كمثل الذي يهدي إذا شبع)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في فضل العتق في الصحة.
حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي حبيبة الطائي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسل (مثل الذي يعتق عند الموت كمثل الذي يهدي إذا شبع)].
أورد أبو داود باب في فضل العتق في الصحة، يعني: كون الإنسان يعتق في حال صحته وعافيته وليس مشرفاً على الهلاك ترخص عنده الدنيا فيعتق، لكن الأفضل أن يعتق في وقت تكون الدنيا غالية عنده، وكان حريصاً يأمل الحياة ويخشى الفقر, فهذا هو الذي تكون الصدقة الإعتاق فيه أفضل من غيره.
وقد أورد أبو داود حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال صلى الله عليه وسلم: (مثل الذي يعتق عند الموت كمثل الذي يهدي إذا شبع)، والذي يهدي وهو جائع لا شك أنه أكمل وأفضل من الذي يهدي وهو شبعان، ومعلوم أن كون الإنسان يهدي وهو شبعان فهذا شيء جيد، ولكن المقصود منه الترغيب في أن الإنسان يعتق وينفق في حال الصحة وهو يأمل الحياة ويخشى الفقر، فهذا هو الذي يكون أفضل وأكمل، وإلا فإن كون الإنسان يهدي أويتصدق بعد ما يشبع فلا شك أن هذا شيء جيد ولكن أجود منه وأحسن كونه ينفق في حال صحته وعافيته وأمله في الحياة، وخوفه من الفقر.
والحديث في إسناده أبو حبيبة وفيه كلام، ولكن معناه صحيح.(445/26)
تراجم رجال إسناد حديث (مثل الذي يعتق عند الموت كمثل الذي يهدي إذا شبع)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير].
محمد بن كثير العبدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان].
هو ابن سعيد بن مسروق الثوري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي حبيبة الطائي].
أبو حبيبة الطائي مقبول أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن أبي الدرداء].
أبو الدرداء عويمر رضي الله عنه وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(445/27)
الأسئلة(445/28)
أفضلية عتق عبد كامل الأعضاء
السؤال
هل في هذه الأحاديث تفضيل تقديم عتق من كان كامل الأعضاء على غيره؟
الجواب
لا شك في ذلك؛ لأن هذا ينفع ويحصل فيه النفع أكمل من غيره.(445/29)
جواز عتق عبد ناقص الأعضاء
السؤال
إذا كان العبد ينقصه عضو من أعضائه فهل لا يجعل هذا العضو وقاء من النار لمعتقه؟
الجواب
هذا فيه خير، لكن الأكمل والأحسن هو الذي يحصل به الأجر والثواب عند الله.(445/30)
حكم من أعتق مدبراً أكثر من ثلث ماله
السؤال
من أعتق عبداً مدبراً أكثر من ثلث ماله هل يعتق أم يجزّأ بين الحرية والرق؟
الجواب
مر بنا أن الرسول باعه وأعطى المال لصاحبه الذي ليس له مال، وقال له: (أنت أحق به).(445/31)
جواز عتق ولد الزنا الغير صالح
السؤال
هل يجوز إعتاق ولد الزنا الغير صالح؟
الجواب
يجوز.(445/32)
حكم عتق الرقاب غير المؤمنة
السؤال
لماذا لا يحمل المطلق على المقيد في إعتاق الرقبة فإنها قيدت في أحاديث كثيرة وفي القرآن بأنها مؤمنة أو مسلمة؟
الجواب
جاء الإطلاق وجاء التقييد, ولا شك أن إعتاق الرقبة المؤمنة هو الأفضل، والذي تبرأ به الذمة من ناحية الكفارة، وأما العتق فيجوز عتق الكافر، وقد يكون المن على كافر بالعتق سبباً لإسلامه.(445/33)
نسبة ولد الزنا
السؤال
رجل زنا بامرأة غير محصنة وهي كارهة فولدت ثم تزوج بها رجل آخر، هل يعد ولدها عبداً لزوجها الثاني؟
الجواب
ليس له أن يتزوجها وهي حامل، وإنما يتزوجها إذا خلا بطنها ولم يكن فيها حمل، وهذا يقال له: ولد زنا, وهو ليس للزاني ولا للزوج الجديد.(445/34)
حال زيادة (ولد الزنا شر الثلاثة إذا عمل عملهم)
السؤال
ذكر الشيخ الألباني رحمه الله أن زيادة (إذا عمل عملهم) من قوله: (ولد الزنا شر ثلاثة إذا عمل عملهم) أنها من أحد الرواة، وهي تفسير منه للحديث؟
الجواب
لكن هذا الذي ذكر أنه جاء في مسند الإمام أحمد إذا كان الإسناد صحيحاً وأنه لا شيء يفيد الإدراج، فهذا يزيل الإشكال ولا يحتاج معه إلى التأويل، ولكن لا أدري عن ثبوتها وعن كونها غير مدرجة.
والسند في (العون) هو: وفي مسند أحمد من طريق إبراهيم بن عبيد بن رفاع عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولد الزنا شر الثلاثة إذا عمل عمل أبويه)، وفي معجم الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعاً مثله.
وفي سنن البيهقي عن الحسن قال: [إنما سمي ولد الزنا شر الثلاثة أن امرأة قالت له: لست لأبيك الذي تدعى له فقتلها، فسمي شر الثلاثة] قاله السيوطي في مرقاة الصعود.
وهذا إذا ثبت يكون في شخص واحد حصل منه ما حصل لما قيل له ما قيل، لكن الأحاديث جاءت مطلقة، فتحمل على أنه إذا كان مثلهما أو عمل عملهما؛ لأنه متولد من ماء خبيث فصار فيه الخبث، فيكون أخبث منهما؛ لأن منبته خبيث وماءه الذي خرج منه خبيث، وهو بخلافهما فإنهما من ماء طيب ومن نكاح لا من سفاح وهو من سفاح فيكون شرهما إذا كان مثلهما، فيصير زائداً عليهما.(445/35)
حكم التصدق عن قاتل نفسه
السؤال
هل يستحب التصدق أو الإعتاق عمن قتل، أو تسبب في قتل نفسه؟
الجواب
الذي قتل نفسه لا شك أنه عاص، والإحسان إليه والصدقة عنه والدعاء له ينفعه كما ينفع سائر المسلمين.(445/36)
وصول ثواب الصدقات لغير الوالدين
السؤال
وصول ثواب العمل إلى الميت من غير الوالدين هل هو خاص بالعتق، أو عام مع أن الأدلة واردة في وصول ثواب الابن الذي يهدي إلى أبويه؟
الجواب
كون الإنسان ينفع والديه وغير والديه لا بأس به، وقد ورد في حق غير الوالدين ما يدل عليه, فإذا جاء ذلك فيما يتعلق بقضية شخص سأل عن أمه وأبيه وأجيب بذلك دل على أنه تدخله النيابة، وأنه يجوز أن يبذل مثل هذا لشخص ميت, فلا بأس بأن يتعدى إلى الغير وينتفع به الغير ولا يكون الحكم مقصوراً على القريب فقط، فما دام أن الإجابة سائغة وأن ذلك ينفع فإن ذلك يجوز للقريب وللبعيد.(445/37)
فداء المؤمن بكافر يوم القيامة
السؤال
هل ورد أنه يأتى بمن وجبت له النار من المسلمين يوم القيامة فيعطى كافراً ليرمي به في جهنم فيقال هذا فكاكك من النار؟
الجواب
نعم ورد هذا في حديث.(445/38)
فك الأسير
السؤال
إذا أخذ العدو أسيراً من المسلمين وأرادوا مالاً لكي يخلون سبيله، فدفع أحد المسلمين مالاً لكي يسلموا هذا الرجل, فهل هذا العمل يعتبر عتقاً؟
الجواب
لا يعتبر عتق رقبة؛ لأنه لم ينقلها إلى الحرية، ولكن هذا فداء وتخليص من ولاية الكفار، ولا شك أن فيه أجراً عظيماً، لكن لا يقال له عتق، ولا يجزي في الكفارة.(445/39)
تقديم إرث النسب على الولاء
السؤال
إذا اشترى رجل أمه وهي من ذوات المحارم فإنها تعتق بعد الشراء مباشرة,
السؤال
هل يرث هذا الرجل المرأة على صفة أنه المعتق؟
الجواب
ويرثها بالنسب, والنسب مقدم على الولاء، والولاء لا يورث به إلا إذا علم الميراث الذي قبله الذي هو العصوبة وصلة النسب.
ويمكن أن تجتمع في الإنسان الصفات الثلاث، فلو أن إنساناً وجد ابنة عمه رقيقة فاشتراها وأعتقها وتزوجها ثم مات فإن أسباب الإرث كلها موجودة فيه: فهو ابن عم من النسب، وهو زوج، وهو معتق, فميراثه يكون بالفرض والتعصيب، فالنصف فرضاً والباقي تعصيباً.(445/40)
حكم الإحرام بالعمرة وتأخير أداء المناسك
السؤال
رجل ذهب إلى مكة في آخر يوم من شعبان، وأحرم من الميقات في آخر اليوم، ثم أخر العمرة إلى يوم من رمضان، فهل ينال أجر العمرة في رمضان؟ وآخر يقول: أريد أن أسافر إلى مكة ليلة الخميس لأداء العمرة، ولكن أريد أن أمكث في مكة حتى صباح الجمعة، ثم أؤدي مناسك العمرة، فهل يجوز لي هذا أن أمكث؟
الجواب
العمرة في رمضان حيث يكون الإحرام في رمضان, وحرص الإنسان على أن يعمل عملاً صالحاً في رمضان جيد, لكن العمرة ما حصلت في رمضان وحصلت في شعبان، وما دام أن الإحرام قد حصل في شعبان فلا يقال: إن العمرة في رمضان بل تكون في رمضان إذا حصل الإحرام في رمضان.
وأما إذا خرج من خارج المواقيت وجاء إلى المدينة أو ذهب إلى الرياض ورجع فإنه يأتي بعمرة أخرى له أو لغيره.(445/41)
حكم إخراج الدائن الزكاة كسداد دين عن المدين المعسر
السؤال
رجل عليه مبلغ خمسة آلاف ريال دين لأحد الأشخاص والمدين معسر ومفلس وممن تجب له الزكاة، فهل لصاحب الدين أن يخرج هذا المبلغ يحسبه من زكاة ماله ويتصدق به على المدين، وهل يبلغه بذلك، علماً أن هذا المبلغ من ثمان سنوات؟
الجواب
ليس له أن يسدد الدين عن الزكاة، ولا أن يكون تحصيل الدين عن طريق الزكاة؛ لأن معنى ذلك أنه يستوفي بالزكاة وهذا لا يجوز، ولكن هذا المعسر أعطه هو من زكاة مالك الذي عندك لأنه معسر يحتاج إلى صدقة, أما كونك توقت الزكاة عليه وتقول: أنا خلاص أخصمها ويكون معنى ذلك أني استوفيت الدين، فهذا لا يصلح, بل يعطيه من الزكاة والدين يبق في ذمته، وإن سامحه فذلك خير؛ لأن الله قال: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة:280]، يعني: يتصدقوا بالمسامحة والإحسان إلى الفقير فذلك خير, فالإنسان لا يحصل ويستوفي دينه عن طريق الزكاة فهذا لا يجوز.(445/42)
حكم من أخر طواف الإفاضة والسعي والوداع
السؤال
امرأة حجت وأخرت طواف الإفاضة والسعي مع الوداع وهي مفردة, وقد طافت على غير طهارة, فماذا يجب عليها الآن، علماً أن هذا الأمر قد حصل قبل سنوات؟
الجواب
الواجب عليها أنها ترجع إلى مكة وتطوف طواف الإفاضة الذي عليها والسعي أيضاً إذا كان لم يحصل قبل الحج, فإذا كانت ما سعت قبل الحج فإنها تطوف وتسعى؛ لأن عليها الطواف والسعي، ولكن إذا كان لها زوج وقد جامعها فإنه يكون عليها فدية وهي شاة تذبح بمكة وتوزع على فقراء الحرم؛ لأن الجماع حصل قبل التحلل الثاني.(445/43)
درجة حديث (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)
السؤال
ما حال حديث: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)؟
الجواب
هذا الحديث ثابت.(445/44)
حكم اتفاق الورثة على عطية غير وارث من إرث مختلط بالحرام
السؤال
إذا توافق ورثة الميت أن يعطوا قطعة الأرض لأحد غير الورثة هل عليه أن يقبل ذلك الإعطاء؛ علماً أن الميت كان كسبه مختلطاً بين الحلال والحرام؟
الجواب
إذا كان الغالب على ماله الحلال فلا بأس، وإن كان الغالب على ماله الحرام فالابتعاد عنها هو الأولى.(445/45)
حكم اعتكاف النساء في المسجد
السؤال
هل اعتكاف النساء في الحرم النبوي أفضل أم جلوسهن في بيوتهن، مع ذكر الدليل؟
الجواب
جلوسهن في بيوتهن أفضل ولا شك؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة المرأة في بيتها أفضل) , إلى آخر الحديث الذي ورد في أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المساجد, ولكنها لا تمنع من المساجد إذا أرادت، ومعنى ذلك: أن بقاءها في بيتها وعدم مجيئها إلى المسجد أفضل لها, ولكن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد ولا يكون في البيوت, فإذا أرادت أن تعتكف فلها ذلك، كما أن لها أن تأتي وتصلي ولكن بيتها أفضل لها.(445/46)
درجة حديث (لا يقول أحدكم عبدي)
السؤال
ما درجة حديث (لا يقول أحدكم: عبدي، ولكن ليقل: غلامي)؟
الجواب
هو صحيح.(445/47)
حكم الدخول بالمرأة قبل الزفاف والوليمة
السؤال
رجل عقد على امرأة، فهل يجوز له أن يدخل بها قبل أن يولم، وقبل أن يكون حفل الزفاف؟
الجواب
هذا جائز، ولكن الأولى أن يكون الدخول بعد الإعلان، وأما لو خلا بها واتصل بها قبل أن يحصل الإعلان فإنه دخول زوج على زوجته، فهما يتوارثان، والزوجية حاصلة وقائمة في العقد، ولو مات أحدهما ورثه الآخر.(445/48)
شرح سنن أبي داود [446]
أنزل الله عز وجل كتابه على سبعة أحرف تخفيفاً على عباده، ثم لما اجتمع شمل العرب كانت القراءات التي هي مأخوذة من تلك الأحرف، وقد جمع عثمان رضي الله عنه الأمة فيما بعد على قراءة واحدة.(446/1)
ما جاء في الحروف والقراءات(446/2)
شرح حديث (أن النبي قرأ (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أول كتاب الحروف والقراءات: باب.
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حاتم بن إسماعيل ح وحدثنا نصر بن عاصم حدثنا يحيى بن سعيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125]].(446/3)
الفرق بين الحرف والقراءة في القرآن
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [أول كتاب الحروف والقراءات] فهناك أحرف نزل بها القرآن، وكانت في أول الأمر من أجل التخفيف على الناس، وهنا قال أبو داود: الحروف والقراءات، فيحتمل أنه يريد بالحروف والقراءات الألفاظ المترادفة، ويحتمل: أن يكون المراد بالحروف الأحرف السبعة, لكن الأحرف السبعة سبق أن مرت في كتاب الوتر حيث عقد لها باباً، فقال: [باب أنزل القرآن على سبعة أحرف]، والأحرف والقراءات بينهما فرق, فالأحرف قيل فيها: إنها لغات أو لهجات؛ وذلك أن القرآن أول ما نزل نزل بلغة العرب، والعرب متشتتون متفرقون يسود بينهم الاختلاف والتناحر والتباعد، حتى أن بعضهم لا يكاد يعرف لغة غيره، وقد نزل القرآن في أول الأمر على أحرف -أي: على لغات- من أجل التخفيف على الناس والتسهيل والتيسير عليهم، ولكنه بعد ذلك وفي زمن الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه قصر الناس على حرف واحد من الأحرف السبعة؛ وذلك أن الأحرف السبعة نزلت في الأول للتخفيف والتسهيل، وهي عدة لغات من لغات العرب، وبعد أن دخل الناس في الإسلام، ووحد الإسلام بين من دخل فيه من العرب، وصار العرب أمة واحدة، وذلت ألسنتهم، واتصل بعضهم ببعض، وعرف كل لغة الآخر، لم يكن هناك حاجة إلى بقاء هذه الأحرف؛ لما يترتب على ذلك من الاختلاف , فـ عثمان رضي الله عنه رأى أن من المصلحة ومن الفائدة عند جمعه للقرآن أن يقتصر على حرف واحد وهو حرف قريش أو لغة قريش وأحرق ما سوى ذلك, ومن المعلوم أنه لما كان نزوله أولاً من أجل التخفيف والمقصود الذي نزل من أجله القرآن على هذه الأحرف انتهى باتصال العرب بعضهم ببعض، وفهم بعضهم لغة الآخرين، فلغة قريش إذا اقتصر عليها أو على الحرف الذي نزل بها فإن بقية العرب يعرفون ذلك، وهذا من المصلحة والفائدة.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين تسعة وتسعين دليلاً من أدلة سد الذرائع التي توصل إلى محذور، وجعل الدليل التاسع والتسعين من هذه الأدلة: جمع عثمان رضي الله عنه القرآن على حرف واحد؛ لأن البقاء عليها يؤدي إلى الاختلاف، وقد كان نزولها من أجل أنهم كانوا متفرقين، وبعد ذلك لم تكن هناك حاجة إلى بقائها، لذلك اقتصر على حرف واحد.(446/4)
أمثلة للقراءات المتفقة مع رسم المصحف
وأما القراءات فهي موجودة ولم تنته، وهي موجودة في المصحف، ولهذا جاء رسم المصحف على وجه يشملها ويتحملها ويحتملها؛ وذلك أن الاختلاف بينها يكون بالنقط والشكل، فأما الاختلاف في النقط فمثل: (تعملون ويعملون)، وأما الشكل فمثل: (عجبتَ، وعجبتُ)، والحروف هي نفس الحروف: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات:12] , (بل عجبتُ ويسخرون)، فهذا إنما هو في الشكل مع بقاء الحروف على ما هي عليه، وقد كان رسم المصحف أولاً بدون نقط، والناس يعرفون ذلك، ولكن بعد ذلك احتيج إلى النقط، وصارت بعض القراءات لها هيئة في بعض المصاحف تختص بها، وكذلك القراءات الأخرى على هيئة أخرى، فيأتي في بعض المصاحف (تعملون) وفي بعضها (يعملون) في الموضع الواحد، وهذه قراءة وهذه قراءة، وقد يأتي بزيادة ألف أو نقص ألف، ولهذا جاء الرسم على وجه يحتمل القراءتين مثل: (قال) في سورة الزخرف: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} [الزخرف:24]، وفي آخر سورة الأنبياء: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ ?بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [الأنبياء:112] وفي قراءة: (قل رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون)، فجاء رسم المصحف على وجه يستوعب القراءتين، بأن تكون القاف متصلة باللام في القراءتين كلها، ولكن عندما تأتي قراءة (قل) يجعل ضمة على القاف وسكون على اللام، وعندما تأتي قراءة (قال) يجعل فتحة على القاف واللام مفتوحة والقاف متصلة باللام، ولكن توضع ألف صغيرة بين القاف واللام تدل على المد وعلى أن فيها ألفاً، فلما رسمت القاف متصلة باللام أصبحت تحتمل قراءة (قل) وقراءة (قال)؛ لأن القاف متصلة باللام في قراءة قل، ولكن عند قراءة (قال) القاف مفتوحة وهناك ألف صغيرة بعدها ولا تكون ألفاً واقفة؛ إذ لو جاءت ألف واقفة لم يمكن أن تأتي قراءة (قل)، ولهذا فإنها في المواضع التي تأتي فيها فعل ماض مثل: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:23]، فالقاف بعدها ألف واقفة واللام مفصولة؛ لأنه لا توجد قراءة سوى (قال)، لكن القراءة التي فيها (قال وقل) تأتي على هذه الهيئة وعلى هذا الرسم، ورسم القرآن يكون بهذه الطريقة، ولهذا لا يجوز أن يغير رسم المصحف، وبعض الناس ممن ليس لديهم فهم وإدراك ينادون بأن يكتب القرآن بالحروف الإملائية التي يتعارف عليها الناس، لكن هذه الكتابة على هذا الوضع لا يمكن معها الاحتفاظ بالرسم الذي يتحمل (قل)، فلا يجوز أن يغير رسم المصحف عما هو عليه، وإنما يبقى ويكون بذلك مستوعباً للقراءات، وقد يكون في بعضها زيادة حرف منفصل مثل (واو) أو ما إلى ذلك، ولكن هذا يكون في بعض المصاحف، ويكون الرسم الواحد لا يتحمل غيره، لكن في بعض المصاحف التي وزعها عثمان رضي الله عنه في الآفاق كل مصحف فيه قراءة أو إشارة إلى قراءات، فالرسم فيه زيادة (واو)، وزيادة (الواو) كما هو معلوم تختلف عن نقص (الواو).
فعلى هذا فإن المراد بالحروف اللغات، وإن كان المراد بها القراءات فيكون من عطف الشيء على مثيله وعلى نظيره، وهو للتغاير اللفظي فقط مثل قول الشاعر: (وألفوا قولها كذباً وميناً) والمين هو الكذب، ولكن حصل العطف من أجل التغاير باللفظ مع الاتحاد في المعنى.
أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125]؛ وذلك في حجة الوداع، وهذا قطعة من حديث جابر الطويل، وهو أكمل حديث في صفة الحج، وقد أورده أبو داود في الحج، وهنا أورد هذه القطعة منه وهي قوله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125]، والآية فيها قراءتان: (واتخِذوا) بالأمر (واتخَذوا) بالماضي.(446/5)
موافقات عمر للشرع وإلهاماته
جاء في بعض الروايات الصحيحة أن عمر رضي الله عنه هو الذي اقترح على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ من مقام إبراهيم مصلى, فنزل القرآن مطابقاً لما أشار به عمر رضي الله عنه، وهذه من المسائل التي يقولون عنها: موافقات عمر رضي الله عنه، أي: أنه يقول القول ثم ينزل القرآن مطابقاً له، فأطلق على ذلك موافقات عمر، وهي عديدة منها هذا الموضع.
ومنها: اقتراحه على النبي عليه الصلاة والسلام أن يحجب نساءه، ومنها: عدم أخذ الفداء في أسارى بدر.
وهذا مما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (قد كان في الأمم قبلكم محدثون؛ فإن يكن من أمتي أحد فإنه عمر)، والملهَم أو المحدَّث هو: من يقول الشيء فيكون مطابقاً للصواب وللحق، وهذا شأن عمر رضي الله عنه في هذه المسائل، وكذلك أيضاً كان يحصل منه الشيء فيأتي في السنة ما يدل عليه، ومن أمثلة ذلك أنه رضي الله عنه لما ذهب إلى الشام ولقيه أبو عبيدة بن الجراح وأمراء الأجناد في أثناء الطريق بعدما قرب من بلاد الشام فقالوا له: إن الطاعون قد وقع في الشام ولا نرى أن تدخل بالصحابة على الطاعون، فتعرضهم للفناء، وبعض الصحابة ومنهم أبو عبيدة كان يرى أنه يدخل ولا يرجع، فـ عمر رضي الله عنه استشار ثلاث طوائف من الناس، فقال لـ ابن عباس: ادع لي المهاجرين، فجاء إليه المهاجرون واستشارهم وانقسموا قسمين: منهم من يقول: ادخل ولا تفر من قدر الله, ومنهم من يقول: لا تدخل بالصحابة على الطاعون فيكون ذلك سبباً في موتهم, فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعا له الأنصار، فجاءوا إليه وسألهم، وأجابوا بجواب المهاجرين, وانقسموا قسمين، ثم قال: ادع لي مسلمة الفتح وهم الذين أسلموا عام الفتح وهاجروا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الفتح، فدعاهم فاستشارهم فاتفق رأيهم على أنه يرجع، ولم يختلفوا كما اختلف المهاجرون والأنصار، ثم ترجح عند عمر رضي الله عنه الرجوع، وقال: إني مصبح على ظهر، أي: إذا جاء الصباح أركب بعيري وأمشي, فـ أبو عبيدة وهو من الذين لا يرون الرجوع ويرون الدخول قال: أتفر من قدر الله يا أمير المؤمنين؟! قال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نفر من قدر الله إلى قدر الله, ثم أتى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وقد كان معهم ولكنه تغيب لحاجة من الحاجات، فجاء وعلم بالذي حصل من المشاورة، فقال: عندي فيها علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وقع الطاعون وأنتم في بلد فلا تخرجوا فراراً منه، وإن كنتم خارجها فلا تدخلوا عليه).
فبلغ ذلك عمر فسر؛ لأن اجتهاده جاء مطابقاً لما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا مصداق ما جاء عن النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه: (إن يكن في هذه الأمة منهم أحد فإنه عمر) والحديث صحيح.
فالملهَم هو الذي يجري الصواب على لسانه، ويقول الشيء فيكون موافقاً للصواب، ولا يعني ذلك أنه إذا اختلف الصحابة مع عمر أن الحق يكون مع عمر دائماً وأبداً، فأحياناً قد يكون الحق والصواب مع غيره، ولكن عمر رضي الله عنه إصابته كثيرة، وموافقته للأدلة كثيرة خصوصاً فيما لم يبلغه فيه دليل واجتهد فيه، وقد يكون الحق مع غيره، وبعض المسائل يختلف فيها هو وأبو بكر وغيره من الصحابة فيكون الحق والصواب مع أبي بكر.
وأورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125]].
وهذه هي قراءة الجمهور، والقراءة الثانية وهي قراءة ثابتة وهي بالفتح على الماضي، وهذه بالأمر.
والماضي إخبار عن أنهم اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى.(446/6)
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي قرأ (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى))
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي].
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا حاتم بن إسماعيل].
حاتم بن إسماعيل صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا نصر بن عاصم].
نصر بن عاصم لين الحديث أخرج له أبو داود.
[حدثنا يحيى بن سعيد].
يحيى بن سعيد القطان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ومعلوم أن هذه الطريق فيها من هو لين الحديث، ولكن جاء الحديث من طريق أخرى وهي الأولى التي فيها عبد الله بن محمد النفيلي وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن، فوجود من هو لين لا يؤثر لوجود موافق له في شيوخ أبي داود وهو عبد الله بن محمد النفيلي.
[عن جعفر بن محمد].
وهو ابن محمد بن علي بن حسين الملقب الصادق، وهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
محمد بن علي بن حسين ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما الصحابي ابن الصحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويلاحظ أن المصنف رحمه الله لم يذكر إلا باباً واحداً بعد الكتاب بدون ترجمة، والباب مطلق، فكأنه باب واحد يتعلق بالقراءات وبيان القراءات، وكأنه لم يجعل أبواباً؛ لأنها كلها من نوع واحد وهو بيان اختلاف القراءات.(446/7)
شرح حديث (أن رجلاً قام من الليل فقرأ فلما أصبح قال رسول الله: يرحم الله فلاناً كائن من آية أذكرنيها الليلة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى -يعني: ابن إسماعيل - حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن رجلاً قام من الليل فقرأ فرفع صوته بالقرآن، فلما أصبح قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يرحم الله فلاناً! كائن من آية أذكرنيها الليلة كنت قد أسقطتها)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع قارئاً يقرأ من الليل، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله فلاناً ذكرني آية كنت أسقطها نسياناً)، يعني: أنه عندما يقرأ في بعض الأحيان تسقط عليه آية، وليس المقصود بالنسيان أنه ينسى شيئاً أمر بتبليغه؛ لأن هذا لا يصح ولا يجوز، بل الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ لكل ما أمر به ولا يسقط مما أمر به شيء، ولكنه عندما يقرأ القرآن وهو حافظ له يحصل منه أنه ينسى آية كما هو مشاهد معاين من حفاظ متقنين، فإنه يقرأ ولكنه في بعض الأحيان تسقط عليه آية نسياناً, فهذا هو معنى قوله: (أسقطتها)، يعني: نسياناً.(446/8)
مميزات الشريعة المحمدية
إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ كل شيء من القرآن وغير القرآن، فكل ما أمر به عليه الصلاة والسلام قام بتبليغه على التمام والكمال، ولم يترك شيئاً يحتاج إلى تبليغ أو أمر بتبليغه دون أن يبلغه، فقد بلغ البلاغ المبين، وأدى كل ما عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه, كما جاء عن الإمام الزهري عند البخاري في صحيحه، قال: [من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم] , فالله تعالى منه الرسالة، وقد حصل أنه أرسل الرسل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]، وعلى الرسول البلاغ، وهذا قد حصل, فإن الرسل قد بلغوا، وعلينا التسليم، وهذا الذي ينقسم الناس فيه إلى موفق ومخذول, فمن الناس من يسلم ومنهم من لا يسلم، ومنهم من يتقبل الحق ومنهم من يرده، فالذي من الله قد حصل، والذي من الرسول صلى الله عليه وسلم قد حصل، والذي من الناس هذا هو الذي يفترق الناس فيه وينقسمون إلى مستسلم ومنقاد، وإلى معرض ومنحرف عن الجادة وعن الحق والهدى.
إذاً: فالرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ كل شيء، كما جاء عن أبي هريرة وعن سلمان رضي الله عنهما قال: (علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة؟ -يعني: حتى ما يتعلق بقضاء الحاجة- قال: نعم, أمرنا رسولنا ألا نستنجي برجيع ولا عظم ولا روث)، وذكر شيئاً من آداب قضاء الحاجة، وجاء عن بعض الصحابة أنه قال: [توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحه في السماء إلا وأعطانا منه علماً] أي: أن الشريعة كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه.
وشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تختصر في ثلاث صيغ: الأولى: صيغة الكمال فلا نقص فيها، ولهذا لا يضاف إليها شيء ويقال: هذه سنة حسنة، بل هي من البدع والأمور المنكرة، فهي لا تحتاج إلى أن تضاف إليها إضافات أو أن تكمل فهي كاملة لا نقص فيها, فهذه من صفات هذه الشريعة، فهي كاملة لا نقص فيها، إذاً فالبدع مردودة كما جاء في الحديث: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه، وفي لفظ لـ مسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
والثانية: الخلود والبقاء، فهي مستمرة إلى قيام الساعة ليس لها وقت تنتهي إليه كالرسالات السابقة، ولا أن يأتي رسول بشريعة مع بقاء الشريعة السابقة، وقد يجتمع رسولان في وقت واحد مثل إبراهيم ولوط، فهذا مرسل وهذا مرسل، وكل مرسل إلى قوم، وكل مأمور باتباع من أرسل إليهم، وأما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فختم الله به الرسالات، ورسالته مستمرة ولا نبي بعده صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهي كاملة لا نقص فيها، ومستمرة لا تنتهي ولا تنقطع ما بقيت الدنيا.
والثالثة: لزوم اتباع كل أحد لها، وأنه ليس لأحد العذر بأن يتخلى عنها أو أن يقول: أنا لست من أهلها كما يقول اليهود: نحن أصحاب موسى، والنصارى يقولون: نحن أصحاب عيسى، وهذا بعد بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وليس لهم هذا ولا يقبل منهم، فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والذي نفسي بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار)، فاليهود والنصارى من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة الدعوة، فالأمة أمتان: أمة دعوة وأمة إجابة, فأمة الدعوة هم كل الإنس والجن من حين بعثته وإلى قيام الساعة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه, أي: أنهم مدعوون إلى الدخول في دينه، ومن لم يدخل في دينه بعد بعثته فإنه ليس له إلا النار: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هود:17]، وفي هذا الحديث: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني)، فذكر أن النصارى واليهود من أمة الدعوة، (ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار)، قال بعض السلف: فكنت إذا سمعت الحديث تأملته وجدت مصداقه في القرآن، قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هود:17].
إذاً: فشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شاملة لكل الناس، ولازمة لكل الإنس والجن, وموجهة لكل من الجن والإنس، وخالدة باقية لا تنتهي، وكاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه.
فعن عائشة رضي الله عنها: (أن رجلاً قام من الليل فقرأ فرفع صوته بالقرآن)، وهذا يدلنا على جواز رفع الصوت بالقراءة، لكن هذا مشروط فيما إذا لم يحصل أذى في قراءته، فإذا عَرف أن أحداً يتأذى بقراءته فإنه لا يرفع صوته بالقرآن، فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه سمع هذا القارئ وترحم عليه؛ لأنه قرأ موضعاً من القرآن كان النبي صلى الله عليه وسلم نسي عنده آية من الآيات, وهذا القارئ إنما قرأ الشيء الذي بلغه النبي صلى الله عليه وسلم, وهذه الآية إنما جاءته عن طريق إبلاغ الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن القرآن لا يعرف إلا عن طريق الرسول عليه الصلاة والسلام.
فلما أصبح قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يرحم الله فلاناً كائن من آية أذكرنيها الليلة كنت قد أسقطتها).
و (كائن) قراءة في كأين من آية: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا} [يوسف:105] و {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ} [آل عمران:146]، وجاءت مواضع كثيرة فيها (كأين) وفي قراءة (كائن).(446/9)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً قام من الليل فقرأ فلما أصبح قال رسول الله: يرحم الله فلاناً كائن من آية أذكرنيها الليلة)
قوله: [حدثنا موسى -يعني: ابن إسماعيل -].
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو ابن سلمة بن دينار البصري ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن هشام بن عروة].
هشام بن عروة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة].
عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(446/10)
شرح سبب نزول قوله تعالى: (وما كان لنبي أن يغل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا خصيف حدثنا مقسم مولى ابن عباس قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: (نزلت هذه الآية: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} [آل عمران:161] في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر، فقال بعض الناس: لعل رسول صلى الله عليه وآله وسلم أخذها، فأنزل الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} [آل عمران:161] إلى آخر الآية).
قال أبو داود: يغل مفتوحة الياء].
أورد أبو داود حديث ابن عباس: أنه في يوم بدر فقدت قطيفة فقال الناس: لعل الرسول أخذها، ومعلوم أنه إن أخذها فيكون أخذها اصطفاء لا غلولاً؛ لأن الرسول كما هو معلوم يصطفي من الغنيمة ما يشاء، ونصيبه الخمس، وليس المقصود أنهم يريدون أنه غل؛ لأن الغلول محرم ولا يضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} [آل عمران:161]، وفيها قراءتان: يَغلُ ويُغَلُ، يعني يخون، أو يُغَلُ: يخان, فهذه قراءة وهذه قراءة.(446/11)
تراجم رجال إسناد سبب نزول قوله تعالى: (وما كان لنبي أن يغل)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الواحد بن زياد].
عبد الواحد بن زياد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا خصيف].
خصيف بن عبد الرحمن صدوق سيئ الحفظ أخرج له أصحاب السنن.
[حدثنا مقسم مولى ابن عباس].
مقسم مولى ابن عباس صدوق أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن ابن عباس رضي الله عنه كان إسلامه بعد الحديبية مع أبيه في زمن متأخر، وهذا يحكي عن قصة وقعت في أول الهجرة وهي وقعة بدر، ومن المعلوم أن الصحابة يروي بعضهم عن بعض، وقد يخبر الصحابي عن شيء لم يشهده وإنما كان قبل إسلامه، وهذا كما يحصل من أبي هريرة عندما يحدث بشيء وقع قبل إسلامه، فـ ابن عباس هنا يحدث بشيء كان قبل إسلامه، ومعلوم أن الروايات إنما هي عن الصحابة، وأنهم كانوا يأخذون عن الصحابة، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن الأحاديث التي صرح فيها ابن عباس بالسماع قليلة جداً؛ لأن أكثر روايته إنما هي عن الصحابة, والحافظ ابن حجر ذكر أنه وقف على مواضع كثيرة صرح فيها بالسماع؛ لأن الذي صرح به بالسماع شاهده ولا توجد واسطة بينه وبينه، وأما ما لم يشاهده فإنما هو من الرواية عن الصحابة.(446/12)
شرح حديث (اللهم إني أعوذ بك من البخل والهرم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عيسى حدثنا معتمر قال: سمعت أبي قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من البخل والهرم)].
أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من البخل والهرم)، وفيها قراءتان: قراءة البَخل وقراة البُخل، وليس هناك آية في هذا المعنى، وإنما البُخل جاء في القرآن في مواضع متعددة مثل سورة الحديد: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [النساء:37] فهذا دعاء وليس هناك آية بهذا اللفظ, وهي غير مطابقة للباب الذي ذكره اللهم إلا أن يقال: إن الذي جاء في الحديث مثل الذي جاء في القرآن، فيكون هذا قد جاء على روايتين، وهناك تعدد في الرواية، فرواية بفتح الباء والخاء، ورواية بضم الباء وسكون الخاء.(446/13)
تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أعوذ بك من البخل والهرم)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى].
محمد بن عيسى الطباع ثقة أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا معتمر].
معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: سمعت أبي].
سليمان بن طرخان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: سمعت أنس].
أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(446/14)
شرح حديث (فقال النبي لا (تحسِبن) ولم يقل لا (تحسَبن))
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال: كنت وافد بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فذكر الحديث فقال -يعني: النبي صلى الله عليه وآله وسلم-: ((لا تحسِبن) ولم يقل: {لا تَحْسَبَنَّ} [آل عمران:169])].
حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي قال في القراءة: (لا تحسِبن) بكسر السين، والقراءة الثانية: {لا تَحْسَبَنَّ} يعني: أنه سمعه يقول تحسِبن ولم يقل تحسبَن، ولكن القراءة المشهورة والمعروفة {لا تَحْسَبَنَّ} [آل عمران:169] بفتح السين، فهذه قراءة وهذه قراءة.
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يحيى بن سليم].
يحيى بن سليم صدوق سيئ الحفظ أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إسماعيل بن كثير].
إسماعيل بن كثير أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن عاصم بن لقيط بن صبرة].
عن عاصم بن لقيط ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن أبيه لقيط بن صبرة].
وهو صحابي أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.(446/15)
شرح سبب نزول قوله تعالى: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عيسى حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لحق المسلمون رجلاً في غُنَيمة له فقال: السلام عليكم, فقتلوه وأخذوا تلك الغُنَيمة, فنزلت: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النساء:94] تلك الغنيمة)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس: أن جماعة من المسلمين كانوا يقاتلون الكفار فلحقوا بصاحب غُنيمة -تصغير غنم- وهي مجموعة من الغنم، فلما جاءوا إليه قال: السلام عليكم، فظنوا أنه قال ذلك من أجل أن يسلم على نفسه وعلى غنيمته، فقالوا: إنما قال ذلك من أجل السلامة، وظنوا أنه ما حصل ذلك منه يعني ظاهراً وباطناً فنزلت الآية: ((وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) أي: تلك الغنيمة، ولهذا قال: {كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ} [النساء:94] يعني: كنتم على الحالة التي كان عليها هو الآن من قبل.
والقراءات هي: السلام والسلم، والسلم: هو الاستسلام.(446/16)
تراجم رجال إسناد سبب نزول قوله تعالى: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى حدثنا سفيان].
محمد بن عيسى مر ذكره, وسفيان هو ابن عيينة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عمرو بن دينار].
عمرو بن دينار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء].
هو ابن أبي رباح أخرج له أصحاب الكتب الستة ثقة.
وابن عباس مر ذكره.(446/17)
شرح حديث (أن النبي كان يقرأ: (غير أولي الضرر) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سعيد بن منصور حدثنا ابن أبي الزناد، وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا حجاج بن محمد عن ابن أبي الزناد وهو أشبع، عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} [النساء:95] ولم يقل سعيد: كان يقرأ].
أورد أبو داود حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} [النساء:95]، والقراءة الثانية: (غيرِ أولي الضرر) , فهذا فيه هذه القراءة، ومعلوم أن فيها قراءات وهي: (غيرَ وغيرُ وغيرِ).
قوله: [حدثنا سعيد بن منصور].
سعيد بن منصور ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن أبي الزناد].
هو عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد تعليقاً، ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن, وعبد الرحمن هذا هو أكبر أولاد أبيه أبو الزناد، فأبوه يكنى بـ أبي عبد الرحمن وأبو الزناد ليست كنيته، واسمه عبد الله بن ذكوان , وأبو الزناد لقبه، وهو على صيغة الكنية، وكنيته أبو عبد الرحمن، وهذا هو ابنه الذي يكنى به، وهو يروي عن أبيه، وأما الذي اشتهر به أبوه وهو على صيغة الكنية أبو الزناد فهذا لقب وليس بكنية, ومثل أبي هريرة فهذا لقب له وليس كنية، فليس له ولد اسمه هريرة وإنما هو لقب على صيغة الكنية.
[ح وحدثنا محمد بن سليم].
(ح) للتحول من إسناد إلى إسناد, محمد بن سليمان الأنباري صدوق أخرج له أبو داود.
[حدثنا حجاج بن محمد].
حجاج بن محمد المصيصي الأعور ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي الزناد وهو أشبع] يعني: أن الطريق الثانية أتم وأكمل من الطريق الأولى، فقد ذكره من طريقين وكل منهما ينتهي إلى أبي الزناد، لكن الطريق الثانية التي هي عن شيخ أبي داود محمد بن سليمان الأنباري عن حجاج بن محمد المصيصي عن ابن أبي الزناد أتم وأكمل من الطريق الأولى.
[عن أبيه].
هو أبو الزناد عبد الله بن ذكوان المدني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خارجة بن زيد بن ثابت].
خارجة بن زيد بن ثابت ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو زيد بن ثابت رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ولم يقل سعيد: كان يقرأ].
سعيد هو الشيخ الأول وجملة: (كان يقرأ) ليست عنده.(446/18)
شرح حديث (قرأ رسول الله (والعينُ بالعين))
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء قالا: حدثنا عبد الله بن المبارك حدثنا يونس بن يزيد عن أبي علي بن يزيد عن الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والعينُ بالعين))].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ آية: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة:45] قرأها: (والعينُ بالعين)، وكذلك ما بعدها قرأها بالضم: (العينُ بالعين والأنفُ بالأنف والأذنُ بالأذن والسنُ بالسن والجروحُ قصاص)، والقراءة الأخرى بالنصب: {الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة:45]، وهناك قراءة ثالثة: كلها بالنصب إلا: {الْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة:45] فإنها بالضم.
إذاً: فهي ثلاث قراءات: قراءة بالنصب فيها جميعاً: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة:45] إلى آخرها، وقراءة ثانية: المنصوب هو: (النفسَ بالنفس والعينَ بالعينَ) فما بعدها مرفوع، والقراءة الثالثة: كله منصوب إلا: (والجروحُ قصاص) فإنها مرفوعة، وهذه القراءات كلها ثابتة وصحيحة، ولكن هذا الإسناد فيه مجهول، وأما عن القراءة فهي ثابتة.(446/19)
تراجم رجال إسناد حديث (قرأ رسول الله (والعينُ بالعين))
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[ومحمد بن العلاء].
محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الله بن المبارك].
عبد الله بن المبارك المروزي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يونس بن يزيد].
يونس بن يزيد الأيلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أبي علي بن يزيد].
أبو علي بن يزيد هو أخو يونس بن يزيد وهو مجهول، أخرج حديثه أبو داود والترمذي.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
أنس بن مالك رضي الله عنه مر ذكره.(446/20)
شرح حديث (قرأ رسول الله (والعينُ بالعين)) من طريق ثانية، وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن علي حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن المبارك حدثنا يونس بن يزيد عن أبي علي بن يزيد عن الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: (وكتبنا عليهم فيها أن النفسَ بالنفس والعينُ بالعين)].
وهذا مثل الذي قبله.
قوله: [حدثنا نصر بن علي].
نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبي].
أبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الله بن المبارك حدثنا يونس بن يزيد].
عبد الله بن المبارك فمن بعده هم رجال الإسناد الأول.(446/21)
شرح حديث ((الله الذي خلقكم من ضُعف))
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية بن سعد العوفي قال: (قرأت على عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} [الروم:54] فقال: (من ضُعف) , قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما قرأتها علي فأخذ علي كما أخذت عليك)].
حدثنا محمد بن يحيى القطعي حدثنا عبيد -يعني: ابن عقيل - عن هارون عن عبد الله بن جابر عن عطية عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من ضُعف)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر وحديث أبي سعيد وكلاهما يتعلق بـ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} [الروم:54] وفي قراءة: (ضُعف)، فأورد أولاً حديث ابن عمر أن عطية بن العوفي قال: قرأت على عبد الله بن عمر: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} [الروم:54] فقال: (من ضُعف)، يعني: أنها بضم الضاد بدل فتحها، وقال: إني قرأتها على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنني قلت كما قلت، وأنه أخذ علي كما أخذت عليك، يعني: أنه قال لي: (ضُعف) بدل (ضَعف)، وهما قراءتان، وكذلك الطريقة الثانية.
ومن حيث ثبوت القراءة فإنها ثابتة، وعطية فيه كلام وهو مدلس، لكن قوله هنا: قرأتها في الأول يفيد الاتصال، وهو صدوق يخطئ كثيراً والقراءة ثابتة.
والألباني صحح الحديث.(446/22)
تراجم رجال إسناد حديث ((الله الذي خلقكم من ضُعف))
قوله: [حدثنا النفيلي حدثنا زهير].
زهير بن معاوية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا فضيل بن مرزوق].
فضيل بن مرزوق صدوق يهم، أخرج له البخاري في رفع اليدين ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عطية بن سعد العوفي].
عطية بن سعد العوفي صدوق يخطئ كثيراً ويدلس، أخرج له حديثاً البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن عبد الله بن عمر].
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: [حدثنا محمد بن يحيى القطعي].
محمد بن يحيى القطعي صدوق أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عبيد -يعني: ابن عقيل -].
عبيد بن عقيل صدوق أخرج له أبو داود والنسائي، وفي بعض النسخ المطبوعة في التقريب أبو داود دون النسائي والصواب أبو داود والنسائي، ففي تهذيب الكمال ذكر في آخر ترجمته أنه أخرج له أبو داود والنسائي، وأيضاً قد جاء في أحاديث عند النسائي فيه عبيد بن عقيل هذا.
[هارون].
هارون بن موسى ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن عبد الله بن جابر].
عبد الله بن جابر مقبول أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن عطية عن أبي سعيد].
أبو سعيد هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله تعالى عنه الصحابي الجليل، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(446/23)
شرح قراءة أبي: (بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا)، وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أسلم المنقري عن عبد الله عن أبيه عبد الرحمن بن أبزى قال أبي بن كعب رضي الله عنهما: (بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا).
قال أبو داود: بالتاء].
أورد أبو داود حديث أبي بن كعب رضي الله عنه في قراءة: (بفضل الله فلتفرحوا) والقراءة المشهورة: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58]، فهذا فيه الإشارة إلى هذه القراءة (فلتفرحوا)، وكما قلت: فهذه من القراءات التي يكون فيها الفرق بالنقط؛ لأن هنا قراءة (يفرحوا) وقراءة (تفرحوا) وكلها قراءات صحيحة.
قوله: [حدثنا محمد بن كثير].
هو العبدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان].
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أسلم المنقري].
أسلم المنقري ثقة أخرج له أبو داود.
[عن عبد الله].
عبد الله مقبول أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والنسائي.
[عن أبيه عبد الرحمن بن أبزى].
عبد الرحمن بن أبزى صحابي صغير أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بن كعب].
أبي بن كعب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(446/24)
شرح قراءة أبي: (بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا) من طريق ثانية، وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا المغيرة بن سلمة حدثنا ابن المبارك عن الأجلح حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ: (بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا هو خير مما تجمعون)].
أورد أبو داود طريقاً أخرى، وفيها الإشارة إلى القراءة في (يفرحوا) و (يجمعون) وهي: (تفرحوا وتجمعون)، والقراءة المشهورة (يفرحوا) و (يجمعون) , وكلها قراءات ثابتة.
وفي الأول نسب القراءة إلى أبي , وهنا: عن أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ، وكلاهما قراءة ثابتة.
قوله: [حدثنا محمد بن عبد الله].
هو ابن المبارك المخرمي وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا المغيرة بن سلمة].
المغيرة بن سلمة ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ابن المبارك عن الأجلح].
الأجلح صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي].
وقد مر ذكرهم.(446/25)
شرح حديث (أن النبي قرأ: (إنه عَمِل غير صالح)) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ: (إنه عَمِلَ غير صالح)].
أورد أبو داود حديث أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ: (إنه عَمِلَ غير صالح) يعني: بالفعل الماضي، و (غير) منصوبة على أنها معمول للفعل الماضي، أي: إنه عمل عملاً غير صالح، والقراءة المشهورة: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرَ صَالِحٍ} [هود:46] , وكل منهما قراءة صحيحة ثابتة.
قوله: [حدثنا موسى بن اسماعيل عن حماد عن ثابت].
ثابت بن أسلم البناني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شهر بن حوشب].
شهر بن حوشب صدوق كثير الإرسال والأوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أسماء بنت يزيد].
أسماء بنت يزيد رضي الله عنها صحابية، أخرج لها البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.(446/26)
شرح حديث (أن النبي قرأ (إنه عَمِل غير صالح)) من طريق أخرى، وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو كامل حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن المختار - حدثنا ثابت عن شهر بن حوشب قال: سألت أم سلمة رضي الله عنها: (كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ هذه الآية: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود:46] فقالت: قرأها: (إنه عمِلَ غير صالح))].
وهذا مثل الذي قبله.
قوله: [حدثنا أبو كامل].
هو فضيل بن حسين الجحدري ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن المختار -].
عبد العزيز بن المختار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ثابت عن شهر بن حوشب عن أم سلمة].
يعني: أن الحديث هنا عن أم سلمة وهناك عن أسماء، وأم سلمة هي أم المؤمنين هند بنت أبي أمية رضي الله عنها أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
وقد يرد هنا احتمال وهو: أن كنية أسماء هي أم سلمة، ذكر هذا الحافظ في النكت الظراف، لكن يشكل على هذا أن الإمام أحمد أخرج هذا الحديث في مسنده عن أم سلمة هند بنت أبي أمية.
[قال أبو داود: رواه هارون النحوي وموسى بن خلف عن ثابت كما قال عبد العزيز].
هارون النحوي هو هارون بن موسى الذي مر.
[وموسى بن خلف].
موسى بن خلف صدوق له أوهام أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والنسائي.
[عن ثابت كما قال عبد العزيز].
يعني: مثل رواية عبد العزيز.
وموسى بن خلف ذكروا في ترجمته أنه يعد من الأبدال، والأبدال ما نعلم فيهم حديثاً إلا حديث: (إن الله يبعث لكل أمة من يجدد لها دينها على رأس كل مائة سنة) , فإن هذا هو الثابت، والمقصود بالأبدال الذين يأتي بهم الله عز وجل بعدما يذهب أناس نفع الله بهم، وهم مرجع للناس، ويبينوا للناس أمور دينهم، فيأتي بأناس يحلون محلهم ويقومون مقامهم، والشخص إذا كان معروفاً مشهوراً متميزاً يقولون فيه مثل هذه الكلمة مثل عبد الرحمن بن أبي الحاتم يقال عنه مثل هذه الكلمة: كان يعد من الأبدال.(446/27)
الأسئلة(446/28)
أفضلية الجمع بين تعلم القراءات والفقه في الدين
السؤال
هل يستحب تعلم القراءات والاشتغال بذلك عن الفقه في الدين؟
الجواب
كون الإنسان يشتغل بها عن الفقه في الدين ليس جيداً، بل يتفقه في الدين ويتعلم القراءات لكي يجمع بين الحسنيين.(446/29)
حكم الصلاة بقراءة غير معروفة لدى المصلين
السؤال
هل يستحب القراءة بإحدى هذه القراءات في بلاد الحجاز؟
الجواب
البلاد التي نشأت على قراءة معينة لا يصلح أن يقرأ فيها بغير هذه القراءة؛ لأن هذا يشوش على الناس, لكن كون الإنسان يتعلم ويقرأ بالقراءات من أجل التعلم فهذا طيب، وأما كونه يأتي إلى بلاد لا يعرفون إلا قراءة واحدة ثم يصلي بهم ويقرأ قراءة تشوش عليهم فهذا لا يصلح.(446/30)
حكم التجويد
السؤال
ما حكم تعلم التجويد؟
الجواب
تعلم التجويد من الأمور المستحبة, فكون الإنسان يقرأ قراءة مجودة فهذا من الأمور المستحبة، وسبق أن ذكرت في مناسبات متعددة كلام الحافظ بن حجر الذي ذكره عند شرح حديث ابن مسعود: (هذاً كهذ الشعر) في صحيح البخاري , قال: لا خلاف بين أهل العلم -أو عبارة نحوها- أن القراءة بالتجويد أحسن وأفضل، وأنه يجوز القراءة بدونه.(446/31)
تقديم الأكثر حفظاً للإمامة
السؤال
رجل حافظ غير مجود ورجل مجود غير حافظ أيهما يقدم للصلاة؟
الجواب
الإنسان الأكثر حفظاً إذا كانت قراءته سليمة هو الأولى.(446/32)
أصل علم القراءات
السؤال
ما هو السبب في الاختلاف في القراءات، وما منشأ ذلك رغم أن القراء أخذوا من أئمة محدودين، وما أثر هذا الخلاف في الأحكام؟
الجواب
الخلاف أصله مأخوذ عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فالقراءات إنما هي مأخوذة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أين تأتي القراءات إلا من الرسول عليه الصلاة والسلام؟! لكنها اشتهرت بأسماء أناس معينين وإلا فإن أصلها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.(446/33)
حكم لبس الأحمر الخالص
السؤال
هل لبس الجاكيت الأحمر الخالص فوق الثوب الأبيض أو غيره من الألوان يدخل في النهي الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس الأحمر؟
الجواب
هناك حديث يدل على لبسه، وحديث يدل على عدم لبسه، فقيل: إن المقصود بذلك إذا كان خالصاً، يعني: أن النهي يحمل على ما إذا كان خالصاً، وأما إذا كان معه لون غيره فلا إشكال فيه.
والذي يبدو أن اللبس هو لكل قطعة, ولا يكون معناه: أنه لو كان عليه ثوب آخر غير أحمر يزول المحذور، لا.(446/34)
حكم كتابة المصحف بالرسم الإملائي للحاجة
السؤال
في اختبار القرآن نحن نكتب آيات القرآن بالكتابة الإملائية، فهل هذا يدخل في باب الرخصة أو لا يجوز لنا؟
الجواب
الإنسان الذي يعرف القراءة يكتبها على رسمها، ومادام أن الإنسان يكتب كتابة خاصة لنفسه وهو لا يعرف القراءات فله أن يكتب؛ لأن كتابته هذه لا تعتبر مرجعاً للقرآن.(446/35)
الاختلاف في مكان مقام إبراهيم
السؤال
هل صحيح أن المقام كان ملاصقاً للكعبة، ثم حول من مكانه في زمن عمر؟
الجواب
فيه قولان مشهوران ذكرهما ابن كثير، وأنا ذكرت في الفوائد المنتقاة القولين، والأدلة على كونه في مكانه الذي هو فيه الآن، أو أنه كان تحت الكعبة ثم أخر.(446/36)
حكم تحريك المقام من مكانه والصلاة عنده
السؤال
هل يجوز تحريك المقام من مكانه في زمننا للمصلحة؟
الجواب
فيه خلاف: هل يؤخر أو لا يؤخر؟ ولكن الأولى أن يبقى في مكانه، وقبل ذلك كان يحجز مكاناً؛ لأنه كان فيما مضى على شكل غرفة إلى عهد قريب، وفي زمن الملك فيصل رحمه الله جعل على هذا الوضع الذي هو عليه كأنه عمود لا يؤثر، وأيضاً صار على وجه مدور وليس له زوايا بحيث أنها تؤثر, ومن قبل كان على شكل حجرة مرتفعة وعليه شبك من جميع الجهات، والآن جعل في هذه الزجاجة التي هي على شكل عمود، فالعلماء اختلفوا في زمن فيصل رحمه الله، ولكن رأوا أنه يبقى في مكانه وألا يغير، والمحذور الذي كان موجوداً قد زال بوجوده على وجه لا يؤثر.
لكن على القول بأنه كان عند الحجر ثم أخر وعلى القول بأن هذا هو مكانه وأن هذا هو موضعه ففيه إشكال، ولكن كونه الآن على هذا الوضع الذي هو عليه فإنه على وجه لا يؤثر؛ لكونه مثل العمود وهو مدور، ولا يحصل به ضرر فبقاؤه هو المناسب، وإذا طاف الناس من ورائه فلا يجوز لأحد أن يصلي في المكان؛ لأن الطائفين في المكان أولى من المصلين, فالمصلين يصلون في مكان بعيد من المسجد، ولكن الطائفين يطوفون حول الكعبة، فالذي يأتي ويصلي عند المقام مع كثرة الازدحام هذا خطأ؛ لأن هذا إيذاء للناس وإضرار بهم؛ لأنه يترتب عليه ازدحام، وكون الناس يسقط بعضهم على بعض بسبب وجود واحد يصلي، ثم يستدير الناس حوله ويمنعون الناس من أن يطئوه، فهذا إضرار بالناس لا يجوز.(446/37)
حدّ الغيبة
السؤال
إذا ذكرت شخصاً في نفسي بما يكره هل يعد هذا غيبة؟
الجواب
لا, الغيبة هي الذكر والكلام، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل)، ولكن الإنسان لا يبقي الشيء الذي في ذهنه ويثبته وينميه، وإنما يصرف نفسه عنه.(446/38)
حفظ القرآن بجمع عثمان له
السؤال
إذا كانت الحروف التي نسخها عثمان رضي الله عنه تعتبر قرآناً فإن ذلك ينافي قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]؟
الجواب
معلوم أن حفظه على وضعه هذا هو حفظه، وأما تلك فقد كانت نزلت من أجل التخفيف، والسبب الذي نزلت من أجله قد زال، وقبل ذلك طلب الزيادة ثم طلب الزيادة حتى وصل إلى سبعة أحرف، ولهذا الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على هذا، وأقروا عثمان على هذا العمل، فلو كان ذلك أمراً لازماً متحتماً ما تركوه، إذاً فالقرآن محفوظ، وأما الشيء الذي نزل من أجله التخفيف فقد زال وانتهى, ولا يقال: إنه ترك شيئاً تكفل الله بحفظه؛ لأن هذا الموجود هو الذي تكفل الله بحظفه، والقرآن الذي هو على حرف واحد مشتمل على القراءات.(446/39)
الاستدلال بحديث (لو أن فيكم محدثين) على فضل عمر على سائر الصحابة
السؤال
هل حديث: (لو أن فيكم محدثين لكان عمر) دليل على أن عمر رضي الله عنه أفضل الصحابة؟
الجواب
لا, بل يدل على فضله لا على أفضليته، ومعلوم أن أبا بكر أفضل منه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيئاً يدل على أنه لا يمكن أن يساويه أحد، والحديث ليس معناه أن هذا الذي حصل لـ عمر مقصور عليه، وهناك أمور مقصورة على أبي بكر كالحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله البجلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً) , فأخبر عن أمر لا يكون أن لو كان كيف يكون، وأمر ما وقع ولا يقع، لكن لو وقع فإن الأولى به أبو بكر رضي الله عنه, فهذا يدل على أفضليته على غيره؛ لأنه أخبر عن شيء لا يكون وهو أن يتخذ الرسول خليلاً، لكنه لو كان متخذاً خليلاً لكان الخليل المتخذ هو أبا بكر رضي الله عنه.(446/40)
شرح سنن أبي داود [447]
قد تختلف الأحاديث الواردة في القراءات صحة وضعفاً، إلا أن القراءة قد تكون ثابتة بأسانيد ثابتة محفوظة بحفظ الله تعالى، حتى وإن وجد في رسم المصحف ما يخالف ما ثبتت أسانيده أو تواترت قراءته في قراءات أخرى.(447/1)
تابع ما جاء في الحروف والقراءات(447/2)
شرح حديث (كان رسول الله إذا دعا بدأ بنفسه)
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى عن حمزة الزيات عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا دعا بدأ بنفسه، وقال: رحمة الله علينا وعلى موسى لو صبر لرأى من صاحبه العجب، ولكنه قال: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي} [الكهف:76]) طولها حمزة].
سبق البدء بكتاب الحروف والقراءات، وعرفنا أن الحروف يحتمل أن يراد بها الأحرف السبعة، ويحتمل أن يكون المراد بها القراءات، ولكن الذي يظهر أن المراد بها القراءات وليس الأحرف السبعة؛ لأن كل الأحاديث التي أوردها أبو داود رحمه الله في هذا الكتاب إنما هي في القراءات وليس شيئاً منها في الأحرف السبعة، أما الحديث الذي يتعلق بالأحرف السبعة فقد أورده أبو داود رحمه الله في كتاب الوتر حيث قال هناك: [باب أنزل القرآن على سبعة أحرف]، وذكر في ذلك الحديث المتعلق بهذا، وعلى هذا فتكون الحروف هنا بمعنى القراءات، والحروف يقال لها قراءات.
وسيأتي في كلام أحد القراء تعبيره عن القراءات بالحروف إشارة إلى ما تضمنته هذه الأحاديث التي أوردها أبو داود رحمه الله في هذا الكتاب الذي هو كتاب الحروف والقراءات، وقد أورد هنا حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا بدأ بنفسه وقال: رحمة الله علينا وعلى موسى)، يعني: في قصته مع الخضر عندما جاء وأشار إلى اجتماعه مع الخضر، وأنه سأل عن أسئلة، وأنه كان لا يصبر على الأشياء التي يراها وهي غريبة وعجيبة، فكان يسأله حتى أنه بعد ذلك قال: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} [الكهف:76]، وبعد ذلك سأله سؤالاً فقال: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف:78].(447/3)
تفاضل الأنبياء
قال: (رحمة الله علينا وعلى موسى لو صبر لرأى من صاحبه العجب)، يعني: لرأى من الخضر مثل هذه القصص التي هي عجيبة وغريبة، وهذا كما هو معلوم من إطلاع الله عز وجل للخضر على هذه الأمور، ولا يعني ذلك أنه أفضل من موسى، فموسى عليه الصلاة والسلام أفضل الرسل بعد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وبعد إبراهيم، فهو يلي الخليلين محمداً وإبراهيم عليهما السلام، وهو من أولي العزم من الرسل.
والخضر اختلف فيه هل هو نبي أو ولي؟ ولكن الصحيح أنه نبي وليس بولي؛ لأن ما جاء في سياق هذه الآية التي تتعلق بقصة موسى مع الخضر واضح في أنه نبي، وفي أولها وآخرها ما يدل على ذلك، وأيضاً جاء في نفس الحديث أنه قال لما لقيه: (أنا على علم من الله لا تعلمه، وأنت على علم من الله لا أعلمه)، يعني: كل واحد منهما قد أوحى الله إليه بما شاء، وكونه جاء إلى الخضر وأراد أن يستفيد منه لا يدل على أن المستفاد منه أفضل من موسى، بل أفضل الرسل الخليلان محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام، ثم بعدهما كليم الرحمن موسى عليه الصلاة والسلام.
ونبينا محمد أيضاً هو كليم؛ لأنه خليل وكليم، وإبراهيم خليل، وموسى كليم، ونبينا محمد عليه السلام اجتمع فيه ما تفرق في غيره.(447/4)
خرافة الخضر في قصص واعتقاد الصوفية
ما جاء في الآيات والأحاديث يدل على أن الخضر نبي وليس بولي، وبعض الناس ولاسيما أهل الخرافة والتصوف يبالغون في مسألة الخضر وأنه موجود في الدنيا، وأنه يلتقي ببعض الناس، وأنه معمر، وأنه باق.
وهذا كلام غير صحيح، إذ لو كان الخلد لأحد لكان لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34]، والخضر بشر، فما جعل الله الخلد لأحد قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حتى يكون له، والله تعالى كتب الموت والفناء على كل حي، فليس الخضر بحي.
وقد استدل على ذلك بأدلة منها هذه الآية الكريمة التي أشرت إليها: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34]، وكذلك كون النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر يلجأ إلى الله عز وجل ويفزع إليه، ويسأله أن ينصر العصابة التي معه ويقول: (اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض) والشاهد أن هؤلاء هم المؤمنون ولو هلكوا فإن الخضر موجود يعبد الله، والرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: (إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض).
ثم أيضاً لو كان الخضر موجوداً كيف يكون في الدنيا يسرح ويمرح ولا يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويتشرف بلقائه ولو مرة واحدة؟ وكيف لا يكون معه ويؤيده وينصره؟ إن كل هذا يدل على أنه غير موجود، وأنه قد مات كما مات غيره من الأنبياء الذين تقدموا.
وكذلك الحديث الذي فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في آخر حياته، وكان في ليلة من الليالي ورأى طفلاً صغيراً قال: (إنه لن تأتي مائة سنة ونفس تطرف ممن هو موجود الآن) , فمعنى هذا أنه لن يبقى أحد بعد مائة سنة من هذا الكلام الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً: الأدلة تدل على أنه نبي وليس بولي؛ لأن الأولياء إنما يحصلون الخير باتباع الأنبياء، والأولياء لا ينزل عليهم وحي، وإنما يأخذون الوحي والحق والهدى ممن ينزل عليهم الوحي وهم الرسل والأنبياء، إذاً الخضر نبي وليس بولي، وهو ميت وليس بحي.
كل هذه أمور تدل على موته وعدم بقائه.(447/5)
موافقة حمزة لقراءة حفص عن عاصم في قراءة (لدني) بالتشديد
قال: [(لرأى من صاحبه العجب، ولكنه قال: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي} [الكهف:76]) , طولها حمزة].
قال: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} [الكهف:76]؛ لأنه في المرة الأولى عندما ركب في السفينة وخرقها استغرب وقال: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا * فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا * فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف71 - 78]، يعني: بناء على قوله الذي التزمه وأبداه حيث قال: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} [الكهف:76].
وقد أورد أبو داود الحديث من أجل قوله: ((مِنْ لَدُنِّي)) يعني: أنها بالتشديد، وهي قراءة أكثر القراء، ومنهم حمزة الذي جاء في الإسناد، والذي قال عنه أبو داود هنا: [طولها حمزة]، يعني: ثقل النون من: (لدُنِّي)؛ لأن في إحدى القراءات (لَدُنِي) وقراءة حمزة وقراءة عاصم بن أبي النجود التي بين أيدينا: ((قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا)).
قال: [طولها حمزة] وحمزة هو ابن حبيب الزيات أحد القراء السبعة, وقد جاء ذكره في هذا الإسناد.
والقراء السبعة هم: حمزة بن حبيب الزيات ونافع بن عبد الرحمن وعاصم بن أبي النجود وابن عامر وابن كثير وأبو عمرو بن العلاء والكسائي.
هؤلاء هم القراء السبعة المشهورون أصحاب القراءات السبع، ومنهم حمزة الذي جاء معنا في هذا الإسناد.(447/6)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا دعا بدأ بنفسه)
قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى].
إبراهيم بن موسى الرازي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عيسى].
عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حمزة الزيات].
حمزة بن حبيب الزيات صدوق ربما وهم أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي إسحاق].
أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جبير].
سعيد بن جبير ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[عن أبي بن كعب].
أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه، صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأحد القراء المشهورين في الصحابة رضي الله تعالى عنه، وهو الذي سأله النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (أي آية في كتاب الله أعظم؟ فقال: الله ورسوله أعلم، فقال: أي آية في كتاب الله أعظم؟ فقال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] فضرب على صدره، وقال: ليهنك العلم أبا المنذر) , وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البينة:1] قال: أو سماني لك يا رسول الله؟ قال: نعم, فبكى أبي) يعني: فرحاً وسروراً بكون الله أمر رسوله أن يقرأ عليه.(447/7)
مواضع استخدام (لو) في الحديث النبوي
قوله في الحديث: [(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدأ بنفسه)]، يعني: عندما يدعو لغيره يبدأ بنفسه، وقد جاء في القرآن في قصة نوح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} [نوح:28]، فبدأ بنفسه عليه الصلاة والسلام.
وقال: (رحمة الله علينا وعلى موسى لو صبر) , وقال في حديث آخر: (فإن لو تفتح عمل الشيطان)، فكيف يجمع بينهما؟ نقول: لو هذه تفتح عمل الشيطان إذا كانت فيما يتعلق في الاعتراض على القدر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذه الجملة تابعة لكلام؛ وذلك في حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم في صحيحه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء الله فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) فهذه قالها فيما يتعلق بالقدر، مثلما لو قال: لو أنني ما سافرت ما حصلت لي هذه المشكلة وهذا الحادث, لو أني ما دخلت في هذه التجارة ما خسرت، وهكذا.
فلا يعلم الغيب إلا الله، ولكن الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ليس من هذا القبيل؛ لأن هذه قصص عجيبة وغريبة وعنده مثلها، ولو أن موسى صبر لرأى عجباً كما رأى في هذه الأمور العجب.
وأما الذي فيه لو تفتح عمل الشيطان فهو من قبيل: (لو أني فعلت لكان كذا وكذا) يعني: شيء حصل له فتألم منه وتأثر، وقال: (لو أني فعلت لكان كذا وكذا).(447/8)
شرح حديث (أنه قرأها (قد بلغت من لدني) وثقلها) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبد الرحمن أبو عبد الله العنبري حدثنا أمية بن خالد حدثنا أبو الجارية العبدي عن شعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه قرأها: ((قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي)) [الكهف:76] وثقلها)].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن أبي وأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها: ((قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا)) مثل القراءة السابقة التي قال فيها: [طولها حمزة].
قوله: [حدثنا محمد بن عبد الرحمن أبو عبد الله العنبري].
محمد بن عبد الرحمن أبو عبد الله العنبري ثقة أخرج له أبو داود.
[حدثنا أمية بن خالد].
أمية بن خالد صدوق أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا أبو الجارية العبدي].
أبو الجارية العبدي مجهول أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن شعبة].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب].
وقد مر ذكر الأربعة.(447/9)
فائدة في طول وقصر الأسانيد
فائدة: أبو الجارية قال عنه الحافظ: من العاشرة.
وشعبة كما هو معلوم أدركه بعض شيوخ أبي داود، ومثل سفيان الثوري وقتيبة بن سعيد، ومحمد بن كثير العبدي، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي كل هؤلاء أدركوا المتقدمين، فيمكن أن يكون من العاشرة وأن يكون ممن أدرك شعبة.
وكما هو معلوم أن الأسانيد تكون عالية وتكون نازلة، ومعلوم أن العلو والنزول المسافة واحدة, ولكن النزول أن يكثر الرواة في سند فيطول، والعلو أن يقل الرواة في سند فيقصر، والمدة هي نفس المدة, فمثلاً أبو داود عنده أحاديث عشارية، وعنده أحاديث رباعية, فله أحاديث بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم عشرة أشخاص, وأخرى بينه وبين الرسول أربعة أشخاص, فيكون الرواة يروي بعضهم عن بعض فينزل السند، وكلهم في مدة واحدة, وكلهم شيوخ لـ أبي داود فقد يكون فيهم قبل شيخه ثلاثة، وفي بعض الأسانيد قبل شيخه شيخه تسعة أشخاص, وبعض الأحاديث يكون فيها ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض في إسناد واحد، مثل حديث: (إنما الأعمال بالنيات) فإن هذا الحديث يرويه عن عمر بن الخطاب علقمة بن وقاص الليثي وهو من كبار التابعين، ويرويه عن علقمة بن وقاص محمد بن إبراهيم التيمي، وهو من أوساط التابعين، ويرويه عن محمد بن إبراهيم يحيى بن سعيد الأنصاري وهو من صغار التابعين, فثلاثة من التابعين في إسناد واحد وهم في طبقة واحدة, إلا أن بعضهم من كبارها ومن أوساطها ومن صغارها.
والإسناد فيه رجل مجهول، ولكن كما هو معلوم القراءة متواترة، والإسناد الذي قبله صحيح.(447/10)
شرح حديث ((في عين حمئة) مخففة) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن مسعود بن المصيصي حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا محمد بن دينار حدثنا سعد بن أوس عن مصدع أبي يحيى قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: (أقرأني أبي بن كعب رضي الله عنه كما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: {فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف:86] مخففة).
].
أورد أبو داود هذا الحديث عن ابن عباس: (أن أبي بن كعب أقرأه كما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم {فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف:86] مخففة) يعني: ليس فيها مد كالقراءة التي ستأتي وهي (حامية)، وكلها قراءات صحيحة ثابتة، و (حامية) إحدى القراءات، فهذه قراءة وهذه قراءة، (فحمئة) ليس فيها مد.
قوله: [حدثنا محمد بن مسعود المصيصي].
محمد بن مسعود المصيصي ثقة أخرج له أبو داود.
[حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث].
عبد الصمد بن عبد الوارث صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد بن دينار].
محمد بن دينار صدوق سيئ الحفظ أخرج له أبو داود والترمذي.
[حدثنا سعد بن أوس].
سعد بن أوس صدوق له أغاليط أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن مصدع أبي يحيى].
مصدع أبي يحيى هو الأعرج مقبول أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن عباس عن أبي بن كعب].
وقد مر ذكرهما.(447/11)
شرح حديث (إن الرجل من أهل عليين ليشرف على أهل الجنة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن الفضل حدثنا وهيب -يعني: ابن عمرو النمري - أخبرنا هارون أخبرني أبان بن تغلب عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إن الرجل من أهل عليين ليشرف على أهل الجنة فتضيء الجنة لوجهه كأنها كوكب دري -قال: وهكذا جاء الحديث (دريٌ) مرفوعة الدال لا تهمز- وإن أبا بكر وعمر لمنهم وأنعما)].
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً قال: (إن الرجل من أهل عليين ليشرف على أهل الجنة فتضيء الجنة لوجهه كأنها كوكب دري)، يعني: الذي يضيء من فوق الأرض، فكذلك هذا الذي يكون في أعلى الجنة وينظر إلى أهل الجنة دونه، فتضيء الجنة كما يضيء الكوكب الدري للأرض.
(وإن أبا بكر وعمر لمنهم وأنعما) يعني: أنهما منهم وهما أهل لذلك الفضل.
والحديث ليس فيه ذكر شيء من القراءات، ولكن فيه كلمة قد جاءت في القرآن، وقد جاءت في الحديث هنا: (كوكب دري) يعني: بدون همز، وفيها قراءات متعددة، لكن القراءة المشهورة هي قراءة عاصم التي بين أيدينا: {كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [النور:35] بدون همز، وفي بعض القراءات بهمز.(447/12)
تراجم رجال إسناد حديث (إن الرجل من أهل عليين ليشرف على أهل الجنة)
قوله: [حدثنا يحيى بن الفضل] يحيى بن الفضل صدوق أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[حدثنا وهيب -يعني: ابن عمرو النمري -].
وهيب بن عمرو النمري مستور، أخرج له أبو داود وابن ماجة في التفسير، وكلمة مستور بمعنى مجهول الحال.
[أخبرنا هارون].
هارون هو ابن موسى ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[أخبرني أبان بن تغلب].
أبان بن تغلب ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن عطية العوفي].
عطية العوفي صدوق يخطئ كثيراً ويدلس، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبي سعيد الخدري].
أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث في سنده رجل مجهول الحال، وهيب بن عمرو النمري: وفيه أيضاً عنعنة عطية، ولكن القراءة بهذا اللفظ متواترة.(447/13)
شرح حديث (أخبرنا عن سبأ ما هو)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة وهارون بن عبد الله قالا: حدثنا أبو أسامة حدثني الحسن بن الحكم النخعي حدثنا أبو سبرة النخعي عن فروة بن مسيك الغطيفي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكر الحديث، فقال رجل من القوم: (يا رسول الله! أخبرنا عن سبأ ما هو؛ أرض أم امرأة؟ فقال: ليس بأرض ولا امرأة، ولكنه رجل ولد عشرة من العرب، فتيامن ستة وتشاءم أربعة).
قال عثمان: الغطفاني مكان الغطيفي، وقال: حدثنا الحسن بن الحكم النخعي].
أورد أبو داود حديث فروة بن مسيك الغطيفي رضي الله عنه، أنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، يعني: أنه يوجد كلام قبل هذا الكلام طوي وأشار إليه بقوله: فذكر الحديث، ووصل إلى الشيء الذي يريده.
(فقال رجل من القوم: يا رسول الله! أخبرنا عن سبأ هل هو أرض أو امرأة؟) يعني: هل المقصود بها أرض أم امرأة، وهي التي جاءت في القرآن في موضعين في سورة سبأ وفي سورة النمل: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل:22]، {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ} [سبأ:15]، وهذه الكلمة فيها قراءتان: قراءة الجمهور وهي التي في قراءة عاصم {منْ سَبَإٍ} [النمل:22] بهمزة مكسورة، وفي قراءة أخرى مع الفتح.
(رجل ولد عشرة من العرب فتيامن ستة وتشاءم أربعة)، (تيامن) يعني صاروا في اليمن، (وتشاءم) صاروا في الشام، أي: سنة سكنوا اليمن والأربعة سكنوا الشام.(447/14)
تراجم رجال إسناد حديث (أخبرنا عن سبأ ما هو)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[وهارون بن عبد الله].
هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا أبو أسامة].
أبو أسامة حماد بن أسامة البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني الحسن بن الحكم النخعي].
الحسن بن الحكم النخعي صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي في مسند علي وابن ماجة.
[حدثنا أبو سبرة النخعي].
عبد الله بن عابس مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن فروة بن مسيك].
فروة بن مسيك رضي الله عنه وحديثه أخرجه أبو داود والترمذي.
[قال عثمان: (الغطفاني) مكان: (الغطيفي)].
عثمان هو الشيخ الأول لـ أبي داود، لأنه ذكر شيخين عثمان وهارون بن عبد الله، وهو ساقه على لفظ هارون الشيخ الثاني، فقال: (الغطيفي)، ولما ساقه على لفظ شيخه الثاني أشار إلى الاختلاف الذي بينه وبين الشيخ الأول حيث عبر شيخه الأول بـ (الغطفاني) وهذا عبر بـ (الغطيفي).
[وقال: حدثنا الحكم بن حسن النخعي].
هارون قال: (حدثني) وعثمان قال: (حدثنا) والفرق بينهما أنهم يستعملون (حدثني) فيما إذا كان التلميذ سمع من الشيخ وحده وليس معه أحد، ولكن إذا حدثه ومعه غيره عبر بـ (حدثنا).(447/15)
شرح حديث (فذلك قوله تعالى (حتى إذا فزع عن قلوبهم)) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عبدة وإسماعيل بن إبراهيم أبو معمر الهذلي عن سفيان عن عمرو عن عكرمة أنه قال: حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم -قال إسماعيل: عن أبي هريرة رواية- فذكر حديث الوحي، قال: (فذلك قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [سبأ:23])].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه في ذكر حديث الوحي ثم قال: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [سبأ:23] يعني: القراءة بالتشديد، وهذه هي القراءة المشهورة التي بين أيدينا، وهي قراءة عاصم.
قوله: [حدثنا أحمد بن عبدة].
أحمد بن عبدة الضبي الكوفي ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[وإسماعيل بن إبراهيم أبو معمر الهذلي].
إسماعيل بن إبراهيم أبو معمر الهذلي ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[عن سفيان عن عمرو].
سفيان هو ابن عيينة، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وعمرو بن دينار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة].
عكرمة مولى ابن عباس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: حدثنا أبو هريرة].
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثرهم على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
[قال إسماعيل: عن أبي هريرة رواية].
إسماعيل هو الشيخ الثاني (عن أبي هريرة رواية) يعني ذاك قال: حدثنا أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وصرح بقوله: (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وأما إسماعيل فقال: (عن أبي هريرة رواية)، ورواية هي بمعنى (حدثنا)، إلا أنها كلمة تؤدي المعنى، ولهذا فقولهم: (رواية أو يرفعه أو ينميه) كل هذه عبارات بمعنى الرفع، فبدلاً من أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، يأتي الراوي عنه فيقول: ينميه، أو يرفعه، أو رواية، أو يرويه.
وهذا يبين مدى العناية والدقة التي عند المحدثين؛ لأن أبا داود رحمه الله لما ذكر الإسناد عن طريق الشيخين ذكر أن أحدهما فرق بين إضافته للنبي صلى الله عليه وسلم من أبي هريرة، فأحدهما قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم، والثاني قال: عن أبي هريرة رواية، يعني: رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم.(447/16)
شرح حديث (قراءة النبي (بلى قد جاءتكِ آياتي))
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن رافع النيسابوري حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي سمعت أبا جعفر يذكر عن الربيع بن أنس عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها قالت: (قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((بلى قد جاءتكِ آيَاتِي فكذبتِ بها وَاستكبرتِ وكنتِ من الكافرين))) قال أبو داود: هذا مرسل؛ الربيع لم يدرك أم سلمة].
أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ: ((بلى قد جاءتكِ آيَاتِي فكذبتِ بها وَاستكبرتِ وكنتِ من الكافرين)) والقراءة المشهورة: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الزمر:59]، والقراءة هذه التي فيها التأنيث ترجع إلى النفس، {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا} [الزمر:56] فالخطاب للنفس، والنفس مؤنثة، وهي بمعنى الإنسان، فعلى قراءة: ((بلى قد جاءتكِ آيَاتِي فكذبتِ بها)) جاءت النفس على أنها بمعنى الإنسان، على اعتبار أنه لفظ مؤنث، كما قال: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس:7 - 8].(447/17)
معنى المرسل والمنقطع في اصطلاح المحدثين
[قال أبو داود: هذا مرسل، الربيع لم يدرك أم سلمة].
هذا مرسل بالمعنى العام، وهو غير المشهور في اصطلاح المحدثين؛ لأن المرسل عند المحدثين هو: ما قال فيه التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وأما بالمعنى العام فإنه يأتي للانقطاع فيقال: مرسل، وهو أن الراوي يروي عن شخص ما لقيه أو ما أدركه، فهو أعم من المرسل في الاصطلاح المشهور عند المحدثين، وهو الذي قصروه على كون التابعي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا يقال في تعريفه كما قال بعض العلماء وهو تعبير غير دقيق: الذي سقط منه الصحابي، مثلما يقول صاحب البيقونية: (ومرسل منه الصحابي سقط)، فهذا التعبير غير دقيق، والتعبير الدقيق أن يقال: ما قال فيه التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لو لم يسقط إلا الصحابي فلا مشكلة، والحديث صحيح، ولا يكون ضعيفاً؛ لأن جهالة الصحابة لا تؤثر، فلو عرف أنه لم يسقط إلا صحابي فإن الإسناد ليس فيه شيء، خصوصاً إذا كان التابعي الذي أرسل ثقة، وإنما اعتبروه من قبيل الضعيف، لأن التابعي إذا قال: قال رسول الله، يحتمل أن يكون الساقط صحابياً أو تابعياً، وعلى فرض أنه تابعي يحتمل أن يكون ثقة وأن يكون ضعيفاً، ومن أجل الاحتمال الثاني اعتبروه ضعيفاً.
والمرسل من قبيل المردود وليس من قبيل المقبول.
والانقطاع له أحوال: إما أن يكون في أعلى السند بأن يقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يكون في أوله فيقال إنه معلق، أو أن يكون فيه راويان متواليان فأكثر فيقال له معضل، أو يسقط من الإسناد واحد أو أكثر من واحد ولكنهم متفرقون فيقال له: منقطع، ولكن الانقطاع بالمعنى العام هو من هذا القبيل الذي ذكره أبو داود هنا لما قال: مرسل؛ لأنه لا توجد إضافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هنا أضافه إلى أم سلمة، فإذاً الانقطاع أو الإرسال وقع بين الربيع بن أنس وإضافته إلى أم سلمة وهو لم يدركها، فهو مرسل بالمعنى العام المشهور الذي هو بمعنى المنقطع.
وهو من المرسل الجلي لا الخفي.
والمرسل الخفي هو أن يروي عمن عاصره ولم يعرف أنه لقيه، وأما إذا كان لم يدركه فإنه يكون مرسلاً جلياً وواضحاً، والمرسل الخفي شبيه بالمدلس؛ لكن التدليس خاص بمن عرف لقاؤه إياه، أما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي.(447/18)
تراجم رجال إسناد حديث (قراءة النبي (بلى قد جاءتكِ آياتي))
قوله: [حدثنا محمد بن رافع النيسابوري].
محمد بن رافع النيسابوري هو شيخ مسلم وغيره، ولكن روى له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة، فهو ثقة، ولكن مسلماً أخرج له وأكثر من الرواية عنه، وكل الأحاديث التي في صحيح مسلم من صحيفة همام بن منبه هي من طريق شيخه محمد بن رافع النيسابوري، ومحمد بن رافع هذا هو من قبيلته؛ لأن مسلماً قشيري وهذا قشيري، ومسلم نيسابوري وهذا نيسابوري، فهو شيخه وبلديه وقبيلتهما واحدة.
[حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي].
إسحاق بن سليمان الرازي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت أبا جعفر].
هو الرازي، عيسى بن أبي عيسى، سيئ الحفظ أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن الربيع بن أنس].
الربيع بن أنس صدوق له أوهام أخرج له أصحاب السنن.
[عن أم سلمة].
أم سلمة أم المؤمنين هند بنت أبي أمية رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.(447/19)
شرح حديث (سمعت النبي يقرؤها (فروح وريحان))
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هارون بن موسى النحوي عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرؤها: {فَرُوْحٌ وَرَيْحَانٌ} [الواقعة:89])].
مر في الإسناد السابق: [حدثنا يحيى بن الفضل حدثنا وهيب -يعني: ابن عمرو النمري - أخبرنا هارون].
فـ هارون كان بينه وبين أبي داود اثنين، وهنا مسلم بن إبراهيم يروي عنه مباشرة، فليس بينه وبينه إلا واحد في هذا الإسناد، ومسلم بن إبراهيم متقدم؛ لأنه معمر، وقد أدرك المتقدمين، مثل قتيبة بن سعيد، فقد ولد سنة مائة وخمسين، ومات سنة مائتين وأربعين، فعمر تسعين سنة، حتى أدرك شعبة وأدرك سفيان الثوري وهم متقدمون، ولهذا كما قلت: الأسانيد تطول وتقصر باعتبار تتابع الرواة ورواية بعضهم عن بعض وكثرتهم في زمن واحد، وقد تطول بمعنى أن شخصاً معمراً يروي في صغره، ثم يروي عنه أحد في صغره، ثم يعمر ويروي عنه واحد في كبره فيقصر الإسناد.
[قالت: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها: {فَرُوْحٌ وَرَيْحَانٌ} [الواقعة:89])].
(فروح) بضم الراء بدل فتحها.(447/20)
تراجم رجال إسناد حديث (سمعت النبي يقرؤها (فروح وريحان))
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هارون بن موسى النحوي عن بديل بن ميسرة].
بديل بن ميسرة ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن شقيق].
عبد الله بن شقيق العقيلي، ثقة فيه نصب أخرج له البخاري الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
عندما يقال: (فيه تشيع) معناه أن عنده ميلاً إلى أهل البيت، والناصبة عندهم ميل إلى غيرهم، ومعلوم أن أهل البيت والصحابة تجب محبتهم كلهم وموالاتهم، وأن تكون منزلة الجميع في القلوب على أحسن حال، فهذه من الأشياء التي يغمز بها بعض الأشخاص، يقال: فيه تشيع، فيه نصب، رمي بالقدر بالإرجاء إلى آخره.
وشيخ الإسلام ابن تيمية ذكر في العقيدة الواسطية أن من أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويذمونهم، ومن طريقة النواصب الذين يذكرون أهل البيت بما لا يليق بهم.(447/21)
شرح حديث (سمعت النبي على المنبر يقرأ (ونادوا يا مالك))
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل وأحمد بن عبدة قالا: حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء قال ابن حنبل: لم أفهمه جيداً عن صفوان، قال ابن عبدة: ابن يعلى، عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر يقرأ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} [الزخرف:77]).
قال أبو داود: يعني: بلا ترخيم].
أورد أبو داود حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: ((يَا مَالِكُ)) [الزخرف:77] بلا ترخيم)) أي: فيه الكاف، والترخيم أن تحذف منه الكاف ويضم ما قبلها فيقال: (يا مالُ) بدل (يا مالك)، واللفظ المرخم هو الذي يحذف منه آخر حرف، ثم يعطى الحرف الذي قبله الحركة التي له.
كما لو قال: أعائش، بدل عائشة.(447/22)
تراجم رجال إسناد حديث (سمعت النبي على المنبر يقرأ (ونادوا يا مالك))
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[وأحمد بن عبدة قالا: حدثنا سفيان].
أحمد بن عبدة مر ذكره، وسفيان هو ابن عيينة.
[عن عمرو عن عطاء].
عمرو بن دينار مر ذكره، وعطاء بن أبي رباح ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال ابن حنبل: لم أفهمه جيداً عن صفوان].
يعني: رواية عمرو عن عطاء لم يفهمها جيداً (عن صفوان)، ويعني: أن الإسناد اتصل عن عطاء.
وصفوان بن يعلى ثقة أخرج له أصحاب الكتب.
أي: أن رواية أحمد عن صفوان فقط ولم ينسبه، وأما أحمد بن عبدة الشيخ الثاني فقد نسبه، فقال: ابن يعلى.
[عن أبيه].
يعلى بن أمية صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.(447/23)
شرح حديث (أقرأني رسول الله (إني أنا الرزاق ذو القوة المتين))
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن علي أخبرنا أبو أحمد أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (أقرأني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إني أنا الرزاق ذو القوة المتين))].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني أنا الرزاق ذو القوة المتين))، والقراءة التي بين أيدينا: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58].
وهذه من القراءات التي لا يتحملها الرسم؛ لأن الرسم أحياناً يتحمل القراءات، وأحياناً لا يتحملها كما هنا: (إني أنا الرزاق) والقراءة المشهورة عندنا فيها (إن الله)، والرسم لا يتحمل، إلا القراءة الثانية.
وهي ليست من القراءات العشر المشهورة، والإسناد صحيح، ولكن القراءة غير متواترة أي أنها شاذة، لكن قد يأتي في القراءة المتواترة زيادة حرف، وكما أسلفت أن هذه مما لا يتحملها الرسم؛ لأن المصاحف وزعت، وبعضها فيه شيء يتحمله الرسم وشيء لا يتحمله الرسم، فليست القضية أنه لا يوجد في القراءات شيء لا يتحمله الرسم، بل يوجد ذلك مثل زيادة واو ونقص واو؛ وهذه لا يتحملها الرسم.
وابن مسعود له مصحف، ولكن بعد جمع القرآن على يد عثمان لم يكن بأيدي الناس إلا هذه المصاحف التي جمعها عثمان رضي الله عنه، ولكن هذه المصاحف منها ما يتحد في الرسم بالقراءات، ومنها ما يتفاوت في الرسم، مثل زيادة واو أو نقص واو؛ لأن هذه لا يتحملها الرسم، فتكون في أحد المصاحف، إذ بعض المصاحف فيها ما ليس في الآخر، وكلها صحيحة.(447/24)
تراجم رجال إسناد حديث (أقرأني رسول الله (إني أنا الرزاق ذو القوة المتين))
قوله: [حدثنا نصر بن علي].
نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، اسم أبيه يوافق اسم جد أبيه، نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا أبو أحمد].
هو محمد بن عبد الله الزبيري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا إسرائيل].
إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
هو عمرو بن عبد الله الهمداني مر ذكره.
[عن عبد الرحمن بن يزيد].
عبد الرحمن بن يزيد النخعي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله].
عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(447/25)
شرح حديث (أن النبي كان يقرؤها (فهل من مدكر)) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرؤها: {فَهل مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:15] يعني: مثقلاً).
قال أبو داود: مضمومة الميم مفتوحة الدال مكسورة الكاف].
عن عبد الله بن مسعود أن النبي كان يقرؤها: (فهل من مدكر) في سورة القمر، يعني مضمومة الميم مكسورة الكاف مثقلة الدال، وهذه هي القراءة المشهورة.
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
شعبة بن الحجاج، وأبو داود في الإسناد السابق يروي عن شعبة وكان بينه وبينه ثلاثة، وهنا بينه وبينه واحد، أي أن حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم وقتيبة بن سعيد وأشخاصاً تكرر ذكرهم يدركون المتقدمين.
[عن أبي إسحاق عن الأسود].
الأسود بن قيس النخعي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله].
عبد الله مر ذكره.(447/26)
شرح حديث (رأيت النبي يقرأ (أيحسب أن ماله أخلده))
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري حدثنا سفيان حدثني محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ: (أيحسب أن ماله أخلده))].
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: (أيحسب أن ماله أخلده)) وقد سبق أن مر بنا آية مثلها فيها القراءتان في أول كتاب الحروف والقراءات، وهي: (لا تحسبَن) و (لا تحسبِن).(447/27)
تراجم رجال إسناد حديث (رأيت النبي يقرأ (أيحسب أن ماله أخلده))
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
أحمد بن صالح المصري، ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري].
عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري صدوق أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا سفيان حدثني محمد بن المنكدر].
سفيان هو الثوري، ومحمد بن المنكدر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(447/28)
شرح حديث قراءة رسول الله (فيومئذ لا يعذَّب عذابه أحد ولا يوثَق وثاقه أحد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن خالد عن أبي قلابة عمن أقرأه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ({فيومئذٍ لا يُعَذَّب عذابه أَحد * وَلا يوثَق وثاقه أَحد} [الفجر:25 - 26]).
قال أبو داود: بعضهم أدخل بين خالد وأبي قلابة رجلاً].
أورد أبو داود هذا الحديث عن أبي قلابة عمن أقرأه، يعني: أنه مجهول مبهم، وهو صحابي، ومعلوم أن جهالة الصحابة لا تؤثر.
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها: (فيومئذ لا يعذَّب عذابه أحد) (ولا يوثَق وثاقه أحد)، وهذه إحدى القراءات، والقراءة المشهورة: {لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:25 - 26].(447/29)
تراجم رجال إسناد حديث قراءة رسول الله (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن خالد].
خالد هو خالد بن مهران الحذاء ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي قلابة].
أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.(447/30)
شرح حديث قراءة (فيومئذ لا يعذَّب) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة قال: أنبأني من أقرأه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو من أقرأه من أقرأه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (فيومئذ لا يعذَّب)].
هذه رواية أخرى، ولكن فيها شك من خالد: هل الذي أقرأه صحابي هو الذي أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم، أو أقرأه من أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يحتمل أن يكون صحابياً وأن يكون غير صحابي؛ لأن الذي أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم صحابي ولا إشكال في هذا، والصحابي قد يقرئ صحابياً وقد يقرئ تابعياً.
ولكن القراءة ثابتة، فهي من القراءات المتواترة.
قوله: [حدثنا محمد بن عبيد].
محمد بن عبيد بن حساب ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا حماد].
حماد هو ابن زيد، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خالد الحذاء عن أبي قلابة قال: أنبأني من أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم أو من أقرأه من أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم.(447/31)
ذكر من قرأ (يعذب) بكسر الذال
[قال أبو داود: قرأ عاصم والأعمش وطلحة بن مصرف وأبو جعفر يزيد بن القعقاع وشيبة بن نصاح ونافع بن عبد الرحمن وعبد الله بن كثير الداري وأبو عمرو بن العلاء وحمزة الزيات وعبد الرحمن الأعرج وقتادة والحسن البصري ومجاهد وحميد الأعرج وعبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن أبي بكر: (لا يعذب ولا يوثق) إلا الحديث المرفوع فإنه: (يعذَّب) بالفتح].
ثم ذكر أبو داود أن هؤلاء الستة عشر وفيهم أشخاص من الصحابة ومن بعد الصحابة قرءوا: (لا يعذَّب) إلا الحديث المرفوع: (يعذِّب)؛ ولكن القراءة الثانية ثابتة كما أشرت.
بالمناسبة من كتب التفسير التي تعتني بذكر القراءات تفسير الشوكاني، فهو مظنة البحث عن القراءات في كتب التفسير، أما ابن كثير وإن كان يأتي بالقراءات لكن ليس باستمرار، فمن يريد أن يجد قراءة ويريد أن يعرفها في المصحف وفي التفسير فليرجع إلى تفسير الشوكاني فإنه يذكر القراءة والقراء الذين قرءوا.(447/32)
تراجم الذين قرءوا (يعذب) بكسر الذال
[قال أبو داود: قرأ عاصم].
عاصم هو ابن أبي النجود، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وروايته في الصحيحين مقرونة.
[والأعمش].
الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وطلحة بن مصرف].
طلحة بن مصرف ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأبو جعفر يزيد بن القعقاع].
أبو جعفر يزيد بن القعقاع ثقة أخرج له أبو داود، وهذا أبو جعفر أحد القراء المشهورين، وهو من القراء الثلاثة الذين بعد السبعة، لأن هناك القراءات العشر المشهورة، والسبعة هم: نافع وعاصم وحمزة وأبو عمرو والكسائي وابن كثير وابن عامر، ثم بعدهم ثلاثة ومنهم: أبو جعفر يزيد بن القعقاع وهو ثقة أخرج له أبو داود.
[وشيبة بن نصاح].
شيبة بن نصاح ثقة أخرج له النسائي، ولم يذكر أن أبا داود ممن خرج له؛ لأنه لم يذكره في الأسانيد.
[ونافع بن عبد الرحمن].
نافع بن عبد الرحمن صدوق ثبت في القراءة، أخرج له ابن ماجة في التفسير.
[وعبد الله بن كثير الداري].
عبد الله بن كثير الداري صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأبو عمرو بن العلاء].
أبو عمرو بن العلاء ثقة أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود في القدر وابن ماجة في التفسير.
[وحمزة الزيات وعبد الرحمن الأعرج].
عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وقتادة].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[والحسن البصري].
الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومجاهد].
مجاهد بن جبر المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وحميد الأعرج].
حميد الأعرج هو حميد بن قيس ليس به بأس وهي بمعنى صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعبد الله بن عباس].
عبد الله بن عباس صحابي مر ذكره.
[وعبد الرحمن بن أبي بكر].
عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قرءوا: (لا يعذب ولا يوثق)].
وهي القراءة المشهورة التي في المصحف الذي بين أيدينا.
[إلا الحديث المرفوع فإنه (يعذب) بالفتح].
وهي أيضاً قراءة ثابتة، وقد ذُكِر هنا من القراء عاصم ونافع وحمزة وأبو عمرو بن العلاء وأبو جعفر يزيد بن القعقاع، وعبد الله بن كثير، وهم ستة، ويبقى أربعة وهم: الكسائي وابن عامر وهما من السبعة، وذكر هنا من الثلاثة الذين بعد السبعة: يزيد بن القعقاع، وبقي منهم: يعقوب بن إسحاق وخلف بن هشام، وهؤلاء جميعاً هم العشرة أصحاب القراءات المشهورة، وقراءاتهم اشتمل عليها كتاب النشر في القراءات العشر.
وفي الحديث الذي سيأتي ذكر الحروف والمراد بها القراءات؛ لأن خلفاً هو أحد القراء قال: منذ أربعين سنة لم أرفع القلم عن كتابة الحروف، أي: أنه اشتغل بعلم القراءات، ولكن قال: ما أعياني شيء ما أعياني جبريل وميكائيل.(447/33)
الأسئلة(447/34)
القراءات في كلمة (فُزِّع)
السؤال
المعروف في القراءات: {فُزِّعَ} [سبأ:23] بالبناء للمجهول، والقراءة الأخرى: (فَزَّع) بالبناء للمعلوم، وهي قراءة ابن عامر ويعقوب؟
الجواب
نعم بالتخفيف، وفي قراءة أخرى: (فُرِغ)، وهي قراءة أبي هريرة، كما نقل السيوطي في الدر المنثور، أما قراءة: فَزَّع فقد قرأ بها يعقوب وابن عامر، ويعقوب بن إسحاق هو من الثلاثة، وابن عامر من السبعة.(447/35)
ضعف الإسناد الذي فيه الشك
السؤال
ما درجة الحكم على هذا الإسناد الذي فيه شك: أنبأني من أقرأه النبي، أو من أقرأه من أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
لا شك أن هذا إسناد غير صحيح.(447/36)
صحة حديث (وجنبوه السواد) وأحاديث الطاعون في عهد عمر
السؤال
هل الحديث الذي ورد في تجنيب الشعر الصبغة السوداء صحيح، وكذا الطاعون في عهد عمر؟
الجواب
نعم حديث النهي عن الصبغ بالسواد صحيح.
أما أحاديث الطاعون في عهد عمر فهي في صحيح البخاري.(447/37)
ضعف الأحاديث المشتملة على الغرائب
السؤال
هذا منشور بعنوان: الحديث الشريف الذي جمع فأوعى، عن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: (جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! جئتك أسألك عما يغنيني في الدنيا والآخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل عما بدا لك، قال: أريد أن أكون أعلم الناس، فقال صلى الله عليه وسلم: اتق الله تكن أعلم الناس، قال: أريد أن أكون أغنى الناس، قال: كن قانعاً تكن أغنى الناس، قال: أحب أن أكون أعدل الناس، قال: أحب للناس ما تحب لنفسك تكن أعدل الناس) سرده ثم قال: قال الإمام المستغفري: ما رأيت أعظم وأشمل لمحاسن الدين وأنفع من هذا الحديث جمع فأوعى، ثم قال في ختامه: رواه الإمام أحمد بن حنبل.
الجواب
يمكن أن يرجع إلى مسند الإمام أحمد في مسند خالد بن الوليد ويعرف ما درجته، لكن مثل هذه الأحاديث الطوال التي فيها ذكر أشياء غريبة لا تكون صحيحة في الغالب.(447/38)
شرح سنن أبي داود [448]
في القرآن الكريم ألفاظ كثيرة تنطق على لهجات مختلفة، وقد وردت القراءة بالنطق بها مختلفة، وكل ذلك جائز إذا صحت القراءة به عن النبي صلى الله عليه وسلم، كجبريل وجبرائيل وحامية وحمئة.(448/1)
تابع ما جاء في الحروف والقراءات(448/2)
شرح حديث (حدث رسول الله حديثاً ذكر فيه جبريل وميكال)
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى في كتاب الحروف والقراءات: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء أن محمد بن أبي عبيدة حدثهم قال: حدثنا أبي عن الأعمش عن سعد الطائي عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ذكر فيه جبريل وميكال، فقال: جبرائيل وميكائيل).
قال أبو داود: قال خلف: منذ أربعين سنة لم أرفع القلم عن كتابة الحروف، ما أعياني شيء ما أعياني جبريل وميكائل.
حدثنا زيد بن أخزم حدثنا بشر -يعني: ابن عمر - حدثنا محمد بن خازم قال: ذكر كيف قراءة جبرائيل وميكائيل عند الأعمش، فحدثنا الأعمش عن سعد الطائي عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الصور فقال: (عن يمينه جبرائيل وعن يساره ميكائيل)].
سبق ذكر جملة من الأحاديث المتعلقة بالحروف والقراءات، وبقيت في هذا الكتاب جملة من تلك الأحاديث في كتاب الحروف والقراءات.
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: (حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاًَ ذكر فيه جبريل وميكال) فهذا حديث، ولكن لا يتعلق بالقراءات، ولكنه بلفظ ما جاء في القرآن، ومعلوم أنه جاء في القرآن: (جبريل وميكال) كما في سورة البقرة، فهذا فيه الإشارة إلى تلك القراءة، وهذه القراءة هي إحدى القراءات المتواترة والموجودة في المصحف الذي بين أيدينا، وهي قراءة عاصم بن أبي النجود، ففيها جبريل وميكال في سورة البقرة: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة:98] وفي سورة التحريم قول الله عز وجل: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم:4]، و (جبريل) فيه قراءة أخرى بفتح الجيم، وقراءة على وزن سلسبيل، وكل هذه الثلاث من القراءات المتواترة.
وكذلك أيضاً (ميكال) جاءت به قراءة متواترة في سورة البقرة، والحديث كما هو واضح فيه ذكر هذا اللفظ الذي جاء في الحديث، وهو مطابق لإحدى القراءات المتواترة التي جاءت في القرآن الكريم.
ثم بعد ذلك ذكر أبو داود مقولة خلف، ويحتمل أن يكون أحد القراء العشرة، ويحتمل أن يكون أحد الرواة عن القراء السبعة، ولا أدري من المراد بخلف هذا الذي أشار إليه أبو داود والذي قال: [منذ أربعين سنة لم أرفع قلمي عن كتابة الحروف]، وهذا يبين لنا أن الحروف يراد بها القراءات لا الأحرف السبعة، وقد أشرت فيما مضى إلى أن قوله: [كتاب الحروف والقراءات] المقصود به القراءات، فتكون الحروف والقراءات من الألفاظ المترادفة، المتفقة في المعنى المختلفة في اللفظ، مثل قول الشاعر: (وألفى قولها كذباً ومينا)، والكذب هو المين، فيعطف الشيء على نفسه مع التغاير في اللفظ، وليس مع اتحاد اللفظ.
والعبارة التي ذكرها أبو داود عن خلف تبين أن المقصود بالحروف القراءات وليس الأحرف السبعة، وسبق أن أشرت إلى أن الأحرف السبعة ذكرها أبو داود في كتاب الوتر حيث عقد لذلك باباً وقال: [باب أنزل القرآن على سبعة أحرف].
[قال أبو داود: قال خلف: منذ أربعين سنة لم أرفع القلم عن كتابة الحروف، ما أعياني شيء ما أعياني جبريل وميكائيل].
وذلك لكثرة اللغات والقراءات فيها؛ لأن فيها قراءات ولغات كثيرة تبلغ ثلاث عشرة، لكن المتواتر منها هو: جبريل وجبرائيل.
وفي الحديث الآخر: عن أبي سعيد قال: (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الصور، فقال: عن يمينه جبرائيل وعن يساره ميكائيل).
وهذا حديث آخر، وصاحب الصور المراد به الذي ينفخ في الصور، وقد اشتهر بأنه إسرافيل، ولا نعلم حديثاً صحيحاً يدل على تسميته بذلك ولكنه مشهور، وذكره ابن كثير في تفسيره وقال: الصحيح أنه إسرافيل، وأن إسرافيل ينفخ في الصور، وذلك في سورة الأنعام عند قوله: {قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الأنعام:73] لكن لم أقف على حديث في الصحيح يدل على التسمية، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يتوسل إلى الله عز وجل بربوبيته لجبريل وميكائيل وإسرافيل كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)، فكان يتوسل إلى الله عز وجل بهؤلاء الأملاك الثلاثة.
وقال بعض العلماء في سبب نصه على هؤلاء الملائكة الثلاثة: لأن كل واحد منهم موكل بنوع من أنواع الحياة، فجبريل موكل بالوحي الذي به حياة القلوب، وميكائيل موكل بالقطر الذي به حياة الأبدان، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي به الحياة بعد الموت، فكان صلى الله عليه وسلم يتوسل لله بربوبيته لهؤلاء الأملاك الثلاثة لأنهم موكلون بأنواع الحياة: حياة القلوب، وحياة الأبدان، والحياة بعد الموت عند نفخة البعث التي يخرج الناس بها من القبور.
وقيل: إن الذي يتولى ذلك هو إسرافيل {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68] نفخة الموت ونفخة البعث؛ لأن نفخة الموت إذا حصلت يموت من كان حياً، فيتساوى أول الخلق وآخرهم بالموت، ثم تحصل النفخة الثانية فيقوم الأولون والآخرون من قبورهم من لدن آدم إلى الذين قامت عليهم الساعة، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أول من ينشق عنه القبر، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا سيد الناس يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع) فقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول القبور انشقاقاً عن صاحبه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قال صاحب العون: وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم (إسرافيل صاحب الصور، وجبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وهو بينهما) كذا في الدر المنثور.
لكن لا أدري عن صحته، لكن ابن كثير رحمه الله قال: في الصحيح، ولا أدري ما المقصود بالصحيح، وغالباً أنه عندما يذكر الصحيح يقصد الصحيحين أو أحدهما، وقد يراد به الحديث الصحيح، فيكون أعم من أن يكون في الصحيحين وفي غيرهما.(448/3)
تراجم رجال إسناد حديث (حدث رسول الله حديثاً ذكر فيه جبريل وميكال)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[ومحمد بن العلاء].
محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن محمد بن أبي عبيدة].
محمد بن أبي عبيدة ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا أبي].
أبوه ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن الأعمش].
الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد الطائي].
سعد الطائي لا بأس به، وهي بمعنى صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن عطية العوفي].
عطية بن سعد العوفي صدوق يخطئ كثيراً ويدلس، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبي سعيد الخدري].
أبو سعيد الخدري رضي الله عنه هو سعد بن مالك بن سنان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو داود: قال خلف].
وخلف بن هشام هو الذي يروي عن حمزة الزيات، وهو ينفرد أحياناً بقراءة مستقلة، فلذلك يقولون: يخالف له اختيارات.
خلف بن هشام ثقة أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا زيد بن أخزم].
زيد بن أخزم ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا بشر -يعني: ابن عمر -].
بشر بن عمر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.(448/4)
دقة علماء الحديث في أسانيد الأحاديث وتراجم الرواة
كلمة [يعني: ابن عمر] المقصود منها: أن زيد بن أخزم تلميذ بشر بن عمر عبر عنه بـ بشر فقط ولم ينسبه، ولم يقل: ابن عمر، فمن دون أبي داود من الرواة عن أبي داود هم الذين نسبوه فقالوا: ابن عمر.
وهذا من دقة المحدثين أنهم يأتون بالإسناد على ما هو عليه، وإذا زادوا شيئاً للتوضيح فيأتون بعبارة تبين أن هذه الزيادة ليست من التلميذ، والتلميذ اقتصر على الاسم، فمن جاء من دون التلميذ وأراد أن ينسبه نسبة يتبين ويعرف بها أتى بكلمة (يعني) حتى يعرف أنها ليست من التلميذ، وهذا من الدقة وتمام العناية في الرواية والمحافظة على الألفاظ في الأسانيد، وعدم الزيادة فيها، وإذا وجدت زيادة فإنه يؤتى بما يدل عليها، إما بكلمة (يعني) كما هنا أو بكلمة (هو) وتأتي كثيراً في بعض الأسانيد: فلان هو ابن فلان، عن فلان هو ابن فلان، فيعبر بـ: هو، أو يعبر بـ: يعني.
وكلمة (يعني) فعل مضارع لها قائل ولها فاعل، ففاعلها ضمير مستتر يرجع إلى التلميذ الذي هو زيد بن أخزم، والذي قالها هو أبو داود أو من دون أبي داود من أجل التوضيح والبيان.(448/5)
ترجمة أبي معاوية الضرير وروايته لحديث جبرائل وميكائل
[حدثنا محمد بن خازم].
محمد بن خازم هو أبو معاوية الكوفي الضرير، مشهور بكنيته، وكثيراً ما يأتي بكنيته فيقال: أبو معاوية، وأحياناً يأتي باسمه كما هنا، وأكثر ما يأتي في الروايات بكنيته، وإتيانه باسمه قليل.
ومعرفة الكنى للمحدثين هي من أنواع علوم الحديث التي تأتي في علم المصطلح؛ لأن من علوم الحديث التي هي جزئيات علم المصطلح معرفة الكنى، قالوا: وفائدة معرفتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين، بحيث إذا ذكر مرة باسمه ومرة بكنيته فالذي لا يعرف الحقيقة يظن أن أبا معاوية شخص وأن محمد بن خازم شخص آخر، لكن من كان على علم بأن محمد بن خازم كنيته: أبو معاوية، فلا يلتبس عليه الأمر، إن جاء محمد بن خازم فهو الذي يكنى بـ أبي معاوية، وإن جاء بـ أبو معاوية فاسمه: محمد بن خازم، وليس في ذلك لبس.
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ذكر كيف قراءة جبرائيل وميكائيل عند الأعمش، فحدثنا الأعمش عن سعد الطائي عن عطية العوفي عن أبي سعيد].
ثم إنه قال: أبو معاوية ذكر قراءة جبريل وميكائيل عند الأعمش فذكر عن سعد الطائي عن عطية عن أبي سعيد قال: (ذكر صلى الله عليه وسلم صاحب الصور فقال: عن يمينه جبرائل وعن يساره ميكائل).
تنبيه: جبريل وميكال هي قراءة حفص عن عاصم، أما شعبة عن عاصم فقرأ: جبرائيل وميكائيل يعني: القراءة التي بأيدينا قراءة عاصم بن أبي النجود من رواية حفص، ومعلوم أن من رواته حفص وشعبة، والمصحف الذي بين أيدينا هو من رواية حفص.
والمشهور عند الناس أن اسم ملك الموت: عزرائيل، ولكن لا أعلم لذلك شيئاً يدل عليه.(448/6)
شرح حديث (يقرءون (مالك يوم الدين) وأول من قرأها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري -قال معمر: وربما ذكر ابن المسيب - قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم يقرءون: (مالك يوم الدين) وأول من قرأها: (ملك يوم الدين) مروان).
قال أبو داود: هذا أصح من حديث الزهري عن أنس، والزهري عن سالم عن أبيه].
أورد أبو داود أثراً مرسلاً عن الزهري، وربما ذكر سعيد بن المسيب، فيكون مرسلاً من الزهري أو من سعيد بن المسيب وسعيد بن المسيب من كبار التابعين، والزهري من صغار التابعين يروي عن صغار الصحابة؛ لأنه يروي عن أنس بن مالك وهو من صغار الصحابة الذين عمروا حتى أدركهم مثل الزهري وروى عنهم.
وسواء كان المرسل هو الزهري أو سعيد بن المسيب فكل يقال له مرسل، والمرسل: هو الذي يقول فيه التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ويضيف المتن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المرسل في اصطلاح المحدثين ومعنى ذلك أن الواسطة محذوفة.
(كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يقرءون: (مالك يوم الدين)) يعني: بالألف بعد الميم، وهي قراءة متواترة، وكذلك قراءة: (ملك يوم الدين) قراءة متواترة، والحديث هذا وإن كان مرسلاً والمرسل من قسم الضعيف وهو لا يصح؛ لأن المشهور المعروف عند المحدثين أن التابعي إذا قال قال رسول صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون المحذوف صحابياً وأن يكون المحذوف تابعياً، وعلى احتمال أنه تابعي يحتمل أن يكون ثقة وأن يكون ضعيفاً، فمن أجل ذلك رد المرسل؛ لكن القراءة متواترة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي القراءة التي في المصحف التي بأيدينا كقراءة حفص عن عاصم.
قال: [وأول من قرأها: (ملك يوم الدين) مروان].
يعني: أنه سمع منه ذلك، أو أنه أظهر ذلك، وإلا فإن القراءة ثابتة، وأول من قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن القراءات كلها مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أيضاً قضية أول من قرأ بها من الأمراء هذا يحتاج إلى بحث ونظر؛ لأنه يحتاج إلى أن ينظر في الخلفاء الراشدين وكذلك من بعدهم مثل معاوية هل حصل منهم هذه القراءة أم لا؟(448/7)
تراجم رجال إسناد حديث (يقرءون (مالك يوم الدين) وأول من قرأها)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرزاق].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر].
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال معمر: وربما ذكر ابن المسيب].
أي: قال معمر: وربما ذكر الزهري ابن المسيب، ومعناه: أن الإرسال قد يكون من ابن المسيب، وقد يكون من الزهري، وعلى كل حال هو مرسل، سواء كان الذي أرسله الزهري أو ابن المسيب.(448/8)
فقهاء المدينة السبعة
وابن المسيب ثقة، وأحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والفقهاء السبعة ستة متفق على عدهم وواحد مختلف فيه، والمتفق على عدهم هم: سعيد بن المسيب وخارجة بن زيد والقاسم بن محمد وسليمان بن يسار وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وعروة بن الزبير.
والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، هؤلاء الثلاثة مختلف في عدهم في الفقهاء السبعة.
وابن القيم رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين ذكر في مقدمته جملة من الفقهاء المفتين المعروفين بالفتوى في مختلف الأمصار من الصحابة والتابعين، ولهذا يقال للكتاب: إعلام الموقعين وليس أعلام الموقعين، لأنه ليس كتاب تراجم حتى يقال له أعلام، وإنما هو إعلام، بمعنى إخبار الموقعين، وهم الذين يفتون ويبينون الأحكام الشرعية، ويوقعون عن الله بأن يبينوا الأحكام الشرعية، فذكر في أول كتابه إعلام الموقعين جملة من أهل الفتوى من الصحابة ومن بعدهم في مختلف الأمصار في المدينة ومكة والبصرة والشام ومصر، ولما جاء عند المدينة وجاء عند ذكر التابعين ذكر أن منهم الفقهاء السبعة، وذكر السابع منهم: أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وما ذكر غيره، وذكر بيتين من الشعر يشتمل البيت الثاني منهما على السبعة: إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجة فقل هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة فهذا البيت الثاني يشتمل على أسماء الفقهاء السبعة والسابع فيهم هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
[قال أبو داود: هذا أصح من حديث الزهري عن أنس والزهري عن سالم عن أبيه].
ومعلوم أن هذا الذي ذكره مرسل ليس بصحيح، لكن سواء صح أو لم يصح فإن القراءة متواترة: (مالك يوم الدين)، وهي القراءة التي في المصحف الذي بين أيدينا.(448/9)
المكثرون في رواية الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
[عن أنس].
أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والزهري يروي عن أنس، وأنس من صغار الصحابة والزهري من صغار التابعين، فصغار التابعين يروون عن صغار الصحابة.
[والزهري عن سالم عن أبيه].
الزهري عن سالم عن أبيه من طريق آخر، وسالم هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع، وأبوه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير.
وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم: أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد وجابر وأنس وأم المؤمنين عائشة، ستة رجال وامرأة واحدة، وقد جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله: والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر وأنس والحبر كالخدري وجابر وزوجة النبي والمشهور عند العلماء أن المرسل ليس بحجة، وإن كانوا متفقين على قبول مراسيل سعيد لكن كما عرفنا أن المقصود بالحديث ليس فيه إشكال؛ لأن القراءة متواترة.(448/10)
شرح حديث قراءة (ملك يوم الدين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سعيد بن يحيى الأموي حدثني أبي حدثنا ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة عن أم سلمة رضي الله عنها: (أنها ذكرت -أو كلمة غيرها- قراءة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:1 - 4]، يقطع قراءته آية آية).
قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: القراءة القديمة (مالك يوم الدين)].
أورد أبو داود حديث أم سلمة الذي فيه: أنها ذكرت -أو كلمة نحو كلمة ذكرت- يعني: عبارة تشبهها ليس متأكداً من لفظ الكلمة التي ذكرت عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته فيقول: (بسم الله الرحمن الرحيم {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:1 - 4] يقف عند كل آية، ويأتي بكل آية على حدة، ويقف على رأس كل آية.
و (ملك يوم الدين) هذه التي جاءت في هذه الرواية عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها في كيفية قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم لسورة الفاتحة كما عرفنا هي إحدى القراءات المتواترة.
[قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: القراءة القديمة (مالك يوم الدين)].
هي كلها متواترة كما عرفنا، فلا أدري ما وجه التعبير بالقديمة، لأنها كلها ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(448/11)
تراجم رجال إسناد حديث قراءة (ملك يوم الدين)
قوله: [حدثنا سعيد بن يحيى الأموي].
سعيد بن يحيى الأموي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثني أبي].
أبوه هو يحيى بن سعيد الأموي، وهو صدوق يغرب أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ويحيى بن سعيد في الصحيحين أربعة أشخاص: اثنان في طبقة، واثنان في طبقة، فاثنان في طبقة متقدمة وهم: يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، ويحيى بن سعيد التيمي، في طبقة صغار التابعين، ويحيى بن سعيد الأموي ويحيى بن سعيد القطان في طبقة متأخرة؛ لأن كلاً منهما من طبقة شيوخ شيوخ أبي داود، قالوا: ويحيى الأموي يعرف برواية ابنه عنه، فاثنان في طبقة متأخرة وهي طبقة شيوخ شيوخ أصحاب الكتب الستة، وطبقة متقدمة وهي طبقة صغار التابعين.
[حدثنا ابن جريج].
ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن أبي مليكة].
عبد الله بن أبي مليكة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أم سلمة].
أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.(448/12)
شرح حديث (فإنها تغرب في عين حامية)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة وعبيد الله بن عمر بن ميسرة المعنى، قالا: حدثنا يزيد بن هارون عن سفيان بن حسين عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو على حمار، والشمس عند غروبها، فقال: (هل تدري أين تغرب هذه؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تغرب في عين حامية)].
أورد أبو داود حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتدري أين تغرب الشمس؟).
قوله: (كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار)، هذا يفيد بأن أبا ذر ممن أردفه النبي صلى الله عليه وسلم على حمار، وقد جمع ابن مندة الذين أردفهم النبي صلى الله عليه وسلم خلفه فبلغوا ثلاثين رجلاً، وأفردهم ابن مندة رحمه الله في جزء، ومنهم أبو ذر كما جاء في هذا الحديث، ومنهم معاذ في الحديث المشهور: (أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟).
قال: (هل تدري أين تغرب هذه؟ قلت: الله ورسوله أعلم) والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم عندما يسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء وهم لا يعرفون جوابه، يقولون: الله ورسوله أعلم، والرسول صلى الله عليه وسلم يسألهم مثل هذا السؤال من أجل أن يتهيئوا ويستعدوا لمعرفة الجواب، فإذا كان لا يعلم يقول: الله ورسوله أعلم، ويكون في ذلك استعداد وتهيؤ لمعرفة الجواب، وكثيراً ما يحصل من رسول الله عليه الصلاة والسلام، أن يسأل مثل هذا السؤال فيقول المسئول: الله ورسوله أعلم.
وقول: (الله ورسوله أعلم) كان عندما يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، أما بعد ذلك فإن المسئول يقول: الله أعلم، ولا يقول: الله ورسوله أعلم، لأنه قد يسأل عن أمر غيبي لا يعلمه إلا الله، مثل لو أن إنساناً قال: متى تقوم الساعة؟ فلا يجوز لأحد أن يقول: الله ورسوله أعلم؛ لأن الرسول لا يعلم وقت قيام الساعة، ولكن يضاف العلم إلى الله عز وجل فيقال: الله أعلم، ولا يقال: الله ورسوله أعلم، وإنما كان هذا يقوله الصحابة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان يسألهم.
وهذا السؤال من كمال بيانه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فإنه يأتي بطرق من أجل فهم الشيء مثل هذا السؤال، ومثل كونه يأتي بالشيء موصوفاً بأوصاف، مثل قوله: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان)، يصف الكلمتين بأوصاف تجعل الذي يسمع يتشوف إلى معرفة هاتين الكلمتين، ثم قال: (سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) إلى أمثال ذلك، فهذا من كمال بيانه وفصاحته وبلاغته وكمال نصحه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهو عليه الصلاة والسلام أنصح الناس للناس، وأكملهم بياناً وأفصحهم لساناً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قال: (تغرب في عين حامية) وهذه قراءة أيضاً متواترة، وفي القراءة التي سبق أن مرت: (عين حمئة)، وهي التي في المصحف الذي بين أيدينا، والمقصود من ذلك أنها في نهايتها، فعندما يكون الإنسان في نهاية الأرض فإنه يراها رأي العين كأنها تسقط في البحر، ومعلوم أنها تدور في فلكها، وهي تغيب عن أناس وتظهر على أناس، لا أنها تغادر وتبقى الدنيا كلها في ظلام دامس لا وجود لها، بل إنها تكون موجودة، ولكنها تغيب عن أناس وتظهر على أناس، كما هو الواقع المشاهد وكما هو معلوم من قبل.
جاء عن ابن عباس في حديث صحيح ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره، وابن كثير أورده عنه في تفسير سورة لقمان عند قول الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [لقمان:29] وقال: إنه إسناد صحيح، وذكر عن ابن عباس: (أن الشمس عندما تغرب تكون عند أناس آخرين وأنها تكون في جهة أخرى).
وهذا يبين أيضاً أن الأرض كروية؛ لأنها لو كانت مسطحة فإنها إذا ظهرت ظهرت على الأرض كلها من أولها إلى آخرها، لكن كونها تظهر على أناس وتغيب عن أناس هذه دلالة على أنها كروية، وهذا شيء معروف من قديم الزمان، وليس هذا من المحدثات التي وجدت في هذا العصر، فيذكرون في علم الجغرافيا من الأدلة التي تدل على كرويتها أن الإنسان لو وضع له ثلاثة أعمدة متساوية وجعل بعضها وراء بعض ثم نظر من مكان بعيد رأى أنها غير متساوية، فهذا من الأدلة الحسية التي يستدلون بها على أن الأرض كروية.
وقد ذكر أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين وكان إماماً أشعرياً ووفقه الله عز وجل إلى ترك مذهب الأشاعرة إلى مذهب أهل السنة، فألف رسالة قيمة ينصح فيها شيوخه وتلاميذه وزملاءه أن يكونوا على منهج وطريقة السلف في إثبات الصفات وترك التأويل، وهي رسالة من أحسن الرسائل وفائدتها قيمة، وذلك أنه كما يقولون: حديث القلب، أو من القلب إلى القلب؛ لأنه حريص على هداية شيوخه، ويحب أن يهتدوا كما اهتدى، فله رسالة قيمة وهي مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية، وقد ذكر فيها شيئاً حول الأرض وكرويتها، قال: لو أن إنساناً انطلق من نقطة معينة متجهاً إلى الغرب ثم واصل السير باستمرار وبدون انقطاع فإنه سيئول به الأمر إلى أن يصل إلى مكان نقطته من الشرق.
وعندما وجد العلم الحديث وحصلت الاتصالات تأكد الناس أن جماعة عندهم ليل وجماعة عندهم نهار.
إذاً: هذا شيء معروف من قديم الزمان.
إذاً: من يكون في آخر اليابس وطرف البحر أو من يكون مثلاً في مكان غربه بحر فإنه يرى أن الشمس كأنها غربت في البحر وهي ما دخلت فيه، وإنما هي في مسارها، لكن في رأي العين هي كذلك.(448/13)
تراجم رجال إسناد حديث (فإنها تغرب في عين حامية)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة مر ذكره.
[وعبيد الله بن عمر بن ميسرة].
عبيد الله بن عمر بن ميسرة هو القواريري ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[قالا: حدثنا يزيد بن هارون].
يزيد بن هارون الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان بن الحسين].
سفيان بن الحسين ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[عن الحكم بن عتيبة].
الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم التيمي].
إبراهيم بن يزيد التيمي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
يزيد بن شريك ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهذا يتفق مع إبراهيم النخعي في اسمه واسم أبيه، إبراهيم بن يزيد، إبراهيم بن يزيد النخعي وإبراهيم بن يزيد التيمي، إلا أن هذا تيمي وذاك نخعي.
[عن أبي ذر].
أبو ذر هو جندب بن جنادة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشهور بكنيته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(448/14)
سجود الشمس تحت العرش وكروية الأرض
لكي نجمع بين القول بأن الشمس عندما تغرب تطلع على أناس آخرين، والقول بأن الشمس عندما تغرب تذهب وتسجد تحت العرش، نقول: هذا على حقيقته، ومعلوم أنها في مسارها إلى تحت العرش، وأنها تسجد، ولكن لا يقال: إن الشمس تذهب من الدنيا وتخلو منها، ويبقى الناس في فترة من الفترات في ظلام دامس لا وجود للشمس عندهم، فهو على حقيقته، هي في مسارها وهي تسجد تحت العرش.
وبما أننا تطرقنا إلى كروية الأرض، ومعلوم أن في علم الجغرافيا أن الأرض تدور، والشمس ثابتة، وكما هو معلوم فإن العلماء في هذا الزمان مختلفون، وشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه قرر أنها ثابتة وأنها مستقرة ساكنة، وألف في ذلك رسالة اسمها: الأدلة الحسية والنقلية على سكون الأرض وجريان الشمس وإمكان الوصول إلى الكواكب، وهي مطبوعة.(448/15)
شرح حديث (أي آية في القرآن أعظم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عيسى حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: أخبرني عمر بن عطاء: أن مولى لـ ابن الأسقع -رجل صدق- أخبره عن ابن الأسقع رضي الله عنه أنه سمعه يقول: (إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جاءهم في صفة المهاجرين، فسأله إنسان: أي آية في القرآن أعظم؟ قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255])].
أورد أبو داود حديث ابن الأسقع رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم في صفة المهاجرين، وهو مكان في المسجد يأوي إليه فقراء المهاجرين الذين ليس لهم مساكن، فيكونون فيه ويقال لهم: أهل الصفة، فسأله إنسان: أي آية في القرآن أعظم؟ فقال: ((الله لا إله إلا هو الحي القيوم))، يعني: آية الكرسي، وهذه القراءة في (القيوم)، هي إحدى القراءات، وفي بعض القراءات (القيام).
قال صاحب عون المعبود: قال البغوي: قرأ عمر وابن مسعود: (القيام) وقرأ علقمة: (القيم) وكلها لغات بمعنى واحد.
انتهى.
وفي روح المعاني: القيوم صيغة مبالغة للقيام، وأصله قيوم] يعني: القراءة المشهورة والتي هي في السبع المتواترة (القيوم) كما هو موجود عندنا في المصحف.
والرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه في الحديث الصحيح: أن أبي بن كعب رضي الله عنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (تدري أي آية في كتاب الله هي أعظم؟ فقال: الله ورسوله أعلم، قال: أي آية في كتاب الله أعظم؟ قلت: ((اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)) [البقرة:255] فضرب على صدره وقال: ليهنك العلم أبا المنذر) وكنية أبي بن كعب هي: أبو المنذر رضي الله تعالى عنه.(448/16)
تراجم رجال إسناد حديث (أي آية في القرآن أعظم)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى] محمد بن عيسى هو الطباع، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا حجاج] حجاج هو ابن محمد المصيصي الأعور، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، قد مر ذكره.
[عن عمر بن عطاء] عمر بن عطاء ثقة أخرج له مسلم وأبو داود.
وعمر بن عطاء هذا الذي هو يروي عنه ابن جريج، وهو عمر بن عطاء بن أبي الخوار، ويوجد عمر بن عطاء بن وراز، حجازي ضعيف من الثالثة، وقد وهم من خلطه بالذي قبله، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
والذي قبله هو: عمر بن عطاء بن أبي الخوار المكي مولى بني عامر، ثقة أخرج له مسلم وأبو داود.
[أن مولى لـ ابن الأسقع رجل صدق أخبره] هذا تعديل مع الإبهام، ومعلوم أن التعديل مع الإبهام فيه نظر، وغير معول عليه، وقد قال بعض أهل العلم: إنه لا يكفي التعديل مع الإبهام؛ لأنه قد يكون ثقة عنده ومجروحاً عند غيره، لكن الحديث موجود في الصحيح من حديث أبي بن كعب، وهو ثابت أن آية الكرسي هي أعظم آية في كتاب الله.
[عن ابن الأسقع] واثلة بن الأسقع صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.(448/17)
وصف صفة المهاجرين
صفة المهاجرين أو الصفة، أحياناً يذكر الشيء غير مضاف لكنه محلى بالألف واللام، يعني أن (أل) تأتي مكان المضاف إليه، وهذا كثيراً ما يأتي في القرآن والسنة وكلام العرب وكلام العلماء مثلما يقال: قال الحافظ في الفتح، يعني فتح الباري، قال الحافظ في البلوغ، يعني بلوغ المرام، وقد جاء في القرآن: {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:41] يعني: فإن الجنة هي مأواه.
وأما: هل المنصة التي تكون وراء مقام النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه مكان أهل الصفة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فالله أعلم.
وهذا المكان المرتفع الذي وراء القبر الحقيقة أنه لا ينبغي أن يوجد، وذلك أنه يأتي إليه أناس يقصدونه فيصلون وراء القبر، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا إليها).(448/18)
شرح أثر قراءة ابن مسعود (هيت لك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري حدثنا عبد الوارث حدثنا شيبان عن الأعمش عن شقيق عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ: {هَيْتَ لَكَ} [يوسف:23] فقال شقيق: إنا نقرؤها: (هِئْتُ لك)، يعني قال ابن مسعود: أقرؤها كما عُلَّمت أحب إلي].
أورد المصنف حديث شقيق عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قرأ {هَيْتَ لَكَ} [يوسف:23] في قصة يوسف مع امرأة العزيز: {وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} [يوسف:23] بفتح الهاء والياء الساكنة والتاء المفتوحة، فقال شقيق: إنا نقرؤها: (هِئْتُ لك) بالهاء المكسورة والهمزة الساكنة والتاء المضمومة، يعني: تهيأت لك وأعددت نفسي لك، فقال عبد الله: إنا نقرؤها كما علمنا، يعني أن الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي أخذه عن الرسول صلى الله عليه وسلم: ((هَيْتَ لَكَ))، وهذه القراءة التي هي ((هَيْتَ لَكَ)) هي القراءة الموجودة في المصحف الذي بين أيدينا.(448/19)
تراجم رجال إسناد أثر قراءة ابن مسعود (هيت لك)
قوله: [حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري] ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الوارث] عبد الوارث بن سعيد العنبري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شيبان] شيبان بن عبد الرحمن، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش عن شقيق] الأعمش مر ذكره، وشقيق هو ابن سلمة أبو وائل، ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته ومشهور باسمه، فأحياناً يقال: أبو وائل دون أن يذكر اسمه، وأحياناً يقال شقيق دون أن تذكر كنيته، وهو ثقة مخضرم أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وعبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(448/20)
شرح أثر قراءة ابن مسعود (هيت لك) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق قال: قيل لـ عبد الله رضي الله عنه: إنا أناساً يقرءون هذه الآية: {وَقَالَتْ هِيْتَ لَكَ} [يوسف:23] فقال: إني أقرأ كما علمت أحب إلي ((وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ))].
قوله: [حدثنا هناد] هناد بن السري أبو السري، ثقة أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا أبو معاوية].
أبو معاوية محمد بن خازم.
[عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله] وقد مر ذكرهم.(448/21)
شرح حديث (قال الله عز وجل لبني إسرائيل (تغفر لكم خطاياكم)) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا ح وحدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (قال الله عز وجل لبني إسرائيل: (ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة تغفر لكم خطاياكم))].
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في قصة بني إسرائيل: (ادخلوا الباب سجداً تغفر لكم خطاياكم) بالتاء، وهي قراءة متواترة، وجاء أيضاً قراءة: {نَغْفِرْ لَكُمْ} [البقرة:58] وهي القراءة التي بين أيدينا، وجاءت بقراءة: (يغفر)، وكل هذه القراءات الثلاث متواترة.
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
أحمد بن صالح المصري، ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[سليمان بن داود المهري].
سليمان بن داود المهري المصري، ثقة أخرج له أبو داود والنسائي.
وإنما جاء بالتحويل بين الشيخين؛ لأن صيغة الشيخين مختلفة؛ لأن الشيخ الأول عبر بحدثنا والشيخ الثاني عبر بأخبرنا، فمن أجل ذلك أتى بالتحويل حتى يتبين لفظ هذا من لفظ هذا، وإلا فإن الغالب على استعمال أبي داود عند الاتحاد في الصيغة أنه يقول: حدثنا فلان وفلان عن فلان، ولكنه هنا قال: حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ح حدثنا سليمان بن داود أخبرنا، فالمقصود من ذلك التفريق يبن حدثنا وأخبرنا.
ومعلوم أن حدثنا وأخبرنا ليس بينهما فرق، فيعبر بأخبرنا وحدثنا، ولكن المشهور أن حدثنا فيما سمع من لفظ الشيخ، وأخبرنا فيما إذا قرئ على الشيخ والذي يروي عنه يسمع، وأحياناً يؤتى بحدثنا مكان أخبرنا وأخبرنا مكان حدثنا.
[أخبرنا ابن وهب].
عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا هشام بن سعد].
هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن زيد بن أسلم].
زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن يسار].
عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري].
أبو سعيد الخدري مر ذكره.(448/22)
طريق أخرى لحديث: (قال الله لبني إسرائيل (تغفر لكم خطاياكم)) وتراجم رجالها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا ابن أبي فديك عن هشام بن سعد بإسناده مثله].
أورد الحديث من طريق آخر وأحال إلى الإسناد المتقدم.
قوله: [جعفر بن مسافر].
صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن ابن أبي فديك].
ابن أبي فديك هو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن سعد بإسناده مثله].
هشام بن سعد مر ذكره.(448/23)
شرح حديث (فقرأ علينا (سورة أنزلناها وفرضناها))
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا هشام بن عروة عن عروة أن عائشة رضي الله عنها قالت: (نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقرأ علينا: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} [النور:1]).
قال أبو داود: يعني مخففة، حتى أتى على هذه الآيات].
أورد أبو داود حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه الوحي فقرأ علينا: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} أي: بالتخفيف في ((وَفَرَضْنَاهَا)) وفي قراءة: (فرَّضناها) يعني: فصلناها وبيناها.
والمقصود من قوله بالتخفيف في ((وَفَرَضْنَاهَا)) أي: تخفيف الراء غير مشددة، والقراءة الثانية هي: (فرَّضناها) وهي متواترة.
قال في العون: مخففة كما في قراءة الأكثرين، قال البغوي: قرأ ابن كثير وأبو عمرو: (وفرَّضناها) بتشديد الراء.(448/24)
تراجم رجال إسناد حديث [فقرأ علينا (سورة أنزلناها وفرضناها)]
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
حماد بن سلمة بن دينار البصري، ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا هشام بن عروة].
هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة].
عروة بن الزبير بن العوام، ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة] عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(448/25)
الأسئلة(448/26)
طهارة الماء المشمس
السؤال
هل الماء المشمس ترتفع عنه الطهارة؟
الجواب
لا ترتفع عنه الطهارة، فالماء الذي في الشمس أو في الظل كله طهور.(448/27)
حديث (خيار أمتي علماؤها) موضوع
السؤال
( خيار أمتي علماؤها، وخيار علمائها رحماؤها، ألا وإن الله تعالى ليغفر للعالم أربعين ذنباً قبل أن يغفر للجاهل ذنباً واحداً، ألا وإن العالم الرحيم يجيء يوم القيامة وإن نوره قد أضاء يمشي فيه ما بين المشرق والمغرب كما يضيء الكوكب الدري) ما حكم هذا الحديث؟
الجواب
قال عنه الشيخ ناصر موضوع.(448/28)
حكم بيع أمهات الأولاد
السؤال
هل النهي عن بيع أمهات الأولاد من النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول عمر؟
الجواب
سبق أن مر بنا هذا، وأنه ثابت في الحديث.
على كل فإن القول الصحيح أنه منهي عنه، وأنه لا تباع أمهات الأولاد لأن أمهات الأولاد يعتقن بالموت، وكان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يعزلون عن الإماء خشية أن يحملن، لأنهن إذا حملن منعوا من التصرف فيهن بالبيع، فكانوا يعزلون عنهن لئلا يحملن ليتمكنوا من بيعهن؛ لأنهن لو حملن وولدن يكن أمهات أولاد، وأمهات الأولاد لا يبعن.
ومر معنا حديث سلامة بنت معقل قالت: (قدم بي عمي في الجاهلية فباعني من الحباب بن عمرو، وقالت لها ضرتها: الآن والله تباعين في دينك، فلما جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: من ولي الحباب؟ قيل: أخوه أبو اليسر بن عمرو، فبعث إليه فقال: أعتقوها، فإذا سمعتم برقيق قدم علي فائتوني أعوضكم عنها، قالت: فأعتقوني، وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم رقيق فعوضهم مني غلاماً).
وجاء عن جابر قال: (بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فلما كان عمر نهانا فانتهينا) وهذا إذا صح يمكن أنه لم يكن معلوماً عند البعض.(448/29)
حكم قول المأموم (بلى) في صلاة الفريضة
السؤال
هل يجوز للمأموم أن يقول: بلى، في الصلاة يجهر بها إذا قرأ الإمام: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] أو: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:40]؟
الجواب
ما ثبت في: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8] لكنه ثبت في: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:40] لكن كونها تقال في صلاة الفريضة لا أدري.(448/30)
حكم قول (صدق الله العظيم) بعد القراءة
السؤال
ما حكم من يقول بعد انتهاء القراءة: صدق الله العظيم؟
الجواب
لا نعلم شيئاً يدل على مشروعية هذا، وهذا من الشيء الذي انتشر في هذا الزمان، ولا أعلم له أصلاً.(448/31)
حكم الاجتماع للقراءة ثم الذبح عند الختم
السؤال
هل الاجتماع لقراءة القرآن وختمه وذبح شاة عند الختم جائز أم لا؟ وإن كان جائزاً فما الدليل؟
الجواب
قراءة القرآن وختمه على سبيل التناوب بحيث إن هذا يقرأ مقطعاً من القرآن والذي بعده يقرأ والباقون يسمعون ويتابعون، هذا صحيح، لأن كل واحد يعتبر إما قارئاً أو مستمعاً، وإذا فعلوا شيئاً بعد ذلك شكراً لله عز وجل على هذه النعمة، وأعطوه للفقراء والمساكين فلا أعلم شيئاً يمنعه، لكن لا يقال: إن هذا سنة وإنه مشروع أن الإنسان يفعل هذا الشيء، وإنما يقال: جائز من باب الشكر لله عز وجل، كمن حصل له شيء فيذبح شاة، لكن لا على أنه سنة.(448/32)
حكم العقيقة عن الذكر بشاة واحدة
السؤال
رزقت بمولود ذكر ولا أستطيع أن أعق عنه شاتين، فهل تكفي واحدة وتكون الثانية قضاء بعد فترة؟
الجواب
السنة كما هو معلوم أن الغلام عنه شاتان، والجارية عنها شاة واحدة.(448/33)
حكم القراءة في الصلاة بعدة قراءات
السؤال
هل يجوز تعدد القراءات في صلاة واحدة، بأن يقرأ الفاتحة بقراءة وبعض الآيات بقراءة وينوع في صلاة واحدة؟
الجواب
ليس بجيد، لاسيما عند الناس الذين لا يعرفون القراءات، فإن هذا يشوش عليهم، وقد يردون عليه يحسبون أنه أخطأ، وقد يحصل منه خطأ والناس لا يعرفون أنه أخطأ ما دام يقرأ بقراءة أخرى، فقد يأتي بشيء هو خطأ، فلا يصلح هذا إلا للتعليم، بأن يأتي بالآية على قراءة ما، ثم يأتي بها على قراءة أخرى، أما كونه يأتي بها في الصلاة أو في غير الصلاة ويشكل فيها، ويشوش على الناس، فإن هذا لا ينبغي.(448/34)
شرح سنن أبي داود [449]
اللبس نعمة من الله تعالى، ولكن نهى الإسلام عن التعري والتنكر لتلك النعمة، ووضحت السنة أحكاماً تخص الستر والنهي عن التعري وتوضح الحدود والضوابط المختصة بالعورات، ونبه المصطفى صلى الله عليه وسلم على المواطن التي مظنة التعري وعدم الستر، ومن ذلك الحمامات العامة التي فيها اختلاط بين الرجال والنساء، ويحصل فيها التعري والتكشف.(449/1)
كتاب الحمام(449/2)
شرح حديث (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دخول الحمامات)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الحمام.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن عبد الله بن شداد عن أبي عذرة عن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن دخول الحمامات، ثم رخص للرجال أن يدخلوها في الميازر)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: كتاب الحمام.
حمّام -مثقّل- معروف، وجمعه حمامات؛ ولأنها تكون عامة ومفتوحة، ويختلط الناس بعضهم ببعض كي يستحموا فيها عُقِد لها هذا الكتاب، وهذه الترجمة معقودة لها.
وهذه الحمامات تحرم إذا كان فيها اختلاط بين الرجال والنساء ولا يجوز دخولها.
أما إذا كان الرجال في مكان وحدهم وليس معهم نساء، وحصل منهم الاستتار بأن كان عليهم مآزر أو ثياب ساترة يستحمون بها فإنه لا بأس بذلك، وهكذا الحكم بالنسبة للسباحة في البحر أو في الأنهار وغيرها.
وإذا كان بعضهم مع بعض حال الاستحمام وقبله وبعده فلابد من شيء يواري سوءاتهم، إما أُزُر وإما قُمُص أو سراويل أو أي شيء يستر العورات.
وأما النساء فلا يجوز لهن الذهاب إلى مثل هذه الأماكن التي يكون فيها الاختلاط ويكون فيها التكشف.
أورد أبو داود رحمه الله تعالى حديث عائشة رضي الله تعالى عنها.
قولها: (نهى رسول صلى الله عليه وسلم عن دخول الحمامات) أي: مطلقاً للرجال والنساء، ومعلوم أن النساء لا يجوز لهن دخول الحمام؛ لأن ذلك مظنة التعري وانكشاف العورات، وهذا عام في النساء حتى ولو كن وحدهن في مكان واحد متزرات، أما إذا حصل تعرٍّ فهذا -بلا شك- لا يجوز.
وأما الرجال فقد رخص لهم الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بعد، وذلك شريطة أن تكون عليهم المآزر، أو شيء يسترهم.
وأحاديث الحمامات ذكر الشيخ أبو بكر الحازمي رحمه الله أنه لم يصح فيها شيء، يعني: في دخول الحمامات.
والراجح في المسألة هو ما أشرت إليه آنفاً، وهو الجواز في حق الرجال بشرط أن يكون فيه استتار، وليس هناك اختلاط بين الرجال والنساء، وهو من جنس السباحة في البحر أو في الأنهار وما من شك في جواز ذلك إذا كانوا متستّرين، بأن كان عليهم السراويل أو الأزر أو القمص أو أي شيء يستر عوراتهم بحيث لا يرى أحد عورة أحد.
والحديث في إسناده رجل مجهول، وهو أبو عذرة؛ ولذا فالحديث غير صحيح.(449/3)
تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دخول الحمامات…)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
حماد هو: ابن سلمة بن دينار البصري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن شداد].
عبد الله بن شداد صدوق أخرج له أصحاب السنن.
[عن أبي عذرة].
أبو عذرة مجهول، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن عائشة].
أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(449/4)
الأسئلة(449/5)
حكم دخول الحمام إذا كانت الأحاديث فيه غير صحيحة حسب قول الحازمي
السؤال
قول الحازمي: إن أحاديث الحمام كلها معلولة وإنما يصح فيها عن الصحابة، ما معنى هذا وماذا ينبني عليه؟
الجواب
معناه: أنه صح عن الصحابة شيء في هذا الباب، ومعلوم أنه جائز للرجال بشرط الاستتار بإزار أو نحوه، وهو مثل السباحة في البحر كما تقدم.(449/6)
حكم دخول النساء الحمام
السؤال
بناء على التفريق بين الرجال والنساء، هل تمنع المرأة أبداً من دخول الحمام؟!
الجواب
ما دام أن شيئاً منها مكشوف ويحصل تعرٍّ فلا يجوز دخولها الحمام، حتى وإن كانت بين النساء؛ لأن رؤية النساء لعورة المرأة لا يجوز.(449/7)
القول بنسخ حديث دخول الحمام في حق الرجال على اعتبار صحة الحديث
السؤال
إذا كان الحديث الذي ذكره أبو داود محفوظاً فهو صريح في النسخ؟
الجواب
معناه: أن النهي منسوخ في حق الرجال، والحديث لم يصح كما قاله الحافظ أبو بكر الحازمي رحمه الله، وهو إمام من الأئمة وله كتاب: (الاعتبار من الناسخ والمنسوخ من الآثار) وله: (شروط الأئمة الخمسة) وكتب أخرى، وهو من العلماء الذين ماتوا صغاراً، وقد برز في العلم واشتهر به، وتوفي وعمره خمس وثلاثون سنة، وقد قال فيه الذهبي -عندما ذكره فيمن يعتمد قوله في الجرح والتعديل-: وقد مات شاباً طرياً، عمره خمس وثلاثون سنة.
فهو من المؤلفين ومن الحفاظ وممن يعول على قوله في الجرح والتعديل، وقد مات في سن مبكرة، ومثله من المعاصرين الشيخ حافظ الحكمي رحمة الله عليه، فإنه ملأ المكتبات بمؤلفاته النثرية والشعرية في العقيدة والحديث والمصطلح، وقد مات وعمره خمس وثلاثون سنة، سنه مثل سن الحازمي رحمهما الله تعالى.(449/8)
تابع كتاب الحمام(449/9)
شرح حديث عائشة (ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن قدامة حدثنا جرير ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة؛ جميعاً عن منصور عن سالم بن أبي الجعد -قال ابن المثنى: عن أبي المليح - قال: دخل نسوة من أهل الشام على عائشة رضي الله عنها فقالت: ممن أنتن؟ قلن: من أهل الشام، قالت: لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمامات؟ قلن: نعم، قالت: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنه جاء إليها نسوة من الشام وقالت: (لعلكن من الكورة) أي: المدينة أو البلدة، (التي تدخل نساؤها الحمامات؟ قلن: نعم) ثم ذكرت الحديث: (ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت ما بينها وبين الله عز وجل) أي: أن هذا حرام وأنه لا يسوغ، وهذا يطابق ما جاء من النهي عن دخول الحمامات للنساء.
والحديث صحيح، ويستدل به في النهي عن دخول النساء الحمامات.
قوله: (ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها) يشمل الحمامات وغيرها، حتى لو خلعتها في أماكن أخرى، لكن -كما هو معلوم- إذا كان الخلع في بيت سكنته مع أهلها أو كانوا في مكان وهم مسافرون واستأجروا شقة أو ما شابه ذلك؛ فهذا يعتبر بيتهم، وكذلك إذا كانت في بيت أهلها وخلعته للحاجة -كالاستحمام مثلاً- فلا بأس.
والمنهي عنه هو خلعها ثيابها خلعاً يسبب فتنة، فهذا لا يجوز حتى أمام الأب أو الأم، ولا يجوز لها أن تظهر شيئاً من مفاتنها، لا بخلع الثياب ولا بخلع شيء من الثياب يؤدي إلى إظهار المفاتن والزينة؛ لأن هذا من خصائص الزوج، ولا يجوز إظهار المرأة مفاتنها إلا عند الزوج.(449/10)
تراجم رجال إسناد حديث (ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها)
قوله: [حدثنا محمد بن قدامة] محمد بن قدامة المصيصي وهو ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن جرير] جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا محمد بن المثنى] (ح) هي للتحول من إسناد إلى إسناد.
محمد بن المثنى هو أبو موسى العنزي الملقب بـ الزمن، كنيته أبو موسى، ولقبه الزمن، وهو مشتهر بكنيته أبي موسى، ولهذا عندما يأتي ذكره مع الرجال باختصار يذكرونه بكنيته، مثلاً يأتي ذكره في كتاب تهذيب التهذيب ضمن الرواة عن أحد المحدثين فيقال: روى عنه فلان وفلان وأبو موسى، أي: أبو موسى محمد بن المثنى؛ لأنه مشهور بكنيته، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ من شيوخ أصحاب الكتب الستة، فكلهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثنا محمد بن جعفر] محمد بن جعفر هو الملقب بـ غندر البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة] شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[جميعاً عن منصور] يعني أن الطريقين السابقتين عن منصور، وهو منصور بن المعتمر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم بن أبي الجعد] سالم بن أبي الجعد، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال ابن المثنى: عن أبي المليح] أبو المليح هو عامر بن أسامة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، يعني أن ذكر أبي المليح إنما هو في الطريق الثانية التي هي طريق محمد بن المثنى.
[عن عائشة] مر ذكرها.
[قال أبو داود: هذا حديث جرير وهو أتم، ولم يذكر جرير أبا المليح، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم] هذه الطريق الذي ليس فيها ذكر أبي المليح، وإنما ذكره محمد بن المثنى في الطريق الثانية، وكلا الطريقين مرسلة، فقد سقط منهما التحديث عن عائشة رضي الله عنها، والطريق الأولى سقط منها -أيضاً- أبو المليح، فالطريق الثانية أتم نسبياً، وإلا فكلاهما مرسلة.(449/11)
شرح حديث عبد الله بن عمرو في النهي عن دخول الحمام
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس ثنا زهير ثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنها ستفتح لكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتاً يقال لها الحمامات، فلا يدخلنها الرجال إلا بالأزر، وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء)] أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، وفيه إباحة دخول الحمامات للرجال ومنع النساء إلا مريضة أو نفساء.
والحديث فيه رجلان ضعيفان وهما: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وعبد الرحمن بن رافع الأفريقيان، وكل منهما ضعيف وليس بحجة وليس بثابت.(449/12)
تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو في النهي عن دخول الحمام
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس] أحمد بن يونس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ثنا زهير] زهير بن معاوية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم].
هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن عبد الرحمن بن رافع].
وهو ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن عبد الله بن عمرو] عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(449/13)
النهي عن التعري(449/14)
شرح حديث (إن الله حيي ستير)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النهي عن التعري.
حدثنا عبد الله بن محمد بن نفيل ثنا زهير عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي عن عطاء عن يعلى: (أن رسول صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يغتسل بالبراز بلا إزار، فصعد المنبر فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل حيي ستير، يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر)].
أورد أبو داود باباً في النهي عن التعري، يعني: التعري حيث يراه أحد غير من يجوز له أن يراه -كالزوجة والأمة: السرية التي يطؤها- فإنه ليس لأحد غيرهما أن يطلع على عورته، وإذا كان المرء في مكان مكشوف يراه الناس فلا يجوز له أن يغتسل عارياً، بل عليه أن يغتسل وعليه شيء يستر عورته، بخلاف ما إذا كان في مكان مستور لا يطلع عليه أحد، فإن تعريه حال الاغتسال عند ذلك مباح.
وقد أورد أبو داود حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه أن النبي رأى رجلاً يغتسل في البراز؛ أي: المكان المكشوف، في الفضاء الواسع، وليس هناك شيء يستره لا من جدار ولا من أشجار، وإنما هو بارز للناس، ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك صعد المنبر وقال: (إن الله حيي ستير، يحب الحياء والستر) ومعنى ذلك أنه ليس للإنسان أن يفعل هذا الفعل، وإنما عليه أن يستتر عن الناس، وأن يكون من أهل الحياء، فلا يحصل منه ذلك، لأن هذا الفعل لا يسوغ ولا يجوز، ولا يجوز أن يرى أحد عورته إلا زوجته أو ملك يمينه -الأمة التي يطؤها-.
قوله رحمه الله تعالى: [(إن الله حيي ستير)] هذا فيه دليل على إثبات هذين الاسمين لله عز وجل، فهو الحيي وهو الستير، لمجيئهما في هذا الحديث.
ثم ذكر مقتضى هذين الاسمين حيث قال: (يحب الحياء، ويحب الستر) يعني هو حيي يحب الحياء، وهو ستير يحب الستر، وهكذا يأتي في بعض الأحاديث التي فيها ذكر بعض أسماء الله تعالى محبة الصفات التي تدل عليها هذه الأسماء، وهنا: (إن الله حيي ستير؛ يحب الحياء والستر) وفي حديث آخر: (إن الله جميل يحب الجمال)، وقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: (إن الله محسن فأحسنوا) وهكذا بعض الأحاديث التي تأتي يأتي فيه ذكر اسم من أسماء الله، ثم يذكر بعدها شيء يرشد إليه، وغالباً ما يكون مشتقاً من تلك الأسماء.
أما ما يشتهر على ألسنة الكثير من عامة الناس من إطلاقهم اسم (الساتر) و (الستار) على الله تعالى وإدراجه ضمن أسماء المولى جل وعلا؛ فلا نعلم دليلاً يدل عليهما، ولكن لا شك أن الله تعالى هو الستَّار وهو الساتر من حيث المعنى، لكن الأسماء والصفات توقيفية، والذي ورد هو ما تقدم.(449/15)
تراجم رجال إسناد حديث (إن الله حيي ستير)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد بن نفيل] عبد الله بن محمد بن نفيل النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ثنا زهير عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي] زهير مر ذكره، أما عبد الملك بن أبي سليمان، فصدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عطاء] هو عطاء بن أبي رباح، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يعلى] يعلى بن أمية، صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(449/16)
شرح حديث (إن الله حيي ستير) من طريق أخرى وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف حدثنا الأسود بن عامر حدثنا أبو بكر بن عياش عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث.
قال أبو داود: الأول أتم].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن الصحابي يعلى بن أمية رضي الله عنه، وأشار إلى أن الطريق الأولى أتم، أي: التي ساقها بلفظها.
قوله: [حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف].
محمد بن أحمد بن أبي خلف ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا الأسود بن عامر] عن الأسود بن عامر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو بكر بن عياش] أبو بكر بن عياش، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم.
في المقدمة وأصحاب السنن.
[عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن صفوان بن يعلى] صفوان بن يعلى ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] قد مر ذكره.(449/17)
شرح حديث (أما علمت أن الفخذ عورة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي النضر عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد، عن أبيه قال: كان جرهد هذا من أصحاب الصفة، أنه قال: (جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا وفخذي منكشفة، فقال: أما علمت أن الفخذ عورة؟)].
أورد أبو داود حديث جرهد رضي الله عنه أنه كان في الصفة -أي صفة المهاجرين- وهي مكان في المسجد كان يأوي إليه فقراء المهاجرين ممن ليس عندهم أهل، وليس عندهم بيوت، فيكونون في ذلك المكان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزورهم.
وفي ذات مرة زارهم صلى الله عليه وسلم -كما يروي جرهد رضي الله عنه- ورأى جرهداً قد بدت فخذه فقال عليه الصلاة والسلام: (أما علمت أن الفخذ عورة!) يعني أنه يجب أن تستر؛ لأنها عورة.(449/18)
تراجم رجال إسناد حديث (أما علمت أن الفخذ عورة)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة] هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك] مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي النضر] هو سالم، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد].
زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد مجهول وقد وثقه النسائي وأخرج له أبو داود والنسائي في مسند مالك.
[عن أبيه] أبوه هو عبد الرحمن بن جرهد، وهو مجهول الحال، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند مالك.
[عن جرهد] وهو صحابي أخرج البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي والنسائي في مسند مالك.
والحديث في سنده مجهول الحال، ولكن له طرق أخرى يتقوى بها.(449/19)
شرح حديث (لا تكشف فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن سهل الرملي حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: أخبرت عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تكشف فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت).
قال أبو داود: هذا الحديث فيه نكارة] أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تكشف فخذك، ولا تنظر إلى عورة فخذ حي ولا ميت) وهو يدل على أن الفخذ عورة، لكن الحديث فيه ضعف من جهة أن ابن جريج قال: أخبرت، أي: أن فيه واسطة محذوفة، وأيضاً قالوا: إن فيه أيضاً رجلاً مجهولاً محذوفاً بين حبيب بن أبي ثابت وعاصم فهو منقطع؛ ولذا فهو ضعيف، وأما أن الإنسان لا يظهر فخذه ولا ينظر إلى فخذ حي ولا ميت فهذا معنى صحيح من أدلة أخرى تدل على أن الإنسان ليس له أن ينظر إلى العورات.(449/20)
تراجم رجال إسناد حديث (لا تكشف فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت)
قوله: [حدثنا علي بن سهل الرملي].
علي بن سهل الرملي صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا حجاج].
هو حجاج بن محمد المصيصي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرت عن حبيب بن أبي ثابت].
ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عاصم بن ضمرة].
عاصم بن ضمرة صدوق أخرج له أصحاب السنن.
[عن علي].
هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.(449/21)
الأسئلة(449/22)
الجمع بين حديث الفخذ عورة وكشف النبي فخذه في خيبر
السؤال
كيف يكون الجمع بين حديث: (الفخذ عورة) وأن النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر كانت فخذه مكشوفة
الجواب
من العلماء من قال: إن الذي حصل في خيبر إنما هو انحسار، ومعلوم أن الانحسار قد يحصل من الإنسان من غير إرادته؛ لكونه راكباً ومسرعاً، فقد ينحسر الرداء أو الثوب في حال الإسراع، فرآه الراوي في هذه الحال.
ومن العلماء من قال: إنه يجمع بينه وبين هذا: بأن ظهور الفخذ ثابت في بعض الأحاديث، والنهي عن إظهار الفخذ ثابت في بعض الأحاديث، وقالوا: إن العورة عورتان: عورة مغلظة، وعورة مخففة، ويحمل ما جاء في بعض الأحاديث على العورة المخففة، ولهذا لما ذكر البخاري حديث جرهد هذا وأشار إليه تعليقاً، قال: يروى جرهد، عن العباس ومحمد بن جحش وجرهد: (الفخذ عورة)، ثم قال: حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط.(449/23)
حكم ستر الركبة والسرة
السؤال
هل تدخل الركبة في العورة؟
الجواب
الركبة هي الحد الفاصل بين الفخذ والساق، فإدخالها لا شك أنه الأولى، وإذا ظهرت فلا بأس إن شاء الله؛ لأنها هي الحد الفاصل، ولا يقال لها: فخذ، ولا يقال لها: ساق، وإنما هي فاصل بين الفخذ والساق، لكن كون الإنسان يسترها لا شك أنه أحوط، وكذلك السرة.(449/24)
شرح سنن أبي داود [450]
امتن الله على عبيده بنعمة اللباس والزينة، وحرم عليهم التعري وعدم الستر إلا لحاجة اقتضت ذلك، وأحكام الستر والتعري كثيرة ومفصلة في هذه المادة.(450/1)
ما جاء في التعري(450/2)
شرح حديث (خذ عليك ثيابك ولا تمشوا عراة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في التعري.
حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يحيى بن سعيد الأموي عن عثمان بن حكيم عن أبي أمامة بن سهل عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما قال: (حملت حجراً ثقيلاً، فبينا أمشي فسقط عني ثوبي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ عليك ثوبك ولا تمشوا عراة)].
أورد أبو داود باباً في التعري، والتعري -كما أسلفنا- لا يجوز إلا لمن يجوز التعري عنده، أو التعري للحاجة كالاغتسال إذا اغتسل خالياً وليس عنده أحد.
وأورد أبو داود حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنهما أنه كان يحمل حجراً ثقيلاً فسقط عنه ثوبه، وكان المكان الذي يريد أن يطرح حمله فيه قريب، ولأنه ثقيل مشى خطوات حتى وضعه وسارع فأخذ ثوبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذ ثوبك، ولا تمشوا عراة) فالإنسان ليس له أن يتعرى، وإذا حصل التعري لطارئ خارج عن إرادته فليبادر إلى التستر.(450/3)
تراجم رجال إسناد حديث (خذ عليك ثيابك ولا تمشوا عراة)
قوله: [حدثنا إسماعيل بن إبراهيم] إسماعيل بن إبراهيم ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا يحيى بن سعيد الأموي] يحيى بن سعيد الأموي، صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عثمان بن حكيم] عثمان بن حكيم ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي أمامة بن سهل] أبو أمامة بن سهل له رؤية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن المسور بن مخرمة].
المسور بن مخرمة رضي الله عنه، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(450/4)
شرح حديث (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا أبي قال.
ح وحدثنا ابن بشار حدثنا يحيى نحوه عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه، قال: (قلت: يا رسول الله! عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك، قال: قلت: يا رسول الله! إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت ألا يرينها أحد فلا يرينها، قال: قلت: يا رسول الله! إذا كان أحدنا خالياً؟ قال: الله أحق أن يستحيا منه من الناس)].
أورد أبو داود حديث معاوية بن حيدة رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قلت: يا رسول الله! عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟) يعني: عمن نستر عوراتنا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك) معنى هذا أن الإنسان ليس له أن يكشف عورته عند أحد من الناس إلا لزوجته وما ملكت يمينه، وملك اليمين ما يباح له وطؤه مما يملك من الإماء، أما إذا كان ملك اليمين هذا ليس فراشاً له وليس له أن يطأها بأن تكون أمة مزوجة ويطؤها غيره أو أمة مشتركة، فإنه ليس له أن يكشف عورته عندها.
وغيره من الناس عليه أن يستر عورته منهم، فبين عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن الذي تكشف عنده العورة هو الزوجة فلها ترى عورة زوجها وهو يرى عورتها، وهذا خاص بهما، وكذلك الأمة التي يطؤها سيدها.
قوله: (قلت: يا رسول الله! إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت ألا يرينها أحد فلا يرينها).
إذا كان القوم بعضهم في بعض، يعني: في مكان واحد ليس فيه انفراد بحيث إن الإنسان ينفرد في مكان يغير ثيابه أو يلبس ثيابه -مثلاً- فليس عندهم إلا مكان واحد فقط، أو غرفة واحدة، أو خيمة، ولا يوجد لديهم أماكن أخرى سوى ذلك.
فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أن يجتهد في ألا يطلع على عورته أحد، وإذا كان بين الناس فإنه يجتهد أن يلبس ما يستره عندما يخلع الثياب التي عليه ما دام أنه ليس في مكان يخلو به وينفرد به.
قوله: (قلت: يا رسول الله! إذا كان أحدنا خالياً؟ قال: الله أحق أن يستحيا منه من الناس).
أي: إذا كان أحدنا خالياً فهل يتعرى؟ قال: (الله أحق أن يستحيا منه من الناس) يعني أن مثل هذه الهيئة لا تصلح، فالإنسان لا يتعرى حتى حال انفراده إلا للحاجة، مثل الاغتسال أو كونه مع أهله ويحتاج الأمر إلى أن يظهر عورته، فإن ذلك سائغ، وأما ما سوى ذلك فإنه لا يجوز.(450/5)
تراجم رجال إسناد حديث (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن أبيه] عبد الله بن مسلمة مر ذكره، وأبوه هو: مسلمة بن قعنب وهو ثقة أخرج له أبو داود.
[ح وحدثنا ابن بشار] هو محمد بن بشار الملقب بـ بندار، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى] هو يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بهز بن حكيم] هو بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه] أبوه حكيم بن معاوية بن حيدة، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن جده] جده هو معاوية بن حيدة رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.(450/6)
الحكم على حديث (لم أرَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرَ مني)
السؤال
هل صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لم أر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ير مني)؟
الجواب
هذا من أحاديث الأدباء التي يذكرونها في كتب الأدب، (لم ير مني ولم أر منه)، أي السوأة، فهم يوردون هذا شاهداً للمفعول المحذوف، وهو هنا السوأة، وهذا لا نعلم له ثبوتاً، والحديث الثابت في هذه المسألة هو الذي مر وفيه: (احفظ عورتك إلا من زوجتك وما ملكت يمينك) هذا هو الصحيح في هذا الباب، وأما ذاك فمشهور في كتب الأدب عند الأدباء ولا يثبت.(450/7)
شرح حديث (لا ينظر الرجل إلى عرية الرجل ولا المرأة إلى عرية المرأة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا ينظر الرجل إلى عرية الرجل، ولا المرأة إلى عرية المرأة، ولا يفض الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفض المرأة إلى المرأة في ثوب)] أورد أبو داود رحمه الله تعالى حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (لا ينظر الرجل إلى عرية الرجل ولا المرأة إلى عرية المرأة) ورد الكلام هنا في شأن الرجال بعضهم مع بعض، والنساء بعضهن مع بعض، وغير ذلك لا شك أنه من باب أولى، أعني كون المرأة تنظر إلى عورة الرجل أو الرجل ينظر إلى عورة المرأة، فهذا يحرم من باب أولى.
قوله: (ولا يفض الرجل إلى الرجل في ثوب واحد).
يعني: حيث يكونان معاً في ثوب واحد وكلاهما غير مستتر، أو يكون هو وإياه في لحاف واحد متلاصقين.
قوله: (ولا تفض المرأة إلى المرأة في ثوب).
وهذا مثله في الحكم.(450/8)
تراجم رجال إسناد حديث (لا ينظر الرجل إلى عرية الرجل ولا المرأة إلى عرية المرأة)
قوله: [حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم] عبد الرحمن بن إبراهيم هو الملقب دحيم، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن ابن أبي فديك] هو محمد بن مسلم بن إسماعيل، صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الضحاك بن عثمان] الضحاك بن عثمان صدوق يهم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن زيد بن أسلم] زيد بن أسلم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري] عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه] أبوه هو أبو سعيد الخدري رضي الله عنه واسمه سعد بن مالك بن سنان أحد الصحابة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(450/9)
شرح حديث (لا يفضين رجل إلى رجل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا ابن علية عن الجريري.
ح وحدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل عن الجريري عن أبي نضرة عن رجل من الطفاوة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يفضين رجل إلى رجل، ولا امرأة إلى امرأة إلا ولداً أو والداً) قال: وذكر الثالثة فنسيتها].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (لا يفضين الرجل إلى الرجل، ولا المرأة إلى المرأة إلا ولداً أو والداً) يعني فيما بينهما، والحديث غير صحيح؛ لأن فيه هذا الرجل المجهول، الذي هو رجل من طفاوة.
والعورة كما عرفنا لا تكشف إلا بين الزوج وزوجته وأمته، والوالدان وغيرهما يجب التستر عنهما وتسترهما عن أبنائهما.(450/10)
تراجم رجال إسناد حديث (لا يفضين رجل إلى رجل)
قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى] إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا ابن علية] هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـ ابن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الجريري] هو سعد بن إياس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح، وحدثنا مؤمل بن هشام] ح هي للتحول من إسناد إلى إسناد.
ومؤمل بن هشام ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا إسماعيل عن الجريري].
إسماعيل هو ابن علية، وهنا ذكره باسمه، وهناك ذكره بنسبته إلى أمه.
[عن الجريري عن أبي نضرة].
أبو نضرة هو المنذر بن مالك بن قطعة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن رجل من الطفاوة عن أبي هريرة] أبو هريرة هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.(450/11)
الأسئلة(450/12)
حكم البقاء عرياناً في غرفة منفرداً أو في أثناء النوم
السؤال
هذا الباب هل يفيد أن الإنسان لا يغتسل وهو متعرٍ، ولابد أن يستر عورته المغلظة حتى إذا كان لوحده في الحمامات الموجودة الآن؟
الجواب
هذا جائز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر في الحديث الصحيح قصة أيوب وموسى عليهما الصلاة والسلام، وأنهما كانا يغتسلان عريانين، فذلك سائغ، وستر العورة المغلظة يستحبه بعض العلماء عند الغسل؛ لأن الله أحق أن يستحيا منه، لكن كما هو معلوم فيما إذا كان الإنسان في غرفة وحده لا يتعرى من غير حاجة، وأما هذا فإنما هو للاغتسال، وقد جاء في الحديث أن نبيين كريمين اغتسلا وهما عاريان.
ويدخل في النهي النوم عرياناً.(450/13)
عورة المرأة مع المرأة
السؤال
لو شرحت لنا حد العورة التي لا يجوز رؤيتها بين المرأة والمرأة؟
الجواب
النساء يجب عليهن التستر فيما بينهن، وعليهن ألا يتساهلن، وإنما يظهرن الحشمة ولا يستهنّ بالأمر، فالمرأة لا تبدي زينتها للمرأة، ولا تظهر ثديها ولا بطنها وما إلى ذلك، وعليها أن تحتشم، وأن تبتعد عن مساوئ الأخلاق، وأن تأخذ الحشمة، ولو كان ما عندها إلا نساء؛ لأن مثل هذا الأمر فيه شيء محذور من ناحية الاطلاع على مفاتن المرأة وعلى زينتها، وأيضاً من ناحية التساهل والتهاون الذي يجري بين النساء بحيث ينتشر التحلل والميوعة، فالمرأة عليها أنها تكون مع النساء مستترة، أما مسألة الضرورة فهذا شيء آخر، فإذا كان هناك حاجة إلى الاطلاع على شيء للضرورة فهذا أمر آخر.(450/14)
حكم لبس المرأة البنطال بين النساء حال السباحة معهن
السؤال
ما حكم استتار المرأة ببنطلون أو لباس ضيق، ثم تسبح مع نساء في مسبح واحد؟
الجواب
البنطلونات الضيقة التي تصف العورة وحجمها ليس للمرأة أن تستعملها، فلا تستعمل المرأة البنطلونات مطلقاً، لا مع النساء بل ولا حتى مع زوجها؛ لأن مثل هذا يسبب أن تتهاون في الأمر، ثم إنها مع الزوج لا تحتاج إلى البنطلون، فكل شيء يحق له أن يراه منها.(450/15)
حكم نوم الرجل مع الرجل تحت لحاف واحد
السؤال
ما حكم نوم الرجل مع الرجل في لحاف واحد؟
الجواب
لا يصلح، ولا ينبغي أن يناما متجاورين، أما إذا كان بينهما فاصل، واللحاف طويل، كأن يكفي اللحاف لخمسة أشخاص، ونام واحد في طرف والآخر في طرف فلا بأس إن شاء الله.(450/16)
حد عورة الصغير ذكراً كان أو أنثى
السؤال
ما حد عورة الصبي ذكراً أو أنثى؟
الجواب
الصغير لا يحرم أن يطلع المرء على عورته إذا كان صغيراً، وأما إذا بلغ حداً يشتهى فيه أو كبرت البنت شيئاً ما عن حد كونها صغيرة، فليس للإنسان أن يطلع على عورتها.
فإذا كان الصغير كبر بعض الشيء بأن يكون مميزاً أو قريباً من المميز فلا ينبغي أن ينظر إلى عورته.(450/17)
حرمة التصاق رجل برجل دون ثياب أو تحت لحاف واحد
السؤال
في الحديث: (لا يفض الرجل إلى الرجل بالثوب الواحد) لو قيدنا بما إذا كانا عريانين وهما في ثوب واحد، وتحت لحاف واحد؛ لأن أهل الصفة كفتهم الصفة مع أنهم كانوا كثيرين، وهذا يؤدي إلى اقتراب بعضهم من بعض؟
الجواب
ليس هناك دليل على أنهم كان يلتصق بعضهم ببعض، وإن حصل الاقتراب لكن ليس هناك تلاصق.(450/18)
حكم خلع المرأة ثيابها في بيت محرم لها منفردة لأجل تغيير الملابس
السؤال
هل يجوز تغيير ملابس الزوجة في بيت أختها أو أخيها مع الأمن من الفتنة والاختلاط؟
الجواب
إذا احتيج إلى ذلك، بأن تكون مثلاً ماكثة عندهم مدة أسبوع أو قريباً من ذلك أو أقل واحتاجت إلى أن تغير ملابسها فلها أن تغير ما دام أنه لا أحد يراها، ولا مانع من ذلك.(450/19)
حكم خلع المرأة ثيابها في بيت جارتها لقياس فستان مثلاً
السؤال
إذا خلعت المرأة ثيابها في بيت جارتها لقياس فستان ونحوه، فما الحكم؟
الجواب
الفستان يقاس بدون خلع، فتقيس وعليها ثيابها، وبقاؤها في ثيابها واجب ولا حاجة إلى التعري، فالناس الآن عندما يأتون إلى الخياط لا يتعرون من أجل أن يقيسوا! بل يقيسون وعليهم الثياب.(450/20)
حكم خلع المرأة ثيابها في صالات وقصور الأفراح
السؤال
يوجد في بعض قصور الأفراح غرفة معدة للنساء حيث يقمن بتغيير ملابسهن، ولبس ثياب أخرى من أجل حفل الزواج، فهل يجوز ذلك، علماً بأن ذلك يتم في حشمة وتستر؟
الجواب
هذا لا يجوز، المرأة تخرج من بيتها بلباسها وترجع بلباسها، لا تأتي وتغير وتبدل في تلك الأماكن.(450/21)
حكم ذهاب المرأة للحمامات العامة
السؤال
عندنا حمامات حارة يستفيد منها النسوة، فهل يجوز لهن دخولهن، علماً بأنها منعزلة عن الناس؟
الجواب
النساء لا يصلح أن يستعملن هذه الأمور، وإنما تقتصر على ما في بيتها ولا تخرج.(450/22)
حكم ذهاب الرجل إلى الحمامات العامة
السؤال
إذا كان في الحمامات الخاصة بالرجال كشف للعورة من بعض الرجال، فهل يجوز لي الذهاب إلى الحمامات، وأتستر، لكن غيري ربما لا يتستر الستر المطلوب؟!
الجواب
لا تذهب، ما دام أن هناك أناساً عراةً فلا تذهب، ولا تجلس معهم، ولا تشاركهم فيما هم فيه.(450/23)
حكم الذهاب إلى الحمامات البخارية لغرض التداوي
السؤال
توجد حمامات طبيعية فيها غرف مستقلة تستعمل للتداوي، فهل يجوز للمرأة دخولها لغرض التداوي مع وجود محرم؟
الجواب
كيف هذا التداوي؟! ألا يوجد الماء الحار إلا في هذه الحمامات؟! الناس عندهم سخانات وعندهم مياه حارة.
والحمامات الخاصة بالنساء في المشاعر وغير المشاعر التي هي خاصة بالنساء تذهب إليها النساء، لكن ما تكون مع رجال ونساء، وأما حمامات يختلط فيها رجال ونساء فلا يجوز ذلك، بل النساء تكون على حدة والرجال على حدة.
والحمامات المعدنية التي فيها غرف خاصة للنساء لا أراه، والنساء عليهن أن يحذرن من الوقوع في أمور لا تنبغي.(450/24)
حكم سباحة المرأة مع نساء
السؤال
هناك بعض المدارس الخاصة بالبنات في بلادنا فيها أحواض للسباحة، وليست مكشوفة، فهل يجوز للطالبة أن تدخل في هذه الأحواض؟
الجواب
سباحة نساء مع نساء وهن متسترات بثيابهن ليس فيه بأس.(450/25)
دخول حمامات غير محتشمة من خوارم المروءة
السؤال
هل يعتبر دخول الحمامات من خوارم المروءة بالنسبة للرجال؟
الجواب
إن كان فيها تعر ورؤية عورات الآخرين فهذا من خوارم المروءة، بل لا يجوز شرعاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن النظر إلى عورة الآخرين كما عرفنا في الأحاديث، فلا ينظر هو إلى عورة أحد ولا غيره ينظر إلى عورته، فلا شك أن هذا من خوارم المروءة، ومن قلة الأدب، ومن قلة الحياء.(450/26)
حكم سباحة الرجال بالسراويل دون إزار
السؤال
ما حكم السباحة بالسراويل؛ حيث إن بعض الإخوة يقول: إنه لا يجوز إلا مع الأزر فوق السراويل؟
الجواب
ليس بلازم أن يكون هناك إزار وسراويل مع بعض، فالواجب الستر، لكن السباحة بالإزار فقط لا تصلح؛ لأنه يرفعه الماء.(450/27)
حكم مشاهدة المنافسات الرياضية مع رؤية أفخاذ اللاعبين
السؤال
لاعبو كرة القدم والمصارعون وغيرهم يكشفون أفخاذهم، فهل تدخل مشاهدة تلك الألعاب في التحريم؟
الجواب
نعم، لا يجوز لهم فعل هذا الشيء، ولا يجوز لأحد أن ينظر إليهم إذا كانوا كاشفي عوراتهم.(450/28)
حكم السباحة في مكان -كالبحر- فيه رجال غير متسترين
السؤال
هل يجوز السباحة في البحر إذا وجد رجال يكشفون العورات؟
الجواب
لا يكون معهم، البحر طويل وعريض، فيكون في مكان بعيد عنهم، والمكان الذي هم فيه لا يكون معهم، وإنما يذهب إلى مكان بعيد ويسبح فيه.(450/29)
حكم الاغتسال بشكل جماعي مع ظهور بعض العورة
السؤال
يقول: عندنا في الجيش يغتسلون بشكل جماعي عراة!
الجواب
هؤلاء مثل الحيوانات.(450/30)
حكم الصلاة في الملابس الرياضية
السؤال
ما حكم الصلاة في الملابس الرياضية؟
الجواب
تصح الصلاة، وجميع الألبسة الساترة التي تستر العورة تصح الصلاة بها.(450/31)
حكم إلباس الصغيرة عباءة
السؤال
ابنتي في سن الأربع السنوات تحب أن تلبس العباءة تشبهاً بأمها، فأردت أن أخيط لها عباءة، فأنكر علي أحد الإخوة، فهل له ذلك؟
الجواب
ليس له ذلك، وهي قد تلبسها يوماً ثم تتركها؛ لأن هذا شأن الصغار، ولكن كونها تتعود على هذا ليس فيه بأس.(450/32)
عدم صحة عبارة (النبي عندما ينزل عليه الوحي يكون خارجاً عن طور البشرية)
السؤال
هل تصح هذه العبارة: النبي صلى الله عليه وسلم عندما ينزل عليه الوحي يكون خارجاً من طور البشرية؟
الجواب
ما المقصود بكونه خارجاً عن طور البشرية؟ هل معناها أنه ليس ببشر في تلك اللحظة؟ لا يقال هذا، بل هو بشر صلى الله عليه وسلم في جميع الأوقات ولا يخرج عن طور البشرية، وأما إن كان المقصود من ذلك أنه يحصل له شدة ويحصل له تأثر بالغ فهذا صحيح، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يلاقي شدة عند نزول الوحي عليه، لكن كونه يخرج عن كونه بشراً فهذا لا يصح.(450/33)
حكم الاجتماع لختم القرآن والذبح له
السؤال
ذكرتم جواز الاجتماع لختم القرآن والذبح له، فهل هذا العمل نظير العمل الذي أنكره ابن مسعود رضي الله عنه على الذين يجتمعون للذكر؟
الجواب
ليس من هذا القبيل، فكون الناس ختموا القرآن وبعد ذلك ذبحوا شاة شكراً لله عز وجل على هذه النعمة التي أنعم الله تعالى بها عليهم ليس من هذا القبيل، وأما أولئك فكانوا يسبحون بالحصى ويعدون بالحصى، ويكبرون مائة ويهللون مائة ويسبحون مائة، وهذا غير صحيح، وأما مثل هذا فهو عمل لا بأس به ويعتبر جائزاً من أجل أنه شكر لله عز وجل على هذه النعمة.
والبدع لا تجوز، وهذا لا يعتبر من قبيل البدع؛ لأن فيه أن الإنسان يشكر، وأما أن يقال: إن هذا سنة فهذا لا يجوز؛ لأنه ليس هناك شيء يدل على أنه سنة، لكنه جائز وليس هناك شيء يدل على منعه.(450/34)
بيان متى يكون الإنكار باليد
السؤال
نريد التوضيح لما يتعلق بتغيير المنكر باليد، ومتى يجوز للمسلمين الذين يعيشون في البلاد الإسلامية أن ينكروا المنكر باليد، علماً بأن المعاصي قد انتشرت وبعض الناس مستمرون في المجاهرة بالمعاصي، وليس هناك من ينكر عليهم من قبل الولاة؟
الجواب
الإنسان لا يمد يده إلا إذا كان صاحب يد، وعنده القدرة والتمكن، مثل كون الإنسان يمد يده على أولاده وعلى أهله، وهو راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته، فله أن يضرب وله أن يؤدب بالضرب، لكن كونه يمشي في الشارع فإنه إذا ضرب ضربه الناس، أما إذا كان صاحب سلطة وصاحب ولاية فإنه يضرب ويؤدب، ولا أحد يقابله، وإذا قابله فإنه يعاقب بالعقوبة التي تناسبه.(450/35)
المقصود بخوارم المروءة
السؤال
يقول العلماء: إن من تقبل روايته هو الثقة الضابط لما يرويه، وهو المسلم العاقل البالغ السالم من أسباب الفسق وخوارم المروءة، فما المراد بخوارم المروءة؟
الجواب
المروءة هي الأخلاق والآداب، وهناك أشياء يكون ارتكابها نقصاً في الأدب أو إخلالاً بالآداب، هذا هو المقصود بخوارم المروءة.(450/36)
حكم الاحتجاج على جواز الصلاة في المساجد التي فيها قبور بوجود قبر النبي في المسجد
السؤال
يحتج كثير من الناس بجواز الصلاة في المساجد التي فيها قبور بوجود قبر رسول صلى الله عليه وسلم في مسجده، فهو داخل في التوسعة ولاسيما بعد وضع الأبواب والسور، فما الجواب عن هذه الشبهة؟
الجواب
لا يجوز الاحتجاج بهذا، وإنما يجب الاحتجاج بالأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي التي يعول عليها، ومن ذلك حديث جندب بن عبد الله البجلي في صحيح مسلم قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً) ثم قال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) هذا الكلام الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فيه تأكيد النهي عن اتخاذ القبور مساجد من وجوه متعددة: الأول: قوله: (ألا وإن من كان قبلكم) هذا فيه تنبيه إلى أن هذا فُعل من قبل في الأمم السابقة، وأن على الأمة ألا تقلدها في ذلك ولا تتابعها في ذلك.
الثاني: قوله: (ألا فلا تتخذوا القبور مساجد) وهذا نهي، ثم أكد ذلك بقوله: (فإني أنهاكم عن ذلك) تأكيد بعد تأكيد، وهذا من كمال بيانه عليه الصلاة والسلام وكمال نصحه لأمته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وكذلك الحديث الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في النزع، فقد جاء في الحديث الصحيح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مرض موته على وجهه خميصة، فإذا اغتم بها كشفها، فقال وهو كذلك: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) فهذه الأدلة هي التي يجب العمل بها.
وأما قبر الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لم يكن في المسجد، والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي بنى المسجد وليس فيه قبر، وبنى بيوته بجوار المسجد، وكان في بيوته يجامع أهله، وكانت نساؤه تحيض فيها، وهذا يدل على أنها ليست في المسجد، وأنها خارج المسجد، فالمسجد شيء والبيوت شيء آخر.
ولما توفي رسول صلى الله عليه وسلم توفي في بيت عائشة، فالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم تذاكروا فيما بينهم ماذا يصنعون برسول الله عليه الصلاة والسلام، أين يدفنونه، هل يدفنونه في البقيع أو في أي مكان يدفنونه؟ فروى بعضهم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الأنبياء يدفنون حيث يموتون) أي: أن المكان الذي يموت فيه النبي يدفن فيه، فمكان موته هو مكان دفنه.
ولما كان عليه الصلاة والسلام قد قبضت روحه في بيت عائشة دفنوه في بيت عائشة، وكان ذلك البيت خارج المسجد، وبقي خارج المسجد في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وفي زمن معاوية رضي الله عنه عشرين سنة، وكانت مدة الخلفاء الراشدين ثلاثين سنة، ومعاوية كانت خلافته عشرين سنة، إلى سنة ستين، ثم بعد ذلك أيضاً ظل الأمر كذلك سنوات أخرى في عهد الذين جاءوا بعده، ولما جاء زمن الوليد بني المسجد من جديد ووسع فيه ودخلت فيه قبور الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، وعلى هذا فلا يجوز أن يحتج بهذا العمل الذي حصل في زمن بني أمية حيث أدخل القبر في المسجد، بل يجب الاحتجاج بالأحاديث الصحيحة الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة فيه بألف صلاة، سواء أدخلوا القبر أو ما أدخلوه، لكن لا يجوز أن يحتج بدخوله والعمل الذي حصل من بني أمية لا يتخذ حجة لأجل أن تبنى المساجد على القبور، أو ليدفن الموتى في المساجد، فإن ذلك لا يجوز، بل الواجب هو العمل بما جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والسنة جاءت بالتحذير من ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم حذر منه قبل موته بخمس ليالٍ، وعند موته صلى الله عليه وسلم، وهذا من كمال بيانه وكمال نصحه وشفقته على أمته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
فالحاصل: أن الصلاة في هذا المسجد بألف صلاة دخل القبر أو ما دخل، ولا يجوز أن نحتج بدخوله في عهد بني أمية ووجوده فيما بعد ذلك على أن الناس يبنون المساجد على القبور أو يدفنون الموتى في المساجد، بل الواجب عليهم أن يمتثلوا ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، وأن يتقوا الله، وتقوى الله عز وجل تكون بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ومن نواهيه التي نهى عنها في آخر أيامه بل أواخر لحظاته عليه الصلاة والسلام ألا يتخذ الناس القبور مساجد.
والمسجد الذي دفن فيه ميت لا يجوز أن يصلى فيه، وأما إذا صلي فيه فهل تصح الصلاة أو لا تصح؟ هناك خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يصححها ومنهم من لا يصححها، ولكن الواجب هو الابتعاد.(450/37)
المفاضلة بين صلاة المرأة في بيتها وصلاتها في المسجد
السؤال
أيهما أفضل للمرأة التي جاءت للحج: أن تصلي في الفندق الذي تسكن فيه أو في المسجد الحرام أو النبوي؟
الجواب
الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن صلاة النساء في بيوتهن -وسواء كانت تلك البيوت مملوكة أو مستأجرة- خير لهن، ولكن إذا طلبت المرأة أن تذهب إلى المسجد فإنها لا تمنع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله).(450/38)
حكم ذهاب المرأة إلى المسجد وحدها أو مع مجموعة من النساء
السؤال
هل أسمح لزوجتي أن تذهب مع مجموعة من النساء إلى المسجد أو لا بد أن تذهب معي من الفندق إلى المسجد؟
الجواب
إذا كان الفندق قريباً فلا بأس أن تذهب وحدها، وليس بلازم أن تذهب معها، فما دام أنه لا يخشى عليها الضياع، والفندق قريب ومعروف، فسواء ذهبت مع نساء أو معك، كل ذلك جائز؛ لأن المرأة لها أن تذهب وتمشي ولو لم تكن معها، ولكن هذا إذا لم يكن هناك خشية عليها.(450/39)
حكم الطهارة بالماء المستعمل
السؤال
هل هناك من أقسام الماء: الماء الطاهر غير المطهر، وهو الماء المستعمل والمتغير بما خالطه من الطاهرات؟
الجواب
الماء المستعمل هو مثل الماء الذي توضئ به، وذلك بأن يتوضأ الإنسان -مثلاً- في طست، فيغسل وجهه والماء الذي في وجهه يتساقط في الطست، ويغسل ذارعيه في الطست، ويغسل رجليه في الطست، فهذا الماء الذي في الطست يقال له: طاهر، فبعض أهل العلم يقول: إنه لا يجوز أن يتطهر به؛ لأنه رفع به حدث، فلا يرفع به حدث آخر، ومن حيث الطهارة هو طاهر وليس بنجس؛ لأن أعضاء الإنسان طاهرة، فالماء الذي ماسها هو طاهر.
فهذا الماء الذي استعمل في رفع الحدث فيه خلاف بين أهل العلم: فمنهم من قال: إنه يرفع الحدث مرة ثانية، ومنهم من قال: مادام أنه رفع به حدث فلا يرفع به حدث آخر.
وأما إذا كان الماء قد تغير لونه بشيء من الطاهرات، مثل ماء وضع فيه تمر وتغير لونه وصار نبيذاً ولونه لون التمر، فهذا لا يقال له ماء، وإنما يقال له نبيذ، فخرج عن كونه ماءً فلا يتوضأ به لأنه لم يبق ماءً، وإنما جاءه اسم جديد غير الاسم الأول، فلا يجوز الوضوء به؛ لأنه تغير بطاهر وتغير اسمه فقيل له نبيذ، ولا يقال له ماء، والطهارة إنما تكون بالماء، والآن صار له اسم آخر غير الاسم الأول، فهو وإن كان طاهراً والذي خالطه طاهر لكنه لا يرفع به حدث ولا يتوضأ به؛ لأنه ليس بماء، وإنما يسمى نبيذاً ولا يسمى ماءً.(450/40)
حكم المسح على الجوربين الرقيقين
السؤال
هل يصح المسح على الجوربين الرقيقين؟
الجواب
إذا كانا رقيقين جداً بحيث يكون وجودهما كعدمها فليس للإنسان أن يمسح عليهما.(450/41)
موجب غسل الجنابة
السؤال
ما هو الضابط في موجب غسل الجنابة: هل هو الإيلاج أو المماسة بين الختانين؟
الجواب
الضابط هو التقاء الختانين، كما جاء في الحديث: (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل) والمقصود بالتقاء الختانين دخول رأس الذكر بحيث يكون مكان الختان منه مكان الختان من المرأة، ومجرد المماسة من غير إيلاج ليس بشيء، وإنما يكون الغسل بالتقاء الختانين، ومعلوم أن ختان الرجل وراء رأس الذكر، فحصول الغسل يكون بحصول الإيلاج اليسير الذي يكون به التقاء الختان مع الختان.(450/42)
تقديم بعض صفات الله عز وجل على بعض
السؤال
هل في الثناء على بعض الصفات التي تضمنتها أسماء الله تبارك وتعالى دليل على صحة ما يقال: تخلقوا بأخلاق الله؟
الجواب
معلوم أن بعض الصفات مقدم على بعض، وقد جاء في الحديث: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك) فهذه لا شك أنها صفات متميزة على الصفات الأخرى، ومن هذه الصفات المميزة ما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله محسن فأحسنوا)، وقوله: (إن الله جميل يحب الجمال)، وقوله: (إن الله حيي ستير يحب الحياء ويحب الستر).(450/43)
حكم التسمية بعبد الساتر وعبد الستار
السؤال
ما حكم التسمية بعبد الستار وعبد الساتر؟
الجواب
الذي ينبغي للإنسان أن يختار اسماً ورد به دليل، لكن إذا وجد شيء من ذلك فلا يغير الاسم؛ لأن الله تعالى هو الستار وهو الساتر، ولكن عند الاختيار الأولى أن يختار اسماً ثبتت تسمية الله تعالى به، وإذا وجد شيء معبد لله عز وجل باسم لم يرد ولكن المعنى صحيح قد ورد بلفظ آخر مثل الستير، فلا بأس به، ولا يغير.(450/44)
حكم لعن المعين
السؤال
هل يجوز لعن المعين من المسلمين أو غيرهم؟
الجواب
لا يجوز لعن المعين إلا من عرفت نهايته أنه مات على الكفر والعياذ بالله، والكافر قد يوفقه الله عز وجل فتتغير حاله من الكفر إلى الإسلام ويختم له بخير، والمسلم قد تتغير حاله -والعياذ بالله- فيرتد، كما جاء في الحديث: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذارع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) والأعمال بالخواتيم، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلعن المعين لا يجوز، ولهذا كان بعض أهل العلم إذا أراد أن يلعن كافراً قيده، كما جاء عن ابن كثير رحمه الله فإنه ذكر في كتابه البداية والنهاية عن نصراني من النصارى أنه أنشأ قصيدة طويلة يذم فيها الإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام، وذكر أن ابن حزم أنشأ قصيدة أطول منها يرد عليه فيها، ولما فرغ من قصيدة النصراني التي فيها ذم الإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام قال بعدها: فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين إن كان مات كافراً.
أي: لأنه إذا تغيرت حاله واهتدى فليس بملعون وليس مطروداً من رحمة الله، بل قد يكون ممن شملته ووسعته رحمة الله، وكذلك جاء عنه مثل ذلك في ترجمة أبي نصر الفارابي.
وبعض الناس ينتمون إلى الإسلام ولكن عندهم أمور مباينة للإسلام ومناقضة للإسلام، ومع ذلك يشيد بهم بعض الناس وكأنه لم يحصل منهم شيء يناقض الإسلام، مثل ابن سينا وأبي نصر الفارابي، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه شفاء العليل في الباب الرابع الذي يتعلق بشرح حديث: (حج آدم موسى)، أن شيخ الملحدين هو ابن سينا، وذكر كلاماً خبيثاً له في ذلك، ووصفه أنه شيخ الملحدين، وأبو نصر الفارابي لما ذكر ابن كثير ترجمته في البداية والنهاية قال: إنه جاء عنه أنه كان يقول بمعاد الأرواح دون معاد الأجساد.
يعني: بأن الأرواح تعاد والأجساد لا تعاد، فعلق على هذا فقال: فعليه -إن كان مات على ذلك- لعنة رب العالمين.
ثم قال: إن الفارابي كان من أهل دمشق، وابن عساكر له كتاب واسع في تاريخ دمشق، قال: ولم يذكره في تاريخه مع أنه من أهل دمشق، قال: ولعله إنما تركه لقبحه ونتانته.
يعني: لكونه لا يقول بمعاد الأجساد.
فالحاصل: أن بعض أهل العلم ذكروا أنه عندما يحصل من ذلك شيء يقيد بهذا القيد، كما حصل من ابن كثير بالنسبة لهذا النصراني وبالنسبة لـ أبي نصر الفارابي.(450/45)
حكم إعطاء الولد والده مالاً ليعطيه لأحد الأولياء المزعومين
السؤال
والدي يأخذ من مالي ويعطيه لأحد الأولياء، ويجبرني على الذهاب معه وتقبيل يده لقصد البركة، فهل يجوز لي إعطاؤه المال والذهاب معه؟
الجواب
احرص على هداية أبيك، واحرص على دعوته إلى الخير وعلى أن يكون متبعاً للسنة، وإذا كان ذاك الذي يزعم أنه ولي عنده انحراف وعنده أمور منكرة فبينها له وحذره منه، وأحسن إليه، لكن لا تعطه مالاً من أجل هذا، وإنما يمكن أنك تعطيه شيئاً ينفعه، كأن تعطيه طعاماً أو تعطيه لباساً أو تعطيه أشياء أخرى نافعة، أما كونك تعطيه شيئاً من أجل أن يتقوى به على بدعة أو يستعمله في أمر محرم فلا، فاحرص على أنك تنفعه في شيء ينفعه ولا يضره.(450/46)
عدم إسقاط العمرة النافلة العمرة الواجبة
السؤال
من كان لا يعلم بوجوب العمرة وأداها، فهل تسقط في حقه عمرة الإسلام؟
الجواب
إن كان فعلها على أنها نافلة لم تسقط، أما إذا كان لا يعرف هل هي فرض أو نفل، ولكنه حج واعتمر فذلك يكفيه، أما إذا كان يعلم أنها نافلة أو أنه ما فعلها إلا على أنها نفل ولم يفعلها على أنها فرض فلا تجزئ عن الفرض.(450/47)
شرح سنن أبي داود [451]
امتن الله على خلقه بنعم شتى، لا تعد ولا تحصى، ومنها نعمة اللبس، وجعل ذلك لحكمة فيها كرامة للإنسان، من ناحية ستر عورته، والتزين بين بني جنسه، واتقاء الحر والقر، ومن كمال نعمة المولى تعالى على عباده أن شرع لهم أحكاماً يتعبدون الله تعالى بها في هذه النعمة، وقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم مباحات وواجبات وسنناً ومستحبات ومنهيات وآداباً تتعلق بهذه النعمة العظيمة.
ومما ذكره صلى الله عليه وسلم الدعاء عند لبس ثوب جديد، وما يقول له من يراه، وذكر أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء في لبسه من أنواع الثياب، والنهي عن لبس ما يؤدي إلى الشهرة أو الكبر والتعالي على الخلق.(451/1)
اللباس(451/2)
شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوباً سماه باسمه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب اللباس باب.
حدثنا عمرو بن عون أخبرنا ابن المبارك عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوباً سماه باسمه إما قميصاً أو عمامة ثم يقول: اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك من خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له).
قال أبو نضرة: فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوباً جديداً قيل له: تبلي ويخلف الله تعالى].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [كتاب اللباس].
ذكر أبو داود رحمه الله هذا الكتاب باسم اللباس، وكذلك كثير من المؤلفين مثل البخاري وغيره يذكرونه بهذا الاسم، وأما النسائي رحمه الله فإنه عبر عنه بالزينة، وجعل اللباس جزءاً من الزينة، بحيث أنه يشتمل على اللباس وعلى ما يتعلق بالتجمل وبما يتعلق بالشعر والترجيل وغير ذلك.
أما الإمام أبو داود رحمه الله فقد عقد لما يلبسه الإنسان كتاباً خاصاً به هو اللباس، بين فيه ما يحل وما يحرم من ذلك، ما يسوغ وما لا يسوغ، وأتى بعد ذلك بكتاب الترجل الذي هو الزينة التي هي غير اللباس، وأما النسائي رحمه الله فقد جمع الاثنين في كتاب واحد فقال: كتاب الزينة، فجمع بين ما يتعلق باللباس وما يتعلق بالتجمل الذي يتعلق بالشعر ما يؤخذ وما يترك وما إلى ذلك، فجعل الكتاب عاماً شاملاً للباس وغيره، ومن المعلوم أن اللباس من الزينة.
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استجد ثوباً) يعني: لبس ثوباً جديداً سماه باسمه -ثوب أو قميص أو عمامة أو إزار أو سراويل- وقال: (اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه؛ أسألك من خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له) يحتمل أنه كان يسميه، ويقول: هذا ثوب أو هذا قميص الحمد لله الذي، أو أنه يسميه في داخل الدعاء يعني بأن يقول: اللهم لك الحمد أنت كسوتني هذا الثوب -كسوتني هذا القميص، ويسميه في داخل الدعاء.
وإذا ذكره في داخل الدعاء فيكون من جنس ما ورد في الاستخارة أن الإنسان يذكر حاجته في داخل الدعاء: (اللهم إن كنت تعلم أن هذه الحاجة المعينة التي هي كذا وكذا خير لي في ديني ودنياي) فيكون هذا من جنس ذاك أو هذا نظير ذاك.
وعندما يلبس الإنسان الثوب الجديد فإنه يدعو بهذا الدعاء، أولاً: يحمد الله عز وجل على ما أنعم به عليه، وأن هذا من فضل الله عز وجل عليه، وهو الذي يكسو ويرزق عباده، وهو الذي يتفضل على عباده بكل خير وبكل نعمة كما قال الله عز وجل: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:18]، قال {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ} [النحل:53]، وجاء في حديث أبي ذر الطويل الذي رواه مسلم في صحيحه وهو حديث قدسي: (يا عبادي! كلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته) وهو حديث طويل، وفيه ذكر الكسوة، وأن الله تعالى هو الذي بيده كل خير وبيده كل نعمة وهو المتفضل بالنعم والذي يجود على عباده بالنعم الظاهرة والباطنة، ومنها ما يتعلق باللباس.
(أسألك من خيره وخير ما صنع له) يعني كونه يستفيد منه في ستر العورات، وفي حصول الزينة، ويستعمل في طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
(وأعوذ بك من شره) وهو أن يصير عند المرء كبر وترفع وتعاظم إذا لبس ثوباً جديداً أو نفيساً فإن هذا من شره الذي يحصل بسببه، وكذلك أن يستعمل هذه النعمة في المعصية بأن يكون كسا نفسه من أجل الوصول إلى مضرة الآخرين، مثل أن يظهر نفسه بالمظهر الجميل، حتى أن من يراه لا يظن فيه سوءاً من ناحية السرقة، ثم بعد ذلك يسعى إلى السرقة وإلى أخذ أموال الناس بالباطل، فكل هذا من الأمثلة التي هي داخلة في الشر الذي يكون في الثياب التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من شرها وشر ما صنعت له.
[قال أبو نضرة: فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوباً جديداً قيل له: تبلي ويخلف الله تعالى].
أورد هذا الأثر عن الصحابة وهو بالإسناد المتقدم، أعني أنه بنفس الإسناد.
[فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوباً جديداً قيل له: تبلي ويخلف الله].
يعني: أنك لبست هذا الثوب، والله تعالى يبقيك حتى يبلى، وإذا بلي يخلف الله عوضاً عنه، ويعوض عنه مثله وما هو أحسن منه.
فقوله: [تبلى ويخلف الله].
هذا دعاء له بطول العمر وبالبقاء حتى يبلى الثوب من طول لبس صاحبه له، وبعد بلائه وذهابه يخلف الله عز وجل عنه خيراً منه، ويعوض عنه ما هو خير منه، فيكون في ذلك دعاء له بالبقاء وبحصول الخير وبحصول العوض الذي يكون بعد بلاء الثوب وطول مكث صاحبه.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة بعدما كساها -أعطاها ثوباً-: (أبلي وأخلقي) أو (أبلي وأخلفي) فيكون المعنى على رواية (أخلفي) أنه إذا بلي الثوب يحصل الخلف والعوض عن الشيء الذي قد حصل، فهذا الذي جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم مطابق لما جاء في الحديث الذي سيأتي.(451/3)
تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوباً سماه باسمه)
ٍقوله: [حدثنا عمرو بن عون].
ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عبد الله بن المبارك].
عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الجريري].
هو سعيد بن إياس الجريري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي نضرة].
هو المنذر بن مالك بن قطعة، ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي سعيد الخدري].
هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهور بكنيته ونسبته -بكنيته أبي سعيد، ونسبته الخدري - وهو صاحبي مكثر من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(451/4)
تراجم رجال إسناد طريق ثانية لحديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوباً سماه باسمه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس عن الجريري بإسناده نحوه].
أورد الحديث من طريق أخرى، وأحال على السابقة وقال: نحوه.
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عيسى بن يونس].
عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.(451/5)
تراجم رجال إسناد طريق ثالثة لحديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوباً سماه باسمه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا محمد بن دينار عن الجريري بإسناده ومعناه].
أورد الحديث من طريق أخرى وأحال على ما تقدم.
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد بن دينار].
محمد بن دينار صدوق سيئ الحفظ ورمي بالقدر وتغير قبل موته، أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن الجريري بإسناده ومعناه].(451/6)
تراجم رجال إسناد طريق رابعة لحديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوباً سماه باسمه)
[قال أبو داود: عبد الوهاب الثقفي لم يذكر فيه أبا سعيد وحماد بن سلمة، قال: عن الجريري عن أبي العلاء عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال أبو داود: حماد بن سلمة والثقفي سماعهما واحد].
أورد أبو داود أن حماد بن سلمة وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي رويا الحديث ولكنهما ما ذكرا أبا سعيد.
ومعناه أن أبا نضرة أضافه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون مرسلاً.
وحماد بن سلمة قال: عن الجريري عن أبي العلاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كذلك مرسل ولكنه من غير طريق أبي نضرة، وإنما من طريق أبي العلاء وهو يزيد بن عبد الله بن الشخير أخو مطرف بن عبد الله بن الشخير.
قوله: [قال أبو داود: عبد الوهاب الثقفي لم يذكر فيها أبا سعيد].
عبد الوهاب الثقفي هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وحماد بن سلمة قال عن الجريري عن أبي العلاء].
حماد بن سلمة دينار البصري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
والجريري تقدم.
وأبو العلاء هو يزيد بن عبد الله بن الشخير، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال أبو داود: حماد بن سلمة والثقفي سماعهما واحد].
يعني من ناحية روايتهما عن الجريري.(451/7)
شرح حديث (ومن لبس ثوباً فقال الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال حدثنا نصير بن الفرج حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد -يعني ابن أبي أيوب - عن أبي مرحوم عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل طعاماً ثم قال: الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة؛ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال: ومن لبس ثوباً فقال: الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)].
أورد أبو داود حديث معاذ بن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل طعاماً وقال: الحمد لله الذي أطمعني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول لي ولا قوة؛ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومن لبس ثوباً فقال: الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) وفي هذا أن الإنسان عندما يلبس اللباس يحمد الله عز وجل على هذه النعمة، وهو الذي كسا ورزق، وهو الذي أطعم ورزق، وكل ذلك من رزق الله، سواء كان ذلك طعاماً أو لباساً، وكل شيء يحصل الإنسان منه على فائدة سواء كان مالاً أو ولداً أو زوجة أو طعاماً أو لباساً؛ كل ذلك من رزق الله؛ فإذا حمد الله عز وجل على تلك النعمة التي يتفضل الله بها عليه، أثابه بأن يغفر له ما تقدم من ذنبه.
وفي هذه الرواية زيادة: (وما تأخر)، لكن هذه الزيادة غير صحيحة؛ لأن الأحاديث التي وردت ثبتت فيها مغفرة ما تقدم دون ما تأخر، ولكن هذا لا شك أنه فضل عظيم من الله عز وجل، وهو كون الإنسان تكفر له الذنوب بسبب حمد الله عز وجل وشكره على نعمه.
ومن المعلوم أن هذه الذنوب التي تكفر إنما هي الصغائر، وتكفر بكون الإنسان يحمد الله ويثني عليه سبحانه وتعالى، أو كونه يأتي بعبادة مثل الصيام كيوم عاشوراء ويوم عرفة، فإن الله تعالى يكفر له ما تقدم بالنسبة للاثنين، وما تأخر بالنسبة إلى يوم عرفة، بالإضافة إلى ما تقدم.
وهذا إنما هو في الصغائر دون الكبائر التي لا تكفر إلا بالتوبة.
أما كونه يلبس اللباس ويحمد الله، وهو مصر على الكبائر، كالزنا وشرب الخمر، فلا يقال: إن هذا الكلام كفَّر كل ما مضى من جرائم وقعت منه مع أنه مقيم عليها، ويتحين الفرص ليقع فيها مرة أخرى والعياذ بالله؛ فإن هذا لا يكفر بمثل هذا الدعاء ولا يكفِّره الصيام يوم عرفة أو عاشوراء، ولكن تكفره التوبة.
وأما الصغائر فإنها تكفر بالأعمال الصالحة، وتكفر بمثل هذا الذي جاء في الحديث من حمد الله عز وجل والثناء عليه سبحانه وتعالى على نعمه من لباس وطعام.(451/8)
تراجم رجال إسناد حديث (ومن لبس ثوباً فقال الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة)
قوله: [حدثنا نصير بن الفرج].
نصير بن الفرج؛ ثقة أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا عبد الله بن يزيد].
عبد الله بن يزيد المقري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد -يعني ابن أبي أيوب -].
سعيد بن أبي أيوب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي مرحوم].
أبو مرحوم صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[عن سهل بن معاذ بن أنس].
سهل بن معاذ بن أنس لا بأس به، وهي بمعنى صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبيه].
وهو صحابي أخرج له
البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.(451/9)
تكرار الدعاء عند الطعام أو لبس الثوب
أما هل يكون الدعاء كلما لبس الثوب، وأكل الطعام أو هذا لأول مرة؟ فالذي يظهر فيما يتعلق بالطعام أنه كلما أكل طعاماً ذكر الدعاء، وأما فيما يتعلق باللباس فإذا قاله في كل مناسبة يلبس فيها ثوبه فحسن، وإن أتى به عندما يلبس الثوب لأول مرة؛ فالذي يبدو أن ذلك كافٍ، وإن أتى به في كل مناسبة أو في كل حالة فذلك خير وثناء على الله عز وجل لقوله: (من لبس ثوباً فقال:) إلخ.(451/10)
الأسئلة(451/11)
ذكر أبي داود لفظ (باب) دون ترجمة
السؤال
هذا ثالث كتاب يبدؤه الإمام أبو داود بلفظ: (باب) دون ترجمة؟!
الجواب
معناه أنه يذكر أحاديث بدون ترجمة معينة بل يذكر (باب) فقط، ومعناه أن تلك الأحاديث التي أوردها لم يضع لها ترجمة معينة، ولكنها داخلة ضمن كتاب اللباس، وهي هنا فيما يتعلق بآداب اللباس.(451/12)
حكم البدء بلبس الثوب الجديد يوم الجمعة
السؤال
هل يستحب لبس اللباس الجديد يوم الجمعة، وهل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استجد ثوباً لبسه يوم الجمعة؟!
الجواب
لا أدري عن ثبوت الحديث المذكور؛ لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتجمل يوم الجمعة، وكان كما جاء في الحديث الذي فيه أن عمر رضي الله عنه اقترح عليه أن يشتري الجبة، وقال: تلبسها للوفود وللجمعة.
ومعلوم أنه كان يتزين للجمعة، ويلبس أحسن الثياب، وكذلك يشرع للناس أن يلبسوا أحسن الثياب عند ذهابهم للجمعة، لكن كونه لا يفعله إلا يوم الجمعة لا أدري عن ثبوت مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن كونه من ناحية أنه يستعمل الجديد أو التجمل للجمعة صحيح فقد كان عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك.
ومعلوم أن اللباس يكون للجمعة ولغير الجمعة كالتجمل للوفود إذا قدموا، لأنه قد يكون قدومهم في غير الجمعة، والجمعة لا شك أنها من المناسبات التي يتجمل لها، ويتجمل لغيرها.(451/13)
حكم تخصيص ثوب ليوم الجمعة
السؤال
هل يجوز تخصيص ثوب أو شماغ معين ليوم الجمعة فقط؟
الجواب
ليس فيه محذور، لكن أن يلبس الإنسان شيئاً من الألبسة وإذا جاء يوم الجمعة يغير ويلبس ألبسة نظيفة أمر طيب، أما كونه يخصصه للجمعة فلا أعلم به بأساً، فإن يسير الإنسان على حالة حسنة في جميع الأوقات ويبدل ثيابه يوم الجمعة بحيث تكون جميلة سواء كانت جديدة، أو غير جديدة هذا هو الذي ينبغي.(451/14)
وصف عمامة المصطفى صلى الله عليه وسلم
السؤال
ذكر في بعض الأحاديث العمامة، فكيف كانت عمامة النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
عمامة النبي صلى الله عليه وسلم كانت محنكة، وكانت مدورة على رأسه، وكان يمسح عليها -أي: على ذلك النوع من العمائم- فهي كانت على رأسه ومحيطة بجوانبه، وتكون لحيته بادية؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يصلون وراءه وجوانب وجهه بادية لا يسترها شيء من وراءه، وكانوا يستدلون على قراءته في الصلاة السرية باضطراب لحيته؛ لأن عوارضه من اليمين والشمال وهم يرونها تضطرب بسبب القراءة -تتحرك بسبب القراءة- ومعنى هذا أن العمامة فوق الرأس، وأنها ما نزلت من ورائه بحيث لا يرى عارضاه مثل ما هو موجود في العمائم التي علينا، حيث لا يرى الإنسان جوانب الوجه ولا يرى اللحية أو العوارض من اليمين ومن الشمال، لأنها تستر، أما الرسول فكان يضعها على رأسه، ولا تستر جانبي وجهه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه كما أسلفت؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يستدلون على قراءته في الصلاة السرية باضطراب لحيته، يعني كونها تتحرك بسبب القراءة.(451/15)
تضمن الدعاء بطول العمر أن يكون على طاعة الله
السؤال
ألا ينبغي أن يقيد الدعاء (تبلي ويخلف الله تعالى) أي بطول عمره لكن على الطاعة؟
الجواب
ما ورد شيء يدل على هذا؛ لكن لا شك أن المقصود عندهم طول العمر في الطاعة، ولم يكن في أذهانهم رضي الله عنهم إلا الطاعة والاستقامة على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.(451/16)
ما يدعى لمن لبس ثوباً جديداً(451/17)
شرح حديث (أبلي وأخلفي)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيما يدعى لمن لبس ثوباً جديداً.
حدثنا إسحاق بن الجراح الأذني حدثنا أبو النضر حدثنا إسحاق بن سعيد عن أبيه عن أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بكسوة فيها خميصة صغيرة فقال: من ترون أحق بهذه؟ فسكت القوم فقال: ائتوني بـ أم خالد، فأتي بها فألبسها إياها، ثم قال: أبلي وأخلفي مرتين، وجعل ينظر إلى علم في الخميصة أحمر أو أصفر ويقول: سناه سناه يا أم خالد!) وسناه في كلام الحبشة: الحسن].
أورد أبو داود باباً [فيما يدعى لمن لبس ثوباً جديداً] يعني: كيف يدعى له؟ أورد رحمه الله حديث أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص رضي الله تعالى عنها، وكانت صغيرة، والنبي صلى الله عليه وسلم أتي بكسوة فيها خميصة صغيرة، فقال: (من ترون أحق بهذه؟) يعني: من ترون أن نعطيه هذه الكسوة الصغيرة أو هذه الخميصة الصغيرة؛ لأنها لا تصلح إلا لصغير؟ فسكت القوم وما قالوا شيئاً ولا قالوا: أعط فلانة أو فلانة؛ لأنها لباس بنت صغيرة، فدعا أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص وكساها إياها وقال: (أبلي وأخلفي) أو (أبلي وأخلقي) روايتان.
(أخلقي) بمعنى أنه يكون خَلِقاً أي: بالياً، وجمعه: الأخلاق، وخلق الثوب معناه ذهبت جدته وتغير وضعه وتغيرت حاله من حال الجدة والحسن إلى حال أخرى دون تلك.
وجاء الحديث بلفظ: (أخلفي) وهي أولى لأنه يكون معناه شيئاً جديداً ويكون تأسيساً، وأما (أخلقي) فيكون تأكيداً لأبلي؛ لأن أخلقي معناها (أبلي)، فيكون (أخلقي) معطوف على (أبلي) ويكون من قبيل التأكيد إذ هما لفظان مترادفان، عطف أحدهما على الآخر من أجل تغايرهما في اللفظ واتفاقهما في المعنى، لكن (أخلفي) لها معنى آخر غير (أبلي)، وهو أنه يكون هناك خلف وعوض عن الذي يبلى، وأنه إذا بلي مع بقائها فالله تعالى يعوضها ويخلف عليها خيراً من ذلك.
ثم أيضاً هذا مطابق لما تقدم من كون الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يقولون: (تبلي ويخلف الله)، ومعناه أن يطول عمرك وبقاؤك حتى يبلى الثوب الذي عليك ويعوضك الله خيراً، وهنا (أبلي وأخلفي) معناه أن يطول عمرها، وأن الله تعالى يعوضها خيراً عندما يبلى هذا الثوب الذي كساها إياه النبي صلى الله عليه وسلم.
[(وجعل ينظر إلى علم في الخميصة أحمر أو أصفر)].
أي: خطوطاً يخالف لونها لون الخميصة.
[(سناه)] يعني: أن هذا شيء جميل أو هذا شيء حسن، مداعبةً للصغير، وتأنيساً له، وقال لها: (سناه، سناه) قالوا: لأنها ولدت في أرض الحبشة، وهو بمعنى (حسن) بلغة الحبشة.(451/18)
تراجم رجال إسناد حديث (أبلي وأخلفي)
قوله: [حدثنا إسحاق بن الجراح الأذني].
إسحاق بن الجراح الأذني صدوق أخرج له أبو داود.
[حدثنا أبو النضر].
أبو النضر هاشم بن القاسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إسحاق بن سعيد].
إسحاق بن سعيد ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة.
[عن أبيه].
هو سعيد بن عمرو بن العاص ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن أم خالد بنت خالد].
أم خالد بنت خالد رضي الله عنها، وهي صحابيه أخرج لها البخاري وأبو داود والنسائي.(451/19)
الأسئلة(451/20)
حكم الكنية للصغير
السؤال
هل يؤخذ من حديث أم خالد فائدة وهو جواز التكنية للصغير؟
الجواب
نعم يؤخذ منه جواز التكنية للصغير، ومثله الحديث الذي فيه (يا أبا عمير! ما فعل النغير؟!) مع أنه طفل صغير، وكان يكنى بـ أبي عمير، فالصغير يكنى.(451/21)
حكم التكلم بغير العربية
السؤال
ما حكم الكلام بغير اللغة العربية؟
الجواب
الكلمات التي تذكر على سبيل المداعبة لا بأس بها إذا كانت مفهومة عند الناس، وفيها مصلحة وفائدة.
أما كونه يأتي بشيء لا يعرفونه ولا يفهمونه فهذا لا ينبغي ولا يستقيم.
وبعض الناس يتكلم بغير العربية زهداً في اللغة العربية ومحبةً للغات الأخرى، وهذا لا يصلح.
وكونه يقول الكلمة الطيبة العربية أحسن من كونه يأتي بكلام أعجمي.(451/22)
ما جاء في القميص(451/23)
شرح حديث (كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في القميص.
حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا الفضل بن موسى عن عبد المؤمن بن خالد الحنفي عن عبد الله بن بريدة عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: (كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص)].
أورد أبو داود باب ما جاء في القميص أي: الأحاديث الدالة على استحباب لبسه والترغيب فيه.
والقميص: هو ما يجعل على سائر الجسد، ويغطى به الجسد كله دون الرأس والرقبة، ويكون له جيب يظهر منه الرأس، وكمان تخرج منهما اليدان، وهو أحسن اللباس وخيره؛ لأنه أكمل في الستر من غيره، بخلاف الإزار فإنه قد ينحَلَّ وتنكشف العورة، وأما القميص فهو محمول على الكتفين، ولا مجال لسقوطه كما هو الحال بالنسبة للإزار، وقد جاء النهي في الحج عن لبس القمص والعمائم والسراويلات، أما في غير الحج فهو أحسن اللباس؛ لما فيه من تمام ستر الجسد، والبعد عن انكشاف العورة.
أورد أبو داود حديث أم سلمة قالت: [(كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص)]، والسبب في ذلك ما أشرت إليه من أنه كامل الستر، وأنه لا يكون معه انحلال كما يحصل من الإزار.(451/24)
تراجم رجال إسناد حديث (كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص)
قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى].
إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الفضل بن موسى.
الفضل بن موسى السناني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد المؤمن بن خالد الحنفي].
عبد المؤمن بن خالد الحنفي لا بأس به -بمعنى: صدوق- أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن عبد الله بن بريدة].
عبد الله بن بريدة بن الحصيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أم سلمة].
أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها، واسمها: هند بنت أبي أمية، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.(451/25)
بيان معنى القميص وأنه ساتر للبدن من العنق إلى الساق
المشهور الآن عند البعض أن القميص ما كان ساتراً لأعلى البدن ويلبس مع البنطال أو الإزار، وهذا اصطلاح جديد في القميص، ومعناه في حديث أم سلمة -بل وفي السنة عموماً- أنه القميص الذي ينزل عن الركبتين ولا يتجاوز الكعبين، سواء الذي يستعملونه للنوم أو يستعملونه في البيت، أو ما يقال له اليوم: ثوب، هذا كله قميص ما دام أنه يغطي من العنق إلى ما بين الكعبين والركبتين.(451/26)
شرح حديث (كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص) من طريق أخرى وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا زياد بن أيوب حدثنا أبو تميلة حدثني عبد المؤمن بن خالد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن أم سلمة].
في تحفة الإشراف في ترجمة عبد الله بن بريدة: [عن أمه عن أم سلمة] وساق هذا الحديث [(لم يكن ثوب أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قميص)].
وأمه لم نجد لها ترجمة، وسواء كانت صحابية أو غير صحابية، فما دام أن الحديث هو من الطريق السابقة فليس فيه مشكلة، ولا أدري هل هي أمه أو أبوه؟ مع أنه معروف بروايته عن أبيه.
غير أن البخاري يرجح أنه عن أمه فقد نقل صاحب العون عن المنذري أنه قال: [وروى بعضهم هذا الحديث عن أبي تميلة عن عبد المؤمن بن خالد بن عبد الله عن عبد الله بن بريدة عن أمه عن أم سلمة وقال: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: حديث عبد الله بن بريدة عن أمه عن أم سلمة أصح، هذا آخر كلامه، وعبد المؤمن هذا قاضي مرو لا بأس به].
والحديث الأول من طريق عبد الله بن بريدة عن أم سلمة مباشرة.
وعلى كلٍ فالحديث صحيح.
وفي نسخة محمد عوامة تنبيه على أنه في نسخة لـ أبي داود جاءت (عن أبيه) وجاءت أخرى (عن أمه) قال: [(عن أبيه) من (ص) فقط، والذي في حاشية (ك) والتحفة والترمذي رقم (1763) ونقله عن البخاري: عن أمه].
قوله: [حدثنا زياد بن أيوب].
زياد بن أيوب هو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا أبو تميلة].
وكان يقال له: شعبة الصغير يعني: لإتقانه وضبطه، وشعبة معروف بالضبط والإتقان، ويوصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، ومثل ذلك ما ذكر في ترجمة ابن أبي زيد القيرواني أنه كان يقال له: مالك الصغير.
واسم أبي تميلة يحيى بن واضح ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(451/27)
شرح حديث (كانت يد كم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي حدثنا معاذ بن هشام عن أبيه عن بديل بن ميسرة عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أنها قالت: (كانت يد كم قميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرصغ)].
أورد أبو داود حديث أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها قالت: (كانت يد كم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرصغ) والرصغ: هو الرسغ، وهو المفصل الذي بين الكف والساعد، وهو الذي تقطع منه اليد في السرقة، ويقال فيه: الرسغ والرصغ، بالسين والصاد.(451/28)
تراجم رجال إسناد حديث (كانت يد كم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ)
قوله: [حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي].
إسحاق بن إبراهيم الحنظلي مشهور بـ ابن راهويه، وهو ثقة وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا معاذ بن هشام].
صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بديل بن ميسرة].
بديل بن ميسرة ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن شهر بن حوشب].
شهر بن حوشب صدوق كثير الإرسال والأوهام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أسماء بنت يزيد].
أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها، حديثها أخرجه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
والحديث فيه: شهر بن حوشب.(451/29)
حكم إطالة الكم أكثر من الرسغ
السؤال
إذا طال الكم حتى جاوز الرسغ، فهل يعتبر من الإسبال؟
الجواب
إذا كانت اليدان في الثوب فلا شيء في ذلك ولا أعلم شيئاً يمنع ذلك، لكن من الواضح أنه ليس بجيد أن تصير اليدان داخل الثوب؛ لأنه يكون فيه مشقة عند التناول وعند الأخذ والإعطاء، وأما من ناحية كونه فيه إسبال أو ليس فيه إسبال فلا أعلم شيئاً في هذا، لكن الذي يبدو أن كونه إلى الرصغ هو الأجمل والأنسب وفيه سهولة وتمكن من الأخذ والإعطاء دون حاجة لحسر كمه عن يده.(451/30)
ما جاء في الأقبية(451/31)
شرح حديث (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبية)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الأقبية.
حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن موهب المعنى أن الليث -يعني: ابن سعد - حدثهم عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما أنه قال: (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبية ولم يعط مخرمة شيئاً، فقال مخرمة: يا بني! انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت معه، قال: ادخل فادعه لي، قال: فدعوته، فخرج إليه وعليه قباء منها، فقال: خبأت هذا لك، قال: فنظر إليه -زاد ابن موهب مخرمة ثم اتفقا- قال: رضي مخرمة) قال: قال قتيبة: عن ابن أبي مليكة لم يسمه].
والأقبية: لباس قيل إنه ضيق، من لباس العجم، وهذا هو القبا، بالمد بدون همز، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إنه لباس ضيق من لباس العجم.
أورد أبو داود حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه أن أباه قال له: لنذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أجل أنه جاءه أقبية ولم يعطِ مخرمة شيئاً، أي: أنه لم يرسل إليه بشيء منها، وإلا فإنه قد ادخر له منها، وخبأ له قباءً، وهيأ له ذلك.
قوله: (لم يعطِ)، يعني أنه لم يرسل إليه، ولكنه قد أبقى له شيئاً ليعطيه إياه، كما تبين ذلك من كلامه صلى الله عليه وسلم مع مخرمة بعد أن جاء إليه.
فطلب مخرمة من ابنه المسور أن يذهب معه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فلما جاءا قال: (اذهب فادعه لي)، يعني: حتى يخرج إليه ويكلمه، فقد يكون عنده أحد، وهو لا يريد أن يتكلم عند الناس في مثل هذا الأمر، (فخرج إليه وعليه قباء منها، فقال: خبأت هذا لك).
يعني: أبقيته وادخرته لك.
[قال: فنظر إليه، زاد ابن موهب مخرمة].
يعني: هو فاعل (نظر)، أي: أن ابن موهب قال: (فنظر إليه مخرمة)، فذكر الفاعل لـ (نظر) وأنه اسم ظاهر.
وأما قتيبة الذي هو الشيخ الثاني فإنه لم يذكر الفاعل اسماً ظاهراً.
[ثم اتفقا قالا: رضي مخرمة].
[رضي مخرمة].
كلمة (رضي مخرمة) يحتمل أن يكون الذي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون قالها مخرمة، والأقرب أن الذي قالها مخرمة، يعني: قد رضيت.
وذكر اسمه بالاسم الظاهر بدل الضمير.
وبعض النسخ فيها استفهام (أرضي مخرمة؟).
فإذا ثبت الاستفهام فيكون هذا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم.
والاستفهام يقوي احتمال أن القائل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرواية التي لم يرد فيها استفهام.
[قال قتيبة عن ابن أبي مليكة لم يسمه].
يعني: أن الذي سماه هو الشيخ الثاني، الذي هو ابن موهب، وأما قتيبة فإنه قال: (عن ابن أبي مليكة) ولم يسمه، وأما ابن موهب فسماه وسمى أباه، فقال: عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة.(451/32)
تراجم رجال إسناد حديث (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبية)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ويزيد بن خالد بن موهب].
يزيد بن خالد بن موهب ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[المعنى أن الليث].
(المعنى) أي: أن روايتيهما متفقتان في المعنى.
(أن الليث) وهو ابن سعد المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثهم عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة].
عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن المسور بن مخرمة].
المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود.(451/33)
شرح سنن أبي داود [452]
لباس الشهرة يدعو الإنسان إلى الكبر والترفع عن الناس، وفيه إسراف ومخيلة وتميز على غيره من الناس، وهو محرم وصاحبه معرض للوعيد والنار.
أما اللباس رفيع الثمن فهو يختلف من شخص إلى آخر، كما ينظر في دواعيه وأسبابه وتفاصيل أحكامه مبينة في هذه المادة.(452/1)
ما جاء في لبس ثوب الشهرة(452/2)
شرح حديث (من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة مثله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في لبس الشهرة.
حدثنا محمد بن عيسى حدثنا أبو عوانة ح.
وحدثنا محمد -يعني: ابن عيسى - عن شريك عن عثمان بن أبي زرعة عن المهاجر الشامي عن ابن عمر رضي الله عنهما -قال في حديث شريك: يرفعه- قال: (من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوباً مثله، زاد عن أبي عوانة: ثم تلهب فيه النار)].
والمراد بالشهرة الشيء الذي يشتهر به الإنسان ويتميز به على غيره، وقد يدعو إلى الكبر بكونه غالياً وباهظ الثمن ونفيساً، فيكون مع ذلك تعاظم وتكبر وترفع على الناس، وقد يكون شيئاً يلفت الأنظار، في لباسه المتميز الذي يخالف لباس أهل بلده ويخالف لباس قومه.
وأورد رحمه الله تعالى حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما مرفوعاً: [(من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة مثله يعني: شيئاً يشتهر به، ولكنه في الذم وفي السوء.
[زاد عن أبي عوانة: (ثم تلهب فيه النار)].
يعني: هذا الثوب الذي يشتهر به، تلهب فيه النار، أي: أنه يعذب بهذا الثوب أو بمثل هذا الثوب الذي لبسه وحصل منه التكبر، ولهذا جاء في بعض الروايات: (ثوب مذلة) ومعناه: أنه كما أنه حصل منه التكبر؛ فإنه يحصل له في الآخرة إذلال مقابل ذلك، وهو أنه يلبس ثوب مذلة، فيكون فيه إذلال له، وفيه أيضاً تعذيبه به، حيث جاء في هذه الرواية أنها: (تلهب فيه النار).
وثوب الشهرة قد يكون بقصد وهو داخل في الوعيد، وقد يكون بغير قصد وهذا يخشى عليه أن يكون داخلاً في الوعيد أيضاً، علاوة على أنه قد يتهم في عقله بلبسته تلك.(452/3)
تراجم رجال إسناد حديث (من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة مثله)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى].
محمد بن عيسى الطباع، ثقة أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[عن أبي عوانة].
أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا محمد يعني ابن عيسى].
الذي هو الشيخ الأول.
[عن شريك].
؟ شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، صدوق يخطئ كثيراً، تغير حفظه لأنه ولي القضاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عثمان بن أبي زرعة].
عثمان بن أبي زرعة ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن المهاجر الشامي].
المهاجر الشامي وهو المهاجر بن عمرو مقبول أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال في حديث شريك: يرفعه].
كأنه -على هذا- ليس فيه ذكر الرفع أنه من الطريق الأولى، وكأنه موقوف على ابن عمر، وأما شريك في الطريقة الثانية فقال فيه: (يرفعه)، يعني: يرفعه ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن كلمة (يرفعه) تعادل (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أو (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم).
[زاد عن أبي عوانة: (ثم تلهب فيه النار)].
يعني زاد في الطريق الأولى: (ثم تلهب في النار) وليست هذه الزيادة في طريق شريك، وإنما هي في طريق أبي عوانة التي هي الطريق الأولى.
والإسناد فيه مقال، والألباني صححه.
شريك مقرون وأبو عوانة ثقة، ولكن فيه المهاجر الشامي مقبول على عادة الحافظ، ومعناه أنه يقبل في المتابعات، وهذا الحديث من طريق واحدة.(452/4)
تراجم رجال إسناد طريق أخرى لحديث (من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد قال حدثنا أبو عوانة قال: (ثوب مذلة)].
هذا شيخ ثالث لـ أبي داود في الحديث، وهو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا أبو عوانة].
مر ذكره في الطريق الأولى.(452/5)
شرح حديث (من تشبه بقوم فهو منهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو النضر حدثنا عبد الرحمن بن ثابت حدثنا حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم)].
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تشبه بقوم فهو منهم) وهذا ذم لمن يتشبه بالكفار؛ لأن التشبه في الظاهر قد يؤدي إلى ميل في الداخل وفي الباطن.
والمقصود من ذلك التشبه في الشيء الذي هو من خصائصهم، والشيء الذي هو من ميزاتهم، وأما الأشياء التي هي مطلوبة في الإسلام مثل: إعداد العدة، والعناية بالأمور النافعة، فهذا شيء مطلوب، ولكن الشيء المحظور والممنوع هو الذي يكون في أمور اللباس أو الهيئة أو ما إلى ذلك.
وقوله: (من تشبه بقوم فهو منهم) ذم شديد في حق من يكون كذلك.
ووضع هذا الحديث تحت باب لبس الشهرة، يعني أن المصنف يرى أن لبس الكفار يعتبر لبس شهرة، وهذا ممكن، فالإنسان إذا كان أهل بلده يلبسون لباساً ما من ألبسة المسلمين، ثم يظهر عليهم بلباس آخر سواء كان للكفار أو لغير الكفار فهو لبس شهرة، لبسه لبسة يجمع بين أمرين سيئين: أحدهما: أنه لباس كفار.
والآخر: كونه غريباً على الناس، وفيه الشهرة عند الناس، فجمع بذلك بين مصيبتين.(452/6)
تراجم رجال إسناد حديث (من تشبه بقوم فهو منهم)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فأخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا أبو النضر عن عبد الرحمن بن ثابت].
عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، صدوق يخطئ أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
[عن حسان بن عطية].
حسان بن عطية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي منيب الجرشي].
أبو منيب الجرشي ثقة أخرج له أبو داود.
[عن ابن عمر].
ابن عمر رضي الله عنه، وقد مر ذكره.(452/7)
الأسئلة(452/8)
حكم لبس الثياب المشروعة كالعمامة والقميص في مجتمع لا يلبسها
السؤال
ما حكم من يلبس لبساً على السنة لكنه غير مشتهر، مثلاً: يلبس عمامة، والآن المشتهر عند الناس الغترة أو (الشماغ)، أو يقصر ثوبه إلى نصف الساقين، وهذا غير معروف في مجتمعه؟!
الجواب
الشيء الذي ورد في السنة لا يقال: إنه لباس شهرة.(452/9)
حكم لبس القميص (الثوب) في بلاد لا يلبس فيها
السؤال
ما حكم لبس القميص في بلد أوروبي، والمعهود عندهم لبس البنطال ونحوه؟
الجواب
لبس القميص (الثوب) شيء طيب، وهذا هو الذي ينبغي؛ لأن الأوروبيين إذا جاءوا إلينا يحتفظون بلباسهم، فلماذا نرى المسلمين إذا ذهبوا هناك يتجردون من لباسهم، ويلبسون لباس الكفار؟!(452/10)
حكم من يلبس غير ثياب بلده مخالفة لهم
السؤال
ما حكم من يلبس غير لبس بلده ويتميز عنهم بلبس ما؟!
الجواب
إذا كان أهل بلده يلبسون لباساً معيناً، ثم ظهر عليهم بلباس غريب، فقد يتهمونه في عقله، ويقولون: لعله حصل له شيء.(452/11)
حكم لبس الوضيع من الثياب تزهداً أو طلباً للشهرة
السؤال
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ثوب الشهرة: هو المترفع الخارج عن العادة، أو المنخفض الخارج عن العادة؟!
و
السؤال
قد علمنا ما معنى قوله (المترفع)، فما معنى قوله (المنخفض)؟!
الجواب
معناه أن الناس يدعون الزهد، ويأتون بألبسة وضيعة رديئة مقطعة من أجل إظهار الزهد، هذا هو المقصود.(452/12)
حكم لبس البنطال
السؤال
هل لبس البنطلون في مثل هذه البلاد يقال له لبس شهرة؟
الجواب
البنطلون -كما هو معلوم- الأصل فيه أنه لباس الكفار، وأعني بذلك اللباس الذي يكون على قدر الأعضاء ويصف حجم ما تحته، وليس فيه سعة، هذا هو لباسهم، ومع كثرة من يلبسونه لا يقال إنه لباس شهرة، ولكن يقال: إنه ليس من لباس أهل الإسلام.(452/13)
حكم المتشبه بأعداء الإسلام عن قصد أو عن غير قصد
السؤال
هل يشترط في التشبه القصد والنية؟ ولو فعل فعلاً من أفعال الكفار دون قصد فهل يقال: هذا تشبه، وإن لم يقصده؟
الجواب
إذا كان المتشبه جاهلاً فيبدو أنه يحتاج إلى تعليم، وقد يكون ممن إذا نبه تنبه، بخلاف الإنسان الذي يتعمد فأمره واضح، لكن الجاهل إذا نبه وبقي على ما هو عليه فحكمه -عند ذلك- حكم الذي كان عارفاً وتعمد التشبه.(452/14)
لبس الصوف والشعر(452/15)
شرح حديث (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه مرط مرحل من شعر أسود)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في لبس الصوف والشعر.
حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي وحسين بن علي قالا: حدثنا ابن أبي زائدة عن أبيه عن مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه مرط مرحل من شعر أسود)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باباً في لباس الصوف والشعر.
والصوف: هو الذي يؤخذ من الضأن، والشعر يؤخذ من المعز، لأن الضأن يكون لها أشعار والمعز يكون لها صوف، والأوبار تكون في الإبل، قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل:80]؛ فعطف الشعر على الصوف هنا من عطف المغايرة، وليس من عطف المرادفة، والصوف يكون من الضأن، والشعر يكون من الماعز.
والمقصود من ذلك لبسها مع ما فيها من خشونة، وأنها من الألبسة التي أنعم الله تعالى بها على عباده.
وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وعليه مرط مرحل من شعر أسود).
والمرط هو الكساء.
والمرحل: معناه أن عليه صورة الرحل الذي يوضع على البعير.
وهذا المرط مصنوع ومنسوج من شعر أسود؛ وهذا يدل على إباحة، لبس ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد لبسه.(452/16)
تراجم رجال إسناد حديث (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه مرط مرحل من شعر أسود)
قوله: [حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي].
ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[وحسين بن علي].
حسين بن علي محتمل أن يكون العجلي وهو صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له أبو داود والترمذي، ويحتمل أن يكون الأحمر وهو مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي.
وكلاهما يروي عن ابن أبي زائدة وذُكر أن الذهبي يقول: إن الأحمر لم يدرك ابن أبي زائدة فيتعين أن يكون العجلي ونقله عنه الحافظ في تهذيب التهذيب، والمزي يرى أنه محتمل فكلاهما من شيوخ أبي داود.
وأياً كان فهو مقرون بـ يزيد بن خالد، وتقدم أنه ثقة فيكون الاعتماد عليه في السند.
[حدثنا ابن أبي زائدة].
ابن أبي زائدة هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو زكريا، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مصعب بن شيبة].
مصعب بن شيبة لين الحديث، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن صفية بنت شيبة].
صفية بنت شيبة لها رؤية حديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(452/17)
شرح حديث (استكسيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكساني خيشتين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال حسين: حدثنا يحيى بن زكريا حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي حدثنا إسماعيل بن عياش عن عقيل بن مدرك عن لقمان بن عامر عن عتبة بن عبد السلمي قال: (استكسيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكساني خيشتين، فلقد رأيتني وأنا أكسى أصحابي)].
[(وأنا أكسى أصحابي)] أكسى: أفعل تفضيل، يعني: أحسنهم كسوة, وأغبطهم في الكسوة.
(استكسيت) يعني: طلبت منه أن يعطني كسوة.
[(فكساني خيشتين)] والخيشة معلوم أنها مصنوعة من شعر، وهذا محل الشاهد.(452/18)
تراجم رجال إسناد حديث (استكسيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكساني خيشتين)
قوله: [وقال حسين].
هو حسين بن علي المتقدم في حديث عائشة السابق، وفيه خلاف تقدم.
[حدثنا يحيى بن زكريا].
هو ابن أبي زائدة تقدم في الحديث السابق.
[حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي].
إبراهيم بن العلاء مستقيم الحديث، أخرج له أبو داود.
[حدثنا إسماعيل بن عياش].
إسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن أهل بلده ومخلط في غيرهم.
[عن عقيل بن مدرك].
عقيل بن مدرك، مقبول أخرج له أبو داود.
[عن لقمان بن عامر].
عن لقمان بن عامر صدوق أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة في التفسير.
[عن عتبة بن عبد السلمي].
عتبة بن عبد السلمي صحابي أخرج له أبو داود وابن ماجة.(452/19)
شرح حديث (لو رأيتنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصابتنا السماء حسبت أن ريحنا ريح الضأن)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عون حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أبي بردة قال: قال لي أبي: (يا بني! لو رأيتنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصابتنا السماء؛ حسبت أن ريحنا ريح الضأن)].
أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: (لو رأيتنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصابتنا السماء يعني: المطر، وكان عليهم ثياب من شعر، فلما ابتلت صارت رائحتها رائحة الضأن، لأن لباسهم من صوف الضأن.
[حسبت أن ريحنا ريح الضأن] لأن هذا الصوف الذي تبلل ظهرت رائحته، وهي رائحة الضأن، وهذا دال على لبس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوف والشعر، وهم مع رسول الله عليه الصلاة والسلام.(452/20)
تراجم رجال إسناد حديث (لو رأيتنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصابتنا السماء حسبت أن ريحنا ريح الضأن)
قوله: [حدثنا عمرو بن عون].
عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو عوانة].
أبو عوانة هو: الوضاح بن عبد الله اليشكري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بردة].
أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو أبو موسى الأشعري واسمه: عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(452/21)
لبس الرفيع من الثياب(452/22)
شرح حديث أن ملك ذي يزن أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة أخذها بثلاثة وثلاثين بعيراً
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب لبس الرفيع من الثياب.
حدثنا عمرو بن عون أخبرنا عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن ملك ذي يزن أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة أخذها بثلاثة وثلاثين بعيراً -أو ثلاثة وثلاثين ناقة- فقبلها)].
أورد أبو داود باب لبس الرفيع من الثياب.
الرفيع من الثياب ما له شأن وقيمة، وهو غال ونفيس.
قوله: [أن ملك ذي يزن أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة أخذها بثلاثة وثلاثين بعيراً].
معناه أنها غالية، وهي تعادل ثلث الدية، لأن الدية مائة بعير، وثلاثة وثلاثون تعتبر ثلثها.
والحلة هي الإزار والرداء، وقد أهداها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلها؛ لكن الحديث غير صحيح.(452/23)
تراجم رجال إسناد أن ملك ذي يزن أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة أخذها بثلاثة وثلاثين بعيراً
قوله: [حدثنا عمرو بن عون أخبرنا عمارة بن زاذان].
عمارة بن زاذان صدوق كثير الخطأ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن ثابت].
ثابت بن أسلم البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود.(452/24)
شرح حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى حلة ببضعة وعشرين قلوصاً فأهداها إلى ذي يزن)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن علي بن زيد عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى حلة ببضعة وعشرين قلوصاً فأهداها إلى ملك ذي يزن)].
أورد أبو داود حديثاً مرسلاً عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى حلة ببضعة وعشرين قلوصاً).
هذه الرواية عكس السابقة، لأن السابقة كان المهدى إليه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهنا المهدي رسول الله عليه الصلاة والسلام.
والقلوص: اسم للناقة، والجمع: القلاص، والقلائص.
[فأهدها إلى ذي يزين].
يعني: هذه الرواية بعكس السابقة، وهذا الحديث أيضاً ضعيف، من جهة أن فيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، ومن جهة أنه فيه إرسالاً.(452/25)
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى حلة ببضعة وعشرين قلوصاً فأهداها إلى ملك ذي يزن)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة [حدثنا حماد].
حماد بن سلمة بن دينار البصري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن علي بن زيد].
علي بن زيد بن جدعان ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث].
إسحاق بن عبد الله بن الحارث ثقة أخرج له أبو داود.
والحديث مرسل كما تقدم.(452/26)
الأسئلة(452/27)
حكم شراء الملبوسات باهظة الثمن
السؤال
ما حكم اللبس المرتفع، وشراء الملابس الغالية الثمن؟
الجواب
شراء الأشياء الغالية ليس بجيد؛ لأن هذا ليس ببعيد عن لباس الشهرة الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان من الممكن أن يشتري بقيمته مجموعة مما يحصل به المقصود، ولا تقع به شهرة ولا يتسبب عنه كبر أو ترفع فهو أفضل.(452/28)
لبس الغليظ من الثياب(452/29)
شرح حديث الثياب التي قبض فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب لباس الغليظ.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ح.
وحدثنا موسى حدثنا سليمان -يعني ابن المغيرة - المعنى عن حميد بن هلال عن أبي بردة قال: (دخلت على عائشة رضي الله عنها فأخرجت إلينا إزاراً غليظاً مما يصنع باليمن، وكساء من التي يسمونها الملبدة، فأقسمت بالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض في هذين الثوبين)].
أورد أبو داود باب لبس الغليظ من الثياب، والغليظ: هو السميك الذي فيه سماكة وكثافة، بحيث يعدل عدة أشياء إذا جمع بعضها إلى بعض، هذا هو الغليظ، وهذا الوصف من ناحية سماكته.
أورد رحمه الله تعالى حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أبي بردة قال: (أخرجت لنا عائشة إزاراً غليظاً مما يصنع باليمن).
والإزار: هو الذي يوضع على نصف الجسد الأسفل.
[(وكساء من التي يسمونها الملبدة)].
معناه أنه ملبد لسماكته، وقد يكون ذلك لكونه محشواً وكلمة (ملبدة) تشير إلى السماكة.
[(فأقسمت بالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض في هذين الثوبين)].
تعني: أن هذا من آخر لباس لبسه رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.(452/30)
تراجم رجال إسناد حديث الثياب التي قبض فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد].
مر ذكرهما.
[ح وحدثنا موسى حدثنا سليمان -يعني ابن المغيرة -].
سليمان بن المغيرة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[المعنى عن حميد بن هلال].
حميد بن هلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بردة عن عائشة].
أبو بردة وعائشة قد مر ذكرهما.(452/31)
تكفين النبي صلى الله عليه وسلم في ثياب غير التي قبض فيها
قبض صلى الله عليه وسلم في ثوبين، ولم يجرد من ثيابه أي: أنه لما مات خرجت روحه وعليه تلك الثياب، وبعد ذلك غسل في ثيابه، ولم يجرد صلوات الله وسلامة وبركاته عليه، ثم كفن في ثياب غيرها.(452/32)
شرح حديث (لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن خالد أبو ثور الكلبي حدثنا عمر بن يونس بن القاسم اليمامي حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا أبو زميل حدثني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (لما خرجت الحرورية أتيت علياً رضي الله عنه فقال: ائت هؤلاء القوم.
فلبست أحسن ما يكون من حلل اليمن -قال أبو زميل: وكان ابن عباس رجلاً جميلاً جهيراً- قال ابن عباس: فأتيتهم، فقالوا: مرحباً بك يا ابن عباس! ما هذه الحلة؟ قال: ما تعيبون علي؟ لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل).
قال أبو داود: اسم أبي زميل: سماك بن الوليد الحنفي].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه لما خرجت الحرورية في زمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لـ ابن عباس: اذهب إليهم، يعني: بين لهم خطأهم، فلبس أحسن حلل اليمن، وذهب إليهم، فقالوا: مرحباً يا ابن عباس! ما هذه الحلة؟! فقال: إني رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل).
أي: أن هذا الذي علي من الألبسة هو اقتداء برسول الله عليه الصلاة والسلام، لأني رأيته وقد لبس أحسن ما يكون من الحلل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، يعني أحسن ما يكون في جودتها ونفاسته، وليس معنى ذلك غلاها وكونها باهظة الأثمان، ولكن من ناحية جمالها وحسنها.
والحرورية الذين خرجوا على علي رضي الله عنه وقاتلهم، وجاءت الأحاديث الكثيرة في شأنهم وقتالهم.
ولا أدري ما وجه إيراد هذا الحديث في باب لباس الغليظ، هل المقصود به أن هذا النوع من شأنه أن يكون غليظاً! فالحديث يدل على أنه شيء جميل نفيس، وأنه من أحسن ما يلبس، ومن أنفس ما يلبس.
[وكان ابن عباس رجلاً جميلاً جهيراً].
جهيراً معناه حسن الهيئة، وليس المقصود به ما يتعلق بالصوت، فالذي يتعلق بالصوت هو جهوري الصوت.
وقد ذهب رضي الله عنه لمناظرتهم وقد تعمد رضي الله عنه أن يلبس أحسن الثياب، مثلما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل عندما يلتقي بالوفود، فقد كان يلبس أحسن ما يجد، ويتجمل للوفود، فلعل هذا هو الذي أراد.(452/33)
تراجم رجال إسناد حديث (لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل)
قوله: [حدثنا إبراهيم بن خالد أبو ثور الكلبي].
إبراهيم بن خالد أبو ثور الكلبي ثقة، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[حدثنا عمر بن يونس بن القاسم اليمامي].
عمر بن يونس بن القاسم اليمامي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عكرمة بن عمار].
عكرمة بن عمار صدوق يغلط أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا أبو زميل].
أبو زميل سماك بن الوليد الحنفي ليس به بأس بمعنى: صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثني عبد الله بن عباس].
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وأنس، وجابر، وعائشة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.(452/34)
إنكار الخوارج لبس ابن عباس ثياباً حسنة
قالت الحرورية لـ ابن عباس قالوا: ما هذه الحلة؟ ويمكن أن سؤالهم هذا سؤال إنكار عليه، وأنهم لا يرون لبس أحسن الثياب، وهذا الذي يفهم من جواب ابن عباس وأنه فعل ذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا قال: (رأيته يلبس أحسن ما يكون من الحلل).(452/35)
شرح سنن أبي داود [453]
اللباس من الزينة التي من الله بها على عباده، وقد ورد في السنة المطهرة ما يدل على تفاصيل مهمة ينبغي للمؤمن تحريها ومعرفة ما أباحه الله وما نهى عنه وما أوجبه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين لنا تفصيلات جمة حول هذا، سواء كانت عملية أو قولية أو تقريرية.
ومن ذلك ما ورد أنه صلوات ربي وسلامه عليه حرم لبس الحرير على الرجال وكذلك الذهب، وأباح للنساء لبس الحرير والتحلي بالذهب، وأجاز للرجال من الحرير مقدار أربع أصابع، وقد وردت أحاديث مختلفة في الخز والسندس والإستبرق شرحها العلماء وبينوا معانيها.(453/1)
ما جاء في الخز(453/2)
شرح حديث (رأيت رجلاً ببخارى وعليه عمامة خز سوداء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الخز.
حدثنا عثمان بن محمد الأنماطي البصري حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الرازي قال: ح وحدثنا أحمد بن عبد الرحمن الرازي حدثنا أبي أخبرني أبي عبد الله بن سعد عن أبيه سعد أنه قال: (رأيت رجلاً ببخارى على بغلة بيضاء عليه عمامة خز سوداء فقال: كسانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا لفظ عثمان والإخبار في حديثه].
أورد أبو داود باباً في الخز.
وفسر الخز بأنه نوع من الحرير أو أنه مخلوط بحرير، وفسر بأنه ليس من الحرير، ولكنه شيء من صفات الحرير النعومة، وقد جاء عن بعض الصحابة أنهم لبسوه، فيحمل على ما كان من هذا القبيل الذي هو غير الحرير، وذكر صاحب عون المعبود أنه من الإبريسم.
والحاصل أنه إن كان من الحرير فيحرم، وإن كان من غير الحرير فيجوز، وعليه يحمل ما ورد عن بعض الصحابة من لبسهم الخز.
وقد أورد أبو داود حديث سعد الدشتكي يقول: (رأيت رجلاً ببخارى عليه عمامة سوداء فقال: كسانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم) والحديث ضعيف؛ لأن في إسناده من هو متكلم فيه.(453/3)
تراجم رجال إسناد حديث (رأيت رجلاً ببخارى وعليه عمامة خز سوداء)
قوله: [حدثنا عثمان بن محمد الأنماطي البصري].
عثمان بن محمد الأنماطي البصري مقبول أخرج له أبو داود.
[حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الرازي].
ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[ح وحدثنا أحمد بن عبد الرحمن الرازي].
أحمد بن عبد الرحمن الرازي صدوق، أخرج له أبو داود.
[حدثنا أبي].
هو عبد الرحمن بن عبد الله الذي مضى.
[أخبرني أبي عبد الله بن سعد].
عبد الله بن سعد جد أحمد بن عبد الرحمن وهو صدوق أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[قال: رأيت رجلاً ببخارى].
هذا الرجل البخاري لم يسم، ومعلوم أن جهالة الصحابي لا تؤثر؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم؛ لكن الحديث في إسناده هذا المقبول الذي هو سعد جد عبد الرحمن بن عبد الله.
وهذا الإسناد فيه أربعة متناسلون يروي بعضهم عن بعض؛ لأن أحمد يروي عن أبيه عبد الرحمن وعبد الرحمن يروي عن أبيه عبد الله بن سعد وهو يروي عن أبيه سعد، فالأول هو: أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد هذا النسب وكل واحد يروي عن الذي فوقه، إلا الأخير الذي هو سعد فإنه يروي عن الرجل الذي رآه ببخارى وقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كساه هذه العمامة.
قال الحافظ في المبهمات سعد بن عثمان الدشتكي عن رجل من الصحابة رآه ببخارى قيل: هو عبد الله بن خازم، وهو صحابي أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
وكلام الحافظ فيه احتمال؛ لكن سواء عرف أو لم يعرف لم يؤثر؛ لأنه صحابي.
[هذا لفظ عثمان والإخبار في حديثه].
جاءت لفظة الإخبار من طريق عثمان وما جاءت من طريق أحمد وما دام كل منهما قال: (حدثنا) فمعناه أن الإخبار صار بين عبد الله وأبيه في الإسناد الأول وليس في الإسناد الثاني.(453/4)
شرح حديث (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بشر بن بكر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثنا عطية بن قيس قال: سمعت عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك رضي الله عنه -والله يمين أخرى ما كذبني- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير.
وذكر كلاماً قال: يمسخ منهم آخرون قردة وخنازير إلى يوم القيامة).
قال أبو داود: وعشرون نفساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أكثر لبسوا الخز منهم أنس والبراء بن عازب].
أورد أبو داود حديث أبي مالك أو أبي عامر الأشعري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليكونن من أمتي قوم يستحلون الخز والحرير)؟ قوله: [الخز والحرير] معناهما واحد؛ لأن الخز من الحرير فيكون من عطف العام على الخاص؛ ولكن في بعض الطرق وهي عند البخاري: (الحر والحرير) ومعنى (الحر) الفروج، فيكون المقصود به الزنا، والحرير يكون على بابه، أي أن هذا محرم مستقل وهذا محرم مستقل، وأنهم يستحلون هذا ويستحلون هذا، وأما على ما عند أبي داود: (الخز)، فيكون نوعاً من الحرير، ويكون عطف الحرير عليه من باب عطف العام على الخاص وما جاء في آخره من ذكر لبس الصحابة له يكون محمولاً على لباس ناعم يشبه الحرير في نعومته، لا أن المقصود بذلك أنهم يستحلون هذا المحرم الذي جاء فيه هذا الوعيد الشديد.
قوله: [(ويمسخ منهم آخرون قردة وخنازير إلى يوم القيامة)] يعني: من هؤلاء الذين حصل منهم الاستحلال، وهذا دليل على أن المسخ يكون في هذه الأمة، وأنه ليس خاصاً بالأمم السابقة، وأنه قد يمسخ أحد من هذه الأمة قردة وخنازير.
والذين يمسخون لا يتناسلون؛ لأنه قد ورد في الحديث: (أن الله لم يجعل للذين مسخوا نسلاً) أورده مسلم في كتاب القدر، وقد سبق أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول في بعض الحيوانات كالفأر: (لا أدري، لعلها مما مسخ)، ولكنه بعد ذلك أوحي إليه أن الذين يمسخون لا يتناسلون.
[والله يمين أخرى ما كذبني].
كأن قوله: (يمين أخرى) هذا فيه إشارة إلى تكرار اليمين.
[قال أبو داود: وعشرون نفساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أكثر لبسوا الخز منهم أنس والبراء].
هذا كما أشرنا يحمل على أن المقصود به ما يشبه الحرير في نعومته، أو يكون المقصود به أنهم لبسوا الشيء الذي قد وردت به السنة وهو مقدار أربع أصابع، وسيأتي في باب ما جاء في لبس الحرير، أنهم استعملوا هذا الشيء الذي رخص فيه، فيحتمل إما هذا وإما هذا.
والحديث فيه الوعيد وفيه التحريم، والرسول صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً وذهباً وقال: (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها) فلا يسوغ أن يكون هذا حصل من الصحابة، ولكنهم فعلوا أمراً سائغاً إما أن يكون غير حرير، وإما أن يكون حريراً مرخصاً فيه؛ لكونه مقدار أربع أصابع، أو للعلاج والاستشفاء مثلما جاء في قصة الذين كان يلبسونها للاستشفاء مثل عبد الرحمن بن عوف.
وهذا الحديث وارد عند البخاري وهو عن هذا الصحابي، وفيه: (الحر)، ولا يلزم أن يكون ما هنا تصحيفاً وقع لـ أبي داود؛ لأن الذين شرحوه تكلموا عن الخز.(453/5)
تراجم رجال إسناد حديث (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير)
قوله: [حدثنا عبد الوهاب بن نجدة].
عبد الوهاب بن نجدة ثقة أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا بشر بن بكر].
بشر بن بكر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر].
عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: حدثنا عطية بن قيس].
عطية بن قيس ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[قال: سمعت عبد الرحمن بن غنم الأشعري].
عبد الرحمن بن غنم الأشعري مختلف في صحبته، وقيل: هو من ثقات التابعين، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[حدثني أبو عامر أو أبو مالك].
أبو مالك الأشعري صحابي، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
وهناك صحابي اسمه: أبو عامر الأشعري ففيه احتمال لكنه ما رمز له بأنه روى له أبو داود.
فيحتمل أن يكون هو، وإن ثبتت الرواية فمعناه أنه يكون ذلك الصحابي، هذا أو هذا، وعلى كل الاختلاف في الصحابي لا يؤثر، سواء كان هذا أو هذا فالنتيجة واحدة؛ لأن الصحابة كلهم عدول.(453/6)
ما جاء في لبس الحرير(453/7)
شرح حديث (إنما يلبس هذه من لا خلاق له) في حلة سيراء
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في لبس الحرير.
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر (أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء عند باب المسجد تباع فقال: يا رسول الله! لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك.
فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة.
ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة فقال عمر: يا رسول الله! كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أكسكها لتلبسها.
فكساها عمر بن الخطاب أخاً له مشركاً بمكة)].
أورد أبو داود [باب ما جاء في لبس الحرير] يعني: في تحريمه وعدم جواز لبسه، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة في تحريم الحرير على الرجال وإباحة لبسه للنساء، كما أن الذهب حرام على الرجال حلال للنساء، وكما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أخرج ذهباً وحريراً وقال: (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها).
أورد أبو داود حديث عمر رضي الله عنه أنه رأى حلة سيراء -يعني: من نوع الحرير- تباع عند باب المسجد، فاقترح عمر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتريها ليتجمل بها يوم الجمعة وللوفود.
وهذا يدلنا على استحباب التجمل للجمعة، ولبس أحسن الثياب لها، وكذلك أيضاً عند استقبال الوفود يكون الإنسان على أحسن هيئة، فهو لما سأل أقره على السبب والشيء الذي اقترح من أجله؛ ولكنه بين أن هذا النوع لا يجوز لبسه وأن من يلبسه لا خلاق له يوم القيامة.
يعني: الكفار، كما جاء في حديث الأكل والشرب في أواني الذهب والفضة، قال: (هي لهم في الدنيا ولنا في الآخرة) يعني: أنهم يتعجلون طيباتهم في هذه الحياة الدنيا، وأن ما يحصل لهم من الشيء الجميل والشيء النفيس هو نصيبهم، وفي الآخرة ليس لهم إلا النار والعياذ بالله، وأما المسلمون الذين يتقيدون بأحكام الشرع ويتركون ما حرم الله فإنهم يحصل لهم هذا الذي تركوه من أجل الله في الدار الآخرة، فيلبسون الذهب والحلي في الدار الآخرة لأنهم تركوها في الدنيا، فعوضهم الله عنه بأن أكرمهم بالتمتع به في الآخرة، والكفار بعكس ذلك لأنهم تعجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا وليس لهم في الآخرة إلا النار، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنما يلبسه من لا خلاق له).
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بحلل من هذا القبيل فأعطى عمر حلة منها، فجاء عمر مستفسراً قال: (كسوتنيها) أي أنه أعطاه؛ لأن الإنسان إذا أعطى الكسوة فمعناه أنه كساه، وليس بلازم أن يلبسه إياها، كما جاء في الحديث: (كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم) يعني: أرزقكم وأعطكم وأتفضل عليكم بإعطاء الكسوة، فهنا الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى عمر حلة من هذه الحلل فهو عندما أعطاه إياها رجع إلى الكلام السابق الذي جرى بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه قال: إنما يلبس هذا من لا خلاق له في الآخرة.
قال: يا رسول الله! كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد -يعني: الرجل الذي كان يبيع تلك الحلة- ما قلت، أي أنه إنما يلبسها من لا خلاق له في الآخرة.
قال: (ما كسوتكها لتلبسها) يعني: ما أعطيتك إياها لتلبسها وإنما ملكتكها، والإنسان من الممكن أن يستعملها للنساء؛ لأنه يجوز لهن لبس الحرير، وهنا عمر رضي الله عنه أهداها أخاً له مشركاً بمكة، وقيل: إن هذا أخ له من الرضاعة، ولعل عمر رضي الله عنه أعطاها إياه لأنه كافر والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما يلبس هذا من خلاق له في الآخرة) والكفار هم الذين لا خلاق لهم في الآخرة، وهذا إذا مات وهو على الكفر، وأما من تمتع بما هو محرم في هذه الحياة الدنيا، ثم هداه الله عز وجل إلى الإسلام فالإسلام يجب ما قبله من الشرك وغيره، والعلماء اختلفوا في مخاطبة الكفار بفروع الشريعة على قولين: منهم من قال: إنهم مخاطبون، وهذا هو الأرجح، وفائدة كونهم مخاطبين أنهم يعاقبون على ترك الأصول وعلى ترك الفروع، فيعاقبون على الشرك وعلى غيره، ومعلوم أن الكفار يتفاوتون في الضرر وفي العقوبة، والنار دركات بعضها أسفل من بعض، كما أن الجنة درجات بعضها فوق بعض، والذي يكون كافراً ولا يصد عن سبيل الله أهون من الذي يأتي وهو كافر ويصد عن سبيل الله، والذي هو كافر شديد الإيذاء للمسلمين وأعظم عذاباً.
والقول الآخر: أنهم غير مخاطبين بالفروع، بل هم مخاطبون بالأصول فإذا أسلموا خوطبوا بالفروع.
لكن الذين يقولون إنهم مخاطبون يقولون: إنهم مخاطبون بالأصول والفروع، والفائدة في خطابهم إن كانت الفروع لا تقبل منهم أنهم يعاقبون على الأصول وعلى الفروع، ويكون الذي حصل منه شيء أكثر من الشرك كأن يكون عنده إيذاء وصد عن سبيل الله وفعل أمور منكرة وأمور محرمة يكون أشد من الكافر الذي بخلاف ذلك.
ولعل عمر رضي الله عنه رأى أنهم غير مخاطبين.
قوله: [(أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء عند باب المسجد تباع)].
هذا دليل على جواز البيع أمام أبواب المساجد.
[(فقال: يا رسول الله! لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك.
فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة)].
الخلاق هو: الحظ والنصيب.
[(ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل)].
(منها) يعني: من هذا النوع.
[(فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة فقال عمر: يا رسول الله! كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت)].
الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه، وعبر عن ذلك بـ (كسوتني) والمعنى: أعطى الكسوة، وليس المقصود أنه يلبسه.
[(حلة عطارد)].
الظاهر أنها التي كانت تباع عند باب المسجد، وصاحبها الذي يبيعها اسمه: عطارد.
[(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أكسكها لتلبسها.
فكساها عمر بن الخطاب أخاً له مشركاً بمكة)].
أعطاها إياه، وقد يلبسها وقد يبيعها ويستفيد من ثمنها.
أما مسألة هل يجوز بيع ما هو حرام عندنا لهم؟ ف
الجواب
معلوم أنه إذا استعمل فيمن يسوغ له، بأن يكون حلالاً عندنا وعندهم، كما لو أعطاها هذا الكافر امرأته لما كان في ذلك شيء، كما أن عمر لو أعطاها أمرأته لحصل أنها صرفت فيمن هو أهل لها، وكونه أعطاها أخاه قد يلبسها وقد لا يلبسها، وقد يبيعها ويستفيد من ثمنها، والذي يشتريها قد يلبسها ويفعل أمراً محرماً سواء كان مسلماً أو كافراً، وقد يعطيها لمن هو أهل لأن يلبسها كالنساء.
أما بالنسبة للتلفاز يباع لكافر.
فالإنسان ليس له أن يستعمل مثل هذه السلعة التي فيها ضرر، وفيها خير وفيها شر، عندما يختار الإنسان ويريد أن يستعمل بضاعة ليستفيد منها فليختر شيئاً لا إشكال فيه ولا محذور.(453/8)
تراجم رجال إسناد حديث (إنما يلبس هذه من لا خلاق له) في حلة سيراء
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة].
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذا الإسناد رباعي، من أعلى الأسانيد عند أبي داود، وهو أيضاً من أصح الأسانيد عند البخاري فإن هذه السلسلة التي فيها مالك عن نافع عن ابن عمر هي أصح الأسانيد عند البخاري.
والحديث ليس من مسند عمر، وإنما هو من مسند عبد الله بن عمر.(453/9)
شرح حديث (تبيعها وتصيب منها حاجتك) في جبة ديباج أرسلها الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس وعمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه بهذه القصة قال: (حلة إستبرق.
وقال فيه: ثم أرسل إليه بجبة ديباج وقال: تبيعها وتصيب بها حاجتك)].
قوله: [(حلة إستبرق)] يعني: أن ذلك في هذه القصة التي فيها بيع الحلة عند باب المسجد.
(وأرسل إليه بحلة ديباج) يعني: إلى عمر، والديباج هو نوع من الحرير.
[(وقال: تبيعها وتصيب بها حاجتك)].
يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أخبره بأنه لا يلبسها، وإنما يبيعها ويستفيد من قيمتها.
ويحتمل أن تكونا قصتين، أو يرجح بعضهما على بعض، وعلى أنها قصة واحدة كما ذكر المصنف فإنه يحمل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال له عمر: (كسوتنيها وقد قلت ما قلت) قال: (ما أعطيتك لتلبسها وإنما أعطيتك لتبيعها وتستفيد من ثمنها) ويكون عمر رأى ألا يبيعها ولكن يهديها إلى قريبه المشرك في مكة.
والإستبرق نوع من الحرير، وثمة أسماء كثيرة للحرير.
وتحريم الحرير يشمل اللبس وعموم الاستعمال كاللحاف والفراش والغطاء لأنها كلها لبس، كما جاء في حديث أنس: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير قد اسود من طول ما لبس) يعني: استعمل.
ولا يدخل في الحرير ما يسمى اليوم بالحرير الصناعي؛ لأنه ليس بحرير وإنما هو من جنس الأشياء الناعمة التي تشبه الحرير وليست بحرير.(453/10)
تراجم رجال إسناد حديث (تبيعها وتصيب منها حاجتك) في جبة ديباج أرسلها الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
أحمد بن صالح المصري، ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني يونس].
يونس بن يزيد الأيلي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعمرو بن الحارث].
هو المصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم بن عبد الله].
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو تابعي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
[عن ابن عمر].
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره.(453/11)
شرح حديث (نهى عن الحرير إلا ما كان هكذا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي قال: كتب عمر إلى عتبة بن فرقد رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير إلا ما كان هكذا وهكذا.
إصبعين وثلاثة وأربعة)].
أورد أبو داود حديث عمر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير إلا ما كان هكذا.
إصبعين وثلاثة وأربعة) يعني: بأن يكون حاشية في ثوب، فما كان بهذا المقدار فإنه جائز وما زاد على ذلك فإنه لا يجوز.(453/12)
تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن الحرير إلا ما كان هكذا)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا عاصم الأحول].
عاصم بن سليمان الأحول ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عثمان النهدي].
أبو عثمان النهدي هو عبد الرحمن بن مل، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمر].
عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الصحابي الجليل أحد الخلفاء الراشدين الهادين المهديين صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.(453/13)
شرح حديث علي (أهديت إلى رسول الله حلة سيراء فأرسل بها إليَّ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن أبي عون سمعت أبا صالح يحدث عن علي رضي الله عنه أنه قال: (أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء فأرسل بها إلي فلبستها فأتيته، فرأيت الغضب في وجهه وقال: إني لم أرسل بها إليك لتلبسها.
وأمرني فأطرتها بين نسائي)].
أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه حلة سيراء -أي: من الحرير- فلبسها، فجاء إليه وهي عليه، فغضب وتبين في وجهه الغضب وقال: (ما أعطيتكها لتلبسها) ثم أمره بأن يوزعها على نسائه.
قوله: [(أطرتها)] يعني: وزعتها وشققتها بين نسائي، والمقصود بنسائه أهله كزوجته وأمه وأقاربه، وليس المقصود بالنساء هنا الزوجات؛ لأنه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتزوج على فاطمة، وليس عنده إذاك غيرها رضي الله تعالى عنهما، وإنما تزوج بعد وفاتها رضي الله عنه وعنها وعن الصحابة أجمعين.(453/14)
تراجم رجال إسناد حديث علي (أهديت إلى رسول الله حلة سيراء فأرسل بها إليَّ)
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب].
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
شعبة بن الحجاج الواسطي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عون].
أبو عون محمد بن عبيد الله الثقفي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن أبي صالح].
أبو صالح هو عبد الرحمن بن قيس الحنفي ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن علي].
علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.(453/15)
الأسئلة(453/16)
حكم التداوي بالحرير
السؤال
ذكرتم أن الحرير يستثنى لمن به علة (حكة) لكن يشكل: (لم يجعل الله شفاء أمتي فيما حرم عليها)!
الجواب
هذا مستثنى، لأنه أذن في استعماله في الحرب وليس دائماً وأبداً، فإذا عادوا إلى البلد فيمكن أن يتعاطوا العلاج ويمكن أن يأخذوا بالأسباب؛ ولكن أذن في الحرب في استعمال الحرير.(453/17)
غُسِّل النبي صلى الله عليه وسلم في ثيابه وكفِّن في ثياب أخرى
السؤال
في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض في إزار غليظ مما يصنع اليمن وكساء من التي يسمونها الملبدة) وذكرتم أنه كفن فيها، وفي الحديث أن الثياب التي توفي فيها بقيت عند عائشة؟!
الجواب
كفن في ثياب بيض سحولية، وغسل في ثيابه، فما جردوه عندما أرادوا أن يغسلوه، وإنما أدخلوا أيديهم من تحت الثياب يغسلونه، لكن بعد ذلك نزعت تلك الثياب، وأتي بثياب أخرى وهي الكفن، ثلاثة أثواب بيض كفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.(453/18)
لم يبق من ثياب النبي صلى الله عليه وسلم اليوم شيء
السؤال
ما صحة القول بأن ثياب الرسول صلى الله عليه وسلم موجودة إلى الآن؟
الجواب
لا يصح هذا أبداً، إذا وجد شيء من ذلك فهو دعاوى، كيف تبقى ثياب طيلة هذه القرون؟! وكذلك دعوى أنه يوجد شعر من شعر الرسول صلى الله عليه وسلم.(453/19)
حكم قص المرأة شعرها
السؤال
هل يجوز للمرأة أن تقصر شعرها حتى تكون كالوفرة أو أطول بشيء قليل؟
الجواب
جاء هذا عن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن، ومعلوم أن أمهات المؤمنين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم محرمات لا سبيل إلى الزواج منهن والتزوج بهن، ومعلوم أن بقاء شعر المرأة زينة لها، وإذا كان الشعر كثيفاً يشق عليها صيانته فلا بأس أن تخفف منه، وأما ما يفعل من تقليد الكافرات اللاتي عرفن بهذا فهو من التشبه بالكافرات.
وبعض أهل العلم قال: إن ذاك خاص بأمهات المؤمنين لأنهن لا سبيل لهن إلى التجمل للزواج؛ لأنهن لا يتزوجن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهن زوجاته في الدنيا والآخرة رضي الله عنهن وأرضاهن، وفي صحيح مسلم (أن أزواج الرسول قصصن رؤسهن حتى كان كالوفرة).(453/20)
حكم شراء الثياب النفيسة
السؤال
إذا كان الرجل ميسور الحال واشترى ثوباً نفيساً ألا يكون هذا من قبيل: (إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده)؟
الجواب
إذا كان ميسور الحال وأراد شراء النفيس؛ فينبغي أن يشتري ما يناسبه ويستفيد من القيمة الزائدة في أموره الأخرى، وأما كونه يشتري شيئاً نفيساً وهو غير ميسور الحال، بأن يستدين أو يسأل أو ما إلى ذلك، فليس له ذلك.(453/21)
حكم القول بأن اليهود أبناء القردة والخنازير مع أن الممسوخين لا يتناسلون
السؤال
هل من المناسب أن يقال لليهود إنهم أبناء القردة والخنازير، مع أنكم ذكرتم أن المسخ لا يتناسل؟
الجواب
معلوم أن الحديث جاء بأن الذين مسخوا ليس لهم نسل؛ ولكن هم أبناء جنس الذين مسخوا، لا أنهم أبناء الذين مسخوا، فإذا جاء من يعبر بهذه العبارة فيحمل على أن المقصود أن أعمامهم أو من يكون في درجة آبائهم مسخ، وأما كونهم هم جاءوا من نسلهم فهذا يخالف الحديث الذي جاء: (إن الله لم يجعل لأمة مسخت نسلاً) فلا يجوز أن يعتقد هذا الشيء؛ لكن كونهم من الجنس أو من الذين حصل فيهم المسخ، أو أنهم -مثلاً- أعمامهم إخوان آبائهم أو ما إلى ذلك؛ فهذا ممكن.(453/22)
من كره الحرير(453/23)
شرح حديث علي (نهى عن لبس القسي)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من كرهه.
حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس القسي، وعن لبس المعصفر، وعن تختم الذهب، وعن القراءة في الركوع)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب من كره ذلك، يعني: لبس الحرير، والمقصود بالكراهة كراهة التحريم، وقد أورد رحمه الله جملة من الأحاديث: أولها: حديث علي رضي الله تعالى عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن عن لبس القسي).
والقسي نوع من الحرير.
[(وعن لبس المعصفر)].
أي: المصبوغ بالعصفر، وهو نبات معروف لونه أصفر.
[(وعن تختم الذهب)].
يعني: للرجال، وأما النساء فإنها تلبس الذهب كيف شاءت، خواتم وأقراط وأسورة وما إلى ذلك.
[(وعن القراءة في الركوع)].
يعني: فالركوع لا يقرأ فيه المصلي، والسجود كذلك لا يقرأ فيه، وذلك أن الصلاة جعلت أحوالها لها أمور معينة مطلوبة فيها، فالقراءة مطلوبة في القيام، والركوع مطلوب فيه تعظيم الرب والثناء عليه، والسجود مطلوب فيه الإكثار من الدعاء، فكل حال لها أعمال تخصها أو لها أقوال تخصها، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (وأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم)، فكما أن الإنسان لا يأتي بالأدعية في حال قيامه وإنما يأتي بالقراءة، كذلك لا يأتي بالقراءة في حال ركوعه وسجوده، أي: أن كل هيئة لها عمل يخصها أو لها أقوال تخصها، فمن أجل ذلك منع رسول الله عليه الصلاة والسلام من القراءة في الركوع والسجود.(453/24)
تراجم رجال إسناد حديث علي (نهى عن لبس القسي)
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
نافع مولى ابن عمر، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين].
إبراهيم بن عبد الله بن حنين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه كذلك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علي بن أبي طالب].
علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.(453/25)
تراجم رجال إسناد حديث علي (نهى عن لبس القسي) من طريق ثانية
قال رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن محمد يعني: المروزي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا قال: (عن القراءة في الركوع والسجود).
قوله: [حدثنا أحمد بن محمد يعني: المروزي].
أحمد بن محمد بن ثابت بن شبويه المروزي، ثقة أخرج له أبو داود.
[حدثنا عبد الرزاق].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر].
معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي].
وقد مر ذكرهم.(453/26)
شرح حديث علي (نهى عن لبس القسي) من طريق ثالثة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن إبراهيم بن عبد الله بهذا.
زاد: (ولا أقول: نهاكم)].
[زاد: (ولا أقول: نهاكم)] لأنه جاء في بعض الألفاظ: (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أقول: نهاكم) ولا يعني ذلك أن هذا الحكم يختص به، وإنما أخبر عن الشيء الذي حصل له، وأنه قال: لا تفعل كذا، ولا تفعل كذا، فهذا نهي موجه إليه، فهو أخبر عن الشيء الذي حصل له وأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهاه.
يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما عبر بعبارة موجهة للجمع، وإنما هي موجهة إليه؛ ولكن كما هو معلوم (خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لواحد هو خطاب للجميع)، وليس خاصاً بالمخاطب إلا إذا جاء شيء يدل على أنه يخصه، مثلما جاء في قصة الذي ذبح أضحيته قبل الصلاة ثم بعد ذلك قال: (إن عندي عناقاً فقال: هل تجزئ عني؟ قال: تجزئ عنك، ولن تجزئ عن أحد من بعدك) فهذا يدل على أن هذا خاص به.
والأصل أن خطاب النبي عليه الصلاة والسلام لواحد هو خطاب للجميع، ولهذا جاء في الحديث الذي فيه بيان سبب نزول قول الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفَاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] أن الرجل قال بعد أن نزلت الآية: (ألي هذا وحدي يا رسول الله؟ قال: لأمتي كلهم) يعني: أن خطاب الشرع خطاب للجميع، وليس خاصاً بالمخاطب، وإنما يكون خاصاً به إذا وجد شيء يدل على أنه خاص به.(453/27)
تراجم رجال إسناد حديث علي (نهى عن لبس القسي) من طريق ثالثة
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
حماد بن سلمة بن دينار ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن عمرو].
محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم بن عبد الله بهذا].
أي: عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي، وقد مر ذكرهم.(453/28)
شرح حديث أن ملك الروم أهدى إلى النبي مستقة من سندس فلبسها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن علي بن زيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن ملك الروم أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم مستقة من سندس فلبسها، فكأني أنظر إلى يديه تذبذبان، ثم بعث بها إلى جعفر فلبسها ثم جاءه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لم أعطكها لتلبسها.
قال: فما أصنع بها؟ قال: أرسل بها إلى أخيك النجاشي)].
قوله: [(أن ملك الروم أهدى إلى النبي مستقة)].
وهو لباس من الحرير.
قوله: (فلبسها).
أي: فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا محمول على أنه كان قبل أن يحرم لبس الحرير، وبعد ذلك حرم فأعطاها جعفراً ولبسها، فقال: (إني ما أعطيتكها لتلبسها وإنما لترسلها إلى أخيك النجاشي) أي: ليستفيد منها لا ليلبسها؛ لأن المحرم لا يجوز لبسه، وإنما يجوز التصرف فيه ببيعه أو استعماله ممن يمكن لهم استعماله كالنساء، وإذا أعطي الرجل فهو يستفيد منه بأن يعطيه نسائه، أو يبيعه ويتصرف بقيمته، أو يهديه إلى أحد من أجل أن يستفيد من قيمته أو يعطيه لنسائه.
وعلى هذا فالذي جاء في الحديث محمول على أنه كان قبل تحريم لبس الحرير، وقد جاءت أحاديث تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلبس الحرير، ولكنه تركه بعد ذلك وحرم لبسه على الرجال، وقد جاء في الصحيحين وفي غيرهما أحاديث بهذا المعنى.
وهذا الحديث في إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف؛ ولكن المعنى الذي جاء فيه من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد لبس الحرير وأعطى غيره من أجل أن يستفيد، قد جاء في أحاديث، والإسناد فيه هذا الرجل الذي هو ضعيف، وهو علي بن زيد بن جدعان.
قوله: [(مستقة من سندس)].
فراء: طوال الأكمام، أي: أن فيها سندس يعني: حرير في أطرافه، وأما الفرو فليس من الحرير، ولكنها موشاة بالحرير أو موضوع فيها شيء كثير من الحرير، وأما إذا كان في حدود أربع أصابع فهذا ثبتت به السنة بعد التحريم وأنه، فيكون الذي من سندس هو الذي أضيف إليها لا أن أصلها هي من سندس.
[مكفوفة].
يعني: حواشيها من حرير.
[(فلبسها، كأني أنظر إلى يديه تذبذبان)].
يعني: أنها طويلة كأنها تغطي اليدين.
[(ثم بعث بها إلى جعفر فلبسها ثم جاءه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لم أعطكها لتلبسها.
قال: فما أصنع بها؟ قال: أرسل بها إلى أخيك النجاشي)].
وخص النجاشي من أجل أنه كان عنده، وكان قد أحسن إلى جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وإلى الذين كانوا معه من المهاجرين إلى الحبشة، فهذا هو وجه إرشاده إلى أن يرسلها إلى النجاشي ليستفيد منها.
وقوله: [(إلى أخيك)].
أي: في الإسلام.
وإرساله إلى النجاشي ليس بلازم أن يلبسها النجاشي، وإنما ليستفيد منها.(453/29)
حكم إهداء الهدية
أما ما يقوله بعض الناس: (الهدية لا تهدى ولا تباع) فنقول: الهدية يتصرف فيها كيف شاء، فيهديها أو يستعملها أو يبيعها، أي: يتصرف بها جميع أنواع التصرفات.
فالأصل هو الجواز حتى يأتي المنع، ولا نعلم شيئاً يدل على المنع.(453/30)
تراجم رجال إسناد حديث أن ملك الروم أهدى إلى النبي مستقة من سندس فلبسها)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن علي بن زيد].
موسى بن إسماعيل وحماد بن سلمة قد مر ذكرهما، وعلي بن زيد بن جدعان ضعيف أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أنس].
عن أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والإسناد رباعي، من أعلى الأسانيد عند أبي داود.(453/31)
شرح حديث (لا أركب الأرجوان ولا ألبس القميص المكفف بالحرير)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مخلد بن خالد حدثنا روح حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا أركب الأرجوان، ولا ألبس المعصفر، ولا ألبس القميص المكفف بالحرير.
قال: وأومأ الحسن إلى جيب قميصه قال: وقال: ألا وطيب الرجال ريح لا لون له، ألا وطيب النساء لون لا ريح له، قال سعيد: أراه قال: إنما حملوا قوله في طيب النساء على أنها إذا خرجت، فأما إذا كانت عند زوجها فلتطيب بما شاءت)].
أورد أبو داود حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا أركب الأرجوان) والمقصود بالأرجوان مياثر كانت تتخذ من الحرير أو مخلوطة بالحرير وتوضع على سرج الفرس أو رحل البعير يقال: إن النساء كن يصنعنها لأزواجهن لتكون موطأة وسهلة ولينة، فلا يتأثر الجالس على الرحل أو على الفرس بكثرة الجلوس بسبب لين ذلك الشيء الذي وضع، وهو الأرجوان، قيل: إنها من لون أحمر.
[(ولا ألبس المعصفر)].
المعصفر الذي صبغ بالعصفر كما مر قريباً.
[(ولا ألبس القميص المكفف بالحرير)].
يحمل هذا على ما إذا كان أكثر من أربع أصابع، أما إذا كان في حدود أربع أصابع فقد جاءت السنة بجواز لبسه.
[(قال: وأومأ الحسن إلى جيب قميصه)].
يعني: يشير إلى هذا المكفف الذي جعل في الحواشي والمقصود من ذلك -كما أشرت- الشيء الكثير، وأما الشيء القليل الذي حدد بأربع أصابع فلا بأس به.
[(قال: وقال: ألا وطيب الرجال ريح لا لون له)].
طيب النساء يبدو لونه ولا يظهر ريحه، بمعنى أن ظهور الريح من الرجال في الأسواق وفي أي مكان لا مانع منه، وأما النساء فإنها عندما تخرج تستعمل طيباً لا يُشم ريحه، ولكنه يظهر لونه لها؛ لأن الريح تفتن الناس.
ثم بعد ذلك علق على هذا الكلام عن سعيد بن أبي عروبة أنه قال: هذا محمول على ما إذا خرجت، أي: إذا خرجت فلا تستعمل إلا الطيب الذي لا رائحة له تظهر فيحصل بها فتنة، وأما إذا كانت عند زوجها فإنها تطيب بما شاءت أن تطيب به.(453/32)
تراجم رجال إسناد حديث (لا أركب الأرجوان ولا ألبس القميص المكفف بالحرير)
[حدثنا مخلد بن خالد].
مخلد بن خالد الشعيري ثقة أخرج له مسلم وأبو داود.
[عن روح].
روح بن عبادة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن أبي عروبة].
سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن].
الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمران بن حصين].
عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والحديث في إسناده الحسن وهو يروي عن عمران بن حصين؛ وهو لم يسمع منه؛ ولكن الذي فيه قد جاء في أحاديث أخرى غير هذا الحديث.
وفيه سعيد بن أبي عروبة يدلس، بل وقتادة يدلس.
لكن سعيد بن أبي عروبة من أثبت الناس في قتادة.
ولكن قتادة عنعن عن الحسن وهو مدلس، وكما قلت: الحديث له شواهد، أعني أن الألفاظ التي فيه لها شواهد.(453/33)
شرح حديث النهي عن أن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريراً مثل الأعاجم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني أخبرنا المفضل يعني: ابن فضالة عن عياش بن عباس القتباني عن أبي الحصين يعني: الهيثم بن شفي قال: خرجت أنا وصاحب لي يكنى: أبا عامر رجل من المعافر نصلي بإيلياء، وكان قاصهم رجل من الأزد يقال له: أبو ريحانة رضي الله عنه من الصحابة قال أبو الحصين: فسبقني صاحبي إلى المسجد ثم ردفته فجلست إلى جنبه فسألني: هل أدركت قصص أبي ريحانة؟ قلت: لا.
قال: سمعته يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عشر: عن الوشر، والوشم، والنتف، وعن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار، وعن مكامعة المرأة المرأة بغير شعار، وأن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريراً مثل الأعاجم، أو يجعل على منكبيه حريراً مثل الأعاجم، وعن النهبى، وركوب النمور، ولبوس الخاتم إلا لذي سلطان).
قال أبو داود: الذي تفرد به من هذا الحديث: ذكر الخاتم].
أورد أبو داود حديث أبي ريحانة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن عشر: عن الوشر: وهو تحديد الأسنان، وهو أن تحدد المرأة الكبيرة أسنانها بحيث تشبه بالشابة، وذلك في أطراف الأسنان هذا يسمونه الوشر، والتفليج يكون بين الأسنان، وأما الوشر فهو لأطراف الأسنان.
والوشم هو: أن يغرز في الجلد إبرة، ثم يوضع مكان الإبرة كحل أو شيء يشبهه فيحشى به ذلك المكان الذي غرز، فيصير اللون هو لون ذلك الذي حشي به ويستمر حتى أن اللحم ينبت عليه ويلتحم عليه ويصير بهذه الهيئة التي حصل فيها الوشم.
والنتف: هو نتف الشيب أو نتف الحاجب.
ومكامعة الرجل الرجل بغير شعار هي: مضاجعته بحيث يكونان متلاصقين.
وكذلك مكامعة المرأة المرأة بغير شعار.
وأن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريراً مثل الأعاجم.
يعني: بأن يكون كثيراً.
أو يجعل على منكبيه حريراً مثل الأعاجم.
وعن النهبى.
وهي الانتهاب، قيل: إنها السطو على أناس والأخذ من أملاكهم قهراً.
وركوب النمور.
يعني: جلود النمور.
ولبوس الخاتم إلا لذي سلطان.
أي: يكون لبس الخاتم مقصوراً على السلطان، ولهذا قال أبو داود: [الذي تفرد به هنا ذكر الخاتم] وإلا فغيره جاء في أحاديث أخرى، وأما كون الخاتم لا يلبسه إلا ذو سلطان فهذا مما تفرد به.
والحديث في إسناده أبو عامر هذا الذي هو من المعافر، وهو مقبول.(453/34)
تراجم رجال إسناد حديث النهي عن أن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريراً مثل الأعاجم
قوله: [حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني].
هو ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[أخبرنا المفضل يعني: ابن فضالة].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عياش بن عباس القتباني].
عياش بن عباس القتباني وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي الحصين الهيثم بن شفي].
أبو الحصين الهيثم بن شفي وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[قال: خرجت أنا وصاحب لي يكنى: أبا عامر].
أبو عامر مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن أبي ريحانة].
أبو ريحانة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه شمعون وهو صحابي، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[يقول الهيثم بن شفي: خرجت أنا وصاحب لي يكنى: أبا عامر رجل من المعافر لنصلي بإيلياء].
إيلياء بيت المقدس؛ لأن بيت المقدس يقال لها: إيلياء.
[وكان قاصهم رجل من الأزد].
أي: الذي يذكرهم ويعظهم.
[يقال له: أبو ريحانة من الصحابة، قال أبو الحصين: فسبقني صاحبي إلى المسجد، ثم ردفته فجلست إلى جنبه].
يعني: أن أبا عامر تقدم وتأخر عنه أبو الحصين وهو الهيثم بن شفي وجاء إليه بعد أن انتهى من القص والتذكير والوعظ الذي يلقيه أبو ريحانة عليهم في المسجد.
[قال أبو داود: الذي تفرد به من هذا الحديث: ذكر الخاتم].
ما أدري عن الشخص الذي تفرد؛ لكنه واحد من رجال الإسناد لا يدرى من هو، وإن كان يراد به أبو عامر فهو مقبول، وإن كان يراد به من قبله وهو الذي تفرد بالرواية عنه أو عمن فوقه فيصير الإسناد فيه من هو ضعيف، وبعد ذلك في الإسناد من هو مقبول فالنتيجة أن الإسناد فيه ضعف سواء كان المتفرد هو أو غيره.
وبعض ألفاظ الحديث لها شواهد فيحتج بها.(453/35)
شرح حديث (نهى عن مياثر الأرجوان)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن حبيب حدثنا روح حدثنا هشام عن محمد عن عبيدة عن علي رضي الله عنه أنه قال: (نهي عن مياثر الأرجوان)].
أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه أنه قال: (نهي عن مياثر الأرجوان) وهذا هو الذي مر في حديث عمران بن الحصين: (لا أركب الأرجوان) وهي المياثر، وهي جمع ميثرة، وهي الوطاء الذي يتخذ على سرج الفرس ورحل البعير، ليكون الجلوس عليه فيه سهولة وفيه لين.
قوله: (نهي عن مياثر).
إذا قال الصحابي: (نهي) فالذي نهى عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.(453/36)
تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن مياثر الإرجوان)
قوله: [حدثنا يحيى بن حبيب].
يحيى بن حبيب ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا روح حدثنا هشام].
روح مر ذكره.
وهشام بن حسان، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد].
محمد بن سيرين، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيدة].
عبيدة بن عمرو السلماني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علي].
علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد مر ذكره.(453/37)
شرح حديث علي (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب وعن لبس القسي والميثرة الحمراء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم قالا: حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن هبيرة عن علي رضي الله عنه أنه قال: (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب، وعن لبس القسي والميثرة الحمراء)].
أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس القسي، وهو الذي مر في الرواية السابقة، وعن التختم بالذهب، والميثرة الحمراء، وهي الأرجوان الذي مر، وهي الذي توضع على السرج وعلى الرحل.(453/38)
تراجم رجال إسناد حديث علي (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب وعن لبس القسي والميثرة الحمراء)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[ومسلم بن إبراهيم].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
شعبة بن الحجاج الواسطي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
أبو إسحاق الهمداني وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هبيرة].
هبيرة بن يريم الهمداني، لا بأس به وهي بمعنى صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[عن علي].
علي رضي الله عنه، وقد مر ذكره.(453/39)
شرح حديث (اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا ابن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها فلما سلم قال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم فإنها ألهتني آنفاً في صلاتي، وائتوني بأنبجانيته) قال أبو داود: أبو جهم بن حذيفة من بني عدي بن كعب بن غانم].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام، والخميصة: كساء معلَّم الطرفين من خز أو صوف، ومعنى (معلم): له أعلام خطوط أو حواش، ولعل هذا هو المقصود من إيراد أبي داود للحديث؛ أي: كونه قد يحشَّى من خز -وهو نوع من الحرير- أو يكون من غير الحرير؛ لأنه كما عرفنا فيما مضى يكون من الحرير ويكون من غير الحرير، ويقال له: خز أو صوف.
(فنظر إلى أعلامها).
يعني: الخطوط التي فيها.
فقال: (اذهبوا بها إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي) يعني: تلك الخميصة، والأنبجانية أيضاً كساء، وإنما أرسلها إلى أبي جهم لأنه هو الذي كان قد أهداها إليه، وطلب منه أن يعطيه بدلها الأنبجانية، وطلب هو الأنبجانية لئلا يتأثر بأن هديته ردت إليه، فهو رد عليه تلك التي ألهته عن صلاته وطلب أن يعطيه بدلها الأنبجانية التي ليس فيها تلك الأعلام التي في الخميصة، فإذاً: هذا هو وجه إرسالها إلى أبي جهم وطلب الأنبجانية منه.(453/40)
تراجم رجال إسناد حديث (اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد].
إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير].
ابن شهاب مر ذكره، وعروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو داود: أبو جهم بن حذيفة من بني عدي بن كعب بن غانم].
هذا تعريف لـ أبي جهم.(453/41)
شرح حديث (اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم) من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة في آخرين قالوا: حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها نحوه، والأول أشبع].
أورد أبو داود طريقاً أخرى وقال: [الأول أشبع] يعني: أتم وأكمل، وهو الذي ساقه بلفظه، والذي لم يسقه بلفظه دونه، يعني: في التمام والكمال.
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة في آخرين].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة، وقد ذكر أن معه غيره في الرواية، ولهذا أشار إليهم بقوله: [في آخرين] وبقوله: [قالوا: حدثنا] يعني: ذكر واحداً منهم فقط.
[قالوا حدثنا سفيان عن الزهري].
سفيان هو ابن عيينة المكي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء سفيان يروي عن الزهري فهو ابن عيينة.
[عن عروة عن عائشة نحوه، والأول أشبع].(453/42)
الأسئلة(453/43)
حكم الصلاة في الثياب المخططة
السؤال
ما حكم الصلاة بالأقمصة المخططة؟
الجواب
تصح الصلاة.(453/44)
حكم لبس الملابس الملونة ذات النقوش
السؤال
هل يستحب عدم لبس الملون؟
الجواب
الذي يلهي ويشغل بالنظر إليه يستحب تجنبه.(453/45)
حكم رد الهدية
السؤال
هل يجوز رد الهدية مطلقاً دون سبب أو عذر؟
الجواب
إذا كان هناك وجه لردها فإنه لا بأس بردها، مثل أن يكون الذي أهدى لا يُطمأن إلى ماله أي يخشى أن ماله من حرام، أو يترتب على الرد مصلحة من ناحية ما، من أجل التأديب والتأثر إذا كان ينكر عليه شيئاً وردها من أجل أنه نصحه ولم ينتصح وأن هذا فيه فائدة، فالرد يمكن.
فالرد لمصلحة ممكن كحديث: (إنا لم نرده عليك إلا لأنا حرم).
في قصة الصعب بن جثامة الليثي لما أهدى إليه صيداً وهو محرم.(453/46)
حكم تختم المرأة بالفضة
السؤال
قول الخطابي: (وقد كره للنساء أن يتختمن بالفضة لأن ذلك من زي الرجال) هل عليه من دليل؟!
الجواب
لا نعلم شيئاً يدل على هذا، فالنساء تتختم بالذهب والفضة وتستعمل الذهب والفضة، والرجال لا يستعملون إلا الفضة في حدود ما رخص لهم فيه.(453/47)
المعصفر من الثياب غير المزعفر
السؤال
ورد النهي عن لبس المعصفر وهو المصبوغ بالعصفر، فهل هو الزعفران؟
الجواب
المعصفر غير المزعفر، يوجد مزعفر ويوجد معصفر، والعصفر غير الزعفران.
أما الثياب التي صبغت باللون الأصفر من غير الزعفران والعصفر؛ فليس من هذا القبيل ولا تدخل ضمن المزعفر والمعصفر.(453/48)
حكم تقويم الأسنان
السؤال
ما حكم تقويم الأسنان؟
الجواب
تقويم الأسنان التي بعضها داخل والبعض الآخر خارج، حيث إن بعضها يميل عن بعض لا بأس به؛ فكونها تقوم وتعدل بحيث تكون مستقيمة لا بأس به، وهو من قبيل العلاج.(453/49)
حكم نتف المرأة شعر الجسد من غير الوجه
السؤال
هل تحريم النمص (نتف الشعر) خاص بالوجه للمرأة أم هو عام لجميع جسدها؟
الجواب
الذي يبدو أنه لا يوجد شيء يدل على منعه في جميع الجسم.(453/50)
حكم الخاتم لغير ذي سلطان
السؤال
ورد حديث يفهم منه أن الخاتم فقط لذي سلطان، ألا يجوز لغير ذي سلطان ويعتبر سنة لبس الخاتم؟
الجواب
ليس بصحيح أنه لا يكون إلا لذي سلطان؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم تختموا، وفيهم من ليس صاحب ولاية، وقد جاء عن أنس في قضية لبس الذهب (أن رسول الله ألقى الخاتم وألقى الناس خواتيمهم) فكانت عليهم خواتيم.(453/51)
حكم اتخاذ الأحذية من جلود النمور والأفاعي
السؤال
في بلدنا يصنعون أحذية من جلود النمور ومن جلود الأفاعي، فهل يجوز لبسها؟
الجواب
الذي يبدو أن استعمال جلود السباع لا يجوز.(453/52)
شرح سنن أبي داود [454]
منع لبس الحرير للرجال مما جاءت به السنة الصحيحة، إلا ما أباحه الشرع، ومقدار أربعة أصابع في الثوب مجتمعة كانت أو مفرقة ولا يجوز الزيادة عليها، كما ورد الرخصة فيه في الحرب لمن به حكة وإلا فالأصل هو المنع والتحريم في حق الرجال دون النساء فهو مما أبيح لهن لبسه والتزين به.(454/1)
الرخصة في العلم وخيط الحرير(454/2)
شرح حديث أن جبة النبي صلى الله عليه وسلم طيالسية مكفوفة الجيب والكمين والفرجين بالديباج)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرخصة في العلم وخيط الحرير.
حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا المغيرة بن زياد حدثنا عبد الله أبو عمر مولى أسماء بنت أبي بكر قال: (رأيت ابن عمر رضي الله عنهما في السوق اشترى ثوباً شامياً فرأى فيه خيطاً أحمر فرده، فأتيت أسماء رضي الله عنها فذكرت ذلك لها فقالت: يا جارية! ناوليني جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخرجت جبة طيالسة مكفوفة الجيب والكمين والفرجين بالديباج)].
أورد أبو داود [باب الرخصة في العلم وخيط الحرير].
وفي نسخة: [باب الرخصة في العلم]، وفي نسخة أخرى: [الرخصة في المعلم]، أي: الثوب الذي فيه علم، والعلم هو اسم للأعلام التي تكون في الثوب.
المقصود من هذه الترجمة أن العلم وهو الخط أو الوشي الذي يكون في أطراف القميص أو على الأكمام مما جاء الترخيص فيه، وكذلك الخيط من الحرير؛ لكنه عبر به من أجل أنه جاء في حديث ابن عمر أنه رد ذلك الذي اشتراه من أجل خيط أحمر رآه فيه يعني أنه من الحرير، وابن عمر رضي الله عنه، إما أن يكون ما بلغه ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم بالشيء اليسير أو أنه أراد أن يتركه تنزهاً؛ لأن الشيء الجائز يمكن للإنسان أن يتركه تنزهاً، وليس من الأمور المستحبة أن يلبس شيئاً فيه أربعة أصابع أو أقل؛ لأن هذا ترخيص، وكون الإنسان يتركه من باب التورع والاحتياط لا بأس به.
فـ ابن عمر رضي الله عنه، إما أن يكون ما بلغه الترخيص، أو يكون قد بلغه ولكنه تركه من باب الورع، فلما قيل لـ أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما: إن ابن عمر رد ذلك قالت للجارية: (ناوليني جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخرجت جبة طيالسة مكفوفة الجيب والكمين والفرجين بالديباج)] الذي هو الحرير، والمقصود أن ذلك في حدود ما هو سائغ، والمقصود من إيراد الحديث في هذا الباب ذكر الخيط الأحمر الذي هو من الحرير، ومن أجل هذا الذي كُفّت تلك الجبة به، وهي جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يدل على الترجمة.
[(الفرجين)] لا أدري ما المقصود بالفرجين، وقد بحثت عنهما فلم أهتدِ إليهما، وقد قال: إن لها جيباً، ومعنى ذلك أنها ليست مفتوحة من أسفلها إلى أعلاها؛ ولكن لها جيب يدخل فيه الرأس، فما أدري ما هو المقصود؟ هل فيها فتحات تكون مكفوفة بهذا؟ على كل لا أدري الفرق في هذا.
وذكر أبو الحسن السندي في شرحه أن الفرجين هما الشقان من قدام وخلف، ولعله من جنس المعروف اليوم عند الناس، وهو أن يكون فيها شق من الأسفل ولا تكون الأطراف مصمتة، وإنما فيها شق بحيث يمشي الإنسان ويسرع فلا يتأثر بالثوب الذي أطرافه متساوية.
[(فرأى فيها خيطاً أحمر)] يبدو أنه من حرير، وقد يكون ردها للحمرة، يعني: النهي عن الأحمر.
والحديث أورده أبو داود في باب الحرير، أي من أجل الحرير وليس من أجل الحمرة.(454/3)
تراجم رجال إسناد حديث أن جبة النبي صلى الله عليه وسلم طيالسة مكفوفة الجيب والكمين والفرجين بالديباج
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عيسى بن يونس].
عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا المغيرة بن زياد].
المغيرة بن زياد صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب السنن.
[حدثنا عبد الله أبو عمر مولى أسماء بنت أبي بكر].
عبد الله أبو عمر وهو: عبد الله بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أسماء بنت أبي بكر].
رضي الله تعالى عنهما، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.(454/4)
وصف الجبة
أما عن كون الجبة عند أسماء فلعلها وصلت إليها من أختها عائشة، أو أنها من أبيها.
والجبة هي لباس يكون في الغالب غليظاً، ويكون لها جيب كما جاء في هذا الحديث، وتكون فوق اللباس.
أما ما هو المعروف الآن ويسمى بـ (الكوت الطويل)، فإنه يكون مفتوحاً، أما الواردة في الحديث فإن لها جيباً مثل القميص.(454/5)
حكم قول النووي بجواز التبرك بآثار الصالحين وثيابهم
يتكرر نقل صاحب العون عن الإمام النووي رحمه الله أن في الحديث دلالة على جواز التبرك بآثار الصالحين وثيابهم.
وهذا من أخطاء النووي رحمه الله تعالى، والمعروف أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما كانوا يتبركون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد، وخير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، فما كان الصحابة يذهبون ويتبركون بهم كما كانوا يتبركون بالرسول صلى الله عليه وسلم، فدل هذا على أن التبرك من خصائصه، ولهذا حكى الشاطبي في الاعتصام إجماع الصحابة على ذلك، وأنهم تركوا التبرك بعده، وأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإنه لا يتبرك بلباس أحد من الناس، ولا بالأمور التي كان يتبرك منها برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك من خصائصه عليه الصلاة والسلام.(454/6)
شرح حديث (إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من الحرير)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن نفيل حدثنا زهير حدثنا خصيف عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من الحرير، فأما العلم من الحرير وسدى الثوب فلا بأس به)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من الحرير)].
يعني: الذي يكون خالصاً من الحرير، وأما العلم الذي في الحواشي والذي هو في حدود أربعة أصابع فلا بأس به، والسدى: هو جزء ما ينسج به أو أحد جزئي ما ينسج به؛ لأن الثوب يكون له سدى ولحمة، فالسدى: الخطوط التي تأتي بالطول، واللحمة: الخطوط التي تأتي بالعرض، فقيل: إذا كان سداه من حرير فلا بأس، وهذا فيه خلاف بين أهل العلم: فمنهم من قال إنه لا يجوز لبسه مطلقاً ما دام مخلوطاً بالحرير.
ومنهم من قال: إنه يجوز فيما إذا كان هذا السدى في حدود أربع أصابع، يعني: لو جمع لصار في حدود أربع أصابع، فإنه يجوز، قياساً على جوازه في حدود أربع أصابع.(454/7)
تراجم رجال إسناد حديث (إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من الحرير)
قوله: [حدثنا ابن نفيل].
هو عبد الله بن محمد بن نفيل النفيلي، ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا زهير].
زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا خصيف].
خصيف بن عبد الرحمن سيئ الحفظ أخرج له أصحاب السنن.
[عن عكرمة].
عكرمة مولى ابن عباس، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(454/8)
لبس الحرير لعذر(454/9)
شرح حديث الرخصة في الحرير للتداوي
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في لبس الحرير لعذر.
حدثنا النفيلي حدثنا عيسى يعني: ابن يونس عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ عبد الرحمن بن عوف وللزبير بن العوام رضي الله عنهما في قمص الحرير في السفر من حكة كانت بهما)].
أورد أبو داود [باب لبس الحرير لعذر] يعني: إذا كان لعذر كالتداوي.
وأورد أبو داود حديث أنس بن مالك (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لـ عبد الرحمن بن عوف وللزبير بن العوام في لبس الحرير في السفر لحكة كانت بهما) يعني: من أجل هذه الحكة التي كانت فيهما، وذلك لأن الخشن يؤثر على الجلد، والحرير لنعومته ليس له تأثير، فيكون في لبسه فائدة، بحيث إنه لا يتأثر الجلد به.
وهذا فيه تقييد أنه كان في السفر، وأنه كان في غزاة، فالذي ينبغي أن يقصر على ما ورد في الحديث وألا يتوسع فيه، والناس قد تساهلوا وصاروا يستعملون الحرير في الحضر في أية مناسبة كانت بمجرد حصول حكة، والذي ينبغي أنه إذا حصل حكة يتعالجون ويحصل المقصود بذلك؛ لكن في السفر قد يحصل لهم شيء من ذلك وما عندهم الشيء الذي يمكن أن يفيدهم ويتعالجوا به، فرخص الرسول صلى الله عليه وسلم لهذين الصحابيين الجليلين، وهما من العشرة المبشرين بالجنة رضي الله تعالى عنهما - عبد الرحمن بن عوف والزبير - في لبس الحرير للحكة كانت بهما.(454/10)
تراجم رجال إسناد حديث الرخصة في الحرير للتداوي
قوله: [حدثنا النفيلي حدثنا عيسى يعني: ابن يونس].
مر ذكرهما.
[عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس].
كلهم مر ذكرهم.(454/11)
الحرير للنساء(454/12)
شرح حديث (إن هذين حرام على ذكور أمتي)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الحرير للنساء.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي أفلح الهمداني عن عبد الله بن زرير يعني: الغافقي أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: (إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً فجعله في يمينه وأخذ ذهباً فجعله في شماله، ثم قال: إن هذين حرام على ذكور أمتي)].
قال أبو داود: [باب في لبس الحرير للنساء] ولبس الحرير للنساء سائغ، والمنع من لبس الحرير إنما هو للرجال، وأما النساء فيستعملنه ويتزينَّ به ويتجملن به ولا بأس بذلك، وقد جاءت السنة في جواز لبسه في حقهن ومنعه في حق الرجال.
وقد أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً بيده وذهباً باليد الأخرى، وقال: هذان حرام على ذكور أمتي) وعند بعض الأئمة: (حل لإناثها) كما عند الترمذي وابن ماجة.
فالحديث الذي أورده أبو داود ليس فيه ذكر الإناث؛ ولكن المفهوم يدل على حله للإناث؛ وقد جاء التصريح به عند غير أبي داود.
والرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الذهب والحرير بيده وأشار بهما وقال: (هذان) وهذا فيه التعليم بالقول والفعل، لأنه أخذ الحرير والذهب بيده وقال: (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها) كما جاء في بعض الروايات، والمقصود بقوله: (هذان) الجنس لا العين، فليس معناه هذه القطعة وهذه القطعة، وإنما جنس هاتين القطعتين، من الذهب والحرير.
والذهب يحل للمرأة التحلي به، أما استعماله في الآنية ونحوها فلا يجوز.
والحرير في اللبس للمرأة يجوز؛ لكن عندما تستعمله افتراشاً أو غطاء أو ستارة في غير اللبس، فهذا فيه احتمال أن غيرها يشاركها فيه، كزوجها مثلاً، أو يصير لها فراش وحدها وهو له فراش، على كلٍ لا أدري؛ لكن الذي يبدو ويظهر أن تركه من ناحية الافتراش أولى؛ لأنه قد يترتب عليه أن زوجها يجلس عليه أو أنها تتميز عنه بفراش.(454/13)
تراجم رجال إسناد حديث (إن هذين حرام على ذكور أمتي)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث].
الليث بن سعد المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن أبي حبيب].
يزيد بن أبي حبيب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي أفلح الهمداني].
أبو أفلح الهمداني مقبول أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن عبد الله بن زرير].
عن عبد الله بن زرير ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن علي].
علي رضي الله عنه وقد مر ذكره.
والحديث جاء في إسناده هذا المقبول؛ ولكن الإسناد الذي عند الترمذي ليس فيه هذا الرجل.(454/14)
شرح حديث أن أنساً رأى على أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم برداً سيراء
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عثمان وكثير بن عبيد الحمصيان قالا: حدثنا بقية عن الزبيدي عن الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه حدثه (أنه رأى على أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم برداً سيراء قال: والسيراء المضلع بالقز)].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه رأى على أم كلثوم بنت النبي عليه الصلاة والسلام برداً سيراء؟ وقال: السيراء المضلع بالقز، أي: بالحرير، والمضلع هو الذي به خطوط وأعلام، قيل: إنه مضلع لأنه على هيئة الأضلاع.(454/15)
تراجم رجال إسناد حديث أن أنساً رأى على أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم برداً سيراء
قوله: [حدثنا عمرو بن عثمان وكثير بن عبيد الحمصيان].
عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار صدوق أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[وكثير بن عبيد].
وكثير بن عبيد ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن بقية].
بقية بن الوليد صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن الزبيدي].
هو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن الزهري عن أنس].
الزهري وأنس قد مر ذكرهما.(454/16)
شرح حديث جابر (كنا ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجواري)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن علي حدثنا أبو أحمد يعني: الزبيري حدثنا مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن عمرو بن دينار عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (كنا ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجواري.
قال: مسعر فسألت عمرو بن دينار عنه فلم يعرفه)].
أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: كنا ننزعه -أي: الحرير- عن الغلمان ونتركه على الجواري، معناه: أن النساء يترك لهن استعماله، وهذا في حق الصغار، فالجواري حكمهن حكم النساء الكبار والصبيان حكمهم حكم الرجال الكبار، فكما أن الكبار من الرجال لا يلبسون الحرير فكذلك الصبيان لا يلبسون الحرير، وكما أن الكبار من النساء يلبسن الحرير فكذلك الصغيرات يلبسن الحرير، فيعطى الصغير حكم الكبير من الذكور والنساء.
وهذا يدل على أنهم كانوا ينشئون أبناءهم وبناتهم على الشرع، فلا يلبسون الصبيان الحرير لأنه محرم على الذكور، ويتركونه على الجواري لأنه سائغ في حق النساء، ومن أجل ذلك أورده أبو داود هنا في لبس الحرير للنساء.(454/17)
تراجم رجال إسناد حديث جابر (كنا ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجواري)
قوله: [حدثنا نصر بن علي].
نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو أحمد يعني: الزبيري].
هو محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا مسعر].
مسعر بن كدام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الملك بن ميسرة].
عبد الملك بن ميسرة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن دينار].
عمرو بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
جابر رضي الله تعالى عنهما أحد الصحابة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[(قال: مسعر: فسألت عمرو بن دينار عنه فلم يعرفه)].
لأنه رواه عنه بواسطة وأراد أن يحصله بعلو، بحيث يسقط عبد الملك بن ميسرة فيكون الإسناد عالياً فلم يعرفه، ولعل ذلك لأنه قد نسيه.(454/18)
شرح سنن أبي داود [455]
من ثيابه صلى الله عليه وسلم التي كان يلبسها الحبرة، وهي لباس يؤتى من اليمن وهو مصنوع من الكتان أو القطن كان يتزين بها في المناسبات، كما أن من لباس البياض وقد حث عليه، كما كان يصبغ ثيابه بالصفرة حتى العمامة، ويلبس الأخضر صلى الله عليه وسلم، وكل هذه الأنواع من الثياب مما جاءت الشريعة بجوازها أو الحث على لبسها.(455/1)
لبس الحبرة(455/2)
شرح حديث أنس أن أحب اللباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحبرة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في لبس الحبرة.
حدثنا هدبة بن خالد الأزدي حدثنا همام عن قتادة قال: قلنا لـ أنس -يعني: ابن مالك رضي الله عنه-: (أي اللباس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أعجب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: الحبرة)].
[باب في لبس الحبرة] والحبرة: لباس يؤتى به من اليمن، وكان أحب اللباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهي: ثياب من كتان أو قطن محبرة، والتحبير التزيين، أي: مزخرفة أو مجمَّلة.(455/3)
تراجم رجال إسناد حديث أنس أن أحب اللباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحبرة
قوله: [حدثنا هدبة بن خالد الأزدي].
هدبة بن خالد ويقال له: هداب، وقيل: إن هدبة اسم وهداب لقب مأخوذ من الاسم، ومسلم رحمه الله يذكره بلقبه ويذكره باسمه، وأما البخاري فإنه لا يذكره إلا باسمه، وأبو داود ذكره هنا باسمه هدبة، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود.
[حدثنا همام].
همام بن يحيى العوذي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة قال: قلنا لـ أنس].
مر ذكرهما، وهذا إسناد رباعي من أعلى الأسانيد عن أبي داود.(455/4)
الأسئلة(455/5)
بيان القدر المباح للرجل من الحرير
السؤال
وضحوا لنا بارك الله فيكم مقدار الحرير المباح شرعاً للرجل، وما معنى: أربعة أصابع؟
الجواب
الجائز أن يكون حاشية في جانب الجيب أو في جانب الكم مقدار أربعة أصابع بحيث تكون متوالية، ولو زادت على أربع أصابع لا يجوز، ومقدار الأصبع الواحدة والاثنتان والثلاث إلى الأربع كل ذلك سائغ، والمقصود به أنه موشى الجوانب بهذا الحرير الذي هو حاشية مخيطة مع الثوب.(455/6)
حكم القتلى يوم أحد من جيش المسلمين
السؤال
رجل قتل يوم أحد يقال له: مخيريق، هل هو صحابي؟
الجواب
الذي قتل يوم أحد صحابي؛ لأن أولئك الذين ذهبوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم هم أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم.(455/7)
حكم من حج ولم يطف طواف الإفاضة حتى رجع إلى بلده ثم مات
السؤال
ما حكم الذي حج ثم مرض ولم يقدر على طواف الإفاضة حتى رجع إلى بلده ثم مات، هل يجب أن يحج عنه أم يطاف عنه ما بقي من حجه الأول وهو طواف الإفاضة؟
الجواب
قد أكمل الحج ولم يبق عليه إلا ركن -لا بد منه- ولكن التحلل الأول موجود، بمعنى أنه قد حل له كل شيء إلا النساء، فالذي يبدو أنه يمكن أن يطاف عنه.(455/8)
حكم اشتراط من يهدي هدية لشخص ألا يهدي تلك الهدية لأحد
السؤال
هل يجوز لإنسان أن يهدي لشخص هدية ويشترط عليه: ألا تهديها لغيرك؟
الجواب
ليس له أن يحجر عليه، وإنما يتمم إحسانه بأن يطلق له التصرف فيها، ويمكن أن يكون هذا سبباً في ردها.(455/9)
حكم لبس الحرير في الحرب
السؤال
ورد في بعض كتب الفقهاء أن الحرير يجوز أن يلبس في الحرب، فهل هذا عذر؟
الجواب
الرسول رخص فيه للحكة، وما رخص في الحرير أثناء الحرب والسفر مطلقاً.(455/10)
حكم الحرير إذا كان مقدار أربع أصابع في وسط الثوب
السؤال
إذا كان الحرير مقدار أربع أصابع في أثناء الثوب ووسطه لا في حواشيه، فهل هذا جائز؟
الجواب
يبدو أنه جائز، سواء كان في الحاشية أو في جانبه أو في ظهره ما دام أنه في حدود أربع أصابع.(455/11)
لبس البياض من الثياب(455/12)
شرح حديث (البسوا من ثيابكم البياض)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في البياض.
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم، وإن خير أكحالكم الإثمد، يجلو البصر وينبت الشعر)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في البياض] وذكر رحمه الله قبل هذا أبواباً تتعلق بأنواع اللباس، ككونه حريراً أو كونه صوفاً أو كون اللباس يكون قميصاً أو غيره، وهذه أبواب تتعلق بألوان اللباس، يعني: كونه أبيض أو أسود أو أحمر أو أصفر.
وبدأ بالبياض، وأورد فيه حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم، وخير أكحالكم الإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر) هذا الحديث يدل على تمييز اللباس الأبيض على غيره وأنه أولى من غيره، ولهذا بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خير اللباس وأنه يكفن فيه الأموات، وهو يدل على تمييزه على غيره، وعلى الإرشاد إلى استعماله، وإن كان غيره جائزاً إلا أن هذا الذي جاء يدل على الترغيب فيه وعلى أنه أولى من غيره.
قوله: [(وإن خير أكحالكم الإثمد).
وبين عليه الصلاة والسلام أنه يجلو البصر وينبت الشعر، يعني: يصفيه ويحسنه ويجعل الاستفادة منه حاصلة على ما ينبغي.
(وينبت الشعر) أي: الشعر الذي يكون متصلاً بالعينين فإذا طبقت العينان التقت تلك الأطراف التي هي أشفار العينين، ويقال لها: أهداب، أي: الشعر الذي يكون على تلك الأطراف التي هي غطاء العينين من تحت ومن فوق الجفن، فإنه ينبت الشعر يعني: يقوي ذلك الشعر.(455/13)
تراجم رجال إسناد حديث (البسوا من ثيابكم البياض)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس].
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير].
زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم].
عبد الله بن عثمان بن خثيم صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سعيد بن جبير].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(455/14)
حكم الوصية بجعل ثياب الإحرام كفناً وحكم الكحل للرجال
ويحمل الأمر في قوله: (البسوا) على الاستحباب.
ومن الناس من يوصي بأن يكفن في ثياب الإحرام فقط، وهذا لا أعرف له وجهاً؛ فهي أولاً إزار ورداء كما هو معلوم، والمشروع في الكفن ثلاثة تكون بيضاً، فما أعلم وجهاً بالوصية بهذا لأنه ليس هناك دليل يدل عليه.
أما الإثمد فهناك من يعد التكحل بالإثمد أو التكحل عموماً تشبهاً بالنساء، وفي الواقع ليس فيه تشبه، إذا كان المقصود منه غير التجمل الذي يحصل من النساء، ويباح إذا كان المقصود منه العلاج أو هذا الدواء الذي يكون فيه جلاء البصر وإنبات الشعر.(455/15)
غسل الثوب(455/16)
شرح حديث (أما كان هذا يجد ماءً يغسل به ثوبه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في غسل الثوب وفي الخلقان.
حدثنا النفيلي حدثنا مسكين عن الأوزاعي قال: ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة عن وكيع عن الأوزاعي نحوه عن حسان بن عطية عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلاً شعثاً قد تفرق شعره فقال: أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره؟! ورأي رجلاً آخر وعليه ثياب وسخة فقال: أما كان هذا يجد ماءً يغسل به ثوبه)].
أورد أبو داود باباً في غسل الثوب وفي الخلقان.
الخلقان: جمع خلق، وهو الثوب الوسخ، وقد سبق في بعض الأحاديث قوله: (أبلي وأخلقي) وفي بعض الروايات: (أبلي وأخلفي) يعني: من الخلف، أما (أخلقي) فأن يكون الثوب خلقاً، أي: بالياً من طول ما لبس ومن طول مدة استعماله، فالخلقان هو: جمع للثوب الخلق أي: الوسخ الذي بلي وتقادم عهده.
وأورد أبو داود غسل الثياب والخلقان، يعني أن الثوب الذي فيه وسخ يغسل حتى يكون نظيفاً بدلاً من أن يتراكم الوسخ عليه ويصير منظره سيئاً.
وقد أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليهم ورأى رجلاً شعثاً شعره، فقال: ألا يجد هذا ما يسكن شعره؟ يعني أنه يرجله بالمشط بحيث يكون متناسقاً.
وكذلك أيضاً رأى رجلاً ثيابه وسخة فقال: ألا يجد هذا ما يغسل به ثوبه؟ فهذا يدل على استحباب النظافة، وأن الثوب إذا اتسخ فإنه يغسل ولا تتراكم عليه الأوساخ فيكون المنظر سيئاً، ويترتب عليه أضرار على الجسد نفسه من كون الوسخ فيه ويتصل بالجسد، وقد تترتب على ذلك مضرة على الإنسان، وقد جاء في الحديث: (إن الله جميل يحب الجمال) وهو حديث رواه مسلم في صحيحه، وجاء حديث آخر بمعناه: (إن الله نظيف يحب النظافة) ولكن هذا ضعيف أخرجه الترمذي في جامعه.
وحديث: (النظافة نصف الإيمان) و (النظافة من الإيمان) هذا حديثان لا أعرف عنهما شيئاً.
أما كيف نجمع بين حديث النظافة وحديث (البذاذة من الإيمان) فالبذاذة لا تتنافى مع النظافة؛ لأنه قد يكون في البذاذة شيء لا يصلح ولا يليق، وفيه تساهل شديد، ومعلوم أن اللباس يتفاوت ففيه ما يكون حسن المنظر والجودة وفيه ما يكون دون ذلك، فليس المقصود بالبذاذة أن يلبس الإنسان ثياباً وسخة، ولكن ثياب ليست ذات قيمة لكنها نظيفة.(455/17)
تراجم رجال إسناد حديث (أما كان هذا يجد ماءً يغسل به ثوبه)
قوله: [حدثنا النفيلي].
النفيلي عبد الله بن محمد بن نفيل النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا مسكين].
مسكين بن بكير، صدوق يخطئ أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[عن الأوزاعي].
هو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي فقيه الشام ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[قال: ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة].
[ح] هي للتحول من إسناد إلى إسناد.
وعثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[عن وكيع].
وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأوزاعي نحوه عن حسان بن عطية].
[عن الأوزاعي نحوه] يعني: نحو الطريق الأولى، يعني: كلها تنتهي للأوزاعي والسياق إنما هو للطريق الأولى، والطريق الثانية قال عنها: إنها نحوه.
وحسان بن عطية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن المنكدر].
محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله].
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما الصحابي الجليل، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(455/18)
شرح حديث (فإذا آتاك الله مالاً فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب دون فقال: ألك مال؟ قال: نعم.
قال: من أي المال؟ قال: قد آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق.
قال: فإذا آتاك الله مالاً فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته)].
أورد أبو داود حديث والد أبي الأحوص وهو مالك بن نضلة رضي الله عنه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثياب دون، يعني أنها رديئة، فقال له: ألك مال؟ فقلت: نعم.
قال: من أي المال؟ قال: من كل أنواع المال من الإبل والغنم والخيل والرقيق، قال: فإذا آتاك الله مالاً فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته.
(وكرامته) يعني: وإكرامه، وذلك بأن يلبس الإنسان لباساً طيباً، لكن لا يكون فيه مغالاة، ولا يكون فيه إسراف، وإنما يكون وسطاً وخياراً، لا يكون رديئاً ولا يكون غالياً بحيث قد يؤدي إلى الكبر والترفع والتعالي على الناس كما مر في ثوب الشهرة.(455/19)
تراجم رجال إسناد حديث (إذا آتاك الله مالاً فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته)
قوله: [حدثنا النفيلي حدثنا زهير].
النفيلي مر ذكره، وزهير مر ذكره.
[حدثنا أبو إسحاق].
هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وزهير بن معاوية يقول عنه الحافظ: [ثقة إلا أن سماعه من أبي إسحاق بأخرة] وهو الآن يروي عن أبي إسحاق.
[عن أبي الأحوص].
أبو الأحوص هو عوف بن مالك بن نضلة، ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
هو مالك بن نضلة صحابي أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد وأصحاب السنن.(455/20)
المصبوغ بالصفرة(455/21)
شرح حديث (كان يصبغ ثيابه بالصفرة حتى عمامته)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المصبوغ بالصفرة.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا عبد العزيز يعني: ابن محمد عن زيد يعني: ابن أسلم: (أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تمتلئ ثيابه من الصفرة فقيل له: لم تصبغ بالصفرة؟ فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها ولم يكن شيء أحب إليه منها وقد كان يصبغ ثيابه كلها حتى عمامته)].
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تمتلئ ثيابه من الصفرة، يعني: بحيث يؤثر هذا الذي في لحيته على ثيابه فيكون فيها ذلك الصبغ الأصفر.
وسئل عن ذلك فقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها، ولم يكن شيء أحب إليه منها.
يعني: من هذا اللون، ولكن كما مر بنا أن البياض من أحب الثياب، وأنها من خير الثياب، فيكون هذا محموداً وهذا محموداً؛ ولكن البياض جاء ما يدل على الترغيب فيه من ناحية الأمر بلبسه والإرشاد إلى لبسه.
[(قيل له: لم تصبغ بالصفرة؟ قال: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يصبغ بها)] ووردت أحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يغير الشيب.
قيل: إن هذا شيء من الطيب، وإنه كان يحب الطيب، وكان من كثرته يغير لون شعراته، وشعراته التي فيها الشيب كانت قليلة، لكن الكلام الذي أشار إليه كأنه يتعلق باللباس حتى العمامة.
وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبغ؛ لأنه لما قيل له: (لم تصبغ؟ قال: إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصبغ بها ولم يكن شيء أحب إليه منها).
أي: الصفرة.
[(وقد كان يصبغ ثيابه كلها حتى عمامته) هل يعود على النبي صلى الله عليه وسلم أو يعود على ابن عمر؟! محتمل هذا وهذا.
قال المنذري: اختلف الناس في ذلك: فقال بعضهم: أراد الخضاب للحيته بالصفرة.
وقال آخرون: أراد كان يصفر ثيابه ويلبس ثياباً صفراً.
انتهى.
قال الشوكاني في النيل: ويؤيد القول الثاني تلك الزيادة التي أخرجها أبو داود والنسائي.
انتهى.
والزيادة التي أشار إليها هي قوله: (وقد كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى عمامته) وهذه الزيادة في رواية الشيخين.
وقال في فتح الودود: الظاهر أن المراد يصبغ بها الشعر، وأما الثياب فذكر صبغها فيما بعد، ولعله كان يصبغ بالورس فقد جاء ذلك، وجاء (أنه لبس ملحفة ورسية) رواه ابن سعد فلا ينافي نهي التزعفر.
أقول: محتمل، ولا يزال الاحتمال قائماً.
قوله: ولم يكن شيء أحب إليه -أي: إلى النبي صلى الله عليه وسلم- منها -أي: من الصفرة- وقد كان) قال ملا علي القاري في المرقاة: أي: ابن عمر، فأرجع الضمير إلى ابن عمر والصواب: أن الضمير يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.(455/22)
تراجم رجال إسناد حديث (كان يصبغ ثيابه بالصفرة حتى عمامته
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي].
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا عبد العزيز يعني: ابن محمد].
هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي، صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد يعني: ابن أسلم].
زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(455/23)
الأخضر من الثياب(455/24)
شرح حديث أبي رمثة أنه رأى على النبي صلى الله عليه وسلم بردين أخضرين
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الخضرة.
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا عبيد الله يعني: ابن إياد حدثنا إياد عن أبي رمثة رضي الله عنه أنه قال: (انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت عليه بردين أخضرين)].
أورد أبو داود باباً في الخضرة، يعني: اللون الأخضر أو اللباس الذي لونه أخضر، وقد أورد حديث أبي رمثة رضي الله عنه قال: (انطلقت أنا وأبي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فرأيت عليه ثويين أخضرين) فهذا يدل على لبسه للثياب الخضر، وجاء في القرآن وصف ثياب أهل الجنة بأنها خضر.(455/25)
تراجم رجال إسناد حديث أبي رمثة أنه رأى على النبي صلى الله عليه وسلم بردين أخضرين
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس].
أحمد بن يونس مر ذكره.
[حدثنا عبيد الله يعني: ابن إياد].
عبيد الله بن إياد صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا إياد].
إياد هو والد عبيد الله، ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن أبي رمثة].
أبو رمثة صحابي أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.(455/26)
شرح سنن أبي داود [456]
للثياب أحكام وأسرار، كما أن له ضوابط وموانع، سواء ما يختص بالمرأة أو الرجل، فالمرأة لها خصوصيات في الثياب تنفرد على الرجل ولا يجوز لها أن تنازعه أو تشابهه في ثيابه، كما أن الرجل له أنواع من الثياب يجوز له لبسها ولا يجوز له تناول ما لا يحل له، سواء ما كان فيه تشبه بالنساء أو قصد التشبه بالكفار أو جاء النص على تخصيص تحريم هذا النوع من الثياب في حقه.(456/1)
الأحمر من الثياب(456/2)
شرح حديث (ألا كسوتها بعض أهلك فإنه لا بأس بها للنساء) في ريطة مضرجة بالعصفر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الحمرة.
حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا هشام بن الغاز عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: (هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية فالتفت إلي وعلي ريطة مضرجة بالعصفر فقال: ما هذه الريطة عليك؟! فعرفت ما كره، فأتيت أهلي وهم يسجرون تنوراً لهم فقذفتها فيه ثم أتيته من الغد فقال: يا عبد الله! ما فعلت الريطة؟ فأخبرته.
فقال: ألا كسوتها بعض أهلك؟ فإنه لا بأس به للنساء)].
أورد أبو داود باباً في الحمرة، أي: اللباس الذي لونه أحمر، وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فهبطنا في ثنية، والثنية طريق بين جبلين، فالتفت إلي ورأى علي ريطة مضرجة بالعصفر.
يعني: ملطخة بالعصفر، أي: أنها معصفرة، وقد جاء في بعض الأحاديث النهي عن استعمال المعصفر، وهنا أورد هذا في باب الحمرة، والعصفر لونه أصفر، وفيه من الحمرة، ولعله يكون معه شيء آخر أو أن المحظور هو كونه معصفراً وإن لم يكن معه حمرة؛ لكن الإشكال في كونه أورده في باب الحمرة، فهو إما أن يكون على اعتبار أن فيه شيئاً من الحمرة أو أنه مع كونه معصفراً فيه شيء يعطيه لوناً أحمر، والمعصفر هو في حد ذاته قد جاءت الأحاديث بالنهي عنه، ومنها هذا الحديث.
[قال: (هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية فالتفت إلي وعلي ريطة مضرجة بالعصفر)].
الريطة: ملاءة ليست بلفقتين، وهي: مثل العباءة.
وهذا الحديث يدل على أن المعصفر في حق النساء سائغ وأنه لا بأس به، وإنما المنع في حق الرجال، وعبد الله بن عمرو رضي الله عنه لما رأى من النبي صلى الله عليه وسلم الكراهية لذلك لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يصنع بها، ولكنه عمد فوجد أهله يسجرون تنوراً -يعني: أنهم يوقدونه للخبز فيه- فرماها فيه، يعني: فأحرقها في هذا التنور، فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم: ماذا فعلت الريطة؟ فقال إنه فعل بها كذا وكذا، قال: ألا أعطيتها بعض أهلك؛ فإنه لا بأس بها للنساء! فدل هذا على أن من اللباس ما يصلح للنساء ولا يصلح للرجال، وأن الإنسان إذا وصل إليه شيء لا يصلح له فإنه يعطيه لمن يصلح له كالنساء مثلاً، ومن ذلك الحرير والمعصفر كما جاء في هذا الحديث.(456/3)
تراجم رجال إسناد حديث (ألا كسوتها بعض أهلك فإنه لا بأس بها للنساء) في ريطة مضرجة بالعصفر
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عيسى بن يونس].
عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام بن الغاز].
هشام بن الغاز ثقة أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن عمرو بن شعيب].
عمرو بن شعيب هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، صدوق أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
هو شعيب بن محمد، وهو كذلك صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن جده].
جده عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو جد شعيب وجد عمرو.
وقد سمع شعيب من عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو متصل، ومعروف عند العلماء أن الإسناد إذا كان مستقيماً إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فإنه يكون من قبيل الحسن؛ لأن عمراً صدوق، وشعيباً صدوق وحديثهما من قبيل الحسن، والحديث حسن إذا كان إسناده إليهما صحيحاً ومستقيماً.
وعبد الله بن عمرو بن العاص أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.(456/4)
الفرق بين المصبوغ بالعصفر والذي لونه أصفر
المعصفر هو المصبوغ بالعصفر، وهو نبات معروف، وهو أصفر؛ لكن فيه شيء من الحمرة.
ولا يوجد تعارض بين النهي عن المعصفر وأن ابن عمر كان يحب الثياب المصبوغة بالأصفر؛ لأن الأصفر غير المعصفر؛ فالأصفر في حديث ابن عمر هو المصبوغ بغير العصفر وإن كان اللون مقارباً، لكن ليس الكلام في اللون، وإنما الذي يبدو أنه كان من فعل الأعاجم أو نحو ذلك، فليست القضية قضية صفرة.
وليس اللون الأصفر ممنوعاً على الرجال، وإنما المنع من المصبوغ بالعصفر، وقالوا: سواء كان صبغها بعد نسجها أو وهي خيوط قبل أن تنسج ثم تحاك، إذ ذلك من فعل العجم.(456/5)
شرح قول هشام بن الغاز في معنى كلمة (مضرجة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي حدثنا الوليد قال: قال هشام يعني: ابن الغاز: المضرجة: التي ليست بمشبعة ولا الموردة].
هذا أثر مقطوع ينتهي إلى هشام بن الغاز في تفسير المضرجة.
ومعنى مشبعة: وافرة، أي: ما يكون صبغه وافراً تاماً، والمورد: ما صبغ على لون الورد.
والمعنى أن المضرجة هي التي ليس صبغها مشبعاً ولا مورداً، بل دون المشبع وفوق المورد.(456/6)
تراجم رجال إسناد قول هشام بن الغاز في معنى كلمة (مضرجة)
قوله: [حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي].
عمرو بن عثمان الحمصي صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا الوليد].
الوليد بن مسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: قال هشام بن الغاز].
هشام بن الغاز مر ذكره.(456/7)
شرح حديث (أفلا كسوته بعض أهلك؟!) من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي حدثنا إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن شفعة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: (رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو علي اللؤلؤي: أراه وعلي ثوب مصبوغ بعصفر مورد.
فقال: ما هذا؟ فانطلقت فأحرقته.
فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: ما صنعت بثوبك؟ فقلت: أحرقته.
قال: أفلا كسوته بعض أهلك؟)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما من طريق أخرى، وفيه أنه قال: (رآني الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال أبو علي اللؤلؤي: أراه وعلي ثوب مصبوغ بعصفر مورد)].
مورد معناه أنه خفيف كما أشار في الشرح الذي قال: إنه دون المشبع وفوق المورد، يعني: كأنه خفيف.
[(فقال: ما هذا؟ فانطلقت فأحرقته.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما صنعت بثوبك؟ فقلت: أحرقته.
قال: أفلا كسوته بعض أهلك؟)].
هذا مثل الذي قبله، وهذا الإسناد فيه ضعف؛ ولكن الذي قبله بمعناه.
وهذا ليس لبس رجال، ما دام أنه محرم على الرجال، وليست القضية قضية اللون، وليس معناه أن النساء لابد أن يكون لهن الألوان الخاصة، والرجال لهم الألوان الخاصة، وإنما الشيء الذي يعرف أنه من خصائص النساء يكون للنساء من الألبسة بمختلف الألوان، والذي من خصائص الرجال فهو من خصائص الرجال بمختلف الألوان، وإلا فإن النساء تلبس الألوان المختلفة، والرجال يلبسون الألوان المختلفة، والصفرة يلبسها الرجال؛ ولكنها من غير المعصفر، والمعصفر يجوز للنساء ولا يجوز للرجال.(456/8)
تراجم رجال إسناد حديث (أفلا كسوته بعض أهلك؟!) من طريق ثانية
قوله: [حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي].
محمد بن عثمان الدمشقي هو: أبو الجماهر، ثقة أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[حدثنا إسماعيل بن عياش].
إسماعيل بن عياش صدوق في الرواية عن الشاميين، مخلط في غيرهم، وحديثه أخرجه البخاري في رفع اليدين وأصحاب السنن.
[عن شرحبيل بن مسلم].
شرحبيل بن مسلم وهو صدوق فيه لين، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن شفعة].
شفعة مقبول أخرج له أبو داود.
[عن عبد الله بن عمرو].
عبد الله بن عمرو مر ذكره.
[قال أبو داود: رواه ثور عن خالد فقال: مورد.
وطاوس قال: معصفر].
جاء في المتن السابق بالطريق الأولى مصرحاً بأنه مصبوغ بالعصفر.
وثور بن يزيد الحمصي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
وخالد هو ابن معدان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وطاوس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.(456/9)
شرح حديث (مر على النبي رجل وعليه ثوبان أحمران فسلم عليه فلم يرد عليه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن حزابة حدثنا إسحاق يعني: ابن منصور حدثنا إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: (مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل عليه ثوبان أحمران، فسلم عليه فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه رجل عليه ثوبان أحمران فسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه) لأنه كان لابساً للأحمر، ولبس الأحمر لا يجوز للرجال، وقد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على لبسه.
وقد جمع بينهما بأن المنع فيما إذا كان خالصاً، والجواز فيما إذا كان غير خالص بحيث يكون معه ألوان أخرى.
والحديث يدل على عدم رد السلام على من يكون فاعلاً أمراً لا يسوغ؛ لكن الحديث غير صحيح؛ لأن في إسناده من هو متكلم فيه.(456/10)
تراجم رجال إسناد حديث (مر على النبي رجل وعليه ثوبان أحمران فسلم عليه فلم يرد عليه)
قوله: [حدثنا محمد بن حزابة].
محمد بن حزابة صدوق أخرج له أبو داود.
[حدثنا إسحاق يعني: ابن منصور].
إسحاق بن منصور صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إسرائيل].
إسرائيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي يحيى].
أبو يحيى هو القتات لين الحديث، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن مجاهد].
مجاهد بن جبر المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمرو].
عبد الله بن عمرو مر ذكره.(456/11)
حكم الأحمر من الثياب كالشماغ وغيره
كثرت الأسئلة عن الشماغ الأحمر -مع أن الشماغ فيه أحمر وأبيض- وكذلك الملبوسات الرياضية كالفانيلة الحمراء، والتساؤل هو عن حكمها وجوازها! وفي الحقيقة أن الأحمر الخالص قد جاء ما يدل على منعه، وفيما أبيح غنى عما منع منه.
وهذا خاص بالرجال، أما النساء فالحكم مختلف بالنسبة لهن.(456/12)
شرح حديث (ألا أرى هذه الحمرة قد علتكم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا أبو أسامة عن الوليد يعني: ابن كثير عن محمد بن عمرو بن عطاء عن رجل من بني حارثة عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رواحلنا وعلى إبلنا أكسية فيها خيوط عهن حمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أرى هذه الحمرة قد علتكم؟ فقمنا سراعاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نفر بعض إبلنا، فأخذنا الأكسية فنزعناها عنها)].
أورد أبو داود حديث رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر وعلى رواحلنا أكسية فيها خطوط حمر، فقال عليه السلام: ألا أرى الحمرة قد علتكم).
فقاموا مسارعين لما سمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نفرت بعض الإبل من إسراعهم، يعني: حصل فيها جفال ونفور بسبب ما حصل منهم من السرعة، (فنزعوها)، أي: لم يستعملوها، ولكن الحديث فيه رجل مبهم، وهو الذي يروي عن رافع بن خديج رضي الله عنه، فالحديث غير ثابت.(456/13)
تراجم رجال إسناد حديث (ألا أرى هذه الحمرة قد علتكم)
قوله: [حدثنا محمد بن العلاء].
محمد بن العلاء بن كريب الهمداني أبو كريب الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا أبو أسامة].
أبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي القرشي مولاهم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الوليد يعني: ابن كثير].
الوليد بن كثير صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عمرو بن عطاء].
محمد بن عمرو بن عطاء ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن رجل من بني حارثة عن رافع بن خديج].
الرجل مبهم ورافع بن خديج صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.(456/14)
حكم الملبوسات والمقتنيات ذات اللون الأحمر الخالص للرجال
إذا كان للشخص لباس رجالي أحمر اللون خالصاً فلا يتلفه، بل يعطيه للنساء، أقول: الذي لا يصلح للرجال وليس من لبس الرجال وهو من لبس النساء يصلح للنساء.
وإذا كان تفصيله رجالياً؛ لكن اللون لون نسائي فيمكن أن يعدل التفصيل حتى لا يكون على هيئة لبس الرجال.
ولا يدخل في النهي اقتناء الأشياء الحمراء كالسيارة مثلاً، والذي يظهر أنه مقصور على اللبس، وليس على السيارات.(456/15)
شرح حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيت إحدى نسائه صبغاً أحمر فلم يدخل حتى وارته
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن عوف الطائي حدثنا محمد بن إسماعيل حدثني أبي قال ابن عوف الطائي: وقرأت في أصل إسماعيل حدثني ضمضم يعني: ابن زرعة عن شريح بن عبيد عن حبيب بن عبيد عن حريث بن الأبج السليحي أن امرأة من بني أسد قالت: (كنت يوماً عند زينب رضي الله عنها امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصبغ ثياباً لها بمغرة، فبينا نحن كذلك إذ طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى المغرة رجع، فلما رأت ذلك زينب علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كره ما فعلت، فأخذت فغسلت ثيابها ووارت كل حمرة، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع فاطلع فلما لم ير شيئاً فدخل)].
أورد أبو داود حديث امرأة من بني أسد قالت: (كنت يوماً عند زينب ونحن نصبغ ثياباً لها بمغرة).
بمغرة قيل: إنها طين أحمر أو مدر أحمر، يعني: لونه أحمر يغير لون الثياب.
[(فبينا نحن كذلك إذ طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأي المغرة رجع، فلما رأت ذلك زينب علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كره ما فعلت، فأخذت فغسلت ثيابها ووارت كل حمرة)].
وهذا يدل على أن مثل ذلك للنساء غير سائغ؛ لكن الحديث ضعيف؛ لأن الذي يروي عن هذه المرأة واسمه حريث بن الأبج السليحي مجهول.
[(ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع فاطلع فلما لم ير شيئاً فدخل)].(456/16)
تراجم رجال إسناد حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيت إحدى نسائه صبغاً أحمر فلم يدخل حتى وارته
قوله: [حدثنا ابن عوف الطائي].
ابن عوف الطائي هو محمد بن عوف، ثقة أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي.
[حدثنا محمد بن إسماعيل].
محمد بن إسماعيل بن عياش عابوا عليه أنه حدث عن أبيه بغير سماع، أخرج له أبو داود.
[حدثني أبي].
هو إسماعيل بن عياش مر ذكره.
[وقال ابن عوف الطائي: وقرأت في أصل إسماعيل].
الذي هو والد محمد بن إسماعيل.
[حدثني ضمضم يعني: ابن زرعة].
ضمضم بن زرعة صدوق يهم، أخرج له أبو داود وابن ماجة في التفسير.
[عن شريح بن عبيد].
شريح بن عبيد ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن حبيب بن عبيد].
ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن حريث بن الأبج].
وهو مجهول أخرج له أبو داود.
[عن امرأة من بني أسد].
قال الحافظ: [لم أعرف اسمها، وهي صحابية لها حديث، أخرج لها أبو داود].
والصحابي جهالته -كما هو معلوم- لا تؤثر، وإنما التي تؤثر جهالة غير الصحابي.(456/17)
الرخصة في الأحمر من الثياب(456/18)
شرح حديث البراء أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرخصة في ذلك.
حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم له شعر يبلغ شحمة أذنيه ورأيته في حلة حمراء لم أر شيئاً قط أحسن منه)].
أورد أبو داود [باباً في الرخصة في ذلك، يعني: في لبس الأحمر.
وقد أورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما أنه قال: [(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم له شعر يبلغ شحمة أذنيه لم أر شيئاً قط أحسن منه)].
(لم أر شيئاً قط أحسن منه) صلى الله عليه وسلم في لباسه، وقد قيل في التوفيق بين هذا وبين ما تقدم: إن ما جاء من النهي عن الحمرة في حق الرجال المقصود به ما كان خالصاً، فالخالص هو الذي لا يسوغ وغير الخالص هو الذي يسوغ.(456/19)
تراجم رجال حديث البراء أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء
قوله: [حدثنا حفص بن عمر النمري].
ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
أبو إسحاق السبيعي مر ذكره.
[عن البراء].
البراء بن عازب رضي الله عنهما، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا من الأسانيد العالية عند أبي داود.(456/20)
شرح حديث عامر بن عمرو المزني أنه رأى على النبي صلى الله عليه وسلم برداً أحمر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن هلال بن عامر عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يخطب على بغلة وعليه برد أحمر وعلي رضي الله عنه أمامه يعبر عنه)].
أورد أبو داود حديث عامر بن عمرو المزني: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه في منى وهو يخطب على بعير وعليه برد أحمر) وهذا مثل الذي قبله في أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس الأحمر، والتوفيق هو ما أشرت إليه آنفاً.
[وعلي رضي الله عنه أمامه يُعبّر عنه].
أي: يبلغ عنه إذا كان الناس بعيدين، مثلما جاء في قصة وفد عبد القيس الذي فيه أن أبا جمرة قال: (كنت أترجم بين يدي ابن عباس وبين الناس) أي: أنه كان يبلغ عنه في مجلس العلم والتحديث.(456/21)
تراجم رجال إسناد حديث عامر بن عمرو المزني أنه رأى على النبي صلى الله عليه وسلم برداً أحمر
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد مر ذكره.
[حدثنا أبو معاوية].
أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هلال بن عامر].
هلال بن عامر ثقة أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن أبيه].
هو عامر بن عمرو المزني، صحابي أخرج له أبو داود.
وهذا رباعي أيضاً، فهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود.(456/22)
الحكم على أحاديث النهي عن لبس الأحمر
الأحاديث التي جاءت في النهي عن لبس الأحمر في بعضها ضعف، وقلنا بالتحريم استناداً على ما صح منها كحديث عبد الله بن عمرو الذي فيه أنه سجر التنور بريطته المضرجة بالعصفر.
وقد ذكر صاحب عون المعبود جملة من الأحاديث في هذا.(456/23)
حكم إطالة الشعر إلى شحمة الأذنين
نرى بعض الناس يطيل شعره إلى شحمة أذنيه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يعتبر سائغاً لمن فعله؛ لكنه إذا فعله من فيه ريبة، أو من يكون فيه فتنة، فإنه لا ينبغي له ذلك.
والأمر في قص الشعر وتوفيره واسع.(456/24)
لبس الأسود من الثياب(456/25)
شرح حديث عائشة (صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بردة سوداء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في السواد.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن قتادة عن مطرف عن عائشة رضي الله عنها قالت: (صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بردة سوداء فلبسها فلما عرق فيها وجد ريح الصوف فقذفها.
قال: وأحسبه قال: وكان تعجبه الريح الطيبة)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها صنعت بردة لرسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء، فلبسها ولما عرق وجد فيها ريح الصوف فتركها، وكان عليه الصلاة والسلام تعجبه الريح الطيبة، ويكره الريح غير الطيبة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
والمقصود من ذلك أنه لبس الأسود؛ ولكنه تركه من أجل الريح التي ظهرت بسبب العرق، ولعله كان من شعر الضأن، وقد مر بنا قريباً الحديث الذي فيه (أنهم كانوا يلبسون الصوف، وأنه إذا جاء المطر وأصابها البلل كأن بنا رائحة الضأن) لأنه صوف الضأن.(456/26)
تراجم رجال إسناد حديث عائشة (صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بردة سوداء)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير].
محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن همام].
همام بن يحيى العوذي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مطرف].
مطرف بن عبد الله بن الشخير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.(456/27)
أهداب الثوب(456/28)
شرح حديث (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو محتب بشملة وقد وقع هدبها على قدميه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الهدب.
حدثنا عبيد الله بن محمد القرشي حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا يونس بن عبيد عن عبيدة أبي خداش عن أبي تميمة الهجيمي عن جابر يعني: ابن سليم رضي الله عنه أنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو محتب بشملة، وقد وقع هدبها على قدميه)].
أورد أبو داود باباً في الهدب.
والهدب هو ما يكون في بعض الألبسة حيث تكون أطرافه مهدبة بحيث تكون كل مجموعة من الخيوط التي نسجت منها مع بعضها، فهذا هو المقصود به، والأصل هو جوازه وعدم المنع منه، وقد ورد فيه هذا الحديث الذي أورده أبو داود وفيه ضعف، ولكن هذا معروف في اللباس وقد جاء في قصة المرأة التي كانت عند رفاعة القرظي، ثم كانت عند عبد الرحمن بن الزبير قالت: (إنما معه مثل هدبة الثوب) فالثياب يكون فيها المهدب وغير المهدب.
والحديث هنا أورده أبو داود حديث جابر بن سليم من أجل أنه كان محتبياً وأن الهدب على قدميه صلى الله عليه وسلم، الذي هو في أسفل الثوب المهدب.
[(أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو محتب بشملة)].
الاحتباء أن يجلس على مقعدته وينصب ساقيه، ثم يلف عليه تلك الشملة فيكون مثل المستند على شيء.
والاحتباء الذي سبق أن مر وذُكر منعه هو الاحتباء في الثوب الواحد وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنه؛ وذلك لأنه يكون فرجه ليس عليه ساتر من أعلى، ويمكن أن يرى من فوق، أما إذا كان عليه لباس آخر، ثم احتبى بشيء، فهذا لا مانع منه، وإنما المنع من الاحتباء الذي يكون فرجه بادياً من فوق.(456/29)
تراجم رجال إسناد حديث (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو محتب بشملة وقد وقع هدبها على قدميه)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن محمد القرشي].
عبيد الله بن محمد القرشي ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا حماد بن سلمة].
حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[أخبرنا يونس بن عبيد].
يونس بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيدة أبي خداش].
عبيدة أبو خداش مجهول أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن أبي تميمة الهجيمي] أبو تميمة الهجيمي طريف بن مجالد ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن جابر يعني: ابن سليم].
جابر بن سليم رضي الله عنه صحابي أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.(456/30)
الأسئلة(456/31)
حكم صبغ المرأة شعرها بغير الحناء
السؤال
ما حكم صبغ شعر النساء بغير الحناء، علماً بأنه توجد في الأسواق صبغة للشعر بجميع الألوان؟
الجواب
الشعر الأبيض للرجال والنساء يغير بغير السواد.
أما لو كانت شابة وشعرها أسود؛ لكن تريد أن تغير لونه فهذا الصبغ إذا كان يغطي الشعر ويكون مغلفاً له فإنه لا يجوز؛ لأنه يمنع من أن تمسح على الشعر في الوضوء وإنما تمسح على ذلك الغطاء الذي غطاه.
بمعنى آخر: إذا كان هذا الصبغ مثل (البويه) التي تكون مغطية للشعر أو مغطية للجسد فمثل ذلك لا يجوز بلا إشكال، وأما غير ذلك فإن الشعر الأسود كما هو معلوم هو أحسن الشعر وأجمل الشعر، والذين شعورهم بين الصفرة والحمرة فهذا شعر الأوروبيين، واللون الأسود هو الجميل في حق النساء، وتغييره إلى اللون الأشقر أو الذي هو قريب من الصفرة إن كان تشبهاً بالأوروبيات اللاتي هذا شكل شعورهن فلا شك أن هذا محرم، وإن كان لغير ذلك فهو خلاف الأولى بلا شك؛ لأن الشعر الأسود هو أحسن الشعور بالنسبة للنساء.(456/32)
حكم لبس العدسات الملونة
السؤال
ما حكم العدسات الملونة تتخذها المرأة للزينة؟!
الجواب
إذا لم تكن طبية وليست من أجل الاستفادة فإن ذلك لا ينبغي، لا سيما وأنه قد يترتب على إلصاق العدسات بالعيون شيء من التأثير على العين، أما إذا كان لحاجة كأن يكون النظر ضعيفاً وهي تقوم مقام النظارة، فهذا لا بأس به؛ لكن كونها تصير على أشكال أخرى إما أشكال أعين الكفار أو ما إلى ذلك؛ إذا كان هذا هو المقصود فإن ذلك لا يجوز، وإذا كان لغير ذلك فلا شك أنه خلاف الأولى.
وإذا كانت تتزين بها، كل عدسة على حسب الفستان الذي تلبسه، فأقول: بئست الزينة!(456/33)
حكم الاجتماع للعزاء ثلاثة أيام
السؤال
ما حكم الاجتماع عند أهل الميت وتحديد العزاء بثلاثة أيام وصنع الطعام وغير ذلك؟
الجواب
لا نعلم شيئاً يدل على تحديد التعزية بثلاثة أيام، وأنه لا يعزى إلا في حدود ثلاثة أيام، بل يعزى ما دام العهد قريباً، ولو زاد على ثلاثة أيام، ولو وصل إلى أسبوع أو زاد على ذلك ما دام أن السلوان ما حصل، وما دام أن المصيبة والتأثر موجود.
أما عندما يحصل طول العهد والمصيبة قد خفت عن النفس فلا حاجة للتعزية، ولكن يدعى للميت ولا يقال: أحسن الله عزاءكم؛ لأن العزاء قد حصل، والسلوان قد وجد بطول المكث وبمضي المدة.
وأما صنع الطعام من أهل الميت فهذا لا يجوز، وإنما أهل الميت جاءهم ما يشغلهم، فالأصل أن يصنع لهم طعام ليأكلوه لأنهم مشغولون عن الطبخ ومشغولون عن القيام بهذا، فهذا هو الذي جاءت به السنة كما جاء في قصة جعفر قال: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنهم جاءهم ما يشغلهم) أما كونهم يصنعون الطعام، ويتكلفون، ويتجمع الناس من أجل الطعام كما يحصل في بعض البلاد من عمل سرادقات يتجمع فيها الناس للأكل فتكون مناسبة لمن يريد الأكل وتحصيله في هذه المناسبات، فهذا غير سائغ.(456/34)
حكم من يقبض راتب يوم غاب فيه لوفاة قريب له
السؤال
غبت عن عملي في يوم توفي فيه أحد أقاربي، فهل يجوز لي قبض راتب ذلك اليوم؟
الجواب
يبدو أنه جائز، وأنه لا بأس بذلك؛ لأن التأثر لمثل هذا الحاديث شيء جُبِلَ عليه الناس؛ ولكن إن حضر فلا بأس وإن غاب فهو معذور.(456/35)
حكم من يطلب شراء كفن من مكة أو المدينة
السؤال
يوصي كثير من الناس لمن يقدم على مكة أو المدينة أن يشتري له كفناً، فما حكم ذلك؟
الجواب
لا أعلم لهذا أساساً.(456/36)
حكم حلق اللحية تجملاً لحديث (إن الله جميل يحب الجمال)
السؤال
بعض الناس يستدلون بقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله جميل يحب الجمال) على جواز حلق اللحية، ويقولون: إن حالق اللحية أجمل من الذي يعفيها؟
الجواب
الجمال النسوي للنساء، فإذا كان بهذا الاعتبار فنعم! والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال) وأجمل وجه وجه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكان ذا لحية كثة، ذقن وعارضان صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكان أصحابه يصلون وراءه فيستدلون على قراءته في الصلاة السرية باضطراب لحيته، أي: بحركتها في القراءة من الجوانب، فهذا هو جمال الرجال، وأما عدم الشعر فهذا الجمال النسوي للنساء.(456/37)
تحريك الإصبع في التشهد
السؤال
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرك الإصبع عند لفظ الجلالة أو الدعاء؛ لكن رأيت الكثير من الناس يحركها من بداية التشهد إلى النهاية، فهل هناك رواية أخرى تدل على ذلك؟
الجواب
لا أعلم شيئاً يدل على أن الإنسان يحركها باستمرار، وإنما يحركها ويدعو بها، أي: عندما يأتي الدعاء: اللهم اللهم يحركها.(456/38)
حكم لبس الأخضر من الثياب والقول بأنها ثياب أهل الجنة
السؤال
هل هناك حديث في استحباب لبس الأخضر من الثياب، وأنه لباس أهل الجنة كما يفعله الصوفية؟
الجواب
مسألة الاستحباب لا نعلم شيئاً يدل على استحبابه؛ والأمر -للاستحباب- جاء في البياض.
وقد اشتهر عن بعض أهل البدع في بعض البلاد لبس ثياب بلون معين كالأخضر مثلاً، فإذا كان هذا شعاراً لأهل البدع، فالمناسب عدم لبس هذا الشعار.(456/39)
حكم لبس النساء للأبيض من الثياب
السؤال
هل يجوز لبس البياض للنساء أم هو خاص للرجال؟
الجواب
يجوز، ولكن يلبس الثياب التي تناسبهن.(456/40)
حكم لبس البنطال
السؤال
جاء في صحيح مسلم: (أن عبد الله بن عمرو دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب معصفر فقال له صلى الله عليه وسلم: لا تلبسها فإنها من ثياب الكفار) قال: فهل لبس البنطلون على هذا يكون من ثياب الكفار، ويعتبر حراماً؟
الجواب
معلوم أن من لباس الكفار البنطلون، والإنسان لا ينبغي له أن يستعمله، ولكن إذا احتاج إلى استعماله فليجعله على وجه يخالف الكفار بأن يكون واسعاً، ولا يكون ضيقاً يصف الجسم.(456/41)
قول محمد بن إسماعيل بن عياش حدثني أبي مع أنه عيب عليه التحديث عن أبيه من غير سماع
السؤال
كيف نجمع بين ما عيب على محمد بن إسماعيل بن عياش عدم سماعه من أبيه وبين تصريحه بالتحديث في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيت إحدى نسائه صبغاً أحمر فلم يدخل حتى وارته، قال: (حدثني أبي)؟
الجواب
لا أدري، هل كلمة (حدثني) المقصود بها أنه سمع منه.
-وهذا هو الأصل فيها- أو تجوزاً؟ لكن قد تستعمل (حدثني) بمعنى: (أخبرني) وتطلق على العرض الذي هو السماع من الشيخ، ومعلوم أن هذا يعتبر مثل السماع.(456/42)
حكم دعاء ختم القرآن
السؤال
هل يجوز أن أدعو بدعاء ختم القرآن كلما ختمت؟
الجواب
نعم.
إذا ختم يجوز له أن يدعو.(456/43)
الجمع بين أدلة الإباحة والتحريم في لبس الأحمر من الثياب
السؤال
لماذا نقول في أحاديث النهي عن الأحمر: متعارضة؟ لماذا لا نقول بأن النهي متقدم والجواز متأخر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب بمنى وعليه حلة حمراء، فيدل على أنه في أواخر حياته لبس الأحمر؟
الجواب
الجمع مقدم على النسخ؛ لأن الأحاديث المتعارضة إذا أمكن الجمع بينها فهو أولى من النسخ؛ لأن الجمع فيه إعمال الدليلين، فإذا لم يمكن الجمع انتقل إلى معرفة التاريخ أو غيره مما يصار به إلى تحديد الناسخ من المنسوخ.(456/44)
شرح سنن أبي داود [457]
الملبوسات الوارد ذكرها في السنة الشريفة والسيرة العطرة ينبغي الإلمام بها لأجل التأسي بخير خلق الله أجمعين صلى الله عليه وسلم.
ومما ورد أنه كان يلبس عمامة محنكة تغطي الرأس ولها طرفان: طرف يدار من تحت الذقن والآخر يكون ذؤابة في مؤخرة العمامة.
وقد نهى عن لبسة الصماء وعن الاحتباء في الثوب الواحد لما تؤدي إليه هاتان اللبستان من انكشاف العورة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يحل الأزرار ويربطها.(457/1)
العمائم(457/2)
شرح حديث دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وعليه عمامة سوداء
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في العمائم.
حدثنا أبو الوليد الطيالسي ومسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل قالوا: حدثنا حماد عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح مكة وعليه عمامة سوداء)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في العمائم] ذكر هنا ما يتعلق بغطاء الرأس، وهو العمائم، وأما عن استحبابها فالأمر في ذلك واسع.
وقد أورد فيه حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه عمامة سوداء) وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وهو غير محرم، وكذلك أيضاً يدل على جواز لبس الأسود؛ لأنه قال: دخل وعليه عمامة سوداء، فهو دال على جواز لبس الأسود، وقد مر فيما مضى باب فيما يتعلق بالألوان من الثياب ومنها لبس السواد.(457/3)
تراجم رجال إسناد حديث دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وعليه عمامة سوداء
قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي].
أبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومسلم بن إبراهيم].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وموسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قالوا: حدثنا حماد].
[قالوا: حدثنا حماد] وهو ابن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي الزبير].
أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما صحابي جليل أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود.(457/4)
شرح حديث (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو أسامة عن مساور الوراق عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه)].
أورد أبو داود حديث عمرو بن حريث رضي الله تعالى عنه أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر -يعني: يخطب- وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه) فهذا فيه بيان أن الرسول صلى الله عليه وسلم لبس العمامة السوداء، وهو موافق لما تقدم، وأيضاً دال على أن العمامة لها طرف، وأنه قد أرخاه النبي صلى الله عليه وسلم بين كتفيه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.(457/5)
تراجم رجال إسناد حديث (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء)
[حدثنا الحسن بن علي].
الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[عن أبي أسامة].
أبو أسامة حماد بن أسامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مساور الوراق].
مساور الوراق وهو صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن جعفر بن عمرو بن حريث].
جعفر بن عمرو بن حريث وهو مقبول، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[عن أبيه].
هو عمرو بن حريث صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.(457/6)
شرح حديث (فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي حدثنا محمد بن ربيعة حدثنا أبو الحسن العسقلاني عن أبي جعفر بن محمد بن علي بن ركانة عن أبيه (أن ركانة رضي الله عنه صارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم، قال ركانة: وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس)].
أورد أبو داود حديث ركانة رضي الله عنه أنه صارع النبي صلى الله عليه وسلم وصرعه النبي عليه الصلاة والسلام وأنه قال: (فرق ما بيننا وبين الكفار لبس العمائم على القلانس) يعني: أن يجمع بين القلنسوة والعمامة، فيلبس القلنسوة ثم العمامة فوقها.
والحديث في إسناده ضعفاء متكلم فيهم، فهو لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر ذلك الألباني في ضعيف سنن أبي داود؛ ولكنه في إرواء الغليل حسن إسناده فيما يتعلق بالمصارعة؛ لكن الإسناد الذي معنا فيه عدة ضعفاء.(457/7)
تراجم رجال إسناد حديث (فرق ما بيننا وبين الكفار العمائم على القلانس)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي].
قتيبة بن سعيد الثقفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد بن ربيعة].
محمد بن ربيعة صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[حدثنا أبو الحسن العسقلاني].
أبو الحسن العسقلاني مجهول، أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن أبي جعفر بن محمد بن علي بن ركانة].
أبو جعفر بن محمد بن علي بن ركانة مجهول، أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن أبيه].
وهو مجهول، أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن ركانة].
ركانة صحابي أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
لكن الإشكال أنه لا يوجد في التقريب: محمد بن علي بن ركانة، في هذه الطبقة إنما هو محمد بن ركانة، فكلمة (علي) هذه جاءت في نسخة من سنن أبي داود، أشار لها المزي، لكن (علي) لا يكون أباه، إلا إذا كان روى عن جده، فيكون مثلاً أباه باعتبار الجد، وإذا لم يدركه صار فيه علة أخرى وهي الانقطاع.
وفي التقريب: محمد بن ركانة بن عبد يزيد المطلبي مجهول من الثالثة ووهم من ذكره في الصحابة أخرج له أبو داود والترمذي.
كما أن كلمة (علي) ما جاءت في جميع نسخ سنن أبي داود.
وعلى كلٍ: الحديث فيه ثلاثة أشخاص مجهولون، وواحد منهم يكفي لتضعيف الحديث.
زد على ذلك أنه مرسل؛ لأن قوله: (أن ركانة) حكاية عن شيء قد حصل وهو ما شاهده ولا عاينه، فتكون علة رابعة.(457/8)
شرح حديث (عممني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسدلها بين يدي ومن خلفي)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن إسماعيل مولى بني هاشم حدثنا عثمان بن عثمان الغطفاني حدثنا سليمان بن خربوذ حدثني شيخ من أهل المدينة سمعت عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- يقول: (عممني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسدلها بين يدي ومن خلفي)].
أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن عوف قال: (عممني رسول الله) يعني: أنه ألبسه العمامة، وعمل ذلك بيده صلى الله عليه وسلم.
(فسدلها من بين يدي ومن خلفي) يعني: جعلها طرفين مسدولين أحدهما من الأمام والثاني من الخلف.
والحديث ضعيف أو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الملقي: جعل لها طرفين طرف من الأمام وطرف ذؤابة، فهي تلف ويجعل طرفاً من قدام وطرفاً من وراء، الذي يبدأ به يصير من قدام والذي ينتهى به يصير من وراء.(457/9)
تراجم رجال إسناد حديث (عممني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسدلها بين يدي ومن خلفي)
قوله: [حدثنا محمد بن إسماعيل مولى بني هاشم].
محمد بن إسماعيل مولى بني هاشم يقول الحافظ: يحتمل أن يكون ابن أبي سمينة فهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود، وإلا فهو مقبول أخرج له أبو داود.
كلمة (وإلا فهو مقبول) غير واضحة؛ لأن المقبول معروف، وأما المجهول فهو الذي لا يعرف، فإذاً: لعلها (مجهول) وليس (مقبول)، ولهذا في ترجمتها قال عن أحدهما: إنه مجهول، والثاني قال عنه: إنه ابن أبي سمينة كما في تهذيب التهذيب، فالمقبول يكون صالحاً للاحتجاج إذا اعتضد، ويكون معروفاً، وأما هذا فغير معروف.
وهذا هو الذي جرت عليه عادة الحافظ ابن حجر عندما يقول: كذا وإلا فهو مجهول، أي: أنه غير معروف، وليس في ترجمته تطويل وإنما فيها: فلان قال: مجهول، والثاني قال: إنه ابن أبي سمينة، وابن أبي سمينة هو الذي جاء في ترجمته أنه روى عنه أبو داود، وهو يروي عن عثمان بن عثمان، وقد ذكر أن مما يؤيد أنه هذا الذي هو ابن أبي سمينة أن أبا يعلى روى الحديث نفسه في مسنده وسماه: ابن أبي سمينة محمد بن إسماعيل، فيكون هو المتبادر إلى الذهن، وهو الثقة.
[حدثنا عثمان بن عثمان الغطفاني].
عثمان بن عثمان الغطفاني صدوق ربما وهم أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا سليمان بن خربوذ].
سليمان بن خربوذ مجهول، أخرج له أبو داود.
[حدثني شيخ من أهل المدينة].
شيخ من أهل المدينة مبهم غير معروف.
[سمعت عبد الرحمن بن عوف].
عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه.
وهذا الإسناد فيه ضعيفان: أحدهما مجهول العين، والآخر مبهم لا يعرف.(457/10)
حكم لبس العمائم السوداء
حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس عمامة سوداء) يدل على الجواز، ولا يدل على الاستحباب؛ لأن الأبيض والأسود والأحمر غير الخالص جائزة، وكذلك باب اللباس واسع؛ لكن إذا كان أهل البلد اعتادوا لباساً معيناً فليكن مثلهم ولا يخالفهم.
وإذا كان شعاراً معروفاً لبعض أهل البدع فالابتعاد عنه أولى، بالإضافة إلى كونه ليس من زي البلد، وليس مما يستعمل في البلد، وهذا يرجح عدم استعماله.(457/11)
لبسة الصماء(457/12)
شرح حديث (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في لبسة الصماء.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين: أن يحتبي الرجل مفضياً بفرجه إلى السماء، ويلبس ثوبه وأحد جانبيه خارج ويلقي ثوبه على عاتقه)].
أورد أبو داود: [باب لبسة الصماء] والصماء هي نوع من اللباس، وفسرت بتفسيرين: الأول: أن يلبس ثوباً واحداً، أي: قطعة واحدة من قماش وليست قميصاً فيلتحف بها ويحكمها على جسده ويداه من الداخل، فيكون كأنه صخرة صماء ليس لها منافذ.
والمحظور في هذه الهيئة هو ما يخشى من انكشاف العورة عندما يأتي أمر يفزعه، أو أنه قد يحتاج إلى إخراج يديه لأمر يقتضيه فلا يتمكن من ذلك.
والتفسير الثاني هو: أن يلبس ثوباً واحداً ويخرج جنبه، معناه: أن يكون أحد كتفيه مكشوفاً والآخر مغطى، فهذا فيه احتمال انكشاف العورة؛ لأن الثوب الواحد ليس مثل الإزار والرداء، فالإزار يحصل به ستر العورة والرداء يمكن أن يضطبع به كما يحصل في الحج ويجعل اليد اليمنى مكشوفة والطرف الثاني قد وضع على الكتف الأيسر، فلا يكون فيه محظور من ناحية العورة؛ ولكن إذا كان الثوب واحداً فهذا هو الذي فيه احتمال أن تنكشف العورة بسببه.
فيكون النهي عن هاتين اللبستين لأن كلاً منهما فيها محظور.
[(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين: أن يحتبي الرجل مفضياً بفرجه إلى السماء)].
وهذه لبسة؛ لأن إحدى اللبستين هي اشتمال الصماء، واللبسة الثانية هي الاحتباء الذي هو على هذه الصورة المذكورة في الحديث، وهي أن الإنسان يجلس فيضع مقعدته على الأرض وينصب ساقيه ثم يلف على ساقيه مع ظهره ثوباً وليس عليه غيره، فيكون أعلاه مكشوفاً بحيث تبدو عورته من فوق، وقد نهي عن هذه الجلسة من هذه الناحية، وأما إذا كان على الإنسان قميص مثلاً وعمل هذا الاحتباء فإن ذلك لا بأس به، وقد مر بنا قريباً، وإنما الممنوع في حق الذي لا يكون عنده إلا ثوب واحد يحتبى به ويكون فرجه مكشوفاًً إلى الأعلى.
[(ويلبس ثوبه وأحد جانبيه خارج)].
يعني: جانبي الإنسان، وليس جانبي الثوب، وهو الاضطباع، إلا أنه ليس عنده إلا ثوب واحد بدون إزار، أما إذا كان معه إزار واضطبع فهذا لا بأس به، وهو بالنسبة للحج في موضع واحد وهو عند الطواف، وإذا كان لباس الناس إزاراً ورداء فسواء اضطبع أو لم يضطبع، فذلك جائز ما دام أن العورة مستورة بالإزار.
[(ويلقي ثوبه على عاتقه)].
يعني: طرف الثوب.(457/13)
تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله عن لبستين)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فأخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا جرير].
جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح].
أبو صالح هو ذكوان السمان، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، رضي الله عنه وأرضاه.(457/14)
شرح حديث (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصماء وعن الاحتباء في ثوب واحد) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أبي الزبير عن جابر -رضي الله عنه- قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصماء وعن الاحتباء في ثوب واحد)].
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه وهو مجمل فيه النهي عن اشتمال الصماء، وعن الاحتباء في ثوب واحد.
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أبي الزبير عن جابر].
وقد مر ذكرهم.(457/15)
حل الأزرار(457/16)
شرح حديث (فبايعناه وإن قميصه لمطلق الأزرار)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في حل الأزرار.
حدثنا النفيلي وأحمد بن يونس قالا: حدثنا زهير حدثنا عروة بن عبد الله -قال ابن نفيل: ابن قشير أبو مهل الجعفي - حدثنا معاوية بن قرة حدثني أبي قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من مزينة، فبايعناه وإن قميصه لمطلق الأزرار، قال: فبايعته، ثم أدخلت يدي في جيب قميصه فمسست الخاتم، قال عروة: فما رأيت معاوية، ولا ابنه قط إلا مطلقي أزرارهما في شتاء ولا حر، ولا يزرران أزرارهما أبداً)].
أورد أبو داود [باب في حل الأزرار] الأزرار جمع زر، والزر هو ما يزر به جيب القميص، وحله: عدم زره.
أورد حديث قرة بن إياس رضي الله عنه أنه جاء مع نفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رآه لابساً قميصاً محلول الأزرار؛ فكان معاوية وابنه مطلقي الأزرار، ولا يزررانها لا في شتاء ولا حر، ولا يزرران أزرارهما أبداً.
هذا الحديث دل على أنهم رأوه محلول الأزرار، ولا يعني هذا أنه محلول الأزرار دائماً وأبداً، وأن هذا شأنه، وإلا فلماذا تتخذ الأزرار إذا كان الإنسان سيكون جيبه مفتوحاً باستمرار، ولكن هذه هي الرؤية التي رآها قرة، فأراد أن يكون على هذه الهيئة التي رأى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعني هذا أن الأزرار وتشترى وتركب في الثياب ثم لا تزر أبداً، هذا لا يدل عليه الحديث.
وقوله: (محلول الأزرار) يدل على أنه كان يحل ويزر، وفي هذه الحالة كان محلولاً؛ لأنه لو لم يكن يزر في بعض الأحيان ما كان لوضعه من الأصل حاجة؛ لكن كونه يشترى ويوضع في القميص إنما يوضع لحاجة، لا للزينة، وإنما يوضع لكونه يزر، والتعبير بكونه محلولاً يعني أنه مطلق الأزرار، ومفهوم ذلك أنه يكون مطلقاً وغير مطلق، وأنه يزره في بعض الأحيان ويطلقه في بعض الأحيان، فتكون هذه الهيئة التي رآه عليها دليلاً على جواز إطلاق الأزرار، ووضعها يدل على زرها والاستفادة من وضعها.
يزر الثوب أبداً، ولعل هذا الصحابي رضي الله عنه رأى هذه الهيئة وأراد أن يفعل تلك الهيئة التي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها؛ لكن ذلك لا يعني أن هذا شأنه، وهذا ديدنه أبداً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وقد كان السلف يستعملون الأزرار، وهي جمع زر، وفي القاموس: أزرار وزرور، وقد جاء في صحيح مسلم في حديث جابر الطويل في صفة الحج أنه جاء إليه جماعة وفيهم محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وقالوا: حدثنا عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد كبر وعمي رضي الله عنه، فسألهم عن أسمائهم، فكل أخبره باسمه، ولما جاء عند محمد قال له: أنا محمد بن علي بن الحسين فاستثناه وقربه، قال: فوضع يده عليّ وفتح زري الأعلى ثم فتح زري الأسفل ثم أدخل يده ووضعها على صدري ثم حدث بالحديث الطويل.
[عن قرة رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من مزينة فبايعناه وإن قميصه لمطلق الأزرار قال: فبايعته ثم أدخلت يدي في جيب قميصه فمسست الخاتم)].
الخاتم هو خاتم النبوة الذي كان في مؤخر كتفه عليه الصلاة والسلام.
قوله: [(قال عروة: فما رأيت معاوية ولا ابنه قط إلا مطلقي أزرارهما في شتاء ولا حر، ولا يزرران أزرارهما أبداً)].
ابنه ليس معنا في السند، لأن عروة يروي عن معاوية بن قرة عن أبيه.(457/17)
تراجم رجال إسناد حديث (فبايعناه وإن قميصه لمطلق الأزرار)
قوله: [حدثنا النفيلي].
عبد الله بن محمد بن نفيل النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[وأحمد بن يونس].
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير].
زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عروة بن عبد الله -قال ابن نفيل: ابن قشير أبو مهل الجعفي -].
أي: أن ابن نفيل -الذي هو أحد الشيخين لـ أبي داود وهو النفيلي زاد في نسبته بـ ابن قشير أبو مهل الجعفي، وأما الشيخ الثاني فما ذكره إلا عروة بن عبد الله فقط.
وهو ثقة أخرج له أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[عن معاوية بن قرة].
معاوية بن قرة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] قرة وهو صحابي أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
يمكن أن يكون ابنه إياس بن معاوية بن قرة القاضي المشهور.(457/18)
التقنع(457/19)
شرح حديث (هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً متقنعاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في التقنع.
حدثنا محمد بن داود بن سفيان حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر قال: قال الزهري: قال عروة: قالت عائشة رضي الله عنها: (بينا نحن جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة قال قائل لـ أبي بكر رضي الله عنه: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً متقنعاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن، فأذن له فدخل)].
أورد أبو داود: [باب في التقنع] والتقنع هو تغطية الرأس مع شيء من مقدم الوجه، وغالباً ما يكون لعدم الظهور والبروز أو لأمر من الأمور مثلما حصل في غزوة تبوك لما مر بديار ثمود أنه قنع رأسه وأسرع -عليه الصلاة والسلام-.
قال في العون: هو تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره، (متقنعاً) أي: مغطياً رأسه بالقناع أي: بطرف ردائه على ما هو عادة العرب لحر الظهيرة، ويمكن أنه أراد التستر لكي لا يعرفه كل أحد.
يعني أنه كان عليه إزار ورداء، فوضع طرف الرداء على رأسه، وقد يجعل الرداء كله على الرأس، ويكون مثل وضع الغترة التي تستعمل الآن ومثلما يفعل بعض الحجاج قبل أن يحرم حيث يجعل الرداء على رأسه؛ كما في طريقه إلى أبيار علي قبل الإحرام من المدينة، فيضعه على رأسه لأنه لا يقال له محرم، وتغطية الرأس إنما ينهى عنها بعد الإحرام، وليس بعد لبس ثوب الإحرام، وكذلك بعدما يحلق الإنسان رأسه يضع الرداء على رأسه ويغطي رأسه؛ لكن قد يكون مثلما ذكر أنه يجعل طرف الرداء على رأسه.(457/20)
تراجم رجال إسناد حديث (هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً متقنعاً)
قوله: [حدثنا محمد بن داود بن سفيان].
محمد بن داود بن سفيان مقبول أخرج له أبو داود.
[حدثنا عبد الرزاق].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر].
معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال الزهري:].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال عروة].
عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي من أكثر الرواة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي من أوعية السنة وحفظتها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ولا سيما ما يتعلق بالأمور الخاصة بالبيت والأمور التي تجري بين الرجل وأهل بيته مما يمكن إفشاؤه وإظهاره، فقد حفظت الشيء الكثير رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
والحديث أخرجه البخاري في اللباس، باب التقنع في وصف هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.(457/21)
حكم التلثم في الصلاة
ليس للإنسان أن يتلثم في صلاته، وإنما يكشف وجهه، والتلثم أو التقنع الذي حصل من النبي صلى الله عليه وسلم كان في غير الصلاة وإن كان هناك برد.(457/22)
شرح سنن أبي داود [458]
إسبال الإزار من الأدواء الاجتماعية التي جاء الشرع الحكيم بمعالجتها، وفي السنة النبوية ما يؤكد أن هذا العمل محرم، بل ورد ما يدل على أنه من الكبائر، وأنه مظنة للعذاب يوم القيامة، وتضمنت النصوص النبوية آداب اللباس للمؤمن، ومنها: ألا ينزل ثوبه من إزار أو قميص أو غيرهما عن الكعبين بقصد الخيلاء أو بغير ذلك، غير أن إثم المسبل خيلاء أعظم جرماً عند الله تعالى.(458/1)
تحريم الإسبال(458/2)
شرح حديث (وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في إسبال الإزار.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن أبي غفار قال: حدثنا أبو تميمة الهجيمي -وأبو تميمة اسمه: طريف بن مجالد - عن أبي جري جابر بن سليم قال: (رأيت رجلاً يصدر الناس عن رأيه، لا يقول شيئاً إلا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: عليك السلام يا رسول الله! مرتين.
قال: لا تقل: عليك السلام، فإن (عليك السلام) تحية الميت، قل: السلام عليك.
قال: قلت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنة فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفراء -أو فلاة- فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك، قال: قلت: اعهد إلي.
قال: لا تسبن أحداً.
قال: فما سببت بعده حراً ولا عبداً ولا بعيراً ولا شاة.
قال: ولا تحقرن شيئاً من المعروف، وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك؛ إن ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه، فإنما وبال ذلك عليه)].
أورد أبو داود حادثة جابر بن سليم رضي الله عنه، وهي أنه رأى رجلاً يصدر الناس عن رأيه، أي يقومون بما يأمرهم به وبما يرشدهم إليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فجاء إليه حتى وصل إليه وقال: (عليك السلام يا رسول الله! فقال عليه الصلاة والسلام: لا تقل: عليك السلام، فإن (عليك السلام) تحية الميت) والسلام يقدم على المدعو له، فيقال: السلام عليك، ولا يقال: عليك السلام.
وقوله: (تحية الميت) يعني: أن هذا هو الذي اعتادوه في أشعارهم؛ فإنهم يقدمون (عليك) على الدعاء بالسلام، فيقولون مثلاً: عليك سلام الله، أو عليك مني السلام وليس المعنى أن هذا هو المشروع في السلام على الأموات، بل السلام على الأموات كالسلام على الأحياء، يقدم الدعاء أولاً، ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (السلام عليكم أهل الديار)، عندما يذهب إلى البقيع، ولا يقول: عليكم السلام أهل الديار، فالسلام على الحي والميت فيه تقديم الدعاء على المُسَلَّم عليه.
فمعنى قوله: (عليك السلام تحية الموتى) أن هذا هو الذي اعتادوه وكانوا يفعلونه لا أنه سنة، أو مشروع في حق الأموات بل لقد جاءت السنة بتقديم الدعاء على المُسَلَّم عليه: (السلام عليكم أهل الديار)، (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) عندما يسلم الإنسان على الأحياء، ويسلم على الأموات كما يسلم على الأحياء.
فقوله: (إنها تحية الموتى) لا يدل على أن هذه سنة، وإنما هو إخبار بالذي قد حصل منهم وألفوه، في أشعارهم ومنها ما رثى به عبدة بن الطبيب قيس بن عاصم التميمي المنقري وهو من الصحابة المشهورين، وكان من عظماء الرجال، وقد قال فيه: عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما ومنه قوله: وما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما وهذا البيت الثاني عظيم يعني: يدل على عظم شأن الذي فُقِد، وقد صار هذا البيت كالمثل يتمثل به عندما يفقد شخص له شأن وله منزلة، ويكون موته خسارة كبيرة فادحة، فإنه يقال: وما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما مثل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، ومثل الشيخ محمد بن عثيمين رحمة الله عليه، مثلها يصلح أن يقال فيه مثل هذا البيت؛ لأن موتهما مصيبة وخسارة كبيرة ونقص، وبه يتبين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من قلوب الرجال، ولكن يقبض العلم بموت العلماء).
قوله: [(قلت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنة فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفراء أو فلاة فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك)].
لما سأله: (أنت رسول الله؟ قال: أنا رسول الله) الذي من شأنه كذا وكذا، وذكر شيئاً من صفات الله عز وجل، فذكر أنه (إذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك)؛ لأنه لا يكشف الضر إلا هو {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلَاً مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62].
قوله: [(وإن أصابك عام سنة فدعوته أنبتها لك)].
(عام سنة) يعني: جدب وقحط، فإذا كانت سنة مجدبة ودعي الله عز وجل فإنه هو الذي ينزل المطر وينبت النبات وهو الذي يستغاث به، وهو الذي يرجى، وهو الذي يدعى، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء وبيده كل الخير سبحانه وتعالى.
وإذا كنت بأرض فلاة أو قفراء يعني: مجدبة.
(فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك) يعني: أن كل شيء بيد الله عز وجل، فهو الذي يدعى، وهو الذي يرجى، والدعاء عبادة، والعبادة من حق الله عز وجل قال الله عز وجل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدَاً} [الجن:18]، وقال: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62]، {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] وغير ذلك من الآيات التي فيها أن الدعاء إنما يكون لله عز وجل، وقد جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (الدعاء هو العبادة).
قوله: (اعهد إلي) يعني: أوصني بوصية أستفيد منها وأعتمد عليها.
(قال: لا تسب أحداً) يعني: احفظ لسانك من السباب.
قوله: [(قال: فما سببت بعده حراً ولا عبداً ولا بعيراً ولا شاة)].
أي أنه بعد هذا العهد وهذه الوصية ما سب إنساناً ولا حيواناً، وإنما حفظ لسانه، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم من الانصياع لما يأتي عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام، والاستسلام والانقياد وتنفيذ الشيء الذي يؤمرون به، فهم أحرص الناس على كل خير وأسبق الناس إلى كل خير، وهم القدوة وهم الواسطة بين الناس وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام، وما عرف الناس حقاً ولا هدى إلا عن طريق الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.
قوله: (ولا تحقرن شيئاً من المعروف)].
يعني: ولو كان يسيراً، فإن الشيء اليسير في موضعه وفي الحاجة الداعية إليه يكون كبيراً وعظيماً، وهذا فيه إشارة وحث على بذل الإحسان وبذل المعروف وألا يتقالَّ الإنسان الشيء الذي يخرجه وينفقه، فإن الشيء القليل ممن لا يملك الكثير يقع موقعه في حق من هو بحاجة إلى ذلك الشيء القليل، فلا يتهاون الإنسان، ويستسهل النفقة أو الصدقة ولو كان بالشيء اليسير؛ لأن الشيء اليسير ينفع الفقير الذي ليس بيده شيء، وليس عنده شيء، فالإنسان لا يتهاون في ذلك ولا يستهين بالشيء القليل ويقول: إن هذا لا يكفي؛ فالشيء القليل خير من لا شيء.
قوله: [(وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك؛ إن ذلك من المعروف)].
المعروف لا يكون خاصاً بإعطاء المال، وإنما يكون -أيضاً- بالمعاملة الطيبة؛ فكون الإنسان يكلم غيره وهو منطلق الوجه هذا من المعروف، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والكلمة الطيبة صدقة) يعني: صدقة من الإنسان على نفسه، وصدقة منه على غيره، فهي صدقة على نفسه؛ لأنه تكلم بكلام طيب، وصدقة منه على غيره؛ لأنه قابل غيره بكلام حسن طيب، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة)، يعني: يعطي ما تيسر، وإن لم يجد يرد بكلام طيب وبكلام حسن.
قوله: [(وارفع إزارك إلى نصف الساق)].
أي: أن الإزار لا يرفع مطلقاً، وإنما يكون حده الأعلى نصف الساق، ولا بأس بنزوله إلى ما فوق الكعبين، ولا يجوز نزوله عن الكعبين، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (ما أسفل من الكعبين فهو في النار).
قوله: [(فإن أبيت فإلى الكعبين)].
يعني: إلى ما دونهما، فلا يغطيهما بحيث يصل إليهما، بل يكونان مكشوفين، وقد وردت الأحاديث في النهي عن الإسبال، وكذلك ورد ما يدل على الكيفية المشروعة التي ينبغي أن يكون عليها الإزار أكثر مما جاء في القمص، وذلك لأن الإزار قد يسترخي، فإذا جعل إلى نصف الساق فذلك يعني أنه إذا نزل ينزل إلى منطقة سائغة، ولو جعل قريباً جداً من الكعبين فيمكن أن ينزل إذا استرخى فيغطي الكعبين ويقع في المحذور، بخلاف القميص؛ فإن الأصل في القميص أنه لا يسترخي لكونه مشدوداً بالكتفين، وإنما الذي قد ينزل الإزار.
وعلى هذا: فإن الإزار وكذلك القميص يكون في حدود هذه المسافة التي فوق الكعبين إلى نصف الساق.
قوله: [(وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة)].
الإسبال هو نزول الثوب عن الكعبين، والمخيلة: هي الخيلاء، وكون الإسبال من الخيلاء ليس بلازم ألا يصدق عليه النهي إلا مع الخيلاء، ولكنه من أسبابه الخيلاء، أو قد يحصل بسببه الخيلاء، وإلا فإنه قد يقع من إنسان بأن يسترخي إزاره مثلما حصل لـ أبي بكر رضي الله عنه من غير قصد منه، ويتعاهده كلما نزل رفعه، ولكن لا يقال: إنه لا ينهى عنه إلا إذا كان القصد منه الخيلاء ويقول أحدهم: أنا ما أريد الخيلاء، إذاً: لا بأس أن أنزل عن الكعبين وأسبل في ثيابي! فإن النهي عام، وأما ذكر المخيلة فمعناه أن ذلك مظنة الخيلاء، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ما أسفل من الكعبين فهو في النار) وهذا يدلنا على أنه متى حصل الإسبال فسواء قصد الخيلاء أو لم يقصد ما دام أنه نازل عن الكعبين؛ فهو محرم وصاحبه آثم، لكنه يتفاوت فمن عنده هذا القصد السيئ أعظم جرماً ممن ليس عنده ذلك القص(458/3)
تراجم رجال إسناد حديث (وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي غفار].
هو مثنى بن سعد ليس به بأس -يعني: صدوق-، أخرج له البخاري في الأدب المفرد أبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا أبو تميمة الهجيمي -واسمه].
الشيخ: عن أبي تميمة الهجيمي -واسمه طريف بن مجالد -].
وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن أبي جري جابر بن سليم].
أبو جري جابر بن سليم رضي الله عنه صحابي أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.(458/4)
تحريم الإسبال في القميص والإزار
والقميص كالإزار لحديث ابن عمر موقوفاً: [(ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار فهو في القميص)] ولكن الأحاديث وردت في الإزار أكثر؛ لأن فيه مجالاً للاسترخاء.(458/5)